الكتاب: رياض المسائل
المؤلف: السيد علي الطباطبائي
الجزء: ٤
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شعبان المعظم ١٤١٤
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد علي الطباطبائي
المتوفى سنة 1231
الجزء الرابع
تحقيق
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

رياض المسائل
في بيان
أحكام الشرع بالدلائل
(ج 4)
2

متن
المختصر النافع (1)

(1) خدمة للقارئ الكريم ننقل متن كتاب (المختصر النافع) للمحقق الحلي قدس سره - وهي
النسخة المطبوعة المتداولة - بقدر ما جاء في هذا الجزء من (رياض، المسائل) لآية الله
السيد علي الطباطبائي رحمه الله، ولا يخفى أن بين النسخة المذكورة والنسخ المتعددة من
الرياض اختلافات لم نذكر مواردها بل تركناها للقاري العزيز.
4

بسم الله الرحمن الرحيم
(المقصد الثاني) في بقية الصلوات: وهي واجبة ومندوبة.
فالواجبات
(منها)
الجمعة
وهي ركعتان يسقط معها الظهر، ووقتها ما بين الزوال حتى يصير
ظل كل شئ مثله، وتسقط بالفوات وتقضى ظهرا، ولو لم يدرك
الخطبتين أجزأته الصلاة، وكذا لو أدرك مع الإمام الركوع ولو في الثانية.
ويدرك الجمعة بإدراكه راكعا على الأشهر.
ثم النظر في شروطها، ومن تجب عليه، ولواحقها، وسننها.
والشروط خمسة:
(الأول) السلطان العادل.
(الثاني) العدد.
وفي أقله روايتان، أشهرهما خمسة، الإمام أحدهم.
(الثالث) الخطبتان.
ويجب في الأولى حمد الله تعالى والثناء عليه، والوصية بتقوى الله، وقراءة
5

سورة خفيفة، وفي الثانية حمد الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه
وآله وأئمة المسلمين، والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات ويجب تقديمهما على
الصلاة، وأن يكون الخطيب قائما مع القدرة.
وفي وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردد، أحوطه الوجوب.
ولا يشترط فيهما الطهارة.
وفي جواز إيقاعهما قبل الزوال روايتان، أشهرهما الجواز.
ويستحب أن يكون الخطيب بليغا مواظبا على الصلاة، متعمما،
مرتديا ببرد يمنية، معتمدا في حال الخطبة على شئ، وأن يسلم أولا،
ويجلس أمام الخطبة، ثم يقوم فيخطب جاهرا.
(الرابع) الجماعة، فلا تصح فرادى.
(الخامس) أن - لا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال.
والذي تجب عليه: كل مكلف، ذكر، حر، سليم من المرض والعرج
والعمى، غيرهم ولا مسافر، وتسقط عنه لو كان بينه وبين الجمعة أزيد
من فرسخين، ولو حضر أحد هؤلاء وجب عليه، عدا الصبي والمجنون
والمرأة.
وأما اللواحق فسبع:
(الأولى) إذا زالت الشمس وهو حاضر حرم السفر لتعين الجمعة،
ويكره بعد الفجر.
(الثانية) يستحب الاصغاء إلى الخطبة، وقيل يجب، وكذا الخلاف
في تحريم الكلام معها.
(الثالثة) الأذان الثاني بدعة،. وقيل مكروه.
6

(الرابعة) يحرم البيع بعد النداء، ولو باع انعقد.
(الخامسة) إذا لم يكن الإمام موجود أو أمكن الاجتماع والخطبتان
استحب الجماعة ومنعه قوم.
(السادسة) إذا حضر إمام الأصل مصرا، لم يؤم غيره إلا لعذر.
(السابعة) لو ركع مع الإمام في الأولى ومنعه زحام عن السجود، لم
يركع مع الإمام في الثانية، فإذا سجد الإمام سجد ونوى بهما الأولى،
ولو نوى بهما الأخيرة بطلت الصلاة، وقيل: يحذفهما أو يسجد للأولى.
وسنن الجمعة: التنفل بعشرين ركعة، ست عند انبساط الشمس،
وست عند ارتفاعها، وست قبل الزوال، وركعتان عنده، وحلق الرأس،
وقص الأظفار، والأخذ من الشارب، ومباكرة المسجد على سكينة
ووقار، متطيبا، لابسا أفضل ثيابه، والدعاء أمام التوجه.
ويستحب الجهر جمعة أو ظهرا، وأن تصلى في المسجد ولو كانت
ظهرا، وأن يقدم المصلي ظهره إذا لم يكن الإمام مرضيا، ولو صلى معه
ركعتين وأتمهما بعد تسليم الإمام جاز.
(ومنها)
صلاة العيدين
وهي واجبة جماعة بشروط الجمعة ومندوبة مع عدمها جماعة
وفرادى.
ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، ولو فاتت لم يقض.
وهي ركعتان يكبر في الأولى خمسا، وفي الثانية أربعا، بعد قراءة
الحمد والسورة وقبل تكبير الركوع على الأشهر.
7

ويقنت مع كل تكبيرة بالمرسوم استحبابا.
وسننها: الاصحار بها، والسجود على الأرض، وأن يقول المؤذن:
الصلاة ثلاثا، وخروج الإمام حافيا على سكينة ووقار، وأن يطعم قبل
خروجه في الفطر وبعد عوده في الأضحى مما يضحي به وأن يقرأ في
الأولى بالأعلى، وفي الثانية بالشمس.
والتكبير في الفطر عقيب أربع صلوات، أولها المغرب، وآخرها
صلاة العيد، وفي الأضحى عقيب خمس عشرة، أولها ظهر يوم العيد لمن
كان (بمنى)، وفي غيرها عقيب عشر.
يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله وأكبر، الله أكبر
على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.
وفي الفطر يقول: الله أكبر - ثلاثا - لا إله إلا الله، والله أكبر، الله
أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا.
ويكره الخروج بالسلاح، وأن يتنفل قبل الصلاة وبعدها إلا
بمسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل خروجه.
مسائل خمس
(الأولى) قيل:. التكبير الزائد واجب، والأشبه الاستحباب، وكذا
القنوت.
(الثانية) من حضر العيد فهو بالخيار في حضور الجمعة، ويستحب
للإمام إعلامهم بذلك.
(الثالثة) الخطبتان بعد صلاة العيدين. وتقديمهما بدعة، ولا يجب
استماعهما.
8

(الرابعة) لا ينقل المنبر بل يعمل منبر من طين.
(الخامسة) إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي العيد، ويكره
قبل ذلك.
(ومنها)
صلاة الكسوف
والنظر في سببها، وكيفيتها، وأحكامها:
وسببها: كسوف الشمس، أو خسوف القمر، والزلزلة..
وفي رواية تجب لأخاويف السماء.
ووقتها من الابتداء إلى الأخذ في الانجلاء، ولا قضاء مع الفوات،
وعدم العلم، واحتراق بعض القرص.
ويقضي لو علم وأهمل، أو نسي، وكذا لو احترق القرص كله على
التقديرات.
وكيفيتها: أن ينوي ويكبر ويقرأ سورة الحمد أو بعضها، ثم يركع، فإذا
انتصب قرأ بالحمد ثانيا وسورة إن كان أتم في الأولى، وإلا قرأ من
حيث قطع، فإذا أكمل خمسا سجد اثنتين، ثم قام بغير تكبير فقرأ وركع
معتمدا بترتيبه الأول، ثم يتشهد ويسلم.
ويستحب فيها الجماعة، والإطالة بقدر الكسوف.
وإعادة الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء، وأن يكون ركوعه بقدر
قراءته، وأن يقرأ السور الطوال مع السعة، ويكبر كلما انتصب من
الركوع، إلا في الخامس والعاشر فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، وأن
9

يقنت خمس قنوتات.
والأحكام فيها اثنان:
(الأول) إذا اتفق في وقت حاضرة تخير في الاتيان بأيهما شاء على
الأصح ما لم تتضيق وقت الحاضرة، فيتعين الأداء، ولو كانت الحاضرة
نافلة فالكسوف ولو خرج وقت النافلة.
(الثاني) تصلى هذه الصلاة على الراحلة وماشيا. وقيل: بالمنع إلا
مع العذر وهو أشبه.
(ومنها)
صلاة الجنازة
والنظر فيمن يصلى عليه والمصلي وكيفيتها وأحكامها:
تجب الصلاة على كل مسلم ومن بحكمه ممن بلغ ست سنين
ويستوي الذكر والأنثى والحر والعبد.
وتستحب على من لم يبلغ ذلك ممن ولد حيا، ويقوم بها كل
مكلف على الكفاية، وأحق الناس بالصلاة على الميت أولاهم بالميراث،
والزوج أولى بالمرأة من الأخ.
ولا يؤم إلا وفيه شرائط الإمامة، وإلا استناب، ويستحب تقديم
الهاشمي، ومع وجود الإمام فهو أولى بالتقديم.
وتؤم المرأة النساء وتقف في وسطهن ولا تبرز، وكذا العاري إذا
صلى بالعراة. ولا يؤم من لم يأذن له الولي.
وهي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية ولا يتعين، وأفضله أن يكبر
10

ويتشهد الشهادتين، ثم يكبر ويصلي على النبي وآله، ثم يكبر ويدعو
للمؤمنين، وفي الرابعة يدعو للميت، وينصرف بالخامسة مستغفرا.
وليست الطهارة من شرطها وهي من فضلها، ولا يتباعد عن
الجنازة بما يخرج عن العادة.
ولا يصلى على الميت إلا بعد تغسيله وتكفينه، ولو كان عاريا
جعل في القبر وسترت عورته، ثم صلي عليه.
وسننها: وقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة، ولو اتفقا جعل
الرجل إلى الإمام والمرأة إلى القبلة يحاذي بصدرها وسطه، ولو كان
طفلا فمن ورائها.
ووقوف المأموم وراء الإمام ولو كان واحدا، وأن يكون المصلي
متطهرا حافيا.
رافعا يديه بالتكبير كله، داعيا للميت في الرابعة إن كان مؤمنا،
وعليه إن كان منافقا، وبدعاء المستضعفين مستضعفا، وأن يحشره مع
من يتولاه إن جهل حاله.
وفي الطفل: اللهم اجعله لنا ولأبويه فرطا شفيعا.
ويقف موقفه حتى ترفع الجنازة والصلاة في المواضع المعتادة.
وتكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين.
وأحكامها أربعة:
(الأول) من أدرك بعض التكبيرات أتم ما بقي ولاء وإن رفعت
الجنازة ولو على القبر.
11

(الثاني) لو لم يصل على الميت صلي على قبره يوما وليلة حسب.
(الثالث) يجوز أن يصلى هذه في كل وقت، ما لم يتضيق وقت
حاضرة.
(الرابع) لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة تخير الإمام في الاتمام
على الأولى والاستئناف على الثانية، وفي ابتداء الصلاة عليهما.
وأما المندوبات
(فمنها) صلاة الاستسقاء: وهي مستحبة مع الجدب.
وكيفيتها كصلاة العيد، والقنوت بسؤال الرحمة وتوفير المياه، وأفضل
ذلك الأدعية المأثورة.
ومن سننها: صوم الناس ثلاثا، والخروج في الثالث، وأن يكون
الاثنين أو الجمعة، والاصحار بها حفاة على سكينة ووقار، واستصحاب
الشيوخ والأطفال والعجائز من المسلمين خاصة، والتفريق بين الأطفال
الأمهات وتصلى جماعة، وتحويل الإمام الرداء، واستقبال القبلة
مكبرا، رافعا صوته، إلى اليمن مسبحا، وإلى اليسار مهللا،
واستقبال الناس داعيا ويتابعه الناس، والخطبة بعد الصلاة، والمبالغة
في الدعاء، والمعاودة إن تأخرت الإجابة.
(ومنها) نافلة شهر رمضان: وفي أشهر الروايات استحباب ألف ركعة
زيادة على المرتبة في كل ليلة عشرون ركعة، بعد المغرب ثمان ركعات،
وبعد العشاء اثنتا عشر ركعة، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثون،
وفي ليالي الافراد في كل ليلة مائة زيادة على ما عين.،
12

وفي رواية يقتصر على المائة ويصلى في الجمع أربعون بصلاة
علي وجعفر وفاطمة عليهم السلام، وعشرون في آخر جمعة بصلاة علي
عليه السلام، وفي عشيتها عشرون ركعة بصلاة فاطمة عليها السلام.
(ومنها) صلاة ليلة الفطر وهي ركعتان، في الأولى مرة بالحمد
وبالاخلاص ألف مرة.
وفي الثانية بالحمد والاخلاص مرة.
(ومنها) صلاة يوم الغدير: وهي ركعتان قبل الزوال بنصف ساعة.
(ومنها) صلاة ليلة النصف من شعبان: أربع ركعات.
(ومنها) صلاة ليلة المبعث ويومها: وكيفية ذلك، وما يقال فيه وبعده
مذكور في كتب تخص به، وكذا سائر النوافل فليطلب هناك.
(المقصد الثالث) في التوابع، وهي خمسة:
(الأول) في الخلل الواقع في الصلاة: وهو إما عمد أو سهو أو شك.
أما العمد: فمن أخل معه بواجب أبطل صلاته، شرطا كان أو جزء
أو كيفية، ولو كان جاهلا، عدا الجهر والاخفات، فإن الجهل عذر
فيهما. وكذا تبطل لو فعل ما يجب تركه وتبطل الصلاة في الثوب
المغصوب، والموضع المغصوب، والسجود على الموضع النجس مع العلم،
لا مع الجهل بالغصبية والنجاسة.
وأما السهو فإن كان عن ركن وكان محله باقيا أتى به، وإن كان
دخل في آخر أعاد كمن أخل بالقيام حتى نوى أو بالنية حتى افتتح أو
بالافتتاح حتى قرأ أو بالركوع حتى سجد أو بالسجدتين حتى ركع.
13

وقيل: إن كان في الأخيرتين من الرباعية أسقط الزائد وأتى
بالفائت، ويعيد لو زاد ركوعا أو سجدتين عمدا وسهوا.
ولو نقص من عدد الصلاة ثم ذكر أتم ولو تكلم على الأشهر، ويعيد
لو استدبر القبلة.
وإن كان السهو عن غير ركن (فمنه) ما لا يوجب تداركا، (ومنه)
ما يقتصر معه على التدارك، (ومنه) ما يتدارك مع سجود السهو.
(فالأول) من نسي القراءة، أو الجهر، أو الاخفات، أو الذكر في
الركوع، أو الطمأنينة فيه، أو رفع الرأس منه، أو الطمأنينة في الرفع، أو
الذكر في السجود، أو السجود على الأعضاء السبعة، أو الطمأنينة فيه،
أو رفع الرأس فيه، أو الطمأنينة في الرفع من الأولى، أو الطمأنينة في الجلوس
للتشهد.
(الثاني) من ذكر أنه لم يقرأ الحمد وهو في السورة قرأ الحمد
وأعادها أو غيرها، ومن ذكر قبل السجود أنه لم يركع قام فركع، وكذا
من ترك السجود أو التشهد وذكر قبل ركوعه قعد فتدارك، ومن ذكر
أنه لم يصل على النبي وآله عليهم السلام بعد أن سلم قضاهما.
(الثالث) من ذكر بعد الركوع أنه لم يتشهد، أو ترك سجدة،
قضى ذلك بعد التسليم وسجد للسهو.
وأما الشك: فمن شك في عدد الثنائية أو الثلاثية أعاد.
وكذا من لم يدر كم صلى أو لم يحصل الأوليين من الرباعية أعاد. ولو
شك في فعل، فإن كان في موضعه أتى به وأتم، ولو ذكر أنه كان قد فعله
استأنف صلاته إن كان ركنا.
14

وقيل: في الركوع إذا ذكر وهو راكع أرسل نفسه، ومنهم من خصه
بالأخيريين، والأشبه البطلان ولو لم يرفع رأسه.
ولو كان بعد انتقاله مضى في صلاته ركنا كان أو غيره،
فإن حصل الأوليين من الرباعية عددا وشك في الزائد:
فإن غلب بنى على ظنه.
وإن تساوى الاحتمالان فصوره أربع:
أن يشك بين الاثنين والثلاث، أو بين الثلاث والأربع، أو بين
الاثنين والأربع، أو بين الاثنين والثلاث والأربع.
(ففي الأول) بنى على الأكثر ويتم، ثم يحتاط ركعتين جالسا، أو
ركعة قائما على رواية.
(وفي الثاني) كذلك.
(وفي الثالث) بركعتين من قيام.
(وفي الرابع) بركعتين من قيام ثم بركعتين من جلوس، كل ذلك
بعد التسليم.
ولا سهو على من كثر سهوه، ولا على من سها في سهو، ولا على
المأموم، ولا على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه، ولو سها في النافلة تخير
في البناء.
وتجب سجدة السهو على من تكلم ناسيا، ومن شك بين الأربع
والخمس، ومن سلم قبل إكمال الركعات.
وقيل: لكل زيادة ونقصان، وللقعود في موضع القيام، وللقيام في
موضع القعود.
15

وهما بعد التسليم على الأشهر، عقيبهما تشهد خفيف وتسليم، ولا
يجب فيهما ذكر، وفي رواية الحلبي أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول
فيهما: بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآله.
وسمعه مرة أخرى وهو يقول فيهما: بسم الله وبالله، السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
والحق رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة.
(الثاني) في القضاء: من أخل بالصلاة عمدا أو سهوا أو فاتته بنوم أو
سكر مع بلوغه وعقله وإسلامه وجب القضاء عدا ما استثني، ولا قضاء
مع الاغماء المستوعب للوقت إلا أن يدرك الطهارة والصلاة ولو ركعة.
وفي قضاء الفائت لعدم ما يتطهر به تردد، أحوطه القضاء.
وتترتب الفوائت كالحواضر، وفي الفائتة على الحاضرة.
وفي وجوب ترتيب الفوائت على الحاضرة تردد، أشبهه الاستحباب،
ولو قدم الحاضرة (على الفائتة خ) مع سعة وقتها ذاكرا أعاد، ولا يعيد لو
سها، ويعدل عن الحاضرة إلى الفائتة لو ذكر بعد التلبس، ولو تلبس
بنافلة ثم ذكر فريضة أبطلها واستأنف الفريضة.
ويقضي ما فات سفرا قصرا ولو كان حاضرا وما فات حظرا تماما
ولو كان مسافرا، ويقضي المرتد زمان ردته، ومن فاتته فريضة من يوم
ولا يعلمها صلى اثنتين وثلاثا وأربعا، ولو فاتته ما لم يحصه، قضى
حتى يغلب الوفاء.
ويستحب قضاء النوافل الموقتة، ولو فاتته بمرض لم يتأكد القضاء.
ويستحب الصدقة عن كل ركعتين بمد، فإن لم يتمكن فعن كل
16

يوم وليلة بمد.
(الثالث) في الجماعة: والنظر في أطراف: (الأول) الجماعة مستحبة في
الفرائض، متأكدة في الخمس، ولا تجب إلا في الجمعة والعيدين
مع الشرائط.
ولا يجتمع في نافلة عدا ما استثني.
ويدرك المأموم الركعة بإدراك الركوع، وبإدراكه راكعا على
تردد.
وأقل ما تنعقد، بالإمام ومؤتم، ولا تصح وبين الإمام والمأموم مما
يمنع المشاهدة، وكذا بين الصفوف، ويجوز في المرأة.
ولا يأتم بمن هو أعلى منه، بما يعتد به كالأبنية على رواية عمار،
ويجوز لو كانا على أرض منحدرة، ولو كان المأموم أعلى منه صح، ولا
يتباعد المأموم بما يخرج عن العادة إلا مع اتصال الصفوف.
وتكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر، وفي الجهرية
لو سمع ولو همهمة، ولو لم يسمع قرأ.
ويجب متابعة الإمام، فلو رفع (رأسه خ) قبله ناسيا أعاد، ولو كان
عامدا استمر، ولا يقف قدامه، ولا بد من نية الإتمام.
ولو صلى اثنان وقال كل منهما: كنت مأموما أعادا، ولو
قال: كنت إماما لم يعيدا.
ولا يشترط تساوي الفرضين.
ويقتدى المفترض بمثله وبالمتنفل، والمتنفل بمثله وبالمفترض
ويستحب أن يقف الواحد عن يمين الإمام والجماعة خلفه، ولا
17

يتقدم العاري أمام العراة، بل يجلس وسطهم بارزا بركبتيه، ولو أمت
المرأة النساء وقفن معها صفا، ولو أمهن الرجل وقفن خلفه ولو كانت
واحدة.
ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد جماعة، إماما كان أو
مأموما، وأن يخص بالصف الأول الفضلاء، وأن يسبح المأموم حتى
يركع الإمام إن سبقه بالقراءة، وأن يكون القيام إلى الصلاة إذا قيل: قد
قامت الصلاة.
ويكره أن يقف المأموم وحده إلا مع العذر، وأن يصلي نافلة بعد
الإقامة.
(الطرف الثاني) يعتبر في الإمام: العقل، والإيمان، والعدالة،
وطهارة المولد، والبلوغ على الأظهر ولا يؤم القاعد القائم، ولا الأمي
القارئ، ولا المئوف اللسان بالسليم، ولا المرأة ذكرا ولا خنثى،
وصاحب المسجد والمنزل والإمارة أولى من غيره، وكذا الهاشمي.
وإذا تشاح الأئمة قدم من يختاره المأموم، ولو اختلفوا قدم الأقرأ،
فالأفقه، فالأقدم هجرة، فالألسن، فالأصبح وجها.
ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين، ولو أحدث قدم من
ينوبه، ولو مات أو أغمي عليه قدموا من يتم بهم.
ويكره أن يأتم الحاضر بالمسافر، والمتطهر بالمتيمم، وأن يستناب
المسبوق، وأن يؤم الأجذم، والأبرص، والمحدود بعد توبته، والأغلف،
ومن يكرهه المأمومون، والأعرابي المهاجرين.
(الطرف الثالث) في الأحكام، ومسائله تسع:
18

(الأولى) لو علم فسق الإمام أو كفره أو حدثه بعد الصلاة لم يعد،
ولو كان عالما أعاد.
(الثانية) إذا خاف فوت الركوع عند دخوله فركع جاز أن يمشي
راكعا ليلحق.
(الثالثة) إذا كان الإمام في محراب داخل نم تصح صلاة من إلى
جانبيه في الصف الأول.
(الرابعة) إذا شرع في نافلة فأحرم الإمام قطعها إن خشي الفوات،
ولو كان في فريضة نقل نيته إلى النفل وأتم ركعتين استحبابا، ولو كان
إمام الأصل قطعها واستأنف معه، ولو كان ممن لا يقتدى به استمر
على حالته.
(الخامسة) ما يدركه المأموم يكون أول صلاته، فإذا سلم الإمام أتم
هو ما بقي.
(السادسة) إذا أدركه بعد انقضاء الركوع كبر وسجد معه، فإذا سلم
الإمام استقبل هو، وكذا لو أدركه بعد السجود.
(السابعة) يجوز أن يسلم قبل الإمام مع العذر أو نية الانفراد.
(الثامنة) النساء يقفن من وراء الرجال، فلو جاء رجال آخرون
تأخرن وجوبا إذا لم يكن لهم موقف أمامهن.
(التاسعة) إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين أومأ إليهم
ليسلموا، ثم يتم ما بقي.
خاتمة
يستحب أن تكون المساجد مكشوفة، والميضات على أبوابها والمنارة
19

مع حائطها، وأن يقدم الداخل يمينه ويخرج بيساره، ويتعاهد نعله،
ويدعو داخلا وخارجا، وكنسها، والإسراج فيها، وإعادة ما استهدم،
ويجوز نقض المستهدم خاصة، واستعمال آلته في غيرها من المساجد.
ويحرم زخرفتها، ونقشها بالصور، وأن يؤخذ منها إلى غيرها من
طريق أو ملك، ويعاد لو أخذ، وإدخال النجاسة إليها، وغسلها فيها،
وإخراج الحصى منها، ويعاد لو أخرج.
ويكره تعليتها، وإن تشرفت، ويجعل محاريبها داخلة، أو تجعل
طريقا.
ويكره فيها البيع والشراء، وتمكين المجانين، وإنفاذ الأحكام،
وتعريف الضوال، وإقامة الحدود، وإنشاد الشعر، وعمل الصنائع،
والنوم، ودخولها وفي الفم رائحة الثوم أو البصل، وكشف العورة، والبصاق
فإن فعله ستره بالتراب.
(الرابع في صلاة الخوف: وهي مقصورة سفرا وحضرا جماعة وفرادى،
وإذا صليت جماعة والعدو في خلاف القبلة ولا يؤمن هجومه
وأمكن أن يقاومه بعض، ويصلي مع الإمام الباقون، جاز أن يصلوا
صلاة ذات الرقاع.
وفي كيفيتها: روايتان، أشهرهما رواية الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: يصلي الإمام بالأولى ركعة ويقوم في الثانية حتى يتم من
خلفه ثم تأتي الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم يجلس، ويطيل التشهد حتى يتم من
خلفه، ثم يسلم بهم، وفي المغرب يصلي بالأولى ركعة، ويقف في
الثانية حتى يتموا، ثم تأتي الأخرى فتصلي بهم ركعتين، ثم يجلس عقيب
20

الثالثة حتى يتم خلفه، ثم يسلم بهم.
وهل يجب أخذ السلاح؟ فيه تردد، أشبهه الوجوب ما لم يمنع
أحد واجبات الفرض.
وهنا مسائل
الأولى إذا انتهى الحال إلى المسايفة والمعانقة فالصلاة بحسب
الإمكان واقفا أو ماشيا أو راكبا، ويسجد على قربوس سرجه، وإلا مومئا
ويستقبل القبلة ما أمكن، وإلا بتكبيرة الإحرام، ولو لم يتمكن من
الإيماء اقتصر على تكبيرتين عن الثنائية وثلاثة عن الثلاثية، ويقول في
كل واحدة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنه يجزئ
عن الركوع والسجود.
(الثانية) كل أسباب الخوف يجوز معها القصر والانتقال إلى الإيماء
مع الضيق، والاقتصار على التسبيح إن خشي مع الايماء ولو كان
الخوف من لص أو سبع.
(الثالثة) الموتحل والغريق يصليان بحسب الإمكان إيماء ولا يقصر
أحدهما عدد صلاته إلا في سفر أو خوف.
(الخامس) في صلاة المسافر: والنظر في الشروط والقصر.
أما الشروط فخمسة:
(الأول) المسافة، وهي أربعة وعشرون ميلا، والميل أربعة آلاف
ذراع تعويلا على المشهور بين الناس، أو قدر مد البصر من الأرض
تعويلا على الموضع، ولو كانت أربع فراسخ وأراد الرجوع ليومه قصر.
ولا بد من كون المسافة مقصودة، فلو قصد ما دونها ثم قصد مثل
21

ذلك أو لم يكن له قصد فلا قصر ولو تمادى في السفر، ولو قصد مسافة
فتجاوز سماع الأذان، ثم توقع رفقة قصر ما بينه وبين شهر، ما لم ينو
الإقامة ولو كان دون ذلك أتم.
(والثاني) أن لا يقطع السفر بعزم الإقامة، فلو عزم مسافة وله في
أثنائها منزل قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا، أو عزم في أثنائها إقامة
عشرة أيام أتم، ولو قصد مسافة فصاعدا وله على رأسها منزل قد استوطنه
القدر المذكور قصر في طريقه وأتم في منزله، وإذا قصر ثم نوى الإقامة لم
يعد، ولو كان في الصلاة أتم.
(الثالث) أن يكون السفر مباحا، فلا يترخص العاصي، كالمتبع
للجائر، واللاهي بصيده، ويقصر لو كان الصيد للحاجة.
ولو كان للتجارة قيل: يقصر صومه ويتم صلاته.
(الرابع) أن لا يكون سفره أكثر من حضره كالراعي، والمكاري،
والملاح، والتاجر، والأمير، والرائد، والبريد، والبدوي.
وضابطه: أن لا يقيم في بلده عشرة، ولو أقام في بلده أو غير (بلده خ)
ذلك قصر، وقيل: هذا يختص المكاري، فيدخل فيه الملاح والأجير.
ولو أقام خمسة قيل: يقصر صلاته نهارا ويتم ليلا، ويصوم شهر
رمضان على رواية.
(الخامس) أن تتوارى جدران البلد الذي يخرج منه، أو يخفى
أذانه، فيقصر في صلاته وصومه، وكذا في العود من السفر على الأشهر.
وأما القصر فهو عزيمة، إلا في أحد المواطن الأربعة: مكة، والمدينة،
وجامع الكوفة، والحائر، فإنه مخير في قصر الصلاة، والإتمام أفضل.
22

وقيل: من قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه تخير في القصر
والإتمام، ولم يثبت، ولو أتم المقصر عامدا أعاد، ولو كان جاهلا لم
يعد.
والناسي يعيد في الوقت لا مع خروجه.
ولو دخل وقت الصلاة فسافر والوقت باق قصر على الأشهر، وكذا
لو دخل من سفره أتم مع بقاء الوقت، ولو فاتت اعتبر حال الفوات لا
حال الوجوب.
وإذا نوى المسافر الإقامة في غير بلده عشرة أيام أتم، ولو نوى دون
ذلك قصر، ولو تردد قصر ما بينه وبين ثلاثين يوما، ثم أتم ولو صلاة.
ولو نوى الإقامة ثم بدا له قصر ما لم يصل على التمام ولو صلاة.
ويستحب أن يقول عقيب الصلاة: سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر ثلاثين مرة جبرا.
ولو صلى المسافر خلف المقيم لم يتم، واقتصر على فرضه، وسلم
منفردا.
ويجمع المسافر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
ولو سافر بعد الزوال ولم يصل النوافل قضاها سفرا وحضرا.
23

بسم الله الرحمن الرحيم
(المقصد الثاني)
(في) بيان (بقية الصلوات)
المعدودة في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب.
(وهي) قسمان: (واجبة ومندوبة فالواجبات) كثيرة:
(منها): صلاة (الجمعة)
على من اجتمعت فيه شرائطها الآتية بالكتاب والسنة المتواترة وإجماع
الأمة.
(وهي ركعتان) كالصبح (يسقط معهما (1) الظهر)، بالنص والإجماع
(ووقتها ما بين الزوال) زوال الشمس (حتى يصير ظل كل شئ
مثله) على المشهور بين الأصحاب، خلافا للمحكي في الخلاف عن المرتضى
في أوله، فجوز فعلها عند قيام الشمس (2). وهو شاذ، بل في الخلاف والروض
وشرح القواعد للمحقق الثاني على خلافه الاجماع (3). وهو الحجة عليه، مضافا
إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.
هذا، مع أن الحلي قال بعد نقل نسبة الشيخ هذا القول إلى المرتضى: ولعل
شيخنا سمعه من المرتضى مشافهة، فإن الموجود في مصنفات السيد موافق

(1) في المتن المطبوع: (معها).
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 390 في وقت خطبة الجمعة ج 1 ص 620.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 390 في وقت خطبة الجمعة ج 1 ص 621 وروض الجنان: كتاب
الصلاة في صلاة الجمعة ص 284 س 17، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 366
25

للمشهور من عدم جواز إيقاعها قبل تحقق الزوال (1). وهو كما ترى صريح في
موافقة السيد للأصحاب، فلا خلاف ولا إشكال هنا. وإنما الإشكال في
التحديد بالمثل، فإنه وإن كان مشهورا بل عن المنتهى: أنه مذهب علمائنا
أجمع (2) إلا أن مستنده من النص غير واضح، بل ظاهر النصوص المعتبرة
المستفيضة خلافه، وهو التحديد بما دونه، وأنه عند الزوال، وأنه من الأمور
المضيقة، كما في الصحاح وغيرها:
منها: أن من الأمور أمورا مضيقة وأمورا موسعة وأن الوقت وقتان،
والصلاة مما فيه السعة، فربما عجل رسول الله - صلى الله علية وآله - وربما
أخر، إلا صلاة الجمعة، فإن صلاة الجمعة من الأمر المضيق، إنها لها وقت
واحد حين تزول الشمس، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر
الأيام (3). ونحوه غيره (4).
وفي آخر: فإن وقتها حين تزول الشمس (5). وحكي القول بمضمونها عن
جماعة من القدماء: كابن زهرة والحلبي وابن حمزة والجعفي (6) وإن اختلفت
عباراتهم في التأدية.
فقيل: نص الأولان على فواتها إذا مضى من الزوال مقدار الأذان والخطبتين
والركعتين. والثاني: على وجوب أن يخطب قبل الزوال ليوقع الصلاة أوله.

(1) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجمعة ج 9 ص 296.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 318 س 20.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الجمعة ح 3 ج 5 ص 17
(4) وسائل الشيعة ب من أبواب الجمعة ح 1 ج 5 ص 17.
(5) وسائل الشيعة ب 8 من أبواب صلاة الجمعة ح 14 ج 5 ص 19.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 104، وكما في
كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 242 س 16.
26

والثالث: على أن وقتها ساعة من النهار (1).
قيل: ونحو ابن حمزة محتمل عبارة المهذب والإصباح والمقنعة، فإن فيها:
أن وقت صلاة الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس، لما جاء عنهم - عليهم
السلام - أن النبي - صلى الله عليه وآله - كان يخطب في الفيئ الأول، فإذا
زالت نزل عليه جبرائيل - عليه السلام - فقال له يا محمد - صلى الله عليه وآله -
قد زالت الشمس فصل بالناس، فلا يلبث أن يصلي بالناس. وفي الأولين: أن الإمام
يأخذ في الخطبة قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت، فإذا زالت صلى (2).
ولا ينافي ولهم أخبار التحديد بالساعة وإن ضعفه بها جماعة لإجمال
الساعة فيها، واحتمالها الساعة التي توقع فيها الصلاة وحدها أو مع الخطبة، مع
قصور أسانيدها، بل ضعفها، فلا يمكن المصير بها إلى ما عليه الجعفي إن أراد
من الساعة: ما يتوهم منها.
ويعضد مختارهم ما يقال: من إجماع المسلمين على المبادرة بها حين
الزوال (3). وهو دليل التضيق، وإلا لوقع التأخير أحيانا. وبه يعارض اجماع
المنتهى، جمع عدم صراحته في دعواه، ووهنه بمصير هؤلاء الأعاظم من القدماء
على خلافه، مع أنه لم يحك القول به منهم إلا عن ظاهر المبسوط (4). فتأمل.
وللحلي قول بامتداد وقتها الظهر، لتحقق البدلية، وأصالة
البقاء (5)، واختاره الشهيد - رحمه الله - في جملة من كتبه (6). وهو ضعيف في

(1) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 242 س 9.
(2) (القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 242 س 14 - 16،
باختلاف في اللفظ مع تقديم وتأخير.
(3) والقائل هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 242 س 17.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في شرائط الجمعة ج 1 ص 147.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجمعة ج 1 ص 301.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 42 س 18، والبيان: كتاب الصلاة في صلاة
الجمعة ص 101.
27

الغاية، فإن فيه إطراحا للأدلة المتقدمة، وسيما الأخبار منها، ويخصص بها أصالة
البقاء، وقاعدة البدلية إن سلمنا وإلا فلا تخلوان عن مناقشة، سيما الأخيرة، فإنها فرع
وجود لفظ دال عليها، أو على المنزلة في النصوص، ولم أر منها ما يشير إليها بالكلية.
نعم، ربما أشعر بعض النصوص: بأن بناء الضيق على الفضيلة، ففي
الصحيح: عن وقت الظهر، فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلا يوم الجمعة
أو في السفر، فإن وقتها حين تزول الشمس (1).
وروى الشيخ في المصباح: عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله
- عليه السلام - عن صلاة الجمعة؟ فقال: وقتها إذا زالت الشمس فصل ركعتين
قبل الفريضة، وإن أبطأت حتى يدخل الوقت هنيئة فابدأ بالفريضة ودع
الركعتين حتى تصليهما بعد الفريضة (2).
وفي الصحيح: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - يصلي الجمعة حين
تزول الشمس قدر شراك (3). فتدبر.
وبالجملة: المسألة على إشكال، ولا ريب أن الاحتياط يقتضي المبادرة
إلى فعلها عند تحقق الزوال.
(وتسقط) الجمعة (بالفوات، وتقضى ظهرا) إجماعا على الظاهر
المصرح به في عبائر جماعة، وللمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: عمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة، قال: يصليها ركعتين،
فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا (4).

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الجمعة ح 7 ج 5 ص 18.
(2) المصباح المتهجد: في دعاء يوم الجمعة ص 323.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الجمعة ح 4 ج 5 ص 18.
(4) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب صلاة الجمعة ح 3 ج 5 ص 41.
28

وفي آخر: فإن أدركته وهو يتشهد فصل أربعا (1).
وفي ثالث: من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة (2). ويستفاد منه حصول
الفوات بعدم إدراك ركعة كما عليه الشهيدان (3) وجماعة.
ويعضده عموم مفهوم: من أدرك من الوقت ركعة فكأنها أدرك الوقت.
خلافا للمحكي عن الشيخ (4) وجماعة، فكما لم يتلبس بالتكبير ومعه فلا فوت،
لاستصحاب الصحة وحرمة إبطال العمل في الشريعة. وهما بعد تسليمهما
اجتهاد في مقابلة المعتبرة المعتضدة بالاتفاق على العمل بها فيما عدا الجمعة.
والمراد بالقضاء في العبارة: مطلق الأداء الشامل للأداء والقضاء بالمعنى
المصطلح، فلا يرد أن القضاء تابع لأصله والجمعة ركعتان فكيف تقضى
أربعا!؟.
(ولو لم يدرك) المأموم (الخطبتين أجزأته (5) الصلاة. وكذا لو أدرك
مع الإمام الركوع) خاصة (ولو في) الركعة (الثانية) بإجماعنا الظاهر
المصرح به في كثير من العبائر، وللمعتبرة المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة.
ومنها: الصحيح: إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف
إليها ركعة أخرى (6). ونحوه الخبر (7).

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب صلاة الجمعة ح 5 ج 5 ص 41.
(2) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب صلاة الجمعة ح 6 ج 5 ص 41.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الجمعة ص 235 س 31، وروض الجنان: كتاب الصلاة
في صلاة الجمعة ص 284 آخر سطر وص 285 السطر الأول.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في شرائط صلاة الجمعة ج 1 ص 145.
(5) في الشرح المطبوع ونسخة (م) " أجزأه " والصحيح ما أثبتناه كما في المتن المطبوع ونسخة (مش)
و (ق) و (ش).
(6) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب صلاة الجمعة ح 5 ج 5 ص 41.
(7) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب صلاة الجمعة ح 8 ج 5 ص 42.
29

وفي آخر: إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، فإن فاتته فليصل
أربعا (1).
وأما الصحيح: الجمعة لا تكون إلا لمن أدرك الخطبتين (2) فع شذوذه
يحتمل الحمل على التقية، لكونه مذهب جماعة من العامة (3) وإن وافقنا
أكثرهم. أو على أن المراد: نفي حقيقة الجمعة، فإن حقيقتها ركعتان، مع
ما ناب عن الأخيرتين، فمن لم يدركهما لم يدرك الجمعة حقيقة وإن أجزأه ما
أدركه، وهو معنى ما مضى من المعتبرة. وحمله الشيخ على نفي الكمال
والفضيلة (4).
(ويدرك الجمعة) أيضا (بإدراكه (5)) الإمام (راكعا على الأشهر)
الأظهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي الخلاف عليه الاجماع (6). وهو
الحجة، مضافا إلى أن إدراك الركعة مع الإمام موجب لادراك الجمعة كما مر
في المعتبرة، وهو يحصل بإدراك الإمام راكعا، كما في الصحاح الصراح
المستفيضة:
منها: إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع الإمام
رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة (7).
خلافا للمحكي عن المقنعة والنهاية والقاضي، فاشترطوا في إدراكها إدراك

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب صلاة الجمعة ح 4 ج 5 ص 41.
(2) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب صلاه الجمعة ح 7 ج 5 ص 42.
(3) المغني لابن قدامة: كتاب صلاة الجمعة باب صلاة الجمعة ج 2 ص 158، والمجموع: كتاب الصلاة
باب هيئة الجمعة ج 4 ص 558.
(4) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 255 في من لم يدرك الخطبتين ج 1 ص 422 ذيل الحديث 3.
(5) في المطبوع من الشرح والخطوط " بإدراك " وما أثبتناه كما في المتن المطبوع.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 392 في من أدرك ركعة أدرك الجمعة ج 1 ص 622.
(7) وسائل الشيعة: ب 45 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 441.
30

تكبيرة الركوع (1)، للصحيح: إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا
تدخل معهم في تلك الركعة (2). وفي لفظ آخر: لا تعتد بالركعة التي لم تشهد
تكبيرها مع الإمام (3). وفي ثالث: إذا أدركت التكبير قبل أن يركع فقد أدركت
الصلاة (4). وهو مع قصوره عن المقاومة لسابقيه غير صريح، لاحتماله الحمل
على الكراهة، وهو أولى من حمل تلك على التقية بهما اتفق لبعض الأجلة، معتذرا
بموافقتها العامة (5)، لرجحانها على هذا الصحيح بالاستفاضة والصراحة والشهرة
العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها الآن إجماع في الحقيقة بهما عرفت
من الحلاف نقله.
وقريب منه في السرائر والذكرى، حيث عزياه إلى باقي الفقهاء من عدا
الشيخ كما في الأول (6)، لم إلى المتأخرين كافة كما في الثاني (7). وزاد الأول
فادعى تواتر الأخبار به (8).
وبنحوه يجاب عن الصحيح الآخر الوارد في المقام: إذا أدركت الإمام قبل
أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، إن أدركته بعد ما ركع فهي
أربع بمنزلة الظهر (9). مع احتماله الحمل على أن المراد: بعد الفراغ منه، أي:

(1) لم نجد له عين ولا أثر في المقنعة حتى أنه تفطن إلى ذلك صاحب مفتاح الكرامة: كتاب الصلاة في
شرائط صلاة الجمعة ج 3 ص 128 س 22 فراجع، والنهاية: كتاب الصلاة باب الجمعة وأحكامها
ص 105، والمهذب: كتاب الصلاة في كيفية صلاة الجمعة ح 1 ص 103.
(2) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 441.
(3) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 441.
(4) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 440.
(5) مفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة في حكم من أدرك الإمام في أثناء الصلاة ج 1، ص 166.
(6) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجماعة ج 1، ص 285.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجماعة ص 275، ص 17.
(8) المصدر السابق.
(9) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب صلاة الجمعة ح 1 ج 5 ص 40.
31

الرفع، أو الفراغ من الركعة المعروفة التي إنما تتم بتمام السجدتين. وعلى المختار
المعتبر اجتماعهما في حد الراكع.
وهل يقدح في ذلك أخذ الإمام في الرفع مع عدم مجاوزته حد الراكع فيه؟
وجهان، وعن التذكرة: اعتباره ذكر المأموم قبل رفع الإمام رأسه (1). ومستنده
غير واضح كما صرح به جماعة.
نعم، قيل في الاحتجاج: عن الحميري، عن مولانا الصاحب - عليه
السلام - أنه إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك
الركعة (2). ولا ريب أنه أحوط.
(ثم النظر في شروطها، ومن تجب عليه، ولواحقها، وسننها)
(والشروط خمسة)
(الأول: السلطان العادل) أي: المعصوم - عليه السلام - أو من نصبه
إجماعا منا كما حكاه جماعة مستفيضا، بل متواترا، بل قد قيل: قد أطبق
الأصحاب على نقل الاجماع عليه لا راد له في الأصحاب (3). وهو الحجة،
مضافا إلى الأصل والقاعدة في العبادة التوقيفية من وجوب الاقتصار فيها على
القدر الثابت منها في الشريعة، وليس هنا إلا الجمعة بهذا الشرط وباقي
الشروط الآتية. ونفيه بأصالة البراءة إنما يتجه على القول بكونها أسامي للأعم
من الصحيحة والفاسدة.
وأما على القول بأنها أسامي للصحيحة خاصة كما هو الأقرب فلا، إذ لا دليل
على الصحة بدونه، لا من إجماع ولا من كتاب ولا سنة، لمكان الخلاف لو لم

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 148 س 7.
(2) الاحتجاج: في توقيعات الناحية المقدسة ج 2 ص 488.
(3) مجموعة (الاثني عشر رسالة): في صلاة الجمعة ص 219.
32

نقل بانعقاد الاجماع على الاشتراط. وغاية الأخيرين الدلالة على وجوب
الجمعة، ولا كلام فيه، بل هو من ضروريات الدين، وإنما الكلام في أن
الجمعة المؤداة بدون هذا الشرط جمعة صحيحة أم فاسدة ولا يحب أن المأمور به
فيهما إنما هو الصحيحة منها خاصة، ولا إشارة فيهما إلى صحتها من دونه
بالكلية، مع أن في جملة من النصوص وغيرها دلالة واضحة على الاشتراط وإن
اختلف بحسب الظهور والصراحة.
ففي النبوي المشهور المنجبر بالعمل: أربع إلى الولاة: الفئ والحدود
والصدقات والجمعة (1).
وفي آخر: أن الجمعة والحكومة لإمام المسلمين (2).
وفي الصحيفة السجادية: اللهم إن هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع
أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها وأنت المقدر لذلك
- إلى قوله عليه السلام -: حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين
مبترين، يرون حكمك مبدلا، وكتابك منبوذا - إلى قوله عليه السلام -: وعجل
الفرج والروح والنصرة والتمكين والتأييد لهم (3).
وفي الموثق: عن الصلاة يوم الجمعة، فقال: أما مع الإمام فركعتان، وأما
لمن صلى وحده فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة (4). وهو ظاهر، بل صريح
في أن المراد بإمام الجمعة: إمام الأصل، لا إمام الجماعة، وإلا فصلاة الأربع
ركعات جماعة يستلزمه، فلا معنى لقوله: " أما مع الإمام فركعتان "، مضافا
إلى أن المتبادر من لفظ الإمام حيث يطلق ولم يضف إلى الجماعة، إنما هو
المعصوم عليه السلام.

(1) نصب الراية: ج 3 ص 326.
(2) لم نعثر عليه.
(3) الصحيفة السجادية: دعاء 48 في يوم الأضحى والجمعة ص 281.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة الجمعة ح 8 ج 5 ص 16.
33

ومن هنا، يصح الاستدلال على الاشتراط بالمعتبرة الدالة على اعتبار
الإمام في الجمعة بقول مطلق، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما، كما اتفق لجماعة
من أصحابنا، ومنهم الفاضل في المنتهى (1).
وأما ما يجاب عنه بأنه لا ينافي عدم الاشتراط لأنه يشترط في إمام الجمعة
كونه يحسن الخطبتين ويتمكن منهما لعدم الخوف والتقية بخلاف إمام الجماعة
فضعيف غايته، لأن لفظ الإمام المطلق حقيقة إما فيمن هو المتبادر منه عند
الاطلاق أو من يعمه وإمام الجماعة لا سبيل في الرواية إلى الثاني لما عرفت،
فتعين الأول. وما ذكره إنما يتوجه لو كان للإمام معنى آخر خاص، وهو إمام
الجماعة بقيد أنه يحسن الخطبة، ويتمكن من الجمعة من غير خوف وتقية، وهذا
المعنى لا أثر له في الاستعمالات والاطلاقات بالكلية، بل لم أر أحدا احتمله.
نعم، روي هذا الموثق بنحو آخر بزيادة بين قوله: " أربع ركعات " وقوله:
" وإن صلوا جماعة " وهي هذه يعني: إذا كان إمام يخطب، فإن لم يكن إمام
يخطب فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة (2). فيكشف من أن المراد بالإمام
المطلق: من فسر به فيه، وهو أعم من إمام الأصل، لكن يحتمل كون التفسير
من الراوي، ومع ذلك فالظاهر أن المراد بمن يخطب: خصوص الإمام أو نائبه
الخاص لحصول أقل الخطبة الذي هو قول: " الحمد لله والصلاة على محمد
وآله، يا أيها الناس: اتقوا الله " من كل إمام جماعة ويبعد غاية البعد وجوده مع
عدم تمكنه منه وإطلاق النص محمول على الغالب، وعليه فلا معنى
لاشتراطه، وأنه مع عدمه يصلي الجمعة أربعا ولو جماعة. فتأمل.
وفي الصحيح أو القريب منه المروي في العلل: إنها صارت صلاة الجمعة
إذا كان مع الإمام ركعتين، وإذا كان بغير إمام ركعتين وركعتين، لأن الناس

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 317 س 6.
(2) الوافي: ب 157 في وجوب صلاة الجمعة وشرائطها ح 6 ج 8 ص 1121.
34

يتخطون إلى الجمعة من بعد، فأحب الله - عز وجل - أن يخفف عنهم لموضع التعب
الذي صاروا إليه، ولأن الإمام يحبسهم للخطبة وهم ينتظرون للصلاة، ومن
انتظر للصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام، ولأن الصلاة مع الإمام أتم
وأكمل، لعلمه وفقهه وفضله وعدله، ولأن الجمعة عيد، وصلاة العيد ركعتان،
ولم تقصر لمكان الخطبتين (1). وفيه وجوه من الدلالة:
منها: ظهوره في لزوم اتصاف إمام الجمعة بأوصاف لا يشترط ما عدا
العدالة: منها: في إمام الجماعة بلا شبهة. ومنها: جعل الجمعة كالعيد، ويشترط
فيه الإمام إجماعا - كما يأتي إن شاء الله تعالى - فكذا الجمعة.
ومنها: دلالته على وجوب تخطي الناس إليها من بعد، ولا يكون ذلك إلا
بكونها منصب شخص معين يجب تخطيهم إليه، لأدائها. ولا معنى لذلك ولا
وجه لو كان إمامها مطلق إمام الجماعة، كما لا يخفى على من تدبره. وبهذا الوجه
يمكن الاستدلال على الاشتراط بالصحاح الدالة على وجوب شهود الجمعة
على جميع المكلفين إلا من كان على رأس فرسخين.
ومنها: إطلاق الإمام فيه المنصرف - كما عرفت - إلى المعصوم عليه السلام،
مع وقوع التصريح به فيه في موضع آخر منه، فقال: إنما جعلت الخطبة يوم
الجمعة، لأن الجمعة مشهد عام، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم
وترغيبهم في الطاعة، وترهيبهم عن المعصية، وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة
دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليه من الآفات، الحديث (2).
وفي القوي - المروي صحيحا أيضا كما قيل (3): تجب الجمعة على سبعة نفر
من المسلمين، ولا تجب على أقل، منهم: الإمام وقاضيه والمدعي حقا والمدعى

(1) علل الشرائع: ب 179 في علة الغيبة ح 9 ج 1 ص 264.
(2) علل الشرائع: ب 179 في علة الغيبة ح 9 ج 1 ص 265.
(3) والقائل هو صاحب مصابيح الظلام (خطي): كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 65 س 1.
35

عليه والشاهدان والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام (1). وهو نص في
الاشتراط، وعدم القول بتعيين السبعة بأعيانهم بالاجماع غير قادح، لدلالته
بمعونته على أن المقصود منه بيان أصل وضع الجمعة. هذا مع أن ظاهر الصدوق
في الفقيه: العمل به كما حكي عنه في الهداية (2).
وبالجملة: فتتبع أمثال هذه النصوص يوجب الظن القوي، بل القطع
بشرطية الإمام، سيما بعد شهرتها بين علمائنا بحيث لا يكاد يختلج لأحد الشك
فيه، حتى ادعوا عليها الاجماعات المتواترة وإن اختلفت عبائرهم في التأدية.
فبين من جعل المشروط نفس الجمعة بحيث يظهر منه أنه شرط الصحة:
كالشيخ في الخلاف (3)، والحلي في السرائر (4)، والقاضي (5)، والفاضل في
المنتهى (6)، والشهيد في الذكرى (7)، والمحقق الثاني في شرح القواعد (8) ورسالته
المصنفة في صلاة الجمعة (9) وغيرهم.
وبين من جعله الوجوب العيني: كابن زهرة (10) والفاضلين في المعتبر
والنهاية والتذكرة (11)، وشيخنا الشهيد الثاني في الروضة والروض وشرح

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجمعة ح 9 ج 5 ص 9.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب وجوب الجمعة وفضلها و.. ح 1224 ج 1 ص 413، والهداية (الجوامع
الفقهية): باب فضل الجماعة من 52 س 25.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 356 في عدد صلاة الجمعة ج 1 ص 594. فلاحظ.
(4) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة الجمعة ج 1 ص 290.
(5) المهذب: كتاب الصلاة باب صلاة الجمعة ج 1 ص 100.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 317 س 2.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 230 س 25.
(8) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 371.
(9) رسائل المحقق الكركي: في رسالة صلاة الجمعة ص 158.
(10) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 498 س 27.
(11) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 3 ص 279، ونهاية الإحكام، كتاب الصلاة في صلاة
الجمعة ج 2 ص 13، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 144 س 28 - 29.
36

الألفية (1). وناهيك هذه الاجماعات على نفي الوجوب العيني، مع عدم ظهور
قائل به إلى زمان صاحب المدارك (2) ونحوه.
وما يحكى عن المفيد والحلبي والكراجكي من: أن ظاهرهم الوجوب
العيني (3) غير واضح، بل محل مناقشة ليس هنا محل ذكرها، مع أن المحكي
عن الأول: التصريح بالاشتراط في كتاب الارشاد، ومع تصريحه بالاشتراط في
صلاة العيدين، وأن شروطها شروط الجمعة (4)، وعن الثاني: القول بالوجوب
التخييري كما في المختلف (5)، بل في البيان حكى عنه القول بالحرمة (6).
وبالجملة: اشتراط الإمام أو من نصبه في الوجوب العيني مما لا شبهة فيه،
وإنما الاشكال في الوجوب التخييري. وسيأتي إن شاء الله الكلام فيه.
(الثاني: العدد) إجماعا فتوى ونصا (وفي أقله روايتان: أشهرهما) على
الظاهر المصرح به في كثير من العبائر أنه (خمسة، الإمام أحدهم).
ففي الصحيح: تجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد، فإن كانوا أقل
من خمسة فلا جمعة لهم (7). والجملة الخبرية تفيد الوجوب الظاهر في العيني منه

(1) الروضة البهية: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 663، روض الجنان: كتاب الصلاة في
صلاة الجمعة ص 285 س 6، وشرح الألفية لا يوجد عندنا كتابه.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 8.
(3) والحاكي هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 23 - 24.
(4) كتاب الارشاد: باب ذكر طرف من الدلائل على إمامة القائم... ص 347، والمقنعة: كتاب الصلاة
ب 18 في صلاة العيدين ص 194.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 108 س 36 - 37.
(6) البيان: كتاب الصلاة في شرائط الجمعة ص 102.
(7) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجمعة ح 7 ج 5 ص 8.
37

لا التخييري. ولا إشعار في قوله في الذيل: " فلا جمعة لهم " بأن المراد بها:
إثبات الصحة المطلقة المجامعة للوجوب العيني والتحييري. فلا دلالة لها على
الأول، لابتنائه على تساوي الصحة بالنسبة إلى الفردين، وهو ممنوع، بل هي:
تلازم الأول حيث لا مانع منه كما نحن فيه لا فتدبر.
وفي آخر: لا تكون الجمعة والخطبة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط
الإمام وأربعة (1). ومفهومه: ثبوتها على الخمسة ولفظة " على " ظاهرة في
الوجوب العيني كالأمر، بل أظهر منه.
وفي الموثق: فإن كان لهم من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر (2).
والتقريب فيه كالأول، بل أظهر لفقد ما يوهم الاشعار فيه بالخلاف. هذا
مضافا إلى الاتفاق فتوى ونصا على صحة الجمعة إذا كانوا خمسة، فتجب
لعموم ما دل على وجوب الجمعة: الصحيحة من الكتاب والسنة المتواترة، خرج منها
ما إذا لم يكونوا خمسة بالاجماع والرواية، وبقي الباقي تحتها مندرجة. فتأمل.
والرواية الثانية الصحيح: إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة (3).
وأظهر منها الصحيحة المتقدمة، لتصريحها بأنها لا تجب على أقل من السبعة.
ونحوها الصحيح المروي في الفقيه وفيها: على من تجب الجمعة؟ قال:
على سبعة نفر من المسلمين، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم
الإمام، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم (4). وظاهره كون
السبعة شرطا للوجوب العيني، والخمسة للتخيير في كما هو خيرة الشيخ
والقاضي وابن زهرة فيما حكي عنهم (5). وبه حملوا الوجوب في الروايات

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجمعة ح 2 ج 5 ص 7.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجمعة ح 6 ج 5 ص 8.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجمعة ح 10 ج 5 ص 9.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب وجوب الجمعة وفضلها و... ح 1220 ج 1 ص 411.
(5) النهاية: كتاب الصلاة باب الجمعة وأحكامها ص 103، والمهذب: كتاب الصلاة باب الصلاة
الجمعة ج 1 ص 100، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 498 س 29 و 31
38

السابقة على التخييري، مضافا إلى الموثق: كالصحيح بأبان: أدنى ما يجزئ
في الجمعة سبعة، أو خمسة أدناه (1). وقريب منه الصحيح: في صلاة العيدين:
إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة (2).
وإليه ذهب جماعة من فضلاء متأخري المتأخرين (3)، وهو مشكل.
أولا: بفقد التكافؤ، لاشتهار تلك واعتضادها بإطلاقات الكتاب والسنة
والاحتياط في الشريعة دون هذه.
وثانيا: بإمكان الجواب عن الصحيحة الأولى بأن دلالتها بالمفهوم، وتلك
بالمنطوق، وهو مقدم عليه على المشهور.
وعن الثانية: بتضمنها لزوم حضور السبعة المعدودة فيها، ولم يقل به أكثر
القائلين بهذه الرواية، بل ربما كان مخالفا للاجماع، وخروج بعض الحديث عن
الحجية وإن لم يقدح في حجية باقيه، إلا أنه معتبر في مقام التعارض، فيوجب
مرجوحية ما اشتمل - عليه.
وعن الثالثة: بأن قوله: " ولا جمعة لأقل من خمسة " يحتمل كونه من الفقيه
كما صرح به بعض الأفاضل، حاكيا لجزم به عن بعضهم (4).
ومع هذ الاحتمال يرتفع الاستدلال، إلا من حيث مفهوم العدد في قوله:
" سبعة "، وهو مع غاية ضعفه هنا يجاب عنه بما أجيب به عن سابقتها، وعن
الموثقة بعدم معلومية متعلق الاجزاء فيها هل هو وجوب الجمعة عينا فيصير مفاد

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجمعة ح 1 ج 5 ص 7.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجمعة ح 3 ج 5 ص 8.
(3) منهم صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 29، ومنهم صاحب
كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 249 ص 12، ومنهم صاحب الحدائق
الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 10 ص 74.
(4) مصابيح الظلام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 83، س 11 مخطوط.
39

العبارة يجزئ في عينية وجوبها سبعة أو خمسة، أو وجوبها تخييرا، أو صحتها
مطلقة، ولا يتم الاستدلال بها على الأول، بل هي عليه بالدلالة على الخلاف
أشبه. وعلى الثاني مخالفة للاجماع، لانعقاده على كون الوجوب مع السبعة عينيا
لا تخييريا. وعلى الثالث لا كلام فيها، للاتفاق على صحة الجمعة على التقديرين.
وتقدير العيني بالنسبة إلى السبعة، والتخييري بالنسبة إلى الخمسة
موجب للتفكيك المتوقف على الدليل، وهو مفقود، اللهم إلا أن يجعل لفظة
(أو) الموجودة فيها، إذ لا وقع لها إلا على تقديره. وفيه نظر، لاحتمال كون
الترديد فيها لغير ذلك، وهو التنبيه على كفاية أحد العددين في الوجوب العيني
حيث حصل، وعدم انحصاره في السبعة كما يتوهم من قوله: (سبعة) لو ترك
قوله بعده: (أو خمسة) وإنما لم يكتف بقوله: (خمسة) المفيد للمرام من غير
احتياج إلى ترديد دافع للوهم في المقام، لندرة تحقق مصر لا يكون فيهم سبعة
كما أشار إليه الفاضل في بعض كتبه (1).
وبمثل هذا يجاب عن الصحيحة الأخيرة، مع أن الحكم المشروط في لا
بالعدد هو الوجوب العيني بمقتضى الصيغة (2)، والنسبة إلى عدد السبعة.
فليكن بالنسبة إلى الخمسة كذلك، مع احتمال كون الترديد فيها من الراوي،
كما يشعر به تأخير عدد السبعة عن عدد الخمسة، لاستلزام الحكم فيها ثبوته في
السبعة بطريق أولى.
وبالجملة: قول الأكثر لعله أقوى، ومع ذلك هو أحوط وأولى.
واعلم: أن هذا الشرط يختص بالابتداء دون الاستدامة بلا خلاف فيه بيننا
أجده. وجعله الشيخ قضية المذهب بعد أن قال: لا نص لأصحابنا فيه قال:
دليلنا: أنه قد دخل في صلاة الجمعة وانعقدت بطريقة معلومة، فلا يجوز

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 318 س 3
(2) في نسخة (ق) (السبعة) بدل (الصيغة).
40

إبطالها إلا بيقين (1).
ومقتضاه الصحة ولو أنفض العدد بمجرد التلبس بالتكبير كما هو المشهور،
خلافا لمحتمل نهاية الإحكام والتذكرة، فاشترط إتمامهم ركعة، لمفهوم: من
أدرك ركعة (2). ويضعف بأن الباقي بعد الانفضاض مدرك لركعة، بل للكل،
وإنما لا يكون مدركا لو اشترط في الإدراك بقاء العدد، وهو أول المسألة،
واحتمل في الأول آخر، وهو الاكتفاء بركوعهم، لكونه حقيقة إدراك ركعة (3).
وفيه وفي التذكرة: ثالثا (4)، وهو العدول إلى الظهر إذا انفض العدد قبل
إدارك الركعة، لانعقادها صحيحة، فجاز العدول كما يعدل عن اللاحقة إلى السابقة.
وعلى المشهور، هل المعتبر تلبس الجميع بالتكبيرة، أو يكفي تلبس الإمام
خاصة؟ قولان، مقتضى ما تقدم من الدليل الثاني.
(الثالث): الخطبتان، بإجماعنا، وأكثر أهل العلم على الظاهر المصرح به
في كلام جماعة (5)، للتأسي والمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيحين وغيرهما: إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين،
فهي صلاة حتى ينزل الإمام (6).

(1) الخلاف: كتاب صلاة الجمعة م 360 ج 1 ص 600 و 601.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 22، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
صلاة الجمعة ج 1 ص 147 س 28.
(3) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 22.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 22، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
صلاة الجمعة ج 1 ص 147 س 28.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 283، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة، في صلاة
الجمعة ج 1 ص 318 س 10.
(6) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 4 ج 5 ص 15. ولعل الأخرى ب 14 من
أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 2 ج 5 ص 29.
41

ونحوهما الموثق المروي في المعتبر عن جامع البزنطي بزيادة قوله لا جمعة إلا
بخطبة (1)، ونقص قوله فهي صلاة إلى آخره.
قيل: وفي العامة قول بالاجتزاء بخطبة، ويوهمه الكافي وآخر بعدم
الاشتراط (2). ولا ريب في ضعفهما.
(ويجب في) الخطبة (الأولى حمد الله) سبحانه بلا خلاف بلفظه
للاحتياط والتأسي وعن ظاهر التذكرة الاجماع عليه (3)، وللأمر به في الموثق الآتي.
وفي تعيين (الحمد لله) كما هو صريح جماعة، أو إجزاء الحمد للرحمن، أو لرب
العالمين اشكال، والأحوط الأول. خلافا لنهاية الإحكام، فقرب إجزاء الحمد
للرحمن (4) ويجب فيها أيضا الصلاة على الرسول وآله وفاقا للأكثر، بل في ظاهر
الخلاف (5) وعن التذكرة الاجماع عليه (6). وهو الحجة، مضافا إلى الاحتياط
دون الصحيح المتضمن للأمر بها، لتضمنه كثيرا من المستحبات (7) الموجب
لوهن دلالته على الوجوب جدا، سيما مع خلو الموثق الآتي عنها هنا. ولعله لذا لم
يوجبها الماتن هنا، وفاقا للحلي والمرتضى - رحمهما الله - (8) مضافا إلى الأصل،
لكنه مخصص بما مر من الاجماع المعتضد بعمل أكثر الأصحاب، وبه يقيد
الموثق، ويصرف عن ظاهره أيضا، ويتعين بلفظها لما مضى.

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 283.
(2) والقائل هو كاشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 250 س 11.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص. 150 س 33 - 34.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 33.
(5) الخلاف: كتاب صلاة الجمعة م 384 ج 1 ص 616 - 617.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 150 س 39 - 40.
(7) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 10 ج 5 ص 38.
(8) السرائر: كتاب الصلاة، باب صلاة الجمعة أحكامها ج 1 ص 295، والمصباح كما نقله عنه المحقق
في المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 284.
42

(والثناء على الله (1)) تعالى بما هو أهله وفاقا للمرتضى والخلاف (2)،
للموثق الآتي، لكن يحتمل اتحاده مع الحمد كما هو ظاهر الخلاف (3). ولا ريب
أن الاتيان به أحوط (والوصية بتقوى الله) سبحانه، وفاقا للأكثر، وفي ظاهر
الخلاف الاجماع عليه (4) للموثق الآتي. خلافا للمرتضى - رحمه الله - فلم يذكرها
في شئ من الخطبتين - وهو ضعيف. ولا يتعين لفظها ولا لفظ الوعظ بلا خلاف
أجده. وبعدم التعين صرح جماعة، ومنهم: الفاضل في النهاية (5) وفيها لا يكفي
الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها، لأنه يتواصى به المنكرون
للمعاد، بل لا بد من الحمل على إطاعة الله تعالى والمنع عن المعاصي (6). وذكر جماعة
أنه يكفي المسمى ك‍ (اتقوا الله تعالى وأطيعوه) وأمثالهما (7). ولعله لإطلاق.
(وقراءة سورة خفيفة) كما عن ظاهر المبسوط (8) والجمل والعقود (9)
والمراسم (10) والوسيلة (11) والسرائر (12) والجامع (13). وبه صرح الماتن في

(1) في المتن المطبوع: (عليه).
(2) المصباح كما نقله عنه المحقق في المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 284، والخلاف:
كتاب صلاة الجمعة م 384 ج 1 ص 616.
(3) الخلاف: كتاب صلاة الجمعة م 384 ج 1 ص 616.
(4) الخلاف: كتاب صلاة الجمعة م 384 ج 1 ص، 616 - 617.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 33.
(6) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 33.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 34.
(8) المبسوط: كتاب الصلاة في شرائط صلاة الجمعة ج 1 ص 147.
(9) الجمل والعقود: في أحكام الجمعة ص 82.
(10) المراسم: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 77.
(11) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان صلاة الجمعة ص 103.
(12) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة الجمعة وأحكامها ج 1 ص 292.
(13) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب صلاة الجمعة ص 94.
43

الشرائع (1) وجماعة، للموثق وفيه: ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن
يلبس عمامة في الشتاء والصيف، ويتردى ببرد يمنية أو عدنية ويخطب وهو قائم يحمد
الله تعالى ويثني عليه، ثم يوصي بتقوى الله تعالى، ويقرأ سورة من القرآن
خفيفة، ثم يجلس، ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه، ويصلي على محمد صلى
الله عليه وآله وعلى أئمة المسلمين، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، الخبر (2). ولا
ضعف فيه كما قيل (3)، بل هو من الموثق الذي هو حجة، سيما مع عمل
الطائفة، ودلالته واضحة لمكان الأمر الظاهر في الوجوب، ولا صارف عنه
حتى مما فيه من لفظة (ينبغي) الظاهر في الاستحباب، بناء على ظهور
رجوعها إلى ما عدا الاحكام الواردة في الخطبة، كما لا يخفى على من تدبره.
هذا، مضافا إلى الاحتياط والأمر بها في هذه الخطبة في الصحيح السابق
وإن كان في الاستناد به لذلك مناقشة لما عرفته. خلافا للحلبي فلم
يذكرها (4)، مشعرا بعدم الوجوب. وهو مع عدم وضوح مستنده سوى الأصل
المخصص بما مر إن قلنا بجريانه في مثل ما نحن فيه، وإلا فلا أصل له من أصله
شاذ. وللخلاف وجماعة، فاكتفوا بآية تامة الفائدة (5)، للأصل، وضعف الموثق
بما مر، وفيهما ما مر. وللخبر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله - يقول على
المنبر: ونادوا يا مالك (6). وفيه ضعف سندا ودلالة ومقاومة لما مر جدا.
نعم، في الصحيح السابق الاجتزاء بها في الخطبة الثانية، وبه استدل على

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 95.
(2) وسائل الشيعة: أورد صدره في ب 24 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1 ج 5 ص 37، وأورد ذيله
في ب 25 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 2 ت ج 5 ص 38.
(3) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 396.
(4) الكافي في الفقه: في صلاة الجمعة ص 151.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 384 في صلاة الجمعة ج 1 ص 616.
(6) أسد الغابة (لابن الأثير): باب الياء والفاء والعين ص 129.
44

الاجتزاء بها مطلقا، حتى في الخطبة الأولى، بناء على عدم القائل بالفرق
بينهما (1)، وفيه بعد ما مر تضمنه الأمر بالسورة في الأولى، وهو حقيقة في
الوجوب. وكل من قال بوجوبها فيها قال في الأخيرة بوجوبها، أو عدم وجوب
شئ من القرآن فيها.
وبعبارة أخرى: كل من قال بكفاية الآية في الأخيرة قال بها في الأولى،
فلا يمكن الاستناد إليه لإثبات شئ من القولين إلا بعد حمل الصدر أو الذيل
على الاستحباب، ولا ترجيح هنا، إذ كما يمكن حمل الأول عليه فيوافق القول
بكفاية الآية كذا يمكن العكس، فيوافق القول بعدم وجوب شئ من القرآن
في الثانية كما هو ظاهر الماتن هنا، وفي المعتبر (2)، وجماعة، ولهم الموثقة السابقة
المعتضدة بالأصل السليم عما يصلح للمعارضة عدا الصحيحة، وهي لما عرفت
غير صالحة للحجية.
نعم، لو كانت القراءة في الثانية متعينة كما هو المشهور أمكن ترجيح
الأول، فتدبر. وللاقتصاد (3) والإصباح (4) والمهذب (5) والجامع (6) فأوجبوا
السورة لكن بين الخطبتين، ومستنده غير واضح.
نعم، في الصحيح: يخرج الإمام بعد الأذان، فيصعد المنبر فيخطب،
ولا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثم يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ

(1) والمستدل هو الشهيد الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 286 س 16،
والمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 340.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 284.
(3) الاقتصاد: كتاب الصلاة في حكم الجمعة ص 267.
(4) الاصباح كما عن كشف اللثام: كتاب الصلاة في وجوب قراءة سورة في الخطبة ج 1 ص 250
س 39.
(5) المهذب: كتاب الصلاة، كيفية صلاة الجمعة ج 1 ص 103.
(6) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 94.
45

" قل هو الله أحد " ثم يقوم فيفتتح خطبته، ثم ينزل ويصلي بالناس (1).
ودلالته على ما ذكروه ضعيفة، بل لا دلالة له.
(و) يجب (في) الخطبة (الثانية) بعض ما مر في الأولى من (حمد الله
تعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أئمة
المسلمين)، لعين ما مضى، مع عدم خلاف ظاهر في وجوب الصلاة هنا.
(و) يجب هنا زيادة على ذلك (الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات)
للموثق السابق، ولا يجب غيره للأصل. خلافا للأكثر، فأوجبوا جملة ما في
الأولى، حتى الوعظ والقراءة أيضا. ومستندهم من النص غير واضح، عدا
الصحيحة المتقدمة، المتضمنة لجملة من الأمور المستحبة، ودلالتها على الوجوب
لذلك - كما عرفت - غير واضحة.
نعم، عن ظاهر الفاضلين دعوى الاجماع على اعتبار ما عدا القراءة في
الخطبة، وهو ظاهر الخلاف أيضا، بل زاد فادعاه على الأمور الأربعة جملة (2).
فيكون هذا هو الحجة المقيدة لإطلاق الموثقة. وعليه فيشكل الأمر في القراءة،
هل هي السورة الخفيفة أو يكفي آية تامة الفائدة؟ وحيث قد أوجبنا السورة في
الأولى لزمنا إيجابها في الثانية أيضا، لعدم القائل بالفرق بين الخطبتين بوجوب
السورة في الأولى وكفاية الآية في الثانية، وإن قيل بالفرق بينهما من وجه آخر (3).
هذا، مضافا إلى الاحتياط، إلا أن الاكتفاء بالآية التامة الفائدة ممكن
لما مر مع احتمال فهم ظهور دعوى الاجماع عليه من الخلاف (4)، بل ظاهره
كفاية مطلق شئ من القرآن الصادق على نحو (مدهامتان) لكن نزله

(1) وسائل الشيعة ب 6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 7 ج 5 ص 15.
(2) الخلاف: كتاب صلاة الجمعة م 384 ج 1 ص 616.
(3) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 34.
(4) الخلاف: كتاب، صلاة الجمعة م 384 ج 1 ص 616.
46

المتأخرون على الآية التامة الفائدة، ويمكن تنزيله على ما ذكره في أكثر كتبه
من السورة الخفيفة (1).
ويتحصل مما ذكرنا: أنه يجب في الخطبتين أمور أربعة: الحمد والصلاة
والوعظ والقراءة كما هو المشهور بين الطائفة، والأحوط زيادة الاستغفار
للمؤمنين كما في العبارة والموثقة وإن كان في وجوبه نظر، لدعوى الشيخ الاجماع
في الخلاف على كون الأربعة أقل ما يجب في الخطبة وأنه إذا أتى بها تجزئه بلا
خلاف (2). وأطلقها بحيث تشمل الثانية، فيحمل الأمر به في الموثقة على الاستحباب
وفي المقام أقوال متشتتة، ليس في نقلها كثير فائدة، والمشهور وجوب
الترتيب بين الأمور الأربعة وعربيتها، إلا إذا لم يفهمها العدد المنعقد بهم الجمعة
ولم يمكنهم التعلم فبغيرها، واحتمل بعض وجوبها مطلقا، وآخر سقوط الجمعة
حينئذ من أصلها.
(ويجب تقديمهما على الصلاة) بالنص والاجماع الظاهر المصرح به في
بعض العبائر (3)، وفي المنتهى: لا نعرف فيه مخالفا (4).
نعم، عن الصدوق في العلل والعيون والهداية: الفتوى بتأخيرهما، معللا
بأن الخطبتين مكان الركعتين الأخراوين (5). وهو اجتهاد في مقابل النص وإن
روى في الفقيه ما يوافقه فقال: قال أبو عبد الله - عليه السلام -: أول من قدم

(1) الجمل والعقود في أحكام الجمعة ص 82، والمبسوط: كتاب الطهارة في شرائط صلاة الجمعة ج 1
ص 147، والنهاية: كتاب الصلاة: ص 105.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 384 في صلاة الجمعة ج 1 ص 616.
(3) هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في الجمعة ج 1 ص 250 س 26.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في اشتراط الخطبة ج 1 ص 318 س 10.
(5) علل الشرائع: باب 67 في العلة التي من أجلها وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي (ص) يوم
الجمعة، وعيون أخبار الرضا ب 34 في العلل التي ذكرها الفضل بن شاذان... ج 2 ص 112، والهداية
(الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة ص 123 س 11.
47

الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان الخبر (1). لإرساله واحتماله التصحيف،
أو أن المراد: يوم الجمعة في العيد.
وقد صرح الأصحاب ببطلان الصلاة مع التأخير قالوا: لانتفاء شرطها،
وقاعدة العبادة التوقيفية، والتأسي يقتضيه وإن كان استفادته من النصوص
مشكلة.
(و) يجب (أن يكون الخطيب قائما) حال الخطبة (مع القدرة) بلا
خلاف أجده، بل عليه الاجماع في الخلاف (2) والتذكرة (3) وشرح القواعد
للمحقق الثاني (4)، والروض (5)، للتأسي والنصوص، مضافا إلى المعتبرة
المتقدم إليها الإشارة، وفيها: أنها صلاة حتى ينزل الإمام.
وعموم التشبيه أو المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام حتى وجوب
الطمأنينة كما عن التذكرة، قالوا: ولو خطب جالسا مع القدرة بطلت صلاته
وصلاة من علم بذلك من المأمومين (6). ويعلم وجهه مما سبق، وفي وجوب
الاستنابة مع الضرورة إشكال كما عن التذكرة (7).
وعن نهاية الإحكام: الأولى أن يستنيب غيره، ولو لم يفعل وخطب قاعدا
أو مضطجعا جاز كالصلاة (8).
(وفي وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردد) للفاضلين هنا، وفي المعتبر

(1) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة الجمعة صدر الحديث 1126 ج 1 ص 432.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 382 في صلاة الجمعة ج 1 ص 615.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في قيام الخطيب ج 1 ص 151 س 19.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ح 2 ص 397.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في الخطبتين ص 285 س 26.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في قيام الخطيب ج 1 ص 151 س 24.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في قيام الخطيب ج 1 ص 151 س 23.
(8) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 36.
48

والمنتهى (1): من التأسي بالنبي والأئمة عليهم السلام، وخصوص المعتبرة
المستفيضة الآمرة به (2)، ومن أنه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقق
فيه معنى الوجوب، وأن فعل النبي - صلى الله عليه وآله - كما يحتمل أن يكون
تكليفا يحتمل أنه للاستراحة، وليس فيه معنى التعبد، ولأنا لا نعلم الوجه
الذي أوقعه عليه فلا تجب المتابعة.
نعم (أحوطه الوجوب) تحصيلا للبراءة اليقينية، سيما مع عدم ظهور قائل
بالاستحباب صريحا بين الطائفة وإن احتمله عبارة المهذب والنهاية المعبرة عنه
ب‍ " ينبغي " (3) الظاهر فيه، والأظهر الوجوب كما هو الأشهر على الظاهر
المصرح به في عبائر جمع، بل لعله عليه عامة من تأخر لما مر، مع ضعف وجوه
الاستحباب بابتناء بعضها على منع وجوب التأسي في العبادات. وهو ضعيف
كما قرر في محله. وضعف آخر منها بعدم نص عليه، بل هو استنباط محض لا يجوز
الاستناد إليه، ومع ذلك شئ منها لا يصلح لصرف الأوامر عن ظواهرها إلى
الاستحباب، والألى السكوت حالة الجلوس، للنهي عن التكلم حالته في
الصحيح (4)، وأن يكون بقدر قراءة التوحيد كما في آخر (5).
وذكر جماعة: أنه لو عجز عن القيام في الخطبتين فصل بينهما بسكتة (6). ولا
يبعد، وفي التذكرة: احتمال الفصل بينهما بالاضطجاع (7). وهو ضعيف.

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 285، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة
الجمعة ج 1 ص 327 س 7.
(2) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ج 5 ص 31.
(3) المهذب: كتاب الصلاة في كيفية صلاة الجمعة ج 1 ص 103، والنهاية: كتاب الصلاة ص 105.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب صلاة الجمعة ح 1 ج 5 ص 31.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة الجمعة ح 3 ج 5 ص 39.
(6) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة ج 2 ص 36.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 151 س 30.
49

(ولا يشترط فيهما الطهارة) وفاقا للحلي (1)، وعليه الفاضل في
القواعد (2) وغيره، للأصل، مع عدم وضوح المخرج عنه، سوى التأسي
والاحتياط، وعموم التشبيه في المعتبرة المتقدمة: بأنها صلاة حتى ينزل الإمام.
ولا حجة في شئ منها، لضعف الأول بما مر، وفيه ما سبق.
والثاني: بمعارضته بالأصل، وفيه: أنه عام بالنسبة إلى ما دل على لزوم
الاحتياط في نحو العبادات من استصحاب شغل الذمة المستدعي للبراءة
اليقينية، وهو خاص فليقدم.
والثالث: باحتمال عود الضمير إلى الجمعة، ويعارض القرب الوحدة،
و (حتى) غاية للخطبتين. سلمنا، لكن ليس المراد: الحقيقة الشرعية إجماعا،
بل المشابهة، ويكفي فيها بعض الوجوه.
وحمله على اشتراط الطهارة ليس بأولى من الحمل على الثواب والحرمة،
وفيه ظهور السياق في رجوع الضمير إلى الخطبة، ولا تعارضه الوحدة، لتوسط
الضمير بين اسمين، فيجوز مراعاة أيهما كان في المطابقة. وجعل (حتى) غاية
للخطبة بعيد غايته، مع أن هذا الاحتمال على تقدير تسليمه لا يجري إلا في
الصحيح من تلك المعتبرة.
وأما المرسل منها المروي في الفقيه والمقنع (3) فلا يحتمله، لتثنية الضمير فيه
بقوله: (فهما صلاة)، والأصل في المشابهة الشركة في جميع وجوه الشبه، حيث
لا يكون لبعضها على بعض رجحان بالشيوع والتبادر والغلبة كما في مفروض
المسألة، وكفاية بعض الوجوه في صحة التشبيه حسن حيث يعلم، ولم يلزم

(1) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجمعة ج 1 ص 291.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في باقي الصلوات ج 1 ص 37 س 8.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب وجوب الجمعة وفضلها ح 1230 ج 1 ص 416، والمقنع: (الجوامع الفقهية): كتاب
الصلاة باب صلاة يوم الجمعة ص 12 آخر سطر.
50

إجمال، وأما معه كما فيما نحن فيه فلا. فإذا الوجوب أظهر وفاقا للمبسوط
والخلاف وابن حمزة (1)، وعليه من المتأخرين جماعة، وظاهر الأدلة اعتبار
الطهارة عن الحدث والخبث مطلقا، وكونها شرطا في الخطبتين، بل الصلاة
أيضا كما مضى.
(وفي جواز إيقاعهما) أي: الخطبتين خاصة (قبل الزوال روايتان
أشهرهما الجواز)
ففي الصحيح: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - يصلي الجمعة حين
تزول الشمس قدر شراك، ويخطب في الظل الأول، فيقول جبرئيل - عليه
السلام -: يا محمد - صلى الله عليه وآله -، قد زالت الشمس فأنزل فصل (2).
وعليه جماعة من القدماء، ومنهم: الشيخ في الخلاف، مدعيا عليه الاجماع (3).
وهو حجة أخرى بعد الرواية، مضافا إلى النصوص الموقتة لصلاة الجمعة أو
الظهر يومها بأول الزوال، وهي كثيرة.
وتأويل الصلاة بها وما في حكها، أعني: الخطبة لكونها بدلا من الركعتين
خلاف الظاهر، كتأويل الخطبة في الرواية بالتأهب لها كما عن التذكرة (4).
وتأويل الظل الأول بأول الفئ، كما في المنتهى (5)، وتأويله بما قبل المثل من
الفئ، والزوال بالزوال عن المثل كما في المختلف (6)، مع أن الأخير يستلزم إيقاع
الصلاة بعد خروج وقتها عنده، إلا أن يؤول الزوال بالقريب منه. والرواية

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 147. والخلاف: كتاب الصلاة م 386 كتاب
الجمعة ج 1 ص 618، والوسيلة: كتاب الصلاة في بيان صلاة الجمعة ص 103
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 4 ج 5 ص 18.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 390 في صلاة الجمعة ج 1 ص 621.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 151 س 17.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 325 س 18.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في يوم الجمعة في الخطبة وأحكامها ج 1 ص 104 س 26.
51

الثانية ما دل على أن الخطبة بعد الأذان كآية " إذا نودي للصلاة من يوم
الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله " (1).
ففي الصحيح: عن الجمعة، فقال: بأذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان،
فيصعد المنبر فيخطب، الخبر (2). لكنه مضمر، إلا أن يجبر بموافقة الكتاب، لكن
في دلالته كالرواية قصورا، لابتنائها على كون الأذان يوم الجمعة عند الزوال،
وهو ممنوع كما قيل (3). ولا يخلو عن نظر فتصح الدلالة ويحصل الجبر مضافا
إلى حصوله بالشهرة المتأخرة، المقطوعة والمطلقة المحكية في صريح الروض
وظاهر الذكرى والتذكرة (4). فلا يخلو القول بهذه الرواية عن قرب، سيما مع
تأيدها بالنصوص الدالة على أن الخطبتين بدل من الركعتين أو صلاة، فلا
تقدمان على وقتهما، وبالاحتياط لظهور الاتفاق على جوازهما بعد الزوال.
ويذب عن الرواية السابقة بأحد الوجوه المتقدم إليها الإشارة جمعا، أو
يقال المراد بها: أنه - عليه السلام - كان إذا أراد تطويل الخطبة للانذار
والابشار والتبليغ والتذكير كان يشرع فيها قبل الزوال، ولم ينوها خطبة الصلاة
حتى لو زالت الشمس كأن يأتي بالواجب منها للصلاة، ثم ينزل فيصلي وقد
زالت بقدر شراك. ولا بعد في توقيت الصلاة بأول الزوال، مع وجوب تأخير
مقدماتها عنه، فهو من الشيوع بمكان، وخصوصا الخطبة التي هي كجزء منها،
مع أن جواز الخطبة بعد الزوال مجمع عليه، وهو ينافي ظواهر الاطلاقات، فلا بد
من تأويلها، وهو كما يحصل بما يوافق الاستدلال كذا يحصل بما ينافيه، وهو ما

(1) الجمعة: 9.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 7 ج 5 ص 15.
(3) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في الخطبتين بكيفيتهما ج 1 ص 250 س 15.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 293 س 9، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في
صلاة الجمعة ص 236 س 9، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 151 س 13.
52

ذكرنا. وعن الإجماع بالوهن بمصير المعظم إلى الخلاف مع معارضته بالشهرة
المحكية على الخلاف. ولكن المسألة مع ذلك لا تخلو عن الشبهة، والاحتياط
يقتضي مراعاة الرواية المانعة.
(ويستحب أن يكون الخطيب بليغا) جامعا بين الفصاحة التي هي
عبارة عن خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد وعن
كونها غريبة وحشية، وبين البلاغة التي هي: القدرة على تأليف الكلام
المطابق لمقتضى الحال من التخويف والانذار وغيرهما بحيث يبلغ به كنه
المطلوب من غير إخلال ولا إملال. (مواظبا على الصلوات (1)) محافظا
عليها في أوقاتها، متصفا بما يأمر به، مجانبا ما ينهى عنه، (متعمما) شتاء كان
أو صيفا (مرتديا ببرد يمنية (2)) أو عدنية (معتمدا في حال الخطبة على
شئ) من: قوس أو عصا أو سيف وأمثالها. (وأن يسلم) على الناس
(أولا، ويجلس أمام الخطبة) على المستراح: وهو الدرجة من المنبر فوق التي
يقوم عليها للخطبة، للنصوص المستفيضة فيما عدا الأوليين.
وأما هما: فقد عللا بأن لهما أثرا بينا في القلوب والوعظ معهما، وقعا في
النفوس (3). ولا خلاف في شئ من ذلك إلا من الخلاف في استحاب
السلام فنفاه (4)، لأصالة البراءة عما لم يثبت التكليف به ولو ندبا في الشريعة.
وهو حسن لولا المرفوعة الناصة به المنجبرة بالشهرة (5)، مضافا إلى جواز
المسامحة في أدلة السنن، والكراهة، وعموم أدلة استحباب التسليم الشامل
لمفروض المسألة، ولذا عن الفاضل في النهاية والتذكرة: استحباب التسليم

(1) في المتن المطبوع: " الصلاة ".
(2) في المتن المطبوع: " يمني ".
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في شرائط الخطيب وآدابه ص 316 س 21.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 394 ج 1 ص 624.
(5) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1 ج 5 ص 43.
53

مرتين: مرة إذا دنا من المنبر يسلم على من عنده، قال: لاستحباب التسليم
على كل وارد. وأخرى: إذا صعده فانتهى إلى الدرجة التي تلي موضع القعود
استقبل الناس فسلم عليهم بأجمعهم، قال: ولا يسقط بالتسليم الأول، لأنه
مختص بالقريب من المنبر والثاني عام (1).
واعلم: أن قوله: (ثم يقوم فيخطب جاهرا) أي: رافعا صوته بها ليس
مما يتعلق به الاستحباب، لوجوب القيام كما مر. وكذا الاجهار، للتأسي،
وتحصيلا لفائدة الخطبة من الابلاغ والانذار.
(الرابع: الجماعة، فلا تصح فرادى) إجماعا، فتوى ونصا. ومنه
الصحيح: فرضها الله تعالى في جماعة (2). وهي شرط في الابتداء لا الانتهاء،
اتفاقا. وتتحقق الجماعة بنية المأمومين الاقتداء بالإمام، فلو أخلوا بها أو
أحدهم لم تصح صلاة المخل.
ويعتبر في انعقاد الجمعة نية العدد المعتبر. وفي وجوب نية القدوة (3)، للإمام
هنا نظر، من حصول الإمامة إذا اقتدي به، ومن وجوب نية كل واجب. ولا
ريب أن الوجوب أحوط، وهو خيرة الشهيد والمحقق الثاني (4).
(الخامس: أن لا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال) يعني:
أقل من فرسخ إجماعا منا، فتوى، ونصا.
ففي الصحيح: لا تكون جمعة إلا فيما بينه وبينه ثلاثة أميال (5)

(1) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 40، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
صلاة الجمعة ج 1 ص 152 س 37.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ذيل ح 2 ج 5 ص 12، باختلاف يسير.
(3) في نسخة (مش) و (ق) و (ش) " القدوة ".
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الجمعة ص 234، س 17، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة
الجمعة ج 2، ص 406.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الجمعة ح 1 ج 5 ص 16.
54

ونحوه الموثق: لا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال (1). ولا فرق في
ذلك بين المصر والمصرين، ولا بين حصول فاصل بينهما كدجلة وعدمه عندنا.
قيل: ويعتبر الفرسخ من المسجد إن صليت فيه، وإلا فمن نهاية المصلين (2).
ويشكل الحكم فيما لو كان بين الإمام والعدد المعتبر وبين الجمعة الأخرى
فرسخ فصاعدا، وبين بعض المأمومين وبينها أقل منه، فعلى ما ذكره لا تصح
الجمعة، ويحتمل بطلان القريب من المصلين خاصة.
(و) أما (الذي تجب عليه) حضور الجمعة فهو: (كل مكلف ذكر
حر سليم من المرض والعرج والعمى) حال كونه (غير هم ولا مسافر)
ولا بعيد عنها بفرسخين، أو بأزيد منهما على الخلاف الآتي.
فلا تجب على الصبي مطلقا وإن صحت من المميز تمرينا وأجزأته عن
ظهره كذلك، ولا على المجنون حال جنونه، ولا على المرأة مطلقا، ولا على
الخنثى إذا كان مشكلا على قول (3)، ولا على العبد مطلقا، أذن له السيد أم
لا، قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا، أدى شيئا أم لا، إلا إذا هاياه المولى فاتفق
الجمعة في نوبته، فتجب الجمعة على قول، (4).
ولا على المريض مطلقا ولو لم يشق عليه الحضور في ظاهر إطلاق النص
والفتوى وإن قيل بوجوب الحضور مع عدم المشقة التي لا تتحمل عادة، إلا مع
خوف زيادة المرض فلا تجب الجمعة (5).

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الجمعة ذيل ح 1 ج 5 ص 16.
(2) القائل: المحقق الثاني في جامع المقاصد: كتاب الطهارة في صلاة الجمعة ج 2 ص 411، باختلاف
يسير باللفظ.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 232 س 17.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة، في شرائط صلاة الجمعة: ج 1 ص 145.
(5) كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1: ص 245 س 32.
55

ولا على الأعرج إذا كان مقعدا قطعا لا مطلقا وفاقا لجماعة. وإن أطلق
آخرون لعدم دليل عليه يعتد به، عدا رواية مرسلة (1) لا جابر لها، عدا دعوى
المنتهى: إجماعنا على اشتراط عدم العرج مطلقا (2)، لكنها كالرواية تحتمل
الانصراف إلى المتبادر منه وهو الذي ذكرناه. ويشعر به سياق
عبارة المنتهى، مع أنه في التذكرة قيده بالبالغ حد الإقعاد وادعى عليه
إجماعنا (3). وفيها وفي نهاية الإحكام: أنه إن لم يبلغه فالوجه السقوط مع
المشقة، والعدم بدونها (4). ولا على الأعمى مطلقا كالمريض، وقيل: فيه
أيضا ما مضى (5).
ولا على الشيخ الكبير العاجز عن الحضور أو الشاق عليه مشقة لا تتحمل
عادة. ولا على المسافر سفرا يجب عليه التقصير لا مطلقا. ولا على البعيد
بفرسخين أو أزيد بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، إلا مما مر فيه الخلاف،
بل ادعي عليه الاجماع في عبائر جماعة وإن اختلفت في دعواه في الجميع
كالمنتهى (9) وغيره، أو في البعض خاصة كالفاضل في التذكرة، فقد ادعاه في
الحرية وانتفاء الشيخوخية (7). وما عرفته كالشهيدين في الذكرى والروض في
الحرية خاصة (8) وإن كان ظاهرهما كغيرهما انعقاد إجماعنا على الجميع. وهو

(1) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 10 ص 150.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة: ج 1 ص 323.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة: ج 1 ص 153.
(4) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة ج 2: ص 43.
(5) القائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1: ص 254 س 31.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1: ص 323 س 13.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة: صلاة الجمعة: ج 1 ص 147 س 13.
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة: ص 230، وروض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة
الجمعة ص 287.
56

الحجة فيه، مضافا إلى السنة المستفيضة:
ففي الصحيح: وضعها عن تسعة: عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر
والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين (1). ونحوه في
بعض خطب أمير المؤمنين - عليه السلام - المروية في الفقيه (2).
قيل: وروي مكان المجنون الأعرج، وفيه: إلا خمسة: المريض والمملوك
والمسافر والمرأة والصبي (ولا تنافي بينهما واقعا وإن توهم ظاهرا) (31) لأن الهم
والأعمى والأعرج كأنهم مرضى، والمجنون بحكم الصبي والإعراض عن
البعيد، لأن المقصود حصر المعذور في المسافة التي يجب فيها الحضور (4).
ولعله لذا لم يعبر الماتن عن هذا الشرط بما ذكرناه، بل قال:
(وتسقط
عنه) الجمعة (لو كان بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين) ومما اعتبره
من الزيادة عليهما هو الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي ظاهر المنتهى دعوى
الاجماع عليه (5) كالخلاف والغنية كما حكاه بعض الأجلة (6). وفيه الحجة،
مضافا إلى العموم والمعتبرة كالصحيحين: تجب الجمعة على من كان منها على
رأس فرسخين (7). ونحوهما المروي في العلل والعيون: إنما وجبت الجمعة على
من كان منها على فرسخين لا أكثر من ذلك. لأن ما يقصر فيه الصلاة
بريدان ذاهبا وجائيا والبريد: أربعة فراسخ،، فوجبت الجمعة على من
هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير، وذلك أنه يجئ فرسخين

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الجمعة ح 1 ج 5 ص 2.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب وجوب صلاة الجمعة وفضلها ح 1263 ج 1 ص 431.
(3) ما بين القوسين كلام المصنف رحمه الله.
(4) والقائل هو كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 254 س 17. باختلاف يسير
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة: ج 1 ص 323.
(6) كتاب الخلاف: كتاب الجمعة مسألة 357 ج 1 ص 594، وكتاب الغنية: كتاب الصلاة ص 498.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الجمعة ح 1 و 6 ج 5 ص 2 و 3.
57

ويذهب فرسخين وذلك أربعة فراسخ، وهو نصف طريق المسافر (1). خلافا
للصدوق وابن حمزة، فأسقطاها عمن على رأس فرسخين (2) للصحيحة المتقدمة.
وأجيب عنها بالحمل على من زاد بقليل، لامتناع الحصول على نفس
الفرسخين حقيقة وحملت في المختلف على السهو (3). والأول أقرب.
وهنا قولان آخران يحتملان كالصحيح المستدل به عليهما الحمل على ما
اخترناه. وظاهر العبارة كغيرها: عدم سقوط الجمعة عمن اجتمعت فيه
الشرائط المتقدمة مطلقا، مع أن في الصحيح: لا بأس أن تدع الجمعة في المطر (4).
وفي التذكرة: لا خلاف فيه، والوحل كذلك، للمشاركة في المعنى (5). وفي
الذكرى: وفي معناه الوحل والحر والبرد الشديدان إذا خاف الضرر معهما، وفي
معناه: من عنده مريض يخاف فوته بخروجه إليها أو تضرره به، ومن له خبز
يخاف احتراقه وشبه ذلك (6).
وفي المنتهى: السقوط مع المطر المانع، والوحل الذي يشق معه المشي، وأنه
قول أكثر أهل العلم، قال: لو مرض له قريب وخاف فوته جاز له الاعتناء به
وترك الجمعة، ولو لم يكن قريبا وكان معتنيا به جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم
غيره مقامه، ولو كان عليه دين يمنعه من الحضور وهو غير متمكن سقطت عنه

(1) علل الشرائع: باب 182 في علل الشرائع وأصول الاسلام ج 1 ص 266، وعيون أخبار الرضا - عليه
السلام -: باب 34 العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها... ج 2 ص 112 باختلاف يسير
باللفظ فيهما.
(2) من لا يحضره الفقيه: باب في صلاة الجمعة ح 1219 ج 1 ص 409، والوسيلة: في بيان صلاة الجمعة
ص 103.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة: ج 1 ص 157 س 7.
(4) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب صلاة الجمعة ح 1 ج 5 ص 37.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة، في صلاة الجمعة ج 1 ص 153 س 45، باختلاف يسير باللفظ.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الجمعة ص 234 س 6.
58

ولو تمكن لم يكن عذرا (1).
وعن الإسكافي: من كان في حق لزمه القيام بها: كجهاز ميت، أو تعليل
والد، ومن يجب حقه ولا يسعه التأخير عنها (2). وهو مشكل إن استلزم القيام بها
- والحال هذه - الضرر أو المشقة التي لا تتحمل مثلها عادة، لعموم نفيهما في
الشريعة المرجح على عموم التكليفات طرا، اتفاقا واعتبارا. ومنه يظهر الوجه
في إلحاق بعض ما مر بشرط البلوغ إلى هذا الحد، ويمكن فهمه من العبارة بجعل
العنوان فيها كل مكلف، ولا تكليف معه.
(ولو حضر أحد هؤلاء) المدلول عليهم بالقيود المذكورة في العبارة من:
الأعمى والمسافر والمريض والأعرج والهم والبعيد محلا أقيم فيها الجمعة
(وجبت عليه، عدا الصبي والمجنون والمرأة). أما وجوبها على من عدا هذه
الثلاثة بعد الحضور فهو المشهور على الظاهر المصرح به في كلام بعض (3)، وعن
ظاهر الغنية: دعوى الاجماع عليه مطلقا (4) بهما هو ظاهر الإيضاح والمحقق الثاني
في شرح القواعد، لكن فيمن عدا العبد والمسافر (5)، والمنتهى: في المريض
خاصة وصريحه في الأعرج (6)، وصريح التذكرة: في المريض والمحبوس لعذر
المطر والخوف (7)، وفي المدارك: نفي الخلاف عنه في البعيد (8). ولعله للعموم،

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 324 س 3.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 108 س 15.
(3) وهو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الجمعة ج 4 ص 54.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 498 س 30.
(5) إيضاح الفوائد: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 124، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في
صلاة الجمعة ج 2 ص 388.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 323 س 7 و 13.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 147 س 8.
(8) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 52.
59

واختصاص ما دل على وضعها عنهم من النصوص بعد ضم بعضها إلى بعض
بإفادة وضع لزوم الحضور إليها لا مطلقا، وإلا لما جاز لهم فعلها عن الظهر وهو
باطل إجماعا، كما هو ظاهر المدارك في الجميع (1)، والمنتهى: في العبد والبعيد
والمسافر (2)، والذكرى: في الأخير (3).
هذا، مضافا إلى الخبر المنجبر بعمل الأكثر، وفيه: أن الله - عز وجل - فرض
الجمعة على جميع المؤمنين والمؤمنات، ورخص للمرأة والمسافر والعبد أن
لا يؤتوها، فلما حضروها سقطت الرخصة، ولزمهم الفرض الأول، فن أجل
ذلك أجزأ عنهم (4). وبما ذكر يذب عن النصوص الدالة على كون الظهر
فريضة المسافر بحملها على صورة عدم الحضور إلى مقام الجمعة، كما هو الغالب
المتبادر من اطلاقاتها. خلافا لظاهر المبسوط (5). والمنقول عن ابن حمزة
والفاضل: في العبد والمسافر فلا تجب عليهما وإن جاز لهما فعلها (6)، لما مر مع
الجواب عنه، ويتأكد في الأخير، لورود النص باستحبابها له.
ففي الموثق المروي عن ثواب الأعمال والأمالي: أيما مسافر صلى الجمعة
رغبة فيها وحبا لها أعطاه الله تعالى أجر مائة جمعة (7). وهو صريح في عدم وجوب
الظهر معينة في حقه، بناء على أن فعلها ولو مستحبة يسقط فرض الظهر إجماعا،
كما صرح به في المدارك (8) وغيره، فهو دليل على الحمل الذي قدمناه في أخبار

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 54.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 321 س 29.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الجمعة ص 232 س 37.
(4) وسائل الشيعة: ب 18، من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ذيل ح 1 ج 5 ص 35.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في شرائط صلاة الجمعة ج 1 ص 145.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان صلاة الجمعة ص 153، ومختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة
الجمعة ج 1 ص 107 س 27.
(7) ثواب الأعمال: في ثواب الجمعة للمسافر ص 59، وأمالي الصدوق المجلس الثالث ح 5 ص 19.
(8) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 49.
60

المسافر، أو حملها على أن الظهر فريضة، تخييرا بينها وبين الجمعة حيث
يحضرها، لكنه مبني على كون المراد بالوجوب في عبارة الأصحاب والنص:
الوجوب التخييري، دفعا لتوهم احتمال وجوب الترك، وهو خلاف الظاهر
بل عن صريح التهذيب (1) والوافي (2) والغنية (3) والسرائر (4) ونهاية الإحكام (5)
التصريح بالوجوب العيني.
وعليه، فيتعين الحمل الأول، وحيث وجبت عليهم انعقدت بهم أيضا بلا
خلاف ظاهر فيمن عدا العبد والمسافر. وفي المدارك دعوى الاتفاق عليه في
البعيد والمريض والأعمى والمحبوس بعذر المطر ونحوه، حاكيا له عن جماعة (6)،
ولعل منهم: فخر الدين في الإيضاح، والمحقق الثاني في شرح القواعد، والفاضل
في التذكرة. لكنه لم يدعه إلا في المريض والمحبوس بالعذر خاصة. وأما فيهما
لقولان، أظهرهما نعم، وفاقا للأكثر، للعموم، وظاهر الخبر المتقدم، مع نقل
الإجماع عليه عن الغنية، وضعف ما يقال في توجيه المنع.
وأما عدم الوجوب على الصبي والمجنون فلا خلاف فيه، كما لا خلاف في
عدم الانعقاد بهما وبالمرأة، بل عن التذكرة، وفي المدارك، والذخيرة وغيرها
التصريح بالاتفاق عليه فيها (7). ويعضده الأصل، مع اختصاص النصوص
الدالة على اعتبار العدد بحكم التبادر وغيره بغيرهم.

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 1 في العمل في ليلة الجمعة ويومها ج 3 ص 21، ذيل الحديث 77
(2) الوافي: كتاب الصلاة أبواب فضل صلاة الجمعة والجماعة وشرائطها وآدابها ج 7 ص 1115.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 499: سطر 29.
(4) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجمعة ج 1 ص 293.
(5) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في من يجب عليه ج 2 ص 44.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 55.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 147 س 14، ومدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 48، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في كيفية الصلاة ص 300 س 18.
61

وأما الوجوب عليها مع الحضور ففيه قولان: للأول كما عن التهذيب (1)
والمقنعة (2) والنهاية (3) والوافي (4) والإشارة (5) والتحرير (6) والمنتهى (7) الخبر المتقدم
وغيره. وللثاني: كما عن ظاهر المبسوط، وعزاه في الذكرى إلى الأشهر (8)
للأصل، وضعف الخبر، ولعله أقرب لاختصاص الجابر للضعف بغير محل
البحث، مع إطلاق الصحيح بالكراهة الغير المجامعة للوجوب: إذا صلت المرأة
في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها، وإن صلت
في المسجد أربعا نقصت صلاتها، لتصل في بيتها أربعا أفضل (9). فتأمل. وهو
صريح في الجواز، وقد حكى في المدارك القول بالمنع عن المعتبر (10)، وهو خلاف
ظاهر الأصحاب، بل قيل: لا خلاف في جواز صلاتهن الجمعة إذا أمن الافتتان
والافتضاح، وأذن لهن من عليهن استئذانه، فإذا صلين كان كأحد الواجبين تخييرا (11)
(وأما اللواحق فسبع:)
(الأولى: إذا زالت الشمس وهو) أي: المصلي المدلول عليه بالمقام

(1) تهذيب الأحكام: ب 1 في عمل ليلة الجمعة ويومها ح 77 ج 3 ص 21.
(2) المقنعة: كتاب الصلاة باب 13 العمل والصلاة في يوم الجمعة ص 164.
(3) النهاية: كتاب الصلاة باب الجمعة وأحكامها ص 103.
(4) الوافي: كتاب الصلاة باب وجوب صلاة الجمعة وشرائطها ج 8 ص 1119.
(5) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 123 سطر 9.
(6) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 44 سطر 17
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 321 سطر 36.
(8) المبسوط: كتاب الصلاة قي شرائط صلاة الجمعة ج 1 ص 146، ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في
شروط الجمعة ص 232 س 17.
(9) وسائل الشيعة: ب 2 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1 ج 5 ص 37.
(10) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 55.
(11) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 255 س 18.
62

(حاضر) مستجمع لشرائط الوجوب عليه (حرم عليه) قبل فعلها (السفر)
إلى غير جهتها إجماعا على الظاهر المصرح به في التذكرة والمنتهى وغيرها (1) (لتعين
الجمعة) وتحقق الأمر بها، وهو موجب لتفويتها المحرم قطعا، فيكون حراما
أيضا. وفيه نظر، بل العمدة هو: الاجماع المعتضد بظواهر جملة من النصوص.
منها المرتضوي المروي في نهج البلاغة: لا تسافر يوم الجمعة حتى تشهد
الصلاة، إلا فاصلا في سبيل الله، أو في أمر تعذر به (2). ولا خلاف فيما فيه من
الاستثناء، ويعضده إباحة الضرورات للمحظورات المتفق عليها نصا وفتوى واعتبارا.
وأما في السفر البعيد إلى جهة الجمعة أو عن الجمعة إلى أخرى فوجهان،
واحتمل في الذكرى ثالثا، مفصلا بين ما لو كانت قبل محل الترخص كموضع
يرى الجدار أو يسمع الأذان فيجوز إن أمكن الفرض، وما لو كانت في محله فلا (3).
(ويكره بعد الفجر) إجماعا كما في التذكرة والمنتهى. وفي الأول الاجماع
على عدم كراهيته ليلا (4)، ولا ريب فيه للأصل، كما لا ريب في الأول للاجماع
المعتضد بإطلاق المنع في جملة من الروايات، مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن.
(الثانية: يستحب الإصغاء إلى الخطبة) واستماعها، ولا يجب وفاقا
للمبسوط (5) وجماعة، للأصل السليم عما يصلح للمعارضة، عدا ما أستدل به على
الوجوب من انتفاء الفائدة بدونه، والآية الآمرة بالإنصات والاستماع

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 144 س 17، ومنتهى المطلب: كتاب
الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 336 س 8.
(2) نهج البلاغة: في كتاب - 69 - له (ع) إلى حارث الهمداني ص 460 س 7.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الجمعة ص 233 س 8 و 13.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 144 س 20 و 38، ومنتهى المطلب: كتاب
الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 336 س 12.
(5) المبسوط كتاب الصلاة في شرائط صلاة الجمعة ج 1 ص 148.
63

للقرآن (1) بناء على ما ذكروا في التفسير من ورودها في الخطبة، وسميت
قرآنا لاشتمالها عليه، وعموم المعتبرة: بأنها صلاة حتى ينزل الإمام (2). وشئ
من ذلك لا يصلح للخروج عن الأصل، لمنع حصر الفائدة في الإصغاء خصوصا
غير الوعظ، ومعارضة التفسير المتقدم بما عن تفسير ابن العباس من: أنها في
الصلاة المكتوبة (3). وعن تفسير علي بن إبراهيم: أنها في صلاة الإمام الذي
يأتم به (4). وعن التبيان أن فيها أقوالا:
الأول: أنها في صلاة الإمام، فعلى المقتدي به الانصات.
والثاني: في الصلاة، فإنهم كانوا يتكلمون فيها فنسخ.
والثالث: أنها في خطبة الإمام.
والرابع: أنها في الصلاة والخطبة.
وقال الشيخ: وأقواها الأول، لأنه لا حال يجب فيها الانصات لقراءة
القرآن إلا حال قراءة الإمام في الصلاة، فإن على المأموم الانصات لذلك
والاستماع له، فأما خارج الصلاة فلا خلاف أنه لا يجب الانصات
والاستماع. وعن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه في حال الصلاة وغيرها، وذلك
على وجه الاستحباب (5). ونحوه في نفي الخلاف عن وجوب الانصات خارج
الصلاة عن فقه القرآن للراوندي (6). وهو دليل آخر على الاستحباب، هذا مع
أخصية هذا الدليل عن المدعى كالسابق، وضعف عموم المعتبرة بما سبق إليه الإشارة.

(1) الأعراف: 204.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 و 8 و 14 من أبواب صلاة الجمعة ح 4 و 4 و 2 ج 5 ص 15 و 18 و 29.
(3) تنوير المقباس من تفسير ابن عباس في تفسير الآية (204) من سورة الأعراف ص 144 س 21.
(4) تفسير القمي: ج 1 ص 254، باختلاف يسير.
(5) التبيان: في تفسير الآية 203 من سورة الأعراف ج 5 ص 68.
(6) فقه القرآن: في ذيل تفسير آية (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا) ج 1 ص 142.
64

(وقيل: يجب) والقائل: الشيخ في النهاية (1) وأكثر الأصحاب على
الظاهر المصرح به في عبائر جمع، ولعله الأظهر، لما مر من الأدلة، مع ضعف
ما قيل في الجواب عنها، إذ لا وجه لمنع الحصر بعد عدم تصور فائدة غير الإصغاء.
والأخصية باختصاصها بالوعظ (2)، مدفوعة بعدم القائل بالفرق بين أجزاء
الخطبة، مع احتمال استلزام لزوم الاصغاء إليه لزومه، بالإضافة إلى الباقي ولو
من باب المقدمة، سيما على القول بعدم لزوم الترتيب بين أجزائها، فتأمل.
وبنحو هذا يجاب عن أخصية الدليل الثاني، ومعارضة مبناه بمثله حسن، إلا
أن غايتها القدح في البناء، وهو لا يستلزم عدم إمكان الاستدلال بالآية بوجه
آخر، وهو: الإطلاق الشامل لمحل النزاع، ودفعه بنفي الخلاف المتقدم المنقول
حسن إن لم يكن في محل النزاع موهونا، والحال أنه موهون.
كيف لا والمخالف موجود، وهو كاف في وهنه وإن كان واحدا؟! فضلا
عن أن يكون مشهورا، وتضعيف المعتبرة بما سبق إليه الإشارة قد عرفت ضعفه.
وبهذه الأدلة يضعف الأصل، سيما بعد اعتضادها بالاحتياط، والنصوص
الناهية عن الكلام بناء على ظهور: أن وجه النهي فيها إنما هو وجوب
الاصغاء، ولذا كان حكمهما متلازما فتوى، كما أشار إليه (وكذا الخلاف في
تحريم الكلام معها) فكل من أوجب الاصغاء حكم بالتحريم هنا، ومن قال
بالكراهة فيه قال باستحباب الاصغاء.
ففي المرسل:. لا كلام والإمام يخطب، ولا التفات إلا كما يحل في الصلاة،
وإنما جعلت الجمعة ركعتين (3) إلى آخر ما مر إليه الإشارة في بحث اشتراط
الطهارة.

(1) النهاية: كتاب الصلاة باب الجمعة وأحكامها ص 105.
(2) والقائل هو صاحب كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 252 سطر 24.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 2 ج 5 ص 29.
65

ونحوه بعينه الرضوي (1) والمرتضوي المروي عن دعائم الاسلام (2) لكن بدون
قوله: " وإنما جعلت إلى آخره ".
وأظهر منه الآخر المروي عنه أيضا؟ له قال: يستقبل الناس الإمام عند
الخطبة بوجوههم ويصغون إليه (3).
والصادقي المروي عنه: إذا قام الإمام يخطب وجب على الناس
الصمت (4). وهو نص في الوجوب، وقصور الأسانيد وضعفها مجبور بالشهرة
والاعتضاد بالأدلة المتقدمة، مضافا إلى الاجماع المنقول في الخلاف هنا (5)
فتأمل. وفحوى الصحيحة المانعة عن الصلاة حال الخطبة (1) فإن المنع عنها
يستلزم المنع عن نحو الكلام بطريق أولى.
نعم، ربما يؤيد الكراهة وقوع التعبير عن المنع بلفظها في بعض النصوص
المروي عن قرب الإسناد (7)، وب‍ " لا ينبغي " في الصحيح (8)، لكنهما محمولان
على التحريم جمعا مع ضعف الرواية الأولى بأبي البختري جدا.
ثم إن وجوب الإصغاء هل يختص بالعدد أم يعم الحاضرين؟ وكذا تحريم
الكلام هل يختص بهم أم يعمهم والإمام؟ وجهان، بل قولان، ظاهر الأدلة:
الثاني في المقامين. خلافا للتذكرة فيهما، وفيها: أن الخلاف: إنما هو في القريب
السامع، أما البعيد والأصم فإن شاءا سكتا وإن شاءا قرءا وإن شاءا ذكرا (9).
واعلم: أن وجوب الإصغاء وترك الكلام تعبدي لا شرطي، فلا يفسد

(1) فقه الرضا - عليه السلام -: في باب الصلاة المفروضة ص 123.
(2) دعائم الاسلام: في ذكر صلاة الجمعة ج 1 ص 182.
(3) المصدر السابق ص 183 (4) المصدر السابق ص 182.
(5) الخلاف: كتاب صلاة الجمعة مسألة 383 في صلاة الجمعة ج 1 ص 615.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة م الجمعة وآدابها ح 1 ج 5 ص 29.
(7) قرب الإسناد: ص 97 السطر الأخير.
(8) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1 ج 5 ص 29.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 152 س 14 إلا أن فيه: " فإن شاء سكت، وإن شاء قرأ أو سبح).
66

لخطبة ولا الصلاة بالإخلال بهما إجماعا، كما عن التحرير ونهاية الإحكام
(1).
وغيرهما.
(الثالثة: الأذان الثاني) للجمعة، وهو ما وقع ثانيا بالزمان بعد أذان
آخر واقع في الوقت، سواء كان بين يدي الخطيب، أم على المنارة، أم غيرهما
(بدعة) لتأدي الوظيفة بالأول، فيكون هو المأمور به، وما سواه بدعة، لأنه لم
يفعل في عهده - صلى الله عليه وآله - ولا في عهد الأولين، وإنما أحدثه عثمان أو
معاوية على اختلاف النقلة.
وإذا لم يكن مشروعا أولا فتوظيفه ثانيا على الوجه المخصوص يكون
بدعة، وإحداثا في الدين ما ليس منه، فيكون محرما. وللخبر: الأذان الثالث يوم
الجمعة بدعة (2). فإن المشهور أن المراد بالثالث فيه: هو الثاني المفروض، وإنما
سمي ثالثا بهما عن بعض الأصحاب أيضا، لأن النبي - صلى الله عليه وآله - شرع
للصلاة أذانا وإقامة، فالأذان الثاني يكون بالنسبة إليهما ثالثا، وسميناه ثانيا
لوقوعه بعد الأول، وما بعده يكون إقامة، صرح بذلك الماتن في المعتبر (3) وغيره،
ولكن احتمل كون المراد بالثالث فيه: أذان العصر. ولذا قيل بالمنع عنه (4).
وهو ضعيف. وإلى هذا القول ذهب الحلي (5) وجمهور من المتأخرين.
(وقيل): إنه (مكروه) والقائل: الشيخ في المبسوط (6). واختاره الماتن في

(1) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 44 س 30، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 38.
(2) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ج 1 و 2 ج 5 ص 81.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في بقية الصلوات ج 2 ص 296.
(4) كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 256 س 29.
(5) السرائر: كتاب الصلاة باب أحكام صلاة الجمعة ج 1 ص 296.
(6) المبسوط: كتاب الصلاة في شرائط صلاة الجمعة ج 1 ص 149.
67

المعتبر (1)، للأصل، وضعف الخبر) وعموم البدعة فيه للحرام وغيره، وحسن
الذكر والدعاء إلى المعروف وتكريرهما.
قال الماتن: لكن من حيث لم يفعله النبي - صلى الله عليه وآله - ولم يأمر به
كان أحق بوصف الكراهة (2). ويدفع الأصل بما مر، ويجبر ضعف الخبر بعمل
الأكثر ويمنع عموم البدعة لغير الحرام لظهورها بحكم التبادر فيه. وفي الصحيح:
ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار (3).
وحسن الذكر والتكرير مسلم إن لم يقصد به التوظيف على الوجه
الخصوص، وإلا كما هو محل البحث فممنوع، وأرى النزاع هنا لفظيا كما صرح به
بعض الأصحاب (4)، للاتفاق على حرمة التشريع، وحسن الذكر الخالي عنه
وإن أطلقت الروايات بالمنع أو الكراهة، لكن سياقها ظاهر في التفصيل، وأن
المقصود بالمنع: صورة التشريع وبالجواز غيرها.
ثم إن تفسير الثاني بما مر خيرة ثاني المحققين والشهيدين (5). واحتمل الأول
تفسيره بما لم يقع بين يدي الخطيب، سواء وقع أولا أو ثانيا، لأنه الثاني باعتبار
الأحداث. وحكاه الثاني عن بعض الأصحاب (6) مضعفا له كالأول، بأن
كيفية الأذان الواقع في عهده غير شرط في شرعيته إجماعا، إذ لو وقع قبل صعود
الخطيب أي المنبر أو خطب على الأرض ولم يصعد منبرا لم يخرج بذلك عن
الشرعية، وإنما المحدث ما فعل ثانيا كيف كان. وقيل في تفسيره غير ذلك.

(1) المعتبر كتاب الصلاة في بقيه الصلوات ج 2 ص 296.
(2) المعتبر كتاب الصلاة في بقيه الصلوات ج 2 ص 296.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 1 ج 5 ص 191.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في بقية الصلوات ج 2 ص 296.
(5) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 425، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في
شرائط الجمعة ص 237 سطر 8، وروض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 295 سطر 22.
(6) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة ج 10 ص 172، منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة
ج 1 ص 330 السطر الأخير، تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 156 س 4.
68

(الرابعة: يحرم البيع بعد النداء) للجمعة إجماعا على الظاهر المصرح به عبائر جماعة حد الاستفاضة، وللآية الكريمة: " وذروا البيع " (1)
والمرسلة: كان بالمدينة إذا أذن يوم الجمعة نادى مناد: حرم البيع (2). وظاهره
كالآية، والعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة توقف التحريم على الأذان،
ومقتضاه عدمه قبله مطلقا ولو زالت الشمس، وبه صرح جماعة، ومنهم:
الفاضل في النهاية والمنتهى، مدعيا عليه إجماعنا (3)، مع أنه في الارشاد رتبه على
الزوال (4). واختاره في الروض قال: لأنه السبب الموجب للصلاة، والنداء
إعلام بدخول الوقت فالعبرة به. فلو تأخر الأذان عن أول الوقت لم يؤثر في
التحريم السابق، لوجود العلة، ووجوب السعي المترتب على دخول الوقت وإن
كان في الآية مترتبا على الأذان، إذ لو فرض عدم الأذان لم يسقط وجوب
السعي، فإن المندوب لا يكون شرطا للواجب (5). ولا يخلو عن نظير، سيما في
مقابلة الاجماع المنقول المعتضد بعمل الأكثر.
وفي اختصاص الحكم بالبيع أو عمومه لأنواع المعاوضات، بل مطلق
الشواغل قولان:
من الأصل، واختصاص دليل المنع من الكتاب والسنة به.
ومن إشعار ما هو كالتعليل في الأول بالعموم، مع إمكان دعوى قطعية المناط
بالاعتبار في المنع عن البيع، وهو خوف الاشتغال عن الصلاة الحاصل في محل

(1) الجمعة: 9.
(2) وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 4 ج 5 ص 87.
(3) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 53، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في
صلاة الجمعة ج 1 ص 330 السطر الأخير.
(4) إرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في الجمعة ج 1 ص 258.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 295 س 29. باختلاف يسير باللفظ ونقصان.
69

النزاع. لكن هذا إنما يتوجه على تقدير اختصاص المنع عن البيع بصورة حصول
الاشتغال به لا مطلقا. لكن الدليل مطلق كالفتاوى، مع تصريح بعضهم بالمنع
عنه مطلقا كالمحقق الثاني (1).
لكن يمكن الجواب عنه: بانصراف الاطلاق إلى الصورة الأولى، لكونها
الغالب دون غيرها.
ثم إن الحكم بالتحريم لمن توجه إليه الخطاب بالجمعة واضح، وفي غيره
الواقع طرف المعاوضة وجهان، بل قولان:
من الأصل، واختصاص المانع بحكم التبادر بالأول.
ومن إعانته على الإثم المحرمة كتابا وسنة، وهذا أجود حيثما تحصل، وإلا فالجواز
(و) اعلم: أنه (لو باع انعقد) البيع وصح وإن أثم، وفاقا للأكثر، بل
عليه عامة من تأخر، لعدم اقتضاء النهي في المعاملات الفساد (2). وقيل:
لا ينعقد (3) تضعيفا للدليل والتحقيق في الأصول.
(الخامسة: إذا لم يكن الإمام موجودا) أي: كان غائبا عنا كزماننا
هذا (وأمكن الاجتماع والخطبتان استحبت الجمعة (4))، وكانت أفضل
الفردين الواجبين، وفاقا للأكثر. قيل: لعموم الأوامر بالجمعة من الكتاب
والسنة، ومقتضاها الوجوب (5). وهو أعم من العيني والتخييري. ولما انتفى
الأول بالاجماع تعين الثاني، وللمعتبرة:
منها الصحيح: حثنا أبو عبد الله - عليه السلام - على صلاة الجمعة، حتى

(1) جامع المقاصد كتاب الصلاة ج 2 ص 426.
(2) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 10 ص 176.
(3) المبسوط: كتاب صلاة الجمعة ج 1 ص 150، ومجمع الفائدة في صلاة الجمعة ج 2 ص 380،
والإسكافي كما نقله في المختلف، في صلاة الجمعة ج 2 ص 236، وغيرهم.
(4) في المتن المطبوع: " استحب الجماعة ".
(5) مدارك الأحكام؟ كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 79.
70

ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: إنها عنيت عندكم (1).
والموثق: مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى، قال: قلت:
كيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة يعني: صلاة الجمعة (2). وفي الجميع نظر، لمنع
أعمية الوجوب المستفاد من الأمر من العيني والتخييري، لاختصاصه بحكم
التبادر بالأول دون الثاني. ولو سلم فغايتها الدلالة على وجوب الجمعة
الصحيحة، وهي - على ما عرفت - ما كانت بإذن إمام مقرونة، وليست
بمفروض المسألة.
ودعوى حصول الإذن للفقيه الجامع لشرائط الفتوى في صلاتها (3) ممنوعة،
لعدم ظهور دليل يدل عليه، لا من إجماع لمكان الخلاف، ولا من رواية
لاختصاصها بإفادة الإذن له في خصوص الحكومة والفتوى، وهما غير الإذن له
في صلاة الجمعة وفعلها.
ودعوى الأولوية (4) ممنوعة هنا قطعا، لظهور أن الإذن في الحكومة والفتيا
إنما هو: للزوم تعطل الأحكام، وتحير الناس في أمور معادهم ومعاشهم، وظهور
الفساد فيهم واستمراره إن لم يقضوا أو يفتوا، ولا كذلك الجمعة إذا تركت، كما
لا يخفى.
هذا، ومفاد هذا الكلام على تقدير تسليمه إنما هو اختصاص الاستحباب
بصورة وجود الفقيه وحرمتها من دونه، وهو خلاف ما يقتضيه إطلاق العبارة

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الجمعة ح 1 ج 5 ص 12.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الجمعة ح 2 ج 5 ص 12، باختلاف يسير. والعبارة (يعني...)
يحتمل أن تكون من الراوي.
(3) كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 246 س 24، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة
في كيفية صلاة الجمعة ص 310 س 26، وروض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 290
س 21 مع اختلاف العبارة.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 310 س 26.
71

وكلام جماعة، بل أكثر المجوزين كما صرح به في الروض، فقال: ثم على تقديره
- أي: الاستحباب - هل يشترط في شرعيتها حينئذ الفقيه الشرعي، أم يكفي
اجتماع باقي الشرائط والائتمام بإمام يصح الاقتداء به في الجماعة؟ أكثر
المجوزين على الثاني، وهم بين مطلق للشرعية، مع إمكان الاجتماع
والخطبتين، وبين مصرح بعدم اشتراط الفقيه، وممن صرح به: أبو الصلاح،
ونقله عنه المصنف في المختلف، وصرح به أيضا الشهيد في الذكرى، والمستند: إطلاق
الأوامر من غير تقييد بالإمام، أو من نصبه عموما أو خصوصا خرج منه ما أجمع
عليه، وهو مع إمكان إذنه وحضوره فيبقى الباقي على أصل الوجوب من غير شرط (1).
أقول: ما ذكره من إطلاق الأوامر من غير تقييد ممنوع، لما عرفت من الأدلة
على اشتراط الإذن مطلقا (و) لذا (منعه) أي: عقد الجمعة في هذه الأزمنة
(قوم): كالمرتضى والحلي والديلمي (2) وغيرهم، وتبعهم من المتأخرين:
الفاضل في المنتهى (3) وجهاد التحرير كما قيل (4) والشهيد في الذكرى (5).
وفي عبارات كثير من الأصحاب المجوزين لفعلها زمن الغيبة ما يدل عليه:
كعبارة الشهيد - رحمه الله - في الدروس واللمعة، والفاضل في النهاية، فإنهم
عبروا بأن الفقهاء يجمعون في حال الغيبة، ولو كان اشتراط الإذن مختصا بحال
الحضور لجاز فعلها في غيرها مطلقا ولو لغير الفقيه (6). وحينئذ فلا وجه

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 291 س 1.
(2) جمل العلم والعمل (المجموعة (3) من رسائل الشريف المرتضى): كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجمعة ج 1 ص 272، السرائر: كتاب الصلاة باب أحكام صلاة الجمعة ج 1 ص 303، والمراسم:
كتاب الصلاة في ذكر صلاة الجمعة ص 77.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 336 س 20.
(4) تحرير الأحكام: كتاب الجهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ج 1 ص 158 س 17.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 231 س 21.
(6) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 41 س 24، واللمعة الدمشقية: كتاب
الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 663، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 14.
72

لتخصيصهم الرخصة به، فليس ذلك إلا لعموم الاشتراط.
وقد بالغ المحقق الثاني في تعميم الاشتراط، فقال: لا نعلم خلافا بين
أصحابنا في: أن اشتراط الجمعة بالإمام أو نائبه لا يختلف فيه الحال بظهور
الإمام وغيبته، وعبارات الأصحاب ناطقة بذلك. ثم نقل الاجماعات المنقولة
على الاشتراط مطلقا عن التذكرة والذكرى وغيرهما.
ثم قال: فلا يشرع فعل الجمعة في الغيبة بدون حضور الفقيه الجامع
للشرائط. وقد نبه المصنف على ذلك في المختلف، والشهيد في شرح الارشاد،
وما يوجد من إطلاق بعض العبارات بفعل الجمعة من غير تقييد كما في عبارات
هذا الكتاب فللاعتماد فيه على ما تقرر من المذهب وصار معلوما، بحيث صار
التقييد به في كل عبارة مما يكاد يعد تسامحا (1) انتهى.
وحيث ثبت اشتراط الإذن مطلقا قوي المنع ولو للفقيه، لعدم دليل على
الجواز أصلا، سوى ما سبق من عموم الأمر، وضعفه قد ظهر، والمعتبرة وهي غير
واضحة الدلالة، لاحتمال استناد الجواز فيها إلى إذن الإمام - عليه السلام - وهو
يستلزم نصب نائب من باب المقدمة بهما نبه عليه الفاضل في النهاية، فقال: لما
أذن لزرارة وعبد الملك جاز، لوجود المقتضي وهو إذن الإمام (2).
أقول: مع احتمال اختصاص الإذن لهما بفعلهما مع العامة، كما يفهم من
المقنعة، حيث قال: ويجب حضور الجمعة مع من وصفناه من الأئمة فرضا،
وتستحب مع من خالفهم تقية وندبا. روى هشام، ثم نقل الصحيحة مؤذنا
بفهمه منها: اختصاص الرخصة بفعلها مع العامة (3).

(1) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 379.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 14.
(3) المقنعة: كتاب الصلاة باب العمل والصلاة في يوم الجمعة ص 164.
73

ويؤيد هذا: عدم تمكن الأئمة - عليهم السلام - وأصحابهم يومئذ من إقامتها
مطلقا للتقية، وإلا لوجبت عليهم الإقامة عينا ولو مرة. هذا ولا ريب أن المنع
أحوط بعد الاجماع منهم على الظاهر المصرح به، كما عرفت في كثير من العبائر
على إجزاء الظهر، لعدم وجوب الجمعة عينا. ومرجعه إلى أن اشتغال الذمة
بالعبادة يوم الجمعة يقينا يستدعي البراءة اليقينية، وهي تحصل بالظهر،
للاجماع عليها دون الجمعة.
ولعل هذا مراد من استدل على المنع عنها: بأن الظهر ثابتة في الذمة بيقين،
فلا يبرأ المكلف إلا بفعلها (1).
أو يكون المراد من ثبوتها في الذمة بيقين: أن الله سبحانه ما أوجب الجمعة،
إلا بعد مدة مديدة من البعثة، وكانت الفريضة بالنسبة إلى جميع المكلفين في
تلك المدة هو الظهر بالضرورة، ثم، بعد تلك المدة تغير التكليف بالنسبة إلى بعض
المكلفين خاصة لا كلية، بالاجماع والضرورة والأخبار المتواترة، فمن ثبت تغير
حكمه فلا نزاع، ومن لم يثبت فالأصل بقاء الظهر اليقينية بالنسبة إليه حتى
يثبت خلافه، ولم يثبت. ومرجعه إلى استصحاب الحكم السابق على زمان
تشريع الجمعة، وهو: وجوب الظهر على جميع المكلفين، وبعد تشريعها لم يثبت
نقض ذلك الحكم إلا بالنسبة إلى بعضهم. وكوننا منهم أول الدعوى لو لم نقل
بكوننا غيرهم.
وأما الاستدلال على الاستحباب بالاستصحاب بتخيل أن الاجماع واقع
من جميع أهل الاسلام على وجوب الجمعة في الجملة حال ظهور الإمام - عليه
السلام - بالشرائط فيستصحب إلى زمان الغيبة، فمنظور فيه، لمعارضته بإجماعهم

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 4 ص 79، وجامع المقاصد: كتاب الملاة في
صلاة الجمعة ج 2 ص 375.
74

على عدم الوجوب على من اختل فيه أحد الشرائط، فيستصحب إلى زمان
الغيبة.
ودعوى اجتماع الشرائط في زمان الغيبة ممنوعة، كيف لا، وهو أول
المسألة؟! وليس قولك هذا أولى من قول من يدعي عدم اجتماعها في زماننا،
بل هذا أولى لما مضى، مع أن الوجوب المجمع عليه حال الظهور هو العيني
لا التخييري، والاستصحاب لو سلم إنما يقتضي ثبوت الأول لا الثاني.
(السادسة: إذا حضر إمام الأصل مصرا لم يؤم غيره إلا لعذر) بلا
خلاف فيه بين علمائنا كما في المنتهى، وفي غيره بين المسلمين (1)، وللنص: إذا
قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع الناس ليس ذلك لأحد غيره (2). وفي
السرائر: لأنه ليس للإمام أن يكلها إلى غيره في بلده مع القدرة والتمكن
وسقوط الأعذار (3).
(السابعة: لو ركع) المأموم (مع الإمام في) الركعة (الأولى ومنعه
الزحام (4) عن السجود) معه فيها (لم يركع مع الإمام في) الركعة
(الثانية) بل يصبر إلى أن يسجد الإمام لها (فإذا سجد الإمام سجد)
المأموم معه (ونوى بهما) أي: بالسجدتين المدلول عليهما بالسجود كونهما منه
(ل‍) الركعة (الأولى) له، وصحت جمعته إجماعا، كما في المعتبر والمنتهى
والتنقيح والذكرى (5).

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 334 س 27، وكشف اللثام: كتاب الصلاة
في شرائط صلاة الجمعة ج 1 ص 253 س 24، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2
(2) وسائل الشيعة ب 20 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1 ج 5 ص 36.
(3) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجمعة ج 1 ص 291.
(4) في المتن المطبوع: " زحام ".
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في بقية الصلوات ج 2 ص 299، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة
الجمعة ج 1 ص 334 س 11، والتنقيح الرائع: كتاب الصلاة في الجمعة ج 1 ص 232، وذكرى
الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الجمعة ص 234 س 34.
75

(ولو نوى بهما الأخيرة) أو أهمل (بطلت الصلاة) وفاقا للنهاية
والحلي (1) وجماعة.
أما على الأول: فلأنه إن اكتفى بهما للأولى وأتى بالركعة الثانية تامة
خالف النية، " وإنما الأعمال بالنيات)، وإن ألغاهما وأتى بسجدتين أخيرتين
للأولى ثم أتى بالركعة الثانية زاد في الصلاة ركنا. وإن اكتفى بهما ولم يأت
بعدهما إلا بالتشهد والتسليم نقص من الركعة الأولى السجدتين، ومن الثانية
ما قبلهما.
وأما على الثاني: فلأن متابعة الإمام تصرفهما أي الثانية ما لم ينوهما
للأولى.
(وقيل) في الأول، والقائل المرتضى في المصباح (2) والشيخ في المبسوط
والخلاف (3) وغيرهما: لا تبطل بل (يحذفهما ويسجد) أخريين (ل‍) الركعة
(الأولى) للنص. وإن كان لم ينو السجدتين للركعة الأولى لم يجز عنه الأولى
ولا الثانية، وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنهما للركعة الأولى وعليه بعد
ذلك ركعة تامة، وللاجماع على ما في الخلاف (4). وفيه وهن لمكان الخلاف،
وندرة القائل به. وفي الأول قصور من حيث السند، بل والدلالة أيضا كما صرح
به جماعة، وذلك لجواز أن يكون قوله - عليه السلام - " وعليه أن يسجد إلى

(1) النهاية: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ص 157، والسرائر: كتاب الصلاة في أحكام
صلاة الجمعة ج 1 ص 299.
(2) لم تتوفر لدينا نسخته إلا أنه حكي عنه في المعتبر: كتاب الصلاة في بقية الصلوات ج 2 ص 299.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في شرائط صلاة الجمعة ج 1 ص 145، والخلاف: كتاب الصلاة م 363
ج 1 ص 653.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 363 ج 1 ص 604.
76

آخره " مستأنفا، بمعنى: أنه كان عليه أن ينو كما للأولى، فإذا لم ينوهما لها
بطلت صلاته.
وفي الذكرى: ليس ببعيد العمل بهذه الرواية، لاشتهارها بين
الأصحاب، وعدم وجود ما ينافيها، وزيادة سجدة مغتفرة في المأموم كما لو سجد
قبل إمامه، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالة على الابطال عن الدلالة.
وأما ضعف الراوي فلا يضر مع الاشتهار على أن الشيخ قال في الفهرست: إن
كتاب حفص يعتمد عليه (1). وفيه بعد تسليم دعواه الشهرة، مع أنها على
الخلاف ظاهرة: أن الجبر بها فرع وضوح الدلالة، مع أنها - كما عرفت - غير
واضحة، ومع ذلك المنافي لها موجود، كما يفهم من المبسوط حيث قال: إنه على
البطلان رواية (2). وهذه أظهر رجحانا من تلك وإن كانت مرسلة، لانجبارها
بالأخبار الدالة على الابطال بالزيادة في الفريضة المعتضدة بعد العمل
بالقاعدة الاعتبارية، وخالف الحلي وجماعة في الثاني (3)، فقالوا بالصحة، لأن
إجزاء الصلاة لا تفتقر إلى نية، بل هي على ما افتتحت عليه ما لم يحدث نية
مخالفة، فهما على هذا تنصرفان إلى الأولى.
وفي المنتهى: أنه ليس بجيد، لأنه تابع لغيره فلا بد من نية تخرجه عن
المتابعة في كونهما للثانية، وما ذكره من عدم افتقار الابعاض أي نية إنما هو إذا
لم يقم الموجب، أما مع قيامه فلا (4). ويضعف بأن وجوب المتابعة له لا يصير
المنوي له منويا للمأموم، ولا يصرف فعله عما في ذمته، والأصل في صلاته
الصحة، وما ذكره لا يصح سببا للبطلان.

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الجمعة ص 235 س 1.
(2) المبسوط: كتاب الصلاة في شرائط صلاة الجمعة ج 1 ص 145.
(3) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجمعة ج 1 ص 300.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 334 س 6.
77

واعلم: أن ما مر إنما هو إذا لم يتمكن المأموم من السجود قبل ركوع الإمام
في الثانية، وإلا سجد، ثم نهض وركع مع الإمام، بلا خلاف أجده، وبه صرح
في المنتهى (1)، بل قيل: اتفاقا (2).
قيل: ولا يقدح ذلك في صلاته للحاجة والضرورة (3). ومثله وقع في صلاة
عسفان، حيث سجد النبي - صلى الله عليه وآله - وبقي صف لم يسجد
والمشترك الحاجة (4).
(وسنن الجمعة) أمور: منها: الغسل، وقد مر. ومنها: (التنفل بعشرين
ركعة) زيادة عن كل يوم بأربع ركعات على الأشهر فتوى ورواية. خلافا
للمحكي عن الإسكافي، فزاد ركعتين نافلة العصر)، للصحيح الآتي وفيه:
أنهما بعد العصر.
وعن الصدوقين: فكسائر الأيام إذا قدمت النوافل على الزوال أو أخرت
عن المكتوبة (6).
وفي الصحيح: عن صلاة النافلة يوم الجمعة، فقال: ستة عشرة ركعة قبل
العصر، وكان علي - عليه السلام - يقول: ما زاد فهو خير، وقال: إن شاء رجل
أن يجعل منها ست ركعات في صدر النهار وست ركعات في نصف النهار
ويصلي الظهر ويصلي معها أربعة ثم يصلي العصر.
وفي آخر: النافلة يوم الجمعة ست ركعات قبل زوال الشمس وركعتان عند

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 333 س 28.
(2) والقائل هو المحقق في المعتبر: كتاب الصلاة في الجمعة ج 2 ص 299.
(3) والقائل هو المحقق الثاني في جامع المقاصد: كتاب الصلاة في الجمعة ج 2 ص 429.
(4) سنن أبي داود: كتاب الصلاة باب صلاة الخوف ح 1236 ج 2 ص 11.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أوقات نوافل الجمعة ج 1 ص 110 س 31.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أوقات نوافل الجمعة ج 1 ص 110 س 32، ومن لا يحضره الفقيه:
باب في صلاة الجمعة ج 1 ص 415. س 1، باختلاف في اللفظ.
78

زوالها وبعد الفريضة ثماني ركعات (1). وظاهر النص والفتوى عموم استحباب
العشرين لمن يصلي الجمعة أو الظهر.
وعن نهاية الإحكام ما يشعر باختصاصه بالأول، فإنه قال: والسر فيه أن
الساقطة ركعتان، فيستحب الإتيان ببدلهما، والنافلة الراتبة ضعف
الفريضة (2). وفيه نظر.
وفي الرضوي: إنما زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما
لذلك اليوم، وتفرقة بينه وبين سائر الأيام (3). وينبغي فعل العشرين كلها قبل
الزوال، وفاقا للأكثر كما قيل، لتظافر الأخبار بإيقاع فرض الظهر فيه أول
الزوال، والجمع فيه بين الفرضين ونفي التنفل بعد العصر (4).
والصحيح: عن النافلة التي تصلى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو
بعدها؟ قال: قبل الصلاة (5).
والخبر، إذا زالت الشمس يوم الجمعة فلا نافلة (6).
وفي المنتهى. ولأن وقت النوافل يوم الجمعة قبل الزوال إجماعا، إذ يجوز
فعلها فيه، وفي غيره لا يجوز، وتقديم الطاعة أولى من تأخيرها (7). خلافا لوالد
الصدوق، فتأخيرها عن الفريضة أفضل (8)، للخبرين (9)، وحملا على ما إذا

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ج 5 ص 23 ح 7، وص 24 ح 9.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2 ص 52.
(3) فقه الرضا - عليه السلام -: في باب صلاة يوم الجمعة ص 129.
(4) والقائل هو كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 258، س 14.
(5) وسائل الشيعة: باب 8 من أبواب صلاة الجمعة ح 3 ج 5 ص 23.
(6) وسائل الشيعة: ب 13: من أبواب صلاة الجمعة صدر الحديث 5 ج 5 ص 28.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 337 - س 30.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أوقات نوافل الجمعة ج 1 ص 110 س 32.
(9) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 27 ح 1 و 3.
79

زالت الشمس ولم يتنفل.
ويستحب التفريق بأن يصلى (ست عند انبساط الشمس، وست
عند ارتفاعها، وست قبل الزوال، وركعتان عنده) قبل تحققه، وفاقا للأكثر
كما قاله بعض الأفاضل، مستدلا عليه بالصحيح: عن الصلاة يوم الجمعة كم
هي من ركعة قبل الزوال؟ قال: ست ركعات بكرة، وست بعد ذلك اثنتا
عشرة ركعة، وست ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة، وركعتان بعد الزوال
فهذه عشرون ركعة، وركعتان بعد العصر فهذه ثنتان وعشرون ركعة (1).
قال: فإن البكرة، إن كانت أول اليوم من الفجر إلى طلوع الشمس
أو يعمه لكن كراهية التنفل بينهما وعند طلوع الشمس دعتهم إلى تفسيرها
بالانبساط. وفي الخبر: أما أنا فإذا كان يوم الجمعة وكانت الشمس من المشرق
مقدارها من المغرب في وقت العصر صليت ست ركعات (2). وفي آخر مروي في
السرائر: فافعل ستا بعد طلوع الشمس (3).
ولما كره التنفل بعد العصر وتظافرت الأخبار بأن وقت صلاة العصر يوم
الجمعة وقت الظهر في غيره (4) وروي أن الأذان الثالث فيه بدعة (5) وكان
التنفل قبلها يؤدي إلى انفضاض الجماعة، رجحوا هذا الخبر على الصحاح
وغيرها المتضمنة للتنفل بست ركعات منها بين الصلاتين أو بعدهما.
ولما تظافرت الأخبار بأن وقت الفريضة يوم الجمعة أول الزوال، وأنه
لا نافلة قبلها بعد الزوال لزمنا أن نحمل بعد الزوال في الخبر على احتماله، كما في

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة الجمعة ح 5 ج 5 ص 23.
(2) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة الجمعة ح 12 ج 5 ص 25.
(3) السرائر: كتاب المستطرفات في ما استطرفناه من كتاب حريز بن عبد الله السجستاني ج 3 ص 585.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 17.
(5) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب صلاة الجمعة ج 5 ص 81 ح 1 و 2.
80

الخبر: إذا كنت شاكا في الزوال فصل الركعتين فإذا استيقنت الزوال فصل
الفريضة (1). وفي الصحيح: عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟
فقال: قبل الأذان (2). وفي الرضوي المروي في السرائر عن كتاب البزنطي: إذا
قامت الشمس فصل ركعتين، فإذا زالت فصل الفريضة ساعة تزول (3).
والصادقي المروي فيه عن كتاب حريز: وركعتين قبل الزوال (4) انتهى (5).
وفي بعض ما ذكره من المقدمات لتصحيح الاستدلال بالصحيح إشكال
كدعواه الأكثرية على تقديم الركعتين على الزوال، فإنه خيرة العماني
خاصة (6) بهما يظهر من جماعة، مدعين على استحباب تأخيرهما عنه الشهرة
والصحيحة المتقدمة بذلك صريحة، لكن الأدلة التي ذكرها أقوى منها. فما
ذكروه من استحباب التقديم لا يخلو عن قوة، مع أن المقام مقام استحباب فلا
مشاحة في اختلاف الروايات فيها، فإن العمل بكل منها حسن إن شاء الله
تعالى.
(و) منها: حلق الرأس لمن اعتاده، و (قص الأظفار) أو حكها إن
قصت في الخميس (والأخذ من الشارب،
ومباكرة المسجد) والمبادرة إليه،
وأن يكون (على سكينة ووقار)، والمراد بهما: إما واحد، وهو الثاني في الحركة
والمشي، أو المراد بأحدهما: الاطمئنان ظاهرا وبالآخر قلبا، أو التذلل ظاهرا

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الجمعة ح 5 و 11 ج 5 ص 23 و 24.
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الجمعة ح 2 و 11 ج 5 ص 22.
(3) السرائر: كتاب المستطرفات في ما استطرفه عن الرضا عليه السلام ج 3 ص 573.
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة الجمعة ح 11 ج 5 ص 26.
(5) والقائل هو كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 258 س 20، بزيادة ونقصان
واختلاف في اللفظ.
(6) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أوقات نوافل الجمعة ج 1 ص 111 س 4.
81

وباطنا. كل ذلك: إما عند إتيان المسجد أو في اليوم كما في بعض
النصوص (1).
وأن يكون (متطيبا، لابسا أفضل ثيابه) وأنظفها (والدعاء) بالمأثور
قيل: وغيره (أمام التوجه) إلى المسجد. كل ذلك للنصوص المستفيضة (2)
عدا حلق الرأس، فلم أجد به رواية، عدا ما قيل: من أنه ورد في بعض الأخبار
أن مولانا الصادق - عليه السلام - كان يحلق رأسه في كل جمعة (3). ويمكن
إدخاله فيما ورد من الأمر بالتزين يوم الجمعة (4).
(ويستحب الجهر) بالقراءة في الفريضة (جمعة) كانت أ (وظهرا) بلا
خلاف في الأول، بل عليه الاجماع في كلام جماعة مستفيضا، وعلى الأشهر
الأقوى في الثاني أيضا، بل عليه الاجماع في الخلاف (5) للصحاح وغيرها.
وقيل: بالمنع مطلقا (6) للصحيحين (7)، وحملا على التقية كما يشعر به بعض
تلك الصحاح: صلوا في السفر الجمعة جماعة بغير خطبة، وأجهروا بالقراءة،
فقلت: إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر، قال: اجهروا بها (8). هذا مع أن
القائل بهذا القول بعد لم يظهر.
نعم، حكاه الماتن في المعتبر قائلا: إنه الأشبه بالمذهب (9). واستقر به بعض

(1) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب صلاة الجمعة ح 2 ج 5 ص 78.
(2) وسائل الشيعة: ب 33 ص 48 و ب 27 ص 42 و ب 47 ص 77 كل ذلك من أبواب صلاة الجمعة ج 5.
(3) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب آداب الحمام ح 7 ج 1 ص 416.
(4) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب صلاة الجمعة ح 2 ج 5 ص 78.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 407 ج 1 ص 633.
(6) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 8 ص 190.
(7) وسائل الشيعة: باب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 8 و 9 ج 4 ص 820.
(8) تهذيب الأحكام: ب 1 في عمل ليلة الجمعة ويومها ح 51 ج 3 ص 15.
(9) المعتبر: كتاب الصلاة في سن الجمعة ج 2 ص 305.
82

من تأخر (1)، ووافقه الحلي فيما إذا صليت فرادى، واستحب الجهر إذا صليت
جماعة (2)، للصحيح المروي عن قرب الإسناد: عن رجل صلى العيدين وحده
والجمعة، هل يجهر فيها؟ قال: لا يجهر إلا الإمام (3). قيل: ورواه المرتضى (4).
ويدفعه الصحيحان في أحدهما: عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي
أربعا أجهر بالقراءة؟ فقال: نعم (5). وقريب منه الثاني (6). وإطلاق ما عدا
الصحيح الماضي (وأن تصلى (7) في المسجد ولو كانت) صلاته تلك (ظهرا).
قيل: للعمومات (8) وللنص أن أبا جعفر - عليه السلام - كان يبكر إلى
المسجد حين تكون الشمس قدر رمح فإذا كان شهر رمضان يبكر قبل ذلك،
وكان يقول: إن لجمع شهر رمضان على جمع سائر الشهور فضلا كفضل
رمضان على سائر الشهور (9). فتدبر.
(وأن يقدم المصلي ظهره إذا لم يكن الإمام) الذي يريد صلاة الجمعة
معه عادلا (مرضيا) كما في الحسن: قلت لأبي جعفر - عليه السلام -: كيف
تصنع يوم الجمعة؟ قال: كيف تصنع أنت؟ قلت: أصلي في منزلي، ثم أخرج
فأصلي معهم، قال: كذلك أصنع أنا (10)
(ولو صلى معه ركعتين وأتمهما) ظهرا (بعد تسليم الإمام جاز)

(1) لم نعثر عليه.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجمعة ج 1 ص 298.
(3) قرب الإسناد: ص 98 س 5.
(4) لم نعثر عليه.
(5) وسائل الشيعة: ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3 ج 4 ص 819.
(6) وسائل الشيعة: ب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1 ج 4 ص 819.
(7) في المطبوع من الشرح والخطوط: " يصلي " والصحيح ما أثبتناه كما في المتن المطبوع.
(8) لم نعثر عليه.
(9) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 2 ج 5 ص 43.
(10) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 3 ج 5 ص 45.
83

للمعتبرة. منها الصحيح: قلت لأبي جعفر - عليه السلام -: إن أناسا رووا عن
أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه صلى أربع ركعات بعد الجمعة ولم يفصل بينهن
بتسليم، فقال: يا زرارة، إنه - عليه السلام - صلى خلف فاسق، فلما سلم
وانصرف قام أمير المؤمنين - عليه السلام - فصلى أربع ركعات لم يفصل بينهن
بتسليم، فقال له رجل إلى جنبه: يا أبا الحسن صليت أربع ركعات لم تفصل
بينهن بتسليم قال: إنها أربع ركعات مشتبهات فسكت، فوالله ما عقل ما قال
له (1). والموثق كالصحيح: إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم، ولا تقومن
من مقعدك حتى تصلي ركعتين أخريين، قلت: فأكون قد صليت أربعا
لنفسي لم أقتد به؟ فقال: نعم (2).
(ومنها: صلاة العيدين)
أي: عيدي الفطر والأضحى
(وهي واجبة جماعة) بإجماعنا المستفيض، بل المتواتر من أخبارنا.
وإنما
تجب (بشروط الجمعة) المتقدمة بلا خلاف أجده فيما عدا الخطبة، بل
بالاجماع عليه صرح جماعة كالمرتضى في الانتصار والناصرية (3) والشيخ في
الخلاف (4) والفاضل في المنتهى (5) والمحقق الثاني في شرح القواعد (6) والفاضل
المقداد في شرح الكتاب (7). لكنه والمنتهى عبرا فيما عدا العدد بلا خلاف، إلا

(1) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 4 ج 5 ص 45.
(2) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح 1 ج 5 ص 44.
(3) الانتصار: في صلاة العيدين ص 56، والناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 111 ص 239.
(4) الخلاف: كتاب صلاة العيدين م 423 ج 1 ص 651.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 342 س 14.
(6) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 454.
(7) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في أحكام صلاة العيدين ج 1 ص 234.
84

أن الظاهر أن مرادهما به: الاجماع، كما حكي أيضا عن الفاضلين في المعتبر
والنهاية والتذكرة (1). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة القريبة من
التواتر بل المتواترة في اعتبار الإمام والجماعة وجملة منها وإن نكرت الإمام
وقابلت بالجماعة بالوحدة بحيث يستشعر منها كون المراد من الإمام فيها: مطلق
إمام الجماعة. لكن جملة أخرى منها عرفته باللام، فيظهر أن المقصود من التنكير
ليس ما ذكر وإلا لما عرف. وحينئذ فيحمل على ما هو عند الاطلاق والتجرد
عن القرينة متبادر، ومقابلة الوحدة بالجماعة ليس فيها ذلك الإشعار المعتد به،
سيما على القول بمنع الجماعة فيها مع فقد الشرائط. مع أنه على تقدير تسليمه
معار في بظاهر الموثق، بل صريحه: قلت له: متى يذبح؟ قال: إذا انصرف
الإمام، قلت: فإن كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال إذا
استقلت الشمس، وقال: لا بأس أن تصلي وحدك، ولا صلاة إلا مع إمام (2).
فتدبر. هذا، مضافا إلى بعض ما مر في اشتراط هذا الشرط في بحث الجمعة من
القاعدة، وعبارة الصحيفة السجادية (3).
ويدل على اعتبار العدد مضافا إلى الاجماع الظاهر المصرح به هنا على
الخصوص في الخلاف والمنتهى (4) وغيرهما الصحيح في. صلاة العيدين: إذا كان
القوم خمسة أو سبعة فإنهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة (5). وظاهره

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 308، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة
العيدين ج 1 ص 55، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 157.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة العيد ح 6 ج 5 ص 96.
(3) الصحيفة السجادية: في دعاء يوم الأضحى ويوم الجمعة ص 277.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 437 في صلاة العيدين ج 1 ص 664، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في
صلاة العيدين ج 1 ص 342 س 27.
(5) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 142.
85

الاكتفاء بالخمسة. خلافا للعماني فاشترط السبعة مع اكتفائه بالخمسة في
الجمعة (1)، والظاهر أنه رواه كما يظهر من عبارته المحكية، ولم أر ما يدل على
اعتبار الوحدة، عد الاجماع وتوقيفية العبادة المؤيدين بظاهر الصحيح: قال
الناس لأمير المؤمنين - عليه السلام -: ألا تخلف رجلا يصلي العيدين؟ قال:
لا أخالف السنة (2).
وأظهر منه المروي عن دعائم الاسلام، وفيه: قيل له: يا أمير المؤمنين - عليه
السلام -، لو أمرت من يصلي بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد قال: أكره
أن أستن سنة لم يستنها رسول الله صلى الله عليه وآله (3).
ونحوه المروي في البحار، عن كتاب عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم،
عن مولانا الصادق عليه السلام (4). وعن كتاب المجالس، عن رفاعة عنه (5).
وفي هذه الأخبار دلالة واضحة على كون صلاة العيدين منصب الإمام
لمكان استئذان الناس منه - عليه السلام - نصب إمام لها.
وعلى ما ذكرنا فلا وجه للتوقف في اعتبار هذا الشرط كما يحكى عن
الفاضل في التذكرة والنهاية (6). ولا في اعتبار الشرط الأول كما اتفق لجماعة
من متأخري المتأخرين، ومنهم: خالي العلامة المجلسي طاب رمسه (7).

(1) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 251.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة العيد ح 9 ج 5 ص 119.
(3) دعائم الاسلام: كتاب الصلاة في ذكر صلاة العيدين ج 1 ص 185، باختلاف يسير.
(4) بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 1 من أبواب صلاة العيدين وشرائطهما ج 90 ص 373.
(5) لم نعثر عليه في كتاب المجالس للصدوق نعم حكاه البرقي في محاسنه: كتاب مصابيح الظلم باب 11
في الاحتياط في الدين والأخذ بالسنة ح 136، ج 1، ص 222.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في وقت صلاة العيد ج 1 ص 157 س 32، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في الشرائط ج 1 ص 56.
(7) بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 104 في وجوب صلاة العيد وشرائطهما ج 90 ص 375.
86

وأما الخطبتان: فظاهر العبارة كغيرها اشتراطهما، وفاقا لصريح المبسوط (1)
وجماعة، بل قيل: إنه خيرة الأكثر (2). وظاهر الخلاف دعوى الاجماع عليه،
حيث ادعاه على اشتراط وجوب العيدين بشرائط الجمعة، ولم يستثن
الخطبة (3). وعن القاضي: أنهما واجبتان عندنا (4)، مشعرا بدعوى الاجماع،
ولعله الأقوى له، ولصريح الرضوي: صلاة العيد مع الإمام فريضة، ولا تكون
إلا بإمام وخطبة (5). مع أنه المعهود من فعلهم، والمأثور من أوامرهم وذكرهم
الخطبتين في بيان كيفية الصلاة أيضا ظاهر في ذلك، إذ قضية الذكر في بيان
كيفية الواجب الوجوب في جميع ما اشتملت عليه الكيفية، إلا ما أخرجه
الدليل. خلافا للمحكي عن النزهة والمعتبر، فاستحباهما، وادعى الأخير
الاجماع عليه (6).
ونسبه في الدروس والذكرى إلى المشهور (7). وهو غريب، فإنا لم نقف على
مصرح بالاستحباب عداهما وإن تبعهما من متأخري المتأخرين جماعة للأصل.
ويدفع بما مر، ولأن الخطبتين متأخرتان عن الصلاة. ولا يجب استماعهما إجماعا
في المقامين كما حكاه جماعة (8).

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 169.
(2) والقائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 260 س 20
(3) الخلاف: كتاب صلاة العيدين م 437 ج 1 ص 664.
(4) المهذب: كتاب الصلاة باب كيفية صلاة الجمعة ج 1 ص 104.
(5) فقه الرضا (ع): في صلاة العيدين ص 131، باختلاف يسير.
(6) نزهة الناظر: فصل في الخطب الواجبة والمندوبة ص 41. والمعتبر: في صلاة العيدين ج 2 ص 308.
(7) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 44 س 10، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة
في صلة العيدين ص 338 س 35.
(8) منهم مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 4 ص، 120 - 121، وروض الجنان:
كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 300 س 8 و 15.
87

ودل على الأول منهما المعتبرة المستفيضة، ويدفع بمنع الملازمة. ألا ترى أن
جمعا من الأصحاب قالوا بعدم وجوب استماع خطبة الجمعة (1)، مع أن اشتراطها
فيها مجمع عليه بلا شبهة؟! واختار الفاضل الوجوب دون الشرطية (2) للأمر به
في بعض النصوص ولو في ضمن الجملة الخبرية مع عدم ما يدل على الشرطية،
فتكون بالأصل مدفوعة، والمناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة.
ويدخل في شروط الجمعة ما يتعلق منها بالمكلفين بها، فلا تجب هذه الصلاة
إلا على من تجب عليه الجمعة، ولا خلاف فيه بينهم أجده، وبه صرح في
الذخيرة حاكيا هو كغيره: التصريح بالاجماع عليه عن التذكرة (3)، وفي المنتهى
لا نعرف فيه خلافا (4). والمعتبرة من الصحاح وغيرها به في المسافر والمريض
والمرأة مستفيضة، ويلحق الباقي بعدم القائل بالفرق بينه وبينهم بين الطائفة،
مضافا إلى الرضوي المصرح بأنها: مثل صلاة الجمعة واجبة، إلا على خمسة:
المريض والمملوك والصبي والمسافر والمرأة (5). وهو ظاهر، بل نص في المطلوب
بتمامه وإن أوهم في بادئ النظر من حيث مفهوم العدد خلافه، فإنه كبعض
الصحاح المتقدمة في الجمعة يجري فيه التوجيه لإدراج من عدا الخمسة فيهم
بنحو ما مر فيه الإشارة.
(و) هي (مندوبة مع عدمها) أي: تلك الشروط أو بعضها، أو فوتها
مع اجتماعها وبقاء وقتها (جماعة وفرادى) على الأشهر، بل عليه عامة من

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 148 والمعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 2
ص 294.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجمعة ج 1 ص 37.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 319 س 3 والحدائق الناضرة كتاب الصلاة في
صلاة العيدين ج 10 ص 221.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 342 س 30.
(5) فقه الرضا - عليه السلام -: في باب صلاة العيدين ص 132، باختلاف يسير.
88

تأخر.
وفي ظاهر كلام الحلي، والقطب الراوندي دعوى الاجماع على جواز
فعلها جماعة (1) كما سيظهر، ففرادى أولى. وهو الحجة، مضافا إلى النصوص
المستفيضة الآتي إلى جملين منها الإشارة.
خلافا للعماني والمقنع، فمنعا عنها مطلقا (3)، للنصوص المتقدمة المتضمنة:
لأنه لا صلاة إلا مع إمام (3). وخصوص بعضها: أرأيت إن كان مريضا
لا يستطيع أن يخرج أيصلي في بيته؟ قال: لا (4). وهي محمولة على أنه لا صلاة
واجبة. إلا معه، ألا ترى إلى الموثق: لا صلاة في العيدين إلا مع إمام، وإن
صليت وحدك فلا بأس (5). ونحوه آخر (6).
وللحلبي، فمنع عنها جماعة خاصة (7) بهما هو ظاهر المحكي عن المقنعة (8)
والتهذيب (9) والمبسوط (10) والناصرية (11) وجمل العلم والعمل (12) والاقتصاد (13)

(1) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 316، ولم نعثر عليه في فقه القرآن لكن نقله عنه في
مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 113 س 30.
(2) كما عن مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 113 س 31، والمقنع (الجوامع
الفقهية): كتاب الصلاة في صلاة العدين ص 13 س 2.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة العيد ح 6 ج 5 ص 96.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة العيد ح 8 ج 5 ص 97.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة العيد ح 5 ج 5 ص 96.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة العيد ح 6 ج 5 ص 96.
(7) الكافي في الفقه: فصل في صلاة العيدين ج ص 154.
(8) المقنعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 200.
(9) تهذيب الأحكام: ب 6 في صلاة العدين ح 297 ج 3 ص 136.
(10) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 169.
(11) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 111 ص 239.
(12) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): كتاب الصلاة في صلاة العدين ج 3 ص 44.
(13) الاقتصاد: كتاب الصلاة في صلاة العيد ص 270.
89

والمصباح ومختصره (1) والجمل وا لعقود (2) والخلاف (3)، وقواه من فضلاء
المعاصرين جماعة (4) لظاهر الموثقين، وسيما ثانيهما حيث أنه بعد ما سئل فيه
عن فعلها جماعة حيث لم يكن إمام الأصل لم يجب بنعم، بل أجاب ببيان وقت
الذبح (5)، ثم أردفه بقوله: (وإن صليت وحدك إلى آخره). وقريب منهما
الصحيح: من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد،
وليصل في بيته وحده كما يصلي في جماعة (6). مضافا إلى ورود النهي في
الموثق عن إمامة الرجل بأهله في صلاة العيدين في السطح أو بيت (7). ولا قائل
بالفرق مع سلامته كسابقه عما يصلح للمعارضة، عدا مرسلة كالموثقة: صلهما
في ركعتين في جماعة وغير جماعة (8). ونحوهما رواية أخرى مروية عن كتاب الاقبال
مسندة (9). وهما بعد الإغماض عن سندهما غير واضحتي الدلالة بعد قرب
احتمال كون المراد بهما بيان أن صلاة العيدين ركعتان مطلقا، صليت وجوبا
في جماعة أو ندبا في غيرها، ردا على من قال بالأربع ركعات متى فات الصلاة
مع الإمام، مع أن التخيير المستفاد كل إطلاقهما لو لم نقل بأن المراد بهما هذا
مخالف للاجماع، لانعقاده على اختصاصه على تقديره بصورة فقد الشرائط،
وإلا فمع اجتماعها تجب جماعة إجماعا، فلا بد فيه من مخالفة للظاهر. وهي كما

(1) مصباح المتهجد: في صفة صلاة العيد ص 598.
(2) الجمل والعقود: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 86.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 437 ج 1 ص 664.
(4) منهم صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 10 ص 220، والوحيد البهبهاني في
مصابيح الظلام: كتاب الصلاة في العيدين (مخطوط).
(5) في نسخة (م) و (ق) و (خ ل مش) " وقت الصلاة ".
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 98.
(7) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 134، وفيه اختلاف يسير.
(8) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة العيد ح 4 ج 5 ص 98.
(9) إقبال الأعمال: في أعمال يوم عيد الفطر ص 285 س 19.
90

يحتمل أن يكون ما ذكر كذا يحتمل أن يكون ما ذكرنا، بل لعله أولى
للنصوص المتقدمة التي هي في الدلالة على اعتبار الانفراد ظاهرة. وعلى تقدير
التساوي فهو يوجب التساقط. فتجويز الجماعة في هذه الصلاة المندوبة في
مفروض المسألة يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة، بل إطلاق الأدلة على
المنع عن الجماعة في مطلق النافلة على المنع أقوى حجة.
ودعوى الحلي اختصاصها بما لا يجب في وقت وهذه أصلها الوجوب (1)
ممنوعة بأنه لا دليل عليها، لا من إجماع ولا من رواية. وأبعد منها دعواه: أن مراد
الأصحاب بفعلها على الانفراد وانفرادها عن الشرائط، لا عدم الاجتماع، وأنه
اشتبه ذلك على الحلي من قلة تأمله، إلا أن يكون مستنده فيم لا الاجماع الذي
ادعاه على جوازها جماعة حيث قال: وأيضا فاجماع أصحابنا يدمر ما تعلق به،
وهو قولهم بأجمعهم: يستحب في زمان الغيبة لفقهاء الشيعة أن يجمعوا صلوات
الأعياد (2).
وقريب منه كلام القطب حيث قال: من أصحابنا من ينكر الجماعة في
صلاة العيد سنة بلا خطبتين، لكن جمهور الإمامية يصلون هاتين الصلاتين
جماعة، وعملهم حجة (3).
وقريب منهما كلام الفاضل في المختلف أنه بعد تقوية القول بالمنع قال: إلا
أن فعل الأصحاب في زماننا الجمع فيها (4).
أقول: وعلى هذا فيقوى القول بالجواز مطلقا، كما عليه جمهور الأصحاب

(1) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 316.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 316، باختلاف يسير.
(3) لم نعثر عليه في فقه القرآن لكن نقله عنه في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1
ص 113 س 25 و 30.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 113 س 30.
91

قولا وعملا. ويمكن الذب عن أدلة المنع بعدم صراحتها، بل ولا ظهورها فيه بعد
احتمال كون المراد بصلاتها: وحدة صلاتها مع غير الإمام ولو في جماعة كما قد
مر نظيره في بعض أخبار الجمعة. ويمكن أن يكون هذا أيضا مراد الفقهاء
المحكي عنهم المنع عن الجماعة، عدا الحلبي، وهو نادر، أو يكون مرادهم ما أشار
إليه بعض الأفاضل من أنهم إنما أرادوا الفرق بينها وبين الجمعة باستحباب
صلاتها منفردة، بخلاف الجمعة كما هو نص المراسم، واحتاجوا إلى ذلك إذ
شبهوها بها في الوجوب إذا اجتمعت الشرائط (1).
أقول: وأما الموثق المانع عن جماعة الرجل بأهله في بيته وإن لم يقبل شيئا
من هذه المحامل إلا أنه يمكن الجواب عنه: بأن المراد به نفي تأكد الجماعة في
حق النسوة كما ذكره في الذكرى، ويشعر به التعرض في ذيله للنهي عن
خروجهن أيضا (2). أو يخص بما إذا خوطب الرجل بفعلها كما ذكره المحقق
الثاني (3). ولعل هذا أولى. هذا، ولا ريب أن فعلها فرادى أحوط وأولى،
خروجا عن شبهة الخلاف فتوى ونصا.
(ووقتها) أي: هذه الصلاة (ما بين طلوع الشمس إلى الزوال) على
المشهور، بل الظاهر أنه متفق عليه كما في الذخيرة، بل فيه وفي غيره نقل
الاجماع عليه صريحا عن الفاضل في النهاية والتذكرة (4). وبه صرح المحقق الثاني
في شرح القواعد (5). وفي المنتهى: الاجماع على الفوات بالزوال (6). وهو الحجة

(1) المراسم: كتاب الصلاة في ذكر صلاة العيدين ص 78.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 238 س 37.
(3) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 453.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 320 س 21. ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة
في صلاة العيدين ج 4 ص 99.
(5) جامع المقاصد: كتاب الصلاة. في صلاة العيدين ج 1، ص 451.
(6) منتهى المطلب: - كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 343 س 31.
92

عليه، مضافا إلى ظاهر الصحيح، بل صريحه لقوله فيه: إذا شهد عند الإمام
شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا
كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار
ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد (1) ولولا الفوات بعد الزوال لما كان للتأخير
إلى الغد وجه. ونحوه المرفوع (2).
وفي الأول مضافا إلى الاجماعات الدلالة على الامتداد إلى الزوال، لظهور
الشرطيتين فيه في سقوط قوله: (وصلى بهم) بعد قوله: (في ذلك اليوم) في
الشرطية الأولى، وإلا للغتا وخلتا عن الفائدة طرا، فلا وجه للتفصيل بهما بعد
اشتراكهما في الحكم بالافطار. وعليه يحمل إطلاق المرفوع بتأخير الصلاة إلى
الغد حمل المطلق على المقيد.
وأما المروي عن دعائم الاسلام، عن علي - عليه السلام - في القوم لا يرون
الهلال فيصبحون صياما حتى مضى وقت صلاة العيد أول النهار فيشهد شهود
عدول أنهم رأوا من ليلتهم الماضية، قال: يفطرون ويخرجون من غد، فيصلون
صلاة العيد أول النهار (3).
فبعد الاغماض عن سنده يمكن حمل أول النهار فيه على ما يمتد إلى الزوال
بقرينة ما مر من النص والاجماع. فتوهم بعض المعاصرين عدم امتداد وقتها
إليه واختصاصه بصدر النهار (4) ضعيف، سيما مع إمكان الاستدلال عليه
بالاستصحاب، لدلالة الأخبار وكلمة الأصحاب بثبوت وقته بطلوع الشمس أو
انبساطها، مع سكوت الأول عن آخره. فالأصل بقاؤه إلى ما قام الاجماع فتوى

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 104.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 104 - 105.
(3) دعائم الاسلام: كتاب الصلاة في ذكر صلاة صلاة العيدين ج 1 ص 186.
(4) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 10 ص 227 - 229.
93

ونصا على خلافه وهو الزوال. وإن أبيت الاستصحاب قلنا على ذلك: إطلاق
الأخبار المضيقة لهذه الصلاة إلى يوم العيد الظاهر في الامتداد إلى الغروب،
وإنما خرج منه ما بعد الزوال بما مر، فيبقى الباقي تحت الاطلاق.
وبهذا استدل جماعة على كون مبدئها طلوع الشمس، لأنه مبدأ اليوم
العرفي أو الأعم منه ومن قبل طلوعها من عند الفجر لكنه خارج بنحو ما مر.
وهو حسن.
ويدل عليه بعده وبعد الاجماع المحكي المتقدم خصوص الصحيح: ليس في
الفطر والأضحى أذان ولا إقامة، أذانهما طلوع الشمس، إذا طلعت خرجوا (1).
والتقريب: أن الأذان إعلام بدخول الوقت، والخروج بعده مستحب، فدل
على جواز الصلاة عنده لو لم يخرجوا ومنه يظهر ضعف ما قيل في ضعف دلالته:
بأن الشرطية قرينة على أن الطلوع وقت الخروج إلى الصلاة لا وقتها، مضافا
إلى ظهور ضعفه أيضا باستلزامه جهالة أول وقت الصلاة، لعدم تعين مقدار زمان
الخروج قلة وكثرة بحسب الأوقات والأشخاص والأمكنة، فتعين كون الطلوع
مبدأ لنفس الصلاة، لا للخروج إليها كما لا يخفى.
وكذا يجاب عن النصوص المضاهية لهذا الصحيح في جعل الطلوع وقتا
للخروج.
منها: الموثق: عن الغدو إلى الصلاة في الفطر والأضحى، فقال: بعد طلوع
الشمس (2).
ومنها: المروي عن كتاب الاقبال بسنده عن زرارة: لا تخرج من بيتك إلا
بعد طلوع الشمس (3).

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة العيد ح 5 ج 5 ص 152.
(2) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 135.
(3) اقبال الأعمال: في أعمال يوم عيد الفطر ص 281 س 11.
94

والمروي عنه أيضا بسنده عن أبي بصير المرادي: كان رسول الله - صلى الله
عليه وآله - يخرج بعد طلوع الشمس (1).
ونحوهما حديث صلاة مولانا الرضا - عليه السلام - بمرو: فلما طلعت
الشمس قام - عليه السلام - فاغتسل وتعمم الخبر (2). مضافا إلى قصور
أسانيدها. فظهر ضعف القول بأن وقتها الانبساط كما عن النهاية (3)
والمبسوط (4) والاقتصاد (5) والوافي (6) وا لغنية (7) والوسيلة (8) والاصباح (9).
هذا إن أرادوا أنه وقتها على الاطلاق، وإلا فلو أرادوا به اختصاصه
بمريدي الخروج إلى الجبانة - كما هو الغالب - فلا خلاف، وفي الذكرى: بعد نقل
هذين القولين: وهما متقاربان (10).
(ولو فاتت) بأن زالت الشمس، ولم تصل سقطت و (لم تقض) مطلقا،
وفاقا للمشهور، للأصل، والصحيح: من لم يصل مع الإمام في جماعة فلا صلاة. له،
ولا قضاء عليه (11). وقوله - عليه السلام -: " لا صلاة له " محمول على نفي الكمال
دون الصحة لما مر من الأدلة فتوى ورواية على استحباب فعلها أبعد فوتها مع
الإمام فرادى وجماعة.

(1) اقبال الأعمال: في أعمال يوم عيد الفطر ص 281 س 10.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 120.
(3) النهاية: كتاب الصلاة، في صلاة العيدين ص 134.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 169.
(5) الاقتصاد: في ذكر صلاة العيد ص 270.
(6) الوافي: كتاب الصلاة في شرائط صلاة العيدين ج 9 ص 296.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 499 س 33.
(8) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان صلاة العيد ص 111.
(9) الإصباح عنه كما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيد ج 1 ص 262 س 25.
(10) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 239 س 16.
(11) وسائل، الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة العيد ح 3 ج 5 ص 96.
95

وما في الذخيرة من حمله على حال الاختيار لا مطلقا (1) غير نافع للذب عن
مخالفته لو حمل على نفي الصحة للاجماع، لعدم قائل بعدم استحباب فعلها فرادى
أو جماعة لو فاتته اختيارا.
وكما لا قضاء عليه لا يستحب أيضا كما في ظاهر العبارة وصريح جماعة.
قيل: ويعطيه المعتبر (2) للأصل وظاهر الخلاف والمنتهى دعوى الاجماع عليه (3).
خلافا للإسكافي، فقال: إن تحققت الرؤية بعد الزوال أفطروا وغدوا إلى
العيد. واحتج له في المختلف بعموم من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته.
وأجاب: بأن المراد: اليومية، لظهورها عند الاطلاق (4).
قلت: ويؤيده أنه لو عمم لوجب القضاء، مع أنه يرده الصحيح السابق،
مضافا إلى الاجماع المتقدم.
واحتج له في الذكرى بالنبويين في أحدهما: أن ركبا شهدوا عنده - صلى
الله عليه وآله - أنهم رأوا الهلال، فأمرهم أن يفطروا، فإذا أصبحوا أن يغدوا
إلى مصلاهم. وأجاب عنها بأنها لم تثبت من طرقنا (5).
أقول: قد عرفت في المسألة النصوص من طرقنا بمضمونها، وفيها الصحيح
وغيره، وظاهر الكليني (6) والصدوق (7) العمل، بها. ولذا مال إليه جماعة من
متأخري متأخري أصحابنا. وهو حسن لولا الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 320 س 31.
(2) كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 262 س 35.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 447 ج 1 ص 672، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1
ص 343 س 31.
(4) نقله عنه في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 114 س 3.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 239 س 22.
(6) الكافي: كتاب الصلاة باب صلاة العيدين ح 1 ج 3 ص 459.
(7) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة العيدين ج 1 ص 511 ذيل الحديث 1480.
96

لمحققة والمحكية، مع أنه قول جماعة من العامة. فقد حكاه الفاضل في المنتهى
عن الأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد (1). ولذا حملها بعض الأصحاب على
التقية (2).
وفي تعينه مناقشة لاختلاف العامة: فبين قائل بها كهؤلاء، وقائل بما عليه
أصحابنا كأبي حنيفة (3)، ومفصل بين علمهم بالعيد بعد غروب الشمس
فالأول، وعلمهم به بعد الزوال فلا يصلى مطلقا (4).
فلولا الاجماع المنقول في ظاهر الخلاف والمنتهى المعتضد بالشهرة بين
أصحابنا لكان القول بمضامين هذه الأخبار متعينا.
وعن المقنعة: من أدرك الإمام وهو يخطب فليجلس حتى يفرغ من
خطبته، ثم يقوم فيصلي القضاء (5).
وعن الوسيلة: إذا فاتت لا يلزم قضاؤها إلا إذا وصل إلى الخطبة وجلس
مستمعا لها (6). وهو يعم، ما بعد الزوال، وبه الخبر، بل قيل: الصحيح: قلت:
أدركت الإمام على الخطبة، قال: تجلس حتى يفرغ من خطبته، ثم تقوم
فتصلي (7). وهو مع قصور سنده يحتمل أن يكون المراد منه: إن لم تزل الشمس،
ويحتمل أن يراد بالقضاء في الكتابين: الأداء إن لم تزل.
وكذا قول الحلي: ليس على من فاتته صلاة العيدين مع الإمام قضاء

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 343 س 31.
(2) كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيد ج 1 ص 262 س 39.
(3) الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصلاة مباحث صلاة العيد ج 1 ص 349.
(4) المغني لابن قدامة: باب صلاة العيدين ج 2 ص 252.
(5) المقنعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 200.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان صلاة العيد ص 111.
(7) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 99.
97

واجب وإن استحب له أن يأتي بها منفردا (1).
وكذا قول الإسكافي: من فاتته ولحق الخطبتين صلاها أربعا
مفصولات (2). يعني: بتسليمتين. ونحوه كلام علي بن بابويه، إلا أنه قال:
يصليها بتسليمة (3). مع أنه لا مستند لهذه الأقوال الأخيرة عدا رواية ضعيفة: من
فاتته صلاة العيد فليصل أربعا (4). وهي غير منطبقة على شئ منها، لأن قوله:
" أربعا " ينافي ما عليه ظاهر الحلي، وعدم تقييده بلحوق الخطبتين ينافي
الأخيرين، مع عدم دلالتها على التسليمة الواحدة والتسليمتين، لكنها ظاهرة
في هذا.
ونحو هذه الأقوال في عدم الدليل عليه ما اختاره في التهذيب من: أنه مع
الفوات لا قضاء (4). ولكن يجوز أن يصلي إن شاء ركعتين، وإن شاء أربعا من
غير أن يقصد بها القضاء.
(وهي ركعتان) مطلقا، جماعة صليت أو فرادى على الأشهر الأقوى،
للنصوص الآتية، مضافا إلى الخبرين الماضيين: صلهما ركعتين في جماعة وغير
جماعة. خلافا لمن سبق إليه قريبا الإشارة في فوتها مع الإمام خاصة، فأربع ركعات
إما حتما بتسليمتين، أو بتسليمة، أو مخيرا بينها وبين الركعتين، ومر ضعفها
وكيفيتها كصلاة الفريضة، غير أنه (يكبر) هنا (في) الركعة (الأولى
خمسا، وفي الثانية أربعا) غير تكبيرة الإحرام والركوع فيهما على الأشهر
الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا.

(1) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 318.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 114 س 13.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 114 س 13.
(4) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 99.
(5) تهذيب الأحكام: ب 6 في صلاة العدين ذيل ح 24 ج 3 ص 134.
98

وفي المختلف: لا خلاف في عدد التكبيرات وأنه تسع تكبيرات، خمس في
الأولى وأربع في الثانية (1). وظاهره دعوى الاجماع عليه، وبه صرح في الانتصار
والاستبصار والناصرية والخلاف (2). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة
المتضمنة للصحاح والموثق وغيرها.
ففي الصحيح: تكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، ثم تقرأ وتكبر خمسا وتدعو
بينهما، ثم تكبر أخرى وتركع بها فذلك سبع تكبيرات بالتي تفتتح بها، ثم تكبر
في الثانية خمسا، ثم تقوم فتقرأ، ثم تكبر أربعا وتدعو بينهن، ثم تكبر
التكبيرة الخامسة (3).
ونحوه الموثق وغيره من أخبار كثيرة، وفيه: الصلاة قبل الخطبتين،
والتكبير بعد القراءة: سبع في الأولى وخمس في الأخيرة (4). وفيه عن التكبير في
العيدين: فقال سبع وخمس (5).
قيل: يحتمل كتب الصدوق والمفيد والديلمي الثمان (6)، وفي المنتهى: عن
العماني وابن بابويه أنها سبع (7). ومستندهما غير واضح.
نعم، لعله لا بأس بهما على القول باستحباب هذه التكبيرات كما أشار إليه

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 112 س 13.
(2) الإنتصار: في صلاة العيدين ص 56. والاستبصار: كتاب الصلاة باب عدد التكبيرات في صلاة العيدين
ذيل خ 5 ج 1 ص 447 والناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 111 ص 239، والخلاف:
كتاب الصلاة م 430: في صلاة العيدين ج 1 ص 658.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة العيد ح 8 ج 5 ص 107، وفيه " ثم تركع بالتكبيرة الخامسة ".
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة العيد صدر ح 2 ج 5 ص 110.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة العيد ح 5 ج 5 ص 106.
(6) المقنع: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1، ص 46، والمقنعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين
ص 195، والمراسم: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 78.
(7) منتهى المطلب كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 340 س 32.
99

في المنتهى، فقال: الوجه عندي أن التكبير مستحب لما يأتي، فجائز فيه
الزيادة والنقصان (1). وهو حسن، لكن القول بالاستحباب ضعيف بمخالفته
التأسي، وظاهر النصوص والاجماع المنقول عن ظاهر الانتصار المؤيد جميع
ذلك بالشهرة الظاهرة والمحكية في كلام جماعة، مع عدم وضوح دليلا عليه،
عدا الأصل المضعف بما مر، والصحيح وغيره المحمولين على تقدير تسليم دلالتهما
على التقية كما في الاستبصار وغيره. قال: لأنهما موافقان لمذاهب كثير من
العامة ولسنا نعمل به، واجماع الفرقة المحقة على ما قدمنا (3).
ومحل هذه التكبيرات (بعد قراءة الحمد والسورة (3) وقبل تكبير الركوع
على) الأظهر (الأشهر) بين الطائفة، وفي صريح الانتصار والخلاف
الاجماع عليه (4). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المتقدمة " خلافا للإسكافي
والصدوق في الهداية، فجعلاه في الركعة الأولى قبل القراءة (5). وبه أخبار
صحيحة (6)، لكنها محمولة على التقية.
قال الشيخ: لأنها موافقة لمذاهب العامة (7). وللمفيد وغيره قول آخر (8)
ذكرته في الشرح.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 341 س 6.
(2) الاستبصار: ب 278 باب عدد التكبيرات في صلاة العيدين ذيل ح 5 ج 1 ص 447.
(3) في المتن المطبوع: " في الركعتين " بعد قوله والسورة.
(4) الإنتصار: في صلاة العيدين صلاة، والخلاف: كتاب الصلاة م 430 و 431 ج 1
ص 658 و 660.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة قي صلاة العيدين ج 1 ص 111 س 36، والهداية (الجوامع الفقهية):
باب صلاة العيدين ص 56 س 31.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة العيد ج 16 و 18 و 20 ج 5 ص 108 و 109.
(7) الاستبصار: كتاب الصلاة باب 279 في كيفية التكبير في صلاة العيدين ج 1 ص 451 ح 1740.
(8) المقنعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 194.
100

(ويقنت) وجوبا (مع كل تكبيرة) أي: بعدها (بالمرسوم
استحبابا) ولم يتعين، بل يقنت بما شاء من الكلام الحسن كما في الصحيح (1)
المعتضد باختلاف النصوص في القنوت المأثور، مع أنه لا خلاف فيه إلا من
الحلبي، فقال: يلزمه أن يقنت بين كل تكبيرتين، فيقول: " اللهم أهل
الكبرياء والعظمة " (2). وهو شاذ، مع أن في الذكرى: إن أراد به الوجوب
تخييرا والأفضلية فحق، وإن أراد به الوجوب عينا فممنوع (3). وما قلناه من
وجوب القنوتات هو المشهور بين الأصحاب. وفي الانتصار والغنية: الاجماع
عليه (4). وهو الحجة، مضافا إلى ما مر في وجوب التكبيرات من الأدلة.
خلافا للخلاف (5) وجماعة، فتستحب للأصل. ويضعف بما مر، ولعدم نصوصية
الأخبار والصلوات في الوجوب، ويضعف بكفاية الظهور، ولخصوص ظاهر قوله
في المضمر: وينبغي أن يقنت بين كل تكبيرتين ويدعو الله تعالى (6). وفيه بعد
الاغماض عن قصور السند أو ضعفه، وعدم وضوح ظهوره لكثرة الأخبار
والفتاوى في التعبير عن الواجبات ب‍ (ينبغي) أن في بعض النسخ " وينبغي
أن يتضرع " (7) ولاستلزام استحباب التكبيرات استحبابها، وهو ضعيف بما مضى.
(وسننها) أمور: (الإصحار بها) أي: الخروج إلى الصحراء، لفعلها

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب صلاة العيد ذيل ح 1 ج 5 ص 131، باختلاف في اللفظ.
(2) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 154.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في تكبيرات العيدين ص 242 س 18.
(4) الإنتصار: في صلاة العيدين ص 57، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة في صلاة
العيدين ص 499 س 31.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 424 ج 1 ص 651.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة العيد ذيل ح 19 ج 5 ص 109، وفيه: (يتضرع) بدل
(يقنت).
(7) المصدر السابق، وتهذيب الأحكام: كتاب الصلاة باب 6 في صلاة العيدين، ذيل ح 283 ج 3 ص 130.
101

بإجماعنا وأكثر العامة كما صرح به جماعة (1)، والنصوص به مع ذلك
مستفيضة (2). وعن النهاية: لا يجوز إلا في الصحراء (3). ولعل مراده: تأكد
الاستحباب، لأنه أحد نقلة الاجماع عليه في الخلاف (4). وفي الصحيح:
لا ينبغي أن يصلي صلاة العيد في مسجد مسقف ولا في بيت إنما يصلي في
الصحراء أو مكان بارز (5). ويستثنى منه مكة زادها الله شرفا وتعظيما،
للخبرين: من السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين، إلا
أهل مكة، فإنهم يصلون في المسجد الحرام (6). ولتكن فيه أيضا تحت السماء
لا تحت الظلال، لعموم الصحيح السابق وغيره بالبروز إلى آفاق السماء وألحق
به الإسكافي المدينة (7) على مشرفها ألف سلام وصلاة وتحية، للحرمة.
وحكاه الحلي أيضا عن طائفة (8).
وترده النصوص عموما وخصوصا، وفيه: قيل لرسول الله - صلى الله عليه
وآله - يوم فطر أو أضحى: لو صليت في مسجدك! فقال: إني لأحب أن أبرز
إلى آفاق السماء (9). ويستثنى منه أيضا حال الضرورة للمشقة، وخصوص
المعتبرة.

(1) منهم مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة العيد ج 4 ص 111، والحدائق الناضرة كتاب
الصلاة ج 10 ص 264، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 443.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 117.
(3) النهاية ونكتها: ب 20 في صلاة العيدين ج 1 ص 373.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 427 ج 1 ص 654.
(5) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة العيدين ح 2 ج 5 ص 117، باختلاف في اللفظ.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة العيدين ح 3 ج 5 ص 117، من دون (من) في أوله.
(7) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 115 س 3.
(8) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة العيدين ج 1 ص 318.
(9) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة العيدين ح 7 ج 5 ص 118، مع اختلاف يسير.
102

منها: مرض أبي - عليه السلام - يوم الأضحى، فصلى في بيته ركعتين،
ثم ضحى (1).
ومنها: الخروج في يوم الفطر والأضحى إلى الجبانة حسن لمن استطاع
الخروج إليها (2). ووقت الخروج بعد طلوع الشمس على المشهور، وفي الخلاف
الاجماع عليه (3). وهو صريح ما مر في بحث الوقت من النصوص. خلافا
للمقنعة، فقبل الطلوع (4).
قيل: ويوافقه الطبرسي في ظاهر جوامع الجامع، إذ قال: كانت الطرقات
في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة بالمبكرين يوم الجمعة يمشون
بالسرج، وقيل: أول بدعة أحدثت في الاسلام ترك البكور إلى الجمعة (5)
انتهى. وهو مع مخالفته لما مر مضافا إلى استحباب الجلوس بعد صلاة الفجر إلى
طلوع الشمس غير واضح المستند، مع أن في الخلاف نسب التكبير إلى
الشافعي خاصة مدعيا على خلافه إجماع الإمامية (6) كما عرفته.
(والسجود على الأرض) للنصوص الصحيحة، وهو وإن كان أفضل في
سائر الصلوات وفي غيرها لكنه آكد هنا. وعن الهداية وفي غيرها: قم على
الأرض ولا تقم على غيرها (7). ولا بأس به للصحيح وغيره (8).

(1) وسائل الشيعة: ب 3 س من أبواب صلاة العيدين في صدر حديث ح 3 ج 5 ص 98.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة العيدين في صدر حديث ح 8 ج 5 ص 97.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 449 ج 1 ص 675.
(4) المقنعة: كتاب الصلاة باب 18 صلاة العيدين ص 194.
(5) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 262
س 31.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 449 ج 1 ص 675.
(7) الهداية (الجوامع الفقهية): باب صلاة العيدين ص 56 س 31.
(8) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة العيد ح 1 و 5 ج 5 ص 117 و 118.
103

(وأن يقول المؤذن: الصلاة) بالرفع أو النصب (ثلاثا) كما في
الصحيح (1) ولا خلاف فيه بين العلماء كما قيل (2). وعن العماني: أن يقول:
الصلاة جامعة (3) ولم أعرف مستنده وهل المقصود به إعلام الناس بالخروج إلى
الصلاة فيكون كالأذان المعلم بالوقت كما في الذكرى عن ظاهر
الأصحاب (4) أو بالدخول فيها فيكون بمنزلة الإقامة قريبة منها كما الحلبي؟ (5)
وجهان، والظاهر تأدي السنة بكل منهما كما قيل (6).
(وخروج الإمام حافيا) تأسيا بمولانا الرضا - عليه السلام - مع نقله ذلك
عن النبي - صلى الله عليه وآله - والوصي عليه السلام، ولأنه أبلغ في التذلل
والاستكانة.
قيل: وأطلق استحبابه في التذكرة ونهاية الإحكام، وفيهما الإجماع، وفي
التذكرة إجماع العلماء، ونص في المبسوط على اختصاصه بالإمام، وهو ظاهر
الأكثر، ولا أعرف له جهة، سوى أنهم لم يجدوا به نصا عاما، ولكن في المعتبر
والتذكرة: أن بعض الصحابة كان يمشي حافيا، وقال: سمعت رسول الله
- صلى الله عليه وآله - يقول: من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما على
النار (7).
وأن يكون (على سكينة وقار) ذاكرا لله تعالى، للإجماع المحكي عن

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة العيدين ح 1 ج 5 ص 101.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة العيد ج 4 ص 113.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في سنن العيد ج 2 ص 316، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة العيد
ج 10 ص 266.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 240 س 20.
(5) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 153.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة العيد ج 4 صن 113.
(7) كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 260 س 33.
104

الخلاف (1) ونهاية الإحكام (2) والتذكرة (3). قيل: وفيها إجماع العلماء (4). وعن
مولانا الرضا - عليه السلام - أنه كان يمشي ويقف في كل عشر خطوات ويكبر
ثلاث مرات (5).
(وأن يطعم) ويأكل (قبل خروجه) إلى الصلاة (في الفطر، وبعد
عوده) منها (في الأضحى) إجماعا، للنصوص المستفيضة.
ويستحب في الأول التمر للنصوص، ومنها: الرضوي، وزيد فيه الزبيب (6).
وفي المنتهى (7) والتحرير (8) والتذكرة (9) والمبسوط (10) والمهذب (11) والسرائر (12)
وغيرها: استحباب الحلو، وفي السرائر والذكرى والبيان: أن أفضله السكر (13).
ولعله للرضوي. وروي عن العالم: الإفطار بالسكر، وفيه أيضا: أفضل ما يفطر
عليه طين قبر الحسين عليه السلام (14)

(1) لم نعثر عليه.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 64.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 160 س 4.
(4) القائل الفاضل الهندي في كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيد ج 1 ص 260 س 39.
(5) وسائل الشيعة: ب 19 في أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 121.
(6) فقه الرضا عليه السلام: في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 210.
(7، منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 345 س 4.
(8) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 46 س 14.
(9) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 160 س 11.
(10) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 169.
(11) المهذب: كتاب الصلاة باب كيفية صلاة العيدين ج 1 ص 121.
(12) السرائر كتاب الصلاة في أحكام صلاة العيدين ج 1 ص 318.
(13) السرائر كتاب الصلاة في أحكام العيدين ج 1 ص 318، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة
العيدين ص 240 سطر آخر. والبيان: كتاب الصلاة في سن صلاة العيدين ص 113.
(14) فقه الرضا عليه السلام: في نوافل شهر رمضان ودخوله ص 210.
105

أقول: وبه رواية علي بن محمد النوفلي (1). لكنهما لضعف بسندهما
ومخالفتهما لعموم المنع عن الطين شاذتان، كما صرح به الشهيد - رحمه الله -
والحلي (2). فطرحهما متعين. ويمكن حملهما على استحباب الإفطار بها في صورة
جواز أكله بقصد الاستشفاء لا مطلقا.
وفي الثاني كون مطعومه (مما يضحي به) إن كان ممن يضحى،
للصحيح: لا تخرج يوم الفطر حتى تطعم شيئا، ولا تأكل يوم الأضحى إلا من
هديك وأضحيتك إن قويت عليه، وإن لم تقو فمعذور (3).
(وأن يقرأ) بعد الحمد (في) الركعة (الأولى ب‍) سورة (الأعلى)
(وفي الثانية ب‍) سورة (والشمس) وضحاها، كما في الخبرين (4). وقيل:
بالشمس في الأولى والغاشية في الثانية للصحيحين (4). وهذان القولان
مشهوران، بل على ثانيهما الإجماع في الخلاف (6) ولعله الأقرب.
وهنا أقوال أخر غير واضحة المأخذ، عدا الرضوي (7) لبعضها، ولا خلاف
في جواز العمل بالكل، وإنما اختلفوا في الأفضل، ولعله ما ذكرنا.
والتكبير في العيدين معا على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخري

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 114.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 240 سطر آخر، والسرائر: كتاب الصلاة في
أحكام صلاة العيدين ج 1 ص 113.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 113.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة العيد في صدر الحديث ح 1 ج 5 ص 100، ووسائل الشيعة
ب 10 من أبواب صلاة العيد في الحديث ح 10 ج 5 ص 107.
(5) والقائل هو كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 259 سطر آخر.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 434 صلاة العيدين ج 1 ص 662.
(7) فقه الرضا - عليه السلام -: باب صلاة العيدين ص 131.
106

أصحابنا، وعليه الإجماع في المنتهى (1). وهو الحجة، مضافا إلى الأصل والمعتبرة
كالصحيح: عن التكبير أيام التشريق أواجب هو؟ قال: يستحب (2). وفي آخر
مروي عن نوادر البزنطي في السرائر عن التكبير بعد كل صلاة، فقال: كم
شئت، إنه ليس بمفروض (3). وفي الخبر: أما إن في الفطر تكبيرا ولكنه
مسنون (4).
والعدول عن الجواب بنعم إلى الجواب بقوله: يستحب في الأول صريح في
أن المراد به: الاستحباب بالمعنى المصطلح. كما أن التفويض إلى المشيئة مع
التعليل بأنه ليس بمفروض في الثاني صريح في نفي الوجوب بالمعنى المصطلح،
لا نفي الوجوب الفرضي المستفاد من الكتاب في مقابلة الوجوب المستفاد من
السنة، مع عدم استقامته بعد تضمن الكتاب للأمر به في قوله: (ولتكبروا الله
على ما هداكم) (5). وعن التبيان، ومجمع البيان، وفقه القرآن للراوندي أن
المراد به: التكبير (6) المراد هنا، كما في النص المروي عن الخصال (7)،
وقوله
تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات) (8) وهي أيام التشريق بلا خلاف

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 347 س 3.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة العيد صدر الحديث 10 ج 5 ص 126، وفيه: أواجب أم
لا؟.
(3) مستطرفات السرائر: من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ح 27 ص 30، وفيه: " كبر أيام
التشريق عند كل صلاة، قلت له: كم؟...).
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة العيد صدر الحديث 2 ج 5 ص 122.
(5) البقرة: 185.
(6) التبيان: في تفسير الآية 185 من سورة البقرة ج 2 ص 125.، ومجمع البيان: في تفسير الآية 185 من
سورة البقرة ج 2 ص 124، وفقه القرآن: في ذيل تفسير آية (ولتكبروا الله على ما هداكم -) ج 1
ص 165.
(7) الخصال: باب الواحد إلى المائة ح 9 ج 2 ص 609.
(8) البقرة: 203.
107

كما في الخلاف (1) والصحيح (2). والذكر فيها: التكبير كما في الأخير.
ومنه يظهر الجواب عن حمل السنة في الخبر الأخير على الوجوب النبوي، مع
منافاته الاستدراك فيه، مع عدم مصير القائل بالوجوب إليه، لاستناده في إثباته
إلى الأمر الكتابي.
وهذه الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع يحمل على
الاستحباب ما ظاهره الوجوب من الكتاب والسنة. فظهر ضعف القول
بالوجوب فيهما كما عن المرتضى في الانتصار (3).
أو في التشريق خاصة مطلقا كما عنه في الجمل (4) أو على من كان بمنى
كما عن الشيخ في التبيان (5) والاستبصار (6) والجمل (7) والشيخ أبي الفتوح في
روض الجنان (8) وابن حمزة (9) والراوندي في فقه القرآن (10)
أو في الفطر خاصة كما عن ابن شهرآشوب في متشابه القرآن (11). هذا
واختلاف النصوص والفتاوى في بيان كيفية التكبير مطلقا - كما يأتي - أقوى
دليل على الاستحباب، سيما بعد اعتضاده بترك عامة الناس له، مع عموم

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 442: في صلاة العيدين ج 1 ص 668.
(2) وسائل الشيعة ب 21 من أبواب صلاة العيد في صدر الحديث ح 3 ج 5 ص 124.
(3) الإنتصار: في صلاة العيدين ص 57.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 3 ص 45.
(5) التبيان: في تفسير الآية 203 من سورة البقرة ج 2 ص 176.
(6) الاستبصار: باب 2006 باب أن التكبير في أيام التشريق عقيب الصلوات المفروض فرض واجب
ح 1 ج 1 ص 299.
(7) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 3 ص 545.
(8) تفسير أبو الفتوح: في تفسير الآية 200 من سورة البقرة ج 2 ص 136.
(9) الوسيلة: كتاب الصلاة في صلاة العيد ص 112.
(10) فقه القرآن: في ذيل تفسير آية (واذكروا الله في أيام معدودات) ج 1 ص 300.
(11) متشابه القرآن: في ذيل تفسير آية (ولتكبروا الله على ما هداكم) ج 2 ص 177.
108

البلوى به، واشتراك جميع المكلفين فيه: من رجل أو امرأة، صغير أو كبير، في
جماعة أو فرادى، في بلد أو قرية، في سفر أو حضر، كما يقتضيه إطلاق الأدلة.
وادعى في الخلاف عليه إجماع الفرقة (1). وفي الخبر: على الرجال والنساء أن
يكبروا أيام التشريق في دبر الصلوات، وعلى من صلى وحده، ومن صلى
تطوعا (2)
(ثم التكبير (3) في الفطر عقيب أربع صلوات: أولها المغرب وآخرها
صلاة العيد) للأصل، وصريح الخبر: أين هو؟ قال: في ليلة الفطر، في المغرب
والعشاء الآخرة، وفي صلاة الفجر، وصلاة العيد ثم يقطع (4). وفي الفقيه
وغيره: وفي الظهر والعصر. وظاهره: الفتوى بالاستحباب عقيبهما أيضا، كما
حكي التصريح به عنه في المقنع والأمالي (6).
قيل: وأسنده في العيون، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه
السلام: والتكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات (7).
وفي الخصال، عن الأعمش، عن الصادق عليه السلام: أما في الفطر ففي خمس
صلوات: يبدأ به من صلاة المغرب إلى صلاة العصر من يوم الفطر (8). وكأنه
فهم منهما خمس فرائض مع العيد، فتكون ستا، كما نص عليه فيما قد ينسب إلى

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 444 ج 1 ص 670.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 128، باختلاف يسير في اللفظ.
(3) في المتن المطبوع " والتكبير ".
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 122.
(5) من لا يحضره الفقيه: باب التكبير ليلة الفطر ويومه... ح 2034 ج 2 ص 167.
(6) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب التكبير أيام التشريق ص 24 س 18، وأمالي الصدوق:
المجلس 93 ص 517.
(7) والقائل هو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في العيدين ج 10 ص 278.
(8) الخصال: باب الواحد إلى المائة ح 9 ج 2 ص 609.
109

الرضا عليه السلام (1).
أقول: وعلى القول بجواز التسامح في أدلة السنن لا بأس بمتابعته.
(وفي الأضحى عقيب خمس عشرة:) فريضة (أولها ظهر يوم العيد
لمن كان بمنى، وفي غيرها عقيب عشر) صلوات فرائض مبدأها كما ذكر
بلا خلاف أجده، والنصوص به مستفيضة، وظاهرها كالعبارة ونحوها من
عبائر الجماعة اختصاص الاستحباب بالفريضة دون النافلة كما صرح به في
الصحيح: التكبير في كل فريضة، وليس في النافلة تكبير أيام التشريق (2)
خلافا للشيخ؟ الإسكافي، فألحقاها بها وإن فرقا بينهما بوجوبه في الأولى
واستحبابه في الثانية (3)، للمعتبرة المصرحة بذلك (4) المعتضدة بإطلاق جملة من
النصوص المستفيضة (5). لكنها مقيدة بجملة أخرى منها (6)، مضافا إلى
الصحيحة الصريحة (7) المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، كما
يفهم من الفاضل في بعض كتبه (8).
فهذه أرجح من تلك المعتبرة، لكن لا بأس بها أيضا على القول بالمسامحة في
أدلة السنن، والكراهة، كما لا بأس لأجله بالمصير إلى إلحاقها بها في الفطر، كما

(1) فقه الرضا - عليه السلام -: في باب نوافل شهر رمضان... ص 209.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 130.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 444 ج 1 ص 67، ومختلف الشيعة: كتاب صلاة العيدين ج 1 ص 115 س 28.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة العيد ح 12 ج 5 ص 126 و ب 25 من أبواب صلاة العيد ح 1
ج 5 ص 130.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة العيد ج 5 ص 123.
(6) وسائل الشيعة ب 25 من أبواب، صلاة العيد ح 2 و 3 ج 5 ص 130.
(7) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 135.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 161 س 23 - 24.
110

قال به الإسكافي (1) فيه أيضا وإن لم نقف له فيه على نص أصلا. واستدل له
في المختلف: بأنه ذكر يستحب على كل حال. وأجاب: بأنه مستحب من
حيث أنه تكبير، أما من حيث أنه تكبير عيد فيمنع مشروعيته (2).
وصورته على ما ذكره الماتن هنا في التشريق (يقول (3): الله أكبر الله أكبر،
لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر (4) على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من
بهيمة الأنعام (5). وفي الفطر (6) الله أكبر ثلاثا، لا إله إلا الله، والله أكبر (7) ولله
الحمد، الله أكبر على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا. والمشهور على ما في
الروض وغيره في الفطر: " الله أكبر الله أكبر، لا الله إلا الله، والله أكبر، الله
أكبر على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا). وكذا في الأضحى إلا أنه يزاد
فيه بعد قوله: " على ما أولانا " " ورزقنا من بهيمة الأنعام) (8).
أقول: والأقوال هنا مختلفة غاية الاختلاف كالنصوص فيما يتعلق منها
بالفطر روايات.
منها: كما في المتن، لكن بزيادة " الله أكبر " قبل " ولله الحمد " وإسقاط
" وله الشكر إلى آخره " وحذف التكبيرة الثالثة في أكثر النسخ. ونحوها
أخرى، لكن بحذفها طرا وحذف التكبيرة الأخرى قبل " ولله الحمد " كالمتن،

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 115 س 19.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 115 س 29.
(3) أثبتناه من المتن المطبوع، وفي أكثر النسخ الخطية: " أن يقول ".
(4) في المتن المطبوع: " وله الحمد الله أكبر - خ ".
(5) في المتن المطبوع: " والحمد لله على ما أبلانا - خ ".
(6) في المتن المطبوع زيادة (يقول).
(7) في المتن المطبوع: زيادة (الله أكبر).
(8) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 352 س 13، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة
في صلاة العيد ج 4 ص 115.
111

وزيادة " والحمد الله على ما أبلانا " بعد قوله: " هدانا ".
ومنها: المروي عن الإقبال: التكبير أن يقول: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا
الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا (1). ومما يتعلق منها
بالأضحى روايات أيضا:
منها: الصحيح كما في المتن، ولكن بزيادة " ولله الحمد الله أكبر " قبل
" على ما هدانا " و " الحمد لله على ما أبلانا " بعد قوله " من بهيمة
الأنعام " (2). ونحوه آخران، لكن باسقاط الزيادة الأخيرة (3). إلى غير ذلك من
النصوص الغير الملتئمة هي كنصوص الفطر مع شئ من الأقوال المنقولة في
المقامين. وكل ذلك أمارة الاستحباب. فالعمل بكل منها حسن إن شاء الله
تعالى، وبه صرح جماعة من أصحابنا.
(ويكره الخروج بالسلاح) إلا للضرورة للنص (4).
(وأن يتنفل)
أداء وقضاء (قبل الصلاة) أي: صلاة العيد (وبعدها) إلى الزوال،
للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة: صلاة العيد ركعتان ليس قبلهما ولا
بعدهما شئ (5). والمراد بها: نفي الصلاة قبلهما وبعدهما، كما يعرب عنه
الصحيحان: لا تقض وتر ليلتك في العيدين إن فاتك حتى تصلي الزول (6).
وظاهر النهي فيهما كالنهي في سابقتهما المنع عنها وحرمتها كما حكي عن جماعة

(1) اقبال الأعمال: ص 271 سطر آخر.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة العيد ح 4 ج 5 ص 124 و 125.
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة العيد ح 3 ج 5 ص 124 و ج 5 ص 125.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 116.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة العيد ح 7 ج 5 ص 152.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 101، باختلاف يسير.، والآخر: ب 7 من
أبواب صلاة العيد ح 9 ج 5 ص 102.
112

من قدمائنا (1). لكن الأشهر ما في المتن، بل لا خلاف فيه يظهر بين عامة من
تأخر وربما يظهر من جملة منهم كونه مجمعا. عليه كما هو ظاهر المنتهى (2) وصرح
به في الخلاف (3) وشرح القواعد للمحقق الثاني، فقال: أجمع علماؤنا على
كراهة التنفل قبلها وبعدها إلى الزوال للإمام والمأموم (4) إلى آخر ما قاله.
ولولا هذه الاجماعات المنقولة الصريحة في نفي الحرمة المعتضدة بالشهرة
العظيمة وأصالة البراءة لكان القول بها في غاية القوة، لظواهر المستفيضة
السليمة عن المعارض فيما أجده.
نعم، أسند الصدوق في ثواب الأعمال: عن سلمان قال: قال رسول الله
- صلى الله عليه وآله -: من صلى أربع ركعات يوم الفطر بعد صلاة الإمام يقرأ
في أولاهن " سبح اسم ربك الأعلى) فكأنما قرأ جميع الكتب، كل كتاب
أنزله الله تعالى، وفي الركعة الثانية (والشمس وضحاها) فله من الثواب
ما طلعت عليه الشمس، وفي الثالثة " والضحى) فله من الثواب كمن أشبع
جميع المساكين ودهنهم ونظفهم، وفي الرابعة " قل هو الله أحد " ثلاثين مرة غفر
الله تعالى له ذنوب خمسين سنة مستقبلة، وخمسين سنة مستدبرة (5). لكنه غير
واضح السند والتكافؤ لما مر، مع ظهوره في الاستحباب، ولم يظهر به قائل من
معتمدي الأصحاب، بل قال الصدوق بعد نقله: هذا لمن كان إمامه مخالفا،

(1) منهم الشيخ الصدوق - رحمه الله - في المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب صلاة العيدين
ص 13 س 1، والشيخ في المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 170، وابن حمزة في
الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان صلاة العيد ص 111، والحلبي في الكافي في الفقه: في صلاة
العيدين ص 155. وغيرهم.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1، ص 346 س 6.
(3) الخلاف: كتاب صلاة العيدين م 438 ج 1 ص 665.
(4) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 457.
(5) ثواب الأعمال: في ثواب من صلى أربع ركعات... ح 1 ص 102.
113

فيصلي معه تقية، ثم يصلي هذه الأربع ركعات للعيد فأما من كان إمامه
موافقا لمذهبه وإن لم يكن مفروض الطاعة لم يكن له أن يصلي بعد ذلك حتى
تزول الشمس (1).
أقول: وكذا التوجيه يخرج الخبر عن محل الفرض، لكون الأربع ركعات
حينئذ هي صلاة العيد كما عليه جماعة تقدم إلى ذكرهم مع دليلهم الإشارة.
هذا ولا ريب أن الترك أحوط وأولى
(إلا بمسجد النبي صلى الله عليه
وآله) بالمدينة فإنه يصلي فيه (قبل خروجه) إلى الصلاة ركعتين على
المشهور للنص (2)، وبه يقيد إطلاق ما مر.
ويضعف القول باطلاق الكراهة كما في الخلاف وعن المقنع (3). ونحوه
في الضعف إلحاق المسجد الحرام كما عن الكندري (4)، وكذا عن الإسكافي،
كن بزيادة " كل مكان شريف).
قال: وروي عن أبي عبد الله - عليه السلام -: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - كان يفعل ذلك في البدأة والرجعة في مسجده (5). قال الشهيد: وكأنه
قياس، وهو مردود (6).
أقول: والرواية أيضا لم تثبت، واحتج له في المختلف بتساوي المسجدين في
أكثر الأحكام، وبتساوي الابتداء والرجوع.

(1) ثواب الأعمال: في ثواب من صلى أربع ركعات... ذيل الحديث 1 ص 152، باختلاف مع زيادة
ونقصان.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة العيد ح 10 ج 5 ص 102.
(3) الخلاف: كتاب صلاة العيدين م 438 ج 1 ص 665، والمقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة
باب صلاة العيدين ص 13 س 1، حيث أطلق الحكم ولم يستثن.
(4) كما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 264 س 26.
(5) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 114 س 20.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 239 السطر الأخير.
114

وأجاب بمنع التساوي في المقامين (1). وربما يحتج له بعموم أدلة استحباب
صلاة التحية، مع عدم صلاحية المستفيضة المتقدمة لتخصيصها، إذ ليس
مفادها، إلا أنه لم يرتب في ذلك اليوم نافلة إلى الزوال، وأن الراتبة لا تقضى
فيه قبل الزوال، وذلك لا ينافي التحية إذا اجتاز بمسجد بدء وعودا، النص
المستثنى إنما أفاد استحباب اتيان مسجده - صلى الله عليه وآله - والصلاة فيه
وعدم استحباب مثله في غير المدينة، وهو أمر وراء صلاة التحية إذا اجتاز
بمسجد وإن فهم منه الحلي استحباب الصلاة إن اجتاز به (2).
وفيه نظر، لابتنائه على أن المراد من نفي الصلاة في المستفيضة نفي
التوظيف لا المنع عن فعل أصل النافلة، وهو خلاف ما فهمه منها الجماعة حتى
الإسكافي، والمستدل له بهذه الحجة، حيث أنه قال بعد نقل أحد الصحيحين
الأخيرين: ولولاه أمكن أن يكون معنى تلك الأخبار أنه لم يوظف في العيدين قبل
صلاتهما صلاة (3). ولأجله وافق القوم على استنباط الكراهة من الأخبار المزبورة
ومنه يظهر ضعف ما مر (4) عن الفاضلين في المعتبر والنهاية والتذكرة: من
استحباب صلاة التحية إن صليت العيد في المسجد (5)، لعدم ظهور وجه له، عدا
ما يقال من عموم أدلة استحباب التحية (6).

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 114 س 25.
(2) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة العيدين ج 1 ص 317.
(3) والمستدل له هو الفاضل في كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 264 س 24.
(4) لا يخفى أنه لم يمر منه أبدا، لعله حصل منه خلط في النقل من باب أنه دائما ينقل عن كشف اللثام،
فمن كثرة نقله عنه تصور أنه نقل سابقا عنه فقال (ومنه يظهر ضعف ما مر عن الفاضلين) الخ. وهو
موجود بالفعال في كشف اللثام. فلاحظ دقيقا.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 24، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة
العيدين ج 2 ص 58، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 162 س 2.
(6) كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 264 س 31.
115

وفيه: أنه أعم من المستفيضة الواردة هنا، وهي خاصة بالنسبة إليه كما
صرح به في الذكرى (1)، ويظهر أيضا من المنتهى (2)، ولذا قالا بالمنع عنها.
ويمكن أن يقال: بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه لا مطلقا كما
صرح به بعض أصحابنا (3) ومعه فيكفي في استحباب التحية عموم الصلاة خير
موضوع، لكن فيه: أن بين هذا العموم والنصوص المانعة عموما وخصوصا مطلقا،
فيخص بها قطعا، فتبقى شرعية التحية في مفروض المسألة لا دليل عليها.
ولو سلم عموم ما دل على استحبابها كان مطلقا غير مشروط بوقوع صلاة
العيد في المسجد أو غيره، ومع ذلك لا وجه لتخصيص الاستحباب بتحية
المسجد، بل ينبغي إلحاق مطلق النوافل ذوات الأسباب، بكل منهما خلاف ما
ذكراه. وهذا أوضح شاهد على أن النصوص المانعة هنا أخص من عمومات
التحية ونحوها، وأن دليلهما غيرها كما لا يخفى.
وهل كراهة النافلة أو حرمتها يختص بما إذا صليت العيد كما هو ظاهر
العبارة وغيرها، أم يعمه وغيره كما هو مقتضى إطلاق الصحيحين الأخيرين؟
وجهان، ولعل الثاني أجودهما.
وهنا (مسائل خمس:
الأولى: قيل: التكبير الزائد) في الصلاة وهو التسع التكبيرات التي
تفعل بعد القراءة أو قبلها على التفصيل المتقدم في كيفيتها على اختلاف القولين (واجب) (4) لما مر ثمة (والأشبه) عند الماتن (الاستحباب) هنا.

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين من 240 س 1.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 346 س 17 - 18.
(3) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 10 ص 296.
(4) والقائل هو السبد المرتضى في الانتصار: في صلاة العيدين ص 56، وجمل العلم والعمل (رسائل
المرتضى): كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 3 ص 44، وابن الجنيد كما في مختلف الشيعة: كتاب
الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 112 س 23، وأبي الصلاح في الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في صلاة
العيدين ص 153 - 154.
116

(وكذا) في (القنوت) والأشهر الوجوب فيهما، وهو الأقوى لما مضى هناك
مفصلا.
(الثانية: من حضر صلاة) العيد فهو بالخيار في حضور، صلاة
(الجمعة) إذا اتفقا مطلقا على الأشهر الأقوى، للصحيح (1) وغيره (2)، وفي
الخلاف: الاجماع عليه أيضا (3). خلافا لظاهر الإسكافي وجماعة، فخصوه
بقاصي المنزل (4)، للخبرين (5)، وفيهما ضعف سندا، بل قيل: ودلالة (6). وفيه
نظر.
كيف كان، فهما لا يكافئان ما مضى. ولجماعة من القدماء، فمنعوا عن
التخيير مطلقا تمسكا بعمومات ما دل على الفرضين، مع عدم صلاح أخبار
الآحاد لتخصيصها في البين. وفيه: منع ظاهر لما قرر في الأصول من جواز
تخصيص الكتاب بالآحاد، سيما مع اعتضادها بالاستفاضة والشهرة وعمل
الأصحاب.
وفي اختصاص التخيير بالمأموم أو يعمه والإمام قولان، أشهرهما وأظهرهما

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 115.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة العيد ح 2 و 3 ج 5 ص 116.
(3) الخلاف 448 ج 1 ص 673.
(4) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 113 س 5، والكافي في الفقه: في
صلاة العيدين ص 155، والمهذب: كتاب الصلاة باب كيفية صلاة العيدين ج 1 ص 123، وغنية
النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 500 س 8.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة العيد ح 2 و 3 ج 5 ص 116.
(6) والقائل هما سيد السند في مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة العيد ج 4 ص 119، والمحقق
السبزواري في ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 321 س 19.
117

الأول، اقتصارا فيما خالف العمومات على المتيقن من الفتاوى والروايات، مع
إشعار بعضها، بل جملتها بذلك.
(ويستحب للإمام إعلامهم) أي: المأمومين (بذلك) للنص: إذا
اجتمع عيدان في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته
الأولى: إنه قد اجتمع لكم عيدان، فأنا أصليهما جميعا، فمن كان مكانه قاصيا
فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له (1). وظاهره الاستحباب كما في
المتن وعبائر الأكثر. خلافا للماتن في الشرائع، فأوجب (2)، وتبعه شيخنا في
الروض (3). وظاهره كون المستند التأسي، ووجوبه في نحو ما نحن فيه ممنوع.
(الثالثة: الخطبتان) هنا (بعد صلاة العيد (4)) بإجماعنا الظاهر
المصرح به في جملة من العبائر، بل في المنتهى: لا نعرف فيه خلافا إلا من بني
أمية (5) (و) النصوص به وبأن (تقديمهما) على الصلاة (بدعة) عثمان
مستفيضة:
ففي الصحيح: وكان أول من أحدثها - أي: الصلاة - بعد الخطبة عثمان لما
أحدث إحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا، فلما رأى ذلك قدم
الخطبتين واحتبس الناس للصلاة (6).
(ولا يجب استماعهما) إجماعا كما مضت الإشارة إليه في بحث أن شروط
هذه الصلاة شروط الجمعة. وفي النبوي: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة العيد ح 3 ج 5 ص 116.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 102.
(3) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ص 300 س 27.
(4) في المتن المطبوع: " العيدين ".
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 345 س 19.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة العيد ح 2 ج 5 ص 110.
118

للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب (1). نعم، يستحب للنص (3).
(الرابعة: لا) ينبغي أن (ينقل المنبر) إلى الصحراء، ويستحب أن
(يعمل (3)) شبه (منبر من طين) بلا خلاف أجده، وبالاجماع عليه صرح
جماعة، بل عن الفاضل في النهاية والتذكرة: أن عليه إجماع العلماء كافة (4).
وعن المعتبر: أن على الكراهة فتوى العلماء وفتوى الصحابة (5)، وبه رواية
صحيحة صريحة (6)، غير أن ظاهرها الحرمة كما ربما يفهم من العبارة ونحوها،
ولكن ظاهر الأصحاب الكراهة كجملة من إجماعاتهم المنقولة.
ومنها: - زيادة على ما عرفته - ما في المنتهى من قوله: يكره نقل المنبر من
موضعه بلا خلاف، بل ينبغي أن يعمل شبه المنبر (7)، وفي المدارك: أن هذين
الحكمين إجماعيان (8) يعني: كراهة الأول واستحباب الثاني، وفي شرح القواعد
للمحقق الثاني: لا خلاف في كراهية نقل المنبر من الجامع، بل يعمل من طين
ما يشبه المنبر (9).
(الخامسة: إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي العيد) على

(1) سنن ابن ماجة: كتاب الصلاة ب 159 في ما جاء في انتظار الخطبة بعد الصلاة ح 1290 ج 1
ص 410.
(2) فقه الرضا عليه السلام: ب 9 في صلاة العيدين ص 131، وغير من نصوص التشريع.
(3) في المتن المطبوع " بل يعمل ".
(4) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 65، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
صلاة العيدين ج 1 ص 160.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 325.
(6) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 137.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 1 ص 345 س 36.
(8) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة العيد ج 4 ص 122.
(9) جامع المقاصد كتاب الصلاة في صلاة العيدين ج 2 ص 458.
119

المخاطب بها، لاستلزامه الإخلال بالواجب، مع أنه لا خلاف فيه ظاهرا، وبه
صرح بعض أصحابنا (ويكره قبل ذلك) للصحيح (1)، وظاهره الحرمة كما
عن القاضي (2)، لكن ظاهر الأصحاب الاطباق على خلافه، فينبغي حمله على
الكراهة، هذا إذا طلع الفجر، وأما قبله فيجوز بلا كراهة كما هو ظاهرهم،
وبالإجماع عليه صرح جماعة.
(ومنها: صلاة الكسوف)
وفي نسبتها إلى الكسوف مع كونه بعض أسبابها تغليب وتجوز ولو عنونها
بصلاة الآيات كما صنعه الشهيد (3) وغيره كان أولى.
(والنظر) هنا يقع (في) بيان: (سببها، وكيفيتها، وأحكامها).
(وسببها) الموجب لهما: (كسوف الشمس، أو خسوف القمر، أو
الزلزلة) أي: الرجفة بلا خلاف أجده في شئ من هذه الثلاثة، بل على
الأولين الإجماع حقيقة، وحكي أيضا في كلام جماعة حد الاستفاضة. وهو
الحجة فيهما، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة: صلاة الكسوف فريضة (4). وفي
رواية: إذا انكسفتا أو إحداهما فصلوا (5) وعلى الأخير الإجماع في ظاهر المعتبر
والمنتهى (6) وغيرهما، وصريح الخلاف والتذكرة (7). وهو الحجة، مضافا إلى ما

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب صلاة العيد ح 1 ج 5 ص 133.
(2) المهذب: كتاب الصلاة في كيفية صلاة العيدين ج 1 ص 123.
(3) البيان: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 115.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ج 5 ص 142.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 10 ج 5 ص 143. وفيه " واحدة منهما ".
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 2 ص 329، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في - صلاة
الكسوف ج 1 ص 349 س 29.
(7) الخلاف: كتاب صلاة الكسوف م 458 ج 1 ص 682، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة
الكسوف ج 1 ص 164 س 10.
120

ستأتي إليه الإشارة.
(وفي رواية) بل روايات صحيحة أنها (تجب لأخاويف السماء).
منها: كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة
الكسوف حتى يسكن (1).
ومنها: إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم تخف أن يذهب
وقت الفريضة (2).
وقريب منهما غيرهما: عن الريح والظلمة تكون في السماء والكسوف، فقال
- عليه السلام -: صلاتها سواء (3). وظاهره التسوية في كل شئ - حتى الوجوب.
وفي الصحيح: إنما جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله تعالى،
الحديث (4). ومفهوم التعليل حجة.
وفي الرضوي: إذا هبت ريح صفراء أو سوداء أو حمراء فصل لها صلاة
الكسوف، وكذلك إذا زلزلت الأرض فصل صلاة الكسوف (5).
وفي دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد - عليهما السلام -: تصلي في الرجفة
والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والآية تحدث وما كان مثل ذلك كما تصلي
في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء (6). وعلى هذه الروايات عمل عامة
المتأخرين، وفاقا لأكثر المتقدمين، بل عامتهم أيضا، عدا نادر ممن لم يتعرض لغير
الكسوفين، وهو غير صريح، بل ولا ظاهر في المخالفة، ولعله لذا ادعى الشيخ في

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 1 ج 5 ص 144.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 4 ج 5 ص 148، مع تفاوت يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 144. فيه (صلاتهما سواء).
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 3 ج 5 ص 142.
(5) فقه الرضا - عليه السلام -: باب 10 في صلاة الكسوف ص 135.
(6) دعائم الاسلام: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 202.
121

الخلاف على الرواية إجماع الطائفة (1)، ولم ينقل فيها في المنتهى خلاف عن أحد
من الطائفة (2).
وعليه، فلا وجه للتردد المستفاد من العبارة، إذ لا معارض للرواية مع ما هي
عليه من الصحة والاستفاضة والاعتضاد بعمل الطائفة، عدا أصالة البراءة
اللازم تخصيصها بالرواية، فإنها بالإضافة إليها خاصة فلتكن عليها مقدمة.
واعلم: أن ضابط الأخاويف ما يحصل به لمعظم الناس كما صرح به
جماعة (3). ويظهر من بعض نصوص المسألة ونسبتها إلى السماء لعله باعتبار كون
بعضها فيها، أو أريد بالسماء مطلق العلو، أو المنسوبة إلى خالق السماء ونحوه،
لإطلاق نسبته إلى الله تعالى كثيرا.
(ووقتها) أي: صلاة الكسوف، ويدخل فيها صلاة الخسوف (من
الابتداء) فيه إجماعا، فتوى ونصا.
ففي الصحيح: وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع
الشمس وعند غروبها (4) (إلى الأخذ في الانجلاء) في المشهور بين أصحابنا.
قيل: للصحيح: ذكروا انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدته،
فقال - عليه السلام -: إذا انجلى منه شئ فقد انجلى. ورد باحتمال أن يكون
المراد: تساوي الحالين في زوال الشدة لا بيان الوقت (5). فلا يمكن الخروج به
عن مقتضى الأصل، وإطلاق النصوص بإيجاب الصلاة بالكسوف الصادق في

(1) الخلاف: كتاب صلاة الكسوف م 458 ج 1 ص 682.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 349 س 34.
(3) منهم، مدارك الأحكام: كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف ج 4 ص 128، وذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة في صلاة الكسوف ص 324 س 3، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ج 10
ص 305.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 146.
(5) والقائل هو المحقق في المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ح 2 ص 330.
122

المفروض، وخصوص المعتبرة الظاهرة في بقاء الوقت إلى تمام الانجلاء
كالصحيح: صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - في كسوف الشمس ففرغ
حين فرغ وقد انجلى كسوفها (1). ولو كان يخرج الوقت قبل تمام الانجلاء لم
يجز التطويل إليه، سيما من النبي - صلى الله عليه وآله - قطعا. والصحيح: إن
فرغت قبل أن ينجلي فأعد (2). ولو كان الوقت قد خرج قبل الانجلاء لم تشرع
الإعادة، لا وجوبا ولا استحبابا إجماعا. ونحوه الكلام في الموثق: إن صليت
الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن
ذلك أفضل (3).
والذهاب إنما يكون بالانجلاء التام، ولذا ذهب الفاضلان في المعتبر
والشرائع والمنتهى (4) والشهيد في الدروس والذكرى (5) وجماعة من متأخري
المتأخرين إلى امتداد الوقت إلى تمام الانجلاء، وفاقا لجماعة من القدماء:
كالعماني (6) والحلبي (7) والديلمي (8) والمرتضى (9). ولعله الأقوى.

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 4 ج 5 ص 146، مع زيادة " والناس
خلفه ".
(2) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 1 ج 5 ص 153، مع تفاوت يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 153.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 2 ص 330، وشرايع الاسلام: كتاب الصلاة في صلاة
الكسوف ج 1 ص 103، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 352 س 17.
(5) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 45 س 5، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة
في صلاة الآيات ص 244 س 14.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 352 س 16.
(7) الكافي قي الفقه: في صلاة الكسوف ص 156.
(8) المراسم: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ص 80، لكن ظاهره خلافه، لأنه قال: " وابتداء وقتها
من ابتداء ظهور الكسوف والآيات إلى ابتداء انجلائه ".
(9) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ص 46.
123

وتظهر الفائدة فيما جعل وقتا، فإنه يشترط مساواته للصلاة أو زيادته عنها،
فلو قصر عنها سقطت، لاستحالة التكليف بعبادة في وقت يقصر عنها، إلا إذا
أريد القضاء فيما لو أدرك ركعة من الوقت بعد أن مضى منه ما يسع الصلاة مع
ما بقي، فإنه يجب الشروع فيها لا أقل من ذلك.
واعلم: أن الماتن لم يتعرض لوقت هذه الصلاة في سائر الآيات، والمشهور
أنه في الزلزلة تمام العمر فإنها سبب لوجوبها، لا وقت لقصورها عنها غالبا، فهي
أداء وإن سكنت. وعن نهاية الإحكام احتمال أن يكون ابتداؤها وقتا لابتداء
الصلاة، وتجب المبادرة إليها. ويمتد الوقت مقدار الصلاة ثم تصير قضاء (1).
ويؤيده أن شرع الصلاة لاستدفاع العذاب، وفيما عداها مدتها لا إلى الشروع
في الانجلاء كما في الكسوفين على الأقوى، ولا مدة العمر لأصلي الامتداد إلى
الانجلاء من غير معارض هنا والبراءة بعده بناء على عدم ما يدل على كونها من
الأسباب تجب صلاتها مطلقا كالزلزلة، سوى الاطلاقات كالصحيح: إذا وقع
الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم تخف أن تذهب وقت فريضة (2).
ويجب تقييدها بما يدل على التوقيت فيها كالصحيح: كل أخاويف السماء من
ظلمة أو ريح - أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن (3). فإن " حتى "
هنا إما لانتهاء الغاية أو للتعليل، وعلى كل منهما يثبت التوقيت نصا على
الأول، وفحوى على الثاني. ومثله وإن جرى في الزلزلة، لكن قصورها عن
مقدار أداء الصلاة غالبا كما مضى يعين المصير إلى عدم كونها مؤقتة، لاستلزامه
التكليف بفعل في زمان يقصر عنه، وهو باطل إجماعا واعتبارا، إلا أن يخص
فائدته بالابتداء فتجب فورا، وهو قوي كما مضى.

(1) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ج 2 ص 77.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ج 5 ح 4 ص 148، مع تفاوت يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ج 5 ح 1 ص 144.
124

ومما ذكرنا ظهر وجه إطباق الأصحاب على التوقيت في الكسوفين،
مضافا إلى الصحيحة السابقة في بيان ابتداء وقتهما، والنصوص الآتية في
القضاء نفيا وإثباتا لصراحتها في التوقيت مبدأ ومنتهى فيهما على الأول،
وظهورها كذلك على الثاني.
فما يقال فيهما من: أن الظاهر أن الأدلة غير دالة على التوقيت بل ظاهرها
سببية الكسوف لإيجاب الصلاة (1) فيه ما فيه، سيما مع مخالفته لظاهر إطباق
الأصحاب. وقريب منه القول بإلحاق ما عدا الكسوفين بالزلزلة في التوقيت بمدة
العمر كما في المنتهى والتحرير (2).
(ولا) يجب (قضاء) صلاة الكسوفين (مع الفوات) بشرطين أشار
إليهما (و) هما (عدم العلم) بالسبب (واحتراق بعض القرص) على
الأظهر الأشهر في الظاهر المصرح به في كلام جماعة ممن تأخر (3)، وعن ظاهر
التذكرة: عدم الخلاف فيه إلا من المفيد (4) وفيه إشعار بدعوى الاجماع،
وحكي التصريح به عن القاضي (5) للمعتبرة. المستفيضة:
ففي الصحيح: إذا انكسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد
ذلك فعليك القضاء، وإن لم يحترق كلها فليس عليك قضاء (6).

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 325 س 11.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ص 352 س 23، وتحرير الأحكام: كتاب
الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 47 س 7.
(3) منهم، قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة المكسوف ج 1 ص 39 س 23، والجامع للشرائع:
كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ص 110، والمعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 2
ص 331.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 164 س 26.
(5) شرح الجمل العلم والعمل: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ص 135.
(6) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 155.
125

وفيه: أيقضي صلاة الكسوف من أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم؟ قال: إذا
كان القرصان احترقا كلاهما قضيتا، وإن كان إنما احترق بعضهما فليس
عليك قضاء (1). ونحوه الخبر (2).
وقريب منها الموثق: عن مولانا الباقر - عليه السلام - قال: انكسفت
الشمس وأنا في الحمام، فعلمت بعد ما خرجت فلم أقض (3). وهو محمول على
صورة عدم الاحتراق، الإجماع على لزوم القضاء فيه على الإطلاق. خلافا
للصدوقين (4) والمفيد (5) والإسكافي (6) والحلبي (7) والانتصار (8) والخلا ف (9)
فيجب القضاء، وفي ظاهر الكتابين دعوى الإجماع عليه (10) ولعله الحجة لهم،
مضافا إلى العمومات الآمرة بقضاء الفوائت (11) وخصوص الرضوي: وإن
انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك أن تصليهما إذا علمت، فإن
تركتهما متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصل، وإن لم يحترق القرص فاقضها ولا
تغتسل (12).

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 1 ج 5 ص 155، مع تفاوت يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 3 و 4 ج 5 ص 155.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 8 ج 5 ص 156.
(4) لم نعثر على كلا القولين وإن نقلهما العلامة في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1
ص 116 س 31 و 32.
(5) المقنعة: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ص 211.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 116 س 34.
(7) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ص 156.
(8) الإنتصار: مسائل الصلاة في صلاة الخسوف والكسوف ص 58.
(9) الخلاف: كتاب صلاة الكسوف م 452 ج 1 ص 678.
(10) تقدم.
(11) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب قضاء الصلوات ح 1 ج 5 ص 350.
(12) فقه الرضا - عليه السلام -: باب 10 في صلاة الكسوف ص 135.
126

وفي الجميع نظر، لعدم صراحة الأول حيث حكى على وجوب قضاء هذه
الصلاة على الإطلاق المحتمل قريبا اختصاصه بصورة العلم، أو الاحتراق لمصير
أحد الناقلين في جملة من كتبه كالجمل (1) والمسائل المصرية (2) إلى المختار،
مع أنه معارض بأجود منه وأصرح. والعموم بحيث يشمل المقام ممنوع،
لاختصاصه بحكم التبادر والغلبة بفوائت اليومية كما صرح به جماعة. ولو سلم
فهو كالاجماعين، يحتملان التخصيص أو التقييد بصريح ما قدمناه من الأدلة
المعتضدة بالأصل والشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا، بل
لعلها إجماع في الحقيقة كما يفهم عن التذكرة (3).
وبمثله يجاب عن الرضوي، فإن موضع الدلالة فيه إطلاق صدره المحتمل
للتقييد بذلك. وأما ذيله فهو وإن تضمن الأمر بالقضاء مع عدم الاحتراق، لكنه
يحتمل الاختصاص بصورة العلم وتعمد الترك، كما يقتضيه السياق وما فيه قبل
ذلك، فإن علمت بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة فاقض متى شئت، وإن
أنت لم تعلم بالكسوف في وقته ثم علمت بعد ذلك فلا شئ عليك، ولا
قضاء، وهو كالنص، بل نص في المذهب المختار وإن لزم تقييد إطلاقه بصورة عدم
الاحتراق بالنص والاجماع.
ويعضده - مضافا إلى ما مر إطلاق النصوص النافية للقضاء بعد الفوت في
هذه الصلاة على الاطلاق.
منها الصحيح إذا فاتتك فليس عليك قضاء (4). وفي الخبر: ليس فيها قضاء

(1) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 3 ص 46.
(2) لا يوجد في هذا الكتاب ووجدناه في المسائل الموصليات المجموعة الثالثة (رسائل المرتضى): م 23 في حكم
صلاة الكسوف ج 1 ص 223.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 164 س 26.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 7 ج 5 ص 156.
127

وقد كان في أيدينا أنها تقضى (1). لكنها شاذة، محتملة للحمل على التقية
كما يفهم من الانتصار والخلاف، حيث جعلا أصل قضاء هذه الصلاة من
متفردات الإمامية، وقالا: إنه لم يوافقنا على ذلك أحد من فقهاء العامة (2).
وربما أشعر بذلك الرواية الأخيرة. فتدبر.
(ويقضي) هذه الصلاة (لو علم) بالسبب (وأهمل أو نسي) أن
يصليها
(وكذا) تقضى (لو احترق القرصان كلهما (3) على التقديرات)
كلها، أي: سواء لم يعلم بالسبب أو علم وأهمل، أو نسي بلا خلاف في الأخير
على الظاهر المصرح به في كلام جمع، وعن ظاهر التذكرة: الإجماع عليه (4) كما
يستفاد من إطلاق عبارتي الانتصار والخلاف، وبه صرح في المنتهى، لكن في
صورة العلم خاصة (5). وهو الحجة، مضافا إلى صريح المعتبرة المستفيضة
المتقدمة.
وأما إطلاق النصوص الأخيرة فقد عرفت الجواب عنها، مع احتمالها
الحمل على صورة عدم العلم واحتراق البعض خاصة، وعلى الأظهر الأشهر،
بل عليه عامة من تأخر فيما عداه مطلقا، وقد نفي الخلاف عنه عن عدم وجوب
الغسل في صورة العمد منه في السرائر (6). ويشمله مطلقا إطلاق عبارتي
الانتصار والخلاف المنقول فيهما الاجماع. وهو الحجة، مضافا إلى صريح
المرسل: إذا علم بالكسوف ونسي أن يصلي فعليه القضاء، وإن لم يعلم فلا

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 9 ج 5 ص 156.
(2) الإنتصار: في صلاة الخسوف والكسوف ص 58، والخلاف: كتاب صلاة الكسوف م 452 ج 1
ص 679.
(3) في المتن المطبوع: (القرص كله).
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 164 س 26.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ص 352 س 25.
(6) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف ج 1 ص 321.
128

قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كله (. وهو وإن اختص بالنسيان إلا أنه يلحق
به العمد بالفحوى، مع عدم قائل بالفرق بينهما. وإطلاق الموثق: وإن أعلمك
أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عيناك فعليك قضاؤها (2). والمرسل
كالصحيح: إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصل فليغتسل من غد
ويقض الصلاة، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا
القضاء (3). واطلاقهما يقرب من النص لندرة الاحتراق وغلبة انكساف
البعض، فليحمل عليه.
نعم ربما يشير سياق الأخير بكون مورده خصوص صورة الاحتراق للأمر
بالغسل في صورة التعمد ونفيه، وإثبات القضاء في صورة الجهل، وشئ منهما لم
يوافق مذهب الأكثر مع عدم. الاحتراق، إلا أن يحملا على الاستحباب.
بكيف كان ففيما عداه كفاية إن شاء الله تعالى، وإن قصر السند أو ضعف
للانجبار بالشهرة العظيمة وحكايات الاجماعات المتقدمة، مضافا إلى التأيد
بعمومات ما دل على قضاء الفريضة أو إطلاقاته (4) لو لم نقل بكونها حجة
مستقلة كما يظهر من جماعة.
ومن هنا ظهر ضعف القول بعدم وجوب القضاء مطلقا كما عن مصباح
المرتضى (5). أو في النسيان خاصة كما عن المبسوط (6) والنهاية (7) والقاضي (8)

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 3 ج 5 ص 155.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 10 ج 5 ص 156، مع تفاوت يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 5 ج 5 ص 155، مع تفاوت يسير.
(4) عوالي اللئالي: ح 143 ج 2 ص 54.
(5) نقله عنه المحقق في المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 2 ص 331.
(6) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 172.
(7) النهاية: كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف والزلازل والرياح السود ص 136.
(8) المهذب: كتاب الصلاة في كيفية صلاة الكسوف ج 1 ص 124.
129

وابن حمزة (1)، سيما مع عدم دليل عليه مطلقا، إلا الأصل المخصص بما مر،
والنصوص النافية للقضاء مطلقا، وقد عرفت الجواب عنها، مع عدم انطباقها
إلا على مذهب المرتضى، وإلا فالتفصيل لا يظهر منها، بل ولا من الأصل
أيضا. هذا كله في قضاء صلاة الكسوفين.
وأما سائر الآيات ما عدا الزلزلة فالمشهور عدم وجوب القضاء مع الجهل بها
مطلقا، ووجوبه مع العلم كذلك، بل قيل في الأول: إنه مذهب الأصحاب
لا أعلم فيه مخالفا (2).
ويدل على الحكم فيه بعد الأصل واختصاص النصوص الآمرة بقضاء
الفوائت بحكم التبادر باليومية منها كما مضى فحوى ما دل عليه في الكسوفين،
لكون وجوب صلاتهما أقوى، فعدم وجوب قضائهما يستلزم عدم وجوب قضاء
صلاة سائر الآيات بطريق أولى. ولا أعلم لهم دليلا على الحكم في الثاني،
سوى عموم نصوص قضاء الفوائت. وفيه ما مضى، مع جريانه في الأول أيضا،
ولم يقولوا بمقتضاه فيه،. فينبغي القول بعدم الوجوب هنا أيضا، لكن لم أجد به
قائلا.
ثم إن هذا كله على المختار من التوقيت في صلاة الآيات، ويأتي على غيره
من جعلها من الأسباب لزوم أدائها على كل حال ولا يكون قضاء.
0 (وكيفيتها: أن ينوي فيكبر (3)) تكبيرة الافتتاح (ويقرأ الحمد وسورة
أو بعضها ثم يركع، فإذا انتصب) منه (قرأ الحمد ثانيا وسورة) أو
بعضها (إن كان أتم) السورة (في) الركعة (الأولى وإلا) يكن أتمها فيها
(قرأ من حيث قطع) ولا يقرأ الحمد ثانيا، وهكذا يفعل إلى أن يكمل خمس

(1) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان صلاة الكسوف ص 112.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 4 ص 134.
(3) في المتن المطبوع " ويكبر ".
130

ركوعات (فإذا أكملها خمسا سجد اثنتين، ثم قام بغير تكبير) للقيام
(فقرأ)، الحمد وسورة أو بعضها (وركع) فإذا انتصب قرأ الحمد ثانيا وسورة
إن كان أتمها في الأولى، وإلا قرأ من حيث قطع.
وبالجملة: يكون (معتمدا) ومراعيا في هذه الركعة (ترتيبه الأول)
الذي راعاه وفعله في الركعة الأولى إلى أن يكمل عدد الركوعات خمسا (ثم)
يسجد و (يتشهد ويسلم) بلا خلاف في. شئ من ذلك أجده، فتوى ونصا،
إلا من الحلي، فلم يوجب " الحمد " زيادة على مرة في كل من الركعة الأولى
والثانية مطلقا ولو أكمل السورة وأتمها في كل ركعة، بل استحبها (1). وهو
شاذ على خلفه الاجماع في ظاهر عبائر جماعة (3). وهو الحجة عليه، مضافا إلى
المعتبرة المستفيضة وفيها الصحاح وغيرها المتضمنة للأمر بها في الصورة
المذكورة (3) السليمة عما يصلح للمعارضة، عدا بعض الوجوه الاعتبارية،
والنصوص القاصرة سندا، بل ودلالة.
ومن الخبرين الدال أحدهما: على أن عليا - عليه السلام - صلى في
كسوف الشمس ركعتين في أربع سجدات وأربع ركعات (4). وثانيهما: على أن
مولانا الباقر - عليه السلام - صلى في خسوف القمر ثماني ركعات، كان يصلي
ركعة وسجدتين (5).
وهما بعد الإغماض عن سندهما موافقان للعامة كما صرح به جماعة، ومنهم:

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف ج 1 ص 324.
(2) منهم الخلاف: كتاب صلاة الكسوف م 453 ج 1 ص 680، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في
صلاة الكسوف ج 1 ص 350 س 29، وجامع المقاصد: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 2
ص 464.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ج 5 ص 149.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 4 ج 5 ص 150.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 5 ج 5 ص 150.
131

شيخ الطائفة (1). ومع ذلك شاذان على خلافهما - وما في المتن من: أنها
ركعتان، في كل ركعتين خمس ركوعات وسجدتان - الاجماع في الناصرية
والانتصار (2) والخلاف (3) والمعتبر (4) والمنتهى (5) وغير ذلك من كتب الجماعة.
وهو الحجة، مضافا إلى النصوص المتقدم إليها الإشارة.
ومنها: الصحيح هي عشر ركعات وأربع سجدات تفتتح الصلاة بتكبيرة
وتركع بتكبيرة وترفع رأسك بتكبيرة، إلا في الخامسة التي تسجد فيها وتقول:
(سمع الله لمن حمده) وتقنت في كل ركعتين قبل الركوع، وتطيل القنوت
والركوع على قدر القراءة والسجود، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد، وادع الله
حتى ينجلي، وإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي، واجهر
بالقراءة، قال: قلت: كيف القراءة فيهما؟ فقال: إن قرأت سورة في كل ركعتين
فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت، ولا
تقرأ فاتحة الكتاب، الحديث (6).
ويستفاد من إطلاقه جواز التفريق بأن يبعض سورة واحدة في إحدى
الركعتين، ويقرأ في الأخرى خمسا، والجمع في الركعة الواحدة بين الإتمام
والتبعيض بأن يتم سورة - مثلا - في القيام الأول، وببعض سورة في الأربعة
الباقية. وعلى ذلك تدل جملة من المعتبرة.
منها: الصحيح المروي في مستطرفات السرائر، عن جامع البزنطي، عن

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 27 في صلاة الكسوف ج 3 ص 292 ذيل الحديث 7.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 112 ص 239، والانتصار: في صلاة الخسوف
والكسوف ص 58.
(3) الخلاف: كتاب صلاة الكسوف م 453 ج 1 ص 680.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 2 ص 434.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 350 س 6.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 6 ج 5 ص 150.
132

مولانا الرضا - عليه السلام - وفيه: عن القراءة في صلاة الكسوف قال تقرأ في
كل ركعة فاتحة الكتاب؟ قال: فإذا ختمت سورة وبدأت بأخرى فاقرأ فاتحة
الكتاب، وإن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتى تختم
السورة، ولا تقل: (سمع الله لمن حمده) في شئ من ركوعك إلا الركعة التي
تسجد فيها (1). ونحوه الآخر المروي عن علي بن جعفر في كتابه (2).
والصحيح: وإن شئت قرأت سورة في كل ركعة، وإن شئت قرأت نصف
سورة في كل ركعتين، فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن
قرأت نصف السورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة حتى
تستأنف أخرى، الخبر (3).
وظاهر هذه النصوص عدم لزوم الاقتصار على قراءة خمس سور في كل
ركعة، أو تفريق سورة على الخمس فلا وجه للاحتياط به كما قيل (4)، كما
لا وجه للحكم بتحتم ترك الفاتحة في صورة التبعيض، لمكان النهي عنها الذي
هو حقيقة في التحريم، وذلك لاحتمال وروده مورد توهم الوجوب كما يفصح
عنه الصحيحة الأخيرة، لمكان قوله: (أجزأك إلى آخره) فتدبر.
ولا لما ذكره الشهيدان من: أنه متى ركع عن بعض سورة تخير في القيام
بعده بين القراءة من موضع القطع وبين القراءة من أي موضع شاء من السورة
متقدما أو متأخرا، وبين رفضها وقراءة غيرها (5) لمخالفته لما في الصحيحة الأولى
من قوله: (فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت)، فإن مقتضاه

(1) السرائر: كتاب المستطرفات في مستطرفات البزنطي ج 3 ص 573، باختلاف في هيئة العبارات واللفظ.
(2) مسائل علي بن جعفر: صلاة الكسوف ح 586 ص 248.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 7 ج 5 ص 151.
(4) والقائل هو مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 4 ص 140.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 245 س 18، والروضة البهية: كتاب الصلاة
في صلاة الآيات ج 1 ص 680.
133

تعين القراءة من موضع القطع، فلا يكون العدول إلى غيره من السورة وغيرها
جائزا، وبذلك صرح جماعة.
ويستفاد أيضا من العبارة: (ويستحب فيها) أي: في هذه الصلاة مطلقا
(الجماعة) بإجماعنا كما عن التذكرة (1). وفي غيرها: للعمومات والتأسي.
ففي الصحيح: صلاها رسول الله - صلى الله عليه وآله - والناس خلفه في
كسوف الشمس (2). وأظهر منه غيره (3) وللنص (4).
ولا فرق في المشهور بين احتراق القرص كله أو بعضه أداء وقضاء للعموم.
خلافا للصدوقين، فنفياها عند احتراق البعض (5)، وللمفيد فنفاها في
القضاء (6). ومستندهم غير واضح.
نعم، في الخبر: إذا انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي
للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلي بهم، وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل
أن يصلي وحده (7). وهو مع قصور سنده غير دال على المنع عنها في صورة
احتراق البعض، وإنما غايته الدلالة على إجزائها فرادى، وهو لا ينافي
استحباب الجماعة فيها. ويفهم من بعض وجود قول - بوجوبها مع الاحتراق،
ولعله ظاهر عبارة الصدوقين المحكية في المختلف (8). ويستفاد منه قولهما بوجوهما

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 164 س 41.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 4 ج 5 ص 146.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 1 و 2 ج 5 ص 154.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 1 و 3 ج 5 ص 157.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 118 س 17، والمقنع (الجوامع الفقهية):
كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف ص 12 س 19.
(6) المقنعة: كتاب الصلاة ب 22 صلاة الكسوف وشرحها ص 211.
(7) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 157.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 118 س 17.
134

مع الاحتراق والمنع عنها مع عدمه.
ويرده - مضافا إلى الأصل والاجماع المتقدم - الاجماع المحكي في الخلاف
على جوازها جماعة وفرادى، وفي السفر والحضر (1).
وفي الذكرى: وليست الجماعة شرطا في صحتهما عندنا وعند أكثر
العامة (2).
وفي الموثق: عن صلاة الكسوف تصلى جماعة؟ قال: جماعة وغير جماعة (3).
ونحوه الخبر (4).
(والإطالة بقدر) زمان (الكسوف) المعلوم، قيل: أو المظنون (5) بإجماع
العلماء كما عن المعتبر (6). وفي المنتهى: لا نعرف فيه خلافا (7)، ولاستحباب
الإطالة مطلقا، وللنصوص.
ويستفاد من جملة منها آتية: إطلاق استحبابها حتى للإمام مطلقا، ولكن
في الصحيح: وكان يستحب أن يقرأ فيهما ب‍ (الكهف والحجر) إلا أن يكون
إماما يشق على من خلفه (8). وهو مع صحة سنده أوفق بعموم النصوص الآتية
في بحث الجماعة - إن شاء الله تعالى - الآمرة بالتخفيف والإسراع مراعاة لحال
المأمومين، فيمكن حمل أخبار الباب على صورة رغبة المأمومين في الإطالة،
وظاهر الأصحاب مساواة الكسوفين في مقدار الإطالة، لكن في الصحيح: أن

(1) الخلاف: كتاب صلاة الكسوف م 459 ج 1 ص 683.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 246 س 18.
(3) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 1 ج 5 ص 157.
(4) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 3 ج 5 ص 158.
(5) والقائل هو مدارك الأحكام كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 4 ص 142.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 2 ص 336.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 350 س 35.
(8) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 6 ج 5 ص 150.
135

صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر). وفي آخر: ورد أن
الصلاة في هذه الآيات كلها سواء، وأشدها وأطولها كسوف الشمس (2).
(وإعادة الصلاة إن فرغ قبل الانجلاء) للأمر بها في الصحيح (3).
وظاهره الوجوب، كما عن جماعة من القدماء، وحمله الأكثر على الاستحباب، جمعا
بينه وبين الصحيح (4) وغيره (5)، الآمرين بدل الإعادة بالجلوس والدعاء حتى
ينجلي. والجمع بينهما بالوجوب التخييري وإن أمكن
وربما استفيد من الرضوي: وإن صليت وبعد لم ينجل فعليك الإعادة أو
الدعاء والثناء على الله تعالى وأنت مستقبل القبلة (6)، لكنه غير معروف القائل
كما صرح به في الذخيرة والمدارك (7). ومع ذلك الأول أوفق بالأصل المؤيد
بالشهرة.
وظاهر بعض المعتبرة كالموثق: إن صليت الكسوف إلى أن يذهب عن
الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل، وإن أحببت أن تصلي
وتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز (8). فتدبر. وبما ذكرنا
يظهر ضعف ما عليه الحلي من إنكار الإعادة مطلقا (9) وإن حسن على أصله،

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 6 ج 5 ص 150.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من صلاة الكسوف والآيات ح 1 ج 5 ص 149.
(3) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 1 ج 5 ص 153.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 6 ج 5 ص 151.
(5) مستدرك الوسائل: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات 2 و 3 ج 6 ص 173.
(6) فقه الرضا (ع): باب في صلاة الكسوف ص 135.
(7) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 326 س 30، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة
في صلاة الكسوف ج 4 ص 143.
(8) وسائل الشيعة: ب 8 ص ت أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 153، باختلاف يسير.
(9) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف ج 9 ص 324.
136

لكون النص الدال عليه من الآحاد التي لا يعمل بها. وفي التنقيح: أن ذلك
منه عجيب مع حصول النص (1)، ولا عجب منه لما مر، بل التعجب منه
عجيب.
(وأن يكون ركوعه بقدر قراءته) للمضمر: ويكون ركوعك مثل
قراءتك (2)، وفي الخلاف والغنية: الاجماع عليه (3). وفي الصحيح: وتطيل
القنوت على قدر القراءة والركوع والسجود (4).
واستدل به جماعة على المطلوب، وهو يتم إن نصبنا الركوع والسجود. وهو
غير متعين لو لم يتعين الخفض، وفيه على تقدير النصب دلالة على انسحاب
الحكم في السجود أيضا كما عليه جماعة، بل القنوت أيضا كما في الذكرى (5)
وغيره. ولا بأس به للتسامح في أدلة السنن، مع أن في المنتهى: الاجماع على
استحباب التطويل في كل من الركوع والسجود من أهل العلم في الأول، ومنا
في الثاني (6). وهو وإن لم يقدر التطويل بقدر القراءة لكنه استدل عليه في الأول
بالصحيحة السابقة المتوقف دلالتها على النصب، ومقتضاه التقدير بقدر
القراءة. وفي الثاني بالمضمرة السابقة المتضمنة لقوله بعد ما مر: (وسجودك
مثل ركوعك). وعن المفيد تقدير الإطالة بقدر السورة (7). ولعل مراده بها: ما
يعم الفاتحة، فلا مخالفة.

(1) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 243.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 149.
(3) الخلاف: كتاب صلاة الكسوف م 453 ج 1 ص 679، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب
الصلاة في صلاة الآيات ص 500 س 18.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 6 ج 5 ص 150.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 245 س 5.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 351 س 6 و 8.
(7) المقنعة: كتاب الصلاة ب 22 صلاة الكسوف وشرحها ص 209.
137

(وأن يقرأ السور الطوال) إجماعا كما في الخلاف والمنتهى (1). وفي
مثل: " يس " و " النور " كما في المضمر، وفيه: فمن لم يحسن " يس " وأشباهها؟
قال: فليقرأ ستين آية في كل ركعة (2). وفي المقنعة: عن مولانا، أمير المؤمنين - عليه
السلام - أنه صلى بالكوفة صلاة الكسوف، فقرأ فيها " الكهف والأنبياء)
ورددها خمس مرات، وأطال في ركوعها حتى سال العرق على أقدام من
كان معه، وغشي على كثير منهم (3). ونحوه المرسل في صلاة الرسول صلى الله
عليه وآله (4). ومر في الصحيح: استحباب خصوص " الكهف والحجر ".
وقوله: (مع السعة) متعلق لكل من تطويل الركوع والسورة جميعا، ووجه
التقييد به واضح.
(و) أن (يكبر كلما انتصب من الركوع) في كل من العشر مرات
(إلا في الخامس والعاشر، فإنه يقول) عند الانتصاب منهما: (سمع الله
لمن حمده) بإجماعنا الظاهر المصرح به في الخلاف والمنتهى (5). وللمعتبرة
المستفيضة المتقدمة إلى بعضها الإشارة، وفي بعض الأخبار: التسميع عند
الانتصاب من ركوع تمت السورة قبله (6).
(وأن يقنت) بعد القراءة قبل الركوع من كل مزدوج من الركوعات

(1) الخلاف: كتاب صلاة الكسوف م 453 ج 1 ص 680، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة
الكسوف ج 1 ص 351 س 2.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 149.
(3) المقنعة: كتاب الصلاة ب 22 صلاة الكسوف وشرحها ص 210.
(4) لم نعثر عليه ووجدنا خبرا مرسلا في صلاة علي - عليه السلام - وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب صلاة
الكسوف والآيات ح 2 ج 5 ص 154، فراجع.
(5) الخلاف: كتاب صلاة الكسوف م 453 ج 1 ص 680، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة
الكسوف ج 1 ص 351 س 27.
(6) أشير إلى هذا الخبر في النفلية، ونقل أيضا عن فوائد الملية، لكن لا يوجد لدينا هذا الكتاب.
138

حتى يقنت في الجميع (خمس قنوتات) بلا خلاف أجده للمعتبرة المستفيضة
المتقدم بعض منها.
قال الصدوق: وإن لم يقنت إلا في الخامسة والعاشرة فهو جائز، لورود الخبر
به، وعن النهاية (2) والمبسوط (3) والوسيلة (4) والإصباح (5) والجامع (6)
والبيان (7): جواز الاقتصار عليه في العاشرة.
(والأحكام فيها اثنان:)
(الأول: إذا اتفق) أحد هذه الآيات (في وقت) صلاة (حاضرة (8)
تخير) المكلف (في الإتيان ب‍) صلاة (أيهما شاء) مع اتساع وقتهما على
الأصح الأشهر على الظاهر المنقول عن المعتبر (9) والمصرح به في كلام جمع ممن
تأخر (10)، للأصل والتساوي في الوجوب والاتساع، مضافا إلى عموم ما دل
على جواز الفرضين في وقتهما. وفيه مع ذلك الجمع بين ما دل على الأمر بتقديم
الفريضة على الكسوف من المعتبرة كالصحيح: عن صلاة الكسوف في وقت

(1) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة الكسوف والزلازل ج 1 ص 549 ذيل الحديث 1531.
(2) النهاية: كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف والزلازل ص 137.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 173.
(4) الوسيلة: كتاب الصلاة في بيان صلاة الكسوف ص 113.
(5) كما في كشف اللثام: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 266 س 12.
(6) الجامع للشرائع: كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف ص 109.
(7) البيان: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 118.
(8) في المطبوع من الشرح: " الحاضرة " وما أثبتناه كما في جميع النسخ الخطية والمتن المطبوع.
(9) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 2 ص 340، وفيه " هو مذهب أكثر الأصحاب).
(10) لم نعثر على من صرح بالأشهرية فيمن تقدم على صاحب الرياض، عدا صاحب الكفاية، كفاية
الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ص 22 س 10.
139

الفريضة فقال: ابدأ بالفريضة (1). وما دل على العكس كالصحيح: إذا وقع
الكسوف أو بعض هذه الآيات صليها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة،
فإن تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغت
من الفريضة فارجع إلى حيثما كنت قطعت (2). خلافا للصدوق وغيره، فقال
بالأول (3) عملا بظاهر الأمر المعتضد بصريح الرضوي: ولا تصلها في وقت
الفريضة، فإذا كنت فيها ودخل عليك وقت الفريضة فاقطعها وصل الفريضة،
ثم ابن علي ما صليت من صلاة الكسوف (4). ويعارضان بالمثل وقد عرفته في
الأول، وهو في الثاني المروي عن دعائم الاسلام، عن جعفر بن محمد - عليهما
السلام - أنه قال فيمن وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاة
قال: يؤخرها ويمضي في صلاة الكسوف حتى يصير إلى آخر الوقت، فإن
خاف فوت الوقت قطعها وصلى الفريضة (5). وحيث لا ترجيح وجب التخيير.
وربما يحمل وقت الفريضة في الثاني على وقت الفضيلة، فيجب تقديم
الحاضرة مطلقا كما عليه الصدوق - رحمه الله - (6) جمعا والتفاتا إلى ظاهر
الصحيحين.
في أحدهما: عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ويخشى فوات
الفريضة، فقال: اقطعوا وصلوا الفريضة، وعودوا إلى صلاتكم (7).

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 1 ج 5 ص 147.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 4 ج 5 ص 148.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة الكسوف والزلازل ج 1 ص 550 ذيل الحديث 1531.
(4) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 10 في صلاة الكسوف ص 135.
(5) دعائم الاسلام: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 201.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة الكسوف والزلازل ج 1 ص 550 ذيل الحديث 1531.
(7) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 3 ج 5 ص 147.
140

وفي الثاني: ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة، فإن
صلينا الكسوف خشينا أن تفوتنا الفريضة، فقال: إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك
واقض فريضتك، ثم عد فيها. الحديث (1). وفيه نظر، لعدم ظهور الصحيحين
فيما ذكر، وعدم شاهد على الجمع، مع أنه ليس بأولى من الجمع بالعكس
بحمل وقت الفريضة في الأولى على آخر وقت الإجزاء، ويكون العمل على
الرواية الأخيرة من تقديم صلاة الكسوف كما عليه بعض الجماعة، وحيث وقع
التعارض بين هذين الجمعين ولا مرجح لأحدهما في البين تعين التخيير بين
الأمرين مع تأيده زيادة على ما قدمنا بأنه: لا معنى لتضيق وجوب أحدهما
بمجرد معارضته للآخر مع كونه في أصل الشرع موسعا.
وبالجملة: لا ريب في التخيير وإن كان تقديم الحاضرة أولى، لأهميتها في
نظر الشارع، مع كثرة ما يدل على لزوم تقديمها نصا وفتوى (ما لم يتضيق)
وقت (الحاضرة فيتعين للأداء (2)) إجماعا كما في المنتهى (3) والمدارك (4)
والذخيرة (5) وغيرها، للنصوص المتقدمة الدالة عليه بظاهرها، بل بصريحها، مع
استلزام تقديم الكسوف حينئذ الإخلال بالواجب لا لضرورة.
ومنه يظهر الحكم بوجوب تقديم الكسوف لو انعكس الفرض بأن تضيق
وقتها واتسع الحاضرة، وعليه الاجماع في الكتابين الأخيرين أيضا. وإن تضيق
وقتهما معا قدمت الحاضرة إجماعا كما في التنقيح (6)، ونفى عنه الخلاف في

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 3 ج 5 ص 147.
(2) في المتن المطبوع " الأداء ".
(3) لم نعثر على دعوى الاجماع في المنتهى.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 4 ص 144.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ص 326 س 37.
(6) تنقيح الرائع: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 244.
141

الذكرى (1). ووجهه ظاهر مما قدمناه، وحيث قدمها وجب عليه قضاء
الكسوف إن فرط في فعلها، وإلا فلا مطلقا وإن فرط في الحاضرة على قول
مستند: إلى أن تأخيرها كان مباحا إلى ذلك الوقت ثم تعين عليه الفعل
بسبب التضيق. ويقتضي ذلك الفوات وهو بالنظر إلى هذه الحال غير متمكن
من فعل الكسوف فلا يجب الأداء، لعدم التمكن، ولا القضاء لعدم
الاستقرار (2).
وقيل: يجب القضاء مع التفريط بها، لاستناد إهمالها إلى ما تقدم من
من تقصيره (3). وفي كل من القولين نظر، بل الوجه التفصيل بين: ما لو علم
المكلف باستلزام تأخير الحاضرة فوات الكسوف عن وقتها كما يتفق أحيانا
فالثاني، وإلا فالأول. فتدبر.
وإذا دخل في صلاة الكسوف بظن سعة الحاضرة ثم تبين له ضيقها في
الأثناء قطعها وصلى الحاضرة إجماعا، فتوى ونصا، ثم بنى على ما قطع وفاقا
للأكثر، وفي ظاهر المنتهى: الاجماع عليه (4) لصريح الصحيحة الثانية والرضوية
المتقدمة، وقريب منهما الصحيحة الأخيرة. خلافا للمبسوط فيستأنف (5)،
واختاره في الذكرى لأمر اعتباري (6) غير مسموع في مقابلة النصوص الصحيحة
المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الاجماع كما عرفت حكايته.
(ولو كانت الحاضرة نافلة فالكسوف أولى) بالتقديم وجوبا، بلا

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 246 س 37.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 4 ص 147.
(3) والقائل هو الشهيد في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 247 س 13.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 353 س 35.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 172.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الآيات ص 247 س 6.
142

خلاف ظاهرا، وفي المنتهى: أن عليه علماءنا أجمع 1). ويدل عليه بعد الاجماع
الظاهر منه الاعتبار المعتضد بالصحيحين الواردين في خصوص تقديم الكسوف
على نافلة الليل (2). ولا قائل بالفرق، مضافا إلى تنقيح المناط القطعي المستند
إلى الاعتبار السابق، وهو أولوية الواجب بالتقديم على غيره.
(و) لا فرق فيها بين ما (لو خرج وقت النافلة) بتقديم الفريضة أو لم
يخرج، ولا بين ما إذا اتسع وقت صلاة الكسوف بحيث لو أتى بالنافلة أدركها
بعدها أولا، لإطلاق النص والفتوى المعتضد بعموم ما دل على المنع عن النافلة
وقت الفريضة (3).
(الثاني) يجوز أن (تصلى هذه الصلاة على الراحلة وماشيا) مع
الضرورة إجماعا.
وفي جوازها على الراحلة اختيارا قولان، فعن الإسكافي الأول، لكن مع
استحباب فعلها على الأرض (4)، وحكاه في المنتهى عن الجمهور (5)، وفي
التنقيح عن الماتن في المعتبر نقله عن باقي الأصحاب (6)، وهو غريب، فإن أحدا
ممن وصل إلينا كلامه لم ينقله عن أحد عدا الإسكافي. بل صرح بعضهم بأن
المشهور خلافه (7)، وهو المشار إليه بقوله: (وقيل) والقائل: الشيخ في النهاية
(بالمنع) مطلقا (8) (إلا مع العذر) والضرورة.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 354 س 8.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 1 و 2 ج 5 ص 147.
(3) وسائل الشيعة ب 35 من أبواب المواقيت ج 3 ص 165 و 166.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 118 س 26.
(5) منتهى المطلب كتاب: الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 354 س 19.
(6) تنقيح الرائع: كتاب لصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 244.
(7) المهذب البارع: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 428.
(8) النهاية: كتاب الصلاة باب صلاة الكسوف والزلازل ص 138.
143

واختاره الماتن هنا وفي الشرائع بقوله: (وهو أشبه) (1)، وتبعه عامة
متأخري الأصحاب فيما أعرفه، عملا بعموم ما دل على المنع عن الفريضة على
الراحلة (2)، مع سلامتها عن المعارض بالكلية، عدا ما ربما يستدل للجواز من
رواية ضعيفة السند بالجهالة والكتابة، مع أنها غير واضحة الدلالة، فإن فيها:
كتبت إلى الرضا - عليه السلام -: إذا انكسفت الشمس والقمر وأنا راكب
لا أقدر على النزول، فكتب: صل على مركبك الذي أنت عليه (3). والسؤال
فيها مختص بحال الضرورة، والجواب يتبعه للمطابقة، ولا عموم فيه لغة حتى
يكون العبرة بعموم اللفظ لا بالمورد.
ولو سلم الدلالة نقول: إنها محمولة على التقية لما مر، ويشهد له كونها
مكاتبة. هذا وفي المنتهى قد استدل بها على المختار، وقال في تقريبه:
والتعليق بالوصف يقتضي التخصيص ظاهرا (4). وهو كما ترى لمنعه الاقتضاء
أولا وتخصيصه ثانيا على تقدير تسليمه بما إذا وقع التعليق في كلام الإمام
- عليه السلام - لا مطلقا.
ومطابقة الجواب للسؤال يقتضي اختصاص الحكم الوارد فيه؟ بمحل
الوصف، لا تخصيصه به بحيث ينفى عن غيره كما هو واضح.
(ومنها صلاة الجنازة)
هي واحدة الجنائز، قيل: - هي بالكسر الميت بسريره، وقيل: - بالكسر
السرير، وبالفتح: الميت يوضع عليه.

(1) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 104.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب القبلة ح 1 و 4 ج 3 ص 236 و 237.
(3) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 1 ج 5 ص 157.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الكسوف ج 1 ص 354 س 21.
144

(والنظر) فيها يقع (في) أمور أربعة: (من يصلى عليه، والمصلي،
وكيفيتها، وأحكامها).
أما الأول: فاعلم أنه (تجب) هذه (الصلاة على كل مسلم) إجماعا
كما عن التذكرة (1).
وفي المنتهى بلا خلاف قال كباقي متأخري الأصحاب: إن المراد به هو
كل مظهر للشهادتين ما لم يعتقد خلاف ما علم بالضرورة ثبوته من الدين:
كالقادحين في علي - عليه السلام - أو أحد الأئمة - عليهم السلام - كالخوارج، أو
من غلا فيه: كالنصرية والسبابية والخطابية، فهؤلاء لا يجب عليهم الصلاة
- إلى أن قال -: ويجب الصلاة على غيرهم (2).
وظاهره دعوى الاجماع على وجوب الصلاة على المخالفين الذين لم ينكروا
شيئا من ضروري الدين، وهو أحد القولين في المسألة وأشهرهما، لعموم النبوي
المشهور: صلوا على من قال: لا إله إلا الله (3). والخبرين في أحدهما: صل على
من مات من أهل القبلة وحسابه على الله تعالى (4) وفي الثاني: لا تدعوا أحدا
من أمتي بغير صلاة (5). وضعفهما منجبر بالشهرة العظيمة بين أصحابنا، مع
اعتبار ما في سند أولهما خلافا لجماعة من القدماء، فمنعوا عن الصلاة عليهم
جوازا أو وجوبا (6)، للنصوص المتواترة بكفرهم المستلزم لذلك إجماعا كتابا
وسنة، وفيه منع كلية الكبرى، مع أن المستفاد منها ليس إلا إطلاق لفظ

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في صلاة الميت ج 1 ص 45 س 9.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 447 س 4.
(3) دعائم الاسلام: في الصلاة على الجنائز ج 1 ص 235، ذكره في ذيل الصفحة.
(4) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 814.
(5) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 814.
(6) منهم السرائر: كتاب الصلاة باب الصلاة على الأموات ج 1 ص 356، والوسيلة: كتاب الصلاة في
الصلاة على الأموات ص 118، والكافي في الفقه: في صلاة الجنائز ص 157.
145

الكفر عليهم، وهو أعم من الحقيقة. إلا أن يقال: إنه ولو مجازا كاف في إثبات
هذا الحكم، لكونه أحد وجوه الشبه والعلاقة بين الحقيقي والمجازي. وهو حسن
إن تساوت في التبادر وعدمه " وفيه منع، لاختصاص الخلود بالنار وأمثاله منها
بالتبادر، ولو سلم فهو معارض بما دل على إسلام مظهري الشهادتين، ولو سلم فهو
مخصص بما مر من النصوص المعتضدة بالشهرة.
لكن يمكن أن يقال: إن التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من
وجه، لعدم صراحتها في مخالفي الحق، فيحتمل الاختصاص أو التخصيص بمعتقديه.
وبالجملة: فكما يمكن وقوعها مخصصة للعموم السابق كذا يمكن العكس،
بل هو أولى، لموافقته الأصل. وهو حسن لولا الشهرة المرجحة للأول، مع
ضعف عموم التشبيه بما مر. لكن المسألة بعد محل شبهة وإن كان مراعاة المشهور
أحوط، لندرة القول بالحرمة، مع اختصاصها بحق من يعلم بها، والفرض عدمه
هنا. فتأمل جدا.
هذا مع عدم التقية، وأما معها فيجب قولا واحدا، ولكن لا يدعو له في
الرابعة، بل عليه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(و) يلحق بالمسلم (من) هو (بحكمه ممن بلغ ست سنين) فصاعدا
من: طفل أو مجنون أو لقيط دار الاسلام أو الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاد
تغليبا للاسلام.
(ويستوي) في ذلك (الذكر والأنثى والحر والعبد) للعموم والاجماع،
وتقييد الوجوب بالست هو المشهور، بل عليه عامة المتأخرين كما قيل (1). وعن
المرتضى (2) وفي المنتهى: الاجماع عليه (3).

(1) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الأموات ج 10 ص 367.
(2) الإنتصار: في صلاة الجنازة ص 59.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 448 س 8.
146

ويشعر به عبارة الدروس، حيث نسب القولين المخالفين إلى الترك
والشذوذ (1). وهو الحجة، مضافا إلى الصحيح: فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال:
إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين (2). وقريب منه آخر: عن الصلاة على
الصبي متى يصلى عليه؟ فقال: إذا عقل الصلاة، قلت: متى تجب الصلاة
عليه؟ قال: إذا كان ابن ست سنين، والصيام إذا أطاقه (3). والمراد بالوجوب
فيه: مطلق الثبوت، والمعنى: أنه متى يعقل الصلاة بحيث يؤمر بها تمرينا،
فقال: " إذا كان إلى آخره " كما يفهم من الصحيح: في الصبي متى يصلي؟
فقال: إذا عقل الصلاة، قلت: متى يعقل الصلاة ويجب؟ فقال: لست
سنين (4). وأما الصحيح: عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟
قال: إذا عقل الصلاة صلي عليه (5) فلا ينافي ما ذكرنا بعد تعليقه الحكم في
الجواب على عقله الصلاة المحدد ببلوغ الست فيما مر من الأخبار. خلافا
للعماني، فاشترط في الوجوب البلوغ (6)، للأصل، وعدم احتياجه إليها قبله
والموثق: عن المولود أنه سئل ما لم يجر عليه القلم، هل يصلى عليه؟ قال:
لا، إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم (7). وفي الجميع نظر،
لضعف الأول في مقابلة ما مر، ومنع الثاني وانتقاضه بالصلاة على النبي
- صلى الله عليه وآله - مع أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المعتضد بما مر وبه

(1) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة ص 12 س 4
(2) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب صلاة الجنازة ذيل الحديث 3 ج 2 ص ص 788.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 787.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 2 ج 3 ص 12.
(5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الجنازة ح 4 ج 2 ص 788
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ج 1 ص 119 س 31
(7) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجنازة ح 5 ج 2 ص 789.
147

يجاب عن الثالث، لعدم مقاومته له، مع عدم صراحته، واحتماله الحمل
على ما يؤول إلى النص بأن يراد بجري القلم فيه: مطلق الخطاب الشرعي،
والتمرين خطاب شرعي، لكنه كما قيل: ربما ينافيه حصر الصلاة في الرجل
والمرأة، إذ لا يصدقان إلا على البالغ (1). وفيه نظر، لأن ظهورهما في البالغ ليس
بأظهر من ظهور جري القلم في الخطاب التكليفي، فكما جاز صرفه إلى خلاف
ظاهره كذا يمكن صرفهما إلى خلاف ظاهرهما بإرادة المعنى الأعم الشامل
للصبي.
ومع الامكان يتعين جمعا، مع أن ظاهر قوله: (إذا جرى عليهما القلم)
كونه شرطا لم يستفد من سابقة، وهو إنما يتم لو أريد منهما المعنى الأعم، وإلا
لكان تأكيدا لا شرطا، إلا على تقدير اشتراط عقل الميت في الصلاة عليه، وهو
باطل إجماعا، ومعه لا يبقى للشرطية وجه أصلا، إلا كونه تأكيدا. وما ذكرناه
تأسيس، وهو منه أولى، وللإسكافي، فلم يشترط شيئا، وأوجب الصلاة على
الصبي مطلقا بعد أن يكون خرج حيا مستهلا (2) للنصوص المستفيضة:
منها الصحيح: إذا استهل فصل عليه (3). ونحوه الخبر (4).
ومنها الصحيح وغيره: يصلى عليه على كل حال إلا أن يسقط لغير
تمام (ه). وهي مع ضعف سند - ما عدا الصحيح منها - وعدم مقاومتها أجمع لما
مضى محمولة على التقية كما صرح به جماعة (6). ويشهد له جملة من المعتبرة.

(1) الحدائق الناظرة: كتاب الصلاة في صلاة الأموات ج 10 ص 373.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ج ا ص 119 س 31
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 788.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 789.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبو أب صلاة الجنازة ح 2 و 4 ج 2 ص 789.
(6) منهم مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 154، والحدائق الناظرة:
كتاب الصلاة في صلاة الأموات ج 10 ص 370.
148

منها الصحيح: مات ابن لأبي جعفر - عليه السلام - فأخبر بموته، فأمر به
فغسل - إلى أن قال -: فقال - عليه السلام -: أما إنه لم يكن يصلى على مثل
هذا - وكان ابن ثلاث سنين - كان علي - عليه السلام - يأمر به فيدفن، ولا
يصلى عليه، ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله (1). ونحوه غيره.
ويستفاد منها: عدم الاستحباب أيضا، كما هو ظاهر جماعة (2).
خلافا
للأكثر ومنهم: الماتن، فقالوا: (ويستحب) الصلاة (على من لم يبلغ
ذلك) أي: الست سنين (ممن ولد حيا) مستهلا عملا بعموم النصوص
المتقدمة للإسكافي سندا. وفيه ما مضى، إلا أن يذب عنه بالمسامحة في أدلة
السنن، والكراهة خروجا عن شبهة الخلاف فتوى ورواية، وليس فيه تشبه
بالعامة بعد الاختلاف في النية، ومعه لا مشابهة ولا بأس به.
(و) أما الثاني: فاعلم أنه يجب أن (يقوم بها) أي: بهذه الصلاة كسائر
أحكام الميت (كل مكلف على الكفاية) إذا قام به البعض سقط عن
الباقين. وإن. لم يقم به أحد استحقوا بأسرهم العقاب، بلا خلاف بين العلماء
كما في المنتهى (3). وقد نقل جماعة أيضا الاجماع عليه، لأن الغرض إدخالها في
الوجود، وهو يحصل بالوجوب الكفائي. وربما ينافيها توجه الخطاب في
النصوص بأكثر أحكامه إلى الولي، إذ مقتضاه الوجوب العيني عليه كذا
قيل (4) وفيه نظر،. فإن الخطاب فيها وإن توجه إلى الولي إلا أن مقتضاه هنا
ليس الوجوب العيني، لوقوع التصريح في جملة منها بجواز أمره غيره بها، وهو

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 788.
(2) منهم المقنعة: كتاب الصلاة باب 35 الزيادات في الصلاة على الموتى ص 213، والمقنع (الجوامع
الفقهية): كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ص 6 س 31، والحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الأموات ج 10 ص 371.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ج 1 ص 443 س 24.
(4) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الأموات ج 10 ص 387.
149

خلاف ما يقتضيه الوجوب العيني من لزوم مباشرة المكلف للمكلف به
بنفسه، فجواز أمر الغير به دليل على أن المقصود من تخصيص الولي بالخطاب
إثبات أولويته به، كما فهمه الأصحاب، حيث قالوا مع حكمهم بالوجوب
الكفائي:
(وأحق الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه (1)).
وإلى مثل هذا نظر جماعة من الأصحاب فقالوا: لا منافاة بين الوجوب
كفاية، والإناطة برأي بعض المكلفين على معنى أنه إن قام بنفسه أو بنصب
غيره وقام ذلك الغير سقط عن الغير، وإلا سقط اعتباره وانعقدت جماعة
وفرادى بغير إذنه (2). والحكم بالأحقية المزبورة مقطوع به في كلامهم، من غير
خلاف بينهم أجده، وبه صرح جماعة (3) مؤذنين بنقل الاجماع كما صرح به في
الخلاف، مستدلا عليه بعده كباقي الأصحاب بآية " أولي الأرحام " (4) ويدل
عليه أيضا المعتبرة:
وفيها المرسل كالصحيح، والرضوي: يصلي على الجنازة أولى الناس بها،
أو يأمر من يحب (ه). وقصور الأسانيد والدلالة مجبور بفهم الطائفة وعملهم بها
كافة، ولذلك وافق الأصحاب في الذخيرة بعد أن ضعف الأدلة عدا الاجماع (6)
وفاقا للمدارك (7) بما عرفته في المعتبرة، وبعدم عموم يشمل مفروض المسألة في

(1) في المتن المطبوع: (بالميراث).
(2) منهم، مدارك الأحكام كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 156، وذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة في الصلاة على الأموات ص 334 س 41.
(3) منهم، مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ج 4 ص 155
(4) الخلاف: كتاب الجنائز 536 ج 1 ص 720.
(5) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 801، وفقه الرضا - عليه السلام -:
ب 24 في غسل الميت والصلاة عليه ص 184.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب المصلاة في الصلاة على الأموات ص 334 س 32.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 156.
150

الآية الكريمة.
ويمكن الذب عنه - مع قطع النظر عن الجائز - بحجية الخبرين المزبورين
لاعتبار سندهما، مع اعتضادهما بغيرهما، وظهور عموم الآية بالاعتبار الذي
يثبت به العموم في الاطلاقات.
ولذا يستدل بها في الأخبار كلام الأصحاب على إثبات الإمامة وغيرها،
من دون تزلزل ولا ريبة. والمعتبرة وإن لم تصرح بكون المراد بالأولى فيها:
المستحق للميراث إلا أنه ربما يفهم من تتبع النصوص، ألا ترى إلى المرسل:
في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام قال: يقضيه أولى الناس به (1). فقد
أطلق فيه الأولى ولم يبين المراد به، مع أن متنه بعينه مروي في الصحيح سؤالا
وجوابا إلى قوله: (أولى الناس به) مبدلا لفظة (به) فيه (بميراثه) (2).
فظهر شيوع إطلاق الأولى به على الأولى بميراثه، مضافا إلى صحيحة
يزيد الكناسي المشهورة الواردة بتفصيل الأولى من ذوي الأرحام بقوله: ابنك
أولى بك من أمك وابن ابنك أولى بك من أخيك (3). فقد أطلق فيه
الأولوية، مع أن المراد بها بحسب الميراث قطعا.
وبالجملة: فلا إشكال فيما ذكره الأصحاب، وإطلاق كلامهم يقتضي
عدم الفرق في أحقية الأولى بالميراث بالصلاة بين ما لو أوصى الميت بها إلى
غيره أم لا، ولعله المشهور، بل عزاه في المختلف إلى علمائنا مؤذنا بدعوى
الاجماع. خلافا للإسكافي في الأولى، فقدم الغير لحجج غير ناهضة، عدا عموم
الآية بالنهي عن تبديل الوصية (4). ولكنه معارض بعموم الآية والمعتبرة

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب قضاء الصلوات ح 6 ج 5 ص 366.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 5 ج 7 ص 241.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب موجبات الإرث ح 2 ج 17 ص 414.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في المصلاة على الميت ج 1 ص 120 س 22.
151

المتقدمة، والترجيح معها للشهرة وإن كان تقديم الموصى إليه أحوط للورثة.
واعلم: أن المراد بأحقية الأولى بالميراث: أنه أولى ممن لا يرث كالطبقة
الثانية مع وجود أحد من الأولى.
وأما الطبقة الواحدة في نفسها فتفصيلها ما ذكره الأصحاب بقولهم:
والأب أولى من الابن بلا خلاف، بل قيل: اتفاقا (3). قيل: لاختصاصه
بالشفقة، فيكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة (2). والولد وإن نزل أولى من الجد
على المشهور. خلافا للإسكافي، فجعله أولى منه ومن الأب (3)، وهو
ضعيف، لكون الولد أولى بالإرث.
قيل:. والجد للأب أولى من الأخ، والأخ من الأبوين أولى ممن يتقرب
بأحدهما، والأخ للأب أولى من الأخ للأم، والعم أولى من الخال، والعم
للأبوين أولى من العم لأحدهما، كما أن العم للأب أولى من العم لا أم، وكذا
القول في الخال. والمعتق من ضامن الجريرة وهو من الحاكم، فإذا فقد الجميع
فوليه الحاكم، ثم عدول المسلمين.
وهذا الترتيب بعضه مبني على أولوية الميراث، وبعضه: وهو افراد الطبقة
الواحدة على غيرها على كثرة الشفقة كالأب بالنسبة إلى الابن، أو التولد
كالجد بالنسبة إلى الأخ، أو كثرة النصيب كالعم بالنسبة إلى الخال، والعمل
بهذا الوجه هو المشهور (4).
(الزوج) مع وجوده (أولى (5) من الأخ)، بل مطلق الأقارب بالنص

(1) مدارك الأحكام: كتا ب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 157، وفيه (هذا مذهب الأصحاب).
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الصلاة على الجنائز ج 1 ص 450 س 31.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ج 1 ص 120 س 20.
(4) روض الجنان: كتاب المصلاة في الصلاة على الأموات ص 311 س 5.
(5) في المتن المطبوع زيادة (بالمرأة) بعد (أولى).
152

والاجماع. وما يخالفه بإثبات أولوية الأخ عليه من الصحيح وغيره (1) شاذ لا
عمل عليه، فليطرح أو يحمل على التقية كما ذكره شيخ الطائفة (2) وغيره.
وظاهر الأصل واختصاص المستند بالزوج اختصاص الحكم به دون
الزوجة كما صرح به جماعة، وفيه قول بإلحاقها (3) به لوجه تخريجي يدفعه ما عرفته
قيل: ولا فرق بين الدائم والمتمتع بها، ولا بين الحرة والمملوكة، لاطلاق
النص (4). وهو حسن، إلا في المتمتع بها، فإن إطلاق الزوج بالإضافة إلى
المتمتع بها حقيقة لا يخلو عن مناقشة.
ثم إن إطلاق النص والعبارة يقتضي عدم الفرق بين الزوج الحر والعبد،
لكن في المنتهى: بن الحر أولى من العبد وإن كان قريبا والحر بعيدا. قال: لأن
العبد لا ولاية له على نفسه ففي غيره أولى، ولا نعلم فيه خلافا (ه).
قيل: ولعل الزوج مستثنى عن الحكم المزبور للنص (6) وفيه: أنه عام
أيضا يمكن تخصيصه بالحر لما ذكره في المنتهى.
وبالجملة: التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه يمكن
تخصيص كل بالآخر، ففي الترجيح نظر، وذكر الأصحاب من غير خلاف
يعرف أن الذكر من الأولياء أولى من الأنثى، ونفى عنه الخلاف في المنتهى،
وأطلق (7) كغيره، وقيده جماعة بما إذا اجتمعا في طبقة واحدة، أو كان الذكر

(1) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب صلاة الجنازة ح 4 و 5 ج 2 ص 802.
(2) تهذيب الأحكام: ب 22 في الزيادات ج 3 ص 250 ذيل الحديث 33.
(3) لم نعثر على قائله، ونسبه إلى بعض الأصحاب في روض الجنان، راجع روض الجنان: كتاب الصلاة
في الصلاة على الأموات ص 311 س 12.
(4) والقائل هو الشهيد الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 311 س 11.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الصلاة على الجنائز ج 1 ص 451 س 17.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 335 س 21.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الصلاة على الجنائز ج 1 ص 451 س 18
153

أقرب طبقة أو درجة، وإلا فالأنثى أولى (1)، للصحيح: المرأة تؤم النساء؟ قال:
لا، إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها (2).
(ولا) يجوز أن (يؤم) أحد ولو كان وليا (إلا) من اجتمع (فيه (3)
شرائط الإمامة) حتى العدالة (وإلا) يجتمع فيه الشرائط (استناب) إن
كان وليا بلا خلاف أجده، وفي المنتهى: أنه اتفاق علمائنا (4). وهو الحجة المؤيدة
بإطلاق ما دل على اعتبارها في إمام الجماعة وإن كان في أخذه حجة من دون
مناقشة أشار إلى وجهها في الذخيرة، فقال: لعموم النص، وعدم كونها صلاة
حقيقة فلا يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة الحقيقي (5).
ويجوز للولي الاستنابة محلقا، إذ لا مانع منه مع تصريح النصوص السابقة
ولو وجد الأكمل استحب استنابته، لأن كماله قد يكون سببا لاستجابة
دعائه. ويحتمل ترجيح الولي لاختصاصه بمزيد الرقة التي هي مظنة الإجابة.
(ويستحب) للولي (تقديم الهاشمي) للرضوي (6)، ولا خلاف أجده
إلا من المفيد، فأوجبه (7). قيل: فإن أراد به إمام الأصل فهو حق وإلا فهو ممنوع، بل
الأولى للولي التقديم أما الوجوب فلا لعموم الآية (8).
أقول: وللمعتبرة المتقدمة أيضا مع سلامتها عن المعارض بالكلية، عدا

(1) منهم روض الجنان: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 311 س 18، وذخيرة المعاد
كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 335 س 21.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 803.
(3) في المتن المطبوع: (وفيه).
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الصلاة على الجنائز ج 1 ص 451 س 21
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 335 س 37
(6) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 23 في الصلاة على الميت ص 177.
(7! المقنعة: كتاب الصلاة ب 34 الصلاة على الموتى ص 232.
(8) والقائل هو العلامة في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ث ج 1 ص 120 س 25.
154

رواية غير معلومة الصحة: قدموا قرشيا ولا تقدموهم (1). مع أنها أعم من
المدعى، وبها استدل الماتن في الاعتبار على الاستحباب (2). ورده في الذكرى بما
ذكرنا (3). وهو حسن إن قصد بالاستدلال: إثبات الوجوب ذاتا. وأما
الاستحباب - كما هو المفروض - فيتسامح في أدلته بما لا يتسامح في غيره على الأشهر
الأقوى، سيما مع انجبار الضعف بما ذكر بالفتوى، فيمكن الاستدلال بها مطلقا.
(ومع وجود الإمام) أي: إمام الأصل وحضوره (فهو أولى بالتقديم)
قطعا، وللخبرين المتفقين على كونه أولى وإن اختلفا في الدلالة على توقفه
على إذن الولي كما هو ظاهر أحدهما (4)، وعن المبسوط (ه) وفي المنتهى: مدعيا
في ظاهر كلامه الاجماع عليه (6)، أو العدم كما هو ظاهر إطلاق الثاني منهما (7)،
وعن الحلبي، وفي الذكرى (8). ولقد أحسن جماعة من الأصحاب، فقالوا: إن
البحث في ذلك تكلف مستغنى عنه.
(و)، يجوز أن (تؤم المرأة النساء) إما مطلقا كما هنا وفي كثير من
العبائر، أو بشرط عدم الرجال كما في السرائر (9). ولعله وارد مورد الغالب، فلا

(1) الجامع الصغير للسيوطي: ج 2 ص 86 س 15، مع اختلاف يسير.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجنازة ج 2 ص 347.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 57 س 35.
(4) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب صلاة الجنازة ح 4 ج 2 ص 801.
(5) المبسوط: كتاب الجنائز في صلاة الميت ج 1 ص 183.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الصلاة على الجنائز ج 1 ص 450 س 24، ولا يستفاد من كلامه
دعوى الاجماع، إلا بملاحظة عدم نقله الخلاف في المسألة.
(7) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 801.
(8) الكافي في الفقه: باب حقيقة الصلاة وضروبها في صلاة الجنائز ص 156، وذكرى الشيعة: كتاب
الصلاة في الصلاة على الميت ص 56 س 32.
(9) السرائر: كتاب الصلاة باب الصلاة على الأموات ج 1 ص 358.
155

عبرة بمفهومه، ولا خلاف فيه هنا أجده. وبه صرح في الذخيرة (1) للصحيحة
المتقدمة.
(و) هي المستند أيضا فيما ذكروه من غير خلاف من: أنها (تقف
في وسطهن ولا تبرز)، ولا تخرج عن الصف. ففيها بعد ما مر إليه الإشارة: تقوم
وسطهن معهن في الصف، فتكبر ويكبرن.
(وكذا العاري إذا صلى بالعراة) كما يأتي في بحث الجماعة إن شاء
الله تعال. وظاهر العبارة: عدم اعتبار الجلوس هنا كما يعتبر في اليومية. وبه
صرح جماعة، ولعل الفارق إنما هو: النص الوارد باعتباره فيها دون المقام، لاما
قيل: من احتياجها إلى الركوع والسجود (2)، لأن الواجب الايماء.
(ولا) يجوز أن (يؤم من لم يأذن له الولي) سواء كان بشرائط الإمامة
أم لا إجماعا لما مضى. ولو امتنع من الصلاة والإذن ففي الذكرى: الأقرب جواز
الجماعة، لاطباق الناس على صلاة الجنازة جماعة على عهد النبي - صلى الله
عليه وآله - إلى الآن، وهو يدل على شدة الاهتمام، فلا يزول هذا المهم بترك
إذنه.
نعم، لو كان هناك حاكم شرعي كان الأقرب اعتبار إذنه، لعموم ولايته
في المناصب الشرعية (3).
وربما يفهم منه ومن العبارة وغيرها: اختصاص اعتبار إذن الولي
بالجماعة.
ونسبه في الروض إلى الأصحاب كافة، فقال: واعلم: أن ظاهر
الأصحاب: أن إذن الولي إنما يتوقف عليه الجماعة لأصل الصلاة، لوجوبها
على الكفاية، فلا يناط برأي أحد من المكلفين، فلو صلوا فرادى بغير إذن

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 335 س 42.
(2) والقائل هو الشهيد في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 58 س 21.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 57 س 25.
156

أجزأ (1)، وتبعه في النسبة في الذخيرة (2). لكن علل الحكم بما ذكره في
المدارك، لنفي البأس عن المصير إليه من قوله: (قصرا لما خالف الأصل على
موضع الوفاق إن تم، وحملا للصلاة في قوله: (يصلي على الجنازة أولى الناس
بها) على الجماعة، لأنه المتبادر (3). ولكن لم يذكر الاقتصار على موضع
الوفاق بناء منه على ثبوت الأولوية بالنصوص ولو بمعونة فهم الأصحاب.
(و) أما الثالث فاعلم: أن هذه الصلاة (هي خمس تكبيرات) أولها:
تكبيرة الاحرام مقرونة بنية القربة بإجماعنا، والصحاح المستفيضة وغيرها
المتواترة ولو معنى من طرقنا. والواردة بالأربع (4): إما محمولة على التقية، لأنها
مذهب جميع العامة كما صرح به شيخ الطائفة (ه)، أو متأولة تارة بالحمل على
الصلاة على المنافقين المتهمين بالاسلام كما في الصحيح: كان رسول الله
- صلى الله عليه وآله - يكبر على قوم خمسا، وعلى آخرين أربعا، فإذا كبر على رجل
أربعا اتهم بالنفاق (6).
وأصرح منه آخر: فأما الذي كبر عليه خمسا: فحمد الله تعالى ومجده في
التكبيرة الأولى، ودعا في الثانية للنبي - صلى الله عليه وآله - ودعا في الثالثة
للمؤمنين والمؤمنات، ودعا في الرابعة للميت، وانصرف في الخامسة.
وأما الذي كبر عليه أربعا: فحمد الله تعالى ومجده في التكبيرة الأولى،
ودعا لنفسه ولأهل بيته في الثانية، ودعا للمؤمنين والمؤمنات قي الثالثة،

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 311 س 26.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 334 س 37
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 156،
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة الجنازة ح 17 ص 781
(5) تهذيب الأحكام: ب 32 في الصلاة على الأموات ج 3 ص 316 ذيل الحديث 7
(6) وسائل الشيعة: ب من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 772.
157

وانصرف في الرابعة، ولم يدع له لأنه كان منافقا (1).
وأخرى بأن المراد بقوله: (أربعا): الأخبار عما يقال بين التكبيرات من
الدعاء، لأن التكبيرة الخامسة ليس بعدها دعاء كما في الخبر: سأله - عليه
السلام - رجل عن التكبير على الجنائز؟ فقال: خمس تكبيرات، ثم سأله آخر عن
الصلاة على الجنازة؟ فقال: أربع صلوات، فقال الأول: جعلت فداك
سألتك فقلت: خمسا، وسألك هذا فقلت: أربعا، فقال: إنك سألتني عن
التكبيرة، وسألني هذا عن الصلاة. ثم قال: إنها خمس تكبيرات بينهن أربع
صلوات (2). وظاهره كغيره وجوب أن يكون (بينها أربعة أدعية) كما هو
خيرة الأكثر على الظاهر المصرح به في كلام جملة ممن تأخر، بل في ظاهر
الخلاف والمنتهى والذكرى: الاجماع عليه (3). خلافا للماتن في صريح الشرائع (4)
وظاهر المتن، لقوله: (و) هو أي: الدعاء المدلول عليه بالأدعية (لا يتعين)
ولا يجب، بل يستحب، بل ومستنده غير واضح عدا الأصل اللازم تخصيصه
بما مر. وما قيل له: من إطلاقات الروايات المتضمنة: لأن الصلاة على الميت
خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا
ذلك (ه).
ويضعف أولا بأن الظاهر منها كون السؤال والجواب فيها إنما هو بالقياس،
إلى خصوص التكبير ومقداره، لكونه المعركة العظمى بين الخاصة والعامة، ولذا

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجنازة ح 9 ج 2 ص 766
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الجنازة ح 12 ج 2 ص 774
(3) الخلاف: كتاب الجنائز م 543 ج 1 ص 724، ومنتهى المطلب كتاب الصلاة في الصلاة على
الجنائز ج 1 ص 451 س 28، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 59 س 6.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص 106.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 167.
158

لم يذكر النية والقيام والاستقبال وغيرها مع وجوبها اجماعا.
وثانيا: بعد تسليمه فغايته الاطلاق، ويجب تقييده بما مر. ويحتمل أن يكون
مراد الماتن بقوله: (ولا يتعين) عدم تعينه في شئ مخصوص وإن وجب أصله،
وهو خيرة جماعة من محققي متأخري المتأخرين تبعا للإسكافي (1)، للمعتبرة
المستفيضة.
منها الصحيح: ليس في الصلاة على الميت قراءة، ولا دعاء موقت، إلا أن
تدعو بما بدا لك، وأحق الموتى أن يدعى له للمؤمن وأن تبدأ له بالصلاة على
النبي صلى الله عليه وآله (2).
والموثق: إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل (3). مضافا إلى الأصل،
واختلاف النصوص، وعدم توافق بعضها مع بعض في تعين الأذكار مع كثرتها
واستفاضتها. وهو قوي، إلا أن المشهور ولا سيما بين المتأخرين كما ذكره جماعة
هو: تعين ما أشار إليه الماتن بقوله:
(وأفضله: أن يكبر ويتشهد الشهادتين، ثم يكبر ويصلي على
النبي وآله عليهم السلام (4)، ثم يكبر ويدعو للمؤمنين، وفي) التكبيرة
(الرابعة) أن (يدعو للميت، وينصرف بالخامسة) حال كونه
(مستغفرا) بما يأتي في الرضوي، أو بقوله: اللهم عفوك عفوك، كما صرح به
في المنتهى (5)، ويفهم من بعض النصوص لكن مع زيادة عليه (6)، وفي الخلاف

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 783.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 783.
(4) في المطبوع من الشرح: (على النبي صلى الله عليه وآله) والأصح ما أثبتناه كما في المتن المطبوع وأكثر
النسخ الخطية وفي المتن المطبوع لا يوجد.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 454 س 31.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبوا ب صلاة الجنازة ح 3 و 11 ج 2 ص 764 وص 767.
159

دعوى الاجماع عليه (1). وهو الحجة، مضافا إلى بعض المعتبرة ولو بالشهرة،
وفيه: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - إذا صلى على ميت كبر وتشهد،
ثم كبر وصلى على الأنبياء ودعا، ثم كبر ودعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة ودعا
للميت، ثم كبر خامسة وانصرف (2)
ويؤيده بعض الصحاح المتقدمة والرضوي: وارفع يديك بالتكبير الأول
وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن
الموت حق، والجنة حق، والنار حق، والبعث حق، و (أن الساعة آتية لا ريب
فيها وأن الله يبعث من في القبور)، ثم كبر الثانية وقل: اللهم صل على محمد
وال محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد أفضل ما
صليت وباركت ورحمت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين
إنك حميد مجيد، ثم تكبر الثالثة وتقول: اللهم اغفر لي ولجميع المؤمنين
والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وتابع بيننا وبينهم
بالخيرات، إنك مجيب الدعوات وولي الحسنات يا أرحم ا الراحمين، ثم تكبر
الرابعة وتقول: اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بساحتك
وأنت خير منزول به، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا، اللهم إن
كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر لنا وله، اللهم
احشره مع من يتولاه ويحبه، وأبعده ممن يتبرأ ويبغضه، اللهم ألحقه بنبيك
وعرف بينه وبينه، وارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين، ثم تكبر الخامسة وتقول:
(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ولا تسلم، ولا
تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال (3). لكنه في مواضع أخر

(1) الخلاف: كتاب الجنائز م 543 ج 1 ص 724.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 763.
(3) فقه الرضا - عليه السلام - ب 23 في الصلاة على الميت ص 177.
160

تضمن أدعية أخر مختلفة الكيفية مع هذا الدعاء وبعضها مع بعض.
والصحيح السابق تضمن في التكبير الأول بدل التشهد: التحميد
والتمجيد، والرواية الأولى غير صريحة الدلالة، بل ولا ظاهرة حتى على القول
بوجوب التأسي في العبادة، إذ هو حيث لا يعارض الكيفية المنقولة من فعله
- صلى الله عليه وآله - كيفية أخرى مخالفة، مع أنها، كما عرفت من الصحيحة
المنقولة، فلم يبق إلا الاجماع المنقول المعتضد يالشهرة. وفي مقاومة الظن
الحاصل منه للظن الحاصل من جميع الأخبار الواردة في المسألة مختلفة الكيفية
مناقشة، سيما مع تصريح ما مر من المعتبرة بأنه ليس فيها دعاء موقت ولا قراءة،
بل لعل الظن الحاصل منها أقوى وإن كان ما ذكره الجماعة أحوط وأولى،
خروجا عن شبهة الخلاف فتوى، بل ورواية وتحصيلا للبراءة اليقينية مهما
أمكن، ولعله الوجه فيما في المتن وغيره من الأفضلية. وقيل في وجهها: دلالة
الرواية المشهورة عليها لقوله: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - يفعل، فإنه
يشعر بالدوام والمواظبة وأقله الرجحان (1).
وفيه ما عرفته. والعماني والجعفي جعلا الأفضل جميع الأذكار الأربعة
عقيب كل تكبيرة وإن اختلف عبارتهما في تأدية كيفية الأدعية (2).
قال الفاضل: وكلاهما جائز 3). وفي الذكرى: قلت لاشتمال ذلك على
الواجب، والزيادة غير منافية مع ورود الروايات بها وإن كان العمل بالمشهور
أولى، وينبغي مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما ورد عنهم عليهم السلام (4) انتهى

(1) مدارك الأحكام: كتاب المصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 168.
(2) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص 119 س 4، وذكرى الشيعة:
كتاب الصلاة في كيفية الصلاة على الأموات ص 59 س 29.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص 119 س 12.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في كيفية الصلاة على الأموات ص 59 س 30.
161

وهو حسن.
وقيل: الأولى العمل بما في الصحاح من تكرار الدعاء له عقيب كل
تكبيرة، بل تكرار التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله - أيضا
كما في أكثرها (1). ولعله لصحة السند، إلا أن الأفضل ما قدمنا، فإن دفع
الشبهة وموافقة المشهور مهما أمكن لعله أولى.
ثم إن هذا كله في المؤمن 5 وأما غيره فسيأتي الكلام في الدعاء له أو
عليه.
(وليس (2) الطهارة) من الحدث (من شرطها) بإجماعنا الظاهر المصرح
به في جملة من العبائر كالخلاف (3) والتذكرة والمنتهى (4) والذكرى (ه) والروض
والروضة (6). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.
وعلل في الموثق مهنا بأنه: إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تسبح
وتكبر في بيتك على غير وضوء (7).
وفي الرضوي: لأنه ليس بالصلاة، إنما هو التكبير، والصلاة هي التي فيها
الركوع والسجود (8). وربما يفهم منهما عدم اشتراط الطهارة من الخبث أيضا كما

(1) لم نعثر على قائله.
(2) في المتن المطبوع: (وليست)
(3) الخلاف: كتاب الجنائز م 545 ج 1 ص 724.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في كيفية صلاة الميت ج 1 ص 49 س 15 ومنتهى المطلب: كتاب
الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 455 س 12.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 60 س 23.
(6) روض الجنان: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 309 س 6، والروضة البهية: كتاب
الطهارة في الصلاة على الميت ج 1 ص 429.
(7) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 799.
(8) فقه الرضا (ع): باب الصلاة على الميت ص 179.
162

صرح به بعض الأصحاب (1) وإن تردد فيه الشهيد - رحمه الله - في الذكرى (2).
ويعضده إطلاق المعتبرة المستفيضة بجواز صلاة الحائض (3) مع عدم طهارتها عن
الخبث غالبا. (وهي) أي: الطهارة (من فضلها) لمي للنص: تكون علف طهر
أحب إلي (4).
(ولا) يجوز أن (يتباعد) المصلي عن الجنازة (بما يخرج) به (عن)
كونه مصليا عليها أو عندها في (العادة) للتأسي، وعدم تيقن الخروج عن
العهدة من دونه.
(ولا يصلى على الميت إلا بعد تغسيله وتكفينه) إلا أن يكون
شهيدا، ولا نعلم فيه خلافا كما في المنتهى (5)، وفي المدارك: أنه قول العلماء
كافة، لأن النبي - صلى الله عليه وآله - هكذا فعل، وكذا الصحابة والتابعون،
فيكون الاتيان بخلافه تشريعا محرما (6). وفي التفريع على إطلاقه نظر،
والأولى تبديله بما في المنتهى وغيره من قوله: فلو صلى قبل ذلك لم يعتد بها، لأنه
فعل غير مشروع، فيبقى في العهدة (7). هذا مع الامكان، وإلا قام التيمم
مقام الغسل في اعتبار الترتيب فإن تعذر سقط.
(ولو كان) الميت (عاريا) فاقد الكفن (جعل في القبر) بعد تغسيله
أوما في حكمه (وسترت عورته، ثم صلي (8) عليه) بلا خلاف أجده، بل

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 172.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 61 س 8.
(3) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 800.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 798.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 456 س 20.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 173.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 456 س 21.
(8) في المتن المطبوع (يصلي).
163

عليه الاجماع في ظاهر المدارك والذخيرة (1) للموثق (2) وغيره. وذكر الشهيدان:
أنه إن أمكن ستره بثوب صلي عليه قبل الوضع في اللحد (3).
ويدل عليه الخبر الأخير: إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته
فليحضروا قبره ويضعوه في لحده يوارون عورته بلبن أو أحجار أو تراب، ثم
يصلون عليه، ثم يوارونه في قبره (4). وهو حسن إن أريد به الجواز، وإلا
فالوجوب مثكل، لضعف السند مع الأصل لم اطلاق الموثق. نعم، هو لعله
أحوط.
(وسننها) أمور
منها: (وقوف الإمام) أو المصلي وحده (عند وسط الرجل وصدر
المرأة) على الأظهر الأشهر، بل في الغنية: الاجماع عليه () للخبرين " 6)، خلافا
للشيخ في الاستبصار: فيقف عند رأس المرأة وصدر الرجل (7)، للخبر (8) 5 وفيه مع
ضعف السند عدم المكافأة لما مر، وله في الخلاف فعكس ما في الاستبصار،
قال: للاجماع (9). ووهنه ظاهر لكل ناظر، لعدم ظهور قائل به، عدا والد
الصدوق كما حكاه في المختلف (10). وهو نادر، وحكى فيه عن المقنع إطلاق

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ح 4 ص 173، وذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة في صلاة الأموات ص 333 س 17.
(2) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 813.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 53 س 26.
(4) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 3 1 8.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية الصلاة على الأموات ص 502 س 6.
(6) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 و 3 ج 2 ص 805.
(7) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 290 من أبواب الصلاة على الأموات ح 1 ج 1 ص 470.
(8) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 805.
(9) الخلاف: كتاب الجنائز م 562 ج 1 ص 731.
(10) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص 119 س 15.
164

الوقوف عند الصدر (1). ومستنده غير واضح، وظاهر النصوص الوجوب،
ولضعفها حملت على الاستحباب، مضافا إلى الأصل والاجماع على عدمه فيما
أعرفه. وفي المنتهى: هذه الكيفية مستحبة بلا خلاف عندنا (2).
(ولو اتفقا جعل الرجل إلى)، ما يلي (الإمام، والمرأة إلى القبلة) بلا
خلاف فيه أجده. وبه صرح جماعة، بل عليه الاجماع في الخلاف والمنتهى (3)
وغيرهما (4). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.
منها الصحيح: عن الرجال والنساء كيف يصلى عليهم؟ فقال يجعل
الرجل وراء المرأة، ويكون الرجل مما يلي الإمام (5). وأما الواردة بالعكس (6)
فمع قصور سندها، بل ضعفها شاذة مطرحة أو محمولة على التقية، فقد حكاه في
المنتهى عن بعض العامة (7)، مع احتمال بعضها الحمل على ما دلت عليه
المستفيضة، وظاهرها وإن أفاد الوجوب إلا أنه محمول على الاستحباب، لعدم
الخلاف فيه على الظاهر المصرح به في المنتهى (8). وفي الغنية: الاجماع علية (9).
وللصحيح: لا بأس أن تقدم الرجل وتؤخر المرأة، وتؤخر الرجل وتقدم المرأة (10).

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص 119 س 15
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة. الجنائز ج 1 ص 456 س 31.
(3) الخلاف: كتاب الجنائز م 541 ج 1 ص 722، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1
ص 457 س 1.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في كيفية صلاة الميت ج 1 ص 50 س 2، والمعتبر: كتاب الصلاة في
صلاة الجنازة ج 2 ص 353.
(5) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب صلاة الجنازة ح 10 ج 2 ص 810.
(6) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب صلاة الجنازة ح 5 ج 2 ص 809.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 457 س 1.
(8) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 457 س 8.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية الصلاة على الأموات ص 502 س 9.
(10) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب صلاة الجنازة ح 6 ج 2 ص 810.
165

وينبغي أن (يحاذي بصدرها وسطه) ليقف الإمام موقف الفضيلة
منهما. وربما يستفاد من جملة من النصوص خلافه.
فني الموثق: يقدم الرجل قدام المرأة قليلا، وتوضع المرأة أسفل من ذلك عند
رجليه، ويقوم الإمام عند رأس الميت فيصلي عليهما جميعا (13).
وفي آخر يجعل رأس المرأة إلى ألية الرجل (2).
(ولو) اجتمع معهما ثالث و (كان طفلا ف‍) الفضل أن يجعل (من
ورائها) إلى القبلة إن لم يبلغ ستا، وإلا فقد أمها مما يلي الرجل وفاقا لجماعة،
ومنهم: الشيخ في الخلاف تلويحا في الأول، وتصريحا في الثاني مدعيا الاجماع
عليه (3) وهو الحجة فيه، مضافا إلى المرسل كالموثق: في جنائز الرجال
والصبيان والنساء، قال: توضع النساء مما يلي القبلة، والصبيان دونم
والرجال دون ذلك، ويقوم الإمام مما يلي الرجال (4).
وأما الأول فقد علل بأمر اعتباري لا بأس به في إثبات الاستحباب، سيما
مع اعتضاده بما قدمناه من التأمل في استحباب الصلاة على نحو هذا الصبي،
بل مقتضاه لزوم الترتيب حيث يستلزم عكسه البعد العرفي للإمام أو الميت
الذي يليه عن المرأة، لما عرفت سابقا من وجوب فقده.
ومما ذكرناه ظهر ضعف إطلاق القول بجعله وراءها، كما في ظاهر العبارة
وغيرها، وعن النهاية (5) وبعكسه كما عن الصدوقين (6)، مع عدم وضوح مستندهما

(1) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب صلاة الجنازة ح 8 ج 2 ص 810.
(2) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 808.
(3) الخلاف: كتاب الجنائز م 541 ج 1 ص 722.
(4) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 809، مع اختلاف يسير.
(5) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة باب الصلاة على الموتى ج 1 ص 384.
(6) نقله عن علي بن بابويه في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص 121
س 1 وذكره محمد بن علي بن بابويه في المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في الصلاة على
الميت ص 6 س 26.
166

عدا الثاني، فله إطلاق المرسل المتقدم.
وفي شموله للصبي الذي لم يبلغ الست إشكال، سيما بعد ظهور الأخبار بهما
مضى في عدم شرعية استحباب الصلاة عليه، فيمكن تنزيله على غيره كما
يمكن تنزيل إطلاق الصدوقين عليه، لما يظهر من الفقيه من قوله بمضمون تلك
الأخبار (1). وربما ينزل إطلاق العبارة وغيرها على الصبي الذي لم يبلغ
الست. وبه نص الماتن في المعتبر (2) وشيخنا في الروض (3). وعلى النزيلين فلا
خلاف ولا بحث، لكن ظاهر المعتبر القول بما عليه الصدوقان حتى في غير البالغ
ستا، استنادا إلى إطلاق الرواية. قال: وهي وإن كانت ضعيفة لكنها سليمة
عن المعارض (4). وفي المدارك وغيره بعد نقله: ولا بأس به (5). وهو لما عرفته
ضعيفة غايته.
ويستفاد من هذه الأخبار وما في معناها كلمة الأصحاب والاجماع المنقول
جواز الصلاة الواحدة على الجنائز المتعددة، وفي المنتهى: أنه لا نعرف فيه
خلافا (6). لكن استشكل جماعة ذلك فيما إذا كان فيهم صبي لم تجب الصلاة
عليه، لا اختلاف الوجه. ويندفع بالنص كما في تداخل الأغسال. هذا على.
القول باعتبار قصد الوجه وثبوت استحباب الصلاة على هذا الصبي، وإلا كما
هو الأقوى فلا إشكال من أصله.
(و) منها: (وقوف المأموم) هنا (وراء الإمام ولو كان واحدا)

(1) راجع من لا يحضره الفقيه: باب الصلاة على الميت ح 487 ج 1 ص 167.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في الصلاة الجنازة ج 2 ص 354.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في الصلاة الجنازة ج 2 ص 354.
(3) روض الجنان: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 309 س 28،
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 176.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 456 س 36.
167

وتفرد الحائض بصف، للنصوص (1)، والنفساء كالحائض، لمساواتها لها في جميع
الأحكام إلا ما استثني.
(و) منها: (أن يكون المصلي متطهرا) لما مضى (حافيا) كما هنا
وعن القاضي (2)، وافي المعتبر والمنتهى قالا: لأنه موضع اتعاظ، فكان التذلل فيه
أنسب بالخشوع (3)، ولما رواه الجمهور عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال:
من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله تعالى على النار (4)، وعن الأكثر
استحباب نزع النعلين خاصة، وفي المدارك: أنه مذهب الأصحاب، لا أعلم
فيه مخالفا، ونحوه في الذخيرة (5).
وقد صرح جماعة بعدم البأس بالخف، للنص: لا يصلى على الجنازة بحذاء،
ولا بأس بالخف (6). وهو مناف لما أطلقه الماتن. وبه صرح في الذكرى، فقال:
استحباب التحفي يعطي استحباب نزع الخف، والشيخ وابن الجنيد ويحيى
بن سعيد استثنوه، والخبر ناطق به (7).
وفي الروض بعد ذكر ما في المتن قال: إنه غير مناف لنفي البأس عن
الخف، لأنه مستثنى من المكروه، ولا يلزم منه عدم استحباب التحفي الذي

(1) وسائل الشيعة: ب 22 و 28 من أبواب صلاة الجنازة ج 2 ص 800 و 805.
(2) المهذب: كتاب الصلاة باب الصلاة على الموتى ج 1 ص 130، وفيه " فإذا أراد الإمام التقدم للصلاة
على الجنازة فينبغي أن يحتفى ".
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجنازة ج 2 ص ه ه 3، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة
الجنائز ج 1 ص ه 45 س 34.
(4) صحيح البخاري: كتاب الجمعة باب 17 ج 2 ص 9، وسن النسائي: كتاب الجهاد ج 6 ص 14.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 178، وذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة في الصلاة على الأموات ص 332 س 42.
(6) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 804.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على. الميت ص 62 س 2.
168

هو مبحث المحقق (1).
وفي الرضوي: ولا يصلى على الجنازة بنعل حذو (2). وعن المقنع الفتوى
بظاهره حتى في المنع، لكنه رواه بلفظ (لا يجوز) عن محمد بن موسى
الهمداني، وحكى عن شيخه تضعيفه برواية، ورده بلزوم العمل بالخبر الضيف
إذا خلا عن المعارض (3) كما نحن فيه، وهو ضعيف.
(رافعا يديه بالتكبير كله) أي: بالتكبيرات الخمس أجمع، بلا خلاف
في الأولى هنا، بل عليه إجماع العلماء كافة كما، حكاه جماعة (4) حد الاستفاضة.
وعلى قول في البواقي أيضا اختاره الماتن هنا وفي المعتبر والشرائع (5)، والفاضل
في المنتهى والارشاد (6) وغيرهما، تبعا للشيخ في التهذيبين (7)، ووالد
الصدوق فيما حكي عنه (8) (9)، وهو خيرة جماعة من محققي متأخري

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 310 س 9، وفيه " لا يلزم منه
الاستحباب الذي هو مبحث المحقق ".
(2) فقه الرضا - عليه السلام - ب 23 في الصلاة على الميت ص 179.
(3) لم نعثر عليه في المقنع، وإن نقله الشهيد في الذكرى عن المقنع أيضا، راجع ذكرى الشيعة: كتاب
الصلاة في الصلاة على الميت ص 61 س 35.
(4) منهم ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 63 س 12، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في مستحبات الجنائز ج 2 ص 264 ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على
الأموات ج 4 ص 178.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجنازة ج 2 ص 355، وشرائع الاسلام: كتاب الصلاة في الصلاة
على الأموات ج 1 ص 106.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 455 س 2، وإرشاد الأذهان: كتاب الصلاة
في الصلاة على الأموات ج 1 ص 262.
(7) تهذيب الأحكام: ب 21 في الصلاة على الأموات ج 3 ص 194 ذيل الحديث 16، والاستبصار:
كتاب الصلاة ب 296 من أبواب الصلاة على الأموات ج 1 ص 479 ذيل الحديث 5.
(8) والحاكي هو التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 248.
(9) في نسخة (ق) " فيما حكي عنه في التنقيح ".
169

المتأخرين (1)، للصحيح (2) وغيره. خلافا للأكثر على ما حكاه جمع، فخصوه
بالأولى، للموثق (3) وغيره، أو حملا في التهذيبين على التقية.
ويشهد له الخبر: سألت الرضا - عليه السلام - قلت: جعلت فداك إن
الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى، ولا يرفعون فيا
بعد ذلك فاقتصر في التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يدي في كل تكبيرة؟
فقال: ارفع يديك في كل تكبيرة (4). لكنه ضعيف السند، مع عدم وضوح
الجابر. والعامة مختلفة في المسألة كالخاصة لم إن كان أكثرهم، ومنهم: أبو حنيفة
على المنع (5). فإن غاية الكثرة إفادة المظنة، وفي مقاومتها للظن الحاصل من
الشهرة المرجحة مناقشة واضحة، بل هي أولى بالترجيح بمراتب عديدة، يرجح
بها الضعيفة فضلا عن الموثقة على الصحيحة الغير المعتضدة بها، سيما وأن
الشيخ القائل بها في الكتابين قد رجع عنها في المبسوط إلى القول الآخر (6). فلعله
الأظهر، سيما وأن في صريح الغنية والسرائر وعن القاضي في شرح الجمل
الاجماع عليه (7) وإن كان ما في المتن أولى بقاعدة المسامحة في أدلة السنن، سيما
مع كونه مشهورا بين المتأخرين.

(1) منهم مجمع الفائدة والبرهان: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 2 ص 449، والحدائق
الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الأموات ج 1 ص 445، وجامع المقاصد: كتاب الطهارة في
الصلاة على الميت ج 1 ص 426.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 785.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الجنازة ح 4 ج 2 ص 786.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 786.
(5) الشرح الكبير (المغني): كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ج 2 ص 349 ص 23.
(6) المبسوط: كتاب الجنائز ج 1 ص 185.
(7) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية الصلاة على الأموات ص 502 س 7،
والسرائر: كتاب الصلاة باب الصلاة على الأموات ج 1 ص 356، وشرح جمل العلم والعمل: كتاب
الصلاة في الصلاة على الميت ص 158.
170

(داعية للميت) المكلف بما مضى ونحوه مما ورد في الصحاح وغيرها
(في) التكبيرة (الرابعة) أي: بعدها (إن كان مؤمنا). والأصح وجوبه
كما مضى، وإنما إنها جعله الماتن من السنن بناء على مختاره من استحباب أصل
الدعاء. ويحتمل كون المسنون هنا إيقاعه بعد الرابعة لا نفس الدعاء، ولكنه
خلاف الظاهر. ولذا نسب الماتن في ظاهر المتن إلى القول باستحباب أصل الدعاء
(وعليه إن كان منافقا) أي: مخالفا للحق مطلقا كما في ظاهر العبارة
وغيرها، والصحيح: فإن كان جاحدا للحق فقل: اللهم املأ جوفه نارا، وقبره
نارا، وسلط عليه الحيات والعقارب (1). وفسره بعضهم بالناصب (2). قيل: وبه
عبر في المبسوط، وزاد في النهاية: المعلن به (3). وهو ظاهر مورد أكثر النصوص:
منها الصحيح: إذا صليت على عدو الله تعالى فقل: اللهم إنا لا نعلم إلا
أنه عدو لك ولرسولك، اللهم فاحش قبره نارا، واحش جوفه نارا، وعجل به
إلى النار، فإنه كان يتولى أعداءك، ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت
نبيك، اللهم ضيق عليه قبره، فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه (4).
وقريب منه الآخر وغيره الواردان في صلاة الحسين - عليه السلام - على
المنافق (5).
وظاهر هذه النصوص ولا سيما الأولين وجوب الدعاء هنا أيضا كما هو
ظاهر جماعة، ومنهم: الشهيد في البيان واللمعة (6). خلافا له في الدروس

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الجنازة ح 5 ج 2 ص 771.
(2) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد: كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ج 1 ص 424.
(3) القائل هو السبزواري في ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 329 س 36.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 770.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 770.
(6) البيان: كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ص 29، واللمعة الدمشقية: كتاب الطهارة في الصلاة
على الميت ص 24.
171

والذكرى، فلم يوجبه، قال: لأن التكبير عليه أربع، وبها يخرج عن الصلاة (1).
ويضعف بأن الدعاء للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة. وفيه نظر؛
لدعوى الشيخ الاجماع (2). ودلالة النصوص على وجوب الدعاء للميت بعدها
كما مر، وفي بعض النصوص: وتدعو في الرابعة لميتك (3). ولا قائل بالفرق
وبالجملة: مبنى هذا القول على ذلك كما هو المشهور. فتأمل. هذا وفي جملة
من المعتبرة التصريح بعدم الدعاء له في الرابعة معللة بكونه منافقا.
ومنها - زيادة على الصحيحين المتقدم إليهما الإشارة في أول بحث الكيفية
الرواية التي هي مستند الأصحاب في وجوب الأدعية المخصوصة المتقدمة، وفيها
بعد صدرها المتقدم ثمة -: فلما نهاه الله عز وجل عن الصلاة على المنافقين كبر
فتشهد، ثم كبر وصلى على النبي، ثم كبر ودعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة
وانصرف ولم يدع للميت (4). والجمع بينها وبين النصوص المتقدمة يقتضي
حملها على. الاستحباب، لأن هذه صريحة وتلك ظاهرة.
وأما ما يقال في الجمع بينها بحمل تلك على المخالف وهذه على المنافق، كما
يقتضيه اعتبار سياقهما وموردهما وإن أطلق في جملة من تلك المنافق، لكون
المقصود منه المخالف لشيوع إطلاقه عليه في النصوص والفتاوى فلعله إحداث
قول، مع قوة احتمال عدم الفرق بينهما. فتأمل. ولا ريب أن ما ذكره أحوط.
(وبدعاء المستضعفين) وهو: اللهم أغفر اللذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم، كما في الصحاح وغيرها (5) (إن كان مستضعفا) وهو: من

(1) الدروس الشرعية: كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ص 12 س 15 وذكرى الشيعة: كتاب
الصلاة في الصلاة على الميت ص 60 س 17.
(2) الخلاف: كتاب الجنائز م 2 ج 43 ص 724.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة ح 8 ج 2 ص 766.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج ص 763.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الجنازة ج 2 ص 768 و 769.
172

لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب، ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم
كما عن الحلي (1)، وفي الذكرى والروضة: أنه الذي لا يعرف الحق ولا يعاند
فيه ولا يوالي أحدا (2)، وفيها عن المفيد في الغرية: أنه الذي يعترف بالولاء (3).
ويتوقف على البراءة. وهذه التفاسير متقاربة، وبه صرح جماعة (4). وقيل: إنه
الذي لا يعرف الولاية ولا ينكرها يفهم من الأخبار (5).
ومنها: الصحيح الوارد في المضمار: وإن كان واقفا مستضعفا فكبر وقل:
اللهم إلى آخر الدعاء (6). بناء على أن الظاهر أن المراد من الواقف: المتحير
في دينه، لا الواقف بالمعنى المشهور. ولكن في الروض روى بدل واقفا منافقا،
وقال بعد نقله:
وفي هذا الخبر دلالة على أن المنافق هو المخالف مطلقا، لوصفه له بكونه قد
يكون مستضعفا فيكون يخص بالناصب؟ وعلى أن المستضعف لا بد أن يكون
مخالفا فيقرب - حينئذ - تفسير ابن إدريس كما يسقط قول بعضهم أن المراد
به: من لا يعرف دلائل اعتقاد الحق، وإن اعتقده فإن الظاهر كون هذا القسم

(1) السرائر: كتاب الطهارة في أحكام الأسئار ج 1 ص 84.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 59 س 35، وروضة البهية: كتاب الطهارة
في الصلاة على الميت ج 1 ص 28.
(3) نقله عنه الشهيد في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 59 س 36، وفيه " من
لا يعرف بالولاية. ولا يتوقف على البراءة "، والظاهر أنه سهو من النساخ، لأن المنقول في الكتب
الفقهية عن الغرية هكذا (أنه الذي يعرف بالولاء ويتوقف عن البراءة).
(4) منهم جامع المقاصد: كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ج 1 ص 425، ومدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 180، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الصلاة على
الأموات ص 330 س 9.
(5) قائله المحدث البحراني في الحدائق المناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الأموات ج 10 ص 443.
(6) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 768.
173

مؤمنا وإن لم يعرف الدليل التفصيلي (1). انتهى. ومنه يظهر قول رابع في تفسيره
وإن لم يشتهر، ولعله لضعفه كما ذكره، وصرح به في الذخيرة فقال بعد نقله:
والظاهر أنه ليس بجيد، لدخول هذا القسم في المؤمن على الظاهر. ويؤيده
ما رواه الكليني في كتاب الايمان والكفر في باب المستضعف، عن إسماعيل
الجعفي، عن أبي جعفر - عليه السلام - في جملة حديث، قلت: فهل سلم أحد
لا يعرف هذا الأمر؟ فقال: لا، إلا المستضعف، قالت: من هم؟ قال: نساؤكم
وأولادكم، ثم قال: أرأيت أم أيمن؟ فإني أشهد أنها من أهل الجنة، وما
كانت تعرف ما أنتم عليه. وأورد الكليني في الباب المذكور والذي قبله أخبارا
نافعة في تحقيق معنى المستضعف من أراد فليرجع إليه (2).
(و) ب‍ (أن يحشره مع من يتولاه) وأحبه (إن جهل حاله) ولم يعرف
مذهبه بهما يستفاد من بعض النصوص (3). وفي بعض الصحاح: يدعو له بدعاء
المستضعف (4). وفي آخر: وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل: اللهم إن كان
يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه (5). وذكر جماعة: أن الظاهر أن
معرفة بلد الميت الذي يعرف إيمان أهله كاف في إلحاقه بهم.
(و) يقول (في) الدعاء على (الطفل) المتولد من مؤمنين، أو من مؤمن
بقوله: (اللهم اجعله لنا ولأبويه) سلفا و (فرطا) وأجرا كما في الخبر (6).
والفرط بفتح الراء: في أصل الوضع المتقدم على القوم ليصلح لهم ما يحتاجون
إليه مما يتعلق بالماء.

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 307 س 18.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 330 س 10.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الجنازة ح 7 ج 2 ص 769.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الجنازة ح 4 ج 2 ص 768.
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الجنازة ح 4 ج 2 ص 768.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 787.
174

والظاهر أن المراد بالطفل هنا: من لم يبلغ الحلم وإن وجبت الصلاة عليه
كما صرح به في الروضة والروض، وعلله فيه بعدم احتياج من كان كذلك إلى
الدعاء له وليس في الدعاء قسم آخر غير ما ذكر (1).
(و) منها: أن (يقف) المصلي (موقفه) ولا يبرح عنه (حتى ترفع
الجنازة) من بين يديه، للنصوص، ومنها الرضوي (2) وإطلاقها يقتضي عدم
الفرق بين كون المصلي إماما أو غيره كما هو ظاهر إطلاق العبارة
وغيرها أيضا، وبه صرح جماعة قالوا: نعم، لو اتفق صلاة جميع
الحاضرين استثني منهم أقل ما يمكن به رفع الجنازة (1)، وخصه الشهيد
- رحمه الله - بالإمام (4)، تبعا للإسكافي (5)، ومستنده مع إطلاق النص غير
واضح.
(و) منها: إيقاع (الصلاة في المواضع المعتادة) لذلك إما تبركا بها
لكثرة من صلى فيها، وإما لتكثير المصلين علجه فإنه أمر مطلوب لرجاء مجاب
الدعوة فيهم. وفي النبوي: ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا
لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله تعالى فيه (6). وفي الصحيح: إذا مات الميت

(1) الروضة البهية: كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ج 1 ص 329 وروض الجنان: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 308 س 1
(2) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 23 في الصلاة على الميت ص 178
(3) منهم روض الجنان: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ص 309 س 13، وذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة في الصلاة على الأموات ص 331 س 13
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 64 س 7، والدروس الشرعية: كتاب
الطهارة في الصلاة على الميت ص 12 س 25.
(5) نقله عنه في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 64 س 7
(6) السنن الكبرى (للبيهقي): كتاب الجنائز باب صلاة الجنازة بإمام وما يرجى للميت في كثرة من
يصلي عليه ج 4 ص 30 وفيه " إلا شفعوا فيه "
175

فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا: اللهم إنا لا نعلم منه إلا خير
وأنت أعلم به منا قال الله تبارك وتعالى: قد أجزت شهادتكم، وغفرت له ما
أعلم مما لا تعلمون (1).
(وتكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين) فصاعدا على المشهور، كما في
المختلف وغيره (2)، وفي الغنية: الاجماع عليه (3) وكذا عن الخلاف في الجملة (4)،
للخبرين: أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - صلى على جنازة، فلما فرغ جاء
قوم فقالوا: فاتتنا الصلاة عليها فقال: إن الجنازة لا يصلى عليها مرتين، ادعوا له
وقولوا خيرا (5).
ولضعف سندهما حملا على الكراهة، مضافا إلى الاتفاق على الجواز في
الظاهر المصرح به في المدارك (6)، مع تصريح الموثقين وغيرهما بالجواز وإن
اختص ظاهر أحدهما وصريح الآخرين لم يدرك الصلاة عليها (7)، لعدم القائل
بالفرق، وليس في ظاهرهما الاستحباب حتى ينافي الخبرين، لرد الأمر في
أحدهما بالصلاة عليها ثانيا إلى المشيئة (8). وهو ظاهر في كونه للإباحة
والرخصة ردا على من قال بالحرمة من العامة كما لك وأبي حنيفة (9)، ويجعل

(1) وسائل الشيعة: ب 90 من أبواب الدفن ح 1 ج 2 ص 925، وفيه " إذا مات المؤمن ".
(2) مخلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ج 1 ص 120 س 1، والحدائق الناضرة: كتاب
الصلاة في صلاة الأموات ج 10 ص 449.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية الصلاة على الأموات ص 502 س 13.
(4) الخلاف: كتاب الجنائز م 548 ج 1 ص 726، ويظهر من كلامه اختصاص الكراهية بالمصلي
المتحد.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة الجنازة ح 23 و 24 ج 2 ص 782.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 184.
(7) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة الجنازة ح 19 و. 2 ج 2 ص 781.
(8) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة الجنازة ح 20 ج 2 ص 781.
(9) الشرح الكبير (المغني): كتاب الجنائز في الصلاة على الميت ج 2 ص 353 س 28
176

هذا قرينة على صرف الأمر في الأحسن إلى ذلك.
ثم إن إطلاق الخبرين أو عمومهما يقتضي عدم الفرق في المنع بين ما لو
صليت ثانيا جماعة أو فرادى. خلافا للحلي فخصه بالأول (1)، لتكرار الصحابة
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله - فرادى (2).
وفيه: أن المستفاد من نصوصها كون المراد بها: الدعاء لا التكبيرات
المتخلل بينها الأدعية، وأنها وقعت من الأمير وأهل البيت - عليهم السلام -
خاصة، ولا بين ما لو كان المصلي صلى أولا أم لا وإن وردا في الثاني، فإن
العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل. خلافا للخلاف فخصه بالأول (3).
ويدفعه - مع ذلك - النصوص الدالة على صلاة الأمير - عليه السلام - على
سهل بن حنيف خمسا، وفيها الصحيح وغيره (4)، بل يدفع القول بالكراهة
مطلقا، إلا أن يستثني هذه الواقعة من قضية المنع بما يظهر من بعضها (5)، ومن
نهج البلاغة من كون ذلك لخصوصية فيه (6). وإليه أشار في المختلف، فقال: إن
حديث سهل بن حنيف مختص به إظهارا لفضله في خص النبي - صلى الله
عليه وآله - حمزة بسبعين تكبيرة (7).

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب الصلاة على الأموات ج 1 ص 360.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 و 9 و 10 ج 2 ص 777 و 779
(3) الخلاف: كتاب الجنائز م 548 ج 1 ص 726.
(4) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 و 5 ج 2 ص 777.
(5) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 777، ويظهر الخصوصية من قول - عليه
السلام -: (وكان بدريا).
(6) ليس في نهج البلاغة ما يدل على كيفية الصلاة على سهل بن حنيف، بل ما فيه يدل على مزيد
فضل في حمزة - عليه السلام - حتى سمي بسيد الشهداء وخصه النبي - صلى الله عليه وآله - بسبعين
تكبيرة عند صلاته عليه، راجع نهج البلاغة لصبحي الصالح: رسالة 28 جوابا إلى معاوية
ص 386.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ج 1 ص 120 س 5.
177

ومنه يظهر ضعف القول باستحباب التكرار علن الاطلاق لها وإن احتمله
الشيخ في الاستبصار (1). ولا بين ما لو خيف على الجنازة أو نافى التعجيل أم
لا. خلافا لجماعة فقيدوه بالخوف منهما، أو من أحدهما، مع اختلافهم في
التقييد.
ومما ذكرنا ظهر عدم الاشكال في الكراهة مطلقا، مضافا إلى جواز
التسامح في أدلتها. والقول: بأنه يقتضي الاستحباب مدفوع بعدم ظهور قائل
به، حتى الشيخ في الاستبصار، فإنه ذكره وجه جمع بين الأخبار لا فتوى، مع أنه
جمع بينهما بالكراهة أولا.
وأما باقي الأصحاب المقيدون للمنع بما تقدم من القيودات فظاهرهم
اختصاص الكراهة بها، وعدمها في غيرها، وهو لا يستلزم الاستحباب فيه،
فتأمل جدا.
(و) أما (أحكامها) فهي (أربعة:
الأول: (من أدرك) مع الإمام (بعض التكبيرات) وفاته البعض
دخل معه في الصلاة عليه، بلا خلاف بين العلماء كما في المنتهى (2) و (أتم
ما بقي) منها إجماعا كما في الخلاف (3)، للنصوص المستفيضة.
منها الصحيح: إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على الميت
فليقض ما بقي منها متتابعا (4)،. وهو المستند فيما ذكروه من (ولاء)
أي: من غير دعاء بينها وإن اختلفوا في إطلاقه كما هو ظاهر النص والعبارة

(1) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 300 من أبواب الصلاة على الأموات ذيل الحديث 3 ج 1
ص 485.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 455 س 35.
(3) الخلاف: كتاب الجنائز م 547 ص 726.
(4) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 792.
178

وغيرها، أو تقييده بصورة عدم التمكن منه باستلزامه المنافي من البعد والانحراف
عن الميت والمقبلة كما عليه الشهيدان في الذكرى والروض والروضة (1)، تبعا
للمحكي عن العلامة في بعض كتبه (2). وعن خالي العلامة المجلسي: أنه
مذهب الأكثر (3)، ولعله الأظهر، عملا بعموم ما دل على وجوب الدعاء، خرج
منه صورة الضرورة بالنص والاجماع.
وما يقال: من أن الاتفاق على الوجوب الكفائي ينفي شمول أدلة
الوجوب لموضع النزاع حسن لو كان متعلق الوجوب هو نفس الدعاء لا الصلاة،
وليس كذلك، بل المتعلق هو الصلاة وليس الكلام فيه، بل في وجوب الدعاء،
وهو في حق من دخل في الصلاة عيني، للأمر به الذي هو حقيقة فيه، ولا
إجماع على كفائيته.
نعم، يمكن أن يقال: إن عموم ما دل على وجوبه معارض بعموم الصحيح
المتقدم الأمر بالتتابع. وكما يمكن تخصيصه بذلك كذا يمكن العكس، فإن
التعارض بينهما من قبيل تعارض العموم والخصوص من وجه. ويضعف بمنع
العموم في الصحيح، فإن غايته الاطلاق المنصرف إلى صورة عدم التمكن من
الدعاء خاصة كما هو الغالب.
ولذا ورد في النص والفتوى استحباب أن لا يبرح المصلي عن موقفه إلى
أن يرى الجنازة في أيدي الرجال، ومع ذلك فالاحتياط في العبادة يقتضيه

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 63 س 27، وروض الجنان: كتاب
الصلاة في الصلاة على الأموات ص 313 س 11، والروضة البهية: كتاب الطهارة في الصلاة على
الميت ج 1 ص 442.
(2) راجع نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ج 2 ص 270، وتذكرة الفقهاء: كتاب
الطهارة في الصلاة على الميت ج 1 ص 51 س 41.
(3) بحار الأنوار: كتاب الطهارة ب 53 في وجوب الصلاة على الميت وعللها ج 8 ص 363.
179

ويؤيده إشعار بعض النصوص بذلك فإن فيه: سمعته يقول في الرجل يدرك
مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين، فقال: يتم التكبير وهو يمشي معها،
فإذا لم يدرك التكبير كبر عند القبر، فإن كان أدركهم وقد دفن كبر على
القبر (1)، إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى المشي خلف الجنازة. ولعل هذا مراد
الشهيدين في بيان وجه الاشعار وإن قصرت عبارتهما عن إفادته، فإنهما قالا:
إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى الدفن (2). فإن أراد به ما قلناه فضعفه ظاهر، فإن
معنى قوله: (فإن كان قد أدركهم وقد دفن) أنه لم يدرك شيئا من التكبيرات
مع الإمام، لا أنه أدرك البعض ولم يدرك الباقي حتى دفن.
ولا يضر ضعف سنده بالجهالة والارسال، لكونه مستند الأصحاب فيما
ذكروه من قولهم: (وإن رفعت الجنازة) أتم (ولو على القبر) فينجبر
بذلك، مضافا إلى موافقته لباقي الأخبار وإن كان من غير جهة الاشعار،
وينجبر من هذه الجهة بالموافقة، لعموم ما دل على وجوب الأدعية كما عرفته.
ومن هنا يظهر عدم سقوط الدعاء عن المأموم مطلقا كباقي الأذكار عدا
القراءة في الصلوات الخمس المفروضة، والظاهر الاجماع عليه فيما إذا كان مع
الإمام ولو مسبوقا.
قال في المنتهى: إذا فاتته تكبيرة - مثلا - كبر أوله وهي ثانية الإمام يتشهد
هو ويصلي الإمام، فإذا كبر الإمام الثالثة ودعا للمؤمنين كبر هو الثانية
وصلى هو، فإذا كبر الإمام الرابعة ودعا للميت كبر هو الثالثة ودعا للمؤمنين
وهكذا، لأنا قد بينا في الفرائض أن المسبوق يجعل ما يلحقه أول صلاته (3)

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة الجنازة ح 5 ج 2 ص 793.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة على الميت ص 63 س 31، وروض الجنان: كتاب الصلاة في الصلاة
على الأموات ص 313 س 10.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 456 س 15.
180

انتهى. ولم ينقل فيه خلافا.
(الثاني: لو لم يصل على الميت) ودفن بغير صلاة (صلي على قبره)،
وجوبا مطلقا، وفاقا لجماعة (1)، لعموم: لا تدعوا أحدا من أمتي بغير الصلاة (2)،
ونحوه (3) السالم عن المعارض بالكلية، عدا النصوص المستفيضة الناهية عن
الصلاة عليه بعد دفنه، وهي غير صالحة للمعارضة وإن تضمنت الموثقات
وغيرها.
أولا: بمعارضتها بأصح منها سندا، وفيه: لا بأس بأن يصلي الرجل على
الميت بعد ما يدفن (4). ونحوه نصوص أخر.
منها: إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد
دفن (5). وبمعناه الرضوي (6).
وآخر: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - إذا فاتته الصلاة على الميت
يصلي على القبر (7). وهذه النصوص مع استفاضتها أيضا أوفق باستصحاب
الجواز، بل الوجوب حيث يثبت قبل الدفن، ولا قائل بم الفرق. وعليه فهو دليل
على الوجوب كاف في إثباته ولو لم يكن هناك عموم أو منع بدعوى اختصاصه
بحكم التبادر بالميت قبل الدفن، مع أنها فاسدة في العمومات اللغوية.

(1) منهم العلامة في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص. 12 س 29،
والشهيد الأول في البيان: كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ص 29 س 8، والشهيد الثاني في جميع
كتبه كالروضة البهية: كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ج 1 ص 433.
(2) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب صلاة الجنازة ذيل الحديث 3 ج 2 ص 814.
(3) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 814.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 794.
(5) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 794.
(6) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 23 في الصلاة على الميت ص 179.
(7) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 794، مع تفاوت يسير.
181

وثانيا: بضعف سند جملة منها، وقصورها أجمع عن إثبات المنع مطلقا حتى
في محل الفرض، لأن غايتها الاطلاق الغير المنصرف إليه.
وثالثا: بشذوذها، لدلالتها على المنع مطلقا، مع أن الأصحاب أطبقوا ظاهرا،
ويستفاد. من الذكرى أيضا على الجواز في الجملة (1) وإن اختلفوا في اطلاقه كما
عن والد الصدوق والعماني (2)، أو تحديده بما إذا لم تتغير الصورة كما عن
الإسكافي (3)، أو بأيام، ثلاثة كما عن الديلمي (4)، وجعله في الخلاف
رواية (5) أو (يوما وليلة حسب) كما عن الشيخين (6) والحلي (7) والقاضي (8)
وابني زهرة وحمزة (9). وادعى عليه الشهيدان في الذكرى (10) والروضة الشهرة (11)،
ومع ذلك فهي محتملة للحمل على التقية، فقد حكاه جماعة عن أيي حنيفة (12)،

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 55 س 20
(2) نقله عنهما العلامة في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص 120 س 27.
(3) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص 120 س 28.
(4) المراسم: كتاب الصلاة في الصلاة على الموتى ص 80
(5) الخلاف: كتاب الجنائز م 548 ج 1 ص 726.
(6) المقنعة: كتاب الصلاة ب 34 في الصلاة على الموتى ص 231، والخلاف: كتاب الجنائز م 548 ج 1
ص 726.
(7) السرائر: كتاب الصلاة باب الصلاة على الأموات ج 1 ص 365.
(8) المهذب: كتاب الصلاة في الصلاة على الموتى ج 1 ص 132.
(9) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في كيفية الصلاة على الأموات ص 502 س 10،
والوسيلة: كتاب الصلاة في بيان الصلاة على الأموات ص 120.
(10) لم نعثر في الذكرى على دعوى الشهرة في المسألة، راجع ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة
على الميت ص 55.
(11) الروضة البهية: كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ج 1 ص 433، وفيه (على أشهر القولين).
(12) منهم، الخلاف: كتاب الجنائز م 548 ج 1 ص 726، والمغني لابن قدامة: كتاب الصلاة في الصلاة
على الميت ج 2 ص 391 س 10، والمجموع: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ج 5 ص 249
س 18.
182

وعلى فتاويه غالب العامة في جميع الأزمنة. فينبغي حينئذ طرحها أو حملها
على الكراهة فيما إذا صلي على الميت قبل الدفن كما هو المتبادر منها، ولعل
الوجه فيها حينئذ كراهة تكرار الصلاة على الجنازة مرتين كما مضى، لكن
ظاهر الأصحاب الجواز من غير كراهة قبل ما حددوه من المدة، حيث أطلقوه من
غير إشارة إليها إلا أنه يحتمل إحالتهم لها إلى المسألة التي أشرنا إليها، وقصدهم بتحديد
المدة: إثبات التحريم بعدها.
وعلى هذا التقريب يصير التحريم بعدها مشهورا كما عزاه إليهم جماعة، ولم
أعرف مستندهم عدا الأخبار الناهية، وهي كما عرفت بإطلاقها شاذة، ومع
ذلك فلم يعلم منها لا من غيرها شئ من التقديرات المذكورة في عبائر
الجماعة، وبذلك اعترف الفاضلان في المعتبر والمنتهى (1) وغيرها.
والجمع بين النصوص المختلفة في المنع والجواز ذلك فرع شاهد عليه
وحجة، ونحوه الجمع بينها بحمل الأولة على ما إذا صلي عليه فتحرم، والثانية
على ما إذا لم يصل عليه فيجب كما في المختلف (2)، إذ لا شاهد عليه أيضا، بل
ولا وجه له، سيما مع ظهور الأخبار المجوزة بحكم التبادر أو غيره في الصورة
الأولى التي منع عن الصلاة فيها، مع أن مقتضاها نفي البأس، فلا يستفاد منها
الوجوب. فتأمل.
وأما الجمع بينها بحمل المانعة على الصلاة والمجوزة على الدعاء خاصة كما
يدل عليه بعض الأخبار المانعة وفيه الصحيح المقطوع (3) وغيره (4) فهو وإن

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجنازة ج 2 ص 359، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في الصلاة
على الجنائز ج 1 ص 450 س 11.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص 120 س 29.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجنازة خ 5 خ 2 ص 795.
(4) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجنازة ح 4 ج 2 ص 795.
183

حسن من حيث الشاهد عليه والقرينة، إلا أنه لا قائل به من الطائفة عرفته،
لأن مرجعه إلى حرمة الصلاة بعد الدفن مطلقا. وهو كما ترى. والأولى في الجمع
ما ذكرنا فإن إبقاء للنصوص مطلقا على مواردها المستفاد منها بحكم
التبادر، وهو: ما إذا صلي على الميت قبل الدفن، وصرفا للأخبار المانعة
المرجوحة بالإضافة إلى المجوزة إليها، مع وضوح الشاهد عليه من الحكم بكراهة
تكرار الصلاة على الميت كما قدمناه.
(الثالث: يجوز أن تصلى هذه) الصلاة في كل وقت ولو كان أحد
الأوقات الخمسة المكروهة من غير كراهة بإجماعنا الظاهر المصرح به في عبائر
جماعة: كالخلاف (1) والمنتهى (2) والتذكرة (3) وغيرها، والنصوص به مع ذلك
بالخصوص مستفيضة وفيها الصحاح وغيرها (4). مضافا أنها من ذوات
الأسباب فتصلى (في كل وقت) كما مر (ما لم يتضيق وقت الحاضرة (5))
فتقدم هي ما لم يخف على الجنازة، ولا يضيق وقت صلاتها بلا خلاف فيه، ولا
في وجوب تقديم الجنازة مع ضيق وقتها وسعة الحاضرة.
ولو تضيقا معا ففي وجوب تقديم الحاضرة بم كما هو ظاهر إطلاق العبارة
وصريح جماعة (6) بل حكى عليه الشهرة خالي العلامة المجلسي (7) أو صلاة

(1) الخلاف: كتاب الجنائز م 540 ج 1 ص 722.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الصلاة على الجنائز ج 1 ص 458 س 8.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ج 1 ص 51 س 16.
(4) راجع وسائل الشيعة: باب 20 من أبواب صلاة الجنازة ج 2 ص 797 و 798.
(5) في المتن المطبوع (حاضرة).
(6) منهم العلامة في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 1 ص 121 س 17 "
والشهيد الأول في البيان: كتاب الطهارة في الصلاة على الميت ص 30، والسيد السند في المدارك:
كتاب الصلاة في الصلاة على الأموات ج 4 ص 189.
(7) لم نعثر عليه في البحار.
184

الجنازة بهما ظاهر المبسوط خاصة (1) قولان، ولعل الأول لا يخلو عن قوة. ولو
اتسعا فالأولى تقديم الحاضرة على ما صرح به جماعة، للمعتبرة (2). وفي بعض
النصوص العكس، وفيه: إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة
فبأيهما ابدأ؟ فقال: عجل الميت إلى قبره، إلا أن تخاف فوت وقت الفريضة (3).
وهو وإن ضعف سنده إلا أنه معتضد بعموم ما دل على استحباب تعجيل
التجهيز، لكنه معارض بمثله، بل بأجود كالنص (4)، مع أني لم أر قائلا بمضمون هذا
النص وإن حكي عن الماتن التخيير من دون ترجيح للتعارض (5)، فإنه غير القول به.
(الرابع:) أنه (لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة) على أخرى (تخير
المصلى (6) في الاتمام على الأولى والاستئناف على الثانية) وفي قطع
الصلاة على الأولى وابتداء الصلاة عليهما معا على الأشهر، للرضوي: وإن
كنت تصلي على الجنازة وجاءت الأخرى فصل عليهما صلاة واحدة بخمس
تكبيرات، وإن شئت استأنفت على الثانية (7). خلافا للإسكافي (8) فما في
الصحيح: إن شاءوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة، وإن
شاؤوا رفعوا الأولى وأتموا التكبير على الأخيرة، كل ذلك لا بأس به (9). ومال

(1) المبسوط: كتاب الجنائز ج 1 ص 185.
(2) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجنازة ح 3 ج 2 ص 858.
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجنازة ح 2 ج 2 ص 857.
(4) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 807.
(5) حكاه البحراني في الحدائق عن المعتبر، راجع الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الأموات ج 10
ص 477، والمعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجنازة ج 2 ص 360.
(6) في المتن المطبوع (الإمام).
(7) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 23 في الصلاة على الميت ص 179.
(8) نقله عنه في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 64 س 5.
(9) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 1؟ 8.
185

إليه من المتأخرين جماعة (1) لصحة السند، وعدم وقوفهم على مستند الأول مع
مخالفته في صورة القطع للنهي عن إفساد العبادة.
قال في الذكرى: نعم، لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة، ثم استأنف
عليها، لأنه قطع للضرورة (2). وهو حسن لولا ما مر من المستند المعتضد بالعمل،
فيخصص به عموم النهي، مع إمكان التأمل في شموله لنحو هذه العبادة، لما
ورد في كثير النصوص من: أنها دعاء لا صلاة حقيقة (3). وقطعه جائز
قطعا.
ولعله لذا استدل في المنتهى على المختار بأن مع كل من هذين الأمرين
- وأشار بهما إلى شقي التخيير - يحصل الصلاة عليها، وهو المطلوب. ثم قال:
ويؤيده الصحيح (4) وسياقه كما مر. وظاهره كما ترى أن عمدة الدليل هو
التعليل، لا الصحيح كما قيل (5)، وهو إنما يتجه لو جاز القطع، ولا يكون ذلك إلا
لما ذكرناه من عدم عموم في النهي يشمل محل البحث.
(وأما)، الصلوات (المندوبات ف‍) هي (6) كثيرة جدا، ذكر الماتن منها
جملة يسيرة.

(1) منهم الشهيد الثاني في مسالك الأفهام: كتاب الصلاة في الصلاة 38 س 37،
وحكى في مفتاح الكرامة هذا القول عن العلامة في فوائد القواعد وعن الفاضل الميسي في حاشية ولا
يوجد لدينا هذان الكتابان. راجع مفتاح الكرامة: كتاب الطهارة في أحكام صلاة الأموات ج 1
ص 489.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الصلاة على الميت ص 64 س 2.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجنازة ح 7 ج 2 ص 799.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجنائز ج 1 ص 458 س 5، ولكن لم يعبر بلفظ التأيد، وإنما
قال: (وهو المطلوب لما رواه الشيخ في الصحيح).
(5) قال به السيد السند في مدارك الأحكام في الصلاة على الأموات ج 6 ص 190
(6) في المطبوع من الشرح (وهي).
186

(منها: صلاة الاستسقاء)
أي: طلب السقيا من الله تعالى عند الحاجة إليها (وهي مستحبة عند (1)
الجدب) وعوز الأنهار، وقطور الأمطار بإجماعنا الظاهر المحكي في التذكرة
وغيره (2) بل العلماء كافة، إلا أبا حنيفة كما في المنتهى (3)، وللتأسي والنصوص
المستفيضة.
(والكيفية (4)) هنا (ك‍) هي في (صلاة العيدين (5)) بإجماعنا
الظاهر المصرح به في الخلاف والمنتهى (6). وللصحيح: عن صلاة الاستسقاء،
قال: مثل صلاة العيدين تقرأ فيهما وتكبر فيهما، يخرج الإمام فيبرز إلى مكان
نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسألة ويبرز معه الناس، فيحمد الله تعالى
ويمجده ويثني عليه، ويجتهد في الدعاء ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير،
ويصلي مثل صلاة العيد ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد، فإذا سلم الإمام
قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر، والذي
على المنكب الأيسر على الأيمن، فإن النبي - صلى الله عليه وآله - كذلك
فعل (7).

(1) في ألم المطبوع: " مع ".
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 167 س 15، والمعتبر: كتاب الصلاة في صلاة
الاستسقاء ج 2 ص 360.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 54 3 س 28.
(4) في المتن المطبوع (كيفيتها).
(5) في المتن المطبوع (العيد).
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 460 ج 1 ص 685 ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء
ص 355 س 1.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الاستسقاء ح 1 ج 5 ص 162، مع تفاوت يسير.
187

ولا ريب في شمول المماثلة فيه المماثلة في عدد الركعات والقراءة المستحبة
والتكبيرات الزائدة (والقنوت) بعد كل تكبيرة إلا أنه يقنت هنا (بسؤال
الرحمة وتوفير المياه) ولا يتعين فيه دعاء خاص، بل يدعو بما يتيسر له وأمكنه
(و) إن كان (أفضل ذلك: الأدعية المأثورة) عن أهل العصمة - عليهم
السلام - فإنهم أعرف بما يناجى به الرب سبحانه.
وظاهر الشهيدين وغيرهما
تعميم المماثلة في الموقت، فيخرج فيها ما بين طلوع الشمس إلى الزوال (1).
وعزاه في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب (3) مع أن المحكي عن الفاضلين
التصريح بأن لا وقت لها، فأي وقت خرج جاز (3).
وادعى في نهاية الإحكام والتذكرة الاجماع عليه (4) وهو الأوفق
بالاطلاقات، والمتبادر من المماثلة، المماثلة في الكيفية لا الأمور الخارجة، ولكن
الأحوط ما ذكروه بلا شبهة وإن حكي عن الإسكافي التوقيت بما بعد
الفجر (5). وعن التذكرة بما بعد الزوال، قال: لأن ما العصر أشرف (6)،
لضعفهما في الغاية.
(ومن سننها: صوم الناس ثلاثا، والخروج يوم الثالث (1)) للنص

(1) اللمعة الدمشقية: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 690، ومسالك الأفهام: كتاب
الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 39 س 5.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ص 250 س 16.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 2 ص 364، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة
الاستسقاء ج 1 ص 47 س 33.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 168 س 18، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 2 ص 104.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 126 س 11.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 168 س 18.
(7) في المتن المطبوع (في الثالث).
188

المؤيد بما دل على استجابة دعاء الصائم.
(وأن يكون) الخروج يوم (الاثنين أو الجمعة) مخيرا بينهما كما هنا. وفي
كلام جماعة: أو مرتبا بتقديم الأول، وإن لم يتيسر فالثاني كما في الشرائع (1)
وكلام آخرين.
والأكثر لم يذكروا سوى الأول للنص: قلت له - عليه السلام -: متى نخرج
جعلت فداك؟ قال: يوم الاثنين (2). ونحوه المروي في العيون عن مولانا الحسن
العسكري - عليه السلام - (3) وعكس الحلبي، فلم يذكر سوى الثاني (4).
قيل: ولعله نظر إلى ما ورد في ذم يوم الاثنين، وأنه يوم نحس لا يطلب فيه
الحوائج، وأن بني أمية تتبرك به وتتشاءم به لآل محمد - صلى الله عليه وآله -
لقتل الحسين - عليه السلام - فيه، حتى ورد أن من صامه أو طلب الحوائج فيه
متبركا حشر؟ مع بني أمية (5). وأن هذه الأخبار ظاهرة الرجحان على الخبرين
المذكورين (6).
أقول: لكنهما معتضدان بعمل أكثر الأصحاب وإن اختلفوا في الجمود عليهما
أو ضم الجمعة مخيرا أو مرتبا بينهما، جمعا بينهما وبين ما دل على شرف الجمعة
واستجابة الدعاء فيه. حتى ورد: أن العبد ليسأل الحاجة فيؤخر الإجابة
إليه (7). وكل من ساوى بينه وبين الخبرين مكافأة قال بالأول، ومن رجحهما

(1) شرائع الاسلام.: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 159.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الاستسقاء ح 2 ج 5 ص 162.
(3) عيون أخبار الرضا - عليه السلام ج 2 ص 167 ب 41 ح 1. وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة
الاستسقاء ح 2 ج 5 ص 164.
(4) الكافي في الفقه: كتاب، الصلاة ص 162.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الصوم المندوب ج 7 ص 339 - 341.
(6) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الصلوات المندوبة ج 10 ص 485.
(7) المحاسن: ب 74 في فضل يوم الجمعة ح 94 ص 58.
189

لفتوى الأصحاب - سيما نحو القاضي والحلي اللذين لم يعملا بأخبار الآحاد إلا
بعد قطعيتها - قال بالثاني (1)، ولعله الأقوى.
(والاصحار بها) إجماعا كما في المعتبر (2) والمنتهى (3) والذكرى (4)
وللتأسي والنصوص، وفيها الصحيح وغيره، وفيه: مضت السنة أنه لا يستسق إلا
بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء، ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة (5).
واستثناؤه مجمع عليه عندنا وعند أكثر أهل العلم كما في المنتهى (6).
وعن الإسكافي: إلحاق مسجد النبي - صلى الله عليه وآله - بها (7). وهو مع
عدم وضوح مستنده سوى القياس الذي لا نقول به يرفعه بعض النصوص
بظاهره (8).
نعم، ذكر الشهيدان: أنه لو حصل مانع من الصحراء كخوف وشبه
صليت فيه، بل في سائر المساجد (9). ولا بأس به.
وليكن خروجهم إلى الصحراء في حال كونهم (حفاة على سكينة
ووقار) كما كما يخرج في العيدين.

(1) المهذب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 144. والسرائر: كتاب الصلاة صلاة
الاستسقاء ج 1 ص 325.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 2 ص 363.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 355 س 21.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ص 250 س 10.
(5) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الاستسقاء ح 1 ج 5 ص 166.
(6) منتهى المطالب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 355 س 21.
(7) ذكرى الشيعة: الصلاة في صلاة الاستسقاء ص 250 س 14، نقلا عن ابن الجنيد.
(8) راجع الوسائل: ب 1 من أبواب صلاة الاستسقاء ج 5 ص 162 و 163.
(9) الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ص 250 س 12 فيه: " (جازت
في المساجد)، والشهيد الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ص 301
س 18.
190

وفي الخبر: يمشي كما يمشي يوم العيدين (1). مضاف إلى الصحيح المتقدم
المصرح باستحباب الأخيرين
(واستصحاب الشيوخ) ولا سيما أبناء الثمانين
(والأطفال والعجائز) في المشهور بين الأصحاب: قالوا: لأنهم أقرب إلى
الرحمة وأسرع إلى الإجابة.
وفي النبوي: لولا أطفال رضع وشيوخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب
صبا (2).
وفي آخر إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر (3).
وفي الرضوي: في جملة الخطبة المأثورة فيه هنا: اللهم ارحمنا بمشايخ ركع
وصبيان رضع وبهائم - رتع وشبان خضع (4).
وليكونوا (من المسلمين خاصة) كما ذكر جماعة، فيمنع من الحضور
معهم أهل الذمة وجميع الكفار.
وزاد الحلي فقال: والمتظاهرين بالفسوق والمنكر والخداعة من أهل الاسلام (5).
قال في المنتهى: لأنهم أعداء الله تعالى، ومغضوب عليهم، وقد بدلوا نعمة
الله تعالى كفرا، فهم بعيدون من الإجابة قال الله تعالى: (وما دعاء الكافرين
إلا في ضلال) ثم ذكر ما روي في حكاية دعاء فرعون حين غار النيل، ورجح
عدم المنع (6).

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الاستسقاء ح 2 ج 5 ص 162.
(2) جامع الصغير: ج 2 ص 133 س 3، بتفاوت يسير.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ص 250 س 3.
(4) فقه الرضا - عليه السلام -: كتاب الصلاة ب 18 في صلاة الاستسقاء ص 154.
(5) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة الاستسقاء ج 1 ص 325، وفيه (والخلاعة).
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 355 س 30.
191

قيل: ويعضده خروج المنافقين مع النبي - صلى الله عليه وآله - فإنهم أكثر
الناس أو كثير منهم يومئذ (1). وكذا خروج المخالفين مع مولانا الرضا - عليه
السلام - كما تضمنه بعض النصوص، فإنهم الأكثر يومئذ (3).
ويعضده أيضا ما ورد في بعض الأخبار من: أن الله تعالى ربما حبس
الإجابة عن المؤمن لحب سماع دعائه وتضرعه وإلحاحه، وعجل الإجابة للكافر
لبغض سماع صوته على أنهم يطلبون ما ضمنه الله تعالى لهم من رزقهم، وهو
سبحانه لا يخلف الميعاد (3).
(والتفريق بين الأطفال وأمهاتهم) كما ذكره جماعة قالوا: استجلابا
للبكاء والخشوع بين يدي الله تعالى، فربما أدركتهم الرحمة بلطفه (4).
(و) أن (تصلى جماعة) للتأسي وظواهر النصوص تجوز فرادى
بإجماعنا، بل أهل العلم كافة، إلا أبا حنيفة كما في المنتهى (5).
(وتحويل الإمام الرداء) بأن يجعل الذي على يمينه على يساره
وبالعكس كما في الصحيح وغيره (6) مستفيضا. وظاهرها بعد حمل مطلقها على
مقيدها استحبابه من الإمام مرة واحدة بعد الصلاة.
وصعود المنبر كما عليه الأكثر. خلافا لبعضهم فذكر التحويل بعد الخطبة.
ولآخر فأثبته للمأموم أيضا. ولجماعة فاستحبوه ثلاث مرات. ولم نعرف لشئ

(1) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الصلوات المندوبة ج 1 ص 488.
(2) راجع وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الاستثناء ح 2 ج 5 ص 164.
(3) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب الدعاء ج 4 ص 1111.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ص 325 س 3، وفيه " أدركهم " ومنتهى
المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 355 س 25، قريب بهذا المضمون، وذكرى
الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ص 250 س 8.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ص 356 س 7.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الاستسقاء ج 5 ص 165.
192

من ذلك مستندا واضحا.
(واستقباله القبلة) حال كونه (مكبرا) مائة مرة (رافعا) بها صوته
(وإلى اليمين مسبحا، وإلى اليسار مهللا،
و) عند (استقبال الناس
حامدا (1)) كل ذلك مائة مرة رافعا بها صوته على المشهور المأثور في
الخبرين (2). خلافا للمفيد وجماعة في ذكر اليسار واستقبال الناس، فيحمد في
الأول ويستغفر في الثاني كلا منهما مائة مرة (؟).
وللصدوق فيهما أيضا، فعكس ما عليه المشهور (4). ولم نعرف مستندهما، ولا
مستند من قال باستحباب أن (يتابعه (5)) الناس في ذلك، أي: في الأذكار،
ورفع الصوت بها أيضا كما عن الحلبي (6) والصدوق (7) والقاضي (8)، أو
الأذكار خاصة من غير رفع الصوت كما عن الإسكافي (9) والحلي (10). ولكن
لا بأس بالمتابعة للتسامح في أدلة السنن.
(والخطبة) مرتين كما يفعل في العيدين - (بعد الصلاة) بإجماعنا الظاهر
المصرح به في جملة من العبائر (11) مستفيضا، والنصوص المروية من طرق العامة

(1) في المتن المطبوع (داعيا).
(2) وسائل الشيعة:، ب 1 من أبواب صلاة الاستسقاء ح 2 ج 5 ص 162.
(3) المقنعة: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ص 208. والمراسم: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء
ص 83. والكافي في الفقه: في صلاة الاستسقاء ص 163.
(4) من لا يحضره الفقيه: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 526.
(5) في المتن المطبوع (ويتابعه).
(6) الكافي في الفقه: في صلاة الاستسقاء ص 163.
(7) من لا يحضره الفقيه: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 527.
(8) المهذب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 144.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 125 س 35.
(10) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 326.
(11) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 168 س 23.
193

وطرقنا عموما وخصوصا (1)
والموثق الدال على أنها قبل الصلاة (2) شاذ يحتمل الحمل على التقية، فقد
حكي في المنتهى وغيره عن جماعة من العامة (3).
(والمبالغة في الدعاء، والمعاودة إن تأخرت الإجابة) إجماعا منا كما
حكاه في المنتهى، قال: لأن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء، ولأن الحاجة
باقية، فكان طلبها بالدعاء مشروعا، ولأنها صلاة يستدفع بها أذى، فكانت
مشروعة كالأولى (4).
(ومنها نافلة شهر رمضان)
(و)، قد اختلفت الرويات (في) توظيفها واستحبابها، إلا أن (أشهر
الروايات) وأكثرها وأظهرها بين الأصحاب بحيث كاد أن يكون ذلك منهم
اجماعا كما يستفاد من جملة من العبارات، بل بانعقاده صرح الحلي (5)
والمرتضى (6)، والفاضل في المختلف حاكيا له عن الديلمي (7).
وربما احتمله عبارة الخلاف (8) أيضا يدل على (استحباب ألف ركعة
زيادة على) النوفل (المرتبة) اليومية.

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الاستسقاء ح 1 ج 5 ص 166. وتذكرة الفقهاء: كتاب
الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 168 س 24 عن أبي هريرة وابن عباس.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة الاستسقاء ح 2 ج 5 ص 167.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 356 س 29.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الاستسقاء ج 1 ص 356 السطر الأخير.
(5) ا السرائر: كتاب الصلاة باب النوافل... ج 1 ص 310.
(6) الإنتصار: كتاب الصلاة في نوافل شهر رمضان ص 55
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في نافلة شهر رمضان ج 1 ص 126 س 15.
(8) الخلاف: كتاب الصلاة م 269 ج 1 ص 530.
194

وقول الصدوق بأنه: لا نافلة في شهر رمضان زيادة على غيره (1) شاذ
كالصحاح الدالة عليه وإن حكاه في الخلاف عن قوم، من أصحابنا (2)، إذ لم
نعرفهم، ولا نقله غيره، غير أنه قيل: إنه لم يتعرض لها والد الصدوق، ولا
العماني (3). وهو غير صريح، بل ولا ظاهر في الخالفة، مع أن ظاهر عبارة
الصدوق المشتهر نقل خلافه في المسألة لا يدل على نفي المشروعية، بل صريحها
الجواز.
ولذا نفى عنه الخلاف جماعة قائلين: إن غايتها نفي تأكد الفضيلة
لا المشروعية (4). وهو حسن.
فما يقال من: أن المسألة من المشكلات (5) لا وجه له، غير صحة الأخبار
المانعة (6)، وهي معارضة بتلك الروايات المشهورة، المتضمنة للموثق وغيره (7)،
المعتضدة بفتوى الأصحاب، والاجماعات المنقولة، وعموم ما دل على أن الصلاة
خير موضوع (8). مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن، بناء على الاجماع على
الجواز كما عرفته.
والصحاح بعد القطع بشذوذها لا تفيد الحرمة صريحا لينبغي الاحتياط
عنها، مع أنها معارضة زيادة على الروايات المشهورة باستحباب ألف ركعة
بالنصوص المستفيضة القريبة من التواتر، بل لعلها متواترة بشرعية الزيادة ولو
مطلقة. ومع ذلك فجملة منها صحيحة صريحة في خلاف ما دلت عليه الصحاح

(1) من لا يحضره الفقيه: كتاب الصوم باب الصلاة في شهر رمضان ج 2 ص 139
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 269 ج 1 ص 531.
(3) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في النافلة... ج 10 ص 509.
(4) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في النافلة... ج 10 ص 509.
(5) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في النافلة... ج 10 ص 514.
(6) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب نافلة شهر رمضان ج 5 ص 190.
(7) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب نافلة شهر رمضان ج 5 ص 173.
(8) بحار الأنوار ب 4 ح 3 ج 82 ص 307.
195

المتقدمة من أنه: ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله - الزيادة قط، ولو كان
خيرا لم يتركه.
فني الصحيح: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - يزيد في صلاته في
شهر رمضان إذا صلى العتمة صلى بعدها. الخبر (1). ونحوه آخر وغيره (2).
وحينئذ فينبغي طرحها، أو حملها على نفي الزيادة في جماعة خاصة كما في
التهذيبين (3)، للصحيح (4) " ولكن لا دلالة له عليه، أو على نفي الزيادة في النوافل
الراتبة كما رواها الإسكافي بأربع في صلاة الليل كما في المختلف (5). وهو
أبعد، أو على نفي كونها سنة موقتة موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية، بل
إن كانت فهي من التطوعات التي من أحبها وقوي عليها كما يشعر به بعض
النصوص المثبتة، ولكن فيه بعد، أو على التقية كما عن بعض الأجلة حاكيا له
عن ابن طاووس مؤيدا له بأمور:
ومنها: ورود جملة من الأخبار بتكذيب راوي النفي والدعاء عليه، لكنها
معارضة ببعض الأخبار الواردة بالعكس (6)، مع أن بعض الأصحاب حمل
الأخبار المثبتة على التقية (7).
وكيف كان، فالمذهب ما عليه الأصحاب، وقد اختلفوا في كيفية توزيع
الألف ركعة على الشهر، فالمشهور أنه يصلى (في كل ليلة) من العشرين
الأولين (عشرون ركعة) موزعة هكذا: (بعد المغرب ثماني ركعات، وبعد

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 1 و 3 ص 174.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 1 و 3 ص 174.
(3) تهذيب الأحكام: ب 4 في فضل شهر رمضان والصلاة فيه ج 3 ص 69، والاستبصار: ب 287
في الزيادات في شهر رمضان ج 1 ص 467.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 1 ج 5 ص 191.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في نافلة شهر رمضان ج 1 ص 126 س 21.
(6) نقلها عن بعض متأخري المتأخرين صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في نافلة شهر رمضان ج 10
ص 514
(7) لم نعثر عليه.
196

العشاء اثنتا عشرة ركعة، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثون) ركعة
موزعة كما مر، بعد المغرب ثماني ركعات، والباقي بعد العتمة (وفي ليالي
الافراد) المحتملة لليلة القدر (في كل ليله) منها (مائة) ركعة (مضافة
إلى (1) ما عين) فيها من العشرين في الأولى والستين في الأخيرتين، للنصوص
المستفيضة الدالة على هذا التفصيل بتمامه بعد ضم بعضها إلى بعض، وهي
متفقة الدلالة على كيفية توزيع العشرين والثلاثين بجعل الثمان بعد المغرب
والباقي بعد العشاء مطلقا.
خلافا للنهاية والإسكافي فخيرا في العشرين بين ذلك وبين عكسه،
فيصلى اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعتمة، وثماني ركعات بعد العتمة (2)، كما
في الموثقة (3)، جمعا بينها وبين المستفيضة.
وللقاضي والحلبي في الثلاثين فيصلى ما بين العشائين اثنتا عشرة ركعة
وثماني عشرة بعد العشاء (4)، كما في الخبر (5).
وربما يقال هنا بالتخيير أيضا جمعا، ولا بأس به وإن كان المشهور أولى،
لكثرة أخباره، واشتهارها بين الأصحاب، بل في الخلاف عليه الاجماع، وفيه
الاجماع أيضا على استحباب، الثمانين ركعة في ليالي الافراد زيادة على المائة (6).
(وفي رواية: يقتصر) فيها على الثمانين (على المائة) في كل منها

(1) في المتن المطبوع: (زيادة على).
(2) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة في نوافل شهر رمضان ج 1 ص 380، ومختلف الشيعة: كتاب الصلاة
في نافلة شهر رمضان ح 1 ص 126 س 32.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 3 ج 5 ص 180.
(4) المهذب: كتاب الصلاة باب نوافل شهر رمضان ج 1 ص 146، والكافي في الفقه: في أحكام
الصلوات المسنونة ص 159.
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 10 ج 5 ص 184.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 269 ج 1 ص 530.
197

(ويصلى) الثمانين (1) المختلفة، وهي العشرون في التاسعة عشرة والستون في
الليلتين بعدها: (في الجمع) الأربع (أربعون) موزعة عليها، فيصلي في
كل يوم جمعة عشرا: أربعا (بصلاة علي عليه السلام) يقرأ فيها بالحمد في كل
ركعتين، وخمسين مرة (قل هو الله أحد) (و) أربعا بصلاة (جعفر) عليه
السلام، يقرأ في الركعة الأولى: الحمد و (إذا زلزلت) وفي الثانية: الحمد
والعاديات، وفي الثالثة الحمد و (إذا جاء نصر الله) وفي الرابعة الحمد و (قل هو
الله أحد).
(و) ركعتين بصلاة (فاطمة عليها السلام) يقرأ في الركعة الأولى
بالحمد و (إنا أنزلناه في ليلة القدر) مائة مرة، وفي الثانية بالحمد و (قل هو الله
أحد) مائة مرة.
(وعشرون في أواخر الجمعة) أي ليلة الجمعة الأخيرة (بصلاة علي
عليه السلام، وفي عشيتها) ليلة السبت (عشرون بصلاة فاطمة - عليها
السلام -).
ويوافقها في الاقتصار على المائة غيرها في الروايات، وحكي القول
بمضمونها عن كثير من القدماء: كالمفيد والمرتضى والقاضي والديلمي وابن
حمزة (2). وعزاه في الذكرى إلى أكثر الأصحاب (3). وفي الانتصار: الاجماع
عليه (4). وعليه رتب الشيخ الدعوات المختصة بالركعات (5)، والتخيير غير بعيد

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 1، ج 5، ص 179.
(2) المقنعة: كتاب الصلاة ب 14 في صلاة شهر رمضان ص 168 و 169، والانتصار: نوافل شهر رمضان
ص 55، والمهذب: كتاب الصلاة في صلاة نوافل شهر رمضان ج 1 ص 146، والمراسم: كتاب
الصلاة في صلاة نوافل شهر رمضان س 82، الوسيلة: كتاب الصلاة في صلاة نوافل شهر رمضان ص 117.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في نوافل شهر رمضان ص 254 س 4.
(4) الإنتصار: في نوافل شهر رمضان ص 55.
(5) مصباح المتهجد: في ترتيب نوافل شهر رمضان ص 519 - 487.
198

كما هو ظاهر كثير.
(ومنها: صلاة ليلة الفطر)
(وهي ركعتان) يقرأ (في الأولى: مرة بالحمد (1) وبالاخلاص ألف
مرة، وفي الثانية: الحمد والاخلاص (2) كل منهما (مرة) كما في الخبر
المنجبر بقول الأصحاب كما في الذكرى (3). مضافا إلى التسامح في أدلة
السنن، وفيه: من صلاها لم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه (4). ولها صلاة
مذكورة في محالها.
(ومنها: صلاة يوم الغدير)
وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة (قيل الزوال بنصف ساعة، وهي
ركعتان (5)) يقرأ في كل منهما: الحمد مرة وكلا من: التوحيد وآية الكرسي
والقدر عشر مرات كما في الخبر، وفيه: أنها تعدل مائة ألف حجة ومائة ألف
عمرة، ومن صلاها لم يسأل الله تعالى حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا
قضيت له كائنة ما كانت الحاجة (6). وضعف السند منجبر بما عرفته، مضافا
إلى أخبار أخر مؤيدة له.
فإنكار الصدوق له (7) ضعيف كقول الحلبي باستحباب الجماعة

(1) في المطبوع من الشرح و (ق): (بالحمد مرة).
(2) في المتن المطبوع (بالحمد مرة وبالاخلاص مرة).
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في نافلة رمضان ص 254 س 22.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب بقية الصلوات المندوبة ح 1 ج 5 ص 221،
(5) في المتن المطبوع بتقديم. (وهي ركعتان) على (قبل الزوال...).
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب بقية الصلوات المندوبة ح 1 ج 5 ص 224. باختلاف يسير.
(7) من لا يحضره الفقيه: كتاب الصوم باب صوم التطوع و... ج 2 ص 90.
199

والخطبتين والخروج إلى الصحراء (1)، إذ لم نقف له على مستند، مع مخالفة
الأول لعموم الأدلة بإنكار الجماعة في النافلة، الأولى مراعاة الترتيب الذكري في
القراءة، وعليه جماعة وقدم آخرون القدر على آية الكرسي ويظهر من
الحلي أن به رواية (3).
(ومنها: صلاة ليلة النصف من شعبان)
وهي عديدة، وبكل منها رواية.
فمنها: (أربع ركعات)، يقرأ في كل ركعة: الحمد مرة والتوحيد مائة مرة،
ثم يدعو بالمرسوم كما في المرفوع المروي في الكافي (3) وغيره. ونحوه الخبر المروي
في المصباح، ولكن في العدد خاصة (4). وأما القراءة ففيه: أنه يقرأ في ركعة
الحمد مرة والتوحيد مائتين وخمسين مرة.
ومنها: ركعتان: يقرأ في الأولى بعد الحمد الجحد، وفي الثانية بعده
التوحيد، ويقول بعد السلام: (سبحان الله) ثلاثا وثلاثين مرة، و (الحمد
الله) كذلك، و (الله أكبر) (أربعا وثلاثين مرة، ثم يدعو بالمروي، رواه في
المصباح (5)، وروي فيه غير ذلك (6).

(1) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة في الصلوات المسنونة ص 160.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في النوافل المرتبة... ج 1 ص 312
، مستدرك الوسائل: في 3 من أبواب بقية
الصلوات المندوبة ح 1 ج 6 273.
(3) الكافي: باب صلاة فاطمة الزهراء - عليه السلام - وغيرها ح 7 ج 3 ص 469، وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب
بقية الصلوات المندوبة ح 3 ج 5 ص 238.
(4) المصباح المتهجد: في صلاة ليلة النصف من شعبان ص 762.
(5) ص 762 وفيه " تقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد مائة مرة "
(6) وسائل الشيعة ب 8 من أبواب بقية الصلوات المندوبة ح 4 ج 5 ص 239
200

(ومنها: صلاة ليلة المبعث ويومها)
وهو السابع والعشرون من رجب.
(وكيفية ذلك) أي: كل من هذه الصلاة (وما يقال فيه وبعده
مذكور في كتب تخص به، وكذا سائر النوافل) الغير المذكورة في الكتاب
من أرادها (فليطلبها هناك).
201

(المقصد الثالث في التوابع) (وهي) أمور (خمسة):
(الأول: في الخلل الواقع في الصلاة)
(وهو) يكون (إما) عن (عمد) وقصد (أو سهو) لغروب المعنى عن
الذهن حتى حصل بسببه الاخلال (أو شك) وهو: تردد الذهن بين طرفي
النقيض حيث لا رجحان لأحدهما على الآخر. والمراد بالخلل الواقع عن عمد
أو سهو: ترك شئ من أفعالها مثلا، والواقع بالشك: النقض الحاصل للصلاة
بنفس الشك، لا أنه كان سبب ترك كقسيميه.
(أما العمد ف‍)
كل (من أخل معه بواجب أبطل صلاته، شرطا
كان) ما أخل به: كالطهارة والستر والوقت والقبلة (أو جزء) وإن لم يكن
ركنا كالقراءة وأجزائها حتى الحرف الواحد (أو كيفية) كالطمأنينة والجهر
والاخفات في القراءة، وترتيب الواجبات بعضها على بعض.
(و) تعريف العامد بما مر يشمل ما (لو كان جاهلا) بالحكم
الشرعي كالوجوب، أو الوضعي كالبطلان.
والأصل في جمع ذلك عدم الاتيان بالمأمور به على الوجه المطلوب شرعا
فيبقى في عهدة التكليف. وهذه الكلية ثابتة في جميع مواردها (عدا الجهر
202

والاخفات، فإن الجهل فيهما عذر (1)) إجماعا كما مر في بحثهما.
(وكذا تبطل لو فعل) معه (ما يجب تركه) في الصلاة: كالكلام
بحرفين فصاعدا، ونحوه مما مر في قواطع الصلاة مع أدلتها.
(وتبطل الصلاة في الثوب المغصوب أو الموضع (2) المغصوب) وكذلك
فيهما نجسين (والسجود على الموضع النجس مع العلم) مطلقا وإن جهل
الحكم (لا مع الجهل بالغصبية والنجاسة) إذ لا إعادة في الأول مطلقا. وفي
الثاني مع خروج الوقت ومع بقائه قولان تقدما كسائر ما يتعلق بهذه المسائل في
أبحاثها. لكن لم يتقدم لحكم السجود على الموضع النجس جهلا ذكر، لا هنا
ولا في شئ مما وقفت عليه من كتب الفقهاء، عدا (الفاضل في النهاية
و) شيخنا الشهيد الثاني في الروض (4) في بحث الصلاة في الثوب النجس،
فألحقه به وبالبدن في الأحكام، وهو ظاهر غيره من الأصحاب، حيث أحالوا
الحكم في المقام إلى ذلك البحث وبحث المكان، مع أنهم لم يذكروه في شئ
منهما على الخصوص، وهو ظاهر فيما ذكرنا من الالحاق. ولا ريب فيه إن كان
ذلك إجماعا، بالا فللتوقف فيه مجال.
فإن مقتضى الأصول الإعادة في الوقت هنا، للشك في الامتثال لاطلاق
ما دل على اشتراط طهارة محل السجود من دون تقييد بصورة العلم وإن احتمل
قريبا كطهارة الثوب والبدن، لكنه ليس بمتحقق كما تحقق فيهما، فبمجرده
لا يخرج عن إطلاق الأمر القطعي.
نعم، لو خرج الوقت لم يعلم وجوب القضاء بناء على كونه فرضا
مستأنفا، ولا دليل عليه هنا عدا عموم الأمر بقضاء الفوائت وهو فرع تحقق

(1) في المتن المطبوع " عذر فيهما ".
(2) في المتن المطبوع " والموضع ".
(3) ما بين القوسين أثبتناه من جميع المخطوطات
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في المكان ص 221 س 1.
203

الفوت، ولم يتحقق بعد احتمال اختصاص الشرطية بحال العلم كما في النظائر،
وحينئذ فيدفع القضاء بالأصل السالم عن المعارض.
(وأما السهو فإن كان عن ركن) من الأركان الخمسة المتقدمة (وكان
محله باقيا) بأن لا يكون دخل في ركن آخر (أتى به) ثم بما بعده بلا خلاف
بين أهل العلم كما في المنتهى (1)، لامكان الاتيان به على وجه لا يؤثر خللا ولا
إخلالا بماهية الصلاة، ولفحوى ما دل على هذا الحكم في صورة الشك في
الجملة.
(وإن كان دخل في) ركن، (آخر أعاد) الصلاة وذلك (كمن أخل
بالقيام حتى نوى، أو بالنية حتى افتتح) للصلاة (أو بالافتتاح حتى
قرأ، أو بالركوع حتى سجد، أو بالسجدتين حتى ركع) بلا خلاف فيما
عدا الأخيرين، ولا إشكال إلا في الأول، فإنه يتوقف على ثبوت ركنية القيام
حتى حال النية. ووجهه غير واضح خصوصا على مذهب من جعل النية شرطا
خارجا عن حقيقة الصلاة، إلا أن يوجه باشتراط مقارنتها للتكبير الذي القيام
ركن فيه قطعا، وهي لا تتحقق إلا حالة القيام. فتدبر.
ووجه فساد الصلاة بالاخلال بالنية حتى كبر على القول بجزئيتها
واضح، وكذا على غيره، فإن التكبير جزء من الصلاة إجماعا، فيعتبر فيه النية
وغيرها من الشرائط، لأن شرط الكل شرط لجزئه، ويلزم من فوات الشرط
فوات المشروط، وعلى الأشهر الأقوى أيضا فيهما، بل عليه جمهور متأخري
أصحابنا، بل عامتهم في الأخير إذا كان السهو في الركعتين الأوليين، أو
الصبح أو المغرب، وحجتهم عليه بعد الاجماع - ظاهرا - استلزام التدارك زيادة
ركن وعدمه نقصانه، وهما مبطلان إجماعا في الثاني، ونصا في الأول.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل الواقع في الصلاة ج 1 ص 408 س 18.
204

وهذه الحجة عامة للصور المزبورة وغيرها من السهو عن السجدتين إلى أن
يركع في أخيرتي الرباعية، وعن الركوع إلى أن يسجد السجدتين، مضافة فيه
إلى الصحيح: عن الرجل. ينسى أن يركع حتى يسجد ويقوم قال: يستقبل (1).
ونحوه غيره.
وحيث لا قائل بالفرق بينه وبين السهو عنه إلى أن يسجد الواحدة عم
الحكم لهما، مع اعتضاده بالقاعدة من أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى
تحت العهدة، ولا يتيقن الخروج عنها إلا باستئناف الصلاة من أولها، وإطلاق
جملة من المعتبرة.
منها الموثق: عن الرجل ينسى أن يركع، قال: يستقبل حتى يضع كل
شئ موضعه (2).
والخبر: عن رجل نسي أن يركع، قال: عليه الإعادة (3). وقصور السند أو
ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة المتأخرة والموافقة للقاعدة المتيقنة المشار إليها في
الموثقة أيضا بقوله: " حتى يضع كل شئ موضعه " فتعم غير موردها أيضا، وهو
جملة الصور في المسألتين.
(وقيل: إن كان) السهو عن أحد الركنين مع الدخول في الآخر (في)
الركعتين (الأخيرتين من الرباعية أسقط الزائد وأتى بالفائت) والقائل
بذلك: الشيخ في المبسوط (4) وكتابي الأخبار (5) جمعا بين الأخبار المتقدمة وبين

(1) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الركوع ح 1 و 2 ج 4 ص 933.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الركوع ح 2 ج 4 ص 933.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الركوع ح 4 ج 4 ص 933.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الركوع والسجود وأحكامهما ج 1 ص 109.
(5) تهذيب الأحكام: ب 9 في تفصيل ما تقدم... ج 2 ص 149 ذيل الحديث 42، والاستبصار: كتاب
الصلاة ب 207 في من نسي الركوع ص 356 ذيل ح 6.
205

الصحيحين الدالين على التلفيق مطلقا كما حكاه عن بعض الأصحاب (1).
وعزاه إليه في المنتهى (2) عن أحدهما: رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع،
فقال: يمضي في صلاته حتى يستيقن أنه لم يركع، فإن استيقن أنه لم يركع
فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبني صلاته على التمام، لم وإن كان لم
يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين ولا شئ
عليه (3).
وفي الثاني: عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها، ثم ذكر إنه لم
يركع، قال: يقوم ويركع ويسجد سجدتين السهو (4). وفيه نظر، فإن الجمع
بذلك فرع التكافؤ، وليس لرجحان الأخبار الأولة من وجوه عديدة دون
الصحيحين، سيما مع تضمن الأول منهما ما لا يقول به الخصم، بل ولا أحد من
وجوب صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك
الركوع.
ومنه يظهر شذوذ الثاني رأسا، وعدم ارتباطه بما نحن فيه أصلا. ولو سلم
ذلك كله فالجمع بذلك فرع الشاهد عليه، ولم نجده عدا ما اشتهر عنه.
وعن المفيد من: أن كل سهو يلحق الأوليين في الأعداد والأفعال فهو
موجب للإعادة دون الأخيرتين (5)، ولم المتحققة بل المتحقق خلافه.
وفي الرضوي: وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد

(1) والحاكي هو.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل الواقع... ج 1 ص 408 س 32.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الركوع ح 7 ج 4 ص 937.
(4) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الركوع ح 3 ج 4 ص 935.
(5) المقنعة: كتاب الصلاة ب 11 في أحكام السهو في الصلاة... ص 145، حكاه المصنف عنه
مضمونا.
206

صلاتك، لأنه إذا لم تصح لك الأولى لم تصح صلاتك، وإن كان الركوع من
الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعلها - أعني: الثانية - الأولى،
والثالثة ثانية، والرابعة ثالثة (1). وهو كما ترى ظاهر في خلاف ما ذكراه، وهو
وجوب المحافظة على الركعة الأولى خاصة، لا الركعتين معا.
ويؤيده بعض الأخبار المروية عن العلل والعيون عن مولانا الرضا - عليه
السلام - قال: إنها جعل أصل الصلاة ركعتين، وزيد على بعضها ركعة، وعلى
بعضها ركعتين، ولم يزد على بعضها شئ، لأن أصل الصلاة هي ركعة
واحدة، لأن أصل العدد واحد، فإذا نقصت عن واحدة فليست هي صلاة (2)
الحديث. وما تضمنه، الرضوي من الحكم في المسألة محكي عن والد الصدوق (3)
والإسكافي (4)، وهو مع ندرته وقصوره عن المقاومة لما مر من الأدلة من وجوه
عديدة شاذ.
واعلم: أن النصوص الدالة على التلفيق مطلقا مختصة بالمسألة الأولى
- كفتوى الشيخ في كتبه المتقدمة - فلا وجه لتعديته واجزائه في الثانية كما
حكي عنه في جمله (5) واقتصاده (6)، ولذا وافق القوم هنا في موضع من المبسوط،
لكن قال في موضع آخر منه ما يشعر باتحاد طريق المسألتين واتحاد حكمهما (7)،
ولعله الوجه في التعدية كما احتج لهم في المختلف من أن السجدتين مساويتان

(1) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 7 في الصلوات المفروضة ص 116.
(2) علل الشرائع: ب 182 في علل الشرائع وأصول الاسلام ح 9 ج 1 ص 261، وعيون أخبار الرضا - عليه
السلام - قال: ب 34 في العلل التي ذكر الفضل بن شاذان ح أ ج 2 ص 106.
(3) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 129 س 32 و 35.
(4) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 129 س 32 و 35.
(5) الجمل والعقود: في أحكام السهو ص 77 و 78.
(6) الاقتصاد: في أحكام السهو ص 265 و 266.
(7) المبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الركوع والسجود وأحكامهما ج 1 ص 112 و 120.
207

للركوع في الحكم فاستحب فيهما حكم التلفيق الثابت للركوع (1)، وضعف هذا
الاستدلال ظاهر.
(ويعيد) الصلاة (لو زاد) فيها (ركوعا أو سجدتين) مطلقا (عمدا)
كانت الزيادة (أو سهوا) وكذا غيرهما من الأركان إلا ما استثني بلا خلاف
أجده. وبه صرح جماعة لكونها كالنقيصة مغيرة لهيئة العبادة التوقيفية، موجبة
لبقاء الذمة تحت العهدة، ومع ذلك المعتبرة به مستفيضة.
منها الصحيح: إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها، واستقبل
الصلاة استقبالا (2). وبمعناه الموثق وغيره (3). وفي الموثقين القريب أحدهما من
الصحيح، بل صحيح: لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة (4). ومقابلة
الركعة فيهما بالسجدة قرينة على أن المراد بالركعة: الركوع، ولا قائل بالفرق
بينه وبين سجدتين. وخروج كثير من الأفراد من إطلاق الصحيح الأول وما
في معناه غير قادح ولو كانت أكثر، إذ ليس كالعموم اللغوي لا يقبل التخصيص
إلا أن يبقى الأقل.
فما يقال في الجواب عنهما من حملهما على زيادة ركعة حذرا عن ارتكاب
التخصيص البعيد ضعيف. وأضعف منه التأمل في الدليل الأول مع عدم ظهور
وجهه، سيما وإن دأب العلماء - حتى المتأمل - التمسك به في إثبات كثير من
الواجبات في العبادات وبطلانها بالاخلال بها مطلقا.
وكما تبطل بزيادة أحد الركنين كذا تبطل بزيادة ركعة مطلقا على الأشهر
الأقوى لما مضى من الأدلة، حتى القاعدة، بناء على المختار من وجوب التسليم

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 129 س 1.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 938.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 و 3 ج 5 ص 332.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الركوع ح 2 و 3 ج 4 ص 938.
208

وجزئيته مطلقا، وكذا على غيره، لكن في الجملة، مضافا إلى بعض الأخبار
المنجبر ضعفها بالشهرة والمخالفة للعامة: في رجل صلى العصر ست ركعات أو
خمس ركعات، قال: إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا فليعد (1). خلافا
للإسكافي فلا إعادة في الرابعة إن جلس بعدها بقدر التشهد (2).
واختاره الفاضلان في المعتبر والتحرير والمختلف (3)، للصحيحين (4)، ولأن
نسيان التشهد غير مبطل، فإذا جلس بقدره فقد فصل بين الفرض والزيادة. وفيهما
نظر لضعف الثاني بأن تحقق الفصل بالجلوس لا يقتضي عدم وقوع الزيادة في
أثناء الصلاة، والخبرين بأن الظاهر أن المراد من الجلوس فيهما بقدر التشهد
لشيوع مثل هذا الاطلاق، وندور تحقق الجلوس بقدره من دون الاتيان به. ولو
سلم فني مكافأتهما - لما مر من الأدلة - مناقشة واضحة، سيما بعد احتمالهما الحمل
على التقية بهما صرح به جماعة حاكين القول بمضمونهما عن أبي حنيفة (5) المشهور
رأيه في جميع الأزمنة، وعليه أكثر العامة.
وقيل: إن تشهد قبل الزيادة فلا إعادة عملا بظاهر الصحيحين
بالتقريب الذي عرفته، ولذا جعلا من أدلة استحباب التسليم لا التشهد (6).
وفيه ما عرفته من عدم المكافأة للأدلة المشهورة هنا، مضافا إلى أدلة وجوب
التسليم المتقدمة في بحثه.

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ت 3 ج 5 ص 332.
(2) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 135 س 14.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في أحكام السهو خ 2 ص 380، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في الخلل
الواقع في الصلاة ج 1 ص 49 س 10، ومختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 135
س 17.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 و 5 ج 5 ص 332.
(5) منهم الشيخ في الخلاف: م 196 ج 1 ص 451، والمحقق في المعتبر: ج 2 ص 380 وغيرهما.
(6) القائل بذلك الشهيد الأول ظاهرا، انظر الذكرى: ص 219 س 15.
209

وعلى هذا القول لا فرق في وقوع الزيادة بعد تشهد الرباعية أو الثلاثية
أو الثنائية إن علل زيادة على الصحيحين باستحباب التسليم والخروج
بالتشهد عن الصلاة فيكون الزيادة بعدها.
(ولو نقص من عدد) ركعات (الصلاة) سهوا (ثم ذكر النقصان)
بعد التسليم (أتم) مطلقا (ولو تكلم على الأشهر) الأظهر، للصحاح
المستفيضة (1) وغيرها من المعتبرة المتقدمة جملة منها، مضافا إلى الاجماعات
المنقولة على عدم بطلان الصلاة بالتكلم ناسيا في بحث قواطع الصلاة، وتقدم
ثمة خلاف النهاية وقوله فيه بوجوب الإعادة، مع ذكر ما يصلح له دليلا
والجواب عنه. ويحكى هذا القول هنا عن جماعة من القدماء: كالعماني (2)
والحلبي (3).
وحكى الشيخ عن بعض الأصحاب قولا بوجوب الإعادة في غير
الرباعية (4)، ولم نعرف مستنده. وإطلاق العبارة كغيرها. وجملة من النصوص
الصحيحة وغيرها يقتضي عدم الفرق بين ما إذا طال الزمان أو الكلام كثيرا
بحيث يخرج عن كونه مصليا أم لا.
وعزاه في التذكرة إلى ظاهر علمائنا (5) خلافا لبعضهم، ففرق بينهما: فوافق
الشيخ في الأول والمشهور في الثاني (6)، ووجهه غير واضح، عدا الجمع بين
النصوص وما دل على البطلان بالفعل الكثير. وفيه نظر، لاختصاص ما دل

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل الواقع في ا الصلاة ج 5 ص 307.
(2) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 136 س 3.
(3) الكافي في الفقه: في حكم السهو عدد الركعات ص 148.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 121.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة، في أحكام السهو ج 1 ص 135 س 17.
(6) الظاهر إنه الفاضل في كشف اللثام: ص 274 س 21 وراجع المختلف: ج 2 ص 398.
210

على البطلان بصورة العمد كما مر في بحثه، مع نقل الاجماع على عدمه فيما نحن
فيه.
ومع ذلك يرده ظاهر الحسن لو لم نقل صريحه، قلت: أجئ إلى الإمام وقد
سبقني بركعة في الفجر، فلما سلم وقع في قلبي أني أتممت، فلم أزل أذكر الله
تعالى حتى طلعت الشمس، نهضت فذكرت أن الإمام قد سبقني بركعة، قال:
فإن كنت في مقامك فأتم بركعة، وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة (1).
فتدبر.
نعم، الأحوط الإعادة كما ذكره، بل مطلقا كما عليه الشيخ في النهاية (2)
ومن تبعه، لكن بعد اتمام الصلاة كما ذكرنا، وتدارك ما يلزم السهو من
سجدتيه.
(ويعيد لو استدبر القبلة) أو فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا،
كالحدث على الأشهر الأقوى للمعتبرة المستفيضة في استدبار القبلة ومنها
الصحيح والموثقان وغيرها الواردة في خصوص المسألة (3)، مضافا إلى الصحاح
المستفيضة وغيرها المتقدمة في كونه قاطعا للصلاة مطلقا. وقد مر ثمة نقل
خلاف جماعة في ذلك بتخصيصهم له بصورة العمد خاصة مع مستندهم
والجواب عنه.
وأما هنا فلم ينقل الخلاف إلا من المقنع خاصة، حيث قال: يتم صلاته
ولو بلغ الصين (4)، ووافقه بعض متأخري المتأخرين (5)، للصحاح المستفيضة

(1) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 315. مع اختلاف يسير.
(2) النهاية: كتاب الصلاة باب السهو في الصلاة... ص 90.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج 5 ص 307.
(4) نقله عنه العلامة في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 136 س 12.
(5) كما في مجمع الفائدة: ج 3 ص 92، والمدارك: ج 4 ص 228 وذخيرة المعاد: ص 360 س 38 وغيرهم.
211

إطلاقا في بعضها (1)، وتصريحا في جملة منها (2) وهي غير مكافئة لما مر من
الأدلة، مع احتمالها الحمل على التقية كما صرح به بعض الأجلة (3). ومع
ذلك فقول الصدوق - رحمه الله - بها غير معلوم وإن اشتهرت حكايته عنه لما ذكره
خالي العلامة المجلسي - رحمه الله - بأنه لم يجده فيما عنده من نسخة المقنع (4)، وقد
مر في بحث القواطع موافقة إطلاق كلامه لما عليه الأكثر من كون الاستدبار من
القواطع مطلقا.
وبالجملة: فالقول المزبور ضعيف، وأضعف منه القول بالتخيير بينه وبين
المختار مع أفضليته كما اتفق لصاحبي المدارك والذخيرة (5)، للجمع بين الأخبار
لفقد التكافؤ، مع عدم وضوح الشاهد عليه، وقوة احتمال كونه إحداث قول
غير جائز. وحيث ثبت الإعادة بالاستدبار ثبت بغيره، لعدم قائل بالفرق،
مضافا إلى عموم أدلة كونه من القواطع.
(وإن كان السهو عن غير ركن فمنه ما لا يوجب تداركا) وهو:
الاتيان به بعد فواته (ومنه ما يقتصر معه على التدارك) خاصة (ومنه ما
يتدارك جمع سجود السهو) بعد التسليم.
(فالأول: كمن (6) نسي القراءة) كلا أو بعضا حتى ركع، بلا خلاف
أجده، إلا من ابن حمزة القائل بركنيتها (7) وهو شاذ كالصحيح الدال

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل ج 5 ص 307.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل ج 5 ص 307.
(3) هو العلامة المجلسي في بحار الأنوار: ج 88 ص 200. والبحراني في الحدائق: ج 9 ص 130.
(4) بحار الأنوار: ج 88 ب 87 ص 199.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 4 ص 228، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في
أحكام السهو ص 360 س 40.
(6) في المتن المطبوع (من).
(7) نسبه إليه صاحب تنقيح الرائع: كتاب الصلاة في القراءة ج 1 ص 197، والموجود في الوسيلة: (ومن
قال: إنها ركن فهو يوجب الإعادة).
212

عليه، ولعله لذا نفى الخلاف عن خلافه هنا جماعة، معربين عن دعوى الاجماع
عليه كما تقدم نقله عن الشيخ - رحمه الله - في بحث القراءة مع تزيف هذا القول.
ونقول هنا: إن العبرة على رده زيادة على ما مر مستفيضة، وفيها الصحاح
والموثقات وغيرها معتضدة بالأصل وعمل الأصحاب (أو الجهر
والاخفات) في مواضعهما مطلقا، لاطلاق الصحيحين الماضيين في بحثهما بأنه
لا شئ عليه إن أخل بهما ساهيا، من دون تقييد له بالتذكر لهما في الركوع كما
قيد به في القراءة على ما عرفته وستعرفه (أو الذكر في الركوع، أو الطمأنينة
فيه) حتى رفع رأسه (أو رفع الرأس منه، أو الطمأنينة في الرفع) بلا
خلاف أجده، إلا من الشيخ - رحمه الله - في الطمأنينتين فقال بركنيتهما مدعيا
عليها الاجماع (1)، وهو شاذ، ولعله لذا نفى عن خلافه الخلاف هنا جماعة
معربين عن دعوى الاجماع (2). وهو الحجة، مضافا إلى الخبر: عن رجل ركع ولم
يسبح ناسيا، قال: تمت صلاته (3). ونحوه آخر سيذكر، وهما دالان على
الحكم في الذكر، في طمأنينته أولى، ولا قائل بالفرق بينه وبين الطمأنينة
الأخرى، وكذا الرفع أيضا.
وضعف السند مجبور بالعمل، مضافا إلى التأيد بالصحيح: لا شاد الصلاة
إلا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، (4).
(أو الذكر في
السجود والسجود (5) على) أحد (الأعضاء السبعة) ما عدا الجبهة، فإن

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 98 ج 1 ص 348، والمبسوط: كتاب الصلاة في ذكر الركوع والسجود
وأحكامهما ج 1 ص 109.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الخلل الواقع في الصلاة خ 4 ص 232، وذخيرة المعاد: كتاب
الصلاة في الشك والسهو ص 368 س 37.
(3) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الركوع ح 1 ج 4 ص 938.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الركوع ح 5 ج 4 ص 934.
(5) في المتن المطبوع " أو السجود ".
213

نسيانها في السجدتين معا يوجب فوات الركن المبطل، وفي الواحدة يقتضي
فواتها الموجب لالحاقه بالقسم الثالث، لو أنما لم يستثنها الماتن لدلالة السياق عليه
بناء على أن السجود لا يتحقق بدون وضعها لو أن وضعت باقي الأعضاء. وعليه
فيدخل عدم وضعها في كلية ترك السجدة التي سنتعرض لها في القسم الثالث.
(أو الطمأنينة فيه) أي: في السجود (أو) إكمال (رفع الرأس منه (1) أو
الطمأنينة في الرفع من الأولى، أو الطمأنينة في الجلوس للتشهد)
بلا خلاف في شئ من ذلك، للخبر: عن رجلا نسي تسبيحه في ركوعه
وسجوده قال: لا بأس بذلك (2). والتقريب ما مر حتى في التأييد بالصحيح
والجواب عن ضعف السند.
(الثاني: من ذكر أنه لم يقرأ الحمد وهو) آخذ (السورة) أو تممها
ولم يركع (قرأ الحمد وأعادها) أي: تلك السورة (أو غيرها) من السور
وجوبا إن قلنا بوجوبها، وإلا فاستحبابا بلا خلاف يظهر، بل بالاجماع صرح
بعض (3) من تأخر، وللخبرين أحدهما الموثق: عن الرجل يقوم فينسى فاتحة
الكتاب، قال: فليقل: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع
العليم، ثم ليقرأها ما دام لم يركع (4). وإنما يجب إعادة السورة محافظة على
الترتيب بينها وبين الفاتحة الواجب اتفاقا فتوى ورواية.
(ومن ذكر قبل السجود أنه لم يركع قام) منتصبا مطلقا، وقيل: إن
نسيه حال القيام، وإلا فمنحنيا إلى حد الراكع إن نسيه بعد الوصول إليه، وفيه
نظر (فركع) بلا خلاف، بل بالاجماع صرح جمع، لاطلاق الأمر وبقاء المحل،

(1) في المتن المطبوع: (فيه).
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الركوع ح 2 ج 4 ص 939.
(3) راجع الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 8 ص 125.
(4) وسائل الشيعة: ب 28 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2 ج 4 ص 768.
214

مضافا إلى فحوى ما دل عليه في صورة الشك. وفي الصحيح: إذا نسيت شيئا
من الصلاة ركوعا أو سجود أو تكبير فاقض الذي فاتك (1). وحمل على
صورة التذكر قبل فوات المحل بقرينة الاجماع على عدم قضاء الأركان بعده
مطلقا.
(وكذا من ترك السجود أو التشهد وذكر) ذلك (قبل ركوعه قعد
فتداركه (2)) بلا خلاف في التشهد والسجدة الواحدة، بل بالاجماع فيهما صرح
جماعة. وهو الحجة، مضافا إلى الصحاح المستفيضة.
منها: عن رجل نسي أن يسجد واحدة فذكرها وهو قائم، قال: يسجدها إذا
ذكرها ولم يركع، وإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف
قضاها وحدها، وليس عليه سهو (3).
ومنها: عن الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما، فقال: إذا
ذكر وهو قائم في الثالثة فليجلس، وإن لم يذكر حتى ركع فليتم صلاته، ثم يسجد
سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلم (4).
وأما نسيان السجدتين فكذلك أيضا على الأظهر الأشهر كما صرح به
جمع (5)، بل عليه عامة من تأخر كما صرح به بعض (6)، لبقاء المحل بدلالة
تدارك السجدة الواحدة، مضافا إلى أصالة بقاء الصحة المؤيدة زيادة على
الشهرة العظيمة بالصحيحة السابقة المتضمنة: لأنه لا تعاد الصلاة إلا من

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 341، مع تفاوت يسير.
(2) في المتن المطبوع " فتدارك ".
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السجود ح 4 ج 4 ص 69 9، بزيادة ونقصان.
(4) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب التشهد ج 4 ص 996، ذيل الحديث 4.
(5) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ص 371 س 40.
(6) راجع الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 9 ص 136.
215

خمسة.
وقيل: وبالصحيحة المتضمنة: تتدارك الركوع بعد السجدتين، فإنه إذا
جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في الصلاة جاز تدارك
السجود، مع تخلل القيام خاصة بطريق أولى (1). وهو حسن إن قلنا بحكم
الأصل، وإلا - كما هو الأقوى وقد مضى - فلا. خلافا لجماعة من القدماء،
فأبطلوا الصلاة بنسيانهما مطلقا (2)، ولم نعرف لهم مستندا.
وعلى المختار لو عاد إليهما لم يجب الجلوس قبلهما. أما لو كان المنسي
إحداهما فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأولى واطمأن، سواء كان بنية
الجلوس الواجب للفصل، أولا بنيته لم يجب الجلوس قبلها أيضا، لحصوله من
قبل، لو أن لم يكن جلس كذلك أو لم يطمئن وجب، لأنه من أفعال الصلاة،
ولم يأت به مع إمكان تداركه. خلافا للمحكي عن المبسوط فجوز تركه لتحقق
الفصل بين السجدتين بالقيام (3).
ويضعف بأن الواجب هو الجلوس على الوجه المخصوص الغير الحاصل
لا مطلق الفصل، ولو شك هل جلس أم لا بنى على الأصل وجلس وإن كان
حالة الشك قد انتقل عن المحل، لأنه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشك
يصير في المحل. ومتى تدارك المنسي قام وأتى بالأذكار الواجبة بعده، ولا يعتد
بما أتى به قبله، لوقوعه في غير محله، فيكون كالعدم، ولا يضر زيادته، لعدم
كونه ركنا.
واعلم: أنه لم يتعرض الماتن لحكم نسيان السجود في الركعة الأخيرة
والتشهد الأخير، والأجود تدارك الجميع مع الذكر قبل التسليم وإن قلنا

(1) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الخلل الواقع في الصلاة ج 4 ص 236.
(2) راجع المقنعة: ص 138، ب 10، والكافي في الفقه: ص 119، والسرائر: ج 1 ص 241.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 120 س 17.
216

باستحبابه لاطلاق الأمر بفعلهما وبقاء محلهما بهذا قيل (1). وفيه نظر.
نعم، هو على القول بوجوب التسليم ودخوله في الصلاة كما هو المختار
حسن. وينبغي إعادة التشهد بعد تدارك السجدة المنسية مراعاة للترتيب، وبه
صرح في الذكرى (2). ولو لم يذكر إلا بعد التسليم فإن كان المنسي التشهد
قضاه بعده، لعدم الفرق بينه وبين التشهد الأول الذي حكمه ذلك كما يأتي
عند الجماعة فيما أجده، وبه صرح جماعة، ومنهم: الشهيد في الذكرى (3)،
ولاطلاق الصحيح، بل ظاهره كما قيل (4): في الرجل يفرغ من صلاته وقد
نسي التشهد حتى ينصرف من صلاته، فقال: إن كان قريبا رجع إلى مكانه
فتشهد، وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه (5). ويعضده إطلاق غيره من
الأخبار.
منها الصحيح على الظاهر: في رجل نسي ركعة أو سجدة أو الشئ منها،
ثم يذكر بعد ذلك، قال: يقضي ذلك بعينه، قلت: أيعيد الصلاة؟ قال: لا (6).
ونحوه آخر (7). وإطلاقها كالصحيح يقتضي عدم الفرق بين ما لو تخلل الحدث
بينه وبين الصلاة أم لا، وبه صرح جماعة. خلافا للحلي في الأول فيعيد
الصلاة، لأنه أحدث فيها، لوقوع التسليم في غير محله (8). وهو حسن على أصله
من استحباب التسليم وانحصار المخرج عن الصلاة في التشهد ولم يقع، فيكون قد
أحدث قبل خروجه منها، فتبطل صلاته، ولا يتوجه ذلك على المختار فيه من

(1) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الخلل الواقع في الصلاة ج 4 ص 237.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في نسيان السجدة ص 221 السطر الأخير و 4.
لم نعثر عليه
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في نسيان السجدة ص 221 السطر الأخير و 4.
لم نعثر عليه
(5) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب التشهد ح 2 ج 4 ص 995.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 6 ج 5 ص 308.
(7) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 8 ج 5 ص 309.
(8) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك في ج 1 ص 259.
217

وجوبه، لوقوعه مقصودا به الخروج من الصلاة، فيكون كافيا، والتشهد ليس
بركن حتى يكون نسيانه قادحا في صحة الصلاة، مضافا إلى إطلاق ما مر من
الأخبار.
ولذا قال بالمختار هنا: من لا يوافقنا في التسليم ويقول باستحبابه كما عليه
الحلي. فتأمل. وإن كان السجدة الواحدة قضاها خاصة على الأقوى، وفاقا
للذكرى (1)، أو مع التشهد مرتبا بينهما على احتمال ضعيف ذكر فيها، لاطلاق
الخبرين المتقدمين ونحوهما، والصحيح: إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو
سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا (2). فتأمل. وشموله الأركان وغيرها
مما لا يجب قضاؤه مع خروجها بالاجماع وغيره غير قادح، إذ غايته كونه مقيدا
لاطلاق، وهو لا يوجب خروج الباقي عن الحجية.
هذا مع أني لم أجد في الحكم خلافا، وبه صرح بعض الأصحاب أيضا
وإن كان السجدتين بطل الصلاة لفوات الركن، مع عدم التدارك للخروج من
الصلاة بالتسليم (3).
(ومن ذكر أنه لم يصل على النبي وآله - عليهم السلام - (4)) في
التشهد (بعد أن سلم قضاهما (5)) على المشهور على الظاهر المصرح به في
بعض العبائر. خلافا للحلي (6)، فرد شرعية القضاء، لعدم النص. ورد بأن
التشهد يقض بالنص، فكذا أبعاضه تسوية بين الجزء والكل، ومنع التسوية

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ص 222 س 3.
(2) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7 ج 5 ص 337.
(3) يوجد في هامش الشرح المطبوع (واعلم: أن ذكر حكم السهو عن الركن هنا استطرادي، وإلا فلا
يرتبط بمفروض العبارة).
(4) في الشرح المطبوع ونسخة (م) و (ق) (على النبي - صلى الله عليه وآله - وآله).
(5) في الشرح المطبوع ونسخة (ش) (قضاها).
(6) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 257.
218

جماعة معللين بأن الصلاة تقضى ولا يقضى جميع أجزائها، وكذا مجموع السجدة
الواحدة وواجباتها من الذكر والطمأنينة تقضى ولا يقضى واجباتها منفردة.
ويمكن أن يقال: إن الأصل يقتضي التسوية، فإن فوات الجزء يستلزم
فوات الكل الموجب للقضاء بالنص، مضافا إلى أن الاخلال بالجزء يستلزم
الاخلال بالمأمور به على وجهه، فيبقى إطلاق الأمر به بحاله.
وفوات المحل لا يقتضي الصحة، بل مقتضاه الفساد كما في كل جزء.
وثبوت الصحة في موارد من دون تدارك الصلاة لا يستلزم ثبوتها في غيرها
كذلك إلا بدليل، وليس هنا إلا الاجماع، ولا يستفاد منه سوى الصحة بمعنى
الخروج عن شغل الذمة مع التدارك خاصة، وأما من دونه فلا.
فقاعدة وجوب تحصيل البراءة اليقينية يقتضي لزوم التدارك كما ذكره
الجماعة. هذا مضافا إلى إطلاق الأخبار المقدمة بقضاء ما أخل به في الصلاة
من سجدة أو ركعة أو نحوهما من الأجزاء المنسية. وخروج كثير من الأفراد منها
غير قادح كما عرفته ولو كان الخارج أكثر، لأن منعه عن حجية الباقي يختص
بالعموم اللغوي دون الاطلاقي، لاختصاص وجه المنع به دونه، للاتفاق على
قبوله التقييد إلى واحد. هذا إن ذكرها بعد التسليم، ولو ذكرها قبله وكانت
من التشهد الأخير أتى بها قبله ثم به، وإن كانت من التشهد الأول وذكرها
بعد الركع فكما لو ذكرها بعد التسليم بلا خلاف كما في المنتهى، قال: وهل
يجب سجود السهو؟ فيه تردد أقربه الوجوب، لو أن ذكرها قبل الركوع، قال فيه:
فالوجه وجوب العود والجلوس للصلاة، وهل يجب إعادة التشهد؟ الوجه لا.
انتهى (1). وهو حسن.
واعلم: أن عدم وجوب سجدتي السهو في هذه المسائل - كما يقتضيه درجها

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 415 س 20.
219

في هذا القسم - ليس متفقا عليه، لوقوع الخلاف فيه كما يأتي.
(الثالث: من ذكر بعد الركوع أنه لم يتشهد أو ترك سجدة قضى
ذلك بعد التسليم وسجد) سجدتين (للسهو) على الأظهر الأشهر، بل على
وجوب قضاء التشهد، ولزوم الاتيان بسجدتي السهو له بعد الاجماع في
الخلاف (1). وهو الحجة فيهما، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها في الثاني،
وفي وجوب قضاء السجدة المنسية أيضا.
وقد تقدم إلى جملة منها الإشارة، وفيها الحجة على من أفسد الصلاة بترك
السجدة مطلقا كما عن العماني (2)، للخبر (3)، أو إذا كانت من الركعتين
الأوليين خاصة بهما عن المفيد (4) والتهذيب (5)، للصحيح (6).
وعلى من أوجب قضاء السجدة قبل التسليم بعد ركوع الثانية إذا كانت
من الأولى، وإذا كانت من الثانية فبعد ركوع الثالثة، وإذا كانت منها فبعد
الرابعة، وإذا كانت منها فبعد التسليم كما عن والد الصدوق (7)، للرضوي (8)،
وقريب منه عن المفيد في الغرية (9) والإسكافي (10).
وعلى من لم يوجب سجدتي السهو للتشهد كما عن العماني (11) والشيخ في

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 197 ج 1 ص 453.
(2) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 131 س 13.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السجود ح 5 ج 4 ص 969.
(4) المقنعة: في أحكام السهو ص 148.
(5) تهذيب الأحكام: ب 9 في تفصيل ما تقدم ذكره... ج 2 ص 154.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السجود ح 3 ج 4 ص 968.
(7) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 131 س 21.
(8) فقه الرضا - عليه السلام - ب 7 باب الصلوات المفروضة ص 117.
(9) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 131 س 23 و 24.
(10) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 131 س 23 و 24.
(11) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 135 س 2.
220

جملة من كتبه (1)، (2)، لضعف هذه الأخبار عن المقاومة لتلك من وجوه
عديدة، مع ضعف ما عدا الصحيح منها، أو قصوره سندا وضعفه دلالة، بل
الأخير أيضا كما لا يخفى على من راجعهما، لتضمن الأول ما يدل على وروده
في صورة الشك لا السهو، فلا ينطبق على المدعى، وكذا الخبر، لتضمنه لفظ
الرجوع الظاهر في تدارك التشهد قبل الركوع.
هذا، ويعارض الصحيح خصوص بعض النصوص: عن الذي ينسى
السجدة الثانية من الركعة الثانية، أو شك فيها، فقال: إذا خفت أن لا تكون
وضعت جبهتك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة، وتضع
وجهك مرة واحدة وليس عليك سهو (3). ونحوه آخر (4) فتأمل.
وأما الصحيح: إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنه قد تركها فليسجدها بعد
ما يقعد قبل أن يسلم (5). فليس فيه دلالة على ما ذهب إليه والد الصدوق
ومتابعيه كما زعم في المختلف، بل هو على القول بوجوب التسليم ودخوله في
الصلاة كما هو المختار شاذ مطروح، أو محمول على كون المراد من التسليم فيه:
التسليم المستحب بعد الواجب، وهو السلام عليكم، واطلاقه عليه شائع في
الأخبار. وأما على القول باستحبابه فليس فيه منافاة لأخبار المسألة، وبه صرح
جماعة كصاحبي المدارك والذخيرة (6).

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في التشهد وأحكامه ج 1 ص 116، والجمل والعقود: في أحكام السهو
ص 79.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الشهد ح 4 ج 4 ص 98 9.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب السجود ح 6 ج 4 ص 970.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 م أبواب السجود ح 4 ج 4 ص 969.
(5) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب السجود ح 1 ج 4 ص 972.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 3 ص 429، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة
في أحكام السهو والشك ص 289 س 35.
221

ويدل على قضاء التشهد - مضافا إلى ما مر - عموم الأخبار بقضاء ما
أخل به في الصلاة، وخصوص الصحيح الوارد فيه مطلقا، والخبر في التشهد
الأول: إذا قمت في الركعتين الأوليين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد
فتشهد، وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت
سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثم تشهد التشهد الذي فاتك (1). والقدح في
الأول بما مر ضعفه قد ظهر. وفي الصحيح بظهوره في التشهد الأخير وجهه غير
معلوم بعد إطلاقه، بل عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال، مع عدم ظهور قائل
بهذا التفصيل كما قيل (2). وفي الأخير بضعف السند، بل الدلالة، لاحتمال
التشهد في التشهد الذي في سجدتي السهو - كما يشعر به العطف ب‍ (ثم)
ويفهم من أخبار أخر، ومنها: الموثقان والرضوي - ضعيف لانجبار الضعف
بموافقة الأكثر، وضعف الاشعار، سيما مع معارضته بتقييد التشهد بالمنسي
الذي فات، والتشهد في سجدتي السهو خفيف كما يأتي، وهو خلاف التشهد
المنسي. وظهور الموثقين غير واضح، والرضوي لما قدمناه غير مقاوم، فترجيحه
سيما مع اشتهار خلافه واعتضاده بالاحتياط اللازم المراعاة مشكل لوان اعتضد
بظواهر الصحاح الواردة بسجدتي السهو، من دون بيان لقضاء التشهد فيها ولا إشارة.
فإن الظاهر لا يعارض النص، ولا سيما الاجماع المنقول، مع ندرة القول
بالرضوي، إذ لم يحك إلا عن الصدوقين والمفيد في بعض فتاويه، مع أنه وافق
في المقنعة المشهور، فانحصر المخالف في الأولين، وهما نادران فتأمل.
وعلى وجوب سجدتي السهو الاجماع المحكي في الخلاف (3) والغنية (4)

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 341.
(2) لم نعثر على قائله.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 459 ج 1 ص 202.
(4) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في أحكام السهو ص 504 س 11.
222

والمنتهى (1) والتذكرة (2)، مضافا إلى عموم بعض المعتبرة: تسجد سجدتي السهو
في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان (3). لكنه مع قصور سنده، بل ضعفه
بالجهالة معارض بظواهر الصحاح الواردة في مقام البيان، إلا مرة بقضاء
السجدة خاصة، من دون بيان لسجدتي السهو ولا إشارة، مضافا إلى تصريح
جملة من النصوص بنفيهما فيها، وفيها الصحيح وغيره وقد تقدما، فانحصر الدليل
في الاجماع.
وفي التمسك به في مقابلة هذه النصوص إشكال، سيما مع احتمال وهنه
بنقل الماتن في المعتبر الخلاف في ذلك عن رؤساء الأصحاب: كالصدوقين
والمفيد في الرسالة والعماني (4)، ومال إليه جماعة من متأخري المتأخرين، ولا
يخلو عن قوة، ولكن العمل على المشهور.
(وأما الشك: ف‍) اعلم: أن (من شك في عدد) ركعات الفريضة
(الثنائية) كالصبح والجمعة والعيدين والكسوف (أو الثلاثية)
كالمغرب (أعاد) الصلاة (وكذا) يعيدها (من لم يدر كم صلى) ركعة أم
ركعتين أم ثلاثا أم أربعا وهكذا (أو لم يحصل الأوليين من الرباعية) ولم
يتيقنهما بأن شك فيما فيه أنه الثانية أم الأولى إجماعا ممن عدا الصدوق (5)
مطلقا في جميع الصور كما في المنتهى (6)، وكذا في الذكرى (7)، لكن في الصورة
الأخيرة خاصة، وبالاجماع مطلقا من غير استثناء صرح جماعة من القدماء

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 417 س 30.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 138 س 19.
(3) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 ج 5 ص 346.
(4) لم نعثر عليه في المعتبر وغيره من المصادر.
(5) المقنع (جوامع الفقهية) كتاب الصلاة في السهو في الصلاة ص 8 س 32.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 410 س 4.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ص 224 س 35.
223

كالشيخ (1) والحلي (2) والمرتضى (3) - رحمهم الله - وهم كالفاضل في المنتهى وإن
لم يصرحوا به في الصورة الثالثة، لكن تصريحهم به في الأخيرة يستلزمه فيها،
لدخول الثانية في الأولى. وعدم استثناء الصدوق هو الأقوى وإن اشتهر
الاستثناء بين أصحابنا لما بينته في الشرح مستوفى.
ومن جملته: أنه وافق الأصحاب فيما وصل إلينا من كتبه: كالفقيه والمقنع
والأمالي (4) مدعيا في الأخير كونه من دين الإمامية الذي يجب الاقرار به، مؤذنا
بدعوى الاجماع عليه، وعلى فساد ما نسبوا إليه من التخيير بينه وبين البناء
على الأقل. وعلى تقدير تسليم مخالفته، فلا ريب في شذوذه كبعض ما يحكى
عن والده في بعض الصور (5) مع معلومية نسبهما، فلا يقدح في الاجماع خروجهما،
وهو الأصل في المسألة، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة في كل
من الصور الثلاث المزبورة، مع سلامتها عن المعارض بالكلية، عدا أخبار نادرة
دالة على البناء على الأقل، لا التخيير بينه وبين الإعادة، وهو ليس مذهب
أحد حتى الصدوقين.
وتنزيلها على التخيير جمعا بين النصوص كما قيل في تقوية الصدوق (6) فرع
التكافؤ المفقود هنا، لرجحان أخبار المشهور بمرجحات شتى: كالاستفاضة،
والموافقة لطريقة الخاصة، والخالفة للعامة بخلاف تلك، فإنها في طرف الضد
من المرجحات المزبورة، وأقرب الأجوبة عنها الحمل على التقية كما صرح به
جماعة (7).

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 191 ج 1 ص 444.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام السهو... ج 1 ص 245.
(3) الإنتصار: في السهو الشك ص 48.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 350، والمقنع: ص 8 س 32، والأمالي: المجلس 93 ص 513.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة، ص 226 س 34.
(6) انظر مفاتيح الشرائع: م 202 ج 1 ص 178.
(7) انظر الحدائق الناضرة: ج 9 ص 200.
224

وأماراته في جملة منها وغيرها لائحة، مع أن ما ذكرنا مجمع على جوازه،
فيجب أن يكون العمل عليه تحصيلا للبراءة اليقينية في نحو المسألة من
العبادات التوقيفية.
وبالجملة: فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
واعلم: أنه لا فرق في إطلاق النص والفتوى بالإعادة بالشك في الصورة
الأولى والثانية بين تعلقه بالنقيصة أو الزيادة، وبها صرحت بعض الروايات في
المغرب: إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك (1). خلافا للمقنع
فيها: إذا تعلق بالزيادة فيضيف ركعة أخرى (2). وهو مع عدم وضوح مستنده
نادر كما في الذكرى (3)، مشعرا بدعوى الاجماع عليه كما هو الظاهر.
والشك المبطل للكسوف إنما هو إذا تعلق بعدد ركعاتها. أما إذا تعلق
بالركوعات فإنه يجب البناء على الأقل، لأصالة عدم فعله جمع وقوع الشك في
محله، إلا أن يستلزم الشك في الركعات كما لو شك بين الخامس والسادس
وعلم أنه لو كان في الخامس فهو في الأولى، أو في السادس ففي الثانية فتبطل،
لتعلقه بعدد الثنائية. واحترزنا بالفريضة عن النافلة، لأن الشك فيها لا يبطلها
كما ستأتي إليه الإشارة.
(ولو شك في فعل) من أفعالها، (فإن كان في موضعه) كما لو شك في
النية قبل التكبيرة وفيها قبل القراءة، وفيها قبل الركوع، وفيه قبل السجود أو
الهوي إليه على الاختلاف فيه، وهكذا (أتى به وأتم) الصلاة بلا خلاف
فيه في الجملة، لأصالة عدم فعله، وبقاء محل استدراكه، وللصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة، وهي وإن اختصت بالشاك في الركوع وهو قائم وفي

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 9 ج 5 ص 305.
(2) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في السهو في الصلاة ص 33 س 8.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الشك ص 225 س 17.
225

السجود ولم يستو جالسا أو قائما إلا أنه لا قائل بالفرق على الظاهر المصرح به في
كلام بعض، فلا ضير، مضافا إلى عموم مفهوم بعض، الصحاح، بل جملة منها
- كما يأتي - بلزوم التدارك للشئ قبل فوات محله، وبه يقيد إطلاق جملة من
هذه الصحاح:
منها: عن رجل سها فلم يدر سجد سجدة أم اثنتين، قال: يسجد أخرى (2).
ومنها: في الرجل لا يدري أركع أم لم يركع، قال: يركع (3).
وأما الموثق كالصحيح: استتم قائما فلا أدري ركعت أم لا، قال: بلى قد
ركعت فامض في صلاتك، فإنما ذلك من الشيطان (4). فمع قصور سنده شاذ،
محمول على محامل أقربها الحمل على كثير الشك أو الظان لفعل الركوع كما
يفهمان من السياق.
(ولو ذكر) بعد الاتيان بالمشكوك فيه (أنه كان (5) فعل استأنف
صلاته إن كان ركنا) لأن زيادته مبطلة كما مضى.
(وقيل: في الركوع إذا ذكر) بعد الاتيان به حال الشك أنه فعله (وهو
راكع) أي: ذكر ذلك وهو في حالة ركوعه قبل أن يقوم عنه (أرسل نفسه)
إلى السجود، ولا يرفع رأسه فتفسد صلاته إجماعا كما لو ذكره بعد رفعه،
والقائل جماعة من أعيان القدماء كالكليني (6) والشيخ (7) والحلي (8)

(1) وهو السبزواري في ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الشك ص 374 س 33.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب السجود ح 1 ج 4 كل ص 971.
(3) وسائل الشبعة: ب 12 من أبو أب الركوع ح 2 ج 4 ص 935.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الركوع ص ح 3 ج 4 ص 936.
(5) في المتن المطبوع زيادة (قد) بعد كان.
(6) الكافي: كتاب الصلاة باب من شك في صلاته... ج 3 ص 360.
(7) المبسوط: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 122.
(8) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 251.
226

والحلبي (1) والمرتضى (2). وقواه جماعة من المتأخرين ومنهم: الشهيد - رحمه الله -
في الدروس (3) والذكرى (4)، ولعل لهم عليه رواية، وإلا فما اعتذر لهم جماعة من
الأمور الاعتبارية لا يفيدنا حجة كما بينته في الشرح، من أراد التحقيق فليطلبه
ثمة. واختلف هؤلاء في تعميم الحكم لجميع الركعات من جميع الصلوات كمن
عدا الشيخ.
(ومنهم: من خصه) بالركوع (من الأخيرتين (5)) في الرباعية كهو في
النهاية (6)، بناء منه على ما قدمناه عنه من: أن كل سهو يلحق بالركعتين
الأوليين يبطل الصلاة، سواء كان في أعدادها أو أفعالها، أركانا كانت أم
غيرها. فوجه التخصيص عنده إنما هو نفس الشك في الركوع في الأوليين،
حتى أنه لو حصل من دون أخذ في الركوع ثانيا لبطلت الصلاة أيضا، لا زيادته
فيهما بالخصوص كما ربما يتوهم من ظاهر العبارة.
ويتوجه عليه مضافا إلى ما سبق عدم دليل على صحة المبنى عليه، عدا
النصوص الدالة على أن من شك في الأوليين ولم يحفظهما أعاد الصلاة (7).
وهي وإن كانت صحاحا ومستفيضة معتضدة بغيرها من المعتبرة لكنها
قاصرة الدلالة، لاحتمال اختصاصها بصورة تعلق الشك بالعدد لا غيره، مع
أنها معارضة بعموم الصحاح المستفيضة المتقدمة بصحة الصلاة مع تدارك
المشكوك في محله، ونحوها عموم الصحاح الآتية بها بعد التجاوز عنه، بل

(1) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة ص 118.
(3) رسائل الشريف المرتضى فصل في أحكام السهو ج 3 ص 36.
(3) الدروس: كتاب الصلاة ص 47.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في السهو ص 222 س 23.
(5) في المتن المطبوع (بالأخريين).
(6) النهاية: كتاب الصلاة، باب السهو في الصلاة ص 92.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج 5 ص 39.
227

خصوص بعضها المصرح بها في صورة الشك في التكبير وقد قرأ، أو في القراءة
وقد ركع، المؤيد بما مر من الخبرين في عدم فساد الصلاة بالسهو عن السجدة
الواحدة ولو من الركعتين الأوليين، ولا قائل بالفرق مع ظهور ذيل أحدهما في
الشك، مع أن ثبوت هذا الحكم في السهو ملازم لثبوته في الشك بطريق أولى
فتأمل.
وبموجب ذلك يترجح عموم صحاح المسألة على عموم تلك، فتقيد بها بلا
شبهة، سيما مع اعتضادها بالأصل والشهرة العظيمة التي كادت تكون من
المتأخرين إجماعا، بل إجماع في الحقيقة، ولا يمكن العكس، فتقيد هذه بتلك
بتوهم رجحانها على صحاح المسألة بخصوص الصحيحة الماضية: فيمن ترك
سجدة من الركعة الأولى أن صلاته فاسدة، مع أنه لا قائل بالفرق كما سبق
إليه الإشارة، مع ظهورها في الشك كما هو مورد المسألة، وذلك لقصورها عن
المقاومة للأخبار الخاصة المتقدمة، سيما الصحيحة منها، لتعددها واشتهارها
بالشهرة التي عرفتها.
(و) بما ذكرناه هنا وسابقا ظهر أن (الأشبه) في عنوان المسألة، وهو
حكم زيادة الركوع في الصلاة بعد الشك فيه (البطلان) مطلقا (ولو لم يرفع
رأسه) منه وكان من الركعتين الأخيرتين.
ويفهم من العبارة: عدم البطلان في غير الركن مطلقا، سجدة كان أم
غيرها، وهو الأشهر الأقوى. خلافا للعماني (1) والحلبي (2) والمرتضى (3) - رحمهم
الله - فيها، فأبطلوا الصلاة بزيادتها. وهو حسن لولا المعتبرة المصرحة بعدم
البطلان بزيادتها بالخصوص كالصحيح: عن رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة،

(1) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 131 س 13.
(2) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة ص 119.
(3) رسائل الشريف المرتضى: جمل العلم والعمل ج 3 ص 36.
228

فقال: لا يعيد الصلاة من سجدة، ويعيدها من ركعة (1). ونحوه الموثق (2).
(ولو كان) شكه في شئ من الأفعال (بعد انتقاله) عن موضعه
ودخوله في غيره (مضى في صلاته، ركنا كان) المشكوك فيه (أو غيره)
اجماعا إذا لم يكن من الركعتين الأوليين، وكذلك إذا كان منهما على الأشهر
الأقوى كما مضى، للصحاح المستفيضة وغيرها.
ففي الصحيح: رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة، قال: يمضي،
قلت: رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر، قال: يمضي، قلت: رجل شك
في التكبير وقد قرأ، قال: يمضي قلت: رجل شك في القراءة وقد ركع، قال:
يمضي، قلت: رجل شك في الركوع وقد سجد، قال: يمضي، ثم قال: إذا
خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ (3). وفي صريحه
كإطلاق البواقي، بل عمومها حجة على الشيخ كما مر، وعلى الفاضل في
التذكرة حيث وافقه إذا تعلق الشك بالركن دون غيره، وهو مع عدم وضوح
مستنده عدا أمر اعتباري ضعيف.
واعلم: أن المتبادر من غيره الذي حكم في الصحيح المتقدم ونحوه بالمضي
بعد الدخول فيه ما كان من أفعال الصلاة المفردة بالترتيب في كتب الفقهاء
من النية والتكبير والقراءة، ونحو ذلك من الأمور المعدودة فيهما أيضا، لا ما كان
من مقدمات تلك الأفعال كالهوي للسجود والنهوض للقيام ونحوهما، فيعود
للركوع في الأول وللسجود في الثاني، وفاقا للشهيدين وغيرهما لذلك، مضافا إلى
مفهوم الصحيح فيهما: وإن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، وإن شك في
السجود بعد ما قام فليمض، كل شئ شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الركوع ح 2 و 3 ج 4 ص 938.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الركوع ح 2 و 3 ج 4 ص 938.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 336.
229

فليمض عليه (1).
وخصوص الموثق كالصحيح في الثاني: رجل رفع رأسه من السجود فشك
قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد، قلت: فرجل
نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال:
يسجد (2). خلافا لبعض المتأخرين (3) في الأول، فكما لو دخل في السجود فلا
يعود للركوع، للموثق الآخر كالصحيح: رجل أهوى إلى السجود فلا يدري أركع
أم لم يركع؟ قال: قد ركع (4). وهو محمول على حصول الشك في السجود،
وليس فيه ما ينافيه بصريحه ولا بظاهره، لأن غايته إفادة وقوع الشك بعد الهوي
إلى السجود، وهو أعم من وقوعه قبل الوصول إليه وبعده لو لم ندع الأخير
وظهوره.
نعم، لو كان بدل (إلى السجود) (للسجود) أمكن دعوى الأول وظهوره.
ولو سلم فهو معارض بما مر، سيما الصحيح في الثاني، فإنه بحسب الدلالة أظهر،
ومورده وإن اختلف مع مورد الأول إلا أنهما من باب واحد، لاشتراكهما في
كونهما من مقدمات أفعال الصلاة. فإن عممنا الغير لها دخلا، وإلا خرجا.
فالتفصيل بينهما (5) وتخصيص كل منهما بحكمه لا يجتمع مع إطلاق
النص والفتوى، بل عمومهما بأنه متى شك وقد دخل في غيره فلا يلتفت، وإلا
فإنه يرجع لظهورهما في أن مناط الرجوع وعدمه إنما هو المدخول في ذلك الغير
وعدمه، والغير إما الأفعال خاصة أو ما يعمها ومقدماتها.

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الركوع ح 4 ج 4 ص 937.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب السجود ح 6 ج 4 ص 972.
(3) وهو صاحب المدارك: كتاب الصلاة في الخلل الواقع في الصلاة ج 4 ص 249.
(4) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الركوع ح 6 ج 4 ص 937.
(5) في المخطوطات زيادة " في المدارك ".
230

وعلى أي تقدير فلا وجه للتفصيل بين الموردين، والعمل في كل منهما بما
ورد كما في الصحيحين وإن اختاره بعض المتأخرين المتقدم، فلا بد من الجمع
بينهما بما يدفع تنافيهما، وهو ما ذكرنا من حمل ثانيهما على صورة وقوع الشك في
حال السجود. ويحتمل الحمل على وقوعه كثيرا، ولكن الأول أولى إن لم
يكن منه ظاهرا كما ذكرنا.
ثم إن إطلاق غيره يعم جميع أفعال الصلاة، بل وأجزائها، فلو شك في
السجود وهو يتشهد أو فيه وقد قام فلا يلتفت وفاقا لأكثر. خلافا للنهاية (1)
فيهما، فيرجع ما لم يركع، وهو بعيد جدا، بل ادعي الاجماع على خلافه في
السرائر صريحا (2)، وحكاه عنه في سائر كتبه: كالجمل والعقود (3) والاقتصاد (4)
والمبسوط (5). ويرده مع ذلك الصحيح المتقدم إن شك في السجود بعد ما قام
فليمض. وللذكرى (6) فأوجب الرجوع في الأول، لعموم مفهوم هذا الصحيح،
ومنطوق الموثق بعده.
وفيه: أن المتبادر منهما وقوع الشك في السجود الذي لا تشهد بعده كما
يقتضيه عطف الشك على النهوض في الثاني بالفاء المقتضية للتعقيب بلا
مهلة، ويلزمه عدم تخلل التشهد كذا قيل. وفيه نظر. والأولى إسناد ظهور عدم
تخلل التشهد إلى تبادره من النهوض من السجود، إذ مع تخلله لا يقال ذلك، بل
يقال من التشهد. فتأمل.

(1) النهاية: كتاب الصلاة باب السهو في الصلاة ص 92.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 252.
(3) الجمل والعقود. في أحكام السهو ص 79.
(4) الاقتصاد: في حكم السهو ص 266.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 122.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في السهو ص 224 س 14.
231

ولو شك في الحمد وهو في السورة لم يلتفت، وفاقا للحلي والمفيد فيما حكاه
عنه (1)، والماتن في ظاهر المعتبر (2)، وهو خيرة كثير من أفاضل المتأخرين، لظهور
الغيرية بينهما، بل وبين أجزاء كل منهما.
فلو شك في بعضها ودخل في الآخر قوي عدم الالتفات أيضا. خلافا
لجماعة، لحجة ضعيفة، بل واهية. ولكن الأحوط ما ذكروه، سيما في الشك في
أجزاء القراءة. لكن ربما يتردد فيه لو كانت من الفاتحة وكان شكه فيها بعد
الفراغ من السورة، فإن الرجوع لتدارك الأجزاء يستلزم إعادتها مراعاة للترتيب
الواجب إجماعا، وفيها احتمال القرآن بين السورتين المنهي عنه إذا قرأ غير
السورة الأولى، بل يحتمل مطلقا، أو قراءة زيادة أكثر من سورة المنهي عنها
أيضا مطلقا. فتأمل جدا.
ثم في شمول الغير لما استحب من أفعال الصلاة: كالقنوت والتكبيرات
ونحوهما وجهان، أجودهما ذلك، للعموم المؤيد بذكر الأذان والإقامة وتعدادهما
من الأفعال المشكوك فيها، المنتقل عنها إلى غيرها في الصحيح الأول الذي هو
العمدة في هذا الأصل. فتأمل.
وقد ظهر مما مر حكم الشك في الأفعال والأعداد من الفريضة مطلقا،
عدا أخيرتي الرباعية.
وأما فيهما: فقد أشار إليه بقوله: (فإن حصل الأوليين من الرباعية
عددا) ويتقنهما (وشك) بعد رفع الرأس من السجدة الثانية (في الزائد)
عليهما هل أتى به أم لا؟
(فإن غلب) على ظنه أحدهما بمعنى رجحانه
وصيرورته عنده مظنونا (بنى على ظنه) فيجعل الواقع ما ظنه من غير
احتياط، فإن غلب الأقل بنى عليه وأكمل، وإن غلب الأكثر من غير زيادة في

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب أحكام السهو والشك ج 1 ص 248.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 2 ص 388.
232

عدد الصلاة كالأربع تشهد وسلم، وإن كان زيادة كما لو غلب على ظنه
الخمس صار كأنه زاد ركعة في آخر الصلاة، فتبطل إن لم يكن جلس في الرابعة
أو مطلقا وهكذا، بلا خلاف هنا أجده، بل بالاجماع صرح جماعة (1)، والصحاح به
مع ذلك مستفيضة.
منها: - زيادة على ما ستأتي إليه الإشارة - الصحيح: إن كنت لم تدر كم
صليت ولم يقع وهمك على شئ فأعد الصلاة (2). والمراد بالوهم فيه وغيره
الظن لا المعنى المعروف. ويستفاد من اطلاق مفهومه - بل عمومه كما قرر في
محله - جواز العمل بالظن في الأعداد مطلقا، بل الأفعال أيضا، للفحوى.
ونحوه النبوي العامي: إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك
إلى الصواب فليبن عليه (3). وعليه أكثر علمائنا على الظاهر المصرح به في
جملة من العبائر، بل قيل (4): إنه إجماع. وهو دليل آخر، مضافا إلى ما مر، وأن
تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال، فاكتفي بالظن تحصيلا لليسر،
ودفعا محرج والعسر. وفيه نظر؟ إذ لا عسر إلا مع الكثرة، ومعها يرتفع حكم الشك.
وفي الاجماع وهن، لظهور عبارة الناقل في أن منشأ نقله هو عدم الخلاف،
مع أنه ظاهر الحلي (5)، بل الشيخين أيضا في المقنعة (6) والنهاية (7) والمبسوط (8)

(1) منهم العلامة المجلسي: في بحار الأنوار كتاب الصلاة باب أحكام الشك والسهو ج 88 ص 220،
والشيخ في الخلاف: كتاب الصلاة م 196 ج 1 ص 451.
(2) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الخلل الواقع ح 1 ج 5 ص 327.
(3) سنن النسائي: باب التحري ج 3 ص 28.
(4) مفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة في حكم الشك في عدد الركعات ج 1، ص 178.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 245.
(6) المقنعة: كتاب الصلاة ب 11 في أحكام السهو ص 145.
(7) النهاية: كتاب الصلاة باب السهو في الصلاة ص 90.
(8) المبسوط: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 121.
233

والخلاف (1) حيث ذكرا أن الشك في عدد الصبح والمغرب وعدد الركعات
بحيث لا يدري كم صلى يوجب الإعادة من غير تفصيل بين صورة الظن
وغيرها. ثم ذكرا أحكام الشك المتعلق بالأخيرة مفصلين بينهما، وكذا الفاضل
في المنتهى (2)، والماتن هنا. ومنه يظهر ما في نسبة الشهيد في الذكرى (3) قول
الأكثر إلى الأصحاب، عدا الحلي مشعرا بدعوى الاجماع عليه.
والنبوي مع ضعف سنده لا عموم فيه كمفهوم الصحيح الماضي عند جمع.
لكنه ضعيف كالقدح بالضعف في النبوي، لانجباره سندا بالشهرة ودلالة بها
أيضا. وربما يرجع به الاطلاق إلى العموم العرفي مما قرر في محله. لكنهما
معارضان بالنصوص الدالة على اعتبار اليقين فيما عدا الأخيرتين كالصحيح:
من شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شك في
الأخيرتين عمل بها لوهم (4). وهي بإطلاقها وإن شملت الأعداد والأفعال إلا
أنك عرفت ما يوجب تقييده بالأولى، إلا أن يرجحا عليها بالشهرة وما مر من
الاجماع والاعتبار وإن لم يكونا حجة مستقلة لما مر، مع إمكان الذب عما يتعلق
منه بالاجماع بعدم وضوح مخالفة هؤلاء.
أما الحلي فلأن بعض عباراته وإن أوهم ذلك إلا أنه ذكر ما يخالفه. ولذا
لم ينسب إليه في المختلف وغيره صريحا وفي غيرهما أصلا.
وأما من عداه: كالشيخين فلأن ما تقدم عنهما وإن اقتضى ذلك لكن
تعبيرهما عن المبطل في نحو الصبح بالشك ربما دل على انحصاره فيه، وهو على
ما يساعده العرف ما تساوى طرفاه، وحكي التصريح به عن الزمخشري، وصرح به

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 193 ج 1 ص 447.
(2) منتهى المطلب كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 410 س 4.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الشكوك ص 222 س 35.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 299.
234

في الأصول. وربما يعضد إرادتهما منه ذلك تعليل المبسوط الحكم في الأخيرتين عند
غلبة الظن بما ينسحب في الجميع، وكذا الفاضل في المنتهى، لاستدلاله عليه بما مر
من النبوي، وهو كما مر عام، مع أنه أجاب عمن أوجب اليقين فيهما أيضا، مستدلا
بالنبوي الآخر: إذا شك أحدكم في صلاته فليلقي الشك وليبن على اليقين بأنه غير
متناول لصورة النزاع، إذ البحث في الظن بوقوع أحد الطرفين، والحديث يتناول
الشك، وهو كالصريح، بل صريح في أن الشك عنده حقيقة فيما ذكرنا، لكنه ذكر
في مسألة الشك في الأوليين ما يعرب عن إرادته منه ما هو حقيقة فيه عند أهل
اللغة، وهو ما قابل اليقين وشمل الظن كما صرح به جماعة.
ويستفاد من كثير من أخبار تلك المسألة لتعبيرهم عن الموضوع فيها بإذا لم
يدر ركعة صلى أم ثنتين، أو إذا لم يحفظهما ونحوهما، وهي تشمل صورة الظن
أيضا.
وتعليل الشيخ - رحمه الله - في المبسوط بما يعم لا يستلزم تلك الإرادة فيما
عداه، سيما المقنعة، بل ربما يحصل التردد في الاستلزام فيه أيضا، إذ التعليل
بالأعم شائع، سيما في الشرعيات. فتأمل جدا.
وأما الحلي: فإنه وإن ذكر ما يومئ إلى موافقة الأصحاب لكن عبارته
المستظهر منها المخالفة لهم أظهر دلالة عليها من ذلك على الموافقة.
هذا، وعبارة الماتن ظاهرة فيها بلا شبهة، لعدم ذكره نحو ما في المبسوط
والمنتهى، بل عبر عن الشك في الأوليين بلم يحصلهما العام لما إذا ظن فيهما أم
لا. وعليه فيقوى الخلاف في المسألة. ولا ينبغي ترك الاحتياط فيها البتة
بالبناء على الظن والاتمام ثم الإعادة مطلقا ولو حصل له فيها نحو
الحالة الأولى خلافا لوالد الصدوق فيبنى على الظن هنا، لا أولا،
كما في الرضوي: وإن شككت في الركعة الأولى والثانية فأعد
235

صلاتك، وإن شككت مرة أخرى فيهما وكان أكثر وهمك إلى الثانية فابن
عليها، واجعلها ثانية، فإذا سلمت صليت ركعتين من قعود بأم الكتاب، وإن
ذهب وهمك إلى الأولى جعلتها الأولى، وتشهدت في كل ركعة، فإن
استيقنت بعد ما سلمت أن التي بنيت عليها واحدة كانت ثانية وزدت في
صلاتك ركعة لم يكن عليك شئ، لأن التشهد حائل بين الرابعة والخامسة،
وإن اعتدل وهمك فأنت بالخيار: إن شئت صليت ركعتين من قيام، وإلا
ركعتين وأنت جالس (1). وهو شاذ، ومع ذلك موافق للمحكي في المنتهى عن
أبي حنيفة ونحوه في الشذوذ قوله: الآخر في الشك بين الثنتين والثلاث أنه يبني
على الثلاث إذا ظنها، ويتم ويصلي صلاة الاحتياط ركعة قائما، ويسجد
سجدتي السهو (2).
وليس في الموثق -: في الشك بين الثلاث والأربع إن رأى أنه في الثالثة وفي
قلبه من الرابعة شئ سلم بينه وبين نفسه، ثم يصلي ركعتين، يقرأ فيهما
بفاتحة الكتاب - (3) دلالة عليه بوجه وإن ظن مع شذوذه أيضا كالصحيح الوارد
في مورده: وإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهد وسالم، ثم قرأ فاتحة الكتاب
وركع وسجد، ثم قرأ وسجد سجدتين وتشهد وسلم (4). ونحوه آخر (5) لكن
من غير ذكر لصلاة الاحتياط.
وبالجملة: هذه النصوص كالخبر الدال على وجوب سجدتي السهو، حيث
يذهب وهمه إلى التمام لم أر عاملا بها، مع مخالفتها لما ظاهرهم الاتفاق عليه،

(1) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 117.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 410 س 7.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 7 ج 5 ص 322.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 321.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5 ج 5 من 321.
236

عدا من مر من: أن مع العمل بالظن لا شئ عليه كما هو مقتضى جملة من
النصوص الواردة في البناء، لخلوها عن ذلك كله مع ورودها في مقام البيان.
ويمكن حملها على الاستحباب.
واعلم: أن على المشهور من جواز الاعتماد على الظن في أعداد الركعات
حتى، ما عدا الأخيرتين لا إشكال في جواز الاعتماد عليه في الأفعال مطلقا
أيضا، لما قدمناه من الفحوى. وأما على غيره فكذلك أيضا في الأفعال من
الأخيرتين لذلك، وفيها من غيرهما إشكال إن حملنا الشك فيها الوارد حكه في
النصوص على المعنى اللغوي الشامل للظن. وربما يومئ إليه سياقها من حيث
تضمنها تفريع (لا يدري) عليه.
وإن حملناه على المعنى العرفي المتقدم المختص بمتساوي الطرفين فلا
(اشكال أصلا. قيل: وظاهر الأصحاب الاطلاق على هذا (1).
ويمكن دفع الاشكال بمنع إرادة المعنى الأول لما عرفت من جواز الاكتفاء
بالظن في الركعتين الأخيرتين مطلقا، حتى أفعالهما المستلزم ذلك، لظهور الشك
في تلك النصوص في المعنى العرفي بالنسبة إليهما، فكذا بالنسبة إلى غيرهما،
لعدم جواز استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنيين متخالفين.
فتأمل جدا (وإن تساوى الاحتمالان فصوره) المشهورة الغالبة (أربع: أن
يشك بين الاثنين والثلاث، أو بين الثلاث والأربع، أو بين الاثنين
والأربع، أو بين الاثنين والثلاث والأربع).
(ففي) القسم (الأول (2)) من هذه الصور (يبني (3) على الأكثر ويتم)
الصلاة (ثم) بعد الاتمام (يحتاط بركعتين) حال كونه فيهما (جالسا، أو

(1) والقائل هو راجع الكفاية: كتاب الصلاة في أحكام الشك ص 25 س 16.
(2) في المطبوع من الشرح: (الأولى) وما أثبتناه كما في جميع النسخ الخطية والمتن المطبوع.
(3) في المتن المطبوع: (بنى).
237

بركعة (1) قائما).
أما وجوب البناء على الأكثر هنا بل في جميع الصور فهو مذهب الأكثر، بل
عليه الاجماع في صريح الانتصار (2) والخلاف (3) وظاهر السرائر (4) وغيره، وعن
أمالي الصدوق: أنه جعله من دين الإمامية الذي يجب الاقرار به (5). وهو
الحجة، مضافا إلى الموثقة العامة لجميع الصور كالاجماعات المنقولة وفيها: أجمع
لك السهو في كلمتين (متى ما شككت فخذ بالأكثر)، فإذا سلمت فأتم ما
ظننت أنك قد نقصت (6). وقصور السند مجبور بالعمل، والموافقة للصحاح
المستفيضة وغيرها في باقي الصور، وخصوص الصحيح في هذه الصورة وفيه:
رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا، قال: إن دخله الشك بعد دخوله في
الثالثة مضى في الثالثة، ثم صلى الأخرى ولا شئ عليه ويسلم (7).
والانصاف عدم وضوح دلالته بحيث يصلح للحجية وإن أمكن تصحيحها
بنوع مما ذكرته في الشرح مشروحا، لكنه غير خال عن شوب المناقشة، ولا
حاجة لنا إليه بعد قيام الحجة مما قدمنا إليه الإشارة، مضافا إلى ما يحكى عن
العماني من تواتر الأخبار في المسألة (8).
وأما الصحيح: عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا، قال: يعيد، قلت:

(1) في المتن المطبوع: (ركعة).
(2) الإنتصار: في السهو والشك ص 49.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 192 ج 1 ص 445 و 446.
(4) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 250.
(5) أمالي الصدوق: المجلس 93 ص 513.
(6) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 317.
(7) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 319.
(8) كما في روض الجنان: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 351 س 17.
238

أليس يقال: لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال: إنما ذلك في الثلاث والأربع (1)، فشاذ
منقول على خلافه الاجماع عن الفاضلين (2)، وإن حكي الفتوى بمضمونه عن
المقنع والفقيه (3) محمول على محامل، أقربها الحمل على وقوع الشك قبل إكمال
السجدتين كما يفهم من الصحيحة الأولى المفصلة بين الصورتين كالأصحاب
فيما نقله عنهم جماعة، معللين بوجوب المحافظة على ما سبق، من اعتبار سلامة
الأوليين.
ومقتضى الرواية اعتبار رفع الرأس عن السجدة. خلافا لبعضهم، فاكتفي
بكمالها ولو لم يرفع الرأس منها (4). وهو ضعيف. وأضعف منه الاكتفاء بالركوع
كما حكي في المسألة قولا (5)، ولا يختص هذا الحكم بما نحن فيه، بل يجري في
كل موضع تعلق فيه الشك بالاثنتين لما مر.
وأما النصوص المتضمنة للبناء على الأقل مطلقا فغير مكافئة لما مر من
الأدلة من وجوه عديدة وإن تضمنت الصحيح والموثق وغيرهما، سيما مع قوة
احتمال ورودها مورد التقية كما صرح به جماعة (6)، مع عدم صراحتها في الدلالة.
فإن غاية ما تضمنه الأولى هو البناء على اليقين، وهو كما يحتمل البناء
على الأقل كذا يحتمل البناء على الأكثر، بل لعل هذا أظهر كما يستفاد من
الخبر المروي عن قرب الإسناد، وفيه: رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة،

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 ج 5 ص 320.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في ما يوجب الاحتياط ج 1 ص 139 س 41، وأما المحقق فلم نعثر على
اجماعه في كتبه المتوفرة لدينا وحكاه عنه في ذخيرة المعاد: ص 376 س 31.
(3) والناقل هو صاحب المدارك: كتاب الصلاة في الخلل الواقع في الصلاة ج 4 ص 256.
(4) وهو الشهيد في ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الشكوك ص 227 ص 15.
(5) والحاكي هو العلامة في مختلف الشيعة: ج 2 ص 360، وذكرى الشيعة: ص 227 س 15.
(6) منهم صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في الشكوك ج 9 ص 236.
239

قال: يبني على اليقين، فإذا فرغ تشهد وقام فصلى ركعة بفاتحة القرآن (1).
فتدبر.
ووجه اليقين حينئذ ما أشار إليه جمع، ومنهم: المرتضى - رحمه الله - في
الانتصار حيث قال في توجيه مذهب الأصحاب زيادة على الاجماع: ولأن
الاحتياط أيضا فيه، لأنه إذا بنى على النقصان لم يأمن أن يكون قد صلى على
الحقيقة الأزيد، فيكون ما أتى به زيادة في صلاته. ثم قال: فإذا قيل: وإذا
بنى على الأكثر كان كما تقولون لا يأمن أن يكون إنما فعل الأقل فلا ينفع ما
فعله من الجبران، لأنه منفصل من الصلاة وبعد التسليم قلنا: ما ذهبنا إليه
أحوط على كل حال، لأن الاشفاق من الزيادة في الصلاة لا تجري مجرى
الاشفاق من تقديم السلام في غير موضعه (2). وقريب منه كلام الفاضلين في
المعتبر (3) والمنتهى (4). وكلامهما كغيرهما كالصريح بل صريح في أن البناء
على اليقين إنما يحصل بالبناء على الأكثر لا الأقل.
ومن هنا ينقدح فساد نسبة جماعة القول بالبناء على الأقل إلى المرتضى
- رحمه الله - في الناصرية لقوله فيها: إن من شك في الأخيرتين يبني على اليقين
قائلا: إن هذا مذهبنا وهو الصحيح عندنا، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك (5).
وفي قوله هذا إشارة أخرى إلى ما ذكرنا أيضا، كما لا يخفى. فتأمل.
وأما غيرهما: فهو وإن تضمن لفظ البناء على النقص لكنه مطلق بالنسبة
إلى وقت البناء، فيحتمل كونه بعد السلام والخروج عن الصلاة كما وجه به

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 319.
(2) الإنتصار: في السهو والشك ص 49.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في الخلل ج 2 ص 386.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 415 س 33.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في الخلل 102 ص 237.
240

الحلي كلام المرتضى، زعما منه كون البناء في كلامه - رحمه الله - هو البناء
على الأقل. قال في جملة كلام له: فقبل سلامه يبني على الأكثر لأجل
التسليم، وبعده يبني على الأقل كأنه ما صلى إلا ما تيقنه، وما شك فيه يأتي به
ليقطع على براءة ذمته (1).
وبالجملة: فمعارضة هذه النصوص لما قدمنا غير معلومة، وعلى تقديرها فهي
لها غير مكافئة لما عرفته، فلا وجه للقول بها، كما لا وجه لنسبته إلى المرتضى رحمه
الله. وأضعف منهما حملها على التخيير، جمعا بينها وبين ما مضى، لفقد التكافؤ
أولا، وعدم شاهد على الجمع ثانيا، مع ندرة القائل به، إذ لم يحك إلا عن
الصدوق، وقد مر دعواه الاجماع على البناء على الأكثر. هذا حكم البناء.
وأما وجوب الاحتياط ركعتين من جلوس أو ركعة من قيام مخيرا بينهما فلم
نقف فيه (على رواية) بالخصوص.
نعم، وردت بذلك في الصورة الثانية، وقد، أجرى هذه الصورة مجراها معظم
الأصحاب كما في الذكرى (2)، بل عامتهم كما يستفاد من روض الجنان (3)
ونقلا عن العماني تواتر الأخبار بذلك (4). وبورود الرواية بكل من الأمرين
هنا صرح الحلي في السرائر بعد أن أفتى بهما مخيرا بينهما (5)، وعليه الاجماع في
الانتصار (6) والخلاف (7) هنا، وفي الصورة الثانية، وهو الأشهر الأقوى فيهما.
خلافا للمحكي عن المفيد والقاضي، فعينا الأخير مطلقا (8)، لظاهر البدلية في

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب أحكام السهو والشك ج 1 ص 256.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الشكوك ص 226 س 12.
(3) روض الجنان: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 351 س 17 و 13.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 351 س 17 و 13.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 254.
(6) الإنتصار: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 48.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 192 ج 1 ص 445.
(8) والحاكي هو الفيض في مفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة ح 203 في صلاة الاحتياط ج 1 ص 179.
241

الموثقة وغيرها.
ويرده مضافا إلى ما مر خصوص ما سيأتي من النصوص بالأول أيضا في
الصورة الثانية. فكذا في هذه الصورة لعدم القول بالفرق بينهما منهما، بل ولا من
أحد من الطائفة كما عرفته، وعكس العماني والجعفي، فعينا الأول مطلقا (1)،
لظاهر الصحاح الآتية الآمرة به في الثانية، فكذا في هذه الصورة لما عرفته.
ويرده مضافا إلى ما مر خصوص ما سيأتي من المرسل المنجبر بالعمل المصرح
بالتخيير بين الأمرين.
هذا، والقول الأول أحوط هنا كالثاني فيما يأتي، عملا في كل منهما بظواهر
الأخبار، ولولا الاجماعات المنقولة والرواية المرسلة المنجبرة بالشهرة وشبهة عدم
القول بالفرق بين الصورتين لكان الاحتياط بكل منهما متعينا، لكن بعدها
لا تأمل في التخيير ولا شبهة.
(و) يفعل (في الثاني) منهما (كذلك) فيبني على الأكثر ويتم، ثم
يحتاط بما مر لما مر، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة هنا، وفيها الصحاح وغيرها.
ففي الصحيح: إذا كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك
إلى شئ فسلم، ثم صل ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب (2) الخبر.
وظاهره كغيره وإن أفاد وجوب الجلوس في الاحتياط لكنه محمول على التخيير،
جمعا بينها وبين ما مر، ومنه صريح المرسل: إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع
فهو بالخيار، إن شاء صلى ركعة وهو قائم، وإن شاء صلى ركعتين وأربع
سجدات وهو جالس الخبر (3). والضعف بالارسال وغيره منجبر بما مر.
وأما الصحيح الآمر بالبناء على الأقل فيجاب عنه بما مر، مع شذوذ

(1) كما في ذكرى الشيعة: كتاب أ لصلاة في أحكام الشكوك ص 227 س 1.
(2) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5 ج 5 ص 321.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 320.
242

ظاهره، إذ لم يحك عن أحد، بل قيل هنا: لا خلاف في جواز البناء على الأكثر
والجمع بينه وبين ما مر بالتخيير كما عن الصدوق والعماني ضعفه قد ظهر مما
سبق.
(و) كذلك يفعل (في الثالث) لكن يحتاط (ركعتين من قيام)
حتما إجماعا كما في الانتصار (1) والخلاف (2) للصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة. والصحيحة الدالة على الإعادة شاذة وإن نقل القول بها عن المقنع (3)
لندوره، مع نقل الاجماع عن الفاضلين (4) على خلافه، فليطرح أو يحمل على
الشك في نحو المغرب أو الرباعية، مع وقوعه قبل إكمال السجدتين.
ويستفاد من بعض الصحاح وجوب سجدتي السهو هنا (5)، مع أن في جملة
منها: بعد صلاة الاحتياط لا شئ عليه (6). ولذا حمل علن الاستحباب تارة،
وعلى ما إذا تكلم ناسيا أخرى، وهو أولى، لورود الصحيح باشتراطه فيهما (7).
وأما جعله من جملة النصوص بالبناء على الأقل فبعيد كما بيناه في الشرح
مستوفى. وعلى تقديره يحمل على التقية كما قدمناه في نظائره.
(و) كذلك يفعل (لا في الرابع) لكنه يحتاط فيه (بركعتين من قيام،
ثم بركعتين من جلوس) على الأظهر الأشهر، بل عليه الاجماع في
الانتصار (8) للمرسل المنجبر بالعمل، مع كونه في حكم الصحيح على الأشهر

(1) الإنتصار: في السهو والشك ص 48.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 192 ج 1 ص 445.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة ص 8، س 36.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في ما يوجب الاحتياط ج 1 ص 139 س 41، وأما المحقق فلم نعثر على
إجماعه في كتبه المتوفرة لدينا ولكن نقل عنه في ذخيرة المعاد: ص 376 س 31.
(5) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب الخلل الوقع في الصلاة ح 5 ج 5 ص 321.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 و 4 و 6 ج 5 ص 323.
(7) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الخلل الوقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 323.
(8) الإنتصار: في السهو والشك ص 48.
243

الصحيح: في رجل صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا، قال: يقوم
فيصلي ركعتين من قيام ويسلم، ثم يصلي ركعتين من جلوس ويسلم (1).
خلافا للصدوقين والإسكافي، فاكتفوا بركعة من قيام واثنتين من جلوس (2)
للصحيح (3). وفي كل من سنده ومتنه اضطراب بينت وجههما في الشرح.
ومما يتعلق بالمتن وجود نسخة (بركعتين من قيام) بدل (ركعة من قيام)
كما هو المشهور. ويمكن ترجيحها بالموافقة للرواية السابقة، مضافا إلى الشهرة
العظيمة، إلا أن النسخة المشهورة ضبطا هي الأولى. ويؤيدها الرضوي
المصرح بعينها (4) من غير نقل اختلاف فيها، لكنه كالصحيح قاصر عن مقاومة
الرواية الأولى، لشهرة الفتوى بها، سيما من نحو الحلي (5) والمرتضى - رحمهما
الله - (6) اللذين لم يعملا إلا بالمجمع عليه والمتواترات أو الآحاد المحفوفة
بالقرائن قطعا وتقوية الشهيد في الذكرى هذا القول من حيث الاعتبار (7)
منظور فيها كما بينته في الشرح مستوفى.
ثم إن وجوب الوقوف على المنصوص يقتضي تعين الركعتين من جلوس
بعد الركعتين من قيام كما هو المشهور، بل عزى الأول في الذكرى إلى
الأصحاب (8)، فلا يجوز تبديلهما بركعة مطلقا، لا حتما كما حكي عن المفيد في

(1) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الخلل المواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 6 32.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 133 س 31.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 325.
(4) فقه الرضا (ع): ب 7 في الصلوات المفروضة ص 118.
(5) السرائر: كتاب الصلاة باب أحكام السهو والشك في الصلاة ج 1 ص 254.
(6) الإنتصار: في السهو والشك ص 48.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الشكوك ص 226 س 29.
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الشكوك ص 226 س 33.
244

الغرية والديلمي (1)، ولا تخييرا بينهما كما عن الفاضل (2) والشهيد ين (3)، ولا
تقديمهما على الركعتين من قيام، مطلقا لا حتما كما حكي قولا، ولا تخييرا كما عن
المرتضى في الإنتصار وأكثر الأصحاب (4). وفي الحكاية عنهم نظر؟ إذ ليس في
عبارة نحو الإنتصار ما يوهم التخيير عدا عطف الركعتين من جلوس عليهما من
قيام (بالواو) المفيدة لمطلق الجمعية (5) دون " ثم " المفيدة للترتيب في الاكتفاء
بمثل ذلك في النسبة مناقشة، سيما مع عدم العلم بمذهبهم في " الواو " هل تفيد الترتيب
أو مطلق الجمعية مع كون مستندهم في الحكم الرواية المفيدة للترتيب فلا شبهة.
ولذا أن في الروضة عزى الترتيب بينهما إلى المشهور كما ذكرنا. قال:
رواه ابن أبي عمير عن الصادق - عليه السلام - عاطفا لركعتي الجلوس بثم كما
ذكر هنا، فيجب الترتيب بينهما (6). وفي الدروس جعله أولى (7).
أقول: ونحو الرواية في العطف بثم الصحيحة المتقدمة
واعلم: أنه يجب أن يكون (كل ذلك) أي: كل من هذه الصلوات
الاحتياطية (بعد التسليم) بلا خلاف أجده للأمر به قبلها، ثم بها بعده في
الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، مع تضمن جملة منها، وفيها الصحيح
وغيره: أنه إن كان ما صلاه تماما كانت هذه نافلة (8). ولا يستقيم ذلك إلا
بعد انفرادها عن الفريضة وخروجها عنها، ليتوجه احتمال وقوعها نافلة فتأمل

(1) والحاكي هو ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الشكوك ص 226 س 30.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو ج 2 ص 386.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة ص 226 س 31، ومسالك الأفهام: كتاب الصلاة ج 1 ص 42 س 1.
(4) والحاكي هو ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الشكوك ص 226 س 41.
(5) الإنتصار: في السهو والشك ص 48.
(6) الروضة البهية: كتاب الصلاة في صلاة الاحتياط ج 1 ص 707.
(7) الدروس: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ص 48.
(8) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الخلل الوقع في الصلاة ح 1 و 2 ج 5 ص 323.
245

جدا. وما تضمن الأمر ببعضها مطلاقا من النصوص مقيدة بذلك جمعا.
ومن هنا يظهر وجوب اعتبار النية فيها والاحرام والتشهد والتسليم، بل
جميع واجبات الصلاة عدا القيام، إلا حيث يجب، لأنها صلاة منفردة، مضافا
إلى ورود الأمر بجملة منها في جملة منها.
وهل يتعين فيها قراءة الفاتحة خاصة أم لا، بل يتخير بينها وبين التسبيح؟
الأكثر على الأول، وهو الأظهر، للأمر بها في نصوصها، مع تضمن جملة منها كما
عرفت احتمال وقوعها نافلة، ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. خلافا للمفيد
والحلي فالثاني للبدلية المستفادة من هذه (1)، مضافة إلى الموثقة العامة. وضعفه
ظاهر مما عرفته.
وهل يجب تعقيبها للصلاة من غير تخلل المنافي؟ ظاهر الأكثر نعم، بل جعله
في الذكرى ظاهر النصوص والفتاوى، معربا عن الاجماع (2). وعليه فتبطل
بتخلله كما عن المفيد (3)، وعليه الفاضل في المختلف، والشهيد في الذكرى،
مستدلين عليه بما يرجع حاصله إلى أن شرعيته ليكون استدراكا للفائت من
الصلاة، فهو على تقدير وجوبه جزء من الصلاة، فيكون واقعا في الصلاة
فيبطلها، حتى ورد سجود سجدتي السهو للكلام قبله ناسيا، وللأمر به فورا في
الصحيح وتخلل الحدث يوجب الاخلال به، وهو يوجب بقاء التكليف بحاله،
ولا يخرج عنه إلا بإعادة الصلاة (4). خلافا للحلي (5) وجماعة من المتأخرين،

(1) المقنعة: كتاب الصلاة ب 11 أحكام السهو في الصلاة ص 146، والسرائر: كتاب لصلاة باب
أحكام السهو والشك ج 1 ص 254.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صور الشكوك ص 227 س 21.
(3) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 139 س 16.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 139 س 16، وذكرى الشيعة: كتاب
الصلاة في صور الشكوك ص 227 س 21.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 256.
246

فلا يبطل بتخلله لوجوه اعتبارية مرجعها إلى إنكار عموم البدلية، ومنع
اقتضائها مساواة البدل للمبدل منه في جميع الأحكام التي منها: بطلان الصلاة
بتخلل المنافي بينها، وهو ضعيف كما برهن في محله مستقصى.
ولو سلم فإيجاب سجدتي السهو - لما مر - قرينة على إرادته هنا، وكذا الكلام
في تخلله بين الصلاة والأجزاء المنسية، بل الحكم بالبطلان به هنا أولى، للقطع
بجزئيتها، وخروجها كالاحتياط عن محض الجزئية في بعض الموارد الاجماعية
للضرورة لا يقتضي الخروج عنها بالكلية. هذا ولا ينبغي ترك الاحتياط في نحو
المسألة، ويحصل بإتيان المبدل بعد تخلل الحدث، ثم إعادة الصلاة من رأس.
واعلم: أن ظاهر إطلاق النص والفتوى يقتضي صحة الصلاة بعد
الاحتياط وإن تذكر كونه متمما لها، بل به صرح الموثق: وإن ذكرت أنك
كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت (1). وعمومه كإطلاق البواقي
يقتضي عدم الفرق في ذلك بين جميع الصور حتى الرابعة، خلافا للشهيد في
الذكرى، فاستشكل الحكم في هذه الصورة، إلا أنه بعد ذلك قوى الصحة.
قال: لأن امتثال الأمر يقتضي الاجزاء والإعادة خلاف الأصل، ولأنه لو
اعتبر المطابقة لم يتم لنا احتياط بذكر فاعله الاحتياج إليه، لحصول التكبير الزائد المنوي
به الافتتاح (2) انتهى. وهو حسن، ولو ذكر في أثناء الاحتياط الاحتياج إليه ففي
الاجزاء مطلقا أو الإعادة كذلك أو التفصيل بين ما طابق فالأول، وإلا
فالثاني أوجه. ولعل أوجهها الأول لاقتضاء امتثال الأمر الاجزاء. وجعله في
الروضة والسابق ظاهر الفتوى (3) مشعرا بكونهما إجماعيا، ولكن الأحوط الاتمام
ثم الإعادة. ولو ذكر عدم الاحتياج إليه ففي جواز نقضه أو العدم وجهان مبنيان

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 ج 5 ص 318.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الاحتياط: ص 227 س 29.
(3) الروضة البهية: كتاب الصلاة في أحكام الشكوك ج 1 ص 714.
247

على جواز إبطال النافلة اختيارا أم لا، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
(و) اعلم: أنه (لا سهو) ولا حكم له (على من كثر سهوه) بلا
خلاف أجده، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة.
ففي الصحيح وغيره: إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك، وزيد
في الأول: فإنه يوشك أن يدعك الشيطان (1). وهل المراد بالسهو فيهما وفي غيرهما
من الفتاوى: خصوص الشك كما عن صريح المعتبر (2) وظاهر الفاضل
فالتذكرة والنهاية والمنتهى (3)، أو ما يعمه والسهو بالمعنى المقابل له كما في صريح
الروضة والروض (4) وعن ظاهر جماعة؟ وجهان، بل قولان:
من عموم ما دل على لزوم الاتيان بمتعلق السهو وموجبه، جمع سلامته عن
معارضة هذه النصوص، لاختصاص جملة منها بالشك والاتفاق على إرادته من
لفظ السهو فيما عداها، وإرادة معناه الحقيقي منه أيضا توجب استعمال اللفظ
في المعنى الحقيقي والمجازي، وهو أمر مرغوب عنه عند المحققين، وارتكاب
عموم المجاز حسن مع قيام القرينة عليه بالخصوص ولم نجدها.
والاتفاق على إرادة الشك أعم من إرادته، لاحتمال كونه قرينة على
إرادة الشك بالخصوص.
وبالجملة: الاتفاق على إرادة الشك في الجملة: إما أنها على الخصوص،
أو من حيث العموم فأمر غير معلوم، واحتماله لا يوجب الخروج عن العموم

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 و 3 ج 5 ص 329.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في التوابع ج 2 ص 393.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 136 س 41، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 533، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 411
س 10.
(4) الروضة البهية: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 722، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
السهو والشك ص 343 س 25.
248

المتقدم المقطوع، سيما مع كونه مرجوحا لاتفاق المعمم صريحا، بل مطلقا كما
قيل (1) على بطلان الصلاة بالسهو عن الركن مطلقا، ووجوب تدارك غيره فيها
أو بعدها كذلك، فتنحصر فائدة نفي السهو بهذا المعنى في سقوط سجدتي السهو
له كما صرح به أيضا. وارتكاب مثل هذا التخصيص بعيد جدا، مع أن الموجود
في الصحيح وغيره المتقدمين إنما هو المضي في الصلاة وهو غير مناف لوجوب
السجدتين بعدها فكيف يجعلان دليلا على سقوطهما؟!.
ومن قرب احتمال حمل السهو المنفي على المعنى الأعم الشامل للشك وله
بالمعنى الأخص، لكونه أقرب المجازين إلى الحقيقة المتعذرة فهو الدليل عليه
ولا وجه لمنعه. والحكم بوجوب تدارك السهو عنه في الصلاة أو بعدها لا يوجب
تخصيص نفي السهو، إذ ليس هو السبب في وجوب الحكم بتداركه، وإنها
السبب عموم أدلته، وسببية السهو ليست إلا بالنسبة إلى سجود السهو فلا
يجب مع الكثرة، وليس فيه تخصيص بالمرة.
وبالجملة: المراد من السهو المنفي موجبه، وليس إلا خصوص سجود
السهو، وإلا فالسهو عنه ما وجب أداء وتداركا إلا بعموم أدلة لزوم فعله. وكذا
فساد الصلاة بالسهو عن الركن لم ينشأ من نفس السهو بل من حيث الترك،
حتى لو حصل من غير جهته لفسدت أيضا.
فهذا القول أقوى وإن كان الأول أحوط وأولى، وحيث تعين الشك أو
كان مرادا فهل المراد بكثرته ما يترتب عليه حكم من نقص أو تدارك أو سجود
سهو أو ما يعمه وغيره حتى لو شك كثيرا بعد تجاوز للمحل، أو في النافلة، أو
مع رجحان الطرفين في الأخيرتين، أو مطلقا ثم شك شكا يترتب عليه حكم

(1) والقائل هو العلامة المجلسي في بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 87 في أحكام الشك والسهو ج 88
ص 277
249

لسقط؟ وجهان، بل قيل: قولان (1)، ولعل الأجود الأول كما اخترناه في
الشرح، اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على لزوم حكم الشك على المتيقن
من النص، وليس إلا الشك الكثير الذي له حكم.
ثم المراد بنفي الشك: عدم الالتفات إليه والبناء على وقوع المشكوك فيه
وإن كان في محله ما لم يستلزم الزيادة، فيبنى على المصحح على ما صرح به جمع
من غير خلاف فيه بينهم يعرف، وبه صرح بعض (2)، ولعله لتبادر ذلك من
النصوص، مع ظهور جملة منها في بعض أفراد المطلوب كالصحيح الوارد فيمن
لم يدر كم صلى: أنه لا يعيد (3). والموثق الوارد في الشاك في الركوع والسجود: أنه
لا يعيد إليهما، ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا (4). ولا قائل بالفرق،
وظاهر النصوص بل الفتاوى - أيضا - كون ذلك حتما لا رخصة. وعليه فلو أتى
بالمشكوك فيه فسد الصلاة قطعا إن كان ركنا، وكذا إن كان غيره على
الأقوى كما بينته في الشرح مستوفى.
ولو كثر شكه في فعل بعينه فهل يعد كثير الشك مطلقا فيبنى في غيره على
فعله أيضا، أم يقتصر على ذلك؟ وجهان، أجودهما الأول وفاقا لجمع، للاطلاق
المؤيد بالتعليل الوارد في النصوص بأن ذلك من الشيطان، وهو عام،
والمرجع
في الكثرة إلى العرف وفاقا للأكثر، لأنه المحكم فيما لم يرد به بيان من الشرع،
وتحديده في الصحيح بالسهو في كل، ثلاث مجمل، لتعدد محتملاته وإن كان
أظهرها كون المراد: أنه لا يسلم من سهوه ثلاث صلوات متوالية، ولكن ليس
فيه مخالفة للعرف، بل لعله بيان له وليس حصرا. خلافا لابن حمزة: فإن يسهو

(1) لم نعثر على قائله.
(2) بحار الأنوار: كتاب الصلاة 87 في أحكام الشك والسهو ج 88 ص 278.
(3) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 329.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5 ج 5 ص 330.
250

ثلاث مرات متوالية (1)، وللحلي: فإن يسهو في شئ واحد أو فريضة ثلاث
مرات فيسقط بعد ذلك حكمه، أو يسهو في أكثر الخمس، أعني: الثلاث منها،
فيسقط في الفريضة الرابعة (2). ولم نعرف لشئ منها حجة، إلا أن يراد: بيان
المعنى العرفي لا التحديد الشرعي، فلا نزاع وإن كان يستشكل في مطابقة
بعضها على الاطلاق للعرف.
ومتى حكم بثبوت الكثرة بالثلاثة تعلق الحكم بالرابع، ويستمر إلى أن
يخلو من السهو فرائض يتحقق بها الوصف، فيتعلق به حكم السهو الطارئ إن
حددناها بها. يحتمل مطلقا كما في الذكرى (3)، وبه قطع شيخنا في الروض
والروضة (4). وهو حسن إن صدق زوال الكثرة عرفا بذلك، وإلا فلا يتعلق
حكم السهو الطارئ إلا بزوال الشك غالبا بحيث يصدق في العرف أنه غير
كثير الشك كما أفتى به في الذكرى أولا. وهو الأقوى وإن كان الأول محتملا.
(و) كذا (لا). حكم للسهو (على من سها في سهو) بلا خلاف،
للصحيح: ليس على الإمام سهو ولا على من خلف الإمام سهو، ولا على
السهو سهو ولا على الإعادة إعادة (5). ولكن في العبارة إجمال، لاحتمال كون
المراد بالسهو في المقامين: معناه المعروف خاصة، أو الشك كذلك، أو الأول في
الأول، والثاني في الثاني، أو بالعكس.
وعلى التقادير: يحتمل السهو الثاني نفسه من دون حذف مضاف، وحذفه

(1) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ص 102.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ج 1 ص 248.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في كثير الشك ص 223 س 5 - 1.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 343 السطر الأخير، والروضة البهية: كتاب الصلاة
في أحكام السهو ج 1 ص 723.
(5) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 ج 5 ص 338.
251

من الموجب بالفتح. فالصور ثمان، وظاهر جملة من المتأخرين إمكان إرادتها من
النص أجمع. وهو مشكل، لمخالفته لمقتضى الأصل في جملة منها، والخروج عنه
بمثل هذا النص المجمل مشكل.
هذا مع ظهور سياق النص والعبارة كغيرها في كون المراد من السهو في
المقامين هو المعنى الثاني، وربما يظهر من الفاضل وغيره عدم الخلاف فيه،
وأن مورده إنما هو كون المراد من السهو الثاني هو: الشك نفسه، أو موجبه
بالفتح.
قال في المنتهى: ومعنى قول الفقهاء: لا سهو في السهو أي: لا حكم للسهو
في الاحتياط الذي يوجبه الشك كمن شك بين الاثنين والأربع، فإنه يصلي
ركعتين احتياطا، فلوسها فيهما ولم يدر صلى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى
ذلك. وقيل: معناه أن من سها فلم يدرسها أم لا لم يعتد به، ولا يجب عليه
شئ، والأول أقرب (1).
وأظهر منه كلام التنقيح، فإنه قال بعد نقل العبارة: وله تفسيران الأول:
أن يشك فيما يوجبه الشك كالاحتياط وسجود السهو. الثاني: أن يشك هل
شك أم لا - قال -: وكلاهما لا حكم له. ويبني في الأول على الأكثر لأنه
فرضه (2). ونقلهما في أمثال ذلك حجة. وعليه فلا يمكن إرادة السهو بالمعنى
المعروف مطلقا لما مضى.
وعليه، فيندفع أكثر وجوه الاجمال، ويبقى من حيث الاختلاف بين
التفسيرين، ولا ريب في مطابقة الثاني لمقتضى الأصل، فلا يحتاج إلى النص
وإن أكده على تقدير وضوح دلالته على ما يطابقه، وإنما المحتاج إليه أنما هو
الأول، لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه، ولا يتم

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل، ج 1 ص 411 س 21.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في التوابع ج 1 ص 262.
252

إلا مع عدم الشك، مضافا إلى إطلاق ما دل على لزوم تدارك المشكوك مع
بقاء المحل مثلا. فتأمل.
وحيث أن النص يحتمله، والثاني لا يمكن التمسك به لاثباته إلا أن يرجح
إرادته بإخبار الفاضل كونه مراد الفقهاء، مع ظهوره من كلماتهم واستدلالهم
بالنص على أنه " لا سهو في سهو "، بناء على أن ظاهره إثبات حكم مخالف
للأصل، لا موافق له، وليس إلا على تقدير التفسير الأول، مع اعتضاده بما في
المعتبر (1) والمنتهى (2) وغيرهما من الاعتبار، وهو: أنه لو تداركه أمكن أن يسهو
ثانيا، ولا يتخلص من ورطة السهو، ولأنه حرج فيسقط اعتباره، ولأنه شرع
لإزالة حكم السهو فلا يكون سببا لزيادته.
ومما ذكرنا: ظهر استقامة الحكم على كلا التفسيرين كما هو ظاهر كلام
التنقيح المتقدم، وهو لازم لكل من اختار التفسير الأول، لموافقة الثاني للأصل.
والمتبادر من عدم الالتفات إلى المشكوك فيه البناء على الأكثر إن لم يستلزم
الفساد، وإلا فعلى المصحح كما مر في كثير الشك، وبه صرح جمع لمقتضى
التعليلات المتقدمة، خلافا لنادر من متأخري المتأخرين، فاحتمل البناء على
الأقل (3)، وهو ضعيف.
واعلم: أن قوله - عليه السلام - في الصحيحة: (ولا على الإعادة إعادة)
فسر بتفسيرين أظهرهما أنه إذا أعاد الصلاة لخلل موجب للإعادة ثم حصل أمر
موجب لها فإنه لا يلتفت إليه، ويعضده الصحيح: لا تعودوا الخبيث من
أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإن الشيطان خبث معتاد لما عود (4).

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في التوابع ج 2 ص 394.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 411 س 19.
(3) مجمع الفائدة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 3 ص 136.
(4) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب الخلل الوقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 329.
253

والاعتياد لغة يحصل بالمرتين كما صرح به في الحيض، لكن في حصوله بهما
عرفا تأمل وبعد، إلا أن يدفع بملاحظة الصحيحة، والرضوي الوارد في الشك
في الأوليين: أنه يعيد مطلقا، ويبني على المظنون لو شك ثانيا، وقد مر فتوى
والد الصدوق به، لكنه كما عرفت شاذ. فالمصير إليه مشكل، وكذا إلى
الصحيح، لعدم وضوح القائل به كما صرح به جمع، مع ظهور الفتاوى في
انحصار المقتضي، لعدم الالتفات إلى الشك في أمور محصورة ليس ما في
الصحيح شيئا منها بلا شبهة وإن جعل في الذكرى وغيره من الشك الكثير،
لضعفه بأن الحكم بعدم الإعادة لا يستلزم الكثرة، وبه صرح جماعة.
وربما يوجه بوروده مورد الغالب وهو كثير الشك، لأنه الذي يحصل له
الشك بعد الإعادة - أيضا - غالبا دون غيره، فنفي الإعادة على الإعادة إنما هو
للكثرة.
وفيه نظر، لجريانه في نفي السهو على من سها في سهو الذي تضمنه
الصحيح أيضا.
وحمله على الغالب يخرجه من صلاحيته للاستدلال به على نفي السهو في
السهو من حيث هو سهو في سهو وإن لم يكن هناك كثرة كما هو الفرض في
البحث السابق، وهو خلاف طريقة المستدلين به لذلك حتى الموجه، مع أن
دعوى الغلبة لا يخلو عن مناقشة. هذا، ولا يبعد العمل بما في الصحيحة،
لحجيتها، وظهور دلالتها، واعتضادها بغيرها، وعدم القطع بشذوذها وإن لم يظهر
قائل صريح بها. فإن ذلك لا يستلزم الاجماع على خلافها، ولكن الاحتياط
بالإعادة إلى أن يحصل مزيل حكم الشك أولى.
(و) اعلم: أن ما تضمنته الصحيحة: من أنه (لا) سهو (على
المأموم، ولا على الإمام) بمعنى: الشك لا خلاف فيه يعرف، وبه صرح
254

بعض (1)، وذكر جمع أنه مقطوع به بين الأصحاب، مؤذنين بدعوى الاجماع
عليه (2)، وهو حجة أخرى بعد الصحيحة، مضافا إلى المعتبرة الآخر
منها الصحيح: عن رجل يصلي خلف الإمام لا يدري كم صلى هل عليه
سهو؟ قال: لا (3).
والمرسل: ليس على الإمام سهو (إذا حفظ عليه من خلفه) سهوه
بإيقان أو اتفاق منهم (4) على اختلاف النسخ.
وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام. وما فيه من اشتراط
حفظ كل منهما على الآخر في نفي حكم الشك مقطوع به بينهم، ولا ريب فيه،
لأن الحكم برجوع كل منهما إلى الآخر على التعيين مع التساوي في الشك
ترجيح من غير مرجح، وبه يقيد إطلاق باقي الأخبار. والمتبادر من الحفظ وعدم
السهو المشترط هو الحفظ بعنوان القطع كما يدل عليه لفظ الايقان في بعض
النسخ، فالحكم برجوع الشاك منهما إلى الظان مشكل، وكذا الظان إلى
المتيقن وإن صرح بهما جماعة لعموم ما دل على تعبد المصلي بظنه.
والتخصيص يحتاج إلى دليل، وليس إلا أن يقال: إن السهو بمعنى الشك
المنفي حكمه عن كل من الإمام أو المأموم في الفتاوى والنصوص يشمل الظن
لأعميته لغة منه ومن الشك بالمعنى المعروف، فنفيه بعنوان العموم يقتضي
دخولهما فيه، مع أن في الخبر: الإمام يحفظ أوهام من خلفه (5) ويدخل في
الأوهام الظن، لاطلاقه عليه في الشرع.

(1) مفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة خ 204 في الشك في صلاة الجماعة ج 1 ص 179.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة ج 4 ص 269، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة ص 369 ص 27.
(3) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الخلل الوقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 338.
(4) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الخلل الوقع الصلاة ح 8 ج 5 ص 340.
(5) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 338.
255

وحظ الإمام على من خلفه الأوهام معناه: أنه يترك وهمه ويرجع إلى
يقين الإمام، وإذا ثبت الحكم في هذا الفرد ثبت في العكس، لعدم تعقل الفرق
مع عدم ظهور قائل به، بل ولا بالفرق بين رجوع الظان إلى المتيقن مطلقا،
والشاك إلى الظان كذلك، لكن الحكم في هذا مشكل إن لم يبلغ حد
الاجماع.
وما قيل في توجيهه من: أن الظن في باب الشك بمنزلة اليقين (1) فضعيف،
لمنع المنزلة بالنسبة إلى غير الظان، كيف لا وهو أول الكلام وتسليمها بالنسبة
إليه لا يجدي نفعا. فعدم الرجوع أقوى إن لم يفد ظنا، وإلا فالرجوع متعين كما
يتعين على الظان الرجوع إلى المتيقن إذا أفاد ظنا أقوى مطلقا وإن قلنا بالمنع
فيه أيضا مع عدم إفادة الرجوع الظن الأقوى، لكنه خروج عن محل البحث،
وهو: رجوع كل منهما إلى الآخر مع حفظه مطلقا ولو لم يفده ظنا كما يقتضيه
إطلاق النصوص والفتاوى.
وعليه، فلا يشترط عدالة المأموم ولا تعدده فيرجع إليه الإمام ولو كان واحدا
فاسقا، ولا يتعدى إلى غيره وإن كان عدلا.
نعم، لو أفاده الظن رجع إليه بذلك لا لكونه مخبرا، ولو اشتركا في الشك
واتحد محله لزمهما حكمه، كما أنهما لو اتفقا على الظن واختلف المحل تعين
الانفراد، وإن اختلف رجعا إلى ما اتفقا عليه وتركا ما انفرد كل به، وإن لم
يجمعهما رابطة تعين الانفراد ولزم كلا منهما حكم شك نفسه، ولو تعدد المأمومون
واختلفوا مع الإمام فالحكم كالأول في رجوع الجميع إلى الرابطة والانفراد
بدونها.
ولو اشترك الشك بين الإمام وبعضهم قيل: يرجع الإمام إلى الذاكر

(1) والقائل هو المفاضل السبزواري في ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الشك والسهو ص 369 س 34.
256

منهم وإن اتحد، وباقي المأمومين إلى الإمام (1). وفيه نظر، بل ظاهر المرسل
المتقدم اعتبار اتفاق المأمومين سيما على النسخة المبدل فيها الايقان بالاتفاق،
ولا يضر الارسال بعد الانجبار بالأصل وعمل الأصحاب، وهو ظاهر الماتن هنا
وفي الشرائع (2) وغيره من الأصحاب وصريح بعضهم ولعله الأقوى.
ولا ينافيه إطلاق ما عدا المرسل من الأخبار بأنه: لا سهو على الإمام،
لعدم انصرافه بحكم التبادر إلى نحو المقام. ولو حصل الظن بقول الذاكر منهم
اتجه اعتباره لذلك في موضع يسوغ فيه التعويل على الظن.
كلما عرض لأحدهما ما يوجب سجدتي السهو كان له حكم نفسه، ولا
يلزم الآخر متابعته فيهما على الأشهر بين المتأخرين، والأقوى للأصول
والعمومات، وخصوص ما سيأتي من الروايات. خلافا للمرتضى والخلاف
فنفياهما عن المأموم مطلقا وإن عرض له السبب وادعى الثاني عليه الاجماع (3).
واستدل له تارة بما مر من الأخبار بأنه: (ليس على من خلف الإمام سهو
وهي محمولة على الشك في العدد كما فهمه الأصحاب، ويشهد له السياق
بقرينة قولهم عليهم السلام: " وليس على الإمام سهو " مع أنه مقطوع الإرادة
من لفظ السهو فيها، فيمتنع إرادة السهو بالمعنى المعروف منها لما مضى مرارا،
إلا أن يوجه بما مضى أيضا.
وأخرى بالموثقين في أحدهما: عن الرجل ينسى وهو خلف الإمام أن يسبح
في السجود أو في الركوع، أو ينسى أن يقول بين السجدتين شيئا، فقال: ليس

(1) والقائل هو الشهيد الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 343 س 3،
ومسالك الأفهام: كتاب الصلاة في الشك ج 1 ص 42 س 28.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 118.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 3 ص 41، والخلاف:
كتاب الصلاة م 206 ج 1 ص 463.
257

عليه شئ (1).
وفي الثاني: عن رجل سها خلف إمام بعد ما افتتح الصلاة ولم يقل شيئا ولم
يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى يسلم، فقال: قد جازت صلاته، وليس عليه
إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه (2).
ولا دلالة للأول على المطلوب، للقول بالموجب كما سيظهر. والثاني معارض
بأجود منه سندا كالصحيح: عن الرجل يتكتم في الصلاة، يقول: أقيموا
صفوفكم، قال: تتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو (3). والظاهر كون الرجل
مأموما. وأظهر منه الخبر: أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام، فقال: إذا
سلمت فاسجد سجدتي السهو (4). ومع ذلك محتمل للحمل على التقية
لموافقته لمذهب أكثر العامة بل عامتهم إلا مكحولا كما صرح به جماعة (5). مع أن
التعليل فيه بضمان الإمام صلاة من خلفه معارض بجملة من الروايات بأنه
لا يضمنها: إما مطلقا كما في الصحيح وغيره، أوما عدا القراءة منها كما في
غيرهما، وللمبسوط فأوجب عليه متابعة الإمام فيهما وإن لم يعرض له السبب (6)،
وفاقا للجمهور، لما دل على وجوب المتابعة. ويضعف بمنع وجوبها إلا في نفس
الصلاة، وسجدة السهو خارجة عنها.
نعم، في الموثق: عن الرجل يدخل مع الإمام وقد سبقه الإمام بركعة أو

(1) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الخلل الواقع في لصلاة ح 4 ج 5 ص 339.
(2) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 5 ج 5 ص 339، باختلاف يسير في
اللفظ.
(3) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 313.
(4) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الخلل الوقع في الصلاة ح 6 ج 5 ص 339.
(5) راجع المعتبر: كتاب الصلاة في التوابع ج 2 ص 394.
(6) المبسوط: كتاب الصلاة في أحكام الشك ج 1 ص 124.
258

أكثر فسها الإمام كيف يصنع؟ فقال: إذا سلم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا
يسجد الرجل الذي دخل معه، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلم سجد
الرجل سجدتي السهو (1). وفيه موافقة للشيخ - رحمه الله - إلا أنه يمكن حمله على
التقية، أو على اشتراكهما في السهو، فإن الحكم فيه ذلك، سواء اتحد حكمهما
أو اختلف، وقد ذكرنا جملة من صورهما وجملة من الصور المتعلقة بشك الإمام
والمأموم مع حفظ الآخر أولا في الشرح مستوفى.
(ولو سها في النافلة) فشك في عددها (تخير في البناء) على الأقل أو
الأكثر إجماعا على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا. والأمر
بالبناء على الأقل في المرسل (2) محمول على الأفضل بلا خلاف فيه يظهر بل
ظاهر جمع كونه مجمعا عليه (3). وعلل زيادة عليه بأنه المتيقن، والأصل في البناء
على الأكثر بعد الاجماع الذي مر نفي السهو فيها في الصحيح وغيره وعمومه فيهما،
سيما الأول يشمل الشك في الأفعال أيضا مطلقا، أركانا كانت أو غيرها كان
الشك قبل تجاوز محلها أو بعده. خلافا للروض (4) والمدارك (5) فخصاه
بالأعداد، ولا وجه له بعد عموم اللفظ مع إمكان استفادة الحكم فيها من
الحكم. بنفي الشك في العدد بطريق أولى. فالعموم أقوى إن لم يكن للاجماع
مخالفا.
وإن عممنا السهو المنفي لمعناه المعروف - كما هو الأقوى - على ما قدمناه في
بحث كثير الشك أفاد نفي موجبه من سجدتي السهو أيضا كما صرح في

(1) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب الخلل في الصلاة 7 ج 5 ص 339.
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب الخلل في الصلاة ح 2 ج 5 ص 331.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في التوابع ج 2 ص 396.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 353 س 23.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الخلل الواقع في الصلاة ج 4 ص 274.
259

المدارك (1)، تبعا لظاهر الخلاف (2) وصريح المنتهى (3)، وظاهرهما،
الأول عدم خلاف فيه بيننا. خلافا للروض، فجعل النافلة هنا كالفريضة (4).
وهل المراد بالبناء على الأكثر: البناء عليه مطلقا حتى لو استلزم فساد
النافلة كما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها أو إذا لم يستلزم فسادها وإلا فالبناء
على الأقل يكون متعينا؟ وجهان، أحوطهما الثاني إن لم ندع ظهوره من إطلاق
النص والفتاوى، وإلا فهو أظهرهما سيما على القول بحرمة إفساد النافلة اختيارا.
(و) اعلم: أنه (يجب سجدتا (5) السهو) زيادة على ما مر (على من
تكلم ناسيا) أو ظانا لخروجه من الصلاة (ومن شك بين الأربع
والخمس) وهو جالس (ومن سلم قبل إكمال الركعات) على الأظهر
الأشهر، بل في الغنية: الاجماع على الجميع (6)، وفي المنتهى وغيره: الاتفاق
على الأخير والأول (7).
وحكي عن ظاهر الماتن أيضا في الثالث، للصحيح في الأول: عن الرجل
يتكتم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، قال: يتم صلاته ثم يسجد
سجدتين الخبر (8). ونحوه صحيح آخر وارد في الشك بين الثنتين والأربع، وفيه:
وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو (9). وفي ثالث وارد في تسليم النبي - صلى الله

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في الخلل الوقع في الصلاة ج 4 ص 274.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 210 ج 1 ص 465.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 412 س 12.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 353 س 22.
(5) في المتن المطبوع " تجب سجدة ".
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في السهو والشك ص 504 س 10.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 417 س 31، والخلاف: كتاب الصلاة م 202 ج 1 ص 459.
(8) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 313.
(9) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب الخلل الوقع في الصلاة ح 2 ج 5 ص 323.
260

عليه وآله - على الركعتين في الرباعية، وتكلمه مع ذي الشمالين أنه سجد
سجدتين لمكان الكلام (1). وظاهره كونهما للكلام دون السلام، ولكنهما من
باب واحد كما صرح به من الأصحاب غير واحد، مستدلين به على وجوبهما في
الثالث، وللمعتبرين فيه.
أحدهما الصحيح: عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها، ثم ذكر
أن لم يركع، قال: يقوم فيركع ويسجد سجدتين (2).
والثاني الموثق: عن رجل صلى ثلاث ركعات وظن أنها أربع، فسلم ثم
ذكر أنها ثلاث، قال: يبني على صلاته، ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم،
ويسجد سجدتي السهو (3). وهو أظهر دلالة من الأول، للصحاح المستفيضة في
الثاني. خلافا لظاهر الصدوقين في الجميع، ومال إليه بعض من تأخر فيما عدا
الثاني، للصحاح المستفيضة وغيرها: لا شئ عليه. وحمل الأخبار السابقة على
الاستحباب، جمعا. وهو ضعيف جدا، لفقد التكافؤ بينهما، لقوة تلك بالشهرة
العظيمة، بل الاجماع حقيقة كما عرفت حكايته، ويعضده موافقة الصدوق
الأول للأكثر في موضع آخر.
وأما عدم ذكر العماني - ككثير من القدماء - الثالث فغير ظاهر في
المخالفة للأكثر بعد ذكرهم الكلام من جملة ما يوجبهما لما قدمناه، مع أن الجمع
بينهما كما يمكن بذلك كذا يمكن بتخصيص الشئ المنفي في هذه المستفيضة
بالإثم والإعادة. والترجيح لا بدله من دليل، وليس سوى الأصل الغير المعارض
لما دل على ترجيح التخصيص على المجاز حيثما تعارضا، فالجمع الثاني أقوى.
وللمفيد والخلاف والديلمي والحلبي في الثاني فلم يذكر وهما فيه، بل ظاهر

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 16 ج 5 ص 311.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 8 ج 5 ص 309.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 14 ج 5 ص 310.
261

الأولين نفيهما، ولم أجد لهم عليه مستندا، مع استفاضة الصحاح المتقدمة
بخلافه، واشتهاره بين أصحابنا فهو ضعيف جدا. وأضعف منه القول بوجوب
إعادة الصلاة كما حكاه عن الخلاف في المنتهى (1) لندرته. ودعوى شيخنا الشهيد
الثاني في شرح الألفية الاجماع على خلافه (2). وقريب منهما في الضعف ما عن
المقنع من تبديل السجدتين بالاحتياط بركعتين من جلوس (3)، للرضوي (4)،
لقصوره عن المقاومة، للصحاح المستفيضة من وجوه عديدة.
ثم إن الموجود في جملة منها إنما هو: أن من لم يدر أربعا صلى أو خمسا
فليسجد سجدتي السهو (5). ومقتضاه وقوع الشك الموجب للسجدتين حالة
الجلوس كما قلنا، وصرح به جماعة من أصحابنا. وعليه فيشكل الحكم بوجوبهما
في غير هذه الصورة من الصور المتصورة في المسألة البالغة اثنتي عشرة ما عدا
المتقدمة، إذ منها: وقوع الشك بينهما قبل الركوع، ويجب فيها هدم الركعة مطلقا،
وإتمام الصلاة والاحتياط بركعتين من جلوس لرجوعه إلى الشك بين الثلاث
والأربع، وليس فيه سجود السهو على الأصح.
نعم، إن قلنا بوجوبه للقيام موضع القعود أو بالعكس اتجه، لكنه ليس من
جهة الشك بين الخمس والأربع، وما عدا هذه الصورة يشكل الحكم فيه
بصحة الصلاة فيها مطلقا، سيما ما كان الشك فيه قبل السجدتين.
فقد حكي عن الفاضل في جملة من كتبه الحكم بالبطلان هنا، لتردده بين
محذورين: الاكمال المعرض للزيادة، والهدم المعرض للنقيصة (6).

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 417 س 20 - 21.
(2) لا يوجد لدينا كتابه.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب السهو في الصلاة ص 9 س 6.
(4) فقه الرضا (ع).: ب 7 في الصلوات المفروضة ص 117.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ج 5 ص 326.
(6) والحاكي هو سبط الشهيد في المدارك: كتاب الصلاة في الخلل الواقع في الصلاة ج 4 ص 277.
262

وفي الذكرى: احتمال البطلان فيما إذا وقع بين السجدتين لعدم الاكمال،
وتجويز الزيادة وهو جار في باقي الصور، ومع الاشكال في الصحة كيف يمكن
الحكم بوجوب السجدة فإنه فرعها (1)؟!.
ولو سلمناها كما حكي عن الماتن القطع بها لأن تجويز الزيادة لا ينفي ما هو
ثابت بالأصل من عدم الزيادة، ولأن تجويزها لو أثر لأثر في جميع الصور كان
الحكم بوجوب السجدة غير ظاهر الوجه بعد ما عرفت من: اختصاص النصوص
الموجبة لها بفرد خاص قد مر، لكن في جملة أخرى منها غير ما قدمنا منها إيجابها
للشك في مطلق الزيادة والنقصان فيشمل المقام، إلا أن في الاستناد إليها
كلاما يأتي.
(و) هل يجبان في غير ما ذكر؟ (قيل:) نعم (لكل زيادة ونقصان (2)
وللقعود في موضع القيام، والقيام في موضع القعود)
والقائل: الصدوق صريحا في الثاني (3) كأبيه (4) والمرتضى (5) والديلمي (6)
والحلي (7) والقاضي (8) وابن حمزة (9) والحلبي (10) وابن زهرة (11) مدعيا عليه

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام الشكوك ص 227 س 7.
(2) في المتن المطبوع: (أو النقصان) 1.
(3) من لا يحضره الفقيه: في أحكام السهو والشك ج 1 ص 341.
(4) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة قي السهو ج 2 ص 431.
(5) رسائل الشريف المرتضى (جمل العالم والعمل) كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 3 ص 37.
(6) المراسم: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 90.
(7) السرائر: كتاب الصلاة أحكام السهو والشك ج 1 ص 257.
(8) المهذب: كتاب الصلاة باب السهو ج 1 ص 156.
(9) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام السهو ص 102.
(10) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة ص 148.
(11) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في السهو والشك كل ص 504 س 11.
263

إجماع الإمامية وغيرهم من المتأخرين، وظاهرا في الأول حيث أوجبهما على من لم
يدر زاد في صلاته أم نقص بهما في جملة من المعتبرة كالصحيح والموثق: من
حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو، وإنما السهو على من لم يدر زاد في
صلاته أو نقص منها (1). والصحيح: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم
نقص فليسجد سجدتين وهو جالس (2). وذلك لأن وجوبهما هنا يستلزم وجوبهما
مع القطع بالزيادة أو النقيصة بطريق أولى كما صرح به جماعة من أصحابنا،
ولعله لذا نسب شيخنا في الروضة القول بوجوبهما في كل زيادة ونقيصة إلى
الصدوق (3).
هذا إن قلنا: إن المراد من قوله: (من لم يدر زاد في صلاته أم نقص)
الشك في الزيادة؟ عدمها، وفي النقيصة وعدمها كما فهمه الجماعة، ولعله
المتبادر منه عرفا وعادة.
أما لو كان المراد منه: معناه الحقيقي لغة وهو: الشك في خصوص الزيادة
أو النقيصة بعد القطع بإحداهما فيكون نصا في وجوب السجدتين بإحداهما
مطلقا، إلا أن يخص متعلقهما بالركعة خاصة دون غيرها مطلقا، ولعله لذا لم
ينسب في الدروس القول بوجوبهما في الأول إلى الصدوق ولا غيره، مع أنه
حكي عنه القول بوجوبهما للشك في الزيادة والنقيصة. وعن المفيد الموافقة له،
لكن في الشك في زيادة السجدة الواحدة ونقصها، أو الركوع كذلك، بل قال:
نقل الشيخ أنهما يجبان في كل زيادة ونقصان، ولم نظفر بقائله ولا بمأخذه إلا
رواية الحلبي السابقة، وأشار بها إلى نحو الصحيحة الأخيرة.
قال: وليست صريحة في ذلك، لاحتمالها الشك في زيادة الركعات

(1) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 8 ج 5 ص 337.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 ج 5 ص 326.
(3) الروضة البهية: كتاب الصلاة في أحكام الخلل ج 1 ص 704.
264

ونقصانها، أو الشك في زيادة فعل أو نقصانه، وذلك غير المدعى، إلا أن يقال
بأولوية المدعى على النصوص (1) انتهى. لكنه بعيد وإن احتمله. ويشهد له
عدم نفيه الظهور، بل الصراحة.
وعلى هذا فيتقوى القول المزبور لدلالة المعتبرة عليه بالأولوية، مع
اعتضادها ببعض المعتبرة: تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تدخل عليك أو
نقصان (2). لكن المشهور عدم وجوبهما فيهما، ولعله لقصور سند الرواية الأخيرة
بالجهالة، مع معارضتها - كالمعتبرة - بجملة من الصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة الواردة في نسيان ذكر الركوع والجهر والاخفات والقراءة ونحوها
الظاهرة في عدم الوجوب، لدلالتها على صحة الصلاة مع ترك الأمور المزبورة
من دون إشارة في شئ منها إلى وجوب السجدتين مع ورودها في مقام
الحاجة. مع أن في جملة منها صحيحة التصريح " بلا شئ عليه " الشامل
للسجدة وتخصيصها بما عداها من الإثم أو الإعادة بدلالة هذه المعتبرة وإن
أمكن، لأنها أظهر دلالة.
إلا أنه يمكن العكس، فتقيد هذه المعتبرة بما إذا كان المشكوك فيه ركعة،
وهذا أرجح، للأصل المعتضد بالشهرة الظاهرة المحكية في كلام جماعة هذا، مع
تصريح بعض الصحاح المتقدمة في نسيان السجدة بعدم وجوب السجدتين
فيها، ويتم الباقي بعدم القائل بالفرق أصلا.
فالعدم أقوى وإن كان الوجوب أحوط وأولى هنا. وكذا في الموضع الثاني
أيضا، لدلالة جملة من المعتبرة عليه وفيها الصحيح والموثق وغيرهما وإن كان
العدم هنا أيضا أقوى، لمعارضة الصحيح والموثق بمثلهما المتقدم الدال على عدم
الوجوب هنا مفهوما بل منطوقا أيضا، مع أنهما كغيرهما معارضان بالصحاح

(1) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في أحكام السهو والشك ص 49.
(2) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 ج 5 ص 346.
265

المستفيضة وغيرها من المعتبرة الواردة في نسيان السجدة الواحدة والتشهد قبل
تجاوز المحل وبعده، الدالة على عدم الوجوب بنحو من التقريب المتقدم في
المستفيضة السابقة. وتخصيصها بهذه المعتبرة وإن أمكن إلا أنه يمكن حمل هذه
المعتبرة على التقية، لكونها موافقة لمذهب الشافعي وأبي حنيفة، ومع ذلك قد
عرفت معارضتها بمثلها من المعتبرة، وهي أولى بالترجيح، للأصل ومخالفة
العامة وموافقة ظواهر تلك الصحاح المستفيضة، ولكن الاحتياط قد عرفته.
وعن الصدوق القول بوجوبهما للشك بين الثلاث والأربع إذا توهم
الرابعة (1)، للصحيحين وغيرهما، وفي الدروس أنه نادر (2)، ولعله كذلك. فينبغي
حمل النصوص على الاستحباب، مع ضعف ما عدا الصحيح منها سندا ودلالة،
مع إشعاره بوروده تقية. والصحيح منها لا يعارض النصوص الواردة بالبناء على
المظنون خصوصا وعموما من غير إشارة فيها إلى وجوبهما أصلا، مع ورودها في
بيان الحاجة، وهي بالترجيح أولى، لاعتضادها بالأصل والشهرة العظيمة بين
أصحابنا بحيث كاد أن يكون إجماعا، ولكن فعلهما لعله أحوط وأولى.
(وهما) أي: السجدتان (بعد التسليم) مطلقا (على الأشهر)
الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا، وفي صريح الناصرية (3) والخلاف (4)
والأمالي (5): أن عليه إجماعنا، والصحاح به مع ذلك مستفيضة.
وقيل: إن كانتا للنقصان فقبل وإلا فبعد (6)، للصحيح (7) وحمل على التقية،

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة، باب التوابع ج 2 ص 411.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 49.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة م 101 ص 237.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 195 ج 1 ص 448.
(5) أمالي الصدوق: المجلس (93) ص 513.
(6) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 2 ص 431.
(7) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 4 ج 5 ص 242.
266

ويعضده مصير الإسكافي إليه حكاه عنه جماعة (1) وإن أنكره في الذكرى، لأن
عبارته المنقولة ظاهرة فيما نقلوه عنه وإن لم تكن فيه صريحة. هذا وقال بعد
الانكار: نعم، هو مذهب أبي حنيفة (2). وهو أيضا من المعاضدات القوية، إلا
أن المنسوب إليه في المعتبر (3 ح) والمنتهى (4) هو الموافقة لأصحابنا.
وكيف كان، فلا ريب في ضعف هذا القول، وأضعف منه القول المحكي
في الشرائع: أنهما قبل التسليم مطلقا (5)، لضعف ما دل عليه من الأخبار سندا
ومكافأة كالصحيح المتقدم لما تقدم من وجوه شتى، وحمل هذا على التقية أيضا،
ولا بأس به، جمعا بين الأدلة.
ويجب (عقيبهما تشهد خفيف وتسليم) على الأشهر الأقوى وفي ظاهر
المعتبر والمنتهى: أن عليهما إجماعنا (6). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة
في الأول.
منها الصحيح: واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا
خفيفا (7).
ونحوه المعتبران الواردان فيمن لا يدري كم صلى أنه: يبني على الجزم،
ويسجد سجدتي السهو، ويتشهد تشهدا خفيفا (8). فتأمل. وبها يقيد ما أطلق

(1) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 142 س 21.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة ص 229 س 29.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في التوابع ج 2 ص 399.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 418 س 32.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 119.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في التوابع ج 2 ص 401، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1
ص 418 س 10.
(7) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الخلل في الصلاة ذيل الحديث 2 ج 5 ص 334.
(8) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب الخلل ح 6 ج 5 ص 328 ووسائل الشيعة: ب 13 من أبواب الخلل
ح 2 ج 5 ص 325.
267

فيه التشهد من المعتبرين الواردين في ناسي التشهد.
والصحيح في الثاني الوارد فيمن صلى أربعا أو خمسا، وفيه: فاسجد
سجدتي السهو بعد تسليمك، ثم سلم بعدهما (1). خلافا للمختلف فلا يجبان (2)
للأصل، والموثق: عن سجدتي السهو، هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال: لا، إنما
هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها الإمام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه
ليعلم من خلفه أنه قدسها، وليس عليه أن يسبح فيهما، ولا فيهما تشهد بعد
السجدتين (3). وهو نص في نفي التشهد، ولا قائل بالفرق بينه وبين نفي التسليم
مع استفادته من الحصر في الصدر. ويضعف الأصل بما مر، ويضعف عن
مقاومته الموثق.
ولولا الشهرة العظيمة المعتضدة بظواهر الاجماعات المحكية لكان ترجيح
الموثقة لا يخلو عن قوة، لاعتبار سندها، وصراحتها واعتضادها بالنصوص الواردة
بالأمر بالسجدتين من غير إيجاب لشئ بعدهما، مع ورودها في بيان الحاجة
ظاهرا، مضافا إلى مخالفتها لما عليه أكثر العامة العمياء، ومنهم: أصحاب الرأي
وهم: أصحاب أبي حنيفة، كما صرح به في المنتهى (4).
وبموجب ذلك ينبغي حمل الصحيحين وما في معناهما على التقية، ويحتمل
الاستحباب على بعد، لكن لا ينبغي من حيث الشهرة تركهما على حال.
وصريح الموثقة كظاهر العبارة وغيرها: عدم وجوب شئ آخر، وهو الأقوى،
للأصل أيضا، فلا يجب التكبير لهما كما هو المشهور. خلافا للمبسوط فأمر به (5)،

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب الخلل ح 1 ج 5 ص 326.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ج 1 ص 143 س 2.
(3) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 3 ج 5 ص 334.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 418 س 10.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة ج 1 ص 125.
268

ولا دليل على الوجوب إن أراده، والاستحباب لا بأس به.
(ولا ذكر فيهما (1) كما عليه الفاضلان في المعتبر (2) والمختلف (3)
والمنتهى. (4). وقواه جماعة من متأخري متأخرينا خلافا للأكثر، فأوجبوه (و)
عينوا ما (في رواية الحلبي) الصحيحة (أنه سمع أبا عبد الله - عليه
السلام - يقول فيهما: بسم الله وبالله، وصلى الله على محمد وآل
محمد (5)).
وفي بعض النسخ: اللهم صل إلى آخره. (وسمعته (6) مرة أخرى يقول:
بسم الله وبالله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، (7).
وفي بعض النسخ بإضافة الواو قبل السلام. والكل حسن كما صرح به
جمع.
(و)، استضعفها الماتن أولا: بأن (الحق رفع منصب الإمام عن السهو
في العبادة) بل مطلقا، بناء على فهمه منها أنه - عليه السلام - سها فقال ما ذكر
فيهما.
وثانيا: باحتمال كون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم. ويضعف الأول
بجواز كون المراد بقوله: " فيهما " على وجه الافتاء، لا أنه سها. والثاني: بأن
اللزوم هو المتبادر كما هو الحال في سائر الجمل الإسمية أو الفعلية المنساقة في
سياق الطلب.

(1) في المتن المطبوع: (ولا يجب فيهما ذكر).
(2) المعتبر: كتاب الصلاة، ج 2 ص 400.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة ج 1 - 2 ص 143 س 2.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة ج 1 ص 418 س 28.
(5) في المتن المطبوع " وآله ".
(6) في المتن المطبوع " وسمعه ".
(7) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح 1 ج 5 ص 334.
269

نعم، يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه وبين ما مر من الموثق المعتضد
بالأصل واطلاق كثير من النصوص، لكن الأحوط، بل اللازم عدم الترك.
ويجب فيهما مضافا إلى ما مر النية، لأنهما عبادة، ورفع الرأس بينهما، بل
والجلوس بينهما مطمئنا تحقيقا للتثنية المتبادرة من الفتوى والرواية، والسجود
على الأعضاء السبعة، ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، والطهارة،
والستر، واستقبال القبلة، كل ذلك احتياطا للعبادة، وتحصيلا للبراءة اليقينية،
وأخذا بما هو المتبادر من سياق الأخبار الموجبة لهما في صورهما المتقدمة، مع أنه
لا خلاف أجده في اعتبار النية وكثير مما بعدها.
وهل المراد بالتشهد الخفيف: ما اشتمل على مجرد الشهادتين والصلاة
على النبي وآله صلى الله عليه وآله، أم التشهد المعهود في الصلاة، ويكون
المراد بالخفة: تخيف الأجزاء المندوبة في كيفية التشهد الطويلة المشهورة؟
وجهان، ولعل الأظهر الأول بهما صرح به جمع ومنهم: خالي العلامة المجلسي
- رحمه الله - في البحار عازيا له إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع (1).
ثم إنه هل التخفيف عزيمة أو رخصة؟ كل محتمل، ولكن الأحوط الأول،
تبعا لظاهر الأمر المتعلق بالقيد المقتضي لوجوبه وإن احتمل عدمه بتخيل
احتمال ورود الأمر مورد توهم وجوب ضده.
والمراد بالسلام: ما يخرج به عن الصلاة من إحدى الصيغتين المشهورتين
دون: السلام عليك أيها النبي. خلافا للحلي فينصرف به (2)، ولم أقف على
مستنده. والاقتصار على المتبادر من النصوص مقتض لتعين ما ذكرنا
وتحتمه. والله سبحانه هو العالم بحقائق أحكامه.

(1) بحار الأنوار: كتاب الصلاة ب 87 في أحكام الشك والسهو ج 88 ص 221.
(2) الكافي في الفقه: في حكم السهو في عدد الركعات ص 148.
270

(الثاني:) (في) بيان أحكام (القضاء)
إعلم: أن (من أخل بالصلاة) الواجبة عليه فلم يؤدها في وقتها
(عمدا) كان الاخلال بها (أو سهوا أو فاتته بنوم أو سكر مع بلوغه وعقله
واسلامه) وسلامته عن الحيض وشبهه وقدرته على الظهور الاختياري أو
الاضطرار في (وجب) عليه (القضاء) بإجماع العلماء كما في الذكرى (1)
وغيرها، بل ربما كان نقل الاجماع عليه كالنصوص مستفيضا.
ففي النبوي المشهور: من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها (2).
والصحاح بذلك مستفيضة من طرقنا.
ومنها: يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها (3). (عدا ما استثني) من
صلاة الجمعة والعيدين كما مضى في بحثهما. واحترز بقوله: (مع بلوغه إلى
آخره) عما لو فاتته وهر صغير أو مجنون أو كافر أصلي، فإنه لا يجب عليه القضاء
بإجماع العلماء كما في المنتهى (4) وغيره مستفيضا، بل يجعل من الدين ضرورة،
لحديثي: " رفع القلم " " وجب الاسلام ". وكذا الحائض والنفساء بالنص
والاجماع الماضيين في بحثهما.
ومقتضى إطلاق النصوص والفتاوى بالقضاء بالنوم عدم الفرق فيه بين
وقوعه بفعله أم لا، ولا بين كونه على خلاف العادة وعدمه خلافا للذكرى
فألحق النوم على غير العادة بالاغماء في عدم وجوب القضاء. قال: وقد نبه عليه

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 134 س 24، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة
في الخلل ج 1 ص 420، س 13، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في أحكام السهو ج 1 ص 81 س 22.
(2) عوالي اللئالي: ج 2 ص 54 ح 143 فيه: من فاتته فريضة، فليقضها كما فاتته.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب قضاء الصلوات ح 3 ج 5 ص 350.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في الخلل ج 1 ص 420 س 1.
271

في المبسوط (1). وفي الذخيرة: أن الحجة على ما ذكره غير واضحة (2).
أقول: لعلها الأصل، وعدم دليل على وجوب القضاء هنا، لاختصاص
النصوص الواردة به في النوم بالعادي منه، لأنه المتبادر المنساق منه إلى
الذهن عند الاطلاق، ولا إجماع لمكان الخلاف، وعموم من فاتته غير معلوم
الشمول لمفروض - المسألة، بل مطلق النوم والأحوال التي لم يصح فيها التكليف
بالأداء إجماعا، لأن موضوعه من صدق عليه الفوت، وليس إلا من طولب
بالأداء، وهذا غير مطالب به أصلا، ومعه فلا يصدق الفوت جدا، كما لا يصدق
على الصغير والمجنون ونحوهما، وهذا الوجه مذكور في مسألة سقوط القضاء
بالاغماء ونحوها في عبائر كثير من العلماء: كالفاضل في المنتهى (3) والشهيدين
في الروضة والذكرى (4). وهو وإن اقتضى عدم وجوب القضاء على النائم ونحوه
مطلقا إلا أنه خرج الفرد العادي منه اتفاقا فتوى ونصا، ويبقى ما عداه تحته
باقيا.
ومنه ينقدح وجه تخصيص جماعة من العلماء السكر الذي يجب معه القضاء
بالذي يكون من قبله، فلو شربه غير عالم به أو أكره عليه أو اضطر عليه إليه فلا
قضاء عليه كالاغماء، بل جريانه هنا أولى لانحصار دليل القضاء فيه في
الاجماع المفقود في محل النزاع، إذ لا إطلاق فيه نصا يتوهم شموله له قطعا. هذا
مضافا إلى فحوى التعليل الوارد بعدم القضاء مع الاغماء الجاري هنا أيضا.
والمراد بالكافر الأصلي، من خرج عن فرق المسلمين، لأنه المتبادر من

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 135 س 12.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في أحكام السهو ص 383 س 18.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة ص 420 س 16.
(4) الروضة البهية: كتاب الصلاة في قضاء الصلوات ج 1 ص 729، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في
السهو والشك 134 س 28.
272

اطلاق النص والفتوى الدالين على سقوط القضاء منه بإسلامه. فالمسلم
يقضي ما تركه لو أن حكم بكفره كالناصبي وإن استبصر، وكذا ما صلاه فاسدا
عنده، لعموم النص بقضاء الفوائت خرج منه الكافر الأصلي وبقي الباقي.
نعم، لا يجب عليه إعادة ما فعله في تلك الحال وإن كان الحق بطلان
عبادته كما يستفاد من الصحاح المستفيضة لمثلها من المعتبرة وفيها الصحاح
وغيرها، وهو تفضل من الله تعالى.
(ولا قضاء) واجبا (مع الاغماء المستوعب للوقت،
إلا أن يدرك)
مقدار (الطهارة والصلاة ولو ركعة (1)) فيجب فعلها في الوقت كاملة أداء أو
قضاء أو ملفقا على الاختلاف المتقدم في بحث الحيض، وقضاؤها في الخارج
اجماعا لما مضى ثمة من الأدلة الشاملة بعمومها للمسألة، مضافا إلى ما ورد فيها
من الصحاح المستفيضة التي سيأتي إليها الإشارة.
أما عدم القضاء في غير صورة الاستثناء فهو الأظهر الأشهر، بل في الغنية
الاجماع عليه (2)، وعليه عامة من تأخر، بل لا خلاف فيه إلا من نادر
كالصدوق في المقنع (3)، للصحاح المستفيضة.
منها: عن المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة؟ قال: يقضيها كلها، إن
أمر الصلاة شديد (4). وغيره المحكي عنه في الروض (5). وغيره: أنه يقضي آخر
يوم إفاقته إن أفاق نهارا، وآخر ليلته إن أفاق ليلا، للمستفيضة: لا يقضي إلا
صلاة اليوم الذي أفاق فيه والليلة التي أفاق فيها (6) كما في بعضها، وفي جملة

(1) في المتن المطبوع: " بركعة ".
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في السهو والشك ص 500 السطر الأخير.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في السهو الشك ص 10 س 17.
(4) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح 4 ج 5 ص 356.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في أحكام السهو ص 355 س 24.
(6) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 10 ج 5 ص 353.
273

منها: يقضي صلاة اليوم الذي أفاق فيه (1). وهما نادران كالنصوص الواردة بقضاء
ثلاثة أيام، بل صرح بمتروكية الجميع الشهيد في الدروس (2)، مشعرا بدعوى
الاجماع على المشهور كالفاضل في المنتهى (3) وغيره حيث لم ينقل
فيهما خلافا منا (4)، فلا عبرة بشئ منها، سيما؟ استفاضة الصحاح الصراح
كغيرها بعدم القضاء مطلقا، معللة له بأن كلما غلب الله تعالى عليه فهو أحق
بالعذر وأولى (5). ولا جله لا يمكن تقييدها بالمستفيضة الدالة على القول الثاني،
سيما من ضعف أسانيد أكثرها، وقصور دلالتها كلها، بل ضعفها، لقوة احتمال
أن يكون المراد بصلاة اليوم الذي أفاق فيه ما أفاق فيها لا مطلقا. كما يستفاد
من الصحاح المستفيضة منها: يقضي الصلاة التي أفاق فيها، وفي جملة منها:
يقضي الصلاة التي أدرك وقتها مع احتمال حملها كما عداها على التقية،
لوجود القول بمضامينها بين العامة، أو على الاستحباب كما صرح به
المتأخرون كافة، تبعا للصدوق في الفقيه (6)، والشيخ في كتابي الحديث (7). ولا
بأس به جمعا بين الأدلة.
ويحمل الاختلافات على تفاوت مراتب الفضيلة فأعلاها الجميع، ثم
الشهر خاصة كما حكاه في السرائر رواية (8)، ثم الأيام الثلاثة، ثم صلاة يوم

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح 25 ج 5 ص 355.
(2) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في السهو والشك ص 24.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة ج 1 ص 425 س 16.
(4) في نسخة (ق) زيادة (مع أن في الخلاف دعوى الاجماع عليه صريحا أو ظاهرا).
(5) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قضاء الصلوات ج 5 ص 352.
(6) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة المريض والمغمى عليه - - - ج 1 ص 363.
(7) تهذيب الأحكام: ب 30 في صلاة المضطر ح 15 ج 3 ص 304، والاستبصار: كتاب الصلاة ب 287
في صلاة المغمى عليه ح 10 ج 1 ص 459.
(8) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام قضاء الفوائت من الصلوات ج 1 ص 276.
274

الإفاقة، وللحمل على الاستحباب شواهد من النصوص ذكرناها في الشرح
من أرادها فليراجعها ثمة.
واعلم: أن مقتضى إطلاق النصوص كالعبارة ونحوها عدم الفرق بين كون
الاغماء بفعل المكلف أم لا. خلافا للشهيدين (1) وغيرهما، فقيدوه بالثاني
وأوجبوا القضاء في الأول.
وعزاه في الذكرى إلى الأصحاب، مؤذنا بدعوى الاجماع عليه (2). ولعله
لانصراف الاطلاقات بحكم التبادر وغيره كالتعليل في جملة من الصحاح: بأن
ما غلب الله تعالى فهو أولى بالعذر إليه دون الأول، فيرجع فيه إلى عموم
ما دل على قضاء الفوائت. وهو حسن إن سلم العموم، ولكنه - كما عرفت
سابقا - ممنوع، إذ هو حيث يصدق الفوت ولا يصدق هنا؟ لعدم التكليف
بالأداء حال الاغماء مطلقا إجماعا، والأصل براءة الذمة، وهو كاف في إثبات
عدم وجوب القضاء الوارد في النصوص وإن لم يشمله هنا لما مضى. فالقول بعدم
وجوب القضاء أقوى لو لم يكن وجوبه إجماعا كما يفهم من الذكرى، بل وغيرها أيضا.
(وفي) وجوب (قضاء الفوائت (3) لعدم ما يتطهر به) من ماء وتراب
وما في معناه (تردد) قولان: من عموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت،
ومما قدمناه من تبعية القضاء للأداء مفهوما وإن قلنا بعدم تبعيته له حكما كما
هو الأقوى، ولا أداء هنا على الأشهر الأقوى، بل في الروض وغيره: أنه مذهب
الأصحاب لا نعلم فيه مخالفة (4)، وظاهر هما كونه إجماعا، ولعله كذلك وإن

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في قضاء الصلوات ص 355 س 27 وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في
قضاء الصلوات ص 135 س 12.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في قضاء الصلوات ص 134 س 27.
(3) في المتن المطبوع وفي نسخة (م) و (ش) " الفائت ".
(4) روض الجنان: كتاب الطهارة في التيمم ض 128 س 14، ومدارك الأحكام: كتاب الطهارة في
أحكام التيمم ج 2 ص 242.
275

حكى الماتن في الشرائع قولا: بأنه يصلي ويعيد (1)، لندرته، وعدم معروفية قائله.
نعم، حكى المرتضى في الناصرية عن جده: وجوب الأداء دون
القضاء (2)، وهو كسابقه نادر، محجوج بعموم: (لا صلاة إلا بطهور) مع سلامته
عن المعارض، وحيث ثم يثبت الأداء لم يثبت القضاء لما مضى، وهذا أقوى،
وفاقا للمحكي في المختلف عن المفيد في رسالته إلى ولده (3)، والفاضلين (4)
وغيرهما. خلافا للمرتضى في الناصرية (5) والشيخ في المبسوط (6) والحلي (7) فيما
حكي عنهما والشهيدين (8) وغيرهما من المتأخرين فالأول. وجعلته في الشرح
أقوى بتخيل صدق الفوت بدعوى ثبوت مطلوبية الأداء. وإن لم يكن واجبا
فإن عدم وجوبه بفوات شرط وجوده لا يستلزم عدم مطلوبيته بعد ثبوتها بعموم
ما دل على مطلوبية الصلاة ومحبوبيتها، وإلا لزم أن يكون الطهور شرطا لوجوبها،
لا لو جودها، وهو باطل إجماعا. وهو كما ترى، لتوقف صحته بوجود عموم يدل
على مطلوبية الصلاة الفريضة حين عدم وجوبها، ولم نجد له أثرا، عدا
العمومات الآمرة بها في أوقاتها، وهي كما تدل على مطلوبيتها كذا تدل على
وجوبها، فلا يكون من العموم المدعى في شئ أصلا. وعموم الصلاة خير

(1) شرائع الاسلام: كتاب الطهارة في أحكام التيمم ج 1 ص 49.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الطهارة في التيمم م 55 ص 226.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في قضاء الفوائت ج 1 ص 149 ش 29.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في قضاء الفوائت ج 2 ص 405، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في قضاء
الفوائت ج 1 ص 81 س 27.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في التيمم م 55 ص 226.
(6) المبسوط: كتاب الطهارة في التيمم ث 1 ص 31.
(7) السرائر: كتاب الطهارة في التيمم ج 1 ص 139.
(8) اللمعة الدمشقية والروضة البهية: كتاب الصلاة ي صلاة القضاء ج 1 ص 742.
276

موضوع - من شاء استقل ومن شاء استكثر - مخصوص بالنافلة كما يشهد به
السياق، ومع ذلك فيدل على مطلوبية الصلاة، ولا يكون صلاة إلا بشرطها
وشروطها، وإلا ففعلها من دونها يكون مبغوضا. فكيف يدعى دلالته على
كونها محبوبة حين عدم شرطها؟.
وبالجملة: فإن انتفاء الشرط على هذا الوجه الذي فرضنا يستلزم انتفاء
كون المشروط واجبا، لا من حيث انتفائه من حيث هو هو حتى يلزم منه كون
الطهور شرطا لوجوبها، بل من حيث أن انتفاءه يستلزم انتفاء القدرة على
المشروط ولو شرعا، وهي شرط في الوجوب إجماعا، ولذا اتفق على عدم
الوجوب هنا. فانتفاؤها هنا يستلزم انتفاء وجوب المشروط بها إجماعا، بل
ومطلوبيته أيضا حيث لا يكون دليل عليها سوى ما دل على الوجوب أيضا كما
هو مفروض المسألة على ما قدمناه. وحيث لم يجب المشروط الذي هو الأداء
ولا يكون مطلوبا لم يصدق القضاء حقيقة فلا يجب أيضا.
ولكن (أحوطه
القضاء) خروجا عن الشبهة فتوى بل ودليلا، لصدق الفوت في نحو ما نحن فيه
فيه لغة، بل وعرفا؟ لعدم صدق السلب فيه ظاهرا.
فلا يقال لمن ترك الصلاة لفقد الطهورين: إنه ما فاتته، كما لا يقال فيما لو
تركها بنوم أو نسيان أو نحوهما ذلك، بل يقال ويطلق الفوت عليه حقيقة كما
وجد في الأخبار بالنسبة إلى النوم، ونحوه كثيرا بحيث يستفاد كون الاطلاق
على سبيل الحقيقة لا مجازا أو أعم. وحينئذ فيقوى شمول عموم ما دل على
وجوب قضاء الفوائت لما نحن فيه أيضا، سيما وقد اشتهر بين الأصوليين: أنه
يكفي في صدق القضاء - حقيقة - حصول سبب وجوب الأداء كدخول الوقت
- مثلا - وإن لم تجب فعلا، ولعل وجهه ما ذكرنا.
وبموجب ذلك لا يبعد أن يكون القول بالوجوب أقوى كما اخترناه في
الشرح، لا لما ذكرناه ثمة فإنه غفلة، بل لما ذكر هنا. لكن يؤيد ما اخترناه هنا
277

أولا بعد الأصل فحوى التعليل في النصوص الواردة في الاغماء: بأن كل ما
غلب الله تعالى فهو بالعذر أولى (1) لظهوره، بل صراحته في أن سقوط القضاء
في الاغماء موجب عن عدم القدرة على الأداء، وهو حاصل هنا كما قدمنا،
وخروج نحو النائم غير ضائر، لأن العام المخصص حجة في الباقي كما مر مرارا.
(وتترتب الفوائت) بعضها على بعض (كالحواضر) بإجماعنا الظاهر
المصرح به في جملة من العبائر: كالخلاف (2) والمعتبر (3) والمنتهى (4) والتنقيح (5)،
لعموم النبوي: من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته. ونحوه الصحيح الآتي في
مسألة أن الاعتبار في القضاء بحال الفوات في كل من القصر والاتمام.
وضعف سند الأول مجبور بالعمل، والدلالة واضحة، لأن الأصل في التشبيه
حيث لم يظهر وجه الشبه ولو بتبادر أو غلبة أو شيوع، ونحوها كما فيما نحن فيه
المشاركة في جميع وجوه الشبه كما حقق في الأصول مستقصى.
ومنها: الترتيب هنا. وورود الصحيح في مورد خاص غير ضائر بعد عموم
الجواب، وعدم القائل بالفرق بين الأصحاب، وللصحيح: إذا نسيت صلاة أو
صليتها بغير وضوء وكان عليك صلاة فابدأ بأولهن، فأذن وأقم لها، ثم صلها، ثم
صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة (6). وقريب منه آخر (7).
والأمر للوجوب وإن كان في أخبار الأئمة - عليهم السلام - كما قرر في
الأصول، سيما بعد اعتضاده بفتوى المشهور والاجماع المنقول. وبها يدب عن

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب قضاء الصلوات. ج 5 ص 352.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 339 ج 1 ص 581.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في قضاء الفوائت ج 2 ص 406.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في قضاء الفوائت ج 1 ص 421 س 21.
(5) التنقيح الرائع: كتاب المصلاة في قضاء الفوائت ج 1 ص 267.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبو أب قضاء الصلوات ح 4 ج 5 ص 348.
(7) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب قضاء الصلوات ح 3 ج 5 ص 348.
278

المناقشات التي تورد على النصوص على تقدير تسليم الورود، مع أن بعضها
مردود من غير جهتيهما أيضا كما بينته هنا. وأما باقي المناقشات الأخر فقد
أوردناها في الشرح مستوفى.
واطلاق العبارة والنصوص يقتضي عدم الفرق في وجوب الترتيب بين
العلم به والجهل، وهو في الأول - كما عرفت - لا ريب فيه وإن حكي في
الذكرى (1) القول بالاستحباب عن بعض الأصحاب، لكنه شاذ لو مال إليه
بعض متأخري الأصحاب (2). وأما في الثاني فهو محل خلاف، والأكثر على
العدم، لعدم ظهور تبادره من الاطلاق، بل ظهور عدمه كما صرح به جملة من
الأصحاب، فيدفع وجوب التكرار المحصل له بالأصل، وامتناع التكليف
بالمحال والحرج اللازمين لكثير من صور وجوبه، ولا قائل بالفرق كما صرح به
جملة من الأصحاب.
وهذا القول أنسب بالملة السهلة، سيما وأنه أشهر بين الطائفة وآخرون على
وجوبه: إما مطلقا كما هو خيرة الفاضل في الارشاد (3) وغيره، أو مع ظنه، أو
همه كما في الدروس (4)، أو مع ظنه خاصة كما في الذكرى (5). ولا ريب أن
هذا القول أحوط وأولى. وعليه، فيصلي من فاته الظهران من يومين ظهرا بين
عصرين أو بالعكس، لحصول الترتيب بينهما على تقدير سبق كل واحدة. ولو
جامعهما مغرب من ثالث، صلى الثلاث قبل المغرب ولعدها، أو عشاء معها
فعل السبع قبلها وبعدها، أو صبح معها فعل الخمس عشرة قبلها وبعدها

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 136 س 14.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في قضاء الفوائت ص 385 س 1 - 8.
(3) إرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في قضاء الفوائت ج 1 ص 271.
(4) الدروس: كتاب الصلاة في قضاء الفوائت ص 24.
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في قضاء الفوائت ص 136 س 21.
279

وهكذا.
والضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات،
وهي: اثنان في الأول، وست في الثاني، وأربعة وعشرون في الثالث، ومائة
وعشرون في الرابع حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا في عدد الفرائض
المطلوبة، ولو أضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبعمائة وعشرين.
فتأمل.
وصحته على الأول من ثلاث وستين فريضة وهكذا، ويمكن صحتها من
دون ذلك بأن يصلي الفرائض جمع كيف شاء مكررة عددا ينقص عنها
بواحدة، ثم يختمه بما بدأ به منها، فتصح فيما عدا الأولين من ثلاث عشرة في
الثالث وإحدى وعشرين في الرابع وإحدى وثلاثين في الخامس، ويمكن فيه
بخمسة أيام ولاء والختم بالفريضة الزائدة.
(و) تترتب (الفائتة) الواحدة مطلقا (على الحاضرة) وجوبا أيضا
ما لم يتضيق وقتها فيقدم إجماعا فيه. وأما الأول فهو الأشهر الأقوى، بل عليه
عامة قدماء أصحابنا إلا الصدوقين (2). وهما نادران، بل على خلافهما. ووجوب
تقديم الفائتة على الحاضرة مع سعة وقتها مطلقا إجماع أصحابنا كما حكاه جماعة
مستفيضا كالشيخ في الخلاف (3) والمفيد في بعض رسائله (4)، والحلي في السرائر
في بحث مواقيت الصلاة (5)، وابن زهرة في في الغنية (6) على ما حكاه عنه في

(1) في التن المطبوع: (وفي) والظاهر أن (في) زائدة.
(2) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة باب السهو في الصلاة ص 9 س 16، ومن لا يحضره الفقيه:
باب أحكام السهو ج 1 ص 355، ذيل الحديث 1029.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 139 ج 1 ص 382
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في قضاء الفوائت ج 1 ص 144 س 12.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في أوقات الصلوات المرتبة ج 1 ص 203.
(6) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في القضاء ص 50 س 29.
280

الذخيرة.
وهو ظاهر المرتضى في بعض مسائله، حيث أنه بعد أن سأله السائل عن حكم
المسألة وما يتفرع عليه قاطعا بالاجماع عليه قائلا: إذا كان إجماعنا مستقرا
بوجوب تقديم الفائت من فرائض الصلوات على الحاضرة منها إلى أن يبقى إلى
وقته مقدار فعله فما القول فيمن صلى حاضرا إلى آخر ما سأل (1) لم ينبهه - رضي الله
عنه - بفساد قطعه وعدم الاجماع، بل أقره على ذلك وأجابه بما أجاب.
وناهيك هذه الاجماعات في إثبات حكم المسألة، سيما بعد اعتضادها
بالشهرة العظيمة بين قدماء الطائفة، بل مطلقا كما صرح به جماعة، وظاهر
اطلاقاتها عدم الفرق بين الفائتة الواحدة والمتعددة ليومه أم لا، كما هو مقتضى
إطلاق أكثر الأدلة على وجوب تقديم الفائتة كتابا وسنة. قال سبحانه: (أقم
الصلاة لذكري) (2). وهو في لفائتة كما في الذكرى (3) وغيرها، ودلت عليه
جملة من المعتبرة.
منها الصحيح: من نسي شيئا من الصلوات فليصل إذا ذكرها، فإن الله
- عز وجل - يقول: (أقم الصلاة لذكري) (4). وهما كما ترى ظاهران في العموم
كالنبوي: لا صلاة لمن عليه صلاة (5).
والصحيح: عن رجل صلى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلها أو نام
عنها، فقال: يقضيها إذا ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم
ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت،

(1) المسائل الرسية (رسائل المرتضى): في قضاء الفوائت م 19 ج 2 ص 363.
(2) طه: 14.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في قضاء الصلاة ص 132 س 16.
(4) وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب المواقيت ذيل الحديث 6 ج 3 ص 207.
(5) الخلاف: كتاب الصلاة م 140 ج 1 ص 386.
281

وهذه أحق بوقتها فليصلها، فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى، ولا يتطوع
بركعة حتى يقضي الفريضة كلها (1). وهذا صريح في العموم. وأصرح منه
الصحيح الآخر الطويل المشهور، فإن في آخره: وإن كانت المغرب والعشاء قد
فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة، ابدأ بالمغرب ثم بالعشاء، فإن
خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم صل العشاء، وإن
خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة، ثم صل المغرب
والعشاء ابدأ بأولهما لأنهما جمعيا قضاء، فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس،
قال: قلت: لم ذلك؟ قال: لأنك لست تخاف فوتها (2). وقريب منها اطلاق
كثير من النصوص المستفيضة المنجبر ضعفها كبعض ما سبقها بالشهرة
والاجماعات المستفيضة والاحتياط للعبادة.
فقول الماتن بوجوب تقديم الواحدة دون المتعددة لقوله: (وفي وجوب
ترتب الفوائت) المتعددة (على الحاضرة تردد) يظهر وجهه مما مر وسيأتي
(أشبهه الاستحباب) لا وجه له. عدا ما في المدارك (3) حيث تبعه من
الاستناد في الأول إلى الصحيح: عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس
وقد كان صلى العصر، فقال: إذا كان أمكنه أن يصليها قبل أن تفوت المغرب
بدأ بها، لو صلى المغرب أولا ثم صلاها (4). ونحوه صحيح آخر (5). وفي الثاني
إلى الصحيح: ذا نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن

(1) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب قضاء الصلوات ح 3 ج 5 ص 350، باختلاف يسير في اللفظ مع
نقصان.
(2) وسائل الشيعة: ب 63 من أبواب المواقيت ذيل الحديث 1 ج 3 ص 212، باختلاف في اللفظ مع
زيادة ونقصان.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 299.
(4) وسائل ا الشيعة: ب 62 من أبواب المواقيت ح 7 ج 3 ص 210، باختلاف يسير.
(5) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب المواقيت ح 8 ج 3 ص 211 باختلاف يسير.
282

استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، وإن خاف أن تفوته
إحداهما فليبدأ بالعشاء، وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح، ثم المغرب ثم
العشاء قبل طلوع الشمس (1). ونحوه الخبر بزيادة: فإن خاف أن تطلع الشمس
فتفوته فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب
شعاعها (2). والصحيح: عن الرجل تفوته صلاة النهار، قال: يصليها إن شاء بعد
المغرب وإن شاء بعد العشاء (3).
قال: ويؤيده الأخبار المتضمنة لاستحباب الأذان والإقامة في قضاء
الفوائت، والروايات المتضمنة لجواز النافلة ممن عليه فريضة كالصحيح: أن
رسول الله - صلى الله عليه وآله - رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر
الشمس، ثم استيقظ فركع ركعتين، ثم صلى الصبح، فقال: يا بلال مالك؟
قال: أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله، قال: وكره المقام، وقال: نمتم بوادي
الشيطان (4).
قال: والظاهر أن الركعتين اللتين صلاهما أولا ركعتا الفجر كما في
الصحيح (5) وهو كما ترى، فإن الصحيح الأول نقول بمضمونه، والثاني معارض
بمثله، بل وأمثاله مما مضى، فهي أرجح منه بمراتب شتى: ومنها: تضمنه كالخبر
بعده، مع ضعف سنده ما هو مذهب العامة من توقيت العشائين إلى الفجر،
والمنع عن الصلاة بعد طلوع الشمس إلى أن يذهب شعاعها كما في بحث
المواقيت قد مضى. فيكون بالترجيح أولى وإن تضمن بعضها الأخير وغيره مما
لا قائل، به، وهو العدول عن الحاضرة إلى الفائتة بعد الفراغ منها، معللا بأنها أربع

(1) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب المواقيت ح 3 و 4 ج 3 ص 209. بزيادة ونقصان.
(2) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب المواقيت ح 3 و 4 ج 3 ص 209. بزيادة ونقصان.
(3) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب المواقيت ح 6 ج 3 ص 175.
(4) وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 206.
(5) وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب المواقيت ح 6 ج 3 ص 207.
283

مكان أربع، لانجباره بالشهرة والاجماعات المستفيضة والاحتياط، ولا كذلك
هذه الصحيحة وما في معناها، لعدم جابر لها مطلقا عدا الأصل المعارض
بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات والاطلاقات كتابا وسنة بتوسعة أوقات
الصلوات الخمس اليومية وهي عامة، وما ذكرناه من الأدلة خاصه فلتكن
عليها مقدمة، مع أن في شمولها لنحو المسألة مناقشة لا يخفى وجهها، مع أن
ظاهر الأمر فيهما الوجوب كما هو ظاهر الصدوقين، وأقله الاستحباب كما يعزى
إليهما، ولا يقول به الماتن ومن تبعه.
وبنحوه يجاب عن الصحيحة بعدهما، لتضمنها التخيير الظاهر في تساوي
الفردين المخير بينهما إباحة ورجحانا، ولا يقولان به أيضا، مضافا إلى أن صلاة
النهار فيها مطلقة تشمل النافلة والفريضة الواحدة والمتعددة. وتخصيصها بأحد
هذه الأفراد جمعا بين الأدلة إن أمكن إلا أنه يمكن حملها على التقية أو النافلة
إن جوزناها في وقت الفريضة والترجيح لهذا لما مضى، مع أن إطلاقها معارض
بالاطلاقات المتقدمة كتابا وسنة، وهي أرجح من هذا بمراتب عديدة كما
عرفته.
وأما المؤيدات فهي بمكان من الضعف. أما الأول منها وهو استحباب
الأذان والإقامة فلكونهما من توابع صلوات ومستحباتها، فيكون التأخير بمقدارهما
خارجا عن محل نزاعنا، سيما مع كونه إجماعيا. ولذا يقول به الماتن ونحوه ممن
جعل تقديم الفائتة أولى، وإلا لتناقض حكمهم هذا وتصريحهم باستحبابهما
للفائتة أيضا.
وأما الثاني فهو حسن إن قلنا به، وإلا كما هو الأشهر الأقوى فلا تأييد فيه
أصلا، بل ينبغي حمل الأخبار الدالة عليه على التقية قطعا، سيما مع تضمن
بعضها ما لا يقول به أصحابنا.
هذا، ولو صح هذا المؤيد للزم صحة القول بالمواسعة مطلقا حتى في الواحدة
284

لجريانه فيها أيضا، بل الصحيحة المتقدمة منها صريحة في فعل النافلة قبل الفائتة
الواحدة، وهو ينافي التضييق الذي قالا به فيها. فتأمل جدا.
ومما ذكرنا يظهر ما في القول بالمواسعة مطلقا، مع رجحان تقديم الحاضرة
وجوبا كما هو ظاهر الصدوقين، أو استحبابا كما عزى إليهما، أو بالعكس مطلقا
كما هو خيرة الشهيدين وغيرهما، أو في غير يوم الفوات. وأما فيه فالوجوب كما
عليه القدماء. ويضعف هذا - زيادة على ما مضى - عدم شاهد عليه أصلا، مع
مخالفته كمختار الماتن لاجماع القدماء، بل والمتأخرين أيضا. وأما ما يورد على
أدلة المختار من المناقشات فقد استوفينا الكلام فيها. وفي جملة ما يتعلق بالمسألة
في الشرح بما لا مزيد عليه، من أراد التحقيق فيها كما هو فعليه بمراجعة ثمة.
واعلم: أن في صحة الحاضرة لو قدمت على الفائتة حيث يجب تقديمها
قولان، أكثر القدماء المحكي لنا كلامهم على العدم، ومنهم: (1) المرتضى - رحمه
الله - والحلي (2) وزادا فمنعا من أكل ما يفضل مما يمسك به الرمق، ومن نوم
يزيد على ما يحفظ الحياة، ومن الاشتغال بجميع المباحات والمندوبات
والواجبات الموسعة قبل القضاء. وهو حسن إن قلنا بإفادة الأمر بالشئ النهي
عن ضده الخاص، وإلا - كما هو الأقوى وعليه أكثر متأخري أصحابنا - فلا.
نعم، يشكل الحكم بصحة الضد لو كان عبادة، إذ المقتضى لصحتها ليس
إلا الأمر، وهو لا يجامع الأمر بالقضاء المضيق الثابت قطعا لتضادهما، وإذا
انتفى لم يكن لصحة العبادة معنى لفقد مقتضاها، مضافا إلى ظاهر النبوي
المتقدم: لا صلاة لمن عليه صلاة.
فما ذكروه من بطلان الحاضرة لعله أقوى كما عليه الماتن في الشرائع (3) وهنا

(1) مسائل الرسية (رسائل المرتضى): في قضاء الفوائت م 19 ج 2 ص 365.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في قضاء الفوائت ج 1 ص 274.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة ي قضاء الصلوات ج 1 ص 121.
285

أيضا لقوله: (ولو قدم الحاضرة) على الفائتة (مع سعة وقتها) حال كونه
(ذاكرا) للفائتة (أعاد) الحاضرة بعد أداء الفائتة. ويظهر من المدارك عدم
الخلاف فيه على القول بوجوب تقديم الفائتة حيث فرعه عليه، قال: وإلا فلا
إعادة (1). (لا يعيدها لم سها) عن الفائتة قولا واحدا للصحيح الآتي قريبا.
(ويعدل. عن الحاضرة إلى الفائتة لو ذكرها (2) بعد التلبس)
بالحاضرة للصحيح: إن نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في
الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى، فإنما. هي أربع مكان أربع، وإن ذكرت
أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الأولى
وصل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر، وإن ذكرت أنك لم تصل العصر
حتى دخل وقت المغرب ولا تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب، وإن
كنت قد صليت المغرب فصل العصر، وإن كنت قد صليت من المغرب ركعتين
ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتمها ركعتين ثم سلم ثم صل المغرب،
وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب، وإن
كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها
المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة، وإن كنت قد نسيت العشاء
الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة، وإن كنت ذكرتها وأنت في
الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء الآخرة ثم قم فصل الغداة (3)،
الحديث. ولا خلاف فيه أيضا إلا من القائلين بالمواسعة، فاستحبوا العدول ولم
يوجبوه، فظاهر الأمر يردهم، وإنما يعدل إلى الفائتة مع الامكان، وهو حيث
لا يتحقق زيادة ركوع على عدد المسابقة. وظاهر الصحيحة جواز العدول مع

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في قضاء الصلوات ج 4 ص 304.
(2) في المتن المطبوع: (لو ذكر).
(3) وسائل الشيعة: ب 63 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 211، باختلاف في اللفظ مع زيادة ونقصان.
286

الفراغ من الفريضة، ولا قائل به أجده. وحملها الشيخ في الخلاف (1) على أن
المراد بالفراغ: ما قاربه. ولا بأس به حذرا من مخالفة الاجماع، وعملا بما دل
على أن الصلاة على ما افتتحت عليه خرج ما خرج بالنص والاجماع وبقي
الباقي.
(و) منه يظهر أنه (لو) سها ف‍ (تلبس بنافلة ثم ذكر) أن عليه
(فريضة) فائتة أو حاضرة (أبطلها) أي: النافلة (واستأنف الفريضة)
ولم يجز له العدول. وأما وجوب الابطال فمبني على القول بعدم جواز النافلة لمن
عليه فريضة كما هو الأشهر الأقوى، وقد مضى في بحث المواقيت مفصلا، ويأتي
على القول الآخر عدم الوجوب، لكن في جواز الابطال - حينئذ - وعدمه وجهان
مبنيان على جواز إبطال النافلة اختيارا أم لا، وقد تقدم الكلام في هذا أيضا
مستوفى.
(و) يجب أن (يقضي ما فات سفرا قصرا) مطلقا (لو كان) حال
القضاء (حاضرا). (و) يقضي (ما فات حضرا تماما ولو كان مسافرا)
فإن العبرة هنا بحال الفوات لا الأداء إجماعا، وللمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أداها في
الحضر مثلها، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما
فاتته (2). ولو اختلف الفرض في أول الوقت وآخره بأن كان حاضرا ثم سافر، أو
مسافرا فحضر وفاتته الصلاة، ففي اعتبار حال الوجوب أو الفوات قولان،
أظهرهما وعليه الأكثر الثاني. وسيأتي البحث فيه في صلاة المسافر إن شاء الله تعالى.
وكما أن الاعتبار في القصر والاتمام بحال الفوات كذلك الاعتبار بحاله في

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 140 ج 1 ص 386.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب قضاء الصلوات ح 1 ج 5 ص 359.
287

كل من الجهر والاخفات، فيقضي الجهرية جاهرا فيها ولو نهارا، والاخفاتية مخفتا
فيها ولو ليلا. كل ذلك لعموم التشبيه المتقدم، والاجماع المحكي في الخلاف (1).
والاعتبار في الكيفية بحال الفعل لا حال الفوت فيقضي ما فاته وهو قادر على
القيام فيه بأي نحو قدر ولو قاعدا أو مضطجعا أو مستلقيا وبالعكس. والوجه
فيهما واضح كما بينته في الشرح.
(ويقضي المرتد) مطلقا إذا أسلم كلما فاتته (زمان ردته) إجماعا،
لعموم وجوب قضاء الفوائت مع سلامته عن المعارض، عدا حديث (جب
الاسلام) وهو لاطلاقه وعدم عمومه لغة غير معلوم الشمول لنحو المقام، لعدم
تبادره منه إلى الأذهان.
(ومن فاتته فريضة) حضرا (من يوم ولم (2) يعلمهما) بعينها (صلى)
(اثنتين وثلاثا) معينتين للغداة والمغرب (وأربعا) مطلقة بين الرباعيات
الثلاث، ناويا بها عما في ذمته على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخري
أصحابنا (وفي الرسيات للسيد) (3)، وفي الخلاف (4) والسرائر (5) الاجماع عليه،
للخبرين المروي أحدهما في المحاسن، عن مولانا الصادق - عليه السلام - وفيه:
عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدري أيهما هي، قال: يصلي ثلاثا
وأربعا وركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى أربعا،
وإن كان المغرب والغداة فقد صلى (6). وإرسالهما مجبور بالفتاوى. خلافا

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 140 ج 1 ص 387.
(2) في المتن المطبوع (ولا).
(3) ما بين القوسين أثبتناه من المخطوطات كلها.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 58 ج 1 ص 309.
(5) لم نعثر عليه في التحرير والظاهر أنه المراد هو السرائر كما في جميع المخطوطات.
(6) المحاسن ج 1 - 2 ص 325 ح 68 والآخر وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب قضاء الصلوات ح 2 ج 5
ص 365.
288

للحلبي (1) وابن حمزة (2) فأوجبا قضاء الخمس تحصيلا لنية التعيين الواجبة
اجماعا مع الامكان كما هنا، وللجهر والاخفات إن أوجبنا هما كما هو الأقوى،
وهو متين لولا ما قدمناه من الخبرين المنجبرين بما قدمنا.
وعلى المختار يتخير بين الجهر والاخفات، لاستحالة التكليف بهما، وعدم
امكان الجمع بينهما، وحيث لا ترجيح ثبت التخيير بينهما، وكذا بين تقديم أيها
شاء مطلقا. ولو كان في وقت العشاء ردد بين الأداء والقضاء إن أوجبنا نيتها
أو احتيط بها، وإلا فلا احتياج إليها، كفى قصد القربة مطلقا.
ويستفاد من فحوى الرواية انسحاب الحكم فيما لو فاتته سفرا - وعليه جماعة -
فيصلي مغربا وثنائية مطلقة بين الثنائيات الأربع كما سبق. خلافا للحلي
فأوجب هنا قضاء الخمس (3). وهو أحوط اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد
النص المنجبر بالعمل. وظهور الرواية العموم مسلم، لكن لم يظهر لها في محل
البحث جابر، لاختصاص الشهرة الجابرة بغيره، اللهم إلا أن يجبر بالاعتبار
وفتوى هؤلاء الجماعة، ولا يخلو عن قوة.
(ولو فاته) من الفرائض (ما لم يحصه) عددا (قضى حتى يغلب)
على ظنه (الوفاء) على المشهور، بل المقطوع به في كلام الأصحاب كما في
المدارك (4) مشعرا بالاجماع، فإن تم وإلا كان الرجوع إلى الأصول لازما،
ومقتضاها القضاء حتى يحصل العلم بالوفاء تحصيلا للبراءة اليقينية عما تيقن
ثبوته في الذمة مجملا، وبه أفتى شيخنا في الروض (5) في بعض الصور، وفاقا

(1) الكافي في الفقه: في صلاة الجماعة ص 150.
(2) لم نعثر عليه في الوسيلة: ولعله تصحيف عن ابن زهرة كما قال في المختلف 148 وهو موجود في
الغنية (الجوامع الفقهية): ص 500 س 35.
(3) السرائر: كتاب الصلاة باب أحكام قضاء الفائت... ج 1 ص 275.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 306.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 359 س 18.
289

للذكرى (1) خلافا لسبطه في المدارك فاستوجه الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته
خاصة مطلقا (2)، وفاقا لمحتمل التذكرة (3).
قال: لأصالة البراءة من التكليف بالقضاء، مع عدم تيقن الفوات.
ويؤيده الحسن: متى ما استيقنت أو شككت في وقت صلاة أنك لم تصلها
صليتها، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل، فلا إعادة
عليك من شئ حتى تستيقن، وإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي
حال (4) (5). وفيه نظر، لابتناء الأول على عدم حجية الاستصحاب، وهو
خلاف الصواب. والمتبادر من الثاني هو الشك في ثبوت أصل القضاء في الذمة
وعدمه، ونحن نقول بحكمه الذي فيه، ولكنه غير ما نحن فيه، وهو الشك في
مقدار القضاء بعد القطع لثبوت أصله في الذمة واشتغالها به مجملا، والفرق
بينهما واضح لا يخفى.
ويستحب قضاء النوافل الموقتة استحبابا مؤكدا بإجماعنا المصرح به في
الخلاف (6) والروض (7) والمنتهى (8) وغيرها، وللصحاح وغيرها.
منها: أن العبد يقوم فيقضي النافلة وغيرها فيعجب الرب وملائكته منه،
ويقول: يا ملائكتي. عبدي يقضي ما لم أفترض عليه (9).

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة ي صلاة الجماعة ص 137 س 7.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة باب قضاء الصلوات ح 4 ص 307.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 82.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في قضاء الصلوات ج 4 ص 307.
(5) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب المواقيت ح 1 ج 3 ص 205 مع تفاوت يسير.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 265 ج 1 ص 524.
(7) روض، الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 361 س 17.
(8) منتهى المطلب. كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 423 س 17، وذكرى الشيعة: كتاب
الصلاة في صلاة الجماعة ص 137 س 11.
(9) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب أعداد الفرائض ح 1 ج 3 ص 55.
290

ومنها: عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها كيف
يصنع؟ قال: فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها، فيكون قد قضى
بقدر ما علم من ذلك، ثم قال: قلت له: فإنه لا يقدر على القضاء، فقال: إن
كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شئ عليه، وإن
كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، وإلا لقي الله
تعالى وهو مستخف متهاون مضيع لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله، قال:
قلت: فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزئ أن يتصدق؟ فسكت مليا، ثم قال:
فليتصدق بصدقة، قلت: فما يتصدق؟ قال بقدر طوله، وأدنى ذلك مد لمسكين
مكان كل صلاة، قلت: والصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ قال:
لكل ركعتين من صلاة الليل، ولكل ركعتين من صلاة النهار مد، قلت:
لا يقدر، فقال: مد إذا لكل أربع ركعات من صلاة النهار، قلت: لا يقدر، قال:
فمد إذا لصلاة الليل ومد لصلاة النهار، والصلاة أفضل، والصلاة أفضل،
والصلاة أفضل (1).
(ولو فاتت (2) بمرض لم يتأكد القضاء) للصحيح: ليس عليك قضاء،
إن المريض ليس كالصحيح، كلما غلب الله تعالى فهو أولى بالعذر فيه (3).
ويستفاد من التعليل عموم الحكم لكل معذور من غير اختصاص بالمريض، ولا
بأس به وإن لم أجد من الأصحاب مصرحا به.
(ويستحب الصدقة) مع العجز عن القضاء (عن كل ركعتين بمد،
فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمد) للصحيح المتقدم، إلا أنه غير منطبق على ما
في العبارة ونحوها، والعمل عليه أحوط وأولى.

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب أعداد الفرائض ح 2 ج 3 ص 55، باختلاف يسير.
(2) في المتن المطبوع: (فاتته).
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أعداد الفرائض ج 2 ج 3 ص 51، باختلاف يسير.
291

(الثالث) في، بيان أحكام الصلاة (الجماعة)
(والنظر) شيه (في أطراف:)
(الأول: الجماعة مستحبة في الفرائض) كلها حتى المنذورة، وصلاة
الاحتياط، وركعتي الطواف أداء وقضاء على ما يقتضيه عموم العبارة ونحوها،
والصحيح: الصلاة فريضة، وليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلها، ولكنها
سنة، من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له (1).
وبالتعميم إلى المنذورة والأداء والقضاء صرح الشهيدان في الروض (2)
والذكرى (3) بل فيها ما يفهم كونه إجماعا بيننا، فإن تم وإلا كان التعميم
بالإضافة إلى ما عدا الأداء والقضاء محل نظر، سيما صلاتي الاحتياط والطواف
لما بينته في الشرح مستوفى.
ولا ريب أن الأحوط تركها فيهما وهي (متأكدة في الخمس) اليومية
بالضرورة من الدين، و بالكتاب والسنة المتواترة العامة والخاصة، العامية
والخاصية.
ففي الصحيح: الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذ - أي الفرد - بأربع
وعشرين درجة تكون خمسا وعشرين صلاة (4). وبمعناه أخبار مستفيضة، بل في
بعضها تفضل بخمس وعشرين (5). وفي آخر بسبع وعشرين (6)

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 371، باختلاف يسير في اللفظ.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 363 ص 15.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 365 س 16.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 70 س 16. وفيه: على كل صلاة الفرد (الفذ).
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 371.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 264 س 27.
292

وفي غيرهما بتسع وعشرين (1). وفيه: قال - صلى الله عليه وآله -: لا صلاة
لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة (2). وقال رسول الله - صلى الله
عليه وآله -: لا غيبة إلا لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن
جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، وسقطت بينهم عدالته، ووجب
هجرانه، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره، فإن حضر جماعة المسلمين
وإلا أحرق عليه بيته (3).
وتقييد المنع عن تركها بالرغبة عنها ظاهر في عدمه مع عدمها، كما يدل عليه
أيضا إطلاق أخبار الأفضلية المتقدمة، وعليها يحمل الأخبار الكثيرة الظاهرة في
المنع عن الترك من غير تقييد بالرغبة، جمعا بين الأدلة، والتفاتا إلى مخالفتها
لاجماع الطائفة على أنها (لا يجب (4) إلا في صلاة الجمعة والعيدين مع
الشرائط) المتقدمة لوجوبها في بحثها على الظاهر المصرح به في كلام جماعة.
وهذا الجمع أولى من حمل الموجبة على هذه الصلوات التي تجب فيها الجماعة،
لأن من جملتها ما أوجبها في الفجر والعشاء، ومع ذلك فهو بعيد جدا. وهنا
محامل أخر ذكرناها في الشرح.
ويدل على عدم الوجوب صريحا الصحيحة المتقدمة المصرحة بأنها سنة،
ولا يمكن أن يراد بالسنة فيها: ما يقابل الفرض الإلهي، فيشمل الواجب النبوي
فتنتفي الدلالة باحتمال كونه المراد بها، لضعفه بورود الأمر الإلهي بها في قوله
تعالى: (واركعوا مع الراكعين). فانحصر كون المراد بها المعنى المعروف بين
أصحابنا، وهي السنة في مقابل مطلق الواجب. فتأمل جدا.

(1) لم نعثر عليه في المصادر الحديثية، ولكن نقله عنه في الجواهر: ج 13 ص 137.
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الجماعة ح 8 ج 5 ص 376.
(3) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب الشهادات ح 2 ج 18 ص 289.
(4) في المتن المطبوع: (ولا تجب).
293

(ولا) يجوز أن (يجمع في نافلة) بإجماعنا الظاهر المنقول في ظاهر
المنتهى (1) والتذكرة (2) وكنز العرفان (3)، وللنصوص المستفيضة به من طرقنا.
منها: المروي في الخصال، عن مولانا الصادق - عليه السلام -: ولا يصلي
التطوع في جماعة، لأن ذلك بدعة، وكل بدعة ضلالة، كل ضلالة في النار (4).
ونحوه المروي في العيون (5) عن مولانا الرضا عليه السلام.
ومنها: لا جماعة في نافلة (6).
ومنها: المرتضوي المروي في الكافي: أنه - عليه السلام - قال في خطبته:
وأمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، وأعلمتهم أن
اجتماعهم في النوافل بدعة (7) الخبر. وقصور الاسناد مجبور بعمل الأصحاب،
وباستفاضة النصوص، وفيها الصحيح وغيره بالمنع عن الاجتماع في النافلة
بالليل في شهر رمضان وأنه بدعة. ولا قائل بالفرق بين الطائفة، فإن من منع
عنه منع مطلقا
(عدا ما استثنى)، من الاستسقاء إجماعا وصلاة العيدين، مع
عدم اجتماع شرائط الوجوب على المشهور، والغدير على قول للحلبي (8)
والشهيد في اللمعة (9) والمحقق الثاني (10) فيما حكي. ومن حكى عنه الجواز

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة، في صلاة الجماعة ج 1 ص 364 س 5.
(2) تذكرة الفقهاء كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 170 السطر الأخير.
(3) كنز العرفان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 194.
(4) الخصال: في خصال شرائع الدين ح 9 ج 2 ص 606.
(5) عيون أخبار الرضا - عليه السلام -: ب 35 في ما كتبه الرضا - عليه السلام - للمأمون في محض الاسلام.
ج 2 ص 1133.
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان ح 6 ج 5 ص 182.
(7) الكافي: في خطبة لأمير المؤمنين - عليه السلام - في الفتن والبدع ج 8 ح 21 ص 62.
(8) الكافي في الفقه: في صلاة الجماعة ص 160.
(9) الروضة البهية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 791.
(10) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في النوافل ج 2 ص 485.
294

حكى عنه مطلقا.
فتخصيص المنع بنوافل شهر رمضان إحداث قول لا يجوز قطعا. هذا مع
مخالفة الجماعة للأصول والقواعد المقررة من حيث تضمنها نحو سقوط القراءة
ووجوب المتابعة مما الأصل عدمه، بلا شبهة خرج عنها الصلاة المفروضة بما مر
من الأدلة المقطوعة وبقي النافلة تحتها مندرجة.
وإطلاق بعض الروايات باستحباب الجماعة في الصلاة من دون تقييد
بالفريضة غير معلوم الشمول للنافلة بعد اختصاصه بحكم التبادر والغلبة
بالفريضة، مع أنه منساق لاثبات أصل استحبابها في الجملة من دون نظر إلى
تشخيص كونها في فريضة أو نافلة، فتكون بالنسبة إليهما كالقضية المهملة يكفي
في صدقها هنا الثبوت في الفريضة.
نعم، ربما يتوهم من الصحاح الجواز فيهما.
منها: صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة (1).
ومنها: عن المرأة تؤم النساء فقال تؤمهن في النافلة، فأما في المكتوبة فلا (2).
ونحوه آخر (3) لكنها غير ظاهرة الدلالة ولا واضحة، لعدم تصريح في الأول منها
بالجماعة، لاحتمال كون المراد بالصلاة بالأهل: الصلاة في الأهل، بمعنى: في
البيت، يعني: لا في الخارج، ولا في الأخيرين بالمراد: بالنافلة، فيحتمل
لاطلاقها النافلة المشروع فيها الجماعة، لا مطلق النافلة. ولو سلم فهي محمولة
على التقية.
فميل جماعة من متأخري المتأخرين إلى الجواز لهذه الصحاح مع القدح فيما
مر من الأخبار بضعف سند ما دل منها على العموم وأخصية صحيحها من

(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 13 ج 5 ص 408.
(2) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 406.
(3) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجماعة خ 12 ج 5 ص 408.
295

المدعى ضعيف، سيما مع ورود الأخصية التي اعترضوا بها على الصحيح على
صحاحهم كما لا يخفى. والذب عنها بالاجماع المركب وإن أمكن إلا أنه
مشترك، والترجيح لذلك الطرف للشهرة العظمية، بل الاجماع كما عرفته،
واعتضاد الصحيحة المانعة عن الاجتماع في شهر رمضان بتلك المستفيضة
الموافقة لها في الدلالة، ولا كذلك الصحيحة الأولى من هذه الصحاح، فإنها
بالنسبة إليها مرجوحة، لأنها بطرف الضد من المرجحات المزبورة، سيما مع
موافقتها للعامة كما تشهد بها الروايات المسطورة.
وحكى في المنتهى المقول بالجواز مطلقا عن جماعة من العامة (1)، ولأجله
حملنا الصحاح بجملتها على التقية.
وأما حكاية استثناء الحلبي ومشاركيه ومنهم: المفيد (2) كما حكى صلاة
الغدير فإنما هي لرواية على التصريح به عن التذكرة (3)، وعلله في الروضة (4)
بثبوت الشرعية في صلاة العيد وأنه عيد، ولا دخل له بجوازها في أصل النافلة.
وحيث أن تعليل الروضة عليل والرواية لم نقف عليها كان عدم استثنائها أقوى
وفاقا لأكثر أصحابنا، ولا يمكن الحكم به من باب التسامح، لأنه حيث
لا يحتمل التحريم وهو قائم هنا.
(ويدرك المأموم الركعة بادراك الركوع) اتفاقا فتوى ونصا
(وبادراكه) أي: إدراك الإمام المدلول عليه بالمقام في حال كونه (راكعا)
أي: في الركوع (على) الأشهر الأقوى كما مضى بيانه وبيان وجه (تردد)
الماتن في بحث الجمعة مفصلا.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 364 س 5.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في النوافل ج 1 ص 128 س 12.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 73 س 31.
(4) الروضة البهية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 791.
296

(وأقل ما تنعقد) به الجماعة (بالإمام ومؤتم) واحد ولو كان صبيا أو
امرأة كما في المعتبرة (1). ولا خلاف في أصل الحكم أجده، وبه صرح جماعة،
والمعتبرة به مع ذلك. مستفيضة، وفيها الصحيح وغيره، بل يستفاد من بعضها:
أن المؤمن وحده جماعة (2). لكنه مع ضعف سنده محمول على أن المراد به
إدراك فضيلة الجماعة لطالبها، ولم يجدها تفضلا من الله تعالى ومعاملته له
على قدر نيته، فإنها خير من عمله.
وأما ما في الفقيه من.: أن الواحد جماعة، لأنه إذا دخل المسجد وأذن وأقام
صلى خلفه صفان من الملائكة، ومتى أقام ولم يؤذن صلى خلفه صف
واحد (3). فلعله محمول على شدة استحباب الأذان والإقامة، لأنه جماعة
حقيقة.
(ولا تصح) الجماعة (و) الحائل أن (بين الإمام والمأموم ما يمنع
المشاهدة، وكذا) لو كان (بين الصفوف) فتفسد صلاته من وراء الحائل
بإجماعنا لظاهر المصرح به قي جملة من العبائر (4) مستفيضا، للصحيح: إن صلى
قوم بينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، وأي صف
كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدم قدر ما لا يتخطى
فليس ذلك لهم بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة
إلا من كان حيال الباب. قال: وهذه المقاصير لم يكن في زمن أحد من
الناس، وإنما أحدثها الجبارون، وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة فيها

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الجماعة ح 7 و 8 ج 5 ص 380.
(2) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 380.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة الجماعة ج 1 ح 1095 ص 376.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 416، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة
ج 1 ص 173 س 29.
297

صلاة (1). واحترز بقوله: (يمنع المشاهدة) عما لا يمنع عنها ولو حال القيام
خاصة كالحائل القصير، والشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة، فإنه
تصح صلاة من خلفها مقتديا بمن فيها كما هو المشهور. خلافا للخلاف في
الشبابيك، مستدلا عليه بالاجماع والصحيح المتقدم، قال: وهو صريح بالمنع (2).
وهو غريب لعدم وضوح وجه الدلالة فيه بعد.
ولذا اختلف فيه: فبين من جعله النهي فيه عن الصلاة خلف المقاصير، بناء
على أن الغالب فيها كونها مشبكة.
وأجاب عنه في المختلف بجواز كون المقاصير المشار إليها فيه غير محزمة (3).
ويعضده ذكر حكم المقاصير التي أحدثها الجبارون بعد اشتراط عدم حيلولة
سترة أو جدار بنحو يفهم منه دفع إيراد يحتمل الورود على الاشتراط. ولو
كانت المقاصير المشار إليها محرمة لما كانت سترة ولا جدارا حتى يحتاج إلى
دفع إيراد يرد على الاشتراط فتأمل.
وبين من جعله ما تضمن صدره من قوله - عليه السلام -: (إن صلى قوم
وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام) فإن ما
لا يتخطى يتناول الحائط والشباك مطلقا وغيرهما، وهذا بعيد جدا، لأن المراد
بما لا يتخطى: عدم التخطي بواسطة البعد، لا باعتبار الحائل كما هو المتبادر
المدلول عليه بذيل الصحيح بعد التدبر الصحيح. هذا، ولا ريب أن ما ذكره
الشيخ أحوط سيما مع دعواه الاجماع عليه.
واعلم: أن مشاهدة المأموم لمثله المشاهد للإمام أو لمن يشاهده وإن تعدد
كاف في صحة الجماعة، وإلا لم تحصل للصفوف المتعددة، مع أنه خلاف

(1) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 462، مع اختلاف في الألفاظ.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 300 ج 1 ص 558.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 159 س 7.
298

الاجماع، بل الضرورة فتوى ورواية.
وهل يكفي المشاهدة مطلقا فيصح ما في المنتهى (1) وغيره من: أنه لو وقف
المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو مفتوح بحيث يشاهد الإمام أو
بعض المأمومين صحت صلاته وصلاة من على يمينه وعلى يساره وورائه، أم
يشترط فقد الحائل بينه وبين الإمام أو الصف السابق والأصح صلاة من فقده
ومن بعده من الصفوف إذا شاهدوه دون غيره؟ وجهان، أجودهما الثاني، سيما
مع قوة احتمال ظهوره من الصحيح الماضي، إلا أن الأول أشهر، بل لا يكاد
خلاف فيه يعرف إلا من بعض من تأخر، حيث أنه بعد نقل ما في المنتهى عن
الشيخ ومن تبعه استشكله.
فقال: وهو متجه إن ثبت الاجماع على أن مشاهدة بعض المأمومين تكفي
مطلقا، وإلا كان في الحكم المذكور إشكال نظرا إلى قوله - عليه السلام -: (إلا
من كان بحيال الباب) فإن ظاهره قصر الصحة على صلاة من كان بحيال
الباب. وجعل بعضهم هذا الحصر إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه
عن يمين الباب ويساره وفيه عدول عن الظاهر يحتاج إلى دليل (2)، انتهى. وهو
حسن.
(ويجوز) الحيلولة بما يمتع المشاهدة (في المرأة) أي: بينها وبين إمامها إذا
كان رجلا وعرفت انتقال الإمام من القيام إلى السجود ومنه إليه - مثلا - بلا
خلاف يظهر إلا من الحلي فجعلها كالرجل (3)، لعموم الدليل وهو مخصص
بصريح الموثق: عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار فيها نساء، هل يجوز لهن أن

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 265 س 13. ومدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 318.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 394 س 1.
(3) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 289.
299

يصلين خلفه؟ قال: نعم، إن كان الإمام أسفل منهن، قلت: فإن بينهن وبينه
حائطا أو طريقا قال: لا بأس (1). وقصور السند مجبور بالعمل، بل بالاجماع كما
في التذكرة (2). نعم، ما ذكره أحوط.
(ولا) يجوز أن (يأتم) المصلي (بمن هو أعلى منه) موقفا (بما يعتد
به كالأبنية على رواية عمار) الموثقة: عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع
أسفل من موضعه الذي يصلي فيه، فقال: إن كان الإمام على شبه الدكان أو
على موضع أرفع من موضعهم لم يجز صلاتهم (3). وهي كما ترى صريحة في
الحرمة كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل لا خلاف فيها أجده إلا من
الخلاف (4)، فصرح بالكراهة مدعيا عليها أخبار أو إجماع الطائفة لكنه شاذ،
وإجماعه موهون إن أراد بالكراهة المعنى المعروف، وإن أراد بها الحرمة كما صرح
بها الفاضل في المختلف (5)
وربما يشهد له سياق عبارة الخلاف، فلا خلاف له في المسألة وإن حكاه
عنه جماعة مائلين إليه للأصل، وعموم أدلة صحة القدوة من غير إشارة في شئ
منها إلى هذا الشرط بالمرة، وضعف الرواية سندا ومتنا. وهو كما ترى، لوجوب
الخروج عن الأولين على تقدير جريانهما في المقام بالرواية، لأنها من الموثق. وهو
حجة.
وعلى تقدير الضعف فهو منجبر بالشهرة العظيمة القريبة من الاجماع، بل
الاجماع في الحقيقة كما عرفته. وأما المتن فلا ضعف فيه إلا من حيث التهافت

(1) وسائل الشيعة: ب 60 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 461.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 174 س 2.
(3) وسائل الشيعة: ب 63 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 463.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 301 ج 1 ص 556.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 160 س 7.
300

واختلاف النسخة، وهما لا تعلق لهما بالحكم الذي يتعلق بأصل المسألة، وإنما
هما في بيان البعد الممنوع عنه والمرخص فيه، وهو غير أصل المسألة، وضررهما
إنما هو فيه لا فيها. ولذا لم يستند الأكثر في بيان البعد إلى الرواية، وإنما عولوا فيه
على العرف؟ العادة. وقدره في الدروس بما لا يتخطى (1) كالفاضل في
التذكرة (2). وقيل بشبر بزعم استفادته من الرواية (3)، وادعى الفاضل الاجماع
على اغتفاره في التذكرة. ويعضد الرواية في أصل المسألة نصوص أخر جملة منها
صريحة، وهي وإن كان الظاهر أنها عامية إلا أنها منجبرة بما عرفته.
(يجوز) الائتمام بالأعلى (لو كانا على أرض منحدرة) بلا خلاف
فيه (و) لا في أنه (لو كان المأموم أعلى منه) أي: من الإمام مطلقا
(صح) الائتمام لما في ذيل الموثقة المتقدمة من قوله - عليه السلام -: وإن كان
أرضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام
من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس، قال: وسأل:
فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلي، خلفه؟ قال: لا بأس، وقال: وإن
كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكانا كان أو غيره وكان الإمام يصلي على
الأرض أسفل منه جاز أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع منه
بشئ كثير (4). وقد عرفت الجواب عما يرد عليها مع كون الحكم فيها هنا
اجماعيا كما صرح به في الأخير في المنتهى (5).
ويظهر من غيره (16) أيضا معتضدا بالأصل والعمومات أيضا، ولذا لم ينسبه

(1) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 54.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة قي صلاة الجماعة ج 1 ص 174 س 24.
(3) والقائل هو الشهيد الأول في الدروس الشرعية: كتاب الصلاة درس 57 ج 1 ص 220، فراجع.
(4) وسائل الشيعة: ب 63 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 463.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 365 س 20.
(6) لموجود في جميع المخطوطات (في المنتهى والتنقيح ويظهر من غيرهما).
301

الماتن هنا إلى رواية عمار مع كونه مذكورا فيها، وإنها نسب الحكم سابقا إليها
إشعارا بالتردد فيه المعلوم وجهه وجوابه مما قدمنا. ويحتمل كون المنسوب إليها في
كلامه كون البعد الممنوع منه بما يعتد به كالدكان وشبهه لا المنع عن أصله،
ولكنه بعيد جدا. هذا، وأما الخبر المنافي للحكم في الثاني فمع ضعف سنده،
بالجهالة شاذ محمول على الفضيلة.
(ولا) يجوز أن (يتباعد المأموم) عن الإمام أو الصف الذي يليه (بما
يخرج به عن العادة، إلا مع اتصال الصفوف) أما عدم جواز التباعد في
غير صورة الاستثناء فهو مجمع عليه بيننا على الظاهر المصرح به في عبائر جماعة
من أصحابنا.
وأما تحديد بما في العبارة فهو الأظهر الأشهر بين الطائفة استنادا في عدم
جواز البعد العرفي الخارج عن العادة بحيث يسمى كثيرا إلى الأصل، مع عدم
مصحح للعبادة معه، عدا إطلاق النصوص بتبعد المأموم عن الإمام - مثلا -
وقيامه خلفه، وهو غير معلوم الانصراف على البعد بهذه الكيفية، مع أنه
لا قائل بالصحة معه منا، إلا ما ينقل من ظاهر المبسوط من حكمه بجواز التباعد
ثلاثمائة ذراع (1)، وعبارته المحكية غير صريحة في اختياره ذلك، بل ولا ظاهرة،
بل أفتى أولا بما في العبارة، ثم حكي القول المحكي عنه عن قوم. والظاهر أن
المراد بهم: من العامة كما صرح به في المختلف (2). قال: إذ لا قول لعلمائنا في
ذلك. وعبارته هذه ظاهرة في دعوى الاجماع على فساد هذا القول كما صرح به
الشيخ نفسه في الخلاف (3).
وإذا انتفى هذا القول بالاجماع ظهر انعقاده على عدم جواز البعد الكثير

(1) والناقل هو العلامة في المختلف: كتاب الصلاة في الجماعة ج 1 ص 158 السطر الأخير.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 159 س 1.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 302 ج 1 ص 557.
302

مطلقا، إذ لا قائل بجوازه دون الثلاثمائة، إلا ما ربما يتوهم من الخلاف من
حيث تحديده البعد الممنوع عنه بما يمنع عن مشاهدة الإمام والاقتداء بأفعاله
الظاهر بحسب عموم المفهوم في جواز البعد بما لا يمنع عن المشاهدة مطلقا وإن
كان كثيرا عادة، وهو غير صريح، بل ولا ظاهر في المخالفة ظهورا يعتد به، سيما
وأن غالب صور مفهوم العبارة هو البعد الذي لم يخرج به عن العادة فيحمل
عليه. ولعله لذا لم ينقل عنه في المختلف الخلاف في المسألة، وإنما نقل في مقابلة
المشهور القول بما لا يتخطى والثلاثمائة خاصة، مشعرا بأنهما المخالفان في المسألة
وفي الصحة، مع عدم البعد الكثير العرفي وإن كان بما لا يتخطى إلى الاطلاق
الذي مضى، المعتضد بالأصل والشهرة العظيمة بين أصحابنا بحيث كاد أن
يكون إجماعا، بل على جواز البعد بنحو من الطريق والنهر الاجماع في المختلف (1)
صريحا. والغالب في البعد بهما كونه بما لا يتخطى. ومنه يظهر جواز الاستناد إلى
الموثق الذي مضى في جواز ائتمام المرأة خلف الرجل وإن كان المسافة بينهما
حائطا أو طريقا. خلافا للحلبي (2) وابن زهرة (3) فمنعا عن البعد بما لا يتخطى،
للصحيح الذي مضى، المصرح بأنه: لا صلاة لمن بينه وبين الإمام أو الصف
المتقدم عليه. هذا وهو محمول على الفضيلة جمعا والتفاتا إلى ما في ذيله من قوله
عليه السلام -: (وينبغي أن تكون الصفوف قامة متواصلة بعضها إلى بعض
لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى) (4).
وهو ظاهر في الاستحباب أظهر من ظهور (لا صلاة في الفساد) سيما مع
درج تواصل الصفوف وتماميتها معه في حيز ينبغي، فإنه بالنسبة إليه الاستحباب

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 158 السطر الأخير قوله (والمشهور المنع).
(2) الكافي في الفقه: في صلاة الجماعة ص 144.
(3) غنية النزوع (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة ص 498 س 15.
(4) وسائل الشيعة: ب 62 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 462.
303

قطعا، فكذا بالنسبة إلى مصحوبه المفسر له ظاهرا.
وقريب منه رواية أخرى مروية عن دعائم الاسلام، إذ فيها: وينبغي
للصفوف أن تكون متواصلة ويكون بين كل صفين قدر مسقط جسد الانسان
إذا سجد (1).
والظاهر أن جملة (ويكون) معطوفة على جملة (يكون) الأولى للقرب
وشهادة الصحيحة. ويمكن جعلها قرينة على كون العطف في هذه الرواية
تفسيريا. هذا مع أن فيهما إجمالا من حيث عدم تعيينهما مبدأ ما يتخطى أهو من
المسجد أم الموقف؟ فكما يحتمل الثاني يحتمل الأول أيضا. وعليه فلا مخالفة
للمختار فيهما فتأمل جدا. هذا مضافا إلى ما يرد على هذا القول مما ذكرناه في
الشرح مستقصى.
وبالجملة: فالمشهور أقوى وإن كان ما ذكراه أحوط وأولى. وهل اشتراط
هذا الشرط مطلق كما عليه الشهيدان (2) أم مختص بابتداء الصلاة خاصة
حتى لو فقد بخروج الصفوف المتخللة عن الاقتداء بنية الانفراد، أو بلوغ
الصلاة إلى الانتهاء لم تنفسخ القدوة كما عليه جماعة؟ وجهان، والأصل مع
اختصاص ما دل على الاشتراط بحكم التبادر بالابتداء مع الثاني.
وعلى الأول فهل تنفسخ القدوة مطلقا فينوي الانفراد للضرورة، أم إذا لم
يكن تجديدها بالتقرب إلى محل الصحة مع عدم حصول المنافي؟ وجهان،
والأحوط تجديدها ثم الصلاة مرة أخرى.
واعلم: أن اغتفار البعد في صورة الاستثناء مجمع عليه، بل ضروري جدا.
وهل يجب أن لا يحرم البعيد من الصفوف بالصلاة حتى يحرم بها قبله من

(1) دعائم الاسلام: ج 1 ص 156.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 370 س 19، والبيان: كتاب الصلاة في صلاة
الجماعة ص 136.
304

المتقدم من يزول معه التباعد كما يتوهم من بعض العبارات، أم لا، بل يكون
مستحبا حيث لا يستلزم فوات القدوة، وإلا فالعدم أولى؟ وجهان، ولعل الثاني
أقوى.
(وتكره القراءة) من المأموم الغير المسبوق (خلف الإمام) المرضي
عنده (في) الصلاة (الاخفاتية على) الأظهر (الأشهر،) بين الطائفة على
ما حكاه الماتن هنا، وجماعة كالشهيدين في الدروس (1) والروض (2) للنهي عنها
في الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
وإنما حملت على الكراهة جمعا بينها وبين ما دل على الجواز من صريح
المعتبرة كالصحيح: عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام يقرأ فيهما بالحمد،
وهو إمام يقتدى به، قال: إن قرأت فلا بأس، وإن سكت فلا بأس (3).
والخبر المنجبر ضعف سنده بعمل الأكثر: إذا كنت خلف إمام تولاه وتثق
به فإنه يجزيك قراءته، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر
فأنصت (4).
وفي الصحيح: أيقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه
يقرأ؟ فقال: لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلى الإمام (5). وهو ظاهر الكراهة
أظهر من دلالة النهي على الحرمة، سيما مع شيوع استعماله الكراهة، مع
قوة احتمال وروده هنا لدفع توهم وجوب القراءة كما زعمته جماعة من العامة،

(1) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 55.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 372 س 17.
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 13 ج 5 ص 424، باختلاف يسير.
(4) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 15 ج 5 ص 424، باختلاف يسير.
(5) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 8 ج 5 ص 423، باختلاف يسير.
(6) ما بين القوسين أثبتناه من المخطوطات.
305

فلا يفيد سوى إباحة الترك، لا الحرمة؟ بل ولا الكراهة. وهي في الجملة من
خصائص الإمامية، وادعى إجماعهم عليها جماعة: كالفاضلين في المعتبر (1)
والمنتهى (2) والتذكرة (3). ولعله لهذا قيل بعدم الكراهة هنا. ولكنه ضعيف لما
عرفت من ظهور الصحيحة الأخيرة فيها، مضافا إلى التسامح فيها، والاكتفاء في
ثبوتها بفتوى فقيه واحد، فضلا عن الشهرة، وباحتمال الحرمة كما عليها هنا من
القدماء جماعة، لظاهر النواهي، لكن قد عرفت جوابه، ولصريح الصحيح: من
قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة (4).
ويمكن حمله على الكراهة وإن بعد غايته جمعا بينه وبين ما مر مما هو أصرح
دلالة على الجواز منه على الحرمة، أو على ما عدا الاخفاتية، أو على ما إذا قرأ
بقصد الوجوب كما عليه جماعة من العامة، فيكون المقصود به ردهم، لا إثبات
إطلاق الحرمة.
وأما القول باستحباب القراءة لكن للحمد خاصة - كما عن الشيخ في
المبسوط (5) والعناية (6) وجماعة - فلم أقف له على دلالة، فهو أضعف الأقوال في
المسألة.
(و) كذا يكره (في) الصلاة (الجهرية لو سمع) القراءة (ولو
همهمة) وهي: الصوت الخفي من غير تفصيل الحروف، بلا خلاف في أصل
المرجوحية على الظاهر المصرح به في كلام جماعة: كالفاضل المقداد في

(1) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 420.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 378 س 4.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 184 السطر الأخير.
(4) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 4 ج 5 ص 412.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 158.
(6) النهاية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 113.
306

التنقيح (1) والشهيد الثاني في الروض والروضة (2). ويشمله دعوى الفاضلين
الاجماع على السقوط في كتبهما المتقدمة كنفي الحلي الخلاف في السرائر عن
ضمان الإمام للقراءة (3).
وهل هي على الحرمة كما عليه من القدماء والمتأخرين جماعة، أم الكراهة
كما عليه آخرون - وادعى عليه الشهيدان الشهرة في الدروس والروضة (4)، بل
في التنقيح نسب وجوب الانصات هنا المنافي للقراءة إلى ابن حمزة خاصة. ثم
قال: والباقون سنوه (5)، ولعله ظاهر في دعوى الاتفاق -؟ إشكال من الأمر
بالانصات في الآية الكريمة وجملة من الصحاح.
منها: وإن كنت خلف إمام فلا تقرأ شيئا في الأوليين وأنصت لقراءته ولا تقرأ
شيئا في الأخيرتين فإن الله - عز وجل - يقول للمؤمنين " وإذا قرئ القرآن - يعني في
الفريضة - فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون) والأخيرتان تبع للأولتين (6).
ومنها: إن الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة فإنها أمر بالجهر لينصت من خلفه،
فإذا سمعت فأنصت، وإن لم تسمع فاقرأ (7).
ومنها: إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح (8).

(1) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 272.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 372 س 17، والروضة البهية. كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ج 1 ص 796.
(3) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 284.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 55، والروضة البهية: كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ج 1 ص 796.
(5) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 272.
(6) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 422، باختلاف في اللفظ.
(7) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 422، باختلاف في اللفظ.
(8) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 6 ج 5 ص 423، وفيه: وسبح في نفسك.
307

ونحوها غيرها، مضافا إلى النهي عنها في الصحاح المستفيضة عموما
وخصوصا في المسألة. والأمر والنهي حقيقتان في الوجوب والحرمة، ومن
احتمال كونهما هنا للاستحباب والكراهة كما يفهم من بعض المعتبرة كالموثق:
عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفهمون ما يقول فقال: إذا سمع صوته
فهو يجزيه، وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه (1). فإن في التعبير بالاجزاء إشعارا،
بل ظهورا في عدم المنع عن القراءة أصلا، أو عدم كونه للحرمة.
هذا مضافا إلى الاجماع على ما حكاه بعض الأصحاب على عدم وجوب
الانصات للقراءة على الاطلاق (2) كما هو ظاهر الآية، بل هو كذلك
للاستحباب، فتعليل الأمر بالانصات في النصوص بالأمر به فيها قرينة عليه كما صرح
به الماتن، وفيه نظر، لتصريح الصحيحة باختصاص الآية بالفريضة، ولا إجماع على
عدم الوجوب فيها، والاجماع على الاستحباب في غيرها لا ينافي الوجوب فيها.
فهذا الاستدلال ضعيف. وأضعف منه الاستدلال بنحو الصحيح: عن
الرجل يصلي خلف إمام يقتدي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع
القراءة، قال: لا بأس إن صمت وإن قرأ (3). فإنه أخص من المدعى، لدلالته
على جواز القراءة في صورة خاصة وهي: صورة عدم سماع القراءة، وقد أطبق
الأكثر. بل الكل عدا الحلي (4) على الجواز هنا وإن اختلفت عبائرهم، في كونه
على الوجوب كما هو ظاهر الماتن هنا لقوله: (ولو لم يسمع قرأ) لظهور الأمر
فيه، أو الاستحباب كما هو صريح جمع، أو الإباحة كما هو ظاهر القاضي (5)

(1) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 10 ج 5 ص 424.
(2) لم نعثر عليه.
(3) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 11 ج 5 ص 424.
(4) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 284.
(5) المهذب: كتاب الصلاة باب الجماعة ج 1 ص 81.
308

وغيره. ويحتمله المتن وغيره حتى النصوص الآمرة به كالصحيح: فإن سمعت
فأنصت، وإن لم تسمع فاقرأ (1). لوروده في مقام توهم المنع، فلا يفيد سوى
الإباحة.
ويدفع الرجحان بالأصل والصحيحة المتقدمة الخيرة الظاهرة في تساوي
الطرفين في الرجحان والمرجوحية. هذا إن لم نقل بالمسامحة في أدلة السنن، وإلا
فلا بأس بالاستحباب كما هو الأشهر الأقوى. وأما القول بالوجوب فضعيف
غايته. وأضعف منه القول بالحرمة.
ثم إن ظاهر إطلاق النصوص جواز القراءة في هذه الصورة مطلقا ولو مع
سماع الهمهمة لصدق عدم سماع القراءة معه، ونحوها إطلاق كثير من عبائر
القدماء، خلافا لصريح العبارة وجماعة، فقيدوه بصورة عدم سماع الهمهمة
للصحيح: وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ (2). وهذا أقرب، لوجوب حمل
المطلق على المقيد، سيما وأن محل القيد أظهر أفراد المطلق. فتأمل.
واعلم: أن الأحوط للعبادة ترك القراءة فيما عدا هذه الصورة مطلقا سيما
في الصلاة الجهرية، للاجماع على السقوط فتوى ودليلا كما مضى، مع سلامة
الأدلة المانعة في الجهرية عما يصلح للمعارضة سوى الموثقة المتقدمة.
وفي الاكتفاء بها للخروج عن ظواهر الكتاب والسنة جرأة عظيمة، سيما
مع قصور دلالتها عن الظهور المعتد به، فضلا عن الصراحة التي هي المناط في
الخروج عن ظواهر الأدلة!.
وهل السقوط يحض بالركعتين الأوليين مطلقا كما عليه الصدوق (3)

(1) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 423.
(2) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 7 ج 5 ص 423.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة ص 10 س 11.
309

والحلبي (1) وابن زهرة (2)
وجعله المرتضى أولى (3)، أم يعمهما والأخيرتين
كذلك كما عليه الحلي (4) حتما وابن حمزة (5) جوازا مع رجحان القراءة ثم
التسبيح، أو الأول في. الاخفاتية دون الجهرية كما عليه الفاضل في المختلف (6)،
أو بالعكس كما في الذخيرة (7)؟ أقوال، أجودها أولها للأصل، وعموم ما دل
على وجوب وظيفتهما، مع اختصاص ما دل على سقوط القراءة بحكم التبادر
الموجب عن تتبع النصوص والفتاوى بالمتعينة منها، لا مطلقا، وليست إلا في
الأوليين دون الأخيرتين، فإن وظيفتهما القراءة المخيرة بينها وبين التسبيح، مع
أفضليته كما في بحثها قد مضى.
وليس المراد بالقراءة المحكوم بسقوطها: ما يعم نحو التسبيح قطعا كما
يستفاد من تتبع النصوص والفتاوى أيضا. ولذا لا يسقط القنوت والأذكار
ونحوهما.
هذا مضافا إلى الصحيح: إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها
بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين.
وقال: يجزئك التسبيح في الأخيرتين، قلت: أي شئ تقول أنت؟ قال: اقرأ
فاتحة الكتاب (8). وهو صريح في رد الحلي، وظاهر في المختار.
وقريب من الخبر: إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين،

(1) الكافي في الفقه: في صلاة الجماعة ص 144.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة ص 498 س 13.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 3 ص 41.
(4) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 284.
(5) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الجماعة ص 106.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 158 س 6.
(7) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 397 س 20.
(8) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب صلاة الجماعة ح 9 ج 5 ص 423، باختلاف في اللفظ.
310

وعلى الذين خلفك أن يقولوا: (سبحان الله والحمد لد، ولا إله إلا الله والله
أكبر) وهم قيام، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرأوا
فاتحة الكتاب، وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبح القوم في الأخيرتين (1).
فتأمل. لكنهما - مع ضعف سند ثانيهما، ومخالفة ظاهره للاجماع، وظهورهما في
رجحان القراءة على التسبيح ولو في الجملة، مع أنه خلاف ما قدمنا تحقيقه في
بحث القراءة - معارضان ببعض الصحاح المتقدمة الناهي عن القراءة في أخيرتي
الجهرية، معللا بأنهما تبع للأولتين اللتين يجب الانصات فيهما.
وتعليله النهي عن القراءة بالانصات المأمور به في الآية ظاهر في عمومها
للتسبيح والقراءة، وحكمه بالتبعية على الاطلاق ظاهر في عدم اختصاص
النهي عن القراءة المزبورة بالجهرية وإن كانت مورده لأنه لا يخص عموم
الجواب كما مر غير مرة. إلا أن يقال: إنه لا عموم له، وإنما غايته الاطلاق
المحتمل للانصراف إلى المعهود. وعليه فيتقوى القول بالسقوط مطلقا، أو في
الجملة.
لكن الخروج به عن مقتضى الأصل والعمومات مشكل، سيما مع
اعتضادهما بالخبرين المتقدمين، وصحيحين آخرين في أحدهما: عن القراءة
خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب، ومن
خلفه يسبح (2). وفي الثاني: إني أكره للمؤمن أن يصلي خلف الإمام في صلاة
لا يجهر فيها بالقراءة، فيقوم كأنه حمار، قال: قلت: يصنع ماذا؟ قال: يسبح (3).
وهي وإن كانت ظاهرة في الأوليين من، الاخفاتية إلا أن قوله: (فيقوم كأنه

(1) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب صلاة الجماعة ح 6 ج 5 ص 426، بزيادة ونقصان، مع اختلاف في
اللفظ.
(2) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 426.
(3) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 425.
311

حمار) ظاهر في كراهة السكوت مطلقا، وإنما لم يكره في أولى الجهرية كما يفهم
منها، لقيام الانصات مقام القراءة فيها فكأنه غير ساكت أصلا.
والكراهة فيها يمكن أن يراد بها: المعنى الأعم من الحرمة ومن المصطلح كما
هو الأصل، مع عدم ثبوت كونها حقيقة في الثاني في الشرع.
وعليه، فيمكن إرادة المعنيين منها بدليل من خارج بالنسبة إلى الركعتين
الأوليين، فالمصطلح كما صرح به جمع وإلى الأخيرتين فالمنع كما يقتضيه
العمومات والأصل. هذا مع أنه أحوط لندرة القول بتحتم السقوط هنا،
وإطلاق من عدا القائل به على جواز التسبيح والقراءة مخيرا بينهما وإن اختلف
في جواز السكوت أيضا أم لا، وأفضلية التسبيح، أو القراءة، أو تساويهما.
ويمكن الاستدلال على عدم تحتم السقوط هنا بفحوى الصحاح المستفيضة
وغيرها المتقدمة الدالة على جواز القراءة، بل استحبابهما في أوليي الجهرية مع
عدم سماع الهمهمة، فلأن تجوز في أخيرتيها بطريق أولى. ولعله لهذا لم يمنع
الذخيرة عن القراءة فيهما، وحيث ثبت جواز القراءة فيهما أو استحبابها ثبت
جواز التسبيح أيضا، لعدم القائل بالفرق من هذه الجهة بينهما.
وبالجملة: الأحوط بل لعله المتعين عدم السقوط هنا مطلقا، أما الجهرية
فلما عرفته، وكذا الاخفاتية، مضافا إلى جواز القراءة في أولييها كما مضى،
فكذا في الأخيرتين منها، بل بطرق أولى، ولا ينافيه الصحيحة المتقدمة الدالة
على أن الأخيرتين تبع للأوليين أصلا: إما لاحتمال اختصاصها بالجهرية كما
مضى، أو من حيث حكمها بالتبعية، ومقتضاها الجواز في أخيرتي الاخفاتية
بناء على ثبوته في أولييهما كما عرفته لكن مع الكراهة. وينبغي القطع بعدمها
فيهما، لندرة القول بالمنع، وقوة أدلة الوجوب، فيكون مراعاة احتماله أولى من
مراعاة الكراهة.
وعليه فيقيد إطلاق لتبعية بكون المراد بها: التبعية في أصل جواز القراءة
312

وعدمه من غير ملاحظة نحو: وصف الكراهة. فتأمل.
وإنما قيدنا الإمام
بالمرضي والمأموم بغير المسبوق لوجوب القراءة على المسبوق فيما سبق به، أو
استحبابها على الاختلاف كما يأتي، وعلى من هو خلف من لا يقتدي به وجوبا،
بلا خلاف يعرف كما في السرائر (1) والمنتهى (2) لانتفاء القدرة، وللمعتبرة.
منها الصحيح: إذا صليت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه، سمعت
قرائته أو لم تسمع (3). ولا ينافيها المعتبرة الآمرة بالانصات والاستماع لقراءته
في الجهرية، لاحتمالها الحمل على حال التقية، فحينئذ ينصت ويقرأ فيما بينه
وبين نفسه سرا.
ولا يجب الجهر بالقراءة كما في الصحيح: عن الرجل يصلي خلف من
لا يقتدى بصلاته والإمام يجهر بالقراءة قال: اقرأ لنفسك، وإن لم تسمع نفسك
فلا بأس (4).
والمرسل يجزيك إذا كنت معهم في القراءة مثل حديث النفس (5). وتجزئ
الفاتحة وحدها مع تعذر السورة للضرورة، والمعتبرة. وفي الذخيرة: الظاهر أنه
لا خلاف فيه (6)، نقل بعضهم الاجماع.
ولو ركع الإمام قبل فراغ المأموم من الفاتحة سقطت أيضا كما قطع به الشيخ
في التهذيب (7) للمعتبرة.
منها الصحيح: قلت: من لا يقتدى به في الصلاة، قال: افرغ قبل أن

(1) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 284.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 378 السطر الأخير.
(3) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب صلاة الجماعة ح 9 ج 5 ص 429.
(4) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 427.
(5) وسائل الشيعة: ب 33 من أبواب صلاة الجماعة ح 4 ج 5 ص 428.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 398 س 8.
(7) تهذيب الأحكام: ب 3 في أحكام الجماعة و... ج 3 ص 37.
313

يفرغ، فإنك في حصار، فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه (1). وهي حجة
على من أوجب إتمامها في الركوع، مع أني لا أعرف مستنده.
(ويجب متابعة الإمام) المرضي في الأفعال وتكبيرة الاحرام إجماعا كما
حكاه جماعة حد الاستفاضة، للنبوي المشهور: وإنما جعل الإمام إماما ليؤتم به،
وإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا (2). ونحوه النصوص
المتضمنة للإمامة والقدوة، لعدم صدقهما إلا بالمتابعة، فتجب ولو من باب
المقدمة. فتأمل.
وفي وجوبها في الأقوال عدا التكبيرة قولان، أحوطهما ذلك، حيث لا يوجب
فوات القدوة، بل قيل: بوجوبها مطلقا. خلافا للأكثر، فلم يوجبوها فيها مطلقا.
وفسرت في المشهور: بأن لا يتقدمه فتجوز المقارنة، لكن مع انتفاء فضيلة
الجماعة كما عليه الصدوق (3) وشيخنا في الروضة (4) " واختار في الروض
نقصانها لا انتفاءها بالكلية (5)، وظاهر الباقين ثبوتها. تامة.
وهذا التفسير وإن كان خلاف ظواهر الأدلة - سيما الرواية النبوية المتضمنة
للفاء المفيدة للتعقيب المنافي للمقارنة - لكن عليه شواهد من المعتبرة كالقوية
الواردة في مصليين قال كل منها: كنت إماما أو مأموما (6) المصححة لصلاتهما
في الصورة الأولى، فلولا جواز المقارنة لما تصورت فرض المسألة. فتأمل.
وكالصحيح المروي عن قرب الإسناد: عن الرجل يصلي أله أن يكبر قبل

(1) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 430.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي: ج 4 ص 131، بأدنى تفاوت.
(3) لم نعثر عليه في كتبه الموجودة لدينا، ولكن نقله عنه في الذكرى: ص 279 س 2.
(4) الروضة البهية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 801.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 373 س 22.
(6) وسائل الشيعة: ب 29 من أبواب صلاة الجماعة ت 1 ث 5 ص 420.
314

الإمام؟ قال: لا يكبر إلا مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد التكبيرة (1). وظاهر
المعية: المقارنة، سيما مع تفريع التكبير قبله خاصة، وإذا جازت في التكبيرة
جازت في غيرها، لعدم قائل بالفرق بينهما، جوازا فيها ومنعا في غيرها وإن وجد
قائل به عكسا كصاحبي المدارك (2) والذخيرة (3) وغيرهما، ونحوه في الدلالة
على جواز المعية، لكن في غير التكبيرة بعض الصحاح الآتية في المسألة.
هذا، والأحوط تركها، سيما في التكبيرة، فإن القائل بجوازها فيه لم أعرفه وإن
حكاه في الذكرى (4)، وأشعر به عبائر جماعة، لكن لم أعرف قائله منا.
نعم، حكاه في المنتهى عن أبي حنيفة (5)، ولأجله يمكن حمل الرواية السابقة
على التقية، سيما مع كون المروي عنه فيها مولانا موسى بن جعفر عليهما
السلام، وحالها في زمانه معروفة. ولئن تنزلنا عن حملها عليها فهي لا تقاوم
الرواية النبوية المنجبرة، بل المعتضدة بفتوى أصحابنا وإن احتملت الحمل
على التقية أيضا، لكونها مذهب أكثر العامة كما يفهم من المنتهى، مع أنها
أحوط للعبادة التي لا ينبغي ترك الاحتياط فيها.
واعلم: أن مقتضى وجوب المتابعة فساد الصلاة مع المخالفة مطلقا، إذ معها
لا يعلم كونها العبادة المطلوبة وإن احتمل بكون الوجوب تعبديا لا شرطيا لكنه
غير كاف في نحو العبادة التوقيفية اللازم فيها تحصيل البراءة اليقينية، وليست
بحاصلة مع المخالفة، سيما وأن يكون قد ترك القراءة، أو أتى بها وقلنا: إن
المندوب لا يجزئ عن الفرض أصلا.

(1) وسائل الشيعة: ب 16 من أبواب صلاة الجنازة ح 1 ج 2 ص 792.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 327.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 398 س 23.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 274 س 37.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 379 س 21.
315

ولعله لذا قال الشيخ - رحمه الله - في المبسوط: من فارق الإمام لغير عذر
بطلت صلاته (1) ونحوه الصدوق (2) خلافا للمشهور.
فقالوا: (لو (3) رفع) كل المأموم رأسه من الركوع والسجود أو أهوى إليهما
(قبله) أي: قبل الإمام (ناسيا أعاد (4)) إليهما وإلى القيام (ولو كان
عامدا) أتم و (أستمر) وبقي على حاله إلى أن يلحقه الإمام، وهو في العمد
مشكل مطلقا لما قدمنا من الأصل، مع سلامته عما يصلح للمعارضة له أصلا،
عدا الموثق: عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أو يعود فيركع إذا
أبطأ الإمام ويرفع رأسه؟ قال: لا (5).
وهو مع كونه أخص من المدعى - مع عدم وضوح ما يدل على التعميم
أصلا، ومعارضته بما هو أصح منه سندا وأكثر عددا - لا إشعار فيه بصورة العمد
أصلا لو لم نقل بظهوره في غيرها، وتخصيصه بها، جمعا بينه وبين المعتبرة الآتية
بحملها على صورة السهو خاصة وحمله على صورة العمد كذلك، لا أعرف له
وجها، لا من فتوى ولا من رواية ولا غير هما، إلا ما قيل من استلزام العود في
العمد زيادة ركن من غير عذر، ولا كذلك النسيان، فإنه عذر (6). وهو كما ترى،
فإن زيادة الركن عندهم مبطلة مطلقا. وبالجملة: فما ذكره هنا مستنده غير
واضح، إلا أن يكون إجماعا من المتأخرين كما يفهم من الذكرى (7) أو مطلقا

(1) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 157.
(2) لم نعثر عليه.
(3) في المتن المطبوع: (فلو).
(4) في المتن المطبوع: (عاد).
(5) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب صلاة الجماعة ت 6 ج 5 ص 448، وفيه: (رأسه معه) في آخره.
(6) والقائل هو المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 3 ص 422.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 275 س 1 - 2.
316

كما من غيرها. وكيف كان الاحتياط بإتمام الصلاة كما ذكروه ثم الإعادة مما لا ينبغي تركه جدا.
وأما القول بوجوب العود هنا كما في النسيان لاطلاق المعتبرة الآتية وضعف
الموثقة عن المقاومة فضعيف في الغاية، لاختصاصه كإطلاق المقنعة بحكم
التبادر بصورة النسيان خاصة (1)، وكذا في الهوي إلى الركوعين نسيانا، لعدم
دليل عليه فيه أصلا، لاختصاص المعتبرة الحاكمة بما ذكروه بصورة الرفع منهما،
مع عدم وضوح ما يدل على التعميم، حتى الاجماع لفتوى الفاضل في المنتهى
بالاستمرار هنا (2). والأقوى الرجوع أخيرا، لاشعاره بعدم إجماع على ما قواه،
وإلا لما أفتى بخلافه أولا، ووافقه في التقوية في الذخيرة (3)، للموثق: في رجل
كان خلف إمام يأتم به، فيركع قبل أن يركع الإمام، وهو يظن أن الإمام قد
ركع، فلما رآه لم يركع فرفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الإمام، أيفسد ذلك عليه
صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب: يتم صلاته، ولا يفسد لما صنع
صلاته (4). وهو مع أخصيته من المدعى مع عدم وضوح معمم أصلا وارد في
صورة المظنة، وهو غير مفروض المسألة.
ودعوى تنقيح المناط - بحيث توجب التعدية هنا وفي باقي الفروض المتقدمة -
مشكلة كدعوى الاجماع عليها كما عرفته، ولا ينبغي ترك الاحتياط هنا كما في
المسألة السابقة. وأما ما ذكروه في صورة الرفع من الركوعين نسيانا فمما لا ريب
فيه في الجملة، للمعتبرة.
ففي الصحيح: عن الرجل مع إمام يقتدي به، ثم يرفع رأسه قبل الإمام،

(1) لم نعثر عليه في المقنعة ولكن عثرنا عليه في التهذيب ب 3 في أحكام الجماعة و... ج 3 ص 47.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 379 س 17.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 399 س 12.
(4) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب الجماعة ح 4 ج 5 ص 447.
317

فقال: يعيد ركوعه معه (1).
ونحوه غيره وفيه: عن رجل صلى مع إمام يأتم به، فرفع رأسه من السجود
قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: فليتشهد (2). وظاهرها وجوب
الرجوع كما هو المشهور. خلافا للفاضل في النهاية (3) والتذكرة (4) فاستحبه جمعا
بينه وبين الموثقة السابقة الناهية عنه. وهو ضعيف في الغاية، لفقد المكافأة،
ومع ذلك فالنهي ظاهر في الحرمة، ومع التنزل فالكراهة.
وأين هما من الاستحباب كما ذكره؟ إلا أن يحمل النهي فيه على
الإباحة دفعا لتوهم وجوب الرجوع، لكنه خلاف ما فهمه الجماعة وعلى
الوجوب، فلو ترك العود فالوجه فساد الصلاة؟ لعدم الاتيان بالمأمور به على
وجهه. وفيه قول بالصحة ضعيف.
وأولى بالفساد ما لو عاد العامد لزيادة الركن عمدا المبطلة قطعا. هذا إن
أوجبنا عليه الاستمرار، وإلا فالفساد ثابت بأول فعله.
(ولا) يجوز أن (يقف) المأموم (قدامه) أي: قدام الإمام المرضي
مطلقا، بإجماعنا الظاهر المصرح به في المنتهى (5) والذكرى (6) والمدارك (7)
وغيرها. أما التساوي في الموقف فجائز مطلقا عند الأكثر، بل لا خلاف فيه

(1) وسائل الشيعة: ب 48 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 و 3 ج 5 ص 447، مع أدنى تفاوت.
(2) وسائل الشيعة: ب 48 من أبو أب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 447.
(3) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 131.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص ط 185 س 9.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 365 س 27.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 272 س 22.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 330، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ص 394 س 33.
318

يظهر إلا من الحلي (1) فأوجب التقديم بقليل، وهو شاذ، بل على خلافه
الاجماع عن التذكرة (2). وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، وإطلاق أدلة شرعية
الجماعة، والقوية المتقدمة في المسألة السابقة، وظواهر خصوص المعتبرة الآتية،
الآمرة بوقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام والمتعدد خلفه.
وظاهر الأول المحاذاة والمساواة والثاني وإن كان صريحا في الأمر بالتأخر
يوجب صرف الظاهر إليه إلا أن هذا الأمر كالأول من حيث تعلقها باليمين
والخلف للاستحباب قطعا، حتى عند الحلي حيث صرح بأنهما من سنن
الموقف، وأنه لو وقف المأموم الواحد عن الخلف والشمال والمتعدد عنه وعن
اليمين جاز (3) وادعى الفاضل في المنتهى عليه الاجماع (4)، ولعله كذلك، إذ
لا خلاف فيه إلا من الإسكافي (5) كما يأتي وهو شاذ وإن كان أحوطا كخيرة
الحلي.
واعلم: أن الظاهر أن المعتبر في التقدم والتساوي العرف والعادة، لأنه
المحكم فيما لم يرد فيه نص في الشريعة. خلافا لجماعة فبالأعقاب خاصة، فلا
يضر تقدم الأصابع أو الصدر أو الرأس جمع تساويها، كما لا ينفع التأخر بأحد
الأمور المزبورة، مع عدم التساوي فيها وتأخر عقب الإمام عن أعقاب المأمومين،
وللفاضل في النهاية فيها وبالأصابع خاصة (6)، وصرح بأنه لا يقدح في
التساوي تقدم ما عداهما في بعض الأحوال. ولا دليل على شئ منهما عدا

(1) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 277.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 171 س 26.
(3) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 277.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 376 س 11.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 160 س 1. راجع ولاحظ.
(6) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 117.
319

الثاني، فيساعده العرف في الجملة، بل مطلقا لولا التصريح الذي مضى، بل
معه أيضا. ولكن الأحوط عدم التقدم بشئ من الأعضاء في شئ من
الأحوال أصلا، بل الأحوط عدم التساوي مطلقا.
(ولا بد من نية الائتمام) بإمام معين بالاسم أو الصفة أو الحاضر معه،
بعد العلم باستجماعه لشرائط الإمامة، بلا خلاف في شئ من ذلك أجده،
بل في المنتهى (1) ونهاية الإحكام (2) والذكرى: الاجماع على وجوب أصل نية
الاقتداء (3)، فلو لم ينوه أو نوى الاقتداء بغير معين فسدت الصلاة فضلا عن
الجماعة. وكذا لو نوى باثنين ولو توافقا فعلا، لعدم دليل على الصحة في نحو
هذه الصورة من فتوى أو رواية، لاختصاص موردهما بغيرها.
ومنه يظهر وجه ما ذكره الشهيدان في الذكرى (4) والروض (5) والروضة (6)
من فسادها لو نوى الاقتداء بزيد فبان عمروا وإن كان أهلا للإمامة.
أما لو نوى الاقتداء بالحاضر على أنه زيد فبان عمروا ففي صحة الاقتداء
ترجيحا للإشارة وعدمها ترجيحا للاسم وجهان، أحوطهما العدم، وظاهر
العبارة كغيرها عدم وجوب نية الإمامة، ولا خلاف فيه أجده، بل عليه الاجماع
عن التذكرة (7). ولا ريب فيه في الجماعة المندوبة بالإضافة إلى صحة الصلاة
خاصة. أما في الواجبة فواجبة، وفاقا للشهيدين (8) وغيرهما. وكذا في المندوبة

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 365 س 35.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 125.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 271 س 21.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 271 س 32.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 375 س 6.
(6) الروضة البهية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 798.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 174 س 40.
(8) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 54، وروض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة
الجماعة ص 376 س 6.
320

بالإضافة إلى فضيلة الجماعة، إلا مع عدم العلم بالاقتداء به، فلا يبعد ثبوتها
له أيضا، نظرا إلى عموم كرمه سبحانه تعالى، سيما بالنظر إلى ما ورد في
فضيلتها من تزايد ثوابها بتزايد المأمومين ولو مع عدم اطلاع الإمام ولا أحدهم به
أصلا.
(ولو صلى اثنان وقال كل منهما ما) بعد الفراغ: (كنت مأموما) لك
(أعادا، ولو قال: كنت إماما لم يعيدا) للقوي المنجبر قصور سنده بعمل
الأصحاب كافة على الظاهر المصرح به في كلام جماعة، مشعرين بدعوى
الاجماع عليه كما صرح به في المنتهى في الثاني (1). ولا شبهة فيه، ولا في الأول
أيضا إذا لم يظن كل منهما قيام الآخر بوظائف الصلاة التي منها: القراءة والسبق
بالتحريمة، ولم يأت أيضا بالقراءة أو أتى بها ولم تجزئ بها عن القراءة الواجبة.
ويشكل في غير ذلك، لكنه مندفع بإطلاق النص المعتضد أو المنجبر
بالعمل، بل الاجماع كما في نهاية الإحكام (2). جمع إمكان دفعه بما ذكرناه في
الشرح. هذا ويظهر من المنتهى (3) رواية أخرى بذلك لعمار قال: رواها
الشيخ: ولكني لم أرها، ولا من أشار إليها غيره أصلا.
(ولا يشترط) في الجماعة (تساوي الفرضين) أي: فرض الإمام
والمأموم في العدد، ولا في النوع، ولا في الصنف بعد توافق نظمهما فيجوز، أي:
يقتدي كل من الحاضر والمسافر بصاحبه في فريضة.
(ويقتدي المفترض بمثله والمتنقل) كل نافلة يجوز فيها الجماعة كالمعادة في
جماعة (والمتنفل بمثله وبالمفترض) ومصلي إحدى الخمس اليومية بمصليها

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 366 س 3.
(2) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 127.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 366 س 2.
321

وغيرها، بلا خلاف أجده إلا من والد الصدوق (1) فمنع عن ائتمام المتمم
بالمقصر وبالعكس، ومنه (2) فمنع عن اتمام مصلي العصر بمصلي الظهر خاصة،
إلا أن يتوهمها العصر، ثم يعلم أنها كانت الظهر فيجزئ عنه. وهما نادران،
بل على خلافهما الاجماع كما صرح به الفاضل في المنتهى (3) في الثاني. وحكي
عنه وعن الماتن في الأول (4)، ومع ذلك مستندهما غير واضح، عدا الموثق وغيره
للأول والصحيح، وأمر اعتباري في الثاني. والأولان مع قصور سندهما، بل
ودلالتهما أيضا لتصريحهما بالصحة مع المخالفة، فيكون قرينة على كون النهي في
صدرهما للكراهة، لعدم اجتماع الصحة مع الحرمة بناء على مذهب الإمامية.
ولعله لذا صرح بأنهما صريحان قي الكراهة بعض الأجلة (5) محمولان على
الكراهة جمعا بينهما وبين الصحاح الصراح المستفيضة الآتية إلى المعتضدة زيادة
على الشهرة العظيمة، بل الاجماع كما عرفت نقله - بالأصل، والعمومات كتابا
وسنة. والأخيران مع ضعفهما دلالة بل دلالة أولهما - على خلاف ما ذكره
الصدوق في صورة الاستثناء كما لا يخفى على من راجعهما - معارضان بالصحاح
الصراح أيضا.
وأما اقتداء المتنفل بالمفترض فلا خلاف فيه بين العلماء، كما لا خلاف في
العكس عندنا، وقد صرح بالاجماعين في المنتهى (6). وفي الخلاف بإجماعنا
خاصة فيهما (7). وسيأتي من النصوص ما يدل عليهما قريبا إن شاء الله تعالى،

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 155 س 7.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة ف صلاة الجماعة ج 1 ص 160 س 18.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 367 س 12.
(4) لم نعثر عليه.
(5) الظاهر أن القائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 337.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 367 س 24 و 21.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 284 ص 546.
322

مضافا إلى الأصل والعمومات السليمة - هنا - عن المعارض أصلا. كل هذا مع
توافقهما نظما. وأما مع العدم فلا يجوز الاقتداء في أحدهما بالآخر إجماعا، فلا
يقتدي في الخمس - مثلا - بصلاة الجنازة والكسوفين والعيدين، ولا العكس،
لعدم إمكان المتابعة المشترطة نصا وفتوى.
(ويستحب أن يقف) المأموم (الواحد) إذا كان رجلا (عن يمين
الإمام والجماعة) ولو كانوا اثنين مطلقا (خلفه) بإجماعنا المقطوع المصرح به
في الخلاف (1) والمنتهى (2) وغيرهما، والمعتبرة مستفيضة بذلك جدا.
ففي الصحيح: الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، وإن كانوا أكثر
من ذلك قاموا خلفه (3). وظاهره كغيره وإن كان الوجوب كما عن
الإسكافي (4)، إلا أنه نادر محكي في ظاهر الخلاف، وصريح المنتهى: الاجماع
على خلافه فيه، مضافا إلى الأصل والاطلاقات. فيصرف الأمر وما في معناه
عن ظاهره، سيما مع تأيده ببعض النصوص الدالة على الصحة مع المخالفة.
وفيه: عن رجل صلى إلى جنب رجال، فقام عن يساره وهو لا يعلم، كيف
يصنع ثم علم وهو في الصلاة؟ قال: يحوله عن يمينه (5). ونحوه غيره. وهو
كالصريح في عدم الشرطية ولو في الجملة.
فإذا ثبت الصحة بدونه سهل الأمر في احتمال الوجوب التعبدي، لامكان
الاكتفاء في دفعه بالأصل القطعي المعتضد بالشهرة، زيادة على الاجماع
المحكي، ولا كذلك الوجوب الشرطي، لعسر الاكتفاء في دفعه بمثله إن لم يكن

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 296 و 297 ج 1 ص 554.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 376 س 11.
(3) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 412.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 160 س 2.
(5) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 و 2 ج 5 ص 414.
323

اجماع محكي.
(و) أن (لا يتقدم) الإمام (العاري) أي: فاقد الساتر (أمام العراة
بل) يجلسون و (يجلس وسطهم، بارزا بركبتيه) كما في الصحيح (1).
وظاهر إطلاقه كالمتن، وكثير تعين الجلوس عليهم مطلقا، خلافا للمحكي عن
الماتن، فخصه بصورة عدم إلا من من المطلع (2). وأوجب القيام في غيرها وهو
ضعيف، والأصح وجوب الايماء علن الجميع، وفاقا للأكثر، بل عن الحلي
الاجماع عليه (3). وقد مر الكلام فيه في بحث الساتر مستوفى.
(و) كذا (لو أمت المرأة النساء وقفن معها) أي: إلى جانبها
استحبابا، إلا أنه ينبغي هنا أن يكن (صفا) أي: في صف واحد أو أزيد،
من غير أن تبرز بينهن مطلقا، بلا خلاف بين القائلين بجواز إمامتها، بل عليه
اتفاقهم كما عن المعتبر (4) والمنتهى (5). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة
المستفيضة، وفيها: الصحاح والموثق وغيرها. وسيأتي إلى جملة منها الإشارة إن
شاء الله تعالى.
(ولو أمس الرجل وقفن خلفه) وجوبا على القول بحرمة المحاذاة،
واستحبابا على القول بكراهتها، كما هو الأقوى وإن كان الأول، أحوط وأولى
مطلقا، خصوصا هنا، للأمر به في النصوص من غير معارض لها فيها، مع قوة
دلالة بعض الصحاح فيما لو حاذت على فساد صلاتها.
ففيه: عن إمام كان في الظهر، فقامت امرأته بحياله تصلي معه وهي

(1) راجع الوسائل: ب 51 من أبواب لباس المصلي ح 1 و 2 ج 3 ص 328.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في الجماعة ج 2 ص 70.
(3) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 206.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 427.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 377 س 9.
324

تحسب أنها العصر، هل يفسد ذلك على القوم صلاتهم؟ وما حال المرأة في
صلاتها معهم وقد كانت صلت لظهر؟ قال: لا يفسد ذلك على القوم، وتعيد
المرأة صلاتها (1).
والتقريب: أن وجه الإعادة: إما المحاذاة أو اختلاف الفرض لا سبيل إلى
الثاني لما مر، فتعين الأول وحمله على الاستحباب، لايقاع الفرض على الوجه
الأكمل كما في غير محل يتوقف على وجود معارض، وليس إلا أن يكون ما دل
على جواز المحاذاة في غير الجماعة، لعدم قول بالفرق أجده بينه وبينها أصلا،
ومع ذلك فترك المحاذاة أولى.
(و) كذا (لو كانت واحدة) إلا أنه ينبغي لها مع التأخر أن تقف عن
يمين الإمام كما في الصحيح: الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه، سجودها
مع ركبتيه (2). ونحوه غيره. وإن كان مع المأموم الرجل الواحد امرأة وقف هو
عن يمينه، وهي خلفه كما في الخبر (3).
(ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد) من يصلي (جماعة،
إماما) كان فيها ذلك المنفرد (أو مأموما) إجماعا منا على الظاهر المحكي
مستفيضا، والصحاح به مستفيضة جدا. وقصور جملة منها دلالة على
الاستحباب، لاحتمال ورود الأمر فيها للرخصة، لوقوعه جوابا عن السؤال
عنها، فلا يفيد سوى الإباحة. مجبور بأن جملة أخرى منها فيها الأمر من غير تلك
القرينة، أقله الاستحباب، لانتفاء الوجوب بالاجماع، مع تصريح الموثق
بالأفضلية.

(1) وسائل الشيعة: ب 53 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 453.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب مكان المصلي ح 9 ج 3 ص 428، ووسائل الشيعة: ب 19 من أبواب
صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 405.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 405 40.
325

وأما الصحيح المخير بين الإعادة وعدمها فهو وإن أو هم الإباحة المحضة إلا
أن تصريحه أخيرا بجعل المعادة سبحة أوضح قرينة على استحباب الإعادة. هذا،
مع أن الرخصة في الإعادة تستلزم كون المعادة سنة، لأنها عبادة، وهي لا تكون
إلا بفضيلة.
ويستفاد من الصحيح ونحوه الرضوي كون الوجه المنوي فيها الندب
لا الفرض، وهو خيرة الأكثر، لخروجه بالأولى عن العهدة، فلا معنى لقصد
الوجوب بالثانية. خلافا للشهيدين وجوزاه بنيته أيضا (1)، للصحيحين الأمرين
بجعلها الفريضة. وا الدلالة ليست واضحة؟ لاحتمال الفريضة فيهما الفائتة دون
التي تراد فيها الإعادة، أو كون المراد: إدراك الجماعة في أثناء الأولى، فيجعلها
نافلة، والثانية المعادة الفريضة كما ذكرهما شيخ الطائفة مستدلا عليهما ببعض
المعتبرة (2).
ويحتمل فيهما غير ذلك مما ذكره جماعة، فلا يمكن أخذهما لما ذكراه حجة،
سيما مع مخالفتهما الأصول الشرعية، وظاهر العبارة ككثير، وصريح جماعة
اختصاص استحباب الإعادة بالمنفرد دون الجامع. خلافا للشهيدين فعمماه
لهما (3)، للعموم. وفيه منع، إلا أن يدعى استفادته من بعض الصحاح المتضمنة
لترك الاستفصال، وهو غير بعيد، ولكنه لا يخلو عن نظر. ولا ريب أن الأول
أحوط. ونحوه الكلام في استحبابها لمصلين فرادى، إلا أن الاحتياط فيه أكد
وأولى.

(1) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 56 س 12،
وروض الجنان: كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ص 372 س 2.
(2) تهذيب الأحكام: ب 3 في أحكام الجماعة و... ج 3 ص 50.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 56 وروض الجنان: كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ص 371 س 28.
326

(وأن يخص بالصف الأول الفضلاء) وأهل المزية الكاملة: من علم
أو عمل أو عقل، وبالصف الثاني من دونهم، وهكذا كما في النصوص، مضافا
إلى الاجماع.
واطلاقها كالعبارة ونحوها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين صلاة الجنازة
وغيرها. خلافا لجماعة في الأولى، فجعلوا أفضل الصفوف فيها أواخرها، وربما
عزي إلى الأصحاب جملة. ولا بأس به، للمعتبرة المستفيضة.
ولا بين جماعة الذكور أو النساء. خلافا لبعضهم، النصوص العامية في
الثانية، فجعل خير الصفوف فيها أواخرها، وشرها أولها عكس الأولى، وأن
يكون يمين الصف لأفاضلهم؟ لأنه أفضل كما في النصوص.
منها: فضل ميامن الصف على مياسرها فضل الجماعة على صلاة الفرد (1).
وفي الذكرى: وليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأول، لما روي: أن
الرحمة تنتقل من الإمام إليهم، ثم إلى يسار الصف، ثم إلى الباقي، والأفضل
للأفضل (2).
(وأن يسبح المأموم حتى يركع الإمام إن سبقه بالقراءة) للموثقين (3)،
وفي ثالث: أمسك آية ومجد الله تعالى وأثن عليه، فإذا فرغ فاقرأ الآية
واركع (4). ونحوه الرضوي في الصلاة خلف المخالف (5). وإطلاق ما عداه
يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الصلاة خلفه، أو خلف المرضي المستحب
خلفه القراءة فيما إذا كانت جهرية ولم يسمع الهمهمة قيل: ويحتمل الاختصاص

(1) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 387.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 273 س 33.
(3) سائل الشيعة: ب 35 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 و 3 ج 5 ص 432 و 433.
(4) وسائل الشيعة: ب 35 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 432، باختلاف
يسير في اللفظ.
(5) فقه الرضا - عليه السلام - ب 12 في الجماعة ص 144.
327

بالأول، لأنه المتبادر من النص.
(وأن يكون القيام إلى الصلاة إذا قيل قد قامت الصلاة) على
الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر. وفي الخلاف (1) في أواسط كتاب
الصلاة: الاجماع عليه للخبرين (2)، خلافا للمحكي عن المبسوط (3) والخلاف، (4)
هنا. فعند فراغ المؤذن. وهو غير واضح المستند كالقول الآخر المحكي في المختلف
عن بعض الأصحاب من: أنه عند قول المقيم حي على الصلاة (5) وبعض
الأمور الاعتبارية، مع معارضته بالمثل اجتهاد في مقابل النص المعتبر المنجبر
بالعمل.
هذا، مع أن القول الأخير محكي عن أبي حنيفة وعن الشافعي ما قبله (6)،
ويظهر عن اختلاف أن النزاع بينهما وبينه إنما هو - في الجواز والمشروعية لا
الاستحباب ولفضيلة، وهو خلاف مفروض المسألة في كلام الجماعة. ولذا أنه
في الموضع الآخر من الخلاف ادعى الاجماع على المختار (7).
(ويكره أن يقف المأموم وحده) خارج الصف (إلا مع العذر)
كامتلاء الصفوف على. المشهور، للنهي عنه في النصوص، المستفيضة، وإنما حمل
على الكراهة مع ظهوره في الحرمة كما عليه الإسكافي (8)، لضعفها سندا ومقاومة
لما دل على الجواز ولو مطلقا كالصحيح وغيره: عن الرجل يقوم في الصف

(1) الخلاف: كتاب الصلاة م 68 ج 1 ص 317.
(2) وسائل الشيعة: ب 42 س من أبواب صلاة الجماعة ح 1 و 2 ج 5 ص 439.
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 157.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 315 ج 1 ص 564.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 160 س 11.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 68 ج 1 ص 317.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 68 ج 1 ص 317.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 160 س 2، وذكرى الشيعة: كتاب
الصلاة في صلاة الجماعة ص 274 س 5.
328

وحده، فقال: لا بأس إنما يبدو وأحدا بعد واحد (1). مضافا إلى الأصل
والاطلاقات، وخصوص الاجماع المحكي في صريح المنتهى (2) وظاهر المدارك
على الجواز (3)
(وأن يصلي نافلة بعد) الأخذ في (الإقامة) كما في
الصحيح (4). ولا يحرم على الأظهر الأشهر بل عليه عامة من تأخر، للأصل، مع
اشعار الصحيح به لتضمنه لفظة (لا ينبغي). خلافا للنهاية (5) وابن حمزة (6)
فالحرمة. والحجة عليها غير واضحة مع مخالفتها لما عرفته، مضافا إلى الاعتبار، لأن
الجماعة مندوبة فلا تحرم لأجلها النافلة، إذ لا يحرم تركها، وهو أقل من
التشاغل بالنفل رتبة فيكون بالجواز أولى.
(الطرف الثاني: يعتبر في الإمام: العقل) حالة الإمامة وإن عرض له
الجنون في غيرها، فيجوز لذي الأدوار، لكن على كراهة على الأشهر، وبها قطع
الفاضل في موضع من التذكرة (7). وفي آخر منها بالحرمة (9) لحجة غير ناهضة،
ولكنها أحوط، خروجا عن الشبهة، واحتياطا للعبادة.
(والايمان) أي: الاعتقاد بالأصول الخمسة بحيث يعد من الإمامية.
(والعدالة) وهي: ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى التي هي:
القيام بالواجبات وترك المنهيات الكبيرة مطلقا، والصغيرة مع الاصرار عليها،
وملازمة المروءة التي هي: اتباع محاسن العادات واجتناب مساوئها، وما ينفر

(1) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 و 4 ج 5 ص 459.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 377 س 18.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 345.
(4) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب الأذان والإقامة ح 1 ج 4 ص 670.
(5) النهاية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 119.
(6) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الجماعة ص 106.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 176 س 16.
(8) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 144 س 42.
329

عنه من المباحات، ويؤذن بخسة النفس ودناءة الهمة في المشهور بين أصحابنا.
ويأتي الكلام فيها وفيما يتعلق بها في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى.
(وطهارة المولد) عن الزنا، فلا بأس بما تناله الألسن، وولد الشبهة، ولا
خلاف بيننا في اشتراط هذه الأمور الأربعة، كالبلوغ في الجملة، بل عليه
دعوى الاجماع في عبائر جماعة حد الاستفاضة، وهي في العدالة كادت تبلغ
التواتر كالنصوص فيها. وأما فيما عداها فهي في جملة منه مستفيضة، وهي ما
عدا الايمان، وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: لا يصلين أحدكم خلف المجنون وولد الزنا (1).
وفي آخر: خمسة لا يؤمون الناس على كل حال (2) وعدا منهم. وأما هو فيدل
على اعتباره بعد فحوى ما دل على اعتبار العدالة، بل صريحة - إن قلنا: بأن
المخالف فاسق - الصحيح: في الصلاة خلف الواقفية، فقال: لا (3). وقريب منه
النصوص الواردة في الصلاة خلف المخالف وأمر المؤتم به بالقراءة خلفه (4).
(و) يشترط (البلوغ) مطلقا (على الأظهر) الأشهر وعن المنتهى في
كتاب الصوم نفى الخلاف عنه مؤذنا بدوي الاجماع عليه (5)، للخبر (6) المنجبر
ضعفه بعمل الأكثر والأصل الدال على عدم سقوط القراءة بفعل الغير إلا مع
العلم بالمسقط، وهي: اعتبار العدالة والايمان المتفرعين على التكليف المفقود
فيه بالنص والاجماع، مضافا إلى سائر ما ذكرته في الشرح. خلافا للمبسوط
والخلاف فجوز إمامة المراهق المميز العاقل مدعيا عليه الاجماع (7). وهو مرهون

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 397.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 397.
(3) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 389، راجع أحاديث الباب.
(4) وسائل الشيعة: ب 10 من أبواب صلاة الجماعة ج 5 ص 389، راجع أحاديث الباب.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصوم فيمن يصح منه الصوم ج 2 ص 584 س 23 وص 596 س 3.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجماعة ح 7 ج 5 ص 398.
(7) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 154، والخلاف: كتاب الصلاة م 295 ج 1
ص 553.
330

بمصير الأكثر على ما صرح به جمع بقول مطلق إلى الخلاف، ومنهم: هو في
التهذيبين (1) والنهاية (2) والاقتصاد (3) والقاضي (4) من القدماء، مع عدم ظهور
موافق له عدا المرتضى فيما يحكى عنه في التنقيح (5). ومع ذلك فهو معارض
بالمثل المترجح عليه بما مر. فالاستدلال به للجواز ضعيف كالاستدلال له
بالنصوص المجوزة لإمامته مطلقا كما في الموثق (6) وغيره، أو إذا كان له عشر
سنين (7) كما فيه، لقصورها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتى.
ومنها: قصور دلالتها لأعميتها من المدعى، لعدم تقييد فيها بشئ من القيود
التي ذكرها، والتقييد بالعشر في بعضها لا يستلزمها. ولا فرق في إطلاق الأدلة
منعا وجوازا بين كونه سلطانا مستخلفا أو غيره. خلافا للإسكافي ففرق، فقال
في الثاني بالأول، وفي الأول بالثاني (8). ولا بين إمامته بالبالغين في الفرائض أو
في النوافل أو بغيرهم مطلقا. خلافا للدروس ففرق بين الأول فالأول، وغيره
فالثاني (9) ولا أعرف لهما حجة يعتد بها، سيما في مقابلة الأدلة المتقدمة مطلقا.
(ولا) يجوز أن (يؤم القاعد القائم) إجماعا على الظاهر المصرح به في

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 3 في أحكام الجماعة ج 3 ص 30 ذيل الحديث 16،
والاستبصار: كتاب الصلاة ب 258 في الصلاة خلف الصبي... ج 1 ص 424.
(2) النهاية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 113.
(3) الاقتصاد: في صلاة الخوف ص 269، لم نعثر عليه في أحكام الجماعة.
(4) المهذب: كتاب الصلاة باب الإمامة ج 1 ص 80.
(5) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 274.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 و 8 ج 5 ص 397 و 398.
(7) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 و 8 ج 5 ص 397 و 398.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 153 س 16.
(9) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 54 س 13.
331

الخلاف (1) والسرائر (2) والتذكرة (3) وغيرها. ويظهر أيضا من المنتهى (4)
وللنبوية المشهورة المروية من طرق الخاصة والعامة: لا يؤمن أحد بعدي
جالسا (3). واطلاقه وإن اقتضى المنع عن إمامة القاعد بمثله أيضا إلا أنه مقيد
بما إذا أم قائما كما ذكره الأصحاب من غير. خلاف يعرف بينهم. وفي الروض:
الاجماع عليه (6). وهو الحجة عليه، مضافا إلى الأصل والاطلاقات،
وخصوص ما ورد في جماعة العراة من صحيح الروايات المعمول به بين
الأصحاب. قالوا: وكذا الكلام في جميع المراتب: لا يؤم الناقص الكامل، فلا يجوز
اقتداء الجالس بالمضطجع، ويؤيده بعد الأصل في العبادة القوية: لا يؤمن المقيد
المطلقين، ولا صاحب الفالج الأصحاء.
(ولا الأمي) وهو هنا - على ما
ذكروه من غير خلاف يعرف بينهم -: من لا يحسن قراءة الحمد والسورة، أو
أبعاضهما ولو حرفا أو تشديدا أو صفة (القارئ) الذي يحسن ذلك كله إجماعا
على الظاهر المصرح به في الذكرى (7) واحتج عليه جماعة بالنبوي المشهور
وغيره: يؤمكم أقرؤكم (8). ولا يخلو عن نظر. واحترز بالقارئ عن مثله، فإنه
يجوز بلا خلاف مع تساويهما في شخص المجهول، أو نقصان المأموم وعجزهما عن
التعلم لضيق الوقت، وعن الائتمام بقارئ أو أتم منهما.

(1) الخلاف: كتاب الصلاة ج 1 م 282 ص 544.
(2) السرائر: كتاب الصلاة باب صلاة الجماعة وأحكامها و... ج 1 ص 281.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 177 س 28.
(4) منتهى المطالب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 371 س 15.
(5) سنن الدارقطني: ج 1 ص 398.
(6) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص، 36 س 28.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 268 س 6.
(8) من لا يحضره الفقيه: كتاب الصلاة باب الأذان والإقامة ح 880 ج 1 ص 285.
332

وذكر جماعة أنه: لو اختلفا فيه لم يجز وإن نقص قدر مجهول الإمام، إلا أن
يقتدي جاهل الأول بجاهل الآخر، ثم ينفرد عنه بعد تمام معلومه: كاقتداء
محسن السورة خاصة بجاهلها، ولا يتعاكسان (1).
(ولا المؤف اللسان) كالألثغ - بالمثلثة - وهو الذي يبدل حرفا بغيره
مطلقا كما عن المبسوط (2) وفي الروضة (3) وغيرهما، أو المراء بالغين، أو اللام
والسين بالثاء كما عن الصحاح. وفي المجمع أو الراء بالأم خاصة كما عن
الفراء، وقيل فيه غير ذلك. والأليغ - بالمثناة -: من تحت، وهو الذي لا يبين
الكلام، والتمام والفأفاء: وهو الذي لا يحسن تأدية الحرفين على أحد
التفسيرين (السليم) لسانه عن ذلك كله، بلا خلاف فيه كالسابق، لاخلاله
بالقراءة، فتكون صلاته عنها خالية، ولا صلاة إلا بفاتحة فكيف يضمن قراءة
المأموم كما دلت عليه المعتبرة؟!.
نعم، قالوا: يجوز إمامته بمثله بالنهج الذي ذكر في سابقه، والأكثر على
الحاق اللاحن في قراءته به مطلقا لما ذكرنا، بناء على استلزام اللحن تغيير
القرآن عما أنزل به. خلافا للشيخ (4) والحلي (5) فجوزا إمامته للمتقن مطلقا كما
عليه الأول، وإذا لم يغير اللحن المعنى كما عليه الثاني. ولم أعرف مستندهما، لا
من نص ولا من غيره.
(ولا المرأة، ذكرا ولا خنثى) مشكلا لم يعرف ذكوريته عن أنوثيته،
ولا الخنثى مثله، لجواز اختلافهما في الوصفين، وكون الإمام هو الأنثى. خلافا

(1) الظاهر أنه مدارك الأحكام: ج 4 ص 350، وذخيرة المعاد: ص 390 س 15.
(2) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 153.
(3) الروضة البهية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 810، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ج 2 ص 148.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة لجماعة ج 1 ص 153.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 281.
333

لابن حمزة فقال بالجواز هنا (1). وهو نادر، وهو في حق الأنثى كالرجل في
حقها، والأصل في أصل الحكم المترتب عليه حكم الخنثى بعد الاجماع الظاهر
المصرح به في جملة من العبائر: كالخلاف (2، والمعتبر (3) والمنتهى (4) والتذكرة (5)
والروض (6) والذكرى (7). وغيرها النبوي المشهور: لا تؤم المرأة رجلا (8). ونحوه
المرتضوي المروي عن الدعائم بزيادة: ولا تؤم الخنثى الرجال، ولا الأخرس
المتكلمين، ولا المسافر المقيمين (9).
ويستفاد من فحوى العبارة: جواز إمامة المرأة بمثلها، وهو إجماع في النافلة
التي يجوز الاجتماع فيها كالاستسقاء ونحوها على الظاهر المصرح به في جملة من
العبائر (10). وأما في الفريضة فقولان، أصحهما: نعم، وفاقا للأكثر، بل عليه
عامة من تأخر. وفي صريح الخلاف (11) والتذكرة (12) وظاهر المعتبر (13)

(1) الوسيلة: كتاب الصلاة في أحكام الجماعة ص 105.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة م 288 ج 1 ص 548.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 438.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 373 س 4 و س 11. راجع ولاحظ.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ث 1 ص 177 س 19.
(6) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 365 س 18.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 267 س 36، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ص 390 س 30.
(8) سنن ابن ماجة: ح 1081 ج 1 ص 343.
(9) دعائم الاسلام: في ذكر الإمامة ج 1 ص 151.
(10) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 367 س 23، ومدارك الاحكام: كتاب
الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 352.
(11) الخلاف: كتاب الصلاة م 313 ج 1 ص 562.
(12) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 171 س 8.
(13) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 427.
334

والمنتهى (1): الاجماع عليه للمعتبرة المستفيضة، وهي: ما بين صريحة في ذلك وظاهرة.
فمن الأولة النبوي: أنه - صلى الله عليه وآله - أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها
وجعل لها مؤذنا (2). والخاص المروي في الفقيه: كيف تصلي النساء على
الجنائز إذا لم يكن معهن رجل؟ قال: يقمن جميعا في صف واحد، ولا تتقد مهن
امرأة، قيل: ففي صلاة المكتوبة أتؤم بعضهن بعضا؟ قال: نعم (3).
ومن الأخيرة الموثق والمرسل القريب منه: عن المرأة تؤم النساء؟ قال:
نعم، تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن (4). وفي الصحيح: عن المرأة تؤم النساء ما
حد رفع صوتها بالقراءة؟ قال: قدر ما تسمع، (5). ونحوه غيره لرواية مروية في
قرب الإسناد عن كتابه بزيادة قوله: سألته عن النساء هل عليهن الجهر
بالقراءة في الفريضة والنافلة؟ قال: لا، إلا أن تكون امرأة تؤم النساء (6). وفي
هذه الزيادة تلويح، بل دلالة على العموم للفريضة زيادة على ما في هذين
الخبرين كسابقيهما من ترك الاستفصال المفيد للعموم في المقال، سيما مع كون
الفريضة أظهر الأفراد، فتدخل فيها حتما ولو كان دلالتها من باب الاطلاق. فتأمل.
وقصور الأسانيد أو ضعفها حيث كان مجبورا بعمل الأصحاب، مضافا إلى
الأصل والاطلاقات. خلافا للمرتضى (1) والجعفي (8) والإسكافي (9) فلا،

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 373. س 4.
(2) سنن البيهقي: ج 3 ص 135.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 166 ح 479، باختلاف يسير في اللفظ.
(4) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 10 ج ص 458.
(5) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة الجماعة ح 7 ج 5 ص 407.
(6) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب القراءة في الصلاة ح 3 ج 4 ص 772. مع زيادة.
(7) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام الجماعة ج 1 ص 281.
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 265 س 27.
(9) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 154 س 25.
335

للصحاح: تؤمهن في النافلة، وأما في المكتوبة فلا (1). وأجيب عنها بالندرة في
المعتبر (2) والمنتهى (3) بل صرح في الأخير بعدم قائل بها منا مؤذنا بإجماعنا عليه
كما قدمنا.
ولو سلم عدم ندورها فهي غير مكافئة لما قدمنا، لاعتضاده بالشهرة
العظيمة القريبة من الاجماع والاجماعات المنقولة دونها، مع ظهورها في جواز
الجماعة في النافلة مطلقا، وهو غير مرضي عند أصحابنا كما قدمنا، إلا أن تقيد
بنافلة يجوز فيها، لكن فيه صرف للمطلق إلى أندر أفرادها، فهي نادرة من هذا
الوجه أيضا، ولأجله يمكن حملها على التقية، سيما وأن ما فيها من التفصيل
مذهب جماعة من العامة كما حكاه في المنتهى، مع أن المنع مطلقا، كما ربما
ينسب إلى الجعفي والمرتضى مذهب أكثرهم وإن اختلفوا فيه كراهة وتحر بما.
وعلى هذا فأخبارنا أبعد مما عليه أكثر هؤلاء - خذلهم الله تعالى - وأشهر
بين أصحابنا، فتكون بالترجيح أولى. ولا بد من طرح ما خالفها وإن كان
صحاحا، أو حملها على التقية، أو عدم تأكد الاستحباب كما في الذكرى
لا على الكراهة (4)، لثبوت الاستحباب عندنا كما صرح به في المنتهى (5) مؤذنا
بإجماعنا عليه كما صرح به في الخلاف (6) أيضا، أو كون المراد من النافلة
والمكتوبة: الجماعة، لا الصلاة كما فهمه الجماعة بهما قيل، ولا بأس به وإن
بعد غايته جمعا بين الأدلة. ومن أراد تحقيق المسألة زيادة على ما هنا فعليه
بمراجعة الشرح فقد أشبعنا الكلام فيها ثمة.

(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبو أب صلاة الجماعة ح 12، ج 5، ص 408.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 427.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 368 س 16.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 265 س 28.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 368 س 5.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 313 ج 1 ص 562.
336

(و) كل من: (صاحب المسجد) وهو: الإمام الراتب فيه (و)
صاحب (المنزل) فيه (و) صاحب (الإمارة) من قبل العادل في إمارته مع
اجتماع الشرائط المعتبرة في الإمامة (أولى) بها (من غيره) مطلقا ولو كان
أفضل منهم، عدا إمام الأصل مع حضوره، فإنه أولى منهم ومن غيرهم مطلقا،
بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، وبه صرح الفاضل في المنتهى في
الجميع (1)، وكذا غيره مستفيضا، إلا أنهم لم يتعرضوا لنقله في أولوية الإمام
على غيره مطلقا، ولكنهم قطعوا بها مشعرين بعدم الخلاف فيها أيضا، بل كونه
ضروريا والأصل في جميع ذلك بعده النصوص المستفيضة، وهي فيما يتعلق بما
عدا الأول مشهورة من طرق الخاصة والعامة وفيما يتعلق به الرضوي في موضعين
منه: وصاحب المسجد أحق بمسجده (2). ونحوه الصادقي المروي في الدعائم.
وأظهر منهما النبوي المروي فيه: وكل أهل مسجد أحق بالصلاة في مسجدهم،
إلا أن يكون أمير حضر فإنه أحق بالإمامة (3). وفي إطلاقه: تأييد لما ذكره
الشهيدان من: رجحان صاحب الإمارة على صاحبيه حيث اجتمعوا (4)، إلا أن
يحمل الأمير فيه على الأصلي كما هو الظاهر بحكم التبادر. وعليه فترجيحهما
عليه لعله أولى كما صرح به بعض أصحابا (5) لاطلاق النص والفتوى بأنهما في
محلهما أولى، مع عدم معلومية شمول أولوية ذي الإمارة لنحو مفروضنا. فتأمل
جدا.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 374 س 28.
(2) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 12 في صلاة الجماعة ص 124، 143.
(3) دعائم الاسلام: في ذكر الإمامة ج 1 ص 152 س 13 و 9، باختلاف يسير في الثاني.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 270 س 13، والروضة البهية: كتاب الصلاة
في صلاة الجماعة ج 1 ص 813.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 366 س 5.
337

وذكر جماعة: أن أولوية هذه الثلاثة سياسة أدبية، لا فضيلة ذاتية، فلو أذنوا
لغيرهم انتفت الكراهة، ونفى عنه الخلاف في المنتهى (1).
قالوا: ولا تتوقف أولوية الراتب على حضوره، بل ينتظر لو تأخر، ويراجع
إلى أن يضيق وقت الفضيلة فيسقط اعتباره، مع أن المستفاد من جملة من
النصوص خلافه.
منها: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا
على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام، قلت: فإن كان الإمام هو
المؤذن؟ قال: وإن كان فلا ينتظرونه ويقدموا بعضهم (2) وقريب منه آخر (3)،
والنبوي (4). إلا أن يقيد بصورة خوف فوت وقت الفضيلة، جمعا بينهما وبين
اطلاق ما دل على الأولوية من الفتوى والرواية، لكنه فرع الشاهد عليه،
وليس، مع اختصاص الاطلاق بصورة حضور الإمام الراتب دون الغيبة بحكم
التبادر.
وحكم في المنتهى بعدم الانتظار مطلقا، معللا بعد النصوص المشار إليها بأن
فيه تأخيرا للعبادة في أول وقتها، وذلك شئ رغب عنه (5). هذا ولعل ما
ذكروه أحوط وأولى، إذ ليس في النصوص - مع قصور أسانيدها - ما يدل على
كون الإمام راتبا. فتأمل جدا.
ولا فرق في صاحب المنزل بين المالك للعين والمنفعة وغيره كالمستعير. ولو
اجتمعا قيل: فالمالك أولى، وقيل: المستعير، ولعله الأقوى. ولو اجتمع مالك

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 374 س 33.
(2) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 439.
(3) وسائل الشيعة: ب 42 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 439.
(4) صحيح مسلم: كتاب الصلاة ب 22 ح 105 ج 1 ص 317.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 383 س 3.
338

الأصل والمنفعة فالثاني أولى (1).
(وكذا الهاشمي) يقدم مع استجماعه الشرائط على غيره من عدا
الثلاثة، لا مطلقا على الظاهر المصرح به في كلام جماعة (2). وأولويته كذلك
مشهورة بين الأصحاب على ما في المختلف (3) أو متأخريهم خاصة كما في الروض.
قال: وأكثر المتقدمين لم يذكروه، قال في الذكرى: ولم نره مذكورا في
الأخبار، إلا ما روي مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي - صلى
الله عاليه وآله -: قدموا قريشا ولا تقدموهم. هو على تقدير تسليمه غير صريح في
المدعى. نعم، هو مشهور في التقديم في صلاة الجنازة من غير رواية تدل عليه.
نعم، فيه اكرام للنبي صلى الله عاليه وآله، إذ تقديمه لأجله نوع اكرام، وإكرام
رسول الله صلى الله عليه وآله وتبجيله مما لا خفاء بأولويته (4).
أقول: ومن بعض ما قدمناه في بحث صلاة الجنازة يتضح وجه مناقشة في
بعض ذكره.
(وإذا تشاح الأئمة) فأراد كل تقديم الآخر أو تقدم نفسه على وجه
لا ينافي العدالة (قدم من يختاره المأموم) مطلقا على ما ذكره جماعة قالوا:
لما فيه من اجتماع القلوب، وحصول اقبال المطلوب (5). خلافا لكثير فلم

(1) راجع ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 390 السطر ما قبل الأخير.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 270 س 17، وروض الجنان: كتاب الصلاة
في صلاة الجماعة ص 366، س 5، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4
ص 357.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 156 س 12.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 365 س 25، وذكرى الشيعة: كتاب الصلاة
في صلاة الجماعة ج 1 ص 270 س 20 بزيادة ونقصان مع اختلاف في اللفظ.
(5) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 125، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ج 2 ص 152، والدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 54 س 18.
339

يذكروه. ولعله لاطلاق النص الآتي بالرجوع إلى المرجحات الآتية من غير
ذكر لهذا فيه ولا إشارة، مع قصور التعليل عن إفادة التقييد له، سيما وأنه لا يخلو
عن إشكال كما نبه عليه في الذخيرة (1). ومنه يظهر وجه النظر في ترجيح مختار
أكثر المأمومين مع اختلافهم، ثم التراجيح الآتية كما عن التذكرة (2) (ونهاية الإحكام (3) سيما وقد أطلق أكثر الأصحاب على الظاهر المصرح به في كلام
جمع حد الاستفاضة، ومنهم: الذكرى (4)
بل ظاهره أنه مذهب الأصحاب عدا
التذكرة أنه: (لو (5) اختلفوا) أي: أن المأمومون (قدم الأقرأ) منهم أي: الأجود
قراءة كما ذكره جماعة (6). أو الأكثر كما قيل، ونسبه في البيان إلى رواية (7)،
ولعلهم ما ورد في الأعمى أنه: لا بأس بإمامته إذا رضوا به وكان أكثرهم
قرآنا (8). وقيل فيه غير ذلك.
فإن اتفقوا في القراءة جودة وكثرة (فالأفقه) في أحكام الصلاة، فإن
تساووا فيها فالأفقه في غيرها، وفاقا لجماعة لاطلاق الرواية. خلافا للذكرى
فلم يعتبر الزيادة لخروجها عن كمال الصلاة (9)، ويضعف بعدم انحصار المرجح
فيها، بل كثير منها كمال في نفسه، وهذا منها مع شمول الرواية لها.

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 391 س 6.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 179 س 41.
(3) ما بين القوسين أثبتناه من المخطوطات.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 270 س 9.
(5) ف المتن المطبوع (ولو).
(6) ذخيرة المعاد: الصلاة في صلاة الجماعة ص 391 س 29، ونهاية الإحكام: كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ج 2 ص 153، ومدارك الأحكام: الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 358.
(7) البيان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 134
(8) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 410 بتفاوت يسير.
(9) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 270 س 33.
340

فإن تساووا في الفقه والقراءة (فالأقدم هجرة) من دار الحرب إلى دار
الاسلام كما هو الظاهر من الرواية.
وصرح به جماعة منهم: الفاضل في التذكرة ولكن زاد: أو الأسبق إسلاما،
أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته (1).
وفي الروضة - بعد ذكر التفسير الأول -: هذا هو الأصل، وفي زماننا قيل: هو
السبق إلى طلب العلم، وقيل: إلى سكنى الأمصار مجازا عن الهجرة
الحقيقية، لأنها مظنة الاتصاف بالأخلاق الفاضلة والكمالات النفسية،
بخلاف القرى والبادية (2).
فإن تساووا فيه (ذلك (فالأسن) مطلقا كما هو المتبادر من الرواية، أو في
الاسلام خاصة كما في الدروس (3) والذكرى (4).
فإن تساووا فيه (فالأصبح وجها) كل ذلك للرضوي المصرح بهذا
الترتيب من أوله إلى آخره (5). ونحوه النبوي فيما عدا الأخير فلم يذكر فيه (6)،
وعليه جماعة. وفيه أخبار أخر مختلفة وأقوال متشتتة، وكلها متفقة على تقديم
الأقرأ على الأفقه.
ونسبه في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه (7) كما هو الظاهر،
لاتفاق كلمة الأصحاب والنصوص على ذلك، إلا ما يحكى في التذكرة عن

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 180 س 13.
(2) الروضة البهية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 811.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 54.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 271 س 6.
(5) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 12 في صلاة الجماعة ص 143.
(6) سنن ابن ماجة: كتاب الصلاة ب 46 ج 1 ص 313 ح 980.
(7) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 375 س 3.
341

نادر منا من المصير إلى عكس ذلك (1)، واختاره في المختلف (2). وتبعه جمع من
متأخري المتأخرين لأدلة قوية متينة من الاعتبار والكتاب والسنة بسطناها في
الشرح، من أرادها فليطلبها ثمة، إلا أنها لا تبلغ قوة المعارضة، لما قدمنا من
اتفاق الفتوى والرواية بحيث يقطع بكونه إجماعا كما عرفت من المنتهى حكايته،
وتخصص به تلك الأدلة.
واعلم: أن هذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط وإيجاب، فلو قدم
المفضول جاز بلا خلاف كما في التذكرة (3) والمنتهى (4).
والقول بالايجاب كما عن ظاهر المبسوط (5) والعماني (6) وصريح
الديلمي (7) شاذ، محجوج بالأصل والاطلاقات، مع قصور سند ما دل على
وجوب الترتيب من الروايات.
(ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين) للصحيحين (8)،
بل مطلق القراءة والأذكار التي يجوز الاجهار فيها ما لم يبلغ العلو المفرط كما في
الصحيح: ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول، ولا ينبغي لمن خلفه
أن يسمعه شيئا مما يقول (9). ويستفاد منه كراهة إسماع من خلفه له شيئا كما

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 180 س 1.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 155 س ما قبل الأخير.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 180 س 26.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 375 س 34.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 157.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 268 السطر ما قبل الأخير وص 269 س 31 نقلا
عن ابن أبي عقيل.
(7) المراسم: كتاب الصلاة في أحكام الجماعة، ص 87.
(8) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 و 3 ج 5 ص 451.
(9) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 451.
342

في أحد الصحيحين المتقدمين أيضا. وفي الخبر: لا تسمعن الإمام دعاءك خلفه (1).
(ولو أحدث) الإمام أو عرض له ضرورة من نحو: دخوله في الصلاة من
غير طهارة نسيانا أو حصول رعاف مخرج له عنها أو انتهاء صلاته بأن كان
مسافرا (قدم من ينوبه، في الصلاة بهم
(ولو) لم يقدم أو (مات أو أغمي
عليه قدموا (2) من يتم بهم) الصلاة بلا خلاف في شئ من ذلك بيننا أجده
بالاجماع في جملة الأعذار المسطورة في العبارة، عدا الاغماء صرح جماعة حد
الاستفاضة، بل في الذكرى (3) وغيرها: الاجماع في مطلق العذر فيدخل ما
ذكرناه أيضا، ونحوه الاغماء، وحكي الاجماع فيه وفي الموت عن التذكرة (4).
والصحاح وغيرها فيما عداه مستفيضة.
ففي الصحيح: عن الرجل يؤم القوم فيحدث، ويقدم رجلا قد سبق بركعة
كيف يصنع؟ قال: لا يقدم رجلا قد سبق بركعة، ولكن يأخذ بيد غيره
فيقدمه (5).
وفيه: رجل أم قوما على غير وضوء فانصرف، وقدم رجلا ولم يدر المقدم ما
صلى الإمام قبله، قال: يذكره من خلفه (6).
وفيه: عن رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات، قال: يقدمون رجلا آخر
ويعتدون بالركعة (1) الحديث.

(1) وسائل الشيعة: ب 52 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 451 فيه: دعاك من خلفه.
(2) الأصح هذا كما في المتن المطبوع والشرح الصغير، ولكن في جميع المخطوطات والشرح المطبوع
(قدموهم).
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 277 س 27.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 181 س 35.
(5) وسائل الشيعة: ب 41 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 438.
(6) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 437.
(7) وسائل الشيعة: ب 43 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 440.
343

وفي الموثق الناهي عن إمامة المسافر بالحضري: فإن ابتلي بشئ من ذلك
فأم قوما حضريين فإذا أتم الركعتين سلم، ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم (1)
الحديث.
وفي الخبر: عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد ما صلى - ركعة أو ركعتين،
فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان، قال: يتم بهم الصلاة، ثم يقدم رجلا
فيسلم بهم، ويقوم هو فيتم صلاته (2). وليس الاستنابة للوجوب، بل
للاستحباب في ظاهر الأصحاب. وعن التذكرة (3): عليه الاجماع، لفحوى ما
سيأتي من جواز انفراد المأموم عن الإمام مع وجوده، فع عدمه أولى.
وفي الصحيح: عن رجل صلى بقوم ركعتين، ثم أخبرهم أنه ليس على
وضوء، قال: يتم القوم صلاتهم، لأنه ليس على الإمام ضمان (4). وقد استدل
به على عدم الوجوب. وفي الدلالة نظر.
وأما الصحيح الآخر: عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال
القوم؟ قال: لا صلاة لهم إلا بإمام، فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها، وقد
تمت صلاتهم (5). فمحمول على نفي الكمال، جمعا بينه وبين ما مر. وعليه فيجوز
لهم الانفراد أجمع، والتبعيض بأن ينوي بعضهم الائتمام ببعض وغيره بغيره.
ونفي عن جميع ذلك الخلاف في الذخيرة (6).
واطلاق الفتوى والرواية يقتضي جواز استنابة المؤتم وغيره، وبه صرح في

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 6 ج 5 ص 403.
(2) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 438، فيه: فيتم بقية صلاته.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 181 س 35.
(4) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 433.
(5) وسائل الشيعة: ب 72 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 474.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 392 س 21.
344

المنتهى (1) وكذا في الذخيرة (2) لما مر، مضافا إلى صريح الخبر في الثاني. ويكفي
في الأول الاطلاق، سيما مع كونه هو المتبادر، ولذا جعله في المدارك (3) أحوط.
وإطلاقهما أيضا يقتضي وجوب الاتمام من موضع القطع مطلقا ولو حصل
العارض في أثناء القراءة. وقيل: يجب الابتداء من أول السورة التي حصل
القطع في أثنائها وجعله في المدارك أحوط (4) أيضا.
(ويكره أن يأتم الحاضر بالمسافر) وبالعكس، للموثق: لا يؤم الحضري
المسافر، ولا المسافر الحضري (5). ونحوه الرضوي مبدلا لفظة (لا) ب‍
(لا يجوز) (6) وظاهر هما - وسيما الثاني: وإن كان هو التحريم كما مر نقله - عن
والد الصدوق (7). وحكى عنه أيضا في المقنع لكن في الثاني خاصة (8)، إلا أنهما
محمولان على الكراهة كما عليه من عداهما كافة، جمعا بينهما وبين الصحاح
المستفيضة المصرحة بالجواز والصحة:
منها: عن المسافر يصلي خلف المقيم؟ قال: يصلي بركعتين ويمضي حيث
شاء (9). ونحوه البواقي، وهي صريحة في رد الصدوق، وكذا والده في الثاني، بل
الأول أيضا، لعدم القائل بالفرق. هذا مع تصريح الخبرين بعد ذلك بأنه: إن
ابتلي بشئ من ذلك فأم قوما حضريين فإذا أتم الركعتين سلم، ثم أخذ بيد

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 381 س 28.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 392 س 22.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 363.
(4) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 363.
(5) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 6 ج 5 ص 403.
(6) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 21 في صلاة المسافر والمريض ص 163.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 155 س 7.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 155 س 7، ولم نعثر عليه في المقنع.
(9) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 403.
345

بعضهم فقدمه فأمهم، وإذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين
ويسلم (1). وزاد في الأول: وإن صلى بقوم الظهر فليجعل الأولتين الظهر،
والأخيرتين العصر (2).
وهذه التتمة - كما ترى - صريحة في الصحة مع المخالفة، وهو لا يلائم كون
النهي للحرمة، لاقتضائها الفساد في العبادة عند الإمامية، ولعله لذا قال جماعة:
بأنهما صريحان في الكراهة. وفيه مناقشة لاحتمال اختصاص الصحة بصورة
الضرورة والتقية كما هو مورد الخبرين، وسيما الثاني، إذ فيه زيادة على (إن
ابتلي ولم يجد بدا من أن يصلي معهم). وهو كما ترى نص في اختصاص
الحكم بالجواز والصحة بحال الضرورة، وهو لا يستلزم ثبوته كلية كما هو ظاهر
الجماعة، ولا ريب أن الترك أحوط، لاعتبار سند الخبرين وصلاحيتهما بذلك
لتقييد إطلاق الصحاح بحال الضرورة، إذ غايتها إفادة الصحة في الجملة، ولا
اشكال فيها كذلك، وإنما هو في كليتها وعمومها الحال الاختيار، وليس فيها
تصريح بها فيها بل ولا إشارة، بل غايتها الاطلاق المحتمل للتقييد بالضرورة
جمعا بين الأدلة، مع أنه منساق لبيان حكم آخر غير الجواز وهو: كيفية اقتداء
المسافر بالحاضر وبالعكس لو اتفق، ردا على جماعة من العامة - القائلين بأنه:
إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام - وهم: الشافعي والثوري وأبو حنيفة
وأصحابه كما حكاه عنهم السيد في الناصرية (3) والفاضل في المنتهى (4)
والتذكرة (5) مدعيين على خلافهم إجماع الإمامية، وعليه فلا عبرة به فيما نحن فيه

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 6 و 1 ج 5 ص 403 و 402، راجع الوسائل فإن
الجملة الأخيرة موجودة في الروايتين بعبارة (وإن صلى معهم الظهر).
(2) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة الجماعة ح 6 و 1 ج 5 ص 403 و 402، راجع الوسائل فإن
الجملة الأخيرة موجودة في الروايتين بعبارة (وإن صلى معهم الظهر).
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 109 ص 240.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 373 س 15.
(5) مما تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 179 س 17.
346

كما برهن عليه في محله
ولولا إطلاق المتأخرين - المعتضد بالاجماع المحكي كما عرفته - لكان القول
بما عليه الصدوقان في غاية القوة، وظاهر العبارة وجماعة اختصاص الكراهة
بالصورة الأولى، ولم أعرف وجهه عدا ما في المختلف (1) من الأصل وضعف
الرواية، ولا وجه له بعد كونها موثقة وهي حجة، سيما مع اعتضادها بالرضوية
التي هي كالقوية فيخصص به الأصل، سيما في إثبات الكراهة التي يتسامح
فيها بما لا يتسامح في غيرها من الأحكام الشرعية على الأظهر الأشهر بين
الطائفة. ولذا اختار الأكثر الكراهة مطلقا حتى في الثانية، وظاهر إطلاق
العبارة والرواية عدم الفرق في الحكم بين الفريضة المقصورة وغيرها. وبه صرح
في الروضة (3) خلافا لجماعة، فقيدوه بالمقصورة، ولعله لكونها المتبادر من
الاطلاق، إلا أن الأول أنسب بقاعدة المسامحة في أدلة السنن والكراهة.
(و) أن يأتم (المتطهر) بالماء (بالمتيمم) على الأظهر الأشهر، بل عليه
عامة من تأخر، وفي المنتهى: الاجماع عليه (3)، للنهي عنه - في المعتبرين - المحمول
على الكراهة جمعا بينهما وبين المعتبرة المستفيضة المصرحة بالجواز من غير كراهة
وفيها الصحاح والموثقات وغيرهما، ولرجحانها عليهما سندا ودلالة، احتمل بعض
متأخري المتأخرين الجواز من غير كراهة (4)، وهو ضعيف لما عرفته في المسألة
السابقة. وأضعف منه القول بالمنع المحكي في المختلف (5) والذكرى عن ظاهر

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 155 س 9.
(2) الروضة البهية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 803.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 373 س 27.
(4) راجع مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 372، والحدائق الناضرة: كتاب
الصلاة في أحكام الجماعة ج 11 ص 227.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 154 س 2.
347

المرتضى (1)، سيما مع ندرته، وعدم اشتهار نقل خلافه.
(وأن يستناب المسبوق) بركعة فصاعدا حيث يحتاج إليها، للصحيح
وغيره، والنهي في الأول وإن كان ظاهرا في المنع إلا أن التعبير عنه في غيره ب‍
(لا ينبغي) ظاهر في الكراهة، سيما مع تضمنه الحكم بالصحة مع المخالفة. هذا
مضافا إلى الصحاح الظاهرة بل الصريحة فيها، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة في
المسألة التاسعة من المسائل الآتية.
(وأن يؤم الأجذم والأبرص) بلا خلاف في المرجوحية، بل عليها
الاجماع في الانتصار (2) والخلاف (3) والغنية (4)، للنهي في الصحاح وغيرها.
منها: خمسة لا يؤمون الناس على كل حال: المجذوم والأبرص والجنون
وولد الزنا والأعرابي (5) ونحوه آخر بزيادة قوله: (حتى يهاجر والمحدود) (6).
ومنها: لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجبوب والمجنون وولد
الزنا، - الأعرابي لا يؤم المهاجرين (7). وظاهرها المنع مطلقا كما عليه جماعة من
القدماء: كالشيخ في الخلاف (8) والنهاية (9) والمرتضى (10). قيل: وأتباعهما (11)

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 268 س 33.
(2) الإنتصار: كتاب الصلاة ص 50.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 312 ج 1 ص 561.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 498 س 9.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 400.
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 و 6 ج 5 ص 399 و 400.
(7) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 و 6 ج 5 ص 399 و 400.
(8) الخلاف: كتاب الصلاة في الجماعة ج 1 مسألة 312 ص 561.
(9) لا يوجد في الشرح المطبوع وأثبتناه هن المخطوطات.
(10) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): في صلاة الجماعة ج 3 ص 39.
(11) المهذب: كتاب الصلاة باب الإمامة وما يتعلق بها ج 1 ص 80.
348

خلافا للفاضلين (1) والشهيدين (2) وأتباعهم، بل عامة المتأخرين إلا النادر
منهم، فاختاروا الجواز جمعا بينها وبين ما دل على الجواز كالخبر: عن المجذوم
والأبرص يؤمان المسلمين؟ فقال: نعم (3). ونحوه آخر مروي عن المحاسن (4).
وهو حسن لولا ضعف سندهما، إلا أن يجبر بالشهرة المتأخرة الظاهرة والمحكية
في كلام جماعة.
مع أن في الانتصار ادعى الاجماع على الكراهة، لكنها في كلامه محتملة
للحرمة، فقد أفتى بها في ولد الزنا، مدعيا الاجماع عليها. ثم قال: والظاهر من
مذهب الإمامية أن الصلاة خلفه غير مجزية، والحجة في ذلك الاجماع وطريقة
براءة الذمة (5). فما ينسب إليه من القول بالكراهة لا وجه له، لاجمال العبارة،
ومع ذلك معارض بإجماع الخلاف حيث ادعاه على المنع.
بقي الكلام في الشهرة، والظاهر أنها ليست بتلك الشهرة التي تصلح أن
تكون للروايات الضعيفة جابرة، سيما وأن يعترض بها نحو الصحاح المتقدمة
الظاهرة الدلالة، بل الصريحة من حيث تضمنها النهي عن جملة من لا يجوز إمامته
بإجماع الإمامية. وحمله - بالنسبة إلى من عداهم - على الكراهة يوجب استعماله
في معنييه: الحقيقي والمجازي في استعمال واحد، وهو مرغوب عنه عند
المحققين، وحمله على المجاز العام بعيد.
وكيف كان، فالمسألة محل إشكال، إلا أن المصير إلى المنع أحوط للعبادة.

(1) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في، حكام الجماعة ج 1 ص 47 س 12، والمعتبر: كتاب الصلاة في
أحكام الجماعة - ج 2 ص 442.
(2) البيان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 133، وروض الجنان: كتاب الصلاة في أحكام
الجماعة ص 368 س 17.
(3، 4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 و 4 ص 399.
(5) الإنتصار: كتاب الصلاة ص 50.
349

وهنا قولان آخران مفصلان بين إمامتهما بمثلهما فالجواز (1) وبغيره فالمنع كما في
أحدهما، وإمامتهما في الجملة فالثاني وغيرها فالأول كما في ثانيهما، ولم أعرف
مستندهما، مع إطباق النصوص مطلقا، وأكثر الفتاوى على خلافهما لاطلاقهما،
إلا أن يدعى اختصاصه بحكم التبادر وغيره بإمامتهما بغيرهما فيرجع في إمامتهما
بمثلهما إلى مقتضى الأصل، وإطلاقات الأمر بالصلاة، وشرعية الجماعة، إلا
أن يمنع التمسك بمثلها في تصحيح العبادة. ولا يخلو عن مناقشة. فهذا التفصيل
لا يخلو عن قوة سيما وقد أدعى عليه ابن زهرة إجماع الإمامية (3).
(و) كذا الكلام في إمامة (المحدود بعد توبته) فالمشهور بين المتأخرين
الجواز على كراهة، وعند جماعة من القدماء: الحرمة إما مطلقا كما عليه جملة (3)،
أو إلا بمثله كما عليه آخرون (4) ومنهم: ابن زهرة مدعيا عليه إجماع الإمامية (5). وعليه ينزل إطلاق النهي في بعض الصحاح المتقدمة كما عرفته،
ولا معارض له، ولا للاجماع المنقول، عدا فحوى ما دل على جواز إمامة الكافر
بعد إسلامه واستجماعه شرائط الإمامة. ولا يخلو عن مناقشة، سيما بعد ورود
النهي في الصحيحة.
والجمع بينهما وإن أمكن بحمله على الكراهة إلا أن إبقاءه على ظاهره من
الحرمة وصرف الأولوية عن ظاهرها والخروج إن سلمناها عنها أوفق بالقواعد
الأصولية، سيما بعد الاتفاق على صرفها بالإضافة إلى الكراهة واعتضاد المنع

(1) المهذب: كتاب الصلاة باب الإمامة وما يتعلق بها ج 1 ص 80.
(2) غنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة ص 498 س 9.
(3) ا السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 281، جمل العلم والعمل (وسائل المرتضى): كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 3 ص 39.
(4) الكافي في الفقه: كتاب الصلاة ص 144، والمبسوط: كتاب الصلاة ج 1 ص 155.
(5) غنية النزوع (الجوامع الفقهية) كتاب الصلاة ص 498 س 9.
350

باجماع ابن زهرة وأخبار أخر ستأتي إليها الإشارة، مضافا إلى ما عرفته من:
أن حمل النهي فيها على الكراهة يوجب استعمال اللفظ الواحد في معنييه:
الحقيقي والمجازي في استعمال واحد، وهو مرغوب عنه، وبه يعرف الجواب عن
مفهوم الخمسة في جملة من الصحاح المتقدمة، الدالة على الجواز فيمن عداهم
حتى المحدود الذي لم يعد منهم لو تمسك به للكراهة، لأن دلالته بالعموم،
والصحيحة ومعاضدها بالخصوص، وهو مقدم لما عرفته.
(و) أن يؤم (الأغلف) غير المقصر في الختان، للنهي عنه في النصوص
المروية في الخصال وغيره.
منها: ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس: وولد الزنا والمرتد والأعرابي بعد الهجرة
وشارب الخمر والمحدود والأغلف (1).
ومنها: لا يؤم الناس المحدود وولد الزنا والأغلف والأعرابي والمجنون
والأبرص والعبد (2). وبظاهرهما من المنع أخذ المرتضى (3) والتقي، لكنه استثنى
إمامته بمثله (4)، ولعله لما قدمنا. والأصح الكراهة مطلقا وفاقا لعامة متأخري
أصحابنا، للأصل، والاطلاقات، وعموم مفهوم جملة من الصحاح التقدمة، مع
سلامتها عما يصلح للمعارضة، لضعف سند الروايتين، مع قصور دلالة الأولى.
فإن (لا ينبغي) لو لم نقل بظهوره في الكراهة فهو أعم منها ومن الحرمة
قطعا، مع إشعار بعض النصوص المانعة المتضمنة للتعليل بقوله - عليه السلام -:
لأنه ضيع من السنة أعظمها، ولا تقبل له شهادة، ولا يصلى عليه إلا أن يكون
ذلك خوفا على نفسه (5) بالجواز، بل ظهوره فيه إن قلنا برجوع الاستثناء

(1) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة الجمعة ح 6 ج 5 ص 397.
(2) مستدرك الأحكام: ب 13 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 6 ص 464.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 3 ص 39.
(4) الكافي في الفقه: في صلاة الجماعة ص 144.
(5) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 396.
351

المتعقب للجمل المتعددة إليها كلها، لكنه خلاف التحقيق كما حقق في محله مستقصى.
وأما الاستدلال به على المنع فيتوجه عليه - زيادة على ما قدمناه -
اختصاصه بصورة التفريط المنافي للعدالة المشترطة إجماعا.
(و) أن يؤم (من يكرهه المأموم) على المشهور، للنصوص المستفيضة
المروية في الفقيه (1) والخصال (2) والأمالي (3) وغيرها من الكتب المعتبرة. خلافا
للفاضل في المنتهى (4) فلا يكره مطلقا.
قال: إذ الإثم إنها يتعلق بمن يكرهه لا به، وهو اجتهاد في مقابلة النص، وله
في التذكرة (5) ففصل بين كراهة المأمومين له لدينه فالثاني، وإلا فالأول،
ولا بأس به، للأصل، مع اختصاص النصوص بحكم التبادر وغيره بالثاني، وهو:
كراهتهم له لكونه إماما بأن يريدوا الائتمام بغيره لا لدينه.
(و) أن يؤم (الأعرابي) وهو المنسوب إلى الأعراب، وهم: سكان
البادية ب‍ (المهاجرين) أو سكان الأمصار المتمكنين من تحصيل شرائط
الإمامة ومعرفة الأحكام، للنهي عنه في الصحاح المتقدمة وإن اختلفت في
الاطلاق كما في جملة منها، والتقييد بالمهاجرين كما في غيرها، وعليه عامة
أصحابنا إلا نادرا، وهو: الجعفي على ما حكاه عنه في الذكرى (6).
وبظاهر النهي أخذ أكثر القدماء حتى ادعى عليه في الخلاف الاجماع (7)،

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ح 131 ص 59.
(2) الخصال: باب الأربعة ح 94 ج 1 ص 242.
(3) لم نعثر عليه في أمالي الصدوق، ولكن نقله عن الأمالي في الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة
الجماعة ج 11 ص 225، ولعله خلط بين الصدوق والطوسي، والصحيح أمالي الطوسي كما في
وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب صلاة الجماعة ح 6 ج 5 ص 418.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 374 س 26.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 179 س 36.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 268 س 35.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 312 ج 1 ص 561.
352

بل لا خلاف أجده بينهم صريحا، إلا من الحلي فأفتى بالكراهة (1)، وتبعه الماتن
والمتأخرون قاطبة. ولعله لقوة احتمال اختصاص الأعرابي الوارد في الصحاح،
وكلمة المانعين من قدماء الأصحاب بمن لا يعرف محاسن الاسلام ولا وصفها
ومن يلزمه المهاجرة وجوبا، لأنه الغالب المتبادر منه عند إطلاقه يومئذ، بل
مطلقا. ولا ريب في المنع عن إمامته حينئذ، لعدم العدالة المشترطة في الصحة
إجماعا. وعليه فلا يتوجه المنع مطلقا.
هذا، ويمكن أن يكون المراد بالأعرابي: الأعرابي بعد الهجرة كما يفهم
من بعض الروايات المتقدمة في الأغلف، ويشعر به بعض الصحاح المتقدمة.
والتعرب بعد الهجرة من الكبائر، اتفاقا فتوى ورواية. وعليه فيتوجه المنع كما
في سابقه لما عرفته، ولكن المنع فيه لا يستلزم المنع في الأعرابي بالمعنى الذي فسرنا
به العبارة، لكن إرادة هذا خلاف، ما يظهر من الجماعة، بل صرح بما ذكرناه في
تفسيره أولا جملة.
ويومئ إليه المرتضوي المروي عن بعض الكتب المعتبرة.، قال: وكره أن يؤم
الأعرابي لجفائه عن الوضوء والصلاة (3). وتقييد بعض الصحاح كسائر
الأصحاب - المنع عن إمامته بما إذا كانت بالمهاجرين - مشعر، بل ظاهر
باختصاصه به وجوازها بمثله، وهو لا يلائم ما قدمناه من الاحتمال الأول أيضا،
لعدم فرق عليه في المنع التحريمي بين اقتدائه بمثله وبغيره، مع أن
تخصيصه بالذكر في مقابلة الفاسق كالصريح في: أن المنع من غير جهته، وإلا
فالفسق فيه على تقديره أحد أقسامه، ولا فائدة ظاهرة في تخصيصه بالذكر
وافراده به. وعليه فالمنع مطلقا قوي عملا بظاهر النهي المعتضد بالشهرة القديمة

(1) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 281.
(2) قرب الإسناد: ص 73.
353

والاجماع المحكي، ولا تنافيه الرواية السابقة المتضمنة للفظة (الكراهة) لعدم
وضوح سندها، بل ولا دلالتها لأعمية الكراهة فيها من المعنى المعروف الآن،
والمنع التحريمي مع ضعفها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتى.
(الطرف الثالث: في الأحكام، ومسائله تسع:)
(الأولى: لو علم) المأموم (فسق الإمام أو كفره أو حدثه) أو كونه
على غير القبلة أو إخلاله بالنية أو نحو ذلك (بعد الصلاة لم يعد) ها مطلقا
على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة أصحابنا، عدا الإسكافي (1) فقد حكي
عنه القول بالإعادة في الأمور المذكورة في العبارة مطلقا لها في أولها، ومقيدا لها
بالوقت في أخيرها.
ووافقه المرتضى في الجميع، غير أنه لم يقيد الأخير بالوقت خاصة (2)، وهما
شاذان على الظاهر المصرح به في كلام جماعة، مشعرين بدعوى الاجماع على
خلافهما كما صرح به الشيخ - رحمه الله - في الخلاف (3) في الأمر الثاني.
ونحوهما في الشذوذ إيجابه الإعادة عليه في الوقت في الرابع (4) أيضا كما
عليه الحلي حاكيا له عن الشيخ (5)، مع احتمال اختصاص خلافهم هنا بما إذا
تبع المأموم الإمام في الصلاة إلى غير القبلة، فيكون خارجا عن مفروض
المسألة.

(1) والحاكي هو مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 156 س 25، ليس فيه
التفصيل المذكور كما في مفتاح الكرامة ج 3 ص 483 س 8، ولم نعثر على قول السيد في كتبه الموجودة
عندنا.
(2) لم نعثر عليه في كتبه الموجودة عندنا، ونفله العلامة في المختلف: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1
ص 156 س 25.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة م 292 ج 1 ص 550.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 158.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 289.
354

وبإجماع الخلاف يستدل على عدم الإعادة في البواقي بطريق الفحوى، مع
أن الصحاح مستفيضة كغيرها من المعتبرة بعدم الإعادة في جميع ما ذكرنا عدا
الفسق، لكنه ملحق بالكفر إجماعا وبطريق أولى كما مضى.
ففي كالصحيح: قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم
رجل، فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي، قال: لا يعيدون (1). ونحوه
غيره.
وفي المرسل كالصحيح: عن قوم صلى بهم إمامهم وهو على غير طهر، أتجوز
صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: لا إعادة عليهم، تمت صلاتهم وعليه هو الإعادة،
وليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع (2).
والصحاح كغيرها بمعناه مستفيضة، وفيه: رجل يصلي بالقوم ثم يعلم أنه
قد صلى بهم إلى غير القبلة قال: ليس عليهم إعادة شئ (3). ونحوه آخر معللا
بأنهم قد تحروا (4).
وفي آخرين: رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة وأحدث
إمامهم، فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه فصلى بهم، أتجزيهم صلاتهم وهو لا ينويها
صلاة؟ فقال: لا ينبغي - إلى أن قال -: وقد تجزئ عن القوم صلاتهم وإن لم
ينوها (5).
وهذه النصوص - مع ما هي عليه من الصحة والاعتبار والاستفاضة القريبة
من التواتر والشهرة العظيمة القريبة من الاجماع، بل الاجماع حقيقة كما عرفت
حكايته - موافقة للقاعدة ج لامتثال المأمور به وهو: الصلاة خلف من يظن

(1) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 435.
(2) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 434.
(3) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 و 2 ج 5 ص 436.
(4) وسائل الشيعة: ب 38 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 و 2 ج 5 ص 436.
(5) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 437.
355

استجماعه لشرائط الإمامة، إذ تكليفه بتحصيل العلم بالاستجماع - واقعا -
تكليف بما لا يطاق، وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء، ومع ذلك فهي سليمة عما
يصلح للمعارضة عدا أمر اعتباري.
وهو مع ضعفه في نفسه ومعارضته بأقوى منه اجتهاد في مقابلة النصوص
التي قدمناها، ومعارضتها بنصوص - أخر مانعة ضيفة غايته بعد ضعف أسانيدها
جملة، وموافقتها لجماعة من العامة، ومنهم: أصحاب الرأي، وهم: أصحاب أبي
حنيفة. ومع ذلك فقد تضمن بعضها ما لا يوافق مذهب الإمامية في الإمامة من
التلازم بينها وبين العصمة، مع أن الرواية في خلافها صريحة، وما عداها مروية
في كتب غير مشهورة، فلا تكافؤ ما قدمناه من وجوه عديدة.
وللصدوق في المقنع هنا قول ثالث، حكاه عن جملة ممن عاصره من
المشائخ، وهو: الفرق بين الجهرية فالأول، والسرية فالثاني (1)، ولا يعرف له
وجه بالكلية. هذا إذا تبين الخلل بعد الصلاة.
أما في أثنائها: ففي جواز الانفراد أو لزوم الاستئناف قولان مبنيان على
الخلاف المتقدم، فيأتي الأول على المختار وغيره على غيره. ويدل على
خصوص المختار هنا جملة من النصوص: منها ما مر في بحث ما لو عرض للإمام
حدث من نحو الصحيح: عن رجل صلى بقوم - ركعتين، ثم أخبرهم أنه ليس
على وضوء، قال: يتم القوم صلاتهم، فإنه ليس على الإمام ضمان (2). فتأمل.
(ولو كان) المأموم قبل الصلاة (عالما) بالخلل فائتم به (أعاد) ها
قطعا، لعدم الامتثال، إلا إذا اقتدى بمخالف تقية أو مطلقا. فظاهر جملة من
النصوص والفتاوى عدم الإعادة مطلقا، إلا أن الإعادة مع عدم التقية أحوط

(1) من لا يحضره الفقيه: كتاب الصلاة باب الجماعة ج 1 ص 405.
(2) وسائل الشيعة: ب 36 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 433.
356

وأولى، حيث يكون الشئ من الواجبات تاركا. وقد استوفينا الكلام في هذه
المسألة في الشرح في بحث استحباب الصلاة مع المخالفين، من أرادها فيطلبها
من هناك.
وإنما لم يذكر الأصحاب هذا الاستثناء هنا بناء على أن الاقتداء بالمخالف
ليس اقتداء حقيقة، وإنها هو شبه اقتداء، ولما كان يوجب سقوط بعض
الواجبات وأقله الجهر بالقراءة أحيانا ذكره العبد هنا.
(الثانية:) قد سبق أن الأشهر الأقوى إدراك المأموم الركعة بإدراك الإمام
راكعا، وعليه ف (إذا) دخل موضعا يقام فيه الجماعة وقد ركع
الإمام و (خاف بالتحاقه به (فوت الركوع عند دخوله) في الصلاة برفع
الإمام رأسه فنوى كبر في موضعه (وركع (1) لا محافظة على إدراك الركعة
(جاز) إذا لم يكن هناك مانع شرعي من بعده عن الإمام بما لا يجوز له التباعد
عنه به على ما نص به جماعة: كالفاضل المقداد (2) وغيره.
وله (أن يمشي راكعا ليلتحق (3)) بالصف بلا خلاف يعرف، وبه
صرح بعض، وظاهر المنتهى: الاجماع عليه (5) وبه صرح في الخلاف (6)
للصحيح: عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة، فقال: يركع
قبل أن يبلغ القوم، ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم (7). ويجوز له السجود في
مكانه ثم الالتحاق. ولآخر: إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن

(1) في التن المطبوع: (فركع).
(2) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في أحكام الجماعة ج 1 ص 277.
(3) في المتن المطبوع: " ليلحق ".
(4) وهو الفيض في مفاتيح الشرائع: كتاب الصلاة في حكم من أدرك الإمام في أثناء الصلاة م 187
ج 1 ص 167.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 382 س 2.
(6) الخلاف: كتاب الصلاة م 298 ج 1 ص 555.
(7) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 443.
357

مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع، فإذا رفع رأسه فاسجد
مكانك، فإذا قام فالحق بالصف، وإن جلس فاجلس مكانك، فإذا قام فالحق
بالصف (1). وفي ثالث: رأيت أبا عبد الله - عليه السلام - يوما وقد دخل المسجد
لصلاة العصر، فلما كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده وسجد سجدتين، ثم
قام فمضى حتى لحق بالصف (2)، وعليه الاجماع أيضا في ظاهر المنتهى (3).
وإطلاق النص والعبارة يقتضي جواز المشي ولو حالة الذكر، خلافا
لجماعة فقيدوه بغيرها محافظة على الطمأنينة الواجبة فيها اتفاقا (4)، ولا ريب
أنه أحوط وإن كان في تعينه نظر، لأن تقييد الفتوى والنص هنا بأدلة
الطمأنينة ليس بأولى من تقييدها بهما، إلا أن يرجح الأول بأن في الثاني تركا
للواجب لادراك أمر مستحب وهو غير معقول، لكنه بترك القراءة ونحوها
لأجل إدراكه منقوض. ونحوه الكلام فيما مر مما ذكره الجماعة من المانع
الشرعي كيف! ولو كان البعد بما لا يجوز له التباعد اختيارا مانعا شرعيا هنا لما كان
الحكم هنا اتفاقيا، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور دون من لا يجوز التباعد
بما لا يتخطى، مع أنه لم ينقل الخلاف عنه هنا فتأمل جدا. ولا ريب أن ما
ذكروه أحوط وأولى كاعتبار عدم وقوع فعل كثير في مشيه وأن مجر رجليه
حينئذ ولا يتخطى كما قاله الصدوق ورواه (5).

(1) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 443.
(2) وسائل الشيعة: ب 46 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 443، باختلاف في اللفظ.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 382 س 7.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 376 س 21، والدروس الشرعية: كتاب
الصلاة في صلاة الجماعة ص 56 س 6.
(5) من لا يحضره الفقيه: في الجماعة وفضلها ح 1149 ج 1 ص 389.
358

(الثالثة: إذا كان الإمام في محراب داخل) في الحائط أو المسجد
على - وجه يكون إذا كان وقف فيه لا يراه من على جانبيه (لم تصح صلاة من
إلى جانبيه في الصف الأول) أي: الصف الذي هو من جملتهم، لعدم
المشاهدة المشترطة في صحة الجماعة. واحترز بالصف الأول عمن إلى جانبيه
في الصف المتأخر عنه، فإن صلاتهم صحيحة على ما روى به الشيخ فيما حكاه
عنه في الذكرى مصرحا هو به أيضا وفاقا له (1)، ولصريح الفاضل في التذكرة ونهاية الإحكام والمنتهى (2). وتبعهم في المدارك من غير نقل خلاف فيه أصلا حتى
من الماتن هنا (3).
وفي الشرائع (4) والفاضل في التحرير بانيا على أن المراد من العبارة التي
اتفقت عليها الكتب الثلاثة - ولو بتغيير ما لا يخل بمقصودنا - ما فهمناه (5)، لا ما
ربما يفهم منها من: أن المراد بالصف الأول: هو الصف المتأخر عن الإمام
فتدل على فساد صلاة من على يمين مقابل الإمام ويساره منه. ووجه البناء
هو: أن المتبادر ممن إلى الجانب إنما هو الذي يحاذي يمين الإمام ويساره بحيث
يحاذي منكبيه حقيقة، لا من يكون إلى جانبيه في الصف المتأخر عنه، ولا وجه
لفهم هذا منه إلا التقييد بقوله: (في الصف الأول) وليس فيه منافاة لما ذكرناه
بعد ظهور إطلاقه حقيقة على الصف الذي فيه الإمام قطعا، وإنما أتى به
تأكيدا ودفعا لتوهم فهم من إلى جانبيه في الصف المتأخر منه لغلبة إطلاق من

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 272 س 37.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 173 السطر الأخير، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 123، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 365
س 8.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 376.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 126.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 51 س 24.
359

إلى جانبيه عليه أيضا ولو مجازا.
ويشهد لما فهمنا تبعا للمدارك - زيادة على ما ذكرنا - ملاحظة ما ذكره
شيخنا الشهيد الثاني (1) والمحقق الثاني (2) في شرحهما لعبارة الشرائع، فإن
عبارتهما صريحة في ذلك، وفي فتواهما به مع عدم نقل مخالف مشعرين بعدم
الخلاف.
ويعضده أيضا: أن أحدا من الأصحاب المتأخرين من الفاضلين لم ينقل
الخلاف عنهما، مع تصريح جملة منهم بالحكم كما ذكرنا: كالفاضل نفسه في
التذكرة والمنتهى والنهاية من غير نقل خلاف أصلا، وصاحب الذخيرة مع
استشكاله فيه - بما قدمناه في بحث الشروط - لم ينسب الخلاف إلى أحد أصلا،
بل نسب الحكم المزبور إلى الشيخ ومن تبعه جملة مشعرا بكونه بينهم إجماعيا (3)،
وقد صرح بعدم الخلاف فيه في الكفاية (1).
وبالجملة: لم أر مخالفا فيه بالكلية، والظاهر عدمه كما يفهم من عبائر
المتعرضين للحكم في المسألة.
نعم ربما يفهم من عبارة القواعد المخالفة، فإنه قال: لو صلى الإمام في
محراب داخل صحت صلاة من يشاهده من الصف الأول خاصة، وتصح
صلاة الصفوف الباقية أجمع، لأنهم يشاهدون من يشاهده (5) انتهى. وذلك فإن
فرض المشاهدة في الصف الأول يقتضي كون المراد به الصف المتأخر عن
الإمام بناء على أن المحراب لا يسع غير الإمام، ولا يكون محزوما غالبا، فلا

(1) مسالك الأفهام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 45 س 36.
(2) لم نعثر عليه.
(3) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 394 س 8.
(4) كفاية الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 31 س 3.
(5) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 46 س 8، باختلاف يسير.
360

يمكن فرض مشاهد له في صفه. لكن يمكن الذب عنه بحمله على غيره،
والتعرض لحكم الفرض النادر في كلام الفقيه غير عزيز.
ألا ترى إلى الذكرى قد تعرض له، فقال: ولو ولجها - أي: المقصورة -
الإمام وشاهده الجناحان أو انتهت مشاهدتهما إلى من يشاهده صح الائتمام،
وإلا فلا. وأما الذين يقابلون الإمام فصلاتهم صحيحة، لانتهاء مشاهدتهم
إليه (1). وذلك فإن عبارته كالصريحة، بل صريحة في أن المراد بالجناحين: من
في صف الإمام عن يمينه ويساره، ومع ذلك فرض مشاهدتهما له، ولا تكون إلا
بولوجهما معه في المقصورة، أو فرض كونها مخرومة.
ووجه صراحة هذه العبارة في حكم أصل المسألة - كما قدمنا إليه الإشارة -
هو تصريحها بالاكتفاء في الصحة بانتهاء مشاهدة الجناحين إلى من يشاهد
الإمام. فإن خصصنا هما بمن في صف الإمام - كما هو ظاهر العبارة، بل
صريحها كما عرفته - فالدلالة واضحة، وكذا أن عممناهما في الصف المتأخر
عنه، فإن انتهاء مشاهدتهما فيه إلى من يشاهد الإمام إنما هو عن يمينهما ويسارهما
لاقدامهما.
هذا، وتعليله - كالفاضلين وغيرهما - صحة صلاة الصفوف المتأخر عن
الإمام بأنهم يشاهدون من يشاهد الإمام قرينة على حكمهم بالصحة في
مفروض المسألة، حيث لم يقيدوا المشاهدة بوقوعها ممن في الخلاف لقدامه، بل
تشمل ما لو وقعت من الجانبين فتعم الصحة لمن هو مفروض المسألة.
ولو فرض اختصاص مورد التعليل بغيره فإن العبرة بعمومه لا بخصوص
مورده. وما يقال من: إنه لا دليل على ما ذكروه من اعتبار المشاهدة وأخذها
قاعدة كلية مطلقا حتى لو حصلت بواسطة أو وسائط لكانت كافية فمما

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 272 س 28.
361

لا ينبغي الاصغاء إليه، ولا العروج في مقام التحقيق عليه، لظهور إطباقهم
عليها، بل قال في المنتهى: إنه لا نعرف فيها خلافا (1)، مؤذنا بكونها بين الخاصة
والعامة مجمعا عليها.
وبالجملة: لا أرى شبهة في حكم المسألة من حيث الفتوى. وأما من جهة
النص فمشكل، إذ لم أقف على ما يدل عليه منه، عدا الصحيحة المتقدمة في
بحث الشروط، ودلالتها عليها غير واضحة، إلا أن تتمم بفهم الطائفة مع
احتمال تتميمها من غير هذه الجهة.
هذا، وفي الصحيح: لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا (2). وفي آخر:
قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: إني أصلي في الطاق - يعني: المحراب - فقال:
لا بأس إذا كنت تتوسع (3) به. وفي هذا إشعار بل ظهور تام بصحة صلاة
المأمومين من جاني من يقابل الإمام خلفه في المحراب، إذ معها تحصل التوسعة
الكاملة المتبادرة من الرواية، وإلا فلا تحصل من ولوجه في المحراب إلا التوسعة
بنفس واحدة، وهي خلاف المتبادر منها كما عرفته. فتأمل.
(الرابعة: إذا شرع) المأموم (في نافلة فأحرم الإمام، قطعها) أي: قطع
المأموم النافلة (إن خشي الفوات) تحصيلا للجماعة التي هي أهم من النافلة
على ما صرح به الجماعة.
ويستفاد من المعتبرة الآتية الآمرة بالعدول عن الفريضة إلى النافلة، إذ هو
في معنى: إبطال الفريضة فإذا جاز لدرك فضيلة الجماعة فجواز إبطال النافلة
لدركها أولى.
وللرضوي: وإن كنت في صلاة نافلة وأقيمت الصلاة فاقطعها وصل

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 365 س 8.
(2) وسائل الشيعة: ب 59 من أبواب الجماعة ح 2 ج 5 ص 460.
(3) وسائل الشيعة: ب 61 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 461.
362

الفريضة مع الإمام (1). وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين خوف الفوات وعدمه
كما هو ظاهر. إطلاق الحلي (2) والمحكي في المختلف عن الشيخ والقاضي (3).
خلافا للأكثر فقيدوه بالأول قالوا: ليحوز الفضيلتين وهو أحوط، سيما على
القول بمنع قطع النافلة اختيارا.
وعليه فهل المعتبر خوف فوات الركعة أو الصلاة جملة؟ وجهان، الظاهر
الأول؟ لأوفقيته بظاهر الرضوي والنصوص الآتية على ما سيأتي.
(ولو كان) المأموم (في فريضة) وأحرم الإمام أو أذن وأقام - كما
يستفاد من نصوص المقام - (نقل نيته) من الفرض (إلى النفل وأتم
ركعتين): بلا خلاف صريح، بل عليه في ظاهر التذكرة وغيرها الاجماع (4)،
للمعتبرة.
منها الصحيح: عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبينما هو قائم
يصلي، إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة، قال: فليصل ركعتين، ثم ليستأنف
الصلاة مع الإمام، ولتكن الركعتان تطوعا (5). وبمعناه الموثق (6) والرضوي
بزيادة فيه وهو: النهي عن قطع الفريضة وتعيين العدول إلى النافلة (7)، وفيهما
- وهي تخصيصه بالإمام المرضي دون من لا يقتدى به، وبالزيادة الأولى،

(1) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 12 في صلاة الجماعة وفضلها ص 145.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 289.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 159 س 12، والنهاية: كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ص 118، والمهذب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 83.
(4) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 184 س 2، ومدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 381.
(5) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 458.
(6) وسائل الشيعة: ب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 458.
(7) فقه الرضا - عليه السلام -: ب 12 في صلاة الجماعة وفضلها ص 145.
363

مضافا إلى عموم ما دل على حرمة ابطال الفريضة - يضعف ما في المختلف عن
الشيخ والقاضي من جواز القطع هنا مطلقا، وقواه الشهيد في الذكرى أيضا،
لكن مع خوف الفوات لا مطلقا حاكيا له عن الشيخ في المبسوط أيضا (1).
ثم إن هذا مع إمكان النقل. وأما مع عدمه كأن دخل في الثالثة، ففي
جواز النقل هنا أيضا بأن يهدمها أو قطع الفريضة من أصلها أو لا ذاك ولا
هذا بل يبقى مستمرا أوجه، استقرب الفاضل في جملة من كتبه أخيرها (2). وهو
أقوى، اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على تحريم قطع الفريضة اختيارا على
مورد النص والفتوى. وليس منه هذا إلا أن يستدل على الثاني بفحوى ما دل
على جواز القطع لادراك فضيلة الأذان والإقامة. فجوازه لادراك فضيلة
الجماعة أولى. وهو عالي تقدير تسليمه أخص من المدعى، لاختصاص الجواز
في الأذان بصورة خاصة دونه هنا فإنه يعمها وغيرها، إلا أن يتم بعدم القائل
بالفرق، ولا يخلو عن نظر.
واعلم: أن قوله: (استحبابا) الظاهر رجوعه إلى المسألتين، وإلا فلم يقل
أحد بوجوب القطع المستفاد من ظاهر العبارة في أولهما، إلا أن يحمل الأمر فيها
على الرخصة؟ لوروده مورد توهم الحرمة، فلا يعيد سوى الإباحة، وهو لا يستلزم
الندب والفضيلة، لكنه خلاف الظاهر، بل لعل الاستحباب متفق عليه بين
الجماعة وإن عبر جملة منهم بالجواز المطلق، لكون الظاهر إرادتهم منه
الاستحباب لا الإباحة.
وكيف كان، فلا ريب في ثبوته؟ لورود الأمر به في الرضوي، مضافا إلى
التسامح في أدلة السنن حيثما لا يحتمل التحرم كما نحن فيه.

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة من 277 السطر الأخير.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 184 س 8، ونهاية الإحكام: كتاب
الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 159.
364

(ولو كان) المأموم قد دخل الفريضة وأحرم (إمام الأصل قطعها)
استحبابا (واستأنف) الصلاة (معه) فيما ذكره الشيخ (1) والحلي (2) وجماعة.
وحجتهم عليه غير واضحة، عدا أمر اعتباري لا أظنه يصلح لمعارضة إطلاق
النصوص المتقدمة المؤيدة بأدلة تحريم إبطال الفريضة، ومع ذلك فالمسألة قليلة
الجدوى والثمرة، وتردد فيها الفاضلان (3) بل قطع في المختلف (4) والمنتهى (5)
بالحرمة.
(ولو كان) الإمام (ممن لا يقتدي به استمر) المأموم (على حال)
في المسألتين، فلا يقطع النافلة، ولا يعدل إليها من الفريضة، للأصل، مضافا
إلى الزيادة المتقدم إليها الإشارة في الرضوي والموثقة المتقدمة.
(الخامسة: ما يدركه المأموم) المسبوق بركعة فصاعدا مع الإمام من
الركعات (يكون أول صلاته، فإذا سلم الإمام أتم هو ما بقي) عليه
بإجماعنا الظاهر المنقول في ظاهر جملة من الجبائر مستفيضا كالمعتبر (6)
والتذكرة (7) والمنتهى (، ونهاية الإحكام (9) وروض الجنان (10) وغيرها،

(1) النهاية: كتاب الصلاة في الجماعة ص 118، وفيه: إمام عدل.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 289.
(3) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 445، ولم نعثر في كتب العلامة الموجودة عندنا على
تردده في المسألة.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 159 س 16.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 383 س 15.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 446.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 181 س 42.
(8) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 383 س 29.
(9) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 134.
(10) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 376 س 29.
365

والصحاح به مع ذلك مستفيضة جدا كغيرها، وفي أكثرها الأمر بقراءة الحمد
والسورة، أو الحمد خاصة مع الضرورة، أو مطلقا في الأوليين اللتين هما أخيرتا
الإمام.
ففي الصحيح: إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام
يحتسب بالصلاة خلفه جعل أول ما أدرك أول صلاته، وإن أدرك من الظهر
أو العصر أو العشاء ركعتين وفاتته الركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك في نفسه
بأم الكتاب وسورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب، فإذا سلم
الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما - إلى أن قال -: وإن أدرك ركعة قرأ فيها،
فإذا سلم الإمام قام فقرأ بأم الكتاب وسورة، ثم قعد فتشهد، ثم قام فصلى
ركعتين ليس فيهما قراءة (1).
وفيه: عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له
الأولى كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال: يتجافى ولا يتمكن من القعود،
فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما
يتشهد، ثم يلحق الإمام.
وعن الرجل يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟
فقال: إقرأ فيهما فإنهما لك الأوليان، ولا تجعل أول صلاتك آخرها (2).
وهل هذه القراءة على الوجوب أو الندب؟ قولان، من ظاهر الأوامر فيها،
مضافا إلى عموم ما دل على وجوبها، ومن عموم ما دل على سقوطها خلف
الإمام المرضي المخصص به العموم المتقدم، وتحمل الأوامر على الندب جمعا،
ولا سيما مع انضمامها في بعض النصوص بما هو للندب أو الكراهة قطعا، مع أن

(1) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 4 ج 5 ص 445، مع تفاوت يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 47 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 445 مع تفاوت يسير.
366

في بعضها الأمر بالقراءة في النفس وهو غير القراءة الحقيقية. فيكون هذا
قرينة أخرى على الندب أيضا. والأول أقوى، وفاقا لأعيان القدماء:
كالشيخ في التهذيبين (1) والنهاية (2) والحلبي (3) والمرتضى (4) وابن زهرة (5)، بل
الكليني (6) والصدوق أيضا (7)، لقوة أدلته وضعف معارضتها. فالأول بمنع
العموم، بل غايته الاطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر إلى محل النزاع. ولو
سلم فهو مخصص بالأوامر هنا، وهو أولى من حملها على الندب، لأولوية
التخصيص من المجاز حيثما تعارضا على الأشهر الأقوى.
والقرينة الأولى على الندبية على تقدير تسليمها معارضة بمثلها، وهو
تضمن بعضها ما هو للوجوب قطعا، وبعد تعارضهما يبقى الأمر الظاهر في
الوجوب عن الصارف سليما.
وأما القرينة الثانية فممنوعة، إذ القراءة في النفس كناية عن الاخفاء بها
كما شاع التعبير بها عنه في الأخبار.
ومنها: ماء ورد في الصلاة خلف المخالف، مع الاتفاق على وجوب القراءة
الحقيقية فيها. ولو سلم فكيف يجعل القراءة في النفس التي ليست قراءة حقيقة
ملفوظا بها قرينة على استحبابها؟! بل إبقاؤها على حقيقتها خلاف الاجماع
قطعا، وهو من أعظم الشواهد على أن المراد بها ما ذكرنا.

(1) تهذيب الأحكام: ب 3 في أحكام الجماعة في. ج 3 ص 45، والاستبصار: ب 267 من فاتته مع
الإمام ركعة ج 1 ص 437.
(2) النهاية: كتاب الصلاة في الجماعة ص 115.
(3) الكافي في الفقه: في صلاة الجماعة ص 145.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في الجماعة ج 3 ص 41.
(5) أثبتناه من (م) و (مش) و (ق).
(6) الكافي: كتاب الصلاة، باب الرجل يدرك مع الإمام بعض صلاته ج 3 ص 382 و 383.
(7) المقنع (الجوامع الفقهية) ج كتاب الصلاة ص 10 س 10.
367

وبالجملة: فالقول الثاني كما عليه الحلي (1) والفاضل في جملة من كتبه:
كالتذكرة (2) والمختلف (3) والمنتهى (4) وغيرها ضعيف جدا.
وهل الاخفات هنا ولو في الجهرية على الوجوب كما هو ظاهر
الصحيحة الأولى وغيرها وصريح المرتضى (5)، أو الندب كما يقتضيه الأصل
وخلو باقي النصوص عنه وقوة ورود الأمر به لمراعاة ما يستحب اتفاقا عدم
إسماع المأموم الإمام شيئا؟ وجهان، أحوطهما الأول، إلا مع عدم المتابعة بأن
خرج الإمام عن الصلاة وقام المأموم إلى الركعة التي يجب عليها الجهر فيها
بالقراءة. فالأحوط الجهر بها وإن احتمل العدم ضعيفا بتخيل اختصاص ما دل
على وجوب الجهر بحكم التبادر بغير مفروضنا. هذا لكن لا وجه لرجحان
الاخفات هنا.
ثم إنه على المختار من وجوب قراءة السورتين يختص بحالة التمكن منهما،
وإلا فالحمد خاصة مع إمكانها بلا إشكال، لتصريح الصحيحة به وغيرها
كالرضوي وغيره. ويشكل مع عدم التمكن منها أيضا، فهل يأتي بها وإن فاته
الركوع فيقرأها ويلحق الإمام في السجود، أم يتابعه في الركوع ويتركها؟
وجهان، أجودهما الثاني كما بينته في الشرح مستوفى.
ولكن مراعاة الأول أحوط وأولى بأن لا يدخل مع الإمام، إلا عند تكبيرة
للركوع إذا عرف عدم التمكن منها، وإن دخل قبل ذلك فليقرأ منها الممكن، ثم
ليتابعه في الركوع ويعيد الصلاة احتياطا.

(1) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 286.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 182 س 5.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 159 س 9.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 384 س 13.
(5) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى): كتاب الصلاة في الجماعة ج 3 ص 41.
368

وإذا جلس الإمام للتشهد وليس له محل للتشهد تجافى ولم يتمكن من
القعود كما في الصحيح المتقدم وغيره.
وهل هو على الوجوب كما هو الظاهر منهما وعليه الصدوق (1)، أم الندب
كما هو ظاهر الأكثر، للأصل، وخلو كثير من النصوص عنه، مع الأمر بالقعود
في الموثق: عن رجل يدرك الإمام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلا رجل واحد
عن يمينه، قال: لا يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل، ولكن يقعد الذي يدخل معه
خلف الإمام، فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتم صلاته (2)؟ وجهان، أحوطهما
الأول إن لم نقل بكونه المتعين لقوة مستنده، بالإضافة إلى مقابله بالأخصية
والصحة والتعدد، فيخص به الأصل والنص، ويحمل القعود على ما يقابل
القيام في الموثق، مع أنه لا بد فيه من ارتكاب خلاف ظاهر، إذ لا قائل بوجوب
القعود الحقيقي ولا استحبابه، فحمله عليه موجب لشذوذ الموثق وندرته، أو
صرف الأمر فيه إلى خلاف ظاهره من الإباحة والرخصة، وهو ليس بأولى
من حمل القعود فيه على ما ذكرنا إن لم نقل بكونه أولى.
وعليه، فلا يمكن صرف الأمر في الصحيح وغيره عن ظاهره بمجرده، مع
اعتضادهما بغيرهما كالصحيح: من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه
تجافى وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكنا (3).
وكيف كان، لا ريب أن التجافي أولى، ويأتي بالتشهد استحبابا، لأنه
بركة كما في المعتبرين (4) خلافا لجماعة (5) فمنعوا عنه وأثبت بعضهم بدله

(1) من لا يحضره الفقيه: في الجماعة وفضلها ج 1 ص 404.
(2) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 449، باختلاف يسير.
(3) وسائل الشيعة: ب 67 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 468.
(4) وسائل الشيعة: ب 66 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 و 2 ج 5 ص 467.
(5) الكافي في الفقه: في صلاة الجماعة ص 145، وغنية النزوع (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة
ص 498 س 23، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 52 س 24.
369

التسبيح، ولعله أحوط وإن كان لا بأس بالأول حيث لم يقصد به الأمر
الموظف، بل قصد به الذكر المطلق.
وإذا جاء محل تشهد المأموم فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر التشهد
المجزئ، ثم يلحقه كما مر في الصحيح. وينبغي أن يتابع الإمام في قنوته كما في
الموثق، ويأتي بقنوت نفسه للعموم.
(السادسة:) المأموم (إذا أدركه) أي: الإمام (بعد انقضاء الركوع)
الأخير بأن لم يجتمع معه بعد التحريمة في حده (كبر وسجد معه) بغير ركوع
(فإذا سلم الإمام استقبل المأموم (1)) الصلاة واستأنفها من أولها، بلا
خلاف إلا من الفاضل في المختلف فتوقف في استحباب الدخول، لورود النهي
عنه في الصحيح (2). وفيه بعد التسليم: العمل به، مع أنه خلاف الأظهر الأشهر
كما مر في بحثه أن المراد به: الدخول على سبيل الاعتداد بالركعة، لا على
سبيل إدراك فضيلة الجماعة، كما يفصح عنه تبديل النهي عن الدخول ب‍
(لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام) في الصحيح الآخر (3) لراوي
الأول، مع تصريح ثالث (4) له أيضا بإدراك فضيلة الجماعة بإدراك الإمام وهو
في السجدة الأخيرة، وهو شامل للمسألة بالأولوية.
وما ذكرناه من الأجوبة أولى مما في المدارك (5) من حمل النهي على
الكراهة، إذ ليس فيها منافاة لما ذكره العلامة من القدح في استحباب الدخول

(1) في المتن المطبوع والشرح الصغير " هو " بدل " المأموم ".
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 158 س 28.
(3) وسائل الشيعة: ب 44 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 441.
(4) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 448.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 385.
370

كما عليه الجماعة، حاكمين بأنه يدرك به فضيلة الجماعة، بل هو ضعيف،
وأضعف منه ميله إلى موافقة العلامة، معللا بعدم ثبوت التعبد بما عليه
الجماعة، لما عرفت من ثبوته بالصحيحة الثالثة بالأولوية في المسألة وفي موردها
بالصراحة، وقد اعترف هو بها في تلك المسألة ونحوها ما سيأتي من المعتبرة.
هذا، مضافا إلى صريح الخبر في المسألة، المنجبر ضعف سنده وقصور دلالته
بالشهرة العظيمة القريبة من الاجماع، بل الاجماع في الحقيقة: إذا سبقك الإمام
بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه، ولا تعتد بها (1).
ومن ظاهر الشيخ والحلي (2) فلم يوجبا الاستئناف (3)، قيل: لاغتفار
الزيادة في المتابعة (4). وهو حسن مع وجود الدليل عليه، وليس لا من إجماع كما
هو ظاهر، ولا من نص، إذ لم نقف عليه عدا ما مر، وليس فيه عدا بيان إدراك
فضيلة الجماعة، وهو لا يلازم اغتفار الزيادة، إلا أن يجعل السكوت عن الأمر
بالاستئناف دليلا على عدم لزومه، لورود النص مورد الحاجة.
لكن في الخروج بمثله عن عموم ما دل على فساد العبادة بالزيادة من
الاعتبار والرواية - كما عرفته غير مرة - مناقشة، سيما مع احتمال عدم السكوت
بعد الاتيان بقوله: (ولا تعتد بها) في الرواية الأخيرة، لاحتمال رجوع الضمير
فيها إلى الصلاة، فيوافق المختار من عدم الاغتفار، بل استدل بها عليه كما ذكره
جماعة من الأصحاب،، لكنه ضعيف، لاحتمال رجوعه إلى الركعة أيضا، فلا
ينافي ما عليه الشيخ ومن تبعه. مع أن هذا الاحتمال أولى، لكون المرجع عليه

(1) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 449.
(2) في (م) و (ق): (الحلبي) بدل (الحلي).
(3) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 159، والسرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة
ج 1 ص 286.
(4) والقائل هو صاحب مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 4 ص 385.
371

مذكورا قبل الضمير صريحا بخلاف الأول، لعدم سبق ذكر له قبله إلا ضمنا.
(وكذا) الكلام فيما (لو أدركه بعد السجود) فيستحب له المتابعة له فيه،
ويستأنف الصلاة من أولها. وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكمين
بين الادراك بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة أو قبله. ولا إشكال في
الحكم الأول على التقديرين، ولا خلاف فيه أيضا إلا ممن سبق.
ويضعفه - زيادة على ما مر في الجملة من الصحيح المصرح بدرك فضيلة
الجماعة والإمام في السجدة الأخيرة - القوي المروي في الفقيه كما يأتي،
والموثق: في الرجل يدرك الإمام وهو قاعد للتشهد وليس خلفه إلا رجل واحد
عن يمينه، قال: لا يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل، ولكن يقعد الذي يدخل معه
خلف الإمام، فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتم صلاته (1). والنبوي المروي في
الوسائل عن مجالس الشيخ: إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا
تعتدوها شيئا (2). والمقطوع: إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلى ركعتين
فكبر، ثم اجلس، فإذا قمت فكبر (3). والأمر بالمتابعة ليس إلا لادراك
فضيلة الجماعة كما صرحت به الصحيحة السابقة وجماعة، وقصور السند أو
ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة (4).
وأما النصوص المخالفة للأخبار المزبورة كالموثق: عن رجل أدرك الإمام
وهو جالس بعد الركعتين، قال: يفتتح الصلاة، ولا يقعد مع الإمام حتى
يقوم (5)، والخبر: إذا وجدت الإمام ساجدا فأثبت مكانك حتى يرفع رأسه،

(1) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 446، مع تفاوت يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 7 ج 5 ص 455، مع زيادة في آخره، وأمالي
الشيخ الطوسي: ج 1 ص 399 الحديث الأخير.
(3) من لا يحضره الفقيه: باب الجماعة وفضلها ح 1185 ج 1 ص 398.
(4) في المخطوطات لا يوجد كلمة (العظيمة).
(5) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 4 ج 5 ص 449.
372

وإن كان قاعدا قعدت، وإن كان قائما قمت (1). فغير مكافئة لمقابلتها من وجوه
عديدة: أعظمها: اعتضاد تلك مع صحة بعضها بالشهرة العظيمة القريبة من
الاجماع، بل الاجماع في الحقيقة، لعدم عامل بهذه أجده، إلا شيخنا الشهيد
الثاني فعمل بها، جامعا بينها وبين الأخبار السابقة بالتخيير، مفصلا للعمل بها
على هذه (2). وهو حسن بعد المكافئة، وهي مفقودة، لرجحان تلك بما عرفته،
مع أن ظاهر هذه حرمة المتابعة وهو لا يقول بها، وتنزيلها - على ما ذكره - فرع
حجة هي في المقام مفقودة. وقريب منه في الضعف ما عن التذكرة وفي غيره
من عدم إدراك فضيلة الجماعة إلا بإدراك السجدة الأخيرة (3)، لضعفه بما
عرفته من المعتبرة الآمرة بالمتابعة بإدراك الإمام بعدها، وقد مر أنه ليس إلا
لادراك الفضيلة. مضافا إلى صريح القوية المروية في الفقيه في حديث قال:
ومن أدرك الإمام وهو ساجد سجد معه، ولم يعتد بها، ومن أدرك الإمام في
الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، ومن أدرك وقد رفع رأسه من
السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة (4).
واحتمال كون هذه العبارة من الفقيه بعيد على ما يفهم من جماعة
وبصريحها، مضافا إلى ظاهر الروايات السابقة يعدل عما ربها يفهم من
الصحيحة المتقدمة من انحصار إدراك فضيلة الجماعة في إدراك الإمام في
السجدة الأخيرة، ولا في الحكم الثاني أيضا على التقدير الثاني على المختار في
المسألة السابقة من عدم اغتفار الزيادة، إذ لا فرق بين المسألتين إلا من حيث
كون الزائد ثمة ركنا وهنا غيره، وهو غير صالح للفرق بعد اشتراكهما في تعمد

(1) وسائل الشيعة: ب 49 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 449.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 378 س 15 - 18.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 182 س 35.
(4) من لا يحضره الفقه: في الجماعة وفضلها ح 1216 ج 1 ص 408.
373

الزيادة، فإنه مبطل مطلقا على ما تقتضيه القاعدة العقلية والنقلية كما عرفته
غير مرة، فإنه في الروضة من الاغتفار (1) هنا لا ثمة، لا أعرف وجهه، ويأتي على
قول الشيخ الاغتفار هنا أيضا، بل بطريق أولى. ويشكل على التقدير الأول،
لعدم زيادة فيه مبطلة إلا التشهد، وهو بركة كما مر في المعتبرة.
هذا إن حصل فيه المتابعة، وإلا فليس إلا القعود خاصة، وهو غير مبطل
بلا شبهة كما يفصح عنه الأمر به في المسبوق، حيث لم يكن له محل للتشهد.
نعم، في المقطوعة السابقة الآمرة بإعادة التكبيرة، وقطعها يمنع عن العمل
بها في المسألة، مع أني لا أجد قائلا بها ولا أعرف، مع أنها معارضة بالموثقة
الأولى المتقدمة؟ لظهورها بل صراحتها في عدم لزوم الاتيان بالتكبيرة لقوله:
(فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتم صلاته).
وبالجملة: فعدم الاستئناف هنا أقوى. ويمكن أن يقيد العبارة بصورة
الادراك، في السجود لا بعده، أو يقيد التشبيه بالحكم الأول وهو استحباب
الدخول، لا الثاني وإن أو همته العبارة، وعلى هذا التنزيل فلا مخالفة.
(السابعة: يجوز) للمأموم (أن يسلم قبل الإمام مع العذر) كنسيان أو
عروض حاجة يخاف فوتها، (أو نية الانفراد) بلا خلاف أجده، بل في
المدارك والذخيرة: أنه مقطوع به بين الأصحاب (2)، مؤذنين بالاجماع عليه
كما صرح به المرتضى في الناصرية في التسليم قبله نسيانا (3)، والفاضل في
المنتهى في مطلق العذر، أو مع نية الانفراد مطلقا (4). وهو الحجة، مضافا إلى

(1) المروضة البهية: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 799.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام الجماعة ج 4 ص 387، وذخيرة المعاد: كتاب الصلاة
في أحكام الجماعة ص 402 س 24.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في الجماعة م 105 ص 237.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 385 س 7.
374

فحاوي الاجماعات الآتية، والصحاح الصراح:
منها: في الرجل يصلي خلف إمام، فيسلم قبل الإمام، قال: ليس عليه
بذلك بأس (1).
ومنها: في الرجل يكون خلف إمام، فيطيل التشهد، فقال: يسلم من خلفه،
ويمضي في حاجته إن أحب (2).
ومنها: عن الرجل يكون خلف إمام فيطيل في التشهد، فيأخذه البول أو
يخاف على شئ أن يفوت، أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال: يسلم،
وينصرف ويدع الإمام (3). لم اطلاق جملة منها يقتضي جواز المفارقة في ضرورة
وغيرها، بنيتها وعدمها كما هو ظاهر الماتن في الشرائع وغيره (4).
بل في الروض (والذخيرة (6) نسب إلى ظاهر الأصحاب والجماعة،
مشعرين بدعوى الاجماع وهو الأقوى، خلافا لظاهر المتن والذكرى فاعتبرا
نيتها (7)، ولم أعرف له وجها، عدا الاتفاق على عدم جواز مفارقة المأموم الإمام
في غير المقام من سائر أحوال الصلاة اختيارا من غير نيتها وكذا هنا. وهو كما ترى
ووجوب المتابعة في الأقوال كما عليه في الذكرى (8). لكنه خلاف الأشهر، بل

(1) وسائل الشيعة: ب 64 من أبواب صلاة الجماعة ح 4 ج 5 ص 465. مع تفاوت قليل.
(2) وسائل الشيعة: ب 64 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 465.
(3) وسائل الشيعة: ب 64 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 464، بتفاوت يسير.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في الجماعة ج 1 ص 127، وقواعد الأحكام: كتاب الصلاة في
الجماعة ج 1 ص 47 س 18.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في الجماعة ص 379 س 7.
(6) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في الجماعة ص 452 س 27.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الجماعة ص 278 س 4.
(8) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في الجماعة ص 274 س 37 أطلق وجوب المتابعة، لكن في الدروس
ص 55 والبيان ص 138 قال: يجب متابعة الإمام في الأقوال والأفعال.
375

الأقوى. فإني لم أقف على ما يدل عليه صريحا، بل ولا ظاهرا، مع إطلاق
النص والفتوى هنا بجواز المفارقة مطلقا، فإن فيه تأييدا للعدم كما نبه عليه
شيخنا في الروض (1).
وفي جواز المفارقة فيما عدا المقام بنيتها من غير ضرورة قولان، أظهرهما نعم،
وفاقا للأكثر، بل لا خلاف فيه يظهر إلا من المبسوط حيث أفسد الصلاة
بالمفارقة لغير عذر (2). وهو غير صريح في المخالفة، بل ولا ظاهر ظهورا يعتد به،
لاحتمال اختصاصه بما إذا لم ينوها.
وكذا كلام السيد في الناصرية: (إن تعمد سبقه إلى التسليم بطلت
صلاته) (3) يحتمل التقييد بذلك أيضا. وعن خلاف الاجماع على الجواز (4)
كالفاضل في ظاهر المنتهى (5) وصريح التذكرة (6) والنهاية (7).
ولا حاجة لنا بعد هذه الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة العظيمة - بل
الاجماع كما عرفته - إلى الاستدلال بما ذكره جماعة من أمور لا يخلو عن مناقشة
كأدلة القول بالمنع، فإنها قاصرة، عدا قاعدة وجوب تحصيل البراءة اليقينية
عما اشتغلت به الذمة، ويجاب عنها بحصولها بما عرفته.
وأما الاستدلال للمنع بجملة من النصوص المتقدمة في بحث: ما لو أحدث
الإمام قدم من ينوبه من حيث الأمر فيها بالاستنابة مع تصريح الصحيح منها
بأنه: لا صلاة لهم إلا بإمام فغريب، بعد ما عرفت ثمة من: أن ذلك على

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 379 س 9.
(2) المبسوط: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الجماعة ج 1 ص 157.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة في الجماعة م 100 ص 237.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة م 309 ج 1 ص 559.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 384 س 34.
(6) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 175 س 20.
(7) نهاية الإحكام: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 2 ص 128.
376

جهة الفضيلة لا الوجوب في ظاهر الأصحاب، مع دعوى التذكرة عليه الاجماع،
مع احتمال عد ذلك من قسم الضرورة المبيحة للمفارقة، وحيث جازت
المفارقة فإن كانت قبل القراءة أتى بها.
ولو كان في أثنائها ففي البناء على قراءة الإمام أو إعادة السورة التي فارق
فيها أو استئناف القراءة من أولها أوجه، أوجهها الأول، وفاقا للروض (1)، لأن
قراءة الإمام كافية عنهما، وأولى بالاجزاء ما لو فارقه بعدها. خلافا للذكرى (2)
فأوجب في الموضعين استئنافها، وهو أحوط وأولى. وأحوط منه ترك الانفراد
فيهما إن كان مختارا، وإلا فما ذكرناه، وأحوط من جميع ذلك عدم مفارقة الإمام
اختيارا مطلقا، واضطرارا من غير نيتها.
(الثامنة: النساء يقفن من وراء الرجال) أو الإمام الذي يؤمهن.
(فلو جاء رجال) آخرون (تأخرن) عنهم (وجوبا إن (3) لم يكن لهم
موقف أمامهن) بلا خلاف في أصل الرجحان، بل صريح الماتن هنا.
وفي الشرائع (4) والفاضل في جملة من كتبه كالمنتهى والتذكرة (5) والتحرير
الوجوب (6) بمعنى: توقف صحة صلاة الرجل على تأخرهن، لا الوجوب
بالمعنى المعروف، لبعده على إطلاقه للأمر به في الصحاح المستفيضة وغيرها
من المعتبرة.

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 378 س 27.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ص 272 س 16.
(3) في المتن المطبوع: (إذا).
(4) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة الفصل الثالث في الجماعة ج 1 ص 127.
(5) من المخطوطات أثبتنا كلمة (والتذكرة).
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 376 س 32، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في
صلاة الجماعة ج 1 ص 53 س 6.
377

ففي الصحيح والمرسل - كالموثق -: عن الرجل يؤم المرأة في بيته؟ قال:
نعم، تقوم وراءه (1).
وفيه: المرأة تصلي خلف زوجها الفريضة والتطوع وتأتم به (2).
وفيه: أصلي المكتوبة بأم علي؟ قال: نعم، تكون على يمينك، يكون
سجودها بحذاء قدميك (3).
وفي الخبر: عن الرجل يصلي مع الرجل الواحد ومعهما النساء؟ قال: يقوم
الرجل إلى جنب الرجل ويتخلفن النساء خلفهما (4).
وفي الصحيح وغيره: إذا كان معهن غلمان أقيموهم بين أيديهن وإن كانوا
عبيدا (5). خلافا لجماعة، بل الأكثر فلم يوجبوه، بناء على ما اختاروه في
مسألة محاذاة المرأة للرجل في الصلاة من الكراهة، مؤذنين بكونها هنا قول كل
من قال بها ثمة، فإن تم إجماعا مركبا فلا محيص عما ذكروه، إلا أنه محل نظر؟
فإن الفاضلين في كتبهما المسطورة - مع اختيارهم الكراهة ثمة - صرحا بالوجوب
في المسألة (6).
ولذا اعترض الجماعة خالي العلامة أدام الله سبحانه أيامه. فقال - على
بناء هذه المسألة على تلك -: كون البناء على ذلك محل تأمل؟ لأن هيئة الجماعة
وظيفة شرعية، والظاهر من الأخبار: تعين تأخير النساء فيها. فتأمل (7)

(1) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 405.
(2) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 ج 5 ص 405.
(3) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 405.
(4) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 ج 5 ص 405.
(5) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب صلاة الجماعة ح 3 و 9 ج 5 ص 412 - 413.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ت 2 ص 448، وتحرير الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة
الجماعة ج 1 ص 52 س 6.
(7) لم نعثر عليه فراجع مفتاح الكرامة: كتاب الصلاة ج 3 ص 420 س 5.
378

أقول: لعل وجه التأمل هو قوة احتمال تحقق لاجماع المركب، ولا ينافيه
فتوى الفاضلين هنا بالوجوب مع تصريحهما ثمة بالكراهة، لاحتمال تغير رأيهما
هنا كما هو الظاهر من المنتهى حيث صرح في مسألة المحاذاة بكراهتها هنا أيضا،
فإنه بعد أن نقل بعض الصحاح الدالة على فساد صلاة المرأة بمحاذاتها في صلاة
العصر لإمامها ما لفظه:
ووجه هذه الرواية أن المرأة منهية عن هذه المواقف فيختص الفساد بها،
لكن لما بينا أن ذلك مكروهة حملنا الرواية على الاستحباب (1).
ومع ذلك فقد استدل للوجوب في المسألة بالنبوية العامية: أخروهن من
حيثما أخرهن الله تعالى. مع أنه أجاب عنها ثمة بأنها: ليست من طرقنا، فلا
تعويل عليها (2).
وكلماته هذه - كما ترى - صريحة في تغير رأيه، لا القول بالفصل، فيحتمل
قويا أن يكون بناؤه في غير الكتاب كذلك. وكذا الماتن هنا وفي الشرائع مع أنه
فيه كغيره صرح في تحرير تلك المسألة بما يعم صورتي الانفراد والجماعة.
وقال بعد نقل القولين: إن الأشبه الكراهة (3)، وحيث تم الاجماع المركب
كان التأخر على الاستحباب؟ لثبوته على المختار ثمة، وتحمل الأخبار هنا على
الكراهة كما حمل عليها نظيرها ثمة على التقية لموافقتها - سيما الصحيحة
الأخيرة - لمذهب أبي حنيفة على ما حكاه عنه في المنتهى، ومع ذلك الاحتياط
لا ينبغي تركه، سيما في المسألة.
(التاسعة: إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين، جلس،
حتى إذا فرغوا من التشهد (أو ماء) بيده (إليهم) يمينا وشمالا (ليسلموا،

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 243 س 31، باختلاف في اللفظ مع زيادة ونقصان.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 243 س 19، باختلاف في اللفظ.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في مكان المصلي ج 1 ص 71.
379

ثم يتم) هو (ما بقي) عليه كما في الصحيحين (1).
فإن لم يدر ما صلى الإمام قبله ذكره من خلفه كما في الصحيح (2). وفي
رواية: أنه يقدم رجلا منهم ليسلم بهم (3).
وحملها في المنتهى على الاستحباب (4).
وجعلها الشيخ أحوط (5)، وفيه إشكال، لضعف السند، وعدم المقاومة
لما مر. وقريب منه القول بالتخيير كما قيل (6). وتجويز المنتهى انتظارهم إلى فراغ
الإمام ليسلم بهم؟ لعدم وضوح مستندهما عدا الجمع بين النصوص للأول، وفيه
ما مر، والقياس بصلاة الخوف للثاني، ولا حجة فيه.
(خاتمة)
في بيان جملة من أحكام المساجد، وذيلت بها صلاة الجماعة لغلبة وقوعها
فيها، فناسب ذكرها هنا وإن كان يبحث مكان المصلي - كما فعله جماعة -
أولى. وفضل اتخاذها والاختلاف إليها مجمع عليه بين المسلمين، بل من
ضروريات الدين، منصوص به في الكتاب الكريم (إنما يعمر مساجد الله من
آمن بالله واليوم الآخر) (7). وفي الصحيح: من بنى مسجدا بنى الله تعالى بيتا
له في الجنة (8). وفي ذيله وغيره: الاكتفاء فيه بنحو مفحص قطاة أو تسوية

(1) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 1 و ح 3 ج 5 ص 437 وص 438.
(2) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 2 ج 5 ص 437.
(3) وسائل الشيعة: ب 40 من أبواب صلاة الجماعة ح 5 ج 5 ص 438.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 381 س 24.
(5) تهذيب الأحكام: ب 3 في أحكام الجماعة ذيل الحديث 56 ج 3 ص 41.
(6) لم نعثر عليه.
(7) التوبة: 18.
(8) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 485.
380

أحجار.
و (يستحب أن تكون المساجد) المتخذة (مكشوفة) غير مظللة على
المشهور كما في الصحيح: عن المساجد المظللة يكره المقام فيها؟ قال: نعم،
ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم، ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في
ذلك (1).
وخص بعض المتأخرين الكراهة بنحو السقوف دون العريش، (2)، للصحيح
الآخر (3) المتضمن لفعل النبي - صلى الله عليه وآله - له (،)، ولا بأس به إن لم يفهم
منه اختصاص فعله بصورة الضرورة كما ربما يفهم من سياقه.
نعم، في المرسل: أول ما يبدأ به قائمنا سقوف المساجد فيكسرها، ويأمر بها
فتجعل عريشا كعريش موسى (5). لكنه مع قصور سنده يحتمل تقييد إطلاق
الأمر بالعريش فيه على ما فهم من سابقه. اللهم إلا أن يمنع عموم الصحيح
السابق لنحو العريش بدعوى اختصاصه بحكم التبادر والعهد الخارجي بغيره،
سيما إذا لوحظ ذيله وضم المرسل به. فالتخصيص غير بعيد إن لم يتسامح في
المستحب ودليله، وإلا فالعموم أولى لاشتهاره. وربما يفهم من الحلي التأمل في
هذا الحكم من أصله، حيث نسبه إلى رواية ولم يفت به (6).
(و) أن تكون (الميضاة) وهي: المطهرة للحدث والخبث (على

(1) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 488، باختلاف في اللفظ مع زيادة
ونقصان.
(2) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 4 ص 391.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 487.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 487.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام المساجد ح 4 ج 3 ص 488.
(6) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 278.
381

أبوابها) بلا خلاف، للنبوي الخاص: واجعلوا مطاهركم على أبواب
مساجدكم (1). وفي المنتهى والروض (2) وغيرهما ولئلا يتأذى الناس برائحتها.
وفي السرائر ولا يجوز أن يكون داخلها (3). وهو حسن إن سبقت مسجدية محلها،
لا مطلقا كما ذكره جماعة (4).
ويكره فيه الوضوء من البول والغائط، للصحيح (5). وربما حمل الوضوء فيه
على المعنى اللغوي، ولا وجه له بعد القول بثبوت الحقيقة الشرعية في أمثاله مع
فتوى الأكثر به.
(و) أن تكون (المنارة مع حائطها) على المشهور. وفي النهاية: لا يجوز في
وسطها (6). وهو حسن إن تقدمت المسجدية علي بنائها. وفي الخبر: لا ترفع
المنارة إلا مع سطح المسجد (7). واستدل به في المنتهى على المطلب (8).
واستحباب عدم تعليتها على الحائط - كما أفتى به الأكثر وفي الدلالة على
الأول نظر، ولذا لم يستدل به عليه أحد، بل علل بأن فيه التوسعة ورفع
الحجاب بين المصلين، وهو أيضا لا يخلو عن نظر.

(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب أحكام المساجد ح 3 ج 3 ص 550.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 1 ص 387 س 33، وروض الجنان: كتاب
الصلاة في أحكام المساجد ص 234 س 22، ومدارك الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام المساجد
ج 4 ص 393.
(3) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الجماعة ج 1 ص 279.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 158 س 34، ومدارك الأحكام: كتاب
الصلاة في أحكام المساجد ج 4 ص 393.
(5) وسائل الشيعة: ب 57 من أبواب الوضوء ح 1 ج 1 ص 345.
(6) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة باب فضل المساجد وأحكامها ج 1 ص 430.
(7) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أحكام المساجد ح 2 ج 3 ص 505.
(8) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 1 ص 387 س 35.
382

(وأن يقدم الداخل يمينه ويخرج بيساره) عكس المكان الخسيس كما
قالوه، للنص: الفضل في دخول المسجد تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت،
وباليسرى إذا خرجت (1).
(و) أن (يتعاهد نعله)، ويستعلم حاله عند دخوله، استظهارا للطهارة،
وللمرتضوي: تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم (2).
(و) أن (يدعو داخلا وخارجا) بالمأثور في الموثق (3) وغيره.
(كنسها) وخصوصا يوم الخميس وليلة الجمعة، للرواية: من كنس المسجد
يوم الخميس وليلة الجمعة فأخرج من التراب ما يذر في العين غفر الله تعالى
له (4). (والاسراج فيها (5)) ليلا، للخبر: من أسرج في مسجد من مساجد الله
تعالى سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في المسجد ضوء
من ذلك السراج (6). ولا يشترط تردد المصلين، لاطلاق الفتوى والنص.
قيل: ولا يتوقف على إذن الناظر: إذا كان من مال المسرج، وإذا كان
من مال المسجد اعتبر ذلك، ولو لم يكن ناظر استأذن الحاكم، فإن تعذر جاز
ذلك لآحاد المسلمين (7) (لو إعادة ما استهدم) بكسر الدال، وهو: المشرف
على الانهدام، فإنها في معنى عمارتها.
(ويجوز نقض المستهدم) منها (خاصة) بل قد يجب إذا خيف من ضرر
الانهدام، ولا يشترط في جوازه العزم على الإعادة، لأن المقصود دفع الضرر

(1) وسائل الشيعة: باب 40 من أبواب أحكام المساجد ح 2 ج 3 ص 517.
(2) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 504. فيه: النبوي.
(3) وسائل الشيعة: ب 39 من أبواب أحكام المساجد ج 3 ص 515 - 516.
(4) وسائل الشيعة: ب 32 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 511.
(5) في المطبوع من الشرح: " فيه ".
(6) وسائل الشيعة: ب 34 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 513.
(7) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 4 ص 397، بزيادة ونقصان.
383

وإعادته مستحب آخر. ويجوز النقض للتوسعة مع الحاجة إليها كما في المدارك (1)
وغيره لعموم (ما على المحسنين من سبيل) (2). وللصحيح (3) المتضمن لأمر
النبي - صلى الله عليه وآله - به، وتردد فيه الشهيدان (4). وربما يفهم ميلهما إلى
الجواز. قالا: وعليه فلا ينقض إلا مع الظن الغالب بوجود العمارة.
(و) كذا يجوز (استعمال آلته) من نحو الأحجار والأخشاب (في غيره
من المساجد) خاصة، إما مطلقا كما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها، أو إذا
استهدم ولم يتمكن من إعادته كما في السرائر (5) والمنتهى (6)، لكن فيه لم يذكر
الأخير قيدا.
وذكر شيخنا في الروض والمسالك جوازه مع استغنائه عنها، أو تعذر
استعمالها فيه، أو كون الثاني أحوج لكثرة المصلين، حاكيا له عن الذكرى،
قال: للمصلحة، ولأن المالك هو الله تعالى، وأولى بالجواز صرف غلة وقفه
على غيره بالشروط، ولا يجوز لغير ذلك (1). وزاد في المسالك: وليس كذلك
المشهد، فلا يجوز صرف ماله إلى مشهد آخر، ولا صرف مال المسجد إليه
مطلقا (8). والتعليل الثاني مذكور في المنتهى وهو كما ترى.
وفي المدارك بعد نقله أن: للنظر في هذا الحكم من أصله مجالا، والمتجه

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 4 ص 396.
(2) التوبة: 91.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 487.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 157 س 27، وروض الجنان: كتاب الصلاة
في أحكام المساجد ص 235 س 27.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 1 ص 279.
(6) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 1 ص 389 س 12.
(7) روض الجنان: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 236 س 1.
(8) مسالك الأفهام: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 1 ص 47 س 1.
384

عدم جواز صرف مال المسجد إلى غيره مطلقا كالمشهد، لتعلق النذر أو الوقف
بذلك المحل المعين فيجب الاقتصار عليه. نعم، لو تعذر صرفه إليه أو علم
استغناؤه عنه في الحال والمال أمكن القول بجواز صرفه في غيره من المساجد
والمشاهد، بل لا يبعد جواز صرفه في مطلق القربة، لأن ذلك أولى من بقائه
إلى أن يعرض له التلف، فيكون صرفه في هذا الوجه إحسانا محضا. و (ما على
المحسنين من سبيل) انتهى (1). ووافقه في الذخيرة (2). وهو حسن، إلا أن ما
احتملاه من جواز صرفه في سائر القرب حيثما يتعذر استعماله في المسجد أو
المشهد المعين محل نظر، بل الاقتصار على المتيقن يقتضي صرفه في مثله، مع أنه
أقرب إلى مقصود الواقف ونظره.
(ويحرم زخرفتها) أي: نقشها بالذهب أو نقشها بالصور) مطلقا على
على ذكره الماتن هنا وفي الشرائع (3) والفاضل في الارشاد (4) والمنتهى () والشهيد
في الذكرى (6)، وعللوه بأن ذلك لم يعهد في عهده - صلى الله عليه وآله - وعهد
الصحابة فيكون بدعة، وبالخبر: عن الصلاة في المساجد المصورة، فقال: أكره
ذلك، ولكن لا يضركم اليوم، ولو قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك (7).
وهما كما ترى لضعف الأول بما لا يخفى، والثاني سندا بل ودلالة، لأعمية
الكراهة من التحريم لو لم نقل بظهورها في ضده، مع أن المنهي عنه فيه على

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 4 ص 396، باختلاف يسير.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 249 س 34.
(3) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في ما يتعلق بالمساجد ج 1 ص 127.
(4) إرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في ما يتعلق بالمساجد ج 1 ص 250.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في ما يتعلق بالمساجد ج 1 ص 388 س 29.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 156 س 22.
(7) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 491.
385

تقدير تسليمه إنما هو: الصلاة فيه، لا نفس التصوير، فتأمل، ومع ذلك فهو
نص في نفي المنع الآن.
وبالجملة: فالخروج عن الأصل بمثل هذين الأمرين كما ترى.
نعم، لا بأس بالكراهة مسامحة في أدلتها، وهو خيرة جماعة، إلا أن تقول
بحرمة التصوير في غير المساجد، ففيها أولى.
(وأن يؤخذ منها إلى غيرها من طريق أو ملك) لأن الوقف للتأبيد
وقد اتخذ للعبادة فلا ينصرف إلى غيرها. وعليه (فيعاد (1) لو أخذ) وكذا لو
أخذ ملكا أو جعل طريقا، ولا خلاف في المقامين يعرف ويفهم من
الروض (3).
(وإدخال النجاسة فيها (3) وغسلها فيها) لو تلوثت بها إجماعا على
الظاهر المحكي في ظاهر الذكرى (4) وفيها بعد الحكم قاله الأصحاب لقول
النبي - صلى الله عليه وآله -: جنبوا مساجدكم النجاسة. ولأن كراهية
الوضوء من البول والغائط يشعر به، ولم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي،
والظاهر أن المسألة إجماعية، ولأمر النبي - صلى الله عليه وآله - بتطهير مكان
البول، ولظاهر قوله تعالى: " فلا يقربوا المسجد " وللأمر بتعاهد النعل.
نعم، الأقرب عدم تحرم إدخال نجاسة غير ملوثة للمسجد وفرشه، للاجماع
على جواز دخول الصبيان والحائض (5) والنفساء، جوازا مع عدم انفكاكهم من
نجاسة غالبا.

(1) في المتن المطبوع: (ويعاد).
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 236 س 9.
(3) في المتن المطبوع: (إليها).
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 157 س 14.
(5) في المخطوطات (والحيض من النساء).
386

وقد ذكر الأصحاب جواز دخول المجروح والسلس والمستحاضة مع أمن
التلويث. وعلى منهجه سلك شيخنا الشهيد الثاني في الروض (1) غير أنه لم يدع
الاجماع على أصل الحكم، وجعل ما استقر به من عدم التحريم مع عدم
التلويث مذهب الأكثر، ولعله كذلك بين المتأخرين، بل لم أقف فيهم على
مخالف، فلعله عليه عامتهم كما صرح به بعضهم، مؤذنا بدعوى إجماعهم عليه،
فلا بأس به وإن كان المنع مطلقا أحوط، لدعوى الحلي الاجماع عليه (2) - كما
حكي - وقوة احتمال استنباطه من إطلاق الآية الكريمة - وإن اختصت
بالمشركين خاصة - لظهورها في أن علة المنع هو النجاسة، وهي جارية في
مفروض المسألة، ونحوها الرواية النبوية - وإن كانت مرسلة - لأنها بموافقتها لها
منجبرة، وهما كما ترى مطلقتان شاملتان لصورتي التلويث وعدمه.
وليس ما ذكره الشهيدان من أدلة الجواز في الصورة الثانية بعامة لجميع
أفرادها، حتى التي لم يتحقق فيها الاجماع وكانت محل النزاع، لأن غاية تلك
الأدلة إخراج مواردها خاصة من إطلاق الآية والرواية، وتتميمها بالاجماع
المركب غير متوجه في محل الخلاف والبحث.
اللهم إلا أن يدعى حصول الظن من تتبع الجواز في تلك الموارد بالجواز في
غيرها وهو في غاية القوة، مع إمكان المناقشة في دلالة الآية والرواية.
أما الأولى: فلعدم معلومية المراد مما فيها من لفظ (النجس) هل هو
المعنى اللغوي أو المعنى المصطلح؟ ولا يتم دلالتها إلا بالثاني، وهو غير معلوم
بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في أمثاله، وتعيينه بتفريع (فلا يقربوا)
عليه غير متضح بعد عموم المعنى اللغوي للخبث الباطني الموجود في المشركين

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 238 س 6.
(2) لم نعثر عليه.
387

فلا ينافيه، فتأمل.
وأما الثانية: فلاحتمال المساجد فيها مواضع الجبهة، مع ألها ضعيفة السند،
والآية بعد المناقشة في دلالتها أيضا لا تصلح للجبر. وحيث ضعف الاستناد
إليهما في أصل الحكم انحصر الدليل في إثباته في الاجماع، وليس في مفروضنا
لا محققا ولا محكيا، عدا اجماع الحلي، وفي الخروج بمجرده عن الأصل القطعي
المعتضد بعمل الأكثر بل عامة من تأخر كما مر نظر، مع أنه معارض بنقل الشهرة في
الروض على خلافه بقول مطلق وهي وإن لم تصلح للحجية إلا أنها موهنة
للاجماع المحكي إذا كانت محققة، فكذا إذا كانت منقولة، وسيما إذا اعتضدت
بالشهرة المتأخرة عن الحكاية شهرة محققة. وبظن الاستقراء المتقدم إليه الإشارة
فمختار المتأخرين في غاية القوة.
(واخراج الحصى منها، ويعاد) إليها، وإلى غيرها من المساجد (لو
أخرج) كما في الخبر: إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها،
أو في مسجد آخر فإنها تسبح (1). وظاهره لو أن أفاد وجوب الرد المستلزم للمنع
عن الاخراج فحوى مع عدم القائل بالفرق، وعليه الفاضلان هنا، وفي
الشرائع (2) والارشاد (3) والشهيدان في اللمعتين (4) والروض (5)، إلا أنه ضعيف
السند فلا يمكن الخروج به عن الأصل.
نعم، لا بأس بالكراهة كما عليه جماعة منهم: أكثر هؤلاء في المعتبر (6)

(1) وسائل الشيعة: ب 26 من أبواب أحكام المساجد ح 4 ج 3 ص 506.
(2) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في ما يتعلق بالمساجد ج 1 ص 127.
(3) إرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في ما يتعلق بالمساجد ج 1 ص 250.
(4) اللمعة الدمشقية كتاب الصلاة في ما يتعلق بالمساجد ج 1 ص 545.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في ما يتعلق بالمساجد ص 238 س 24.
(6) المعتبر: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 2 ص 452.
388

والتحرير (1) والمنتهى (2) والدروس (3) والذكرى (4) حاكيا لها عن الشيخ أيضا
مسامحة في أدلتها. واطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحصى بين
ما لو كان جزء من المسجد أو الآلة أو قمامة، خلافا لجماعة فقيدوه بالأول،
ولعله للجمع بين النصوص هنا وما مر في استحباب الكنس، وفي تعيينه نظر،
لاحتمال العكس بتقييد الثاني بغير الحصى. فتأمل جدا.
(ويكره تعليتها) اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وآله، فإن مسجده
كان قامة كما في الصحيح (5) (وأن تشرف (6) أي: يعمل لها شرف - بضم
الشين وفتح الراء: جمع شرفة بسكون الراء - والمراد بها: ما يجعل في أعلى
الجدران، للخبر: أن المساجد لا تشرف، بل تبنى جما (7) (8).
(أو يجعل (9) محاريبها داخلة) في الحائط كثيرا كما ذكره جماعة (10) أو في
المساجد كما يستفاد من الرواية المرتضوية: كان يكسر المحاريب إذا رآها في
المسجد، ويقول: كأنها مذابح اليهود (1). وينبغي تقييدها بسبقها على

(1) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 1 - 2 ص 54 س 16.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 1 ص 388 س 15.
(3) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 28 السطر الأخير.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 156 س 32.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 487.
(6) في المتن المطبوع: (وإن تشرفت).
(7) بنيان أجم: لا شرف له، وجم: إذا علا. (لسان العرب: ج 12 ص 108).
(8)، وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب أحكام المساجد ح 2 ج 3 ص 494، بتقديم وتأخير.
(9) في المتن المطبوع " وأن تجعل ".
(10) النهاية كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 109، وإرشاد الأذهان: كتاب الصلاة في أحكام
المساجد ج 1 ص 249، والدروس الشرعية: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 28.
(11) وسائل الشيعة: ب 31 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 510.
389

المسجدية، وإلا حرمت كما صرح به في الروض (1).
(أو تجعل طرقا (2)) على وجه لا يلزم منه تغيير صورة المسجد، وإلا
فيحرم. وفي حديث المناهي المروي في الفقيه: لا تجلوا المساجد طرقا حتى
تصلوا فيها ركعتين (3).
(ويكره فيها) أيضا (البيع والشراء، وتمكين المجانين) والصبيان
(وانفاذ الأحكام، وتعريف الضوال، وإقامة الحدود) ورفع الصوت
للنهي عنها في المرسل (4) وغيره. وفيه بعد النهي عن رفع الصوت إلا بذكر الله
تعالى قيل: لحسن رفع الصوت بالأذان والتكبير والخطب والمواعظ وإن كان
الأحوط عدم رفع الصوت فيما لم يتوقف الانتفاع به عليه، ومعه يقتصر على ما
يتأدى به الضرورة، فإن المشهور كراهة الرفع مطلقا وإن كان في القرآن
للأخبار المطلقة. وربما يقيد الصبي بمن لا يوثق به.
أما من علم منه ما يقتضي الوثوق بمحافظته على التنزه عن النجاسات
وأداء الصلوات فإنه لا يكره تمكينه، بل يستحب تمرينه. وذكر هذا التقييد
شيخنا في الروض عن بعض الأصحاب ساكتا عليه (5)، ولا بأس به. واستدل
فيه على كراهة إنفاذ الأحكام - زيادة على النص - بما فيه من الجدال
والتخاصم والدعاوى الباطلة المستلزمة للمعصية في المسجد، المتضاعف بسببه
العصيان، لكن ظاهره كما الكراهة كما صرح به جماعة، ومنهم: الشيخ في

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في أحكام إلى المساجد ص 236 س 8.
(2) في المتن المطبوع: (طريقا).
(3) من لا يحضره الفقيه: باب ذكر جمل من المناهي ج 4 ص 4، وسائل الشيعة: ب 67 من أبواب أحكام
المساجد ح 1 ج 3 ص 553.
(4) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 507.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في أحكام المساجد 236 س 11.
390

الخلاف (1) والحلي (2) والفاضل في المختلف (3) قالوا: لأن أمير المؤمنين - عليه
السلام - حكم في مسجد الكوفة وقضى بين الناس بلا خلاف، ودكة القضاء
إلى يومنا هذا معروفة ولأن الحكم طاعة فجاز إيقاعها فيها، لأن وضعها
للطاعة. وحملوا الرواية على وجوه غير بعيدة في مقام الجمع بين الأدلة.
(وانشاد الشعر) وقراءته، للنبوي الخاص الناهي عنه، الآمر بأن يقال
للمنشد: فض الله فاه (4). وروي نفي البأس عنه في الصحيح (5) ويحمل على
الرخصة جمعا.
قال في الذكرى: ليس ببعيد حمله على ما يقل منه وتكثر منفعته: كبيت
حكمة، أو شاهد على لغة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه وشبههما، لأنه من
المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وآله - كان ينشد بين يديه البيت والأبيات من
الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك (6)، وألحق بعض الأصحاب به ما كان منه
موعظة، أو مدحا للنبي - صلى الله عليه وآله - والأئمة عليهم السلام، أو مرثية
للحسين عليه السلام، أو نحو ذلك، لأنه عبادة، ولا ينافي الغرض المقصود من
المساجد (7)، ولا بأس بذلك كله، وفاقا لجماعة من المتأخرين لذلك، مع
احتمال اختصاص النهي بما هو الغالب من الأشعار - يومئذ - الخارجة عن هذه
الأساليب. وللصحيح: عن إنشاد الشعر في الطواف، فقال: ما كان من الشعر

(1) الخلاف: كتاب آداب القضاء م 3 ج 3 ص 310
(2) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام الجماعة ج 1 ص 279.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في المساجد ج 1 ص 160 س 21.
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 492.
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب أحكام المساجد ح 2 ج 3 ص 493.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 156 س 27.
(7) جامع المقاصد: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 2 ص 151، وكشف اللثام: كتاب الصلاة في
أحكام المساجد ج 1 ص 203 س 7.
391

فلا بأس به (1).
(وعمل الصنائع) للصحيح (2) الناهي عن سل السيف وبري النبل
فيه، معللا بأنه بني لغير ذلك، ونحوه في التعليل غيره وهو دليل العموم وإن
اختص المورد ببعض أفراده، مع أنه نسبه في الذكرى (3) إلى الأصحاب (4)،
مؤذنا بدعوى الاجماع عليه. وذكر جماعة اختصاص الكراهة بما إذا لم يناف
العبادة، وإلا فالحرمة، وهو كذلك.
(والنوم) فيها من غير ضرورة. قال في الذكرى: قاله الجماعة (5)، مشعرا
بدعوى الاجماع، وتردد له فيه لولاه ى ولعله لعدم دليل عليه إلا ما قيل من رواية
ضعيفة السند والدلالة معارضة بأقوى منها سندا ناف للبأس عنه فيما عدا
المسجدين. ولذا قيل بالكراهة فيهما خاصة (6)، مع أن في جملة من النصوص نفيه
فيهما أيضا، فغيرهما أولى، لكنهما محتملة للاختصاص نجال الضرورة كما يشهد
به سياقها. ومع ذلك فالكراهة مطلقا أولى بناء على التسامح في أدلها،
والاكتفاء فيها بفتوى الفقهاء، مع احتمال كونها إجماعا كما يفهم من
الذكرى. وتحمل الروايات النافية للبأس على نفي الحرمة، أو تأكد الكراهة
أو الضرورة - كما عرفته - هذه في المطلق منها.
ويحمل المفصل منها بين المسجدين وغيرهما على تفاوت مراتب الكراهة
شدة وضعفا، كل ذلك جمعا.

(1) وسائل الشيعة: ب 54 من أبواب الطواف ح 1 ج 9 ص 464.
(2) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 495.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 157 س 9.
(4) في نسخة " م " و " ق ": (وا لروضة).
(5) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 157 س 3.
(6) والقائل هو مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ج 4 ص 403.
392

(ودخولها وفي الفم رائحة) مؤذية من نحو رائحة (البصل أو الثوم (1))
أو الكراث، للنصوص المستفيضة ويتأكد في الثوم، حتى ورد: أعد كل صلاة
صليتها ما دمت تأكله (2).
وحمله الشيخ على الكراهة المغلظة قال: بدلالة الأخبار الأولة، والاجماع
الواقع على أن أكل هذه الأشياء لا يوجب الإعادة (3).
(وكشف العورة) مع أمن المطلع. قالوا: لمنافاته التعظيم. ويكره أيضا
كشف السرة والفخذ، الركبة، وفاقا لجماعة، بل عن ظاهر النهاية (4): القول
بالحرمة، للنبوية (5) القائلة: إن كشفها فيه من العورة.
ويمكن درج المذكورات في العبارة بأن يراد من العورة فيها: ما يتأكد
استحباب ستره في الصلاة، لأنه أحد معانيها.
وقطع القمل وقتله، بل ينبغي دفنه في التراب كما في الصحيح وغيره (6).
وهما وإن لم ينصا على الكراهة بل على دفنه في التراب خاصة إلا أنهما
مشعران بها، مع أنها نسبت في الذكرى إلى أصحابنا (7).
(والبصاق) وفي معناه إلى التنخم (فإن (8) فعله ستره بالتراب) للخبر (9)
وفي آخر: من وقر بنخامته المسجد لقي الله تعالى يوم القيامة ضاحكا، وأعطاه

(1) في المتن المطبوع: (الثوم أو البصل) وهو الأصح، لتقديم المؤكد كراهته علق غيره في هذا الباب.
(2) وسائل الشيعة: ب 128 من أبواب الأطعمة المباحة ح 8 ج 17 س 171.
(3) الاستبصار: كتاب الأطعمة والأشربة باب 57 ذيل الحديث ح 352 ج 4 ص 92.
(4) النهاية: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 110.
(5) وسائل الشيعة: ب 37 من أبواب أحكام المساجد ح 1 ج 3 ص 515.
(6) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب قواطع الصلاة ح 4 و 5 ج 4 ص 1271.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في أحكام المساجد ص 157 س 7.
(8) في الشرح المطبوع " وإن فعله ".
(9) وسائل الشيعة: ب 19 من أبواب أحكام المساجد ح 4 ج 3 ص 499.
393

كتابه بيمينه (1). وفي ثالث: من تنخم في المسجد ثم ردها في جوفه لم يمر بداء
في جوفه إلا أبرأته (2). وبمعناهما أخبار كثيرة.
(الرابع: في) بيان (صلاة الخوف) وأحكامها
والأصل في شرعيتها مطلقا - بعد إجماعنا وأكثر العامة - الكتاب والسنة
المستفيضة، بل المتواترة، قال الله سبحانه: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم
الصلاة... الآية (3).
(وهي مقصورة سفرا) إذا كانت رباعية إجماعا (و) كذا (حضرا)
مطلقا (جماعة وفرادى) على الأشهر الأقوى، بل عليه عامة متأخري
أصحابنا، لاطلاق الآية المتقدمة في الجملة.
وقوله سبحانه: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا
من الصلاة إن خفتم... الآية) (4) لبناء التقصير فيه على وصفين: السفر
والخوف، فإما أن يكون كل منهما سببا مستقلا أولا. وعليه: إما أن يكون
المجموع هو السبب، أو أحدهما بشرط الآخر لا سبيل إلى ما عدا الأول، لمخالفته
بجميع شقوقه الاجماع، إلا اشتراط التقصير في الخوف بالسفر، وهو وإن لم
يخالف الاجماع إلا أن تعيينه ترجيح من غير سبب فتعين الأول، وعليه فيتم
المطلب كذا قيل، ولا يخلو عن نظر. وللصحيح: صلاة الخوف وصلاة السفر
تقصران جميعا؟ قال: نعم، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر
الذي لا خوف فيه (5). وأظهر منه - بالإضافة إلى الشمول لحال الانفراد - آخر:

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أحكام المساجد ح 1 - 2 ج 3 ص 500، باختلاف يسير.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب أحكام المساجد ح 1 - 2 ج 3 ص 500، باختلاف يسير.
(3، النساء: 102.
(4) النساء: 101.
(5) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الخوف و... ح 1 ج 5 ص 478، مع اختلاف باللفظ.
394

إذا جالت الخيل تضطرب بالسيوف أجزأ التكبير (1) لبعد الجماعة في هذه
الحال. خلافا لنادر غير معروف وإن حكاه الحلي والشيخ عن بعض
الأصحاب في السرائر (2) والمختلف (3) والمبسوط (4): فلا تقصير إلا في السفر،
وللمبسوط (5) والسرائر (6): فتقصر في الحضر جماعة لا فرادى، ولا دليل على
القولين، عدا الأصل المخصص بما مر مع ندورهما ولا سيما الأول.
وربما أشعر بالاجماع على خلافه عبارة الخلاف (7) والسرائر (8) فلا شبهة في
ضعفه كالثاني. لم اطلاق النص والفتوى يقتضي جواز التقصير وإن تمكن من
الصلاة بتمامها.
وقيده في الدروس بعدم التمكن (9)، ولعله لبعد انصراف الاطلاق بحكم
التبادر وغيره إلى غيره، فيشكل الخروج بمجرده عن الأصل المقطوع، به، ولا
بأس به. والمشهور أن القصر هنا - كما في السفر من رد الرباعيتين إلى
الركعتين. خلافا للمحكي عن الإسكافي (10)، فالركعتين ينقص منهما واحدة كما
في الصحيح (1) وغيره، وهو نادر، ومستنده - مع عدم صراحته، احتماله الحمل

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح 7 ج 5 ص 486.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة في صلاة الخوف م 409 ج 1 ص 637، والسرائر: كتاب الصلاة في صلاة.
الخوف ج 1 ص 346، باختلاف يسير.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 150 س 20.
(4) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 163.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 165.
(6) السرائر: كتاب الصالة في أحكام صلاة الخوف ج 1 ص 348، باختلاف يسير.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة في صلاة الخوف م 459 ج 1 ص 638.
(8) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 348.
(9) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ص 52.
(10) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 151 س 29.
(11) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الخوف و... ح 5 ج 5 ص 481.
395

على ما يؤول إلى الأول أو التقية كما صرح به جماعة عن المقاومة لما سيأتي من
النصوص المستفيضة - قاصر.
(وإذا صليت) هذه الصلاة (جماعة والعدو في خلاف) جهة (القبلة
ولا يؤمن هجومه) أي: العدو (وأمكن أن يقاومه بعض ويصلي مع
الإمام الباقون جاز أن يصلوا صلاة (1) ذات الرقاع) بلا خلاف.
(وفي كيفيتها: روايتان) مختلفتان (أشهرهما: رواية الحلبي)
الصحيحة (2) (عن) مولانا أبي عبد الله عليه السلام) أنه (قال) ما
حاصله: (يصلي الإمام) في الثنائية (بالأولى ركعة، ويقوم في الثانية،
ويقومون معه، فيتمثل قائما (حتى يتموا (3)) الركعة الثانية، ثم يسلم بعضهم
على بعض، ثم ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم (ثم تأتي) الطائفة
(الأخرى) فيقومون خلفه (فيصلي بهم ركعة) يعني: الثانية (ثم يجلس،
ويطيل) التشهد (حتى يتم من خلفه) ركعتهم الثانية (ثم يسلم بهم)
وينصرفون بتسليمة.
(وفي المغرب: يصلي بالأولى ركعة) ثم يقوم ويقومون (ويقف في
الثانية (4) حتى يتموا) الركعتين الباقيتين، ويتشهدون ويسلم بعضهم على
بعض وينصرفون، ويقفون موقف أصحابهم (ثم يأتي الآخرون (5)) ويقفون
موقف أصحابهم (فيصلي بهم ركعتين) يقرأ فيهما (ويجلس عقيب
ثالثة (6)) ويتشهد (حتى يتم من خلفه، ثم يسلم (7)). ولا خلاف فيما

(1) في المتن المطبوع " بصلاة ".
(2) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الخوف و... ح 4 ج 5 ص 480.
(3) في المتن المطبوع: " حتى يتم من خلفه ".
(4) في الممتن المطبوع " بالثانية ".
(6) في المتن المطبوع: " ثم يجلس عقيب الثالثة ".
(5) في المتن المطبوع: " الأخرى ".
(7) في المتن المطبوع: زيادة " بهم ".
396

تضمنته في الثنائية فتوى ورواية، إلا ما سبق إليه الإشارة وقد عرفت شذوذه،
بل على خلافه الاجماع في عبائر جماعة: كالخلاف (1) والناصرية (2) وظاهر
المنتهى (3) وغيره من كتب الجماعة، وهو الرواية الثانية في الثنائية من الروايتين
المشار إليهما في العبارة إن عممناهما فيها إليها كما هو ظاهرها، وصرح به في
التنقيح أيضا (4)، لكنها مطلقة غير معلومة الشمول لمفروض المسألة وهو الصلاة
في جماعة. وعلى تقديره فينبغي تقييدها بالنصوص في المسألة، فيبعد التعميم في
العبارة، ويكون المراد بالروايتين: في المغرب خاصة كما في التنقيح عن بعض
الشارحين (5). والرواية الثانية فيها صحيحة أيضا، متضمنة لعكس ما في
الأولى من صلاة الإمام ركعتين بالطائفة الأولى وركعة بالأخرى، ولاختلافهما
اختلف، الأصحاب.
فبين مقتصر على الأولى غير ذاكر للثانية أصلا، وهم الأكثر على الظاهر
المصرح به في الذكرى (6).
وبين مخير بينهما كأكثر المتأخرين، وفاقا لجماعة من القدماء، واختلف
هؤلاء في الأفضل منهما، فالأكثر ومنهم: القدماء على أنه الأولى. خلافا
للتذكرة فالثانية (7) وفاقا لبعض العامة العمياء (8). والذي يقتضيه النظر تعين
الأولى لكثرتها، حتى ادعى العماني تواترها (9)، وصحة جملة منها، واعتضادها

(1) الخلاف: كتاب الصلاة في صلاة الخوف م 410 ج 1 ص 640.
(2) والناصريات (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة م 106 ص 238.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الخوف والمطاردة ج 1 ص 401 ص 34 - 37.
(4) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 281.
(5) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 281.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ص 262 س 11.
(7) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 194 س 42.
(8) المبسوط للسرخسي: ج 2 ص 46.
(9) كما في مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 151 س 12.
397

بفتوى أكثر القدماء، مع كون جواز العمل بها مقطوعا بين الفقهاء. ولذا جعله
الشيخ - رحمه الله - في الاقتصاد أحوط (1)، مع أن بعضها لراوي الثانية أيضا، إلا
أن ظاهر المنتهى الاجماع على التخيير (2)، فلا يبعد المصير إليه جمعا مع قيامه عليه
شاهدا، إلا أن الاحتياط في العمل بالأولى لحصول البراءة بها يقينا.
واحترز بقوله: (والعدو في غير جهة القبلة) عما لو كان إلى جهتها.
وبقوله: (لا يؤمن هجومه) عما لو أمن. وبقوله: (وأمكن أن يقاومه بعض...)
عما لو احتيج إلى تفريق الطوائف أكثر من فرقتين، فإنه لا تجوز هذه الصلاة في
هذه الصور الثلاث على المشهور بين الأصحاب، بل المقطوع به في كلامهم
على ما ذكره في المدارك في الأولى، مشعرا بدعوى الاجماع (3) كما هو ظاهر
المنتهى (4)، مع أنه حكي عن التذكرة الخلاف (5)، لكنه شاذ، ولا ريب في
الثانية، لانتفاء الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة فيها. وكذا في الثالثة في
الثنائية، لتعذر التوزيع فيها.
أما الثلاثية: فقد قطع الشهيدان بجواز هذه الصلاة لتفريق الطوائف ثلاث
فرق، وتخصيص كل فرقة بركعة (6)، وهو إنما يتم إذا جوزنا الانفراد اختيارا،
وإلا فالمتجه المنع، لأن المروي: أنه يصلي في الثلاثية ركعة بقوم
وركعتين بالباقين (1). وكذا التحقيق صرح جماعة: كصاحبي المدارك (8)

(1) الاقتصاد: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ص 270.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة أشرف ج 1 ص 452 س 17.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الخوف خ 4 ص 414.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 403 س 5.
(5) والحاكي هو مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 4 ص 414.
(6) ذكرى الشيعة: في صلاة الخوف ص 241 س 35، ومسالك الأفهام: ج 1 ص 47 س 39.
(7) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ح 2 ج 5 ص 480.
(8) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 4 ص 414.
398

والذخيرة (1).
(وهل يجب) على المصلين (أخذ السلاح) وآلة الدفع من نحو: السيف
والخنجر والسكين وما يكن من نحو الدرع والجوشن والمغفر؟ (فيه تردد) واختلاف بين
الأصحاب: فبين من قال بالاستحباب: كالإسكافي (2) ونفى عنه البعد بعض
المتأخرين (3)، للأصل، وقوة ورود الأمر به في الكتاب للارشاد. وبين من جعل
(أشبهه الوجوب ما لم يمنع أحد واجبات الفرض) من ركوع أو سجود، وهم
أكثر الأصحاب، بل عامتهم عدا من - مر، عملا بظاهر الأمر، ومنع كونه
للارشاد بعد عدم دليل عليه، ومجرد احتماله غير ضار. وبفحواه يستدل على
وجوب الأخذ على الفرق المقاتلة، مضافا إلى توقف الحراسة الواجبة عليه وهو
خيرة الحلي وغيره (4).
واحترز بقوله: (ما لم يمنع) عما لو منع فإنه لا يجب، بل لا يجوز إلا مع
الضرورة فيجب.
(وهنا مسائل) ثلاث
(الأولى: إذا انتهى الحال) في الخوف والقتال (إلى المسايفة أو
المعانقة (5)) أو نحوهما مما لا يتمكن معه من الصلاة على الوجوه المقررة في
أنواع صلاة الخوف (ف‍) لا تسقط (الصلاة) بل تجب كش بحسب الامكان،
واقفا أو ماشيا أو راكبا) ويركع (ويسجد) مع الامكان ولو (على
قربوس سرجه، وإلا) يمكن شئ منهما أو أحدهما أتى بالممكن (مومئا،

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ص 405، السطر ما قبل الأخير.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 152 س 24.
(3) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 11 ص 283.
(4) السرائر: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الخوف ج 1 ص 347، وتذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في
أحكام صلاة الخوف ج 1 ص 198 س 33.
(5) في المتن المطبوع والشرح الصغير: (والمعانقة).
399

ويستقبل) في جميع صلاته (القبلة ما أمكن) وإلا فبحسب الامكان في
بعض الصلاة، (وإلا فتكبيرة (1) الاحرام) إن أمكن، وإلا سقط
الاستقبال.
(ولو لم يتمكن من الايماء، للركوع والسجود (اقتصر) بعد نية الصلاة
(على تكبيرتين عن) الصلاة (الثنائية و) على (ثلاث) تكبيرات
(عن) الصلاة (الثلاثية)
وبالجملة: اقتصر عن كل ركعة بما فيها من الأفعال والأذكار بتكبيرة.
(و) صورتها: أن (يقول في كل واحدة: سبحان الله، والحمد لله، ولا
إله إلا الله، والله أكبر، فإنه يجزئ عن) القراءة و (الركوع والسجود) بلا
خلاف في شئ من ذلك أجده، بل عليه الاجماع فيه عبائر جماعة حد
الاستفاضة، والصحاح بها مستفيضة مؤيدة بغيرها من المعتبرة، لكنها قاصرة
عن إفادة التفصيل المذكور في عبائر الجماعة من: وجوب الاتيان بالواجبات
والشروط بحسب الامكان، وإلا فما دون، وإلا فالسقوط، إلا أنه جاء بعد
الاجماع مما دل على أن الميسور لا يسقط بالمعسور، مع أن في الصحيح: يصلي
ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولا يدور إلى القبلة، ولكن أينما دارت
دابته، غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة (2). وهو صريح في وجوب الاستقبال
في التكبيرة مع الامكان، فكذا في غيرها، لعدم قائل بالفرق بينهما، ولا ينافيه
تصريحه بعدم الوجوب في غيرها، لاحتمال وروده مورد الغالب من عدم
الامكان فيه.
وبنحوه يجاب عن إطلاق باقي النصوص الغير المعتبرة للاستقبال، ونحوه
من الواجبات بحملها على الغالب أيضا، كما يحمل الأمر بالاستقبال في

(1) في المتن المطبوع: (بتكبيرة).
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ذيل ح 8 ج 5 ص 484
400

التكبيرة فيه على صورة الامكان بالاعتبار والاجماع.
ثم إن مقتضى إطلاق النصوص وأكثر الفتاوى إجزاء التكبيرة مع تعذر
الايماء عن الركعة بما فيها من الأفعال والأذكار، حتى تكبيرة الاحرام والتشهد
والتسليم. خلافا لجماعة، فاستثنوا الثلاثة، وهو أحوط وإن لم يظهر له وجه كما
صرح به جمع ممن تأخر.
واعلم: أن ما ذكروه في كيفية التكبير غير مستفاد من النصوص التي
عثرت عليها في المسألة، بل المستفاد من بعضها: إجزاء مجردها، ومن آخر:
التخيير في ترتيب التسبيحات كيف شاء، وبذلك اعترف جماعة ومنهم:
الشهيد في الذكرى، لكن استجود تعين ما ذكروه للاجماع على إجزائه، وعدم
تيقن الخروج من العهدة بدونه (1). ولا ريب أنه أحوط، بل متعين إن لم نكتف
في إثبات صحة العبادة بالاطلاقات، وإلا فيقين البراءة لعله يحصل بها إلا أن
يشكك فيها بتظافر الفتاوى على تقييدها، مع أنها منساقة لبيان كفاية
التكبيرة، لا بيان كيفيتها، فلا عبرة بها فيها، سيما جمع ورود نظائر هذه النصوص
في التسبيحات في الأخيرتين مختلفة الكيفية، مع الاجماع على وجوب الكيفية
المخصوصة هنا ثمة. فتأمل جدا.
(الثانية: كل أسباب الخوف يجوز معها القصر) في العدد برد
الرباعيات إلى ركعتين (و) في الكيفية ب‍ (الانتقال) من الركوع والسجود
(إلى الايماء) لهما (مع الضيق) وعدم التمكن من الاتيان بهما (والاقتصار
على التسبيح) بالنهج السابق (إن خشي) الضرر (مع الايماء ولو كان
الخوف من لص أو سبع) أو نحوهما على المشهور، بل في المعتبر (2)، أن عليه

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ص 264 س 8.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة المقصد الخامس في صلاة الخوف ج 2 ص 461.
401

فتوى علمائنا، مؤذنا بدعوى الاجماع عليه. وهو الحجة.
مضافا في الأول إلى إطلاق الصحيح، بل عمومه: قلت له: صلاة الخوف
وصلاة السفر يقصران جميعا؟ قال: نعم، وصلاة لخوف أحق أن تقصر من
صلاة السفر الذي لا خوف فيه (1). وفي الأحقية التي نبه - عليه السلام - عليها مع
ترك الاستفصال عن أسباب الخوف دلالة واضحة على ما ذكرنا. وقريب منه
الصحيح: الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة الموافقة إيماء على دابته (2).
وصلاة الموافقة: قصر في الكمية والكيفية فكذا صلاة الخائف منهما، بل
ومن غيرهما أيضا، لعدم القائل بالفرق بينهما. وقوله - عليه السلام -: (إيماء على
دابته) لا يقتضي حصر الشركة فيه. فتدبر. وقريب منهما آخر وموثق قريب منه
سندا: عن قول الله عز وجل: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) كيف يصلى؟
وما يقول؟ إن خاف من سبع أو لص كيف يصلى؟ قال. يكبر ويومئ برأسه
إيماء (3). لظهور سياقه في اتخاذ الصلاتين حالا. فتأمل جدا.
وفي الثاني: إلى فحوى هذه الصحاح أو ظواهرها، بل صريح أخيرها،
والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
وفي الثالث: إلى الصحيح في الفقيه: قال. وقد رخص في صلاة الخوف
من السبع إذا خشيه الرجل على نفسه: أن يكبر ولا يومئ، رواه محمد بن
مسلم عن أحدهما عليهما السلام (4). وأخصيته من المدعى تجبر بما مضى. خلافا
للمنتهى (5) فتردد في الأول بعد أن حكي المنع عنه عن بعض أصحابنا، ولعله

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة الخوف ر... ح 1 ج 5 ص 1478 وفيه (لأن فيها خوفا).
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الخوف و... ح 8 ج 5 ص 484.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة الخوف و... ح 1 ج 5 ص 482 و 483.
(4) من لا يحضره الفقيه: باب صلاة الخوف و... ح 1344 ج 1 ص 466.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 1 ص 405 س 36.
402

الحلي في السرائر (1)، وقد صرح بذلك فيه، ومال إليه جماعة من متأخري
المتأخرين، اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على لزوم الاتمام على المتيقن
نصا وفتوى، وليس إلا قصر العدد في صلاة السفر أو الخوف من العدو دون نحو
السبع.
ويضعف بما ذكرنا من: الاجماع المنقول المعتضد بالصحاح والشهرة
العظيمة بين الأصحاب وإن كان الانصاف أن دلالة الصحاح لا تخلو عن
شئ لا تطمئن معه النفس في الاستدلال بها لولا الاجماع المعتضد بالشهرة
العظيمة، بل عدم الخلاف إلا من نحو الحلي. وهو شاذ، مضافا إلى إشعار
تعليق الحكم بالوصف في الآية والرواية بالعلية، مع قوة ظهور الصحيحة الأولى
بل الثانية أيضا.
(الثالثة: الموتحل والغريق يصليان بحسب الامكان) فيصليان إيماء
عن الركوع والسجود مع عدم التمكن منهما (ولا يقصر أحدهما عدد صلاته
إلا في سفر أو خوف) بلا خلاف في شئ من ذلك، استنادا في الأول إلى
الاستقراء الكاشف عن لزومه حيثما يتعذر مبدله. وفي الثاني: إلى الأصل
الدال على لزوم التمام إلا ما خرج بالدليل، وليس إلا صورة الخوف والسفر
المنفيين في محل الفرض.
نعم، لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق ورجا عند قصر العدد
السلامة وضاق الوقت اتجه القصر بهما استظهره في الذكرى (2)، واستحسنه في
الروض.
قال - نظرا إلى -: أنه يجوز له الترك، فقصر العدد أولى، لكن في سقوط

(1) السرائر: كتاب الصلاة باب في صلاة الخوف ج 1 ص 348.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ص 264 س 19.
403

القضاء بذلك نظر، لعدم النص على جواز القصر هنا، ووجه السقوط حصول
الخوف في الجملة كما مر. قال: والحاصل: أن علية مطلق الخوف توجب تطرق
القصر إلى كل خائف. قال: ووجهه غير واضح، إذ لا دليل عليه، والوقوف
على المنصوص عليه بالقصر أوضح، انتهى (1).
واعترضه جملة من الفضلاء ب‍: أن الحكم بوجوب القصر ينافي الحكم بوجوب
القضاء، لأن الاتيان بالمأمور به يقتضي الاجزاء، والحكم بوجوب القضاء إنها
يكون عند عدم الأداء، وأيضا الحكم بوجوب القصر محل تأمل، وما علل به
ضعيف، إذ لا يلزم من جواز الترك للعجز جواز فعلها مقصورة (2) انتهى. وهو
حسن، إلا أن ظاهرهم الاذعان له فيما ذكروه من: عدم دليل على القصر في
مطلق الخوف، مع أن الصحيحة الأولى في المسألة السابقة دليل عليه ولو عموما
كما مضى، وكذلك عبائر الفقهاء ومنها: عبارة الماتن التي ادعى الاجماع فيها.
فقوله: (والوقوف على المنصوص عليه بالقصر أوضح " ممنوع إن أراد به
المنع عن القصر فيما لم ينص عليه بالخصوص، ومسلم إن أراد بالمنصوص عليه ما
يعم المنصوص ولو بالعموم، لما عرفت من أنه موجود.
واعلم: أن ظاهر الشهيد اعتبار ضيق الوقت هنا في جواز القصر. وهو
حسن إن اعتبره في مطلق صلاة الخوف، وبه صرح الرضوي (3) في صلاة
الخائف من اللص والسبع، وهو الأوفق بالأصول، وعليه المرتضى في مطلق
صلاة ذوي الأعذار (4.)، ولكن المشهور عدمه مطلقا، للاطلاقات فتوى ونصا،

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ص 382 س 27.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة الخوف ص 405 س 13، وذكر مضمونا في مدارك الأحكام:
كتاب الصلاة في صلاة الخوف ج 4 ص 426.
(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): ص 148.
(4) لم نعثر عليه سوى ما نقله عنه صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في أحكام صلاة الخوف
ج 11 ص 293.
404

كتابا وسنة هنا، سيما الصحيحة المتقدمة الدالة على اتحاد صلاتي السفر
والخوف فحوى، مع الاجماع على عدم اشتراط الضيق في الأولى. ويشكل إن
خصه بالمقام، لعدم دليل عليه.
(الخامس:) من التوابع (في) بيان أحكام (صلاة المسافر) التي يجب
قصرها كمية. (والنظر) فيه تارة (في الشروط و) أخرى في أحكام
(القصر).
(أما الشروط ف‍) هي، (خمسة:)
(الأول: المسافة، بإجماع العلماء كافة كما حكاه جماعة (1)، والنصوص به مع
ذلك مستفيضة، بل متواترة.
(وهي أربعة وعشرون ميلا) باجماعنا، والصحاح المستفيضة وغيرها
من المعتبرة وإن اختلفت في التأدية.
فبين مؤد بما في العبارة: كالصحيحين (2) والحسنين (3).
وببريدين أو بياض يوم كالصحيح (4). ومثله في ذكر الثاني أحد
الصحيحين، وفي ذكر الأول أحد الحسنين.
وبمسيرة يوم كالصحيح (5)، والموثق (6) وفيه: أن ذلك بريدان: ثمانية
فراسخ. وبثمانية فراسخ كما فيه وفي أحد الصحيحين، وغيرهما القريب منهما

(1) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 4 ص 428، والانتصار: كتاب الصلاة
ص 50.
(2) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب صلاة المسافر ح 2 ج 5 ص 538، ووسائل الشيعة: ب 1 من أبواب
صلاة المسافر ح 11 ج 5 ص 492.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 14 و 15 ج 5 ص 493.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 7 ج 5 ص 492.
(5)، وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 16 ج 5 ص 493.
(6) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 8 ج 5 ص 492.
405

سندا: إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ، لا أقل من ذلك ولا أكثر، لأن
ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال، فوجب التقصير في مسيرة
يوم (1).
ويستفاد منها - كغيرها -: أن الجميع واحد. وأما ما يخالفها مما دل على أنه
مسيرة يوم وليلة كما في الصحيح (2)، أو ثلاثة (3) برد كما في آخر، أو مسيرة
يومين كما في الخبر (4)، فمع قصوره عن المقاومة لما مر من وجوه شتى. محمولة على
التقية، فإن بكل منهما قائلا من العامة كما حكاه بعض الأجلة (5).
(والميل: أربعة آلاف ذراع تعويلا على المشهور بين الناس)
والمتعارف بينهم.
وعزاه الحلي (6) إلى بعض اللغويين، وفي القاموس (7) دلالة عليه أيضا.
وعزاه إلى المحدثين كالأزهري (8) فيما حكي، مؤذنين بدعوى إجماعهم عليه.
وفي المدارك (9): أنه مقطوع به بين الأصحاب، وفي غيره (10) لا خلاف فيه
بينهم يعرف.

(1) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 490.
(2) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 5 ج 5 ص 491.
(3) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 10 ج 5 ص 492.
(4) وسائل الشيعة: ب 1 من أبواب صلاة المسافر ح 9 ج 5 ص 492.
(5) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 11 ص 300 ومفتاح الكرامة ج 3 ص 501 نقلا عن
العلامة السيد بحر العلوم.
(6) السرائر: كتاب الصلاة أحكام صلاة السفر ج 1 ص 328 نقلا عن مروج الذهب.
(7) القاموس المحيط: ج 4 ص 53 مادة - مال -.
(8) تهذيب اللغة: ج 15، ص 396 مادة - مال -.
(9) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 4 ص 430.
(10) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 11 ص 301.
406

(أو قدر مد البصر من الأرض تعويلا على الوضع) اللغوي المستفاد
من الصحاح (1) وغيره. وربما يفهم من العبارة ونحوها: التردد في التفسير
الأول، حيث نسبه إلى الشهرة، والثاني إلى أهل اللغة.
ويضعف بأن المراد بالشهرة هنا: الشهرة العرفية والعادية، لا الفتوائية
حتى يفهم منها التردد في المسألة. وحينئذ فتقديمه على اللغة ذكرا يقتضي
ترجيحه عليها كما صرح به في التنقيح، فقال: والمصنف ذكر التقديرين معا،
وقدم العرفي على اللغوي لتقدمه عليه عند التعارض كما تقرر في الأصول (2).
وقال بعض مشائخنا: وإنما نسبه إلى الشهرة تنبيها على مأخذ الحكم، بناء
على أن الرجوع إليها في موضوعات الأحكام وألفاظها من المسلمات (3).
أقول. وحيث انتفى الخلاف في هذا التقدير وجب الرجوع إليه وإن ورد
في النصوص ما يخالفه من التقدير بألف وخمسمائة ذ راع، أو ثلاثة آلاف
وخمسمائة ذراع، مع ضعف سندهما ومهجوريتهما ولا سيما الأول.
وقدر في المشهور الذراع: بأربع وعشرين إصبعا، والإصبع بسبع شعيرات
متلاصقات بالسطح الأكبر، وقيل (4): ست، ولعل الاختلاف بسبب
اختلافها. وعرض كل شعيرة بسبع شعرات من أوسط شعر البرذون.
وضبط مد البصر في الأرض بأنه: ما يتميز به الفارس من الراجل للمبصر
المتوسط في الأرض المستوية. ولو وافق أحد هذين التقدير ين السير في بياض
اليوم المعتدل قدرا وزمانا ومكانا على الأقوى فذاك، وإلا ففي ترجيحهما كما

(1) الصحاح. ج 5، ص 1823 مادة - ميل -.
(2) التنقيح الرائع: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 285.
(3) ولعل ما ذكره كان في مجلس درسه.
(4) ونقل القيل في مدارك الأحكام. كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 4 ص 430.
407

عليه الشهيد الأول في الذكرى (1)، أو العكس كما عليه الثاني في الروض (2)
وغيره، أو الاكتفاء في لزوم القصر بأيهما حصل أولا كما عليه سبطه (3) أوجه
وأقوال. والاحتياط واضح.
وذكر جماعة أن مبدأ التقدير: من آخر خطة البلد في المعتدل، وآخر محلته في
المتسع (4) ولا ريب في الأول، لكونه المتبادر من إطلاق الفتوى والنص،
ولعل الوجه في الثاني عدم تبادره من الاطلاق، فيرجع إلى المتبادر منه كما
يرجع في إطلاق الوجه - مثلا - غير مستوي الخلقة إلى مستويها، لكونها المتبادر
دونه، لكن إطلاق التحديد بآخر المحلة مشكل، بل ينبغي تقييده بما إذا وافق
آخر البلد المعتدل تقديرا. فتأمل جدا.
وربما قيل: بأن المبدأ هو مبدأ السير بقصد السفر (5)، ولا فرق مع ثبوت
المسافة بالأذرع بين قطعها في يوم أو أقل أو أكثر، إلا إذا تراخى الزمان كثيرا
بحيث يخرج عن اسم المسافر عرفا كما لو قطع المسافة في شهرين أو ثلاثة.
فقد جزم في الذكر في بعدم الترخص (6)، ولا بأس به عملا بالأصل،
واقتصارا فيما خالفه على المتبادر من إطلاق الفتوى والنص، وليس إلا ما
صدق معه السفر في العرف.
والبحر كالبر في جواز القصر جمع بلوغ المسافة بالأذرع وإن قطعت في ساعة
كما صرح به جماعة ومنهم: المنتهى قائلا: إنه لا نعرف في ذلك خلافا، وإنما

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة السفر ص 257 س 29.
(2) روض الجنان. كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 383 س 19.
(3) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 4 ص 132.
(4) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: ص 383 س 24، والمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة: ج 4 ص 432.
(5) كفاية الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة السفر ص 33 س 1.
(6) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة السفر ص 257 س 30.
408

يجب القصر مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار أو الشياع أو شهادة البينة، ومع
الشك يتم بلا خلاف أعرفه (1). وبه صرح في الذخيرة (2) عملا بالأصل. وفي
وجوب الاعتبار معه وجهان. ولو صلى قصرا حينئذ أعاد مطلقا ولو ظهر أنه
مسافة لأن فرضه التمام ولم يأت به، وما أتى به لم يؤمر به.
ولو سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثم ظهر أن المقصد مسافة قصر حينئذ وإن
قصر الباقي عن مسافة، ولا يجب إعادة ما صلى تماما قبل ذلك، لأنه صلى
صلاة مأمورا بها فتكون مجزئة.
فلو كان لبلد طريقان: أحدهما مسافة دون الآخر فسلكه أتم، وإن عكس
لعلة غير الترخيص قصر إجماعا كما في التذكرة (3) والذخيرة (4). وكذا لعلته
على الأظهر الأشهر، بل عن ظاهر الأول الاجماع عليه. خلافا للقاضي (5)
فيتم، لأنه كاللاهي بصيده. ولا ريب في ضعفه، لأن السفر بقصد الترخيص
غير محرم قطعا كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى. والقياس فاسد عندنا، سيما
إذا كان مع الفارق كما هنا.
(ولو كانت) المسافة (أربعة فراسخ) فصاعدا دون الثمانية (وأراد
الرجوع ليومه) أو لليلته أو الملفق منهما مع اتصال السير عرفا دون الذهاب في
أول أحدهما والعود في آخر الآخر على ما صرح به جمع (6) ممن تأخر من غير
خلاف بينهم ولا من غيرهم يظهر (قصر) وجوبا على الأشهر الأقوى.

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة السفر ج 1 ص 390 س 35.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة السفر ص 407 س 15.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 188 س 31.
(4) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 407 س 13.
(5) المهذب: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 107.
(6) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 4 ص 434.
409

وعن ظاهر الأمالي: أنه من ديننا (1)، مشعرا بكونه إجماعا، وبه نص
الرضوي: فإن كان سفرك بريدا وأردت أن ترجع من يومك قصرت، لأن
ذهابك ومجيئك بريدان - إلى أن قال -: فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة
فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار: فإن شئت أتممت، وإن شئت
قصرت (2). وقريب منه النصوص المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها.
منها: عن التقصير، فقال. بريد ذاهبا وبريد جائيا، وكان رسول الله - صلى
الله عليه وآله - إذا أتى ذبابا (3) قصر، لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية
فراسخ (4). وهو كالنص في وجوب التقصير، لتعليله فيه بحصول الثمانية التي هي
أصل المسافة التي يجب فيها التقصير إجماعا. ونحوه الموثق المعلل له بأنه: إذا
ذهب بريدا وأب بريدا فقد شغل يومه (5).
وبهذه الأدلة يجمع بين النصوص المتقدمة بكون المسافة ثمانية (6)، والصحاح
المستفيضة الآمرة بالقصر في أربعة بتعميم الأدلة للثمانية الملفقة من: الأربعة
الذهابية والإيابية، وتقييد الأربعة بها لا مطلقا وإن كان متبادرا منها. كما أن
الثمانية الذهابية خاصة متبادرة من الأدلة، لكن لتبادر لا حكم له بعد وجود
الصارف عنه من نحو ما قدمناه من الأدلة. خلافا للشهيدين (7). وغيرهما من

(1) أمالي الصدوق: المجلس 93 ص 514.
(2) فقه الرضا (ج). ب 21 ص 159 و 161، باختلاف يسير في اللفظ.
(3) ذباب: جبل قرب المدينة، انظر مجمع البحرين مادة - ذبب - ج 2، ص 58.
(4) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 14 و 15 ج 5 ص 498، باختلاف في اللفظ مع
زيادة ونقصان.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 9 ح 5 ص 496.
(6) في نسخة " م " و " ق ". ثمانية فراسخ.
(7) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 256 س 11، وروض الجنان: كتاب الصلاة في
صلاة المسافر ص 384 س 11.
410

المتأخرين فلم يوجبوا القصر، وخيروا بينه وبين التمام وفاقا للتهذيب (1)، جمعا
بين أخبار الثمانية والأربعة المطلقة بحمل الأولة على ظواهرها مطلقا، وتقييد
الأربعة المطلقة بالملفقة لأخبارها أو من غير تقييدها، ثم حمل الأمر بالقصر فيها
أجمع على الرخصة ترجيحا لأخبار الثمانية، ولا شاهد له عليه مع إمكان الجمع
بما مر، مع كونه أظهر لوضوح الشواهد عليه، مضافا إلى شهرته وندرة القول
بخلافه في القديم، إذ ليس إلا الشيخ في التهذيب، وهو على تقدير تسليم مخالفته
قد رجع عنه، ووافق المشهور في جملة من كتبه.
لكن بعض أخبار الأربعة لا يقبل التقييد بالتلفيق مطلقا كالصحيح. أن
لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ، ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة
أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فأتم الصلاة أو أقصر؟ قال: قصر في الطريق
وأتم في الضيعة (2)، لكنه لا يعارض أخبار الثمانية أجمع، فليطرح أو يحمل على
التخيير وسيأتي الكلام فيه - أو على التقية بمعنى: حمل الأمر فيه بالاتمام في
الضيعة عليها، لعدم كونها بنفسها من القواطع عندنا، وإنما - هو مذهب جماعة من
العامة كما سيأتي إليه الإشارة إن شاء الله تعالى، فيرتفع المانع عن الحمل على
التلفيق. فتدبر.
(ولا بد) في القصر (من كون المسافة) المشترطة (مقصودة) ولو تبعا:
كالزوجة والعبد والأسير، مع عدم قصدهم الرجوع متى تمكنوا منه، أو عدم
احتمالهم له بعدم ظهور أماراته.
(فلو قصد ما دونها ثم قصد مثل ذلك أو لم يكن له قصد) أصلا
(فلا قصر) مطلقا (ولو (3) تمادى في السفر) وقطع مسافات عديدة بالنص

(1) تهذيب الأحكام: باب 23 في صلاة السفر ج 3 ص 208.
(2) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 14 ج 5 ص 523.
(3) في الشرح المطبوع " فلو ".
411

والاجماع.
نعم، يقصر في الرجوع إذ بالغ مسافة إجماعا، لحصول الشرط، وخصوص
الموثق: عن الرجل يخرج في حاجة له وهو لا يريد السفر فيمضي في ذلك،
فيتمادى به المضي حتى يمضي به ثمانية فراسخ، كيف يصنع في صلاته؟
قال: يقصر ولا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله (1).
والمراد: يقصر في رجوعه قطعا، كما أن المراد بالموثق الآخر. عن الرجل
يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها، ثم يخرج منها خمسة
فراسخ أخرى أو ستة فراسخ لا يجوز ذلك، ثم ينزل في ذلك الموضع، قال:
لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة (2)
الاتمام في الذهاب خاصة لما مضى.
وهل يضم إلى الرجوع ما بقي من الذهاب مما هو أقل من المسافة؟ أوجه،
ثالثها نعم، إن بلغ الرجوع وحده المسافة، وإلا فلا، وفاقا لجماعة لصدق
قصدها، والتلفيق لا مانع منه هنا، إذ الظاهر أن الممنوع منه على تقديره إنما هو
ما حصل به نفس المسافة لا مطلقا، وهي في المقام من دونه حاصلة، لكن ظاهر
الأكثر المحكي عليه الاجماع العدم مطلقا، ويعتبر في هذا الشرط استمراره إلى
نهاية المسافة بلا خلاف فيه أجده، بل قيل: إنه إجماع. ويفهم من، جملة
للمعتبرة.
منها الصحيح: في الذي بدا له في الليل بعد أن سافر نهارا، فقال إن كنت
سرت في يومك بريدا لكان عليك حين رجعت أن تصلي بالقصر، لأنك كنت
مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك، وإن كنت لم تسر بريدا فإن عليك أن

(1) وسائل الشيعة: ب 4 من أبواب صلاة المسافر ح 2 ج 5 ص 503
(2) وسائل الشيعة. ب 4 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 504
412

تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير (1).
والخبر: في منتظري الرفقة الذين لا يستقيم لهم من دونهم المسافرة، إن كانوا
بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا، فإن كانوا
ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة أقاموا أم انصرفوا (2).
وفي آخر: إذا خرج الرجل من منزله بريدا اثني عشر ميلا - وذلك أربعة
فراسخ - ثم بلغ فرسخين ونيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر، وإن رجع عما
نوى عندما بلغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام، وإن كان قصر ثم رجع عن
نيته أعاد الصلاة (3). وضعف السند غير مانع كتضمن الصحيح، والأخير ما
لا يقول به أحد من قضاء الصلاة بعد البدء كما في الأول، وتحديد المسافة بستة
أميال وأنها فرسخان، وتصريح صدره بأن التقصير في أربعة فراسخ، لانجبار.
الأول بالشهرة، والثاني غير قادح في حجية ما بقي.
وبنحوه يجاب عن تضمن الجميع الأمر بالقصر في نصف المسافة، والأخير
الأمر بإعادة الصلاة المقصورة بعد تغير النية، مع أنه لا يقول بهما الأكثر، مع أن
الأول محمول على التخيير كما يأتي، والثاني على الاستحباب، للصحيح: تمت
صلاته ولا يعيد (4). وحمله على خروج الوقت كما في الاستبصار (5) ليس
بأولى مما ذكرنا، بل هو أولى لاعتضاده بالأصل، واقتضاء (6) الأمر الاجزاء،
مضافا إلى الشهرة، وضعف سند المعارض، وخلو ما ذكره من الحمل عن،

(1) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 504. مع تفاوت يسير وزيادة.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ذيل الحديث 4 ج 5 ص 501.
(3) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة المسافر ذيل الحديث 4 ج 5 ص 495، باختلاف يسير في اللفظ.
(4) وسائل الشيعة. ب 23 من أبواب صلاة المسافر ج 1 ج 5 ص 541.
(5) الاستبصار: كتاب الصلاة ب 134 في المسافر يخرج فرسخا أو فرسخين و... ج 1 ص 228، ذيل الحديث 2.
(6) وفي نسخة (مش و م وق): امتثال.
413

الشاهد، مع مضادته لظاهر الصحيح السابق، ومع ذلك فقد رجع عنه في
النهاية (1).
وعلى هذا الشرط (فلو قصد مسافة فتجاوز سماع الأذان) ومحل
الرخصة (ثم توقع رفقة) لم يجزم بالمسافرة من دونهم أتم، وإن جزم أو بلغ
المسافة (قصر ما بينه وبين) مضي (شهر ما لم ينو المقام (2))، عشرة أيام،
فيتم بعد النية كما يتم بعد مضي الشهر، بلا خلاف ظاهرا إلا من الذكرى في
الثاني فتنظر فيه، وتبعه بعض المعاصرين، معللا بأن مورد النص التردد في
المصر (3) وفيه نظر، لأنه كثير، وبعضها وإن اختص به إلا أن بعضا آخر منها
ورد في التردد في الأرض بقول مطلق كما سيظهر.
(ولو كان) توقع الرفقة (دون ذلك) أي: محل الرخصة (أتم) مطلقا،
لكون التجاوز عنه من الشرائط أيضا كما سيأتي إن شاء الله.
واعلم: أن الظاهر أن المعتبر قصد المسافة النوعية لا الشخصية، فلو قصد
مسافة معينة فسلك بعضها ثم رجع إلى قصد موضع آخر بحيث تكون نهايته - مع
ما مضى - مسافة فإنه يبقى على التقصير، للأصل، وصدق السفر إلى المسافة،
مع اختصاص ما دل من النص والفتوى على التمام - إذا لم يقصد المسافة أو رجع
عنها - بحكم التبادر وغيره بغير محل البحث، وهو ما لم يقصد فيه المسافة أصلا، أو
قصد الرجوع في أثنائها إلى منزله. وبما ذكرنا صرح في الروض، إلا أنه احتمل
في المثال عدم الترخيص قال: لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها، وعدم بلوغ
القصد الثاني مسافة (4). وهو ضعيف، إذ لا دليل على بطلانها بمجرد الرجوع عن

(1) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة ب 5 (في صلاة السفر ج 1 ص 358.
(2) في المتن المطبوع: " الإقامة ".
(3) ذكرى الشيعة: - كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 256 س 17، والحدائق الناضرة: ج 11 ص 337.
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 385 س 24.
414

شخصها، مع بقاء نوعها - لما عرفت - من اختصاص النص والفتوى الدالين عليه
بصورة الرجوع عنها أصلا. وعليه فيرجع إلى حكم الأصل، وهو: استصحاب
بقاء وجوب القصر، ولعله لذا أفتى في النهاية بوجوب القصر هنا في الأربعة
الإيابية مطلقا (1)، مع أن مذهبه فيها: - إذا قصد في مبدأ السفر تلفيقها ثمانية مع
عدم الرجوع ليومه - عدم وجوبه، بل جوازه، ووجه الفرق بينهما عدم ثبوت ما
يوجب تحتم القصر في الثاني من ثبوته واستصحاب وجوبه، بخلاف الأول
لثبوته فيه، ومحصله حصول موجب القصر الاتفاقي، وهو: قصد الثمانية الذهابية
في مبدأ السفر في الأول دون الثاني، إذ المسافة المقصودة فيه أولا إنما هو: الثمانية
الملفقة، المختلف في ايجابها القصر أو ترخيصه.
والحاصل: أن الشيخ لم يكتف بالتلفيق في إيجابه القصر إذا حصل في أول
السفر وقبل ثبوت القصر، واكتفى به فيه بعد ثبوته بحصول موجبه من قصد
الثمانية الممتدة. وحينئذ، فلا يبعد موافقة الشيخ هنا وإن خالفناه ثمة؟
لاختلاف موضوع المسألتين، سيما مع اتفاق النصوص المتقدمة قريبا على ما
ذكره، مع سلامتها عن المعارض أصلا. فتدبر وتأمل.
(الثاني: أن لا يقطع سفره (2) بعزم الإقامة) الشرعية في أثنائها المتحققة
بالوصول إلى الوطن مطلقا؟ أو نية الإقامة عشرا بلا خلاف بيننا، بل عليه
الاجماع في عبائر جماعة حد الاستفاضة في الثاني، وفي الأول دونه، والصحاح
بهما كغيرها مستفيضة قريبة من التواتر بل متواترة. وسيأتي إلى جملة منها
الإشارة.
وهي وإن قصرت عن إفادة تمام المدعى من حصول القطع بهما - بحيث يجب

(1) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة ب 15 في صلاة السفر ج 1 ص 358.
(2) في المتن المطبوع: " السفر ".
415

التمام في محل الإقامة وقبله وبعده إلى أن يستأنف مسافة أخرى جديدة، من غير
كفاية ضم ما بقي بعد القاطع من المسافة إليها قبله - إلا أنها صريحة في وجوب
التمام بهما، فيستحب إلى تيقن القصر، وليس إلا باستئناف مسافة أخرى،
إذ ليس في إطلاق ما دل على وجوب القصر في المسافة عموم يشمل نحو هذه
المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها؟ لاختصاصه بحكم التبادر بغيرها.
هذا مضافا إلى الاجماعات المحكية، وتنزيل المقيم عشرا، والمتردد ثلاثين
يوما أو شهرا منزلة من هو في أهله في الصحيحين: من قدم قبل التروية بعشرة
أيام وجب عليه التمام، وهو بمنزلة أهل مكة (1) كما في أحدهما. وفي الثاني: عن
أهل مكة، إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة؟ قال: نعم، والمقيم إلى شهر
بمنزلتهم (2). وعموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام، ولا يخصصه
خصوص المورد لو كان كما مر في غير مقام،.
وكيف كان (فلو عزم مسافة وله (3) في أثنائها منزل) مملوك له (قد
استوطنه ستة أشهر) فصاعدا ولو متفرقة على ما نص عليه الجماعة ويعضده
إطلاق الرواية (أو عزم في أثنائها إقامة عشرة أيام). وسيأتي الكلام
فيما يتعلق بالثاني.
وأما الأول: فالحكم فيه مطلق وإن جزم على السفر قبل تخلل العشرة.
وظاهر العبارة: الاكتفاء بستة أشهر واحدة ماضية وهو المشهور، بل عليه
الاجماع في الروض (4) والتذكرة (5) فإن تم وإلا فالحجة عليه غير واضحة، مع أن

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 499.
(2) وسائل الشيعة: ب 5 (من أبواب صلاة المسافر ح 11 ج 5 ص 527.
(3) في الشرح المطبوع " فله ".
(4) روض الجنان: كتاب الصلاة ي صلاة المسافر ص 386 س 18.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 190 س 39.
416

ظاهر الصحاح المستفيضة اعتبار فعلية الاستيطان، وبقاؤه على الدوام كما هو
ظاهر الشيخ (1) وجملة (2) ممن تبعه، بل ظاهر جماعة اعتبارها في كل سنة.
ففي جملة منها: كل منزل:، لا تستوطنه فليس ذلك بمنزل، فليس لك أن
تتم (3).
ومنها: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون له فيها منزل يقيم ستة أشهر، فإن
كان كذلك أتم متى دخلها (4). وبه يقيد إطلاق سابقه، مع أن المتبادر منه ما
يوافقه، لعدم صدق الوطن على ما قصر عن استيطان الستة عادة فتأمل.
وكيف كان، فوجه ما ذكروه غير واضح، إلا أن يكون الصحيح: عن
الدار تكون للرجل بمصر، أو الضعيفة فيمر بها، قال. إن كان مما سكنه أتم
فيه، وإن كان مما لم يسكنه فليقصر (5).
وقريب منه آخر: في الرجل يسافر فيمر بالمنزل في الطريق يتم الصلاة أم
يقصر؟ قال: يقصر، إنما هو المنزل الذي توطنه (6). وفيه: أن راوي الأول روى
بعض الصحاح المتقدمة التي هي أظهر دلالة على اعتبار دوام الستة منهما على
الاكتفاء بها في الزمن الماضي ولو مرة. وتوطنه في الثاني يحتمل كونه بصيغة
المضارع المفيدة للتجدد الاستمراري من باب التفعل محذوفة فيها إحدى
التائين. فالمسألة قوية الاشكال وإن كان اعتبار فعلية الاستيطان ودوامه لا يخلو
عن رجحان.
ثم إن ظاهر الصحاح المتقدمة والعبارة ونحوها من عبائر الجماعة ومنهم:

(1) النهاية: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 124.
(2) من لا يحضره الفقيه: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 451، والمهذب: كتاب الصلاة في
صلاة المسافر ج 1 ص 6 10، والكافي في الفقه: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 117.
(3) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 6 و 11 ج 5 ص 522:
(4) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 6 و 11 ج 5 ص 522:
(5) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 9 و 8 ج 5 ص 522.
(6) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 9 و 8 ج 5 ص 522.
417

الصدوق (1) والشيخ (2) ولجة (3) ممن تبعه، والشهيد في اللمعة (4): إناطة الحكم
بالاستيطان في المنزل خاصة دون الملك وإن تضمنت اللام لمجيئها
للاختصاص، بل ظهورها فيه كما قيل. خلافا للفاضلين (5) في جملة من كتبهما
ومن تأخر عنهما (6) فأناطوه بالملك بشرط الاستيطان في بلده ولو في غيره، حتى
صرحوا بالاكتفاء في ذلك بالنخلة الواحدة للموثق وفيه أنه كسائر الصحاح
وغيرها المتضمنة للأمر بالاتمام بمجرد الوصول إلى الملك من القرى والضيعة
لم يقل بإطلاقها أحد من الطائفة، والنصوص بخلافها مع ذلك مستفيضة،
متضمنة للصحيح وغيره دالة على الأمر بالتقصير ما لم ينو المقام عشرة.
ففي الصحيح: عن الرجل يقصر في ضيعته؟ قال: لا بأس ما لم ينو المقام
عشرة أيام، إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، قلت: ما الاستيطان...
الحديث (7) كما مر، وهو كالصريح، بل صريح فيما ذكرنا من: أن العبرة
بالاستيطان في المنزل دون الملك، وإلا لعطفه على إقامة العشرة ولم يخصه
بالمنزل، ومع ذلك فهي موافقة لمذهب جماعة من العامة كما صرح به جماعة،
حاملين لها لذلك على التقية، ومع ذلك فغايتها: إفادة الاتمام في الملك مطلقا
كما هو ظاهر إطلاقها، أو بشرط الاستيطان ستة أشهر كما هو قضية الجمع بينها
وبين غيرها، وهو لا يستلزم اشتراط الملك، حتى لو انتفى وحصل الاستيطان في
المنزل غير الملك وجب القصر كما ذكروه، بل وجوب الاتمام فيه لا ينافيه ويجامعه.

(1) مرت الإشارة بها في ص 417.
(2) مرت الإشارة بها في ص 417.
(3) مرت الإشارة بها في ص 417.
(4) اللمعة الدمشقية: كتاب الصلاة في صلاة لمسافر ج 1 ص 782.
(5) منتهى المطلب: ج 1 ص 393 س 35 وتحرير الأحكام ج 1 ص 56 س 20، والمعتبر: كتاب الصلاة في
صلاة المسافر ج 2 ص 469.
(6) كالشهيد الأول في البيان: 56 (والشهيد الثاني في روض الجنان. ص 387 س 1.
(7) وسائل الشيعة: ب 14 من أبواب صلاة المسافر ح 11 ج 5 ص 522.
418

وبالجملة: فما ذكروه لا وجه له كما صرح به من متأخري المتأخرين جماعة،
لكن يمكن الاعتذار لهم بأن اعتبارهم الملكية إنما هو بناء على اكتفائهم في
الوطن القاطع بما حصل فيه الاستيطان ستة أشهر ولو مرة، من دون اشتراط
الفعلية، حتى لو هجره بحيث لم يصدق عليه الوطنية عرفا لزمه التمام بمجرد
الوصول إليه. ولذا اشترطوا دوام الملك أيضا إبقاء لعلاقة الوطنية، ليشبه الوطن
الأصلي الذي لا خلاف فتوى ونصا في انقطاع السفر به مطلقا ولو لم يكن له فيه
ملك ولا منزل مخصوص أصلا.
وعلى هذا فلا ريب في اعتباره، لعدم دليل على كفاية مجرد الاستيطان
ستة أشهر، مع عدم فعليته ودوامه أصلا، إذ النصوص الدالة عليه ظاهرها
اعتبار فعليته، فلم يبق إلا الاجماع المحكي والفتاوى، وهما مختصان بصورة
وجود الملك ودوامه. فعلى تقدير العمل بهما ينبغي تخصيص الحكم بها.
ويرشد إلى ما ذكرنا: ألهم ألحقوا بالملك اتخاذ البلد أو البلدين دار إقامة
على الدوام، معربين عن عدم اشتراط الملك فيه، لو أن اختلفوا في اعتبار
الاستيطان ستة أشهر فيه كالملحق به كما عليه الشهيد في الذكرى وجملة ممن
تأخر عنه (1)، أو العدم كما عليه الفاضل (2).
والوطن. المستوطن فيه المدة المزبورة على الدوام أحد أفراده، فلا يعتبر فيه
عندهم الملكية كما عرفته.
فيتحصل مما ذكرنا: أنه لا إشكال ولا خلاف في عدم اعتبار الملك في
الوطن المستوطن فيه المدة المزبورة كل سنة، ولا في اعتباره في المستوطن فيه تلك
المدة مرة، وإنما الخلاف والاشكال في كون مثل الوطن الأخير ولو مع الملك
قاطعا، ولكن الأقوى فيه العدم كما تقدم، ومرجعه إلى انكار الوطن الشرعي

(1) ذكرى الشيعة: ص 257 والروضة البهية: ج 1 ص 782، ومدارك الأحكام: ج 4 ص 445.
(2) قواعد الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة السفر ج 1 ص 325.
419

وانحصاره في العرفي، وهو قسمان: أصلي نشأ فيه أو اتخذه، وطارئ يعتبر في
قطعه السفر فعلية الاستيطان فيه ستة أشهر بمقتضى الصحيحة المتقدمة.
(ولو قصد مسافة فصاعدا وله رأسها منزل قد استوطنه القدر
المذكور) أي: الستة أشهر المطلقة أو الدائمة الفعلية على الاختلاف المتقدم
إليه الإشارة (قصر في طريقه) لحصول الشرط فيه (وأتم في منزله) لأنه غير
مسافر فيه لحصول القطع به.
والفرق بين هذه المسألة وما سبق توسط المنزل المزبور فيه في أثناء أصل
المسافة المشترطة، فلا قصر فيه بالكلية ما لم يقصد مسافة أخرى جديدة ووقوعه
هنا في رأسها مثلا، فيثبت القصر قبله.
وبالجملة: المنزل قاطع للسفر دون المسافة هنا ولهما معا ثمة، والحكم فيها
يناسب الشرطية المقصودة في ظاهر العبارة، فلذا فرعه عليها دونه هنا، فإنه
مذكور تبعا للأول للمناسبة بينهما.
وكذلك إقامة العشرة تارة تكون قاطعة لأصل المسافة وهي التي تناسب
الشرطية وفرع حكمه عليها.
وأخرى تكون قاطعة للسفر دونها، وسنذكر حكمها إن شاء الله، فلا تكرار أصلا.
(وإذا) عزم مسافة ولم يعزم الإقامة في أثنائها ف‍ (قصر ثم نوى الإقامة)
في أثنائها عشرا (لم يعد) ما كان صلاه قصرا لما مر في الشرط الأول.
(ولو كان) دخل (في الصلاة) بنية القصر ثم عن له الإقامة في
أثنائها (أتم) بلا خلاف فيه بيننا أجده، بل عليه إجماعنا في ظاهر
التذكرة (1)، وقريب منها الخلاف (2) والمنتهى (3) حيث لم ينقل الخلاف فيه إلا

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 193 س 26.
(2) الخلاف: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 مسألة 341 ص 583.
(3) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 398 س 28.
420

من بعض العامة، للعموم كما في الخلاف وخصوص الصحيح وغيره. عن الرجل يخرج
في السفر، ثم يبدو له وهو في الصلاة، قال: يتم إذا بدت له الإقامة (1).
ولو نوى إقامة بعد ما صلى ركعة ثم خرج وقت تلك الصلاة فإنه يحول
فرضه إلى الأربع. أما لو خرج قبل أن يصلي ركعة ثم نوى الإقامة فإنه
لا يتحول فرضه إلى الأربع في حين تلك الصلاة، لأنها فاتته قصرا، وبه صرح
في المنتهى (2) أيضا.
(الثالث: أن يكون السفر مباحا) غير محرم
(فلا يترخص العاصي)
بسفره (كالمتبع للجائر) في جوره (واللاهي بصيده) باجماعنا الظاهر
المصرح به في عبائر جماعة حد الاستفاضة، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة.
ففي الصحيح. من سافر قصر وأفطر، إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد،
أو في معصية، أو رسولا لمن يعصي الله تعالى، أو في طلب عدو، أو شحناء، أو
سعاية، أو ضرر على قوم مسلمين (3).
وفي الموثق: عن الرجل يخرج إلى الصيد أيقصر أو يتم؟ قال: يتم؟ لأنه
ليس بمسير حق (4). وإطلاقهما كغيرهما، وأكثر الفتاوى وصريح جملة منها
يقتضي عدم الفرق في السفر المحرم بين ما كان غايته معصية: كالسفر لقطع
الطريق، أو قتل مسلم، أو إضرار بقوم مسلمين، أو كان بنفسه معصية: كما
يتضمن الفرار من الزحف والهرب من الغريم مع القدرة على الوفاء، خلافا
لشيخنا الشهيد الثاني (5) فخصه بالأول، مدعيا اختصاص النصوص به، ولا

(1) وسائل الشيعة: ب 20 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 534، باختلاف في اللفظ مع زيادة.
(2) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 398 س 28.
(3) وسائل الشيعة. ب 8 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 509، وفيه اختلاف يسير.
(4) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 4 ج 5 ص 511.
(5) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 388 س 5.
421

وجه له كما صرح به جماعة (1).
ثم إطلاق الخبرين كغيرهما بعدم ترخص الصائد عمول على الغالب في
العادة فيما هو مورد لها، وهو: ما يقصد به اللهو دون الحاجة والتجارة، وبه يشعر
أيضا الموثقة.
وأظهر منها أخرى: عمن يخرج من أهله بالصقور والبزاة والكلاب يتنزه
الليلة والليلتين والثلاثة، هل يقصر من صلاته أو لا يقصر؟ قال: إنما خرج في
لهو، لا يقصر (2).
ونحوهما الخبر: في المتصيد، أيقصر الصلاة؟ قال: لا، فإن الصيد مسير باطل
لا تقصر الصلاة فيه (3).
وآخر: سبعة لا يقصرون الصلاة - إلى أن قال -. والرجل يطلب الصيد يريد
به لهو الدنيا، والمحارب الذي يقطع السبيل (1).
وأظهر من الجميع المرسل: قلت له. الرجل يخرج إلى صيد مسيرة يوم أو
يومين، أيقصر أو يتم؟ فقال. إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصر، فإن
خرج لطلب الفضول فلا، ولا كرامة (5).
والرضوي: وإذا كان مما يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة
والصوم (6).
(و) هما نص في أنه (يقصر لو كان الصيد للحاجة)، كما أفتى به

(1) مدارك الأحكام: ج 4 ص 446، وذخيرة المعاد: ص 409 س 29.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 511.
(3) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 7 ج 5 ص 512.
(4) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب صلاة المسافر ح 5 ج 5 ص 515.
(5) وسائل الشيعة: ب 9 من أبواب صلاة المسافر ح 5 ج 5 ص 512.
(6) فقه الرضا (ع): ص 162، وفيه وإذا كان صيده اضطرارا ليعود به...
422

الأصحاب كافة، من غير خلاف بينهم فيه أجده،، وبه صرح جماعة، بل عليه
الاجماع في المنتهى (1) والتذكرة (2).
(و) اختلفوا فيما (لو كان للتجارة) ف‍ (قيل: يقصر صومه ويتم
صلاته) والقائل به أكثر القدماء (3) ومنهم: الحلي (4) مدعيا كونه إجماعا،
وورود رواية بذلك أيضا كما يفهم من المبسوط (5)، حيث قال: روى أصحابنا،
ولم أر هذه الرواية، ولا نقلها أحد من أصحابنا.
نعم، في الرضوي: وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والقصر
في الصوم (6). والمشهور بين المتأخرين، بل عليه عامتهم: التقصير في الصلاة
أيضا، للعمومات، وخصوص ما دل من الصحاح وغيرها على أنه: إذا قصرت
أفطرت، وإذا أفطرت قصرت (7).
والاجماع واقع على ثبوت القصر في الصوم على الظاهر المصرح به في جملة
من العبائر، فثبت في الصلاة أيضا عملا بمقتضاها، وهو حسن لولا الاجماع
المحكي، والرواية المرسلة، والفقه الرضوي المنجبر قصور سندهما بالشهرة القديمة
المحققة القريبة من الاجماع، بل لم ينقل طا مخالف من القدماء عدا المرتضى،
حيث نفى الخلاف بين الأمة في تلازم القصرين (1)، لكن من غير تنصيص به
في المسألة، وهو غير صريح في المخالفة كالعمومات المتقدمة، لقبولها التخصيص

(1) منتهى الطلب: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 392 س 28.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 192 س 9.
(3) المهذب ج 1 ص 6 10 والجامع للشرائع. ص 91 والوسيلة: ص 109.
(4) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 327.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 136.
(6) الفقه المنسوب للإمام الرضا (ع): ص 162.
(7) وسائل الشيعة. ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 17 ج 5 ص 528.
(8) الإنتصار: في صلاة المسافر ص 51.
423

بما مر من الرواية وإن لم تكن الآن مشهورة، لظهور عبارتي المبسوط والسرائر، في
كونها - يومئذ - مشهورة، بل ومجمعا عليها كما عرفته.
والشهرة المتأخرة لم تتحقق إلا من زمن العلامة، لكنه في التذكرة كغيره
ادعى الشهرة المطلقة على ما اختاره (1)، فيمكن أن يوهن بهذه الدعوى دعوى
الاجماع المتقدمة.
ويجاب عن المرسلة بضعف السند، وعدم وضوح الجابر، إلا الشهرة القديمة،
وهي معارضة بالشهرة، المتأخرة القطعية، بل مطلقا كما عرفت حكايته في
كلام جماعة، فلا يمكن أن يخصص بها العمومات المتقدمة، بهما لا يمكن
تخصيصها بالرضوي وإن اعتبر سنده في الجملة، لقصوره عن المقاومة لها
والمكافأة، لكن المسألة بعد لا تخلو عن شبهة، والاحتياط فيها مطلوب بلا شبهة.
وكما يعتبر هذا الشرط ابتداء يعتبر استدامة. فلو عرض قصد المعصية في الأثناء
انقطع الترخص حينئذ وبالعكس، ويشترط حينئذ كون الباقي مسافة ولو
بالعود قطعا، كما يشترط في الأول أيضا لو رجع إلى القصد الأول على قول قوي
للأصل، ولا على آخر، لاطلاق الخبر: أن صاحب الصيد يقصر ما دام على
الجادة، فإذا عدل عن الجادة أتم، فإذا رجع إليها قصر (2). وفيه ضعف سندا،
بل ودلالة، فيشكل الخروج به عن مقتضى الأصل جدا. لكن الاحتياط
بالجمع بين القولين أولى.
ثم إن إطلاق النص والفتوى يقتضي وجوب التمام على اللاهي بصيده
مطلقا. خلافا للمحكي عن الإسكافي: فإلى ثلاثة أيام، للمرسل. وهو مع
ضعفه نادر، وفي المختلف. أنه لم يعتبره علماؤنا (3).

(1) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 193 س 2 (، وفيه وكذا الحكم مطلقا على مذهب أكثر علمائنا، فراجع.
(2) وسائل الشيعة: ب 9 من - أبواب صلاة المسافر ح 6 ج 5 ص 512.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 162 س 9.
424

(الرابع: أن لا يكون سفره أكثر من حضره: كالبدوي والمكاري)
بضم الميم وتخيف الياء، وهو: من يكره دابته لغيره ويذهب معها، فلا يقيم
ببلده غالبا لاعداد نفسه لذلك
(والملاح) وهو: صاحب السفينة
(والتاجر) الذي يدور في تجارته (والأمير) الذي يدور في إمارته.
(والراعي) الذي يدور بماشيته. (والبريد) المعد نفسه للرسالة أو أمين
البيدر، فإن هؤلاء يتمون في أسفارهم بلا خلاف إلا من العماني، فأطلق
وجوب القصر على كل مسافر (1). وهو نادر، بل على خلافه انعقد الاجماع على
الظاهر المصرح به في جلة من العبائر: كالانتصار (2) والخلاف (3) والسرائر (4).
وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: المكاري والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة،
ويصوم شهر رمضان (5).
وفيه: أربعة قد يجب عليه التمام، في سفر كانوا أم حضر: المكاري والكري
والراعي والاشتقان لأنه عملهم (6). ونحوه المرفوع (7) القريب منه، لكن بزيادة
الملاح، وتفسير الاشتقان بالبريد، مع إسقاط لفظة " قد ".
وفيه: ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير، ولا على المكارين، ولا على
الجمالين (8). ونحوه الموثق وغيره في: الملاحين والأعراب، معللين بأن بيوتهم

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 2 - 1 ص 163 س 3.
(2) الإنتصار: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 53.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة في صلاة المسافر مسألة 329 ج 1 ص 576.
(4) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 338.
(5) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة المسافر ح 1 و 2 ج 5 ص 515.
(6) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة المسافر ح 1 و 2 ج 5 ص 515.
(7) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة المسافر ح 12 ج 5 ص 517.
(8) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة المسافر ح 8 ج 5 ص 16.
425

معهم (1)
ويستفاد منها أجمع - بعد ضم بعضها مع بعض -. أن وجوب التمام على
هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عملهم لا لخصوصية فيهم، فلو فرض كثرة
السفر بحيث يصدق كونه عملا لزم التمام وإن لم يصدق وصف أحد هؤلاء. كما أنه لو صدق وصف أحدهم ولم تتحقق الكثرة المزبورة لزم القصر، خلافا للحلي
في الثاني، فحكم بالتمام فيه ولو بمجرد السفرة الأولى، لاطلاق الأدلة بوجوب
التمام على هؤلاء (2). وهو مع ضعفه بما مضى مقدوح بلزوم حمل المطلقات على
الغالب الشائع منها، وهو: من تكرر منه السفر مرارا، إلا من يحصل منه في المرة
الأولى ومنه يظهر ضعف ما في المختلف من حكمه بالاتمام في السفرة الثانية
مطلقا (3).
ولجماعة فجعلوا المدار في الاتمام على صدق وصف أحدهم، أو صدق كون
السفر عمله، ومنهم: الشهيد في الذكرى، إلا أنه قال: إن ذلك أنما يحصل
غالبا بالسفر الثالثة التي لم يتخللها إقامة عشرة (4). كما صرح به الحلي في
متخذ السفر عملا له. وفيه ما عرفته من. أن المستفاد من النصوص: أن وجوب
التمام على أحد هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عمله، فلا وجه لجعله مقابلا له.
ثم دعوى حصول صدق أحد العنوانين بمجرد السفرة الثالثة ممنوع. كيف
لا وقد تحصل السفر زائدا عليها ولا يصدق أحدهما!؟ وذلك حيث يتفق كثرة
السفر، مع عدم قصد إلى اتخاذه عملا.
ومثله يقصر جدا كما صرح به بعض متأخري أصحابنا، فقال - بعد نقل

(1) وسائل الشيعة: ب 11 من أبواب صلاة المسافر ح 4 - 5 - 6 ج 5 ص 516.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 340.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 2 - 1 ص 163 س 27.
(4) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 258 س 13.
426

ما قدمناه من الأقوال -: وإذ قد عرفت أن الحكم في الأخبار ليس معلقا على
الكثرة، بل على مثل: المكاري والجمال ومن اتخذ السفر عمله وجب أن
يراعي صدق هذا الاسم عرفا، فلو فرض عدم صدق الاسم بالعشرة لم يتعلق
حكم الاتمام (1) انتهى.
نعم، يعتبر السفرات الثلاث مع صدق العنوان، فلا إتمام فيما دونها ولو
صدق - لما مر من لزوم حمل المطلقات على المتبادر منها، وليس إلا من تكرر
منه السفر ثلاثا فصاعدا. ويمكن أن يكون مراد الشهيد في اعتباره التعدد ثلاثا
هذا.
وبالجملة: المعتبر: عدم اتخاذ السفر عملا مع تكرره مرة بعد أخرى، ومعه
كذلك يجب التمام كما يستفاد من النصوص على ما قدمنا.
(و) ظاهر إطلاق أكثرها وإن اقتضى وجوبه معه مطلقا، إلا أن ظاهر
جملة أخرى منها (أن ضابطه: أن لا يقيم في بلده عشرة) أيام، ومنها:
الصحيحة الأولى المقيدة للمكاري ونحوه بالذي يختلف وليس له مقام، ونحوها
رواية أخرى.
والمراد بالمقام فيهما. الإقامة عشرا إجماعا، إذ لا قائل بوجوب التمام مطلقا
كما فيهما بإقامة دونها، مع أنها المتبادر منه حيثما يطلق في النص والفتوى بشهادة
التتبع والاستقراء، مع أن الإقامة دونها حاصلة لكل من كثيري السفر،
لصدقها على إقامة نحو يوم، بل وساعة وساعتين مثلا. ولا يخلو منها أحد منهم
جدا. وموجب التقييد على هذا عدم وجود كثير سفر يلزمه التمام، إلا نادرا، بل
مطلقا. وهو كما ترى.
هذا، مضافا إلى المرسل: عن حد المكاري الذي يصوم ويتم؟ قال: أيها

(1) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 410 س 10.
427

مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه التمام
والصيام، وإن كان مقامه في منزله أوفي البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام
فعليه التقصير والافطار (1). وهو صريح في المدعى، وضعف سنده مجبور بالشهرة
العظيمة بين أصحابنا، حتى نحو الحلي الذي لا يعمل إلا بالقطعيات.
بل صرح جملة من المتأخرين بأن الحكم به معروف بين الأصحاب،
مقطوع به بينهم، مؤذنين بنفي الخلاف فيه بينهم: كالماتن في المعتبر، حيث نفى
الخلاف في وجوب القصر على من كان سفره أكثر من حضره مع الإقامة
عشرا (2). واشتراط إقامة الأقل من العشرة في التمام ظاهر في انتفائه مع الإقامة
عشرا، ولا ينافيه مفهوم الشرطية الأخرى؟ لورودها على الغالب لندرة الإقامة
عشرا بحيث لا يزيد عليها فلا عبرة بمفهومها، فلا يمكن القدح في الرواية بهذا.
وقريب منها رواية أخرى ستأتي الإشارة إليها، إلا أنها تضمنت ما لا يقول به
أحد، والأكثر وإن اختصت بإقامة العشرة في غير البلد أو عمتها وإقامتها فيه.
وكلاهما غير قادحين في الاستدلال بها هنا بعد انجبارها واعتضادها بفتوى
أصحابنا.
أما الأول: فلأنها - بالإضافة إليه - كالعام المخصص حجة في الباقي. وأما
الثاني. فلعدم منافاته الاستدلال باحتماليه، لامكانه بالأولوية على الاحتمال
الأول، والعموم والاطلاقات على الثاني، ونحن نقول به وفاقا للمشهور بين
المتأخرين وغيرهم.
ومنهم: الماتن لقوله: (ولو أقام في بلده أو غير بلده ذلك) أي: مقدار
عشرة أيام (قصر) لصريح المرسلة المتقدمة، المنجبرة هنا - أيضا - بالشهرة،

(1) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 517.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 2 ص 472.
428

واطلاقها كالعبارة والرواية الآتية وإن اقتضى الاكتفاء في غير البلد بإقامة
العشرة ولو من غير نية إلا أن ظاهرهم تقييدها فيه بالنية، بل ادعى عليه
الاجماع جماعة، ومنهم: شيخنا في الروض (1) وخالي العلامة المجلسي رحمه الله
فيما نقله عنه خالي المعاصر - أدام الله ظله وأيده - قائلا: إنه ربما يظهر ذلك ويظن
به من اتفاق فتاويهم.
ثم أيد الحكم المزبور بإلحاق العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما كما
فعله جماعة منهم: الشهيدان بقوله: مع أنه ظهر مما مر أن العشرة إذا صارت
منوية تصير بمنزلة الحضور، وإن لم تكن منوية لا تصير كذلك إلا بعد مضي
ثلاثين يوما. وربما ظهر مما ذكرنا: أن اعتبار هذه الإقامة للاخراج عن كثير
السفر والعشرة المغير المنوية سفر أيضا - إلى أن قال بعد نقل إلحاق العشرة بعد
التردد ثلاثين يوما عن الشهيد -: ولعله لعموم المنزلة التي ظهرت لك، إذ بعد
التردد ثلاثين يوما يصير بمنزلة الوطن، وإذا أقام في الوطن عشرة أيام صارت
إقامته موجبة للقصر فكذا هنا. ومقتضى عموم المنزلة عدم اعتبار قصد الإقامة
في هذه العشرة، ولذا أفتى به كذلك.
ثم قال: وألحق بعض الأصحاب بإقامة العشرة إقامة ثلاثين يوما مترددا،
ولعله لكونه - حينئذ - حضريا، وبمنزلته لعموم المنزلة التي عرفته، وفيه: أن هذا
لا يوجب انقطاع كثرة السفر، إذ أقصى ما يقتضي أن يكون بمنزلة من هو
في وطنه كما عرفت، وبمجرد الكون في الوطن لا ينقطع الكثرة حتى يتم العشرة
كما هو مقتضي الروايات، بل ستعرف أن الخمسة لا تكفي للقصر في خصوص
النهار فضلا أن تكون ملحقة بالعشرة، فما ظنك بما نقص عن الخمسة (2)؟!

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 391 س 16.
(2) لم نعثر عليه.
429

انتهى كلامه الذي يتعلق بالمقام، وإنما نقلناه بطوله لكثرة فوائده وجودة
محصوله، وأشار بعموم المنزلة إلى ما قدمناه في صدر مسألة القواطع الذي
تضمنته جملة من المعتبرة.
وبالجملة: لا ريب في المسألة بحمد الله تعالى، سيما بعد ما عرفت من
دعوى جماعة كونها مقطوعا بها بين الطائفة.
(و) إن (قيل:) إن (هذا) الحكم (يختص بالمكاري (1) والمراد به:
المعنى اللغوي (فيدخل فيه الملاح والأجير) لندرة القائل به وشذوذه، حتى
اعترف جماعة بمجهوليته، ربما احتمل كونه الماتن بنفسه، ومع ذلك فلا وجه
له غير اختصاص النص الوارد بالحكم به، ولا صير فيه - بعد ما عرفت - من
ظهور النصوص في كون المناط في التمام هو نفس اتخاذ السفر عملا، وكثرته من
غير خصوصية للمكاري ونحوه.
وإذا انقطع كثرة السفر - التي هي: المناط بإقامة العشرة في المكاري
بمقتضى روايات المسألة - انقطعت في غيره، ولعله لذا اتفقت الفتاوى بعدم
الفرق بينهما مع تأيده بالاعتبار. فتأمل جدا.
ثم على المختار من وجوب القصر بعد إقامة العشرة فهل يمتد إلى السفرة
الثالثة - فلا يتم في الثانية، أم إليها فيتم فيها - ويختص وجوب القصر بالأولى؟
قولان، والثاني أقوى، وفاقا للحلي (2) وجماعة، اقتصارا فيما خالف الأصل الدال
على وجوب التمام على هؤلاء، على المتيقن من النص والفتوى بلزوم القصر إذا
أقام عشرا، وليس إلا السفرة الأولى دون الثانية فما فوقها، مضافا إلى
استصحاب بقاء وجوب التمام الثابت له في منزله، أوما في حكمه الذي هو:

(1) في المتن المطبوع " المكاري ".
(2) السرائر: كتاب الصلاة ي صلاة المسافر ج 1 ص 339.
430

منتهى سفرته الأولى إلى أن يثبت المزيل، وليس ثابتا. خلافا للشهيد، فالأول
لزوال الاسم بالإقامة فيكون كالمبتدأ (1) وفيه نظر.
ثم إن هذا إذا أقام عشرة (لو أقام خمسة قيل:) والقائل: الشيخ في
المبسوط (2) والنهاية (3) والقاضي (4) وابن حمزة (5) (يقصر صلاته نهارا ويتم
ليلا، ويصوم شهر رمضان) تعويلا (على رواية) عبد الله بن سنان
المروية في الصحيح وغيره، عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: المكاري إذا لم
يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار وأتم بالليل، وعليه
صوم شهر رمضان، وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو
أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره
وأفطر (6). هكذا في الصحيح، وكذا في غيره (7) لكن بدون قوله: " وينصرف "
إلى قوله: " قصر ". خلافا للحلي (8) وعامة المتأخرين فيتم مطلقا.
وصرح في السرائر بكونه تمسكا إجماعا بإطلاق النصوص المتضمنة، لأن
كثير السفر يجب عليه التمام، مضافا إلى عموم ما دل على تلازم القصر
والافطار ثبوتا وعدما، والرواية متروكة الظاهر، لتضمنها ثبوت الحكم في الأقل
من الخمسة أيضا، الصادق على نحو الثلاثة والأربعة، ولم يقل به هؤلاء
الجماعة، كما لا يقولون بما تضمنه - أيضا - في الطريق الصحيح من: اعتبار

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 258 س 17.
(2) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 141.
(3) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 358.
(4) المهذب: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 156.
(5) الوسيلة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 108.
(6) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صلاة المسافر ح 5 ج 5 ص 519.
(7) وسائل الشيعة: ب 12 من أبواب صلاة المسافر ح 6 ج 5 ص 519.
(8) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 341.
431

الإقامة العشرة في المنزل والمكان الذي يذهب إليه معا - الظاهر في عدم
الاكتفاء بها في أحدهما وشئ منهما - وإن لم يكن قادحا في حجية الرواية من
أصلها بعد صحة بعض طرقها، لما مضى من كونها حينئذ كالعام المخصص
يكون في الباقي حجة، سيما مع إمكان الذب عنهما بنحو من التوجيه القريب كما
ذكره الخال العلامة - أدام الله تعالى أيامه - إلا أنهما قادحان في مقام المعارضة
لنحو الأدلة المتقدمة الكثيرة، المعتضدة بالشهرة العظيمة المتأخرة المتحققة، بل
مطلقا كما في التذكرة (1)، سيما الصريح منها، وهو: الاجماع المنقول.
وبالجملة: فهذا القول في غاية القوة وإن كان الأولى مراعاة الاحتياط في
نحو المسألة، خروجا عن شبهة قول هؤلاء الجماعة وإن كان الظاهر مما ذكرنا
ضعفه.
وأولى منه ضعفا ما يحكى عن الإسكافي من: جعل الخمسة كالعشرة
قاطعة لكثرة السفر مطلقا (2)، لعدم دليل عليه مع ذلك أصلا. وما في الصحيحين
من: أن المكاري والجمال إذا جد بهما السير فليقصرا (3). لاجمالهما، وعدم وضوح
المراد من جد السير فيهما. ولذا اختلف الأصحاب في تنزيلهما وحملهما:
على من يجعل المنزلين منزلا، مع تخصيصه التقصير بالطريق كما عليه
الكليني والشيخ في التهذيب (4) استنادا إلى رواية مع ضعف سندها لا دلالة
لها على ما اعتبراه.
أو على ما إذا أنشئا سفرا غير صنعتهما كما عليه الشهيد في الذكرى، قال:

(1) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 191 س 22.
(2) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 392 س 16. فيه. ونقل عن ابن الجنيد.
(3) وسائل الشيعة: ب 13 من أبواب صلاة المسافر ح 1 - 2 ج 5 ص 519.
(4) الكافي (فروع): كتاب الصلاة باب صلاة الملاحين و... ذ ح 2 ج 3 ص 437، وتهذيب الأحكام:
كتاب الصلاة باب 23 في صلاة السفر ذ ح 38 ص 215.
432

ويكون المراد بجد السير: أن يكون مسيرهما متصلا: كالحج والأسفار التي
لا يصدق صنعته عليها (1).
أو على أنهما إذا أقاما عشرة أيام قصرا كما عليه الفاضل في المختلف (2).
أو على ما إذا قصد المسافة قبل تحقق الكثرة كما عليه في الروض
شيخنا (3).
أو على ما يصدق عليه جد السير عرفا، وهو السير العنيف الذي
يستعقب (4) مشقة شديدة كما عليه جماعة من متأخري متأخرينا (5) ولعله
الأقوى، إلا أني لم أجد بهما على هذا التأويل قائلا صريحا وإن احتمله بل قواه
هؤلاء. وبعضهم قوى ما مر عن الذكرى أيضا، ولا وجه له، بل هو كسائر
التأويلات في البعد عدا الأخير، إلا أن يريد به تقوية أصل الحكم بوجوب
القصر إذا أنشئا سفرا غير صنعتهما كما صرح به جماعة. وهو أيضا مشكل، لعدم
دليل صالح عليه، إلا بعض التلويحات والاشعارات المستخرجة من جملة من
المعتبرة المعللة لوجوب التمام على كثير السفر بأنه محمله، أو أن بيته معه. وبعض
الصحاح الذي لم أفهم دلالته.
وفي الاعتماد عليها بمجردها إشكال يصعب معه الخروج عن مقتضى الأدلة
العامة، والاحتياط مما لا ينبغي تركه في المسألة.
(الخامس: أن تتوارى عنه جدران البلد الذي يخرج منه، أو يخفى)
عنه (أذانه) بلا خلاف فيه في الجملة، إلا من والد الصدوق (6) فلم يعتبر هذا

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 258 س 21.
(2) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 163 س 14.
(3) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 390 س 23.
(4) في المطبوع: " البعيد التي يتعقب "، وما أثبتناه كما في حاشية المطبوع وجمع النسخ الخطية.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 4 ص 456.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة ي صلاة المسافر ج 1 ص 163 س 36 نقلا عن علي بن بابويه.
433

الشرط بالكلية، بل اكتفى بنفس الخروج من البلد، للمرسل: إذا خرجت من
منزلك فقصر إلى أن تعود إليه (1).
ونحوه بعينه الرضوي (2) وفي معناهما الموثق:
أفطر إذا خرج من منزله (3). وهو نادر، بل على خلافه الاجماع في الخلاف (4).
ومع ذلك فمستنده مع قصور سنده جملة بل ضعف بعضها غير صريحة الدلالة
على الخلافة ككلامه لاحتماله التقييد بهذا الشرط. ألا ترى إلى الرضوي مع
أنه أطلق القصر فيما إذا خرج - كما مر قيده به في موضع آخر، فقال: وإن كان
أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان مصرك؟! (5).
وعلى هذا فلا خلاف في المسألة من هذه الجهة وإن حصل من جهة
أخرى، وهي. التعبير عن هذا الشرط بخفاء أحد الأمرين مخيرا بينهما كما هو
المشهور بين القدماء، أو خفائهما معا كما هو المشهور بين المتأخرين كما قيل، أو
الأول خاصة كما عن المقنع (6)، أو الثاني كذلك أما مطلقا كما عن
الديلمي (7)، أو المتوسط منه خاصة كما عن الحلي (8).
ومنشأه اختلاف النصوص الواردة في المسألة: فبعض بخفاء الأول خاصة
كالصحيح، وبعض بالثاني كذلك، وهو مستفيض.
منها: - زيادة على الرضوي المتقدم - الصحيحان المروي أحدهما في

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة المسافر ح 5 ج 5 ص 558.
(2) فقه الرضا (ع): ب 21 صلاة المسافر و... ص 161 فيه: وإن
(3) وسائل الشيعة: ب 5 من أبواب من يصح منه الصوم ح 10 ج 7 ص 133.
(4) الخلاف: كتاب الصلاة في صلاة المسافر مسألة 324 ج 1 ص 572.
(5) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): كتاب الصلاة باب 21 صلاة المسافر ص 159.
(6) المقنع: (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة ص 10 س 22.
(7) المراسم: كتاب الصلاة ذكر صلاة المسافر ص 75.
(8) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 392.
434

المحاسن، وفيه: إذا سمع الأذان أتم المسافر (1).
والموثق: أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم (2)؟.
فبناء القولين الأخيرين على ترجيح أحد المتعارضين، وطرح الآخر في
البين، ولا وجه له بعد اشتراكهما في استجماع شرائط الحجية، مع إمكان الجمع بينهما
بالتخيير كما هو خيرة الأولين، أو تخصيص كل منهما بالآخر كما هو المشهور بين
المتأخرين وهو الأقوى:
إما لرجحانه على نحو الجمع الأول حيثما تعارضا، أو الأوفقية لمقتضى
الأصل، واستصحاب بقاء وجوب التمام إلى ثبوت الترخيص، وليس بثابت
بأحدهما بعد تساوي الجمعين وتكافؤهما.
وأما ترجيح الجمع الأول على الثاني فهو ضعيف جدا. هذا مع وجود
الأمارتين وظهور التفاوت بينهما، وإلا فالظاهر الاكتفاء بأحدهما. ولعل هذه
الصورة هو الغالب المتبادر مما دل على إحداهما.
هذا، والموجود فيما دل على الأولى تواري المسافر عن البيوت، لا تواريهما عنه
كما فهمه منه جماعة من الفضلاء، قالوا: فتتقارب الأمارتان إحداهما من
الأخرى (3)، لكنه خلاف ما عقله منه سائر أصحابنا.
وكيف كان (ف‍) بخفائهما معا (يقصر في صلاته وصومه) قطعا، وكذا
بخفاء أحدهما حيث لا يكون الآخر، ويحتاط فيما لو كان ولم يخف بتأخير القصر،
أو الجمع بينه وبين التمام إلى أن يخفى أيضا.
والمعتبر من كل من الجدران والأذان والحاستين الوسط منها ولو تقديرا:
كالبلد المنخفض والمرتفع، ومختلف الأرض، وعادم الجدار والأذان والسمع

(1) المحاسن: كتاب السفر من المحاسن باب 33 ح 27 ص 371.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ذيل ح 11 ج 5 ص 501.
(3) مدارك الأحكام: ج 4 ص 457، وذخيرة المعاد: ص 411 س 11، والحدائق الناضرة: ج 11 ص 406.
435

والبصر، لكونه المتبادر من الاطلاق، ولعله الوجه فيما قالوه من: أن المعتبر آخر
البلد المتوسط فيما دون، ومحلته في المتسع.
قالوا: ولا عبرة بأعلام البلد: كالمنائر والقباب المرتفعة، ولا بالبساتين
والمزارع، فيجوز القصر قبل مفارقتها، مع خفاء الجدار والأذان. ولعله لإناطة
القصر في النص والفتوى بتواري البيوت والمذكورات غيرها.
وذكر شيخنا الشهيد الثاني وغيره: أن المعتبر خفاء صورة الجدران والأذان،
لا الشبح والكلام (1)، ولا يخلو عن إشكال، فإن المتبادر من النص والفتوى
خفاؤهما أصلا، لا صورتهما خاصة مع حصوله وانتفائه بظهورهما ثمة.
والظاهر أن المراد بالأذان والجدران المعتبر خفائهما: ما كان في آخر البلد
الذي يخرج منه المسافر كما يفهم من الذكرى (2) وغيرها، لا مطلقا كما توهمه
العبارة ونحوها في الأذان، وذلك فإن الأذان الواقع في الوسط قد يخفض عند
الخروج من البلد ولو كان وسطا، فلو حد الترخص به لزم حصوله عنده حينئذ،
وهو فاسد قطعا.
واعلم: أن هذا الشرط إنما يعتبر فيمن خرج عن نحو بلده مسافرا، دون نحو
الهائم والعاصي بسفره، فإنهما يقصران في أثناء سفرهما متى زال مانعها
للعمومات، مع اختصاص ما دل على هذا الشرط بمن ذكرناه، مضافا إلى
خصوص جملة من المعتبرة الواردة فيهما بأنهما يقصران متى زال مانعهما.
(و) كما يعتبر هذا الشرط في بدو السفر (كذا) يعتبر في الآخر فيقصر
(في العود من السفر) إلى أن ينتهي إلى ظهور أحد الأمرين، فيتم ولو لم
يدخل البلد، فضلا عن المنزل (على الأشهر) الأظهر، بل عليه عامة من

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 292 س 24.
(2) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 259 س 3.
436

تأخر إلا من ندر، بل في الذكرى كاد أن يكون إجماعا (1) للصحيح. إذا كنت
في الموضع الذي تسمع الأذان فأتم، وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع
الأذان فقصر، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك (2).
مضافا إلى إطلاق ما دل على وجوب التمام على من كان في الوطن،
واشتراط القصر بالسفر، ولا يصدق عرفا على من بلغ هذا الحد. وهذا هو السر
في اشتراط أصل هذا الشرط، وقد استدل عليه به جمع. خلافا لوالد الصدوق (3)
فلا يعتبر كما مر، وضعفه قد ظهر. وعن المرتضى (4) والإسكافي (5) الموافقة له
هنا، للمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته (6).
وفي آخر: أن أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا، وإن لم
يدخلوا منازلهم قصروا (7). ونحوه آخر (8).
وفي الموثق: عن الرجل يكون مسافرا، ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة، أيتم
الصلاة أم يكون مقصرا؟ قال: لا، بل يكون مقصرا حتى يدخل بيته (9).
وفي آخر: عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة له بها دار ومنزل،
فيمر بالكوفة، وإنما هو يجتاز لا يريد المقام إلا بقدر ما يتجهز يوما أو يومين، قال:

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 258 س 35.
(2) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 506.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 164 س 3 نقلا عنهما.
(4) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 164 س 3 نقلا عنهما.
(5) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 2 ص 474 نقلا عن علم الهدى (ره).
(6) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة المسافر ح 4 ج 5 ص 508.
(7) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 557.
(8) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ح 4 ج 5 ص 500.
(9) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 508 مع تفاوت يسير.
437

يقيم في جانب المصر ويقصر، قلت: فإن دخل؟ قال: عليه السلام (1). ونحوه
المروي عن قرب الإسناد (2) صحيحا.
ولولا الشهرة العظيمة المرجحة للأدلة الأولة لكان المصير إلى هذا القول في
غاية القوة، لاستفاضة نصوصه، وصحة أكثرها، وظهور دلالتها جملة، بل
صراحة كثير منها، بل ما عدا الصحيحة الأولى، لبعد ما يقال في توجيهها
جدا، وهو: أن المراد من البيت فيها والمنزل: ما بحكهما، وهو ما دون
الترخص، لأن سياقها يأبى هذا ظاهرا وإن أمكن بعيدا، سيما في الموثق
الأول، المتضمن لدخول البلد، والحكم فيه مع ذلك القصر إلى دخول الأهل.
وحمله على أن الحكم به معه إنما هو لسعة الكوفة يومئذ، فلعل البيوت التي
دخلها لم يبلغ حد الترخص المعتبر في مثلها - وهو: آخر محلته كما مضى - يدفعه
عموم الجواب الناشئ عن ترك الاستفصال، مضافا إلى قوله - بعد الحكم
بالتقصير: " حتى يدخل أهله " وتأويل جميع ذلك وإن أمكن إلا أنه بعيد جدا،
مع أن مثله جار في أدلة المشهور بتقييد العمومات بهذه، لكونها بالنسبة إليها
أظهر دلالة، بل صريحة كما عرفته.
وأما الصحيحة فبأن المقصود من تشبيه الإياب بالذهاب فيها تشبيه به في
وجوب القصر عند خفاء الأذان خاصة لا عدمه عند ظهوره - سيما وأن في بعض
النسخ ليس فيه ذكر هذا في الذهاب - فلا يشمله التشبيه صريحا، بل ولا ظاهرا
إلا ظهورا لا يمكن الاعتداد به جدا.
وبالجملة: لولا الشهرة لكان المصير إلى هذا القول متعينا بلا شبهة، بل
معها أيضا لا تخلو المسألة عن شبهة، سيما على النسخة المزبورة، فإن الدلالة

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة المسافر ح 2 ج 5 ص 507. باختلاف يسير في اللفظ مع زيادة
ونقصان.
(2) قرب الإسناد: ص 80.
438

على تقديرها ضعيفة كما عرفته، والاطلاقات غير معلومة الشمول لنحو المسألة،
والاحتياط يقتضي تأخير الصلاة إلى بلوغ الأهل، أو الجمع بين الاتمام
والقصر وإن كان الاكتفاء بالتمام لعله أظهر كما مر، لانجبار ما مر من قصور
الدلالة بالشهرة العظيمة، سيما وأن النسخة التي قدمناها مشهورة، فترجح على
هذه المستفيضة، مع إمكان القدح في دلالة ما عدا الموثق منها بورودها جملة مورد
الغالب من: أن المسافر إذا بلغ إلى حد الترخص يسارع إلى أهله من غير
مكث للصلاة كما هو المشاهد غالبا من العادة، فلا يطمئن بشمول إطلاق
الحكم بالقصر إلى دخول الأهل لمحل البحث فتدبر.
وأما الموثق فهو وإن لم يجز فيه ذلك لكن الجواب عنه بعد الذب عما عداه
سهل، لقصور السند، وعدم المقاومة لأدلة الأكثر بوجوه لا يخفى على من تدبر.
هذا مع احتماله كغيره الحمل على التقية كما صرح به في الوسائل، قال:
لموافقتها لمذهب العامة (1). وعلى المختار يعتبر خفاء الجدران هنا كالآذان أيضا،
بلا خلاف إلا من بعض المتأخرين (2) فقصر هنا على الأذان خاصة،
لاختصاص الصحيح به وهو ضعيف؟ لعدم انحصار الدليل فيه، ووجود غيره
الشامل له وللجدران. ومع ذلك فالظاهر عدم القائل بالفرق كما قيل (3) وإن
كان ربها يتوهم من الفاضلين في الشرائع (4) والتحرير (5) ولكنه ضعيف.
(وأما القصر) والمراد به: حذف أخيرتي الرباعية والافطار في الصوم
(فهو عزيمة) أي: واجب لا رخصة بالضرورة من مذهب الإمامية، وعليه أكثر

(1) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب صلاة المسافر ذ ح 6 ج 5 ص 509.
(2) لعله صاحب المدارك: كما في ج 4 ص 458 من المدارك.
(3) راجع الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 11 ص 412.
(4) شرائع الاسلام: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 134.
(5) تحرير الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 56 س 31.
439

العامة، والنصوص به من طرقهم مستفيضة بل متواترة
(إلا في أحد المواطن
الأربعة به المشهورة، وهي: (مكة والمدينة وجامع الكوفة والحائر) على
مشرفه أفضل صلاة وسلام وتحية (فإنه يتخير في) في الصلاة بين القصر (1)
(والاتمام) وهو (أفضل) بلا خلاف يظهر إلا من صريح الصدوق (2) رحمه
الله، فلا يتم إلا بعد نية إقامة العشرة، ومقتضاه لزوم القصر كما في الصحاح
المستفيضة وغيرها.
منها: عن التقصير في الحرمين والتمام، قال: لا تتم حتى تجمع على مقام
عشرة أيام، فقلت: إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام؟ فقال: إن
أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم، فيخرجون والناس
يستقبلونهم يدخلون المسجد فأمرتهم بالاتمام (3).
ونحوه آخر لراوية مروي في العلل، ولكن فيه: روى عنك أصحابنا أنك
قلت لهم: أتموا بالمدينة لخمس، فقال: إن أصحابكم... إلى آخر التعليل (4).
ومنها: عن الصلاة بمكة والمدينة بتقصير أو إتمام؟ قال: تقصير ما لم تعزم
على مقام عشرة (5). ومن ظاهر المرتضى (6) والإسكافي (7) فلزوم التمام للأمر به،
أو ما في معناه في المعتبرة المستفيضة فيها الصحاح وغيرها.
ففي الصحيح: عن التمام بمكة والمدينة، قال: أتم وإن لم تصل فيهما إلا صلاة

(1) في المتن المطبوع والشرح الصغير: " فإنه مخير في قصر الصلاة ".
(2) من لا يحضره الفقيه: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ذ ح 1283 ج 1 ص 442.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 34 ج 5 ص 551.
(4) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 27 ج 5 ص 549.
(5) في وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 32 ج 5 ص 550 باختلاف يسير.
(6) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى): ج 3 ص 47.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة السفر ج 1 ص 168 س 34.
440

واحدة (1).
ونحوه الموثق (2) وغيره. ومنه الحسن. إذا دخلت مكة فأتم يوم تدخل (3)
والخبر: أقدم مكة، أتم أم أقصر؟ قال: أتم، قلت: أمر على المدينة فأتم أو
أقصر؟ قال: أتم (4).
ونحوه آخر مروي عن كامل الزيارة لابن قولويه: عن الصلاة في الحرمين.
قال: أتم ولو مررت به مارا (5). وهما نادران، ولا سيما الثاني، مع عدم صراحة
كلام قائله في لزومه، واحتمال إرادته الاستحباب كما في السرائر عن
المرتضى (6)، بل قد حكي على خلافهما الاجماع في صريح الخلاف (7)
والسرائر (8) وظاهر الروض (9) حيث جعل التخيير من متفردات الأصحاب من
غير نقل خلاف، وكذا الذكرى (10)، لكنه نقل الخلاف عن الصدوق خاصة.
وفي الوسائل: أنه مع أفضلية التمام مذهب جميع الإمامية. قال: وخلافه
- أي: الصدوق - شاذ نادرا (11)، وظاهره أيضا الاجماع، وهو الحجة، مضافا
الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة القريبة، هي مع السابقة من التواتر،
بل لعلها متواترة، فلا يضر قصور أسانيد جملة منها أو ضعفها، سيما مع الانجبار

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 5 ج 5 ص 11.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 17 ج 5 ص 547.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 7 و 8 و 9 ج 5 ص 545.
(4) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 7 و 8 و 9 ج 5 ص 545.
(5) كامل الزيارات: ب 82 في أن الصلاة تمام عند قبر الحسين عليه السلام ح 9 ص 250.
(6) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة السفر ج 1 ص 343.
(7) الخلاف: كتاب الصلاة م 330 ج 1 ص 576.
(8) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة السفر ج 1 ص 313.
(9) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة السفر ص 397 س 7.
(10) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة السفر ص 255 س 32.
(11) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 34 ج 5 ص 551.
441

بالشهرة العظيمة، بل الاجماع - كما عرفته - من عبائر النقلة له، وهي ما بين
صريحين في ذلك وظاهرة.
ففي الصحيح: في الصلاة بمكة قال: من شاء أتم، ومن شاء قصر (1).
وفي الخبر: أقصر في المسجد الحرام أو أتم؟ قال: إن قصرت فلك،، وإن
أتممت فهو خير، وزيادة الخير خير (2). ونحوه آخر (3).
ففي الصحيح: أحب لك إذا دخلتهما - أي: الحرمين - أن لا تقصر وتكثر فيهما
الصلاة، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة: إني كتبت بكذا فأجبتني بكذا،
فقال. نعم، فقلت. فأي شئ تعني بالحرمين؟ فقال: مكة والمدينة (4).
ونحوه الخبر بل أظهر: عن التقصير بمكة، فقال: أتم، وليس بواجب، إلا
أني أحب لك ما أحب لنفسي (5). ونحوه آخر في المواطن الأربعة (6)،
وفي الصحيح: أن من مخزون علم الله تعالى الاتمام في أربعة مواطن. حرم
الله تعالى، وحرم رسوله، وحرم أمير المؤمنين - عليه السلام -، وحرم الحسين عليه
السلام (7). ونحوه المرسل، لكن معبرا عن المواطن بمكة والمدينة والحائر ومسجد
الكوفة (8). ونحوهما الحسن وغيره (9)، لكن في الحرمين خاصة.
وهذه النصوص - بعد ضم بعضها مع بعض - صريحة في المذهب المشهور،

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 10 ج 5 ص 545.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 11 ج 5 ص 545.
(3) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 16 ج 5 ص 547.
(4) وسائل الشيعة. ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 4 ج 5 ص 544.
(5) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 19 ج 5 ص 547.
(6) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 13 ج 5 ص 546.
(7) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 543.
(8) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 26 ج 5 ص 549.
(9) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 20 و 21 ج 5 ص 548.
442

وبها يجمع بين كل من النصوص المتقدمة الآمرة بالقصر أو الاتمام بحمل الأمر
الأول على الرخصة، ويكون المراد من النهي عن التمام فيها: إلا بنية الإقامة: النهي
عنه بقصد الوجوب، يعني: لا يكون واجبا إلا بها. والأمر الثاني على الفضيلة.
وأما حمله على صورة قصد الإقامة، وكذا ما قدمناه من النصوص على
التخيير مع أفضلية التمام - كما عليه الصدوق - فبعيد في الغاية، سيما فيما دل منها
على الأمر بالتمام بمجرد المرور أو الدخول ولو صلاة واحدة، فإنها ناصة في صورة
غير قصد الإقامة. وكذا حمله على التقية وإن أشعر به الصحيحان المتقدمان
سندا للصدوق، لأن إيجاب التمام على ما هو مقتضى الأمر ليس مذهبا لأحد
من العامة، لأنهم ما بين موجب للقصر مطلقا، وهم أكثرهم، ومنهم. أبو
حنيفة. ومخير بينه وبين القصر كذلك، وهو الشافعي وغيره. ومنه يظهر: أن
حمل أوامر التقصير على التقية أولى كما صرح به جماعة من أصحابنا، لاتفاقهم
على جواز القصر، مع اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما وحديثا فتأمل.
وأما الصحيحان. فالظاهر منهما - بعد ضم أحدهما إلى الآخر: أن الأمر
بالاتمام إنها هو بعد مضي خمسة أيام لا مطلقا، ولا ريب أنه للتقية، فإن
الاكتفاء بها في أيام الإقامة وهو مذهب الشافعي، وهو لا يجري في الأخبار
الآمرة بالتمام ولو في يوم الورود من غير الإقامة، ومع ذلك فهما معارضان بما دل
على أن الأمر بالتمام ليس للتقية، وأنه مخالف للعامة، وهو الصحيح: قلت لأبي
الحسن - عليه السلام -: إن هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين،
وذلك من أجل الناس، قال: لا، كنت أنا وآبائي إذا وردنا مكة أتممنا
الصلاة واستترنا من الناس (1).
هذا، ولكن يستفاد من جملة من النصوص: اشتهار التقصير ما لم ينو المقام

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 6 ج 5 ص 544، وفيه اختلاف يسير.
443

بين قدماء الأصحاب.
ففي الصحيح. كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أن الرواية قد
اختلفت عن آبائك - عليهم السلام - في الاتمام والتقصير في الحرمين، فمنها: أن
تتم الصلاة ولو صلاة واحده، ومنها: أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام، ولم أزل
على الاتمام فيهما إلى أن صدر لا في حجنا في عامنا هذا، فإن فقهاء أصحابنا
أشاروا علي بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام، فصرت إلى التقصير،
وقد صنعت بذلك حتى أعرف رأيك، فكتب - عليه السلام - إلي بخطه: قد
علمت - يرحمك الله تعالى - فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا أحب
لك إذا دخلتهما أن لا تقصر... إلى آخر ما مضى (1).
وفي الخبر المروي عن كامل الزيارة، عن سعد بن عبد الله، قال: سألت
أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد: مكة والمدينة وقبر الحسين
- عليه السلام - والكوفة، والذي روي فيها، فقال: أنا أقصر، وكان صفوان يقصر
وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصرون (2). فالأحوط التزام القصر وإن كان في
تعينه نظر، لامكان الذب عن الخبرين - مع قصور سند الثاني - بأن المقصود
منهما: الإشارة إلى جواز التقصير، وعدم تعين التمام كما يفهم من أوامره - لا
تعينه مع تضمن الأول - تجيب التمام منه عليه السلام، والعبرة به لا بغيره، مع
ظهور صدره في رجحان التمام عند راويه.
ونحوه في هذا الخبر: سألت الرضا - عليه السلام - فقلت. إن أصحابنا
اختلفوا في الحرمين، فبعضهم يقصر وبعضهم يتم، وأنا ممن يتم على رواية قد
رواها أصحابنا في التمام، وذكرت عبد الله بن جندب وأنه كان يتم، قال: رحم

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 4 ج 5 ص 544، باختلاف يسير مع زيادة
ونقصان.
(2) كامل الزيارة: ح 7 ص 48 بتفاوت يسير.
444

الله - تعالى - ابن جندب، ثم قال لي: لا يكون الاتمام إلا أن تجمع على إقامة
عشرة أيام، وصل النوافل ما شئت. قال الراوي: وكان محبتي أن يأمر في
بالتمام (1).
وهو صريح في اشتهار رواية التمام بين قدماء الأصحاب، وأن عليها عمل جملة
منهم، وإنما أمره - عليه السلام - بالقصر ولم يأمره بالتمام لمصلحة من تقية أو غيرها.
ولو سلم اشتهار تعين القصر بينهم فلا ريب في أنه لم يبلغ حد الاجماع
فيعارض باشتهار خلافه بين أصحابنا الآن بحيث كاد أن يكون إجماعا، بل
اجماع ظاهرا كما عرفت نقله من جماعة من أصحابنا، لعدم وجود مخالف مطلقا
ظاهرا ولا محكيا، عدا الصدوق وهو نادر جدا، بل لم يتعرض لنقل خلافه جماعة
كالحلي وغيره.
ولا ريب أن مثل هذه الشهرة أقوى من تلك بمراتب عديدة، فالقول
بالتخيير في غاية القوة وإن كان الأحوط القصر تحصيلا للبراءة اليقينية، وقد
اختلف الأصحاب في التعبير عن المواطن الأربعة، لاختلاف النصوص فيه
على أقوال، إلا أن ما في العبارة مطلقا أشهرها وأظهرها وأحوطها، إلا بالنسبة
إلى الموطنين الأولين، فالأحوط فيهما الاقتصار على المسجدين، بل لا ينبغي أن
يتعداهما أخذا فيما خالف الأصل على المتيقن من النص والفتوى.
ثم إن مقتضى الأصول واختصاص النصوص المخالفة لها بإثبات التمام به
في الصلاة في المواطن المزبورة عدم التعدية به إلى الصوم كما هو في الظاهر
اجماع، ولا إلى الصلاة في غير هذه المواطن ولو كان من المشاهد الشريفة.
وخلاف المرتضى (2)، والإسكافي (3) فيها نادر، فلا يفيدهما التمسك ببعض

(1) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 33 ج 5 ص 551.
(2) رسائل الشريف المرتضى (جمل العلم والعمل): ج 3 ص 47.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 168 س 25.
445

التعليلات والظواهر.
نعم، في الرضوي: إذا بلغت موضع قصدك من أحج والزيارة والمشاهد وغير
ذلك مما قد بينته لك فقد سقط عنك السفر، ووجب عليك التمام (1). لكن في
الخروج به عن مقتضى الأصل والعمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة
من الاجماع بل الاجماع مشكل، سيما مع تضمنه الحكم بوجوب لتمام، لما مر من
شذوذه، ومخالفته الاجماع والأخبار المستفيضة بل المتواترة، إلا أن يحمل
الوجوب على مطلق الثبوت.
واعلم: أن وجوب القصر في غير محل الاستثناء وثبوته فيه إنما هو بعد
اجتماع شروطه، وإلا فالواجب التمام، إلا مع انتفاء الأول منها بقسميه،
فاختلف فيه الأصحاب، والمشهور بين المتأخرين وجوبه أيضا مطلقا، وفاقا
للمرتضى (2) والقاضي (3) والحلي (4) للأصل، وظواهر ما مر من النصوص باعتبار
الثمانية فراسخ، وحملا للصحاح المستفيضة بالأربعة على ما إذا أريد الرجوع
ليومه، عملا بالمعتبرة الأخر الدالة على اعتبار الرجوع. وهي وإن قصرت عن
الدلالة على اعتبار كونه ليومه إلا أن بعضها مشعر به كالموثق: عن التقصير،
قال: في بريد، قال: قلت. بريد؟ قال: إنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل
يومه (5). وفيه نظر، لضعف الاشعار، مع ظهور جملة من المعتبرة المستفيضة
بوجوب التقصير في الأربعة، مع عدم إرادة الرجوع ليومه:
منها الصحيح: أن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات، فقال: ويحهم، أو

(1) فقه الرضا (ع). ب 21 صلاة المسافر والمريض ص 160.
(2) رسائل الشريف المرتضى (جمل العلم والعمل): ج 3 ص 47.
(3) المهذب: كتاب الصلاة في صلاة السفر ج 1 ص 106.
(4) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة السفر ج 1 ص 329.
(5) وسائل الشيعة: ب 2 من أبواب صلاة المسافر ح 9 ج 5 ص 496.
446

ويلهم! وأي سفر أشد منه!؟ لا تتم (1).
وقريب منه الموثق: ألا ترى أن أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم
التقصير!؟ (2).
والخبر: في كم التقصير؟ فقال. في بريد، ويحهم! كأنهم لم يحجوا مع رسول
الله - صلى الله عليه وآله - فقصروا (3)، وحملها على إرادة الرجوع ليومه - كما
ذكروه - مستبعد جدا، لظهور سياقها في خروج أهل مكة حجاجا كما وقع
التصريح به في الخبر الأخير، والصحيح: أن أهل مكة إذا خرجوا حجاجا
قصروا، وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتموا (4).
وبالجملة: لا ريب في أن ظاهر هذه النصوص - بل صريحها، مع صحة جملة
منها واستفاضتها - وجوب التقصير في الأربعة مطلقا ولو لم يرد الرجوع ليومه كما
عليه العماني (5). ومال إليه جملة من فضلاء متأخري المتأخرين (6) وهو قوي
متين، وبه يجمع الأخبار المختلفة بالثمانية الظاهرة في الذهابية، وبالأربعة
المطلقة الظاهرة فيها كذلك، وبالثمانية الملفقة من الأربعة بحمل القسمين
الأولين منها على الثمانية المطلقة ولو كانت ملفقة من الأربعة الذهابية والإيابية
كما دلت عليه المعتبرة الأخيرة.
لكن ربما يخدشه ندرة القول به، وشذوذه بين القدماء والمتأخرين،
لاطباقهم عدا العماني على عدم وجوب التقصير وإن اختلفوا في جوازه وعدمه.
والمشهور بين المتأخرين - كما مر هو الثاني، وبين القدماء هو الأول مخيرين بينه

(1) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 499.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ح 5 و 6 ج 5 ص 500.
(3) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ح 5 و 6 ج 5 ص 500.
(4) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ح 8 ج 5 ص 555 فيه: منزلهم.
(5) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 162 س 14.
(6) روض الجنان: ص 384 س 9، ومدارك الأحكام: ج 4 ص 437، وذخيرة المعاد: ص 406 س 22.
447

وبين التمام. وإلى قولهم أشار بقوله: (وقيل: من قصد أربعة فراسخ ولم يرد
الرجوع ليومه تخير في القصر والاتمام) والقائل: الصدوقان (1) والشيخان (2)
والديلمي (3) وغيرهم، بل عن الأمالي دعوى الاجماع عليه (4).
وعلى هذا فيشكل المصير إلى هذا القول، سيما مع ظهور دعوى الاجماع من
السرائر (5) والمختلف (6) على خلافه، لتصريح الأول بالاجماع على جواز التمام
وحصول البراءة به بلا خلاف، واستدلال الثاني على لزوم التمام بأنه أحوط،
ولا يتم الاحتياط إلا بالاجماع على جواز التمام، لأنه الأخذ بالأوثق، ولا يكون
إلا حيث لا يكون خلاف.
وأظهر منها عبارة شيخنا الشهيد الثاني في بعض رسائله، فإنه قال في جملة
كلام له: ولو كان عدم العود على الطريق الأول موجبا للاتحاد حكم
الطريق لزم منه كون قاصد نصف مسافة مع نية العود على غير الطريق الأول
يخرج مقصرا مع عدم العود ليومه، وهو باطل إجماعا (7).
وحينئذ، فيدور الأمر بين مذهب المتأخرين والقدماء ولا سبيل إلى
الأول، لأن فيه إطراحا للمعتبرة المستفيضة الظاهرة، بل الناصة في ثبوت
القصر في الأربعة مع عدم الرجوع ليومه، وهو من غير معارض صريح، بل ولا

(1) من لا يحضره الفقيه. كتاب الصلاة في صلاة السفر ج 1 ص 436، ومختلف الشيعة: كتاب الصلاة
في صلاة السفر ج 1 ص 162 س 17. عن ابن بابويه.
(2) تهذيب الأحكام: باب 23 في صلاة السفر ذ ح 5 ج 3 ص 208 والاستبصار ج 1 ص 224 المقنعة:
باب 22 كتاب الصوم ص 349 للشيخ المفيد.
(3) المراسم: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 75.
(4) أمالي الصدوق: مجلس 93 ص 514.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 329.
(6) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 162 س 22.
(7) نتائج الأفكار في حكم المقيم في الأسفار (رسائل الشهيد) ص 172.
448

ظاهر - كما مر مشكل، فتعين الثاني، لكن ربما ينافيه ظهور جملة من تلك
المعتبرة في وجوب القصر كظهورها فيما مر، لتضمنها النهي عن التمام، والانكار
على فاعله بالويل والويح الظاهر، بل الصريح كالأول في حرمته كما عليه
العماني (1)، إلا أن يذب عنه بصرف النهي والانكار على فاعل التمام بقصد
وجوبه كما عليه الناس يومئذ، ولا بأس به لامكانه، فيتعين ارتكابه. وحينئذ،
فيقوى القول بالتخيير، بل ويتعين، لاجتماع النصوص عليه أيضا، مع وضوح
الشاهد عليه من الاجماع المتقدم عن الأمالي، مضافا إلى ما مر من صريح
الرضوي المتضمن لقوله: فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ ولو لم ترد
الرجوع ليومك فأنت بالخيار، فإن شئت أتممت، وإن شئت قصرت (2).
ومما ذكرنا، ظهر ما في قول الماتن: (ولم يثبت) إذ أي دليل أجود من
الرضوي واجماع الأمالي المعتضدين بالشهرة القديمة، وخصوص ما ورد من أخبار
عرفة بناء على ما عرفت من الاجماع ممن عدا العماني على عدم إبقائها على
ظاهرها من وجوب القصر، وعدم إمكان تخصيصها بإرادة الرجوع ليومه،
لصراحة جملة منها في الرجوع لغيره، فليس بعد ذلك إلا حملها على أن المقصود
بها: إثبات جواز القصر لا وجوبه، ويصرف الانكار فيها عن التمام بالنهي وما في
معناه إلى فاعله بقصد وجوبه كما قدمناه. وسيأتي مزيد تحقيق لهذا البحث.
ولذا اختار جماعة من المتأخرين: كشيخنا الشهيد الثاني (3) وولده (4)
وسبطه (5) القول بالتخيير، مع عدم وقوفهم على الرضوي واجماع الأمالي. وعليه

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 162 س 14.
(2) فقه الرضا (ع): ب 21 في صلاة المسافر ص 161.
(3) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 384 س 11.
(4) منتقى الجنان: كتاب الصلاة باب الصلاة في السفر ج 2 ص 173.
(5) مدارك الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 4 ص 437.
449

فهل الأحوط اختيار التمام أو القصر؟ اشكال من: إجماع السرائر والمختلف
والأمالي وشيخنا الشهيد الثاني على حصول البراءة بالأول، مع اعتضاده
بالشهرة القديمة والمتأخرة القريبة من الاجماع، بل الاجماع حقيقة، لندرة
العماني وشذوذه، ولذا لم ينقله الماتن وكثير، وإنما نقلوا القول بوجوب التمام
والتخيير، ومن ظاهر أخبار عرفة بوجوب التقصير، ولعل الأول أجود، بل لعله
المتعين.
وحيث جاز القصر فهل يعم الصلاة والصوم، أم يختص بالأول؟ ظاهر
الأكثر - بل من عدا النهاية - الأول، لعموم الأدلة، وخصوص ما دل على تلازم
القصرين من المعتبرة. خلافا للنهاية فالثاني (1).
واعلم: أن ظاهر إطلاق عبارة القدماء - عدا الديلمي بالتخيير في الأربعة
ما لم يرد الرجوع ليومه (2) - يشمل ما لو لم يرد رجوعا، أو أراده في غير يومه انقطع
سفره بإحدى القواطع أم لا، ولعل وجهه إطلاق الأدلة عدا أخبار عرفة، مع
ظهور بعض الصحاح في ثبوت القصر في الأربعة، مع التصريح فيه بالتمام
بالوصول بعدها إلى الضيعة.
ولكن يمكن دعوى انصراف الاطلاق نصا وفتوى إلى مريد الرجوع قبل
القاطع، لأنه الغالب، ولذا أنه - عليه السلام - في الموثقة المتقدمة - بعد الحكم
بأن المسافة بريد بقول مطلق وتعجب الراوي عنه - علل بأنه إذا رجع شغل
يومه، وهو ظاهر في أن الأربعة حيث يطلق يراد بلا: ما يتعقبه الرجوع، فلا
يمكن إثبات القصر فيها على الاطلاق.
وأما بعض الصحاح: فيمكن الجواب عنه بما قدمناه في ذيل البحث في

(1) النهاية ونكتها: كتاب الصوم ب 6 حكم المسافر في شهر رمضان و... ج 1 ص 404.
(2) المراسم. كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 75.
450

الشرط الأول من حمله على التلفيق ولو نافاه الأمر فيه بالتمام في الضيعة،
لامكان حمله على التقية كما عرفته ثمة.
نعم، وربما يقال: إنه كباقي الاطلاقات ليس فيه اشتراط الرجوع قبل أحد
القواطع فتعمه وغيره، ودعوى اختصاصها بحكم الغلبة بالأول لا يخلو عن ريبة.
وعليه فيؤول الأمر إلى كفاية الأربعة بقول مطلق. وفيه نظر، لظهور الموثقة
المزبورة في اشتراط الرجوع قبل القاطع لمكان التعجب، وتقريره بالتعليل مشيرا
به إلى حصول المسافة المعتبرة في التقصير، ولا ريب أنها تنقطع بما مر من
القواطع. ونحوها الأخبار الأخر الدالة على اعتبار الإياب.
إلا أن يقال. المراد منها: بيان المسافة المعتبرة في الوجوب، دون الرخصة
كما يفهم من تعليل الموثقة وغيرها، فلا تكون هذه من أخبار المسألة لكن مثله
يتوجه في أخبار الأربعة أيضا، لما عرفت من انصراف إطلاقها إلى ما يتعقبه
الإياب بحكم الغلبة.
والموثقة مع دلالتها على أن بالإياب تحصل مسافة الثمانية المشترطة في أصل
التقصير ووجوبه، وظاهرها وإن كان كفاية مطلق الإياب فيها مع عدم القاطع
في وجوبه - كما عليه العماني - إلا أنك عرفت انعقاد الاجماع ممن عداه على
خلافه، فكان هو السبب الأهم لتقييد الإياب في النصوص المتضمنة. له ب‍
" من يومه ".
وعلى هذا فينحصر الدليل على ثبوت التخيير في الأربعة إذا أراد الرجوع
لغير يومه في الرضوي واجماع الأمالي، ولعلهما كافيان في إثباته فيها، سيما مع
اعتضادهما بفتوى أعيان القدماء. وحيث قد عرفت قوة احتمال انصراف
اطلاقهما كغيرهما إلى الأربعة مع الإياب ظهر لك عدم نهوضهما بإثبات التخيير
فيها من غير إياب، فيتحتم فيها التمام، سيما وفي بعض عبارة الرضوي مما لم
ننقله ما يدل عليه، وهو قوله عليه السلام - بعد الحكم بوجوب التقصير في
451

الأربعة، مع إرادة الرجوع ليومه -: وإن عزمت على المقام وكان سفرك بريدا
واحدا ثم تجدد لك فيه الرجوع من يومك فلا تقصر - إلى أن قال -: وإن
سافرت إلى موضع بمقدار أربع فراسخ... إلى آخر ما مر (1). وهو صريح في
اعتبار الإياب في ثبوت أصل التقصير في الأربعة وجوبا إن وقع ليومه، وجوازا
إن وقع في غيره، وأن مع عدمه أو تخلل القاطع لا يجوز التقصير، وهو يقوي
ما قدمناه من تخصيص عبائر القدماء بصورة إرادة الرجوع لابقائها على
اطلاقها، لأن الظاهر أنه المستند لهم في التخيير وإن استند الشيخ له بالجمع بين
النصوص، ويبعد عملهم به فيما عدا هذا الحكم الذي تضمنه.
وكيف كان، فيتحصل مما ذكرنا: عدم جواز القصر في الأربعة من غير
إياب، وجوازه معه لغير يومه، ووجوبه معه ليومه كما تضمن جميع ذلك
الرضوي، وعلى جملة منه إجماع الأمالي.
(ولو أتم المقصر) المتحتم عليه التقصير عالما بوجوبه (عامدا أعاد)
وجوبا، وقتا وخارجا إجماعا، لعدم صدق الامتثال، وللصحيحين، وغيرهما
المروي في الخصال، وفيه: ومن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته؟ لأنه قد زاد في
فرض الله عز وجل (2).
(ولو كان جاهلا لم يعدا) مطلقا على الأشهر الأقوى، بل عليه الاجماع
في الجملة في ظاهر بعض العبارات، للصحيح: في رجل صلى في السفر أربعا،
أيعيد أم لا؟ قال: إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا
أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه (3). خلافا للمحكي

(1) فقه الرضا (ع): ب 21 في صلاة المسافر ص 159 - 161.
(2) الخصال: أبواب المائة فما فوقه ح 9 ص 604 والوسائل ب 17 من أبواب صلاة المسافر ح 8 ج 5
ص 532 و ح 6 ص 531.
(3) وسائل الشيعة: ب 7 (من أبواب صلاة المسافر ح 4 ج 5 ص 531.
452

عن الإسكافي (1) والحلبي (2)، فيعيد في الوقت دون خارجه. وعن العماني
فيعيد مطلقا (3). وهما نادران، ولا سيما الثاني، مع عدم وضوح مستندهما، عدا
الأصول، واطلاق نحو ما مر من رواية الخصال للثاني، واطلاق ما سيأتي من
النصوص في التأسي للأول. وتخصيصها أجمع بما هنا لازم لأخصيته،
بالإضافة إلى الأصول وتاليها مطلقا، وبالإضافة إلى ما سيأتي من وجه وهو
التصريح فيه بالجاهل وإن شمل الإعادة فيه لغة للوقت والخارج فيقبل التقييد
بالثاني، لوقوع التصريح بالإعادة في الأول فيما سيأتي وإن عم الجاهل والناسي.
أما لزومه بالإضافة إلى الأول فواضح، لوجوب بناء العام على الخاص
مطلقا حيثما تعارضا وحصل التكافؤ بينهما كما هنا.
وأما لزومه بالإضافة إلى الثاني، مع كون التعارض بينهما تعارض العموم
والخصوص من وجه - كما مر يقبل كل منهما التخصيص بالآخر فلرجحان ما هنا
على مقابله بالأصل، والشهرة العظيمة بين الأصحاب. هذا إن قلنا بعموم لفظة
الإعادة وشمولها لنحو القضاء.
وأما على تقدير اختصاصه بما حصل في الوقت - كما هو المصطلح عليه بين
الأصولين - فهو بالإضافة إلى مقابله أخص مطلقا كسابقه، ولعله لذا جعل
الأصحاب التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص مطلقا.
هذا، مضافا إلى اعتضاده أيضا بصريح الرضوي. لوان كنت صليت في
السفر صلاة تامة فذكرتها وأنت في وقتها فعليك الإعادة، وإن ذكرتها بعد
خروج الوقت فلا شئ عليك، وإن أتممتها بجهالة فليس عليك فيما مضى شئ

(1) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 164 س 33.
(2) الكافي الفقه: كتاب الصلاة ص 116.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 164 س 34.
453

ولا إعادة عليك، إلا أن تكون قد سمعت بالحديث (1).
(و) يستفاد منه أيضا حكم (الناسي) من: أنه (بعيد في الوقت
لا مع خروجه) كما هو الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي صريح
الانتصار (2) والخلاف (3) والسرائر (4) وظاهر التذكرة (5) دعوى الاجماع عليه.
وزاد في السرائر دعوى تواتر الأخبار به، ولم نقف على شئ منها يدل على
الحكم صريحا.
نعم، في الصحيح: عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة، قال: إن كان
في وقت فليعد، بأن كان الوقت قد مضى فلا (6)،. وهو كما ترى غير صريح في
الناسي، لكن بعمومه يشمله، وهو كاف، سيما مع قيام الدليل على خروج
العامد والجاهل. خلافا للمحكي عن والد الصدوق (7) والمبسوط (8)، فيعيد
مطلقا، لاطلاق الصحيح أو عمومه: صليت الظهر أربع ركعات وأنا في سفر،
قال: أعد (9).
وحمله الأصحاب على العامد، والأولى حمله على الناسي مع تقييده
بالوقت، لما مر من: حمل العام على الخاص، أو المطلق على المقيد.
وللمقنع: فيعيد إن ذكر في يومه، فإن مضى اليوم فلا إعادة (10)،

(1) فقه الرضا (ع): ب 21 صلاة المسافر ص 163.
(2) الإنتصار: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 52.
(3) الخلاف: كتاب الصلاة في صلاة المسافر مسألة 347 ج 1 ص 586.
(4) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 328.
(5) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 193 س 7.
(6) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 530.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 164 س 23.
(8) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 139.
(9) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة المسافر ح 6 ج 5 ص 531.
(10) المقنع: (الجوامع الفقهية): كتاب الصلاة ص 10 س 31.
454

للصحيح (1) أو الخبر، وهو ككلامه مجمل، لشيوع إطلاق اليوم على النهار فقط،
فيحتمل الحمل عليه، بل ويتعين للجمع، لأن ما مر أصرح فيكون من أدلة
المختار. ويجبر قصوره عن إفادة تمام المدعى بعدم قائل، بالفرق بين الظهر والعشاء
مثلا. فتأمل جدا.
(ولو دخل) عليه (وقت الصلاة) حاضرا بحيث مضى منه قدر الصلاة
بشرائطها المفقودة قبل مجاوزة الحدين (فسافروا لوقت باق) بحيث أدرك منه
ركعة فصاعدا (قصر على) الأظهر (الأشهر) كما هنا. وفي المعتبر (2) وفي
السرائر عليه الاجماع (3)، وهو الحجة بعد العمومات القطعية كتابا وسنة،
وخصوص المعتبرة:
منها الصحيح: قلت له - عليه السلام -: يدخل علي وقت الصلاة وأنا في
السفر، فلا أصلي حتى أدخل أهلي، قال: صل وأتم الصلاة، قلت: فدخل
علي وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر، فلا أصلي حتى أخرج، فقال:
صل وقصر، فإن لم تفعل فقد والله خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله (4).
وقريب منه آخر (5).
ومنها الرضوي: فإن خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة ولم
تصل حتى خرجت فعليك التقصير، فإن دخل عليك وقت الصلاة وأنت في
السفر ولم تصل حتى تدخل أهلك فعليك التمام (6). خلافا لجماعة، فيتم

(1) وسائل الشيعة: ب 17 من أبواب صلاة المسافر ح 2 ج 5 ص 530.
(2) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 2 ص 480.
(3) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 333.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 2 ج 5 ص 535.
(5) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 534.
(6) فقه الرضا (ع): ب 21 صلاة المسافر و... س 162
455

للأصل المخصص بما مر، وللصحيح (1) وغيره (2) المحتملين، ولا سيما الأول للحمل
على ما يؤولان به إلى الأول كما يأتي، مع ضعف سند الثاني، واحتماله
الحمل على التقية كسابقه.
وللصدوق (3) والنهاية (4) والمبسوط (5) (6)، فالتفصيل بين ضيق الوقت عن
التمام فالأول، وسعته فالثاني جمعا.
وللموثق وغيره: في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة، فقال: إن كان
لا يخاف الفوت فليتم، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر (7). وفيهما نظر،
لامكان الجمع أيضا بما مر، بل هو أظهر.
والخبران - مع ضعف سند ثانيهما، وقصور الأول، وعدم ارتباطهما بمحل
البحث لكون موردهما صورة العكس - لا يقاومان ما مر من وجوه لا يخفى على
من تدبر، مع احتمال كون المراد منهما: ما في الصحيح: في الرجل يقدم من
غيبته فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال: إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت
فليدخل وليتم، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل
وليقصر (8). فلا دلالة فيهما على المطلوب إن لم يكن لهما دلالة على خلافه
وللخلاف (9) فخير، مع استحباب التمام.

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 5 ج 5 ص 35.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 10 ج 5 ص 536.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية). كتاب صلاة المسافر ص 10 س 23.
(4) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 358.
(5) كلمة (المبسوط) لا يوجد في جميع النسخ الخطية.
(6) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 141.
(7) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 6 و 7 ج 5 ص 536.
(8) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 8 ج 5 ص 536.
(9) الخلاف: كتاب الصلاة في صلاة المسافر مسألة 332 ج 1 ص 577.
456

واحتمله في كتابي الحديث (1) جمعا، وللصحيح: إذا كان في سفر فدخل
وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار، حتى يدخل أهله، فإن شاء قصر، وإن
شاء أتم، وإن أتم أحب إلي (2) أو يتوجه إليهما النظر بعين ما مر، غير القدح في
السند، ويبدل باحتماله الحمل على التقية كما قيل (3)؟ لأنه مذهب بعض
العامة، ويزاد بعدم قبول بعض نصوص القولين الأولين لهذا الجمع، لتضمن
الصحيح في الأول الحلف بالله: إن لم يفعله فقد خالف. والخبر في الثاني للفظ
الوجوب الذي هو كالصريح في اللزوم الحتمي، وهما ينافيان التخيير.
ولبعض أفاضل متأخري المتأخرين، فتوقف بين القولين الأولين، قال:
لتعارض الصحيحين فيهما، واحتمال كل منهما الحمل على الآخر (4).
وفيه نظر، لأن حمل الأخير على الأول أظهر، لكثرة العدد، والموافقة
للعمومات، والاجماع المنقول، مع قبول لفظه للحمل من غير بعد كثير بخلاف
الأول، إذ الحمل المحتمل فيه هو: صرف الأمر فيه بالتقصير إلى صورة الخروج
من البلد بعد دخول الوقت، من غير مضي مقدار الصلاة بالشرائط، وهو في
غاية البعد عن السياق، إذ الخروج إلى محل الترخص بعد دخول الوقت وهو في
المنزل - كما هو نص المورد - يستلزم مضي وقت الصلاتين غالبا، بل وأكثر، ولا
أقل من إحداهما قطعا، مع أنه - عليه السلام - أمر بالقصر من غير استفصال من
مضي مقدارهما أو إحداهما، مع أن قوله: (فلا أصلي حتى أخرج) كالصريح
في تمكنه من الصلاة قبل الخروج، مع أن تأكيد الحكم بالقسم على تقدير

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ذيل ح 558 ج 3 ص 323، والاستبصار: كتاب
الصلاة في صلاة المسافر ذيل ح 856 ج 1 ص 240.
(2) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 9 ج 5 ص 536. مع تفاوت يسير راجع.
(3) لم نعثر عليه، ولكن نسبه إلى القيل صاحب الحدائق الناضرة: في صلاة المسافر: ج 11 ص 480.
(4) وهو صاحب الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة ي صلاة المسافر: ج 11 ص 479.
457

الحمل يلغو عن الفائدة الظاهرة منه، وهي: دفع ما يتوهم من وجوب التمام أو
جوازه، إذ هو ليس محل توهم لأحد في صورة الحمل، بل في صورة الظاهر.
ومع ذلك، فقد اعترف هذا الفاضل بما ذكرنا، فقال: إن الصحيح الثاني
أقبل للتأويل بأن يكون المراد من قوله: (يدخل من سفره): قرب الدخول
والمشارفة عليه، فكأن في الايراد بصيغة المضارع إعانة على هذا المعنى. وكذا
المراد من قوله: " خرج من سفره ": قرب الخروج، وأراد به: المقاربة من فعله،
لا الخروج حقيقة.
(وكذا لو دخل من سفره أتم مع بقاء الوقت) ولو بمقدار ركعة على
المشهور بين المتأخرين كما في الروض (1) وغيره، حتى أن جملة منهم ممن قال في
المسألة الأولى بالقول الثاني وافق هنا كالشهيدين (2) والفاضل في كتبه (3)، ولم
يتوقف المتوقف السابق لعين ما مر، حتى الاجماع المحكي.
مضافا إلى الصحيح: عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم
يدخل بيته قبل أن يصليها، قال: يصليها أربعا، وقال: لا يزال يقصر حتى
يدخل بيته (4). خلافا للمحكي عن الشيخ (5) في أحد قوليه. فما مر من التفصيل
وفي الآخر المحكي أيضا عن الإسكافي (6): فالتخيير. وعن قائل غير معروف:

(1) روض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 398 السطر الأخير.
(2) اللمعة الدمشقية: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 789، ومسالك الأفهام: كتاب الصلاة
في صلاة المسافر ج 1 ص 50 س 7.
(3) تحرير الأحكام. كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 57 س 9، ومنتهى المطلب: كتاب الصلاة
في صلاة المسافر ج 1 ص 396 س 16.
(4) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة المسافر، ح 4 ج 5 ص 535.
(5) المبسوط: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 141.
(6) الحدائق الناضرة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 11 ص 481. عن الشيخ وابن الجنيد.
458

فإطلاق لزوم التقصير (1). ومر مستند الجميع مع ما فيه.
(ولو فاتت اعتبر) في القضاء ب‍ (حال الفوات لا حال الوجوب)
فيقضي على المختار قصرا في المسألة الأولى، وتماما في الثانية، لعموم قوله - عليه
السلام -: فليقض ما فاته كما فاتته (2). والصحيح: قلت له: رجل فاتته صلاة
من صلاة السفر، فذكرها في الحضر، قال: يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت
صلاة السفر أداها في الحضر مثلها، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر
صلاة الحضر كما فاته (3).
وعلى هذا الماتن هنا وفي المعتبر (4) والفاضل (5) فيما وقفت عليه من
كتبه، لكن أوجب في المسألة الأولى التمام، بناء على أصله + خلافا للمرتضى (6)
والشيخ (7) والإسكافي (8) فحال الوجوب. واختاره الحلي حاكيا له عن والد
الصدوق في رسالته، وادعى لذلك عليه الاجماع. واحتج عليه بعده بأمر اعتباري
ضعيف.
لكن في الخبر: عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر، فأخر الصلاة
حتى قدم، فهو يريد أن يصليها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى أهله

(1) اللمعة الدمشقية: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 789.
(2) عوالي اللئالي: ج 2 ص 54 ح 144 فيه: من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته.
(3) وسائل الشيعة: ب 6 من أبواب قضاء الصلوات ح 1 ج 5 ص 359 فيه: كما فاتته.
(4) المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 2 ص 411.
(5) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 396 س 28، وتذكرة الفقهاء: كتاب
الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 186 س 13 و 14 راجع ولاحظ.
(6) النهاية ونكتها: كتاب الصلاة ب 15 في صلاة السفر ج 1 ص 358.
(7) لم نعثر عليه في كتبه الموجودة لدينا ونقل عنه في المعتبر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 2 ص 480.
(8) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 167 س 4.
(9) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 334 و 335، حاكيا عن الشيخ والسيد، أيضا.
459

أن يصليها حتى ذهب وقتها، قال. يصليها ركعتين الآن الوقت دخل وهو مسافر
كان ينبغي أن يصلي عند ذلك (1). وهو صريح فيما ذكروه، إلا أن في السند
ضعفا ب‍ (موسى بن بكير) فلا يعارض ما مر، إلا أن يجبر بفتوى من مر، سيما
مع نقل الاجماع، ووجود قرائن تدل على حسن حال الراوي، ولا يخلو عن
نظر، لكنه يوجب التردد في المسألة، وبه صرح في الذخيرة (2)، فلا ينبغي ترك
الاحتياط فيه بالجمع بين القصر والاتمام على حال.
(وإذا نوى المسافر (الإقامة) (3) في غير بلده عشرة أيام) ولو ملفقة من
الحادي عشر بقدر ما فات من أولها على الأقوى (أتم) بإجماعنا، بل الضرورة
من مذهبنا، والمتواتر من أخبارنا.
(ولو نوى دون ذلك قصر) ولو كان خمسة أيام فصاعدا على الأشهر
الأقوى، بل عليه عامة أصحابنا كما في المنتهى (4)، مشعرا بدعوى الاجماع عليه
كما في ظاهر عبائر كثير، لمفهوم الصحاح المستفيضة وغيرها، بل صريح جملة
منها مستفيضة.
ففي الصحيح. في صيام المسافر، قال: لا، حتى يجمع على مقام عشرة أيام (5).
وفي الخبر: إذا قدمت أرضا وأنت تريد أن تقيم بها عشرة أيام فصم وأتم،
وإن كنت تريد أن تقيم أقل من عشرة أيام فأفطر ما بينك وبين شهر، فإذا تم
الشهر فأتم الصلاة والصيام وإن قلت: أرتحل غدوة (6). خلافا للإسكافي (7)

(1) وسائل الشيعة: ب 21 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 535.
(2) ذخيرة المعاد: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 415 س 31.
(3) ما بين المعوقين أضفناه من المتن المطبوع، وكما في الشرح الصغير.
(4) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 396 س 35.
(5) وسائل الشيعة: ب 8 من أبواب من يصح منه الصوم ح 1 ج 7 ص 137.
(6) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 525 بأدنى تفاوت راجع.
(7) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 164 س 11.
460

فيتم في خمسة، للصحيح (1)، وهو مع قصوره دلالة شاذ محمول على التقية كما
ذكره جماعة (2)، أو على من كان بمكة والمدينة كما ذكره شيخ الطائفة (3)
للصحيح الآخر (4) لراويه. وفيه نظر، مع أن المستفاد من بعض الصحاح
المتقدمة في بحث التخيير في الأماكن الأربعة أن الأمر بالتمام فيما للتقية.
ولا فرق في موضع الإقامة بين كونه بلدا أو قرية أو بادية، ولا بين العازم
على السفر بعد المقام وغيره على ما يقتضيه إطلاق النص والفتوى، وبه صرح
جماعة من خلاف بينهم فيه أجده.
والمراد بنية الإقامة: تحقق المقام في نفسه كما يقتضيه نحو الصحيح: إذا
دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة، وإن لم تدر ما
مقامك بها تقول. غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك وبين أن يمضي شهر،
فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك (5). وعليه
فيدخل من نوى الإقامة اقتراحا، ومن أوقفها على قضاء حاجة يتوقف
انقضاؤها عليها. ومثله ما لو علق النية على شرط: كلقاء رجل فلاقاه.
وهل يشترط التوالي في العشرة بمعنى: أن لا يخرج من محل الإقامة إلى
محل الرخصة مطلقا كما عليه الشهيدان (6)، أو بشرط عدم صدق الإقامة عرفا وإلا
فلا يشترط كما لو خرج إلى بعض البساتين أو المزارع المتصلة بالبلد، مع
صدق الإقامة فيها عرفا، أو لا يشترط مطلقا حتى لو خرج إلى ما دون المسافة،

(1) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 12 ج 5 ص 527.
(2) منهم صاحب وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة المسافر ج 5 ص 527، ذيل الحديث 12.
(3) تهذيب الأحكام: باب 23 في صلاة المسافر ذ ح 57 ج 3 ص 225.
(4) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 16 ج 5 ص 227.
(5) وسائل الشيعة: ب 15 من أبواب صلاة المسافر ح 9 ج 5 ص 526.
(6) الشهيد الأول في البيان: كتاب الصلاة ص 156، والشهيد الثاني في روض الجنان. كتاب الصلاة
ص 399 س 7.
461

مع رجوعه ليومه أو ليلته لم يؤثر في نية إقامته كما عن فخر المحققين (1) وربما
يحكي أيضا عن والده؟ أوجه وأقوال، خيرها أوسطها، وفاقا لجماعة من محققي
متأخري المتأخرين، لعدم ورود نص شرعي في تحقيق معنى الإقامة، فيرجع
فيه إلى ما يعد إقامة عرفا وعادة.
واعتبار حد الرخصة في كل من الخروج والدخول من السفر لا يستلزم
اعتباره حال قصد الإقامة، مع أنه أمر شرعي لا مدخل له في أمر عرفي نيط به
اللفظ المترتب عليه الحكم الشرعي، وتقديم الشرع عليه إنما هو حيث يفيدنا
حقيقة شرعية لذلك اللفظ، لا شرطا شرعيا للحكم في بعض الموارد كما نحن
فيه، فإن غاية ما يستفاد من الشرع إنما هو ما ذكرنا، لا صيرورة الإقامة حقيقة
شرعية فيما لم يحصل معه الخروج إلى حد الرخصة للفظها. وبما ذكرنا ظهر
ضعف الوجه الأول، وكذا الثالث، لانتفاء الإقامة العرفية التي هي المناط في
التمام معه.
نعم، ربما يعضده بعض النصوص: استأمرت أبا جعفر - عليه السلام - في
الاتمام والتقصير، قال: إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم الصلاة، فقلت
له: إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، قال: أنو مقام عشرة أيام
وأتم الصلاة (2). ولا ريب أن القادم بيومين قبل التروية من نيته الخروج إلى
عرفة قبل العشرة، ولا يتم معه الحكم بالتمام إلا على هذا القول: من أن المعتبر
عدم الخروج إلى مسافة خاصة، وإلا فعلى القولين الأولين، لا يصدق الإقامة من
حين النية قطعا في الأول وعرفا في الثاني، فكيف يتم - مع ذلك - الحكم بالتمام
بنية الإقامة المزبورة؟!. وقريب منه إطلاق الصحيح المتضمن، لأن من توجه

(1) لم نعثر عليه.
(2) وسائل الشيعة: ب 25 من أبواب صلاة المسافر ح 15 ج 5 ص 546.
462

إلى عرفات فعليه التقصير، وإذا رجع وزار البيت ورجع إلى منى فعليه
الاتمام (1). وفي الآخر: من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام
الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، وإذا زار
البيت أتم الصلاة، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر (2).
قال في الوافي. إنما يجب الاتمام، لأنه لا بدله من إقامة عشرة حتى يحج.
وإنما وجب القصر إذا خرج إلى منى، لأنه يذهب إلى عرفات ويبلغ سفره
بريدين. وإنها يتم إذا زار البيت، لأن الاتمام بمكة أحب من التقصير. وإنما
لزمه الاتمام إذا رجع إلى منى، لأنه كان من عزمه الإقامة بمكة بعد الفراغ
من الحج كما يكون في الأكثر، ومنى من مكة أقل من بريد. ثم قال. وفيه
نظر، لأن سفره من عرفات هدم إقامته الأولى، وإقامته الثانية لم تحصل بعد.
إلا أن يقال: إرادة ما دون المسافة لا تنافي عزم الإقامة وعليه الاعتماد، ويأتي
ما يؤيده في باب إتمام الصلاة في الحرم الأربعة (3). وذكر فيه الصحيحة المتقدمة
وهو كما ترى ظاهر في موافقته لهذا القول وإن قصد نحو عرفات مع الرجوع قبل
العشرة قاطع للإقامة قطعا، ولعله لما ستعرفه من الاتفاق عليه. ولعل هذا هو
السر في تقييده التمام إذا رجع إلى منى بما إذا قصد إقامة ثانية. فما يقال عليه:
من أن في تقييده تأملا إذ ليس منه عين ولا أثر ولإعادة لا يخلو عن مناقشة،
سيما مع دعواه الأكثرية التي مرجعها إلى العادة، لكنها لعلها لا تخلو عن
مناقشة، لكن الظاهر أن ذكره هذه الدعوى إنما هو لبيان حكمة ترك التقييد
وإن كان السبب فيه حقيقة هو ما ذكره من نحو كون قصد نحو عرفات قاطعا

(1) وسائل الشيعة: ب 27 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 554.
(2) وسائل الشيعة: ب 3 من أبواب صلاة المسافر ح 3 ج 5 ص 499.
(3) الوافي: كتاب الصلاة في صلاة المسافر باب 16 عزم الإقامة في السفر والتردد فيها ج 7 ص 154
باختلاف يسير.
463

للإقامة.
وعلى هذا، فغاية ما يستفاد من هاتين الروايتين عدم انقطاع الإقامة
بالخروج إلى نحو منى، ولعله لصدق الإقامة معه عرفا، وهو لا يستلزم عدم
الانقطاع بالخروج إلى ما دون المسافة مطلقا.
إلا أن يقال في توجيه الاستدلال بهما لهذا القول على المختار: بأن سفر
عرفات ليس بمسافة القصر على الحتم كما مر، ومثله لا يهدم قصد إقامة العشرة
كما يظهر منهما من عدم نية إقامة مستأنفة، وكون الاتمام بعد الرجوع مترتبا
على الاتمام السابق من جهة أنه صار بمنزلة أهل مكة، وفيهما شهادة على أن
سفر عرفات سفر رخصة في القصر، لعدم كونه سفرا تاما، بسبب عدم الرجوع
ليومه الذي هو شرط كما مر. ولا يخلو عن نظر، لاطلاق الأصحاب الحكم
بانقطاع الإقامة بالخروج إلى مسافة من دون تقييد كما سيظهر.
حتى أن الشيخ - الذي هو أحد القائلين بجواز التقصير في الأربعة مع عدم
الرجوع ليومه - جعل في كتاب الحديث مقتضى الرواية الأولى من حصول نية
الإقامة عشرا، مع العلم بالسفر أربعة فراسخ في أثنائها من خصائص الحرمين
اللذين هما موردهما (1). وعلى هذا فتشذ الروايات من هذا الوجه أيضا زيادة
على ما مر من شذوذ جملة منها من حيث الدلالة على لزوم التقصير في الأربعة
فراسخ مع عدم الرجوع ليومه.
هذا، مع أن التوالي المبحوث عنه إنما يعتبر في ابتداء نية الإقامة إلى أن يصلي
تماما لا مطلقا، لما سيأتي من الاتفاق فتوى ونصا على أنه متى نوى الإقامة
عشرة أيام وصلى صلاة واحدة بتمام فإنه لا يقصر حتى يقصد مسافة جديدة.
ولذا أن الشهيدين - اللذين هما العمدة في اعتبار التوالي بالمعنى الأول في

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 23 في صلاة المسافر ج 3 ص 220، ذيل الحديث 57.
464

الإقامة - صرحا كغيرهما: بأنه يتم إذا خرج بعدها إلى ما دون المسافة (1).
ولا ينافيه تصريحهم بلزوم التقصير في العود، مع عدم العزم على إقامة مستأنفة،
وإلا فيتم مطلقا، لأن ذلك منهم محمول على ما إذا حصل في العود قصد
المسافة ليجامع ما مر من اتفاقهم على اعتبار مسافة جديدة في التقصير إذا سافر
بعد الإقامة، واتمام صلاة واحدة مع تصريحهم أيضا بكونها من قواطع السفر،
ومنزلة للمقيم منزلة المتوطن. وعلى هذا، فتخرج الصحيحة الأخيرة على تقدير
سلامتها عما مر إليه الإشارة عن مفروض المسألة، وهو: اعتبار التوالي بالمعنى
الأول، أو العرفي عند نية الإقامة، لأن موردها الخروج إلى ما دون المسافة بعد
حصول الإقامة عشرة. والصحيحة الأولى تقبل التقييد بهذا دون مفروضنا.
وأما الرواية فيكفي في الجواب عنها - زيادة على ما مر قصور السند وبالجملة:
فاخترناه هو المعول عليه والمعتمد.
(ولو تردد) في الإقامة عشرا (قصر ما بينه وبين ثلاثين يوما، ثم أتم
ولو صلاة) واحدة بلا خلاف أجده، بل عليه الاجماع في عبائر جماعة،
والصحاح به مع ذلك مستفيضة وإن اختلف كالفتاوى في التأدية عن العدد
بالشهر كما في أكثرها، أو بالثلاثين كما في العبارة وغيرها، ولعله الأقوى، حملا
للمطلق على المقيد، أو المجمل على المبين، مع كونه الأغلب من أفراد المطلق
فيتعين. ولو لم يكن هنا مقيد اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على
استصحاب بقاء القصر على الفرد المتيقن فلا يرد أن المقيد لا عبرة بمفهومه
لوروده مورد الأغلب، إذ غاية ذلك سقوطه، فيرجع في الفرد النادر إلى حكم
الأصل.
وتظهر الثمرة ما لو حصل التردد في أول الشهر، فيكفي في الانتقال إلى التمام

(1) البيان: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 160، وروض الجنان: كتاب الصلاة في صلاة المسافر
ص 339 س 15.
465

مضية ولو نقص على الأول ولا على الثاني، بل لا بد من تمام العدد.
(ولو نوى الإقامة) عشرا (ثم بدا له) فيها (قصر ما لم يصل على التمام
ولو صلاة) واحداة، بلا خلاف فيه أيضا أجده، بل عليه الاجماع في عبائر
جماعة، للصحيح: أني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام
فأتم الصلاة، ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها، فما ترى لي أتم أم أقصر؟ فقال: إن
كنت دخلت المدينة وصليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن
تقصر حتى تخرج منها، وإن كنت حين دخلتها على نيتك المقام فلم تصل فيها
صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال
بالخيار: إن شئت فانو المقام عشرة أيام وأتم، وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك
وبين الشهر، فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة (1) وبمعناه الرضوي (2).
وأما الخبر الدال على الأمر بالتقصير بالبناء عن الإقامة مع إتمام الصلاة (3)
فع قصور سنده بل ضعفه وشذوذه غير صريح في المخالفة، لقوة احتمال كون
الأمر به كناية عن الأمر بالسفر دفعا لما توهمه السائل من عدم جواز إبطال نية
الإقامة.
فظاهر الصحيح: وجوب القصر بعد البداء، وقبل فعل الصلاة، تماما،
سواء قصد مسافة أو تردد في الإقامة وعدمها، هو الأشهر الأقوى. خلافا لجماعة
فاحتملوا اختصاصه بالأول، والحكم بالاتمام وقع فيه معلقا على من صلى
فرضا مقصورا تماما بعد نية الإقامة، فلا تكفي النافلة، ولا الفريضة الغير
المقصورة، ولا المقصورة إذا تمت بغير نية الإقامة سهوا، أو لشرف البقاع
الأربع، أو استقرت في الذمة تامة بخروج وقتها، ولا الصوم مطلقا. كل ذلك

(1) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 532.
(2) فقه الرضا (ع): ب 21 صلاة المسافر ص 161.
(3) وسائل الشيعة: ب 18 من أبواب صلاة المسافر ح 2 ج 5 ص 532.
466

على الأقوى، وفاقا لجماعة. خلافا لآخرين، فاكتفوا بها جملة، أو ببعضها على
اختلاف لهم لوجوه اعتبارية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.
ثم إن المتبادر من الخروج المعلق عليه القصر بعد في الخبر إنما هو
الخروج إلى المسافة، لا دونها بشهادة السياق، مضافا إلى ما مر من الاتفاق
على جعل الإقامة عشرا من القواطع، وكون البلد بها بمنزلة الوطن.
ومقتضى ذلك: أنه لو سافر لدون المسافة أتم مطلقا، سواء قصد العود إلى
محل الإقامة وعزم على إقامة عشرة مستأنفة كما هو إجماع، أو لم يقصد العود
إليه أصلا، أو قصده ولم يعزم على المقام عشرا ثانيا، سواء عزم على إقامة ما
أم لا، ولكن ظاهر الأصحاب - كما قيل في الصورة الأولى - الاتفاق على
القصر ذهابا إيابا وإن اختلفوا في ثبوته بمجرد الخروج، أو بعد الوصول إلى حد
الترخص - كما هو الأقوى على تقدير بثبوت القصر بالاجماع المحكي - أو تقييده
بما يأتي، لعموم المنزلة المتقدمة.
وأما الصورة الثانية: فظاهر المشهور فيها أيضا وجوب القصر وإن اختلفوا
في إطلاقه بمجرد الخروج، أو بعد بلوغ حد الترخص، أو تقييده بحال الإياب
خاصة. وعلى الأول: الشيخ (1) والحلي (2) والعلامة (3). وعلى الثاني.
الشهيدان (4) وجماعة.
وحجتهم على أصل التقصير هنا وفي الصورة السابقة غير واضحة بعد فرض
الخروج إلى دون المسافة، مع اتفاقهم - كما عرفت - على كون الإقامة من

(1) المبسوط. كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 138.
(2) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 345.
(3) مختلف الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 170 السطر الأخير وما قبل الأخير.
(4) الشهيد الأول في الدروس: كتاب الصلاة ص 52، والشهيد الثاني في روض الجنان: كتاب الصلاة
ص 399 س 27.
467

القواطع، وأنه لا بد في القصر بعدها من مسافة جديدة، إلا أن تقييد عباراتهم
بصورة قصدها وإن اختصت بالخروج لدونها، وإلا فلا يمكن الجمع بين حكيمها
في المسألتين، كما نبه عليه جماعة أولهم: شيخنا الشهيد الثاني في رسالته التي
أفردها لبيان أحكام صور المسألة. وعليه فالمتجه: ما عليه الشهيدان من
اختصاص القصر بحال العود خاصة، لما مر من نقل الاجماع على عدم ضم
الذهاب إلى الإياب مطلقا، ولكن في الاعتماد عليه هنا إشكال، لوهنه بمصير
الشيخ ومن تبعه ولو في غير المسألة على خلافه.
(ويستحب أن يقول عقيب الصلاة) المقصورة: (سبحان الله،
والحمد الله، ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاثين مرة جبرا) لما قصر منها،
وظاهر النص (1) المتضمن له الوجوب، إلا أنه لا قائل به، مع ضعف سنده،
فليحمل على مطلق الثبوت، أو تأكد الاستحباب.
وقد روي (2) استحباب فعلها عقيب كل فريضة، فاستحبابها هنا يكون آكد.
وهل يتداخل الجبر والتعقيب، أم يستحب تكرارها؟ وجهان.
(ولو صلى المسافر خلف المقيم لم يتم، واقتصر على فرضه ويسلم (3)
منفردا) مطلقا، سواء أدرك الصلاة جميعها أو أدرك ركعة أو أقل منها
بإجماعنا وأخبارنا. وقد مضى الكلام فيه في بحث الجماعة مستوفى.
(و) يجوز أن (يجمع المسافر بين) صلاتي (الظهر والعصر) (و) كذا
(بين) صلاتي (المغرب والعشاء) كما هنا، وفي الخلاف (4) والسرائر (5)

(1) وسائل الشيعة: ب 24 من أبواب صلاة المسافر ح 1 ج 5 ص 542.
(2) وسائل الشيعة: ب 7 من أبواب التعقيب ج 4 ص 1021.
(3) في المتن المطبوع " وسلم ".
(4) الخلاف: كتاب الصلاة في صلاة المسافر مسألة 351 ج 1 ص 88،.
(5) السرائر: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 344.
468

والمنتهى (1) والتذكرة (2) والذكرى (3) وغيرها. وفي صريح الأول وظاهر ما عدا
الثاني كونه مجمعا عليه بيناه ولا ريب فيه، لاستفاضة النصوص، بل تواترها
به جدا عموما مثل ما دل على اشتراك الوقتين، وخصوصا كالصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة المتقدمة هي كالسابقة في مباحث أوقات الفرائض
الخمس. وإنما الاشكال في استحبابه أو جوازه بقول مطلق، كما هو ظاهر من عدا
الشهيد في الذكرى، فظاهره الأول، وبه صرح هو في الدروس (4)، والمحقق
الثاني كما حكي (5)، قال للنبوي: كان - صلى الله عليه وآله - إذا كان في سفر
أو عجلت به حاجة يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء الآخرة (6). وفي
دلالته على الاستحباب نظر ومقتضى عموم ما دل على أفضلية أول الوقت
أفضليته ولو هناه فيشكل الحكم باستحباب الجمع، وسيما في المغرب والعشاء،
فإن باستحباب الجمع بينهما يوجب الحكم باستحباب ترك نافلة المغرب، وهو
باطل إجماعا، لثبوت استحبابها سفرا وحضرا.
فالتعبير بالجواز المطلق كما في عبائر هؤلاء أولى، لكن يتوجه على هذا أنه
لا فائدة لتخصيص الحكم به بالسفر مع ثبوته في الحضر أيضا بإجماعنا الظاهر
المصرح به في الخلاف والذكرى وغيرهما، وتدل عليه أدلة اشتراك الوقتين
أيضا.
ويمكن أن يقال: وجهه تأكد استحباب التفريق في الحاضر إجماعا كما في

(1) منتهى المطلب: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 399 السطر الأخير.
(2) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ج 1 ص 84 س 14.
(3) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 260 السطر الأخير.
(4) الدروس الشرعية: كتاب الصلاة في صلاة المسافر ص 52.
(5) لم نعثر عليه.
(6) سنن البيهقي، كتاب الصلاة باب الجمع بين الصلاتين في السفر ج 3 ص 159.
469

الذكرى (1) دون المسافر، أو التنبيه على أن الجمع هنا جائز ولو بتأخير الأولى
عن وقتها الأول إلى الثاني اتفاقا، حتى من القائل بكونه للاضطرار لا
الاجزاء، لكون السفر من الأعذار المسوغة للتأخير كما صرح به الشيخ (2) رحمه
الله، ولعل هذا أولى.
ويتخير في الجمع بين تقديم الثانية إلى الأولى وبين العكس، إلا أن
الأول أولى لما مضى.
وفي التذكرة. الأولى فعل ما هو أوفق به، فإن كان وقت الزوال في المنزل
ويريد أن يرتحل قدم العصر إلى الظهر، حتى لا يحتاج إلى أن ينزل في
الطريق، وإن كان وقت الزوال في الطريق ويريد أن ينزل آخر النهار أخر
الظهر، لحديث ابن عباس، فإن لم يكن في أحد الأمرين غرض فالأولى
التقديم (3).
(ولو سافر بعد الزوال ولم يصل النوافل قضاها سفرا وحضرا)
للموثق: إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج في سفر يبدأ بالزوال فيصليها،
ثم يصلي الأولى بتقصير ركعتين، لأنه خرج من منزله قبل أن يحضر الأولى،.
وإن خرج بعد ما حضرت الأولى صلى الأولى أربع ركعات، ثم يصلي بعد
النوافل ثماني ركعات الخبر (4).
وفي جملة من المعتبرة وفيها الصحيح والموثق وغيرهما: يقضي في السفر نوافل
النهار بالليل (5).

(1) ذكرى الشيعة: كتاب الصلاة في المواقيت ص 119 س 20.
(2) المبسوط: كتاب الصلاة في أوقات الصلاة ج 1 ص 72.
(3) تذكرة الفقهاء: كتاب الصلاة البحث السادس في الجمع ج 1 ص 83 س 33.
(4) وسائل الشيعة: ب 23 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 1 ج 3 ص 62.
(5) وسائل الشيعة: ب 22 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ص 61 - 63.
470

وحمله الشيخ على من فاتته في الحضر (1) بأن يكون قد دخل عليه وقتها قبل
أن يخرج ولم يصلها فكان عليه قضاؤها فيما بعد. واستشهد عليه بما مر من الموثق.
ولا بأس به.
تم المجلد الأول من رياض، المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، (على يد
مؤلفة - المفتقر إلى الله الغني - علي بن محمد الطباطبائي، في أواخر العشر
الثاني من الشهر الثاني من السنة الرابعة من العشر الأخر من المائة الثانية من
الألف الثاني من الهجرة النبوية، على صاحبها ألف سلام وثناء وتحية) (2).
إلى هنا انتهى الجزء الرابع - حسب تجزئتنا -
ويتلوه الجزء الخامس إن شاء الله أوله:
(كتاب الزكاة)

(1) تهذيب الأحكام: كتاب الصلاة ب 3 في نوافل الصلاة في السفر ج 2 ص 16، ذيل الحديث 12.
(2) ما بين المعقوفتين لا يوجد في نسخة (مش) و (ش).
471