الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ٢
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ربيع الأول ١٤١٥
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٧-٩
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء الثاني
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

BP النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي: تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج: نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. VOLS 18 - 2 - 75 - 5503 - 964 - ISBN
ردمك (شابك) 9 - 77 - 5503 - 964 / ج 2
2. VOL / 9 - 77 - 5503 - ISBN 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 2
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): البيان - قم
الطبعة: الأولى - ربيع الأول 1415 ه‍
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 2500 ريال
ساعدت وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي على طبعه
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوجه 9 - پلاك 5
ص. ب. 996 / 37185 - هاتف 4 - 730001
4

الباب الأول:
في الوضوء
والبحث عن أسبابه، وأقسامه، وواجباته، وآدابه، وأحكامه
يقع في فصول خمسة:
5

الفصل الأول.
في أسبابه
وهي ستة:
الأول والثاني والثالث: البول والغائط والريح من الموضع الطبيعي المعتاد
خروجه منه لعامة الناس وإن لم يعتد لشخص. والنقض بها إجماعي، ونقل
الاجماع عليه مستفيض (ا)، والمستفيضة عليه دالة:
ففي صحيحة زرارة: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: " ما يخرج من طرفيك
الأسفلين من الدبر والذكر، غائط أو بول أو مني أو ريح، والنوم حتى يذهب
العقل، وكل النوم يكره إلا أن تكون تسمع الصوت) (2).
والأخرى: " لا يوجب الوضوء إلا غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو
فسوة تجد ريحها " (3)
ورواية زكريا: " إنما ينقض الوضوء ثلاث: البول والغائط والريح " (4).
وصحيحة أبي الفضل: " ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك
الأسفلين اللذين أنعم الله عليك بهما) (5).

(1) كما نقله في المعتبر 1: 106، والتذكرة 1: 10، والمدارك 1: 142.
(2) الكافي 3: 36 الطهارة ب 23 ح 6، التهذيب 1: 8 / 12، 9 / 15، الوسائل 1: 249 أبواب
نواقض الوضوء ب 2 ح 2.
(3) التهذيب 1: 10 / 16، 346 / 1016، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.
(4) الكافي 3: 36 الطهارة ب 23 ح 2، التهذيب 1: 10 / 18، الإستبصار 1: 86 / 272، الخصال.
21 / 47، الوسائل 1: 250 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 6.
(5) الكافي 3: 35 الطهارة ب 23 ح 1، التهذيب 1: 10 / 17، الإستبصار 1: 85 / 271،
الوسائل 1: 249 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 4.
7

وصحيحة زرارة: " لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم) (1)
إلى غير ذلك.
وتقييد الريح الناقض (في الثانية) (2) بأحد الوصفين محمول على صورة
حصول الشك بدونهما، وفائدته بيان لزوم تيقن الخروج وعدم كفاية الشك بل
الظن.
وأما مع التيقن فلا ريب في ناقضيته مطلقا، للاجماع، والمروي في مسائل
علي: عن رجل في صلاته، فيعلم أن ريحا قد خرجت ولا يجد ريحها ولا يسمع
صوتها، قال: يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك
يقينا) (3).
والرضوي: " وإن استيقنت أنها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها
أو لم تسمع، وشممت ريحها أو لم تشم " (4).
وضعفهما منجبر بالاجماع المنقول بل المحقق، فبهما وبه (5) يخصص عموم
الثانية وينزل (6).
واحتمال بعض المتأخرين (7) اشتراط الناقضية بأحد الوصفين - كما ذكره
بعض مشايخنا (8)، بل نقل الفتوى به عن بعض علماء زمانه - ضعيف جدا. كما

(1) التهذيب 1: 6 / 2، الإستبصار 1: 79 / 244، الوسائل 1: 248 أبواب نواقض الوضوء ب 2
ح 1.
(2) لا توجد في " ق ".
(3) مسائل علي بن جعفر: 184 / 358، الوسائل 1: 248 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.
(4) فقه الرضا (عليه السلام)، 67، المستدرك 1: 277 " أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.
(5) أي بهاتين الروايتين وبالاجماع يخصص عموم صحيحة زرارة الثانية " لا يوجب الوضوء إلا
غائط... ".
(6) في " ه‍ " و " ق " يترك.
(7) كما في المدارك 1: 142.
(8) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح: (مخطوط).
8

أن رد الصحيحة: بكون دلالتها على عدم النقض (بدون أحد الوصفين) (1)
بمفهوم الوصف وهو ليس بحجة - كما قاله بعض مشايخنا (2) - غريب كذلك.
وفي حكم الطبيعي غيره إن كان خلقيا أو انسد الطبيعي، لظاهر الوفاق،
بل عليه الاجماع في المنتهى والمدارك (3).
وفي اعتبار الاعتياد هنا كنهاية الإحكام (4)، أو عدمه كظاهر المنتهى (5)
احتمالان، أظهرهما: الأول.
ومع انتفاء الأمرين: ففي عدم النقض مطلقا، كظاهر الشرائع (6) وطائفة
من متأخري المتأخرين (7) منهم والدي العلامة، أو النقض كذلك، كالسرائر
والتذكرة (8)، أو التفصيل بالاعتياد وعدمه، كما في المعتبر (9) والقواعد والدروس
والذكرى (10)، بل نسب إلى المشهور (11)، وبالخروج عن تحت المعدة فينقض،
وفوقها فلا ينقض، كما عن المبسوط والخلاف (12)، أقوال.
والحق هو الأول، للأصل، وفقد المانع كما يأتي.

(1) لا توجد في " ق ".
(2) حاشية المدارك: 32، شرح المفاتيح: (مخطوط).
(3) المنتهى 1: 32، المدارك 1: 144.
(4) نهاية الإحكام 1: 71.
(5) المنتهى 1: 32.
(6) الشرايع 1: 17.
(7) منهم صاحب المدارك 1: 143، وصاحبا الرياض 1: 14، وكشف الغطاء: 107.
(8) السرائر 1: 106، التذكرة 1: 10.
(9) في " ه‍ " " ق ": المنتهى.
(10) المعتبر 1: 107، القواعد 1: 3، الدروس 1: 87، الذكرى: 25.
(11) كما نسبه في الحدائق 2: 86.
(12) المبسوط 1: 27، الخلاف 1: 115.
9

للثاني: (عموم) (1) قوله سبحانه: إذا قمتم، وإذا جاء أحد منكم " (2)
وعموم الروايتين: الثانية والثالثة، واحتياج الشغل اليقيني إلى البراءة اليقينية،
وتنقيح المناط.
ويضعف الأول: بأن المراد القيام من النوم كما في الأخبار، فهي المخصص
لعمومه لو كان.
مضافا إلى تعارضه مع الأخبار المصرحة بأن يقين الوضوء لا ينقضه إلا يقين
الحدث، والناهية عن الوضوء إلا مع يقينه، والحاصرة للنقض بالخارج عن
السبيلين (3).
والثاني: بعدم إرادة الحقيقة من المجئ عن الغائط الذي هو المكان
المنخفض، فيمكن أن يكون مجازه التخلي للتغوط المتعارف.
والثالث: بمنع العموم فيهما سيما في أولهما، ولو كان فإطلاقه ينصرف إلى
الشائع. مع أنه لا بد فيهما من ارتكاب تجوز أو تقدير مضاف، ضرورة عدم كون
نفس البول وأخويه ناقضا، فيمكن أن يكون البول مثلا مجازا عن فرد خاص هو
البول الخارج على نحو خاص حال كونه كذلك، أو عن خروجه على نحو خاص.
مضافا إلى معارضته مع الصحيحتين الأخيرتين بالعموم من وجه فيرجع إلى
الأصل.
والرابع: بعدم القطع بالاشتغال بأزيد من الصلاة مع مثل هذا
الوضوء.
والخامس: يمنع كونه قطعيا، لعدم العلم بالعلة.
للثالث: صدق الطرفين اللذين أنعم الله بعد الاعتياد، وعدم منافاة

(1) لا توجد في " ق ".
(2) المائدة: 6.
(3) راجع الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
10

الانصراف إلى المعتاد له.
والأول ممنوع، مع أن التقييد بالأسفلين ينافي عموم المطلوب.
والثاني مردود: بأن ما ينصرف إليه المطلق هو المعتاد من أفراد المهية لا
لشخص واحد.
للرابع على الجزء الأول: بعض ما مر مع جوابه.
وعلى الثاني: عدم صدق الاسم على الخارج من الفوق، وضعفه ظاهر.
ثم الشائع المتبادر من الريح ما خرج من الدبر، فلا ينقض الخارج من
القبل مطلقا، وفاقا للمنقول عن السرائر والمنتهى والمهذب والبيان (1).
وعن التذكرة القطع بنقض الخارج منه من قبل المرأة (2)، واستقربه في المعتر
والذكرى (3) مع الاعتياد، ومستندهما ضعيف.
وقد يقال باعتبار الشيوع في نفس الخروج أيضا لتبادر الخروج المعتاد من
المطلقات، ويفرع عليه: أنه [لو] (4) خرجت المقعدة ملوثة بالغائط ثم عادت ولم
ينفصل لم ينقض (5).
ولا يخفى أن بعد تفريع ذلك على اعتبار الشيوع في الخروج لا وجه للتقييد
بالعود وعدم الانفصال، إذ الخروج الكذائي غير شائع عادت المقعدة أم. لا،
انفصل الغائط أم لا، مع أن ذلك الاعتبار في نفس الخروج يوجب عدم النقض
بالخارج بالإصبع ونحوها، وبالاحتقان ودوس البطن وتناول المسهل والدود
المتلطخ ونحوها إلا بدليل آخر.
والتحقيق - كما بينا في موضعه -: أن الانصراف إلى المتعارف إنما هو إذا بلغ
.

(1) السرائر 1: 107، المنتهى 1: 31 و 32، المهذب 1: 249، البيان: 40.
(2) التذكرة 1: 11.
(3) المعتبر 1: 108، الذكرى: 25.
(4) أثبتاه لاستقامة المعنى.
(5) الرياض 1: 14
11

التعارف بحيث يتبادر معه إرادة المتعارف ويكون قرينة معينة لإرادته، وهو هنا
ليس كذلك، ولذا يحكم بالنقض بالغائط الأسود والأبيض والبول الأحمر
ونحوها - فالحق: النقض بالمقعدة المذكور أيضا
الرابع: النوم المعطل للسمع والعقل ولو تقديرا مطلقا، بالاجماع المحقق
والمحكي في الخلاف والتهذيب والمعتبر (1) وغيرها (2)، وعن الانتصار
والناصريات (3)، وجعله في الخصال من دين الإمامية (4).
وخلاف ابني بابويه في مطلقه (5) كأحدهما في غير حالة الانفراج (6) لم يثبت،
وكلامهما لو دل عليه بظاهره، يجب فيه التأويل: بأن المراد عدم ناقضيته في نفسه،
بل لكونه مظنة الريح غالبا، فلذلك ينقض ولو عدم خروج الريح لما في الخصال،
مع أنه لو ثبت، ففي الاجماع لا يقدح، فهو الحجة.
مضافا إلى المستفيضة كصحيحتي زرارة المتقدمتين (7)، والأخرى: " يا زرارة
قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن، فإذا نامت العين والأذن والقلب وجب
الوضوء " قلت: فإن حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به؟ قال: " لا حتى يستيقن أنه
قد نام حتى يجئ من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض
اليقين أبدا بالشك، ولكن ينقضه بيقين آخر " (8).
.

(1) الخلاف 1: 109، التهذيب 1: 5، المعتبر 1: 109.
(2) كالتذكرة 1: 11، والمنتهى 1: 32.
(3) الإنتصار: 30، الناصريات (الجوامع الفقهية): 186 -
(4) هكذا نقل في الرياض 1: 14 عن الخصال، ولم نعثر عليه فيه نعم في المجالس: 514 المجلس
93 عد ناقضية النوم إذا ذهب العقل، من دين الإمامية، وروى في الخصال في حديث شرائع
الدين " لا ينقض الوضوء إلا البول والريح والنوم والغائط والجنابة ".
(5) لاحظ القنع: 4، الهداية: 18، ونقل في المختلف: 17 كلاما عن علي بن بابويه في ذلك.
(6) لاحظ الفقيه 1: 38 / 144.
(7) في ص 7 و 8.
(8) التهذيب 1: 8 / 11، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1
12

وصحيحة ابن الحجاج: " من وجد طعم النوم قائما أو قائدا فقد وجب عليه
الوضوء " (1).
وصحيحة عبد الحميد: " من نام وهو راكع أو ساجدا أو ماش على أي
الحالات فعليه الوضوء " (2).
وصحيحة ابن المغيرة: عن الرجل ينام على دابته، فقال: " إذا ذهب النوم
بالعقل فليعد الوضوء " (3).
وصحيحة ابن خلاد: عن رجل بن علة لا يقدر على الاضطجاع، والوضوء
يشتد عليه، وهو قاعد مستند بالوسائط، فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال،
قال: " يتوضأ " قلت: أن الوضوء يشتد عليه، قال: " إذا خفي عليه الصوت فقد
وجب عليه الوضوء (4).
وموثقة ابن بكير: قلت: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: " نعم إذا غلب على
السمع ولا يسمع الصوت " (5).
ورواية سعد: " أذنان وعينان، تنام العينان ولا تنام الأذنان وذلك لا ينقض
الوضوء، فإذا نامت العينان والأذنان انتقض الوضوء " (6) إلى غير ذلك.
وإطلاق بعضها بالنسبة إلى غير الغالب على السمع والعقل مقيد بالمقيدات.
.

(1) الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 15، الوسائل 1: 254 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 9.
(2) التهذيب 1: 6 / 3، الإستبصار 1: 79، 247، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 3.
(3) التهذيب 1: 6 / 4، الإستبصار 1: 79 / 245، الوسائل 1: 252 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 2.
(4) الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 14، التهذيب 1: 9 / 14، الوسائل 1: 257 أبواب نواقض
الوضوء ب 4 ح 1.
(5) التهذيب 1: 7 / 9، الإستبصار 1: 80 / 251، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 7.
(6) الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 16، الوسائل 1: 247 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 8
13

مع أنه سنة لا نوم. وتعطيل السمع والعقل متلازمان كما يومئ إليه صحيحتا
زرارة (1) أيضا، فالاكتفاء بإحدهما في بعضها غير صائر.
وبتلك الأخبار يخصص ما دل على انتفاء الناقض غير ما يخرج عن السبيلين
مطلقا، فالحصر فيه إضافي بالنسبة إلى ما يخرج.
وبعض الظواهر النافي للنقض في بعض الحالات، كموثقة سماعة: عن
الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا، قال: " ليس عليه وضوء " (2).
ورواية عمران: " من نام وهو جالس لم يتعمد لا نوم فلا وضوء عليه " (3).
ومرسلة الفقيه: " عن الرجل يرقد وهو قاعد، عليه الوضوء؟ فقال: لا
وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم يتفرج " (4).
ورواية الحضرمي: " إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء.
وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء " (5).
لا يضر، لضعفها بالشذوذ، ومخالفتها للشهرة بل الاجماع.
مع أن المذكور في في الأولى الخفق وهو النعاس أي ابتداء النوم، وفي الثانية
عدم التعمد، ويمكن أن يكون بالغين المعجمة فيراد به ما لم يعطل العقل.
ولو قطع النظر عن ذلك كله يتعارض مع بعض ما مر، والترجيح لنا،
لموافقة أخبارنا الكتاب ومخالفتها العامة (6)
وأما الصحيح: في الرجل هل ينقض وضوؤه إذا نام وهو جالس؟ قال: " إن
.

(1) المتقدمان ص 7 و 12.
(2) الفقيه 1: 38 / 143، الوسائل 1: 255 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 12.
(3) التهذيب 1: 7 / 6، الإستبصار 1: 80 / 248، الوسائل 1: 256 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 14.
(4) الفقيه 1: 38 / 144، الوسائل 1: 254 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 11.
(5) التهذيب 1: 7 / 7، الإستبصار 1: 80 / 249، الوسائل 1 / 256 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 15.
(6) راجع المغني 1: 197، بداية المجتهد 1: 36
14

كان يوم الجمعة وهو في المسجد فلا وضوء عليه، وذلك بأنه في حال الضرورة " (1).
فمحمول إما على عدم إمكان الخروج من المسجد فيتيم حينئذ - كما يأتي في
بابه (2) - أو على التقية، لعدم الضرورة في غيرهما، ولو منع الحملان فيكون متروك
الظاهر عند الأصحاب كلا، فلا حجية فيه.
ثم النوم ناقض بنفسه، لظاهر الأخبار المتقدمة، وصريح حسنة.
الأشعري: " لا ينقض الوضوء إلا حدث، والنوم حدث " (3).
لا لكونه مظنة الريح كما يظهر من بعض الروايات (4)، لضعفه وموافقة
العامة، وتصريح صحيحة زرارة المتقدمة (5) بعدم النقض باحتمال طرو الناقض
ظنا أو شكا، مع أن التعليل بكونه مظنته غالبا لا ينافي النقض به مطلقا، فإن
أمثال هذه التعليلات في الشرع كثيرة، فإن هذه العلة صارت علة للكلية كما في
الخمر.
وأما رواية الكناني: عن الرجل يخفق في الصلاة، قال: " إن كان لا يحفظ
حدثا منه - إن كان - فعليه الوضوء وإعادة الصلاة، وإن كان يستيقن أنه لم يحدث
فليس عليه وضوء ولا إعادة " (6) فلا ينافي ما ذكرنا، لأن المراد أنه إن غلب على
العقل، فعليه الوضوء وإلا فلا، لأن عدم حفظ الحدث في الصلاة يستلزم ذهاب
العقل، كما أن استيقان عدمه لا يكون إلا مع بقاء العقل.

(1) التهذيب 1: 8 / 13، الإستبصار 1: 81 / 253، الوسائل 1: 256 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 16.
(2) سيأتي في المسألة الرابعة من الفصل الخامس من التيمم.
(3) التهذيب 1: 6 / 5، الإستبصار 1: 79 / 246، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 4.
(4) الوسائل 1: 255 أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 13.
(5) في ص 12.
(6) التهذيب (: 7 / 8، الإستبصار 1: 80 / 250، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 6.
15

الخامس: كل مزيل للعقل من جنون أو سكر أو إغماء، بالاجماع المحقق
والمحكي في التهذيب (1) والخصال (2) والمعتمد وغيرها (3)، وفي المنتهى.
لا نعلم فيه مخالفا (4).
ويؤيد بعض المطلوب: رواية الدعائم: " إن المرء إذا توضأ صلى بوضوئه
ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه " (5).
والاستدلال بصحيحة ابن خلاد (6) من جهة الاغفاء، أو عموم. " إذا خفي
عليه الصوت "، أو تعليق نقض النوم بذهاب العقل من باب التنبيه أو الأولوية،
أو بالنقض بالنوم من باب تنقيح المناط، ضعيف.
السادس: بعض أفراد الاستحاضة كما يأتي في محله. وأما الحدث الأكبر
فهو وإن كان ناقضا للوضوء إلا أنه ليس من أسبابه.
فرع: الشك في تحقق الناقض لا عبرة به، وكذا الظن، لأن اليقين
بالطهارة لا ينقض إلا بيقين مثله كما صرح به في الأخبار (7).
ولصحيحة ابن عمار (8) وخبر البصري (9) في الريح، وإحدى صحاح زرارة

(1) التهذيب 1: 5.
(2) لم نعثر عليه فيه، ولكن نقل عنه في الرياض 1: 14، ومفتاح الكرامة 1: 37 أنه عده من دين
الإمامية، نعم ربما يستفاد من كلامه في المجالس حيث إنه عد من دين الإمامية ناقضية النوم المزيل
للعقل - فتأمل -.
(3) كالمدارك 1: 149.
(4) المنتهى 1: 34.
(5) الدعائم 1: 101، المستدرك 1: 229 أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 4.
(6) المتقدمة ص 13.
(7) راجع الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
(8) التهذيب 1: 347 / 1017، الإستبصار 1: 90 / 289، الوسائل 1: 246 أبواب نواقض
الوضوء ب 1 ح 3.
(9) الفقيه 1: 37 / 139، التهذيب 1: 347 / 1018، الإستبصار 1: 90 / 288، الوسائل 1:
246 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 5.
16

في النوم (1).
والشك في سماع الصوت. كالشك في النوم.
ولا اعتبار بالرؤيا، لامكان تحققه مع عدم بطلان العقل والسمع إذا قوي
الخيال.
تذنيب: ليس للوضوء غير ما ذكر سبب موجب على الأظهر الأشهر رواية
وفتوى، وإن اختلفت الأخبار بل الأقوال في أشياء.
منها: المذي. خالف فيه الإسكافي، فقال بنقضه للوضوء إن خرج
بشهوة (2).
ويشعر كلام التهذيب بالنقض مع الكثرة (3)، وذهب (4) العامة إلى النقض
به مطلقا (5).
لنا - بعد الأصل والاجماع المحقق والمحكي في التذكرة (6) وغيرها -: (7)
المستفيضة المتواترة معنى من الصحاح وغيرها المصرحة بعدم النقض بالمذي
مطلقا، كالصحاح الثلاث للشحام (8) وابن بزيع (9) وابن سنان (10)، وحسنة بريد

(1) التهذيب 1: 8 / 11، الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.
(2) نقله عنه في المختلف: 18.
(3) التهذيب 1: 18.
(4) في " ق " وذهبت.
(5) بداية المجتهد 1: 34، الأم للشافعي 1: 39.
(6) التذكرة 1: 11.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.
(8) التهذيب 1: 17 / 40، الإستبصار 1: 91 / 293، الوسائل 1: 277 أبواب نواقض الوضوء
ب 12 ح 5.
(9) التهذيب 1: 18 / 43، الإستبصار 1: 92 / 296، الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء
ب 12 ح 9.
(10) التهذيب 1: 20 / 49، الإستبصار 1: 94 / 302، الوسائل 1: 280. أبواب نواقض الوضوء
ب 12 ح 14.
17

ابن معاوية (1)، وموثقة ابن عمار (2). أو ولو مع السيلان، كصحيحة
الفضلاء (3)، أو ولو بلغ عقبيك، أو الفخذ كحسنتي زرارة (4) ومحمد (5) أو مع
الشهوة كمرسلتي ابن أبي عمير (6) وابن رباط، وفي الأخيرة: " يخرج من الإحليل
المني والودي والوذي) إلى أن قال: " وأما المذي فهو الذي يخرج من الشهوة ولا
شئ فيه) (7) وغير ذلك، وفي كثير منها أنه بمنزلة النخامة.
والمصرح به في كلام جماعة من الفقهاء (8)، وطائفة من أهل اللغة
- كصاحبي الصحاح والقاموس وابن الأثير والهروي (9) - أن المذي هو الخارج عقيب
الشهوة، وتدل عليه مرسلة ابن رباط. فتوصيفه في مرسلة ابن أبي عمير بقوله:
" من الشهوة " للتوضيح. والاستعمال في الأعم في بعض الأخبار تجوز.
ويكون ما يتمسك به للإسكافي - كصحيحة ابن يقطين: عن المذي
أينقض الوضوء؟ قال: " إن كان بشهوة نقض " (10) وبمضمونها روايتا أبي بصير (11)

(1) الكافي 3: 39 الطهارة ب 25 ح 3، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 1.
(2) التهذيب 1: 17 / 39، الإستبصار 1: 91 / 292، الوسائل 1: 277 أبواب نواقض الوضوء
ب 12 ح 7.
(3) التهذيب 1: 1 2 / 2 5، الإستبصار 1: 94 / 305، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء
ب 12 ملحق ح 2.
(4) الكافي 3: 39 الطهارة ب 25 ح 1، الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 2 1 ح 2.
(5) الكافي 3: 40 الطهارة ب 5 2 ح 4، الوسائل 1: 277 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 3.
(6) التهذيب 1: 9 1 / 47، الإستبصار 1: 93 / 300، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9
ح 2.
(7) التهذيب 1: 20 / 48، الإستبصار 1: 93 / 301، الوسائل 1: 278 أبواب نواقض الوضوء
ب 12 ح 6.
(8) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 4.
(9) الصحاح 6: 2490، القاموس 4: 391، النهاية 4: 2 1 3، غريب الحديث 2: 5 5.
(10) التهذيب 1: 9 1 / 5 4، الإستبصار 1: 93 / 298، الوسائل 1: 279 أبواب نواقض الوضوء
ب 12 ح 11.
(1 1) التهذيب 1: 9 1 / 4 4، الإستبصار 1: 93 / 297، الوسائل 1: 279 أبواب نواقض الوضوء
ب 12 ح 10.
18

والكاهلي (1)، وصحيحة يعقوب: عن الرجل يمذي في الصلاة من شهوة أو من
غير شهوة، فقال: " المذي منه الوضوء " (2) وغير ذلك - معارضا لما تقدم بالتساوي،
ومطابقا لمذهب العامة، ولأجله يرجح ما تقدم، بل ولولاه أيضا، لموافقته
للأصل.
مع أن هذه الأخبار ليست بحجة، لمخالفتها للشهرة القديمة والجديدة،
ولعمل راويها، وبعضها كالأخيرة على الوجوب غير دالة.
وبهذا يجاب لو عمم المذي لغة حتى يكون من تعارض المطلق والمقيد،
مضافا إلى تساويها مع المرسلتين فتقدمان، لما مر.
وضعفهما سندا عندنا غير ضائر، ولو كان، فالعمل لهما جابر، مع أن ابن
أبي عمير ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، ومراسيله كالمسانيد.
ومنها: تقبيل المرأة بشهوة، ومس الفرجين من الغير كذلك، ومس باطنهما
مطلقا.
خالف فيها الإسكافي (3)، وفي الأخير الصدوق (1) أيضا مع ضم فتح
الإحليل لرواية أبي بصير (5) وموثقة عمار (6).

(1) التهذيب 1: 9 1 / 46، الإستبصار 1: 93 / 299، الوسائل 1: 279 أبواب نواقض الوضوء
ب 12 ح 12.
(2) التهذيب 1: 21 / 53، الإستبصار 1: 95 / 306، الوسائل 1: 281 أبواب نواقض الوضوء
ب 12 ح 16.
(3) نقله عنه في المختلف: 17.
(4) الفقيه 1: 39.
(5) التهذيب 1: 22 / 56 الإستبصار 1: 88 / 280، الوسائل 1: 272 أبواب نواقض الوضوء ب 9
ح 9.
(6) التهذيب 1: 5 4 / 27 1، الإستبصار 1: 88 / 284، الوسائل 1: 272 أبواب نواقض الوضوء
ب 9 ح 10.
19

وهما - مع علم دلالة أولاهما على الأزيد من الاستحباب، ومعارضتهما مع
مرسلة ابن أبي عمير (1) والصحاح الخمس للحلبي (2) وزرارة (3) ومعاوية (4) ورواية
عبد الرحمن (5) - لا تصلحان للحجية، لمخالفتهما لعمل معظم الطائفة بل إجماع
الفرقة على التحقيق.
ومنها: القهقهة في الصلاة متعمدا للنظر إلى المضحك أو سماعه، والحقنة،
والدم الخارج من السبيلين المشكوك في مصاحبة الناقض له.
خالف فيها الإسكافي (6) أيضا، لمضمرتي ابن أبي عمير (7) وسماعة (8) في
الأول.
وجوابه ما مر من الشذوذ المخرج عن الحجية، مع معارضتهما لحسنة
زرارة (9)، مضافا إلى ضعف الأولى من جهة الدلالة.

(1) المتقدمة في ص 18.
(2) التهذيب 1: 22 / 58، الإستبصار 1. 88 / 279، الوسائل 1: 271 أبواب نواقض الوضوء
ب 9 ح 5.
(3) أ - الكافي 3: 37 الطهارة ب 23 ح 2 1، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 3.
ب: التهذيب 1: 23 / 59، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ملحق ح 3.
ج: التهذيب 1: 1 2 / 4 5، الإستبصار 1: 87 / 277، الوسائل 1: 270 أبواب نواقض
الوضوء ب 9 ح 3.
(4) التهذيب 1: 6 4 3 / 1014، الإستبصار 1: 88 / 282، الوسائل 1: 271 أبواب نواقض
الوضوء ب 9 ح 7.
(5) التهذيب 1: 22 / 57، الإستبصار 1: 88 / 281، الوسائل 1: 271 أبواب نواقض الوضوء
ب 9 ح 6.
(6) نقله عنه في المختلف: 18.
(7) التهذيب 1: 2 1 / 4 2، الإستبصار 1: 86 / 274، الوسائل 1: 263 أبواب نواقض الوضوء
ب 6 ح 10.
(8) التهذيب 1: 2 1 / 23، الإستبصار 1: 86 / 273، الوسائل 1: 263 أبواب نواقض الوضوء
ب 6 ح 11.
(9) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 6، التهذيب 2: 324 / 1324، الوسائل 1: 261 أبواب
نواقض الوضوء ب 6 ح 4.
20

ولم أعثر له في الباقيين على حجة، بل الأخبار على عدم النقض بالثاني
مصرحة (1).
ومنها: الحيض فيظهر من بعضهم كونه ناقضا للوضوء (2).
وتظهر الفائدة في ما إذا كانت متوضئة وحاضت وأرادت الاشتغال بما يشترط
فيه الوضوء وجوبا ولا يمنعه الحيض، كالنوم، وفي النفساء حيث إن لا أقل
للنفاس.
والظاهر عدم كونه بنفسه ناقضا له، للأصل وعدم الدليل.
ومثل قوله. (كل غسل فيه وضوء " (3) لا يثبت ناقضية الحيض، لأنه مع
عدم إفادته الوجوب - كما يأتي (4) - لا يدل إلا على مطلوبية تقدم الوضوء على
الغسل، وهو لا يدل على مطلوبية وضوء آخر غير ما تقدم على سبب الغسل إلا
بعد ثبوت انتقاضه.
ومنها: مس الميت.
والحق. عدم الانتقاض به أيضا، كما يأتي في بحث غسل المس.
ثم إنا قد ذكرنا أن هذه الأمور ليست أسبابا موجبة للوضوء وأما استحبابه
بعروضها فالظاهر ثبوته في الجميع، غير الحقنة والدم الخارج من السبيلين، لما مر.
ويستحب أيضا للرعاف، والقئ، والتخليل السائل منه الدم إذا استكره
شئ منها لصحيحة الحذاء (5) في الجميع، والوشاء (6) أيضا في الأول.

(1) راجع الوسائل 1: 264 أبواب نواقض الوضوء ب 7.
(2) كابن حمزة في الوسيلة: 53، والعلامة في التحرير 1: 6؟؟
(3) التهذيب 1: 143 / 403، الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 35 ح 2.
(4) سيأتي في المسألة من البحث السادس من غسل الجنابة.
(5) التهذيب 1: 3 1 / 26، الإستبصار 1: 83 / 263، الوسائل 1: 263 أبواب نواقض الوضوء
ب 6 ح 12.
(6) التهذيب 1: 348 / 1024، الوسائل 1: 267. أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 11.
21

وخروج البلل بعد الاستبراء، لمكاتبة محمد بن عيسى (1).
وبعد الاستنجاء بالماء من الغائط والبول للمتوضئ قبله ولو كان قد
استجمر لموثقتي عمار (2) وسماعة (3).
والظلم، والكذب، والزائد من الأربعة من باطل الشعر لموثقة
سماعة (4).
والغيبة لرواية الحسين بن زيد - الطويلة - في جمل المعاصي (5).
والغضب للمروي في دعوات الراوندي " إن غضب أحدكم
فليتوضأ " (6).
ولمس الكلب، ومصافحة المجوسي للخبر فيهما (7).
وبعد الوضوء الناقص لعذر بعد رفعه كالتقية والجبيرة، خروجا من خلاف
من أوجبه

(1) التهذيب 1: 28 / 72، الإستبصار 1: 49 / 138، الوسائل 1: 285 أبواب نواقض الوضوء
ب 13 ح 9.
(2) التهذيب 1: 45 / 127، الإستبصار 1: 2 5 / 149، الوسائل 1: 317 أبواب أحكام الخلوة
ب 10 ح 1.
(3) الكافي 3: 19 الطهارة ب 12 ح 17، الوسائل 1: 319 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 5.
(4) التهذيب 1: 6 1 / 35، الإستبصار 1: 87 / 276، الوسائل 1: 269 أبواب نواقض الوضوء
ب 8 ح 3.
(5) الفقيه 4: 2، أمالي الصدوق 355.
(6) دعوات الراوندي: 2 5، المستدرك 1: 274 أبواب الوضوء ب 47 ح 1.
(7) الوسائل 1: 274 أبواب نواقض الوضوء ب 11 ح 1، 2.
22

الفصل الثاني:
في أقسامه
وهو على قسمين: واجب ومندوب.
فها هنا بحثان.
البحث الأول: في الواجب منه.
وهو يجب للصلاة الواجبة، بالاجماع بل الضرورة والكتاب والسنة المتواترة
معنى.
وكما يجب لها شرعا يجب شرطا، فيتوقف صحتها عليه أيضا بالأربعة.
ويكفيك في ذلك: قول أبي جعفر المروي في الفقيه والتهذيب: " لا صلاة
إلا بطهور " (1) والروايات الواردة في وجوب إعادة الصلاة بترك الوضوء ونسيانه أو
نسيان جزء منه (2).
وذلك أيضا دليل آخر على وجوبه الشرعي،. لوجوب مقدمة الواجب، كما
أن الأول أيضا دليل على الثاني باعتبار كون الأمر بالشئ نهيا عن ضده، فالأمر
بالوضوء حال إرادة الصلاة نهي عنها موجب لفسادها.
ثم أكثر ما ذكر دليلا على الوجوبين يعم جميع الصلوات الواجبة يومية كانت
أو غيرها، فوجوبه شرعا وشرطا له مما لا شك فيه.
وأما صلاة الجنازة فليست صلاة حقيقة، فلا ينافي العموم عدم وجوبه لها.
مع أنه على فرض كونها صلاة تكون مخصصة بالأدلة الآتية في موضعه.
وألحق بالصلاة أجزاؤها المنسية.، وسجود السهو (3). وقيل: سجود

(1) الفقيه 1: 35 / 129، التهذيب 1: 9 4 / 144، الوسائل 1: 315 أبواب أحكام الخلوة ب 9
ح 1.
(2) راجع الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3.
(3) كما في روض الجنان: 14.
23

التلاوة (1). ويأتي الكلام في كل منها في محله.
وللطواف الواجب دون المندوب، وليس شرطا له (أيضا) (2) كما يأتي في
بحثه.
ولمس خط المصحف، ووجب، لحرمة مسها بدونه كما يأتي.
ولنذر وشبهه. ومتعلقه إن تعين من وضوء أو غسل أو تيمم تعين، وإلا
كفى المسمى مع مشروعيته في الصورتين، فلا يكفي الوضوء مع غسل الجنابة،
أو غسل الجمعة يوم الأربعاء، أو التيمم مع الماء لعدم كونه طهارة، بل عدم
ثبوت مشروعيته، فلو نذره بخصوصه لم ينعقد.
ثم لو نذره في وقت معين قيل. فإن صادف أحد أسبابه وجب (3).
وفيه نظر، لأنه موقوف على صحة النذر، وهو بإطلاقه ممنوع، بل إطلاقه
يصح إن كان المنذور راجحا مطلقا، وإلا فلا، فلا يصح نذر التيمم في وقت معين
بالاطلاق.
وإن لم يصادفه، فمع تعذر تحصيله يسقط قطعا، كنذر غسل الجنابة غدا
مع تعذر تحصيل الجنابة، أو نذر التيمم عند النوم مع تعذر إعدام الماء على القول
باشتراط عدمه حينئذ أيضا.
ومع إمكانه، فإن كان فعل تلك الطهارة راجحا على ما هي عليه قبل
حصول موجبه، يجب تحصيل الموجب ما لم يكن محرما، سواء كان تحصيل الموجب
أيضا راجحا في نفسه كالجنابة لغسله، أو لا كالحدث للوضوء الرافع على القول
بكونه أفضل من التجديدي.
وإن لم يكن راجحا على ما هو عليه، لم يجب، لأن النذر إن شمل مثل تلك

(1) المختلف: 96.
(2) لا توجد في " ه‍ ".
(3) مشارق الشموس: 25.
24

الحال أيضا، لم ينعقد، لعدم الرجحان، كالتيمم مع إهراق الماء لمن يجده، فإن
التيمم حينئذ ليس راجحا على الوضوء.
وقال والدي العلامة - رحمه الله - بعدم وجوب تحصيل الموجب مطلقا. وهو
غير جيد.
قيل: ويجب الوضوء أيضا للتحمل عن الغير (1).
فإن أريد ما يجب لأجل تحمل الصلاة فهو داخل في الوجوب لها، وإن
أريد غيره كما إذا نذر أحد الوضوء ومات قبل أن يأتي به، فلم تثبت مشروعية
التحمل فيه، ولذا لم يذكره. الأكثر.
تذنيب: لا يجب الوضوء بنفسه على المعروف من مذهب الأصحاب، كما
في المدارك (2)، وعن التذكرة (3) والمحقق (4) والكركي (5) والعاملي (6) وفي اللوامع
والمعتمد: الاجماع عليه، بل ظاهر (7) أمالي الصدوق كون وجوبه لغيره خاصة من
دين الإمامية (8).
ويدل عليه. الأصل (9)، والاجماع الثابت من التتبع، ومما يعهد من فقهاء

(1) الألفية للشهيد: 26.
(2) المدارك 1: 9
(3) التذكرة 1: 15.
(4) لم نعثر في كتب المحقق على دعوى المعروفية من مذهب الأصحاب ولم ينسب إليه في كتب
المتأخرين، والمظنون زيادة " الواو " بين المحقق والكركي. كما يؤيده تقديم التذكرة عليه في الذكر.
قال الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك: بل نقل جمع من الفقهاء الاجماع مثل العلامة في التذكرة
والمحقق الشيخ على والشهيد الثاني ونحوه في الذخيرة: 2.
(5) كما نقل عنه في الذخيرة وحاشية المدارك، وفي مفتاح الكرامة 1: 5 نقل عنه في شرح الإرشاد.
(6) روض الجنان: 51
(7) في (ه‍) و " ق " بل عن ظاهر.
(8) أمالي الصدوق:، 514 - 515.
(9) أي أصالة عدم وجوبه لأجل نفسه لوفاق الكل على وجوبه لغيره أو عدم وجوبه في غير وقت وجوب
مشروط الطهارة إن قلنا بعدم تحقق الوجوب الغيري. قبل وقت الغير (منه ره)
25

الأعصار من عدم التزامهم رفع الحدث الأصغر عند ظن الوفاة لأنفسهم أو
غيرهم، ومفهوم الشرط في الآية (1).
والايراد عليه. بأنه يدل على وجوبه عند إرادتها! لعدم إمكان إبقاء القيام
على حقيقته، والإرادة تتحقق قبل الوقت أيضا.
مردود (2) بأن غايته وجوبه قبل الوقت أيضا، ولا مانع من كون الواجب
لغيره واجبا قبل دخول وقت الغير كما يأتي (3).
مع أن عدم إمكان ابقاء القيام على حقيقته ممنوع، فإنه إنما هو إذا قال:
قمتم في الصلاة، حتى تكون حقيقته هو القيام الذي هو جزؤها، ولكنه قال: إلى
الصلاة، والمتبادر من القيام إلى الشئ: التوجه إلى إيجاده، وظاهر أن ذلك لا
يكون إلا وقت تأتي ذلك الشئ وإمكان إيجاده.
وبأن حجية مفهوم الشرط إذا لم تظهر له فائدة غيره.

(1) المائدة: 6.
(2) وقيل: يتعين الإرادة المتصلة لكونها أقرب المجازات، بل قيل بعدم إمكان إرادة القيام منه إطلاقا
لاسم السبب على المسبب، إذ لا بد من إرادة الصلاة من القيام أيضا لعدم وجوبه لجزء الصلاة
بل لنفسها، فيلزم استعمال لفظ في استعمال واحد في مجازين بعلاقتين متغايرتين وهو غير جائز.
والحاصل: أن قوله: " قمتم " ولا يمكن أن يكون مستعملا في " أردتم " بإطلاقه، لعدم
العلاقة، فيكون مستعملا في أردتم القيام، ولا يمكن أن يكون المراد بالقيام حقيقته، لعدم
وجوبه له بل للصلاة فيلزم المحذور المذكور، مضافا إلى أنه يصير المعنى: إذ أردتم الصلاة إلى
الصلاة. وهو فاسد.
وفيه نظر؟ لأن المستعمل في الصلاة هو القيام المأخوذ في المعنى المجازي دون قوله:
" قمتم " فهو من قبيل سبك المجاز من المجاز.
نعم يمكن أن يمنع جواز مثل ذلك أيضا. وأيضا يمنع عدم وجوب الوضوء للقيام الذي هو
جزء فيمكن إبقاء القيام المأخوذ في المعنى المجازي على حقيقته. غاية الأمر أن الآية لا تصريح
فيها بالوجوب للصلاة ولا ضير فيه، بل يمكن أن يقال: الوجوب يستلزم الوجوب للكل،
فتأمل. (منه ره).
(3) في ص 29.
26

مردود: بمنع الاختصاص، وإنما هو إذا استدل عليها بأنه لولاها لانتفت
فائدة الشرط، وهو غير تام، بل المناط الفهم العرفي.
ويؤيد المطلوب أيضا: بعض الأخبار الواردة في علل الوضوء وأنه للقيام
بين يدي الله سبحانه (1)، ومفهوم صحيحة زرارة: " إذا دخل الوقت وجب الصلاة
والطهور " (2) حيث إن الظاهر منه تعلق الحكم بكل من المتعاطفين بانفراد حتى
يكون رفعه برفعه عنهما، لا على سبيل الاستغراق الأفرادي حتى يكون المراد مجرد
صدق الكلية عند دخول الوقت، وعدمه المتحقق بانتفاء الوجوب عن الصلاة
وحدها قبله.
مضافا إلى أن إرادة مجرد صدق الكلية يلغي ذكر الطهور لاستقلال الصلاة
في الاشتراط، إلا أن ذلك محتمل أيضا.
وقد يستدل أيضا: بأخبار دالة على الوجوب الغيري مثبتة له (3).
وهو غير جيد، للوفاق على ثبوت الغيري، والنزاع إنما هو في نفي النفسي.
وثبوته معه، وتلك الأخبار لا تنفيه، لعدم المنافاة بين الوجوبين.
نعم، في بعضها إشعار إلى نفيه، كقول الصادق عليه السلام: " أنا أنام
على ذلك - يعني حدث الجنابة - حتى أصبح " (4) مع قوله في خبر أبي بصير:
" الإمام لا يبيت ليلة ولله في عنقه حق " (5).
خلافا لمجهول نقله عنه في الذكرى (6)، والظاهر - كما قاله جماعة ويظهر من

(1) الوسائل 1: 367 أبواب الوضوء ب 1 ح 9، علل الشرايع 257، 268، عيون الأخبار 2:
104، 115.
(2)، التهذيب 1: 140 / 46 5، الوسائل 1: 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.
(3) راجع الوسائل 1: 372 أبواب الوضوء ب 4 ح 1.
(4) الفقيه 1: 7 4 / 180، الوسائل 2: 227. أبواب الجنابة ب 25 ح 2.
(5) الكافي 1: 408 الحجة ب 105 ح 4.
(6) الذكرى: 23.
27

قواعد الشهيد - أنه العنبري من العامة (1)، وإن كان ظاهر المدارك (2) وبعض من
تأخر عنه (3) الميل إليه! لاستفاضة النصوص الدالة على وجوب الطهارة مطلقا
- الظاهر في النفسي - بحصول أحد نواقضها.
وفيه. أنه إن أريد ظهور الوجوب بنفسه في النفسي فهو ممنوع، لأن
الوجوب هو مطلوبية الشئ حتما، سواء كان مطلولبيته لأجل نفسه أو غيره.
فإن قيل: الغيري يحتاج إلى ملاحظة مصلحة الغير والأصل عدمها.
قلنا: النفسي أيضا يحتاج إلى ملاحظة مصلحة في ذلك الشئ.
فإن قيل: الأول يحتاج إلى ملاحظة الغير أيضا.
قلنا: غاية الأمر أنه يكون في أحد الطرفين مخالف أصل، وفي الآخر
مخالفين، ولا ترجيح عندنا حينئذ، مع أن في النفسي أيضا يحتاج إلى ملاحظة
حيثية نفس ذلك الشئ.
وإن أريد ظهور إطلاق الوجوب نحو قوله: إذا أحدثت توضأ، أو يجب
عليك الوضوء، فهو كذلك لو قلنا باختصاص الوجوب الغيري لشئ بوقت ذلك
الغير وحال وجوب فعله كما هو المشهور إذ وجوبه الغيري حينئذ يوجب تخصيص
ذلك الاطلاق بوقت أو حال هو وقت ذلك الغير، والأصل عدمه:
وأما لو لم نقل بذلك، وقلنا بوجوبه بعد وجوب ذلك الغير وإن لم يدخل
وقته - كما اختاره الأردبيلي (4) وجماعة ممن تأخر عنه (5) وهو الحق - فليس كذلك! إذ
يكون الوضوء بعد الحدث حينئذ واجبا على المكلف، دخل وقت الصلاة أم لا،

(1) القواعد والفوائد 2: 65، قال: ذهب إلى ذلك القاضي أبو بكر العنبري وذكر محقق الكتاب في
الهامش: لعل الصحيح أبو بكر العربي فراجع.
(2) المدارك 1: 10.
(3) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 2، والكفاية: 2.
(4) مجمع الفائدة 1: 67.
(5) منهم صاحب المشارق: 26.
28

فلا يرتكب تخصيص في المطلقات.
والحاصل. أن الواجب واجب، نفسيا كان أم غيريا، فلا ينصرف إلى
أحدهما إلا بدليل، ولا دليل على الانصراف إلى النفسي إلا تخصيص المطلقات
على الغيري خاصة، ولا تحصيص على ذلك القول.
وأما ما قلنا من أن الحق: عدم توقف وجوب ما يجب لغيره على دخول رقت
ذلك الغير، بل يتوقف على وجوبه، فتوضيحه بعد مقدمة هي: أنه إذا قال الأمر:
صم أول رجب، تحصل للمأمور حالة غير ما كانت عليه قبل ذلك الأمر، وهي
صيرورته مكلفا بصوم أول رجب، فيصير صوم أول رجب واجبا عليه وإن لم
يدخل بعد وقت فعله، إذ لا يتوقف وجوب الشئ على دخول وقته، فإن الوجوب
هو المطلوبية الحتمية،، يصدق على هذا الشخص أنه مطلوب منه صوم أول رجب
حتما، وعلى صوم أول رجب أنه مطلوب حتما، بخلاف ما إذا قال، إذا دخل أول
وجب آمرك بصومه، فإنه لم يجب بعد.
نظير ذلك: ما قاله الفقهاء في التوكيل التنجيزي والتعليقي، فقالوا: يصح
أن يقول الموكل. أنت وكيلي أن تفعل في الشهر الآتي كذا؟ بأن يكون الآتي ظرفا
للفعل دون التوكيل، ولا يصح أن يقول: إذا دخل الشهر الآتي أنت وكيلي، بأن
يكون الشهر ظرفا للتوكيل، فإن التوكيل في الأول تنجيزي وفي الثاني تعليقي.
وبعد ذلك نقول: إذا وجب شئ لشئ آخر، فما لم يجب ذلك الآخر لا
يجب هذا البتة، إذ وجوبه تبعي، وهو فرع وجوب متبوعه، أي تعلق الأمر به،
ولكن لا دليل على توقف وجوبه على دخول وقته، بل يرى أنه لو أتى بذلك الغير
قبل وقت ذلك يكفي ويعد ممتثلا، فلو أمر المستطيع الذي بينه وبين مكة عشرة
أيام بالحج، فذهب إلى مكة قبل الموسم بشهرين كفى ولو أمره بوجوب المقدمة
صريحا أيضا. ولأن الأصل عدم تقييد وجوبه بوجوب ذلك الغير، فلو قال: إذا
أحدثت يجب عليك الوضوء من جهة الصلاة! فالأصل عدم تقييد وجوبه بوقت
الصلاة، وكذا لو قال: يجب عليك ستر العورة لأجلها.
29

غاية الأمر أن وجوبه موسع لا يتضيق إلا بحال إرادة الصلاة المتصلة، ولذا
لو توضأ أو ستر العورة قبل وقتها يمتثل، فهو واجب موسع من أول حدوث السبب
إلى أول زمان التلبس بذلك الغير، وهو مخير بين جميع أفراده.
فإن قلت: لا عقاب لو تركه قبل وقت الغير.
قلنا: كذلك بعده قبل تضيق وقت الغير، وذلك لأجل أن هذا شأن
الموسع.
فإن قلت: قد سلمت أن وجوب شئ لغيره يتوقف على وجوبه، وهو قبل
الوقت غير معلوم لامكان عدم البقاء.
قلنا: العلم الاستصحابي كاف في ذلك.
وظهر مما ذكرنا أنه لا تترتب ثمرة نافعة على ذلك الخلاف! إذ أنفع ما قالوه
جواز نية الوجوب قبل الوقت، وعلى ما ذكرنا يجوز مطلقا.
لا يقال. الوجوب الغيري وأن لم يتوقف على وقت ذلك الغير، ولكن
خصوص الوضوء كذلك، لقوله: " إذا دخل الوقت... "؟ لعدم صراحة دلالته
على ذلك واحتمال غيره كما مر.
البحث الثاني:
في الوضوء المستحب.
وهو على قسمين:
أحدهما: ما يستحب باعتبار السبب، وهو ما ندبه الشارع للمتطهر
بحصول سبب موجب له.
وثانيهما: باعتبار الغاية وهو ما ندبه للمكلف للتوصل إلى أمر.
أما الأول: فأقسامه ما مر في بحث أسباب الوضوء والكلام هاهنا في
الثاني.
ثم ثبوت هذا القسم من الوضوء المستحب، إما يكون بتصريح الشارع
30

بمطلوبيته للأمر الفلاني، أو يتوقف حصول مندوب أو جوازه عليه لأن مقدمة
المندوب مندوبة، ولا فرق في ذلك بين كون ما يتوقف عليه نفس فعل مطلوب، أو
مرتبة من مراتب كماله. وأما مرجوحية فعل مباح بدون الوضوء، فهي لا تدل على
مطلوبية الوضوء لأجل فعل ذلك! إذ غايتها توقف ارتفاع كراهة المباح على
الطهارة، ولا دلالة لذلك على مطلوبيتها له بوجه.
وقد أدرج جماعة بعض ما من هذا القبيل في أقسام الوضوء المستحب (1) وهو
في غير موقعه.
وتظهر الفائدة في مشروعية ضم تلك الغاية في النية.
وعلى هذا فالأولى أن نذكر ما كان من هذا القبيل بعنوان آخر، أو يدرج في
أحكام الوضوء كما فعلوه في الغسل.
وقد ظهر من ذلك أن هاهنا ثلاث عنوانات:
الأول: الوضوء المستحب باعتبار الأسباب.
والثاني: المستحب باعتبار الغايات.
والثالث. الوضوء الرافع لكراهة بعض المباحات للمحدث.
أما الأول: فقد مر.
وأما الثاني: فله أقسام كثيرة باعتبار الغايات، وهي أمور:
منها: الصلاة المندوبة! لاشتراطها به بالاجماع.
وعموم قوله: (لا صلاة إلا بطهور " (2) وقوله: " الصلاة ثلاثة أثلاث، ثلث
طهور... " (3) وقوله: " ثمانية لا تقبل منهم صلاة ومنهم تارك الوضوء " (4) وقوله عليه

(1) انظر المنتهى 1: 177، وكشف اللثام 1: 7، والحدائق 2: 138 - 140.
(2) التهذيب 1: 209 / 605 الإستبصار 1: 55 / 160، المحاسن: 78، الوسائل 1: 365
أبواب الوضوء ب 1 ح 1.
(3) الفقيه 1: 22 / 66، الوسائل 1: 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 8.
(4) الفقيه 1: 36 / 131، 4: 258 / 824، المحاسن 2 1 / 36، الوسائل 1: 369 أبواب
الوضوء ب 2 ح 4.
31

السلام: " إن ذكرت وأنت في صلاتك أنك تركت شيئا من وضوئك فانصرف " (1)
إلى غير ذلك.
وشرط المستحب مستحب. والاستدلال على الاشتراط بإطلاق ما دل على
وجوب إعادة الصلاة على من نسي الوضوء أو شيئا منه ونحوه غير جيد؟ لعدم
الوجوب في النوافل.
ومنها: صلاة الجنازة كما يذكر في محله.
ومنها: الطواف المندوب كما يأتي في موضعه.
ومنها: ما لا يشترط فيه الطهارة من مناسك الحج! لصحيحة ابن عمار: " لا
بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف فإن فيه صلاة، والوضوء
أفضل " (2).
ومنها: مس كتابة المصحف المندوب، وتلاوته، وكتابته، وتعليقه وحمله!
للشهرة الكافية في إثبات الاستحباب في الجميع.
مضافا في الأول إلى اشتراط جواز مسه به، وفي الثاني إلى المرويات في قرب الإسناد وعدة الداعي والخصال:
الأول: أقرأ المصحف ثم يأخذني البول،. فأقوم وأبول وأستنجي وأغسل
يدي وأعود إلى المصحف، فأقرأ فيه؟ قال: " لا حتى تتوضأ للصلاة) (3) دل على
مرجوحية التلاوة المستحبة بدون الوضوء فيتوقف كمالها - الذي هو مطلوب - على
الوضوء فيكون مطلوبا.
والثاني. " لقارئ القرآن بكل حرف يقرؤه في الصلاة قائما مائة حسنة،

(1) الكافي 3:، 34 الطهارة ب 22 ح 3، التهذيب 1: 101 / 263، الوسائل 1: 371 أبواب الوضوء
ب 3 ح 6.
(5) التهذيب 5: 4 5 1 / 509، الإستبصار 2: 241 / 841، الوسائل 1: 374 أبواب الوضوء ب 5
ح 1.
(3) قرب الإسناد: 395 / 386 1، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 1.
32

وقاعدا خمسون، ومتطهرا في غير الصلاة خمس وعشرون حسنة، وغير متطهر عشر
حسنات " (1) دل على توقف بعض كمال القراءة عليه، فيستحب.
والثالث: " لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتى يتطهر " (2).
وفي بعض النسخ. " لا يقرب " مقام. " لا يقرأ) وعليه لا يتم الاستدلال،
واستلزام بعض أفراد القراءة للقرب لا يستلزم الاستحباب للقراءة.
ثم ظاهر إطلاق كلام الأصحاب ومقتضى إطلاق باقي الروايات: عدم
التفرقة بين التلاوة من المصحف أو من ظهر القلب، فيستحب الوضوء لهما.
وفي الثالث إلى مطلقات ما دل على مرجوحية مس المصحف - الصادق على
مس الورق اللازم للكتابة الراجحة بنفسها - على غير وضوء) (3).
والاستدلال له بصحيحة على: عن الرجل أيحل له أن يكتب القرآن وهو
على غير وضوء؟ قال: " لا " (4) غير جيد، لأن حمل عدم الحلية على الكراهة ليس
بأولى من تقييد الكتابة بما كان معها مس الخط.
وفي الرابع إلى خبر ابن عبد الحميد: " لا تمسه على غير طهر ولا جنبا، ولا
تمس خطه، ولا تعلقه " (5).
والاستدلال به وبالمروي في المنتهى والذكرى: " لا يمس المصحف إلا
الطاهر) (6) للخامس مخدوش: بأن الحمل غير المس، وبينهما عموم من وجه،
كالاستدلال برواية الخصال على النسخة الأخيرة: باختلاف النسخ.

(1) عدة الداعي: 269، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 3.
(2) الخصال: 27 6، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 2.
(3) في جميع النسخ: على الوضوء غيرناه لاستقامة المعنى، وهو متعلق بقوله: مس المصحف.
(4) التهذيب 1: 127 / 5 34، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء ب 2 1 ح 4.
(5) التهذيب 1: 27 1 / 344، الإستبصار 1: 13 1 / 378، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء
ب 12 ح 3.
(6) المنتهى 1: 76، الذكرى: 33.
33

ومنها: دخول المساجد! للمروي في مجالس الصدوق: " من أتاها متطهرا
طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره " (1).
وفي مصباح الشريعة: " إذا قصدت باب المسجد فاعلم أنك قصدت باب
ملك عظيم لا يطأ بساطه إلا المطهرون " (2).
ومرسلة الفقيه: (إن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته
ثم زارني " (3).
وقول أمير المؤمنين عليه السلام: " من أحسن الطهور ثم مشى إلى
المسجد فهو في الصلاة ما لم يحدث) (4).
والايراد عليها: بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في الطهارة في المعنى المراد
ممكن، إلا أن قوله في الأخير: " ما لم يحدث " كالقرينة على إرادته، ولكن الثابت
منه استحباب الوضوء ثم المشي إلى المسجد دون الوضوء لدخول المسجد، وكذا
المروي في أعلام الدين للديلمي: " من توضأ ثم خرج إلى المسجد فقال حين
يخرج من بيته: بسم الله الذي خلقني فهو يهدين! هداه الله للايمان) (5).
فالاقتصار في الاستدلال على الاشتهار أولى.
والتمسك باستحباب صلاة التحية المتوقفة على الوضوء غير جيد، وقد
يضم معه استحباب المبادرة إليها وكراهة الوضوء في المسجد، ولا بأس به.
قالوا. ويتأكد الاستحباب إذا أراد الجلوس! لمرسلة العلاء: (إذا دخلت
المسجد وأنت تريد الجلوس فلا تدخله إلا طاهرا " (6).

(1) مجالس الصدوق: 293 / 8، الوسائل: 380 أبواب الوضوء ب 10 ح 2.
(2) مصباح الشريعة: 86.
(3) الفقيه 1: 4 5 1 / 1 72، الوسائل 1: 381 أبواب الوضوء ب 10 ح 4.
(4) الدعائم 1: 100.
(5) أعلام الدين 2 35 وعنه في المستدرك 1: 7 29 أبواب الوضوء ب 10 ح 2.
(6) التهذيب 3: 263 / 743، الوسائل 5: 245 أبواب أحكام المساجد ب 39 ح 2.
34

وفيه - مضافا إلى ما مر - أن دلالتها على التأكيد (1) إنما تتم لو دلت على
اختصاص الاستحباب به حتى يحمل على مرتبة مؤكدة منه، ولا تدل عليه إلا
بمفهوم وصف لا حجية فيه، ولعله لذلك لم يذكره جماعة.
وألحق ابن حمزة بالمسجد كل مكان شريف (2).
ومنها: الكون على الطهارة أي لمجرد كونه غير محدث ذا حالة يصلح معها
ما يشترط به من دون قصد شئ آخر من غاياته، فيكون الغرض منه هذا الأثر في
نفسه خاصة.
والحاصل أن الكون على الوضوء أمر مستحب، وهو موقوف على التوضؤ
توقف المسبب على السبب، فيستحب لأجل ذلك وإن لم يكن له غاية أخرى.
والحجة في استحباب ذلك الكون صحيحة ابن عمار: " الوضوء أفضل على
كل حال " (3).
فإن الظاهر منها الكون على الوضوء لا الاتيان به، لمكان قوله: " على كل
حال " والكون عليه يتوقف على الاتيان به..
والمروي في مجالس ابن الشيخ: " إن استطعت أن تكون في الليل والنهار على
طهارة فافعل، فإنك تكون إذا مت على طهارة شهيدا " (4).
والظاهر أن المراد بالطهارة فيه الطهارة من الحدث وإن لم تثبت الحقيقة
الشرعية.
والمروي في نوادر الراوندي. " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا بالوا توضؤوا مخافة أن تدركهم الساعة " (5) يعني مخافة أن تدركهم وهم محدثون،

(1) في " ق، التأكد.
(2) الوسيلة: 49.
(3) قد تقدم تمام الرواية في ص 32.
(4) لم نجده فيه، بل وجدناه في أمالي المفيد: 46.
(5) نوادر الراوندي: 39، البحار 77: 312 / 28.
35

فتدل على استحباب الكون على الطهارة في كل وقت.
والاستدلال بمرغبات التطهير والوضوء والدالة على الثواب على كل فعل
منه على ذلك غير جيد، إذ لا يثبت منها إلا استحباب هذا الفعل لا لأجل ذلك
الأثر الخاص، فإنها تدل على الثواب عليه ولو كان تجديديا، مع أنه غير محصل
لذلك الأثر، واستحبابه بنفسه غير استحباب ذلك الأثر.
وأما ما ذكره بعضهم منهم والدي - قدس سره - من أن هذا القسم من
الوضوء مراد من قال: إنه مستحب بنفسه، فمراده من الوضوء ليس نفس الفعل،
بل الكون على الوضوء فإنهم بعد ما يذكرون غايات ذلك الكون يقولون إنه
بنفسه أيضا مستحب، فلا يرد ما قيل من أن هذا غير الاستحباب بنفسه.
وهل يستحب هذا الفعل بنفسه أم لا؟ مقتضى الأصل وعدم الدليل:
الثاني.
والاستدلال عليه بمطلقات الأمر بالوضوء ومرغباته، سيما بعد الحدث
كقوله. " من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني " (1) والدالة على الثواب عليه لا يفيد، إذ
يمكن أن يكون. ذلك لاستحبابه الغيري الثابت في كل حال.
ومنها: التأهب للفريضة قبل وقتها، لاستحباب الصلاة في أول وقتها
الحقيقي الموقوفة على الوضوء قبله، لا لأجل مطلق أخبار فضيلة أول الوقت، لأن
المراد منه الأول العرفي الغير المتوقف على الوضوء قبله، بل للأمر بالمسارعة
والاستباق ولما دل على أفضلية الأزل فالأول المثبت لأفضلية الحقيقي أيضا.
وهل يختص الاستحباب بمن يتمكن من إيقاعها في أول الوقت وإن لم
يرده، حيث إن استحباب شئ لا يتوقف على إرادته، أو يستحب لمن يعلم عدم
تمكنه منه أيضا؟ مقتضى الدليل المذكور وبضميمة الأصل: الأول.

(1) إرشاد القلوب: 4 9، الوسائل 1: 4 38 أبواب الوضوء ب 11 ح 2.
36

وقيل بالثاني (1)، للأمر بالمسارعة وإطلاق المروي في الذكرى: " ما وقر
الصلاة من أخر الطهارة حتى يدخل وقتها " (2). وفيهما نظر.
وقد يخص استحباب التأهب بمن علم عدم تيسر الوضوء له بعد دخول
الوقت أو خاف ذلك. ولا يخفى أن ذلك ليس تأهبا، مع أن الظاهر حينئذ وجوب
التوضؤ.
ومنها: التجديد لكل صلاة، للاشتهار والمستفيضة.
منها: المروى في الدعائم عن النبي والوصي: أنهما (كانا) يجددان الوضوء
لكل صلاة! يبتغيان بذلك الفضل (3).
ورواية سماعة: كنت عند أبي الحسن عليه السلام فصل الظهر والعصر
بين يدي، وجلست عنده حتى حضرت المغرب فدعا بوضوء فتوضأ للصلاة، ثم
قال لي: " توضأ " فقلت: جعلت فداك أنا على وضوء فقال: " وإن كنت على
وضوء " (5).
ومرسلة الفقيه: " تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا والله وبلى والله " (4)
وضعفها سندا غير ضائر لوجوه.
بل مطلقا (6)، لمرسلة الفقيه: " الوضوء على الوضوء نور على نور " (7).
وأخرى: " من جدد وضوءه لغير حدث جدد الله توبته من غير استغفار) (8)

(1) كما قال به في غنائم الأيام: 8.
(2) الذكرى 119.
(3) الدعائم 1: 100، المستدرك 1: 294، 5 29 أبواب الوضوء ب 8 ح 1، 2.
(4) الكافي 3: 72، الطهارة ب 46 ح 9، الوسائل 1: 376 أبواب الوضوء ب 8 ح 2.
(5) الفقيه 1: 26 / 81، الوسائل 1: 377 أبواب الوضوء ب 8 ح 6.
(6) عطف على قوله: لكل صلاة يعني: يستحب تجديد الوضوء مطلقا ولو مع عدم إرادة الصلاة
(7) الفقيه 1: 26 / 82، الوسائل 1: 377 أبواب الوضوء ب 8 ح 8.
(8) الفقيه 1: 26 / ملحق بحديث 82، الوسائل 1: 377 أبواب الوضوء ب 8 ح 7.
37

ومرسلة سعدان: " الطهر على الطهر عشر حسنات) (1).
ولا تعارضها موثقة ابن بكير: " إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن
تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت " (2)، لأنها أعم مطلقا منها باعتبار
شمولها للتوضؤ على جهة الابتداء والوجوب واعتقاد بطلان الأول.
ثم المستحب لكل صلاة إنما هو مرة واحدة؟ لأنها الظاهرة من الروايات،
والثابتة اشتهاره بين العلماء. وأما مطلقا (3) فالظاهر استحبابه مطلقا؟
للاطلاقات. وقد يستثنى الكثرة المفرطة بحكم العرف والعادة، ولا بأس به.
ومنها. طلب الحاجة الراجحة شرعا؟ لخبر ابن سنان. " من طلب حاجة
وهو على غير وضوء فلم تقض فلا يلومن إلا نفسه " (1).
ويظهر وجه تخصيصنا بالراجحة مع إطلاق الجماعة مما مر في صدر المبحث.
ومنها: زيارة قبور المؤمنين! لقول بعضهم: إن فيه رواية (5). وهو كاف في
المقام، سيما مع الشهرة.
ومنها: النوم لرواية الصدوق. " من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه
كمسجده " (6).
ومثله في ثواب الأعمال والمحاسن، وزاد في الأخير: " فإن ذكر أنه ليس على
وضوء فيتيمم من دثاره كائنا ما كان، لم يزل في صلاة ما ذكر الله " (7).

(1) الكافي 3: 72 الطهارة ب 46 ح 10، الوسائل 1: 6 37 أبواب نواقض الوضوء ب 8 ح 3.
(2) الكافي 3. 33 الطهارة ح 1 وفيه " إذا استيقنت نك قد أحدثت فتوضأ... "، التهذيب 1:
2 10 / 268، الوسائل 1: 47 2 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 7.
(3) أي الوضوء التجديدي الذي يستحب ولو مع عدم إرادة الصلاة استحبابه مطلق غير مقيد بالمرة.
(4) التهذيب 1: 359 / 1077، الوسائل 1: 374 أبواب الوضوء ب 6 ح 1.
(5) الذكرى: 23. قال في كشف اللثام 1: 7: لم أظفر لخصوصه بنص.
(6) الفقيه 1: 296 / 1353، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 2.
(7) ثواب الأعمال: 8 1، المحاسن: 47 / 4 6، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 1، 2.
38

وتلك الزيادة قرينة على إرادة الوضوء من الطهارة، فلا يرد عدم ثبوت
الحقيقة الشرعية فيها.
ويتأكد لنوم الجنب، لا لصحيحة الحلبي: عن الرجل، أينبغي له أن ينام
وهو جنب؟ فقال: " يكره ذلك حتى يتوضأ، (1)، لما مر في أول المبحث، بل لما في
الغنية والمنتهى وظاهر التذكرة والمعتبر (2) من الاجماع عليه.
مضافا إلى موثقة سماعة: عن الرجل يجنب ثم يريد النوم، قال: إن أحب
أن يتوضأ فليفعل والغسل أفضل " (3).
ومنها: ذكر الحائض، كما يأتي في باب الحيض.
ومنها: تغسيل الجنب الميت وجماع غاسله! لحسنة شهاب: عن الجنب
يغسل الميت أو غسل ميتا، أله أن يأتي أهله ثم يغتسل؟ فقال " سواء، لا بأس
بذلك إذا كان جنبا غسل يديه وتوضأ وغسل الميت، وإن غسل ميتا توضأ ثم أتى
أهله، ويجزيه غسل واحد لهما " (4).
والرضوي: " إذا أردت أن تغسل جنبا فتوضأ للصلاة ثم اغسله، وإذا
أردت الجماع بعد غسلك الميت من قبل أن تغتسل من غسله فتوضأ ثم جامع " (5)

(1) الفقيه 1: 47 / 179، الوسائل 1: 382 أبواب الوضوء ب 11 ح 1.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية) 550، المنتهى 1: 89 التذكرة 1: 25، المعتبر 1: 1 19.
ولا يخفى أن معقد الاجماع في كلام المذكورين هو كراهة النوم للجنب قبل أن يتوضأ وقد ناقش
المصنف في صدر البحث في كفايتها لاثبات استحباب الوضوء ولهذا لم يستدل بصحيحة الحلبي،
والمظنون أنه اعتمد في نقل الاجماع عن هؤلاء على نقل كشف اللثام حيث قال - بعد الاستدلال
بصحيح الحلبي -: وفي الغنية والمنتهى وظاهر المعتبر والتذكرة الاجماع عليه. كشف اللثام 1: 7.
(3) التهذيب 1: 370 / 27 1 1، الوسائل 2: 228 أبواب الجنابة ب 25 ح 6.
(4) الكافي 3: 250 الجنائز ب 5 9 ح 1، التهذيب 1: 448 / 1450، الوسائل 2: 2 26 أبواب
الجنابة ب 43 ح 3 - بتفاوت -.
(5) فقه الرضا (عليه السلام): 73 1، المستدرك 2: 4 19. أبواب غسل الميت ب 29 ح 1، وفيهما إذا
أردت أن تغسل ميتا وأنت جنب... ".
39

ومنه يظهر ضعف تحصيص بعض المتأخرين الثاني بما إذا كان كالأول (1)،
لاختصاص ظاهر الحسنة.
ومنها: إدخال الميت في قبره، لخبر محمد والحلبي: " توضأ إذا أدخلت الميت
القبر (2).
والرضوي: " تتوضأ إذا أدخلت القبر الميت " 3).
ولا يخفى أن دلالتهما موقوفة على تجوز أو اضمار لا قرينة عليه، إلا أن يدعى
الاجماع على عدم استحباب الوضوء بعد الادخال.
ومنها: وطئ جارية بعد أخرى، لمرسلة التميمي. " إذا أتى الرجل جاريته
ثم أراد أن يأتي الأخرى توضأ (4).
ولعل منها يطرد الحكم في غير الجارية من النسوان أيضا - كما ذكروه -
لتنقيح المناط..
ويؤيده خبر الوشاء: " كان أبو عبد الله عليه السلام إذا جامع وأراد أن يجامع
أخرى توضأ وإذا أراد أيضا توضأ للصلاة " (5).

(1) حاصل المراد: أن. بعض المتأخرين لم يحكم باستحباب الوضوء لجماع الناسل للميت هل نحو
الاطلاق بل خصصه بما إذا كان جنبا، أخذا بظاهر السؤال في حسنة شهاب حيث إن الضمير في
قوله: " أو غسل ميتا...) راجع إلى الجنب. ولكن الرضوي كاف في إثبات التعميم.
(2) التهذيب 1: 1 32 / 934، الوسائل 3: 221 أبواب الدفن ب 53 ح 1.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 183، المستدرك 2: 61 3 أبواب الدفن ب 44 ح 1.
(4) التهذيب 7: 459 / 1837، الوسائل 1 2: 200 أبواب نكاح العبيد والإماء ب 84 ح 2.
(5) لا يخفى أن هذه الرواية هي التي سيتعرض لها المصنف بقوله: للمروي في كشف الغمة 2: 302 وفيه
عن دلائل الحميري عن الحسن بن علي الوشاء قال: قال فلان بن محرز: بلغنا أن أبا عبد الله
(عليه السلام) كان إذا أراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة فأحب أن تسأل أبا الحسن
الثاني (عليه السلام) من ذلك، قال الوشا: فدخلت عليه فابتدأني من غير أن أسأله فقال: كان
أبو عبد الله (عليه السلام) إذا جامع وأراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة " وإذا أراد أيضا توضأ
للصلاة وهكذا نقل عنه في البحار 49: 63، والحدائق 2: 139 - 140، والوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 13 ح 2.
40

بل تعدوا إلى معاودة المجامع إلى الجماع قبل الغسل مطلقا؟ للمروي في
كشف الغمة: " كان أبو عبد الله عليه السلام إذا جامع وأراد أن يعاود توضأ
للصلاة " (1).
وفي دلالته على الاستحباب نظر لجواز أن يكون لارتفاع الكراهة، ولذا
جعلنا خبر الوشاء مؤيدا.
نعم، عن المبسوط نفي الخلاف فيه (2)، وهو كاف في المقام.
ومنها: جماع المحتلم، كما في نهاية الشيخ والمهذب والوسيلة والمعتبر
والنزهة (3) وغيرها (4)؟ لفتوى هؤلاء الأجلة، لا لمرسلة الفقيه: (يكره أن يغشى
الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه " () كما قيل (6)، فإن الاستدلال
بها له غفلة.
ومنها: دخول المرأة على زوجها ليلة زفافها، فيستحب التوضؤ لخبر أبي
بصير: " إذا دخلت إن شاء الله فمرها قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة، ثم
لا تصل إليها حتى تتوضأ " (7).
ومنها: جلوس القاضي في مجلس القضاء، كما ذكره في النزهة (8).

(1) راجع التعليقة رقم 5 من ص 40.
(2) المبسوط 4: 243.
(3) النهاية: 82 4، المهذب 2: 2 22، الوسيلة 14 3، المعتبر 1: 193، نزهة الناظر: 9.
(4) كالقواعد 1: 2، والبيان: 37.
(5) الفقيه 3: 256 / 1212، الوسائل 20: 139 أبواب مقدمات النكاح ب 70 ح 1.
(6) يستفاد الاستدلال بها من الروض: 15.
(7) الكافي 5: 500 النكاح ب 50 ح 1، التهذيب 7: 409 / 1636 الوسائل 20: 115 أبواب
مقدمات النكاح ب 55 ح 1، بتفاوت يسير.
(8) نزهة الناظر: 10.
41

ولا بأس بإثبات الاستحباب به، وإلا فلم أظفر فيه على نص.
ومنها: تكفين الميت إذا كفنه من غسله قبل اغتساله، كما يأتي.
ومنها: قبل الأغسال المسنونة، كما في الكافي والبيان والنفلية (1)؟ لمرسلة
ابن أبي عمير: " كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة " (2).
ولعلك تظفر بمواضع أخرى يستحب فيه الوضوء لو تتبعت أخبار الأطهار
وكلمات العلماء الأخيار.
وأما الثالث: وهو: الوضوء الرافع لكراهة بعض المباحات للمحدث، فله
أيضا أنواع:
منها: لقدوم المسافر من سفر على أهله! للرواية " من قدم من سفر فدخل
على أهله وهو على غير وضوء فرأى ما يكره فلا يلومن إلا نفسه) (3).
ومنها: لجماع الحامل؟ للمروي في العلل والمجالس (4): " إذا حملت
امرأتك فلا تجامعها إلا وأنت على وضوء " (5).
ومنها: لطلب الحاجة مطلقا؟ لخبر ابن سنان، المتقدم (6).
ومنها: قبل الأكل وبعده، كما يأتي في كتاب المطاعم. وفي غير ذلك مما
لعلك تظفر به في مطاوي الأخبار.

(1) الكافي في الفقه: 5 3 1، البيان 38، النفلية: 6، وفيه: مع الأغسال المسنونة.
(2) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 13، التهذيب 1: 139 / 1 39، الإستبصار 1: 126 / 28 4
الوسائل 2: 48 2 أبواب الجنابة ب 35 ح 1.
(3) نقلها ابن سعيد في نزهة الناظر: 10 عن مقنع الصدوق، ولكنا لم نعثر عليها فيه.
(4) الموجود في النسخ: المحاسن والصواب ما أثبتناه. كما في الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 13
ح 1، والحدائق 2: 140، والبحار 10: 280.
(5) العلل 516، أمالي الصدوق: 456.
(6) تقدم في ص 38.
42

الفصل الثالث:
في واجباته من الأفعال والشرائط
وهي أمور:
الأول: النية.
وهي: القصد إلى الفعل لغة وعرفا وشرعا؟ إذ لم تثبت لها حقيقة شرعية،
بل ولا المتشرعة، ووجوب بعض القيود فيها شرعا لا يجعله جزءا لها.
قيل. النية بهذا المعنى لا يمكن انفكاكها عن الفعل الاختياري إذ لا
يمكن صدور الاختياري بغير قصد، ولو كلف به كان تكليفا بالمحال، فلا معنى
لاشتراطها، والفرق فيها بين العبادات وغيرها كما وقع في عبارات الأصحاب،
فالمراد منها فيها ليس هذا المعنى، بل قصد الفعل إطاعة لله، أو مع قيد آخر أيضا
مما يجوز انفكاكها ويصح اشتراطها، فتكون النية من الألفاظ المنقولة (1).
وفيه: أن عدم إمكان صدور الفعل الاختياري من غير قصد لا ينافي إمكان
صدور الفعل من غير اختيار، كالوقوع في الماء اضطرارا في الغسل، وإصابة المطر
إلى الثوب في الغسل، فمرادهم من اشتراط النية بمعناها الحقيقي - أي القصد -
أنه لا يكفي ذلك في حصول الامتثال الذي تحصيله واجب في العبادات وإن
أمكن كفايته في ترتب الأثر الذي هو المطلوب في غيرها، فمرادهم من الفرق بين
العبادات وغيرها التوقف الكلي وعدمه.
وهاهنا مسائل.
المسألة الأولى: النية بالمعنى المذكور واجبة في الوضوء فلو أتى ببعض
أفعاله لا عن قصد بطل إجماعا حتى من الإسكافي كما في المعتبر (2)، وعليه الاجماع

(1) قاله الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).
(2) المعتبر 1: 138.
43

في الخلاف والمختلف والغنية والتذكرة (1).
والحجة فيه - بعد الاجماع وقوف صدق الامتثال الواجب تحصيله في
العبادات عليه - قوله عليه السلام في حسنة الثمالي وغيرها من المستفيضة: " لا
عمل إلا بنية " (2) بل في رواية ابن عيينة: " ألا وإن النية هو العمل) (3) وهو تأكيد.
ومعنى الأول أنه لا يتحقق العمل إلا مع القصد. وهو كذلك، لأن ما لا
قصد فيه ليس عملا لشخص! إذ عمل الشخص ما صدر عنه بقصده، فإن من
وقع في ماء بلا اختيار لا يقال: أنه غسل جسده، فإن كل ما يتحقق في الخارج
ليس عملا، بل هوما عمله عامل، ولا ينسب عمل إلى عامل إلا مع صدوره عنه
بالقصد والاختيار، ويلزمه أنه إذا طلب الشارع عملا من غيره لا يتحقق إلا مع
القصد إليه.
واستعماله في العرف في غيره أحيانا - لو سلم - لا يضر، لأنه أعم من
الحقيقة، غايته احتمال الاشتراك المعنوي، وتعارضه مع التجوز، وهو أيضا غير
ضائر؟ لأن الحق فيه التوقف، فلا يعلم صرف الحديث عن حقيقته التي هي نفي
العمل، فيحمل عليها.
مع أنه لو سلم صدق العمل عرفا على ما لا نية فيه أيضا نمنع كونه كذلك في
زمان الشارع، والعمل بأصالة عدم النقل مع تلك الأحاديث باطل.
مع أن هاهنا كلاما آخر، وهو: أنه مما لا شك فيه أنه لا بد من نسبة العمل
إلى شئ من كونه مؤثرا فيه، وهذا بديهي، والتأثير قد يكون مع المباشرة، وقد
يكون بالأمر والبعث، كما يقال: قتل السلطان فلانا. والأفعال المطلوبة من
المكلف لما كان مطلوبا مما هو إنسان أي النفس دون البدن، وتأثيره لا يكون إلا

(1) الخلاف 1: 71، المختلف: 20، الغنية (الجوامع الفقهية): 552، التذكرة 1: 14.
(2) الكافي 2: 84 الايمان والكفر ب 3 4 ح 1، الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 1.
(3) الكافي 2: 16 الايمان والكفر ب 11 ح 4 الوسائل 1: 51 أبواب مقدمة العبادات ب 6 ح 5.
44

بالأمر والبعث للبدن، وهما لا يتصوران إلا مع القصد والشعور، ويلزمه أن لا
يصدر عمل عما هو المكلف حقيقة أي النفس إلا بالقصد. ولما كان الحديث
مقصورا على أفعال المكلفين بقرينة المقام، لا يراد من النفي فيه إلا معناه الحقيقي
وإن قلنا بعدم توقف مطلق العمل على القصد، ويكون المراد بيان أنه لا عمل
مطلقا أو من أفعال المكلفين إلا مع القصد.
ويمكن أن يكون المراد أنه لا عمل من الأعمال الشرعية إلا مع القصد،
فلا وضوء ولا غسل ولا صلاة وهكذا إلا ما صدر بقصد وشعور، فلا يتحقق
الامتثال بدونه.
ومما ذكر ظهر أنه لا حاجة إلى صرف المستفيضة عن حقيقتها، ولا يرد ما
استشكله بعضهم من اقتضائه اشتراط النية في المعاملات، مع أنه خلاف
الاجماع، فإنه إنما يرد على من اعتبر القيود في النية، وأما بهذا المعنى فيشترط في
المعاملات إجماعا، إلا في ما ليس الأثر مترتبا على العمل، بل على تحقق السبب
في الخارج كيف ما كان.
ثم لو سلم عدم بقاء الأخبار على حقيقتها، فالمتبادر من مثلها - كما صرحوا
به - نفي الصحة أو الأثر، وهو أيضا مثبت للمطلوب.
ويدل عليه أيضا: ما يأتي من اشتراط قصد القربة، حيث إن الخاص
مستلزم للعام.
المسألة الثانية: ويجب اشتمالها على القربة بأن يكون فعله لله سبحانه،
بالاجماع والكتاب والمستفيضة.
منها. الخبران. " الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به، فإذا صعد بحسناته
يقول الله تعالى: اجعلوها في سجين إنه لبس إياي أراد بها " (1).

(1) الكافي 2: 294 الايمان والكفر ب 6 1 1 ح 7، الوسائل 1: 71 أبواب مقدمة العبادات ب 12
ح 3.
45

والمروي في عدة الداعي: " ويصعد الحفظة بعمل العبد بفقه واجتهاد
وورع، إلى أن قال. (فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا
ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس لله " إلى أن قال: (أمرني ربي أن لا أدع
عملا يجاوزني إلى غيري ما لم يكن خالصا لله. ويصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا
به من صلاة وزكاة وصيام وحج وعمرة، إلى أن قال: " فيقول: أنتم حفظة عمل
عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه، إنه لم يردني بهذا العمل، عليه لعنتي " (1)
وخبر علي بن سالم: " قال الله تعالى: أنا خير شريك، من أشرك معي غيري
في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان خالصا لي " (2).
ورواية عقبة: " اجعلوا أمركم هذا لله، ولا تجعلوه للناس، فإنه ما كان لله
فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله " (3).
دل كل ذلك على عدم قبول عمل ليس لله، وهو يستلزم عدم الاجزاء؟
للتلازم بينهما، وهو يستلزم عدم الصحة لترادفهما.
ورواية أبي بصير: عن حد العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤديا، فقال:
" حسن النية بالطاعة " (4).
والبحث باحتمال عدم كون الوضوء عبادة مدفوع بالاجماع بل الضرورة،
بل عليه دلت الروايات.
كالصحيح (): (إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن

(1) عدة الداعي: 228 - 229، المستدرك 1: 112 أبواب مقدمة العبادات ب 12 ح 9.
(2) الكافي 2: 295 الايمان والكفر ب 116 ح 9، الوسائل 1: 61 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 9.
(3) الكافي 2: 293 الايمان والكفر ب 116 ح 2، الوسائل 1: 71 أبواب مقدمة العبادات ب 12
ح 5.
(4) الكافي 2: 85 الايمان والكفر ب 43 ح 4، الوسائل 1: 49 أبواب مقدمة العبادات ب 6 ح 2.
(5) في " ه‍ " " ق " الصحيحة.
46

يعصيه " (1).
والخبر، وفيه - بعد إرادة الراوي صب الماء على يده للوضوء -: " أما سمعت
الله يقول: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه
أحدا، وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة " (2).
وآخر: " كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه
الماء، فقال بعد السؤال عنه: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا، وقال الله تعالى:
(فمن كان يرجو...) الآية " 3 ".
دلا على أن الصلاة عبادة والوضوء منها، كما ورد في المعتبرة أن: " افتتاح
الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم " (4) وأن " الصلاة ثلاثة أثلاث:
ثلث طهور " (5).
بل دلا على أن الاشراك في الوضوء إشراك في العبادة فيكون عبادة.
ومن ذلك يظهر وجه آخر لاشتراط القربة، وهو أن العبادة لغة اسم لما
تتحقق به العبادة المصدرية، وهي الاتيان بلوازم العبودية، والأصل عدم النقل،
ولا يكون ذلك بشهادة العرف واللغة إلا فيما كان مطلوبا للمعبود وجوبا أو ندبا،
(مأتيا به) (6) لأجل إطاعته وأنه مطلوبه، وهذا معنى القربة، ومن هذا يعلم أن
كل مطلوب للشارع (يعتبر) (7) فيه نية القربة فهو عبادة وبالعكس.

(1) الكافي 3: 1 2 الطهارة ب 14 ح 2، التهذيب 1: 138 / 387، الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء
ب 52 ح 1.
(2) الكافي 3: 69 الطهارة ب 46 ح 1، التهذيب 1: 365 / 1107 الوسائل 1: 476 أبواب
الوضوء ب 47 ح 1، الكهف: 110.
(3) الفقيه 1: 27 / 85، الوسائل 1: 477 أبواب الوضوء ب 47 ح 2.
(4) الفقيه 1: 23 / 68 الوسائل 1: 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 7.
(5) الفقيه 1: 22 / 66، الوسائل 1: 366 أبواب الوضوء ب 1 ح 8.
(6) في (ه‍): باتيانه.
(7) في، ه‍ ": يطلب.
47

ومما يدل دلالة واضحة على اشتراطها واعتبارها. بداهة وجوب امتثال أوامر
الله سبحانه، وهو متوقف عرفا على قصد الطاعة والاتيان بالفعل لأجل الأمر
بالضرورة، فإن العبد إذا فعل ما أمر به مولاه وغيره لا لأنه أمره بل لأجل أنه أمر
غيره لا يعد ممتثلا للمولى البتة، بل قد يعد عاصيا بالفعل، كما إذا أمره عدو مولاه.
معلقا قتل المولى عليه، ولذا لو فعل أحد مطلوب الله سبحانه واقعا الذي ظن
حرمته يعد عاصيا مستحقا للعقاب، ولذا لا يجب فيما لا امتثال فيه كالوضعيات
من المعاملات ونحوها مما ليس المقصود فيه الإطاعة.
ويظهر مما ذكر أن الأصل في كل ما تعلق الأمر به كونه عبادة، لأن ما تعلق
به يجب امتثاله المتوقف على القربة، وما تعتبر فيه القربة فهو عبادة كما مر.
وتدل على المطلوب أيضا الآيات والروايات الناهية عن الرياء في الأعمال،
والمصرحة بعدم قبول ما يتضمنه وبطلانه (1).
ثم المراد بقصد القربة كما عرفت: قصد كون الفعل لله سبحانه، أي
امتثالا لأمره، أو موافقة لطاعته، أو انقيادا لحكمه، أو إجابة لدعوته، أو أداء
لشكره أو تعظيما لجلاله، أو نحو ذلك، أو طلبا للرفعة عنده بواسطته تشبيها
بالقرب المكاني ونيل ثوابه، أو الخلاص من عقابه.
فتصح العبادة مع أحد تلك القصود، لصدق كون العمل لله والخلوص
اللذين هما الثابت اعتبارهما واشتراطهما من أدلة القربة المتقدمة مع واحد منها. أما
مع غير الأخيرين (منها) (2) فبالاجماع، بل ضرورة العرف واللغة.
وأما مع واحد منهما فعلى الأصح بل الأشهر، كما صرح به والدي - رحمه
الله - في اللوامع، لقوله سبحانه: * (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا
شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا) * (3) جمع بين كون الاطعام لوجه

(1) راجع الوسائل 1: 64، 70 أبواب مقدمة العبادات ب 11، 12.
(2) لا توجد في " ق ".
(3) الدهر: 8 - 9.
48

الله الذي هو معنى الخلوص وبين تعليله بالخوف منه سبحانه، وللأخبار المتكثرة.
منها: خبر ابن سالم السابق (1) (حيث) (2) دل على أن العمل الخالص ما لم
يشرك فيه غير الله سبحانه، فهو كاف في تحقق الخلوص، ولا شك في أن ما يفعل
لأجل نيل ثواب الله أو الخلاص من عقابه لم يشرك فيه غيره.
وأصرح منه: صحيحة ابن مسكان، ورواية ابن عيينة:
الأولى: في قول الله عز وجل * (حنيفا مسلما) * (3) قال: " خالصا مخلصا ليس
فيه شئ من عبادة الأوثان " (4).
والثانية. (العمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله
عز وجل " (5).
وهي صريحة في عدم منافاة قصد الثواب للخلوص، إذ من يقصده خاصة
لم يقصد حمد الغير، ولأن حمد الله سبحانه ثواب منه له.
ويدل أيضا على حصول الامتثال بقصد أحدهما: كل ما دل (من الآيات
المتكثرة والأخبار المتواترة) (6) على مدح العمل بأحد القصدين والأمر به المستلزمين
للقبول الملازم للصحة.
فمن الآيات ما تقدم، سيما مع تفريع قوله: * (فوقاهم الله شر ذلك
اليوم) * (7) عليه، وقوله سبحانه: * (يدعون ربهم خوفا وطمعا) * (8)، * (ويدعوننا

(1) في ص 46
(2) لا توجد في، ه‍ " و " ق ".
(3) آل عمران: 67.
(4) الكافي 2: 15 الايمان والكفر ب 11 ح 1، الوسائل 1: 59 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 1،
والآية في الروم: 67.
(5) الكافي 2: 16 الايمان والكفر ب 11 ح 4، الوسائل 1: 60 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 4.
(6) ما بين القوسين ليس في " ق ".
(7) الدهر: 10.
(8) السجدة: 16.
49

رغبا ورهبا " (1)، * (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) * (2) والفلاح: الفوز بالثواب،
* (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) * (3) وغير ذلك.
ومن الروايات. رواية جابر وابن أبي سارة وعلي بن محمد:
الأولى: " اعملوا لما عند الله) (4).
والثانية. " لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا، ولا يكون خائفا
راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو " (5).
والثالثة: وفيها - بعد تكذيبه الذين يعصون ويقولون نرجو -. " من رجا
شيئا - عمل له، ومن خاف شيئا هرب منه " (6).
ويدل عليه: كتاب أمير المؤمنين عليه السلام لبعض ما وقفه: " هذا ما
أوصى به وقضى به في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني
به عن النار ويصرف النار عني " (7).
فلو لم تكن العبادة بهذه النية صحيحة لم يصح له أن يفعل ذلك ويلقن به
غيره ويظهره في كلامه.
وحسنة خارجة: " العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله خوفا فتلك عبادة العبيد،
وقوم عبدوا الله طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء وقوم عبدوا الله حبا له فتلك
عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة " (8).

(1) الأنبياء: 90.
(2) الحج: 77.
(3) آل عمران: 133.
(4) الكافي 2: 74 الايمان والكفر ب 36 ح 3.
(5) الكافي 2: 71 الايمان والكفر ب 33 ح 11.
(6) الكافي 2: 68 الايمان والكفر ب 33 ح 6.
(7) الكافي 7: 49 الوصايا ب 35 ح 7، التهذيب 9: 146 / 608، الوسائل 19: 199 أبواب
أحكام الوقوف والصدقات ب 10 ح 3.
(8) الكافي 2: 84 الايمان والكفر ب 42 ح 5، الوسائل 1: 62 أبواب مقدمة العبادات ب 9 ح 1.
50

فإن قضية التفضيل أن للأولين أيضا فضلا، بل قوله: (عبادة العبيد)
و " عبادة الأجراء " دال على الصحة، إذ لولاها لما كانت عبادة.
والأخبار المصرحة بأن " من بلغه ثواب على عمل فعمله التماس ذلك الثواب
أوتيه) (1).
ولو لم يكن العمل صحيحا لم يترتب عليه ثواب، ولا شك أن كل ما أمر به
الشارع ومنه الوضوء موعود به الثواب خصوصا أو عموما، صريحا أو التزاما.
وما ورد من وعد الثواب والتحذير عن العقاب، والوعد والوعيد في مقابلة
الطاعات وترك الواجبات، مثل: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " (2) و:
* (ما تقدموا لأنفسكم " (3) و: * (من يعمل مثقال ذرة) (4) و: * (لئن شكرتم) * (5).
وما ورد: أن صلاة الليل تزيد في الرزق (6)، والزكاة تحفظ المال (7)،
والصدقة ترد البلاء (8) إلى غير ذلك عموما، وخصوصا كل فعل فعل من أفعال
الوضوء فإنها ظاهرة في التشويق في العمل، وليس ذلك إلا بفعله لأجله، فلو
كان مفسدا لكان الوعد والوعيد بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبثا، بل
مخلا، حيث إن الوعد على فعل بما هو من عظيم المقصود للعقلاء ثم إرادة فعله لا
لأجله كأنه تكليف بما لا يطاق.
وعدم دلالة بعض ما مر على صحة كل ما فعل بقصد الثواب أو رفع
العقاب غير ضائر، لعدم القول بالفصل.

(1) الوسائل 1: 80، أبواب مقدمة العبادات ب 18.
(2) البقرة: 244.
(3) البقرة: 110.
(4) الزلزلة: 6.
(5) إبراهيم: 6.
(6) راجع الوسائل 8: 145 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 39.
(7) راجع الوسائل 9: 9 أبواب ما تجب فيه الزكاة ب 1.
(8) الوسائل 9: 383، 386 أبواب الصدقة ب 8، 9.
51

هذا كله، مضافا إلى تعذر فهم ما هو من ذلك لأكثر الناس فضلا عن
تعاطيه، فإن تخليص القصد من الثواب والعقاب وقصر النظر إلى جناب الحق
ليس شريعة لكل وارد، فتكليف عامة الناس به كأنه تكليف بما لا يطاق.
خلافا فيهما لجماعة منهم السيد الجليل علي بن طاووس (1)، فقالوا بوجوب
قصد مجرد الامتثال وما بمعناه، وبطلان العبادة بقصد نيل الثواب أو الخلاص من
العقاب.
ونسبه غير واحد (2) إلى المشهور، والشهيد في قواعده (3) أسنده إلى
الأصحاب مؤذنا بدعوى الوفاق عليه، ونقل الرازي في تفسيره (4) اتفاق المتكلمين
عليه.
استنادا إلى الخبرين الأولين، وما يؤدي مؤداهما من وجوب كون العمل لله
أو خالصا له.
وهو بعد دلالة بعض ما مر على أن العمل بالقصدين أيضا عمل خالص له
لا وقع له، سيما مع معارضته مع سائر ما تقدم، مع أنه لا معنى محصل للعمل
لله إلا بتقدير مثل الطاعة أو الرضا أو الأمر أو غير ذلك، ولا يتعين المقدر، فيمكن
أن يكون ما يشمل الوصول إلى ثوابه أو الخلاص من عقابه أيضا، فلا يعلم منافاة
الخبرين لما ذكرنا.
والمراد من الثواب هو ما قرره الله أجرا للعمل دنيويا كان أم أخرويا، لعموم
كثير مما تقدم، بل ورود خصوص الدنيوي أيضا كما مر، فلا يبطل بقصد طلب
الأغراض الدنيوية التي وعدها الله سبحانه منه إذا كانت من المباحات. وأما إذا

(1) اشتهرت في كلماتهم نسبة هذا القول إليه، ويمكن أن يستفاد من مواضع من كتابه " فلاح السائل "
ص 56، 81، 88، 131، ويستفاد أيضا من العلامة في أجوبة المسائل المهنائية: 89.
(2) كصاحب الحدائق 2: 77.
(3) القواعد والفوائد 1: 77.
(4) التفسير الكبير 14: 134 في ذيل قوله تعالى: وادعوه خوفا وطمعا (الأعراف: 56).
52

كانت من غيرها كقتل عدو لم يستحقه، أو التوصل إلى محرم آخر فيصلي صلاة
الحاجة مثلا له فيبطل العمل وإن لم يعلم قطعا ترتب المحرم عليه، لأن هذا العمل
يعد عصيانا عرفا، فيكون منهيا عنه، وأيضا هو اتباع للهوى ومتابعة للشيطان،
وهما منهيان.
ثم المراد بالقربة اللازم قصدها هو ما يؤدي ذلك المؤدي، كالطاعة وموافقة
الإرادة ونحوها، ولا يلزمه ملاحظة لفظ القربة، فإن العبرة بالحقائق دون
الألفاظ.
فائدة ": قد استشكل جماعة " 1) في وجه اشتراط النية في الطهارة عن الحدث
دون الخبث، وسبب التفرقة بينهما، حتى ارتكبوا في التوجيه تمحلات وتكلفات،
ومع ذلك لم يذكروا شيئا تاما.
ولا يخفى أن المراد بالطهارة عن الخبث إن كان ترتب الثواب عليها أو امتثال
الشارع (لنيل الثواب) (2) ونحوه فلا نسلم عدم توقفها على النية بل توقفها عليها
إجماعي، مع أن الامتثال لا يتحقق عرفا إلا بفعل صادر عن الممتثل بقصده
الامتثال، وأيضا الامتثال لا يتحقق إلا بعمل منه ولا عمل إلا بنية.
وإن كان المراد حصول الطهارة وزوال الخبث فعدم توقفها على النية مسلم.
والاستشكال فيه إن كان في تفرقة الشارع بينهما، وسبب فرقه بإيجابه النية
في الأول دون الثاني، فهو كالاستشكال في السؤال من فرقه بين صلاة الصبح
والظهر بجعل الأولى ركعتين والثانية أربع، ومثله لا يصدر عن فقيه.
وإن كان في تفرقة الفقهاء وإجماعهم على ذلك وكان السؤال عن مستندهم
فيه، فمع أنه إجماعي، ولا يتعارف الاستشكال والسؤال عن مأخذ الاجماع بل هو
بنفسه كاف في وجه الفرق، مستنده واضح، وذلك لدلالة الاجماع والأخبار على

(1) راجع المدارك 1: 184، وحاشيته للوحيد البهبهاني: 42 والحدائق 2: 219.
(2) في ح: كغسل الثوب.
53

كون الوضوء والغسل عبادة، وقد عرفت أن العبادة متوقفة على النية.
وأيضا: ما ورد في الطهارة عن الحدث كله أوامر يطلبها من المكلف، فلا
يتحقق إلا بعمل منه ولا عمل إلا بنية، ويجب امتثالها ولا امتثال إلا بقصد، وليس
هناك دليل شرعي دال على حصول الطهارة الحدثية من غير استناد إلى فعل
المكلف.
بخلاف الطهارة عن الخبث فإنه وإن ورد فيها الأمر بالغسل وأمثاله، ولكن
الأدلة متوافرة على حصولها من غير ذلك أيضا، كقولهم عليهم السلام. " كل شئ
يراه ماء المطر فقد طهر " (1).
وصحيحة هشام: عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فيكف فيصيب
الثوب، قال: " لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه " (2).
والمستفيضة الواردة في (أن الأرض يطهر بعضها بعضا " 3). وفي أن من
وطئ العذرة ومشى في الأرض تطهر رجله (4) وإن لم يشعر بالقذارة والطهارة و: " إن
كل ما أشرقت الشمس عليه فقد طهر " (5) إلى غير ذلك.
وبعد وجود مثل تلك الأدلة في الطهارة من الخبث - مضافة إلى عدم القول
بالفصل - وعدمها في الحدث لا وجه للاستشكال..
فإن قيل: قد ورد الأمر بغسل الثوب وأمثاله، وقد ذكرت عدم حصول
الامتثال إلا بالنية، ولازمه ترتب العقاب على عدم الغسل وإن طهر بغيره.
قلنا: الأمر بالغسل أمر مقيد مشروط ببقاء النجاسة، فبعد زوالها بأمر آخر
يسقط الوجوب فلا ثواب ولا عقاب.

(1) الكافي 3: 13 الطهارة ب 9 ح 3، الوسائل 1: 146 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5.
(2) الفقيه 1: 7 / 4، الوسائل 1، 144 أبواب الماء المطلق ب 6 ح 1.
(3) راجع الوسائل 3: 457 أبواب النجاسات ب 32.
(4) الوسائل 3: 457 أبواب النجاسات ب 32.
(5) الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29.
54

المسألة الثالثة: ويجب اشتمالها أيضا على قصد ما لا يتحقق من أجزاء المأمور
به إلا بالقصد، يعني إذا كان المأمور به مركبا من أجزاء لا وجود لبعضها إلا
بقصده يجب قصده، كما إذا قال: أعط درهما لأجل الكفارة بأن يكون التعليل
قيدا للمأمور به وجزءا له، لا مجرد أن يكون سببا، أو يقول. افعل كذا تطوعا أو
وجوبا، مع كون الوصفين قيدين.
ومنه مثل قوله: تصدق وكفر وآت الزكاة، وتوضأ واغتسل، فلا بد من
قصد الصدقة والكفارة والزكاة عند الاعطاء، والتوضؤ والاغتسال عند الغسل
(لتحقق الوصف المأمور به) (1).
والوجه في اشتراطه ظاهر، فإن الاتيان بتمام المأمور به، وايجاده واجب،
والامتثال عليه متوقف، والمفروض عدم وجود هذا الجزء إلا بالقصد، فلو لم
يقصده لم يأت بتمام المأمور به، فلا يوافقه فلا يكون صحيحا.
وأيضا: إذا كان القيد مما لا وجود له إلا بالقصد، فأمر الشارع بالفعل
مقيدا أمر به مع قصد القيد.
ويكفي في قصده العلم بأنه هو، ولا يجب الاخطار.
ولا فرق في ذلك بين اتحاد المأمور به كما مر، أو تعدده واشتراكه بين أمرين،
كأن يقول مع ما مر: أعط درهما تصدقا..
ويستفاد من كلامهم أن اعتبار قصده إنما هو في الثاني خاصة، ولا يعتبر في
الأول.
فإن كان نظرهم إلى أن فيه لوحدة المأمور به يكون مقصوده هو لا محالة،
ويستلزم الاتحاد لكونه مقصودا، فهو تصريح باعتبار القصد أيضا، ويرجع النزاع
لفظيا، مع أن اللزوم كليا ممنوع.
وإن كان نظرهم إلى غير ذلك فلا وجه له.

(1) ما بين القوسين ليس في " ق " و " ه‍ ".
55

فإن قلت: اعتباره إنما هو للتميز وهو إنما يحتاج إليه مع الاشتراك.
قلنا: لا نسلم أنه لذلك، بل لأجل أنه جزء المأمور به، فلا يتحقق تمامه
بدونه.
نعم، لو ثبت التداخل في الفعل (وكفاية) (1) فعل واحد لهما بمعنى إسقاطه
لهما لا انطباقه عليهما لامتناعه، يسقط قصد الجزء المذكور، لأن مرجعه إلى أن
الفعل بدون القصدين مسقط له مع كل منهما، وأما التداخل بمعنى إجزاء واحد
منهما عن الآخر وإسقاطه إياه، فلا يسقط وجوب قصد القيد، إذ لا يتحقق واحد
منهما بدون قصد القيد.
المسألة الرابعة: قالوا: يجب اشتمالها على المميز أيضا إذا اشترك الفعل بين
فعلين أمر بهما ولم يتميزا إلا بالقصد. وزاد بعضهم: إن لم يتداخلا أيضا.
واستدلوا عليه: بأنه لا يتحقق الامتثال عرفا إلا به.
وبمثل قوله: (ولكل امرئ ما نوى " (2).
وبأن الصحة عبارة عن موافقة الأمر، وهذا الفعل الواحد الواقع بدون
قصد المميز لو صح لكان إما موافقا للأمر بهذا الفعل، أو لمشاركه، أو لهما معا،
والأولان مستلزمان للترجيح بلا مرجح، مع أن المفروض عدم تميزه لأحدهما إلا
بالقصد، والثالث محال، لعدم انطباق الواحد على المتعدد، وزيد إلا مع التداخل
المفروض انتفاؤه، فلا يكون موافقا لأمر وهو معنى البطلان.
ويرد على الأول: منع توقف الامتثال عليه، فإنه لو قال المولى لعبده.
امسح وجهك، ثم قال أيضا كذلك، وأراد بكل، مسحا على حدة، ومسح العبد
وجهه مرتين لأجل إطاعة مولاه ولم يقصد في شئ منهما أنه للأمر الأول أو الثاني
يعد ممتثلا عرفا، ويستحق ما وعد له من الأجر " ولو مسح مرة من غير قصد أحد

(1) في " ح): بمعنى كفاية.
(2) أمالي الطوسي 29 6، الوسائل 1: 8 4 أبواب مقدمة العبادات ب 5، ح 10.
56

الأمرين يعد ممتثلا لأحدهما، وهذا مما لا يرتاب فيه أصلا.
وعلى الثاني: بظهوره في نية التقرب ونحوه. سلمنا ولكن إذا قصد الفعل
يكون ذلك له وهو كاف، إذ (1) لم يجب عليه غيره.
وعلى الثالث: أنه لا يخلو إما لا تكون بين الفعلين جهة مغايرة أصلا أو
تكون، فإن لم تكن - كمثال المسح المذكور - نختار شقا غير الشقوق المتقدمة
ونقول: إن الفعل الواقع موافق لكل واحد منهما منفردا، كما إذا قال من عنده ذراع
من خشب وذراع آخر منه لعبده: ايتني بمساو لهذا وبمساو لذلك من النحاس،
فأتى بذراع من نحاس، فهو مطابق لكل منهما منفردا دون المجموع، وتلزمه
البراءة من أحدهما لا بعينه، ولا ضير فيه أصلا، فلو قال للمكلف: صم يوما من
رجب، ثم قال: صم يوما منه أيضا، وعلم أن المطلوب يومان، فلو صام يوما
واحدا بقصد طاعته امتثل أحد الأمرين، وانطبق الفعل على كل واحد منهما
منفردا، لتساويهما من جميع الوجوه الداخلة في ذات المأمور به. وتقدم أحدهما على
الآخر غير مؤثر في تغاير المأمور به.
وإن كانت بينهما جهة تغاير يتوقف تحققها على قصدها، فإن كانت من
الحيثيات التقييدية للمأمور به، أي يكون قيدا له وجزءا منه كما مر في المسألة
السابقة، فلا شك في اشتراط قصده، ولكن لا لأجل توقف حصول التميز عليه،
بل لعدم تحقق تمام المأمور به بدونه كما مر، ولا يختص ذلك بصورة الاشتراك
والتعدد، بل يعتبر مع الوحدة أيضا ضرورة كما سبق.
وإن لم تكن من الحيثيات التقييدية له، فنختار الموافقة لكل منفردا، وتلزمه
البراءة من أحدهما لا بعينه أيضا، سواء كانت جهة المغايرة من أسباب الأمر بأن
يكون سبب أحد الأمرين هذا وسبب الآخر ذاك، أو من غاياته بأن تكون غاية
أحدهما شيئا وغاية الآخر آخر، أو من كيفيات الأمر دون المأمور به كأن يكون أحد

(1) في " ق ": إذا.
57

الأمرين على سبيل الوجوب والآخر على الندب، أو من آثار المأمور به وتوابعه،
كأن يكون لأحدهما أثر غير ما للآخر، بشرط أن لا يكون شئ من تلك الجهات قيدا
(للمأمور به) (1) فإن ذاتي المأمور بهما تكون مساوية حينئذ غير مغايرة، فلا وجه
لعدم موافقة المأتي لشئ منهما.
فإذا قال: صم يوما، ثم قال: صم يوما أيضا؟ فليس المأمور به سوى
الصوم، وإن كان سبب أحد الأمرين شيئا وسبب الآخر آخر، أو كان أحد الطلبين
حتميا والآخر ندبا، فلو صام يوما فلم لا ينطبق على أحدهما؟ مع أنه لا ينقص من
المأمور به شئ.
نعم، لا ينطبق عليهما معا! لعدم انطباق الواحد على الاثنين، ولعدم
حصول التكرر الذي هو أيضا مأمور به.
فإن قلت: إذا كانت المغايرة حينئذ باعتبار الآثار والتوابع، فأي أثر يترتب
على الفعل الواحد الذي أتى به؟ كما إذا كان أحدهما وجوبيا والآخر ندبيا، فأتى
بواحد من غير تميز بين الوجوب والندب، فكيف يمكن القول بالبراءة من أحدهما
لا بعينه؟ مع أن أحدهما أقل ثوابا، وتركه مستلزم للعقاب دون الآخر، فإن أثبت
له العقاب والثواب الأقل فقد أطبقته على الوجوب، وإن قلت: إنه غير معاقب
وله الثواب الأكثر، فقد أطبقته على الندب، وكلاهما ترجيح بلا مرجح، وإن
أطبقته عليهما فقد أطبقت الواحد على الاثنين وإن لم تطبقه على شئ منهما اعترفت
بالبطلان، فما فائدة الانطباق على كل منفردا؟
وكذا لو نذر من عليه غسل واجب - كالجنابة - أن يرتمس في الماء زائدا على
الغسل فارتمس مرة، فإن قلت: إنه برئ من النذر، أو طهر من الجنابة، ارتكبت
الترجيح بلا مرجح، وإن قلت: حصل الأمران، أطبقت الواحد على الاثنين،

(1) لا توجد في " ق ".
58

وإن قلت. لم يحصل شئ منهما، حكمت بالبطلان.
قلنا: لا نسلم أن عدم الحكم بحصول شئ من الأمرين حكم بالبطلان،
فإن الصحة في العبادات هي موافقة المأمور به، وهي حاصلة قطعا، ولا يلزم من
عدم تعين ما يستتبعه خروجه عن موافقة المأمور به، أو خروج الصحة عن كونه
موافقة المأمور به، فإن الصحة أمر وتعين ما يستتبعه (أو نفس الاستتباع) (1) أمر
آخر، والأول يتحقق بالموافقة، والثاني إما بقصد المستتبع أولا نظرا إلى مثل قوله
عليه السلام: " لكل امرئ ما نوى " و: " إنما الأعمال بالنيات " أو بالاتيان
بالفعلين معا، ولا يلزم من عدم قصد المعين أولا البطلان وإن لزم عدم ترتب
التوا بع.
وتظهر الثمرة فيما لو فعل الآخر أيضا بلا قصد، فعلى البطلان لا يترتب
عليهما شئ من التوابع، وعلى ما ذكرنا يترتب التابعان، وذلك كما إذا استسلف
زيد من كل من عمرو وبكر غنما، ورهن كل منهما متاعا عنده لما استسلف، فوكلا
خالدا في إعطاء الغنم بعد حلول الأجل،.. فأعطى غنما بلا قصد تعيين أنه من
عمرو أو بكر، فإنه لا يترتب عليه فك رهانة أحدهما ولا يستتبع أثرا، بل هو
موقوف إما على القصد أولا، أو إعطاء الغنم الآخر أيضا. وكذا إذا فعل المأمور
أحد النعلين مع قصد المعين ونسيه، فإنه لا يحكم بالبطلان ولا يترتب شئ من
آثار أحدهما، كمن عليه صوم نذر وكفارة فصام يوما بقصد معين ونسيه، فيحكم
بمقتضى الأصل بعدم سقوط شئ منهما، مع أن صومه صحيح.
والقول بأنه سقط أحدهما واقعا، ولكن لم يسقط ظاهرا، للأصل، كلام
خال عن التحقيق؟ إذ لا واقع في حق المكلف إلا حكمه الظاهري كما بينا في
الأصول.

(1) لا توجد في " ه‍ ".
59

نعم، لو كان عدم استتباع الفعل للتوابع مستندا إلى عدم موافقة المأمور
به، لكان مستلزما للبطلان، وأما مطلقا ولو لمانع فلا.
هذا، مع أنه يمكن أن يقال. إنه كما تحصل البراءة عن أحدهما لا بعينه،
كذلك يستتبع توابع أحدهما لا بعينه بمعنى التخيير، فإن كان التابع مما يستند إلى
المكلف الأمر كإعطاء الثواب ونحوه فالتخيير له، وإن كان مما يستند إلى المأمور
كحصول التطهر له، أو الوفاء بالنذر ونحوه، فالتخيير له، بمعنى أن له أن يجعله
من أيهما شاء، فإن الفعل إذا انصرف إلى أحدهما بتعيينه المقارن للفعل يمكن
الانصراف إليه بتعيينه المتأخر، فإن مثل قوله: " لكل امرئ ما نوى " يشمل ظاهرا
مثل ذلك أيضا وإن كان الظاهر منه النية المقارنة، فتأمل.
وظهر من ذلك عدم وجوب قصد المميز في تحقق صحة الفعل للأصل، إلا
إذا كان المميز قيدا للمأمور به وجزءا له فيجب، لما مر، إلا مع ثبوت التداخل
بالمعنى المذكور.
ولكن هاهنا أمرا آخر وهو أن كما أنه يجب الاتيان بالفعل الصحيح يجب
تحصيل البراءة والاجزاء عن المأمور به أيضا، ولا يمكن حصول البراءة والاجزاء
عن واحد لا بعينه مع تعدد المأمور به واختلاف آثارهما أو غايتهما إذ لا معنى
للبراءة والاجزاء عن شئ له آثار وتوابع إلا حصولها وترتبها، ولا يتأتى ذلك في
واحد لا بعينه من الأمرين المختلفين في الآثار، فيجب تعيين كل منهما تحصيلا
للبراءة عنه والاجزاء، ولكن لثبوت التداخل بالمعنى المذكور في الوضوء بل
الأغسال لا يجرى ذلك فيهما، مع عدم التعدد في الوضوء المأمور به في حالة أبدا
لأنه إنما كان لو وقع الأمر بإحداث الوضوء لهذا ولذاك وهكذا، وليس كذلك بل
لم يثبت إلا مطلوبية كونه متطهرا عند هذا وذاك ندبا أو وجوبا، وإنما يجري في
الصلاة ونحوها، وسيأتي تحقيق ذلك في بحث نية الصلاة.
المسألة الخامسة: لا يشترط في نية الوضوء قصد الوجه، وفاقا لكل من لم
60

يشترط سوى القربة، كما عن المفيد (1)، والبصروي (2) والتستري (3) والنهاية (4)،
والمحقق في بعض رسائله، وبعض من اشترط غيرها أيضا، كالسيد (5)،
والمبسوط (6)، والمعتبر (7) وهو مختار أكثر المتأخرين.
للأصل السالم عن المعارض، المؤيد بأمرهم عليهم السلام بجميع أنواع
الوضوء من الواجب والمندوب بطريق واحد من غير تعرض للوجوب والندب.
وخلافا للحلبي، والحلي، والقاضي (8)، والراوندي (9)، وابني زهرة
وحمزة (10)، والفاضل (11)، والكركي، والجامع، والشرائع، والذكرى (12)، فأوجبوه
وصفا أو غاية.
لاستصحاب الحدث إلى تحقق الرافع اليقيني.
ولوجوب الامتثال المتوقف على إيقاع الفعل على وجهه، وهو لا يتم إلا بنية
الوجه.
ولأن الوضوء تارة يقع على وجه الوجوب، وأخرى على الندب، فحيث كان
أحد الأمرين مطلوبا اشترط تشخيصه لتحصيل الامتثال، وليتحقق الموافقة

(1) المقنعة: 46..
(2) نقله عنه في الذكرى: 80.
(3) هكذا في جميع النسخ والمظنون أنه تصحيف " البشرى " للسيد جمال الدين بن طاووس كما نقل عنه
في الذكرى: 80.
(4) النهاية: 15.
(5) نقل عنه في كشف اللثام 1: 62.
(6) المبسوط 1: 19.
(7) المعتبر 1: 139.
(8) الكافي في الفقه: 132، السرائر 1: 98، المهذب 1: 43.
(9) نقله عنه في الذكرى: 80.
(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 553، الوسيلة: 51.
(11) التذكرة 1: 14، القواعد 1: 10.
(12) جامع المقاصد 1: 201، الجامع للشرائع: 35، الشرائع 1: 20، الذكرى: 80.
61

للمأمور به.
والقول بأنه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلا واجبا وبدونه
مندوب، فيكون متعينا أبدا، مردود بأنه لا شك في وقوع الأمر الاستحبابي به
لبعض الغايات والوجوبي لآخر، ولا يرتفع الأول حال الثاني، فلا بد من التعيين
كما في الصلاتين: الواجبة والمندوبة، والغسلين.
والجواب عن الأول: أنه لم يثبت في حق من صدر عنه أحد الموجبات إلا
وجوب إتيانه بالأفعال المعهودة التي هي الوضوء شرعا أو استحبابه، فإن أريد
بالحدث كونه بحيث يجب عليه هذه الأفعال للمشروط بالوضوء بالاتيان بها
يكون مزيلا للاستصحاب يقينا، وإن أريد غير ذلك فلا نسلم ثبوته.
والحاصل: أن حدوث حالة لمن عليه الوضوء سوى كونه يجب أو يستحب
عليه الاتيان بالأفعال المقررة غير ثابت من دليل حتى يستصحب.
سلمناه ولكن الوضوء الشرعي رافع له بالاجماع بل الأخبار، وهو ما ثبت
كونه وضوءا بدليل شرعي.
والمستفيضة الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله (1).
ونحو رواية زرارة: عن الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من
الغائط أو بال، قال: " يغسل ذكره ويتوضأ مرتين مرتين " (2).
ورواية ابن فرقد بعد السؤال عن حد الوضوء قال: " تغسل وجهك
ويديك وتمسح رأسك ورجليك " (3) - مضافة إلى الأصل - دالة على كون هذه
الأفعال وضوءا، غاية الأمر ثبوت لزوم قصده مع القربة من الخارج أيضا، فتكون
هي معه رافعة، ضرورة تحقق اللازم مع الملزوم.

(1) راجع الوسائل 1: 271 أبواب الوضوء ب 15.
(2) لم نعثر على رواية لزرارة بهذا المضمون. الموجود رواية يونس بن يعقوب: التهذيب 1: 47 / 134،
الإستبصار 1: 52 / 151، الوسائل 1: 316 أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5..
(3) الكافي 3: 21 الطهارة ب 14 ح 3، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 1.
62

وعن الثاني: بمنع توقف الامتثال على ما ذكر وإن هو إلا مصادرة.
وعن الثالث: أن الامتثال إنما يحصل بالموافقة للمأمور به التي هي معنى
الصحة، ومعنى المطابقة أن يكون المأتي به بأجزائه وشرائطه، موافقا للمأمور به
كذلك، بمعنى أن ما آتى به لو طوبق مع ما أمر به لم ينقص منه شئ، فإذا كان
المأتي به كذلك يكون صحيحا، والآتي به ممتثلا، ولا يحتاج إلى شئ آخر.
وعلى هذا، فيكون فرق بين قول الشارع: توضأ وجوبا أو ندبا وقوله:
يجب أو يستحب التوضؤ؟ فالمأمور به في الأول هو أفعال الوضوء بزيادة الوجوبية
أو الندبية، وفي الثاني أفعال الوضوء مجردة عن غيرها، غاية الأمر أن أمره بها إيجابي
أو ندبي، فإن كان (الحال في الوضوء) (1) الايجابي والندبي من قبيل الأول فلا شك
في وجوب نية الوجه، كما مر في المسألة السابقة، وإن كان من الثاني لا تجب، لعدم
دخوله في المأمور به، فالمأتي به موافق لكل من الأمرين منفردا، موجب للبراءة من
أحدهما لا بعينه.
ثم لما كان الأمر في الوضوء من قبيل الثاني إذ لم يرد إلا أنه يستحب الكون
على الوضوء حال كذا، ويجب حال كذا، ولم يرد أنه توضأ تطوعا لكذا ووجوبا
لكذا، لم يلزم في صحته قصد الوجه، بل ولا في ترتب الآثار الوجوبية أو الندبية،
حيث ثبت فيه التداخل، وترتب جميع الآثار على وضوء واحد.
المسألة السادسة: لا تشترط فيه نية الاستباحة أو الرفع، وفاقا لمن ذكر في
المسألة السابقة من المكتفين بالقربة، وللشرائع! لما ذكره.
وخلافا للسيد (2)، فأوجب الأول.
وللمبسوط والسرائر والجامع والمعتبر والذكرى، والفاضل، والكركي،
فأحدهما. "

(1) في ح ": الحاكي للوضوء.
(2) يمكن استفادته من الناصريات (الجوامع الفقهية): 183.
63

وللحلبي والقاضي والراوندي وابني زهرة وحمزة (1)، فالأمران معا.
احتج الأول. بالاستصحاب. وجوابه مر.
وبمثل قوله عليه السلام: " لكل امرئ ما نوى).
ويضعف بأنه يدل على أن ما نوى له، لا على أن ما لم ينو ليس له إذا كان
مما لم يثبت توقف تحققه على النية.
ولقوله سبحانه: (إذا قمتم إلى الصلاة " (2) الآية.
قيل (3): وجه الدلالة أن المفهوم منه وجوب إيقاع الوضوء لأجل الصلاة،
فيكون التعليل قيدا للمأمور، فلا يتم إلا بإيجاده وهو ليس إلا بقصده.
وفيه: أنه إنما يصح لو كان التعليل متعلقا بالايقاع، وأما إذا كان متعلقا
بالوجوب فلا، فإن أريد أن المفهوم من الآية الأول فممنوع، وإن أريد أن المفهوم
منها الثاني أو أحدهما لا يفيد.
ومن هذا يظهر فساد ما قيل - في دفع إيراد من أورد أن وجوب الوضوء
للصلاة لا يستلزم وجوب قصد التعليل - من أنه أي فرق بين كون الفعل للصلاة
وكونه لله أو لأجل أن الله أمرني أو لأجل أني مطيع له ونحوها؟ حيث لا يوجب
الأول قصد التعليل، والبواقي توجبه (4).
فإنا لا نقول بالفرق بين وجوب كون الفعل للصلاة وبين وجوب كونه لله
ونحوه، بل نقول بالفرق بين قوله: إذا قمتم للصلاة فافعلوا وبين وجوب كونه لله،
أو قوله. اعملوا لله؟ أو يجب أن يكون العمل خالصا لله؟ فإن الأول يحتمل علية
الصلاة للوجوب دون البواقي. بل فرق بين قوله: يجب إيقاع الفعل لأجل
الصلاة وبين ما ذكر؟ لاحتمال كون التعليل علة للايجاب دون البواقي، فإنه لا

(1) مرت الإشارة إلى مصادر الأقوال في ص 61 فراجع.
(2) المائدة: 6.
(3) المختلف 20.
(4) شرح المفاتيح. (مخطوط).
64

يحتمل أن يكون مراده أن الله له علة للايجاب، أو إطاعة أمره علة له.
قيل: لو قال المولى لعبده: أعط الحاجب درهما ليأذن لك فأعطاه لا لأجل
ذلك، بل لغرض آخر، لم يكن ممتثلا ولا آتيا بما أمره به مولاه إذ الامتثال العرفي
لا يتحقق إلا بقصد ما هو مطلوب الأمر، وأن ارتكابه لأجل أن الأمر أمره لا
لغيره، ولو أتى به لا لأمره لا يمتثل البتة (1).
قلنا: لا شك أنه لو أعطى لا لأجل أن مولاه أمره، لم يكن ممتثلا، وليس
الكلام فيه، بل فيما إذا أعطى لأجل أنه أمره مولاه من غير قصد أنه لأجل الإذن
بل ذاهلا عنه.
ولا نسلم عدم الامتثال حينئذ، بل هو ممتثل آت بما أمره به مولاه إلا إذا
علم يقينا أنه أراد الاعطاء بقصد الإذن.
والمناسب للمقام ما إذا قال المولى أعطه درهما ليأذن لك، ودرهما ليحفظ
دابتك فأعطى الدرهمين لأجل أمر المولى من غير قصد العلتين، إما للذهول
والغفلة أو لنسيان العلة، فإنه يعد ممتثلا قطعا، ولو أعطى درهما من غير قصد،
امتثل أحد الأمرين، مع أنه فرق بين قوله: أعطه ليأذن لك؟ وإذا أردت الإذن
فأعطه درهما؟ وما نحن فيه من الثاني.
قيل: فرق بين أن يقول: لا بد من الوضوء حال الملاة وأن يقول: إذا
قمت إلى الصلاة فتوضأ ولذا يفيد الثاني التكرار بتكرار الصلاة دون الأول (2).
قلنا: الفرق بينهما من الجهة التي كلامنا فيها ممنوع جدا، وأما إفادة الثاني
للتكرار فلأجل دلالة الفعل على التجدد، ولذا لو قال: لا بد أن يتوضأ حين
الصلاة، يفيده، بل وكذا لا بد من الوضوء إذا أخذ بالمعنى المصدري.
واستدل الثاني بما مر أيضا بضميمة اتحاد مآل الاستباحة ورفع الحدث.

(1) شرح المفاتيح: (مخطوط).
(2) شرح المفاتيح: (مخطوط).
65

واحتج الثالث - بعد دعوى تغايرهما، لانفكاك كل منهما عن الآخر في
التيمم ووضوء الحائض (1) - بشرعية الوضوء لأجل الأمرين، فيجب قصدهما كما
مر. وجوابهما ظهر.
واعلم أن التخصيص بالرفع والاستباحة، لأن الكلام في الوضوء للصلاة،
ويعلم منه الحال في الغايات الأخر.
المسألة السابعة: قد ظهر من وجوب نية القربة، وعدم حصول الامتثال
بدونها، أنه لو نوى غيرها منفردا بطل العمل.
ولو ضمه معها، فلو كان رياء - وهو العمل بمرأى لإراءته لا لغرض
شرعي، ومنه السمعة، وهو العمل بمسمع أحد لاسماعه كذلك - بطل مطلقا
سواء كل منهما مقصودا ذاتا أو كلاهما معا، أو أحدهما خاصة وقصد الآخر
بالعرض، بالاجماع من غير السيد (2) الغير القادح في تحققه، وهو الحجة.
مضافا إلى خبري علي بن سالم وعقبة المتقدمين (3) الدالين على عدم قبول ما
لم يكن خالصا لله، والرياء بجميع أقسامه ينافيه، مع تصريح الأول بعدم قبول
ما أشرك فيه غير الله معه، وفي رواية ابن عيينة السالفة (4) ما يصرح بذلك أيضا.
وإلى النهي عن الرياء كله إجماعا وكتابا وسنة:

(1) قال الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 61 - في مقام حكاية الاستدلال على وجوب القصد إلى
الاستباحة والرفع -: لافتراقهما معنى، ووجودا في دائم الحدث والمتيمم، لاستباحتهما خاصة،
والحائض لرفع غسلها الأكبر من غير استباحة. وقال المحقق القمي في غنائم الأيام 21 وبأن
الرفع والاستباحة قد يتفارقان في غسل الحائض بدون الوضوء والمتيمم.. بالتأمل في هاتين
العبارتين يظهر قصور عبارة المتن، والأنسب تبديل، الوضوء بالغسل، حتى يكون موردا لانفكاك
الاستباحة عن الرفع كما أن التيمم مورد لانفكاك الرفع عن الاستباحة فتدبر.
(2) الإنتصار: 17.
(3) في ص 46.
(4) في ص 49.
66

أثبت الله سبحانه في كتابه الكريم الويل للذين يراؤون (1) وقال أيضا في
مقام الذم: (يراؤون الناس، (2).
وفي الخبر: " كل رياء شرك " (3).
وفي آخر: (إياك والرياء، فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل
له) (4).
وفي ثالث: " اعملوا لله في غير رياء وسمعة " (5).
وفي رواية داود. " من أظهر للناس ما يحب الله وبارز الله بما كرهه لقي الله
وهو ماقت له " (6).
ولا شك أن المرائي جامع للوصفين! إذ نفس الاظهار للناس من غير
غرض صحيح مما يكرهه الله.
وفي صحيحة زرارة. عن الرجل يعمل الشئ من الخير فيراه إنسان فيسره
ذلك، فقال: " لا بأس، ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر الله له في الناس الخير
إذا لم يكن صنع ذلك لذلك " (7).
دل بمفهوم الشرط على ثبوت البأس - الذي هو العذاب - إذا صنع ذلك

(1) الماعون: 6.
(2) النساء: 142.
(3) الكافي 2: 293 الايمان والكفر ب 6 11 ح 3، الوسائل 1: 70 أبواب مقدمة العبادات ب 2 1
ح 4.
(4) الكافي 2: 293 الايمان والكفر ب 6 11 ح 1، الوسائل 1: 5 6 أبواب مقدمة العبادات ب 11
ح 6.
(5) الكافي 2: 297 الايمان والكفر ب 6 1 1 ح 7 1، الوسائل 1: 66 أبواب مقدمة العبادات ب 1 1
10.
(6) الكافي 2: 5 29 الايمان والكفر ب 6 1 1 ح 10، الوسائل 1: 4 6 أبواب مقدمة العبادات ب 11
ح 3.
(7) الكافي 2: 297 الايمان والكفر ب 6 1 1 ح 8 1، الوسائل 1: 75 أبواب مقدمة العبادات ب 15
ح 1.
67

لذلك.
هذا، مع أن العمل رياء بأقسامه متابعة للهوى، وهو منهي عنه في الكتاب
والسنة، والنهي في العبادة يوجب الفساد.
ومنه يظهر البطلان مطلقا لو كانت الضميمة محرما آخر غير الرياء.
ولا فرق فيها (1) بين ما إذا كان الضم في تمام العبادة أو جزئها الواجب أو
وصفها اللازم، وبالجملة كل ما يبطل العمل بانتفائه.
وكذا بين ما إذا كان في ماهية التمام أو الجزء أو الوصف، أو في أحد أفراد
واحد منها الذي يوجد به المأمور به، لعدم اجتماع الوجوب والحرمة في واحد
شخصي ولو من جهتين بينهما عموم وخصوص مطلقان أو من وجه.
فيبطل الوضوء لو توضأ بالماء البارد، والصلاة لو صلى في المسجد، رياء أو
بقصد محرم آخر، أي: إذا كان كونه في المسجد كذا وإن لم يكن في نفس صلاته
رياء! لأن الكون جزء الصلاة، كما في الصلاة في الدار المغصوبة. أو صلى في أول
الوقت رياء! لأن هذه الصلاة أحد أفراد المخير، فيتعلق به النهي، ومحمل الرياء
هو الصلاة في أول الوقت.
وكذا لو قرأ سورة معينة رياء، أو أحسن القراءة، أو أجهر فيها، أو تأنى
فيها، أو صلى جماعة لذلك.
وبالجملة: كل ما يتأدى به الواجب تبطل الصلاة بقصد الرياء، أو محرم آخر فيه
وأما في غير ذلك فلا ولو كان وصفا قائما بواجب! لعدم تعلق النهي عن
الوصف بموصوفه، فلا يبطل الوضوء بالرياء في الاستقبال فيه، ولا الغسل بالرياء
في الخروج من الماء في الارتماس، ولا الصلاة بالرياء في التخشع فيه، كإطراق
الرأس، وغمض العين، وضم اليدين إلى الفخذين، ومد العنق في الركوع،

(1) في (ه‍) و " ق " فيهما.
68

والتطويل في السجود بعد التقرب في القدر الواجب، ونحو ذلك.
خلافا للسيد (1)، فلم يبطل العمل بقصد الرياء مطلقا وإن قال بعدم
استحقاقه الثواب، وهو مبني على أصله من عدم توقف الاجزاء على القبول، ورده
في الأصول.
وقوى ما ذكره بعض متأخري المتأخرين، فقال: الواجب أمران: فعل
المأمور به، والاخلاص في نيته، ولا يوجب الاخلال بالأخير الاخلال بالأول وإن
أوجب الإثم (2).
ولا يخفى أن ما ذكره إنما كان صحيحا لو كان المأمور به هو قصد التقرب
والخلوص، والمنهي عنه هو إرادة إراءة الناس دون العمل المرائي فبه. وليس
كذلك، بل المأمور به - كما هو مدلول الأخبار السابقة - العمل الخالص والعمل
لله، فما لم يكن كذلك لم يكن مأمورا به، والمنهي عنه هو العمل لغير الله، وهو
الذي أثبت فيه البأس في رواية زرارة (3)، وفيه متابعة الهوى.
مع أنه قد صرح فيما مر بعدم قبول ما أشرك فيه غير الله، وما لم يكن
خالصا، ولازمه عدم كونه مأمورا به فيفسد قطعا.
وأيضا: لا بد في صحة العمل من كونه بحيث يصدق معه الامتثال، وهو
لا يتحقق إلا بما فعل بقصد الإطاعة.
ولو كانت الضميمة غير الرياء أو محرم آخر، كالتبرد، أو التسخن، أو
نحوهما، ففيها أقوال:
الصحة مطلقا، اختاره في المعتبر والشرائع (4)، وعن المبسوط والجامع (5)

(1) الإنتصار: 17.
(2) كشف اللثام 1: 64.
(3) المتقدمة ص 67.
(4) المعتبر 1: 140، الشرائع 1: 20.
(5) المبسوط 1: 19، الجامع للشرائع: 35.
69

وقيل: الظاهر أنه المشهور (1).
والبطلان كذلك، حكي عن ظاهر نهاية الإحكام (2) والايضاح والبيان
والروض وشرح الإرشاد للأردبيلي (3).
والتفصيل بالصحة مع رجحانها، والبطلان بدونه، وقد تزاد فيه ملاحظة
الرجحان أيضا.
وبها (4) إن كانت القربة الباعث الأصلي، وعرض قصد الضميمة،
والبطلان في غيره، احتمله الشهيد في قواعده والذكرى (5)، واختاره والدي العلامة
- رحمه الله - مع التخصيص بغير الراجح، وأما معه فالصحة مطلقا، وادعى عليها
الاجماع تبعا لجمع آخر (6) منهم صاحب المدارك (7).
والتحقيق فيها: أن متعلق الضميمة إما نفس مهية المأمور به من العبادة أو
جزؤها أو شرطها أو وصفها المطلوبة، أو خصوصياتها وأوصافها الغير اللازمة.
فإن كان الأول (8)، فإن كانت الضميمة مقصودة بالذات، أي باعثا أصليا
فالحق البطلان مطلقا، سواء كانت القربة أيضا كذلك، بأن يكون كل منهما سببا
مستقلا أو يكونا معا كذلك حتى يكون كل منهما جزء السبب، أو لم تكن القربة
كذلك.
أما الأول: فلعدم انصراف الفعل إلى القربة! لعدم المرجح.

(1) قاله في الحدائق 2: 188.
(2) نهاية الإحكام 1: 33.
(3) الإيضاح 1: 36، البيان: 4 4، الروض: 30، مجمع الفائدة 1: 9 9.
(4) عطف على: بالصحة والضمير راجع إليها، يعني: والتفصيل بالصحة إن كانت القربة....
(5) القواعد والفوائد 1: 80، الذكرى: 81..
(6) كصاحبي الذخيرة: 5 2، والمفاتيح 1: 49.
(7) المدارك 1: 191.
(8) مراده من الأول كون متعلق الضميمة نفس الماهية أو جزأها أو شرطها أو وصفها المطلوبة.
70

وأما الثاني (1). فلذلك أيضا؟ لأن جز السبب لا يعد سببا، والفعل
للمركب ليس فعلا لكل جزء مع أن الفعل فيهما لا يستند إلى القربة عرفا.
وأما الثاني (2) فظاهر.
هذا إذا لم تكن الضميمة راجحة، وأما مع رجحانها فإن (3) أمكن الاستناد
إلى القربة، ولكن لا يتحقق امتثال هذا الأمر في هذه الصورة عرفا، بل لا دليل
على موافقته لهذا المأمور به، فلو صام وكان باعثه الحمية والنذر معا أو كل منهما
منفردا، فلا دليل على أنه لامتثال الأمر بالصوم دون الأمر بالحمية، فلا يصح بل
يبطل إلا مع ثبوت التداخل فيصح.
وإن لم تكن الضميمة مقصودة ذاتا، بل عرض قصدها تبعا بحيث لولاها
لفعل ولو انحصر المقصود بها لم يفعل، فمع الرجحان لا إشكال في الصحة! لعدم
المنافاة للقربة وصدق الامتثال في العرف والعادة ووجود المرجح للموافقة. وبدونه
ففيه إشكال، ينشأ من تصريح الأخبار بعدم قبول العمل الغير الخالص، وعدم
خلوص مثل ذلك لغة وعرفا، ومن تفسير العمل الخالص في خبر ابن عيينة بما لا
يريد فيه حمد غير الله، فيختص بالخالي عن الرياء، وفي بعض الصحاح ما يشعر
بأنه ما ليس فيه شئ من عبادة الأوثان (4)، والمفروض كذلك. والثاني أقوى
والأول أحوط.
وإن كان الثاني (5) فلا يبطل أصلا ولو كانت الضميمة مستقلة، كأن ينوي
التبرد من اختيار الماء البارد في التوضؤ، لا أن يتوضأ لذلك، أو التسخن لاختيار
الحار، والاستسحان من الصلاة في موضع حار إذا كان الباعث على أصل الوضوء

(1) بعض ما إذا كان كل منهما جزء السبب.
(2) يعني إذا لم يكن التقرب باعثا أصليا.
(3) إن وصلية، والأنسب تغيير العبارة هكذا: فإنه حينئذ وإن أمكن الاستناد....
(4) الكافي 3: 15 الايمان والكفر ب 11 ح 1، الوسائل 1: 59 أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 1.
(5) وهو ما إذا كان متعلق الضميمة الخصوصيات والأوصاف غير اللازمة.
71

والصلاة هو القربة.
والحاصل: أنه إذا (1) لم يضم (2) مع القربة في الاتيان بأصل الواجب - الذي
هو المطلق - شئ، لا يضر قصد آخر في التعينات والتشخصات والخصوصيات
أصلا.
والظاهر أنه إجماع بل ضرورة، فهما الحجتان فيه.
مضافا إلى الأصل، وإلى أن الترجيح بلا مرجح باطل، فلا بد في تعيين
أحد الأمكنة أو الأزمنة أو اللباس أو المياه من مرجح، ولا يجب أن يكون المرجح
أمرا راجحا شرعا ضرورة، بل قد لا يتحقق غالبا، بل يصح مع المرجوحية
الإضافية أيضا كالصلاة في الحمام.
وإلى أن الخصوصية أمر وراء المطلق الذي هو المأمور به وإن اتحدت معه في
الوجود، فيكون هذا الفعل متعلقا للقربة من حيث المهية، وللضميمة من حيث
الخصوصية، فاختلاف الحيثيتين أوجب تعلق القصدين، فهذا متقرب به من
حيث إنه كون للصلاة - مثلا - ومسخن منه من حيث إنه الكون في الشمس.
ولا يقاس ذلك بالصلاة في الدار المغصوبة ونحوها؟ لأن الوجوب والحرمة
وسائر الأحكام الخمسة أمور متضادة لا يجتمع اثنان منها في محل إلا بحيثيتين
تقييديتين، بخلاف التقرب والتسخن مثلا، فإنهما ليسا من المتضادين، ولذا يبطل
فيما كان من هذا القبيل إذا كانت الضميمة محرمة مطلقا.
فروع:
أ: لو لم يقصد الرياء ذاتا ولا عرضا، ولكن سره إذا رآه انسان أو سمعه لم
يضر؟ لعدم صدق الرياء عليه، وقد صرح به في صحيحة زرارة المتقدمة (3).

(1) في (ق) ان.
(2) في " ه‍ " و " ق " ينضم.
(3) في ص 67.
72

ب: لو أتى ببعض الأجزاء المستحبة كالقنوت في الصلاة، والمضمضة أو
الغسلة الثانية في الوضوء ونحو ذلك رياء يبطل المستحب قطعا، ولكن لا يبطل
الصلاة والوضوء لأجل ذلك.
نعم، قد يبطل المسح ببطلان التثنية أو تكون لمعة من الموضع جافا لم تغسل
من الأولى فيبطل الوضوء لأجله، كما أن قد تبطل الصلاة ببطلان القنوت من جهة
الفصل (1) الكثير لو وصل إليه، أو من جهة التكلم بالمحرم. وقيل: من جهة عدم
اتصال نية الصلاة (2). وفيه نظر.
ج: سيأتي أن حقيقة النية هي الداعي المحرك دون المخطر بالبال، فربما
كان الباعث غير امتثال أمر الله ويخطر بباله القربة مع العلم بأنها ليست الباعث
أو للغفلة أو الجهل به، والعبادة حينئذ باطلة، سيما في الأخيرة (قل هل ننبئكم
بالأخسرين أعمالا " (3) الآية. وربها يكون الأمر بالعكس، فلا باعث له على
العمل إلا وجه الله، ولكن يشكك وتخطر بباله خطرات من غير أن تكون لها
مدخلية في التأثير، وعبادته حينئذ صحيحة. ولو شك في الباعث والمحرك لم يصح
العمل، للزوم العلم بالانبعاث من القربة.
د: لو طرأ الرياء في أثناء العبادة يفسد ولو في آخرها إذا كانت مرتبطة
الأجزاء.
نعم، لو حصل بعد الفراغ لم يضر فيها وإن استفيد من الأخبار حبطها لو
أظهرها.
المسألة الثامنة: المعتبر في النية هي الداعية إلى الفعل المحركة للانسان

(1) في (ه‍) و (ق) الفعل.
(2) شرح المفاتيح (مخطوط).
(3) الكهف: 103.
73

إليه، اللازمة لفعل كل عاقل مختار، دون الصورة المخطرة بالبال.
ولتوضيح الفرق بينهما وتحقيق الحال في المعتبر منهما نقول: إن من يسافر إلى
الكوفة لتحصيل نفع، لا بد له أن يتصور أولا الكوفة، والنفع، وحصوله فيها،
وتوقفه على المسافرة إليها، والمسافرة، فإذا حصلت تلك التصورات، تحصل
للنفس حالة تبعث الأعضاء والجوارح على المسافرة إليها. وهذه الحالة هي المعبر
عنها بالداعي والباعث، وهي قد تحصل للنفس من غير التفاتها إليها وإلى أنها
الباعثة، وقد يكون ملتفتا إليها، فيتصور وينتقش في باله أن يسافر إلى الكوفة
لأجل النفع، وذلك الالتفات والتصوير هو الاخطار.
ثم الحالة الداعية إذا حصلت للنفس تبقى فيها إلى الفراغ عن العمل،
وتبعث الجوارح على كل جزء من أجزائه التدريجية، أو إلى قصده ترك العمل، أي
قصد المنافي، ولكن قد تبقى معها التصورات المذكورة، وقد لا يبقى منها معها
شئ، كما أن الخارج إلى الكوفة قد يشتغل قلبه حين الذهاب بأمور شاغلة له،
بحيث يذهل عن نفسه فضلا عن الكوفة والسفر إليها وتحصيل النفع فيها، ومع
ذلك هو في الحركة والذهاب، والمحرك هو هذه الحالة المخزونة في النفس وإن كان
ذاهلا عنها، بل الغالب في أفعال الناس ذلك.
ألا ترى أنه إذا كنت جالسا ودخل عليك من يستحق التواضع تقوم له حبن
دخوله عليك من غير أن تتصور وتلتفت في بالك إني أقوم تواضعا لفلان لاستحقاقه
ذلك.
ثم الأولى وهي الحالة مع بقاء التصورات تسمى بالنية الفعلية، والثانية
هي النية الحكمية، وهي ترتفع إما بتمام العمل، أو بقصد منافيه، وهي كافية في
وقوع الفعل بالنية، ولذا يعد المسافر قاصدا في كل جزء من حركته ذهابا وإيابا،
ولا يقال: إنه متحرك بلا نية وقصد، وإن لم يلتفت في كل جزء إلى الذهاب
والمقصد، ولا يعد تواضعك خاليا عن القصد والنية، ويترتب عليه ثوابه، بل لو
تكلف الالتفات وتخيل ذلك يستقبحه كل أحد اطلع عليه.
74

ومن هذا ظهر وجه ما ذكرنا من اعتبار مجرد الداعي وكفايته الذي هو تلك
الحالة؟ إذ لا يثبت من أدلة وجوب نية القربة في العبادات سواها، لصدق النية
معها، وتحقق الامتثال عرفا، وعدم الدليل على الزائد، فينفي بالأصل.
نعم، لما كان يتوقف حصولها ابتداء على التصورات المتقدمة، فلو لم يخطر
بالبال أولا الكوفة والنفع والسفر، أو الشخص الوارد والتواضع، لما أمكن انبعاث
الأعضاء والجوارح إلى السفر والقيام، فلا بد من النية الفعلية في ابتداء العمل
لتحصيل تلك الحالة - أي النية الحكمية - وإن لم يتوقف بقاؤها عليها، فلا يضر
عزوب التصورات بعده،. لبقاء الحالة بدونها.
وهذا هو الباعث على اتفاقهم على اشتراط النية الفعلية في الابتداء
والاكتفاء بالحكمية بعدها، فإنه لولا الفعلية ابتداء لما حصلت الحكمية أيضا
بخلاف الأثناء، فإن الفعلية الابتدائية كافية في حصول الحكمية وبقائها إلى
الانتهاء أو قصد المنافي.
ومما ذكرنا ظهر معنى الاستدامة الحكمية المشروطة في العبادات، ووجه
اشتراطها في جميع أجزائها؟ فإنها لو تخلفت عن جزء صدر بلا نية. ومعنى النية
الفعلية المشروطة في أول أجزائه، ووجه اشتراطها فيه؟ فإنه لما كان حصول
الحكمية موقوفا عليها وامتنع تحققها بدون سبقها، فلو تأخر جزء عنها لصدر بلا
نية فيبطل، ولبطلانه يبطل العمل، وليس اشتراطها لأجل أنها النية خاصة.
وظهر من جميع ما ذكر أن هاهنا أمورا ثلاثة: التصورات المذكورة وهي النية
بمعنى الاخطار إذ ليس هو إلا خطور الفعل وأنه يفعله لماذا، والتصورات
المقارنة مع الحالة الباعثة للنفس على الاشتغال وهي النية الفعلية، والحالة المذكورة
مع عدم الالتفات وهي النية الحكمية، وهي لازمة البقاء بعد حصول الفعلية
وعدم الانتقال إلى مخالفها كما يأتي. وعلى هذا فمرجع الاستدامة الحكمية إلى عدم
الانتقال من الفعلية إلى نية مخالفها.
وهذا المعنى لها هو الذي ذكره الأكثر وحكي عنهم، كما عن المبسوط
75

والشرائع والمنتهى والجامع والتذكرة ونهاية الإحكام (1)، ونسبه الشهيد إلى
الأكثر (2).
بل - كما قيل (3) - يرجع إليه ما عن الغنية والسرائر (4) من أنها أن يكون ذاكرا
للفعل غير فاعل لنية مخالفها، بجعل قولهم غير فاعل مفسرا لسابقه.
وقد يجعل هذا المعنى مغايرا لسابقه ويجعل مجموع الفقرتين تفسيرا لها.
ولا يخفى أنه على هذا يكون عين النية الفعلية لأنها أيضا ليست شيئا
سوى التذكر للأمور المذكورة مع الحالة المحركة اللازمة على كل تقدير، وقد عرفت
عدم دليل على لزومها في تمام الأجزاء، بل هي ليست معتبرة في نفسه في جزء من
الأجزاء وإن اعتبرت لأجل حصول الحكمية، إلا أن يكون المراد التذكر للفعل
فقط، دون سائر التصورات من أنه يفعله ولماذا يفعله، وذلك أيضا لا دليل على
اعتباره أصلا.
وقد يقال في توجيه وجوبه (5) إنه كما تجب النية في أول الفعل تجب في كل
جزء منه أيضا، ولما كانت النية عندهم هو الاخطار أو الفعلية، ويتعذر اعتبارها
في جميع الفعل إذ ما جعل الله لرجل قلبين في جوفه (6) يتوجه بأحدهما إلى
الاخطار وبالآخر إلى إحداث الأجزاء والحركات والسكنات، فلا بد من الاكتفاء
بمجرد التذكر، إذ " ما لا يدرك كله لا يترك كله " (7) بل ذلك هو الوجه في اعتبار

(1) المبسوط 1: 19، الشرائع 1: 20، المنتهى 1: 55، الجامع للشرائع: 35، التذكرة 1: 15،
نهاية الإحكام 1: 49 4.
(2) في الذكرى: 81.
(3) كشف اللثام 1: 63.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 553، السرائر 1: 98.
(5) أي وجوب التذكر للفعل فقط.
(6) الأحزاب: 4.
(7) غوالي اللآلي 4: 58.
76

الحكمية بالتفسير الأول أيضا.
نعم، من لم يجعل النية هي الاخطار أو الفعلية، بل اكتفى بمجرد الداعي،
كما هو مقتضى الأدلة، اعتبرها بنفسها في تمام العمل لامكانها، ولا صارف عنها
يوجب المصير إلى الحكمية بأحد المعنيين.
وفيه: أن الحكمية بمعنى كونه ذاكرا للفعل لا تتحقق أيضا إلا بعد قلبين،
يتذكر بأحدهما الفعل، لأن التذكر أيضا من فعل القلب، ولا يتفاوت في ذلك
تذكر الفعل خاصة أو مع غيره.
نعم، يصلح ذلك توجيها لاعتبارها بالمعنى الأول (1)، لأنه لا يحتاج إلى
تذكر، ولكنه ليس أمرا غير الداعي والمحرك المخزون في النفس وإن لم يلتفت
إليه، إذ مجرد عدم الانتقال من غير كون الداعي لا يؤثر في الفعل أصلا، وعلى
هذا فلا يحتاج في وجه اعتباره إلى ذلك التكلف الركيك، بل هو عين النية الثابتة
بالأدلة، ولذا ترى العامل يقال: إنه عامل بالقصد إذا نواه أولا وإن ذهل في
الأثناء إذا كان مشتغلا غير منتقل بنيته هذا.
ثم إنه بقي ها هنا شئ، وهو أن الثابت مما ذكر وجوب عدم تأخر
الفعلية عن أول جزء من العمل، وأما لزوم عدم تقدمها عليه فلم يثبت، فإنه قد
تحصل النية الفعلية قبل العمل ثم تبقى الحالة التي هي الحكمية حتى تقارن أول
الجزء، وعلى ما ذكر يجب أن يكون العمل حينئذ صحيحا مع أن الأكثر صرحوا
بوجوب مقارنة الفعلية التي يعبرون عنها بالنية لأول جزء.
أقول: هذا المقام هو محل غرور جماعة من المتأخرين، حتى قال بعضهم:
بسقوط البحث عن كلفة المقارنة، وتقديمها في الوضوء عند غسل اليدين (2).
وآخر: بأنه لا أدري ما الباعث للتفرقة بين أول الجزء والأثناء مع تساوي الأجزاء

(1) وهو عدم الانتقال من النية إلى مخالفها.
(2) كما في الرياض 1: 18.
77

فيما يشترط به من نحو النية (1). وطعن ثالث (2) بأكثر الفقهاء الذين يبحثون عن
أول وقت النية وبمن يحصرها بين حاصرين (3). ورابع: بأن اشتراط المقارنة إنما
هو على مذاق الموجبين للاخطار على ما هو الحري بالاعتبار (4).
ونحن نقول لحسم مادة الاشكال: إنه مما لا شك فيه أن حصول تلك
الحالة الداعية - التي تسمى مع عدم الالتفات إليها بالنية الحكمية - موقوف على
التصورات المذكورة، وبقاءها على الاشتغال بالعمل نفسه أو بمقدماته، ولا
يمكن بقاؤها بدون ذلك، فلو لم يشتغل بشئ منها ولم يحضر التصورات لم يمكن
بقاء الحالة، ولذا ترى أن من تصور زيدا في يوم وتصور بيته ولقاءه والذهاب إلى
بيته للقائه، وحصلت في نفسه حالة باعثة على الذهاب غدا إلى بيته للقائه، فلا
يمكن ذهابه في الغد إلا بتجديد التصورات، ولو ذهل عنها بالكلية واشتغل قلبه
بأمر آخر امتنع منه الذهاب، بخلاف من اشتغل بالذهاب فإنه يذهب مع
الذهول عن زيد وبيته، بل عن ذهابه لو لم يقصد غيره مما ينافيه.
وهذا هر السر فيما ترى من أنك تقصد اشتغال أمر في الغد وتتركه للذهول
عما قصدت، وإذا اشتغلت به لا تتركه وإن ذهلت عنه.
وتوهم إمكان بقاء الحكمية بدون الاشتغال أيضا فاسد جدا، فإن من
يقصد قبل الزوال الوضوء بعد الزوال، ثم يشتغل بأمر آخر لا يمكن أن يتوضأ
بعد الزوال إلا بشعوره بالوضوء وبفعله.
ولعل السر في ذلك احتياج الباقي في البقاء إلى المؤثر، فمع الاشتغال يكون
هو المؤثر في البقاء، بمعنى أن التصورات علة لحدوث الحالة وهي للاشتغال بأول

(1) يستفاد هذا الاشكال من مشارق الشموس 93.
(2) الحدائق 2: 174.
(3) إشارة إلى ما ذكره العلامة وغيره: نية الصلاة يجب أن تكون محصورة بين الألف والراء في تكبيرة
الاحرام (منه ره).
(4) كما في شرح المفاتيح (مخطوط).
78

جزء وهو لبقاء الحالة حين الاشتغال، هي للاشتغال بالجزء الثاني، وهو لبقائها
وهكذا، وأما إذا لم يشتغل وعزبت التصورات، فلا علة لبقاء الحالة فتنتفي.
وإذ ظهر لك توقف الحكمية على الاشتغال، فلو لم تقارن الفعلية لأول جزء
مما يتعلق بالعمل بل تقدمت عليها فتنتفي الحكمية بعدها وقبل الاشتغال، فيكون
الفاعل حال الاشتغال بأول جزء خاليا عن النية، فلا بد من تجديد التصورات
لتحصيل الحالة، وهذا هو المقارنة.
وبه يظهر لك سبب التفرقة وإمكان الحصر وعدم توقف اشتراط المقارنة على
وجوب الاخطار، ويرتفع الطعن؟؟ عن العلماء الأخيار، بل ملاحظة ما ذكرنا يتضح
أمر النية بالتمام، ويندفع بعض الاشكالات والايرادات عن المقام.
فروع مما يتعلق بالنية.
أ: إذ قد عرفت وجوب مقارنة النية الفعلية لأول فعل ما (1) يتعلق بالعبادة،
تعلم أن وقت نية الوضوء عند غسل الوجه، ويجوز تقديمها عند غسل اليدين
المستحب للوضوء التفاتا إلى كونه من الأجزاء المندوبة له.
ولا يجوز عند جماعة (2) لعدم كونه من الوضوء عندهم وإن استحب.
فالجواز مبني على كونه من الوضوء أو مستحبا برأسه، وكذا المضمضة
والاستنشاق.
ولا يبعد القول بكفاية النية عند غسل اليد للوضوء ولو لم يكن جزءا، بل
عند التهيؤ للوضوء ولو بتحصيل الماء وأمثاله، وكذا كل عبادة، فإنه ظهر مما ذكرنا
أن وقت النية الفعلية هو ابتداء الاشتغال بالعمل نفسه أو بها يتعلق به، ولا يحتاج
إلى الاشتغال بجزء معين منه.
نعم، لا بد حينئذ من كون نفس العبادة لا يحتمل غيرها من غير العبادات،

(1) في " ه‍ " و " ق " مما.
(2) راجع مجمع الفائدة 1: 100، والمدارك 1: 192.
79

إما بنفسها أو بما يميزها من الأمور الخارجية حتى يصدق الامتثال، ولا من
العبادات حتى تتعين الآثار المترتبة على ما يريد فعله، وإلا لاحتاجت في أول جزء
منها إلى قصدها لتميزها عن غيرها، ولذا يحتاج الذاهب من بيته إلى الحمام قاصدا
للغسل تجديد النية عند الارتماس، إلا إذا لم يكن من عادته الارتماس لغير
الغسل.
ب: وإذ عرفت عدم العبرة بالاخطار، وأن الداعي هو على الاعتبار، تعلم
أنه لو أراد فعلا معينا وحركه الداعي إليه كصلاة الظهر، ثم خطر بباله حين المقارنة
غيرها كالصبح أو العصر لم يضر.
ج: وإذ عرفت اشتراط القربة والخلوص في نية العبادات، وأنه ربما يشتبه
الأمر أو تحصل الغفلة فعليك بالمجاهدة، ومعرفة الرياء وآثاره وعلاماته والمعالجة،
وعدم الغفلة عن مكائد النفس الأمارة، فإن تحصيل الخلوص أمر صعب لا يتأتى
في الأغلب إلا مع المجاهدات الصعبة، كما يدل عليه قول الأمير عليه السلام:
" تخليص العمل من الفساد أشد من طول الجهاد " (1).
وما ورد عنهم من أن " الرياء شرك خفي وأخفى من دبيب النملة " (2) إلى
غير ذلك.
ومن ذلك ظهر فساد ما ذكره بعض المتأخرين (3) من سهولة الخطب في
النية، وأن المعتبر فيها محض تخيل المنوي بأدنى توجه، وهذا القدر لا ينفك عنه
أحد من العقلاء.
وكذا ظهر مما ذكرنا - من الأخبار الواردة في النية والقربة ومن معنى النية -
فساد ما قيل: من أن اشتراط النية بالمعنى المعروف من بدع فقهائنا المتأخرين

(1) الكافي 8: 24 خطبة الوسيلة لأمير المؤمنين عليه السلام، بتفاوت يسير.
(2) تحف العقول: 487 بتفاوت يسير.
(3) منهم صاحبا المدارك 1: 185، والمفاتيح 1: 48.
80

تبعا للعامة، وإلا فالرواة والقدماء ما كانوا يذكرونها ويتعرضون لها.
د: لو زاد في النية على ما يجب، فإما يكون من الأوصاف المتحققة في
المنوي، كأن ينوي الوجوب في الواجب، أو الندب في المندوب على المختار من
عدم اشتراط نية الوجه، أو ينوي القصر في صلاة السفر، أو الاتمام في الحضر
ونحوه، فلا محذور فيه أصلا.
أو يكون مما ليس فيه، كأن ينوي الواجب مندوبا، أو الأداء قضاء، أو
الظهر عصرا، أو غسل الجنابة جمعة أو بالعكس، بمعنى أن يعتقده كذلك، لا
مجرد الاخطار - فإنه لا عبرة به - فلا يخلو إما يتعين مقصوده والفعل الذي يأتي به،
إما لأجل كون المأمور به أمرا واحدا معينا لا يشتبه بغيره ويقصده بعينه، وليس
أمر آخر غيره يشتبه به، أو لأجل ضم ما يميزه عن غيره - إن كان - إلا أنه أخطأ
في اعتقاده الذي زاد، كأن يتوضأ للصلاة وجوبا باعتقاد دخول الوقت ولم يدخل،
أو ندبا باعتقاد عدمه وقد دخل، أو ينوي الصلاة قضاء باعتقاد خروج الوقت ولم
يخرج، أو أداء باعتقاد عدم خروجه وقد خرج، أو توضأ بنية وجوبه أو ندبه نفسا
مع أنه واجب ومندوب لغيره ونحو ذلك مما لا يحصل فيه الاشتباه لأجل تلك النية
فلا محذور أيضا، كما صرح به بعضهم (1)؟ لأنه قصد الأمر المعين الذي عليه
واقعا، إلا أنه أخطأ في اعتقاده، وهو غير مضر، لأنه أتى بذلك المعين المطلوب
منه. والخطأ في اعتقاده لا يخرجه من المطلوب المعين. وكذا لو كان الخطأ لأجل
الغفلة بل ولو تعمد ذلك لأنه قصد لغو لا يضر في صدق الامتثال العرفي.
وقيل بالبطلان مع العمد (2). ولا وجه له.
أو يكون هناك أمران ويريد وصف أحدهما في النية مع أن المأمور به هو
الآخر، كان ينوي الظهر باعتقاد أنه لم يفعله، ثم ظهر أنه فعله، وكانت عليه

(1) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).
(2) كشف اللثام 1: 66.
81

صلاة العصر، أو قصد نافلة الصبح زعما منه أنه ما فعلها فظهر أنه فعلها وكانت
عليه فريضة، أو غسل الجمعة باعتقاد أن ما فعله غسل الجنابة ثم ظهر أنه اغتسل
للجمعة، فالظاهر البطلان لأنه لا يوافق المأمور به، وما وافقه ليس مأمورا به،
ولأن قصد إطاعة المأمور به شرط في تحقق الامتثال، وما قصد إطاعته ليس مأمورا
به، وما هو مأمور به لم يقصد إطاعته.
ه‍: إذا وجب أو استحب أمر كالوضوء أو الغسل لغايات، فإما لا يعلم
أن الاتيان به مقيدا بكونه لأجل الغاية أيضا من المأمور به أو يعلم.
فإن لم يعلم، مثل أن يقول: يستحب أن يكون النائم متطهرا والقارئ
متطهرا والمجامع متطهرا والداخل في بيته متطهرا، إلى غير ذلك، أو ما يؤدي هذا
المؤدى، فيكفي للمجموع وضوء واحد؟ لأصالة البراءة، وصدق التوضؤ والتطهر
ونحوهما، إلا أن تثبت من الخارج مطلوبية التعدد.
وإن علم أن التقييد بالاتيان لأجل كذا جزء المأمور به، يلزم في امتثال
المجموع التعدد، لتعدد المأمور به حينئذ، إلا أن يثبت التداخل وكفاية واحد
للمجموع.
ثم ما كان من الأول فلا تلزم فيه نية الغاية أصلا كما أشير إليه سابقا، بل
لو فعل فعلا واحدا بنية القربة يكفي لجميع الغايات، وحينئذ لو نوى غاية معينة
تكون من قبيل الزائد الذي لا يبطل به الفعل، ولا يصرفه إلى الفعل لتلك الغاية
بخصوصها، للأصل، فيترتب عليه جميع الغايات، وإن ثبت التعدد فيه يمتثل
بواحد أمرا واحدا لا بعينه، والأمر في ترتب الآثار لو اختلفت كما مر.
وما كان من الثاني لا يكفي واحد بنية القربة، ولا يكفي المأتي به بنية إحدى
الغايات للأخرى إلا بدليل، كما ظهر وجهه فيما سبق.
إذا عرفت ذلك نقول: إنه لما لم يعلم في الوضوء تقييد الأمر بشئ من
أفراده بغاية من غاياته، بل غاية ما ثبت وجوب الكون على الوضوء أو استحبابه
لأمور، والأصل عدم التعدد في المأمور به أيضا، فيكفي الوضوء الواحد بنية
82

القربة لجميع الغايات، وكذا لو توضأ بقصد غاية معينة، ووجهه يظهر مما مر،
وستأتي زيادة تفصيل لذلك في بحث الأحكام.
هذا، وقد ظهر بما ذكرنا أن من اشتغلت ذمته بطهارة واجبة، فنوى الندب
أو نوى إحدى غاياته الموجبة لاستحبابه يصح الوضوء، إذ ليس المطلوب منه إلا
وضوء واحد واجب، غايته أنه زاد في النية أمرا لغوا، فلا يبطل به الوضوء.
وعن المنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والقواعد والشهيد: البطلان (1)،
ولعله مبنى على اشتراط نية الوجه.
و: لو نوى نقض الطهارة بعد الاكمال لم تبطل قطعا، للأصل. ولو نواه في
الأثناء بطل الباقي لو أوقعه، إلا إذا رجع إلى النية قبل فوات الموالاة في الوضوء
ومطلقا في الغسل، وأوقعه بعده، فيصح.
ز: لو أخل في الوضوء بلمعة، وغسلها في الغسلة الثانية المندوبة، صح
عندنا؟ ووجهه ظاهر.
وعلى اشتراط قصد الوجه لا يصح، وفاقا لأهله إن علم به، وإن لم يعلم
ففيه قولان.
ح: ظهر لك مما ذكرنا أنه يكفي وضوء واحد لرفع جميع الأحداث، سواء
نواه أو لم ينوه أو نوى رفع حدث معين، بل لو نوى عدم رفع حدث.
ط: لا يجوز الترديد في النية فيما يجب قصده إذا كان عنده معينا، فيبطل لو
تردده لعدم الاتيان بالمأمور به. فلو أعطى شيئا وتردد في قصد الزكاة أو الخمس
بطل. وكذا لو صلى مترددا بين الفريضة والنافلة. وكذا الحكم في الوجه والرفع عند
مشترطي قصدهما.
وأما لو لم يكن معينا عنده إما لتردد (2) في المسألة، أو للنسيان أو للجهل،

(1) المنتهى 1: 55، التذكرة 1: 15، نهاية الإحكام 1: 32، القواعد 1: 10، الدروس 1: 90.
(2) في ه‍ و " ق " للتردد.
83

مثل أن صلى ركعتين ونسي أنه صلى الأداء أو القضاء، أو أعطى شيئا ونسي أنه
أعطى للزكاة أو الخمس مع اشتغال ذمته بهما، أو لم يعلم أن الزكاة حينئذ واجبة
عليه أو مستحبة، أو غسل الجمعة على اشتراط نية الوجه، فالظاهر - كما صرح به
بعضهم (1) - كفاية قصد ما في الذمة، إذ معناه هو المطلوب المعين في الواقع.
ولو تردد بين إباحة فعل ووجوبه أو استحبابه ينوي الاحتياط! لأن
الاحتياط مطلوب للشارع.
ي: على ما اخترناه يكفي مجرد قصد القربة في كل عبادة واجبة مشتملة على
بعض الأجزاء المستحبة، ولا يلزم قصد الوجه مطلقا فضلا عن قصد الوجوب في
الواجبة والندب في المندوبة، ولو نوى الوجوب للجميع لم يضر.
وللمشترطين لنية الوجه في مثلها قولان. وجوب قصد الوجوب في الواجبة،
والندب في المندوبة. قيل: هو ظاهر جمع من الفقهاء (2) وكفاية قصد الوجوب،
نقل عن صريح بعض المتأخرين (3) ولكل وجه، والأحوط الأول.
يا: لو شرع فعلا لأسباب متعددة فنوى عدم بعضها، كأن يتوضأ بقصد
عدم كونه لتلاوة القرآن، فإن كان السبب مما علم وجوب قصدها بأن يكون
قصدها قيدا للمأمور به، فلا يجزي عما نوى عدمه قطعا.
ولو لم يكن كذلك، فإن لم يكن المأمور به إيقاع الفعل عند ذلك السبب،
بل كان المطلوب وجوده كيف ما كان، كما في الوضوء حيث إنه لم يثبت استحباب
إيقاع الوضوء لكل من غاياته، بل المطلوب تحققه كيف كان، فإن المستحب تلاوة
القرآن متطهرا لا التوضؤ مطلقا عند تلاوته، فيكفي ذلك الفعل لجميع أسبابه،
والوجه واضح.
وإن كان المأمور به نفس الفعل عند السبب كالغسل للجمعة والتوبة
والحاجة وغيرها، فالظاهر عدم الكفاية عما نوى عدمه إلا مع دليل شرعي لعدم

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).
(2) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).
(3) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).
84

صدق امتثال ذلك الأمر عرفا، فإن قصد عدم امتثال أمر يوجب انتفاء صدق
امتثاله عرفا قطعا.
يب: لو لم يعلم جزئية بعض الأجزاء للعبادة، ولكن أتى به من باب
الاتفاق كالطمأنينة في الصلاة أو المسح في الوضوء أو الطواف بالبيت في الحج،
بطل ذلك الجزء لاشتراط القربة، وببطلانه تبطل العبادة، سيما إذا كانت تلك
الأجزاء من مقومات ماهية العبادة كالامساكات المخصوصة بالنسبة إلى الصوم،
فلو لم يعلم أحد من الصوم إلا الامساك من الأكل والشرب والانزال، ولم يقصد
ترك الادخال من غير إنزال أو غيره من مبطلات الصوم، بطل صومه، لعدم قصد
موافقة المأمور به، لأنه لم يقصد القربة فيه، فلم يقصد فيما هو الصوم، ولا شك
أنه لو قصد - من يعلم أن الصوم إمساك عن الأكل والوقاع - من الصوم الامساك
من الأكل دون الوقاع، لم يصح صومه، فكذا من لم يعلم، لعدم مدخلية العلم
في ذلك.
هذا إذا لم يعلم جميع الأجزاء وعلم انحصارها فيما قصده، أما لو جوز
أجزاء أخر غير ما يعلمه وقصد جميع ما هو جزء له في الواقع، فالظاهر الصحة إذا
أتى بالجميع ولو اتفاقا، فلو نوى من الصوم الامساك من كل ما يعتبر الامساك
عنه في الصوم وأمسك عنه صح ولو لم يعلم الجميع.
الثاني من واجبات الوضوء: غسل الوجه.
ووجوبه ثابت بالضرورة والنص.
وحد الوجه الواجب غسله طولا. ما بين القصاص والذقن من الوجه.
وعرضا: ما حوته الابهام والوسطى، بالاجماع المحقق والمحكي عن المبسوط
والخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى (1) والمعتمد وغيرها، وهو الحجة.

(1) المبسوط 1: 20، الخلاف 1: 76، الغنية (الجوامع الفقهية): 553، المعتبر 1: 141، المنتهى 1: 56.
85

مضافا إلى رواية إسماعيل بن مهران: عن حد الوجه، فكتب " من أول
الشعر إلى آخر الوجه، وكذلك الجبينين " (1).
وصحيحة زرارة: " الوجه الذي قال الله عز وجل وأمر بغسله، الذي لا
ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه أثم:
ما دارت عليه الابهام والوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، وما جرت
عليه الإصبعان من الوجه مستديرا، فهو من الوجه، وما سوى ذلك فليس من
الوجه " فقال: الصدغ من الوجه؟ قال: " لا " (2).
وانطباقها على المدعى ظاهر فإنه إذا وضعت الإصبعان على موضع
القصاص عرضا شبيه قوس - لأن وضعهما عليه لا يكون إلا كذلك - وحدرت بهما
كذلك إلى الذقن، يصدق عليه أنه ما دار عليه، أي أحاط دوره أو حرك دوره
الإصبعان، مبتدئا من القصاص إلى الذقن، وأنه ما جرتا عليه من الوجه حال
كونه أو الجري عليه مستديرا. وهو إشارة إلى وضعهما على القصاص مستديرا،
لكون القصاص كذلك، وإلى ما يخرج من حد الوجه مما تحويه الإصبعان لو لم
تستديرا عند انتهائهما إلى الذقن.
واحتمال إرادة جعل الإصبعين خطا واصلا بين القصاص والذقن، دائرا
على نفسه مع ثبات وسطه - كبعض المتأخرين - (3) بعيد من الفهم جدا، ومع فهم
المعظم خلافه يصير أبعد، بل يبطله أنه على ذلك يكون ابتداء دوران إحدى
الإصبعين من القصاص والأخرى من الذقن دفعة واحدة، وكذلك انتهاؤهما، فلا
يكون ابتداء من قصاص ولا انتهاء من ذقن.

(1) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 4، التهذيب 1: 55 / 155، الوسائل 1: 404 أبواب الوضوء
ب 17 ح 2.
(2) الكافي 3: 27 الطهارة ب 8 1 ح 1، الفقيه 1: 28 / 88، التهذيب 1: 54 / 154 الوسائل 1:
403 أبواب الوضوء ب 17 ح 1.
(3) الشيخ البهائي في الحبل المتين: 14.
86

مضافا إلى عدم كون ما بين القصاص والذقن بقدر الإصبعين غالبا، بل
إما يزيد أو ينقص، فيلزم خروج ما اتفق على دخوله أو عكسه، بل يلزم الأول على
فرض التطابق أيضا إذ مقتضى الحركة الدورية بهذا الطريق انفصال طرف
الإصبع الموضوع على القصاص منه مع ازدياد ميله إلى السفل، فيخرج ما يتصل
من الجبهة والجبين من الطرفين بالقصاص سوى قدر طرف إصبع، وذلك باطل
إجماعا.
ومنه يظهر وجوب المصير إلى المشهور على ذلك الاحتمال أيضا، لعدم
اختلاف (1) على الاحتمالين إلا فيما يخرج من الجبهة (والجبين) (2) من الطرف
الأعلى، وإدخاله واجب بالاجماع.
وتوهم دخول النزعتين، وهما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى الجبين
- على التفسير المشهور - وكذا جميع مواضع التحذيف، وهي منابت الشعر الخفيف
بين النزعة والصدغ، أو ابتداء العذار، باطل لتصريح الرواية بوجوب كون
المحدود من الوجه، والأول وبعض الثاني أو تمامه من الرأس عرفا.
ويؤكده خروج الأول عن التسطيح الذي ينفصل به الوجه عن الرأس.
وأما الصدغ فهو مشترك في الاحتمالين في خروج بعضه ودخول البعض،
لاتحاد موضع طرفي الإصبعين على الاحتمالين في قرب الوصول إلى طرف
الحاجب. هذا على بعض تفاسيره، ويخرج كلا على البعض عليهما. ومن هذا
يظهر ضعف ما لم أيد به الاحتمال الأخير.
ثم إنه لا يجب غسل ما زاد على التحديد المذكور طولا وعرضا، ولا يجوز
ترك ما دخل فيه كذلك.
فلا يغسل النزعتان ولا ما استرسل من اللحية طولا وعرضا إجماعا.

(1) في (خ) الخلاف.
(2) لا توجد في (ه‍).
87

ولا شئ من الصدغ لو فسر بما فوق العذار من الشعر خاصة، كما هو ظاهر
الصحيح المتقدم (1)، وجمع من الأصحاب (2). ولا جميعه لو فسر بمجموع ما بين
العين والأذن، كما عن بعض أهل اللغة (3)، أو المنخفض الذي بين أعلى الأذن
وطرف الحاجب، كما عن بعض الفقهاء (4)، أو الشعر المتدلي بين العين والأذن أو
منبت ذلك الشعر كما قيل (5).
ولا من مواضع التحذيف. والعذار، وهو ما حاذى الأذن من الشعر.
والعارض، وهو الشعر المنحط عن المحاذي للأذن إلى الذقن إلا ما دخل من
الأربعة (6) في التحديد، وفاقا لجماعة (7)، وخلافا في الأول منها للمحكي عن
الراوندي، فأدخله جميعا (8)، وصريح الصحيح يرده.
وللأكثر، بل قيل: إنه إجماعي (9). وفي الذخيرة. ذهب إليه جمهور
العلماء (10)، فأخرجوه كذلك لذلك مطلاقا، وبه يخصون التحديد على غير التفسير
الأول.
ويمكن دفعه بعدم التعارض، إذ لا يدخل على هذا إلا بعض الصدغ،
وما صرح بخروجه هي الصدغ، وبعض الشئ غير الشئ.
ولو سلم التعارض فليس تخصيص المحدود بأولى من تخصيص الصدغ،

(1) في ص 86 رقم 2.
(2) كما فسره به في المنتهى 1: 57، والذخيرة: 27، وكشف اللثام 1: 66.
(3) انظر الصحاح 4: 1323، العين 4: 371.
(4) فسره به في مشارق الشموس: 101.
(5) الناموس 3: 113.
(6) وهي الصدغ، ومواضع التحذيف، والعذار، والعارض.
(7) انظر المعتبر 1: 141، ونهاية الإحكام 1: 36 " وكشف اللثام 1: 66.
(8) نقله عنه في الذكرى: 83، وراجع فقه القرآن 1: 13.
(9) قال في الرياض 1: 19 خروجه مطلقا أو في الجملة إجماعي.
(10) الذخيرة: 26.
88

بل هو أولى، حيث إن الظاهر دخول ما تحويه الإصبعان منه في الوجه العرفي.
وفي الثاني لبعضهم (1)، فأدخلها، بل نسبه إلى غير شاذ من الفقهاء،
للدخول في الوجه.
ويضعف: بأن الصحيح يخصها كلا أو بعضا لو سلم الدخول.
وللمنقول عن التذكرة والمنتهى (2)، فأخرجها، للدخول في الرأس لنبات
الشعر عليه. ولا دلالة له على الدخول أصلا.
وفي الثالث للمنتهى والتحرير (3)، ونسب إلى المعظم، فأخرجوه مطلقا، بل
نفى الأول استحباب غسله، والثاني حرمه مع اعتقاد شرعيته. وللمحكي عن
المبسوط، والخلاف، والمسالك (4)، والكركي في شرح الشرائع (5)، فأدخلوه
كذلك، لأدلة ضعفها بعد تصريح الصحيح السابق ظاهر.
والجمع بين كلام الفريقين بإرادة البعض الخارج من التحديد والداخل فيه
- كما عن المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام (6) - ممكن، إلا أن الظاهر خروج العذار
من المحدودة، لعدم وصول الإصبعين من مستوى الخلقة إليه.
وفي الرابع للمنقول عن الإسكافي (7) والشهيدين (8)، فأدخلوه، بل عن
ثانيهما عدم الخلاف فيه. وللمنتهى (9) فأخرجه.
وإرادة الأولين ما نالته الإصبعان منه والثاني ما يخرج مما تنالانه - كما هو

(1) شرح المفاتيح: (مخطوط).
(2) التذكرة 1: 16 المنتهى 1: 57.
(3) المنتهى 1: 57، التحرير 1: 9.
(4) المبسوط ا: 20 الخلاف 1: 77، المسالك 1: 5.
(5) نسبه إليه في شرح المفاتيح: (مخطوط).
(6) المعتبر 1: 141، التذكرة 1: 16، نهاية الإحكام 1: 36.
(7) نقله عنه في المختلف: 21.
(8) الأول في الدروس 1: 91، والثاني في الروضة 1: 73، والمسالك 1: 5.
(9) المنتهى 1: 57.
89

ظاهر نهاية الإحكام (1) - ممكنة، فلا يكون اختلاف.
والاستناد (2) في إخراجه بعدم شمول الإصبعين له - لأن اعتبارهما في
الوسط، وفي غيره بما يحاذي موضعه منه، وإلا لوجب غسل ما تنالانه وإن تجاوز
العارض - ضعيف، إذ لا دليل على هذا التخصيص.
وخروج ما ذكره بالاجماع لا يوجب خروج غيره، مع أن قوله: " من الوجه "
في الصحيح يخرج ما ذكره لأن المتجاوز عن العارض ليس من الوجه.
فروع:
أ: القصاص منتهى منبت الشعر من الناصية دون النزعتين لأنهما من
الرأس، وهو عند انتهاء استدارة الرأس وابتداء تسطيح الجبهة.
والمعتبر إنما هو من مستوى الخلقة لأنه المتبادر حين يطلق، وكذا في
التحديد العرضي بالإصبعين، فيرجع فاقد شعر الناصية المعبر عنه بالأنزع،
وأشعر الجبهة المسمى بالأغم، وقصير الأصابع وطويلها بالنسبة إلى وجهه، إلى
مستوى الخلقة.
ب: يجب استيعاب الوجه المحدود بالغسل إجماعا، بل ضرورة من الدين،
كما صرح به بعض مشايخنا المحققين (3).
تدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة (4)، وصحيحته الأخرى: ألا تخبرني من
أين علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وببعض الرجلين؟ فضحك، فقال:
يا زرارة قال رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل به الكتاب من الله بقوله:

(1) نهاية الإحكام 1: 36.
(2) كما في المدارك 1: 198 قال: وقد يستدل على الوجوب ببلوغ الابهام والوسطى بهما فيكونان داخلين
في تحديد الوجه. وضعفه ظاهر، فإن ذلك إنما يعتبر في وسط التدوير من الوجه خاصة وإلا لوجب
غسل كل ما نالته الابهام والوسطى وإن تجاوز العارض وهو باطل اجماعا.
(3) هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).
(4) في ص 86.
90

* (فاغسلوا وجوهكم) * فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل (1).
وحسنة زرارة وبكير: " إن الله عز وجل يقول: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) * فليس له أن يدع شيئا من
وجهه إلا غسله، وأمر بغسل اليدين إلى المرافق، فليس له أن يدع شيئا من يديه
إلى المرفقين إلا غسله " (2) وتظهر منها دلالة الآية عليه أيضا.
ج: لا خلاف في عدم وجوب تخليل ما كان كثيفا، أي ساترا للبشرة من
اللحية، سواء كان كلها أو بعضها، وعليه الاجماع عن الخلاف والناصريات (3).
وإنما الخلاف في الخفيفة، وفسروها بما يتراءى البشرة من خلالها في مجلس
ا لتخاطب.
فعن الشيخ في المبسوط (4)، والمحقق (5)، والفاضل في المنتهى والارشاد
والتلخيص والتحرير (6)، والشهيد في بعض كتبه (7). عدم الوجوب.
بل قيل: إنه المشهور (8).
وعن العماني (9)، والإسكافي (10)، والسيد (11)، والفاضل في المختلف

(1) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 4، الفقيه 1: 56 / 212، التهذيب 1: 61 / 168، الإستبصار
1: 62 / 186، الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23 ح 1.
(2) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء ب 15 ح 3. والآية في
المائدة: 6.
(3) الخلاف 1: 75، الناصريات (الجوامع الفقهية): 184.
(4) المبسوط 1: 20.
(5) المختصر النافع: 6.
(6) المنتهى 1: 57، مجمع الفائدة 1: 102، التحرير 1: 9.
(7) الدروس 1: 91.
(8) الذكرى: 84.
(9) نقله عنه في التذكرة 1: 16، والرياض 1: 67.
(10) نقله عنه في المختلف: 21.
(11) الناصريات (الجوامع الفقهية): 183.
91

والتذكرة (1): الوجوب.
واضطربت كلمات المتأخرين في تحرير محل النزاع، حتى آل إلى دعوى
بعضهم (2) الاجماع على ما جعله الآخر موضع الخلاف.
ومنهم من جعل النزاع لفظيا، وقال: إن كل من قال بوجوب التخليل فأراد
الكثيفة إذ ليس في الخفيفة تخليل، بل هو إيصال الماء (3) أو قال: إن من نفى
التخليل في الخفيفة نفاه لغسل البشرة المستورة بها أصالة، وأما غسلها من باب
المقدمة لغسل الظاهرة خلالها الواجب غسلها البتة فلا ينفيه.
ومن أثبته أراد الأعم من التبعي (4).
ومنهم من جعله ذا احتمالات حكم في بعضها بالوجوب وفي آخر
بالعدم (5).
والتحقيق: أن مقتضى استصحاب الحكم الثابت قبل نبات اللحية وجوب
غسل البشرة حتى يعلم الرافع، وما يصلح رافعا هنا صحيحتا محمد وزرارة
وروايته (6).
أولاها: أرأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال: (كل ما أحاط به الشعر فليس
على العباد أن يطلبوه، فلا يبحثوا عنه، ولكن يجري عليه الماء " (7).

(1) المختلف: 21، التذكرة 1: 15.
(2) يظهر من الشهيدين في الذكرى: 84 والروض: 32 اتفاق جميع الفقهاء على وجوب غسل
البشرة الظاهرة خلال الشعر، وصرح في جامع المقاصد 1: 214 بوجود الخلاف فيه، وفي المشارق:
103 جعله موردا للخلاف بين الأصحاب، واستظهر من الشيخ والمحقق والعلامة القول بعدم
وجوبه.
(3) قاله في الحدائق 2: 239.
(4) قاله في الرياض 1: 19.
(5) كما في الذخيرة: 28.
(6) لا يخفى عدم تطابق المتون الثلاثة التي أوردها المصنف مع ما أشار إليه في المقام بحسب الترتيب،
فالمتن الأول صحيحة زرارة والثاني صحيحة محمد بن مسلم والثالث رواية زرارة فلاحظ.
(7) الفقيه 1: 28 / 88، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 3.
92

وثانيتها: عن الرجل يتوضأ أيبطن لحيته؟ قال: " لا " (1).
وثالثتها: " إنما عليك أن تغسل ما ظهر " (2).
ولا شك في رفعها الوجوب في الكثيفة، فيرفع فيها بها، مضافا إلى الاجماع.
ورفعه بالأصل - كما قيل (3) - غير جيد، لما عرفت من الاستصحاب.
وأما الخفيفة - على ما فسروها به - فلا يرفع الوجوب في جميع أفرادها بها،
لأن منها ما تصدق عليها الإحاطة عرفا، وعلى تخليلها التبطين، ومنها ما ليس
كذلك بل تعد عرفا مما ظهر.
فالحق التفصيل بذلك، والقول بأن كلما كان الشعر محيطا بالبشرة بحيث
يقال: إنها تحته وباطنه، لا يجب إيصال الماء إلى تحته، ولو كان بحيث يتراءى
أحيانا وفي بعض الأوضاع، وكلما لم يكن كذلك يجب الايصال، وما كان موضع
الشك يعمل فيه بمقتضى الاستصحاب.
ولا ينافي وجوبه (4) في بعض أفرادها المستفيضة الدالة على كفاية الغرفة (5)
لوصول الماء بها إلى البشرة فيه، بل يمكن إيصالها إليها في جميع أفرادها، كيف مع
أنها كافية لليد مع وجوب التخليل فيها عند الأكثر (6) مع كون المغسول فيها أوسع.
وأيضا: قد صرحت الأخبار بكفاية ثلاث أكف في الغسل (7)، مع ما فيه

(1) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 2، التهذيب 1: 360 / 1084، الوسائل 1: 476 أبواب
الوضوء ب 46 ح 1.
(2) التهذيب 1: 78 / 202، الإستبصار 1: 67 / 201، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء 29
ح 6.
(3) كما في الخلاف 1: 76، والرياض 1: 19.
(4) يعني وجوب التخليل في بعض أفراد الخفيفة.
(5) الوسائل 1: 435، أبواب الوضوء ب 31.
(6) ممن صرح بوجوب التخليل فيها الشهيد في الذكرى: 85 " والدروس 1: 91، واختاره في
الذخيرة: 29، والمشارق: 109.
(7) الوسائل 2: 241 أبواب الجنابة ب 31 ح 6.
93

من سعة المحل ووجوب تخليل الشعر فيه وإن كثف.
هذا، ولا يبعد تنزيل كلام الأصحاب على ذلك أيضا.
ثم إن حكم كل ما في الوجه من الشعور غير اللحية، كالشارب، والخد،
والعذار، والحاجب، والعنفقة (1)، والهدب (2)، حكم اللحية بعينه لعموم
الصحيحة الأولى والرواية.
وفي عدم استحباب تخليل ما لا يجب تخليله، كما عن المحقق (3)، والنفلية،
والبيان (4) للأصل، وظاهر الصحيحين، واحتمال دخوله في التعدي المنهي عنه
وكونه مذهب العامة كما صرح به جماعة (5)، ويستفاد من المروي في كشف الغمة
- فيما كتب مولانا الكاظم إلى علي بن يقطين اتقاء -. " اغسل وجهك وخلل شعر
لحيتك " ثم كتب إليه: " توضأ كما أمر الله اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى
إسباغا " إلى أن قال. (فقد زال ما كنا نخاف عليك " (6) ولم يتعرض له ثانيا، ولو
كان مستحبا لذكره كالاسباغ.
أو استحبابه، كما عن التذكرة، ونهاية الإحكام (7)، والشهيد (8)
للاحتياط، قولان: أظهرهما: الأول لما مر.

(1) العنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن. القاموس 3: 278.
(2) هدب العين، بضم الهاء وسكون الدال وبضمتين: ما نبت من الشعر على أشفارها.
(3) المعتبر 1: 142.
(4) النفلية 60، البيان: 45، ولا يخفى أنه لم يصرح فيهما بعدم الاستحباب. ويمكن استظهاره
بملاحظة عدم ذكرهما التخليل في عداد المستحبات، ولهذا قال في كشف اللثام 1: 67 وهو ظاهر
النفلية والبيان.
(5) قال في المعتبر 1: 142 وأطبق الجمهور على الاستحباب، وراجع المغني لابن قدامة 1: 161،
والمهذب للشيرازي 1: 16.
(6) كشف الغمة 2: 225 - 226.
(7) التذكرة 1: 16، نهاية الإحكام 1: 58.
(8) الذكرى: 94.
94

والاحتياط إنما يتم مع الريبة وليست في الكثيفة، للاجماع على عدم
الوجوب فيها. وفتوى هؤلاء لا تثمر مع الظواهر المذكورة.
نعم، يجب غسل شئ من المستورة فيما يجب تخليله من الخفيفة من باب
المقدمة.
والمرأة كالرجل لو نبت شعر في وجهها على ما نقل عن المبسوط، والمهذب،
والجواهر (1)، والمعتبر (2)، بل عليه دعوى الاجماع، لاطلاق بعض ما سبق من
الأخبار.
د: من بوجهه آثار الجدري يجب عليه إيصال الماء إلى جوفها لكونها من
الظواهر. فلو حشا بعضها بحشو يمنع الماء يبطل، بخلاف ما تعارف لبعض
النسوان، حيث يحككن موضعا من جسدهن ويحشينه بالنيل ومثله، فإنه ليس من
الظواهر.
د: تجب البدأة في غسله بالأعلى، وفاقا للمبسوط، والوسيلة (3)،
والاصباح، والشرائع، والمعتبر (4)، وكتب الفاضل (5)، ونسبه في التذكرة (6) وغيره
إلى الأكثر، للمروي في قرب الإسناد: " ولا تلطم وجهك بالماء لطما، ولكن اغسله
من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا " (7).
وضعفه منجبر بالشهرة، ولا أقل من المحكية وهي في الجبر كافية.
واحتمال تحديد الوجه دون بيان مبدأ الغسل ومنتهاه خلاف أصل الحقيقة

(1) المبسوط 1: 22، المهذب 1: 43، جواهر الفقه: 10.
(2) المعتبر 1: 142.
(3) المبسوط 1: 20، الوسيلة: 50.
(4) الشرائع 1: 21، المعتبر 1: 143.
(5) المنتهى 1: 58، التحرير 1: 9، المختلف: 21.
(6) التذكرة 1: 15.
(7) قرب الإسناد: 312 / 1215، الوسائل 1: 398 أبواب الوضوء ب 15 ح 22.
95

في الحرفين، ولما يتبادر منهما عند عدم القرينة، كما يظهر من قول القائل: ذهبت
من البصرة إلى الكوفة.
ويدل عليه خبر التميمي الآتي (1) في غسل اليد، حيث فرق عليه السلام
بين التفسيرين. وفهم التحديد أحيانا بالقرينة لا يفيد.
ويؤيده: مفهوم صحيحة حماد: " لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا " (2).
والمستفيضة الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله، ففي
إحداهما: " وأخذ كفا من ماء، فأسدله على وجهه من أعلى الوجه " (3).
وفي الأخرى. " فملأها ماء فوضعه على جبينه " (4).
وفي الثالثة المروية في تفسير العياشي: " فصبها على جبهته " (5).
والاستدلال بها لأن فعله إذا كان بيانا لمجمل وجب، مع أنه لو لم يجب لم
تكن فائدة في ذكر خصوص الغسل من الأعلى، وإنه نقل عنه أنه لما أكمل وضوءه
قال: " هذا وضوء لا يقبل الصلاة إلا به) غير تام.
كالاستدلال باستصحاب الحدث، وبافتقار تيقن الشغل إلى تيقن البراءة "
وبوجوب البدأة بالأعلى في اليدين ولا فصل، وبانصراف إطلاق الأمر بغسل
الوجه إلى الشائع.
لضعف الأول: بمنع دلالته على بدأة الرسول بالأعلى أيضا لعدم العلم
بمدخليتها فيه، بل يجوز أن يكون من قبيل طلب القدح وكيفية حركة اليد، فهو
أحد جزئيات الغسل الذي لا بد من واحد منها.

(1) ص: 86.
(2) التهذيب 1: 58 / 161، الإستبصار 1: 57 / 169، الوسائل 1: 406 أبواب الوضوء ب 20
ح 1.
(3) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 1، الوسائل 1: 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 6.
(4) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 4، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
(5) تفسير العياشي 1: 298 / 51، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
96

سلمنا ولكن نمنع كونه بيانا، لجواز أن يكون حكاية وضوئه غالبا.
سلمنا ولكن لا نسلم وجوب كل ما كان بيانا للمجمل وإن علم وجهه،
كما بينا في موضعه.
وأما ذكر خصوص الأعلى فمع أنه ليس من الإمام، يجوز أن يكون
لاستحبابه، أو من قبيل ذكر طلب القدح وملء الكف وأمثالهما.
وما نقل عنه لم يثبت أنه بعد ذلك الوضوء.
والقول بأن الظاهر أن ما كان قبله كان من الأعلى، لشيوعه، ومرجوحية
غيره، وعدم حصول الالتزام به مردود: بمنع شيوعه وإن شاع غير الأسفل،
فيحتمل الغسل من الوسط. ومنع مرجوحيته، مع أن المرجوح قد يرتكب لبيان
الجواز. وعدم حصول الالتزام بالغير، لعدم ثبوت كونه من العبادة.
على أنه لا بد أن يحمل على المثل لا الشخص، والمثلية تحصل بالاشتراك فيما
يعلم أنه ليس من العادات، وحمل المماثلة المطلقة على العموم ممنوع. ولو سلم فلو
لم يكن هناك ما يرجح أمرا خاصا وهو في الحدث موجود، إذ هو هكذا: قال
الصادق عليه السلام: والله ما كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله إلا مرة
مرة، وتوضأ النبي صلى الله عليه وآله مرة مرة، فقال. هذا وضوء لا يقبل الله
الصلاة إلا به " (1) والمتبادر منه أن مثل هذا في كونه مرة مرة.
هذا، مع أن الثانيتين لا تدلان على البدأة بأعلى الجبهة والجبين. بل يمكن
أن يراد بالأعلى في الأولى أيضا العرفي، فلا يثبت المطلوب إن كان الأعلى
الحقيقي.
والثاني. بما مر في مسألة نية الوجه والرفع.
والثالث. بعدم تيقن الشغل إلا بمطلق الغسل وقد حصل.
فإن قيل. علم الاشتغال بالوضوء الصحيح ولم يعلم حصوله.

(1) الفقيه 1: 25 / 76، الوسائل 1: 438 أبواب الوضوء ب 31 ح 10 - 11.
97

قلنا. الوضوء في الأخبار مبين كما مر وأطلق فيها الغسل، والأصل عدم
التقييد.
وأيضا: ورد في المعتبرة أن الوضوء في القرآن مذكور (1) والغسل فيه مطلق،
فيحصل الوضوء به، ويلزمه تيقن البراءة.
والرابع: بمنع عدم الفصل كما سيظهر، كيف واقتصر بعضهم بذكره في
اليدين خاصة.
والخامس: بمنع الشيوع الذي يوجب الانصراف إليه، سلمناه ولكنه في
غير الذقن كما مر.
ولضعف تلك الأدلة - التي هي مستند الأكثر - ذهب جماعة من
المتأخرين (2) إلى عدم وجوبها. وهو صريح السيد (3)، والحلي (4)، وابن سعيد (5)،
وظاهر الصدوق في الهداية (6)، ومحتمل النافع واللمعة (7)، للأصل، وإطلاق الآية
والأخبار، وصدق الامتثال، وصحيحة حماد السابقة (8)، بتقريب: إن المسح في
اللغة يصدق على إمرار اليد ولو في الغسل، واستعمل فيه أيضا في الروايات كرواية
قرب الإسناد، المتقدمة (9)، في صحيحة زرارة - بعد قوله: " فأسدله على

(1) الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23 ح 1.
(2) كما نسبه إليهم في الحدائق 2: 230، ونفى عنه البعد في الكفاية: 2، ويظهر الميل إليه في
المدارك 1: 200، واستظهره في المشارق: 103 - ثم قال: لكن الشهرة بين الأصحاب
والتكليف اليقيني. بالغسل إنما يقتضيان ملازمة الاحتياط.
(3) الإنتصار: 16.
(4) السرائر 1: 99.
(5) الجامع للشرائع: 35.
(6) الهداية: 17.
(7) النافع: 7، اللمعة: 18.
(8) ص 96.
(9) ص 95.
98

وجهه " -: " ثم مسح وجهه من الجانبين جميعا، ثم أعاد يده اليسرى في الإناء
فأسدلها على يده اليمنى ثم مسح جوانبها، (1) وفي صحيحة محمد: " فأخذ كفا من
ماء، فصبه على وجهه، ثم مسح جانبيه حتى مسحه كله " (2).
والأصل والاطلاق بما ذكرنا مندفع ومقيد. وصدق الامتثال بعد الأمر
بالبدأة من الأعلى فيما مر ممنوع.
والمسح وإن صدق على مطلق إمرار اليد، ولكنه أعم من وجه من الغسل،
والواجب في الوجه الغسل دون المسح، فلا مسح في الوضوء إلا في الرأس
والرجلين، فهو المراد من مسح الوضوء قطعا.
ثم الواجب هو البدأة بالأعلى بحيث يصدق عرفا أنه بدأ منه منتهيا إلى
الأسفل. وأما غسل كل جزء من الأعلى قبل الأسفل فلا، بل فيه العسر المنفي.
بل الثابت مما ذكرنا ليس إلا البدأة بما هو الأعلى عرفا، لأن الألفاظ
موضوعة للمعاني العرفية حقيقة، وهو يصدق بالابتداء من الجبهة مطلقا. وأما
وجوب البدأة بمبدأ القصاص حقيقة فلا دليل عليه أصلا، والأصل ينفيه.
و: يجوز غسل الوجه بكل من اليدين للأصل، وإن كان الفضل في
اليمنى كما يأتي. وبهما معا، للأصل، وموثقة بكير وزرارة وفيها: " ثم غمس كفه
اليمنى في التور فغسل وجهه بها، واستعان بيده اليسرى بكفه على غسل
وجهه " (3).
الثالث: غسل اليدين من المرفقين إلي رؤوس الأصابع. ووجوبه أيضا،
ضروري منصوص عليه في الكتاب والسنة المتواترة.
ويجب استيعابهما إلى المرفقين، بحيث لا يشذ منهما شئ إجماعا.

(1) المتقدمة في ص 96 الرقم (3).
(2) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 3، الوسائل 1: 1 9 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.
(3) التهذيب 1: 56 / 158، الإستبصار 1: 57 / 168، الوسائل 1: 392 أبواب الوضوء ب. 15
ح 11.
99

وتدل عليه حسنة زرارة وبكير المتقدمة (1)،، وصحيحة زرارة في السوار
والدملج والخاتم الآتية (2)، والمروي في تفسير العياشي: " وأمر بغسل اليدين إلى
المرفقين، فليس ينبغي له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئا إلا غسله " (3).
والمرفق إما مفصل عظمي الذراع والعضد فيكون خطا هو الحد المشترك
بينهما، أو مجمعهما فشئ منه داخل في العضد وشئ في الذراع، أوكله يكون من
كل منهما.
ولا دلالة للصحاح الآمرة بغسل المكان المقطوع منهما (4) إطلاقا أو خصوصا
على ترجيح المعنى الثاني كما قيل (5).
ويجب إدخالهما في الغسل أيضا، وفاقا كما عن الجوامع، والتبيان (6)،
والمنتهى، والبيان (7)، وإن اختلفوا في مأخذه، فقيل: للظواهر من الآية والأخبار
البيانية، وما ورد في وضوء الأقطع فيكون وجوبه أصليا نفسيا (8).
وقيل: لتوقف تحصيل الواجب عليه (9)، فيكون الوجوب تبعيا غيريا.
وهو الحق على التفسير الأول مطلقا، للأصل، وعدم تمامية دلالة شئ مما ذكر
للأول.
أما الآية: فظاهرة.
وأما البيانيات: فلعدم ثبوت الوجوب منها كما مر.

(1) ص 91.
(2) لم نعثر على صحيحة لزرارة بهذا المضمون، والآتية هي صحيحة علي بن جعفر كما في ص 106.
(3) تفسير العياشي 1: 298 / 51، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
(4) الوسائل 1: 479 أبواب الوضوء ب 49.
(5) الرياض 1: 19.
(6) الجوامع للطبرسي: 105، التبيان 3: 450 - 451.
(7) المنتهى 1: 58، البيان: 46.
(8) استدل في الرياض 1: 19 بما ذكر سوى الآية.
(9) كما في مفاتيح الشرائع 1: 45.
100

وأما أخبار وضوء الأقطع: فلعدم التلازم بين مدلولها وبين ما قصدوه.
وفي غير ما يدخل منه في الذراع على التفسير الثاني، لتصريح الأخبار
بوجوب غسل جميع الذراع.
وأما على الثالث: فالحق الأول، لذلك.
قالوا: وتظهر فائدة الخلاف في وضوء الأقطع وفي وجوب إدخال جزء من
العضد (1).
وفيه تأمل، سيما الأول.
وتجب في غسلهما البدأة من المرفقين، وفقا للأكثر حتى ابن سعيد (2)، بل
عليه الاجماع في التبيان (3)، لا لمثل بعض ما مر في الوجه، لما عرفت من ضعفه.
بل لخبر التميمي: عن قول الله تعالى. * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق) * فقلت: هكذا ومسحت من ظفر كفي إلى المرفق، فقال: " ليس هكذا
تنزيلها، إنما هي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق، ثم أمر يده من مرفقه إلى
أصابعه " (4).
والمروي في كشف الغمة، وفيه: فعلمه جبرئيل الوضوء على الوجه
واليدين من المرفقين ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين " (5).
والمروي فيه وفي الخرائج في حكاية وضوء علي بن يقطين، وفيه: واغسل
يديك من المرفقين " (6).

(1) الرياض 1: 19، شرح المفاتيح (مخطوط).
(2) فإنه وإن قال بعدم وجوب البدء بالأعلى في غسل الوجه ولكن قال بوجوبه في المقام. الجامع للشرائع.
35.
(3) التبيان 3: 451.
(4) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 5، التهذيب 1: 57 / 159 الوسائل 1: 405، أبواب الوضوء
ب 19 ح 1.
(5) كشف الغمة 1: 88، الوسائل 1: 399 أبواب الوضوء ب 15 ح 24.
(6) كشف الغمة 2: 225 - 226، الخرائج والجرائح 1: 335 / 26.
101

وفي تفسير العياشي. " قلت له: قال: اغسلوا أيديكم إلى المرافق فكيف
الغسل؟ قال: " هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبه في اليسرى ثم يفيضه على
المرفق ثم يمسح إلى الكف " إلى أن قال. قلت: يرد الشعر؟ قال: " إذا كان عنده
آخر فعل، وإلا فلا " (1) أراد بالآخر من يتقيه.
وفيه أيضا في حكاية وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله: " يغسل بها
ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق " (2).
وضعف ما كان منها ضعيفا منجبر بالشهرة.
ولا ينافيه الآية، ومثل المروي في الخصال: " هذه شرائع الدين لمن تمسك
بها وأراد الله هداه: إسباغ الوضوء كما أمر الله عز وجل في كتابه الناطق، غسل
الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين) (3).
وفي العلل ومجالس الصدوق، وفيهما: وأمره بغسل الساعدين إلى
المرفقين " (4).
وفي تفسير العياشي. " وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين " (5).
لأن النكس ليس راجيا ولا مندوبا إجماعا. وحمل الأمر على. الجواز تجوزا
ليس أولى من التجوز في: (إلى) مع أن في تفسير العياشي - كما مر - فسر الغسل إلى
المرفق بما يوافق المشهور.
خلافا لأكثر من خالف في الوجه، ومنهم. السيد في الناصريات

(1) تفسير العياشي 1: 300 / 54، المستدرك 1: 311 أبواب الوضوء ب 18 ح 2.
(2) تفسير العياشي 1: 298 / 1 5، المستدرك 1: 2 30 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
(3) الخصال: 3 60، الوسائل 1: 397 أبواب الوضوء ب 15 ح 18.
(4) علل الشرائع 280 وفيه. " بغسل اليدين، مجالس الصدوق 160 المجلس 35، الوسائل 1:
5 9 3، 396 أبواب الوضوء ب 15 ح 6 1 و 7 1.
(5) تفسير العياشي 1: 298 / 51.
102

والانتصار (1)، والحلي 2)، وفي كفاية الأحكام أنه يلوح من كلام الشيخ في
التهذيب " 3)، فجوزوا غسلهما منكوسا؟ لضعف جميع ما استند المشهور إليه إما
دلالة أو سندا.
ويضعف بما مر من انجبار الضعيف منه سندا بالعمل.
فروع.
أ: قطع اليد إن كان من تحت المرفق، غسل الباقي إليه إجماعا محققا ومنقولا
في المنتهى (4) وغيره (5).
وهو الحجة فيه، مؤيدا بحسنة محمد: عن الأقطع اليد والرجل، قال:
" يغسلهما " (6) خرج ما خرج منها بالاجماع، فيبقى الباقي.
وصحيحة رفاعة. عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضأ؟ قال: " يغسل
ذلك المكان الذي قطع منه " (7).
وحسنته وفيها: (يغسل ما قطع منه) (8).
وجعلها دليلا غير جيد! لعدم دلالتها على الزائد على مطلق الرجحان. مع
أن في الأولى - لاشتمالها على الرجل الموجب لعدم إرادة الظاهر قطعا - إجمالا،
والأخيرتين لا تثبتانه في الزائد عن موضع القطع. وكذا الاستدلال باستصحاب ما
دل عليه الأمر بغسل المجموع تبعا، وهو وجوب غسل كل جزء؟ لأن الثابت له

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 184، الإنتصار: 16.
(2) السرائر 1: 99.
(3) لم نعثر عليه في كفاية الأحكام ولا في التهذيب.
(4) المنتهى 1: 59.
(5) المدارك 1: 205.
(6) الكافي 3: 29 الطهارة ب 8 1 ح 7 " التهذيب 1: 360 / 1085 الوسائل 1: 480 أبواب
الوضوء ب 49 ح 3.
(7) التهذيب 1: 359 / 078 1، الوسائل 1: 480 أبواب الوضوء ب 49 ح 4.
(8) الكافي 3: 29 الطهارة ب 8 1 ح 8، الوسائل 1: 479 أبواب الوضوء ب 49 ح 1.
103

ليس إلا الوجوب التبعي الغيري، وهو يزول بزوال وجوب الغير والمتبوع قطعا.
وإن كان من المرفق، فإن فسرناه بأحد الأخيرين، وبقي شئ من الذراع،
وجب غسله، لما مر، وإلا يستحب غسل موضع القطع! للروايتين الأخيرتين.
ولا يجب وفاقا للمنتهى والمعتبر والتحرير (1) والارشاد (2)، للأصل. وخلافا
للمحكي عن الإسكافي (3) والقاضي والشيخ (4)، والتذكرة والذكرى (5)، فأوجبوا
غسل رأس العضد.
وكأنه للاستصحاب المتقدم ضعفه، أو الروايتين الغير المثبتتين للوجوب.
بل الظاهر حينئذ استحباب غسل الباقي من اليد، للصحيح. عن رجل قطعت
يده من المرفق، قال: " يغسل ما بقي من عضده) (6).
وإن كان من فوقه، سقط الوجوب إجماعا.
وهل يستحب غسل موضع القطع، أم تمام الباقي، أم لا يستحب شئ
منهما
ظاهر الروايتين الأول، وهو كذلك.
وعن المنتهى والتذكرة والنهاية والدروس. الثاني (7).
ولا دليل عليه إلا إطلاق حسنة محمد (8)، وقد عرفت إجمالها.

(1) المنتهى 1: 59، المعتبر 1: 144، التحرير 1: 10.
(2) مجمع الفائدة 1: 102.
(3) نقله عنه في المختلف. 23.
(4) المهذب 1: 4 4، المبسوط 1: 21.
(5) التذكرة 1: 16، الذكرى: 85.
(6) الكافي 3: 29 الطهارة ب 18 ح 9، التهذيب 1: 360 / 1086، الوسائل 1: 479 أبواب الوضوء
ب 49 ح 2.
(7) المنتهى 1: 59، التذكرة 1: 16، ولكن فيه استحباب غسل موضع القطع نهاية الإحكام 1:
38، الدروس 1: 91
(8) المتقدمة ص 103.
104

وعن المبسوط: استحباب مسح الباقي (1).
والظاهر أن مراده أيضا الغسل، وإلا فلعل مستنده الحسنة بحمل الغسل
على المسح، لبطلان إبقائه على حقيقته، وعلم تجويز استعمال اللفظ في معنييه.
ويضعفه إمكان حمل آخر كالتقية.
ب: الزائد إن كان ما دون المرفق أو معه، وجب غسله، وفاقا ظاهرا،
سلعة كان أو إصبعا أو ذراعا أو لحما، له (2) ولتوقف العلم بغسل جميع الأجزاء
الأصلية عليه، حيث إن الزائد واقع فيها مشتمل على جزء منها، ولصدق الجزئية،
وإن كان فيها في الجميع على كلام.
وأما الثقبة الواقعة فيه، فإن كانت من الظواهر عرفا، بأن كانت مكشوفة،
نابتا عليها الجلد، وجب غسلها للجزئية، وإلا فلا.
وإن كان فوقه، فإن لم يكن يدا لا يجب غسله إجماعا.
وإن كان، فإن لم يتميز عن الأصلية وجب غسله من غير خلاف يعرف، وفي
المنتهى والتذكرة (3) الاجماع عليه.
لا لايجاب تخصيص إحداهما للتحكم، ولا يتوقف العلم بغسل الأصلية
عليه، لاندفاع التحكم بالتخيير، وجواز عدم اتصاف واحدة منهما بالأصلية،
وكون الحكم في مثله التخيير.
بل لعموم الجمع المضاف في قوله: أيديكم ".
وكذا إن تميز، وفاقا للتلخيص والمختلف والمنتهى والارشاد (4)، ومحتمل
التذكرة والشرائع (5)، لما مر.

(1) المبسوط 1: 21.
(2) أي للوفاق، إشارة إلى دليل الحكم.
(3) المنتهى 1. 21، التذكرة 1: 16 لم نعثر فيهما على دعوى الاجماع.
(4) المختلف: 23 المنتهى 1: 59 مجمع الفائدة 1: 102.
(5) التذكرة 1: 16، الشرائع 1: 21.
105

خلافا للمنقول عن المبسوط والمهذب والجواهر والمعتبر (1) فلم يوجبوا غسله!
لخروجه عن اليد المأمور بغسلها. وفيه نظر.
ج: يجب إيصال الماء تحت جميع ما في محل الغسل من سوار ودملج وخاتم
وغيرها، للاجماع، وعموم حسنة زرارة وبكير، ورواية العياشي المتقدمتين (2)
وخصوص صحيحة علي: عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض
ذراعها، لا تدري يجري الماء تحتها أم لا، كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت؟
قال: تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه " وعن الخاتم الضيق لا يدري هل
يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا، كيف يصنع؟ قال: " إن علم أن الماء لا يدخله
فليخرجه إذا توضأ " (3).
ولا ينافي المطلوب مفهوم جزئها الأخير؟ لأن مفادها أن مع عدم العلم لا
يجب الاخراج، وهو كذلك، فإنه مع العلم بعدم وصول الماء تحته لا محيص عن
إخراجه فيجب، وأما إذا لم يعلم عدم وصوله، فإن علم الوصول فهو، وإلا
فيحرك حتى يدخل أو ينزعه، كما صرح به في صدرها " فلا. يجب الاخراج حينئذ.
وأما حسنة ابن أبي العلاء. عن الخاتم إذا اغتسلت، قال: " حوله من
مكانه " وقال في الوضوء: " تديره، وإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن
تعيد الصلاة " (4) فمحمولة على ما إذا لم يعلم عدم الوصول، جمعا بينها وبين
الأخبار المستفيضة المصرحة بوجوب الإعادة بنسيان جزء من موضع الغسل (5)، بل
بين الصحيحة التي هي أخص منها مطلقا، فإنه حينئذ لا تعاد الصلاة مع

(1) المبسوط 1: 21، المهذب 1: 44، جواهر الفقه: 10، المعتبر 1: 144.
(2) في ص 91، و 100.
(3) الكافي 3: 44 الطهارة ب 29 ح 6، التهذيب 1: 85 / 22 2، الوسائل 1: 467 أبواب الوضوء
ب 41 ح 1.
(4) الكافي 3: 45 الطهارة ب 9 2 ح 14، الوسائل 1: 468 أبواب الوضوء ب 41 ح 2.
(5) الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.
106

النسيان، أما مع العلم بالوصول فظاهر، وأما بدونه فلرجوعه إلى الشك بعد
الفعل وهو لا يعبأ به، كما يأتي.
وكذا (1) الشعر مع خفته إجماعا. وكذا مع الكثافة عند جماعة (2)؟ استنادا
إلى وجوب غسل كل جزء، كما هو المصرح به في الأخبار (3).
إلا أن مقتضى صحيحة زرارة، المتقدمة (4) في شعر الوجه: عدم وجوبه،
ووجوب غسل الشعر خاصة.
وتخصيصها بالوجه لا وجه له.
والمراد (5) بغسل كل جزء من اليد كما يمكن أن يكون كل جزء من ظاهر
جلده، يمكن أن يكون كل جزء من ظاهر أجزائها كما في الوجه، ومنه شعرها
المحيط بها، ومع العموم فالصحيحة للتخصيص صالحة. ولذا استشكل في غرر
المجامع وغيره (6) في الفرق بين الوجه واليد. وهو في محله، والاجماع الرافع له غير
ثابت وإن ادعاه الكركي في باب غسل الجنابة من شرح القواعد (7). وأمر الاحتياط
واضح.
وأما الأظفار: فلا إشكال في وجوب غسلها ما لم يخرج عن حد اليد، أي:
عن محاذاة رأس الإصبع. وكذا معه، وفاقا للفاضل في بعض كتبه (8)،
والشهيد (9)، ووالدي العلامة؟ لجزئيتها عرفا.

(1) يعني وكذا يجب غسل ما تحت الشعر.
(2) منهم الشهيد في الذكرى 85، والدروس 1: 91، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 28.
(3) راجع الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.
(4) في ص 92.
(5) مناقشة في الاستدلال الذي أشار إليه بقوله: استنادا إلى وجوب غسل كل جزء.
(6) كالحدائق 2: 249.
(7) جامع المقاصد 1: 278.
(8) كالقواعد 1: 11.
(9) الدروس 1: 91.
107

والتجاوز عن رأس الإصبع لا يوجب خروجها عنها أصلا.
خلافا لبعضهم فلم يوجبه (1).
وعن التذكرة ونهاية الإحكام، وفي المنتهى، وشرح القواعد للمحقق
الثاني (2): التردد فيه، للأصل.
وهو مندفع بما مر.
وأما ما تحتها من البشرة فمنها ما ليس من الظواهر عرفا، وهي الجلدة
الرقيقة تحت الظفر الغير المتجاوز عن حد الإصبع لأن المراد بالظاهر ما كان
ظاهرا غالبا، ولا شك أن هذه الجلدة تكون تحت الظفر غالبا، لندور قص الظفر
بحيث تظهر تلك الجلدة، ولو قص لنبت في أسرع وقت.
ومنها ما هو الظاهر كذلك، وهو ما تجاوز عما ذكر.
فما كان من الأول لا يجب غسله، لرواية زرارة المتقدمة (3): " إنما عليك أن
تغسل ما ظهر ".
والعلة المنصوصة في رواية الحضرمي: " ليس عليك مضمضة ولا استنشاق
لأنها من الجوف " (4).
وما كان من الثاني يجب ولو وقع تحت الظفر، بأن تجاوز عن حد اليد،
للاستصحاب، ولكونه من الظواهر عرفا.
ومن هذا يظهر حكم الوسخ المجتمع تحت الظفر، فإنه يجب نزعه لو منع
من غسل الثاني، ولا يجب في غيره.

(1) نقل في مفتاح الكرامة 1: 246 عن المشكاة عدم وجوب غسلها على إشكال. والظاهر أن المشكاة
للسيد بحر العلوم كما يستفاد من الذريعة 21: 51.
(2) التذكرة 1: 16، نهاية الإحكام 1: 40، المنتهى 1: 59، جامع المقاصد 1: 217.
(3) ص 92.
(4) الكافي 3: 24 الطهارة ب 16 ح 3، التهذيب 1، 131 / 359، الإستبصار 1: 117 / 395،
الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 29 ح 10.
108

ووجوب النزع مطلقا - كالمنتهى (1) - كعدمه كذلك - كما احتمله فيه - لا
وجه له.
وصدق غسل اليد بدونه، وعدم أمر النبي صلى الله عليه وآله الأعراب
مع عدم الانفكاك فيهم غالبا (2) - بعد ورود الأمر بغسل الظواهر وعدم جواز ترك
جزء من اليد - لا وقع له.
نعم، لو كان الوسخ الواقع في محل الفرض شبه الدخان لا يمنع الماء، اتجه
عدم وجوب نزعه.
الرابع: مسح الرأس. ووجوبه أيضا ثابت بالثلاثة.
والقدر الواجب فيه المسمى، ولو بجزء من إصبع، ممرا له على الممسوح
ليتحقق اسمه، وفاقا للأكثر كما في المدارك (3) والغرر، ومنهم التبيان، والمجمع،
وروض الجنان لأبي الفتوح (4)، وأحكام القرآن للراوندي (5)، والغنية (6)،
والمبسوط، والجمل والعقود (7)، والسرائر (8)، والمصباح للسيد (9)، والاصباح،
والجامع، والمعتبر (10)، والشرائع، والنافع (11)، والقواعد، والمنتهى (12)، بل سائر

(1) المنتهى 1: 59.
(2) كما في الذخيرة: 29.
(3) المدارك 1: 207.
(4) التبيان 3: 451 مجمع البيان 2:، 164، روض الجنان 4: 125.
(5) فقه القرآن 1: 17.
(6) الموجود في الغنية (الجوامع الفقهية): 53: والأفضل أن يكون مقدار الممسوح ثلاث أصابع
مضمومة ويجزي مقدار إصبع واحدة بالاجماع المذكور.
(7) المبسوط 1: 21، الجمل والعقود (الرسائل العشر: 109.
(8) السرائر 1: 101.
(9) نقله عنه في المنتهى 1: 60.
(10) الجامع للشرائع: 36، المعتبر 1: 144.
(11) الشرائع 1: 21، المختصر النافع: 6.
(12) القواعد 1: 11، المنتهى 1: 59.
109

كتب الفاضل (1)، والكركي (2)، والشهيدين (3)، وأكثر المتأخرين (4)، بل عن
الخمسة الأولى الاجماع عليه (5).
ونسب بعض مشايخنا المحققين (6) هذا القول إلى العماني، والإسكافي،
والديلمي، والحلبي، والقاضي، والحلي.
للأصل، والاطلاقات، وخصوص الصحاح.
منها: صحيحة زرارة وبكير: " وإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من
قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك، " (7).
وأخرى: " فإذا مسح بشئ من رأسه وبشئ من رجليه ما بين الكعبين إلى
آخر أطراف الأصابع فقد أجزأه. " (8).
وقيل: يجب مقدار إصبع وهو المحكي عن المقنعة، والتهذيب،
والخلاف (9)، وجمل السيد، والراوندي (10) في موضع من الكتاب المذكور، وفي

(1) التذكرة 1: 16، التحرير 1: 10، تبصرة المتعلمين: 6.
(2) جامع المقاصد 1: 218.
(3) قال الشهيد الأول في اللمعة: 18 ثم مسح مقدم الرأس بمسماه. وهو باطلاقه يدل على الاجتزاء
بأقل من إصبع ولهذا قال الثاني في شرحها (الروضة 1: 75): ولو يجزء من إصبع وأما كلماته في
الدروس والبيان والذكرى فلا تفيد الاجتزاء بالأقل - كما سيأتي من المصنف - بل تفيد العكس.
(4) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 104، وصاحبا المدارك: 207، والذخيرة: 29.
(5) راجع ص 109 - رقم،، 5، 6.
(6) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح: (مخطوط).
(7) التهذيب 1: 90 / 237، الإستبصار 1: 61 / 182، الوسائل 1: 414 أبواب الوضوء ب 23
ح 4.
(8) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، التهذيب 1: 76 / 191، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء
ب 15 ح 3.
(9) المقنعة: 48، التهذيب 1: 89، الخلاف 1: 82.
(10) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 24، فقه القرآن 1: 29.
110

الدروس (1)، وهو الظاهر من البيان والذكرى (2)، ونسبه في المختلف إلى
المشهور (3).
وقد ينسب إلى جمع ممن نسب إليه الأول كالقديمين والأربعة المتعقبة
لهما (4).
وقد يجمع بينها: باتحاد القولين (5) لأن المراد بالمسمى ما هو بحسب
العرف، والمتبادر أن المسمى أقله الإصبع.
وكيف كان، فاستدلوا بالأخبار:
أحدها: في الرجل يتوضأ وعليه العمامة، قال. " يرفع العمامة بقدر ما
يدخل إصبعه فيمسح على مقدم رأسه، (6).
وثانيها: عن الرجل يمسح رأسه من خلفه - وعليه عمامة - بإصبعه، أيجزيه
ذلك؟ فقال: " نعم " (7).
وثالثها: رجل توضأ وهو معتم وثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد، فقال:
" ليدخل إصبعه " (8).
وفيها - مضافا إلى ما في الأول من الخلو عن الدال على الوجوب، بل وكذا
الثاني حيث إن الاجزاء لا يدل عليه كما يأتي. وما في الثاني من الخلل في المتن -:

(1) الدروس 1: 92.
(2) البيان 7 4، الذكرى: 86.
(3) المختلف: 23.
(4) تظهر النسبة من المختلف: 23.
(5) كما في شرح المفاتيح: (مخطوط).
(6) التهذيب 1: 90 / 238، الإستبصار 1: 60 / 178، الوسائل 1. 411 أبواب الوضوء ب 22
ح 3.
(7) التهذيب 1: 90 / 240 الإستبصار 1: 60 / 179، الوسائل 1: 411، أبواب الوضوء ب 22
ح 4.
(8) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 3، الوسائل 1: 416 أبواب الوضوء ب 24 ح 2.
111

أنه لا دلالة فيها على وجوب المسح بتمام الإصبع لتوقف المسح بالبعض أيضا على
إدخال الإصبع، ولا يمكن إدخال بعض الإصبع، فيمكن أن يكون لتحصيل
المسمى، وقد حمل [عليه] (1) أيضا كلمات القائلين بالإصبع، إلا أن بعضها (2) مما لا
يحتمله.
وربما يعكس، فيحمل كلام الأولين على إرادتهم من المسمى خصوص
الإصبع كما مر (3)، زعما عدم حصوله إلا به.
وهو مع بعده. لا وجه له، سيما مع تصريح بعضهم بالأقل (4).
وقيل: يجب مقدار ثلاث أصابع مضمومة، اختاره بعض الأخباريين (5)،
وهو المروي عن حريز (6)، والمحكي عن الفقيه (7)، والسيد في خلافه، والشيخ في
عمل يومه وليلته (8).
لصحيحة زرارة: " المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه مقدار
ثلاث أصابع، ولا تلقي عنها خمارها " (9).
ورواية معمر بن عمر: " يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع،

(1) أضفناه لاستقامة المعنى.
(2) وهو كلام التهذيب 1: 89 فإنه استدل باطلاق الآية على إجزاء الإصبع. ثم قال: لا يلزم على
ذلك ما دون الإصبع، لأنا لو خلينا والظاهر لقلنا ذلك، ولكن السنة منعت منه. ونحوه كلام
الراوندي في فقه القرآن 1: 29. نبه عليه في كشف اللثام 1: 68.
(3) في قوله قبل سطور: وقد يجمع بينهما....
(4) الروضة 1: 75.
(5) مفاتيح الشرائع 1: 44، وقال في الحدائق 2: 265 وإلى هذا القول يميل المحدث الأمين
الأسترآبادي.
(6) رجال الكشي: 336 و 385.
(7) الفقيه 1: 28.
(8) عمل اليوم والليلة (الرسائل العشر): 142.
(9) الكافي 3: 30 الطهارة ب 9 1 ح 5. التهذيب 1: 77 / 195، الوسائل 1: 416 أبواب الوضوء
ب 24 خ 3.
112

وكذلك الرجل " (1).
حيث إن الاجزاء إما الامتثال، أو حصول أقل الواجب، فعلى الأول يكون
مقتضاهما حصول الامتثال بالثلاث فيتوقف عليها، وعلى الثاني لا يؤدي أقل
الواجب إلا به.
وفيهما - مضافا إلى ما في الأولى من الاختصاص بالمرأة، وعدم ثبوت
الاجماع المركب، بل ثبوت عدمه كما يأتي، ومن جواز كون الحكم بالاجزاء بالنظر
إلى عدم إلقاء الخمار -: أن إرادة ذلك القدر في الطول تحصيلا لحصول المسح
ممكنة، حيث إنهم لا يوجبونه في الطول والعرض معا، فيراد التحديد به في
أحدهما، ولا تصريح فيهما بكون ذلك في العرض كما هو مطلوبهم.
مضافا إلى أن الاجزاء إن كان هو الامتثال: فيكون المعنى أنه يحصل بها،
ولا يدل على عدم حصوله بغيرها إلا بالأصل الذي لا يصلح للتمسك بعد
الاطلاقات المتقدمة.
وإن كان حصول الأقل: فيمكن أن يكون أقل المندوب، كما في قولك:
يجزي في الصلاة مسمى الدعاء في القنوت حيث إن للمسح واجبات
ومندوبات، ويكون الاجزاء في كل منهما، فتخصيصه بأحدهما لا دليل عليه، بل
لا يبعد ظهور الأخير بملاحظة رواية معمر، فإن عدم التفصيل في ذلك بين
الرأس والرجل - مع استحبابه في الرجل وفاقا كما يأتي - قرينة واضحة على كون
الاجزاء بالنسبة إلى الرأس أيضا كذلك.
وأما تفسير الاجزاء: بأنه حصول أقل الواجب، فهو مما لا وجه له لتحققه
واستعماله في المندوب أيضا.

(1) الكافي 3: 29 الطهارة ب 19 ح 1، التهذيب 1: 60 / 167، الإستبصار 1: 60 / 177
الوسائل 1: 417 أبواب الوضوء ب 24 ح 5.
113

مع أن ذلك القول محكي عن أبي حنيفة وبعض آخر من العامة (1)، فيمكن
الحمل على التقية.
ولا بأس بالحمل على الاستحباب، كما عن المقنعة (2)، والمبسوط،
والخلاف، والجمل والعقود (3)، والغنية، والمراسم، والوسيلة، والسرائر (4)،
ومصباح السيد وجمله (5)، والمهذب، والمعتبر، والشرائع، والمنتهى (6). وغيرها.
والمستحب مسح موضعها لا المسح بها لعدم دليل عليه.
والمراد من موضعها ما تحويه الثلاثة بعرضها وطولها الذي هو طول إصبع،
لأن الإصبع حقيقة في تمام العضو المخصوص، سواء كان عرضها من عرض
الرأس وطولها من طوله أو بالعكس.
وقد يخص استحباب ذلك المقدار بالعرض، نقل ذلك عن ظاهر المقنعة،
والمهذب، والجامع (7)، والشرائع، والنفلية (8)، وصرح به الكركي (9).
وهو غير جيد.
ثم المستفاد من الخبرين استحباب مجموع الثلاث فيكون أفضل أفراد
المخير، لا استحباب القدر الزائد على المسمى. وعلى هذا فلا يتصف الزائد بنفسه

(1) حكاه العلامة في التذكرة 1: 16 عن أبي حنيفة. وراجع بدائع الصنائع 1: 4، أحكام القرآن
للجصاص 2: 344.
(2) المقنعة: 48.
(3) المبسوط 1: 21، الخلاف 1: 81، الجمل والعقود (الرسائل العشر) 159.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 553، المراسم: 37، الوسيلة: 52، السرائر 1: 101.
(5) جمل العلم والعمل: (رسائل المرتضى 3): 24،
(6) المهذب 1: 44، المعتبر 1: 144، الشرائع 1: 21، المنتهى 1: 60.
(7) المقنعة، 48، المهذب 1: 44، الجامع للشرائع: 34.
(8) الشرائع 1. 21، النفلية: 7.
(9) جامع المقاصد 1: 218.
114

بوجوب ولا استحباب.
نعم، يتصف بالوجوب التخييري التبعي من حيث كونه جزءا للمجموع إذا
قصد الامتثال بالمجموع، وبالاستحباب بمعنى الراجحية الإضافية كذلك
حينئذ.
وعن نهاية الشيخ: وجوب هذا القدر اختيارا، والاكتفاء بالإصبع الواحدة
حال الاضطرار إلا أن المصرح به في كلامه الاكتفاء بها إن خاف البرد من كشف
الرأس (1) ولعلهم استنبطوا التعميم من عدم التفرقة بين أنواع الاضطرار. ونسب
ذلك إلى الدروس (2) أيضا، كما عن الإسكافي تخصيص وجوبه بالمرأة والاكتفاء في
الرجل بالواحدة (3).
ومستند الأول: الجمع بين أخبار الإصبع والثلاث بذلك بشهادة ثالثة
روايات الإصبع المتقدمة (4).
ودليل الثاني: الجمع بينها بذلك بشهادة صحيحة زرارة المتقدمة (5).
ويضعف الأول: بما مر من عدم دلالة روايات الثلاث على وجوبها، مع
عدم تصريح في الشاهد بالإصبع الواحدة عند الخوف، بل أراد بيان عدم وجوب
النزع وجواز الادخال، فيحتمل الاكتفاء بالمسمى، ووجوب الثلاث، والاطلاق
إنما يحكم به إذا كان في مقام بيان حكمه.
والثاني: بما مر من عدم دلالة الصحيحة على وجوب ذلك على المرأة.

(1) النهاية: 14.
(2) نسبه في كشف اللثام 1: 68، والموجود في الدروس: ثم مسح مقدم الرأس بمسماه ولا يحصل
بأقل من إصبع وقيل ثلاث مضمومة للمختار.
(3) نقله عنه في الذكرى: 86.
(4) ص 111.
(5) ص 112.
115

فرعان:
أ: يجب أن يكون المسح على مقدم الرأس بالاجماع المحقق والمنقول
مستفيضا (1)، والنصوص.
ففي الصحيح: " مسح الرأس على مقدمه " (2).
وفي آخر: " امسح الرأس على مقدمه) (3).
وفي الحسن. " امسح على مقدم رأسك) (4).
وبها تقيد الاطلاقات.
وما في شواذ أخبارنا مما يخالف ذلك ظاهرا، ويثبت المسح على المقدم والمؤخر
أو على الرقبة (5)، ضعيف بالشذوذ، متروك بالاجماع، محمول على التقية أو غيرها
من المحامل المحتملة في بعضها قريبا.
ومما يقرب الحمل على التقية: ما في رواية علي بن يقطين، المروية في كشف
الغمة وغيره (6) من أمره عليه السلام إياه أولا اتقاء بمسح ظاهر الأذنين وباطنهما،
ثم بعد ارتفاع التقية أمره بالوضوء الصحيح، وقال فيه: " وامسح مقدم رأسك ".
وقول بعض أصحابنا باستحباب المقدم - كما حكاه بعض مشايخنا
المحققين (7) - غريب جدا.

(1) في المعتبر 1: 144، والتذكرة 1: 17، والذكرى: 86.
(2) التهذيب 1: 62 / 171، الإستبصار 1: 60 / 176، الوسائل 1: 410 أبواب الوضوء ب 22
ح 1.
(3) التهذب 1: 91 / 241، الوسائل 1: 410 أبواب الوضوء ب 22 ح 2.
(4) الكافي 3: 29 الطهارة ب 19 ح 2، الوسائل 1: 418 أبواب الوضوء ب 25 ح 1.
(5) راجع الوسائل 1: 411، 412 أبواب الوضوء ب 22 ح 5، 6.
(6) كشف الغمة 2: 226، الخرائج والجرائح 1: 335 / 26.
(7) شرح المفاتيح: (مخطوط).
116

والمراد بالمقدم ما قابل المؤخر لأنه المفهوم منه عرفا ولغة، لا خصوص ما
بين النزعتين المعبر عنه بالناصية، فالقول بتعين الثاني ضعيف.
وصحيحة زرارة: " فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه
واثنتان للذراعين، وتمسح ببلة يمناك ناصيتك وبما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك
اليمنى، وتمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى " (1)، لا تفيد الوجوب. مع أنه
يمكن أن يكون المعنى: يجزيك ذلك فلا يدل على عدم إجزاء غيره.
مضافا إلى أن الناصية ربما تفسر: بمطلق شعر مقدم الرأس أيضا.
وفي كتب جماعة من أهل اللغة أنها خصوص القصاص (2). وبه تخرج عن
صلاحية تقييد الأخبار المطلقة في المقدم.
ب: المقدم يشمل البشرة والشعر للاجماع المحقق والمحكي مستفيضا (3)،
ونفي الحرج اللازم على تقدير الاختصاص بالأول قطعا، وإطلاقات المسح على
الرأس وعلى مقدمه الشامل للأمرين. والمراد بالشعر المختص بالمقدم، دون غيره
من النابت عن غيره مطلقا، أو عنه مع استرساله، أو خروجه بمده عن حده
لظاهر الوفاق، وعدم صدق المناط، واستصحاب عدم إباحة الصلاة.
ولا يجوز على الحائل بالاجماعين لعدم صدق الامتثال، وللمستفيضة،
منها: أخبار رفع العمامة والقناع ثم المسح (4).
وخصوص الصحيح: عن المسح على العمامة وعلى الخفين، قال: " لا تمسح
عليها " (5).
والمرفوع: في الذي يخضب ثم يبدو له في الوضوء قال: " لا يجوز حتى

(1) التهذيب 1: 360 / 1083، الوسائل 1: 306 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.
(2) كما في القاموس 4: 398، المصباح المنير: 609، مجمل اللغة 4: 406.
(3) كما حكاه. في التذكرة 1: 17، والمدارك 1: 215، وشرح المفاتيح. (مخطوط).
(4) راجع الوسائل 1: 416 أبواب الوضوء ب 24.
(5) التهذيب 1: 361 / 1090، الوسائل 1: 459 أبواب الوضوء ب 38 ح 8.
117

يصيب بشرة رأسه الماء " (1).
والمراد ببشرة الرأس فيها بشرته بالنسبة إلى الحناء الشامل للشعر أيضا.
والمروي في كتاب علي عن أخيه: عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على
الخمار؟ قال: (لا يصلح حتى تمسح على رأسها، (2).
وتجويزه في الصحيحتين (3) على فوق الحناء - مع شذوذهما المخرج لهما عن
الحجية - محمول على لونه أو عدم استيعاب الحناء للمقدم أو على الضرورة، فإن
المنع عن المسح على الحائل يخص حال الاختيار.
ويجوز على الحائل اضطرارا اتفاقا - كما قيل (4) - لعموم أدلة المسح على
الجبائر والدواء، كما يأتي.
الخامس: مسح الرجلين، إلى الكعبين.
ووجوبه أيضا مما اتفقت عليه الكلمة، ونطق به الكتاب والسنة.
والكعبان عند العامة هما: العظمان الناتئان عن جانبي عظم الساق فوق
المفصل (5).
وأما الخاصة: فقد اتفقوا على أنهما غير ذلك، وإن اختلفوا في تعيينهما، وهم
بين مصرح بأنهما قبتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل والمشط، وهو: شيخنا
المفيد (6). ويشعر به بل بالاجماع عليه كلام التهذيب (7)، وتبعهما جماعة من

(1) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 12، التهذيب 1: 359 / 1085، الوسائل 1: 455 أبواب
الوضوء ب 37 ح 1.
(2) مسائل علي بن جعفر: 110 / 22، الوسائل 1: 456 أبواب الوضوء ب 37 ح 5.
(3) التهذيب 1: 359 / 1079، 1081، الإستبصار 1: 75 / 232 و 233، الوسائل 1: 455،
456 أبواب الوضوء ب 37 ح 3 و 4.
(4) الرياض 1: 22.
(5) راجع المغني لابن قدامة 1: 173، وبدائع الصنائع 1: 7، ومغني المحتاج 1: 53.
(6) المقنعة: 44.
(7) التهذيب 1: 74 - 75.
118

المتأخرين (1).
ومصرح بأنهما مفصل الساق والقدم، أي: ملتقاهما، وهو الإسكافي (2)،
والفاضل (3)، والشهيد في الرسالة (4)، وصاحب الكنز (5)، والأردبيلي رحمه
الله (6)، ونسب في البحار ذلك إلى جماعة من أهل اللغة (7)، وفي التذكرة الاجماع
عليه (8).
وقائل بأن الكعب هو العظم الماثل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق
والقدم، الناتئ في وسط القدم العرضي نتوا غير محسوس كثيرا لارتكاز أعلاه في
حفرتي الساق، له زائدتان في أعلاه تدخلان حفرتي قصبة الساق، وزائدتان في
أسفله تدخلان حفرتي العقب، وهو الذي يكون في رجل البقر والغنم أيضا،
وربما يلعب به الناس.
ذكره شيخنا البهائي (9) وطائفة من المتأخرين (10)، وهو الذي عبر عنه بعض
الأجلة بأنهما عظمان مكعبان موضوعان على حد المفصل بين الساق والقدم (11)،

(1) المختصر النافع: 6، الروضة: 1: 76، الذكرى: 88، المدارك: 1: 216، الذخيرة: 33.
(2) نقله عنه في المختلف: 24.
(3) القواعد 1: 11، والتحرير 1: 10، والمختلف: 24.
(4) الألفية: 29.
(5) كنز العرفان 1: 11.
(6) مجمع الفائدة 1: 107.
(7) البحار 77: 276.
(8) التذكرة 1: 17.
(9) الحبل المتين: 18.
(10) منهم المحدث الكاشاني في الوافي 6: 245 والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 69.
(11) كشف اللثام 1: 69.
119

ونسبه إلى ظاهر العين والصحاح والمجمل ومفردات الراغب (1) من كتب اللغة.
ومحتمل كلامه للمعاني الثلاثة، وهو أكثر المتقدمين، حيث إنه فسر
الكعب في بعض كلماتهم: بالناتئ في ظهر القدم عند معقد الشراك (2). وفي آخر.
بما في ظهر القدم (3). وفي ثالث: بمعقد الشراك (4). وفي رابع: بالناتئ في وسط
القدم (5)، وفي خامس: بما في ظهر القدم عند معقد الشراك (6).
وجماعة من القائلين بالأول (7) حملوا الرابع (8) عليه، وحملوا الوسط على
الطولي، والفاضل (9) حمله على قوله، وصب عبارات الأصحاب عليه، ونسب
من حمله على غيره إلى عدم التحصيل.
والقائل (10) بالثالث حمل الرابع (11) على الثاني بعد إرجاعه إلى مختاره.
ومن متأخري المتأخرين (12) من أرجع الثاني إلى الأول، وذكر كل لما قاله
مؤيدات.

(1) العين 1: 207، الصحاح 1: 213، المجمل 4: 233، المفردات في غريب القرآن للراغب
الأصفهاني: 432.
(2) السيد المرتضى في الإنتصار: 28.
(3) نقله في المختلف: 44 عن ابن أبي عقيل.
(4) الكافي في الفقه: 132.
(5) النهاية: 13.
(6) السرائر 1: 100.
(7) منهم صاحبا المدارك 1: 216، والذخيرة: 33.
(8) المراد بالرابع: الكلمات التي حكاها عن المتقدمين وقال إنها محتملة للمعاني الثلاثة.
(9) المختلف: 24.
(10) الحبل المتين: 18.
(() يعني حمل الكلمات المحتملة، على المعنى الثاني وهو المفصل. بعد أن أرجعه إلى مختاره وهو المعنى
الثالث أي العظم الواقع في ملتقى الساق والقدم.
(12) مجمع الفائدة 1: 108، الذخيرة: 33.
120

أقول: رجوع كل من الثانيين (1) إلى الآخر بحسب الموضع (2) والمحل مما
لا إشكال فيه ولا خفاء، كعدم رجوع الثاني إلى الأول.
وإنما الاشكال في الرابع، والحق احتماله لكل من الأول والثالث لكون
كل ظهرا ووسطا طوليا أو عرضيا وناتئا، وإن كان ظهور النتوء الواقع في بعض
العبارات في المحسوس مؤيدا للأول، ولكن تعريف جمع من علماء التشريح الذين
هم أهل الخبرة في المقام بالثالث مقيدا بالناتئ - وديدن الفقهاء الرجوع في
الموضوعات إلى أهل خبرتها - يضعفه، مع أن نتوئه أيضا محسوس سيما بالملامسة،
بل هو أرفع من القبة، كما يظهر بعد نصب الساق.
وأما المعقد: فلا ظهور له في الأول، بل الظاهر أن موضع عقد الشراك هو
الوسط في العرض، أي: يقع عقد الشراكين فيه دون القبة، ولم يعلم أيضا أنه
كان يعقد تحت المفصل.
هذا، ثم إنه استدل الأولون: بإجماع لغوي الخاصة وكثير من العامة، سيما
قول صاحب الصحاح: الكعب هو العظم الناشز في ظهر القدم عند ملتقى
الساق والقدم، ونسبه إلى الناس ما عدا الأصمعي (3)، بل قيل: الظاهر أنه
مذهب جميعهم (4) لعدم الخلاف بينهم في تسمية ذلك كعبا، وإنما الخلاف في
تسمية ما عداه به.
ودعوى جماعة من الفقهاء الاجماع عليه كما هو المحكي عن الانتصار،
والتبيان، والخلاف (5)، والمجمع، والمعتبر، والمنتهى، والغنية، والذكرى (6).

(1) يعني بهما الثاني والثالث فإن المفصل والعظم الواقع في ملتقى الساق والقدم متحدان بحسب
المحل.
(2) التقييد به لأن المفصل من حيث هو غير العظم المذكور إلا أن موضعهما واحد (منه ره).
(3) الصحاح 1: 213.
(4) الرياض 1: 21.
(5)) الإنتصار. 28، التبيان 3: 456، الخلاف 1: 92.
(6) مجمع البيان 2: 167، المعتبر 1: 151، المنتهى 1: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 553،
الذكرى: 88.
121

وصحيحة البزنطي، وفيها: فوضع كفه على الأصابع، فمسحها إلى
الكعبين إلى ظاهر القدم (1).
ورواية ميسر، وفيها: ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال. " هذا هو
الكعب) (2).
فإن الظاهر والظهر فيهما ليسا بالمعنى المقابل للباطن قطعا لعدم كونه
بإطلاقه كعبا فهو بمعنى ما ارتفع.
وصحيحة الأخوين وفيها: فقلنا (له) (3) أين الكعبان؟ قال. هاهنا؟ يعني
المفصل دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟ قال: هذا (من) (4) عظم الساق،
والكعب أسفل من ذلك (5). فإن المفصل المعهود ليس دون عظم الساق ولا أسفل
منه، فإنهما يقتضيان بعدا فليس إلا القبة.
وبعدم وجوب تبطين الشراك كما ورد في الأخبار (6)، ولو كان الكعب هو
المفصل، للزم تبطينه.
وبما ورد في الصحيح: إن أمير المؤمنين إذا قطع الرجل قطعها من
الكعب) (7).
وروي أيضا في الكافي والفقيه والتهذيب: " إنما يقطع الرجل من الكعب

(1) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 6 التهذيب 1: 91 / 243 الإستبصار 1: 62 / 184،
الوسائل 1: 417 أبواب الوضوء ب 24 ح 4.
(2) التهذيب 1: 75 / 190، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 9.
(3) لا توجد في (ه‍) و (ق).
(4) لا توجد في (ه‍ " و " ق ".
(5) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، التهذيب 1: 76 / 191، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء
ب 15 ح 3 بتفاوت يسير.
(6) الوسائل 1: 415 أبواب الوضوء ب 23 ح 8.
(7) الفقيه 4: 46 / 157، الوسائل 28: 254 أبواب حد السرقة ب 4 ح 8.
122

ويترك من قدمه ما يقوم عليه ويصلي ويعبد الله " (1).
فإن موضع القطع عند معقد الشراك إجماعا منا، كما نقله جماعة (2).
مع أنه لا يبقى مع القطع من غير القبة من معاني الكعب ما يقوم به.
مع أنه في رواية سماعة: " السارق إن عاد قطع رجله من أوسط القدم " (3)
وليس كعب في الأوسط إلا القبة.
وفي الكل نظر:
أما الأول: فلمنع الاجماع، بل أكثر كلمات اللغويين محتمل للمعنيين:
الأول والثالث، ألا ترى قول صاحب الصحاح: عند ملتقى الساق والقدم (4)
والنشوز ظهر القدم لا يعين القبة لأن الثالث أيضا كذلك، ولا يضر عدم
إحساس نشوزه كثيرا فإن أهل اللغة يعرفون الأجزاء الباطنية بأوصافها الغير
المحسوسة، وغرضه الرد على الأصمعي حيث جعل الكعب في الجانبين، مع أن
نتو الثالث حسا كما ذكرنا ليس أقل من نتو الأول.
نعم، لما كان الأول مبدأ النتو، قد يتخيل أنه أظهر أو أكثر. وقد عرفت أن
بعض الأجلة قد استشهد لاثبات الثالث بقول صاحب الصحاح وغيره من أهل
اللغة (5)، وذلك أوضح شاهد على أنه لا أقل محتمل للمعنيين.
ومنه يظهر حال سائر كلمات اللغويين كالقاموس، والنهاية (6)، والغريبين،

(1) الكافي 7: 5 2 2 الحدود ب 36 ح 17، الفقيه 4: 49 / 171، التهذيب 10: 103 / 401،
الوسائل 28: 257 أبواب حد السرقة ب 5 ح 8.
(2) الخلاف 2: 469، الغنية (الجوامع الفقهية): 623، المهذب 2: 545، السرائر 3: 489.
(3) الكافي 7: 223 الحدود ب 36 ح 8، التهذيب 10: 103 / 400 الوسائل 28: 252 أبواب حد
السرقة ب 4 ح 3.
(4) الصحاح 1: 213.
(5) تقدم ص 120.
(6) القاموس 1: 129، النهاية الأثيرية 4: 178.
123

وعميد الرؤساء (1)، وغيرهم (2)، فإنهم لم يذكروا في بيانه إلا أنه الناشز ظهر القدم.
وقد عرفت حاله.
وأما الثاني: فلذلك أيضا فإن أكثر كلمات المدعين للاجماع مما لا يعلم
اختصاصه بالقبة، هذا كلام المنتهى والمعتبر (3)، فإنهما ذكرا أن الكعبين هما
العظمان الناتئان في وسط القدم، وهما معقد الشراك وهذا كما ترى محتمل
للمعنيين، بل صرح في المنتهى بعد ذلك أنه المفصل دون عظم الساق، ونسب
من فهم غيره إلى عدم التحصيل. بل لا يحضرني الآن من كلام فقهائنا المتقدمين
والمتوسطين من ذكر القبة إلا نادرا، كالمفيد (4)، والشرائع، والنافع (5).
وأما الثالث والرابع: فلأن المعنى الثالث أيضا ما ارتفع، بل هو غاية
ارتفاع القدم وأرفع مواضعه.
مع أنه يمكن أن يكون الغرض الرد على العامة (6) حيث يجعلون الكعب
في الجانبين، فيكون المراد من الظاهر والظهر المعنى المقابل للباطن والجانب ردا
عليهم، ولحصول الغرض بمطلق الظهر أطلقه ولم يعين موضعه.
وأما الخامس: فلاحتمال كون لفظ " دون " بمعنى الغير، والمشار إليه في
ذلك وفي هذا في الموضعين ما قال العامة بكونه كعبا.
مع أن المعنى الثالث أيضا غير عظم الساق وأسفل منه فلا ينافيه. واقتضاء
الأسفلية للبعد ممنوع.
وأما السادس. فلجواز أن يكون المراد الشراك المعقود طولا - كما قيل -

(1) نقله عنه في الذكرى: 88.
(2) انظر لسان العرب 1: 718.
(3) المنتهى 1: 64، المعتبر 1: 151.
(4) المقنعة: 44.
(5) الشرائع 1: 22، النافع: 6.
(6) راجع ص 119.
124

ويتعارف الآن أيضا، وجواز كون مبدأي الشراك والكعب بالمعنى الثالث واحدا.
مع أنه قيل بجواز المسح على الشراك وقيامه في ذلك مقام البشرة (1).
وأما السابع: فلمنع كون معقد الشراك هو القبة، ومنع أن غيرهما لا يبقى
مع القطع منه ما يقام به فإن مع القطع من المعنى الثالث أيضا يبقى العقب
وشئ من القدم، بل صرح في بعض الأخبار - كما يأتي - أنه يقطع من المفصل
ويترك العقب يطأ عليه (2)، وهو صريح في أن القيام على العقب، وهو يبقى قطعا
مع القطع من المعنى الثالث، بل من المفصل بين الساق والقدم.
هذا، مع أنه لو تم لا يدل على أزيد من الاستعمال، وهو لا يفيد
الاختصاص، سيما مع تصريح جماعة (3) بالاستعمال في غيره أيضا.
واستدل الثانيان (4): بقول بعض أهل اللغة وصحيحة الأخوين.
وفي الأول: منع الحجية أولا، والاختصاص ثانيا.
وفي الثاني: أنه يمكن أن يكون المراد بالمفصل، المفصل الشرعي، أي:
محل القطع، بل قيل. هو الظاهر من بعض الأخبار (5) كالرضوي: " يقطع السارق
من المفصل ويترك العقب يطأ عليه " (6) فإنه مشعر بمعروفية المفصل عند الاطلاق
في ذلك الزمان.
وفيه نظر، ويعلم وجهه مما ذكرنا.
وزاد الثالث (7): تصريح أرباب التشريح، ونسبة بعض العامة هذا المعنى

(1) التذكرة 1: 18.
(2) راجع الوسائل 28: 254 أبواب حد السرقة ب 4 ح 7.
(3) منهم صاحبا البحار: 77: 276، والحبل المتين: 18.
(4) أي القائلون بالقول الثاني والثالث (العلامة والشيخ البهائي ومن تبعهما).
(5) شرح المفاتيح: (مخطوط).
(6) لم نعثر عليه في فقه الرضا " ع "، وهو موجود في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 151 / 388
عن أبي عبد الله عليه السلام، الوسائل 28: 254 أبواب حد السرقة ب 4 ح 7.
(7) الشيخ البهائي في الحبل المتين: 20.
125

إلى الشيعة.
وضعفهما ظاهر فإنهما معارضان بما مر من تصريح جمع آخر بخلافه.
وظهر من ذلك كله عدم دليل واضح على تعيين معناه، والاحتياط في المسح
إلى مبدأ عظم الساق أي المفصل، كما صرح به جماعة، منهم: صاحب البحار (1)
وغيره (2)، ويوجبه ضرب من الاستصحاب أيضا.
فروع:
أ: محل المسح ظاهرهما، إجماعا منا، واستفاضت عليه الروايات (3).
وما في الخبرين من مسح الظاهر والباطن أمرا في أحدهما (4) وفعلا في
الآخر (5)، لا حجية فيه للشذوذ، وعلى التقية محمول لأنه مذهب العامة، كما
عن التهذيب (6).
وحده أما طولا. فمن رؤوس الأصابع إلى الكعبين على الحق المشهور، بل
عليه الاجماع عن الخلاف والانتصار والتذكرة والذكرى، وفي ظاهر المنتهى
والمعتبر (7) لظاهر الكتاب.
وتخصيص دلالته بكون " إلى " غاية للمسح، فالايراد عليه: بأن جواز
النكس ينفيه.

(1) البحار 77: 277.
(2) الحدائق 2: 302.
(3) انظر الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23.
(4) التهذيب 1: 82 / 215، الإستبصار 1: 61 / 181، الوسائل 1: 415، أبواب الوضوء ب 23
ح 7.
(5) التهذيب 1: 92 / 245، الإستبصار 1: 62 / 185، الوسائل 1: 415 أبواب الوضوء ب 23
ح 6.
(6) التهذيب 1: 92.
(7) الخلاف 1: 92، الإنتصار: 27، التذكرة 1: 18، الذكرى: 18، المنتهى 1: 63، المعتبر
1: 150.
126

مردود: بعدم الاختصاص، بل على كونها غاية للممسوح يثبته أيضا إذ
مقتضى وجوب مسح شئ مغيى بغاية مسح تمام ذلك الشئ، كما إذا قال. اكنس
من عند الباب إلى الصدر، وكانت هناك قرينة على عدم إرادة الابتداء من عند
الباب، فيكون الحرفان لتحديد الموضع، مع أنه يفهم قطعا وجوب كنس جميع ما
بين الحدين، فدلالة الآية على وجوب المسح إلى الكعب تامة على التقديرين، نعم
لا يتعين الطرف الآخر منها، ولا ضير فيه للاجماع المركب.
ويدل عليه أيضا: المرويان في الخصال وكشف الغمة، المتقدمان في غسل
اليدين (1).
وحسنة ابن أذينة المروية في الكافي والعلل في حديث المعراج، وفيها:
" وامسح بفضل ما في يديك من الماء رأسك ورجليك إلى كعبيك " (2) الحديث.
وفي كتاب الطرف للسيد ابن طاووس بإسناده عن أبي الحسن موسى عليه
السلام، في شرائع الاسلام، وعد منها: المسح على الرأس والقدمين إلى
الكعبين (3).
وضعف بعضها بما مر منجبر.
وقد يستدل أيضا: بالوضوءات البيانية.
وبصحيحة البزنطي: عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على
الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، قلت: جعلت فداك لو أن رجلا
قال بإصبعين من أصابعه هكذا فقال: " لا إلا بكفه كلها " (4).

(1) ص 101 و 102.
(2) الكافي 3: 485 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312، الوسائل 1: 390 أبواب الوضوء
ب 15 ح 5.
(3) الطرف: 5، الوسائل 1: 400 أبواب الوضوء ب 15 ح 25.
(4) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 6، التهذيب 1: 91 / 243، الإستبصار 1: 62 / 184،
الوسائل 1: 417 أبواب الوضوء ب 24 ح 4 - بتفاوت - راجع التهذيب 1: 1: 64 / 179.
127

وحسنة عبد الأعلى: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة
فكيف أصنع بالوضوء؟ فقال: " يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل، قال
الله: * (ما جعل عليكم في الدين من حرج) * امسح عليه " (1) دلت على وجوب
مسح رأس الإصبع، فيتم المطلوب بالاجماع المركب.
ويضعف الأول: بما مر مكررا.
والثاني: بكونه محمولا على الاستحباب قطعا لعدم وجوب الكف إجماعا كما
يأتي.
وكذا الثالث فإنه لا يجب مسح ما عليه المرارة إلا على وجوب الاستيعاب
العرضي.
والحمل على انقطاع جمع الأظفار بعيد جدا، ولو احتمله، لاحتمل إرادة
ظفر اليد أيضا، فيبطل الاستدلال.
خلافا لبعض المتأخرين (2)، فاكتفى في الطول بالمسمى، واحتمله في المعتبر
والذكرى (3) للمستفيضة الدالة على عدم وجوب استبطان الشراكين (4)،
وصحيحتي الأخوين المتقدمتين (5) في قدر الوجوب من مسح الرأس.
وفي الأول: جواز كون الشراك فوق الكعب أو قيامه مقام البشرة، كما
صرح به في بعض المعتبرة (6).

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 21 ح 4، التهذيب 1: 363 / 1097، الإستبصار 1: 77 / 240،
الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء ب 39 ح 5، الآية: 78 الحج.
(2) قال في الحدائق 2: 291. وبه جزم المحدث الكاشاني في المفاتيح. ونفى عنه البعد صاحب
رياض المسائل وحياض الدلائل ولا يخفى أن الموجود في المفاتيح 1: 44 خلافه.
(3) المعتبر 1: 152، الذكرى: 89.
(4) راجع الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23.
(5) في ص 110.
(6) الظاهر أن المراد به ما يجوز المسح على نفس النعل - كما في معتبرة زرارة الوسائل 1: 414 أبواب
الوضوء ب 23 ح 4.
128

وفي الثاني: أنه معارض مع ما مر بالاطلاق والتقييد، فيحمل المطلق
على المقيد الموافق للكتاب.
وقد يرد أيضا. باحتمال موصوفية " ما " المفيدة للعموم، والابدال من شئ،
فيفيد بمفهوم الشرط توقف الاجزاء على مسح مجموع المسافة الكائنة بينهما (1).
وفيه. أن هذا الاحتمال موجب للاستيعاب في العرض، وهو باطل، إلا أن
يتمم بإلغاء ما خرج بالدليل، وهو أيضا يوجب خروج الأكثر على كفاية المسمى
في العرض.
وأما عرضا: فالمسمى، وعليه الاجماع في المعتبر والمنتهى (2) وظاهر
التذكرة (3)، وهو في الأولين وإن كان على الاكتفاء ولو بإصبع واحدة، ولكن
المستفاد من استدلالهما إرادة المسمى.
ثم الدليل عليه: الأصل، وصدق الامتثال، وإطلاق الآية، سيما
بملاحظة صحيحة زرارة، المفسرة لها، وفيها: " فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن
المسح على بعضهما " (4). بل إطلاق صحيحتي الأخوين، وفقد ما يصلح مخرجا
ومقيدا إذ ليس شئ سوى صحيحتي الأخوين على جعل " ما " موصولة، وهو مجرد
احتمال غير كاف في الاستدلال.
وصحيحة البزنطي وحسنة عبد الأعلى، وهما شاذتان إذ لم يقل بمضمونهما
أحد، كما صرح به جماعة (5)، فلذلك تخرجان عن الحجية.
مع أنهما معارضتان: برواية معمر بن عمر، المتقدمة (6) في مسح الرأس،

(1) حكاه في الحدائق 2: 293 عن شيخه صاحب رياض المسائل.
(2) المعتبر 1: 150 - 152، المنتهى 1: 63.
(3) التذكرة 1: 18.
(4) الكافي 3: 30 الطهارة ب 19 ح 4، الفقيه 1: 56 / 212، التهذيب 1: 61 / 168، الإستبصار
1 62 / 186، الوسائل 1: 412 أبواب الوضوء ب 23 ح 1.
(5) منهم الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح: (مخطوط)، وصاحب الرياض 1: 21.
(6) ص 112.
129

ولا مرجح لهما.
وأصحيتهما سندا معارضة بمخالفتهما للقوم عملا.
ورواية معمر المشار إليها، وهي لاثبات الوجوب غير ناهضة، لما ذكرنا في
معنى الاجزاء.
خلافا لبعض - كما في التذكرة - فأوجب ثلاث أصابع (1) وكأنه لرواية معمر
السابق جوابها.
وللمحكي عن النهاية وأحكام الراوندي (2)، فأوجبا الإصبع وكأنه لما
سبقت إليه الإشارة من أنها المسمى عرفا. ولا وجه له.
وعن الإشارة (3) وظاهر الغنية (4)، فحدداه بالإصبعين. ولا يتضح
مستند هما.
والمستحب المسح بالكف كله، كما عن النهاية والمقنعة والجمل والعقود،
والمبسوط والوسيلة والألفية (5) لما مر من الصحيحة بل الحسنة.
وعن الإشارة: استحباب تفريج الأصابع (6). ولا بأس به، إذ المقام
يتحمل التسامح.
ثم إنه هل يجب إدخال الكعبين أم لا فيه قولان، أظهرهما:، الثاني، وفاقا
للمعتبر (7) للأصل.
وقوله في صحيحة الأخوين: " ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع ".

(1) التذكرة 1: 18.
(2) النهاية: 14، فقه القرآن 1: 30.
(3) الإشارة: 70.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 553.
(5) النهاية: 14 المقنعة: 48، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 159، المبسوط 1: 22، الوسيلة:
52، ولم نجده في الألفية والمظنون أنها تصحيف النفلية: 7.
(6) الإشارة: 71.
(7) المعتبر 1: 152.
130

وخلافا للمنتهى والتحرير (1)، فاختار الأول لما ذكره بعض النحاة من
دخول الغاية في المغيى إذا كانت من جنسه.
وهو غير ثابت، ولو ثبت فليس بحجة.
وكذا لا يجب مسح أطراف الأصابع لما مر، فلا يضر تجاوز الظفر عن
حد الإصبع، ولا اجتماع الوسخ تحته. ولا يجب مسح ما تحت الظفر المتجاوز أو
الوسخ.
ب: لا يجوز المسح على حائل، كخف وجورب ونحوهما اختيارا إجماعا،
وحكاية الاجماع عليه في كلمات أصحابنا متواترة، وأخبارنا على النهي عنه
متظافرة، وعدم صدق الامتثال معه يمنعه، واستصحاب الحدث ينفيه.
ويجوز مع الاضطرار، كخوف عدو، أو برد، أو التخلف من رفقة، أو عدم
التمكن من نزع الخف، وغيره، بلا خلاف معروف.
وقال والدي - رحمه الله - في اللوامع: إنه المعروف منهم.
لحسنة عبد الأعلى، المتقدمة (2)، ورواية أبي الورد، فيها: فقلت: هل
فيهما - أي في الخفين - رخصة؟ فقال: " لا إلا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على
رجليك) (3).
والرضوي: " ولا تمسح على جوربك إلا من عدو (4) أو ثلج تخاف على
رجليك) (5).
وأما الأخبار النافية للتقية في المسح على الخفين (6) فلا تصلح للمعارضة

(1) المنتهى 1: 64، التحرير 1: 10.
(2) في ص 128.
(3) التهذيب 1: 362 / 1092، الإستبصار 1: 76 / 236 الوسائل 1: 458 أبواب الوضوء
ب 38 ح 5.
(4) في " ه‍ ": عذر.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 68، المستدرك 1: 331 أبواب الوضوء ب 33 ح 1.
(6) الوسائل 1: 457 أبواب الوضوء ب 38.
131

مع ما مر، لرجحانه بموافقة الكتاب والسنة في انتفاء العسر والحرج والضرر.
مع إمكان حملها على اختصاص نفي التقية فيه بالإمام، كما نقل عن زرارة
أنه فسره به (1)، أو على عدم الحاجة في التقية إليه بملاحظة تجويز العامة الغسل
المجامع مع المسح بضرب من التدبير سيما مع كفاية المسمى عرضا في المسح.
ولا يجوز مع العذر المنتفي بالمسح على الحائل، الانتقال إلى التيمم لعدم
ثبوت مشروعيته حينئذ.
ج: إطلاق الآية والروايات يعطي جواز المسح على الشعر ما لم يكثر بحيث
يخرج عن المعتاد لصدق مسح الرجلين عليه، فلا يجب مسح تحت ما يقع منه
بين رؤوس الأصابع والكعب، بل مقتضى ما ذكر: جوازه مع الكثرة المفرطة
الساترة لتمام البشرة أيضا، إلا أن ندور مثل ذلك يوجب الوهن في شمول
المطلقات له.
وصحيحتا زرارة (2) ومحمد (3) الناهيتان عن البحث عما أحاط به الشعر لا
تشملان محل المسح لقوله فيهما: " ولكن يجري عليه الماء " وكأن تخصيص الأكثر
محله بالبشرة بعد تعميمهم في مسح الرأس، للاحتراز عن مثل ذلك أو مثل
الخف.
د: يجب أن يكون مسح كل من الرأس والرجلين ببقية نداوة اليدين من
الوضوء، وفاقا للأكثر (4) بل لغير شاذ (5) لا يقدح خلافه في الاجماع، فعليه الاجماع

(1) الكافي 3: 32 الطهارة ب 20 ح 2، التهذيب 1: 362 / 1093، الإستبصار 1: 76 / 237،
الوسائل 1: 57 4، أبواب الوضوء ب 38 ح 1.
(2) التهذيب 1: 364 / 1106، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 46 ح 2.
(3) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 2، التهذيب 1: 360 / 1084، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء
ب 46 ح 1.
(4) منهم الشيخ في المبسوط 1: 22، والعلامة في التذكرة 1: 16، والمحقق السبزواري في الكفاية:
3.
(5) المخالف هو ابن الجنيد كما سيأتي في ص: 135.
132

كما عن السيدين (1) والشهيد (2) أيضا، فهو الحجة فيه.
مضافا إلى المستفيضة كمرسلة الفقيه: " إن نسبت مسح رأسك فامسح
عليه وعلى رجليك من بلة وضوئك، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك
شئ فخذ ما بقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ورجليك، وإن لم يكن لك لحية
فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك، وإن لم يبق من بلة
وضوئك شئ أعدت الوضوء " (3).
ورواية مالك بن أعين: " من نسي مسح رأسه ثم ذكر أنه لم يمسح رأسه،
فإن كان في لحيته بلل، فليأخذ منه ويمسح رأسه، وإن لم يكن في لحيته بلل،
فلينصرف وليعد الوضوء " (4).
ورواية خلف: الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة قال: " إن كان
في لحيته بلل فليسمح به " قلت: فإن لم يكن له لحية؟ قال: " يمسح من حاجبه ومن
أشفار عينيه " (5).
واختصاص الأخيرة بحال الصلاة صريحا والثانية ظاهرا، فيمكن معه أن
يكون الأمر بالمسح بالبقية لأجل عدم الخروج منها، وبالإعادة، لانتفاء الموالاة مع
انتفاء البلل مطلقا.
مدفوع: بمنع توقف تجديد البلة على الخروج مطلقا، فهما بإطلاقهما تعمان
الحالين، مع أن الخروج لعدم الطهارة متحقق.

(1) السيد المرتضى في الانتصار: 19، ومسائل الميافارقيات (رسائل المرتضى 1): 278، وابن زهرة في
الغنية (الجوامع الفقهية): 554.
(2) الذكرى: 86.
(3) الفقيه 1: 36 / 134، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 8.
(4) التهذيب 2: 201 / 788، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء ب 21 ح 7.
(5) التهذيب 1: 59 / 165 الإستبصار 1: 59 / 175، الوسائل 1: 407 أبواب الوضوء ب 21
ح 1.
133

وضعف إسنادهما سيما مع الانجبار بما مر غير قادح، كاختصاصهما
بالنسيان، لعدم القائل بالفرق.
وحسنة ابن أذينة المتقدمة (1).
والرضوي: " إن جبرئيل هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله، بغسلين
ومسحين: غسل الوجه والذراعين بكف كف، ومسح الرأس والرجلين بفضل
النداوة التي بقيت في يديك من وضوئك " (2).
والمروي في إرشاد المفيد وكشف الغمة وخرائج الراوندي فيما ورد على علي
ابن يقطين. " وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك من نداوة وضوئك " (3).
وقد يستدل أيضا: باستصحاب عدم جواز دخول الصلاة، والممنوعية منه
بعد حدوث الحدث إلى أن يحصل المجوز، حيث إن إطلاقات المسح لا تدل على
وجوب نداوة اليد، لصدقه مع جفافها أيضا، وإنما هو يثبت بالاجماع، والقدر
المعلوم كونه مبيحا هو نداوة الوضوء، فبدونها يستصحب عدم الإباحة والممنوعية
المغياتان قطعا بحصول المجوز.
وبالوضوءات البيانية. وصحيحة زرارة وفيها: " وتمسح ببلة يمناك ناصيتك
وبما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلة يسراك ظهر قدمك
اليسرى) (4).
ويرد الأول. معارضته مع أصالة عدم وجوب هذا الخصوص الموجب
لحصر المأمور به في الوضوء بالمسح بمطلق البلة، الموجب لرفع الحدث بالاجماع،
حيث إن القدر الواجب من الوضوء رافع للممنوعية إجماعا، فهذا الأصل مزيل
للاستصحاب المذكور.

(1) ص 127.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 80، البحار 77: 268 / 33.
(3) إرشاد المفيد 2: 229، كشف الغمة 2: 227، الخرائج والجرائح 1: 335 / 26.
(4) الكافي 3: 25 الطهارة ب 7 1 ح 4، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
134

والثانيين: ما مر من عدم دلالتهما على الزائد من الجواز والاستحباب (1).
نعم، يعارض بها ما يدل بظاهره على نفي الجواز، كموثقة أبي بصير: قلت:
أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟ قال: " لا، بل تضع يدك في الماء ثم تمسح " (2)
وقريبة من معناها صحيحة معمر (3) ورواية أبي عمارة (4).
ويرجحان عليه بمخالفة العامة. مع أنه ليس بحجة حتى يصلح
للمعارضة لمخالفة عمل الأصحاب كافة، حيث يدل على وجوب الاستئناف مع
البلة.
ومنه يظهر أنها لا تصلح حجة للإسكافي الذي هو المخالف في المسألة،
فيجوز المسح بالماء الجديد إما مطلقا، كما حكي عنه، أو إذا لم تبق نداوة الوضوء،
كما هو ظاهر كلامه (5)، ولا إطلاق الآية، لأنها بالنسبة إلى ما مر مطلقة فيجب
التقييد به.
وقد يستدل له: بحسنة منصور: عمن نسي أن يمسح رأسه حتى قام في
الصلاة، قال: " ينصرف ويمسح رأسه ورجليه " (6) حيث إنه لو كان ببقية البلل،
لما احتاج إلى الانصراف. وقريبة منها رواية الكناني (7).
وفيه. أن المزاد بالانصراف قطع الصلاة، وهو لأجل عدم تمامية الوضوء لا
لتجديد الوضوء.

(1) في ص 97 و ص 117.
(2) التهذيب 1: 59 / 164، الإستبصار 1: 59 / 174، الوسائل 1: 408 أبواب الوضوء ب 21
ح 4.
(3) التهذيب 1: 58 / 163، الإستبصار 1: 58 / 173، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء ب 1 2
ح 5.
(4) التهذيب 1: 59 / 166، الوسائل 1: 409 أبواب الوضوء 21 ح 6.
(5) حكاه عنه المحقق في المعتبر 1: 147، والعلامة في التذكرة 1: 17، والمختلف: 24.
(6) التهذيب 1: 88 / 233، 97 / 254، الإستبصار 1: 75 / 230، الوسائل 1: 450 أبواب
الوضوء ب 35 ح 3.
(7) التهذيب 2: 200 / 785، الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3 ح 2.
135

وأما ما في رواية أبي بصير: فبمن نسي مسح رأسه وهو في الصلاة: " وإن
شك فلم يدر مسح [أو لم يمسح] فليتناول من لحيته إن كانت مبتلة ويمسح على
رأسه، وإن كان أمامه ماء فليتناول منه فليمسح به رأسه " (1)، فهو خارج عن
الوضوء قطعا لعدم اعتبار هذا الشك.
ثم مقتضى المرسلة وحسنة ابن أذينة والرضوي، المتقدمة (2) مؤيدا بصحيحة
زرارة (3): وجوب كون المسح ببقية بلة اليدين خاصة، وعدم جواز أخذها من
مظانها من سائر أعضاء الوضوء أيضا مع بقائها في اليد.
وهو كذلك على الأظهر الأشهر، كما صرح به بعض من تأخر (4) لما مر.
وبه يقيد بعض المطلقات المتقدمة (5).
وحمل المطلقات ككلمات الأصحاب على الغالب - كما في المدارك (6) وغرر
المجامع - لا دليل عليه.
وأما مع جفافها: فيجوز الأخذ منها إجماعا، كما تدل عليه المرسلة، وروايتا
مالك وخلف (7). ولا يلزم الاقتصار على الأشفار والحاجب واللحية، بل يجوز
الأخذ من غيرها كالوجه والذراع أيضا لمفهوم قوله في المرسلة: " وإن لم يبق من
بلة وضوئك شئ أعدت الوضوء ".
وهل يقتصر من اللحية على موضع الوضوء منها، أم يتعدى إلى غيره أيضا
كالمسترسل؟

(1) التهذيب 2: 201 / 787 الوسائل 1: 471 أبواب الوضوء ب 42 ح 8. وما في المعقوفين من
المصدر.
(2) في ص 133، 134.
(3) المتقدمة في ص 134.
(4) المفاتيح 1: 46.
(5) في ص 133.
(6) المدارك 1: 213.
(7) تقدم جميعها في ص 133.
136

مقتضى إطلاق كثير مما مر: الثاني، ولكن المرسلة تخصه بالأول لمكان
قوله: " فخذ ما بقي منه في لحيتك " حيث إن كون ما في غير محل الفرض منه
ممنوع، فإذا حمل المطلق على المقيد - كما هو القاعدة - يفيد الاقتصار منها على
موضع الوضوء.
مع أن مقتضى منطوق قوله فيها: " وإن لم يبق من بلة وضوئك " إلى آخره:
عدم جواز التعدي، فيعارض الاطلاق بالعموم من وجه، ولعدم مرجح يرجع إلى
المقيد، ومقتضاه الاقتصار، فعليه الفتوى.
وكون ماء المسترسل أيضا من نداوة الوضوء - كما قيل (1) - غير معلوم إذ
يمكن أن يكون المراد بالوضوء فيه ما حصل به الوضوء لا ما أخذ لأجله، بل
الظاهر هو الأول، ولا شك أن ما في غير محل الفرض لم يحصل به الوضوء، أي
الطهارة، ولو كان ما في المسترسل من بقية الوضوء، لجاز الأخذ مما تقاطر منه على
الثوب أيضا، ولعله لا يقول به.
ومنه يظهر عدم جواز الأخذ من الماء الذي في موضع مسح الرأس من غسل
الوجه، إلا في القدر المحتاج إليه من باب المقدمة، فإن الظاهر أنه من نداوة
الوضوء.
هذا، ثم إن وجوب المسح بالبلة إنما هو مع الامكان. وأما لو تعذر بقاؤها
لريح أو حر أو نحوهما، فيلزم استئناف الماء الجديد له لاستصحاب وجوب
الغسلتين والمسحتين، وعدم تحقق الأخرين إلا في ضمن جفاف الماسح، أو بلته
بنداوة الوضوء أو بالماء الجديد، وبطلان الأول بالاجماع، والثاني بالتعذر، فلم
يبق إلا الثالث.
ومنه يظهر ضعف تجويز الانتقال إلى التيمم لاستصحاب وجوب الغسل
والمسح مع أصالة عدم مشروعيته.

(1) شرح المفاتيح: (مخطوط).
137

ه‍: لا تضر نداوة محل المسح قبله إن استهلكت في نداوة الماسح إجماعا.
وأما بدونه ففيه أقوال: صحة المسح معها، ذهب إليه الحلي، والمحقق،
والفاضل في بعض كتبه (1)، ونسبه والدي إلى الأكثر، بل عن الثاني جواز إخراج
الرجل من الماء والمسح عليه. وعدمها كذلك، اختاره الفاضل في المختلف،
ووالده (2)، ووالدي طاب ثراهم. والأول مع غلبة بلة الماسح، والثاني مع عدمها.
وظاهر التذكرة والمنتهى: التردد (3).
والحق الثاني لوجوب كون المسح ببلة الوضوء، وتمتزج البلتان بمجرد
الوضع، فيصير ما في اليد غير نداوة الوضوء إذ المركب غير جزئه، والماسح
بالسكنجبين ليس ماسحا بالخل.
وأيضا: الضرورة قاضية بعدم الفرق بين المزج بالصب وبوضع اليد على
البلة، فعدم صدق المسح بالبقية في الثاني كما في الأول مما لا ريب فيه.
ومما ذكرنا يظهر عدم الفرق بين الماء والعرق وغيرهما.
للأول (4): صدق الامتثال.
وفيه: أنه إن أريد امتثال أوامر المسح فمسلم، ولكن هنا أمرا آخر هو المسح
بالبقية. وإن أريد امتثال جميع الأوامر فممنوع.
فإن قيل: الأمر الآخر ليس إلا الأمر بالمسح باليد المبتلة ببقية الوضوء وقد
حصل.
قلنا: بل هو المسح ببلة اليد، لا اليد المبتلة، فإنه معنى المسح بالبلة ومنها
وذلك لا يكون إلا بأن يمسح ببلة اليد منفردة.

(1) الحلي في السرائر 1: 104، والمحقق في المعتبر 1: 160، والعلامة في المنتهى 1: 64.
(2) المختلف 26 ونقله عن والده.
(3) التذكرة: 18، المنتهى 1: 64.
(4) أي الدليل للقول الأول.
138

وللثالث (1): أن المزج القليل لا يمنع صدق المسح بالبلة.
قلنا. مسلم في الصدق المجازي دون الحقيقي.
نعم، لو كانت بلة الممسوح قدرا لا ينفصل منها شئ يمتزج مع بلة الماسح،
اتجه القول بالصحة، وإن كانت هي أيضا مساوية لها، إن قلنا بكفاية هذا القدر
من البلة في المسح.
و: في اشتراط تأثير بلة الماسح في الممسوح، أي حصول بلة منه فيه قولان،
أحوطهما بل أظهرهما: الاشتراط لأنه المتبادر من المسح بالبلة.
ز: يجب أن يكون المسح باليد. وهل يتعين فيه الكف، أو باطنه مطلقا،
أو بلا ضرورة؟ فيه أقوال.
فالظاهر من الذكرى: تعين الكف بلا ضرورة، مع أولوية باطنه، ومعها
ينتقل إلى الذراع (2).
ومنهم من قال بتعين الباطن، ومع العذر ينتقل إلى الظاهر ثم إلى
الذراع (3).
ومنهم من قدم التيمم على الذراع.
أقوال: مدلول صحيحة زرارة (وحسنته) (4) والرضوي، المتقدمة (5) بل
المرسلة (6): وجوب المسح باليد، ولكن في معنى اليد إجمالا لاحتمال أن يكون
المراد بها الكف كما في يد التيمم، أو مع الذراع كما في يد الوضوء ومقتضى

(1) أي الدليل للقول الثالث.
(2) الذكرى: 87.
(3) المدارك 1: 212.
(4) لا توجد في " ه‍ " وعلى تقدير صحة ما في المتن فلعلها إشارة إلى نفس الصحيحة حيث إنها رويت
بسندين أحدهما مشتمل على إبراهيم بن هاشم، ولأجله تعد حسنة.
(5) في ص 134.
(6) المتقدمة في ص 133.
139

استصحاب وجوب المسح باليد والحدث: تعين الكف.
وتؤيده صحيحة البزنطي، المتقدمة (1)، وصحيحة الأخوين، وفيها: (ثم
مسح رأسه وقدميه ببلل كفه " (2).
وما في تفسير العياشي في وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله:
" ومسح رأسه بفضل كفيه وقدميه " (2).
والطريقة المعهودة من الناس، فعليه الفتوى.
وأما تعيين الباطن: فلا دليل عليه وإن كان أحوط.
هذا مع عدم العذر، وأما معه فيجزي الذراع أيضا لمطلقات المسح التي
لم يعلم تقييدها بالكف إلا في صورة عدم العذر.
ح. الظاهر جواز المسحين مقبلا ومدبرا، وفاقا فيهما للعماني والمبسوط،
والاصباح، والشرائع، والنافع، والمعتبر (4)، وجل المتأخرين (5)، بل للمشهور، كما
صرح به غير واحد (6)، وفي الرأس خاصة للحلي (7)، وفي الرجل للنهاية،
والاستبصار، والمراسم، والمهذب، والجامع، والإشارة (8).

(1) في ص 127.
(2) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 5، التهذيب 1: 76 / 191، الوسائل 1: 388 أبواب الوضوء
ب 15 ح 3.
(3) تفسير العياشي 1: 298، المستدرك 1: 302 أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
(4) نقله عن النعماني في المختلف 24، المبسوط 1: 22 الشرائع 1: 22 المختصر النافع: 6، المعتبر
1: 151
(5) منهم العلامة في المنتهى 1: 61، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 218، والشهيد الثاني في
الروضة 1: 76.
(6) منهم صاحب الرياض 1: 22 و 20.
(7) السرائر 1: 100.
(8) النهاية: 14، الإستبصار 1: 58، المراسم: 38، المهذب 1: 44 الجامع: 36، الإشارة:
71.
140

للأصل، والاطلاقات (1)، وصحيحة حماد: " لا بأس بمسح الوضوء مقبلا
ومدبرا " (2).
وتزيد في الثاني صحيحته أيضا: لا بأس بمسح القدمين مقبلا
ومدبرا " (3).
وصحيحة يونس: أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح
ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى القدم، ويقول:
(الأمر في مسح الرجلين موسع، من شاء مسح مقبلا ومن شاء مدبرا، فإنه من
الأمر الموسع " (4).
وخلافا فيهما للمحكي عن الصدوق (5)، وفي الأول خاصة عن السيد،
والنهاية، والخلاف، والاستبصار، والوسيلة (6)، بل عن الخلاف والانتصار
الاجماع عليه، وفي الثاني عن الحلي (7).
للاحتياط، والوضوءات البيانية، وافتقار اليقين بالشغل إلى اليقين بالبراءة
فيهما، وللاجماع المنقول في الأول، ولظاهر الآية (8) في الثاني.
والأول غير صالح لاثبات الوجوب، وكذا الثاني. مع أنه لا دلالة في
البيانيات على ذلك. والثالث مندفع: بحصول اليقين بما مر. والرابع ليس

(1) الرسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.
(2) التهذيب 1: 58 / 161، الإستبصار 1: 57 / 169، الوسائل 1: 406، أبواب الوضوء ب 20
ح 1.
(3) التهذيب 1: 83 / 217، الوسائل 1: 406 أبواب الوضوء ب 20 ح 2
(4) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 7، التهذيب 1: 83 / 216، الإستبصار 1: 58 / 170، قرب الإسناد: 306 / 1200، الوسائل 1: 407 أبواب الوضوء ب 20 ح 3.
(5) الهداية: 17، الفقيه 1: 28.
(6) السيد في الإنتصار: 19، النهاية: 14، الخلاف 1: 83، الإستبصار 1: 58، الوسيلة: 50.
(7) السرائر 1: 100.
(8) المائدة: 6.
141

بحجة، - سيما مع مخالفة العمدة. والخامس محتمل لكون إلى غاية للممسوح.
إلا أنه يكره النكس فيهما للتفصي عن الخلاف. وفي خصوص الأول
لاتباع الاجماع المنقول عن الانتصار والخلاف. وفي خصوص الثاني لظهور الآية
في كونها غاية للمسح.
ومنه يظهر أن الأحوط فيه، بل الأظهر: عدم النكس لعدم حجية الخبر
المخالف لظاهر الكتاب، سيما مع معارضته لأخبار أخر متضمنة للمسح إلى
الكعبين، كما مرت (1).
ط: الغسل لا يجزي عن المسح، ووجهه ظاهر. إلا إذا تحقق معه، بأن
كانت البلة الباقية مشتملة على ما يتحقق معه الجريان لو مسح بها، فإن الأظهر
حينئذ الاجزاء إذا لم يقصد الغسل لصدق الامتثال، فإن النسبة بين الغسل
والمسح العموم من وجه، فمادة الاجتماع تجزي عن كل منهما، ووجود الآخر لا
ينافيه.
وتدل عليه صحيحة النخعي. عن المسح على القدمين، فقال: (الوضوء
بالمسح ولا يجب فيه إلا ذلك، ومن غسل فلا بأس " (2).
ومفهوم صحيحة زرارة: " لو أنك توضأت وجعلت موضع مسح الرجلين
غسلا ثم أضمرت أن ذلك هو المفترض، لم يكن ذلك بوضوء) (3) فتأمل.
ولا ينافيه التفصيل في الآية لأنه يقتضي المغايرة دون المباينة.
ولا مثل رواية ابن مروان: " يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله
منه صلاة " قلت: وكيف ذلك؟ قال: " لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه) (4) لأنه

(1) في ص 127.
(2) التهذيب 1: 64 / 180، الإستبصار 1: 65 / 195، الوسائل 1: 421 أبواب الوضوء ب 25
ح 13.
(3) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 8، التهذيب 1: 65 / 186، الإستبصار 1: 65 / 193،
الوسائل 1: 420 أبواب الوضوء ب 25 ح 12.
(4) الكافي 3: 31 الطهارة ب 19 ح 9، التهذيب 1: 65 / 184، الإستبصار 1: 64 / 191، وفيه
بدل ابن مروان: محمد بن سهل، علل الشرائع: 289، الوسائل 1: 418 أبواب الوضوء ب 25
ح 2.
142

لا يدل على النهي عن الغسل، بل على عدم كونه مأمورا به بنفسه، ولا ينافي ذلك
الأمر به لأجل ما يتحقق معه. مع أنه رد على العامة الذين لا يقصدون إلا
الغسل.
ي: لو قطع بعض موضع المسح، مسح الباقي إجماعا. ولو قطع الكل،
سقط كذلك، ويكتفي بسائر الأفعال لأصالة بقاء وجوبها. ولا ينتقل إلى
التيمم لعدم ثبوت التوقيف حينئذ.
السادس: الترتيب، بأن يبدأ بالوجه ثم اليمني ثم اليسرى ثم الرأس ثم
الرجلين للاجماع، واستصحاب الحدث، وصريح النصوص (1).
فلو خالفه، أعاد الوضوء مع الجفاف لفوات الموالاة. وما (2) يحصله
بدونه، ويحصل بإعادة ما قدمه بما بعده (3) دون ما قبله لو غسله بعده (4) لحصول
المطلوب، وظاهر الوفاق، والمستفيضة. نعم لو لم يغسله بعد، غسله مقدما.
ويكفي قصد الترتيب مع عدمه حسا بوقوع الوضوء في المطر، فينوي الأول
فالأول إذ بالقصد يتحقق الغسل للوضوء. وعليه يحمل الخبر المجوز له في
المطر (5).
والترتيب ركن يبطل الوضوء بتركه ولو نسيانا أو جهلا إجماعا لاستصحاب

(1) الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب 34.
(2) عطف على الوضوء والضمير الأول راجع إلى الترتيب والثاني راجع إلى الجفاف، فالمراد أنه مع
عدم الجفاف لا يعيد الوضوء بل يعيد ما يحصل به الترتيب.
(3) أي مع ما بعده.
(4) فإذا غسل وجهه - مثلا - بعد غسل اليدين يحصل الرتيب بإعادة غسل اليدين ولا حاجة إلى إعادة
غسل الوجه، نعم لو بدأ بغسل اليدين ولم يغسل وجهه فاللازم عليه أن يغسله مقدما ثم يغسل
اليدين.
(5) التهذيب 1: 359 / 1082، الإستبصار 1: 75 / 231، الوسائل 1: 454 أبواب الوضوء ب 36
ح 1.
143

الحدث، وعدم الاتيان بالمأمور به، والأخبار الواردة في خصوص الناسي (1).
وفي وجوب الترتيب بين الرجلين بتقديم اليمنى على اليسرى وعدمه أقوال:
الأول: للمحكي عن الصدوقين (2)، والقديمين (3)، والديلمي،
والكركي، والشهيدين في اللمعة والروضة، بل الشيخ في الخلاف مدعيا عليه
الاجماع (4)، إلا أنه قال بعض الأجلة. إن ظاهره اليمين واليسار من اليدين (5).
للاستصحاب، وحسنة محمد: " وذكر المسح فقال: امسح على مقدم
رأسك وامسح على القدمين وابدأ بالشق الأيمن " (6).
وعموم المروي في رجال النجاشي: " إذا توضأ أحدكم فليبدأ باليمين قبل
الشمال من جسده " (7).
والمروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إنه كان إذا توضأ بدأ
بميامنه " (8).
والوضوءات البيانية (9).
والثاني. للحلي (10) والفاضلين (11) والنفلية، والبيان (12) ووالدي - رحمه

(1) الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.
(2) علي بن بابويه حكاه عنه في المختلف: 25، والصدوق في الفقيه 1: 28.
(3) هما ابن أبي عقيل وابن الجنيد حكاه عنهما في المختلف. 25.
(4) المراسم: 38، جامع المقاصد 1: 224، اللمعة: 18، الروضة 1: 77، الخلاف 1: 96.
(5) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 70.
(6) الكافي 3: 29 الطهارة ب 19 ح 2 الوسائل 1: 418 أبواب الوضوء ب 25 ح 1.
(7) رجال النجاشي: 5، الوسائل 1: 449 أبواب الوضوء ب 34 ح 4.
(8) مجالس الطوسي: 397، الوسائل 1: 449 أبواب الوضوء ب 34 ح 3.
(9) أنظر الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.
(10) السرائر: 102.
(11) المحقق في الشرائع 1: 22، والمختصر النافع: 6، والمعتبر 1: 154، العلامة في المنتهى 1:
69، والتحرير 1: 10، والتذكرة 1: 18.
(12) النفلية: 5، البيان 48.
144

الله - ونسب إلى الفقيه والمراسم (1)، وأضافه في غرر المجامع إلى الصدوقين أيضا،
ونسبه جماعة منهم: المدارك والبحار وغيرهما إلى الشهرة المطلقة (2)، بل عن الحلي
أنه قال: لا أظن أحدا منا يخالفنا في ذلك، وعن بعض فتاويه نفي الخلاف فيه
صريحا.
للأصل، وإطلاق الأوامر، وصدق الامتثال.
والثالث، وهو: التفصيل بجواز المعية دون تقديم اليسرى، نقله في
الذكرى (3) عن بعض، واختاره جمع من متأخري المتأخرين (4).
للتوقيع المروي في الاحتجاج: عن المسح على الرجلين يبدأ باليمين أو
يمسح عليهما جميعا؟ فخرج التوقيع: " يمسح عليهما جميعا معا، فإن كان بدأ
بإحدهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين) (5).
أقول: ولا يخفى أنه لا يثبت من قوله: " فلا يبدأ إلا باليمين) إلا مرجوحية
الابتداء بغير اليمين، وأما الحرمة فلا. ولا من مفهومه إلا رجحان الابتداء باليمين
لو بدأ بإحداهما دون وجوبه، فلا يصلح التوقيع إلا لنفي وجوب الترتيب وتجويز
المعية. وعلى هذا فهو بالشهرة ونفي الخلاف المحكيين مجبور، مع أنه في نفسه
صحيح وحجة، فيصلح لمعارضة ما مر دليلا للترتيب.
وتعارضه مع غير الحسنة بالخصوص المطلق، وكذا معها لو جعل قوله
" وابدأ " حكما برأسه من أحكام الوضوء شاملا للمسح وغيره، كما هو أحد
الاحتمالين، فيجب تخصيص الجميع بالتوقيع وتجويز المعية.
ولو جعل متعلقا بالمسح - كما هو الظاهر - فيحصل التعارض بالتساوي،

(1) الفقيه 1: 27، المراسم 38.
(2) المدارك 1: 222، البحار 77: 263.
(3) الذكرى: 89.
(4) منهم الحر العاملي في الوسائل 1: 448، وبداية الهداية 1: 10.
(5) الإحتجاج: 492، الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 34 ح 5.
145

والترجيح للتوقيع للأحدثية وموافقة إطلاق الكتاب. بل لو قطع النظر عن
الترجيح فإما نقول بالتخيير بين المعية والابتداء باليمين، أو يتساقطان ويرجع إلى
الاطلاقات المجوزة للمعية، فتجويزها مما لا مناص عنه.
ومنه يظهر جواز البدأة باليسرى أيضا إذ بعد سقوط موجبات اليمين
بمجوزات المعية يبقى الأصل والاطلاقات في البدأة باليسرى خاليا عن
المعارض.
وتوهم أن الموجبات تمنع عن المعية والبدأة باليسرى، وبعد خروج الأول
بالتوقيع يبقى الثاني، فاسد.؟ إذ منعها منهما إنما كان بلزومه لوجوب البدأة باليمين،
فدلالتها على المنع التزامية ساقطة بعد سقوط المطابقة.
وكذا توهم أنها تدل على وجوب تقديم اليمنى مطلقا، خرج ما إذا أراد
المعية فيبقى الباقي؟ إذ تجويز المعية عين نفي وجوب تقديم اليمين مطلقا، لجواز
تركه في كل وقت، وليس ذلك من باب الاطلاق من شئ.
نعم، مع الاقتصار على تجويز المعية يكون الوجوب في الموجبات تخييريا، وهو
أيضا مجاز لا ترجيح له على الحمل على الاستحباب.
السابع: الموالاة، وهي - بمعنى مراعاة عدم الجفاف بالمعنى الآتي (1) -
واجبة بالاجماع المحقق والمحكي في الناصريات والمدارك (2) وغيرهما " 3)،
والنصوص:
كالموثق: " إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس
وضوؤك فأعد وضوءك، فإن الوضوء لا يتبعض " (4).

(1) في ص 154.
(2) المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية): 185، المدارك 1: 226.
(3) كالمنتهى 1: 70، وكشف اللثام 1: 70، والرياض 1: 22.
(4) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 7، التهذيب 1: 87 / 230، الإستبصار 1: 72 / 220، علل
الشرائع: 289، الوسائل 1: 446 أبواب الوضوء ب 33 ح 2.
146

والصحيح: ربما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء
فيجف وضوئي، فقال: " أعد " (1).
والرضوي: " فإن فرغت من بعض وضوئك وانقطع بك الماء قبل أن تتمه.
ثم أوتيت بالماء فأتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا.، فإن كان قد جف فأعد
الوضوء وإن جف بعض وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك
الماء فامض عليه، جف وضوؤك أم لم يجف " (2).
وإطلاقها كإطلاق بعض الأخبار الآمرة بإعادة الوضوء بنسيان بعضها (3)
يشمل حال الاضطرار والجهل أيضا.
والموالاة بذلك المعنى أيضا ركن في الوضوء يبطل بتركها عمدا أو غير عمد.
وأما بمعنى المتابعة العرفية، بأن يعقب كل عضو بالسابق عليه عند كماله
من دون مهلة عرفا، فهي ليس بركن قطعا، ولا تجب مراعاتها في حال الاضطرار،
ولا يبطل بتركها الوضوء بالاجماع للأصل، ومفهوم الموثق، ومنطوق الرضوي.
وكذا في حال الاختيار على الأصح، وفاقا للمحكي عن الكليني (4)،
والصدوقين، والإسكافي (5)، والسيد في شرح الرسالة (6)، والقاضي، والحلبي (7)،
والكيدري (8)، والحلي " 9 "، والجمل والعقود، والمراسم، والغنية.، والكامل،

(1) الكافي 3: 35 ب 22 ح 8، التهذيب 1: 87 / 231، الإستبصار 1: 72 / 221، الوسائل 1.
447 أبواب الوضوء ب 33 ح 3.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 68، المستدرك 1: 328 أبواب الوضوء ب 29 ح 1
(3) الوسائل 1: 446، 450 أبواب الوضوء ب 33 و ب 35.
(4) حكاه عنه في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (مخطوط).
(5) حكاه عنهما وعن الإسكافي الشهيد في الذكرى: 91، وما وجدناه من كلامهما مما يشعر به في الفقيه
1: 35.
(6) حكاه عنه العلامة في المنتهى 1: 70.
(7) القاضي في المهذب 1: 45، والحلبي في الكافي في الفقه: 133.
(8) نقله عنه في الذكرى: 92.
(9) السرائر 1: 103.
147

والوسيلة، والشرائع، وفي النافع، واللمعة، والروضة، والذكرى،
والدروس، والبيان، والألفية (1)، واللوامع، بل هو المشهور كما به صرح غير
واحد (2).
للأصل، وصدق الامتثال، والاطلاقات، سيما إطلاقات مصححات
الوضوء، المتروك بعضه إذا أتي به بعده (3)، ومفهوم الموثق.
خلافا للمنقول عن المقنعة، والنهاية، والتهذيب، والخلاف، والاقتصاد،
وأحكام الراوندي، والمعتبر "، وكتب الفاضل (5)، والمبسوط (6)، فقالوا بوجوبها مع
عدم إيجاب الاخلال بها لبطلان الوضوء، كما عن غير الأخير، أو مع إيجابه كما
عنه.
للاحتياط، وأصل الاشتغال، والوضوء البياني، والفورية المستفادة في
الآية (7) من الأمر أو الفاء أو الاجماع، فيجب إتمام الوضوء دفعة، ولعدم إمكانه
يحمل (8) على الممكن، وهو تعقيب أفعاله بعضها لبعض من دون فصل.
وللأمر باتباع أفعال الوضوء كما في حسنة الحلبي: (أتبع وضوءك بعضه

(1) الجمل والعقود (الرسائل العشر: 159، المراسم: 38، الغنية (الجوامع الفقهية): 554 "
والكامل نقله عنه في الذكرى: 91، الوسيلة 50، الشرائع 1: 22، المختصر النافع: 6،
اللمعة 18، الروضة 1: 77، الذكرى: 1 9 و 2 9 الدروس 1: 93، البيان: 9 4، الألفية:
29.
(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 1: 77، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 35.
(3) الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.
(4) المقنعة: 7 4، النهاية: 5 1، التهذيب 1: 87، الخلاف 1: 93، الإقتصاد 243، فقه القرآن
1: 29، المعتبر 1: 156.
(5) منها المنتهى 1: 70، والتذكرة 1: 109، والقواعد 1: 11.
(6) المبسوط 1: 23.
(7) المائدة: 6.
(8) في " ق " فيحمل.
148

بعضا " (1) وخبر ابن حكيم: " إن الوضوء يتبع بعضه بعضا) (2).
وللنهي عن تبعيضه، كما في ذيل موثقة أبي بصير: (فإن الوضوء لا
يتبعض " (3).
وللأمر بإعادة الوضوء بترك بعض أفعاله نسيانا، كما في صدر خبر ابن
حكيم: عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس، قال: " يعيد الوضوء،.
وموثقة سماعة: " من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء كان عليه
إعادة الوضوء والصلاة (4) فإن الحكم بالإعادة يوجب المتابعة، إذ الترتيب لا
يتوقف عليها.
وللأمر بإعادة غسل الوجه إذا قدم الذراع في صحيحة زرارة: " تابع بين
وضوئك كما قال الله، ابدأ بالوجه، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه
وأعد على الذراع، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل
ثم أعد على الرجل " (5).
وفي موثقة أبي بصير: " إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل
وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن
فأعد غسل الأيمن ثم اغسل الأيسر، وإن نسيت مسح رأسك حتى تغسل

(1) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 4، التهذيب 1: 99 / 259، الإستبصار 1: 74 / 228
الوسائل 1: 466 أبواب الوضوء ب 33 ح 1.
(2) الكافي: 3: 35 الطهارة ب 2 2 ح 9، علل الشرائع: 289 / 1، الوسائل 1: 8 44 أبواب
الوضوء ب 33 ح 6.
(3) الكافي 3: 35 الطهارة ب 2 2 ح 7 التهذيب 1: 87 / 230)، الإستبصار 1: 72 / 220،
علل الشرائع: 289 الوسائل 1: 446 أبواب الوضوء ب 33 ح 2.
(4) التهذيب 1: 102 / 266، الوسائل 1:. 37 أبواب الوضوء ب 3 ح 3.
(5) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 5، الفقيه 1: 28 / 89، التهذيب 1: 97 / 1 25 الإستبصار
1: 73 / 223، الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب 34 ح 1.
149

رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك (1) ولولا وجوب المتابعة، لما أمر بإعادة
غسل الوجه.
ويضعف الأول: بمنع كونه دليلا.
والثاني: بعدم ثبوت الاشتغال بغير أفعال الوضوء.
والثالث: بعدم إشعار في البيانيات بتحقق المتابعة العرفية، ولو أشعرت،
لما دنت على وجوبها.
وأما قوله: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " فكونه بعد تلك البيانيات
غير ثابت، ولو ثبت فدخول المتابعة في الإشارة غير مسلم لجواز كونها من
الاتفاقيات. مع أنه لا ينطبق على قول أكثرهم (2) من عدم إيجاب تركها بطلان
الوضوء.
والرابع. بمنع استفادة الفورية من الآية؟ لعدم إفادة الأمر لها، وكون الفاء
جزائية وهي لا تفيد التعقيب. مع أنها لو أفادته، لكان مفادها فورية غسل الوجه
بالإضافة إلى إرادة القيام، ولا قائل به.
ومنه يظهر فساد دعوى الاجماع على كون هذا الأمر للفور (3)، مع أنه في
نفسه ممنوع.
والخامس: باحتمال أن يكون المراد باتباع الوضوء الترتيب، بل هو الذي
يشهد به سياق ما يتضمنه، ويدل عليه بيانه به في صحيحة زرارة، المذكورة.
والسادس: بأن عدم التبعيض لا يدل على وجوب المتابعة؟ إذ يمكن أن
يكون المراد عدمه في إبقائه، بأن يترك البعض حتى يجف ما قبله، فإن ما جف
فكأنه انعدم. بل تعليل الإعادة مع التفريق حتى ييبس به قرينة على أن المراد منه

(1) الكافي 3: 35 الطهارة ب 2 2 ح 6، التهذيب 1: 99 / 258 الإستبصار 1: 74 / 7 2 2
الوسائل 1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 8.
(2) منهم الشيخ في الإقتصاد: 43 2، والراوندي في فقه القرآن 1: 29، والعلامة في المنتهى 1: 70.
(3) ادعاه العلامة في المنتهى 1: 70.
150

ذلك دون مطلق التفريق، فإنه لا يناسب مفهوم الغاية.
مع أنه لو أريد المطلق، لزم البطلان بدون الجفاف، حيث علل الإعادة بأن
الوضوء لا يتبعض، وأكثرهم لا يقولون به.
والسابع: بعدم تعين كون إعادة الوضوء أو الوجه لأجل فوت الموالاة، بل
لعلها تعبدية، أو لعلة أخرى. وبالمعارضة مع ما نفى الإعادة عند تقديم بعض
الأعضاء أو نسيانه من الأخبار (1).
مضافا إلى عدم دلالة صدر خبر ابن حكيم على وجوب الإعادة، ودلالة
الموثقة الأولى على أن التذكر بعد الصلاة لأنه المتبادر من الأمر بإعادة الصلاة
ومعه يحصل الجفاف المبطل قطعا، وجواز كون المراد بالبدأة بالوجه في الصحيحة
جعله ابتداء للوضوء لا إعادة غسله لو كان غسله، أو كون علتها تحصيل مقارنة
النية دون المتابعة، وهو المحتمل في الموثقة الأخيرة أيضا.
مع أن المستفاد من ذيلهما: عدم كون إعادة الوجه لفوات الموالاة، وإلا
وجب في الصورتين الأخيرتين أيضا.
وأيضا: ليس فيهما إشعار بوقوع فصل بعد غسل الوجه، فالحكم بأن
إعادته لفوات المتابعة لا يتم إلا بارتكاب تقييد ليس أولى من ارتكاب التقييد
بالجفاف، أو التجوز في الإعادة، وكذا تخصيص ما يعتم صورة الاضطرار من تلك
الأخبار بحال الاختيار الذي هو محل الخلاف.
فروع:
أ: الجفاف المبطل هو جفاف جميع ما تقدم، فلا يبطل بجفاف البعض على
الأظهر الأشهر، وفاقا للمحكي عن ظاهر الخلاف، والنهاية " 2)، والكامل (3

(1) انظر الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35.
(2) الخلاف 1: 94، النهاية: 15.
(3) حكاه عن الكامل في الرياض 1: 23.
151

والكافي للحلبي (1)، والمعتبر، والمنتهى، والتذكرة، ونهاية الإحكام، والبيان (2)،
ووالدي العلامة رحمه الله.
لاستصحاب بقاء الصحة؟ وجواز أخذ البلل من الوجه للمسح إن لم يبق
على اليدين، بالنص كما مر (3)، بل قيل بالاجماع أيضا (4)، وفيه نظر (5) وظاهر
الأخبار المصرحة بالبطلان بجفاف الوضوء (6) أو ما غسل، الظاهر في جفاف
الجميع أو المحتمل له، وهو كاف أيضا؟ ومفهوم الشرط في قوله: وإن لم يبق من
بلة وضوئك شئ " وقوله: وإن لم يكن في لحيته بلل " في مرسلة الفقيه، ورواية
مالك المتقدمتين (7) في مسألة المسح بالبلة، ولا يضر اختصاصهما بالناسي! لعدم
الفاصل وصحيحة حريز الآتية (8).
وخلافا للناصريات، والسرائر، وعن المراسم، والمهذب، والإشارة (9)،
فقالوا: هو جفاف العضو السابق المتصل؟ لأن الموالاة اتباع الأعضاء بعضها
بعضا، فالجفاف وعدمه إنما يعتبران في العضوين المتصلين.
ويرد: بأن تماميتها فرع وجود دليل على اعتبار مطلق الموالاة، واستلزامها لما
ذكر والأول مفقود، والثاني ممنوع.

(1) الكافي في الفقه 133.
(2) المعتبر 1: 57 1، المنتهى 1: 70، التذكرة 1: 9 1، نهاية الأحكام 1: 9 4 البيان: 49.
(3) في ص 6 13،
(4) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 71، وصاحب الرياض 1: 23.
(5) لأن الإسكافي بل المعتبر لنداوة الأقرب لا يسلمه البتة، وإن سلمه فهذا لا يصلح دليلا لأنه يكون
مستثنى عن محل النزاع " منه رحمه الله "
(6) الوسائل 1: 6 44 أبواب الوضوء ب 33،
(7) في ص 33 1،
(8) في ص 153.
(9) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 85 1، السرائر 1: 3 10، المراسم: 38، المهذب
1، 5 4 الإشارة: 71.
152

وللإسكافي (1)، فجفاف البعض مطلقا؟ ليقرب من الموالاة الحقيقية،
ولاطلاق جفاف الوضوء المبطل بالأخبار، والعلة المنصوصة في الموثقة بقوله: " فإن
الوضوء لا يتبعض " (2) فإنها جارية في جفاف البعض أيضا.
ويجاب عنه. بمنع اعتبار الموالاة الحقيقية، ثم ما يقرب منها عند تعذرها لو
اعتبرت! ومنع إطلاق الجفاف كما مر (3)، ولزوم تقييده بجفاف الكل - لما مر - لو
كان، كتخصيص العموم المستفاد من قوله: " لا يتبعض " الشامل لجميع أنواع
التبعض.
مع أن التحقيق أن في معنى عدم تبعض الوضوء هنا إجمالا لا يتم
الاستدلال به في غير موضع النص.
ب: مقتضى إطلاقات الغسل والمسح، واستصحاب صحة ما فعل:
الاقتصار في الابطال بجفاف الكل على القدر الثابت من أدلته، وهو البطلان
بالجفاف مع التأخير خاصة. فلا يبطل به بدونه، كما في شدة الحر أو الريح أو
مثلهما، وفاقا للصدوقين في الرسالة والمقنع (4)، بل الظاهر. عن الذكرى (5) - كما
قيل (6) - كونه وفاقيا بين الأصحاب.
ويدل عليه أيضا: ذيل الرضوي المتقدم (7)، وصحيحة حريز عن الصادق
عليه السلام، كما عن مدينة العلم، وإن وقف على حريز في التهذيب وغيره: في
الوضوء يجف، قال: قلت. فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه، قال:

(1) نقله عنه في الذكرى: 17.
(2) المتقدمة في ص 9 14.
(3) في ص 152.
(4) نقله عن الرسالة في الفقيه 1: 35، المقنع: 6.
(5) الذكرى 92.
(6) الرياض 1: 23.
(7) ص 147.
153

جف أو لم يجف اغسل ما بقي " (1).
وحمله على التقية - كما قيل (2) - غير سديد؟ إذ لا يحتاج توجيه ما ليس باقيا
على إطلاقه إليه، فإن التقييد توجيه أحسن وأشهر.
خلافا للمحكي عن الشهيد عند الاختيار (3)؟ لأخبار البطلان
بالجفاف (4).
ويضعف. باختصاصها بصورة التأخير، مع أنها لو تمت لعمت حالة
الضرورة أيضا، وانتفاء الحرج لا يفيد، لأن الانتقال إلى التيمم ممكن.
ولا يختص البطلان بالجفاف مع التأخير بغير صورة النسيان! لعموم الموثقة
الأولى، وخصوص الثانية (5). ولا بغير حال الضرورة للأول.
ثم الصحة مع الجفاف إنما هي إذا لم تتم الغسلات، وإلا اتجه البطلان
لئلا يستأنف الماء للمسح.
ج: التأخير الذي لم يجامعه الجفاف لا يبطل ولا يحرم ولو تفاحش، كما
صرح به والدي رحمه الله للأصل.
والشهيد (6) حرمه مع التفاحش في الاختيار؟ للنهي (7) عن تبعيض (8)
الوضوء الصادق عليه..
ويضعفه: منع الصدق.

(1) التهذيب 1: 88 / 232، الإستبصار 1: 72 / 222، الوسائل 1: 447 أبواب الوضوء ب 33
ح 4، ورواها في الذكرى: 91 عن مدينة العلم للصدوق.
(2) القائل هو الشيخ في الإستبصار 1: 72.
(3) الدروس 1: 193.
(4) الوسائل 1: 6 44 أبواب الوضوء ب 33.
(5) المتقدمتين في ص 146 و 149.
(6) الدروس 1: 93، البيان: 9 4.
(7) تقدم في ص 149.
! 8) في " ح " و " ق " تبعض.
154

وقال والدي طاب ثراه: لو بلغ التفاحش حدا يبطل الوحدة والصورة، لم
يبعد الحكم بالبطلان والحرمة.
وهو أيضا خال عن الحجة، والأصل معه مستند في غاية القوة.
د: المعتبر في الجفاف الحسي. فلو لم يحصل لعارض، كرطوبة الهواء أو
إسباغ الوضوء في مدة لو اعتدل لجف قبلها ولو بكثير، صح الوضوء لتعليق
الإعادة على الجفاف الغير الصادق على التقديري لغة وعرفا.
وأما ما اعتبره الأكثر في الجفاف من اعتدال الهواء (1)، فالظاهر - كما قاله
المتأخرون (2) - أنه لاخراج طرف الافراط في الحر حيث إن زوال البلل حينئذ
مغتفر، إلا أن يقال في العرف إنه أخر لا لاخراج طرف رطوبة الهواء.
ثم مقتضى عدم اعتبار التقديري ولا الحسي بدون التأخير: أنه لو جفف
ما غسله أولا أو جف لشدة الحر ثم أخر، لم يبطل. ولا بأس بالتزامه وإن استبعد
ظاهرا.
الثامن: مباشرة المكلف أفعال الوضوء بنفسه حال الاختيار إجماعا، كما عن
نهاية الإحكام، وروض الجنان، وفي الانتصار، والمعتبر، والمنتهى (3) واللوامع!
لأنها مقتضى أمر المكلف بها في الكتاب والسنة! لاقتضائه الامتثال المتوقف على
المباشرة، مؤيدا بالوضوءات البيانية.
وخلاف الإسكافي (4) وعدها من السنن شاذ.
واستدلاله بأصل البراءة مدفوع: بما ذكر.
وبالقياس على إزالة الخبث. بوجود الفارق، وهو اختلاف الوجوب فيهما
بالشرعية والشرطية.

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 23، والمحقق في المعتبر 1: 157، وصاحب الحدائق 2: 6 35.
(2) منهم الشهيد في الذكرى: 2 9، وصاحب الرياض 1: 23.
(3) روض الجنان: 43، الإنتصار: 29، المعتبر 1: 2 6 1، المنتهى 1: 2 7.
(4) حكاه عنه في المختلف 25.
155

وبالمروي في تفسير العياشي: " إن قنبر مولى أمير المؤمنين عليه السلام أدخل
على الحجاج فقال له: ما الذي كنت تلي من أمر علي بن أبي طالب عليه السلام؟
قال: كنت أوضيه " (1): بعدم حجيته، لضعفه، مع احتمال إرادة الصب من
التوضئة.
ووجوب المباشرة مخصوص بأفعال الوضوء الواجبة أصلا، فلا بأس بتولية
الغير في غيرها مما يجب من باب المقدمة، كتحصيل الماء وإحضاره، بل صبه على
الكف! للأصل، وعدم تعلق أمر بها على المكلف بخصوصه، بل وجوبها من باب
المقدمة، فلا تجب مع تحققها كيف ما كان.
مضافا في الأول إلى استفاضة النصوص بأنهم كانوا يأمرون بإحضار الماء
للوضوء (2).
وفي الثاني إلى أنه ليس إلا مثل أخذ الماء من نحو الميزاب، وإلى صحيحة
الحذاء: " وضأت أبا جعفر عليه السلام وقد بال فناولته ماء فاستنجى، ثم صببت
عليه كفا غسل به وجهه، وكفا غسل به ذراعه الأيمن، وكفا غسل به ذراعه
الأيسر، ثم مسح بفضل الندى رأسه ورجليه " (3).
والمروي في مجالس الصدوق: (كانت جارية لعلي بن الحسين عليه السلام
تسكب الماء عليه وهو يتوضأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية " (4) الحديث.
وكون الصب فيهما في حال الضرورة وإن كان محتملا ولكنه بعيد؟ لأنها لو
كانت، لذكرها.
ولا ينافي ما ذكر: خبر الوشاء: دخلت على الرضا عليه السلام وبين يديه

(1) تفسير العياشي 1: 359، المستدرك 1: 2 32 أبواب الوضوء ب 24 ح 10.
(2) الوسائل 1: 401 أبواب الوضوء 16.
(3) التهذيب 1: 79 / 04 2، الإستبصار 1: 58 / 72 1، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15
ح 8.
(4) أمالي الصدوق: 68 1، المستدرك 1: 5 4 3 أبواب الوضوء ب 41 ح 3.
156

إبريق يريد أن يتهيأ منه للصلاة، فدنوت لأصب عليه، فأبى ذلك وقال. " مه)
فقلت: لم تنهاني أن أصب عليك، تكره أن أوجر؟ قال: (تؤجر أنت وأوزر أنا)
فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال: أما سمعت الله يقول (فمن كان يرجو لقاء
ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " (1) وها أنا ذا أتوضأ للصلاة
وهي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد " (2).
والمروي في الفقيه والعلل والمقنع: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضأ
لم يدع أحدا يصب عليه الماء، وقال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا " (3).
وفي إرشاد المفيد. " دخل الرضا عليه السلام يوما والمأمون يتوضأ للصلاة
والغلام يصب على يده الماء، فقال: (لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا
فصرف المأمون الغلام وتولى تمام الوضوء بنفسه (4).
لاحتمال أن يكون الصب على أعضاء الغسل الذي يحصل به الغسل.
مع أن في إثبات التحريم بها نظرا.
أما الأولان: فلأن غاية ما يدلان عليه منعه - عليه السلام - عن الصب
عليه، وعدم رضاه به، وهو لا يدل على حرمته شرعا؟ فإن طلبه لترك الصب حتما
قد يكون لإرادته اجتنابه عن المكروه.
وأما قوله: (وأوزر) فالمراد. منه ليس حقيقته التي هي الثقل، فيمكن أن
يكون مجازه ارتكاب المكروه وحط الأجر، فلا يدل على الحرمة.
وكذا قوله: " ولا يشرك، لأنه وقع جزاء لرجاء اللقاء، فلا يثبت منه شئ

(1) الكهف: 110.
(2) الكافي 3: 69 الطهارة ب 6 4 ح 1، التهذيب 1: 365 / 07 1 1، الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء
ب 7 4 ح 1.
(3) الفقيه 1: 27 / 85، علل الشرائع: 278 / 1، المقنع: 4، الوسائل 1: 477 أبواب الوضوء
ب 47 ح 2.
(4) إرشاد المفيد 2: 269، الوسائل 1: 478 أبواب الوضوء ب 47 ح 4.
157

سوى الاستحباب.
وأما الثالث: فلضعفه وعدم ثبوت الجابر له.
وعلى هذا، فيمكن القول بجواز الصب على العضو أيضا لو لم يكتف
بالغسل الحاصل منه في جزء من العضو، بل غسل هو نفسه بالماء المصبوب إن
تحقق معه أقل الجريان.
والأحوط تركه، بل لا شك في كراهته لما مر. بل في كراهة الصب على اليد
أيضا لفتوى جماعة من العلماء (1)، وإطلاق المروي في الفقيه وأخويه.
وتجوز التولية حال الاضطرار على ما صرح به الأصحاب (2)، بل في المعتبر
أنه متفق عليه بين الفقهاء (3)، وفي المنتهى أنه إجماعي (4).
والحجة فيه - بعد الاجماع - صحيحة ابن خالد وفيها. إن الصادق عليه
السلام ذكر أنه كان وجعا شديد الوجع، فأصابته جنابة وهو في مكان بارد، وكانت
ليلة شديدة الريح باردة [قال:] " فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني،
فقالوا: إنا نخاف عليك، فقلت: ليس بد، فحملوني ووضعوني على خشبات
ثم صبوا علي الماء فغسلوني " (5).
والأخبار الواردة بتولية الغير تيمم المجدور والكسير (6)، ولا قائل بالفرق بين
الطهارات.
والاستدلال بمثل قوله عليه السلام: " الميسور لا يسقط بالمعسور " (7) وبأنه

(1) منهم الشيخ في النهاية: 17، والشهيد في الدروس 1: 93، وصاحب الرياض: 27.
(2) منهم السيد في الإنتصار: 29، والشهيد الثاني في روض الجنان: 43، وصاحب المدارك 1: 240.
(3) المعتبر 1: 162.
(4) المنتهى 1 730.
(5) التهذيب 1: 198 / 575، الإستبصار 1: 162 / 563، الوسائل 1: 478 أبواب الوضوء
ب 48 ح 1.
(6) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5 ح 1 و 10 و 12.
(7) عوالي اللآلي 4: 58 / 205.
158

توصل إلى الطهارة بالممكن فيكون واجبا، ضعيف.
فروع:
أ: لو أمكنت المباشرة في البعض، وجبت إذا كان عضوا تاما للأمر بغسله
المقتضي للمباشرة، كما مر.
وفي وجربها إن أمكنت في بعض من عضو احتمال، وعدمه أظهر.
ب: لو احتاجت التولية إلى أجرة مقدورة وجبت لوجوب مقدمة
الواجب، إلا إذا كان بذلها مضرا بحاله.
ج: النية عند تولية الغير على المكلف نفسه، وفاقا للقواعد (1) واللوامع لأن
الواجب عليه، فينوي القبول، لا على المباشر، كما هو ظاهر المدارك (2).
د: لو أمكن الغمس في الماء، وجب، ولا تجوز التولية ووجهه ظاهر.
ه‍: لو توقفت تولية الغير على إجباره أو لمس غير المحرم، فالظاهر
سقوطها. [ثم] (3) لو استنابه مع ذلك أثم، بل الأظهر بطلان وضوئه لأن القبول
لا يحصل إلا بمس عضو المجبور أو غير. المحرم، وهما منهيان عنهما.
و. لو كان المنوب عنه أعمى لا يرى عمل النائب، وجب عليه تحصيل
العلم بصحة العمل. ولو لم يمكن، وجب استنابة العدل أو إقامة ناظر عدل.
وحمل أفعال المسلم على الصحة مطلقا حتى في مثل المقام غير ثابت.
ز: لا بأس بتعدد النواب ولو في عضو واحد للأصل. ولا يلزم على
المستنيب تجديد النية بتجدد النائب.
ح: لو تمكن من الغسل ولم يتمكن من رفع اليد، يجب عليه الاقتصار في
الاستنابة على الرفع والوجه ظاهر. ولو لم يتمكن من الغسل مستقلا ولكن أمكنه
الشركة مع النائب، بحيث لم يكن كل منهما غاسلا، فالظاهر عدم وجوب

(1) القواعد 1: 10.
(2) المدارك 1: 240.
(3) في " ح " نعم. وفي " ق " كلمة متشابهة. ولا توجد في " ه‍ ". وما أثبتناه أنسب.
159

التشريك.
وكذا لو لم يتمكن بنفسه من إمرار اليد على العضو ولكن أمكن أن يمر أحد
يده عليه، لا يجب عليه ذلك.
ط: يتحقق الاضطرار بعدم الامكان وبحصول العسر والحرج، وعلى
الثاني لو تحمله وتوضأ بنفسه، فالظاهر البطلان إذ ليس الحرج من الدين.
التاسع: أن يكون بالماء المطلق، فلا يجوز بالمضاف ولو اضطرارا وتدل
عليه الآيات والأخبار المصرحة بوجوب التيمم عند عدم الماء (1) الذي هو حقيقة
في المطلق، وقد مر في بحث المياه (2).
العاشر: أن يكون بالماء الطاهر، فلا يجوز بالنجس بالاجماع، بل
الضرورة، واستفاضة النصوص المعتبرة (3) المتقدمة كثير منها في بحث المياه، ومنها
المروي في تفسير النعماني - المنجبر بما ذكر - عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:
" إن الله تعالى فرض الوضوء على عباده بالماء الطاهر " (4).
الحادي عشر: أن يكون بالماء المباح، فلا يجوز بالمغصوب للنهي المفسد
للعبادة
الثاني عشر: أن يكون في المكان المباح،. فيبطل الوضوء في المغصوب من
المكان إذا كان مجموع الهواء المحيط بالمتوضئ مغصوبا. ولا يبطل الوضوء
بالاستقرار على شئ مغصوب كهاجر أو فرش أو نعل مما يختص الغصب به ولا
يتبعه الهواء.
ويأتي الوجه في ذلك وفي التفرقة في بحث التيمم في المكان المغصوب.
تتميم: هل يشترط في صحة الوضوء طهارة العضو قبل التوضؤ أم لا؟
الظاهر الثاني. ويأتي تحقيقه في بحث الغسل.

(1) الوسائل 3: 342 أبواب التيمم ب 2.
(2) ج 1 ص 130 المسألة الأولى.
(3) الوسائل 1: 169 أبواب الماء المطلق ب 13.
(4) تفسير النعماني (المطبوع في البحار) 93: 28، المستدرك 1: 289 أبواب الوضوء ب 1 ح 2 1.
160

الفصل الرابع. في آدابه.
وهي بين مستحبة ومكروهة نذكر ما في بحثين:
البحث الأول: في مستحباته، وهي أمور:
منها: وضع الإناء على اليمين للشهرة (1)، بل الاجماع كما في اللوامع،
والنبويين أحدهما: " إن الله يحب التيامن في كل شئ " (2) والآخر: " إنه كان يحب
التيامن في طهوره وفعله وشأنه كله " (3).
ولا ينافيه ما في الصحيح. " فدعا بقعب فيه شئ من ماء ثم وضعه بين
يديه " (4) لجواز تركه المستحب، وعدم دلالته على الاستحباب.
مع إمكان حمل الوضع بين يديه على الوضع على اليمين لصدقه عليه
عرفا. فالقول بأولوية الوضع بين الجانبين اتباعا للرواية - كما في الغرر وغيره (5) -
غير جيد.
والمصرح به في كلام جماعة: اختصاص الحكم بما يغترف منه باليد (6)، وأما

(1) ومن القائلين به المحقق في المعتبر 1: 164، والعلامة في القواعد 1. 11، والشهيد الثاني في
الروض: 40.
(2) عوالي اللآلي 2: 200 / 101، وورد مضمونه في مسند أحمد 6: 94، 130، 202.
(3) سنن النسائي 1: 78 باب بأي الرجلين يبدأ بالغسل.
(4) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4، الفقيه 1: 24 / 74، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15
ح 2.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 1: 114.
(6) منهم العلامة في القواعد 1: 11، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 229 وصاحب المدارك 1: 224.
161

ما يصب منه من الإناء الضيق الرأس، فقيل باستحباب وضعه على اليسار (1).
والتحقيق: أن كلام القوم في مثله مختلف، فلا يثبت منه حكم بالشهرة
ونحوها، ولا بأحاديث التيامن لعدم صدقه على وضعه باليسار وهو ظاهر.
وأسهلية صب الماء على اليمين حينئذ غير كافية في إثبات استحبابه. ولا
على وضعه باليمين لاحتياجه إلى صب الماء منه في اليسار أو أخذه بها. فكون
محض وضعه على اليمين من التيامن المحبوب غير معلوم، فالحق عدم ثبوت
استحباب فيه.
ومنها: الاغتراف من الماء باليمين لما مر، وللمروي في الكافي في باب علة
الأذان. " فتلقى رسول الله صلى الله وآله، الماء بيده اليمنى، فمن أجل
ذلك صار الوضوء باليمين " (2) والوضوءات البيانية المتضمنة لاغترافهم بها (3).
وإطلاق أكثرها يشمل ما لو كان الاغتراف بالأخذ من الإناء، أو بالصب منه في
الكف.
وإطلاق كلام جماعة - بل ربما نسب إلى المشهور - استحبابه ولو لغسل
اليمنى بالإدارة إلى اليسار (4). وهو كذلك.
لا لما قيل من إطلاق التيامن (5)، ولا لصحيحة محمد في الوضوء البياني: " ألا
أحكي لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قلت: بلى، قال: فأدخل يده
في الإناء " إلى قوله: " ثم أخذ كفا آخر بيمينه فصبه على يساره ثم غسل به ذراعه
الأيمن " الحديث (6).

(1) القائل هو العلامة في نهاية الإحكام 1: 53.
(2) الكافي 3: 485 الصلاة ب 105 ح 1، الوسائل 1: 390 أبواب الوضوء ب 15 ح 5.
(3) الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.
(4) نسبه إلى المشهور في الحدائق 2: 154.
(5) الرياض 1: 25.
(6) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 3، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.
162

لضعف الأول: بمنع شمول التيامن لمثل ذلك أيضا. والثاني: بأنه إنما يتم
لو كان المستقر في " قال " راجعا إلى الإمام حتى يكون البيان بالقول، فإن الظاهر
حينئذ استحباب ذلك، لبعد ذكر الإمام له لولاه. وأما لو كان راجعا إلى الراوي
حتى يكون بالفعل فلا إذ غايته أن الإمام فعل كذلك، ويمكن أن يكون
اتفاقيا. مع أنه تعارضه أخبار أخر مصرحة باغرافه صلى الله عليه وآله
باليسرى لليمنى (1).
بل للمروي في تفسير العياشي عن مولانا الرضا عليه السلام: قلت: فإنه
قال: اغسلوا أيديكم إلى المرافق فكيف الغسل؟ قال. " هكذا أن يأخذ الماء بيده
اليمنى فيصبه في اليسرى ثم يفيضه على المرفق ثم يمسح إلى الكف " (2) الحديث.
ولا تعارضه أحاديث اغترافه باليسرى لليمنى لعدم دلالتها على
الاستحباب، ومعارضتها مع مخالفتها كما مر.
ومنها. غسل كل من الوجه واليسرى ومسح الرأس والرجل اليمنى
باليمنى. وأما الرجل اليسرى فيستحب مسحها باليسرى.
والظاهر عدم الخلاف في شئ منه.
مضافا إلى الوضوءات البيانية في الغسلين، وإلى صحيحة زرارة: " وتمسح
ببلة يمناك ناصيتك، وبما بقي من بلة يمينك ظهر قدمك اليمنى، وتمسح ببلة
يسارك ظهر قدمك اليسرى في المسحين " (3).
ولا يجب ذلك للأصل، وخلو الأخبار عن الدال على الوجوب. ويجوز
غسل الوجه باليدين، كما مر (4).
ومنها: التسمية حين إرادة الوضوء قبل مس الماء، وعند وضع اليد فيه،

(1) الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.
(2) تفسير العياشي 1: 300 / 54، المستدرك 1: 311 أبواب الوضوء ب 18 ح 2.
(3) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4 الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
(4) في ص 99.
163

بأن يقول في كل من الحالين: " بسم الله وبالله، اللهم اجعلني من التوابين
واجعلني من المتطهرين ".
أما الأول: فللمروي في الخصال: " لا يتوضأ الرجل حتى يسمي، يقول
قبل أن يمس الماء: بسم الله وبالله " (1) إلى آخره.
وأما الثاني: فلصحيح زرارة: " إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم الله
وبالله " (2) إلى آخره.
وعند (3) وضع الماء على الجبين يقول: بسم الله لصحيحته أيضا: " ثم
غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه ثم قال - بسم الله، وسدله " (4).
وتستحب التسمية على النحو المذكور في الحالات المذكورة من حيث هي
هي.
ويستحب قول: " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول الوضوء أيضا للمروي
في تفسير الإمام: " وإذا قال في أول وضوئه: بسم الله الرحمن الرحيم، طهرت
أعضاؤه كلها من الذنوب " (5).
ويدل عليه أيضا: ظاهر ما دل على استحباب التسمية على الوضوء
كموثقة عيص (6)، ومرسلة ابن أبي عمير (7)، أو استحبابها مع الدعاء إذا توضأ،

(1) المحاسن 46 / 62، الخصال: 628، الوسائل 1: 426 أبواب الوضوء ب 26 ح 2.
(2) التهذيب 1: 76 / 192، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 26 ح 2.
(3) في " ح " حين.
(4) الكافي 3: 25 الطهارة ب 17 ح 4، الفقيه 1: 24 / 74، الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15
ح 2.
(5) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 521.
(6) الفقيه 1: 31 / 101، التهذيب 1: 358 / 1073، الإستبصار 1: 67 / 203، الوسائل 1:
423 أبواب الوضوء ب 26 ح 3.
(7) الكافي 3: 16 الطهارة ب 12 ح 2، التهذيب 1: 358 / 1074، الإستبصار 1: 67 / 204،
الوسائل 1: 424 أبواب الوضوء ب 26 ح 5.
164

كمرسلة الفقيه (1).
وأما ما دل على استحبابها في الوضوء، كمرسلة ابن أبي عمير فيدل على
الاستحباب حال الوضوء مطلقا، لا في حالة معينة، وظاهره الأثناء، وفي بعض
الأخبار كمرسلة الفقيه، وخبر أبي بصير: " إنه يتوضأ فيذكر اسم الله " (2) وظاهره
استحبابه بعده.
والمتحصل: أن المذكور في أخبار التسمية في الوضوء بين ثمان حالات: قبل
مس الماء، وعنده، وعند وضع الماء على الجبين، والابتداء، وبعد الوضوء
وعليه، وفيه، وإذا توضأ. والرابع يتداخل مع ما تقدمه، والسادس ظاهر في
الرابع، كالسابع في الأثناء، والثامن يحتمل القبل والأثناء والبعد.
ثم ظهور بعض الأخبار في الوجوب لا يفيده! للشذوذ، وعدم القائل.
ولو تركها في الابتداء يأتي بها في الأثناء لاستحبابها فيه. لا لتدارك ما
ترك لعدم الدليل. وثبوته في الأكل لا يفيد لحرمة القياس. وعدم سقوط
الميسور بالمعسور غير دال جدا.
ومنها: غسل اليدين من الزندين - اقتصارا على المتيقن - قبل الوضوء مرة
من حدثي النوم والبول، ومرتين من الغائط، وفاقا للمعظم (3)، بل في المعتبر اتفاق
فقهائنا وأكثر أهل العلم عليه (4).
للصحيح: كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال:

(1) الفقيه 1: 31 / 102، علل الشرائع: 289 / 1، الوسائل 1: 424 أبواب الوضوء ب 26
ح 7.
(2) التهذيب 1: 358 / 1076، الإستبصار 1: 68 / 205، الوسائل 1: 423 أبواب الوضوء
ب 26 ح 4.
(3) منهم العلامة في القواعد: 1: 11، والشهيد الثاني في الروض: 21، والمحقق السبزواري في
الكفاية: 3.
(4) المعتبر 1: 165.
165

" واحدة من حدث البول، واثنتان من الغائط، وثلاث من الجنابة " (1).
والخبر: عن الرجل يبول ولم يمس يده اليمنى شئ، أيدخلها في وضوئه
قبل أن يغسلها؟ قال: " لا، حتى يغسلها " قلت: فإنه استيقظ من نومه ولم يبل،
أيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال: " لا، لأنه لا يدري حيث باتت يده
فليغسلها " (2).
ومرسلة الفقيه: " اغسل يدك من البول مرة، ومن الغائط مرتين، ومن
الجنابة ثلاثا " وقال: " اغسل يدك من النوم مرة " (3).
وأما رواية حريز: " يغسل الرجل يده من النوم مرة، ومن الغائط والبول
مرتين " (4) فلا تنافي ما تقدم؟ إذ يمكن أن يكون الأمر بالمرتين للأخبثين معا، بل
هو الظاهر، لأنه الغالب مع الغائط.
وظهور بعض تلك الأخبار في الوجوب غير مفيد له لعدم القول به، مع
وجود ضرب من المعارض.
وخلافا للنفلية والبيان، فأطلق المرة في الجميع (5)، واللمعة فالمرتين فيه (6)
ولم نعثر على مستندهما.
ثم هذا الغسل هل هو لدفع النجاسة المتوهمة فلا يكون في غير القليل ولا

(1) الكافي 3: 12 الطهارة ب 8 ح 5، التهذيب 1: 36 / 96، الإستبصار 1: 50 / 141، الوسائل
1: 427 أبواب الوضوء ب 27 ح 1.
(2) الكافي 3: 11 الطهارة ب 8 ح 2، التهذيب 1: 39 / 106، الإستبصار 1: 51 / 145، الوسائل
1: 428 أبواب الوضوء ب 27 ح 3.
(3) الفقيه 1: 29 / 91 و 92، الوسائل 1: 428 أبواب الوضوء ب 27 ح 4، 5.
(4) التهذيب 1: 36 / 97، الإستبصار 1: 50 / 142، الوسائل 1: 427 أبواب الوضوء ب 27
ح 2.
(5) النفلية: 6 وفيه: وغسل اليدين من الزند مرة من النوم والبول والغائط والمشهور فيه مرتان، البيان:
11.
(6) اللمعة: 18.
166

مع تيقن الطهارة، ولا يحتاج إلى النية، أم تعبد محض، فيعم الجميع ويلزم فيه
النية؟
الأقرب الثاني، وفاقا لجماعة (1) لاطلاق ما عدا ذيل الخبر الثاني، وصريح
صدره، وعدم معارضتها له (2)، لعدم تضمنها ما يوجب التقييد، مع معارضتها
- لو أوجبه - مع صدره (3).
ومنه ظهر عدم اختصاص الحكم بالإناء الذي يغترف منه، وإن اختص
الأولان به لاطلاق الأخير، وعدم موجب للتقييد للمنافاة.
خلافا لوالدي - رحمة الله - والمدارك، وبعض آخر (4)، فخصصوا الحكم
به للأولين، وانصراف إطلاق الأخير إلى الشائع من إناء الوضوء عندهم، وهي
الظروف الواسعة، واقتصارا على المتيقن.
ويضعف الأولى: بعدم إيجابه للاختصاص. والثاني: بمنع المشيوع بحيث
يوجب الانصراف، مع أنه لا يفيد مع تيقن الطهارة. والثالث: بأن المتيقن هو
المطلق للاطلاق المذكور.
ولا يستحب الغسل لحدث الريح ولا للمجدد لعدم المدرك.
وهل تتداخل الأسباب؟ فيه إشكال: من أصالة عدمه، ومما مر من رواية
حريز. نعم، الظاهر التداخل مع اتحاد السبب.
ومنها: المضمضة، وهي: تحريك الماء في الفم، ذكره الجوهري وغيره (5).
والاستنشاق، وهو: اجتذابه إلى داخل الأنف.

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 49، وصاحب الرياض 1: 26.
(2) أي مع عدم معارضة الذيل للاطلاق.
(3) حاصل المراد أنه لو كان الذيل مشتملا على ما يوجب التقييد يتعارض مع صدره حيث إن صدره
مصرح بغسل اليد ولو مع العلم بعدم الملاقاة للنجس.
(4) المدارك 1: 224، وكالمحقق السبزواري في الذخيرة: 42.
(5) الصحاح 3: 1106، الفيروزآبادي في القاموس 2: 357.
167

للاجماع المحقق، والمحكي في اللوامع، وعن الغنية (1)، ونهاية الإحكام (2)،
وفي المدارك. أنه المعروف من المذهب (3).
وللمروي في الكافي في وصف وضوء مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
" ثم استنشق فقال: اللهم... " إلى أن قال: (ثم تمضمض فقال:
اللهم... " (4).
ونحوه في مجالس الصدوق، والمقنع، وثواب الأعمال، وفلاح السائل،
والمحاسن، وفقه الرضا، إلا أن فيها تقديم التمضمض على الاستنشاق (5).
ورواية عبد الله بن سنان. " المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله صلى
عليه وآله) (6).
وموثقة سماعة: سألته عنهما، فقال. هما من السنة، فإن نسيتهما لم يكن
عليك إعادة " (7).
وموثقة أبي بصير: هما من الوضوء فإن نسيتهما فلا تعد) (8).
والمروي في مجالس أبي علي والنهج: " فانظر إلى الوضوء فإنه من تمام

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.
(2) نقله عن نهاية الإحكام في الذخيرة: 42، نهاية الإحكام 1: 55 ليس فيها دعوى الاجماع.
(3) المدارك 1: 247.
(4) الكافي 3: 70 الطهارة ب 46 ح 6.
(5) أمالي الصدوق: 445 / 11، المقنع: 4، ثواب الأعمال: 16، فلاح السائل: 52، المحاسن.
45، فقه الرضا عليه السلام: 69.
(6) التهذيب 1: 79 / 203، الإستبصار 1: 67 / 202، الوسائل 1: 430 أبواب الوضوء ب 29
ح 1.
(7) التهذيب 1: 78 / 197، الإستبصار 1: 66 / 197، الوسائل 1: 430 أبواب الوضوء ب 29
ح 2.
(8) التهذيب 1: 78 / 200، الإستبصار 1: 67 / 200، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء ب 29
ح 4.
168

الصلاة، تمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاثا، واغسل وجهك، (1) الحديث.
وفي ثواب الأعمال (وليبالغ أحدكم في المضمضة والاستنشاق) (2).
وفي مجالس الصدوق في علل الوضوء: " ثم سن على أمتي المضمضة لينقي
القلب من الحرام، والاستنشاق ليحرم عليهم رائحة النار " (3).
وفي خصاله: (المضمضة والاستنشاق سنة وطهور للفم والأنف " (4).
وقصور بعضها سندا مع التسامح منجبر بما مر.
فقول العماني. إنهما ليسا بفرض ولا سنة (5) ضعيف شاذ. وكذا الأخبار
الموافقة له (6). مع أن المصرح به في أكثرها أنها ليسا من الوضوء والظاهر منه أفعاله
الواجبة، بل قيل: إن الوضوء ليس إلا الواجب (7).
ويشهد له: المروي في قرب الإسناد: عن المضمضة والاستنشاق، قال:
" ليس بواجب " (8).
أو المراد أنهما ليسا من أفعال الوضوء مطلقا وإن كانا مستحبين، كالسواك،
كما صرح به الصدوق في الهداية، قال: إنهما مسنونان خارجان عن الوضوء (9).
وأما رواية الحضرمي: " ليس عليك مضمضة ولا استنشاق، لأنهما من

(1) الرواية موجودة في مجالس الشيخ الطوسي: 29، وليست في مجالس أبي علي وهو ابن الشيخ،
ورواها في الوسائل 1: 397 أبواب الوضوء ب 15 ح 19 من مجالس أبي علي، وكثيرا ما يرى مثل
هذه النسبة أو عكسها، انظر لتوضيح الحال مقدمة مجالس الطوسي (الطبعة الثانية 1401) للعلامة
المرحوم السيد محمد صادق آل بحر العلوم. ولم نعثر على الرواية في النهج.
(2) ثواب الأعمال: 19، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء ب 29 ح 11.
(3) أمالي الصدوق: 160 / 1، الوسائل 1: 396 أبواب الوضوء ب 15 ح 17.
(4) الخصال: 611، الوسائل 1. 433 أبواب الوضوء ب 29 ح 13.
(5) نقله عنه في الذكرى: 93.
(6) الوسائل 1: 430، أبواب الوضوء ب 29.
(7) الرياض 1: 26.
(8) قرب الإسناد 176 / 648، الوسائل 1: 433 أبواب الوضوء ب 29 ح 14.
(9) الهداية: 17.
169

الجوف " (ا) فلا يفيد إلا نفي الوجوب.
وكذا رواية زرارة: " ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة) (2)
لاحتمال كون المراد بالسنة الواجبة النبوية كما هو الشائع في الصدر الأول، ولا أقل
من عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في المعنى المصطلح لها، بل ولا المتشرعة عند
القدماء، ومنه يظهر إمكان حملها في كلام العماني عليها أيضا.
ثم أكثر أخبار المقام وإن كان مطلقا إلا أن مقتضى رواية النهج (3):
استحباب التثليث، وقد حكى في الغنية الاجماع عليه (4)، وفي اللوامع: أنه
المعروف منهم، وهو كاف في إثبات الاستحباب. فما قيل من أنه لا شاهد عليه (5)
غير جيد.
وتدل عليه أيضا الرواية المشهورة في حكاية علي بن يقطين، المتقدمة
بعضها: " تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا " (6).
وثبوت التقية في بعض ما ذكر معهما لا يضر بعد عدم ثبوتها فيهما.
والاستدلال على التثليث بخبر المعلى. إن نسي - أي السواك - حتى يتوضأ،
قال: " يستاك - أي بعد الوضوء - ثم يتمضمض ثلاث مرات " (7) ضعيف.
ويجوز الاكتفاء في كل منهما بالأقل أيضا لاطلاق أكثر الأخبار، وعدم
استلزام استحباب التثليث، لعدم استحباب المطلق.

(1) الكافي 3: 24 الطهارة ب 16 ح 3، التهذيب 1: 78 / 201، الوسائل 1: 432 أبواب الوضوء
ب 29 ح 10.
(2) التهذيب 1: 78 / 202، الإستبصار 1: 67 / 201، الوسائل 1: 431 أبواب الوضوء ب 29
ح 6.
(3) المتقدمة في ص 169 رقم 1.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.
(5) المدارك 1: 248.
(6) كشف الغمة 2: 226، الخرائج والجرائح 1: 335 / 26.
(7) الكافي 3: 23 الطهارة ب 15 ح 6، الوسائل 2: 18 أبواب السواك ب 4 ح 1.
170

وهل الأفضل إيقاع الثلاث في كل منهما بثلاث غرفات، كما عن التذكرة،
ونهاية الإحكام (9)، وفي اللوامع، أو لا فيقتصر بغرفة لكل منهما كما في نهاية
الشيخ، وعن مصباحه ومختصره، والمقنعة، والمهذب، والوسيلة، والإشارة (2)، أو
بغرفة لهما معا، كما عن ظاهر الاقتصاد، والجامع، والمبسوط (3) والاصباح، وفي
الأخيرين التخيير بين الغرفة والغرفتين لهما بزيادة الثلاث في كل في الأخير؟
مقتضى ظواهر الاطلاقات: جواز الكل وتساويه في الفضيلة.
وتستحب المبالغة فيهما بإدارة الماء في جميع الفم وجذبه إلى أعلى الأنف، كما
صرح به في المنتهى والتذكرة (4) لرواية ثواب الأعمال (5)، ولأنها السبب (6) للتنظيف
المعلل به في خبر الخصال (7).
ولا يلزم إخراج الماء في المضمضة، فلو ابتلعه حصل الامتثال.
ثم مقتضى إطلاق أكثر الأخبار بملاحظة عدم دلالة الترتيب الذكري على
الخارجي: عدم الترتيب بينهما، فيجوز تقديم كل منهما على الآخر، أو توسيط
بعض دفعات كل بين الآخر، كما في بعض كتب الفاضل (8).
وعن المشهور تقديم المضمضة بدفعاتها الثلاثة، وهو المحكي عن المقنعة،
والمصباح، ومختصره والوسيلة، والجامع، والتحرير، والتذكرة، ونهاية الإحكام،

(1) التذكرة 1: 21، نهاية الإحكام 1: 56.
(2) النهاية: 12، مصباح المتهجد: 7، المقنعة: 43، المهذب 1: 43، الوسيلة: 52، الإشارة:
71.
(3) الإقتصاد: 242، الجامع للشرائع: 34، المبسوط 1: 20.
(4) المنتهى 1: 51، التذكرة 1: 21.
(5) المتقدمة في ص 169.
(6) في ح ": أنسب.
(7) المتقدم في ص 169.
(8) المنتهى 1: 51.
171

والذكرى، والنفلية، والبيان (1)، بل في المبسوط أنه لا يجوز تقديم الاستنشاق (2)،
وقيل: إنه كذلك مع قصد المشروعية لعدم ثبوتها (3).
للشك في شمول الاطلاق له، سيما مع دلالة ظاهر الرواية الأولى (5) - على
ما في غير الكافي - على الترتيب، وسيما مع الترتيب الذكري في كثير من الأخبار.
أقول. إثبات استحباب تقديم المضمضة وإن لم يمكن من الأخبار
للأصل، وعدم دلالة الترتيب الذكري على الخارجي، بل عدم دلالة الفعلي
المذكور في الأولى على ما في غير الكافي، لجواز كونه أحد فردي المستحب، مع
تعارضها بما في الكافي، ولكن لا بأس بإثباته بالشهرة المحكية وفتوى الأجلة، لأن
المقام مقام المسامحة، فيكون مستحبا. ولكن لا يثبت منه تقييد استحباب مطلقهما
به حتى لا يستحب غير تلك الهيئة ويأثم بقصد المشروعية في غيرها إذ استحباب
التقديم غير مناف لاستحباب المطلق، بل غايته أنه مستحب آخر،
فمن تركه أتى بأحد المستحبين. والشك في شمول الاطلاق لو سلم لم يضر،
لمكان الأصل. فالحق - كما صرح في اللوامع - جواز الأمرين وإن استحب تقديم
المضمضة.
ويستحب كونهما باليمنى لما تقدم.
ويجوزان للصائم وإن كان الأفضل له ترك المضمضة لمضمرة يونس: (إن
الأفضل للصائم أن لا يتمضمض " (5).

(1) المقنعة 43، مصباح المتهجد 7، الوسيلة: 52، الجامع للشرائع: 34، التحرير 1: 8، التذكرة
1: 1 2، نهاية الإحكام 1: 56، الذكرى: 93، النقلية: 6 البيان: 50.
(2) المبسوط 1: 20.
(3) القائل هو صاحب الرياض 1: 26.
(4) المتقدمة في ص 168.
(5) الكافي 4: 107 الصيام ب 26 ح 4، التهذيب 4: 205 / 593، الإستبصار 2: 94 / 304،
الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.
172

ومنها: الدعاء عند كل من المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين
ومسح الرأس والرجلين وبعد الوضوء بالمأثور، وقول: " الحمد لله رب العالمين "
بعده.
وكذا تستحب قراءة آية الكرسي في أثر الوضوء رواه في جامع الأخبار (1)
وإنا أنزلناه، رواه في البلد الأمين واختيار ابن الباقي (2). وفي بعض الأدعية
اختلاف في كتبه، والداعي مخير.
ومحل الدعاء في المضمضة والاستنشاق بعد الفعل لمكان قوله في رواية
وضوء أمير المؤمنين عليه السلام: " تمضمض فقال... واستنشق فقال " (3) بل
المستفاد من تلك الرواية كون الدعاء في كل فعل بعد الفراغ منه.
وقال والدي - رحمه الله -: والظاهر تأدي السنة بقراءته بعده وفي الأثناء
أيضا فيما يمكن.
ومنها: تثنية الغسلات في كل من الوجه واليدين، كما يأتي بعد ذلك (4).
ومنها: بدأة الرجل بظاهر ذراعيه، والمرأة بباطنهما لخبر ابن بزيع: " فرض
الله على النساء في الوضوء أن يبتدئن بباطن أذرعهن وفي الرجل بظاهر الذراع " (5)
ومثله في الخصال (6).
ويمكن أن يكون المراد منها في الرواية البدأة في كل من الغسلتين، كما ذكره

(1) جامع الأخبار: 45، المستدرك 1: 321 أبواب الوضوء ب 24 ح 8.
(2) البلد الأمين: 3 ونقله عن اختيار ابن الباقي في البحار 77: 328 / 14.
(3) الكافي 3: 70 الطهارة ب 46 ح 6، الفقيه 1: 26 / 84، التهذيب 1: 53 / 153، الوسائل
1: 401 أبواب الوضوء ب 16 ح 1.
(4) في ص 181،
(5) الكافي 3: 28 الطهارة ب 18 ح 6، التهذيب 1: 76 / 193، الوسائل 1: 66، أبواب الوضوء
ب 40 ح 1.
(6) الخصال 585 / 12 وفيه: وتبدأ (أي المرأة) في الوضوء بباطن الذراع والرجل بظاهره) المستدرك
1: 338 أبواب الوضوء ب 35 ح 1.
173

جماعة (1)، أو في الغسل حتى تكون الثانية مسكوتا عنها.
ويحتمل الأمران في كلام المشهور أيضا، حيث أطلق فيه البدأة بالظاهر
للرجل وبالباطن للمرأة.
واختار في المبسوط بدأة الرجل في الأولى بالظاهر وفي الثانية بالباطن (2)،
وهو مختار الاصباح، والإشارة، والسرائر، والشرائع، والغنية، والتذكرة (3)، وفي
الأخيرين الاجماع عليه وهو كاف في إثبات المطلوب، للمسامحة. ولا ينافيه
اشتهار الاطلاق، لا سيما مع الاحتمال المتقدم.
ومنها: إسباغ الوضوء [بمد] (4) بالاجماعين (5) والمستفيضة من الروايات
كمرسلتي الفقيه (6)، وصحيحتي زرارة (7) ومحمد (8)، وموثقة سماعة (9)، ورواية أبي
بصير (10).
ولا دلالة في شئ منها على الوجوب. ولو كان فيجب الحمل على
الاستحباب للاتفاق واستفاضة الروايات بكفاية مثل الدهن وكف واحد (11).

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 51، وصاحب المدارك 1: 249 والمحقق السبزواري في الذخيرة: 42.
(2) المبسوط 1: 20.
(3) الإشارة: 71، السرائر 1: 101، الشرائع 1: 24، الغنية (الجوامع الفقهية) 554، التذكرة
1: 20
(4) أضفناها لاقتضاء سياق البحث كما يظهر من ملاحظة الروايات التي استدل بها وما أفاد في المتن
حولها، وانظر الرياض 1: 26.
(5) كما نقله في الرياض 1: 26.
(6) الفقيه 1: 23 / 69، 70، الوسائل 1: 481، 483 أبواب الوضوء ب 50 ملحق ح 3 و ح 6.
(7) التهذيب 1: 136 / 379، الإستبصار 1: 121 / 409، الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء
ب 50 ح 1.
(8) التهذيب 1: 136 / 377، الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50 ح 2.
(9) التهذيب 1: 136 / 376، 378، الإستبصار 1: 121 / 411 و 120 / 408، الوسائل 1:
482 أبواب الوضوء ب 50 ح 4 و 5.
(10) التهذيب 1: 136 / 376، 378، الإستبصار 1: 121 / 411 و 120 / 408، الوسائل 1:
482 أبواب الوضوء ب 50 ح 4 و 5.
(11) انظر الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 52، والوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 15.
174

والحمل على ما يدخل فيه ماء الاستنجاء أيضا لأن المد لا يبلغه الوضوء
كما في الذكرى (1). أو استفادة وجوب غسل الرجلين منه كالعامة فاسد جدا
لأن الوضوء الكامل يكون بأربع عشرة كفا أو ثلاث عشرة، والمد لا يزيد على ذلك
قطعا لأنه رطل ونصف بالمدني وهو مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف درهم،
ربع الصاع، ومائة وثلاثة وخمسون ونصفا، ونصف ثمن بالمثاقيل الصيرفية، وهو
أقل من ربع المن التبريزي المتعارف الآن في بلدنا، وما يقاربه، الذي هو ستمائة
مثقال صيرفي وأربعون مثقالا. وقد مر بيانه في بحث الكر (2).
ومنها: السواك، واستحبابه عندنا في نفسه وللوضوء مجمع عليه،
والنصوص به في الموضعين مستفيضة (3).
فمن الثاني صحيحة ابن عمار: " عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة " (4).
ومرسلة الفقيه. " السواك شطر الوضوء (5).
ورواية المعلى: عن السواك بعد الوضوء، فقال. " الاستياك قبل أن يتوضأ "
قلت: أرأيت إن نسي حتى يتوضأ قال. " يستاك ثم يتمضمض ثلاث
مرات) (6).
ورواية السكوني: " التسويك بالابهام والمسبحة عند الوضوء سواك؟؟ " (7).
والمروي في المحاسن: ". إذا توضأ الرجل وسوك ثم قام فصلى، وضع الملك
فاه على فيه فلم يلفظ شيئا إلا التقمه) وزاد فيه بعضهم: " فإن لم يستك قام الملك

(1) الذكرى: 95.
(2) المتقدمة ج 1 في ص 56.
(3) الوسائل 2: 5، 15، 16 أبواب السواك ب 1 و 2 و 3.
(4) الكافي 8 (الروضة): 79 / 33 - بتفاوت -، الوسائل 2: 16 أبواب السواك ب 3 ح 1.
(5) الفقيه 1: 32 / 114، الوسائل 2: 17 أبواب السواك ب 3 ح 3.
(6) الكافي 3: 23 / 6، المحاسن: 561 / 947، الوسائل 2: 18 أبواب السواك ب 4 ح 1.
(7) التهذيب 1: 357 / 1070، الوسائل 2: 24 أبواب السواك ب 9 ح 4.
175

جانبا) (1) يستمع إلى قراءته " (2).
ومقتضى الرواية كونه من سنن الوضوء وليس فيما دل على استحبابه على
الاطلاق منافاة لذلك.
ومقتضى الثالثة. كون محله قبل الوضوء فمن نسبه فبعده. ولعله مراد من
استحبه قبله وبعده.
ويمكن القول بالاستحباب في الموضعين أيضا، لاستفاضة النصوص
باستحبابه لكل صلاة (3)، فتأمل.
والأولى تقديمه على غسل اليدين؟ لفتوى طائفة من الأعيان بأفضليته (4)
ومقتضى الرابعة: جواز الاكتفاء فيه بالإصبع، وتدل عليه أيضا مرسلة
الكافي: " أدنى السواك أن تدلك بإصبعك " (5).
ولا تنافيها صحيحة علي. عن الرجل يستاك مرة بيده إذا قام إلى صلاة
الليل وهو يقدر على السواك، قال:، إذا خاف الصبح فلا بأس به " (6) لجواز أن
يكون الشرط للمرة.
ومنها. فتح العين، وفاقا للصدوق (7) وجماعة (8) لمرسلة الفقيه: " افتحوا
عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم " (9).
والمروي في نوادر الراوندي: " اشربوا أعينكم الماء عند الوضوء لعلها لا

(1) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.
(2) المحاسن: 561، الوسائل 2: 19 أبواب السواك ب 5 ح 4.
(3) الوسائل 2: 18 أبواب السواك ب 5.
(4) منهم الشهيد في الذكرى 93، وصاحب الرياض 1: 27.
(5) الكافي 3: 23 الطهارة ب 15 ح 5، الوسائل 2: 24 أبواب السواك ب 9 ح 3.
(6) الفقيه 1: 24 / 122، قرب الإسناد: 207 / 806، الوسائل 2: 24 أبواب السواك ب 9 ح 1.
(7) المقنع: 7، الهداية: 18 الفقيه 1: 31.
(8) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع: 34 والشهيد في الذكرى: 94.
(9) الفقيه 1: 31 / 104، الوسائل 1: 486 أبواب الوضوء ب 53 ح 1.
176

ترى نارا حامية " (1).
والأمر هنا للندب لانتفاء الوجوب إجماعا ونصا في الجوف.
ذكر والدي - رحمه الله - في اللوامع: أن مرادهم بالفتح والاشراب ما يحصل
به غسل نواحيها، دون ما يوجب إيصال الماء إليها، لنفي الشيخ استحبابه،
محتجا بالاجماع وإيجابه الضرر غالبا (2)، وقد روي أن ابن عمر كان يفعله فعمى
لذلك (3). ولا بأس به.
ومنها: إمرار اليد بالغسل، وفاقا للمشهور تأسيا بالحجج، وللمروي في
قرب الإسناد: " ولا تغمس في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطما، ولكن اغسله
من أعلى وجهك إلى أسفله مسحا، وكذلك فامسح بالماء ذراعيك " (4).
وضعفه مع عدم القائل يأبى عن إثبات الوجوب به.
ويستحب الاستقبال حال الوضوء أيضا؟ لقولهم: (خير المجالس ما
استقبل به القبلة (5). وعدم الجلوس في مظان النجاسة ووجهه ظاهر. ولكن في
عدهما من مستحبات الوضوء بخصوصه - كما فعله بعضهم - نظر.
البحث الثاني: في مكروهاته، وهي أيضا أمور:
ومنها: الاستعانة بصب الماء على الكف لما مر في مسألة المباشرة (6). لا في
إحضار الماء وإسخانه، ورفع الثوب عن العضو ونحوها للأصل والخروج عن

(1) نوادر الراوندي 39، البحار 77: 336 / 9.
(2) الخلاف 1: 85، المبسوط 1: 20.
(3) المغني 1: 118.
(4) قرب الإسناد 312 / 1215.
(5) الشرائع 4: 73، الوسائل 12: 109 أبواب أحكام العشرة ب 76 ح 3.
(6) في ص 158.
177

الصب المصرح به في الأخبار (1)، والشك في شمول التعليل فيها لمثلها.
ومنها: التمندل، وهو تجفيف ماء الوضوء من الأعضاء المغسولة بالمنديل
للشهرة بين الأصحاب، بل ظاهر الوفاق كما في اللوامع، وخبر ابن حمران: " من
توضأ فتمندل كانت له حسنة، وإن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه، كان له
ثلاثون حسنة " (2).
وضعفه - لو كان - غير ضائر في مقام المسامحة، مع أنه منجبر بالشهرة.
ومدلوله رجحان ترك التمندل على فعله، وهو بعينه الكراهة بالمعنى
المعهود والحسنة الواحدة إنما هي على الوضوء دون التمندل. فالايراد بأنه يدل
على قلة الثواب دون الكراهة المصطلحة ضعيف.
وأضعف منه: دفعه بأن الكراهة في العبادات بهذا المعنى لأن التمندل
أمر وراء العبادة.
والاستدلال على كراهته: بقوله في ثواب الوضوء: " خلق الله من كل
قطرة... " (3) باطل! إذ لا يلزم أن تكون القطرة متقاطرة، بل المراد قطرات ماء
الوضوء.
خلافا للسيد في شرح الرسالة (4)، وعن الشيخ في أحد قوليه (5) فلم يكرهاه
للأصل، وصحيحة محمد: (عن التمسح بالمنديل قبل أن يجف، قال: لا بأس
به " (6)

(1) الوسائل 1: 476 أبواب الوضوء ب 47.
(2) الكافي 3: 70 الطهارة ب 46 ح 4، المحاسن: 429 / 250 ثواب الأعمال: 46، الوسائل 1:
474 أبواب الوضوء ب 45 ح 5.
(3) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 521.
(4) نقله عنه في الذكرى: 95.
(5) المبسوط 1: 23 الخلاف 1: 97.
(6) التهذيب 1: 364 / 1101، الوسائل 1: 473 أبواب الوضوء ب 45 ح 1.
178

ورواية الحضرمي: (لا بأس بمسح الرجل وجهه بالثوب إذا توضأ إذا كان
الثوب نظيفا، (1).
وموثقة ابن الفضل: رأيت أبا عبد الله عليه السلام توضأ للصلاة ثم مسح
وجهه بأسفل قميصه، ثم قال: " يا إسماعيل افعل هكذا، فإني هكذا أفعل) (2)
وصحيحة ابن حازم. رأيت أبا عبد الله عليه السلام وقد توضأ وهو محرم
أخذ منديلا فمسح به وجهه (3).
والمروي في المحاسن: عن التمندل بعد الوضوء فقال: " كان لعلي عليه
السلام خرقة في المسجد ليست إلا للوضوء يتمندل بها " (4).
وآخر: " كانت لعلي عليه السلام خرقة يعلقها في مسجد بيته لوجهه، إذا
توضأ يتمندل بها " (5).
وثالث: " كانت لأمير المؤمنين خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ للصلاة، ثم
يعلقها على وتد ولا يمسها غيره " (6).
والثانيان لا ينفيان إلا البأس الذي هو الحرمة، مع أن في ثانيهما نفي البأس
عن المسح بالثوب، وهو غير التمندل. ومنه يظهر ما في الرابع، مع أنه قضية في
واقعة، فيجوز أن يكون لضرورة، كشقاق أو خوف شين أو للتقية، فإنه - كما
صرح به جماعة (7) - متداول عند العامة مشتهر بينهم.

(1) التهذيب 1: 364 / 1102، الوسائل 1: 474 أبواب الوضوء ب 45 ح 2.
(2) التهذيب 1: 357 / 1069، الوسائل 1: 474، أبواب الوضوء ب 45 ح 3.
(3) الفقيه 2: 226 / 1065، الوسائل 1: 474، أبواب الوضوء ب 45 ح 4.
(4) المحاسن: 429 / 247، الوسائل 1: 475 أبواب الوضوء ب 45 ح 7. وفيهما " للوجه، بدل
للوضوء.
(5) المحاسن: 429 / 248، الوسائل 1: 475 أبواب الوضوء ب 45 ح 8.
(6) المحاسن: 429 / 249، الوسائل ا: 475 أبواب الوضوء ب 45 ح 9.
(7) منهم صاحب الرياض 1: 27.
179

ومنه يظهر دفع البواقي، إذ يترجح ما مر عليها لموافقتها العامة ومخالفتها
الشهرة.
والمكروه - كما أشرنا إليه - إنما هو التمندل كما هو مورد الشهرة ومحل الرواية
فلا كراهة في التمسح بالثوب والذيل والكم والقميص والتجفيف بالشمس والنار
للأصل.
ومنها: نفض المتوضئ يده، للنبوي العامي: إذا توضأتم فلا تنفضوا
أيديكم " (1). وكونه عاميا غير ضائر، للمسامحة.
ومنها: التوضؤ من إناء فيه تماثيل، للموثق: عن الطست يكون فيه
التماثيل، أو الكوز أو التور يكون فيه تماثيل أو فضة، قال: " لا تتوضأ منه ولا
فيه " (2).
ومنها: الوضوء في المسجد عن البول والغائط للخبر: عن الوضوء في
المسجد، فكرهه من البول والغائط (3).
ولا ينافي إطلاقه مفهوم خبر بكير: " إذا كان الحدث في المسجد فلا بأس
بالوضوء في المسجد " (4) لأنه إنما هي إذا كان البأس مستعملا فيما يعم الكراهة
مجازا، وهو ليس بأولى من كون المفهوم غير معتبر كذلك.
ومنه يظهر عدم إمكان الاستدلال به على كراهة الوضوء من شئ من
الأحداث الواقعة خارجه أيضا.
ومنها: التوضؤ ببعض المياه المكروه استعمالها، المتقدم في بحث المياه (5)

(1) كنز العمال 9: 453 / 26934.
(2) التهذيب 1: 425 / 1353، الوسائل 1: 491، أبواب الوضوء ب 55 ح 1.
(3) الكافي 3: 369 الصلاة ب 53 ح 9، التهذيب 3: 257 / 719، الوسائل 1: 492 أبواب
الوضوء ب 57 ح 1.
(4) التهذيب 1: 353 / 1049، الوسائل 1: 492 أبواب الوضوء ب 57 ح 2.
(5) المتقدمة ج 1 في ص 125.
180

الفصل الخامس: في أحكامه
وهي أمور نذكرها في مسائل:
المسألة الأولى: لا خلاف في وجوب المرة الواحدة في الغسلات، ولا ريب
في أداء الواجب بها، للاجماع، والأصل، وصدق الامتثال، والوضوءات البيانية
والنصوص المعتبرة، كصحيحة زرارة، وفيها: " فقد يجزيك من الوضوء ثلاث
غرفات، واحدة للوجه واثنتان للذراعين " (1).
وأخرى: " في الوضوء، إذا مس جلدك الماء فحسبك) (2).
ورواية ابن بكير: (من لم يستيقن أن الواحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على
الثنتين " (3) وغير ذلك.
ولا في عدم جواز الزائد على الثلاث، لتوقيفية العبادة، وإنما الخلاف فيما
بينهما من الثانية والثالثة.
أما الثانية: فاختلفوا في استحبابها وعدمه، فالأظهر الأشهر، بل عليه
الاجماع في الانتصار (4) والسرائر، وعن الغنية (5)، ونفى عنه الخلاف بعض
المحققين، وحكاه عن أمالي الصدوق (6) الأول للاجماعات المنقولة والشهرة

(1) التهذيب 1: 360 / 1083، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.
(2) الكافي 3: 22 الطهارة ب 14 ح 7، التهذيب 1: 137 / 381، الإستبصار 1: 123 / 417،
الوسائل 1: 485 أبواب الوضوء ب 52 ح 3.
(3) التهذيب 1: 81 / 213، الإستبصار 1: 71 / 218، الوسائل 1: 436، أبواب الوضوء ب 31
ح 4.
(4) الإنتصار: 28.
(5) السرائر 1: 100، الغنية (الجوامع الفقهية): 554.
(6) قد يظهر ذلك من الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك: 40.
181

الكافيتين في مقام المسامحة.
وللمستفيضة من المعتبرة، كصحيحتي ابن وهب (1) وصفوان (2)، ورواية
زرارة. (الوضوء مثنى مثنى) (3) وزاد في الأخيرة: (من زاد لم يؤجر عليه ".
ورواية يونس: (الوضوء الذي افترضه الله) إلى أن قال: (يغسل ذكره
ويذهب الغائط، ثم يتوضأ مرتين مرتين " (4).
ورواية حكاية وضوء علي بن يقطين، المشهورة (5)، وفيها بعد أمره بالثلاث
وغسل الرجلين وتبطين اللحية تقية وظهور ارتفاعها: (الآن توضأ كما أمر الله
تعالى، اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين
كذلك، (6) الحديث.
والمروي في تفسير العياشي كيف يتوضأ؟ قال: " مرتين مرتين " قلت: كيف
يمسح؟ قال: " مرة مرة، (7).
وفي رجال الكشي عن داود الرقي بعد أمره - عليه السلام - داود الزربي
بالثلاث تقية وارتفاعها: (يا داود بن زربي! توضأ مثنى مثنى، ولا تزدن عليه،
فإنك إن زدت عليه فلا صلاة لك " (8).

(1) التهذيب 1: 80 / 208، الإستبصار 1، 70 / 213، الوسائل 1: 441 أبواب الوضوء ب 31
ح 28.
(2) التهذيب 1: 80 / 209، الإستبصار 1: 70 / 214 " الوسائل 1: 442، أبواب الوضوء ب 31،
29.
(3) التهذيب 1: 80 / 210، الإستبصار 1: 70 / 215. الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31
ح 5.
(4) التهذيب 1: 47 / 134، الوسائل 1: 316 أبواب الوضوء ب 9 ح 5.
(5) المروية في إرشاد المفيد وخرائج الراوندي وكشف الغمة (منه رحمه الله)
(6) إرشاد المفيد 2: 228 - 229، كشف الغمة 2: 226، الوسائل 1: 444 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.
(7) تفسير العياشي 1: 301 / 58، المستدرك 1: 327 أبواب الوضوء ب 28 ح 4.
(8) رجال الكشي 2: 600 / 564، الوسائل 1: 443، أبواب الوضوء ب 32 ح 2.
182

وقول القائم عليه السلام في مكاتبة العريضي: " إن الوضوء كما أمر الله
غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين واحدة، واثنان إسباغ، ومن زاد على
الاثنين أثم " (1).
وقول مولانا الرضا عليه السلام في مكاتبة المأمون كما في العيون: " واحدة
فريضة واثنتان استحباب " (2).
ويدل عليه أيضا: مفهوم الشرط في رواية ابن بكير، المتقدمة (3).
وحمل مرتين مرتين ومثنى مثنى في رواياتهما على الغسلتين والمسحتين، أو
التجديد، أي: تجويزه مرة وعدم مشروعية وضوءين تجديدا، أو منتهى مرتبة
الجواز - كما قيل (4) - بعيد جدا، بل لا يتحمله بعضها، كروايات علي بن يقطين
والعياشي والكشي، بل أخبار مثنى مثنى (5) لمكان مقتضى حقيقة الحمل.
وعلى الغرفتين - كما في الوافي (6) - غير صحيح إذ فضلهما لا قول به،
وجوازهما لا حد له، والزائد على الثلاث فيه لا إثم عليه.
وعلى التقية - كما في المنتقى (7) - لا يلائم روايتي علي بن يقطين والكشي.
خلافا للمحكي عن البزنطي والكليني، فجعلا الفضل في واحدة
واحدة (8).
وأما قولهما بعد ذكر ذلك: إن من زاد على مرتين لم يؤجر فلا يفيد ثبوت

(1) لم نعثر عليها.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 120، الوسائل 1: 440 أبواب الوضوء ب 31 ح 22.
(3) في ص 181.
(4) الحبل المتين 24، الذخيرة 41.
(5) الوسائل 1: 430 أبواب الوضوء ب 31.
(6) الوافي 6: 322.
(7) منتقى الجمان 1: 148.
(8) الكافي 3: 27، نوادر البزنطي (مستطرفات السرائر: 25.
183

الأجر للمرتين إذ مرادهما أنه لم يؤجر على الوضوء بل وضوؤه باطل للنهي عنه
بخصوصه، ومفهومه. أنه من لم يزد يؤجر على الوضوء، وهذا أعم من أن تكون
الثانية مستحبة أم لا. أو مرادهما أنه يؤجر على المرتين لأنه أحد أفراد المخير.
فما ذكره والدي - رحمه الله - من أن ما نسب إليهما من عدم استحباب الثانية
خلاف الواقع لذلك، ليس كذلك.
ثم إنه تبعهما على ذلك جماعة من متأخري المتأخرين، وهو الظاهر من
المدارك، والمنتقى، والبحار، والوافي، والهندي في شرح القواعد (1).
للمستفيضة كالرواية.: (الوضوء واحدة واحدة) (2).
والأخرى: عن الوضوء للصلاة، فقال: " مرة مرة " (3).
والثالثة: عن الوضوء، فقال. " ما كان وضوء علي عليه السلام إلا مرة
مرة " (4).
ومثلها الرابعة، في وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وزاد فيها:
" وتوضأ النبي مرة مرة فقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، (5).
والخامسة: " إن الله وتر يحب الوتر، فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات،
واحدة للوجه واثنتان للذراعين " (6).

(1) المدارك 1: 233، منتقى الجمان 1: 148 البحار 77: 273 الوافي 6: 321، كشف اللثام
1: 73.
(2) الكافي 3: 26 الطهارة ب 7 1 ح 7، التهذيب 1: 75 / 189 بتفاوت يسير " الإستبصار 1:
69 / 210، الوسائل 1: 435، أبواب الوضوء ب 31 ح 1.
(3) الكافي 3: 26 أبواب الطهارة ب 17 ح 6،. التهذيب 1: 80 / 206، الإستبصار 1: 69 / 211،
الوسائل 1. 437، أبواب الوضوء ب 31 ح 6.
(4) الكافي 3، 27 الطهارة ب 17 ح 9، التهذيب 1: 80 / 207، الإستبصار 1: 70 / 212،
الوسائل 1: 437، أبواب الوضوء ب 31 ح 7.
(5) الفقيه 1: 25 / 76، الوسائل 1: 438، أبواب الوضوء ب 31 ح 11
(6) التهذيب 1: 369 / 1083، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 2.
184

والسادسة: " الوضوء واحدة فرض، واثنتان لا يؤجر، والثالثة بدعة " (1).
والسابعة: " من توضأ مرتين لم يؤجر " (2).
والثامنة المروية في العيون: " الوضوء كما أمر الله في كتابه غسل الوجه
واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس والرجلين مرة واحدة " (3).
والتاسعة المروية في البصائر: إني سألت أباك عن الوضوء فقال: " مرة
مرة " فما تقول أنت؟ فقال: " إنك لن تسألني من هذه المسألة إلا وأنت ترى أني
أخالف أبي، توضأ ثلاثا وخلل أصابعك " (4).
والعاشرة المروية في السرائر عن نوادر البزنطي: " وضع يده في الإناء فمسح
رأسه ورجليه. واعلم أن الفضل في واحدة واحدة، ومن زاد على اثنتين لم
يؤجر " (5).
هذا كله، مضافا إلى الوضوءات البيانية.
ويجاب عن الأولين. بأن مقتضى هذا التركيب: بيان حقيقة الوضوء التي
لا تحقق له بدونها، ونحن نسلم أن حقيقته ذلك، وذلك لا ينافي استحباب شئ
آخر، كما في قولهم: " الوضوء غسلتان ومسحتان " (6) مع استحباب أمور كثيرة فيه.
نعم، قوله: " مثنى مثنى، ومرتين مرتين " يدل على الاستحباب للاجماع
على عدم وجوب التعدد.

(1) التهذيب 1: 81 / 212، الإستبصار 1: 71 / 217، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31
ح 3،
(2) الفقيه 1: 26 / 83، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31 ح 14.
(3) عيون الأخبار 2: 121، الوسائل 1: 440 أبواب الوضوء ب 31 ح 22.
(4) البصائر لسعد بن عبد الله نقل عنه في البحار 77: 295 / 52، الوسائل 1: 445، أبواب الوضوء
ب 32 ح 4، ووجدناها في مختصر البصائر: 94.
(5) مستطرفات السرائر: 25 / 2، الوسائل 1: 441 أبواب الوضوء ب 31 ح 27.
(6) التهذيب 1: 63 / 176، الوسائل 1: 420 أبواب الوضوء ب 25 ح 9.
185

وعن الثالثة والرابعة - مع معارضتهما مع مرسلة ابن أبي المقدام: " إني
لأعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله
اثنتين " (1) ومع إمكان إرادة أن وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل صلاة
ما كانت إلا مرة، ولذا توقف الشهيد في استحباب التجديد لصلاة واحدة (2) -:
أنه يمكن أن يكون ذلك لبيان الجواز. بل قيل. إن المعلوم من حال النبي
الاقتصار في العمل على ما وجب، اشتغالا بالأهم، وإظهارا للاستحباب وجواز
الترك (3).
مع أن في مرسلة مؤمن الطاق. " فرض الله الوضوء واحدة واحدة، ووضع
رسول الله للناس اثنتين اثنتين " (4) وفي المروي في رجال الكشي. كم عدة الطهارة؟
فقال: " ما أوجبه قال فواحدة، وأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
واحدة لضعف الناس، ومن توضأ ثلاثا فلا صلاة له " (5).
ومقتضاهما: أن إضافة الثانية للناس لضعفهم وتقصيرهم، فلعل الحجج
لبراءتهم عنهما لم يقصدوا إليها، واختص استحبابها بغيرهم، كما احتمله والدي في
اللوامع، بل هو الظاهر من كلام العماني والإسكافي بل المفيد (6).
وأما قوله: " هذا وضوء " إلى آخره، فالظاهر منه أنه لا يصح أقل منه، لا
أن يجب الاقتصار عليه.
مع أنه لو أريد عدم الصحة، لخالف مذهب المستدل، وخرج الخبر عن
الحجية بالشذوذ، وإن أريد المرجوحية، فهي مجاز ليس أولى من غيره، كبيان

(1) الفقيه 1: 25 / 80، الوسائل 1: 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 16.
(2) الذكرى 96.
(3) القائل هو صاحب الرياض 1: 24.
(4) الفقيه 1: 25 / 77 الوسائل 1: 439 أبواب الوضوء ب 31 ح 15.
(5) رجال الكشي 2: 600 / 564، الوسائل 1: 443 أبواب الوضوء ب 32 ح 2.
(6) المقنعة: 46، ونقل عن العماني في المختلف: 22.
186

الأقل. بل للخبر تتمة في طرق العامة تؤكد ذلك وهو أنه: " ثم توضأ مرتين وقال:
وضوء من ضاعف له الأجر هذا " (1).
مع أن حمل الإضافة في الروايتين على العهد وإرادة الوضوء البياني وكونه في
مقام بيان أقل الواجب ممكن، بل قوله: " هذا وضوء " إلى آخره، يؤمن إليه، وبه
يجمع بينهما وبين مرسلة ابن المقدام.
وعن الخامسة: بعدم منافاة حب الوتر من حيث هو لحب غيره من جهة
أخرى.
مع أن نفيه حب الغير ليس إلا بالمفهوم الضعيف، ومع أنه أعم مطلقا من
المسألة، فيجب تخصيصه بأخبارها. والأجزاء المذكور فيه لا يبين إلا منتهى
الوجوب.
وعن السادسة والسابعة: بمعارضتهما مع رواية ابن بكير، المتقدمة (2)
بالعموم المطلق، فيجب حملهما على من لم يستيقن إجزاء الواحدة، وزعم وجوب
الثانية.
مع إمكان إرادة الوضوء الواحدة لكل صلاة، فجوز التجديد وإن لم يترتب
عليه بخصوصه أجر، بل كان مخيرا بين الوضوء والوضوءين، وحرم الثالثة، كما
اختاره الشهيد في الثالثة (3) واحتمله الفاضل فيها (4). وحينئذ وإن عارضتهما
إطلاقات التجديد، ولكن على الحمل على الغسلة أيضا تعارضهما أخبار الغسلة
الثانية.
وعن الثامنة والتاسعة: بما أجيب عن الأولين.

(1) سنن البيهقي 1: 85.
(2) في ص 181.
(3) الذكرى: 94، البيان: 50، الدروس: 93.
(4) التحرير 1: 10، المختلف: 22.
187

وعن العاشرة: بالمعارضة المذكورة مع الموثقة (1) فتخصص بها.
مع أن الظاهر أن قوله: " واعلم... " من كلام البزنطي، ولا أقل من
احتماله، فلا حجية فيه في مقابلة ما مر.
وأما البيانيات، فهي في بيان الواجبات لخلوها عن كثير من المستحبات.
هذا وقد يرد هذا القول أيضا: بأنه لا يجتمع مع رجحان العبادة، إذ جزؤها
إما واجب أو مستحب، ولا معنى لاتصافه بالإباحة المطلقة من دون رجحان.
وفيه: أن اللازم في العبادة الرجحان الذاتي، ويمكن أن يكون الكلام هنا
في الإضافي بالنسبة إلى الواحدة كما في أحد فردي المخير.
ويمكن أيضا أن يكون مرادهما بجواز الثانية جوازها لا بقصد الوضوء.
والحاصل أن يكون كلامهما في هذا الفعل في الوضوء من غير ملاحظة قصد
كونه منه، كما قالوا في تكرار المسح (2)، فحرموا الثالثة فصاعدا ولو بدون قصد
الوضوء للنصوص، كالتكفير في الصلاة، وجوزوا الثانية إما مع المرجوحية
كالتمندل، أو بدونها.
وللمحكي في الخلاف والسرائر عن بعض الأصحاب، فقال بعدم
مشروعية الثانية (3). والظاهر - كما صرح به والدي - رحمه الله - ونقله جماعة (4) -
أنه هو الصدوق فإن كلامه في الفقيه صريح في عدم الجواز:
قال: قال الصادق عليه السلام: " ما كان وضوء رسول الله صلى الله عليه
وآله إلا مرة مرة، وتوضأ النبي مرة مرة فقال. هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا

(1) كذا في النسخ، ولا يخفى أن المراد بها رواية ابن بكير المتقدمة وهي ليست بموثقة - كما لم يعبر عنها
المصنف بهذا الوصف فيما تقدم - لاشتمالها على زياد بن مروان القندي، والظاهر أن الكلمة
مصحفة. " المتقدمة ".
(2) سيأتي في ص 192.
(3) الخلاف 1: 87، السرائر 1: 100.
(4) منهم الشهيد في الدروس 1: 93، والشهيد الثاني في الروضة 1: 79.
188

به " فأما الأخبار التي رويت في أن الوضوء مرتين مرتين، فأحدها بإسناد منقطع
- فنقل مرسلة مؤمن الطاق المتقدمة (1) - فقال: هذا على جهة الانكار لا الاخبار،
كأنه يقول: حد الله حدا، فتجاوز رسول الله صلى الله عليه وآله وتعداه، وقد
قال الله عز وجل: * (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * وقد روي: أن الوضوء
حد من حدود الله وأن المؤمن لا ينجسه شئ وإنما يكفيه مثل الدهن. وقال
الصادق عليه السلام: " من تعدى في وضوئه كان كناقضه ". وفي ذلك حديث آخر
بإسناد منقطع - ثم نقل رواية ابن أبي المقدام، السابقة (2) - فقال: إن النبي كان يجدد
الوضوء لكل صلاة. فمعنى هذا الحديث هو: إني لأعجب ممن رغب عن تجديد
الوضوء وقد جدده. النبي. والخبر الذي روي أن من زاد على مرتين لم يؤجر، يؤكد
ما ذكرته. ومعناه أن تجديده بعد التجديد لا أجر له، كالأذان: من صلى الظهر
والعصر بأذان وإقامتين أجزأه، ومن أذن للعصر كان أفضل، والأذان الثالث بدعة
لا أجر له. وكذلك ما روي أن المرتين أفضل، معناه التجديد. وكذلك ما روي
في مرتين أنه إسباغ - ثم ذكر أحاديث فضل التجديد، فقال: وقد فوض الله إلى
نبيه أمر دينه ولم يفوض إليه تعدي حدوده. وقول الصادق عليه السلام: " من
توضأ مرتين لم يؤجر " يعني به أنه أتى بغير الذي أمر به ووعد الأجر عليه، فلا
يستحق الأجر. انتهى (3).
وحاصله: حمل أخبار المرة ومرجوحية المرتين على الغسلة والغسلتين،
وأخبار فضل المرتين على التجديد، وأن الثانية في الغسلة غير مأمور بها، وأن
فاعلها كناقض الوضوء، وأن جعلها من الوضوء تعد عن حدود الله، فتكون منهيا
عنها وإن لم تكن بنية الوضوء. ولا فرق في ذلك بينها وبين الثالثة والرابعة فتكون

(1) في ص 186.
(2) في ص 186.
(3) الفقيه 1: 25.
189

حراما.
وعلى هذا فما ذكره والدي - رحمه الله - من أن نسبة الحرمة إلى الصدوق
مخالف للواقع، وما قاله كثير من المتأخرين من نسبة جوازها إليه، ليس من موقعه.
والباعث على ذلك. قوله في باب حد الوضوء: والوضوء مرة مرة، ومن
توضأ مرتين لم يؤجر، ومن توضأ ثلاثا فقد أبدع، حيث إنه فرق بين الثانية والثالثة
بعدم الأجر على الثانية وارتكاب البدعة في الثالثة.
والظاهر أن مراده من قوله " أبدع " دخل فيما هو بدعة، حيث إن الثالثة
مستحبة عند العامة (1)، فهي من بدعهم. أي: ارتكب ما هو بدعة من العامة،
ومنهي عنه بخصوصه في الروايات، سواء قصد به الوضوء أم لا كما مر.
وأما الثانية فلم يبتدعها أحد بخصوصها، ولم ينه عنها كذلك، بل هي غير
مأمور بها وغير داخلة في الوضوء. ويلزمها عدم جواز إدخالها فيه بقصد الوضوء
لكونه تعديا عن حدود الله.
وكيف كان، فالظاهر عدم الريب في ضعف ذلك القول. ويدل عليه أيضا
بعد ظاهر الوفاق ما تقدم من أخبار رجحان الثانية (2). مضافا إلى مستفيضة أخرى
دالة على جوازها ومشروعيتها، كمرسلة مؤمن الطاق (3).
وحملها على الانكار - كما في الفقيه (4) - خلاف الأصل والظاهر، ومخالف لما
صرح به في روايات أخر كما مر (5)، ومرسلة ابن أبي المقدام، والمروي في رجال
الكشي كما مر (6).

(1) المهذب في فقه الإمام الشافعي 1: 18، الأتم 1: 32، المغني 1: 158.
(2) في ص 182.
(3) المقدمة في ص 186.
(4) الفقيه 1: 25.
(5) المقدمة في ص 182.
(6) في ص 186.
190

وفي الخصال: " هذه شرائع الدين " إلى أن قال: " غسل الوجه واليدين إلى
المرفقين، ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين مرة مرة، ومرتان جائز " (1).
ومستند الصدوق: الأصل أخبار عدم الأجر على المرتين، بانضمام
حمل أخبار رجحانهما على التجديدي. وقد عرفت ضعف الكل.
هذا كله في الغسلة الثانية، وأما الثالثة فاختلفوا في حرمتها وعدمها. والحق
هو الأول كما عليه المعظم للأصل في العبادات، والمعتبرة المنجبرة المتقدمة،
كمرسلة ابن أبي عمير (2) وروايات الكشي (3) والعريضي (4) وزرارة (5) والسرائر (6).
خلافا لظاهر من شذ - من دون مستند ظاهر - كالمفيد، حيث جعلها
تكلفا، والزائد عليها بدعة (7). والقديمين، فجعلاها غير محتاج إليها (8).
قيل: ومال إليه في المعتبر (9)، وهو فرية لأنه قال بعد حكمه باستحباب
الثانية وكون الثالثة بدعة ونسبة استحبابها إلى العامة: وأما كون الثالثة بدعة.
فلأنها ليست مشروعة، فإذا اعتقد التشريع أثم، ولأنه يكون إدخالا في الدين ما
ليس منه، فيكون مردودا (10).
نعم، قال بعد إتمام المسألة في الفرع الثاني. هل تبطل الطهارة لو غسل

(1) الخصال: 603 / 9، الوسائل 1: 397 أبواب الوضوء ب 15 ح 18.
(2) التهذيب 1: 81 / 212، الإستبصار 1: 71 / 217، الوسائل 1: 436 أبواب الوضوء ب 31
ح 3.
(3) المتقدمة في ص 186.
(4) المتقدمة في ص 183.
(5) المتقدمة في ص 182.
(6) المتقدمة في ص 185.
(7) المقنعة: 49.
(8) نقله عنهما في المختلف: 22.
(9) القائل هو صاحب الرياض 1: 24.
(10) المعتبر 1: 158.
191

يديه ثلاثا؟ قيل: نعم لأنه مسح لا بماء الوضوء. والوجه: الجواز لأنه لا ينفك
من ماء الوضوء الأصلي. انتهى.
ولا يخفى أنه غير جوازها، ولذا قال بعض من صرح بحرمتها بعدم بطلان
الوضوء معها على الاطلاق، وعدم البأس بمزج ماء الوضوء بغيره في المسح بعد
بقاء مائه، ولذا نسب الجماعة إلى المعتبر، القول بعدم إبطال الثالثة للوضوء (1).
وهو كذلك إن لم يحصل المسح بمائها. ولزومه إذا كانت في اليسرى ظاهر، وفي
الوجه واليمنى غير ظاهر لاضمحلاله بما يرد عليه من بقية ماء الوضوء.
فروع:
أ: تحريم الثالثة إنما هو إذا كان بقصد الوضوء كما هو ظاهر بعض أخباره.
وإطلاق بعض آخر لا يفيد لوجوب الاقتصار على موضع انجباره. فلا يحرم لو
غسل لا بقصده إلا أنه يبطل الوضوء بها لو أتى بها في اليسرى.
ب: لا تكرار في المسح عندنا لا وجوبا ولا استحبابا للأصل،
والاجماعين، وبعض النصوص المتقدمة (2) المؤيدة بالوضوءات البيانية. وبذلك
يقيد إطلاق ما مر من أن الوضوء مثنى مثنى أو مرتين.
ولو كرره لم يأثم إلا مع قصد المشروعية، وعليه ينزل إطلاق التحريم في
كلام الشيخين (3) وابني حمزة وإدريس (4)، بل كلام الأخير صريح فيه. ويكون
حينئذ وضوؤه صحيحا بغير خلاف، كما في السرائر وعن الذكرى (5)، بل إجماعا
كما في اللوامع.
وهل يكره بدون ذلك القصد؟ صرح به في اللوامع، مدعيا عليه الشهرة بل

(1) منهم صاحب المدارك 1: 234، وصاحب الحدائق 2: 347، ويستفاد من المعتبر 1: 160.
(2) في ص 183 - 182.
(3) المفيد في المقنعة: 49، والطوسي في المبسوط 1: 23، والخلاف 1: 89، والمصباح: 8.
(4) الوسيلة: 51 السرائر 1: 100.
(5) الذكرى: 95.
192

الاجماع. ولا بأس به لكفاية الدعوى في إثباته.
ج: صرح في اللوامع بجواز التثنية في بعض الأعضاء دون بعض. وهو
كذلك للأمر بالتثنية في كل منها على حدة سيما في روايتي علي بن يقطين
والعريضي (1)، والأصل عدم الارتباط والتوقف.
وأما في جزء من البعض فلا شك في عدم استحبابها، ولا في عدم جوازها
بقصد المشروعية، ولا في جوازها لا بقصدها. ولكن يخدش في صحة الوضوء لو
أتى به في اليسرى لمكان المسح.
والمناط صدق التثنية عرفا، فلا يضر عدم الاستيعاب الحقيقي في الغسلة
الأولى إذا صدق غسل كل ذلك العضو عرفا.
وكذلك يحرم تثليث بعض الأعضاء بل البعض من البعض. وعلى هذا
فيحصل الاشكال في الغرفات المتعددة، سيما إذا استوعب كل منها أكثر العضو أو
كثيرا منه، إذ لا يشترط إمرار اليد في تحقق الغسل. وظاهر الأردبيلي الميل إلى ترك
الغرفة الثالثة مطلقا (2) لعدم معهوديتها.
المسألة الثانية: اللازم في الغسل في الوجه واليدين مسماه عرفا، فيشترط
الجري فيه اختيارا إجماعا، ومطلقا على الأصح بل الأشهر، بل قيل: كاد أن يكون
إجماعا (3).
للأصل، واستصحاب الحدث، وعدم صدق الغسل المأمور به بدونه
لعدم حصوله إلا به فيثبته أوامر الغسل.
وبها وبما دل على اشتراط الجري كمفهوم حسنة زرارة، الآتية، والأخرى:
" فما جرى عليه الماء فقد أجزأه " (4) وصحيحة محمد في اغتسال الجنب: " فما جرى

(1) المتقدمتين في ص 183 - 182.
(2) مجمع الفائدة 1: 116.
(3) قاله في الرياض 1: 19.
(4) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 3، التهذيب 1: 133 / 368، الوسائل 1: 229 أبواب الجنابة
ب 26 ح 2.
193

عليه الماء فقد طهر " (1) تقيد إطلاقات الدهن وكفاية مس الماء للجلد (2).
وتؤيد المطلوب أيضا: صحيحة علي: فيمن أصابه المطر وابتلت أعضاء
وضوئه: " إن غسله فإن ذلك يجزيه " (3).
ويكفي أقله، بأن ينتقل كل جزء من الماء من محله إلى غيره، كما ذكره
الفقهاء إما صريحا، أو بتمثيلهم بالدهن الذي لا يزيد عنه غالبا لصدق الغسل
معه، ولذا ورد كفاية مثل ما على الحشفة في غسل البول (4).
ولحسنة زرارة: " الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد
أجزأه " (5).
وصحيحته في الوضوء: " إذا مس جلدك الماء فحسبك " (6).
ومرسلة الكليني: في رجل كان معه من الماء مقدار كف وحضرت الصلاة
فقال: " يقسمه أثلاثا ثلث للوجه، وثلث لليد اليمنى، وثلث لليسرى " (7).
والأخبار المصرحة بكفاية مثل الدهن في الوضوء أو الغسل (8)، فإن التدهين
يتحقق بمثل هذا الجري أيضا، فتشمله أخبار.

(1) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132 / 365، الإستبصار 1: 123 / 420،
الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
(2) الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 52.
(3) التهذيب 1: 359 / 1082، الإستبصار 1: 75 / 231، الوسائل 1: 454 أبواب الوضوء
ب 36 ح 1.
(4) الوسائل 1: 343 أبواب أحكام الخلوة ب 26.
(5) الكافي 3: 21 الطهارة ب 14 ح 4، التهذيب 1: 137 / 380 الإستبصار 1: 123 / 416،
الوسائل 2: 24 أبواب الجنابة ب 31 ح 3.
(6) الكافي 3: 22 الطهارة ب 14 ح 7، التهذيب 1: 137 / 381، الإستبصار 1: 123 / 417.
الوسائل 1: 485 أبواب الوضوء ب 52 ح 3
(7) الكافي 3: 27 الطهارة ب 7 1 ح 9، الوسائل 1: 438 أبواب الوضوء ب 31 ح 9.
(8) الوسائل 1: 484 أبواب الوضوء ب 2 5.
194

والرواية الواردة في بقاء لمعة من جسد رسول الله صلى قال عليه وآله وأخذه
الماء من بلل شعره ومسحه ذلك الموضع مروية في نوادر الراوندي وغيره (1).
والرضوي: " وأدنى ما يكفيك ويجزيك من الماء ما يبل به جسدك مثل
الدهن) (2).
خلافا في الأول (3) للمقنعة والنهاية (4) وصريح والدي العلامة، فاكتفوا
بمجرد البلل الخالي عن الجري حال الضرورة، مع إمكان حمل كلام الأولين على
الاجتزاء بأقل الجري حال الضرورة، فيوافقان في حال الاضطرار لما عليه الشهرة،
وفي الاختيار لما يأتي من مختار الناصرية (5).
واستدل والدي - رحمه الله - بمطلقات أوامر الغسل المتوقف على الجريان،
وإطلاقات كفاية البل، كخبري الغنوي: (يجزيك من الغسل والاستنجاء ما بلت
يمينك " (6) كما في أحدهما و " ما بللت يدك " (7) كما في الآخر.
وصحيحة زرارة، المتقدمة (8)، وصحيحة محمد: " يأخذ أحدكم الراحة من
الدهن فيملأ بها جسده، والماء أوسع من ذلك " (9) وأخبار الدهن الظاهرة فيما لا
يتحقق معه الجريان.
بتخصيص أول الاطلاقين بحال الاختيار، للاطلاقات الثانية المقيدة بحال

(1) نوادر الراوندي: 39.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 83، المستدرك 1: 348 أبواب الوضوء ب 4 4 ح 1.
(3) المراد من الأول، اعتبار الجري، والمراد من الثاني - الآتي في كلامه - كفاية أقل الجري ولو بمثل
التدهين.
(4) النهاية: 15، ولم نعثر عليه في المقنعة.
(5) في ص 198.
(6) الكافي 3: 22 الطهارة ب 4 1 ح 6، الوسائل 1: 241 أبواب الجنابة ب 31 ح 4.
(7) التهذيب 1: 138 / 386، الإستبصار 1: 122 / 415.
(8) في ص 194.
(9) الكافي 3: 24 الطهارة ب 17 ح 3، الوسائل 1: 391 أبواب الوضوء ب 15 ح 7.
195

الاضطرار إجماعا، فتكون أخص منه، فيقيد بها.
ولما (1) بعد الاستثناء في صحيحة الحلبي: " أسبغ الوضوء إن وجدت ماء
وإلا فإنه يكفيك اليسير (2) قال - رحمه الله -: واليسير بإطلاقه بتناول ما لا جري
معه.
ولمرسلة الكليني، السابقة (3)، وصحيحة علي: عن الرجل الجنب أو على
غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا، أيهما أفضل أيتيمم أم
يتمسح بالثلج وجهه؟ قال: " الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل، فإن لم يقدر على
أن يغتسل به فليتيمم " (4).
وخبر ابن شريح: يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماء
جامدا، فكيف أتوضأ أدلك به جلدي؟ قال: " نعم " (5).
وتخصيص (6) ثانيهما بحال الاضطرار للاجماع، ولما قبل الاستثناء من
صحيحة الحلي، وللاطلاقات الأولى المقيدة بحال الاختيار بالأخبار المذكورة.
ويجاب عنه: بضعف كل من التخصيصين.
أما الأول. فلعدم صلاحية ما ذكر له.
أما الاطلاقات الثانية: فلأنها إنما يعلم تقييدها بحال الاضطرار إجماعا لو
اختصت بالبل الخالي عن الجريان المباين للغسل، وليس كذلك بل أعم منه.

(1) عطف على قوله: " للاطلاقات " وهكذا قوله الآتي: " ولمرسلة ".
(2) التهذيب 1: 138 / 388 الإستبصار 1: 123 / 418، الوسائل 1: 485 أبواب الوضوء
ب 52 ح 4.
(3) في ص 194.
(4) التهذيب 1: 192 / 554، الإستبصار 1: 158 / 547، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10
ح 3.
(5) التهذيب 1: 191 / 552، الإستبصار 1: 157 / 543، الوسائل 3: 357 أبواب التيمم ب 10
ح 2 الدمق - محركة -. ريح وثلج. القاموس 3: 240.
(6) عطف على قوله قبل سطور: " بتخصيص أول الاطلاقين... ".
196

أما ما تقدم على صحيحة محمد فظاهر. وأما هي وما يعقبها: فلتحقق أقل
الجري بالتدهين أيضا - كما مر (1) - ولو كان بقدر الراحة كما في الصحيحة. مع أنه
لا دلالة فيها على مطلوبهم، لعدم خلوها عن ضرب من الاجمال، وعلى هذا
فتقييدها بالبل المشتمل على الجري المتضمن مع الغسل، وإبقاء الحالة على
عمومها بالاجماع، ليس بأولى من تقييدها بحالة الاضطرار به (2)، فلا يعلم
منافاتها للاطلاق (3) الأول حتى يقيد بها.
وأما ما بعد الاستثناء في الصحيحة (4): فلاحتمال أن يراد منه اليسير من
الغسل ولا شك أنه أيضا لا يتحقق إلا مع الجريان.
مع أنه لو أريد اليسير من الماء أيضا، لم يكن مقيدا لأنه أعم مما يتحقق
معه الجري، فيعارض الاطلاق الأول بالعموم من وجه، فلا يكون أخص منه
حتى يقيده، والترجيح للاطلاق (5)، لموافقة الكتاب والأصل والشهرة.
وأما المرسلة (6): فلأن الظاهر تحقق أقل الجريان في كل موضع بثلث
الكف، كيف مع أنه تظهر من صحيحة محمد كفاية أقل من كف من الدهن لتمام
الجسد (7).
وأما الخبران الأخيران: فلأن ظاهرهما المسح بالثلج والجمد. ولم يقل به
أحد، كما يأتي في بحث التيمم.

(1) في ص 194.
(2) كذا في جميع النسخ، ولعل المناسب تغيير العبارة هكذا: وعلى هذا فتقييدها بحالة الاضطرار
بالاجماع، ليس بأولى من تقييدها بالبل المشتمل على الجري المتضمن مع الغسل، وإبقاء الحالة
على عمومها.
(3) في (ق) للاطلاقات.
(4) يعني صحيحة الحلبي المتقدمة في 196 رقم 2.
(5) في " ق " للاطلاقات.
(6) يعني مرسلة الكليني المتقدمة في ص 194.
(7) المتقدمة ص 195.
197

مع أنهما معارضان مع صحيحتين أخريين آتيتين في ذلك البحث، دالتين
على وجوب الانتقال إلى التيمم في مثل تلك الحال.
وأما التخصيص الثاني: فلمثل ما مر أيضا من عدم صلاحية ما ذكر لبيانه.
أما الاجماع: فلما عرفت.
وأما ما قبل الاستثناء من الصحيحة: فلأن الاسباغ غير الغسل، بل هو
نوع منه غير واجب إجماعا فتوى ونصا.
وأما الاطلاقات: فلعدم ثبوت تقييدها بحال الاختيار كما مر.
وإذ عرفت ضعف التخصيص فيحصل التعارض بين الاطلاقين بالعموم
من وجه. والترجيح للأول لما مر من موافقة الكتاب والشهرة، بل الاجماع، لما
عرفت من الاحتمال في كلام الشيخين (1)، مع أنه لولاه لكان المرجع إلى أصل
الاشتغال واستصحاب الحدث.
وخلافا في الثاني لظاهر المدارك فإن ظاهره عدم صدق الغسل عرفا بمثل
ذلك الجري (2)، وهر ظاهر الناصريات حيث قال - بعد ذكر وجوب فعل ما يسمى
غسلا -: وأما الأخبار الواردة بأنه يجزيك ولو مثل الدهن، فإنها محمولة على دهن
يجري على العضو ويكثر عليه حتى يسمى غسلا ولا يجوز غير ذلك. انتهى (3).
فإن الظاهر من قوله: ويكثر عليه اشتراط أكثر من هذا الجري، فإنه لا
يقال للقدر من الماء الذي ينتقل من جزء واحد: إنه يكثر عليه.
وهو الظاهر من الحلي (4) أيضا.
ودليلهم - كما أشير إليه - عدم صدق الغسل عرفا على مثله. وهو ممنوع كما

(1) المتقدم في ص 195.
(2) المدارك 1: 235.
(3) الناصريات الجوامع الفقهية ": 188.
(4) السرائر 1: 100.
198

مر (1)، بل الظاهر أنه لولاه، لما تحقق الغسل الواجب لكل جزء من كل عضو
بالغرفة الواحدة المجزية إجماعا.
ثم إنه يجب العلم بحصول أقل الجري في كل جزء جزء من المواضع، كما
تدل عليه الروايات المتقدمة في غسل اليد (2)، المصرحة بوجوب غسل كل جزء
وإجراء الماء أو إدخاله تحت الخاتم ونحوه، والأولى بل الموضع أولا ليجري عليه
الماء بسهولة.
المسألة الثالثة: إذا كان بعض أعضاء الطهارة مؤوفا بغير القطع، من نحو
كسر أو قرح أو جرح: فإما يكون في موضع الغسل أو المسح.
فإن كان في موضع الغسل: فإما لا تكون عليه جبيرة من خشب أو خرقة
أو دواء أو غيرها أو تكون، فإن كانت عليه، فإما لا يمكن غسل ما تحتها بنزع أو
تكرير أو وضع في الماء من غير ضرر ولا مشقة أو يمكن، فإن أمكن ذلك بأحد
الوجوه الثلاثة، وجب إجماعا اتباعا لأوامر الغسل.
وفي التخيير بين الثلاثة، كجماعة منهم: الفاضل في التحرير والنهاية (3)،
والكركي (4)، والدروس والبيان (5)، بل في اللوامع الاجماع عليه للأصل،
وحصول الغسل، وإطلاق موثقة عمار: في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من
مواضع الوضوء فلا يقدر أن يمسح عليه لحال الجبر إذا جبر، كيف يصنع؟ قال:
" إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء ويضع الجبيرة في الماء حتى يصل الماء إلى
جلده، وقد أجزأه ذلك من غير أن يحله) (6).

(1) في ص 194.
(2) في ص 100.
(3) التحرير 1: 10، نهاية الإحكام 1: 4 6.
(4) جامع المقاصد 1. 233.
(5) الدروس 1: 94، البيان: 51.
(6) التهذيب 1: 426 / 1354، الإستبصار 1: 78 / 242 الوسائل 1: 60، أبواب الوضوء ب 39
ح 7.
199

أو الترتيب فينزع وجوبا مع الامكان، وإلا فالتكرير أو الوضع،
كالتذكرة (1)، بل ظاهر التهذيب (2) والنهاية (3)، بل المعتبر والمنتهى (4)، بل عليه
دعوى الاجماع كما ذكره في اللوامع، وجعله جمع من مشايخنا الأحوط (5).
لحسنة الحلي: عن الرجل تكون القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من مواضع
الوضوء فيعصبها بالخرقة ويتوضأ ويمسح عليها إذا توضأ؟ فقال: (إن كان يؤذيه
الماء فليمسح على الخرقة، وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها) وعن
الجرح كيف يصنع به في غسله؟ قال: " يغسل ما حوله) (6).
والرضوي: (إن كان بك في المواضع التي يجب عليها الوضوء قرحة أو
دماميل ولم يؤذك فحلها واغسلها، وإن أضرك حلها، فامسح يدك على الجبائر
والقروح، ولا تحلها ولا تعبث بجراحتك " (7).
قولان (8)، أظهرهما: الأخير، لما ذكر. وبه يدفع الأصل وإطلاق الغسل.
ولا يعارضه الموثق، لتقييده بعدم القدرة على المسح على الموضع لأجل
الجبيرة، ولا يكون ذلك، إلا مع تعذر النزع. وأما مجرد وجوده فغير مناف للقدرة
كما لا تنتفي بوجود حائل آخر ممكن الرفع.
وهاهنا قول آخر محكي عن الذخيرة، وهو: تقدم النزع والتكرير على

(1) التذكرة 1: 21.
(2) التهذيب 1: 426، وفيه: وجوب النزع إن أمكن وإلا فيمسح على الجبائر، نعم يستحب في
صورة عدم امكان النزع وضع موضع الجبيرة في الماء.
(3) النهاية 16 وفيها وجوب النزع إن أمكن وإلا فالمسح عليها ولم يذكر الوضع ولا التكرير.
(4) المعتبر 1: 161، المنتهى 1: 72،
(5) منهم صاحب الرياض 1: 24.
(6) الكافي 3، 33 الطهارة ب 1 2 ح 3، التهذيب 1: 362 / 1095، الإستبصار 1: 77 / 239،
الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39 ح 2. وفي الجميع: (اغسل ما حوله " بصورة الأمر.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 69، المستدرك 1: 337 أبواب الوضوء ب 34 ح 3
(8) هذا مبتدأ مؤخر وخبرة قوله وفي التخيير المتقدم.
200

الوضع (1).
ولم أقف على دليل له إلا ما ادعاه من الاجماع، وهو غير ثابت.
نعم، لم يذكر جماعة الوضع أصلا (2).
وعن الشيخ في كتابي الحديث عدم وجوبه، حيث حمل الموثق على
الاستحباب عند المكنة وعدم الضرورة (3).
وإن لم يمكن غسل ما تحتها بأحد الوجوه الثلاثة، يمسح على الجبيرة ويغسل
ما حولها وجوبا، سواء أمكن مع ذلك حل الجبيرة أولا، اتفاقا محققا ومنقولا، كما عن
الخلاف (4) وفي المعتبر والمنتهى، والتذكرة، والمدارك (5)، مع عدم إمكان الحل،
وعلى الأظهر معه.
للاجماع في الأول، وللمستفيضة فيهما منها: الحسنة والرضوي المتقدمان
وحسنة كليب والوشاء.
الأولى: عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: " إن كان
يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره " (6).
والثانية: عن الدواء إذا كان على يد الرجل يجزيه أن يمسح عليه؟ قال:
" نعم، يجزيه أن يمسح على طلي الدواء " (7).
والمروي في تفسير العياشي: عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ
صاحبها، وكيف يغتسل إذا أجنب؟ قال: " يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة

(1) الذخيرة 37.
(2) منهم الشهيد في الدروس 1: 94، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 223
(3) التهذيب 1: 426، والاستبصار 1: 78.
(4) الخلاف 1: 159.
(5) المعتبر 1: 161، و 162، المنتهى 1: 72، التذكرة 1: 21 المدارك: 37.
(6) التهذيب 1: 363 / 1100، الوسائل 1: 465، أبواب الوضوء ب 39 ح 8.
(7) التهذيب 1: 364 / 1105، الإستبصار 1: 76 / 235، الوسائل 1: 465 أبواب الوضوء
ب 39 ح 9.
201

والوضوء (1).
ولا تعارض تلك الأخبار روايات التيمم (2) لأنها بين ظاهرة في المجرد عن
الجبيرة أو مطلقة بالنسبة إليه، وهذه خاصة بذي الجبيرة.
ولا الروايات المقتصرة بغسل ما حول الجرح، كذيل حسنة الحلبي،
المتقدمة، وصحيحة ابن سنان: عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال: " يغسل
ما حوله " (3).
ومرسلة الفقيه: وروي في الجبائر أنه يغسل ما حولها (4).
وصحيحة البجلي: عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة
كيف يصنع بالوضوء وعند غسل الجنابة وغسل الجمعة؟ قال. " يغسل ما وصل
إليه الغسل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله
ولا ينزع الجبائر ولا يعبث بجراحته) (5).
لأن إيجاب غسل ما حوله وعدم العبث بالجراحة وعدم غسلها لا ينافي
وجوب المسح إذا كان ثابتا من دليل آخر.
وقوله في الصحيحة: " ويدع ما سوى ذلك " أي من الجسد بقرينة قوله:
مما لا يستطيع غسله ولا يعبث بجراحته " فلا ينافي المسح على الجبيرة التي هي غير
الجسد.
مع أن الظاهر منه أنه يدع غسله فلا منافاة أصلا، ولو منع الظهور فلا أقل

(1) تفسير العياشي 1: 236 / 102، الوسائل 1: 66، أبواب الوضوء ب 39 ح 11.
(2) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.
(3) الكافي 3: 32 الطهارة ب 1 2 ح 2، التهذيب 1: 363 / 096 1، الوسائل 1: 464 أبواب الوضوء
ب 39 ح 3.
(4) الفقيه 1: 29 / 94، الوسائل 1: 4 6 4 أبواب الوضوء ب 39 ح 4
(5) الكافي 3: 32 الطهارة ب 21 ح 1، التهذيب 1: 362 / 1094، الإستبصار 1: 77 / 338،
الوسائل 1: 463 أبواب الوضوء ب 39 ح 1.
202

من الاحتمال فلا يعارض.
مع أنه على فرض الدلالة فللمعارضة مع ما مر غير صالحة؟ لمخالفته في
الجملة لعمل المعظم بل الكل الموجبة لشذوذها.
وتوهم فتوى الصدوق والكليني - طاب ثراهما - بمضمونها (1) وحمل أخبار
المسح على الاستحباب فاسد.
نعم، اختاره واحد من متأخري المتأخرين (2) ومال إليه آخر (3)، ولا يعبأ بهما.
وبذلك الاجماع تقدم تلك الأخبار على الآية فيما إذا صدق على صاحب
الكسر أو نحوه المريض وإن تعارضا بالعموم من وجه. مع أن المرض (لغة) " (4) إما
هو السقم خاصة - كما هو صريح بعض اللغويين (5) - فلا تعارض بينهما أصلا،
لتغاير السقم والكسر ونحوه كما هو ظاهر، أو يكون شاملا لجميع الآفات حتى
الكسر ونحوه - كما هو المحتمل - ويكون المتصف بها أيضا مريضا لغة وإن لم يكن
كذلك عرفا، ولا يضر لتأخر الحادث، فتكون الآية أعم مطلقا يجب تخصيصها.
وإن لم تكن على الموضع جبيرة وآذاه الماء، فالحق فيه التخيير بين أحد الأمور
الثلاثة: المسح على الجبيرة بوضع شئ على الموضع ومسحه، وإما التيمم، وإما
الاكتفاء بغسل ما حول الموضع.
أما جواز المسح على شئ وضعه على الموضع: فلحسنة الحلبي،
المتقدمة (6)، دلت بإطلاقها على المسح بالخرقة المعصوبة مع إيذاء الماء، سواء
كانت على الموضع قبل إرادة الوضوء أو عصبها حينها مع تجرد الموضع أولا.

(1) كما في الذخيرة: 37، والحدائق 2: 382.
(2) مجمع الفائدة 1: 111.
(3) المدارك 1: 238.
(4) لا توجد في (ه‍).
(5) منهم الجوهري في الصحاح 3: 1106.
(6) في ص 200.
203

وأما عدم تعين ذلك حتى يجب الوضع: فللأصل وعدم الدليل.
فإن قلت: قوله: " فليمسح على الخرقة " يدل على وجوبه المتوقف امتثاله
على الوضع.
قلنا: الثابت منه وجوبه على من سئل عنه أي من يعصبها (ويتوضأ، الذي
هو مرجع المستتر (1) وهو كذلك، لا على من لم يعصبها.
فإن قلت: فيلزم أن من عليه جبيرة يمكن حلها لو حلها كان حكمه التخيير
أيضا، ولم يتعين عليه المسح على الجبيرة؟ لعدم دليل على وجوب الوضع.
قلت: الدليل فيه استصحاب وجوب المسح على الخرقة الموقوف على
وضعها، بخلاف من ليست عليه، فإنه لم يثبت وجوب عليه حتى يستصحب.
وأما جواز التيمم: فلمطلقاته كالمرسلة: " يومم المجدور والكسير إذا
أصابتهما الجنابة " (2).
والأخرى: المجدور والكسير يوممان ولا يغسلان، (3).
والثالث: " يتيمم المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته الجنابة " (4).
والرابعة: في الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل " (5).
والصحيحة: في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح، أو يخاف على
نفسه من البرد، فقال: " لا يغتسل ويتيمم) (6).
والأخرى: عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب، قال. " لا بأس بأن

(1) ما بين القوسين ليس في " ق).
(2) التهذيب 1: 185 / 533 الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 10.
(3) الفقيه 1: 9 5 / 7 1 2، الوسائل 3: 348 أبواب التيمم ب 5 ح 2 1 بتفاوت يسير.
(4) الكافي 3: 68 الطهارة ب 5 4 ح 2 الوسائل 3: 347 أبواب التيمم ب 5 ح 4.
(5) الكافي 3: 8 6 الطهارة ب 45 ح 5، الفقيه 1: 9 5 / 17 2، و 8 1 2، التهذيب 1: 184 / 29 5 "
الوسائل 2: 6 34 أبواب التيمم ب 5 ح 2.
(6) التهذيب 1: 6 9 1 / 66 5، الوسائل 3: 7 34 أبواب التيمم ب 5 ح 7.
204

لا يغتسل، يتيمم) (1).
والموثقة: في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة، قال: لا
يتيمم " (2).
والمروي في الدعائم: " من كانت به قروح أو علة يخاف منها على نفسه
يتيمم) (3).
دلت على جواز التيمم لكل من كانت به قروح أو كسر أو علة، خرج من
به جبيرة أو خرقة بما مر، وأما الخالي عنهما فتبقى فيه مطلقات التيمم خالية عن
المعارض، فيجوز له التيمم؟ لها. ووضع شئ وعصبه على الموضع! للأصل
الخالي عن المعارض أيضا. وبعده يجب عليه المسح عليها؟ للحسنة (4).
ولا يندفع ذلك الأصل بمطلقات التيمم! لعدم دلالتها على الزائد على
مشروعيته، لخلوها عن الدال على وجوبه وحرمة الغسل.
ومنه يظهر وجه عدم تعين التيمم عليه أيضا.
وأما جواز الاكتفاء بغسل ما حول الموضع فقط حينئذ: فلمطلقاته
المتقدمة (5)، فإنها شاملة بإطلاقها للمجرد عن الجبيرة والمشغول بها، زيد في الثاني
المسح على الجبيرة لأوامره، وأما الأول فلا دليل على وجوب أمر آخر فيه من وضع
الخرقة والمسح عليها.
ولا تنافيها أخبار التيمم؟ لعدم إثباتها الأزيد من المشروعية كما مر. كما لا
تنافي أخبار غسل ما حوله أيضا أخبار التيمم؟ لذلك.

(1) الكافي 3: 68 الطهارة ب 45 ح 1، التهذيب 1: 4 8 1 / 530 بتفاوت يسير، الوسائل 2: 347
أبواب التيمم ب 5 ح 5.
(2) التهذيب 1: 85 1 / 532، الوسائل 3: 8 4 3 أبواب التيمم ب 5 ح 9.
(3) الدعائم 1: 121 المستدرك 2: 527 أبواب التيمم ب 4 ح 2.
(4) أي حسنة الحلبي المتقدمة في ص 200.
(5) في ص 202.
205

لا يقال: " اغسل ما حوله " في آخر الحسنة - كما في أكثر النسخ - أمر مفيد
للوجوب فيعينه ويعارض مشروعية التيمم.
لأنا فقول: إن السؤال إنما وقع في غسله، حيث قال: كيف يصنع به في
غسله؟ فلا يفيد إلا وجوب غسل ما حولها إذا غسل لا مطلقا.
والحاصل: أن هاهنا أمورا ثلاثة كلها واردة على المورد من دون مدافعة
بعضها لبعض: أصالة جواز العصب والوضع الموجب للمسح على الجبيرة
بضميمة الحسنة، ومجوزات التيمم، ومطلقات غسل ما حول الموضع، فيجوز
العمل بكل منها فيه وهو معنى التخيير.
هذا إذا كان عدم إمكان غسل الموضع لايذاء الماء، وإلا كما إذا لم يحتبس
الدم ففي شمول الحسنة له محل كلام، فينحصر الأمر بين التيمم وغسل ما حوله،
إلا إذا قلنا بعدم اشتراط طهارة محل الوضوء فيتوضأ إن أمكن.
لا يقال: القول بالتخيير وإن كان موجودا، ولكنه إما في المجبور مطلقا بين
التيمم والجبيرة، أو بينه وبين غسل ما حولها، أو في المجرد بين الأولين، كما هو
محتمل كلام المبسوط في مبحثي الوضوء والتيمم (1)، أو فيه بين الأخيرين، فالقول
بالتخيير بين الثلاثة خرق للاجماع.
لأنا نقول: دعوى الاجماع في مثل المقام شطط من الكلام وجزاف تام،
فإن في كلام كثير منهم في المسألة إجمالا لا يحصل منه تمام المرام.
ودعوى أن التيمم إنما هو مع العجز عن المائية مطلقا دعوى بلا بينة،
وللمطلقات السالفة مخالفة، بل نقول: إنه يشرع معه، وقد يشرع أيضا مع
العجز عن إكمال المائية، كما قد لا يشرع معه أيضا كما في المسح على الخفين، أو
بالبلة الجديدة، أو في المواضع المقطوعة.

(1) المبسوط 1: 35.
206

هذا، ثم لو أمكن في المجرد مسح العضو من غير ضرر وإن لم يمكن غسله
فهل يجب أو الحكم التخيير المتقدم؟
الحق هو الثاني لعدم دليل على وجوب المسح بل ولا على مشروعيته.
والرضوي غير دال عليه، لأن فيه أنه " وإن أضرك حلها، فامسح على
الجبائر والقروح) (1) وهو يدل على وجود شئ، فالمراد بالمسح على القروح المسح على
ما عليها.
وقيل بالأول (2) تحصيلا للأقرب إلى الحقيقة، ولتضمن الغسل إياه، فلا
يسقط بتعذر أصله، ولمثل قوله: " الميسور لا يسقط بالمعسور " (3).
وفي الأول: منع وجوب تحصيل الأقرب.
نعم، قد يقال بذلك في معاني الألفاظ وهو غير المورد، مع أن فيه أيضا
كلاما.
وفي الثاني: منع تضمن الغسل إياه، فإنه قد يتحقق بدون المسح فلا أمر
بالمسح أصلا.
سلمنا ولكن الأمر به تبعي يفوت بفوات الأصل.
وفي الثالث: ضعف الدلالة كما بيناه في محله.
ومن هذا يظهر فساد التمسك بتلك الأدلة لايجاب المسح على الجبيرة في
المجرد أيضا، مع أن صدق الجبيرة الواردة في الأخبار على كل خرقة محل كلام.
وإن كانت الآفة في موضع المسح وكانت عليه جبيرة، فأمكن نزعها ومسح
الموضع، وجب،
وإن لم يمكن، فإن أمكن تكرير الماء أو الوضع فيه فالظاهر التخيير بينه

(1) تقدم ص 200.
(2) الرياض 1: 24.
(3) عوالي اللآلي 4: 58 / 205.
207

وبين المسح على الجبيرة لدلالة الموثقة (1) على الأول، وأخبار الجبيرة (2) على الثاني،
والتعارض بالعموم من وجه، لاختصاص الأولى بما أمكن فيه التكرير والوضع،
والثانية بما لم يمكن في مواضع الغسل، ولا ترجيح، فالحكم التخيير.
وإن لم يمكن شئ من الأمرين، مسح على الجبيرة وجوبا، لأخبارها.
وإن لم تكن عليه جبيرة فالظاهر التيمم، لأخباره الفارغة عن المعارض في
ا لمقام (3).
وأما وضع شئ والمسح عليه فلا دليل له.
وأما حسنة الحلبي (4) فالظاهر من قوله في آخرها: " فليغسلها) أن القرح في
موضع الغسل، بل يحتمله قوله: " ونحو ذلك من مواضع الوضوء، بأن تكون لفظة
" من " تبعيضية، والمراد نحوه من مواضع الغسل.
هذا كله إذا كانت الجبيرة أو الموضع المجرد عنها وما حولهما خالية عن
النجاسة. وإلا فإن كانت النجاسة مما لا جرم لها يمنع من وصول الماء، فعلى
القول بعدم ثبوت اشتراط طهارة موضع الوضوء سيما على الاطلاق الشامل للمقام
أيضا - كما هو الظاهر - فالحكم ما مر من غير تفاوت، فمع الجبيرة يمسح عليها
وجوبا، وبدونها يتخير بين الثلاثة.
وأما على القول باشتراط طهارة موضعه حتى الجبيرة فقالوا: إن كانت
النجاسة متعدية إلى ما حول الموضع أيضا، يتيمم. وإن كانت مختصة بالجبيرة أو
الموضع دون ما حوله، يجب وضع شئ طاهر على أحدهما والمسح عليه، وادعوا
عليه الاجماع. فإن ثبت، وإلا فلا دليل على ذلك الوضع.
ومقتضى القاعدة: التخيير بين الاكتفاء بغسل ما حوله وبين التيمم!

(1) المتقدمة في ص 199.
(2) المتقدمة في ص 201.
(3) راجع ص 204.
(4) المتقدمة في ص 200.
208

لخلوهما عن المعارض، حيث إن أخبار المسح على الجبيرة لا تكون شاملة للمقام
حينئذ قطعا.
وتحصيل الأقرب إلى الحقيقة، والخروج عن الشبهة، وطلب اليقين بالبراءة
غير مفيدة.
أما الأول: فلمنع وجوبه أولا، وعدم أقربيته من غسل ما حولها ثانيا.
وأما الثاني والثالث: فلامكان وجوب المسح على النجس أو التيمم، فلا
يحصل اليقين بمجرد ما ذكر.
وإن كان للنجاسة جرم لم يمكن إزالته، فإن كانت على الجبيرة، فالظاهر
التخيير بين التيمم وغسل ما في الحول خاصة؟ لمطلقاتهما الخالية عن معارضة
أخبار الجبيرة لعدم فائدة في المسح عليها، وعدم دليل على وضع شئ عليها.
وإن كانت على الجرح المجرد، فالتخيير بينهما وبين شد العصابة! لاطلاق
الحسنة (1).
وإن كانت فيما حول الموضع فالتيمم خاصة؟ لمطلقاته الخالية عن معارضة
شئ مما مر، ووجهه ظاهر.
فروع:
أ: ذكر جماعة أن في حكم الكسر وأخويه مرضا آخر في موضع الوضوء
يضره الماء كورم أو وجع أو رمد أو سلعة إذا كانت عليه جبيرة. وأما بدونها فحكموا
بالتيمم.
وهو في الثاني كذلك؟ لرواية الدعائم (2) المنجبرة في المورد، فإنه تثبت منها
مشروعية التيمم له ولم تثبت مشروعية غيره.
وأما في الأول فهو مشكل؟ لعدم دليل على مشروعية الجبيرة في مثله، فإن

(1) يعني حسنة الحلبي المتقدمة ص 200.
(2) المتقدمة ص 205.
209

كلام كثير من الأصحاب مختص بالكسر وأخويه، فلا يثبت منه إجماع في المورد،
وأكثر أخبار الجبيرة مخصوصة بها أيضا.
وأما حسنة الوشاء (1): فإن عمت مثل ذلك أيضا إلا أنها لا تدل على
المطلوب لجواز أن يكون المراد منها المسح الذي في التيمم، ولذا استدلوا على
المسح على الجبيرة في التيمم بها.
وشمول إطلاق اليد فيها لغير الكفين - الموجب لتعين المسح بالماء للوضوء،
إذ لا تيمم على غيرهما، وبضميمة عدم الفصل يثبت فيهما أيضا - غير مفيد! لجواز
أن يريد الاجزاء عن الأمر الندبي بالمسح على الذراع في التيمم. مع أن كون اليد
مشتركة معنوية بين الكفين وما فوقهما محل كلام، والاستعمال في الآية غير مفيد.
وأما رواية عبد الأعلى: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة
فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: " يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله، قال الله تعالى:
(ما جعل عليكم في الدين من حرج (2) امسح عليه " (3) فخارجة عن المقام لأن
الظاهر أن انقطاع الظفر من الجرح.
وليست هناك رواية عامة أو مطلقة أخرى من أخبار الجبائر يتوهم شمولها
لما نحن فيه، مع أن في صدق الجبيرة على المعصوب عليه نظرا.
فالتحقيق فيه: أنه إن كان العذر مما يقطع معه بكون صاحبه مريضا
كالمجدور ونحوه، فحكمه التيمم! للآية وروايات المجدور (4). وإن لم يقطع
فيحتمل الجبيرة والتيمم، والأحوط الجمع، بل هو الأظهر، لاستصحاب
الاشتغال.

(1) المقدمة ص 201.
(2) الحج: 78.
(3) الكافي 3: 33 الطهارة ب 21 ح 4، التهذيب 1: 363 / 097 1 الإستبصار 1: 77 / 240 "
الوسائل 1: 4 6 4 أبواب الوضوء ب 39 ح 5.
(4) الوسائل 3: 6 34 أبواب التيمم ب 5.
210

وأما رواية الدعائم فلا تفيد هنا لضعفها الخالي عن الجابر في المقام.
هذا إذا كان العذر متعلقا بموضع خاص. وأما إذا لم يكن كذلك كالسقيم
والمبطون وخائف البرد ونحوها، فحكمه التيمم لأخباره. دون المسح على الخرق
وإن لم يتضرر به! لعدم التوقيف.
ب: لو لصق بالعضو شئ ولم يمكن إزالته من غير أن يكون مجروحا أو
مريضا، ففي وجوب المسح عليه إن كان طاهرا، أو وضع شئ عليه إن كان
نجسا، أو التيمم إشكال.
وقد يرجح الأول بوجوب غسل كل عضو، فلا ينتفي بتعذر بعضه.
ويضعف بثبوت الربط بالاجماع.
نعم، يمكن ترجيحه في صورة الطهارة بإطلاق صحيحة محمد ورواية عمر
ابن يزيد.
الأولى: في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحناء ويتوضأ للصلاة، فقال: " لا
بأس أن يمسح رأسه والحناء عليه " (1).
والثانية: عن الرجل يخضب رأسه بالحناء ثم يبدو له في الوضوء قال:
" يمسح فوق الحناء " (2).
بل وكذا مع النجاسة على القول بعدم اشتراط طهر المحل، كما هو الأظهر،
فيمسح على ذلك الشئ النجس. وأما على القول الآخر فلا. ومقتضى قاعدة
أصالة الاشتغال: الجمع، بل هو الأحوط على القول الأول أيضا، بل في الصورة
الأولى.
ج: الحق: أنه لا يشترط الجريان في المسح هنا سواء كان في موضع الغسل

(1) التهذيب 1: 359 / 1081، الإستبصار 1: 75 / 233 الوسائل 1: 456 أبواب الوضوء
ب 37 ح 4.
(2) التهذيب 1: 359 / 079 1، الإستبصار 1: 75 / 232، الوسائل 1: 455 أبواب الوضوء
ب 37 ح 3.
211

أو المسح؟ لصدق الامتثال. ولا عدمه، لذلك، حيث إن المسح أعم مما يتضمنه.
واشتراط الثاني في الثاني لوجوبه في مبدله، كالأول في الأول، لأن المأمور
به أولا هو الغسل ومع تعذره يتعين أقرب المجازات - كما عن نهاية الإحكام -
ضعيف، وإن اختاره والدي في اللوامع أيضا؟ لمنع الوجوب في المبدل كما مر (1)
ومنع تعين الأقرب في مثل تلك المواضع، سيما مع وجود الاطلاق.
د: لا يجب استيعاب الجبيرة بالمسح إن كانت في موضع المسح، وفاقا كما
في اللوامع، أو موضع الغسل كما في الذكرى وعن المبسوط (2) لصدق المسح على
الجبيرة إذا مسح بعضها، ألا ترى أنه إذا مسحت اليد على الوجه يقال: مسح يده
على وجهه، وإن لم يستوعب.
خلافا للفاضلين (3)؟ لظهور الحسنتين (4) فيه، وهو ممنوع! ولثبوته في
مبدله. وفيه: منع الدلالة.
نعم، هو الأحوط، وكيف كان فلا ينبغي الريب في عدم وجوب تخليلها
بالمسح إذا كانت لها خلل وفرج وثقوب ونحوها.
ه‍: لو عمت الجبيرة تمام عضو أو كل الأعضاء، مسح على الجميع وسقط
الغسل، وفاقا لصريح التذكرة والمنتهى (5) لاطلاق كثير من الروايات (6)، إلا أن
يتضرر به فيتيمم.
ويظهر من بعض من عاصرناه التأمل في استغراق الجميع أو تمام عضو أو

(1) في ص 143.
(2) الذكرى: 7 9، المبسوط 1: 23.
(3) المعتبر 1: 409، التذكرة 1: 22.
(4) أي حسنتي كليب والوشاء المتقدمتين ص 201.
(5) التذكرة 1: 21، المنتهى 1: 72.
(6) الوسائل 1: 463، أبواب الوضوء ب 39.
212

الأبعاض المتكثرة (1).
وهل يجب حينئذ استيعاب جبيرة كل عضو بالمسح؟ الظاهر لا، لما مر،
والأحوط نعم.
ر: لو زادت الجبيرة عن محل الجرح ولم يمكن غسل ما تحت الزائد بنزع أو
تكرير يمسح عليه لعموم ما تقدم من الروايات؟ لعدم الاستفصال، أو
الاطلاق، سيما مع أن الغالب في الجبائر اشتمالها على زائد لا يمكن غسل ما تحته
بل المساوي أو الناقص غير متحقق أو شاذ غير ملتفت إليه.
ز: إذا كان الجرح وما في حكمه في غير موضع الطهارة ولكن تضرر بغسل
مواضعها، يتعين التيمم، لعموم أخباره (2)، وعدم شمول روايات الجبيرة له.
ح: لو توضأ جبيرة فهل يجب إبقاء الجبيرة حال الصلاة أم يجوز حلها إن
أمكن؟ مقتضى الأصل: عدم الوجوب، وعليه الفتوى.
ط: هل يجب أن يكون المسح برطوبة أو يجوز مع جفاف اليد أيضا المتبادر
من الروايات: الأول، بل يصرح به في رواية العياشي، المتقدمة (3) المنجبرة بظاهر
عمل الأصحاب.
وهل يجب أن تكون الرطوبة من ماء الوضوء إذا كانت الجبيرة في محل
المسح؟ الأحوط ذلك بل يستفاد تعيينه من أخبار المسح بنداوة الوضوء (4).
ي: المصرح في الرضوي أنه يجب مسح الجبيرة باليد (5)، فلا يجوز بعضو
آخر أو بغير العضو. والظاهر أن عليه بناء الأصحاب، فالرواية به منجبرة فعليه
العمل. ويجب كون الجبيرة ممسوحة، كما هو مقتضى رواياتها، فلا يجزي مسحها

(1) هو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).
(2) الوسائل 3: 346 أبواب التيمم ب 5.
(3) في ص 201.
(4) الوسائل 1: 387 أبواب الوضوء ب 10.
(5) تقدم في ص 200.
213

على اليد كما قيل (1).
يا: الفصد والحجامة والشقوق الصغار من الجرح، فحكمها حكمه.
يب: لا يجب تجفيف الجبيرة وترقيقها ولو أمكن للأصل، إلا أن يشد على
فوقها شئ من غير حاجة إليه فيحل للشك في صدق اسم الجبيرة عليه. ولا يجوز
وضع شئ عليها بلا ضرورة.
يج: لو كانت الجبيرة على المرفق أو أعلى الوجه، يبدأ بها فيمسحها أولا،
ثم يغسل الباقي.
يد: لا يعيد ما صلى بالوضوء جبيرة وإن بقي وقتها إجماعا.
وهل يعيد وضؤه لو زال العذر أم لا؟ الظاهر: العدم ولو كان قبل الصلاة!
لاستصحاب الوضوء وأخبار حصر الناقض، والنهي عن التوضؤ إلا مع اليقين
بالحدث (2).
ولو زال العذر قبل تمام الوضوء بعد الجبيرة في عضو فيه إشكال.
وأشكل منه: ما لو زال قبل تمام العضو الذي فيه الجبيرة. والاحتياط في
الإعادة.
المسألة الرابعة. ما يجب له الوضوء أو يستحب إنما يجب أو يستحب - في
غير التجديد - إذا كان المكلف محدثا، وإلا يكفي وضوؤه الذي عليه لتلك الأمور
كلا، ولا يحتاج إلى وضوء آخر ولو كان وضوؤه ندبيا وأراد فعل الواجب المشروط
به، بالاجماع المحقق والمنقول (3) وهو الحجة.
مضافا إلى موثقة ابن بكير: " إياك أن تحدث وضوءا حتى تستيقن أنك قد
أحدثت " (4).

(1) الرياض 1: 24.
(2) الوسائل 1: 245 أبواب نواقض الوضوء ب 1.
(3) السرائر: 1: 98.
(4) الفروع 3: 33 الطهارة ب 2 2 ح 1، التهذيب 1: 102 / 268، الوسائل 1: 472 أبواب
الوضوء ب 44 ح 1.
214

والمروي في الدعائم: " المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من
الصلوات ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء " (1).
وما ورد في أن من كان على وضوء لا يجب عليه الوضوء للمغرب (2)، وفي
أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث لا يتوضأ (3)، وما دل على أن الوضوء لا
ينقضه إلا حدث كصحيحة الأشعري (4) وغيرها مما مر في بحث النواقض (5).
ويدل عليه أيضا أنه لم يثبت من أدلة وجوب الوضوء أو استحبابه لغايات إلا
مطلوبية كون المكلف عندها مع الوضوء، الذي هو غسل الوجه واليدين ومسح
الرأس والرجلين، غاية ما في الباب ثبوت قصد الامتثال أيضا، فإذا حصل ذلك
يحصل المطلوب، ولم يثبت اعتبار قصد الغاية أو تجديد الوضوء عند الغاية.
ويؤكده: ما ورد في الكافي في الصحيح من أنه أمر الله سبحانه، النبي صلى
الله عليه وآله ليلة المعراج بالوضوء ثم بالصلاة (6) وعلمه بالتفصيل، ولم يأمر أولا
بالوضوء للصلاة.
وأما قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة) (7) فالمتبادر منه أنه إن لم يكن
متطهرا، كما في قولك: إذا لقيت الأسد فخذ سلاحك يعني إذا لم تكن مسلحا.
مع أن الآية مفسرة في الصحيح بالقيام من النوم (8)، مع أنه على فرض شمولها

(1) الدعائم 1: 101، المستدرك 1: 294 أبواب الوضوء ب 7 ح 3.
(2) الوسائل 1: 375 أبواب الوضوء ب 8.
(3) الوسائل 1: 472 أبواب الوضوء ب 44.
(4) التهذيب 1: 6 / 5، الإستبصار 1: 79 / 246، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 4.
(5) ص: 7.
(6) الكافي 3: 482، الصلاة ب 105 ح 1.
(7) المائدة: 6.
(8) التهذيب 1: 7 / 9، الإستبصار 1: 80 / 251، الوسائل 1: 253 أبواب نواقض الوضوء ب 3
ح 7.
215

للجميع فتخصيصها بمثل موثقة ابن بكير وسائر ما مر لازم.
ومنه يعلم الحال في نحو قوله: " من تطهر ثم آوى إلى فراشه " (1) سيما مع
معارضته بمثل قوله. " ولا تدخل على الزوجة إلا متوضئا) (2) وقوله: " لقارئ القرآن
متطهرا خمس وعشرون حسنة " (3) ونحوها، بضميمة عدم الفصل بين الغايات.
نعم، الوضوء المجامع للحدث الأكبر كوضوء المحتلم للجماع والحائض لا
يعبأ به لغاياته بعد الطهارة من الحيض والجنابة بالاجماع.
ويتفرع على ذلك: كفاية وضوء واحد لجميع غاياته، كما مر (4).
المسألة الخامسة: لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن، وفاقا للخلاف،
والتهذيب، والصدوق (5)، وعن الكليني (6)، والحلبي، وأحكام الراوندي، وابن
سعيد (7)، والفاضلين (8)، ومحتمل المبسوط (9)، ومعظم من تأخر عنهم.
للمروي عن الباقر عليه السلام في مجمع البيان: " لا يجوز للجنب،
والحائض، والمحدث، مس المصحف " (10).

(1) الكافي 3: 468 الصلاة ب 97 ح 5، الوسائل 1: 378 أبواب الوضوء ب 9 ح 1.
(2) لم نعثر عليه بنصه، وقد يستفاد مضمونه مما ورد في: الكافي 5: 500 المتعة ب 50 ح 1، التهذيب
7: 409 / 1636، الوسائل 20: 115 أبواب مقدمات النكاح ب 55 ح 1 وقد تقدم ص 41.
(3) عدة الداعي: 269، الوسائل 6: 196 أبواب قراءة القرآن ب 13 ح 3.
(4) في ص 83.
(5) الخلاف 1: 99، التهذيب 1: 126، الفقيه 1: 48.
(6) يمكن أن يكون وجه النسبة إلى الكليني نقله رواية تدل على النهي عن مس الكتاب من دون
الوضوء فلاحظ الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 5.
(7) الكافي في الفقه: 126، فقه القرآن 1: 50، الجامع للشرائع 36.
(8) المعتبر 1: 175، الشرائع 1: 23 " المختصر النافع 1: 7، المنتهى 1: 76، التذكرة 1: 14،
القواعد 1: 12.
(9) المبسوط 1: 23 قال: ويكره للمحدث مس كتابة المصحف.
(10) مجمع البيان 5: 226، الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 12 ح 5.
216

وضعفه منجبر بالشهرة المحققة والمحكية مستفيضة (1)، بل بالاجماع المصرح
به في الخلاف وعن ظاهر التبيان ومجمع البيان (2).
والاستدلال بقوله سبحانه: " لا يمسه " (3) ضعيف لا لاحتمال رجوع
الضمير إلى الكتاب المكنون بل هو أقرب للأقربية، أو لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية
في الطهارة، إما مطلقا أو عند نزول الآية لأنهما وإن كانا كذلك إلا أن المستفاد
من روايات الأئمة إرادة القرآن والطهارة الشرعية:
ففي رواية ابن عبد الحميد: " المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا،
ولا تمس خطه، ولا تعلقه، إن الله يقول " لا يمسه إلا المطهرون " (4).
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام: في قوله: " لا يمسه إلا المطهرون "
قال: " من الأحداث والخباثات " (5).
وضعفهما - لو كان - منجبر بدعوى الاجماع عليه في المجمع، وباشتهاره بين
الأصحاب.
بل لعدم ثبوت دلالة الجملة الخبرية على الوجوب، كما بينا في موضعه،
وصرح به جماعة منهم الأردبيلي، وفي المدارك والبحار (6).
ومنه يظهر عدم دلالة خبر ابن عبد الحميد لجواز كون قوله: " لا تمسه "
خبرا. مع وقوع النهي فيه عن التعليق أيضا، وهو ليس حراما اجماعا. فظاهر اتحاد
السياق يشعر بعدم إرادة الوجوب في المس أيضا، وتخصيصه بالتعليق المستلزم

(1) المعتبر 1: 176، الذخيرة: 1.
(2) الخلاف 1: 100، التبيان 9: 510، مجمع البيان 5: 226.
(3) الواقعة: 79.
(،) التهذيب 1: 127 / 344، الإستبصار 1: 113 / 378، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء
ب 12 ح 3.
(5) راجع الرقم ص 216 الرقم (10).
(6) المدارك 1: 241، البحار 77: 256.
217

لمباشرة الجسد لا دليل عليه.
ولا يعارضه نهي الجنب أيضا، حيث إنه محرم إجماعا، فيتعارض السياقان
ويبقى ظهور التحريم باقيا بحاله إذ حرمة مس الجنب لا تدل على إرادتها هنا
أيضا، فلعله أريد مطلق رجحان الترك المتحقق مع كل من الكراهة والتحريم،
مع أن الاجماع في الجنب غير معلوم.
وكذا يظهر الحال في سائر الأخبار الواردة في هذا المضمار (1)، فإنها بين
المشتملة على الجملة الخبرية والمحتملة لها.
وأما صحيحة علي: عن الرجل يحل له أن يكتب القرآن في الألواح
والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال. " لا " (2) فإخراجها عن ظاهرها لازم
لمخالفته للاجماع، ومعارضته لحسنة داود: عن التعويذ يعلق على الحائض؟ قال
" نعم، لا بأس قال: وقال: (تقرؤه وتكتبه ولا تصيبه يدها) (3).
وحملها على مس الكتابة ليس بأولى من الحمل على الكراهة.
والقول بدلالتها على حرمة مس الكتابة من باب المقدمة؟ لعدم انفكاك
الكتابة عنه غالبا، فلا يضر انتفاؤه عن ذي المقدمة فاسد جدا لانتفاء التابع
بانتفاء المتبوع، مع أن عدم الانفكاك في الغالب، ممنوع.
وخلافا للحلي، والمدارك (4)، وغرر المجامع، ومحتمل المبسوط (5)، وعن
القاضي (6) للأصل، وضعف الروايات من حيث السند والدلالة، كالآية من حيث
الدلالة. وجوابه ظاهر مما مر.

(1) الوسائل 1: 383 أبواب الوضوء ب 12.
(2) التهذيب 1: 27 1 / 5 4 3، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء ب 2 1 ح 4.
(3) الكافي 3: 106 الحيض ب 9 1 ح 5، الوسائل 2: 2 34 أبواب الحيض ب 37 ح 1.
(4) السرائر: 57، المدارك 1: 241.
(5) تقدم ص 216 رقم 9.
(6) المهذب 1: 32 ونقله عنه في المختلف: 6 2.
218

فروع:
أ: التحريم مختص بالمكلف، فلا يحرم على الصبي والمجنون وفاقا.
وفي وجوب منعهما على الولي قولان، الأظهر: العدم، للأصل.
وقيل بالوجوب (1)، ولا دليل عليه.
ولا يبعد استحباب منعه على الولي تمرينا.
ب: لا تحريم في مس غير القرآن من الكتب المنسوخة، والتفسير،
والحديث، وأسماء الحجج، ولا ما نسخ تلاوته من القرآن! للأصل. دون نسخ
حكمه دون تلاوته.
وكذا لا تحريم في مس الورق، والحمل، والتعليق للأصل، والاجماع،
ومرسلة حريز الصحيحة عن حماد المجمع على تصحيح ما يصح عنه: " لا تمس
الكتاب ومس الورق) (2).
ومنها يظهر اختصاص المصحف المنهي عن مسه بالخط.
نعم، يكره التعليق! لخبر ابن عبد الحميد (3).
ج: مس كتابة المصحف يتحقق بمس جزء منه ولو قليلا، فيحرم مس كل
آية منها وأبعاضها ولو كلمة، بل ولو حرفا، ولو مثل المد والتشديد، وفاقا للأكثر
كما في اللوامع! لصدق مس المصحف.
وفي التعدي إلى الاعراب نظر، والشهرة المحققة أو المحكية الجابرة في مثله
غير معلومة، بل صدق الكتابة والخط عليه مشكوك فيه، ويؤكده خلو المصاحف

(1) المعتبر 1: 176، المنتهى 1: 76.
(2) التهذيب 1: 26 1 / 2 34، الإستبصار 1: 3 1 1 / 376، الوسائل 1: 383 أبواب الوضوء
ب 12 ح 2.
(3) تقدم ص 217.
219

السابقة عنه.
وهل يشترط التحريم بكون الممسوس مكتوبا في المصحف، أو يحرم مسها
ولو في غيره؟ الأحوط بل الأقرب: الثاني، وفاقا للأكثر كما في اللوامع! لتنقيح
المناط، ولتحريم مسها بالاستصحاب لو فصلت آية أو كلمة من المصحف،
ويسري إلى غير المفصول بعدم الفصل.
وتوهم تغير الموضوع خطأ لأن المفصول مصحف، ولو شك فيه
فتستصحب المصحفية أيضا.
ومنه يظهر الجواب لو عورض استصحاب الحرمة باستصحاب حال
العقل.
خلافا للذكرى (1) في الثانية في الدراهم! للزوم الحرج، وهو ممنوع! وخبر
ابن مسلم (2)، وهو غير دال.
نعم، يشترط في المكتوب في غير المصحف عدم احتمال كونه غير القرآن.
فلو احتمله لا يحرم ولو رقم بنية القرآن! للأصل، والشك في الصدق، واحتمال
مدخلية الامتياز الخارجي.
نعم، لو فصل غير الممتاز عن المصحف، فبقاء الحرمة للاستصحاب
محتمل بل راجح، ولا يسري إلى غيره، لعدم ثبوت عدم القول بالفصل.
د: الظاهر اختصاص التحريم بالكتابة المتعارفة، فلا يحرم مس ما كتب
مقلوبا، أو محكوكا، أو غير ظاهر، وإن ظهر بعد عمل كمقابلة النار ونحوها. وفي
الكتابة المجسمة إشكال، والاجتناب أحوط.
ولا يختص التحريم بخط دون خط، فيحرم مس المصحف المكتوب بالخط
الهندي، والكوفي، والعجمي، من الخطوط المتعارفة. وفي التعدي إلى الخطوط

(1) الذكرى: 34
(2) المعتبر 1: 88 1، الوسائل 1: 2 9 4 أبواب الجنابة ب 8 1 ح 3.
220

المجعولة والمقطعة نظر، والشهرة الجابرة غير معلومة.
ه‍: هل تجوز كتابته على جسد المحدث؟ الظاهر نعم! لعدم صدق المس.
وكذا تجوز كتابة المحدث له بالإصبع! لأن ما كتب لا يمس، وما لم يكتب
بعد ليس بمصحف.
و: لا يختص التحريم بالمس بالكف ولا بما تحله الحياة خاصة، بل يحرم المس
بجزء من البدن مطلقا ولو بالظفر والسن! لصدق المس المحرم بالخبر (1) المنجبر
فيهما. نعم، الظاهر عدم تحريم إصابة الشعر؟ للشك في صدق المس وعدم
حصول الجبر.
ز: لا يجوز المس بما غسل من أعضائه قبل تمام الوضوء؟ لعدم ارتفاع
الحدث أصلا إلا بتمامه.
المسألة السادسة: السلس - وهو من يتقاطر بوله ولا يقدر على استمساكه -
إن لم تكن له فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة، يجب عليه الوضوء لكل صلاة،
ويعفى عن الخارج في أثنائها، على الأظهر الأشهر، كما في الذخيرة وغيره (2)
أما وجوب الوضوء لكل صلاة: فلناقضية الخارج.
والشك في نقض القطرات الخارجة بغير اختيار - باعتبار الشك في شمول
إطلاقات ناقضية البول لها لندرتها - ضعيف! لأن انصراف المطلق إلى الشائع
الوجودي إنما هو إذا صلح الشيوع قرينة لإرادته وكانت مفهمة لها، وهو هنا غير
معلوم. ولو كان كذلك لم يحتج إلى التقييد بعدم الفترة بقدر الصلاة كما قيده
الأصحاب، ولم تكن القطرة الخارجة من غير صاحب السلس بلا اختيار ناقضا.
وأما العفو عن الخارج في الأثناء: فللاجماع، ولزوم التكليف بما لا يطاق إن
وجب لكل خارج، والترجيح بلا مرجح إن وجب للبعض، مع أنه لا يقدر على

(1) يعني الخبر المروي في مجمع البيان المتقدم في ص 216.
(2) الذخيرة: 39، الكفاية: 3، الرياض 1: 5 2.
221

الطهارة بشئ من الصلاة.
خلافا في الأول للمحكي عن المبسوط (1)، ومال إليه طائفة من مشايخنا (2)،
فيصلي بوضوء واحد عدة صلوات ولا يتوضأ إلا مع البول اختيارا! لاستصحاب
صحة الوضوء مع الشك في الناقضية كما مر. وضعفه قد ظهر.
ولظاهر موثقة سماعة: عن رجل يأخذه تقطير في فرجه إما دم وإما غيره،
قال: (فليضع خريطة وليتوضأ وليصل، فإنما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدن إلا
من الحدث الذي يتوضأ منه) (3).
ولا ظهور لها في مطلوبهم! لعدم تعين الوضوء المأمور به. ولا يفيد التعليل!
إذ لعله علة للعفو عن الخبث أو عن الحدث في الأثناء. ولا آخر الحديث! لجواز
أن يكون المراد بالحدث الذي يتوضأ البول والغائط.
ولحسنة ابن حازم: في الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه قال: " إذا
لم يقدر على حبسه فالله سبحانه أولى بالعذر، يجعل الخريطة " (4).
قيل: ترك الاستفصال مع قيام احتمال كون السؤال عن الأحداث
والأخباث، والجواب بأنه معذور ليس عليه شئ سوى جعل الخريطة، يفيد عدم
كون الخارج حدثا (5).
وفيه: أنه لم يجب إلا بجعل الخريطة لعدم سراية الخبث، ولم ينف عنه
وجوب شئ آخر بأدلته.
وللمنتهى فيه أيضا، فأوجب لكل صلاة وضوءا إلا للعصر والعشاء،

(1) المبسوط 1: 68
(2) الرياض 1: 25، الدرة النجفية: 12، شرح المفاتيح (مخطوط).
(3) التهذيب 1: 349 / 1027 الوسائل 1: 226 أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 9
(4) الكافي 3: 20 الطهارة ب 13 ح 5، الوسائل 1: 7 29 أبواب نواقض الوضوء ب 9 1 ح 2.
(5) شرح المفاتيح (مخطوط).
222

فاكتفى بواحد للظهرين وبآخر للعشاءين، بأن يجمع بينهما (1).
لصحيحة حريز: (إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين
الصلاة اتخذ كيسا وجعل قطنا ثم علقه عليه وأدخل ذكره فيه ثم صلى يجمع الظهر
والعصر، يؤخر الظهر ويعجل العصر بأذان وإقامتين، ويؤخر المغرب ويعجل
العشاء بأذان وإقامتين، ويفعل مثل ذلك في الصبح " (2).
فإن الجمع له ظهور في كونهما بوضوء واحد. وفيه منع ظاهر.
وإن كانت له فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة بأن يتقاطر في الأثناء مثل
مرة أو مرتين، فظاهر الأكثر أنه أيضا كمن لا فترة له.
وهو مشكل! إذ قد عرفت أن المعول فيه هو الاجماع، وتحققه فيما نحن فيه
غير معلوم! والتكليف بما لا يطاق، وانتفاؤه فيه معلوم.
وجوز بعض مشايخنا أن يلحق بالمبطون، فيتوضأ كلما أحدث ويبني على
صلاته (3).
وهو كذلك، بل عليه الفتوى؟ لخبر القماط: فيمن يجد غمزا أو أذى أو
عصرا من البول وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو
الرابعة، قال: فقال: " إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك
فيتوضأ، ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبني على صلاته من الموضع
الذي خرج منه لحاجته " (4) الحديث.
فإن إطلاقها يشمل السلس وغيره، خرج الأخير بالاجماع فيبقى الباقي.

(1) المنتهى 1: 73.
(2) الفقيه 1: 38 / 146، التهذيب 1: 348 / 1021، الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء
ب 19 ح 1.
(3) الدرة النجفية: 12.
(4) التهذيب 2: 355 / 468 1، الوسائل 7: 237 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 11.
223

ولزوم الفعل الكثير غير ضائر، كما يأتي في المبطون (1).
وإن كانت له فترة تسع الطهارة وتمام الصلاة معتادة أو مظنونة بل أو محتملة
يجب عليه التأخير إلى زمانها إن تعين، وإلى آخر الوقت إن لم يتعين، لعمومات
اشتراط الوضوء المنتقض بخروج البول مطلاقا لعمومات ناقضيته وإطلاقاتها.
ولو فجأ مثل ذلك الحدث في زمان الفترة، ففي الوضوء والبناء، أو إعادة
الصلاة في فترة أخرى إن كانت له، أو العفو، احتمالات. أظهرها: الأول! لخبر
القماط. ولا يعارضه اشتراط الطهارة ومنافاة الفعل الكثير، كما يأتي.
المسألة السابعة: حكم المبطون كالسلس بأقسامه على ما اخترناه. فالخالي
عن الفترة بقدر الوضوء وبعض الصلاة يتوضأ وضوءا واحدا؟ للاجماع، كما صرح
به في اللوامع أيضا، ولنفي العسر والحرج.
وذو الفترة الكلية أي بقدر الطهارة وتمام الصلاة ولو احتمالية يؤخرهما إلى
زمان الفترة أو آخر الوقت! لما مر.
ولو لم يؤخر واتفق التمام ففي صحة عمله إشكال. والظاهر العدم! لعدم
ثبوت مشروعية صلاته.
وذو الفترات الجزئية التي تسع الوضوء وشيئا من الصلاة يتوضأ ويبني. وكذا
ذو الفترة الكلية إن اتفق الحدث في زمانها فجأة على الأظهر الأشهر. ولا يجب عليه
التأخير إلى فترة أخرى لو كانت له! لخبر القماط المتقدم، وموثقة محمد: " صاحب
البطن يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتمم ما بقي) (2).
وتخصيصها بإرادة تجديد الوضوء بعد ما صلى صلاة ثم يرجع في الصلاة
الباقية تخصيص بلا مخصص! لشمول إطلاقها الأثناء أيضا.

(1) في ص 226.
(2) التهذيب 1: 350 / 1036، الوسائل 1: 298 أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 4.
224

وصحيحة الفضيل: أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني، أو أذى، أو
ضربانا، فقال: " انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى من صلاتك ما لم تنقض
الصلاة بالكلام متعمدا، (1) الحديث، فإنها بإطلاقها تشمل المبطون أيضا.
وخروج غيره بالاجماع - لو كان - لا يضر، وعدم التصريح فيها بخروج
الحدث لا يقدح، لأن المراد من لا يقدر على الامساك قطعا، لوجوب التحفظ مع
إمكانه، ووجوب الإعادة لو لم يتحفظ.
والقول بعدم مقاومة تلك الأخبار لما دل على اشتراط الصلاة بالطهارة
وعدم وقوع الفعل الكثير فيها، فتجب الإعادة فيما أمكن لذي الفترة الكلية الذي
فجأه الحدث، مدفوع:
أما الأول: فبمنع ثبوت اشتراط الطهارة الحاصلة أولا مطلقا، ولا دليل
عليه، وأما (2) مطلقها فيحصل في الأثناء (أيضا) (3)، ولم يثبت اشتراط
استمرارها إلى آخر الصلاة مطلقا.
وبعض الأخبار الشاملة للمقام إما معارضة بمثلها أو عامة بالنسبة إلى ما
مر، أو غير صريح الدلالة على الخلاف، كرواية ابن الجهم: عن رجل. صلى الظهر
أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال: " إن كان قال: أشهد أن لا إله
إلا الله وأن محمدا - صلى الله عليه وآله - رسول الله فلا يعيد، وإن كان لم يتشهد
قبل أن يحدث فليعد " (4).

(1) الفقيه 1: 240 / 1060، التهذيب 2: 332 / 1370، الإستبصار 1: 401 / 1533، الوسائل
7: 235 أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 9.
(2) ما بين المعقوفين، أضفناه لاستقامة العبارة.
(3) لا توجد في " ق ".
(4) التهذيب 1: 205 / 596، الإستبصار 1: 401 / 1 53 1، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع
الصلاة ب 1 ح 6.
225

فإنها معارضة مع صحيحة زرارة (1)، وموثقته (2)، وموثقة ابنه عبيد (3)، وأعم
من البطن، ومحتملة لأن يراد منها إعادة الوضوء دون الصلاة.
وأما الثاني، فبمنع كون الوضوء فعلا كثيرا، ومنع إيجاب مطلقه ولو مثل
ذلك - لو قلنا به - للبطلان.
مع أنه لو سلم الأمران جميعا، فالموثقة مقيدة لأخبارهما قطعا فيجب العمل
بها
وقد يستدل أيضا للمطلوب بمثل صحيحة محمد. (صاحب البطن
الغالب يتوضأ ويبني على صلاته) (4).
وفيه نظر! لاحتمال أن يراد بالوضوء الوضوء المأمور به أولا قبل الدخول في
الصلاة، وبالبناء عدم القطع، أي يبني على صحة صلاته ولا يقطعها بالحدث في
الأثناء، ولم يعلم انفهام المعنى المتعارف بين المتفقهة الآن من البناء في زمان
المعصوم، وإنما حملناه على المتعارف في رواية الفضيل، لقرينة قوله. " ما لم ينقض
الصلاة) (5) إلى آخره.
وغير القادر على حفظ الريح كالبطن لخبر القماط (6) ورواية الفضيل.
المسألة الثامنة: لو تيقن الطهارة أو الحدث وشك في الآخر بنى. على المتيقن
إجماعا! وهو مع الاستصحاب حجة، مضافا فيهما (7) إلى الرضوي المنجبر: فإن

(1) الكافي 3: 7 4 3 الصلاة ب 33 ح 2، التهذيب 1: 318 / 1301، الإستبصار 1:
402 / 1535، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13 ح 1.
(2) التهذيب 2: 318 / 1300.
(3) الكافي 3: 6 34 الصلاة ب 33 ح 1، الوسائل 6: 2 1 4 أبواب التشهد ب 3 1 ح 4.
(4) التهذيب 1: 350 / 1036 الوسائل 1: 298 أبواب نواقض الوضوء ب 9 1 ح 4.
(5) المتقدمة في ص 224.
(6) تقدم في ص 223.
(7) أي في تيقن الطهارة وتيقن الحدث.
226

شككت في الوضوء وكنت على يقين من الحدث فتوضأ، وإن شككت في الحدث
وكنت على يقين من الوضوء فلا ينقض الشك اليقين إلا أن تستيقن) (1).
وفي الأول (2) إلى المستفيضة:
منها. صحيحة زرارة: فإن حرك إلى جنبه شئ ولم يعلم به، قال: لا،
حتى يستيقن أنه قد نام، حتى يجئ من ذلك أمر بين، وإلا فإنه على يقين من
وضوئه، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك، ولكن ينقضه يقين آخر " (3).
وموثقة ابن بكير: " إذا استيقنت أنك قد توضأت فإياك أن تحدث وضوءا
أبدا حتى تستيقن أنك قد أحدثت) (4).
وخبر البصري: أجد الريح في بطني حتى أظن أنها قد خرجت، فقال:
" ليس عليك وضوء حق تسمع الصوت أو تجد الريح " (5) وغير ذلك.
وأما المروي في قرب الإسناد: عن رجل يكون على وضوء وشك على وضوء
هو أم لا، قال: (إذا ذكر وهو في صلاته انصرف وتوضأ وأعادها، وإن ذكر وقد
فرغ من صلاته أجزأه ذلك، (6)، فمع ضعفه بنفسه وشذوذه غير مفيد للوجوب
والاجزاء بعد الصلاة يؤكده أيضا.
وفي الثاني (7) إلى إطلاقات وجوب الوضوء للصلاة وعموماته، خرج ما خرج

(1) فقه الرضا عليه السلام: 67، المستدرك 1: 2 34 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.
(2) أي مضافا في الأول يعني به تيقن الطهارة.
(3) التهذيب 1: 8 / 11، الوسائل 1: 5 24 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1.
(4) الكافي 3: 33 الطهارة ب 2 2 ح 1، التهذيب 1: 2 10 / 268، الوسائل 1: 472، أبواب الوضوء
ب 44 ح 1.
(5) الفقيه 1: 37 / 139، التهذيب 1: 347 / 1018، الإستبصار 1: 90 / 288، الوسائل 1:
246 أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 5.
(6) قرب الإسناد 177 / 651، الوسائل 1: 473 أبواب الوضوء ب 4 4 ح 2.
(7) أي مضافا في الثاني يعني تيقن الحدث.
227

فيبقى الباقي.
وأما صحيحة محمد: رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة قال:
" يمضي على صلاته ولا يعيد " (1) فهي إنما فيما بعد الصلاة، ولا اعتبار بالشك في
الوضوء بعدها ظاهرا - كما يأتي في بحث الصلاة! وإن وجب الوضوء لصلاة
أخرى. مع أنها أعم من الشك بعد اليقين، فيجب التخصيص بالمروي في قرب
الإسناد المنجبر في المقام الذي هو أخص.
وفي حكم الشك في الصورتين الظن على الأظهر الأشهر، بل نسب إلى
ظاهر الأصحاب (2)، وأكثر ما مر يدل عليه.
وممن جعل مبنى الحكم الاستصحاب وتوهم انحصار دليله في ظن البقاء،
من توهم ابتناء الحكم على الظن ببقاء الوضوء ودورانه معه.
وفيه: عدم انحصار المبنى ودليله.
وقد يتوهم تعارض مفهومي ينقضه يقين آخر ولا ينقض اليقين بالشك،
وربما يرجع الثاني في الثاني باعتضاده بالأصل.
وفيه: أن المفهومين من باب اللقب فلا اعتبار بهما، فالاستصحاب الثابت
حجيته ولو مع ظن الزوال دال على الحكم في الصورتين بلا معارض، مضافا إلى
العمومات، وخصوص خبر البصري.
ثم اليقين والشك وإن اجتمعا في الزمان، ولكن زمان متعلقهما مختلف فلا
يرد إشكال، ولا حاجة في رفعه (3) إلى حمل اليقين على الظن أو الحدث على
السبب، مع أنهما لا يفيدان أصلا كما لا يخفى.
المسألة التاسعة: لو تيقنهما وشك في المتأخر تطهر مطلقا، وفاقا للمشهور،

(1) التهذيب 1: 101 / 264 و 102 / 267 الوسائل 1، 470 أبواب الوضوء ب 2 4 ح 5.
(2) كما نسبه في مشارق الشموس: 142.
(3) في (ق) دفعه.
228

لتكافؤ الاحتمالين الموجب لتساقطهما الرافع لليقين بالطهارة الواجب للمشروط
بها، ولعمومات وجوب الوضوء وإطلاقاته، والرضوي المنجبر بالشهرتين (1): " وإن
كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيهما أسبق فتوضأ " (2).
وإطلاقه يشمل ما لو علم وقت الحدث بالخصوص، فلا يضر عدم تكافؤ
الاحتمالين حينئذ، لأصالة تأخر الوضوء الحادث عن وقت الحدث.
ولا تنافيه الموثقة المتقدمة (3) حيث لا يقين بالحدث) لمنع عدم اليقين به،
بل هو متيقن لا محالة في زمان، ولا دليل على اشتراط تيقن لحوقه بالطهارة.
ثم ما ذكرنا من الأدلة يعم صورتي الجهل والعلم بالحالة السابقة على
الأمرين، فالحكم ثابت في الصورتين.
خلافا للكركي، وظاهر المعتبر (4)، فمع العلم يأخذ بضد السابقة؟
لانتقاضها بورود ضدها يقينا، ولا يعلم ارتفاع الضد لجواز تعاقب المثلين فيجب
استصحابه.
ويضعف. بأن ورود ضد الضد أيضا متيقن وارتفاعه غير معلوم،
فيستصحب.
فإن قبل: المعتبر من الأمرين أثرهما دون نفسهما، وتحقق أثر ضد الضد غير
معلوم لجواز التوالي فيستصحب أثر الضد،
وبعبارة أخرى: الضد هو الأثر، وحصول ضد الضد غير معلوم.
والحاصل. أن في صورة تيقن الطهارة تكون هناك طهارتان بمعني الأثر:
متيقنة ومشكوكة، وحدث بمعناه متيقن، والمتيقنة قد ارتفعت بالمتيقن، والمشكوكة
لا تعارضه فيبنى عليه، وقس عليه صورة تيقن الحدث.

(1) المحققة والمحكية، كما حكاها في كشف اللثام 1: 75.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 67، المستدرك 1: 342 أبواب الوضوء ب 38 ح 1.
(3) ص 227.
(4) جامع المقاصد 1: 236، المعتبر 1: 171.
229

وبعبارة أخرى: الحالة السابقة مرتفعة قطعا، والمضادة له متحققة كذلك وتحقق المماثلة للثانية مشكوك فيه، فتستصحب المضادة.
قلنا. وجود المماثلة بعد زمان الحالة السابقة يقيني أيضا لحصول الفعل
المماثل بعده، وهو إما قبل الضد أو بعده، وعلى التقديرين يكون الأثر المماثل
متحققا في زمانه، وارتفاعه مشكوك فيه، لاحتمال البعدية فيستصحب.
ولظاهري (1) المنتهى، والمختلف (2)، فيأخذ بمثل السابقة مع العلم، فلا
يتطهر مع العلم بالطهارة لتيقن نقضها، وعدم إمكان الطهارة عن حدث مع بقاء
السابقة، فتكون الطهارة الثانية بعد الحدث ونقضها مشكوك فيه. وقس عليه
صورة العلم بالحدث.
قيل: ذلك إنما يكون مع العلم بالتعاقب وعدم احتمال التوالي فيخرج عن
مسألة الشك (3).
قلت: ولكن قوله: ونقضها مشكوك فيه، يدخله فيها.
والظاهر أن مراده صورة العلم بالتعاقب مع احتمال التعدد في كل من
الأمرين المتحققين بعد الحالة السابقة، فيدخل في مسألة الشك، ولكن لا يكون
من المسألة المبحوث عنها، بل من السابقة، أي: تيقن الطهارة أو الحدث والشك
في رفعه، وحكمه حكمه.
المسألة العاشرة: لو تيقن ترك غسل عضو أو بعضه أو مسحه، أتى به وبما
بعده إن كان، سواء كان في أثناء الوضوء أو بعده.
ويدل على وجوب الاتيان به وجوب الاتيان بالمأمور به، وصحيحة زرارة:
" وإن تيقنت أنك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقينا " (4).

(1) عطف على قوله. خلافا للكركي.
(2) المنتهى 1: 74، المختلف: 27.
(3) روض الجنان: 43.
(4) الكافي 3، 33 الطهارة ب 22 ح 2، التهذيب 1، 100 / 261، الوسائل 1: 469 أبواب الوضوء
ب 42 ح 1.
230

وحسنة الحلبي: " إذا ذكرت وأنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من
وضوئك المفروض عليك فانصرف وأتم الذي نسيته من وضوئك وأعد
صلاتك " (1).
وعليه (2) وعلى الاتيان بما بعده وجوب الترتيب، وصحيحة زرارة: " وإن
غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع، وإن مسحت الرجل قبل
الرأس فامسح على الرأس ثم أعد على الرجل " (3).
والأخرى: عن رجل بدأ بيده قبل وجهه وبرجليه قبل يديه، قال. " يبدأ
بما بدأ الله وليعد ما كان فعل، (4).
وصحيحة ابن حازم: في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين، قال:
" يغسل اليمين ويعيد اليسار " (5).
وحسنة الحلي: " إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه
ورجليه وذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه، وإن كان إنما نسي
شماله فليغسل الشمال ولا يعيد على ما كان توضأ) (6) أي غسل، لأنه معنى

(1) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 3، التهذيب 1: 101 / 263، الوسائل 1: 470 أبواب الوضوء
ب 42 ح 3.
(2) عطف على قوله وجوب الاتيان به.. يعني يدل على وجوب الاتيان به وبما بعده وجوب
الترتيب...
(3) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 5، الفقيه 1: 28 / 89، التهذيب 1 970 / 251، الإستبصار
1: 75 / 223، الوسائل 1: أبواب الوضوء ب 34 ح 1.
(4) التهذيب 1: 97 / 252، الإستبصار 1: 73 / 224، الوسائل 1: 450 أبواب الوضوء ب 35
ح 1.
(5) التهذيب 1: 97 / 253، الإستبصار 1: 73 / 225، الوسائل 1: 451 أبواب الوضوء ب 35
ح 2.
(6) الكافي 3: 34 الطهارة ب 22 ح 4، التهذيب 1، 99 / 259، الإستبصار 1: 74 / 228،
الوسائل 1: 452، أبواب الوضوء ب 5 ح 9.
231

الوضوء.
وموثقة أبي بصير: " إن نسيت فغسلت ذراعك قبل وجهك فأعد غسل
وجهك ثم اغسل ذراعيك بعد الوجه، فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن
فأعد غسل اليمين ثم اغسل اليسار، وإن نسيت مسح رأسك حتى تغسل رجليك
فامسح رأسك ثم اغسل رجليك " (1).
وأما ما دل بظاهره على إعادة الوضوء كخبر ابن حكيم: عن رجل نسي من
الوضوء الذراع والرأس، قال: " يعيد الوضوء إن الوضوء يتبع بعضه بعضا (2).
وموثقة سماعة: " من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء الذي
ذكره الله في القرآن كان عليه إعادة الوضوء والصلاة، (3).
أو على عدم إعادة ما بعد المنسي كمرسلة الفقيه: عن الرجل يبقى من
وجهه إذا توضأ موضع لم يصبه الماء، فقال: " يجزيه أن يبله من بعض جسده " (4).
وصحيحة علي: عن رجل توضأ ونسي غسل يساره فقال: " يغسل يساره
وحدها ولا يعيد وضوء شئ غيرها " (5)..
أو على عدم غسل شئ لا المنسي ولا ما بعده كرواية محمد: " كل ما مضى
من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فأمضه ولا إعادة عليك فيه " (6)..

(1) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 6، التهذيب 1: 99 / 258 الإستبصار 1: 74 / 227،
الوسائل 1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 8.
(2) الكافي 3: 35 الطهارة ب 22 ح 9 العلل: 289 / 1 الوسائل 1: 448 أبواب الوضوء ب 33
ح 6.
(3) التهذيب 1: 102 / 266، الوسائل 1: 451، أبواب الوضوء ب 35 ح 5.
(4) الفقيه 1: 36 / 133، عيون الأخبار 2: 22 / 49، الوسائل 1: 472، أبواب الوضوء ب 43
ح 1.
(5) التهذيب 1: 98 / 257 الإستبصار 1: 73 / 221، قرب الإسناد 177 / 650، الوسائل
1: 452 أبواب الوضوء ب 35 ح 7.
(6) التهذيب 1: 364 / 1104، الوسائل 1: 471، أبواب الوضوء ب 42 ح 6.
232

فلا يصلح (1) للاحتجاج لمخالفتها لعمل الكل الموجب لشذوذها، المخرج
إياها عن الحجية.
مضافا إلى ما في الأول، من عدم الدلالة على الوجوب.
وفي الثاني، من ظهوره في حال جفاف الكل الموجب للإعادة إجماعا بقرينة
إعادة الصلاة إذ مع الاتيان بها لا يبقى البلل غالبا.
وفي الثالث، أنه غير دال على عدم غسل ما بعده، فإنه يحتمل أن يكون
المراد الاجزاء في غسل هذا الموضع المنسي ببلة بعض جسده وعدم الاحتياج إلى
ماء آخر.
وفي الرابع، أن الوضوء حقيقة في الغسل، فمفاده أنه لا يعيد غسل شئ
آخر، ولا ينافي وجوب المسح عليه بعد ذلك.
وفي الخامس، من الاجمال المسقط للاستدلال، فإن قوله: (ذكرته) كما
يمكن أن يراد به تذكر تركه، يمكن أن يراد به تذكر فعله تذكرا ما، أي ولو
بالاحتمال البعيد، ولم يتيقن بتركه. ويكون المراد بقوله: " مضى " الخروج عنه.
وتكون لفظة " من " بيانية أو تبعيضية. والمراد بالمضي الفراغ من الفعل، فيكون
مرجعه إلى الشك بعد الفراغ.
وخالف الإسكافي في إعادة ما بعده إذا كان المتروك دون الدرهم، واكتفى
بغسل المتروك خاصة (2)، واستند برواية (3) غير ثابتة عندنا.
هذا إذا ذكر قبل الجفاف المبطل، وإلا استأنف إجماعا، ووجهه ظاهر.

(1) خبر لقوله قبل سطور: وأما ما دل بظاهره.....
(2) نقله عن الإسكافي في المختلف: 27.
(3) نقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال. قد روى توقيت الدرهم ابن سعيد عن زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام، وابن منصور عن زيد بن علي، ومنه حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه
وآله. وقال الشهيد في الذكرى - بعد نقل كلام ابن الجنيد -: إن الأصحاب لم يعتبروا مذهب أبي
علي والأخبار لم تثبت عندهم. وراجع سنن البيهقي 1: 84.
233

ويدل عليه إطلاق خبر ابن حكيم، وموثقة سماعة، الخالي عن الشذوذ في
المقام.
وبه وبما مر في مسألة الموالاة (1) تقيد الاطلاقات، مع عدم تصريح فيها بما
ينافي المطلوب.
المسألة الحادية عشرة. لو شك في فعل من أفعال الوضوء بإما يكون قبل
الفراغ أو بعده. فعلى الأول يأتي به وبما بعده، ولا يستأنف إلا مع جفاف ما قبله
للاجماع في الكل، والأصل، والاستصحاب في الأول (2) وأدلة الترتيب في
الثاني، والأصل وعدم المتقضي؟؟ في الثالث، وأدلة الإعادة مع الجفاف في الرابع.
مضافا في الأول إلى صحيحة زرارة: " إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر
أغسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنك لم تغسله أو
تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء " (3).
بل في الثاني أيضا حيث إن الشك في السابق يوجب الشك في الغسل
والمسح الصحيحين اللذين هما المرادان منهما في اللاحق أيضا.
ولا ينافيها موثق ابن أبي يعفور: " إذا شككت في شئ من الوضوء وقد
دخلت في غيره فليس شكك بشئ، إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه) (4) حيث
دل صدره على عدم إعادة شئ مع الدخول في غيره، ومفهوم ذيله على عدم اعتبار
الشك في شئ إذا لم يكن فيه لجواز رجوع ضمير " غيره " في صدره إلى الوضوء،

(1) في ص 146.
(2) المراد بالأول، وجوب الاتيان بالمشكوك المستفاد من فوله: " يأتي به "، والمراد بالثاني وجوب الاتيان
بما بعده، وبالثالث عدم استيناف الوضوء في غير صورة الجفاف، وبالرابع وجوب الاستيناف في
صورة الجفاف.
(3) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 2، التهذيب 1: 100 / 261، الوسائل 1: 469، أبواب الوضوء
ب 42 ح 1.
(4) التهذيب 1: 101 / 262، مستطرفات السرائر: 25 / 3 الوسائل 1: 469 أبواب الوضوء
ب 42 ح 1.
234

وعدم إفادة ذيله الحصر إن أريد مفهوم الحصر كما بينا في الأصول (1)، مع عدم
لزوم اتحاد الشيئين، فيمكن أن يراد بالأخير الكل، وتغايرهما مع التنكير جائز
بل راجح كما قيل في تكرر العسر واليسر في الآية (2)، ومنه يعلم عدم الدلالة لو
أريد مفهومه الشرطي.
ولو سلم الجميع فيكون الموثق أعم مطلقا من الصحيحة، فيجب تخصيصه
بها. ولو قطع النظر عنها فهو لا يقاومها، لشذوذه. ولو سلم فالمرجع إلى الأصل،
وهو معها.
ومما ذكر ظهر عدم ضرر في مرسلة الواسطي أيضا: أغسل وجهي ثم أغسل
يدي ويشككني الشيطان أني لم أغسل ذراعي ويدي، قال: " إذا وجدت برد الماء
على ذراعك فلا تعد " (3) مع أن مع وجدان برد الماء يخرج عن الشك.
وكذا يظهر الجواب عن المعتبرة الدالة على عدم العبرة بالشك مع تجاوز
المحل، كموثقة ابن مسلم. " كلما شككت فيما مضى فأمضه كما هو " (4) وصحيحة
زرارة: " إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ) (5) لكون
الجميع أعم مطلقا مما مر.
مع أن الظاهر من بعض تلك الأخبار إرادة الشك في جزء الفعل والدخول
في غير الفعل، فإن الخروج من شئ والدخول في غيره لا يكون إلا مع العلم
بالتلبس به، وحصوله في الوضوء ظاهر، وأما في الفعل المشكوك فمعلوم الانتفاء
فلا يعلم شمول تلك الروايات لمثل المقام.

(1) من أن لفظة إنما لا تفيد الحمر على الأقوى (منه ره).
(2) حكاه من الفراء في مجمع البيان 5: 509.
(3) التهذيب 1: 364 / 1103، الوسائل 1: 470 أبواب الوضوء ب 42 ح 4.
(4) التهذيب 2: 344 / 1426 بتفاوت يسير الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة
ب 23 ح 3،
(5) التهذيب 2: 352 / 1459، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.
235

ولا فرق فيما ذكر بين النية وغيرها، فلو شك فيها، أتى بها وبما بعدها
للأصل والاستصحاب المذكورين، مضافا إلى الاجماع المركب، وعدم المعارض
لما عرفت في الأخبار من عدم الدلالة.
وهل الحكم يعم كثير الشك أيضا، أم يخص بمن عداه وهو لا يلتفت إلى
شكه؟
الحق: هو الثاني، وفاقا لصريح السرائر، والكركي، والذكرى (1)،
واللوامع مصرحا فيه بعدم العثور على مصرح بالخلاف، واستقربه في نهاية
الإحكام (2)، ونفى عنه البعد في المدارك (3)! لنفي العسر والحرج.
ومفهوم التعليل في صحيحة زرارة، وأبي بصير في كثير الشك في الصلاة،
بعد الأمر بالمضي في الشك فيها:، لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة
فتطمعوه، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم ولا
تكثرن نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليك) (4).
وظاهر خصوص صحيحة ابن سنان: ذكرت له رجلا مبتلى بالوضوء
والصلاة وقلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبد الله عليه السلام: " وأي عقل له
وهو يطيع الشيطان؟ " فقلت: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: " سله هذا الذي
يأتيه من أي شئ؟ فإنه يقول لك: إنه من عمل الشيطان) (5).
وصرح في مرسلة الواسطي، المتقدمة أيضا. " إن الشك من الشيطان ".
بل يدل عليه التعليل في رواية علي بن أبي حمزة - بعد السؤال عن رجل شك في

(1) السرائر 1: 104، جامع المقاصد 1: 237، الذكرى: 98.
(2) نهاية الإحكام 1: 61.
(3) المدارك 1: 257.
(4) الكافي 3: 358 الصلاة ب 43 ح 2، التهذيب 2: 188 / 747، الإستبصار 1: 374 / 1422،
الوسائل 8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 2.
(5) الكافي 1: 12 العقل والجهل ح 10، الوسائل 1: 63 أبواب مقدمة العبادات ب 10 ح 1.
236

صلاته، وجوابه بأنه يمضي في صلاته ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم - بقوله:
" فإنه يوشك أن يذهب عنه " (1).
وفي صحيحة محمد " إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك، فإنه
يوشك أن يدعك، إنما هو من الشيطان " (2) وظاهر أن المراد بالسهو فيها الشك
بالاجماع. علل الامضاء بقوله: " يوشك أن يدعك "، وهو جار في ذلك المورد
أيضا. ويؤكده بعض العمومات المتقدمة (3)، الخالي في المقام عن الشذوذ.
خلافا لظاهر إطلاق من أطلق وهو جماعة، فالأول؟ للأصل،
والاستصحاب، وإطلاق الصحيحة المتقدمة (4).
ويندفع الأولان، ويقيد الثالث بما مر، مع إمكان الخدش في الأخير باعتبار
كون المواجه بالخطاب خاصا، وكونه كثير الشك غير معلوم، والاجماع على
الاشتراك والتعميم منتف قطعا.
وكثرة الشك هنا تناط إلى العرف، ولا يبعد كون من شك ثلاثا متواليا كثير
الشك في الصلاة.
وعلى الثاني، أي: كون الشك بعد الفراغ لم يلتفت إليه إجماعا محققا ومحكيا
مستفيضا (5) وهو الحجة.
مضافا إلى مفهوم ما مر في صحيحة زرارة، المتقدمة (6)، ومنطوق ما بعده

(1) الفقيه 1: 230 / 1022، التهذيب 2: 188 / 746، الإستبصار 1: 374 / 1421، الوسائل
8: 228 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 4.
(2) الكافي 3: 359 الصلاة ب 43 ح 8، الفقيه 1: 224 / 989 بتفاوت يسير، التهذيب 2:
343 / 1424 بتفاوت يسير، الوسائل 8: 227 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 16 ح 1.
(3) في ص 235.
(4) في ص 234.
(5) حكاه في المنتهى 1: 75، والايضاح 1: 42.
(6) في ص 234.
237

من قوله: " فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة
أو في غيرها، فشككت في بعض ما سمى الله مما أوجب الله عليك فيه وضوءا فلا
شئ عليك،.
وما مر من موثقتي ابن أبي يعفور ومسلم (1)، والصحيحة الأخرى لزرارة (2)
وصحيحتي بكير، ومحمد:
الأولى: الرجل يشك بعد ما يتوضأ، قال: " هو حين ما يتوضأ أذكر منه
حين يشك " (3).
والثانية: رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة، قال: " يمشي على
صلاته ولا يعيد، (4).
وأما ما تضمنته صحيحة زرارة الأولى من المسح عند الشك بعد الفراغ لو
وجد البلل، فهو بالاجماع ليس بواجب.
والمعتبر في الحكم إنما هو إتمام الوضوء دون الانصراف من الحالة المتحققة
حين الوضوء من القيام أو الجلوس، على الأشهر الأظهر، كما صرح به جمع ممن
تأخر (5)، بل في المدارك وعن جده: الاجماع عليه (6) للموثقتين، والصحيحتين
المتعقبتين لهما.
ولا تنافيها صحيحة زرارة الأولى (7).
أما مفهوم قوله: (إذا كنت قاعدا على وضوئك " فلأن المراد منه الاشتغال

(1) في ص، 234 و 235.
(2) الإستبصار 1: 73 / 224، الوسائل 1: 450، أبواب الوضوء ب 35 ح 1.
(3) التهذيب 1: 101 / 265، الوسائل 1: 471، أبواب الوضوء ب 42 ح 7.
(4) التهذيب 1: 101 / 264، الوسائل 1: 470، أبواب الوضوء ب 42 ح 5.
(5) منهم صاحب الرياض 1: 27.
(6) المدارك 1: 257، الروضة 1: 81.
(7) المتقدمة في ص 234.
238

بقرينة التعدية ب‍ (على)، ولظهور عدم اعتبار القعود في الوضوء. مع أن مفهومه
لو اعتبر، لكان مدلوله أنه لو توضأ فإنما لم يكن الحكم كذلك، وهو كما ترى.
وبالجملة لو أريد منه ظاهره لاحتاج إلى تجوزات ليست أولى من الحمل على
الفراغ.
وأما منطوق قوله: (ما دمت في حال الوضوء " فلاحتمال كون الإضافة
بيانية.
وأما مفهوم قوله. (فإذا قمت " إلى آخره: فلأن معنى القيام من شئ الفراغ
منه، ولو سلم، فيحتاج إلى تجوز وتخصيص ليس بأولى من حمله على الفراغ.
ومن ذلك يظهر ضعف قول من اشترط القيام من الوضوء ولو تقديرا،
مستندا إلى الصحيحة.
ثم إتمام الوضوء والفراغ منه إنما يتحقق بإكمال العضو الأخير منه ولو لم
يدخل بعد في فعل آخر، فلا يلتفت إلى الشك بمجرده إذا كان الشك في غير
العضو الأخير.
وأما إذا كان فيه فعدم الالتفات إليه إنما هو بالاعراض عن الوضوء، أو
الدخول في فعل آخر غير الوضوء، فإنه لا يلتفت حينئذ لصدق الفراغ،
والخروج، والدخول في الغير، والمضي، وبعد التوضؤ، المعلق على كل منها الحكم
فيما تقدم من الأخبار.
وأما ما لم يتحقق الاعراض ولا الدخول في فعل آخر فيجب الاتيان به
لعدم القطع بالفراغ والاتمام.
المسألة الثانية عشرة: من ترك غسل أحد المخرجين عمدا وصلى، أعاد
الصلاة إجماعا. وكذا لو تركه نسيانا على الأظهر، وفاقا للأكثر، كما صرح به
جماعة (1)، للمستفيضة كصحيحتي زرارة، وابن أبي نصر، ومرسلة ابن بكير،

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 43، ونسبه في الذخيرة 19، والحدائق 2: 22 إلى الشهرة.
239

الواردة في مخرج البول.
الأولى: توضأت يوما ولم أغسل ذكري ثم صليت، فسألت أبا عبد الله عليه
السلام عن ذلك، فقال: " اغسل ذكرك وأعد صلاتك " (1).
والثانية: أبول وأتوضأ وأنسى استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت، قال:
" اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد وضوءك " (2).
والثالثة: في الرجل يبول وينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضأ ويصلي، قال:
" يغسل ذكره ويعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء " (3).
وموثقة سماعة، الواردة في البول والغائط: " إذا دخلت الغائط فقضيت
الحاجة فلم تهرق الماء، ثم توضأت ونسيت أن تستنجي، فذكرت بعد ما صليت،
فعليك الإعادة. وإن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت،
فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك، لأن البول مثل البراز " (4) وفي بعض
نسخ الكافي كما نقله بعض الأجلة: " ليس مثل البراز ".
فإن قوله أولا: " فعليك الإعادة " وإن احتمل إرادة إعادة الوضوء أو مع
الصلاة الموجبة للحمل على الاستحباب لعدم وجوب إعادة الوضوء عند جل
الأصحاب، إلا أن أصالة الحقيقة في قوله: " فعليك " التي هي الوجوب المختص
بالصلاة تعين الحمل على إرادة إعادة الصلاة.

(1) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 14، التهذيب 1: 47 / 135، الإستبصار 1: 53 / 152،
الوسائل 1: 295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 7.
(2) التهذيب 1: 46 / 133، الإستبصار 1: 52 / 150 الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء
ب 18 ح 3.
(3) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 16، الوسائل 1: 294 أبواب نواقص الوضوء ب 18 ح 2.
(4) الكافي 3: 19 الطهارة ب 12 ح 17، التهذيب 1: 50 / 146، الإستبصار 1: 55 / 162،
الوسائل 1: 319 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 5. البراز: كناية عن ثفل الغذاء، وهو الغائط.
الصحاح 3: 864.
240

[ولا يضر في وجوب إعادتها في البول ضم إعادة الوضوء المستحبة مع
الصلاة في قوله ثانيا " فعليك... "] (1) إذ إرادة مطلق الرجحان في موضع مجازا
بقرينه لا تنافي الوجوب الثابت بدليل آخر.
ومنه يظهر أنه لا يضر في وجوب إعادتها في الغائط أيضا جعله مثل البول،
لتحقق المماثلة في مطلق الرجحان بينهما.
خلافا للمنقول عن العماني، فلم يوجب الإعادة مطلقا (2)، بل جعلها أولى
بحمل رواياتها على الأولوية، لمعارضة أخبار الإعادة في البول مع خبري ابن أبي
نصر وهشام.
الأولى. صليت فذكرت أني لم أغسل ذكري بعد ما صليت أفأعيد؟ قال:
" لا " (3).
والثانية: في الرجل يتوضأ وينسى غسل ذكره وقد بال، فقال: " بغسل ذكره
ولا يعيد الصلاة " (4).
وفي الغائط مع صحيحة علي وموثقة عمار.
الأولى: عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء، قال:
" ينصرف ويستنجي من الخلاء ويعيد الصلاة، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته،
أجزأه ذلك ولا إعادة عليه " (5).

(1) ما بين المعقوفين في جميع النسخ هكذا: ولا يضر المستحبة ضم إعادة الوضوء في وجوب إعادتها في
البول مع الصلاة في البول في قوله ثانيا " فعليك ". وهي كما ترى مشوشة، فأصلحناها بما في المتن.
(2) نقله عنه في المختلف: 20.
(3) التهذيب 1: 51 / 148، الإستبصار 1: 56 / 163 الوسائل 1: 295 أبواب نواقض الوضوء
ب 18 ح 6.
(4) التهذيب 1: 48 / 140، الإستبصار 1: 54 / 157، الوسائل 1: 317 أبواب أحكام الخلوة
ب 10 ح 2.
(5) التهذيب 1: 50 / 145، الإستبصار 1: 55 / 161، قرب الإسناد: 196 / 744، الوسائل 1:
318 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 4.
241

والثانية: " لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد
الصلاة " (1).
ويضعف الكل: بأنها شاذة، ولشهرة القدماء مخالفة، فعن درجة الحجية
خارجة، فللتعارض مع ما مر غير صالحة.
وللفتيه (2) ووالدي العلامة - طاب ثراهما - في غسل الغائط خاصة، فلم
يوجبا في تركه الإعادة؟ للأخرتين الخاليتين عن المعارض، إذ ليس إلا موثقة
سماعة (3)، وهي ضعيفة الدلالة، لما مرت إليه آنفا الإشارة سيما على نسخة نفي
المماثلة.
ويضعف الأخيرتان بما مر من الشذوذ والمخالفة، ويقوى ضعف دلالة
الموثقة بما ذكرنا ثمة، وعدم حجية في النفي المذكور لاختلاف النسخ.
وللإسكافي فيه وفي غسل البول في خارج الوقت، فلم يوجب الإعادة،
وخصها بالوقت في ترك غسل مخرج البول (4) ولعل المخالفة الأولى لمثل ما مر
للصدوق مع جوابه، والثانية للجمع بين الأخبار المضعف بما مر مع عدم
الشاهد.
وللمقنع، فخص الإعادة بالوقت لمن تمسح بالأحجار خاصة دون خارجه
وغير المتمسح (5) لموثقة عمار: في من نسي أن يغسل دبره بالماء حتى صلى إلا أنه
قد تمسح بثلاثة أحجار، قال: " إن كان في وقت تلك الصلاة فليعد الوضوء وليعد
الصلاة، وإن كان قد مضى وقت تلك الصلاة التي صلى فقد جازت صلاته

(1) التهذيب 1: 49 / 143، الإستبصار 1: 55 / 159، الوسائل 1: 318 أبواب أحكام الخلوة
ب 10 ح 3.
(2) الفقيه 1: 21.
(3) المتقدمة في ص 240.
(4) نقله عنه في المختلف: 19.
(5) المقنع: 5.
242

وليتوضأ لما يستقبل " (1).
ولا يخفى أن هذا الخبر عن المورد خارج، وحمله على الاستحباب لازم؟
لكفاية التمسح بالأحجار إجماعا.
ثم إن هذه المسألة ليست عين مسألة الصلاة مع نجاسة الثوب أو البدن،
كما توهم (2)، بل هذه غيرها كما صرح به والدي وغيره ويدل عليه تفاوت أقوالهم
في المسألتين.
والجهل بالأصل أو الحكم كالنسيان، لترك الاستفصال في الصحيحة
الأولى (3)، بضميمة الاجماع المركب في الغائط. بل الظاهر تحققه في نفس المورد
أيضا لعدم فصل أحد بين الجهل والنسيان.
ولا تجب إعادة الوضوء. خلافا لنادر (1) لبعض الأخبار (5) المعارض بأكثر
منه، المرجوح عنه بالشذوذ.
المسألة الثالثة عشرة من ذكر ترك واجب من الوضوء بعد الصلاة أعادهما،
للأصل، وموثقة سماعة: " من نسي مسح رأسه أو قدميه أو شيئا من الوضوء كان
عليه إعادة الوضوء والصلاة " (6).
ولو ذكر في أثنائها، قطعها واستأنفها بعد إعادته لو جف للمستفيضة (7).
المسألة الرابعة عشرة: لو توضأ وضوءين وصلى بعدهما، ثم ذكر خللا في
أحدهما، صحت صلاته مطلقا على الأقوى لصحة أحد الوضوءين الكافية في

(1) التهذيب 1: 45 / 127، الإستبصار 1: 52 / 149، الوسائل 1: 317 أبواب أحكام الخلوة
ب 10 ح 1.
(2) كما في المدارك 1: 258، والحدائق 2: 24.
(3) المتقدمة في ص 240 رقم 1.
(4) هو الصدوق في المقنع: 4، والفقيه 1: 21.
(5) الوسائل 1: 317، 319 أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 1، 5.
(6) التهذيب 1: 102 / 266، الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3 ح 3.
(7) الوسائل 1: 370 أبواب الوضوء ب 3.
243

صحة الصلاة مطلقا، على المختار من كفاية نية القربة.
وبه يندفع استصحاب حكم الحدث السابق في بعض الاحتمالات، حيث
لا قطع بالمزيل، لاحتمال الخلل في الأول، وعدم صحة الثاني، لعدم (1) اشتماله
على ما يشترط في النية، لمنع ذلك.
والقول بأنه لو أوقعهما أو أحدهما بنية الندب مع ظهور الوجوب لم يصح،
لعدم شرعية المندوب مع الشغل بالواجب (2)، مدفوع: بمنع ذلك، مع أن مناط
التكليف هو اعتقاد المكلف دون الواقع، فهو عليه مندوب حين الوضوء.
وبذلك يندفع ما يستشكل به على بعض صور المسألة على اعتبار نية الوجه
أو الاستباحة.
مع أنه لو سلم بطلان الأخير باعتبار عدم وقوعه على وجهه المعتبر، أو عدم
كونه مبيحا، لعدم قصد الإباحة فيه، يكفي صحة الأولى في المقام. ولا عبرة
باحتمال كون الخلل فيه لكونه شكا بعد الفراغ، فتشمله أخبار عدم اعتبار الشك
حينئذ، كما اختاره في البشرى (3)، والمنتهى (4)، وبعض الأجلة من المتأخرين (5).
والقطع بترك في أحدهما لا يوجب القطع بالترك في خصوص أحدهما ولا
يخرجه عن الشك.
ودعوى تبادر غير مثل ذلك عن أخباره ممنوعة جدا.
ومن ذلك يظهر أنه لو صلى بكل واحدة صلاة، صحت الصلاتان معا
مطلقا.
وادعى والدي - رحمه الله - الوفاق على إعادة الأولى هنا. وهو عندي غير

(1) في (ح) بعدم.
(2) قاله في كشف اللثام 1: 65.
(3) نقله عنه في البيان: 52.
(4) المنتهى 1: 75.
(5) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 76.
244

ثابت، بل يظهر من كلامه - رحمه الله - عدم ثبوته عنده وإرادته (1) السكوتي.
والحاصل: أن عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ أصل ثابت من
نصوصه، فلا يلتفت إليه بالنسبة إلى شئ من الوضوءين، نظير وجدان المني في
الثوب المشترك.
نعم، لو فرض توقف أمر على الوضوءين معا، جاء بطلانه، ولكنه غير
متحقق، بل يكفي صحة الأول خاصة لصحة الصلاتين مطلقا.
والملخص: أن الشك في الثاني غير مضر بعد صحة الأول في صحة الصلاة
مطلقا، والأول محكوم بالصحة للفراغ عنه.
وكذا الحكم لو علم الخلل في طهارتين من ثلاث، أو ثلاث من أربع أو
أربع من خمس.
فرع:
لو صلى بكل منهما صلاة وتيقن الحدث بعد واحدة من الطهارتين، تجب
عليه الطهارة للصلاة اللاحقة مطلقا لأنه متيقن بالحدث والوضوء الشاك في
المتأخر.
وأما الصلاتان السابقتان فإن علم أن الحدث عقيب الصلاة، صحت
الصلاتان معا.
وإن شك أنه قبلها أو بعدها، فمقتضى قاعدة استصحاب شغل الذمة
بكل من الصلاتين، واستصحاب عدم امتثاله وعدم الاتيان به: وجوب إعادتهما
معا، كما عليه الأكثر.
ولكن مقتضى قاعدة عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ: صحتهما معا، كما
جوزه بعض الأجلة (2). وهو الأقوى، لاندفاع الأصول الاستصحابية به، وعدم

(1) في (ق) وأراد به.
(2) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 76.
245

تحقق دليل ولا ثبوت إجماع على خلافه.
وإن علم أنه قبل الصلاة فيعيدهما معا لأن هنا شكا في البطلان متعلقا
بكل من الصلاتين، وقطعا فيه متعلقا بواحد لا بعينه. والأول وإن لم يلتفت إليه
لكونه بعد الفراغ، ولكن الثاني لكونه قطعا يلتفت إليه قطعا، نظير ثلاثة أوان
مشتبهة، واحد منها نجس، فيجتنب عن الكل وإن لم يجتنب عن غير واحد.
فاللازم النظر فيما يستتبع ذلك القطع، ومقتضاه: إعادة الصلاتين لأنه
مقتض للقطع باشتغال الذمة بصلاة معينة واقعا وإن لم يعلمها بعينها، ولا يحصل
القطع بالبراءة بفعل واحد منهما، فيستصحب ذلك الاشتغال حتى يأتي بهما معا.
وفي حكم ما إذا علم أنه قبلها ما لو علم وقت الحدث بعينه دون الصلاة،
فبحكم أصالة تأخر الحادث يحكم بتأخر الصلاة.
ثم لو كانت الصلاتان مختلفتين عددا، أتى بهما جميعا.
وإن اتفقتا، فالأظهر الموافق لقول الأكثر: أنه يأتي بواحدة ناويا له ما في
الذمة، لأصالة البراءة عن الزائد، لأن ما اشتغل به صلاة واحدة يقينا لا غير،
ولا دليل على الزائد إلا عدم تعينها في نظره، وهو غير موجب للتعدد بوجه،
ولا موجب له إلا عدم إمكان تعينها في النية، وهو غير موجب لعدم لزومه إذ
اشتراط التعيين لأجل التميز وانطباق الفعل على المأمور به واقعا، وهو هنا
حاصل، لاتحاده وتعينه في الواقع وإن لم يتعين في نظر المكلف.
ويؤيده أيضا: النص الدال على الاجتزاء بالثلاث لمن نسي فريضة مجهولة
من الخمس (1).
وحسنة زرارة: " وإن نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في
الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر، فإنما هي أربع مكان

(1) الوسائل 8: 275 أبواب قضاء الصلوات ب 11.
246

أربع، (1).
خلافا للشيخ (2) والحلبيين (3)، فيعيد الصلاتين، تحصيلا لليقين بالبراءة،
اعتبارا للجزم في النية، لقوله: " من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته " (4) والفائتة
كانت بنية معينة، ومراعاة لاختلاف حالهما في الجهر والاخفات.
والأول مندفع: بأن الشغل ليس إلا بواحدة وقد فعلها، فيحصل اليقين
بالبراءة.
والثاني: بأنه لا ترديد في النية.، بل ينوي ما في الذمة، وعدم علمه به غير
ضائر، ولو سلم فلا ضرر في مثل هذا الترديد، كما مر في بحث النية.
وقوله: " كما فاتته " لا دلالة له إذا المتبادر منه أفعاله الخارجية، مع أنه لم
يجب التعيين في النية في الأصل أيضا إلا في صورة الاشتباه لأجل دفعه، فكذا
هاهنا.
والثالث: بمنع وجوب الجهر أو الاخفات هنا، بل هو مخير - وادعى في
المعتمد الوفاق عليه - لأن الجهر مثلا إنما هو فيما يعلم أنه عشاء، وأما ما لا يعلم
فلا دليل على وجوبه فيه.
ثم بما مر يعلم حال ما إذا أحدث حدثا واحدا عقيب ثلاث طهارات، أو
أربع، أو خمس، من المتمم والمقصر، سواء كانت الكل تجديدية أو لا، ولا ترتيب

(1) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158 / 340، الوسائل 4: 290 أبواب
المواقيت ب 63 ح 1.
(2) المبسوط 1: 24.
(3) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 562، وأبو الصلاح في الكافي، 150، وهما وإن لم يذكرا
الفرع بعينه، ولكن يمكن استفادته مما ذكراه - فيمن فاتت منه صلاة واحدة من الخمس غير معلومة
- أنه يقضي الخمس بأسرها، فتأمل.
(4) عوالي اللآلي 3: 107 / 150.
247

أصلا، لاتحاد الفائتة، ففي الخمس مثلا المتمم يعيد ثلاثا (1)، والمقصر اثنتين (2).
ولو علم فساد طهارتين من يوم قبل الصلاة، فالمتمم يعيد أربعا والمقصر
ثلاثا مع مراعاة الترتيب، بأن يصلي الأول ثنائية فرباعية فثلاثية فرباعية، والثاني
ثنائية فثلاثية فثنائية.
ولو علم فساد ثلاث من يوم أو أربع، يجب الخمس في التمام والأربع في
القصر.
وبما ذكر يمكن استخراج حكم ما إذا علم فساد الطهارتين أو أكثر من أكثر
من يوم متمما كان أو مقصرا أو متبعضا أو مشتبها عليه الحال.

(1) يعني ثنائية فرباعية فثلاثية.
(2) يعني ثنائية فثلاثية.
248

الباب الثاني:
في الأغسال
وهي واجبة ومندوبة، فهنا مطلبان:
المطلب الأول
في الواجبة منها
وهي ستة نذكر في فصول ستة:
249

الفصل الأول:
في غسل الجنابة
والكلام فيه إما في سبب الجنابة، أو أحكام الجنب، أو غاية غسلها، أو
واجباته، أو آدابه، أو أحكامه، ففيه أبحاث:
البحث الأول: في سببها، وهو أمران:
الأمر الأول: خروج المني. ولا بد أولا من بيان أن حقيقة المني هل هو الماء
المسبوق بالشهوة المقارن للتلذذ المعقب للفتور؟ بأن تكون تلك الأوصاف أجزاء
حقيقته أو من لوازم ذاته، كما صرح بعض العامة (1)، وسمعته من بعض أرباب
المعقول قال: إن المني إنما يتكون في الأنثيين حال التلذذ لأجله فيدفع، ويشعر به
كلام بعض فقهائنا المتأخرين أيضا (2)، تمسكا بالوجدان وبالأخبار النافية للغسل
مع انتفائها. أو هو حقيقة معينة خارجة عنها تلك الأوصاف غير لازمة لها وإن
كانت معروضة لها غالبا؟ كما هو الظاهر من كلام الأكثر، لما دل على إمكان العلم
بكون الخارج منيا بدون العلم بتلك الأوصاف، كالأخبار الواردة فيمن وجد (3)
المني في ثوبه ولم ير أنه احتلم، ولما دل على وجوب الغسل بخروج (4) الماء المشتبه
بعد الغسل وقبل الاستبراء مع فقده تلك الأوصاف. أو لا يعلم شئ من
الأمرين؟ فيتوقف، لضعف متمسك القولين.
أما الأول من الأول: فلأن المسلم من الوجدان أن ما جمع الأوصاف مني،

(1) نقل ابن قدامة في المغني 1: 230 عن أبي حنيفة ومالك وأحمد أن الموجب للغسل خروج المني:
وهو الماء الغليظ الدافق الذي يخرج عن اشتداد الشهوة.
(2) قد يشعر به كلام المدارك 1: 226،
(3) في (ق): في وجدان.
(4) في (ق). لخروج.
251

دون أن ما لم يجمعها ليس منيا، ولذا قد يعلم كون الخارج منيا بدون العلم بتلك
الأوصاف.
وأما الثاني منه: فلأنه يمكن أن يكون نفي الغسل في فاقد الأوصاف لأجل
عدم العلم بكونه منيا، لا للعلم بعدمه.
وأما الأول من الثاني: فلأن طريق العلم بوجود شئ لا ينحصر في معرفة
جميع أجزائه الحقيقية أو لوازمه الذاتية، فقد يعرف وجود المني بأمر آخر غير تلك
الأوصاف، ولا يعلم وجود ذلك الأمر فيما علم فيه فقد تلك الأوصاف.
وأما الثاني منه. فلأن الخارج بعد الغسل قبل الاستبراء يمكن أن يكون
من بقية ما اجتمعت فيه الأوصاف الخارج أولا.
والحق، هو الثالث، لما ذكر.
إلا أن في مرسلة ابن رباط. " فأما المني فهو الذي يسترخي العظام ويفتر منه
الجسد وفيه الغسل) (1) ومقتضى أصالة الحقيقة في الحمل كون ذلك من حقيقته.
والمروي في نوادر الراوندي عن النبي صلى الله عليه وآله: " فأما المني فهو
الماء الذي تكون منه الشهوة " (2).
وإذا عرفت ذلك، فنقول. إنهم صرحوا بأن خروج ما علم أنه مني موجب
للغسل مطلقا، سواء كان خروجه في اليقظة أو النوم، وكان خارجا من الرجل أو
المرأة، وكان الخارج مع الشهوة والتلذذ والفتور أو لا، إن فرض العلم به بدون
الأوصاف.
وهو محل الوفاق بين علماء الإسلام كافة إذا كان خارجا من الرجل مع
الأوصاف، وأخبار الفريقين به متواترة معنى بلا معارض (3). وبين علمائنا خاصة

(1) التهذيب 1: 20 / 48 الإستبصار 1: 93 / 301، الوسائل 2: 190 أبواب الجنابة ب 7
ح 17.
(2) نوادر الراوندي: 45 المستدرك 1: 237 أبواب نواقض الوضوء ب 10 ح 2
(3) الوسائل 2: 194 أبواب الجنابة ب 8، صحيح مسلم 1: 269.
252

كما صرح به جماعة (1) إذا كان خارجا منه بدون الأوصاف كلا أو بعضا وهو الحجة
فيه.
مضافا إلى إطلاقات وجوب الغسل بالماء الأكبر (2)، وعموم موثقتي سماعة،
المستفاد من ترك الاستفصال:
إحداهما: عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنه احتلم، ويجد في ثوبه وعلى
فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال: " نعم " (3).
والأخرى: عن الرجل، يرى في ثوبه المني بعدما يصبح ولم يكن رأى في منامه
أنه احتلم، قال: " فليغتسل وليغتسل ثوبه، ويعيد صلاته) (4).
ولا تعارضها صحيحة ابن أبي يعفور: الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة
فيستيقظ. وينظر فلا يجد شيئا ثم يمكث الهوين بعد فيخرج، قال: (إن كان
مريضا فليغتسل، وإن لم يكن مريضا فلا شئ عليه) قال: قلت: فما فرق بينهما؟
قال: " لأن الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة وقوة، وإن كان مريضا لم يجئ
إلا بفتور (5).
لأن الخارج فيها غير معين، فيمكن أن يكون هو الماء المشتبه.
ومنه يعلم عدم معارضة صحيحة ابن سعد (6) ورواية ابن أبي طلحة،

(1) منهم العلامة في التذكرة 1: 23، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 78.
(2) الوسائل 2: 181 أبواب الجنابة ب 4.
(3) الكافي 3: 49 الطهارة ب 31 ح 7، التهذيب 1: 368 / 1119، الإستبصار 1: 111 / 368
الوسائل 2: 198 أبواب الجنابة ب 10 ح 1.
(4) التهذيب 1: 367 / 1118، الإستبصار 1: 111 / 367، الوسائل 2: 198 أبواب الجنابة
ب 10 ح 2.
(5) الكافي 3: 48، الطهارة ب 31 ح 4، التهذيب 1: 369 / 1124، الإستبصار 1: 110 / 365،
الوسائل 2: 195 أبواب الجنابة ب 8 ح 3 باختلاف في المتن في الجميع.
(6) الكافي 3: 47 الطهارة ب 30 ح 5، التهذيب 1: 123 / 327 الإستبصار 1: 108 / 354
الوسائل 2: 186 أبواب الجنابة ب 7 ح 2.
253

المتقدمة (1)، حيث إن تبادر خروج المني من الانزال في عهد المعصوم غير معلوم.
ولو تنزلنا عن ذلك فغايتهما العموم فيتعارضان بالعموم من وجه، والترجيح
مع الأولى بمخالفة العامة، كما صرح به الجماعة " وبموافقة الأصحاب.
ومنه يعلم الجواب عن رواية ابن الفضيل، الآتية، وصحيحة علي: عن
الرجل يلعب مع المرأة ويقبلها فيخرج منه المني فما عليه؟ قال. (إذا جاءت الشهوة
ودفع وفتر لخروجه فعليه الغسل، وإن كان إنما هو شئ لم يجد له فترة ولا شهوة فلا
بأس) (2).
حيث إن المحتمل فيها رجوع المستتر في (كان) إلى الخارج دون المني.
مع أنه لو أرجع إليه أيضا، لم يضر إذ تصير الرواية حينئذ مخالفة لعمل
جل الأصحاب بل كلهم، فتخرج عن الحجية.
ومنه يعلم جواب آخر عن هذه الروايات لو سلمت دلالتها.
هذا كله، مع أن لنا أن نقول بدلالة الموثقتين على وجوب الغسل مع العلم
بعدم الشهوة أيضا بخصوصهما، حيث إنهما دلتا على وجوبه مع عدم العلم بها،
ولولا وجوبه مع العلم بالعدم أيضا، لما وجب مع عدم العلم، لأصالة عدم تحقق
الشهوة، فتأمل.
وهو الحق المشهور (3)، بل المجمع عليه عندنا أيضا - لشذوذ المخالف - إذا
كان من المرأة كذلك لما مر من الاجماع، وللمستفيضة من النصوص:
كرواية معاوية بن حكيم. " إذا أمنت المرأة والأمة من شهوة، جامعها
الرجل أو لم يجامعها، في نوم كان ذلك أو في يقظة، فإن عليها الغسل) (4).

(1) ستأتي في الصفحة 255.
(2) التهذيب 1: 120 / 317، الإستبصار 1: 104 / 342، الوسائل 2: 194 أبواب الجنابة ب 8
ح 1.
(3) عطف على قوله: وهو محل الوفاق، في الصفحة 252.
(4) التهذيب 1: 122 / 324، الإستبصار 1: 106 / 347 ولكن فيه عن معاوية بن عمار، الوسائل
2: 189 أبواب الجنابة ب 7 ح 14.
254

وصحيحة محمد بن إسماعيل: عن المرأة ترى في منامها فتنزل، عليها
غسل؟ قال. " نعم (1) وقريبة منها حسنة أديم بن الحر (2).
وصحيحة الحلبي. عن المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل، قال: " إن
أنزلت فعليها الغسل، وإن لم تنزل فليس عليها الغسل (3).
وصحيحة الأشعري وفيها: إذا أنزلت من شهوة فعليها الغسل (4).
ورواية محمد بن الفضيل وفيها: " إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب
عليها الغسل " (5).
ورواية ابن أبي طلحة وفيها: " أليس قد أنزلت من شهوة؟ قلت. بلى،
قال: " عليها غسل (6) إلى غير ذلك.
خلافا للمحكي عن المقنع، فنفى عنها الغسل إذا أمنت من غير جماع،
ولكن كلامه فيه ينفيه في احتلامها خاصة (7)، ويميل إلى ذلك كلام صاحب
الوافي (8).
لروايات دالة على ذلك كصحيحتي عمر بن يزيد، في إحداهما: قلت: فإن

(1) التهذيب 1: 124 / 333، الإستبصار 1: 108 / 356، الوسائل 2: 190 أبواب الجنابة ب 7
ح 16.
(2) التهذيب 1: 121 / 319 الإستبصار 1: 105 / 344، الوسائل 2: 189 أبواب الجنابة ب 7
ح 12.
(3) التهذيب 1: 123 / 331، الإستبصار 1: 107 / 352، الوسائل 2: 187 أبواب الجنابة ب 7
ح 5.
(4) قد تقدم مصدرها في ص 253.
(5) التهذيب 1: 121 / 320، الإستبصار 1: 105 / 345، قرب الإسناد: 395 / 1387،
الوسائل 2: 189 أبواب الجنابة ب 7 ح 13.
(6) التهذيب 1: 122 / 325، الإستبصار 1: 105 / 346، الوسائل 2: 190 أبواب الجنابة ب 7
ح 15.
(7) المقنع: 13.
(8) الوافي 6: 410.
255

أمنت هي ولم يدخله، قال: " ليس عليها الغسل " (1).
وفي الأخرى بعد قول السائل. ففخذت لها فأمذيت وأمنت هي: " ليس
عليك وضوء ولا عليها الغسل " (2).
وصحيحة ابن أذينة. المرأة تحتلم في المنام فتهريق الماء الأعظم، قال:
(ليس عليها الغسل) (3).
ورواية عبيد بن زرارة. هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟
قال: " لا " (4) وغير ذلك.
ويضعف: بأنها لمخالفتها لعمل قدماء الأصحاب شاذة، وعن الحجية
خارجة، فلا تصلح للاستناد، فكيف للمعارضة. ومع ذلك فاحتمال أن يراد
بالامناء انفصاله عن مستقره وإن لم يخرج من الفرج، بل انصب إلى الرحم - كما
هو الغالب في النساء - في أكثرها ممكن.
هذا كله في صورة العلم بكون الخارج منيا. وأما لو اشتبه فيعتبر في الرجل
الصحيح بالدفق ومقارنة الشهوة، أي التلذذ، وفتور البدن بعده، فيجب الغسل
فيما اشتمل عليها جميعا، ولا يجب فيما فقد فيه بعضها. وفي المريض والمرأة
بالثانيتين (5) خاصة.

(1) التهذيب 1: 121 / 321، الإستبصار 1: 106 / 348، الوسائل 2: 190 أبواب الجنابة ب 7
ح 18.
(2) التهذيب 1: 121 / 322، الإستبصار 1: 106 / 349، الوسائل 2: 191 أبواب الجنابة ب 7
ح 20.
(3) التهذيب 1: 123 / 329، الإستبصار 1: 107 / 351، الوسائل 2: 191 أبواب الجنابة ب 7
ح 21.
(4) التهذيب 1: 124 / 332، الإستبصار 1: 107 / 353، الوسائل 2: 192 أبواب الجنابة ب 7
ح 22.
(5) يعني مقارنة الشهوة والفتور.
256

لا لكون الثلاثة صفات لازمة غالبا في الأول (1)، والثاني في الثانيين (2)،
كما قيل (3)، لأن المستفاد منها ليس إلا الظن، إذ المفروض عدم حصول العلم
بكونه منيا، وإلا فيخرج عن المقام، والظن غير معتبر، إذ لا ينقض يقين الطهارة
إلا بمثله.
بل في الحكم الأول (4) للأول (5)، لمنطوق الجزء الأول من صحيحة علي،
المتقدمة (6)، وفي الثاني له " 7 " للأصل، مضافا إلى منطوق جزئها الثاني في بعض
أفراده (8) مع مفهوم الأول فيه أيضا، وأما مفهومه في غيره ومفهوم الجزء الثاني
فلتعارضهما وعدم المرجح لا اعتبار بهما، فالمرجع في موردهما هو الأصل.
ثم هذه الصحيحة وإن شملت بظاهرها الثاني، أي المريض أيضا، إلا أنه
أخرج منها، لعدم اعتبار الدفق في المريض بالمعتبرة فهي مخصصة لها بالصحيح،
إذ اشتراط الحكم بكونه منيا بالدفق كما هو صريحها مخصوص به، وبقي المريض
كالمرأة تحت الأصل. إلا أنه أخرج عن الأصل مع الخروج بالشهوة ووجب عليه
الغسل، لصحيحة ابن أبي يعفور، المتقدمة (9).

(1) بعض الرجل الصحيح.
(2) يعني مقارنة الشهوة في المريض والمرأة.
(3) المعتبر 1: 177، التذكرة 1: 23.
(4) يعني بالحكم الأول وجوب الغسل فيما اشتمل على الصفات الثلاثة.
(5) أي للرجل الصحيح.
(6) في ص 254.
(7) أي الحكم الثاني للرجل الصحيح، وهو عدم وجوب الغسل في الفاقد.
(8) أي في بعض أفراد الفاقد وهو الفاقد للشهوة والفتور، وحاصل المراد أن منطوق الجزء الثاني ومفهوم
الجزء الأول متوافقان في عدم وجوب الغسل لفاقد الشهوة والفتور، وأما بالنسبة إلى واجد الشهوة
والفتور وفاقد الدفع فيتعارض فيه المفهومان فإن مقتضى مفهوم الجزء الأول عدم وجوب الغسل فيه
بينما أن مقتضى مفهوم الجزء الثاني وجوب الغسل.
(9) في ص 253.
257

وحسنة زرارة: " إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فإنه ربما كان هو الدافق
لكنه يجئ مجيئا ضعيفا ليست له قوة لمكان مرضك ساعة بعد ساعة قليلا قليلا،
فاغتسل منه " (1).
وصحيحة ابن عمار: عن رجل احتلم فلما انتبه وجد بللا قليلا، قال:
. " ليس بشئ إلا أن يكون مريضا فإنه يضعف فعليه الغسل) (2).
ولا يتوهم عموم الأخيرة للخالي عن الشهوة أيضا، لأن معنى قوله:
" احتلم " أنه رأى ذلك في المنام قطعا.
ويمكن أن يكون المراد منه ما معه الشهوة، بل هو الظاهر، كما صرح به
والدي - رحمة الله عليه - في اللوامع.
والشهوة المتحققة حينئذ وإن كانت في النوم إلا أنها كافية، كما هو صريح
صحيحة ابن أبي يعفور. وذلك بخلاف الدفع والفترة المعتبرين في الصحيح
للأصل، واختصاص دليله باليقظة.
وأخرجت المرأة عن الأصل المذكور مع الشهوة في النوم أو اليقظة، ووجب
عليها الغسل، لصحيحة ابن سعد، المتقدمة (3) وما يتعقبها من الروايتين بالتقريب
المتقدم من حملهما على المشتبه، أو على العموم ولو من جهة ترك الاستفصال.
ثم مقتضى إطلاق الأخبار فيهما وإن كان كفاية الثاني (4) خاصة، إلا أنها
يقيد إطلاقها بمرسلة ابن رباط، المتقدمة (5)، فإنها تعارض إطلاقات اعتبار

(1) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 3، التهذيب 1: 370 / 1129 الوسائل 2: 196 أبواب الجنابة
ب 8 ح 5.
(2) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 2، التهذيب 1: 368 / 1120، الإستبصار 1: 109 / 363،
الوسائل 2: 194 أبواب الجنابة ب 8 ح 2.
(3) في ص 253.
(4) يعني مقارنة الشهوة.
(5) في ص 252.
258

الشهوة بالعموم من وجه، والأصل مع عدم كفايته واعتبار الفترة أيضا فيهما، كما
صرح به في المريض في المعتبر والمنتهى (1)، ويظهر اعتبارها في المرأة عن بعضهم.
وأما اعتبار الدفق مع الشهوة، كما احتمله في نهاية الإحكام (2)، أو اعتبار
الثلاثة فيها، كظاهر النافع (3) ضعيف. كالقول بكفاية الدفق في الرجل
الصحيح، كما هو المحكي (4) عن ظاهر نهاية الإحكام والوسيلة والمبسوط
والاقتصاد والمصباح ومختصره، والجملين والمقنعة والتبيان والمراسم والكافي ومجمع
البيان والاصباح والروض وأحكام الراوندي.
ولعله لاطلاق الآية (5) بتوصيف الماء بالدافق.
وضعفه ظاهر إذ توصيف بعض أفراد المني - وهو ما يتكون منه الانسان -
بالدافق لا يستلزم اتصاف جميعها به.
وفي اعتبار رائحة الطلع، أو العجين رطبا وبياض البيض جافا،
كالتذكرة (6)، والشهيدين (7)، والكركي (8) نافيا عنه الخلاف. أو عدمه، كالأكثر،
كما في اللوامع، قولان، أقواهما: الأخير؟ للأصل.

(1) المعتبر 1: 178، المنتهى 1: 79.
(2) نهاية الإحكام 1: 100.
(3) المختصر النافع: 7 قال: ولو اشتبه اعتبر بالدفق وفتور البدن. وتكفي في المريض الشهوة.
(4) الحاكي هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 78 وراجع نهاية الإحكام 1: 100، الوسيلة:
55، المبسوط 1: 27 الإقتصاد: 224، المصباح: 8، جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى
3): 25، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 160، المقنعة. 51، التبيان 10: 324 المراسم:
41، الكافي 147، مجمع البيان 5: 471، الروض 49، أحكام الراوندي (فقه القرآن):
32.
(5) الطارق: 6.
(6) التذكرة 1: 23.
(7) الشهيد الأول في الذكرى: 27، والبيان: 53، والشهيد الثاني في المسالك 1: 7، والروض.
(8) جامع المقاصد 1: 255.
259

فروع:
أ - الخارج من غير الطبيعي لا يوجب الغسل مطلقا للصحاح الثلاثة لأبي
الفضل وزرارة المتقدمة في الأحداث الموجبة للوضوء (1)، والمصرح به في إحداها:
أنه عليه السلام ليس في بيان ما ينقض الوضوء خاصة حيث ذكر المني أيضا.
وبها يقيد إطلاق وجوب الغسل بخروج المني، مضافا إلى انصرافه إلى
الشائع.
فالقول بالوجوب معه مطلقا، أو مع انسداد الطبيعي، أو مع الاعتياد، أو
كون المخرج من الصلب، أو الإحليل أو البيضتين، ضعيف.
ودعوى ظاهر الوفاق عليه في الثاني - كما في المعتمد - غير مقبولة.
ويلزم مما ذكرنا: اعتبار خروجه في الخنثى المشكل من الفرجين ولو مع
اعتياد أحدهما.
ب: الخارج من فرج المرأة إن علم كونه من الرجل، لم يوجب عليها الغسل للاجماع وخبر البصري في المرأة تغتسل من الجنابة ثم ترى نطفة
الرجل بعد ذلك هل يوجب عليها غسل؟ فقال " لا " (2).
وكذا إن شك في كونه منه أو منها، بل ولو ظن أنه منها! للأصل، وصحيحة
منصور (3)، وخبر ابن خالد: عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فيخرج منه
شئ قال: " يعيد الغسل " قلت: فالمرأة يخرج منها شئ بعد الغسل، قال: " لا
تعيد " قلت: فما فرق بينهما؟ قال. " لأن ما يخرج من المرأة هو ماء الرجل " (4) أي

(1) راجع ص 7، 8.
(2) الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 3، التهذيب 1: 146 / 413، الوسائل 2: 202 أبواب الجنابة
ب 13 ح 3.
(3) التهذيب 1: 148 / 421، الوسائل 2: 201 أبواب الجنابة ب 13 ح 2.
(4) الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 1، الإستبصار 1: 118 / 399 العلل: 287، الوسائل 2:
201 أبواب الجنابة ب 13 ح 1.
260

يحتمل أن يكون منه، ويجب البناء عليه.
خلافا لظاهر الحلي حيث أطلق إعادتها الغسل إذا رأت بللا علمت أنه
مني (1)، والظاهر غير ما إذا علم أنه من الرجل. ولنهاية الإحكام حيث ألحق الظن
بأنه منها بالعلم به (2). ولا وجه لهما.
ج: لا يلزم في المني كونه أبيض، بل قد يكون بلون الدم لكثرة الوقاع،
فهو موجب للغسل إذا قطع بكونه منيا، أو اجتمعت فيه الأوصاف.
واحتمال العدم - كنهاية الإحكام - ضعيف، وتعليله عليل.
د: رائي الاحتلام إن لم يجد البلل لا غسل عليه مطلقا للأصل،
والاجماع، وحسنة ابن أبي العلاء (3).
وأما رواية محمد: رجل رأى في منامه فوجد اللذة والشهوة، ثم قام فلم ير
في ثوبه شيئا، قال: فقال: " إن كان مريضا فعليه الغسل، وإن كان صحيحا فلا
شئ عليه " (4) فلمخالفتها للاجماع مطروحة أو مؤولة..
وإن وجدها فمع تيقن كونها منيا يغتسل، ومع الاشتباه يرجع إلى
الأوصاف.
ه‍: لو أمسك المني المنتقل عن موضعه عن الخروج، لا يجب عليه الغسل
ما لم يخرج. فإن خرج، وجب إن علم أنه المني المنتقل أو غير المنتقل وإن لم تكن
معه الأوصاف، ولا يجب إن شك إلا مع الوصف. وكذا لا يجب الغسل على المرأة

(1) السرائر 1: 122.
(2) نهاية الإحكام 1: 100.
(3) الكافي 3: 48 الطهارة ب 31 ح 1، التهذيب 1: 120 / 316، الإستبصار 1: 109 / 362،
الوسائل 2: 196 أبواب الجنابة ب 9 ح 1.
(4) التهذيب 1: 369 / 1125، الإستبصار 1: 110 / 366، الوسائل 2: 195 أبواب الجنابة
ب 8 ح 4.
261

بإحساسها انفصال المني عن موضعه بالتلذذ والفتور ما لم يعلم بخروجه.
و: لو وجد المكلف منيا في جسده أو ثوبه، يجب عليه الغسل إذا علم أنه
منه بالاجماع، لما مر (1) من وجوبه بخروجه، ولموثقتي سماعة، المتقدمتين (2).
ومقتضى إطلاقهما وإن كان وجوبه على واجده في جسده أو ثوبه وإن
احتمل كونه من غيره، لكن تقيدان بما مر لرواية أبي بصير: عن الرجل يصيب
بثوبه منيا ولم يعلم أنه احتلم، قال: " ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ " (3). فإنها
خاصة بما إذا لم يعلم أنه منيه بالاجماع، فتكون أخص منهما فتخصصان بها.
ولو قطع النظر عن خصوصيتها تتعارضان بالتساوي ويرجع إلى الأصل،
ومقتضاه ما ذكرناه أيضا.
وجعلهما أخص منها، باعتبار تقييدهما بكون الوجدان بعد الانتباه من النوم
وإطلاقها من هذه الجهة، ولازمه تقييدها بذلك باطل، إذ لم تقيد الموثقتان إلا
بالوجدان بعد الانتباه مطلقا، سواء كان مع فاصلة مدة أو لا، والوجدان في
الرواية أيضا يكون بعد نوم لا محالة، بل في قوله. (ولم يعلم أنه احتلم، دلالة على
ذلك، وإلا علم أنه لم يحتلم فتتساويان.
ولو سلم تقييدهما بذلك دونها، فتتعارضان بالعموم من وجه، لما ذكرنا من
اختصاصها بغير العالم، فيرجع إلى الأصل أيضا.
وحمل قوله: " وليتوضأ) فيها على الغسل خلاف الأصل.
وإثباته بعدم وجوب الوضوء قطعا، مردود: بأنه إن أريد عدم وجوبه مطلقا
فممنوع، لجواز كونه محدثا بنوم أو غيره، فيكون المعنى. وليتوضأ إن كان محدثا

(1) في ص 252، 253.
(2) في ص 253.
(3) التهذيب 1: 367 / 1117، الإستبصار 1: 111 / 369، الوسائل 2: 198 أبواب الجنابة
ب 10 ح 3.
262

بالحدث الأصغر.
وإن أريد عدم القطع بوجوبه، فالغسل أيضا كذلك، لجواز أن يكون قد
اغتسل للجنابة بعد الانتباه بالمباشرة أو للجمعة أو غيره على التداخل، فلا بد من
التقييد بقوله: إن لم يكن اغتسل أيضا.
ومن هذا يظهر ضعف القول بوجوب الغسل بالوجدان في الثوب المختص،
في صورة كونه بعد الانتباه مطلقا، كبعض المتأخرين (1)، أو قبل القايم من
موضعه، كالنهاية (2).
ودعوى القطع بكونه منه حينئذ بشهادة الحال مطلقا (3) ممنوعة، وفي الجملة
بهذه الصورة غير مخصوصة.
كما يظهر ضعف القول بوجوبه بوجدانه في المختص مطلقا، كما هو ظاهر
جماعة منهم: الشيخ (4)، والحلي (5)، والفاضلان (6)، والشهيد (7)، وغيرهم (8)، وفي
التذكرة الاجماع عليه.
وتخصيص الرواية بالثوب المشترك لا دليل عليه، والاجماع المدعى في
التذكرة غير مسموع، مع أن منهم من فسر المختص بما لم يحتمل أن يكون ما فيه
من غيره، فيمكن أن يكون ذلك مرادهم، فيرجع إلى ما ذكرنا (9)، ولا يكون فرق

(1) الرياض 1: 29.
(2) النهاية: 20.
(3) كما في الرياض 1: 29.
(4) المبسوط 1: 28، الإستبصار 1: 111.
(5) السرائر 1: 115.
(6) المحقق في المعتبر 1: 179، والشرائع 1: 26، والعلامة في المنتهى 1: 80، والقواعد 1: 13،
التذكرة 1: 23،
(7) الذكرى 27، البيان: 54، الدروس 1: 95.
(8) جامع المقاصد 1: 258،
(9) في ص 262.
263

بين المختص بالمعنى المفهوم منه والمشترك.
ثم المراد من العلم بكون المني منه أعم من العلم الحاصل بالدليل
الشرعي. ويلزمه أنه لو احتمل كون المني سابقا على غسل رافع معين زمانه يجب
الغسل أيضا لأصالة تأخر الحادث. وأما أصالة الطهارة وعدم وجوب الغسل فلا
تعارضان أصل التأخر، لكونه مزيلا لهما دون العكس، كما بينا تحقيقه في
الأصول.
نعم، لو لم يعلم زمان الغسل واحتمل تأخره عن آخر زمان احتمال إصابة
المني، يتعارض أصل تأخره مع ما مر، فيتساقطان ويرجع إلى الأصلين (1).
وكذا يلزمه وجوب الغسل على ذي النوبة لو كان الثوب مما يتناوبه شريكان
إذا أصابه ولم يحتمل وصوله في نوبته من غيره وإن احتمل سبقه على النوبة وفاقا
للكركي (2)، والدروس، والروض، والمسالك (3) للأصل المذكور. وخلافا لظاهر
جماعة وصريح أخرى (4)، لمعارضة الأصلين المتقدمين، المندفعين بالأصل
المذكور، لما مر.
ويحكم بجنابة من ذكرنا وجوب الغسل عليه من الوجدان في ثوبه وذي
النوبة، من آخر أوقات إمكانه، على الأشهر الأظهر، للأصل والاستصحاب.
فيعيد ما له إعادة من المشروطات بالطهارة ما تأخر عنه إلى زمان الوجدان، أو تحقق
طهارة رافعة.
وفي المبسوط حكم بوجوب قضاء كل صلاة صلاها بعد آخر غسل رافع (5).
هذا بالنسبة إلى الحدث. وأما الخبث فيبنى على مسألة الجاهل به من إعادته

(1) يعني أصالة الطهارة وأصالة عدم وجوب الغسل..
(2) جامع المقاصد 1: 258
(3) الدروس 1: 95، الروض: 49 المسالك 1: 7.
(4) ظاهر المبسوط 1: 28، والتحرير 1: 12، وصريح المدارك 1: 269 والحدائق 3: 24.
(5) المبسوط 1: 28.
264

مطلقا، أو في الوقت، أو عدمها مطلقا.
وفي المبسوط حكم باستحباب إعادة كل صلاة صلاها من أول نومة نامها
في ذلك الثوب، ووجوبها من آخر نومة نامها فيه، ثم قوى عدم وجوب إعادة شئ
مما خرج وقته (1).
ونسب في المدارك إلى المبسوط: الرجوع عن حكم الحدث إلى القول
المشهور (2). وهو منه غفلة.
ز: لو وجد المني في ثوب بين شخصين مجتمعين فيه في زمان واحد، كفراش
أو لحاف، ولم يعلم خروجه من واحد معين منهما، لا يجب الغسل على أحد منهما،
ويجوز لهما أن يفعلا ما يفعله الطاهر، وفاقا فيما لا تتوقف صحته من أحدهما عليها
من الآخر توقف ابتناء أو معية، للأصل، كالصلاة ودخولهما المسجد وقراءة
العزائم.
وعلى الأصح فيما له أحد التوقفين، كائتمام أحدهما بالآخر، وصيرورتهما
عدد الجمعة، وكذا في ائتمام واحد بهما في صلاتين أو صلاة، وحمل أحدهما الآخر
إلى المسجد، وفاقا للتذكرة والمنتهى والتحرير ونهاية الإحكام والمدارك (3) واللوامع
والمعتمد، بل معظم الثالثة، كما في الأخيرين، للأصل، وعدم مانع سوى العلم
بخروج المني من واحد منهما غير معين، وهو غير صالح للمنع إذ لم يترتب بالأخبار
حكم عليه سوى وجوب الغسل المنتفي هنا إجماعا، ولا بالاجماع حكم يفيد في
محل النزاع.
فإن قلت: الجنابة والمحدثية أمران مترتبان على خروج المني وقد تعلق بهما
أحكام كثيرة، ولازمه ثبوتها للجنب والمحدث مطلقا، معينا كان أو غير معين.

(1) المبسوط 1: 28.
(2) المدارك 1: 270.
التذكرة 1: 23، المنتهى 1: 81، التحرير 1: 13، نهاية الإحكام 1: 101 المدارك 1: 270.
265

قلنا: لا نعلم من الجنابة والمحدثية إلا حالة شرعية حاصلة بعد خروج
المني، والمراد بالحالة الشرعية الوصف الجعلي من الشارع، وهو كونه بحيث تتعلق
به أمور شرعية، وبعد منع تعلقها بغير المعين لا نسلم كونه جنبا ومحدثا.
سلمنا أن الجنابة والمحدثية أمران واقعيان مترتبان على خروج المني مطلقا،
يعني أنهما حالتان غير كون الشخص مورد الأحكام الشرعية، ولازمه كون واحد
معين منهما واقعا غير معين عندنا جنبا ومحدثا، ولكنه لا يضر إلا فيما علم فيه وجود
الواحد لا بعينه من الفردين، وكونه منشأ للأثر الشرعي من المانعية أو السببية أو
غيرهما، كما فيما إذا اشتبه ماء طاهر مع نجس، فكل منهما بخصوصه وإن لم يكن
نجسا، ولكن واحد غير معين منهما نجس، فإذا وقعا معا على ماء قليل فبوقوعهما
معا فيه يعلم وقوع الواحد لا بعينه الذي هو معلوم النجاسة فيه، لعدم خروجه
عنهما، ولأجله ينجس الماء القليل، لصدق وقوع النجس وهو واحد غير معين منهما
فيه وإن لم ينجس لخصوصية كل منهما.
وتوضيحه: أن ها هنا ثلاثة أمور. هذا بخصوصه، وهذا بخصوصه،
وواحد لا بعينه منهما، وحال كل منهما بخصوصه واقعا غير معلوم، وظاهرا هو ما
يوافق الأصل. وأما الواحد لا بعينه فخارج عن الأصل واقعا يقينا، وظاهرا، ففي
المثال يقال: إنه نجس واقعا فكذا ظاهرا لتبعية الظاهر للواقع بعد معلوميته.
فكل مورد لم يعلم تحقق الأوحد لا بعينه لا يتحقق الحكم المخالف
للأصل، كما إذا وقع أحد الماءين في قليل.
وكذا إذا علم تحققه ولكن من غير اجتماع في مورد واحد، كما إذا وقع
أحدهما في قليل وآخر في آخر، أو علم تحققه في مورد واحد ولم يكن مؤثرا، وذلك
كما في اجتماع الشريكين المذكورين في صلاة الجمعة، فإنه قد تحقق فيها هذا
بخصوصه الذي ليس جنبا ظاهرا، وهذا بخصوصه الذي أيضا كذلك، والواحد
الغير المعين الذي هو جنب، ولكن بانضمام الخصوصيين اللذين ليسا بجنبين قد
تم عدد الجمعة فانعقدت، غاية الأمر تحقق الواحد الغير المعين أيضا، ووجوده.
266

بعد تمام عدد الجمعة بغير الجنب الشرعي، وهو هذا بخصوصه وهذا بخصوصه،
والثالثة الأخرى لا تؤثر في شئ.
وكذا في سائر أمثلة المقام فإن صلاة هذا بخصوصه، الصحيحة مرتبطة من
جهة الائتمام بصلاة هذا بخصوصه، الصحيحة أيضا، فتكون صحيحة، غاية
الأمر كون الواحد غير معين منهما جنبا، وهو غير مؤثر في إبطال الخصوصيات،
وليس أمر آخر يؤثر وجوده فيه.
وذلك بخلاف الماءين الواقعين في قليل، فإنه وإن لم ينجس بوقوع هذا
بخصوصه وذلك بخصوصه، ولكن بوقوعهما وقع واحد لا بعينه الذي هو نجس
فيه أيضا، فيصدق لأجله وقوع النجس (1) فيه، فينجس لذلك لا للخصوصيات.
والحاصل: أنه إذا تحقق الواحد لا بعينه في مورد بتحققهما فيه، وثبتت
مانعيته لأمر لازم في المورد، أو سببيته لأمر مضر فيه، يكون تحققه مضرا، كما في
مثال الماء، لا في غيره كما في مثال ما نحن فيه.
فإن قلت: كما أن باجتماع الشخصين يتحقق الواحد لا بعينه الذي هو
جنب، فكذا تتحقق باجتماع الصلاتين صلاة لا بعينها باطلة، فتكون إحداهما لا
بعينها باطلة.
قلنا: إن بعد صحة كل منهما بخصوصها لا يضر وجود الغير المعينة
الباطلة، مع أنا نمنع تحققها هنا، لأنه إنما هو في الأمور الغير المتوقفة على جعل
الشارع، أو ما ثبت فيه جعله على الاطلاق، وأما البطلان فليس هو إلا مخالفة
المأمور به، فتحققه فرع تحقق الأمر، وليس هنا أمر إلا بكل بخصوصه، وصلاته
صحيحة، وليس هنا أمر آخر، فلم تتحقق صلاة باطلة، ومن ذلك يعلم وجه
آخر لما اخترناه في المورد.

(1) في " ه‍ "، لمنجس،
267

خلافا للمحققين (1)، والشهيدين (2)، للقطع بجنابة أحدهما. وجوابه ظهر
مما مر.
والظاهر - كما في المبسوط والمعتبر (3) والاصباح والمنتهى والتذكرة والدروس
والنفلية (4) - استحباب الغسل لكل من الشريكين، لفتوى هؤلاء الأجلة،
والاحتياط، منضما إلى ما في السنن من التسامح في الأدلة.
الأمر الثاني: إدخال الذكر في القبل.
وإيجابه للغسل مجمع عليه، والنصوص مصرحة به، كصحيحتي محمد وابن
سرحان:
الأولى: متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال: إذا أدخله فقد وجب
الغسل والمهر والرجم " (5).
وفي الثانية: (إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر
كلا " (6).
ولا يتوقف الوجوب على ادخال الجميع، بل يكفي التقاء الختانين بالاجماع
والمستفيضة، كصحيحة البختري. " إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة
والغسل " (7).
وصحيحة علي بن يقطين: عن الرجل يصيب الجارية البكر لا يفضي إليها

(1) المحقق الأول في المعتبر 1: 179، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 209.
(2) الشهيد الأول في البيان: 54، والدروس 1: 95، والشهيد الثاني في المسالك 1: 7، والروض: 49
(3) المبسوط 1: 28، المعتبر 1: 179.
(4) المنتهى 1: 80، التذكرة 1: 23، الدروس 1: 95 النفلية: 90.
(5) الكافي 3: 46 الطهارة ب 30 ح 1، التهذيب 1: 118 / 309، الإستبصار 1: 108 / 358،
الوسائل 2: 182 أبواب الجنابة ب 6 ح 1.
(6) الكافي 6: 109 الطلاق ب 41 ح 3، الوسائل 21: 320 أبواب المهور ب 54 ح 5.
(7) الكافي 6: 109 الطلاق ب 41 ح 2، الوسائل 21: 319 أبواب المهور ب 54 ح 4.
268

ولم ينزل، أعليها غسل؟ وإن كانت ليس ببكر ثم أصابها ولم يفض إليها أعليها
غسل؟ قال: " إذا وقع الختان على الختان قد وجب الغسل (1) وقريبة منها صحيحة
الحلبي (2).
وفي صحيحة زرارة الواردة في قضية الأصحاب: " أتوجبون عليه الجلد
والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " (3).
ويعلم التقاء الختانين بغيبوبة الحشفة إجماعا لصحيحة محمد بن
إسماعيل: فيمن يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل؟ قال
" إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل " فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟
قال: (نعم) (4).
ولا ينافيه ما في صحيحة ابن يقطين، المتقدمة، لجواز أن يكون قوله: " إذا
وقع... " بيانا لمطلق الحكم، فيلزمه عدم الغسل في المسؤول عنه. مع أن غيبوبة
الحشفة لا تستلزم الافضاء.
ولا ما في السرائر عن النوادر: " يجب عليهما الغسل حين يدخله، وإذا
التقى الختانان فيغسلان فرجهما " (5)، لجواز عطف قوله: " وإذا التقى " على قوله.
" حين يدخله ". ولو سلم التنافي، فتخرج عن الحجية بالشذوذ ومخالفة الاجماع.
وبمفهوم تلك الأخبار يقتد إطلاق الأوليين المقتضي لوجوب الغسل
بدخول الأقل من ذلك، حيث إن صدق دخول الشئ لا يتوقف على دخول

(1) الكافي 3: 46، الطهارة ب 30 ح 3، التهذيب 1: 118 / 312، الإستبصار 1: 109 / 360،
(بتفاوت يسير، الوسائل 2: 183 أبواب الجنابة ب 6 ح 3.
(2) الفقيه 1: 47 / 4 8 1، الوسائل 2: 183 أبواب الجنابة ب 6 ح 4.
(3) التهذيب 1: 119 / 314، الوسائل 2: 184 أبواب الجنابة ب 6 ح 5.
(4) الكافي 3: 46 الطهارة ب 30 ح 2، التهذيب 1: 118 / 311، الإستبصار 1: 108 / 359،
الوسائل 2: 183 أبواب الجنابة ب 6 ح 2.
(5) مستطرفات السرائر: 104 / 42 الوسائل 2: 185 أبواب الجنابة ب 6 ح 9.
269

جميعه، بل يصدق على دخول جزء منه أيضا، كما في قولك. أدخلت إصبعي في
الجحر.
وكون الذكر - الذي هو مرجع الضمير - اسما للمجموع غير ضائر، إذ لا
يلزم اتحاد المعنى التركيبي مع الافرادي.
فلا يجب الغسل بدخول الأقل من ذلك ولو من مقطوع الحشفة أو المخلوق
بلا حشفة، لصدق عدم التقاء الختانين وعدم غيبوبة الحشفة.
خلافا لما احتمل بعضهم (1) من الاكتفاء فيهما بالمسمى، عملا بالاطلاق.
وهو حسن لولا المفاهيم المقيدة له، مع أن المطلق ينصرف إلى الغالب،
ولكنهما يمنعان عن العمل به. بل مقتضاهما: عدم وجوب الغسل عليهما
بالادخال مطلقا، إلا أن ظاهر الأصحاب إلحاق قدر الحشفة منهما بها. فلو ثبت
عليه الاجماع، وإلا فالحكم به مشكل جدا
والحق - في المشهور - بالقبل، الدبر مطلقا، من الأنثى كان أو الذكر، بل
نقل عليه السيد بل الحلي (2) ظاهرا إجماع المسلمين، بل ادعى الأول عليه
الضرورة من الدين، مع فحوى صحيحة زرارة، المتقدمة (3)، ومطلقات وجوبه
بالادخال، وبالتقاء الختانين المفسر في الصحيحة (4). بغيبوبة الحشفة، المتحققة
هاهنا، والمروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: " ما أوجب الحد أوجب
الغسل " (5).

(1) المدارك 1: 272.
(2) السرائر 1: 108، ونقله عن السيد في المختلف: 31.
(3) في ص 269 رقم 3.
(4) المتقدمة في ص 9 26 رقم 4.
(5) لم نعثر على المتن المذكور، وقد يستفاد مضمونه مما ورد في الفقيه 1: 7 4 / 184، الوسائل 2:
183، أبواب الجنابة ب 6 ح 4، أو من صحيحة زرارة المتقدمة ص 269 رقم 3. وسيشير إليه
المصنف في ص 273.
270

مضافا في الأول، إلى إيجابه في قوله سبحانه: (أو لامستم النساء) (1)
بمطلق الملامسة الشاملة للمطلوب بنفسها والمفسرة في صحيحة أبي مريم، وفيها:
(وما يعني بهذا - أو لامستم النساء - إلا المواقعة في الفرج " (2): بالمواقعة في الفرج
الشامل للدبر لغة وعرفا، أو المحتمل شموله له الكافي في المقام، لعدم تقيد
الملامسة المطلقة إلا بها علمت تقييدها به. وفي أخبار أخر: بالادخال أو المباشرة (3)
الشاملين له أيضا.
وإلى مرسلة حفص: عن رجل يأتي أهله من خلفها، قال. " هو أحد
المأتيين، فيه الغسل) (4)
وفي الثاني، إلى الاجماع المركب المحقق، والمحكي عن السيد (5)، وحسنة
الحضرمي. " من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا " (6).
ويضعف الأول من أدلتهما (7): بعدم الحجية.
والثاني (8): بعدم الدلالة، لأنه عليه السلام، لم يرتب وجوب الغسل على
وجوب الحد حتى يتم، بل إيجابهم الغسل على إيجابهم الحد، فدل كلامه عليه
السلام، بالتنبيه على أن إيجابهم الحد علة لايجابهم الغسل، وهو كذلك. لأنهم

(1) النساء: 43، المائدة: 6.
(2) التهذيب 1: 2 2 / 5 5 وفيه:، إلا المواقعة دون الفرج "، الإستبصار 1: 87 / 278 الوسائل 1.
271 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 4.
(3) لم نعثر على خبر فسرت فيه الملامسة بالادخال أو المباشرة. نعم قد فسرت في بعض الأخبار بالجماع
أو الوقاع، انظر الوسائل 1: 273 أبواب نواقض الوضوء ب 9 ح 11 إلى 14.
(4) التهذيب 7: 14 4 / 58 6 1، الإستبصار 1: 2 1 1 / 373، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة
ب 12 ح 1.
(5) مر في ص 270.
(6) الكافي 5: 544 النكاح ب 93 ح 2، الوسائل 20: 329 أبواب النكاح المحرم ب 7 1 ح 1.
(7) وهو الاجماع الذي نقله عن السيد.
(8) هي صحيحة زرارة المتقدمة في 269،
271

أرباب القياس، وكانوا به يعملون، وعليه يعتمدون، فيلزمهم إيجابهم الغسل بعد
إيجابهم الحد، ولا دلالة له على علية مطلق وجوبه لوجوبه، وبذلك يندفع ما
استشكل على الرواية من تمسكه عليه السلام بالقياس.
والثالث (1) - مع عدم جريانه في الثاني، للحكم بوجوب المهر والرجم أيضا
في أخبار مطلق الادخال -: بأن جعل الادخال فيه بالنسبة إلى المدخول فيه مطلقا
باقيا على حقيقته اللغوية يوجب خروج الأكثر بالتقييد، بل عدم بقاء غير المأتيين
من أفراده الغير المحصورة ومثله غير جائز قطعا، فلا محيص عن جعله مجازا عن
إدخال خاص، ودخول الادخال في الدبر في معناه المجازي المراد غير معلوم جدا،
سيما مع انصراف المطلق إلى الشائع، والوطئ في الدبر، الخالي عن الانزال من
الأفراد النادرة.
والقول (2) بإرادة الغيبوبة في الدبر خاصة منها في الصحيحة (3) بقرينة
صدرها، حيث إنه ليس قريب الفرج ما يصلح لها إلا الدبر، مردود: بأنه لا دلالة
فيها على تحقق الالتقاء في المجامعة قريب الفرج، بل حكم عليه السلام بأن
الغسل في الالتقاء؟ ليعلم السائل أنه لا غسل فيما سئل عنه. مع أنه صحة هذا
القول إنما هي على اختصاص إطلاق الفرج بالقبل، مع أن هذا القائل يعممه
ليتمم بعض أدلته الأخر.
هذا كله، مع أنه على فرض تسليم الاطلاق. يقيد البتة بأخبار التقاء
الختانين الغير المتحقق هنا؟ لانحصاره حقيقة بالوطئ في القبل.
وحمل مطلق غيبوبة الحشفة عليه وتفسيره بها لا يثبت التعميم، إذ ارتكاب
التجوز في الموضوع والمفسر ليس بأولى من ارتكاب التجوز أو التخصيص في

(1) وهو مطلقات وجوبه بالادخال.
(2) قال به البهائي في الحبل المتين: 38.
(3) بعض صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة ص 9 26.
272

المحمول والمفسر.
وعدم تحقق الالتقاء الحقيقي في القبل أيضا - لتغاير مدخل الذكر مع
موضع الختان - غير ثابت. ولو سلم، فلا يمنع من صدق الالتقاء العرفي حقيقة.
مع أن إدراج الغيبوبة المفسرة له في المطلقات يوجب خروج الأكثر أيضا.
ومنه يعلم وجه ضعف الرابع (1).
والخامس (2): بعدم ثبوت الرواية وعدم نقلها في شئ من الكتب، ولعله
هو نقل فحوى قوله في صحيحة زرارة، فتوهم أنه رواية. مع أنه لو صح، لم يجز
جعله من باب العموم! لما مر من إيجابه خروج الأكثر، ولو جعل منه أيضا، لوجب
تقييده بما مر من أخبار الالتقاء.
والأول من دليلي الأول (3): بأن ملامسة النساء وإن كان مطلقا وكذا الجماع
والمباشرة اللذين فسرت بهما، ولكن تفسيرها في الصحيحة: بمواقعة الفرج
تخصيصها مع تفسيريها، فالمراد بملامسة النساء هو مواقعة الفرج. والفرج وإن
كان بحسب اللغة شاملا للدبر، إلا أنه غير ممكن الإرادة هنا؟ لاستلزامه خروج
الأكثر.
فالمراد به إما معناه المجازي، فيمكن أن يكون هو القبل خاصة، أو
العرفي.
وصدقه على غيره أيضا غير معلوم، بل صرح بعض اللغويين بأنه في العرف
يطلق على القبل في الأكثر (4).

(1) وهو مطلقات وجوب الغسل بالتقاء الختانين.
(2) وهو المروي عن أمير المؤمنين المتقدم في ص 270 رقم 5.
(3) أي يضعف الدليل الأول على الحكم الأول وهو ايجاب الوطئ في دبر المرأة للغسل، وتقدم الدليل
الأول ص 271 رقم 1.
(4) كما في المصباح المنير: 466.
273

وجعل الملامسة من قبيل المطلق حتى يدخل فيه ما لم يعلم خروجه يوجب
أيضا خروج الأكثر. فصدق شئ من تلك المعاني على ما يشمل المورد غير معلوم،
مع أن المطلق أيضا ينصرف إلى الشائع.
والثاني منهما: بعدم دلالته على الوجوب بوجه من الوجوه.
والأول من دليلي الثاني (1): بعدم ثبوته في القبل أولا، وعدم ثبوت المحقق
من المركب، وعدم حجية المنقول ثانيا.
والثاني منهما (2). بعدم دلالة كونه جنبا يوم القيامة على جنابته في الدنيا
فمن المحتمل أن يكون ذلك العمل موجبا للجنابة الأخروية التي هي حالة غير
الجنابة الدنيوية قطعا.
وأما عدم نقائه بماء الدنيا فلا يدل على جنابته فيها، إذ من الجائز أن يكون
المراد أنه تحصل له بهذا العمل خباثة باطنية موجبة للجنابة الأخروية غير مرتفعة
بماء الدنيا. أو يكون المراد بماء الدنيا جميع المياه الدنيوية، ويكون المعنى: جاء يوم
القيامة جنبا وكان بحيث لو غسل يوم القيامة بجميع ماء الدنيا لم يحصل له النقاء.
خلافا في الأول لطائفة من الطبقة الثالثة، كالكفاية والمفاتيح والمدارك
والبحار (3)، والفاضل الهندي (4) والمحقق الخوانساري (5)، والحدائق (6)، فترددوا في
وجوب الغسل وعدمه، وإن كان الأخير إلى الأخير كالأولين إلى الأول أميل،

(1) أي يضعف الدليل الأول - وهو الاجماع - على الحكم الثاني وهو إيجاب الوطئ في دبر الذكر للغسل.
(2) وهو حسنة الحضرمي المتقدمة ص 271.
(3) الكفاية: 3، المفاتيح 1: 53، المدارك 1: 274، البحار 78: 60.
(4) كشف اللثام 1: 78.
(5) مشارق الشموس: 161.
(6) الحدائق 3: 9.
274

وهو (1) محكي (2) عن المبسوط مطلقا كبعضهم (3)، أو عن موضع منه كآخر (4)
لمعارضة ما تمت دلالته على الوجوب عندهم بما مر مع ما يأتي.
وللشيخ في الاستبصار والنهاية (5)، والديلمي (6)، وبعض متقدمي أصحابنا
- نقله عنه الشيخ في الحائريات (7) - وحكاه السيد (8) عن بعض الشيعة، ونسبه في
الحدائق (9) إلى ظاهر الكليني والصدوق، فنفوا وجوب الغسل فيه صريحا.
وهو الأقوى، للأصل المنضم مع ما عرفت من ضعف أدلة الوجوب.
مع أنه لو سلمت دلالتها كلا أو بعضا فهي أعم مطلقا من مرفوعة البرقي:
(إذا أتى الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما، وإن أنزل فعليه الغسل
ولا غسل عليها " (10).
والخاص مقدم على العام سيما مع موافقة العام للعامة - كما صرح به في

(1) أي التردد.
(2) في " ق): المحكي.
(3) أي كما حكاه بعضهم عن المبسوط وهو كاشف اللثام والمحقق الخوانساري.
(4) كما نقله في مفتاح الكرامة 1: 307 عن طهارة المبسوط، راجع المبسوط كتاب الطهارة 1: 27،
فذكر أن فيه روايتين، ولم يرجح شيئا، وحكم في كتاب النكاح 4: 242، بوجوب الغسل، وفي
كتاب الصوم 1: 270، جعل الجماع في دبر المرأة من نواقض الصوم ثم قال: وقد روي أن الوطئ
في الدبر لا يوجب نقض الصوم إلا إذا أنزل معه وإن المفعول به لا ينتقض صومه بحال، والأحوط.
الأول.
(5) الإستبصار 1: 112، النهاية: 19.،
(6) نسبه العلامة في المختلف: 30 إلى ظاهر الديلمي، وقد يستفاد من المراسم: 41.
(7) المسائل الحائرية (الرسائل العشر) 286.
(8) كما في المختلف، 31.
(9) الحدائق 3: 5، وذكر في وجه النسبة أنهما رويا الرواية الدالة على عدم وجوب الغسل.
(10) الكافي 3: 47 الطهارة ب 31 ح 8، التهذيب 1: 125 / 336 الإستبصار 1: 2 11 / 371
الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 2.
275

الاستبصار (1) ويدل عليه كلام السيد - وتأيده (2) بصحيحة الحلبي: عن الرجل
يصيب المرأة فيما دون الفرج أعليها غسل إن أنزل هو ولم تنزل هي؟ قال. " ليس
عليها غسل، وإن لم ينزل هو فليس عليه غسل " (3) فإن الظاهر من الفرج هو
القبل، فيعم ما دونه الدبر أيضا، بل يشعر به لفظ " الإصابة " أيضا وبما يأتي من
الأخبار النافية للغسل عن المرأة (4).
وعزل هذا الخاص عن مقاومة العام لشذوذه، حيث إنه لا يعلم العامل به
إلا الديلمي، والشيخ المفتي بخلافه في باقي كتبه، وأما الصدوق والكليني، فهما
لم يصرحا بعدم الوجوب وإن أوردا حديثه، وهو لا يدل عليه وإن صرحا بعدم
إيرادهما إلا ما يفتيان بصحته؟ مردود بأن الشذوذ لا يحصل بعدم العلم بالعامل،
بل بالعلم بعدم العامل، فعدم العلم بمخالفة الصدوق والكليني كاف في المقام،
سيما مع أن الظاهر موافقتهما لما مر، مع أن العامل غير منحصر بهم، لنقل الشيخ
والسيد عن بعض الأصحاب أيضا.
وجعل الخبر الموافق لعمل ثلاثة بل خمسة من القدماء - مع احتمال عمل
بعض آخر لم نعلمه، وعدم مخالفة طائفة جمة من المتأخرين له - شاذا، عجيب
غايته.
هذا، مضافا إلى أن أدلة الوجوب لو تمت، لتعارضت مع مفهوم أخبار
الالتقاء المتلقاة بالقبول عند الجميع بالعموم من وجه، فلولا ترجيح المفهوم
بمخالفة العامة، لوجب الرجوع إلى الأصل.

(1) الإستبصار 1: 112.
(2) مصدر معطوف على قوله: موافقة....، والضمير راجع إلى الخاص.
(3) الفقيه 1: 47 / 185، التهذيب 1: 4 2 1 / 5 33، الإستبصار 1: 111 / 370، الوسائل 2:
199 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.
(4) في ص 278.
276

ودعوى شمول أخبار الالتقاء للمورد ضعيف كما مر (1).
وخلافا لمن سبق بصنفيه (2) في الثاني (3)، مضافا إلى المحقق في النافع
والشرائع، فتردد (4)، والمعتبر (5) والأردبيلي (6) فنفيا الوجوب صريحا.
وهو الحق! لما مر من الأصل، مضافا إلى مفهوم أخبار الالتقاء المعارض
مع ما مر - لو دل - بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى الأصل أيضا.
مع أن بعد انتفاء الوجوب في الأول بالخبر الخاص يثبت هنا أيضا بالاجماع
المركب الذي ادعوه، بل لعل ثبوته هنا أشد وأظهر.
وقد ظهر مما مر عدم وجوب الغسل بوطئ البهيمة بدون الانزال إدخالا
واستدخالا، كما هو الأشهر على ما صرح به جمع ممن تأخر (7). خلافا لجماعة (8)،
بل نسبه في اللوامع إلى الشهرة، فأوجبوا الغسل لبعض ما مر مع جوابه.
فروع:
أ: المفعول به إن كان امرأة موطوءة في قبلها يجب عليها الغسل وإن لم ينزل
إجماعا، بل ضرورة وهو الحجة فيه، مضافا إلى صحيحة. محمد، المتقدمة (9).
ولا يجب إن كان غيرها سواء كان امرأة موطوءة في دبرها أو غلاما كذلك
وإن أنزل الفاعل! للأصل الخالي عن معارضة أكثر ما تقدم - لو قلنا. بمعارضة له
في الفاعل - لاختصاص طائفة منه بالفاعل وإجمال طائفة أخرى، وهي ما تضمن

(1) في ص 272.
(2) في ص 274 ممن تردد في وجوب الغسل بالوطئ في دبر المرأة ومن جزم بعدم وجوب الغسل.
(3) يعني: الوطئ في دبر الغلام.
(4) المختصر النافع: 8، الشرائع 1: 26.
(5) المعتبر 1: 181.
(6) مجمع الفائدة 1: 133.
(7) نسبه إلى الأكثر في المدارك 1: 276، وإلى المشهور في الحدائق 3: 12
(8) منهم العلامة في المختلف: 31، والشهيد في الذكرى: 27، والشهيد الثاني في المسالك 1: 7.
(9) في ص 268.
277

قوله. " وجب الغسل).
مضافا في المرأة إلى مرفوعة بعض الكوفيين: في الرجل يأتي المرأة في دبرها
وهي صائمة قال: " لا ينقض صومها وليس عليها غسل، (1).
ومرسلة ابن الحكم: " إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض
صومها وليس عليها غسل) (2).
ومنه يظهر عدم وجوب الغسل على المرأة لو قلنا بوجوبه على الفاعل أيضا،
ولذا فرق بينهما بعض المتأخرين، فلم يوجب الغسل عليها مع ميله إلى وجوبه
عليه (3)، والفاضل في المنتهى والقواعد، فتردد فيها مع قوله بوجوبه عليه (4).
ب: وطئ الميت كالحي أو استدخال آلته يوجب الغسل على الحي، على
المعروف منهم، للاستصحاب وظواهر الالتقاء.
والقول بتغير الموضوع، فلا يجري الاستصحاب، ضعيف، لعدم تغيره
أصلا، فإن مس ختان فلانة أو المواقعة في فرج فلانة كانت. موجبة للغسل، ولم
يتغير شئ منها، وإن تغيرت حياتها ولم يعلم تقييد الموضوع بالحياة.
ولا يجب تغسيل الميت في شئ من الحالين؟ للأصل، وعدم معلومية إرادة
الأغسال من الغسل، وعدم دليل على وجوب الأغسال فيما تعذر الغسل.
ج: النائم كالمستيقظ فاعلا وقابلا، بالاجماع على الظاهر، وهو الحجة فيه،
وعموم كثير من الأدلة.
قيل: علق فيها وجوب الغسل بتحقق الادخال، أو الالتقاء، أو نحوهما،
وتحقق الوجوب حينئذ في حق النائم لا معنى له، لعدم تعلق التكليف به،
والتعلق بعده يحتاج إلى دليل.

(1) التهذيب،: 9 1 3 / 975، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.
(2) التهذيب 4: 9 31 / 977 الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ذ ح 3.
(3) المفاتيح 1: 53.
(4) المنتهى 1: 81، القواعد 1: 13.
278

قلنا: علق على الادخال وجوب الغسل غيرا، وهولا ينافي تعلقه بالنائم،
كما يأتي بيانه في الفرع السادس.
ولا بد في وجوب الغسل عليه من العلم بالوقوع، فمجرد دعوى الوقاع معه
لا يثبت الفعل وسائر أحكامه عليه ولو حصل الظن. ومنه تظهر ندرة ترتب الثمرة
فيه.
والسكر والاغماء كالنوم، والاكراه كالطوع.
د: في وجوب الغسل بإدخال الذكر الملفوف في مثل خرقة أو الداخل في آلة
من نحو فضة أو نحاس، أو إدخاله مجردا في فرج كذلك، أقوال ذكرها والدي
العلامة في اللوامع: الوجوب مطلقا، والعدم كذلك، والأول في الملفوف بالرقيقة
والثاني في غيره.
والأصل مع الثاني، سيما في الداخل في آلة نحاسية ونحوها، والاحتياط مع
الأول، خصوصا في الملفوف بالخرقة، سيما الرقيقة.
ه‍: لا يجب الغسل على الفاعل والقابل بإيلاج الذكر في قبل الخنثى
المشكل، ولا بإيلاج قبله في قبل أو دبر مطلقا، ولا بإيلاج في دبره على الأقوى،
ويجب عليهما في الأخير على القول الآخر (1).
ولو أولج الذكر في قبل الخنثى والخنثى بالأنثى، قالوا. يجب الغسل على
الخنثى لأنها إما ذكر أو أنثى، دون الذكر والأنثى! لجواز إيلاج الذكر بالذكر
أو الأنثى بالأنثى، فيكونان كواجدي المني في المشترك (2).
وما قالوه إنما يصح على القول بكون الخنثى إما ذكرا أو أنثى. وأما لو قلنا
بأنها طبيعة ثالثة، فيحتمل عدم وجوب الغسل عليها أيضا كما يحتمل وجوبه

(1) وهو القول بوجوب الغسل بالوطئ في الدبر.
(2) تقدم البحث عنه في 265.
279

عليهما أيضا (1).
، ولو أولج أحد الخنثيين أو كل منهما بالأخرى، لا يجب الغسل على واحد
منهما، ويحتمل وجوبه عليهما على القول بالطبيعة الثالثة، فتأمل.
و: يجب الغسل على البالغ بوطئه غير البالغ، أو وطئ غير البالغ إياه
لعموم الأدلة.
وهل يجب على غير البالغ بعد بلوغه؟ قيل: لا، للأصل الخالي عن معارضة
العمومات الموجبة له بالدخول والالتقاء، لظهور تعلقها بالمكلفين.
وقال الشهيد (2) والكركي (3) ووالدي العلامة - رحمه الله - وجماعة (4): نعم،
لأن العمومات الموجبة وإن لم تتعلق به لكونها من خطاب الشرع المتوقف على
التكليف، ولكن لا يتوقف تعلق الأحكام الوضعية التي منها سببية الادخال
للجنابة الموجبة للغسل بعد التكليف وشرطية الغسل للصلاة عليه، فيجب بعد
البلوغ لذلك.
أقول: بعد تسليم اختصاص العمومات بالمكلفين لا مناص عن القول
باختصاص السببية للجنابة بهم أيضا، إذ لا دليل على تلك السببية إلا تلك
العمومات، فإنه لا دليل عاما أو مطلقا على كون الادخال سببا للجنابة، بل إنما
ينتزع ذلك من وجوب الغسل وسائر الأحكام الشرعية. بل نقول: لا نعلم الجنابة
إلا ذلك، فبعد اختصاص الأحكام الشرعية - التي هي إما منشأ انتزاع الجنابة أو
نفسها - بالمكلفين، فلا وجه لاثبات الجنابة لغيرهم.
وكذا اشتراط الصلاة بالغسل، فإنه إنما يفيد لو كان دليل على اشتراطها به

(1) أما احتمال عدم وجوبه عليها فلجواز أن لا يكون شئ من الموضعين فرجا ولا ذكرا. وأما احتمال
وجوبه عليهما فلاحتمال كونهما فرجا ذكرا معا (منه رحمه الله).
(2) الدروس 1: 95، البيان: 54.
(3) جامع المقاصد 1: 257.
(4) منهم العلامة في المنتهى 1: 82.
280

لكل من أدخل، وليس، بل إنما يدل على اشتراطها به للجنب أو المحدث المتوقف
صدقهما على تعلق الحكم الشرعي الموقوف على التكليف. وأما الاجماع على السببية
والشرطية فانتفاؤه في محل النزاع ظاهر.
فالصواب الاستدلال على وجوب الغسل عليه بعد البلوغ بتلك
العمومات.
لا لأجل أنها تدل على سببية الادخال لوجوب الغسل، ولتوقف تأثير
السبب على انتفاء المانع تدل على سببيته له حين رفع المانع الذي هو عدم البلوغ،
فيصير المعنى: إذا التقى الختانان وجب الغسل حين يمكن الوجوب وهو بعد
البلوغ.
لأن (1) الظاهر ومقتضى الحقيقة من العمومات: السببية التامة التي تتضمن
رفع المانع، أي ترتب الوجوب على مجرد الالتقاء. وتقييد المسبب الذي هو
الوجوب بحال ارتفاع المانع ليس بأولى من تقييد السبب الذي هو الالتقاء، فليس
الحمل على أنه إذا التقى الختانان وجب الغسل حين ارتفاع المانع أولى بالحمل على
أنه إذا التقى الختانان حين عدم المانع وجب الغسل مطلقا.
بل (2) لأجل أنه لما كان الغسل واجبا لغيره خاصة - كما يأتي - فيكون
الوجوب مقيدا بحال وجوب الغير لا محالة، ويكون المعنى: إذا التقى الختانان
وجب الغسل بعد تعلق وجوب الصلاة وإن لم يدخل بعد وقتها، على ما عرفت في
بحث الوضوء وتعلق مثل ذلك الخطاب بغير المكلف جائز قطعا؟ لعدم استلزامه
تعلق حكم شرعي حال عدم البلوغ، فبعد إطلاقه يجب الحكم بالدخول فيه،
فيجب الغسل عليه بعد البلوغ بمقتضاه.
نعم، يتمشى ذلك الاستدلال على القول بانتفاء الوجوب النفسي، وأما

(1) هذه علة للنفي في قوله: لا لأجل..،
(2) عطف على قوله. لا لأجل...
281

على القول به فلا، كما لا يخفى.
ولو غسل غير البالغ حين عدم البلوغ، فهل يجزي عن غسله أم لا؟
الظاهر الثاني، لأن صحته فرع تعلق الأمر به ولا أمر قبله، لاختصاص أوامره
بموجباته المختصة بما بعد البلوغ.
ثم إنه لا شك في عدم حرمة دخول المساجد وقراءة العزائم ونحوها على غير
البالغ. فهل يحرم على الولي تمكينه منه ويجب على الغير منعه؟ الحق. لا،
للأصل! فإن الثابت سببية الادخال لحرمة هذه الأمور على المكلف نفسه، وأما
غير ذلك فلا دليل عليه أصلا.
ز: لو وطئ الكافر حال كفره أو أمنى، يجب عليه الغسل بعد إسلامه،
بالاجماع المحقق والمحكي في كلام غير واحد (1).
أما على القول بكونه مكلفا بالفروع - كما هو المشهور بل عليه اتفاق فحول
أصحابنا وعمدتهم - فظاهر.
وأما على القول بعدمه - كما ذهب إليه شرذمة من متأخري الأخباريين (2) -
فللعمومات المتقدمة بالتقريب المذكور في غير البالغ.
ومنه يظهر أن بناء وجوبه عليه على القول بكونه مكلفا بالفروع - كما هو
الظاهر من الأكثر - غير صحيح.
خلافا لبعض الأخباريين، فلم يوجب عليه الغسل، لقوله عليه السلام:
(الاسلام يجب ما قبله " (3).
ولعدم نقل أمرهم عليهم السلام، أحدا ممن أسلم - ولا يسلم عن حدث
الجنابة غالبا - بالغسل، مع كثرتهم وتوفر الدواعي على نقله.

(1) منهم صاحب المدارك 1: 276.
(2) منهم المحدث: الكاشاني في الوافي 2: 2 8 والمحدث البحراني في الحدائق 3: 39.
(3) مسند أحمد بن حنبل 4: 199.
282

والأول مردود: بالضعف وعدم الجابر، مع أنه لا عموم فيه.
والثاني: بكفاية عمومات الغسل للأمر بغسلهم كسائر التكاليف، على أنه
نقل أمر قيس بالغسل حين أسلم (1).
وقال أسيد وسعد لمصعب وأسعد: كيف تصنعون إذا دخلتم هذا الأمر؟
قالا: نغتسل ونشهد شهادة الحق (2).
ولا يجزي غسله حال كفره وإن كان واجبا في مذهبه وموافقا في الكيفية له
في شرعنا، لا لعدم صحته، لعدم تأتي نية القربة منه! لمنعه. بل لأن الصحة
عبارة عن موافقة الأمر، وهي موقوفة على قصده امتثاله، وهو في حقه غير متحقق
وإن قصد امتثال أمر آخر ورد في مذهبه.
البحث الثاني: في أحكام الجنب.
وهي كثيرة، فإن من الأمور ما يجب عليه، وما يستحب، وما يحرم، وما
يكره وما يباح.
فالأولان: الغسل عند وجوب غاياته الآتية أو استخبابها؟؟.
وأما المحرمة:
فمنها: الصلاة مطلقا واجبة كانت أو مندوبة، بالاجماع والمستفيضة (3).
وصلاة الميت ليست صلاة ولو كانت فهي مستثناة بالأدلة.
ومنها: الطواف، كما يأتي في محله.
ومنها: قراءة إحدى العزائم الأربع بالاجماع المحقق والمنقول في أحكام
الراوندي والمعتبر والمنتهى والتذكرة (4) واللوامع وغيرها (5)، وهو الحجة، مضافا إلى

(1) سنن أبي داود 98 / 355.
(2) المغني لابن قدامة 1: 240.
(3) الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 14.
(4) فقه القرآن (أحكام الراوندي) 1: 50، المعتبر 1: 86 1 المنتهى 1: 86، التذكرة 1: 24.
(5) السرائر 1: 7 11.
283

المعتبرة.
منها: حسنة محمد: (الجنب والحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب
ويقرآن من القرآن ما شاءا إلا السجدة) (1).
وموثقة زرارة ومحمد، المروية في العلل بطريق صحيح. الحائض والجنب
يقرءان شيئا؟ قال. " نعم، ما شاءا إلا السجدة ويذكران الله على كل حال " (2).
والرضوي: " ولا بأس بذكر الله وقراءة القرآن وأنت جنب إلا العزائم التي
يسجد فيها، وهي ألم تنزيل، وحم السجدة، والنجم، وسورة إقرأ، ولا تمس
القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء ومس الأوراق " (3).
والمروي في المعتبر عن جامع البزنطي، حيث قال بعد حكمه بجواز قراءة
الجنب والحائض ما شاءا: إلا سور العزائم الأربع روى ذلك البزنطي في جامعه
عن المثنى عن الحسن الصيقل، عن أبي عبد الله عليه السلام (4).
والأولان وإن لم يكونا صريحين! لجواز كون الاستثناء من مجرد
الاستحباب، فلا ينافي الجواز.
والقول باستلزامه للاستحباب هنا - لكونه من العبادات فلا معنى
للاستثناء - باطل! لجواز أن يعني به ما عنوا في الزائد عن سبع آيات.
مع أن قراءة القرآن ليست كسائر العبادات التي يتوقف جوازها على
التوقيف، وإنما المتوقف عليه استحبابها، فيكون بدونه كقراءة الخطب ونحوها
والحاصل: أن ما يحكم فيه بالاستحباب بعد ثبوت الجواز ما ثبت صحته
المستلزمة لموافقته للمأمور به، المستلزمة للثواب عليه كالصلاة في الحمام، وأما ما
لم يكن كذلك فلا.

(1) التهذيب 1: 371 / 32 1 1، الوسائل 2: 7 1 2 أبواب الجنابة ب 9 1 ح 7.
(2) العلل: 288، الوسائل 2: 6 1 2 أبواب الجنابة ب 9 1 ح 4.
(3) فقه الرضا عليه السلام 84، المستدرك 1: 464، أبواب الجنابة ب 11 ح 1.
(4) المعتبر 1: 87 1، الوسائل 2: 8 21 أبواب الجنابة ب 9 1 ح 1 1.
284

ولا صريحين في حرمة قراءة السورة؟ لجواز إرادة الآية من السجدة، فإنها
كالسورة من مجازاتها، ولا مرجح.
وشيوع التعبير عن السور بأشهر ألفاظها وأكثريته غير مفيد في الترجيح،
وإنما المفيد شيوع أشهر الألفاظ في كونه معبرا به عن السور وأكثريته، وهو ممنوع،
وبينهما بون بعيد.
ولكن الأخيرين صريحان في الحرمة والسورة، فالقول بهما - كما هو المشهور -
متعين، وضعفهما بعد الشهرة العظيمة والاجماعات المحكية (1) غير ضائر.
فتخصيص الحرمة بنفس الآية؟ كما عن محتمل الانتصار (2) والاصباح،
والفقيه، والمقنع، والهداية، والغنية (3)، وجمل الشيخ ومبسوطه ومصباحه (4) ومختصره
والوسيلة (5) والنافع (6)، مع بعد في الخمسة الأول، واستوجهه بعض المتأخرين 7)
وتردد فيه في الكفاية (8)؟ غير جيد.
نعم، الظاهر منهما اختصاص الحرمة بنفس السورة، فلو خصت بها وبآية
السجدة المجمع على حرمتها ولم يتعد إلى غيرهما، لكان متجها؟ للأصل.
والتعدي إلى سائر أبعاضها مفرعا له على تحريم السورة - كما فعله جماعة (9)
لا وجه له لعدم صدق قراءة السورة على مطلق البعض ولو كان كلمة، سيما

(1) تقدمت الإشارة إليها في ص 282.
(2) الإنتصار: 31.
(3) الفقيه 1: 8 4، المقنع: 13، الهداية: 20، الغنية (الجوامع الفقهية): 49 5.
(4) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 160، المبسوط 1: 29، مصباح المتهجد: 8، إلا أن فيها
تحريم العزائم الأربع، فيكون الاحتمال فيه مبنيا على احتمال إرادة الآية من لفظة العزائم.
(5) الوسيلة: 55 بالتقريب المتقدم.
(6) المختصر النافع: 8 قال فيه: فيحرم عليه قراءة العزائم.
(7) صاحب كتاب رياض المسائل من مشايخ صاحب الحدائق (منه رحمه الله).
(8) الكفاية 3.
(9) منهم العلامة في القواعد 1: 13، والشهيد في البيان: 2 6 وصاحب المدارك 279.
285

إذا لم يقصد قراءة غير البعض. ولا يتبادر من قراءة السورة قراءة كل بعض،
ويصح السلب عنها، فيقال: ما قرأ السورة ولكن قرأ بعضها.
والاستعمال أحيانا - كما يقال للمشتغل بقراءة سورة. يقرأ السورة الفلانية،
مع أنه لم يقرأ إلا بعضها - أعم من الحقيقة، مع أنه إنما هو إذا ظن إرادته إتمام
السورة أو لم يعلم إرادة قراءة البعض.
فالقول بجواز قراءة سائر الأبعاض قوي جدا، والاجماع على عدمه سيما مع
مخالفة من ذكر بكثرتهم في غير آية السجدة غير ثابت.
نعم، لو قصد من قراءته الاتمام، ارتكب المحرم ولو عرض مانع منه (1).
ومنها: مس كتابة المصحف عند المعظم، بل عليه الاجماع عن الخلاف
والمعتبر والمنتهى والتذكرة والغنية والذكرى (2)، بل لعله المحقق، لعدم ثبوت
خلاف الإسكافي (3) والمبسوط (4) وقولهما بالكراهة كما نسب إليهما؟ لأن إرادة الحرمة
من الكراهة في العرف الأول شائعة، مع أن في اللوامع تصريح الثاني في الجنب
بالتحريم، وإنما قال بالكراهة في الحدث الأصغر.
ولو ثبت خلافهما ففي تحقق الاجماع غير قادح! فهو الحجة في المسألة،
مضافا إلى ما مر في بحث الوضوء مع سائر ما يتعلق بهذه المسألة (5).
ولا يلحق بها اسم الله سبحانه، ولا أسماء الأنبياء والحجج وفاقا فيهما لمن
تقدم على الشيخين، كما صرح به بعض الأجلة (6)، وبعض من تأخر

(1) وجه مذكور في كتاب عوائد الأيام (منه رحمه الله)
(2) الخلاف 1: 8 1، المعتبر 1: 87 1، المنتهى 1: 87، التذكرة 1: 42 الغنية (الجوامع
الفقهية): 550، الذكرى: 23.
(3) نقله عنه في المختلف 36.
(4) المبسوط 1: 23، 29.
(5) في ص 216.
(6) هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 82.
286

كالأردبيلي (1)، وظاهر المدارك والكفاية (2). وفي الأخيرين للمعتبر، والمنتهى،
والتحرير (3) أيضا، ومعظم الثالثة (4) أيضا.
للأصل المؤيد بالمروي في المعتبر: يمس الدراهم وفيها اسم الله أو اسم
رسوله؟ قال: لا بأس به وربما فعلت ذلك) (5) لترك الاستفصال يعم مس الاسم
منه أيضا.
خلافا في الأول خاصة للكتب الثلاثة المذكورة (6) " ونهاية الإحكام (7)
مدعيا عليه عمل الأصحاب في الثاني، وانتفاء الخلاف في الرابع.
وفيهما للمقنعة، وجمل الشيخ ومصباحه (8) ومختصره ومبسوطه، والسرائر
والمهذب والوسيلة (9) والاصباح والجامع وأحكام الراوندي والغنية والقواعد
والارشاد والتبصرة (10) والكركي (11)، والشهيد (12) بل الأكثر كما في شرح القواعد

(1) مجمع الفائدة 1، 134.
(2) المدارك 1: 280، الكفاية: 3 قال. والمشهور تحريم مس شئ مكتوب عليه اسم الله تعالى أو أسماء
الأنبياء والأئمة عليهم السلام.
(3) المعتبر 1: 88 1، المنتهى 1: 87، التحرير 1: 2 1.
(4) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 52، والمحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 164
وصاحب الحدائق 3: 8 4.
(5) المعتبر 1، 88 1، الوسائل 2: 215 أبواب الجنابة ب 8 1 ح 4.
(6) يعني المعتبر والمنتهى والتحرير.
(7) نهاية الإحكام 1: 101.
(8) المقنعة: 51 ولكن فيه تحريم مس أسماء الله فقط، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 161،
مصباح المتهجد: 8.
(9) المبسوط 1: 29، السرائر 1: 7 1 1 المهذب 1: 34، الوسيلة: 55.
(10) الجامع للشرائع: 39 أحكام الراوندي (فقه القرآن) 1: 50، الغنية (الجوامع الفقهية): 50،
القواعد 1: 13، ولكن فيه تحريم ما عليه اسم الله فقط، الإرشاد 1: 225، التبصرة: 8.
(1 1) جامع المقاصد 1: 267.
(2 1) البيان: 2 6، الدروس 1: 96، الذكرى: 34.
287

للمحقق الثاني (1)، بل عليه الاجماع كما عن الغنية (2).
لموثقة عمار: " لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى " (3) في
الأول، ونقل الاجماع، ووجوب تعظيم شعائر الله فيهما.
ويضعف الأول: بعدم الدلالة على الحرمة. والثاني: بعدم الحجية.
والثالث: بمنع الدليل على الكلية.
ثم على القول بالتحريم في الأول. ففي اختصاصه بالجلالة - كما في الموجز
الحاوي - للأصل، واحتمال اختصاص الموثقة، بجعل الإضافة بيانية. أو مع
الرحمن ونحوه من الأعلام في سائر اللغات! لكونه علما وظهور الإضافة في
اللامية. أو مع سائر أسمائه تعالى، وإن لم يكن أعلاما، كما يعطي أحد الأخيرين
- على ما قيل (4) - كلام المقنعة، والاقتصاد، والمصباح (5)، ومختصره، والوسيلة،
والغنية، والجامع (6)! لاشتراك الجميع في وجوب التعظيم! أوجه.
كما أن في تعميم المنع لما جعل جزء اسم - كما في عبد الله - لقصد الواضع
اسمه سبحانه، وتخصيصه بغيره للخروج عن الاسم بالجزئية؟ وجهين.
ومنها. اللبث في المساجد مطلقا، وفاقا لغير شاذ يأتي (7)، بل للمعظم، بل
عن الخلاف والغنية الاجماع عليه (8)، بل عن المحقق حيث نقل الاجماع على

(1) جامع المقاصد 1: 267.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
(3) التهذيب 1: 31 / 82، الإستبصار 1: 8 4 / 133، الوسائل 2: 214 أبواب الجنابة ب 18 ح 1.
(4) القائل هو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 82.
(5) المقنعة: 51، الإقتصاد: 244، مصباح المتهجد: 8.
(6) الوسيلة: 55، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، الجامع: 39.
(7) في ص 290.
(8) الخلاف 1: 514، الغنية (الجوامع الفقهية): 9 54.
288

وجوب الغسل (1)، وفي المنتهى عدم معرفة الخلاف فيه (2).
للاجماع وللآية الكريمة (3) الناهية المفسرة بهذا في صحيحة زرارة ومحمد،
المروية في العلل: الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال: " لا يدخلان
المسجد إلا مجتازين، إن الله يقول: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا،
ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا " (4) الحديث.
ومثلها المروي في تفسيري العياشي والقمي عن الباقر والصادق عليهما
ا لسلام (5).
وفيما رواه الطبرسي عن الباقر عليه السلام إن معناه: لا تقربوا مواضع
الصلاة من المساجد وأنتم جنب إلا مجتازين (6).
ولا يضر ضم السكارى مع الجنب في إبقاء النهي على حقيقته! لأن النهي
فيهم إنما هو عن كونهم حين قرب المسجد سكارى، بأن لا يشربوا في وقت يؤدي
إلى دخولهم المسجد حال سكرهم، حيث إن السكران لا يصلح لتوجه الخطاب.
مع أن الاجماع على عدم حرمة دخول السكران في المسجد غير ثابت، ولذا قال في
البحار: إنه يمكن استنباط منع السكران من دخول المسجد عن الآية (7).
وللمروي في الخصال ومجالس الصدوق: " ونهى أن يقعد الرجل في

(1) لم نعثر عليه في كتبه نعم قد يستفاد من المعتبر 1: 188 نفي الخلاف فيه حيث نسب الخلاف إلى
سلار دون غيره.
(2) المنتهى 1: 87.
(3) النساء: 43.
(4) العلل: 288، الوسائل 2؟؟: 207 أبواب الجنابة ب 15 ح 10.
(5) تفسير العياشي 1: 243 / 138، تفسير القمي 1: 139، المستدرك 1: 459، الوسائل 2: 207
أبواب الجنابة ب 15 ح 10.
(6) مجمع البيان 2: 52، الوسائل 2: 210 أبواب الجنابة ب 15 ح 20.
(7) البحار 78: 37.
289

المسجد وهو جنب " (1).
وصحيحة أبي حمزة: " إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام، أو مسجد
الرسول صلى الله عليه وآله، فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم، ولا يمر في المسجد
إلا متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل، وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل
كذلك، ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد ولا يجلسا فيها " (2).
وأما على ما في بعض الكتب الاستدلالية فلا صراحة لها في الوجوب حيث
عبر فيها بقوله: " ولا يجلسان " (3).
وتؤيدها المستفيضة من المعتبرة، كحسنتي جميل (4) ومحمد (5)، ورواية ابن
حمران (6)، وغيرها مما بمعناها. بل استدل بها الأكثر، وإن كان عندي محل نظر،
لعدم صراحتها في الوجوب وإن كانت لها محتملة، كما ذكرنا غير مرة.
خلافا للمحكي عن الديلمي فكرهه (7)، للأصل وصحيحة محمد.
وعن الفقيه، والمقنع، فجوزا نومه فيها (8)؟ لصحيحة محمد بن القاسم:.
عن الجنب ينام في المسجد، فقال: " يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمر
فيه " (9).

(1) الخصال: 327، أمالي الصدوق: 47 3.
(2) الكافي 3: 73 الطهارة ب 46 ح 4 1، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15 ح 3 والرواية مرفوعة
وليست بصحيحة، نعم رواها في التهذيب 1: 07 4 / 1280 بسند صحيح ولكنها ليست مشتملة
على حكم الحائض.
(3) ولا يخفى أن في الكافي والوسائل أيضا ورد كذلك.
(4) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 4، التهذيب 1: 25 1 / 338 الوسائل 2: 5 20 أبواب الجنابة
ب 15 ح 2.
(5) التهذيب 1: 371 / 32 1 1، الوسائل 2: 209 أبواب الجنابة 15 ح 7 1.
(6) التهذيب 6: 15 / 34، الوسائل 2: 206 أبواب الجنابة ب 15 ح 5.
(7) المرا سم 2 4.
(8) الفقيه 1: 48، المقنع: 14.
(9) التهذيب 1: ا 37 / 34 1 1، الوسائل 2: 210 أبواب الجنابة ب 15 ح 8 1.
290

والأصل مندفع بما مر، والصحيحة بمعزل عن الحجية، لمخالفتها للآية
الكريمة والشهرة العظيمة، وموافقتها للحنبلية (1) كما هي محكية، مع أن إرادة
الغسل من التوضؤ ممكنة.
ولا يحرم الاجتياز فيما عدا المسجدين، بالاجماع والآية والروايات.
وهل الجواز الجائز يختص المرور بالدخول من باب والخروج من آخر، أو
يشمل الدخول والخروج من باب واحد من غير انحراف وتردد، أو يشمل التردد
والمشي في الجوانب أيضا؟
الظاهر المتبادر من الآية والروايات المفسرة لها، بل صريحها - كما قيل (2)
هو الأول، كما هو - على ما حكي - مذهب الأكثر، بل هو الأقوى والأظهر.
وتجويز شمولها للأخيرين بعيد عن الصواب.
ولو سلم فلا يضر، إذ مجرد الاحتمال لا يكفي في الخروج عن المستثنى منه،
بل قضية الأصل تقتضي عدم خروج ما لم يقطع بخروجه.
وأما حسنة جميل: عن الجنب يجلس في المساجد؟ قال: " لا، ولكن يمر
فيها كلها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله " (3) وخبره. للجنب أن
يمشي في المساجد كلها ولا يجلس فيها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى
الله عليه وآله) (4) وإن اقتضيا بإطلاقهما جواز التردد، إلا أن مقتضى تعارضهما
مع الآية بالعموم من وجه، ووجوب تقديم الكتاب حينئذ: حمل المرور والمشي
فيهما على الاحتمال الأول.
مع أن اقتضاء الأولى لذلك ممنوع غايته لمنع صدق المرور على غير الأول،

(1) المغني لابن قدامة 1: 168.
(2) قال به في الحدائق 3: 53.
(3) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 4، التهذيب 1: 125 / 338، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة
ب 15 ح 2.
(4) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 3، الوسائل 2: 206 أبواب الجنابة ب 15 ح 4.
291

بل الظاهر منه العبور.
ولا يجب عليه في الاجتياز اختبار أقرب الطريقين إذا تعدد طريق الجواز
لصدق العبور والاجتياز.
وهل يجب في الطريق الواحد العبور منه على أقرب المسافات، أو يجوز
الانحراف بحيث تزبد المسافة؟
الظاهر: الثاني إذا لم يخرج عن صدق العبور عرفا.
خلافا للمنتهى، فأوجب اختيار الأقرب، اقتصارا في محل المنع على قدر
الضرورة (1).
وفيه: منع كونه محل المنع.
والبائرة من المساجد كالدائرة ولو لم يبق إلا أرضها ما لم تبلغ حد الموات
لصدق اسم المسجد، واستصحاب الحكم.
ولو اضطر الجنب إلى اللبث فيها - لعدم إمكان خروجه، أو خوفه على مال
محترم بالخروج - تيمم ولبث لعموم البدلية، كما يأتي.
ولا تلحق بالمساجد الضرائح المقدسة والمشاهد المشرفة والمواقف الكريمة،
كمشعر ومنى، وفاقا للأكثر للأصل.
وخلافا في الأولين للشهيدين (2) لاشتمالها على فائدة المسجدية، وللمروي
في بصائر الدرجات وقرب الإسناد وفيه: " يا أبا محمد أما تعلم أنه لا ينبغي لجنب
أن يدخل بيوت الأنبياء (3).

(1) المنتهى 1: 88:
(2) نسبه إليهما في المدارك 1: 282، وقال الشهيد في الذكرى: 35 يكره الاجتياز في المساجد للجنب
والحائض مع أمن التلويث للتعظيم... ولو علم التلويث حرم الجميع، وألحق المفيد في العزية
المشاهد المشرفة بالمساجد، وهو حسن لتحقق معنى المسجدية فيها وزيادة. وانظر روض الجنان:
81.
بصائر الدرجات: 241 / 23، قرب الإسناد: 43 / 140 الوسائل 2: 211 أبواب الجنابة
ب 16 ح 1.
292

وفي إرشاد المفيد (1)، وكشف الغمة (2)، ورجال الكشي وفيه. وأحد النظر
إليه وقال. " هكذا تدخل بيوت الأنبياء وأنت جنب؟ " (3).
وفي الخرائج والجرائح، وفيه: فقال له أبو عبد الله الحسين عليه السلام.
" أما تستحي يا أعرابي أن تدخل على إمامك وأنت جنب؟! " (4).
ولتساويهم حيا وميتا - كما هو المستفاد من الأخبار - يثبت الحكم في
المطلوب.
ويجاب عنها بضعفها، وعدم دلالتها على الحرمة مع أن في بيوتهم غالبا من
لا يخلو عن جنابة أو حيض أو نفاس.
نعم، لا شك في الكراهة، لما مر.
ومنها: وضع الشئ فيها، على الأظهر الأشهر، وعن الغنية الاجماع
عليه (5)، بل عن الفاضل، لنقله الاجماع على وجوب الغسل له (6).
للرضوي المنجبر بالعمل: " ولهما - أي الجنب والحائض - أن يأخذا منه،
وليس لهما أن يضعا فيه " (7) فإن المتبادر من تركيب " ليس لهما " التحريم
وتؤيده صحيحة العلل، المتقدمة (8)، وصحيحة ابن سنان.: عن الجنب
والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال: " نعم، ولكن لا يضعان في

(1) إرشاد المفيد 2: 185، الوسائل 2: 210 أبواب الجنابة ب 16 ح 2.
(2) كشف الغمة 2: 169، الوسائل 2: 211 أبواب الجنابة ب 6 1 ح 3.
(3) رجال الكشي 1: 399 / 288، الوسائل 2: 212 أبواب الجنابة ب 6 1 ح 5.
(4) الخرائج والجرائح 1: 246 / 2 الوسائل 2: 212 أبواب الجنابة ب 16 ح 4.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.
(6) لم نعثر في كتبه الموجودة على نقله الاجماع على وجوب الغسل له، نعم قال في المنتهى 1: 88 لا
يجوز له وضع شئ في المساجد مطلقا ويجوز له أخذ ما يريد منها وهو مذهب علمائنا إلا سلار.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 463 أبواب الجنابة ب 10 ح 1.
(8) في ص 289.
293

المسجد شيئا، (1).
خلافا للمحكي عن الديلمي (2) وموضع من الخلاف (3)، فكرهاه،
للأصل.
وجوابه ظاهر. وحمل الكراهة على التحريم كما هو الشائع عندهم ممكن.
ولبعض المتأخرين (4)، فخص التحريم بالوضع المستلزم للبث.
قيل: لتعارض إطلاق تحريم الوضع وتجويز المشي، فيرجع في محل الاجتماع
إلى الأصل.
وضعفه ظاهر؟ إذ لا تعارض أصلا.
ومقتضى إطلاق ما مر: حرمة الوضع فيه ولو من غير دخول، كما صرح به
الأكثر. وهو كذلك. وما يدل على خلافه - كما يأتي - لا حجية فيه.
وأما الطرح فيه من الخارج فلا بأس به، لعدم ثبوت صدق الوضع عليه،
ولو صدق، فالشهرة الجابرة فيه غير معلومة.
ومقتضى صريح ما تقدم: جواز الأخذ منه. وهو كذلك، والاجماع منعقد
عليه.
وأما ما في تفسير القمي: " ويضعان فيه الشئ ولا يأخذان منه)، فقلت:
فما بالهما يضعان فيه الشئ ولا يأخذان منه؟ قال. " فإنهما يقدران على وضع الشئ
من غير دخول ولا يقدران على أن يأخذا منه حتى يدخلا " (5)؟ فلا يصلح
للمعارضة، لضعفه بنفسه، ولمخالفته العمل.

(1) الكافي 3: 1 5 الطهارة ب 33 ح 8، التهذيب 1: 25 1 / 339، الوسائل 2: 213 أبواب الجنابة
ب 17 ح 1.
(2) المراسم 2 4.
(3) قال في كشف اللثام 1: 81 وقد يظهر من الخلاف في موضع.
(4) ابن فهد الحلي في المقتصر: 9 4.
(5) تفسير القمي 1: 39 1، الوسائل 2: 213 أبواب الجنابة ب 7 1 ح 3.
294

ومنها: دخول المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله، فإنه يحرم
مطلقا ولو اجتيازا، على الأشهر، بل عليه الاجماع في المعتبر والمدارك والتذكرة (1)،
وعن ظاهر الغنية (2)، ونفي الخلاف بين الأصحاب في الحدائق (3).
لمفهوم قوله في صحيحة أبي حمزة: (ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد (4).
وتؤيده حسنة جميل، وروايته، ورواية ابن حمران، وحسنة محمد (5).
وللمروي في العيون والمجالس عن رسول الله صلى الله عليه وآله. " ألا إن
هذا المسجد لا يحل لجنب إلا لمحمد وآله " (6).
ولم يتعرض جماعة - كالصدوقين (7) والمفيد (8) والديلمي (9) والشيخ في الجمل
والاقتصاد والمصباح (10) ومختصره، والكيدري - له، مع إطلاقهم جواز الاجتياز في
المساجد؟ وكأنه لقصور ما ذكر عن إثبات الحرمة. وهو كذلك لولا مفهوم
الصحيحة، ولكنه كاف في إثباتها.
ثم لو احتلم في أحدهما يجب أن يتيمم! لدلالة المستفيضة (11). فقول
الشاذ (12) منا بالاستحباب ضعيف.

(1) المعتبر 1: 89 1، المدارك 1: 2 28، التذكرة 1: 5 2
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.
(3) الحدائق 3: 49.
(4) الكافي 3: 73 الطهارة ب 46 ح 14، الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15 ح 3.
(5) المتقدمة ص 290، 291.
(6) العيون 1: 82 1، أمالي الصدوق: 4 2 4، الوسائل 2: 207 أبواب الجنابة ب 15 ح 2 1.
(7) الفقيه 1: 8 4، الهداية: 21، ونقل عن والد الصدوق في الذكرى: 32.
(8) المقنعة: 51.
(9) المراسم: 42.،
(10) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 160، الإقتصاد: 244، المصباح: 8.
(11) الوسائل 2: 205 أبواب الجنابة ب 15.
(12) هو ابن حمزة في الوسيلة: 70.
295

وفي حكم الاحتلام فيهما الجنابة في اليقظة أو دخول الجنب فيهما سهوا، أو
عمدا لضرورة أم لا! لا لعدم تعقل الفرق كما قيل (1)، بل لعموم بدلية التيمم
فيجب مع إمكانه.
وأما المكروهة:
فمنها. الأكل والشرب على الأظهر الأشهر، بل عليه الاجماع عن الغنية
والتذكرة (2) وغيرهما (3)، للمستفيضة:
منها: مرسلة الفقيه: " الأكل على الجنابة يورث الفقر " (4).
والأخرى: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الأكل على الجنابة "
وقال: " إنه يورث الفقر " (5).
ونحوهما المروي في الخصال والمجالس (6).
وصحيحة الحلبي: " إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ " (7).
ورواية السكوني: " ولا يذوق - أي الجنب - شيئا حتى يغسل يديه
ويتمضمض، فإنه يخاف منه الوضح " (8).
والرضوي. " وإذا أردت أن تأكل على جنابتك، فاغسل يديك وتمضمض
واستنشق ثم كل واشرب إلى أن تغتسل، فإن أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف

(1) قال به المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 78.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 25.
(3) حاشية المدارك: 45.
(4) الفقيه 1: 47 / 178، الوسائل 2: 220 أبواب الجنابة ب 20 ح 6.
(5) الفقيه 4: 2 / 1، الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 5.
(6) الخصال: 204 / 2، أمالي الصدوق: 344 / 1، المستدرك 1: 466 أبواب الجنابة ب 13 ح 1.
(7) الفقيه 1: 47 / 1 8 1، الوسائل 2: 9 1 2 أبواب الجنابة ب 20 ح 4.
(8) الكافي 3: 1 5 الطهارة ب 33 ح 2 1، التهذيب 1: 130 / 357، الإستبصار 1: 6 1 1 / 1 39،
الوسائل 2: 219 أبواب الجنابة ب 20 ح 2 الوضح بالتحريك. البرص.
296

عليك البرص، ولا تعد إلى ذلك " (1) إلى غير ذلك.
خلافا للمحكي عن الفقيه، فلم يجوزهما له (2)! لظاهر النهي.
ويضعف: بوجوب حمله على التنزيه.
لا لمعارضته مع موثقة ابن بكير: عن الجنب يأكل ويشرب ويقرأ؟ قال:
(نعم، يأكل ويشرب ويقرأ ويذكر الله ما شاء، (3).
لأن بعد تخصيص النهي بما قبل الاتيان بما أجمع على أنه مزيل للكراهة
تكون أدلته أخص مطلقا من الموثقة فتخصصها.
بل لعدم قول به إلا منه، فيضعف لأجله روايات النهي، ويقصر عن
إثبات الزائد عن الكراهة. مع أن التعليل في عبارته مشعر بإرادته الكراهة أيضا
كما قيل (4).
ثم مقتضى المرسلتين وإن كان الكراهة مطلقا، فلا تزول إلا بالغسل
وزوال الجنابة، إلا أن مقتضى مفهومي الغاية والشرط في البواقي: تقييدهما
وزوالها بغير الغسل أيضا إذا أتى بما ذكر فيها.
ثم الأمر المزيل لها قبله هل هو الوضوء خاصة؟ كما عن المقنع (5)، أو هو أو
المضمضة والاستنشاق؟ كما عن المنتهى والتحرير ونهاية الإحكام والدروس (6)، أو

(1) فقه الرضا عليه السلام: 84، المستدرك 1: 466 أبواب الجنابة ب 13 ح 2.
(2) الفقيه 1: 46.
(3) الكافي 3، 50 الطهارة ب 33 ح 2، التهذيب 1: 28 1 / 346، الإستبصار 1: 4 1 1 / 379،
الوسائل 2: 215 أبواب الجنابة ب 19 ح 2.
(4) قاله في الرياض 1: 33.
(5) المقنع: 13.
(6) المنتهى 1: 89، التحرير 1: 12، نهاية الإحكام 1: 104، الدروس 1: 6 9.
297

الأخيران فقط؟ كالقواعد (1) وعن الخمسة (2) وأتباعهم، بل نسب إلى المشهور (3)،
أو هما مع غسل اليدين؟ كما عن الفقيه والهداية والأمالي (4)، أو هو مع المضمضة؟
كالمعتبر (5)، أو هما مع غسل الوجه؟ كالنفلية (6)، أو هو مع المضمضة، أو
الوضوء، أو غسل اليدين، مع أفضلية الأولين؟ كالمدارك (7)، أو كل مما ذكر
تخييرا؟ كأحد المحتملين في اللوامع والمعتمد. فيه أقوال، منشؤها: اختلاف
الأخبار التي منها ما تقدم.
ومنها: صحيحة زرارة: " الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يده
وتمضمض وغسل وجهه وأكل وشرب " (8).
وصحيحة البصري: أيأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟ قال: " إنا لنكسل (9)،
ولكن ليغسل يده، والوضوء أفضل " (10).
مضافا إلى اختلاف الأفهام في كيفية تعارضها - من جهة دلالة بعضها على
عدم انتفاء الكراهة إلا بالتوضؤ، وآخر على انتفائها بالمضمضة وغسل اليد وعدمه
بدونهما، وثالث بغيرهما - وفي وجه الجمع بينها.

(1) القواعد 1: 6.
(2) هم الشيخ الصدوق، ووالده، والشيخ المفيد، والسيد المرتضى والشيخ الطوسي - نقله عنهم
وعن اتباعهم المحقق في المعتبر 1: 191.
(3) نسبه الشهيد الثاني في المسالك 1: 8، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 82.
(4) الفقيه 1: 46، الهداية: 20، أمالي الصدوق: 6 51.
(5) المعتبر 1: 191.
(6) النفلية: 10.
(7) المدارك 1: 284.
(8) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 1، التهذيب 1: 29 1 / 354، الوسائل 2: 19 2 أبواب الجنابة
ب 20 ح 1.
(9) كذا في جميع النسخ والمصادر، ولكن قال في الوافي 6: 423 ويشبه أن يكون مما صحف وكان " إنا
لنغتسل " لأنهم عليهم السلام أجل من أن يكسلوا في شئ من عبادة ربهم عز وجل.
(10) التهذيب 1: 372 / 1137، الوسائل 2: 220 أبواب الجنابة ب 20 ح 7.
298

وتحقيق المقام بعد بيان أمرين:
أحدهما: أنه لا دلالة لاستحباب أمر عند ارتكاب آخر ثابت الكراهة على
انتفائها بعد فعل ذلك المستحب بوجه من الوجوه.
ومن ذلك يظهر عدم كون الصحيحتين من أخبار المقام منافيتين للأخبار
المتقدمة أصلا، غايتهما استحباب ما ذكر فيهما للجنب عند الأكل والشرب.
وثانيهما: أن المصرح به في الأخبار أن كراهة الأكل والشرب للجنب إنما هي
لأمرين: أحدهما: إيراثه الفقر. والآخر: إيجابه البرص. والمستفاد من روايتي
السكوني والرضوي: انتفاء الثاني خاصة بفعل ما ذكر فيهما دون الأول أيضا،
ولازمه تخفيف الكراهة بفعله، إذ تخفيف مرجوحية ما فيه جهتا مرجوحية بزوال
إحداهما لا انتفائها رأسا. وعلى هذا فلا تعارض بين الروايتين وصحيحة الحلبي
أيضا؟ لأنها تدل بمفهوم الغاية على انتفاء مطلق النهي بالتوضؤ، وهما تدلان على
انتفاء خوف البرص بغسل اليد والمضمضة، أو مع الاستنشاق أيضا.
نعم، يعارض منطوق الرضوي المصرح ببقاء ذلك الخوف قبل الثلاثة مطلقا
- وإن غسلت يدك وتمضمضت - مع مفهوم رواية السكوني الدال على انتفاء
الخوف بالأمرين مطلقا - سواء كان معهما الاستنشاق أم لا - بالعموم من وجه،
وإذ لا مرجح فيرجع إلى أصالة بقاء الكراهة وعدم تخفيفها بدون الثلاثة.
ومن ذلك ظهر أن حق القول في المسألة انتفاء الكراهة بالوضوء وتخفيفها!
بغسل اليدين والمضمضة والاستنشاق.
وعن ظواهر الاقتصاد، والمصباح (1)، ومختصره، والسرائر، والنهاية (2)، وفي
الشرائع (3): تخفيفها بالأخيرين، من غير تعرض للانتفاء بالوضوء.

(1) الإقتصاد: 244، مصباح المتهجد: 9.
(2) السرائر 1: 118، النهاية: 21.
(3) الشرائع 1: 27
299

قيل: لعله لتعليل النهي عن الأكل على الجنابة بإيراثه الفقر، وما ذكر لا
يرفع الجنابة التي هي العلة (1).
وفيه: أن مقتضى مفهوم الغاية في الصحيحة انتفاء النهي الذي هو المعلول
بالوضوء وهو كاشف عن عدم علية مطلق الجنابة. مع أنه لو كانت العلة لما كان
وجه للخفة؟ لعدم تخفيف الجنابة بالاستنشاق والمضمضة.
ثم لا شك في عدم اعتبار تعدد الأمور المذكورة بتعدد الأكل والشرب مع
الاتصال.
وهل يعتبر مع التراخي مطلقا، أو إذا طال الزمان، أو تخلل الحدث، أو لا
يعتبر مطلقا؟ أظهرها الأول! لعموم قوله: " إذا أردت " - في الرضوي - وعدم
القول بالفصل بين ما فيه وبين الوضوء في ذلك.
ويمكن اعتبار تخلل الحدث في تعدد الوضوء خاصة، فتأمل.
ومنها: قراءة غير العزائم من القرآن مطلقا، وفاقا للمحكي عن الخصال
والمراسم وابن سعيد (2)، لرواية الخدري. " يا علي، من كان جنبا في الفراش مع
امرأته فلا يقرأ القرآن، فإني أخشى أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما " (3).
المؤيدة بالمروي في الخصال: " سبعة لا يقرؤون القرآن، وعد منهم: الجنب
والنفساء والحائض (4).
وبروايتي قرب الإسناد والخصال، المتقدمتين في الوضوء المستحب (5).
وجعلهما مؤيدتين! لاحتمال إرادة قي الإباحة الخاصة أو الاستحباب

(1) قاله صاحب الرياض 1: 33.
(2) الخصال: 358، المراسم: 2 4، الجامع: 39.
(3) الفقيه 3: 358 / 1712، العلل: 514 / 5، أمالي الصدوق: 455 / 1، الوسائل 2: 216
أبواب الجنابة ب 19 ح 3.
(4) الخصال: 357 ح 42.
(5) في ص 32، 33.
300

منهما، ولا تلزم منه حرمتها حيث إنها عبادة؟ لأن قراءة القرآن ليست من
التوقيفيات التي لم تتحمل الإباحة والكراهة، كما مر.
وحاصله: أن عدم إبقاء الكراهة على المعنى المصطلح فيما يقول به إنما هو
إذا كانت مما ثبتت صحته المستلزمة للثواب والمطلوبية، ولم يثبت ذلك فيما نحن
فيه.
وتؤيد المطلوب أيضا الرواية العامية عن علي عليه السلام: (لم يكن يحجب
النبي - أو قال يحجزه - عن قراءة القرآن شئ سوى الجنابة " (1).
خلافا لجماعة، فخصوا الكراهة بالزائد على السبع، إما مطلقا، كالمعتبر
والنافع والمنتهى والقواعد " 2)، والكركي (3)، وغيرهم (4)؟ لمضمرة سماعة: عن
الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال: " ما بينه وبين سبع آيات) (5).
أو مع اشتدادها في الزائد على السبعين، كما في الشرائع والكفاية (6) واللوامع
والمعتمد، وغيرها؟ لمضمرته الأخرى، وفيها بدل سبع آيات: سبعين آية (7).
دلتا على جواز قراءة ما نقص عن السبع.
ولكونها عبادة لا يكون الجواز فيه إلا مع المطلوبية المنافية للكراهة. مع أن
المستفاد من مفهوم الوصف عدم قراءة الجنب للزائد المحمول على الكراهة؟
لضعف القول بالتحريم كما يأتي، فلا يكون الناقص مكروها.

(1) سنن ابن ماجة 1: 195 / 594، وراجع مستدرك الوسائل 1: 465 أبواب الجنابة ب 2 1.
(2) المعتبر 1: 190، المختصر النافع: 9، المنتهى 1: 87، القواعد 1: 3 1.
(3) جامع المقاصد 1: 269.
(4) كالمهذب 1: 34.
(5) التهذيب 1: 28 1 / 350، الإستبصار 1: 4 1 1 / 383، الوسائل 2: 218 أبواب الجنابة ب 9 1
ح 9.
(6) الشرائع: 27، الكفاية: 3.
(7) التهذيب 1: 28 1 / 351، الإستبصار 1: 114 / 383، الوسائل 2: 218 أبواب الجنابة ب 9 1
ح 10.
301

ويضعف. بمنع استلزام الجواز هنا للمطلوبية، بل التساوي. ومنع كون
مطلق قراءة القرآن عبادة، وإنما هو فيما سلمنا الثواب عليه وهو في المقام ممنوع،
كما مر.
مع أنه لو استلزمها، لكانت الكراهة فيه أيضا بمعنى لا ينافيها قطعا.
وبعدم حجية مفهوم الوصف.
مع أن حملهما على شدة الكراهة ممكن، كما ارتكبوه في خبر السبعين.
ولأخرى (1)، فنفوها مطلقا، كما في المدارك والبحار وعن جمل الشيخ (2)؟
للأصل، وعموم قوله عز شأنه: (فاقرأوا ما تيسر، (3) والأخبار المصرحة بأنه يقرأ
القرآن، أو ما شاء منه، أو بنفي البأس عن قراءته، كصحيحتي الفضيل (4)
والحلبي (5)، وموثقة ابن بكير (6)، وغيرها.
والأول بما مر مندفع. والثاني به مخصوص، مع أنه لثبوت حرمة قراءة
العزائم على الجنب يكون في الآية تقييد قطعا، وهو كما يمكن أن يكون في المقروء
بتقييده بغير العزائم يمكن أن يكون في القارئ بتخصيصه بالمتطهر، وحينئذ لا
ينافي ما مر مطلقا، وإذ لم يتعين أحد الاحتمالين يحصل فيه الاجمال المنافي
للاستدلال.
ومنه يعلم أنه لا يمكن الحكم بكون الآية أعم من وجه مما مر.

(1) يعني: وخلافا لجماعة أخرى.
(2) المدارك 1: 285، البحار 78: 50 الجمل والعقود (الرسائل العشر: 61 1.
(3) المزمل: 20.
(4) التهذيب 1: 28 1 / 7 4 3، الإستبصار 1: 4 1 1 / 380، الوسائل 2: 7 1 2 أبواب الجنابة ب 9 1
ح 5.
(5) التهذيب 1: 28 1 / 8 4 3، الإستبصار 1: 4 1 1 / 1 38، الوسائل 2: 7 1 2 أبواب الجنابة ب 9 1
ح 6.
(6) الكافي 3: 50 الطهارة ب 33 ح 2، التهذيب 1: 128 / 346، الإستبصار 1: 14 1 / 379،
الوسائل 2: 215 أبواب الجنابة ب 19 ح 2.
302

والثالث غير مناف للكراهة! إذ لا يثبت منه إلا الجواز المتحقق معها أيضا.
ولثالثة (1)، فحرموها إما مطلقا، كالديلمي في أحد قوليه (2)! لروايتي
الخصال والخدري، المتقدمتين (3) أو في الزائد على السبع، كما عن القاضي (4)،
وظاهر المقنعة والنهاية (5)، وبعض الأصحاب كما في المختلف (6)، ومحتمل
التهذيبين (7)! للمضمرة الأولى، وبها تخصص الروايتان. أو على السبعين، كما
نقله في المنتهى عن بعض الأصحاب (8)! للمضمرة الثانية.
ويضعف الأول: بقصور الروايتين عن إثبات حرمتها من حيث الدلالة!
لخلوهما عن الدال عليها، وعدم انتهاضهما له لو دلتا، لمعارضتهما مع الأخبار
المجوزة الراجحة عليهما بالأكثرية عددا، والأصحية سندا، والأوضحية دلالة،
وبالموافقة للمشهور ونقل الاجماع على الجواز، كما عن الانتصار والخلاف والغنية
وأحكام الراوندي والمعتبر (9)، ولعموم الكتاب، والمخالفة للعامة (10) مع كون
المرجع أصالة عدم الحرمة لولا الترجيح.
والثانيان: بجميع ما مر، مضافا إلى أن دلالتهما بمفهوم الوصف الذي
ليس بحجة.

(1) يعني: وخلافا لجماعة ثالثة.
(2) نقله عنه في الدروس 1: 96.
(3) في ص 300..
(4) نقله عنه في الدروس 1: 96.
(5) المقنعة: 2 5 على ما في بعض نسخها، النهاية: 20.
(6) المختلف 32.
(7) التهذيب 1: 128، الإستبصار 1: 115.
(8) المنتهى 1: 87.
(9) الإنتصار: 31، الخلاف 1: 101، الغنية (الجوامع الفقهية): 550. فقه القرآن (أحكام الراوندي)
1: 50، المعتبر 1: 186.
(10) بداية المجتهد 1: 44، بدائع الصنائع 1: 37.
303

وتوهم أخصيتهما عن المجوزات - لاختصاصهما بالسبع أو السبعين فتقدمان
عليها - فاسد جدا! لاختصاصها بما عدا العزائم أيضا.
ثم إنه لا فرق في الكراهة بين القراءة من ظهر القلب أو من المصحف؟
لاطلاق الأدلة. كما لا فرق فيها في السبع أو السبعين - على القول بالاختصاص
بهما - بين الآي الطويلة والقصيرة ولا بين السبع أو السبعين المجتمعة في القرآن
أو المتفرقة.
نعم، الظاهر المتبادر منها المتوالية والمتغايرة فبحكم الأصل لا كراهة في
المتراخية والواحدة المتكررة.
ومنها: حمل المصحف! لفتوى الجماعة، كما في اللوامع. ويؤيده بل يدل
عليه أيضا نهي الجنب عن تعليقه في رواية إبراهيم بن عبد الحميد (1).
ومنها: تعليقه؟ لما مر.
ومنها: مس ما عدا الكتابة في المصحف؟ لروايتي المجمع.
إحداهما: " لا يجوز للجنب والحائض والمحدث مس المصحف ".
والأخرى عن الباقر عليه السلام: في قوله تعالى: (لا يمسه إلا
المطهرون " قال: " من الأحداث والجنابات " (2).
ورواية ابن عبد الحميد: " المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا " (3).
وشمولها للخط المحرم مسه بدلالة خارجية لا يضر في المطلوب، بعد صدق
مس المصحف عليه أيضا. وضعفها مانع عن إثبات التحريم بها في غير موضع
الانجبار الذي هو مس الخط. مع أن الثانيتين غير دالتين عليه، كالآية وسائر ما
بمضمونهما.

(1) التهذيب 1: 7 12 / 344، الإستبصار 1: 13 1 / 8 37، الوسائل 1: 384 أبواب الوضوء
ب 12 ح 3.
(2) مجمع البيان 5: 226، الوسائل 1: 385 أبواب الوضوء ب 12 ح 5.
(3) المصدر المذكور في الرقم (1).
304

ولو دل حديث على التحريم، فتأويله أو طرحه متعين! لمعارضته مع
الرضوي المنجبر بالأصل والشهرة التي كادت أن تكون إجماعا: " لا تمس القرآن
إذا كنت جنبا أو على غير وضوء ومس الأوراق " (1).
فالقول به - كما عن السيد (2) - ضعيف جدا.
ومنها: النوم، بالاجماع، كما في المعتبر والمنتهى، وعن الغنية وظاهر
التذكرة (3)، فهو فيه الحجة، مضافا إلى المعتبرة:
كصحيحة الحلبي. عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب؟ قال. يكره
ذلك حتى يتوضأ " (4).
ومفهوم الرضوي. " ولا بأس أن تنام على جنابتك بعد أن تتوضأ وضوء
الصلاة " (5).
والمروي في العلل: لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور، فإن
لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد " (6).
وصحيحة عبد الرحمن: عن الرجل يواقع أهله أينام على ذلك؟ قال: " إن
الله يتوفى الأنفس عند منامها، ولا يدري ما يطرقه من البلية، إذا فرغ
فليغتسل " (7).
وموثقة سماعة: عن الجنب يجنب ثم يريد النوم، قال. " إن أحب أن يتوضأ
فليفعل، والغسل أفضل من ذلك، فإن نام فلم يتوضأ ولم يغتسل، فليس عليه

(1) فقه الرضا عليه السلام 85، المستدرك 1: 464 أبواب الجنابة ب 11 ح 1.
(2) نقله عنه في المعتبر 1: 190.
(3) المعتبر 1: 1 9 1، المنتهى 1: 89، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 25.
(4) الفقيه 1: 7 4 / 79 1، الوسائل 2: 227 أبواب الجنابة ب 25 ح 1.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 84، المستدرك 1: 298 أبواب الوضوء ب 11 ح 1.
(6) العلل: 5 29، الوسائل 2: 27 2 أبواب الجنابة ب 25 ح 3.
(7) التهذيب 1: 372 / 37 11، الوسائل 2: 1228؟؟ أبواب الجنابة ب 25 ح 4.
305

شئ " (1).
وجه دلالة الأخيرين: أن مقتضاهما استحباب الغسل للجنب قبل النوم،
فيكره ضده، وهو: النوم، بناء على ما أثبتناه (2) من كون الأمر الاستحبابي نهيا
تنزيهيا عن ضده الخاص.
وبالأخيرة وبصحيحة الأعرج: " ينام الرجل وهو جنب وتنام المرأة وهي
جنب " (3) يضعف انتهاض ما كان ظاهره التحريم لاثباته، مع أنه للاجماع
مخالف.
ثم مقتضى الأولى مؤيدا بالثانية، كظاهر الأكثر، بل عليه الاجماع في
اللوامع. انتفاء الكراهة بالوضوء. وهو كذلك؟ لذلك.
فإطلاق الكراهية - كما عن الاقتصاد (4) - بعيد عن السداد. وكذلك ما قيل
من تخفيفها به (5)، وحكي عن ظاهر النهاية والسرائر (6)؟ فإن مفهوم الغاية صريح
في انتهاء الكراهة.
وليس مقتضى أحبية الغسل من الوضوء - كما في الموثقة - ولا مقتضى
التعليل بما علل في الصحيحة بقاءها إلى الاغتسال أصلا، بل مقتضاهما
استحباب الغسل، وهو مسلم.
وأضعف منهما. القول بالزوال بالمضمضة والاستنشاق، لعدم دليل عليه.
ولا تزول الكراهة بإرادة العود إلى الجماع كما في البحار (7)! للأصل، وعدم

(1) الكافي 3: 1 5 الطهارة ب 33 ح 10، التهذيب 1: 370 / 27 1 1، الوسائل 2: 228 أبواب
الجنابة ب 25 ح 6.
(2) في، ه‍ " بيناه.
(3) التهذيب 1: 369 / 26 11، الوسائل 2: 228 أبواب الجنابة ب 25 ح 5.
(4) الإقتصاد 244.
(5) قاله في كشف اللثام 1: 82 " والرياض 1: 33.
(6) النهاية 21، السرائر 1: 118.
(7) البحار 78: 56.
306

دلالة مستنده، وهي مرسلة الفقيه المذكورة بعد صحيحة الحلبي، المتقدمة: (أنا
أنام على ذلك، وذلك إني أريد أن أعود " (1).
لا لما قيل من أن المراد العود إلى الانتباه، يعني: أني أعلم أن لا أموت (6)
لبعده غايته.
بل لأنه يمكن أن يكون المشار إليه في ذلك الوضوء والتعليل لترك
الغسل.
وهل يقوم التيمم مقام الوضوء عند عدم الماء في إزالة الكراهة؟ الظاهر
العدم؟ للأ صل.
نعم، مفاد (المروي في العلل) (3) بدليته عنه عنده في الاستحباب. وهو
كذلك، بل هو مقتضى عموم بدليته. ويتخير حينئذ في نية البدلية عن أحد
الطهورين، ولعل عن الغسل أفضل.
ومنها. الخضاب، وهو ما يتلون به اللحية والأطراف من حناء وغيره، كما
قيل (4)، والأولى بحكم التبادر: ونحوه (5).
وكراهته هي الأظهر الأشهر بل من غير خلاف ظهر، ونسبته إلى الصدوق
في الفقيه غير جيد؟ لنفيه البأس عنه (6)، وهو لا ينافي الكراهة على الأصح، بل
عن الغنية الاجماع عليه (7)! فهو حجة المسألة، مضافا إلى المستفيضة:
كرواية ابن جذاعة: " لا تختضب الحائض ولا الجنب، ولا تجنب وعليها

(1) الفقيه 1: 7 4 / 180، الوسائل 2: 27 2 أبواب الجنابة ب 25 ح 2.
(2) قال به في الحدائق 3: 141.
(3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الموثقة، وهو سهو كما يظهر بالمراجعة
(4) قاله في الرياض 1: 33.
(5) أي تبديل غيره بنحوه (منه رحمه الله).
(6) الفقيه 1: 8 4.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
307

خضاب، ولا يجنب هو وعليه خضاب، ولا يختضب وهو جنب) (1).
ورواية ابن يونس. عن الجنب يختضب أو يجنب وهو مختضب؟ فكتب عليه
السلام:، لا أحب له " (2).
وروايتي مسمع (3) وأبي سعيد (4) والمروي في مكارم الأخلاق: " يكره أن
يختضب الرجل وهو جنب " وقال: " من اختضب وهو جنب أو أجنب في خضابه
لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء فإن الشيطان يحضرهما عند ذلك) (5).
ولا يحرم إجماعا محققا ومنقولا، للأصل، وخلو ما مر جميعا من الدال عليه،
مضافا إلى المستفيضة المجوزة له، كحسنة الحلبي (6) وروايات السكوني (7) وأبي
جميلة (8) وعلي (9) وموثقة سماعة (10) مع إشعار رواية ابن يونس، والعلة المذكورة في

(1) التهذيب 1: 82 1 / 1 2 5، الإستبصار 1: 6 1 1 / 388 الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22
ح 9.
(2) التهذيب 1: 181 / 519، الإستبصار 1: 17 1 / 392، الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22
ح 8.
(3) التهذيب 1: 181 / 18 5، الإستبصار 1: 6 1 1 / 387، الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب 22
ح 5.
(4) التهذيب 1: 1 8 1 / 7 1 5، الإستبصار 1: 6 1 1 / 386 الوسائل 2: 1 2 2 أبواب الجنابة ب 22
ح 4.
(5) مكارم الأخلاق 1: 191 / 565، 566 وليس فيه قوله: فإن الشيطان... نعم هو وارد في
ذيل حديث آخر فانظر المكارم والوسائل 2: 23 2 أبواب الجنابة ب 2 2 ح 10.
(6) الكافي 3: 51 الطهارة ب 33 ح 11، الوسائل 2: 223 أبواب الجنابة ب 23 ح 1.
(7) الكافي 3: 1 5 الطهارة ب 33 ح 2 1 التهذيب 1: 30 1 / 357، الإستبصار 1: 6 1 1 / 1 39،
الوسائل 2: 1 22 أبواب الجنابة ب 2 2 ح 3.
(8) الكافي 3: 1 5 الطهارة ب 33 ح 9، الوسائل 2: 1 2 2 أبواب الجنابة ب 22 ح 1.
(9) التهذيب 1: 83 1 / 5 2 5، الإستبصار 1: 6 1 1 / 390 الوسائل 2: 222 أبواب الجنابة ب
22 ح 7.
(10) التهذيب 1: 182 / 524، الإستبصار 1: 6 1 1 / 389 وفيه: عن علي، الوسائل 2: 222
أبواب الجنابة ب 22 ح 6.
308

رواية المكارم.
ومنها: الادهان، لصحيحة حريز: الجنب يدهن ثم يغتسل؟ قال:
لا " (1).
ومنها. الجماع إذا كانت الجنابة من الاحتلام للمروي في مجالس الصدوق
والخصال: " وكره أن يغشي الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه
الذي رأى، فإن فعل وخرج الولد مجنونا فلا يلومن إلا نفسه) (2).
وأما المباحة (3): فما عدا ما ذكر، للأصل السالم عن المعارض.
البحث الثالث: في غايات غسل الجنابة.
أي ما يغسل له، وهو بين ما يجب الغسل له وما يستحب.
أما الأول: فيجب للصلاة الواجبة بأنواعها شرعا وشرطا، بالضرورة،
والكتاب، والسنة المتواترة التي منها ما دل على إعادة الصلاة بترك غسل الجنابة أو
بعضها.
ففي رواية الحلبي. فيمن أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى
خرج الشهر. " عليه أن يقضي الصلاة والصيام " (4).
وفي رواية الصيقل: فيمن تيمم وقام يصلي، فمر به نهر وقد صلى ركعة:
فليغتسل وليستقبل الصلاة " (5).

(1) الكافي 3: 1 5 الطهارة ب 33 ح 6، التهذيب 1: 29 1 / 355، الإستبصار 1: 7 1 1 / 393،
الوسائل 2: 220 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.
(2) مجالس الصدوق: 8 24 الخصال: 520.
(3) يعني الأمور المباحة للجنب، فهي معطوفة على قوله: أما المكروهة في ص 296.
(4) التهذيب 4: 311 / 938 الوسائل 2: 257 أبواب الجنابة ب 39 ح 1.
(5) التهذيب 1: 406 / 277 1، الإستبصار 1: 168 / 581 بتفاوت يسير، الوسائل 3: 383
أبواب التيمم ب 21 ح 6.
309

وفي رواية زرارة: فيمن ترك بعض ذراعه أو بعض جسده في غسل الجنابة
حتى دخل في الصلاة: " إن رآه وبه بلة مسح عليه وأعاد الصلاة) (1) إلى غير ذلك.
والحق بها أجزاؤها المنسية والمرغمتان (2) وسجود التلاوة. وعدم وجوبه
لصلاة الميت، للمعارض، أو انتفاء الحقيقة.
ولواجب الطواف بالاجماع والمستفيضة دون مندوبه وإن وجب للازمه (3).
ولصوم رمضان على المشهور. ويأتي الكل في محله.
وللواجب من مس المصحف، وقراءة العزائم، ودخول المسجدين على
القول بحرمته على الجنب، واللبث في كل مسجد، ووضع شئ فيه، لتحريمها
على الجنب كما مر.
وللنذر وشبهه.
وقيل: للتحمل عن الغير (4). وعرفت ما فيه في بحث الوضوء (5).
والحق: انحصار وجوبه بالغير، فلا يجب لنفسه، وفاقا للحلي (6)،
والمحقق (7)، والكركي (8)، والشهيدين (9)، بل أكثر المتأخرين كما في اللوامع، بل
هو المشهور مطلقا كما في الحدائق (10) والمعتمد، للأصل، حيث إن الكل قائلون

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 22 ح 2، التهذيب 1: 100 / 261، الوسائل 2: 260 أبواب
الجنابة ب 41 ح 2.
(2) وهما سجدتا السهو.
(3) وهو دخول المسجد الحرام.
(4) الشهيد في الألفية: 26.
(5) راجع ص 25.
(6) السرائر 1: 58، 129.
(7) الشرائع 1: 11.
(8) جامع المقاصد 1: 264.
(9) الشهيد الأول في الدروس 1: 86 والشهيد الثاني في الروض: 51.
(10) الحدائق 3: 61
310

بالغيرى، وتؤيده: صحيحة زرارة، المتقدمة في مسألة وجوب الوضوء (1).
والاستدلال بالآية (2)، وبأخبار الجنب إذا فجأها الحيض قبل الغسل
- كحسنة الكاهلي: في المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل، قال: " قد
جاء ما يفسد الصلاة فلا تغتسل) (3) وبمضمونها موثقات حجاج (4) وزرارة (5)
وأبي بصير (6) وابن سنان (7)، حيث إنها ظاهرة في أن نفي الغسل بمجئ ما يفسد
الصلاة لأجل أنها الغرض منه - ضعيف.
أما الأولى: فلتوقف الاستدلال على عطف قوله: (إن كنتم جنبا " على
فاغسلوا " وهو غير معلوم، لجواز العطف على (إذا قمتم " وما ذكروا في
إثبات الأول غير صالح للتعيين.
وأما الثانية: فلأن النهي عن الاغتسال فيها إما للجواز، لوروده بعد الأمر،
كما قيل، أو للمرجوحية من الحرمة أو الكراهة، كما هو الظاهر منهم ومقتضى
النهي.
فعلى الأول كما يمكن أن يكون تجويز التأخير لانحصار وجوبه في الغيري
وعدم وجوب الغير حينئذ، يمكن أن يكون لأجل اشتراط تضيق وجوبه المانع عن

(1) راجع ص 27
(2) المائدة: 6.
(3) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 370 / 1128 الوسائل 2: 314 أبواب
الحيض ب 22 ح 1.
(4) التهذيب 1: 395 / 227 1، الإستبصار 1: 47 1 / 504، الوسائل 2: 264 أبواب الجنابة
ب 43 ح 6.
(5) التهذيب 1: 5 39 / 5 2 2 1، الإستبصار 1: 6 14 / 502، الوسائل 2: 263 أبواب الجنابة
ب 43 ح 4.
(6) التهذيب 1: 395 / 226 1، الإستبصار 1: 7 14 / 503، الوسائل 2: 263 أبواب الجنابة
ب 43، ح 5.
(7) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 395 / 223 1، الوسائل 2: 265 أبواب
الجنابة ب 3 4 ح 9.
311

جواز تأخيره، بتضيق وقت ذلك الغير، كما هو المتفق عليه بين أرباب القولين،
فإذا لم يجب ذلك الغير لا يكون مضيقا. وعده بعيدا - كما في اللوامع - لا وجه له.
وعلى الثاني لا يمكن أن يكون النهي لوجوبه الغيري ولأن الغير هو الغرض
منه، لأنه غير صالح للنهي، ولذا أفتى القائلون بالغيري بجوازه قبل وجوب الغير
بل باستحبابه. وكون مشروعيته له لا يستلزم كونه في وقته. فلا محالة يكون النهي
لأمر آخر يسببه (1) مجئ مفسد الصلاة فيمكن أن يكون المراد أن سبب
مشروعية الغسل رفع الحدث به وحدوث الحالة المبيحة، فإذا جاء مفسد الصلاة
لا يحصلان، فلا يشرع الغسل. يعبر عن الحدث ومانع الاستباحة بمفسد
الصلاة، لأن العامة لا يفهمون منهما غالبا إلا ذلك، بل في رواية سعيد بن
يسار: في المرأة ترى الدم وهي جنب أتغتسل من الجنابة أم غسل للجنابة
والحيض؟ فقال: " قد أتاها ما هو أعم من ذلك) (2) إشعار به.
وخلافا للمحكي عن ابن شهرآشوب (3) وابن حمزة (4)، والمنتهى والتحرير،
والمختلف (5)، والمدنيات للفاضل، ووالده (6)، والراوندي (7)، وجماعة من المتأخرين
كالأردبيلي (8)، والمدارك (9)، والذخيرة، والكفاية (10)، وعزاه الأول (11) إلى السيد (12)،

(1) في (ح) و " د ": بنسبة، وفي " ق). بنية، والصواب ما أثبتناه
(2) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 3، الوسائل 2: 314! أبواب الحيض ب 2 2 ح 2 بتفاوت.
(3) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 80.
(4) الوسيلة 54.
(5) المنتهى 1: 93 التحرير 1: 2 1 المختلف: 29.
(6) نسبه إليه في المختلف: 29.
(7) فقه القرآن 1: 31.
(8) مجمع الفائدة 1: 136.
(9) لم نعثر عليه فيه.
(10) الذخيرة: 55، الكفاية: 3.
(11) يعني ابن شهرآشوب كما في كشف اللثام 1: 80.
(12) الذريعة للمرتضى 1: 112،
312

وأنكره الحلي (1).
لمعلقات وجوب الغسل على الجنابة أو الدخول أو الانزال أو التقاء الختانين
من دون اشتراط شئ آخر، من الآية والروايات، فيكون واجبا لنفسه.
وموجبات تغسيل من مات جنبا غسل الجنابة (2)، من غير تقييدها بوجوب
غايته عليه.
وصحيحة عبد الرحمن، المتقدمة في نوم الجنب (3)، أمر فيها بالغسل خوفا
من الموت في المنام قبله، ولولا وجوبه بنفسه، لم يأمر به ولم يتصور خوف منه
ويجاب عن الأول. بما مر في الوضوء (4). مع أنه قد عرفت كون الآية
محتملة لوجهين.
وعن الثاني: بمنع وجوب التغسيل وإنما هو مندوب.
ولو سلم، فلا يثبت وجوب الغسل حال الحياة نفسيا لجواز أن يكون
لوجوب التغسيل علة أخرى غير استدراك الواجب الفائت، بل هو الظاهر.
وعن الثالث: بأن الأمر فيه ليس للوجوب، باعتراف المستدل أيضا، فإنه
لا يقول بالتضييق بإرادة النوم، والندب ملتزم عند القائل بالغيري، والخوف إنما
هو من ملاقاة الله سبحانه جنبا، ولا شك أنه مما يكره.
وأما الثاني: فيستحب للمندوب من الصلاة والطواف والمس ولبث المساجد
ودخول المسجدين وقراءة العزائم ووجهه ظاهر.
وللنوم؟ لصحيحة عبد الرحمن وموثقة سماعة، المتقدمتين (5).
ولتلاوة القرآن ودخول المساجد والكون على الطهارة والتأهب للفريضة.

(1) السرائر
: 13.
(2) الوسائل 2: 540، 541 أبواب غسل الميت ب 31 ح 5 إلى 8.
(3) ص 305.
(4) راجع ص 28.
(5) في ص 305.
313

ويظهر وجه الجميع مما ذكر في استحباب الوضوء لها.
البحث الرابع: في واجباته وهي أمور:
الأول: النية مقارنة لأول أفعاله الواجبة، أو المستحبة، أو مقدماته،
مستدامة حكما إلى الفراغ، على ما تقدم تحقيقها، وما يتعلق بها في الوضوء.
وهل يجب في غسل الجنابة قصد كونه للجنابة، أم يكفي قصد الغسل وإن
لم يلتفت إلى أنه غسل جنابة
الأظهر: الثاني، للأصل، وعدم دليل على وجوب ذلك القصد.
وتعدد الأغسال المستقرة في الذمة وجوبا أو استحبابا وعدم التميز إلا
بالقصد لا يفيد؟ لما مر في بحث الوضوء من عدم وجوب قصد المميز إلا مع اشتمال
المأمور به على جزء لا يتحقق إلا بالقصد، فيجب قصده حينئذ.
فإن قلت: قد صرحت الأخبار بأن غسل الجنابة واجب، ووردت الأوامر
المتعددة بغسل الجنابة، فيكون المأمور به هو الاتيان بغسل الجنابة لا مطلق
الغسل، فتكون الجنابة قيدا للمأمور به، وتحقق الغسل المقيد بهذا القيد إنما هو
بالقصد، فيجب قصده.
قلنا: يمكن أن يكون المعنى أن الغسل للجنابة واجب، بأن يكون القيد
بيانا للسبب لا جزءا للمأمور به، مع أنه إنما يفيد للقصد على القول بعدم ثبوت
التداخل قهرا.
ومنه يظهر عدم وجوب قصد المميز في شئ من الأغسال الواجبة والمستحبة
أيضا، لجريان الكلام فيها بعينه.
فلو كان على أحد عشرة أغسال، وأراد عدم التداخل، فغسل عشر مرات،
يصح ويبرأ عن الجميع وإن لم يعين في كل واحد أنه أي غسل. ولو غسل خمسا
برئ من خمس. وعدم تعينه غير ضائر، كما مر في الوضوء.
314

وفرق في المعتبر بين الأغسال المندوبة والواجبة (1)، فقال باشتراط نية السبب
في الأولى دون الثانية. ولا وجه له.
والثاني: غسل البشرة بما يسمى غسلا ولو كان كالدهن، كما مر في
الوضوء.
والثالث: استيعاب جميع البشرة بالغسل، فلو أهمل جزءا منها لم يجزئ
إجماعا؟ وهو الحجة فيه. مضافا إلى الأصل، والاستصحاب، والمستفيضة من
الأخبار الآمرة بغسل الجسد كله.
كصحيحة زرارة، وفيها: " ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك،
ليس بعده ولا قبله وضوء وكل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته " (2).
وموثقة سماعة، وفيها: " ثم يفيض الماء على جسده كله) (3).
ومرسلة الفقيه وفيها: " لأن الجنابة خارجة من كل جسده، فلذلك وجب
عليه تطهير جسده كله " (4).
والدالة على وجوب غسل كل جزء الشامل بإطلاقه أو عمومه لليسير
والكثير، كمفهوم صحيحة محمد: عن الجنب به الجرح فيتخوف الماء إن أصابه،
قال: " فلا يغسله إن خشي على نفسه، (5).
والاختصاص بموضع الجرح غير ضائر، لعدم الفاصل.
وصحيحة زرارة وفيها: قلت له: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده
من غسل الجنابة، فقال: " إذا شك ثم كانت به بلة وهو في صلاته مسح بها عليه،

(1) المعتبر 1: 361.
(2) التهذيب 1: 370 / 1 3 1 1، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 5.
(3) التهذيب 1: 132 / 4 36، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.
(4) الفقيه 1: 44 / 71 1، الوسائل 2: 178 أبواب الجنابة ب 2 ح 1.
(5) التهذيب 1: 363 / 1099، الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 42 ح 1
315

وإن كان استيقن رجع وأعاد عليه الماء ما لم يصب بلة " (1)..
أو على عدم طهارة ما لم يصبه الماء وعدم إجزائه، كمفهوم صحيحة محمد
وحسنة زرارة
ففي الأولى. " فما جرى عليه الماء فقد طهر) (2).
وفي الثانية: " فما جرى عليه الماء فقد أجزأه " (3).
وبالقسمين الأخيرين يظهر ضعف قول من احتمل عدم البطلان بخروج
الجزء اليسير، تمسكا بصدق غسل تمام الجسد معه (4). مع أنه ممنوع جدا.
ثم إنه يتفرع على ما ذكر: وجوب إيصال الماء إلى تحت الشعر بتخليله
مطلقا، كثيفا كان أو خفيفا، وإلى تحت كل مانع يرفعه.
ويدل على الأول أيضا بخصوصه - بعد الاجماع المحقق، المصرح به في
كلام جماعة، منهم: المدارك واللوامع والمعتمد، وعن الفاضل (5) وأمالي
الصدوق (6) - النبوي المقبول. " تحت كل شعرة جنابة، فيلوا الشعر وانقوا
البشرة (7).
والرضوي المنجبر: " وميز الشعر بأناملك عند غسل الجنابة، فإنه يروى عن
رسول الله صل الله عليه وآله: أن تحت كل شعرة جنابة، فبلغ الماء تحته في أصول
الشعر كلها، وخلل أذنيك بإصبعيك، وانظر أن لا تبقى شعرة من رأسك ولحيتك

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 2 2 ح 2 باختلاف يسير، التهذيب 1: 100 / 261 الوسائل 2: 260
أبواب الجنابة ب 41 ح 2.
(2) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 32 1 / 365، الإستبصار 1: 23 1 / 420،
الوسائل 2: 29 2 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 3، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2.
(4) مشارق الشموس للمحقق الخوانساري: 170،
(5) المدارك 1: 292، ولم نعثر على دعوى الاجماع في كتب الفاضل.
(6) أمالي الصدوق: 516.
(7) سنن ابن ماجة 1: 196 / 597.
316

إلا ودخل تحتها الماء " (1).
وبهذه الأدلة تخصص بالوضوء صحيحة زرارة: أرأيت ما كان تحت الشعر؟
قال: كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه، ولكن
يجري عليه الماء " (2).
ويخصص بغير ذلك ما نفى غسل البواطن.
ولا منافاة في كفاية ثلاث غرفات للرأس، ولا في صحيحة محمد: " الحائض
ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزأها " (3) لما ذكر.
أما الأول.: فلوصول الثلاث إلى البشرة لو كشف شعر الرأس واللحية.
وأما الثاني: فلامكان أن يكون المراد بالموصول البشرة، يعني: البشرة التي
بلغ عليها بلل الماء من الشعر أجزأها، ولا يحتاج إلى إجراء الماء عليها معها، ولا
إلى التخليل، بل لا يحصل له معنى تام غير ذلك، كما لا يخفى على المتأمل.
فاحتمال عفو ما تحت الشعور الكثيفة والاكتفاء بالظاهر - كما عن المحقق
الأردبيلي (4) - غير جيد.
وعلى الثاني (5) بخصوصه: ما تقدم في بحث الوضوء من صحيحة علي،
وحسنة ابن أبي العلاء (6)، مضافا إلى الرضوي: " وإن كان عليك خاتم فحوله عند
الغسل، وإن كان عليك دملج وعلمت أن الماء لا يدخل تحته فانزعه " (7).
وتوهم مخالفة ذيل حسنة ابن أبي العلاء، فاسد، لاختصاصها بالوضوء

(1) فقه الرضا عليه السلام: 83، المستدرك 1: 79 4 أبواب الجنابة ب 29 ح 3.
(2) التهذيب 1: 4 36 / 1106، الوسائل 1: 76 4 أبواب الوضوء ب 6 4 ح 2.
(3) الكافي 3: 82 الحيض ب 7 ح 4، التهذيب 1، 400 / 49 2 1، الإستبصار 1: 48 1 / 508،
الوسائل 1: 311 أبواب الحيض ب 20 ح 2.
(4) مجمع الفائدة 1: 137.
(5) هذا عطف على قوله: ويدل على الأول، المتقدم في ص 316.
(6) المتقدمتين في ص 6 10
(7) فقه الرضا عليه السلام: 4 8، المستدرك 1: 482 أبواب الجنابة ب 33 ح 1.
317

وقد مر دفعها فيه أيضا.
نعم، ربما تشعر بالمخالفة موثقة عمار: في الحائض تغتسل وعلى جسدها
الزعفران لم يذهب به الماء، قال: " لا بأس به " (1).
وخبر السكوني: (كن نساء النبي إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة
الطيب على أجسادهن، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله، أمرهن أن يصببن
الماء صبا على أجسادهن " (2).
وصحيحة الخراساني: الرجل يجنب فيصيب جسده ورأسه الخلوق،
والطيب، والشئ اللكد مثل علك الروم والطراز وما أشبهه، فيغتسل، فإذا فرغ
وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق والطيب وغيره، قال. " لا بأس) (3).
ولكنها غير ناهضة للمعارضة! لشذوذها، ومخالفتها لعمل الأصحاب،
المخرجة إياها عن الحجية.
مع أن عدم إذهاب الماء بالزعفران - كما في الأول - لا يستلزم عدم وصول
الماء تحته، وبقاء الصفرة والأثر. - كما في الأخيرين - لا يستلزم بقاء العين المانعة من
وصول الماء، ولذا لا تجب إزالتهما في التطهير من النجاسات، فهنا أولى.
فروع:
أ: ظاهر الأصحاب على ما صرح به جماعة: عدم وجوب غسل الشعر، بل
في المعتبر (4)، وشرح القواعد للكركي (5)، واللوامع، والمعتمد، وعن الذكرى (6):

(1) الكافي 3: 82، الحيض ب 7 ح 5، الفقيه 1: 55 / 08 2، التهذيب 1: 400 / 1248
الوسائل 2: 240 أبواب الجنابة ب 30 ح 3.
(2) التهذيب 1: 9 36 / 23 1 1 بتفاوت يسير، الوسائل 2: 239 أبواب الجنابة ب 30 ح 2.
(3) الكافي 3: 1 5 الطهارة ب 34 ح 7، التهذيب 1: 130 / 356، الوسائل 2: 239 أبواب الجنابة
ب 30 ح 1.
(4) المعتبر 1: 194.
(5) جامع المقاصد 1: 278 ولكن لم ينقل الاجماع.
(6) الذكرى: 100.
318

الاجماع عليه وهو الحجة فيه، مضافا إلى الأصل المؤيد بخلو الأخبار البيانية
عنه، مع خروجه عن مسمى الجسد قطعا، وبالصحيح: لا تنقض المرأة شعرها
إذا اغتسلت من الجنابة) (1) الشامل لما لا يبلغ إليه الماء مع عدم النقض.
وربما نسب إلى المقنعة (2) الخلاف في ذلك وإيجاب غسل الشعر. وفيه
تأمل.
ويظهر الميل إليه عن جماعة من متأخري المتأخرين (3)، للنبوي المتقدم.
وصحيحة محمد، المتقدمة (4).
وصحيحة حجر: من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار " (5).
وموثقة الساباطي: عن المرأة تغتسل وقد (امتشطت) بقرامل ولم تنقض
شعرها، كم يجزيها من الماء؟ قال: مثل الذي يشرب شعرها " (6) الحديث.
ولدخوله في مصداق الرأس والجانب الأيمن والأيسر الواردة في الأخبار.
ويضعف الأول: بالضعف الخالي عن الانجبار. والبواقي: بعدم الدلالة.
أما الثاني: فلما مر. مع أنه لو أفاد ذلك، لدل على عدم لزوم بلوغ الماء
جسدها، وكفاية بلوغه الشعر، وهم لا يقولون به.
وأما الثالث. فلاجمال ما يترك في الشعر، فكما يمكن أن يكون المعنى: من
ترك شعرة ولم يغسلها؟ يمكن أن يكون. من ترك شعرة ولم يخللها ولم يغسل ما

(1) الكافي 3: 5 4 الطهارة ب 29 ح 6 1، التهذيب 1: 2 6 1 / 66 4، الوسائل 2: 5 5 2 أبواب الجنابة
ب 8 3 ح 3.
(2) المقنعة: 52.
(3) منهم الشيخ البهائي في الحبل المتين: 2 4، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 56.
(4) راجع ص 316.
(5) التهذيب 1: 135 / 373، أمالي الصدوق. 391 / 11، الوسائل 2: 175 أبواب الجنابة ب 1
ح 5.
(6) الفقيه 1: 55 / 208 بتفاوت يسير، الوسائل 2: 257 أبواب الجنابة ب 38 ح 6 وفي النسخ:
(انبسطت) بدل (امتشطت).
319

تحتها.
مع أنه يمكن أن تكون لفظة " من " بيانية، فيكون المراد مقدار شعرة، بل
لا يبعد دعوى ظهور هذا المعنى من ذلك التركيب.
وأما الرابع: فلأن مثل القدر المذكور فيه حين عدم نقض الشعر مما لا بد
منه في تروية الرأس.
وأما دخوله، (1) في الرأس والجانبين، فلو سلم إنما يفيد مع عموم فيها،
وليس كذلك.
ثم ما ذكر من عدم وجوب غسل الشعر، إنما هو إذا لم يتوقف غسل البشرة
عليه، وإلا فيجب لوجوب ما لا يتم الواجب إلا به، فيجب غسل الحاجبين
والأهداب لذلك، بل الاحتياط أن يغسل جميع الشعور.
ب: يجب غسل الظفر بالاجماع. وحكم المتجاوز منه عن حد الإصبع وما
تحته من الجلدة ما مر في بحث الوضوء إلا أنه لما انحصر الدليل فيه في المورد
بالاجماع الغير المعلوم تأتيه إلى المتجاوز أيضا يتأتى الاشكال فيه. وكونه من الجسد
محل المنع.
ج. يجب غسل العضو الزائد والسلعة وأمثالها؟ لصدق الجسد على الأول
بل الثاني، مع تضمن الثاني بعض الجسد الغير المتيقن غسله إلا بغسل الجميع.
د: الواجب غسل الظواهر دون البواطن بالاجماع والمستفيضة.
كخبر زرارة: " إنما عليك أن تغسل ما ظهر، (2).
ومرسلة الواسطي: الجنب يتمضمض؟ قال: " لا، إنما يجنب الظاهر " (3).

(1) في جميع النسخ: وجوبه، وما أثبتناه هو الصحيح.
(2) التهذيب 1: 78 / 02 2، الإستبصار 1: 67 / 201، الوسائل 1: 1 3 4 أبواب الوضوء ب 29
ح 6.
(3) التهذيب 1: 131 / 360، الإستبصار 1: 18 1 / 396، الوسائل 2: 226 أبواب الجنابة ب 24
ح 6.
320

ومثلها المروي في العلل، وزاد فيه. ولا يجنب الباطن، والفم من
الباطن " (1).
وفيه أيضا: في غسل الجنابة: (إن شئت أن تمضمض وتستنشق فافعل
وليس بواجب، لأن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن،.
وخبر الحضرمي. " ليس عليك مضمضة واستنشاق لأنهما من الجوف " (2).
ومن الظواهر: معاطف الآذان والآباط، وعكن البطون في السمان، وما
تحت الثدي من النسوان، إجماعا، مع شهادة العرف في الكل، وخصوص
الرضوي المتقدم (3) في الأول.
ومنها: الرأس ومواضع الكي، وما يبدو من الشق ومن الفرج، وأما ما يبدو
منه عند الجلوس لقضاء الحاجة فالظاهر كونه من الباطن. والأحوط: غسل ما ظهر
من الباطن بالقطع.
ومن البواطن: داخل الفم والأنف والعين والصماخ والفرج بالاجماع
والعرف.
والثقب التي في الأذن والأنف للحلقة إن كانت بحيث لا يرى باطنها فمن
البواطن، وإلا فمن الظواهر.
وشقوق الجراحات المحشوة بالدواء، والثقب المحشوة بالنيل للزينة من
الباطن ظاهرا إن استقر فيها الحشو بحيث لا يمكن إخراجه أو يعسر، وإن
أمكن، فالظاهر وجوب الاخراج.
والرابع. المباشرة إجماعا! لما في الوضوء مع تفصيل ما يتعلق بالمقام.
والخامس: إباحة الماء وإطلاقه وطهارته، وإباحة المكان الذي يتبعه الهواء

(1) العلل 287، الوسائل 2: 226 أبواب الجنابة ب 24 ح 7، 8.
(2) الكافي 3: 4 2 الطهارة ب 6 1 ح 3، التهذيب 1: 78 / 201، الإستبصار 1: 7 1 1 / 395،
الوسائل 1: 32 4 أبواب الوضوء ب 29 ح 10.
(3) في ص 316.
321

الواقع فيه الغسل، كما مر في الوضوء ويأتي في التيمم.
والسادس: الترتيب، بتقديم الرأس على سائر الجسد، بالاجماع المحكي
عن الخلاف والانتصار والغنية والسرائر والتذكرة. وغيرها (1)، بل المحقق حتى عن
الصدوقين (2)، لتصريحهما بوجوب إعادة الغسل لو بدأ بغير الرأس، فنسبة الخلاف
هنا إليهما غير جيد.
فالمخالف فيه منحصر بالإسكافي (3)، وهو في الاجماع غير قادح، مع أنه
أيضا لم يصرح بالنفي، بل قيل بإشعار كلامه بالثبوت (4)، فيكون إجماعا من
الكل، فهو الحجة فيه، مع صحيحة حريز: في الوضوء يجف، قال: قلت. فإن
جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال: " جف أو لم يجف اغسل ما بقي)
قلت: وكذلك غسل الجنابة؟ قال. هو بتلك المنزلة، ابدأ بالرأس ثم أفض على
سائر جسدك " قلت: وإن كان بعض يوم؟ قال: " نعم " (5).
وحسنة زرارة:، من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه، ثم بدا له أن
يغسل رأسه، لم يجد بدا من إعادة الغسل) (6).
والرضوي المنجبر ضعفه بما مر: " فإذا بدأت بغسل جسدك قبل الرأس،
فأعد الغسل على جسدك بعد غسل الرأس) (7).
المؤيدة بأخبار أخر قاصرة عن إفادة الوجوب، إما لاشتمالها على لفظ الخبر،

(1) الخلاف 1: 132 الإنتصار: 30 الغنية (الجوامع الفقهية): 554، السرائر 1: 135،
التذكرة 1: 24، وكالمنتهى 1، 83.
(2) الفقيه 1: 9 4 ونقله فيه عن والده أيضا.
(3) نقله عنه في الذكرى: 101.
()) القائل، صاحب الرياض 1: 30.
(5) التهذيب 1: 88 / 232، الإستبصار 1: 72 / 222، الوسائل 1: 7 44 أبواب الوضوء ب 33
ح 4.
(6) الكافي 3: 44 الطهارة ب 29 ح 9، الوسائل 2: 235 أبواب الجنابة ب 28 ح 1.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 473 أبواب الجنابة ب 20 ح 1.
322

كصحيحة محمد (1) وما يحذو حذوها، أو على الترتيب الفعلي، كالحسن (2)، أو على
ما يمنع من حمل ما وضع للوجوب على حقيقته، كموثقة سماعة، فإن فيها: " ثم
ليصب على رأسه ثلاث مرات ملء كفيه، (3) فإن التقييد بالثلاث مانع عن حمل
الأمر على الوجوب.
ثم بما ذكر يدفع الأصل وتقيد الاطلاقات.
وأما صحيحة هشام (4)، المتضمنة لأمر الصادق عليه السلام، الجارية
بغسل جسدها قبل الرأس في واقعة، فمعارضة مع صحيحة محمد (5)، المتضمنة
للعكس في تلك الواقعة بعينها، الراجحة على الأولى بشذوذها المخرج إياها عن
الحجية.
ومنه يظهر أن الأخيرة دليل آخر مستقل على ما نحن فيه.
والمناقشة في الروايات: بعدم دلالتها على وجوب تقديم جميع أجزاء
الرأس؟ مردودة بعدم القول بالفصل.

(1) الكافي 3: 43 الطهارة. ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132 / 365، الإستبصار 1: 23 1 / 420،
الوسائل 2: 29 2 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
(2) يعني به ما اشتمل على بيان فعل الإمام عليه السلام وأنه عليه السلام غسل مرتبا، والظاهر أنه
أشار بقوله: كالحسن إلى ما رواه زرارة - بسند فيه إبراهيم بن هاشم - في حديث كيفية غسل
الجنابة:، قال. ثم بدأ بفرجه ثم صب على رأسه ثلاث أكف ثم صب على منكبه الأيمن
مرتين... "، الوسائل 2: 235 أبواب الجنابة ب 28 ح 2، وتعرض لنحو هذا في الرياض 1:
30. ولكن لا يخفى أن الحسنة المذكورة أجنبية عن بيان فعل الإمام رأسا، والتوهم نشأ من إرجاع
الضمير في قوله " بدأ..، إلى الإمام عليه السلام، وهو خطأ منشؤه تقطيع الرواية - كما هو غير عزيز
في الوسائل - وقد روى في الوسائل تمام الرواية في ب 26 من أبواب الجنابة، فراجع.
(3) التهذيب 1: 132 / 4 36، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.
(4) التهذيب 1: 34 1 / 370، الإستبصار 1: 4 2 1 / 2 2 4، الوسائل 2: 236 أبواب الجنابة ب 28
ح 4.
(5) التهذيب 1: 134 / 371، الإستبصار 1: 4 2 1 / 23 4 الوسائل 2: 237 أبواب الجنابة ب 29
ح 1.
323

وهل يدخل العنق في الرأس، فيجب تقديمه على باقي الأعضاء، ويجوز
تقديمه على المنابت والوجه، أولا، فيغسل مع الباقي، ويقدم جميع أجزاء المنابت
والوجه عليه؟
المحكي عن صريح المقنعة، والتحرير (1)، وكتب الشهيد (2)، ناقلا عن
الجماعة، وظاهر أبي الصلاح (3)، والغنية، والمهذب (4) - وإن احتمل خلافه -:
الأول. ونفى عنه بعض مشايخنا خلافا يعرف (5)، وقيل: بل هو كالاجماع (6).
واستند فيه إلى مقابلة الرأس مع المنكب والكتف في مضمرة زرارة (7) وموثقة
سماعة (8)، فإنه لولا دخول العنق في الرأس، لكان إما مهملا، أو داخلا في
المنكب، وهما باطلان قطعا.
ويخدشه: أنه إن أريد بطلان دخوله في معنى المنكب، فهو كذلك، بل هو
كذلك في الرأس أيضا.
وإن أريد دخوله في حكمه، فأراد من غسل المنكب غسله مع العنق مجازا،
فلا نسلم بطلانه، كالرجلين واليدين والعورة والبطن، فإن شيئا منها لا يدخل في
المنكب قطعا.
ولذا استشكل فيه جماعة من المتأخرين، منهم: صاحبا الذخيرة (9) ورياض

(1) المقنعة: 52 التحرير 1: 12.
(2) البيان 55، الدروس 1: 96، الذكرى: 100.
(3) الكافي 133.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 554، المهذب 1: 46.
(5) الحدائق 3: 65.
(6) الرياض 1: 30.
(7) الكافي 3: 3 4 الطهارة ب 29 ح 3، الوسائل 2: 235 أبواب الجنابة ب 28 ح 2.
(8) التهذيب 1: 132 / 4 36، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 8.
(9) الذخيرة: 6 5.
324

المسائل (1)، بل عن الإشارة غسل كل، من الجانبين إلى رأس العنق (2)، وهو ظاهر
في غسله مع الجانبين.
وهو جيد، لاطلاق بعض الأخبار في غسل باقي الجسد بعد الرأس.
والأجود أن يحتاط بضمه إلى الرأس ثم غسله مع الجانبين، نصفه مع
الميامن ونصفه مع المياسر.
وفي وجوب الترتيب بين باقي الجسد، فتقدم الميامن كلها على المياسر، أو
عدمه فيتخير وإن استحب - لاستحباب التيامن في الطهور، والتفصي عن
الخلاف - وجهان، بل قولان.:
الأول للأكثر، بل عليه الاجماع البسيط عن جميع من مر في الرأس وغيره،
والمركب - ممن رتب الرأس والوضوء - عن الفاضل (3) والشهيدين (4) للاجماعين
المنقولين، واستدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية، والترتيب الذكرى في جملة من
الأخبار (5)، سيما مع إفادة الواو للترتيب عند الفراء، خصوصا مع عطف اليمين
على الرأس بها أيضا في بعض المعتبرة المفيدة فيه للترتيب قطعا مع أنه لولا الترتيب
لكفى أن يقول: اغسل جسدك (6).
والعامي: (إذا اغتسل النبي بدأ بميامنه وفضل الأيمن على الأيسر) (7).

(1) على ما نقل عنه في الحدائق 3: 5 6، ولا يخفى أنه في الرياض المعروف وأن مؤلفه من مشايخ
صاحب الحدائق الذي يعبر عنه بشيخنا المحقق.
(2) الإشارة: 72.
(3) المنتهى 1: 83، التحرير 1: 2 1، التذكرة 1: 4 2.
(4) الشهيد الأول في الذكرى: 1 10، والشهيد الثاني في روض الجنان: 53.
(5) الوسائل 2: 29 2 أبواب الجنابة ب 26 ح 2 و ب 31 ح 6.
(6) ما بين المعقوفين في النسخ كان مؤخرا عن الحديث العامي، وقدمناه لاقتضاء السياق.
(7) أسندها العلامة في المنتهى 1: 83 إلى عائشة، والذي عثرنا عليه في كتبهم عن عائشة أن رسول
الله صلى الله عليه وآله بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر ثم أخذ بكفيه الماء فقال بهما على رأسه...
وكان رسول الله يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله. السنن للبيهقي 1: 184،
216
325

ولزوم تقديم الأيمن في غسل الميت بالاجماع والنصوص (1)، مع ما ورد في
بعض الأخبار أن غسل الميت مثل غسل الجنابة (2).
ولما في المستفيضة المروية في العلل والعيون وغيرهما من الكتب المعتبرة. " أن
تغسيل الميت لأجل خروج النطفة، فلذلك غسل غسل الجنابة) (3) ومقتضاها: أنه
عينه، فيتحدان في جميع الأحكام.
ويضعف الأولان: بمنع حجية الاجماع المنقول جدا، سيما مع وجود
المخالف في الأول، والفاصل في الثاني.
والثالث. بحصول البراءة اليقينية بمطلق الغسل، للاطلاقات.
والرابع. بمنع استلزامه الترتيب الفعلي، سما مع تصريح الجمهور بعدم
إفادة الواو له، والعطف على الرأس بالواو لا يوجب إرادة الترتيب منها، إذ لعله
أراد بيان وجوب مطلق غسله، واستفيد الترتيب فيه من مواضع أخر.
والخامس: بمنع الدلالة، وقد فضل الصدر والظهر في بعض الأخبار
أيضا.
والسادس: بمنع دلالة التشبيه على المماثلة في جميع الأحكام، فلعلها في
أصل الوجوب، أو مع بعض أحكام أخر، سيما مع اختلافهما في أحكام كثيرة.
مع أن عموم المماثلة إنما كان مفيدا لو قال: غسل الجنابة كغسل الميت، وأما
العكس - كما هو المذكور - فلا يفيد إلا ثبوت جميع أحكام غسل الجنابة لغسل
الميت، غاية الأمر أنه يتخلف في بعض الأحكام التي منها عدم وجوب الترتيب
بدليل آخر، مع أن عدم وجوبه لا يعد من أحكامه، فإنه قضية الأصل.
والسابع. بأن مقتضاه عدم ترك شئ مما يجب في غسل الجنابة لا عدم

(1) الوسائل 2: 79 4 أبواب عسل الميت ب 2.
(2) الوسائل 2: 86 4 أبواب غسل الميت ب 3.
(3) العلل: 300، العيون 2: 2 1 1، الوسائل 2: 78 4 أبواب غسل الميت ب 1 ح 3، 4.
326

الزيادة عليه، ولذا يغسل الميت ثلاثة أغسال، ويجب في بعضها الخليط.
والحاصل: أن تغسيل الميت غسل الجنابة لا ينافي أن يجب فيه أمر زائد على
ما يجب فيه، فإن مع الترتيب أيضا يتحقق غسل الجنابة.
ولضعف تلك الوجوه، مضافا إلى الأصل والاطلاقات المنضمة مع ترك
الاستفصال في صحيحة زرارة: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده في غسل
الجنابة، إلى أن قال: " وإن كان استيقن رجع وأعاد الماء عليه ما لم يصب بلة،
إلى أن قال: وإن رآه وبه بلة مسح عليه وأعاد الصلاة " (1) الحديث، المؤيدة
بالرضوي حيث قال بعد ذكر كيفية الغسل: " تصب على رأسك ثلاث أكف،
وعلى جانبك الأيمن مثل ذلك، وعلى جانبك الأيسر مثل ذلك، وعلى صدرك
ثلاث أكف، وعلى الظهر مثل ذلك. وقد يروى: تصب على الصدر من حد مد
العنق، ثم تمسح سائر بدنك بيديك " (2) بل بصحيحة حريز، المتقدمة (3) المصرحة
بوجوب البدأة بالرأس قبل سائر الجسد وعدم التعرض للسائر.
مال (4) جماعة من المتأخرين، كشيخنا البهائي (5)، والمجلسي (6)، وصاحبي
المدارك والذخيرة والوافي (7)، وغيرهم إلى الثاني، وفاقا للمحكي عن ظاهر طائفة
من القدماء، كالصدوقين (8)، والقديمين (9)، وصاحب الإشارة (10). وهو قوي

(1) الكافي 3: 33 الطهارة ب 23 ح 2، التهذيب 1: 100 / 1 26، الوسائل 2: 260 أبواب الجنابة
ب 41 ح 2.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 81، المستدرك 1: 470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.
(3) في ص 322.
(4) أي ولضعف تلك الوجوه مال...
(5) الحبل المتين: 41.
(6) البحار 78: 54.
(7) المدارك 1: 5 29 الذخيرة 56، الوافي 6: 17 5.
(8) علي بن بابويه، نقله عنه في الفقيه 1: 6 4، ومحمد بن علي في المقنع: 12، والهداية: 20.
(9) وهما الإسكافي والعماني، نقله عنهما في الذكرى: 101.
(10) الإشارة 72.
327

جدا، وأمر الاحتياط ظاهر.
وهنا مسائل:
المسألة الأولى: ظاهر عبارات الأصحاب: عدم وجوب الابتداء بالأعلى
في شئ من الأعضاء. وهو كذلك، للأصل، والصحيحة المصرحة باكتفاء الإمام
بغسل ما بقي في ظهره بعد الاتمام من اللمعة (1). وليس فيها تصريح أو ظهور في
النسيان أو الغفلة المنافيين للعصمة إذ لعل الراوي ظن فراغه عن الغسل وإن لم
يفرغ عليه السلام بعد، وإن طالت المدة، لعدم اشتراط الموالاة في الغسل.
وأما قوله في حسنة زرارة: " ثم صب على رأسه ثلاث أكف، ثم صب على
منكبه الأيمن مرتين، وعلى منكبه الأيسر مرتين " (2). وفي صحيحته. " ثم تغسل
جسدك من لدن قرنك إلى قدميك " (3) فلا يفيد الوجوب، لكونه إخبارا.
مع أن التقييد في الأولى بالمرتين يمنع عن الحمل على الوجوب لو أفاده
أيضا، واحتمال إرادة تحديد المغسول في الثانية قائم.
المسألة الثانية: حكم السرة والعورتين على القول بعدم الترتيب بين الجانبين
واضح.
وأما على القول بالترتيب فيجب غسل كل نصف منهما مع الجانب الذي
يليه مع زيادة شئ من باب المقدمة.
ويحتمل الاكتفاء بغسلهما مع أحد الجانبين! لعدم الفصل المحسوس،
وامتناع إيجاب غسلهما مرتين.
مع أن شمول الاجماعات المنقولة إلي هي عمدة أدلة ذلك القول لمثل ما
نحن فيه غير معلوم، ولذا اكتفى في الذكرى - الذي هو أحد ناقلي الاجماع -

(1) الكافي 3: 5 4 الطهارة ب 29 ح 15، التهذيب 1: 365 / 8 10 1 الوسائل 2: 259 أبواب
الجنابة ب 41 ح 1.
(2) الكافي 3: 3 4 الطهارة ب 29 ح 3، الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 2.
(3) التهذيب 1: 370 / 1 3 1 1، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة 26 ح 5.
328

بالغسل مع أحد الجانبين " (1).
المسألة الثالثة: المخل بالترتيب الواجب نسيانا أو جهلا يعيد على ما
يحصله. واللمعة المغفلة تغسل مع الجانبين إن كانت في الرأس، ومع الأيسر إن
كانت في الأيمن على القول بالترتيب بينهما، ووحدها على القول الآخر، وكذا إن
كانت في الأيسر.
المسألة الرابعة: يصح الغسل بالارتماس و (2) الانغماس في الماء إجماعا؟
للنصوص المستفيضة:
منها: صحيحة زرارة، وفيها - بعد ذكر الترتيب -: " ولو أن رجلا ارتمس في
الماء ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده) (3).
وحسنة الحلبي: " إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة، أجزأه ذلك من
غسله " (4).
ومثله صحيحته، إلا أن فيها " اغتمس " مكان " ارتمس " (5). وغير ذلك.
ومقتضى صريح الأخبار: اشتراط وحدة الارتماس عرفا في صحة الغسل.
وهل المراد منها توالي غمس الأعضاء في الماء بحيث يتحد الرمس، وكذا
زمان رمس الجميع عرفا كما هو المشهور؟ أو المراد منها عدم التفرقة بين الأعضاء في
الغمس وحده، بأن يغمس عضوا ثم يخرجه ويغمس آخر مبنيا على سقوط التعدد
والترتيب، حتى لو غمس رجله في الماء بعد ما نوى فصبر ساعة، ثم غمس عضوا

(1) الذكرى، 102
(2) في (ق) أو.
(3) راجع ص 328 الهامش (3)،
(4) الكافي 3: 3 4 الطهارة ب 29 ح 5، التهذيب 1: 8 4 1 / 23 4 الإستبصار 1: 25 1 / 24 4،
الوسائل 2: 233 أبواب الجنابة ب 26 ح 2 1.
(5) الفقيه 1: 8 4 / 1 9 1، الوسائل 2: 2 23 أبواب الجنابة ب 6 2 ح 15.
329

آخر، وهكذا إلى أن يغطى كله بالماء صح، كما حكي عن بعض المحققين (1)،
ومال إليه بعض المعاصرين (2)
الحق هو الأول، لأنه الظاهر المتبادر من وحدة ارتماس الشخص.
مع أنه على الثاني يلغو قيد الوحدة، إذ غمس كل عضو ليس غمس
الجنب، فلا يحصل غمسه حينئذ، ويكفي قوله. " ارتمس الجنب) عن قيد
الوحدة.
ومع قطع النظر عن ذلك، فلا شك في قيام الاحتمالين، فيجب الاتيان
بالأول! عملا بمقتضى الشغل اليقيني، واستصحابا للجنابة وأحكامها.
نعم، الظاهر كفاية الارتماسة الواحدة عرفا، بأن لا يتخلل بين غمس
الأعضاء سكون محسوس وإن لم يكن في آن واحد حقيقة أو عرفا، بل كان بحركة
متصلة بطيئة في الجملة.
وعلى هذا فلا ينافيها التخليل المتوقف إيصال الماء إلى جميع البشرة عليه لو
لم يؤخره، بل لا ينافي الدفعة العرفية أيضا.
ولا بد من مقارنة النية لابتداء الشروع في الارتماس للغسل، فلا يصح ما
عن الألفية من صحة الغسل مع التأني لو قارنت النية الانغماس التام (3).
ثم اشتراط الوحدة بالمعنى الأول يستلزم اشتراطها بالمعنى الثاني، إذ انتفاء
الثاني يوجب انتفاء الأول. فلو فرق الأعضاء في الرمس في الارتماسي، لم يكن
غسله صحيحا، لانتفاء الوحدة.
وهل يصح ذلك في الترتيبي بأن يغمس رأسه أولا في الماء ثم الأيمن ثم

(1) الحاكي هو صاحب الرياض 1: 31، ولعل المراد بالمحكي عنه هو الفاضل الهندي في كشف اللثام
1: 80،
(2) قال في مفتاح الكرامة 1: 319: إليه مال الأستاذ المعتبر أدام الله تعالى حراسته والمراد منه كاشف
الغطاء راجع كشف الغطاء: 120.
(3) الألفية: 31.
330

الأيسر، أو يصب على رأسه ثم غمس الجانبين، أم لا، بل يشترط في الترتيبي
خروج العضو من الماء وصبه عليه؟
المذكور في كلام أكثر القدماء - في بيان الغسل الترتيبي - لفظ الصب أو ما
بمعناه من الإفاضة أو الوضع على العضو، ككلام الإسكافي (1)، والنهاية والمقنعة
للشيخين، والهداية للصدوق، والوسيلة والمراسم وغيرها (2)، بل في مجالس
الصدوق في وصف دين الإمامية: من أراد الغسل من الجنابة - إلى أن قال -: ثم
يضع على رأسه ثلاث أكف من الماء، ويميز الشعر بأنامله حتى يبلغ الماء أصول
الشعر كله، ثم يتناول الإناء بيده ويصبه على رأسه وبدنه (3). بل مقتضى الأدلة
وجوب الصب واعتباره، إذ جميع أخبار الترتيب، الواردة في بيان مهية الغسل
مصرحة بالصب.
وقد صرح بذلك بعض أجلة المتأخرين في شرحه على القواعد، وقال. إن
أدلة الترتيب منحصرة في الصب (4). وبعد انحصارها به لا وجه للتعدي، بل منها
ما هو صريح في وجوبه.
ففي رواية حكم بن حكيم في غسل الجنابة: ثم أفض على رأسك
وجسدك) (5).
وفي صحيحة حريز، المتقدمة: ثم أفض على سائر جسدك) (6).
وفي صحيحة زرارة: عن غسل الجنابة، فقال: " أفض على رأسك ثلاث

(1) نقله عنه في الذكرى: 101.
(2) النهاية: 1 2، المقنعة: 52، الهداية: 30، الوسيلة: 56، المراسم: 2 4، وكالمهذب 1: 46،
والسرائر 1: 121.
(3) مجالس الصدوق: 515.
(4) صرح به في كشف اللثام 1، 80.
(5) التهذيب 1: 39 1 / 2 39، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 7
(6) في ص 322.
331

أكف، وعن يمينك وعن يسارك " (1).
ويؤيده: مفهوم الوصف بالواحدة في حسنة الحلبي وصحيحته
المتقدمتين (2).
وعلى هذا فلا ينبغي الريب في اعتبار الصب في الترتيبي.
خلافا لصريح والدي - رحمه الله - في اللوامع، فقال بصحة الترتيبي برمس
الأعضاء ترتيبا، وبه يفتي جمع ممن عاصرناهم وبعض من مشايخنا (3)، تمسكا
ببعض إطلاقات الغسل.
وهو غريب غايته، لأنه - مع ظهوره في الصب - مطلق بالنسبة إلى أخبار
الترتيب، فكما يقيد بالترتيب لأخباره فيجب تقييده بالصب أيضا؟ لتضمن أخبار
الترتيب له، مع أن الغسل مطلق بالنسبة إلى نفس الصب أيضا، فتقييده به لازم
البتة.
ودعوى: أن المراد بالصب الغسل، من غرائب الدعاوى.
والتمسك بإطلاق قول الفقهاء بوجوب غسل الرأس والجسد من غير تقييد
بالصب أو الإفاضة، مردود: بأن ذلك الاطلاق إنما هو في كلام جماعة من
اللاحقين، وأما القدماء فكلام كلهم أو جلهم - كما عرفت - مخصوص بالصب.
ومع ذلك فأي حجة في إطلاق بعض العبارات؟! سيما مع تصريح الصدوق بأن
من دين الإمامية: الصب. وشيوعه في زمن الحجج بحيث يحدس بأنهم لا
يغسلون ترتيبا إلا بالصب. هذا.
ثم إن المعتبر صدق أنه ارتمس أو اغتمس في الماء، أي: مقل فيه وغاص
وكتم، كما فسرهما اللغويون بها (4)، بحيث صدق ذلك في العرف، لأنه المرجع في

(1) التهذيب 1: 37 1 / 384، الوسائل 2: 1 4 2 أبواب الجنابة ب 31 ح 6.
(2) في ص 330.
(3) كشف الغطاء: 121.
(4) منهم الجوهري في الصحاح 3: 936 (رمس): 6 5 9 (غمس)، والفيروز آبادي في القاموس
المحيط 2: 43 2 (غمس)، 28 2 (رمس).
332

معرفة المعاني في مثل المقام. ولا شك أنه لا يتوقف على إلقاء نفسه في الماء بعد
خروج جميع بدنه منه، كما قاله بعض المتأخرين (1)، بل لو كان نصف جسده بل
أزيد داخلا فيه وغاص في الماء، يقال. إنه ارتمس ومقل فيه. ولذا ورد في
الحديث: إذا وقع الذباب في طعامكم فامقلوه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي
الآخر سما، يقدم الذي فيه السم) (2) فأمر بمقل الذباب مع تحقق المقل بالنسبة
إلى بعضه.
ولا ينافي ذلك الوحدة؟ لأن المراد وحدة ارتماس الشخص في إدخال ما
يتوقف صدق الارتماس عليه في الماء، ولا شك أن مثل هذا الشخص ارتمس عرفا
ارتماسة واحدة.
نعم، الظاهر اعتبار خروج الرأس والرقبة، بل الأحوط خروج بعض آخر
أيضا، حتى يصدق عرفا أنه ارتمس بعد ما لم يكن كذلك، فإنه هو الظاهر المتبادر
من الحديث، فلا يحكم بصحة غسل من كان منغمسا في الماء، فنوى وخرج، أو
تحرك إلى جانب آخر، وإن ادعى والدي - رحمه الله - في المعتمد: الاجماع على
صحة الغسل وإن لم يخرج شئ من الأعضاء.
نعم، يجب على من كان بعضه في الماء أن يحرك قدمه حتى يصل الماء
المتجدد حال الارتماسة الواحدة تحت قدميه! لا لتوقف صدق الارتماسة الواحدة
عليه، بل لوجوب إيصال ماء الغسل إلى كل جزء من بدنه بالاجماع والنصوص،
فلا يفيد وصول الماء قبل ذلك الارتماس إلى جزء وهو الظاهر، ولا بعد تمام
الارتماس الواحد، لأنه ليس ماء الغسل، بل هو منحصر بماء الارتماسة، ولذا
يحكم بوجوب كون التخليل فيما يحتاج إليه في تلك الحالة.

(1) الكفاية: 3، ونسبه صاحب الحدائق إلى شيخه عبد الله بن صالح البحراني في الحدائق 3: 81.
(2) طب الأئمة: 6 10 بتفاوت يسير، البحار 61: 312 / 7.
333

ولذا لو أغفل موضعا في الارتماسي حتى انقضت الارتماسة الواحدة،
يستأنف الغسل عند الفاضل في المنتهى، ووالده (1)، والدروس، والبيان " 2)، وإن
خالف فيه في القواعد (3)، فيكتفي بغسل اللمعة مطلقا. وهو الأقوى؟ لترك
الاستفصال المفيد للعموم في صحيحة زرارة، المتقدمة (4) المتضمنة لحكم من ترك
بعض ذراعه أو جسده.
وهنا قولان آخران أيضا: أحدهما: أنه يكتفي بغسلها وما بعدها؟ وكأنه
مبني على ترتب الارتماس حكما.
والآخر: يستأنف مع طول الزمان، ويغسلها مع قصره! ولعل وجهه: عدم
صدق الدفعة العرفية مع طوله، وصدقها مع قصره.
ويرد الأول: بعدم دليل عليه، بل عدم معنى محصل له، بل بطلان المبنى
عليه.
والثاني. بعدم صدق الدفعة وعدم كفايتها مطلقا، بل لا بد من غسل
الجميع بالارتماسة الواحدة.
والظاهر عدم وجوب وصول الماء إلى جميع الأعضاء حال دخول الجميع في
الماء، فلو خرجت رجله من الماء غمرت في الوحل قبل دخول رأسه أو بالعكس،
أجزأ على إشكال في الأخير؟ لصدق غسل الجميع بالارتماسة الواحدة.
المسألة الخامسة: يصح الغسل تحت المطر بلا خلاف يعرف، لصحيحة
علي: عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل
رأسه وجسده، وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال: " إن كان يغسله اغتساله. بالماء،

(1) المنتهى 1: 84، ونقل فيه عن والده أيضا.
(2) الدروس 1: 97، البيان 6 5.
(3) القواعد 1: 14.
(4) في ص 326.
334

أجزأه ذلك " (1).
ومرسلة ابن أبي حمزة: في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على
جسده، أيجزيه ذلك من الغسل؟ قال. " نعم) (2).
وهل يجب فيه الترتيب كما عن الحلي (3) والمعتبر (4) أولا، بل يجري مجرى
الارتماس أيضا مع غزارة المطر، كما عن المقنعة (5) والاصباح وظاهر الاقتصاد
والمبسوط (6) وجملة من كتب الفاضل (7)، واختاره والدي - رحمه الله - ونسبه
إلى الأكثر؟
الظاهر الثاني؟ لاطلاق الروايتين، الخالي عن التقييد، لما عرفت من عدم
دلالة غير حسنة زرارة والرضوي (8) على الوجوب، مع أنه يتضمن مثل الصب
والإفاضة الذي هو فعل المكلف، فلا يشمل المورد.
وأما هما، فالرضوي لضعفه الخالي عن الجابر في المقام غير حجة. والحسنة
لدلالتها على ترك الرأس إلى أن يفرغ من الغسل، بل على تأخير إرادة غسل الرأس
لمكان " ثم " غير مفيدة، لجواز أن يكون لا بدية إعادة الغسل في المورد الذي
يحكمون فيه بعدم الترتيب لأجل ذلك التأخير، حيث إن كل من يقول بعدم
وجوب الترتيب هنا يجريه مجرى الارتماس في لزوم غسل جميع البدن دفعة عرفية
متواليا من غير تراخ، ولذا قيدوا المطر بالغزير.

(1) الفقيه 1: 14 / 27، التهذيب 1: 49 1 / 4 2 4، الإستبصار 1: 25 1 / 25 4، قرب الإسناد:
182 / 672، الوسائل 2: 231 أبواب الجنابة ب 26 ح 10.
(2) الكافي 3: 44 الطهارة ب 30 ح 7، الوسائل 2: 232 أبواب الجنابة ب 26 ح 14.
(3) السرائر 1: 135.
(4) المعتبر 1: 185.
(5) لم نعثر عليه في المقنعة.
(6) الإقتصاد: 245 المبسوط 1: 29.
(7) كالمنتهى 1، 84، والتذكرة 1: 24، والتحرير 1، 2 1.
(8) المتقدمين ص 322.
335

فيبقى إطلاق الروايتين خاليا عما يوجب تقييده في محل النزاع وإن قيد
بالترتيب في صورة عدم غزارة المطر بالاجماع بل الرضوي المنجبر، وبالدفعة العرفية
مع غزارته بالاجماع.
مع أنه على فرض دلالة الخبرين يتعارضان مع روايتي المطر بالعموم من
وجه، والمرجع إلى إطلاقات الغسل.
وأما أخبار الارتماس فغير جارية هنا قطعا؟ لعدم تحقق الارتماس فيه وإن
كثرت الغزارة.
دليل الأول. عدم منافاة الروايتين للترتيب، فلا يخرج عن مقتضى أدلته،
بل دلالة الصحيحة على ثبوته، إذ لا يمكن أن يكون المراد بقوله. " اغتساله
بالماء ": المماثلة في الجريان، لتضمن السؤال للغسل المستلزم إياه، فيكون في
الكيفية التي منها الترتيب والارتماس. والثاني غير ممكن في المورد، فيكون الأول.
وفيه: ما مر من عدم نهوض أخبار الترتيب في المورد. وما ذكره في الصحيحة
إنما يصح إذا كان: يغتسل (1) اغتساله بالماء، وإنما هو: " يغسله " المستند إلى المطر،
ولا معنى لاستناد الترتيب إليه.
مع أنه يمكن أن تكون المماثلة في شمول جميع أجزاء البدن والوصول إليه
من أصول الشعور ونحوها.
ولا يبعد إلحاق الميزاب وشبهه بالمطر في انتفاء الترتيب مع الغزارة المستلزمة
للدفعة العرفية بحسبها؟ لا للقياس بالمطر، بل لعدم شمول أدلة الترتيب، كما
مر.

(1) في " ق " يغسل.
336

البحث الخامس: في آداب غسل الجنابة وسننه، وهي أمور:
منها: إمرار اليد على ما جرى عليه الماء من الجسد.
لا للرضوي المتقدم في مسألة ترتيب الجانبين (1)، كما قيل (2) لأن المسح
المذكور فيه إنما هو لايصال الماء المصبوب على الصدر إلى البدن، ولذا قيده
بالسائر، وهو غير ما نحن فيه.
ولا للاستظهار؟ لأن مع يقين الوصول لا استظهار، ومع عدمه إلا بإمرار
اليد يجب، ولا يكفي الظن في المقام.
نعم، يمكن الاستدلال به في الجملة فيما اكتفى فيه بظن الأصل كأصالة
عدم الحائل.
بل للاجماع المنقول عن الخلاف والتذكرة وظاهر المعتبر والمنتهى (3)،
وصحيحة زرارة المتقدمة في صدر مسألة الارتماس (4)، حيث دلت لفظة " إن)
الوصلية على أولوية الدلك. وليس هي في الارتماسي، لايجابه انتفاء الدفعة المعتبرة
فيه، بل عدم إمكان دلك الجمع تحت الماء. فيكون في الترتيبي، ويكون المعنى
أجزأه ذلك وإن أوجب انتفاء الدلك المطلوب.
ومنه يظهر اختصاص الاستحباب هنا بالترتيبي، وقد صرح به بعض
مشايخنا أيضا.
ومنها: الموالاة! لفتوى جمع من الأصحاب (5)، وعموم آيات المسارعة

(1) في ص 327.
(2) القائل هو صاحب الرياض 1: 32.
(3) الخلاف 1: 28 1، التذكرة 1: 24، المعتبر 1: 85 1، المنتهى 1: 85
(4) ص 329.
(5) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 274، وصاحب المدارك 1: 298.
337

والاستباق (1)، وكراهة الكون على الجنابة.
ولا تجب إجماعا كما في ظاهر المدارك والبحار (2)، يشعر به كلام التهذيب (3)
أيضا، وبلا خلاف كما في صريح الحدائق (4)؟ للأصل، وصدق الامتثال،
وصحيحتي هشام (5) ومحمد (6) في قضية أم إسماعيل، والجارية.
وحسنة اليماني:، إن عليا لم ير بأسا أن يغسل الرجل رأسه غدوة ويغسل
سائر جسده عند الصلاة " (7).
والرضوي: ولا بأس بتبعيض الغسل بغسل يديك وفرجك ورأسك،
وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة " (8).
وصحيحة حريز، المتقدمة في ترتيب الرأس (9)، وهي تدل على نفي وجوب
الموالاة بمعنييها المتقدمين في الوضوء. بل يستفاد ذلك من سائر الأخبار أيضا.
وفي وجوبها على خائف فجأة الحدث الأكبر قول، استنادا إلى حرمة إبطال
العمل، وكذا الخائف فجأة الأصغر - على القول بإبطاله الغسل - لذلك، وهو
ضعيف.
ومنها: البول أمام الغسل إن أمكن، للاتفاق على رجحانه، وللمحافظة

(1) البقرة: 133، المائدة: 48.
(2) المد ا رك 1: 298، البحار 78: 7 5.
(3) التهذيب 1: 135.
(4) الحدائق 3: 83.
(5) التهذيب 1: 34 1 / 370، الإستبصار 1: 4 2 1 / 2 2 4، الوسائل 2: 236 أبواب الجنابة ب 28
ح 4.
(6) التهذيب 1: 34 1 / 371، الإستبصار 1: 4 2 1 / 23 4 الوسائل 2: 237 أبواب الجنابة ب 29
ح 1.
(7) الكافي 3: 4 4 الطهارة ب 30 ح 8، التهذيب 1: 34 1 / 2 37، الوسائل 2: 238 أبواب الجنابة
ب 29 ح 3.
(8) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 474 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.
(9) في ص 322.
338

على الغسل من طريان مزيله، وللنصوص:
منها صحيحة البزنطي: عن غسل الجنابة، إلى أن قال: " وتبول إن قدرت
على البول، ثم تدخل يدك في الإناء ثم اغسل ما أصابك منه " (1) الحديث.
ومضمرة ابن هلال: عن رجل اغتسل قبل أن يبول، فكتب: " إن الغسل
بعد البول إلا أن يكون ناسيا، فلا يعيدن الغسل) (2).
والرضوي: فإذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتى تخرج
فضلة المني التي في إحليلك. وإن جهدت ولم تقدر على البول فلا شئ عليك،
وتنظف موضع الأذى منك " (3).
والتمسك بالنبوي: " من ترك البول على أثر الجنابة، أو شك تردد بقية - الماء
في بدنه، فيورثه الداء الذي لا دواء له " (4) غير جيد؟ لأنه يدل على رجحانه بعد
الجنابة لا قبل الغسل، فيحصل امتثاله بالبول بعد الغسل إذا اغتسل بعد الجنابة
بلا مهلة.
وظاهر تلك الأخبار كلا أو بعضا وإن كان الوجوب، إلا أن جماعة من
علمائنا الأعلام كالسيد والحلي (5) والفاضلين (6)، والشهيدين (7) رجلا من تأخر (8)

(1) التهذيب 1: 1 3 1 / 363، الإستبصار 1: 23 1 / 9 1 4، الوسائل 2: 47 2 أبواب الجنابة ب 34
ح 3.
(2) التهذيب 1: 5 14 / 410، الإستبصار 1: 120 / 407، الوسائل 2: 2 25 أبواب الجنابة ب 36
ح 12.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 1 8، المستدرك 1: 470 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.
(4) الجعفريات 21، المستدرك 1: 485 أبواب الجنابة ب 37 ح 1 بتفاوت في المتن.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية) 188، السرائر 1: 118.
(6) المحقق في المعتبر 1: 85 1، والشرائع 1: 28، والعلامة في التذكرة 1: 4 2، والمختلف 1: 32،
والقواعد 1: 13.
(7) الأول في الدروس 1: 96، والبيان: 55، والثاني في الروضة 1: 4 9، والمسالك 1: 8.
(8) كالمدارك 1: 298، والمفاتيح 1: 57، والكفاية: 3، والرياض 1: 31.
339

عنهم لم يقولوا به! لضعف الأولى دلالة، لمكان الجملة الخبرية الغير الدالة على
الوجوب، سيما مع ورودها في سياق الأوامر المستحبة. والثانيتين سندا، مع ما في
أولاهما من العلة باعتبار التفرقة بين النسيان وعدمه في إعادة الغسل.
مضافا إلى أن مقتضى حقيقتها انحصار الغسل بما بعد البول، وأن قبله
ليس غسلا أوليس صحيحا، وليس كذلك قطعا، فيكون مجازا، وهو يمكن أن
يكون الغسل الكامل.
خلافا لأعيان القدماء وتابعيهم، كالصدوقين في المقنع والهداية (1)،
والشيخين في المقنعة والمبسوط والاستبصار والجمل والعقود والمصباح (2) ومختصره
والجعفي والكيدري (3)، والحلبي والقاضي والديلمي (4) وابني حمزة وزهرة (5)
وصاحبي الاصباح والجامع (6) فقالوا بوجوبه، واختاره بعض مشايخنا.
واحتاط بالقول به بعض آخر منهم (7).
ونفى عنه البأس في الذكرى، ونسبه إلى معظم الأصحاب (8).
وعن الغنية دعوى الاجماع عليه (9).
وقد يقال بالوجوب التخييري بينه وبين الاستبراء بالاجتهاد، وعزى ذلك إلى

(1) الهداية: 20، ولم نعثر عليه في المقنع ولا على كلام والد الصدوق
(2) المفيد في المقنعة: 2 5، والطوسي في المبسوط 1: 29، والاستبصار 1: 8 11، والجمل والعقود
(الرسائل العشر) 161، والمصباح: 9.
(3) نقله عنهما في الذكرى: 103.
(4) الكافي في الفقه: 133 المهذب 1: 45، المراسم: 41.
(5) الوسيلة 55، الغنية (الجوامع الفقهية)،...
(6) الجامع للشرائع: 39.
(7) قال الوحيد البهبهاني - بعد تضعيف أدلة الوجوب - والأحوط البناء على الوجوب. شرح المفاتيح
(مخطوط).
(8) الذكرى: 3 10.
(9) الغنية: (الجوامع الفقهية): 554.
340

الشيخ وابني حمزة وزهرة (1).
واستدلوا بما مر، مع الاعتراض عليه.
وهو قوي جدا، للرضوي المتقدم. ويجاب عن ضعفه بانجباره بما مر من
الشهرة القديمة والمحكية في الذكرى، والاجماع المحكي.
وحمل كلام الموجبين على الوجوب الشرطي بعيد غايته، سيما كلام من ذكر
بلفظ الأمر، وهو أكثرهم.
واستدلال بعضهم (2) بأخبار إعادة الغسل مع الاخلال به، وخروج شئ
من الذكر، لا يدل على إرادته الشرطي، إذ لعله أراد الاستدلال على وجوب (3)
محافظة الغسل عن مزيله، كما احتج به في الذكرى (4)، وإن كان في تماميته نظر.
وتضعيف القول بالوجوب: بأخبار الإعادة حيث إنهم لم ينكروا على
السائلين تركهم البول، وبخلو أكثر أخبار بيان الغسل عنه مع التعرض للآداب
المستحبة، وبعدم شيوعه مع أنه لو كان لشاع واشتهر (5)، ضعيف غايته.
أما الأول: فلأن أكثر أخبار الإعادة (6) متضمنة لفرض الترك، إما من
الراوي أو المروي عنه، وليس فيها ترك السائل. مع أن عدم الانكار حين السؤال
عن الحكم لا يدل على عدمه مطلقا.
وأما الثاني والثالث: فظاهر. مع أن الظاهر أن القائل بوجوبه لا يجعله من
الغسل جزءا ولا شرطا، بل هو واجب برأسه قبل الغسل، فلا يضر خلو أخبار

(1) المبسوط 1: 29، الغنية (الجوامع الفقهية): 554، الوسيلة: 55 ولا يستفاد منه الوجوب
التخييري فإنه أوجب أولا:. الاستبراء بالبول ثم الاجتهاد لو لم يتأت البول
(2) كالشيخ في الإستبصار 1، 118.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(4) الذكرى: 103.
(5) كما في شرح المفاتيح: (مخطوط).
(6) الوسائل 2: 250، أبواب الجنابة ب 36.
341

بيان الغسل منه.
ومقتضى التعليل المذكور في الرضوي - مطابقا لصريح جملة من الأصحاب
منهم الفاضل (1) والشهيدان (2) والمحقق الثاني (3) - اختصاصه بالمنزل، إذ بدونه لا
تتحقق فضلة للمني.
وأما إطلاق الصحيحة والمضمرة (4): فلا يفيد في الوجوب. مع أنه لا
إطلاق في الصحيحة لظهورها في المنزل أيضا، لمكان قوله: واغسل ما أصابك
منه ". فلا يجب إلا عليه، وإن احتمل الاستحباب مطلقا.
كما أن مقتضى كون الخطاب في الصحيحة إلى الراوي الذي هو الرجل،
واختصاص السؤال به مع تذكير الضمائر التي بعد الجواب في المضمرة، وذكر
الإحليل وتذكير الخطاب في الرضوي، مع أنه كتب الكتاب للمأمون وخطاباته
إليه كما يظهر منه، مضافا إلى الأصل وانتفاء الاجماع على الشركة في المقام:
اختصاصه بالرجل، وفاقا لأكثر من ذكر، وخلافا للمقنعة والنهاية (5) فعمماه ولا
وجه له سيما مع ظهور اختصاص الحكمة.
ومنها: الاستبراء باليد إن لم يتيسر البول، تبعا للمحكي عن المشهور بين
المتأخرين (6)، وحذرا عن مخالفة من أوجبه حينئذ!، كما عن الشيخين (7) والقاضي (8)

(1) التحرير 1: 13، التذكرة 1: 24 المنتهى 1: 92.
(2) الأول في الدروس 1: 96، والثاني في الروضة 1: 4 9، والروض: 55، والمسالك 1: 8.
(3) جامع المقاصد 1: 265.
(4) المتقدمتين ص 9 33.
(5) المقنعة: 52، النهاية: 21.
(6) حكاه في الحدائق 3: 115.
(7) المفيد في المقنعة. 2 5، والطوسي في النهاية: 1 2، والمبسوط 1: 29، والجمل والعقود (الرسائل
العشر): 161.
(8) نسبه إليه في الذكرى: 103.
342

وابني حمزة وزهرة (1)، وهما كافيان في المقام.
وأما وجوبه حينئذ فلا دليل عليه، كما لا دليل على استحبابه أو وجوبه بعد
البول للغسل، لأجل الغسل. وكلام من ندبه أو أوجبه معه - في هذا المقام - يشعر
بأنه لأجل الغسل، فإنه مستحب أو واجب - على اختلاف القولين - بعد البول
مطلقا أيضا، كما مر في بحث الاستنجاء مع كيفية الاستبراء.
ومنها: غسل اليدين إجماعا فتوى ونصا، إلى الزندين مشهورا، للمستفيضة
المصرحة بغسل الكفين (2).
وأفضل منه دون المرفق، لموثقة سماعة (3).
والأكمل إلى المرفق، لصحيحتي البزنطي (4)، ويعقوب بن يقطين (5)،
والمروي في قرب الإسناد للحميري (6)، وفي الخصال: " إذا أراد أحدكم الغسل
فليبدأ بذراعيه فليغسلهما " (7).
وأما رواية يونس في غسل الميت: " يغسل يده ثلاث مرات، كما يغتسل
الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع " (8) فلا تدل على استحباب ذلك التحديد
في غسل الجنابة أيضا، لجواز كون التشبيه في الغسل.
مقدما على المضمضة والاستنشاق، لصحيحة زرارة (9) وموثقة أبي

(1) الوسيلة: 55، الغنية (الجوامع الفقهية) 554..
(2) انظر الوسائل 2: 29 2 أبواب الجنابة ب 26.
(3) التهذيب 1: 132 / 4 36، الوسائل 2: 231، أبواب الجنابة ب 26 ح 8.
(4) التهذيب 1: 131 / 363، الإستبصار 1: 23 1 / 9 41، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 4 3
ح 3.
(5) التهذيب 1: 2 14 / 402، الوسائل 2: 6 4 2 أبواب الجنابة ب 4 3 ح 1.
(6) قرب الإسناد: 368 / 9 1 3 1، الوسائل 2: 233 أبواب الجنابة ب 26 ح 6 1.
(7) الخصال: 630، الوسائل 2: 265 أبواب الجنابة ب 4 4 ح 2.
(8) الكافي 3: 141 الجنائز ب 18 ح 5 التهذيب 1: 301 / 877، الوسائل 2: 265 أبواب الجنابة
ب 44 ح 1.
(9) التهذيب 1: 8 4 1 / 22 4 الوسائل 2: 225، أبواب الجنابة ب 4 2 ح 1.
343

بصير (1). بل على غسل الفرج أيضا كما يستفاد من الأخبار.
ثلاثا بالاجماع لصحيحة الحلبي ومرسلة الفقيه المتقدمتين في غسل اليدين
للوضوء (2)، والرضوي: " وتغسل يديك إلى المفصل ثلاثا (3).
وبها تقيد الروايات المطلقة، كما هو مقتضى القواعد الشرعية.
سواء في ذلك، الغسل من الإناء الواسع الذي يدخل فيه اليد، والضيق
الذي يصب منه الماء، لاطلاق صحيحتي محمد (4) وزرارة (5) وغيرهما. بل سواء فيه
الغسل الترتيبي والارتماسي، لاطلاق رواية الحضرمي: كيف أصنع إذا أجنبت؟
قال: " اغسل كفك وفرجك، وتوضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل) (6).
والتخصيص بالأول للتصريح بإدخال اليد في بعض الأخبار بعد أطلاق
بعض آخر لا وجه له، وجعله من باب حمل المطلق على المقيد خطأ.
ومنها: المضمضة والاستنشاق، إجماعا كما في المدارك (7)، للنصوص، بعد
تطهير الفرج، كما في صحيحة زرارة (8) وموثقة أبي بصير (9).
ثلاثا في كل منهما، كما عن المقنعة والنهاية والسرائر والوسيلة والمهذب

(1) التهذيب 1: 1 3 / 362، الإستبصار 1: 18 1 / 398، الوسائل 2: 225 أبواب الجنابة
ب 24 ح 2.
(2) تقدمتا في ص 166.
(3) تقدم ص 339.
(4) الكافي 3: 3 4 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132 / 365، الإستبصار 1: 123 / 420،
الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
(5) راجع ص 343 الهامش (9).
(6) التهذيب 1: 04 1 / 269، الإستبصار 1: 97 / 314، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34
ح 6.
(7) المدارك 1: 302.
(8) التهذيب 1: 148 / 422، الوسائل 2: 225 أبواب الجنابة ب 24 ح 1.
(9) التهذيب 1: 131 / 362، الإستبصار 1: 8 1 1 / 398، الوسائل 2: 225 أبواب الجنابة
ب 24 ح 2.
344

والاصباح والتذكرة والتحرير والذكرى والبيان (1)! لفتوى هؤلاء، مضافا إلى
الرضوي: وقد يروى. أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا، وروي. مرة يجزيه،
والأفضل الثلاث (2).
مقدما الثلاث الأولى على الثانية! للشهرة المحكية. وإن جاز عكسه أيضا
على ما مر في الوضوء.
ومنها: الغسل بصاع من الماء - وهو تسعة أرطال بالعراقي - بالاجماع
والنصوص.
ولا يجب إجماعا منا؟ لاستفاضة أخبارنا بإجزاء مثل الدهن، ولطهارة ما
جرى عليه الماء من الجسد (3).
وما ظاهره الوجوب محمول على الاستحباب، جمعا، أو وارد مورد التقية،
لأن الوجوب مذهب أبي حنيفة (4).
والمستفاد من ظواهر عبارات أصحابنا الأخيار، وصريح والدي - رحمه
الله -: عدم استحباب الغسل بالزائد من الصاع، وهو مقتضى الأصل.
إلا أن الفاضلين صرحا باستحبابه أيضا وادعيا الوفاق عليه (5). وهو يقتضي
ثبوته! للتسامح في المقام.
ولا تنافيه مرسلة الفقيه: وسيأتي قوم يستقلون ذلك - أي الصاع - فأولئك
على خلاف سنتي " (6) إذ استحباب الزائد لا ينافي كراهة استقلال الصاع، بل

(1) المقنعة: 52، النهاية: 21، السرائر 1: 118، الوسيلة: 56، المهذب 1: 5 4 التذكرة 1: 24،
التحرير 1: 13، الذكرى:، 104 البيان: 55.
(2) فقه الرضا عليه السلام 1 8، المستدرك 1: 68 4 أبواب الجنابة ب 16 ح 1.
(3) الوسائل 2: 240 أبواب الجنابة ب 31.
(4) كما نقله عنه في الخلاف 1: 29 1 وقال ابن قدامة في المغني 1: 56 2: وحكي هذا عن أبي حنيفة
ولكن يظهر من بدائع الصنائع 1: 35 أنه أنكر النسبة.
(5) المعتبر 1: 186، المنتهى 1: 86.
(6) الفقيه 1: 23 / 70، الوسائل 1: 83 4 أبواب الوضوء ب 50 ح 6.
345

حرمته.
ثم صريح صحيحة الفضلاء (1) وظاهر غيرها من الصحاح (2): اختصاص
الاستحباب بالصاع بحالة الانفراد، وكفاية الأقل مع الاشتراك. وهو
ظاهر والدي رحمه الله به ولا بأس به؟ لما ذكر.
وفي دخول ماء غسل اليد والمضمضة والاستنشاق وتطهير الفرج في الصاع
وجهان، والدخول ليس ببعيد.
ومنها: المبالغة في إيصال الماء والاستظهار فيه؟ لما في حسنة جميل: " يبالغن
في الغسل) (3) وصحيحة محمد. " يبالغن في الماء " (4) والرضوي: " والاستظهار فيه
إذا أمكن) (5).
ومنها: التثليث في غسل كل عضو في الترتيبي، لفتوى جماعة.
والاستدلال بأخبار ثلاث أكف (6) ليس بسديد، لامكان إرادة الصب
بثلاث أكف من غير تثليث في الغسل، أو إرادة هذا المقدار كما يستفاد من
الرضوي: " تصب على رأسك ثلاث أكف، وعلى جانبك الأيمن مثل ذلك، وعلى
جانبك الأيسر مثل ذلك " إلى أن قال: وإن كان الصب بالإناء جاز الاكتفاء بهذا
المقدار) (7).
والإسكافي (8) استحب للمرتمس ثلاث غوصات يخلل شعره ويمسح جسده

(1) التهذيب 1: 370 / 1130، الوسائل 2: 3 4 2 أبواب الجنابة ب 32 ح 5.
(2) الوسائل 1: 481 أبواب الوضوء ب 50.
(3) الكافي 3: 5 4 الطهارة ب 29 ح 7 1، التهذيب 1: 7 4 1 / 8 1 4، الوسائل 2: 255، أبواب
الجنابة ب 38 ح 2.
(4) التهذيب 1: 47 1 / 9 1 4، الوسائل 2: 5 25 أبواب الجنابة ب 38 ح 1.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 81، المستدرك 1: 70 4 أبواب الجنابة ب 18 ح 2.
(6) الوسائل 2: 29 2 أبواب الجنابة ب 26.
(7) راجع الهامش (5).
(8) نقله عنه في الذكرى: 105.
346

في كل منها. ونفى عنه الشهيد البأس (1)، واستظهره والدي. ولا بأس به!
لذلك.
(ومنها: الدعاء بالمأثور في موثقة الساباطي (2) ورواية محمد بن مروان (3)
إما قبل الغسل أو بعده) (4).
البحث السادس: في أحكامه. وهي أمور نذكرها في مسائل:
المسألة الأولى: البلل الخارج بعد الغسل، إن علمه منيا أو بولا، لحقه
حكمه إجماعا، فتوى ونصا وإن علمه غيرهما، لم يلزمه شئ كذلك.
وإن اشتبه، فإن كان الغسل بعد البول والاستبراء، فلا غسل ولا وضوء
أيضا بالاجماع، للأصل، والاستصحاب، والعمومات، وخصوص المستفيضة
النافية للغسل بعد البول، والوضوء بعد الاستبراء.
فمن الأولى: موثقة سماعة: عن الرجل يجنب، ثم يغتسل قبل أن يبول،
فيجد بللا بعد ما يغتسل، قال: " يعيد الغسل، وإن كان بال قبل أن يغتسل فلا
يعيد غسله، ولكن يتوضأ ويستنجي) (5).
وصحيحة الحلبي: عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا، وقد كان بال
قبل أن يغتسل، قال. " إن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد الغسل) (6).

(1) الذكرى 105.
(2) التهذيب 1: 367 / 16 1 1، الوسائل 2: 4 25، أبواب الجنابة ب 37 ح 3.
(3) التهذيب 1: 6 4 1 / 4 1 4، الوسائل 2: 53 2 أبواب الجنابة ب 37 ح 1.
(4) ما بين القوسين ليس في " ق).
(5) الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 4، التهذيب 1: 4 4 1 / 406، الإستبصار 1: 119 / 1 40،
الوسائل 2: 1 5 2 أبواب الجنابة ب 36 ح 8.
(6) الكافي 3: 9 4 الطهارة ب 32 ح 2، التهذيب 1: 3 4 1 / 5 40، الإستبصار 1: 8 1 1 / 400،
الوسائل 2: 250 أبواب الجنابة ب 36 ح 5. ولا يخفى أن تعبير الماتن عنها بالصحيحة مع اشتمال
سندها على إبراهيم بن هاشم يخالف دأبه من التعبير من مثلها بالحسنة.
347

وصحيحة محمد: عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شئ، قال.
" يغتسل ويعيد الصلاة إلا أن يكون بال قبل أن يغتسل، فإنه لا يعيد غسله).
قال محمد: وقال أبو جعفر عليه السلام: " من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول،
ثم وجد بللا فقد انتقض غسله، وإن كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس
ينقض غسله، ولكن عليه الوضوء لأن البول لم يدع شيئا) (1).
وحسنة الحلبي: عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا، وقد كان بال
قبل أن يغتسل قال: " ليتوضأ، وإن لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل " (2)
وجه دلالتها على المطلوب بضميمة أن التفصيل قاطع للشركة.
ونحوها. رواية ابن ميسرة في رجل رأى بعد الغسل شيئا، قال: " إن كان
بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضأ، وإن لم يبل حتى اغتسل، ثم وجد البلل
فليعد الغسل) (3).
ومن الثانية ما مر في مسألة الاستبراء من الصحيحة والحسنتين وغيرها (4).
وأما ما في الأخبار المتقدمة من الأمر بالوضوء، فمحمول على عدم
الاستبراء، لعمومها بالنسبة إليه.
واختصاصها بما بعد الجنابة لا يخصصها لعدم القول بالفصل. مع أنه
على فرض الاختصاص يكون التعارض بالعموم من وجه، والمرجع الأصل.
وأما ما في صحيحة ابن عيسى: هل يجب الوضوء مما خرج من الذكر بعد

(1) التهذيب 1: 144 / 07 4، الإستبصار 1: 119 / 2 40 وليس فيه لأن البول... الوسائل
2: 251 أبواب الجنابة ب 36 ح 6، 7.
(2) الفقيه 1: 7 4 / 186، الوسائل 2: 250 أبواب الجنابة ب 36 ح 1، ولم يظهر وجه للتعبير عنها
بالحسنة مع كونها صحيحة فلاحظ.
(3) التهذيب 1: 144 / 408، الإستبصار 1: 9 1 1 / 403، الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36
ح 9.
(4) تقدم في ج 1 ص 323، 324.
348

الاستبراء؟ فكتب: " نعم " (1) فبالشذوذ مردود. مع أنه - كما في الاستبصار (2) -
موافق للعامة. ومع ذلك هي بالنسبة إلى ما مر عامة، فإرادة ما علم كونه بولا
متعينة.
وإن لم يأت بشئ منهما، يجب عليه الغسل على الأشهر الأظهر، بل عن
الحلي (3) والفاضل (4) الاجماع عليه، لما تقدم من الأخبار منطوقا ومفهوما، مضافا
إلى صحيحتي سليمان (5) ومنصور (6)، وبها تخصص عمومات عدم نقض اليقين
بالشك.
وأما الروايات الدالة على عدم الإعادة مع عدم البول مطلقا، كروايتي
الشحام (7) وعبد الله بن هلال (8) ومرسلة الفقيه (9)، أو مع نسيان البول خاصة،
كروايتي جميل (10) وأحمد بن هلال (11) فمع ضعفها سندا وشذوذها - لعدم قائل

(1) التهذيب 1: 28 / 72 الإستبصار 1: 49 / 138، الوسائل 1: 285 أبواب نواقض الوضوء
ب 13 ح 9.
(2) الإستبصار 1: 49، وانظر بداية المجتهد 1: 34.
(3) السرائر 1: 122.
(4) المختلف: 32.
(5) الكافي 3: 49 الطهارة ب 32 ح 1، التهذيب 1: 143 / 404، الإستبصار 1: 118 / 399،
الوسائل 2: 201 أبواب الجنابة ب 13 ح 1.
(6) التهذيب 1: 148 / 421، الوسائل 2: 201 أبواب الجنابة ب 13 ح 2.
(7) التهذيب 1: 145 / 412، الإستبصار 1: 119 / 405، الوسائل 2: 253 أبواب الجنابة ب 36
ح 14.
(8) التهذيب 1: 145 / 411، الإستبصار 1: 119 / 404، الوسائل 21: 252 أبواب الجنابة
ب 36 ح 13.
(9) الفقيه 1: 47 / 187، الوسائل 2: 250 أبواب الجنابة ب 36 ح 2.
(10) التهذيب 1: 145 / 409، الإستبصار 1: 120 / 406، الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36
ح 11.
(11) التهذيب 1: 145 / 410 الإستبصار 1: 120 / 407 الوسائل 2: 252 أبواب الجنابة ب 36
ح 12.
349

بمضمونها سوى ما نقل عن ظاهر الفقيه والمقنع (1) من الاكتفاء بالوضوء - أعم
مطلقا من الأخبار المتقدمة، لاختصاص ما تقدم بالمشتبه إجماعا، وشمول هذه لما
علم عدم كونه منيا أو بولا أيضا. بل في الأولى والثالثة تصريح بكونه من الحبائل
التي لا شئ فيها إجماعا.
وكذا إن لم يأت بالبول مع إمكانه وأتى بالاستبراء، على المشهور أيضا. بل
عن الخلاف الاجماع عليه (2) لاطلاق ما تقدم من الصحاح، بل وعموم بعضها.
خلافا للمحكي عن ظاهري الشرائع والنافع (3)، فلم يوجبه؟ للأصل
المندفع بما تقدم.
وأما مع عدم إمكانه، فالحق المشهور - كما صرح به جماعة - سقوط الغسل،
وعدم وجوب شئ، وهو مختار الصدوقين (4) والشيخين (5) والفاضلين (6)، وإليه
ذهب والدي العلامة في الكتابين، للرضوي المتقدم (7) المنجبر في المقام بالشهرة، بل
للجمع بين مطلقات الإعادة وروايتي الشحام وابن هلال، بحمل الأخيرتين على
صورة عدم الامكان، بشهادة الرضوي.
وحمل نفي الشئ فيه على نفي الإثم تخصيص بلا مخصص.
وإطلاقه باعتبار خروج البلل وعدمه لا يضر إذ غايته تعارضه مع موجبات
الإعادة بالعموم من وجه، ويرجع إلى الأصل لولا ترجيح ذلك بالأحدثية وموافقة
الشهرة.

(1) نقله في الحدائق 3: 29 عن الفقيه 1: 47، والمقنع. 3 1.
(2) الخلاف 1: 126.
(3) حكاه في الحدائق 3: 37، عن الشرائع 1: 28، والنافع: 9.
(4) لم نعثر عليه عنهما والموجود في كلام الصدوق لا يوافقه فلاحظ الفقيه 1: 47، والمقنع 13،
والهداية: 21.
(5) المفيد في المقنعة: 53، والطوسي في المبسوط 1: 29، والاستبصار 1: 20 1، والنهاية: 1 2.
(6) المحقق في الشرائع 1: 28، والنافع 9، والعلامة في القواعد 1: 13.
(7) ص 339.
350

وإن عكست الحال، فبال ولم يستبرئ، يجب عليه الوضوء، بالاجماع كما في
اللوامع، وعلى المعروف من مذهب الأصحاب كما في الحدائق (1)، وبلا خلاف كما
قيل (2)، للصحيح والحسنتين المتقدمتين في مسألة الاستبراء (3)، وموثقة سماعة
وصحيحة محمد ورواية ابن ميسرة السالفة (4).
ولا اختصاص لذلك بما بعد الجنابة، بل يجب الوضوء بالبلل الخارج بعد
البول قبل الاستبراء مطلقا.
وربما ينقل عن ظاهر المقنعة والتهذيبين (5) عدم الوضوء إذا كان ذلك بعد
الجنابة، بناء على عدمه مع غسل الجنابة.
وفي اطلاقه منع ظاهر لاختصاصه بخروج موجبه قبل الغسل لا بعده،
والموجب هنا البلل الخارج بعد..
فروع:
أ. وجوب الغسل أو الوضوء في بعض الصور مخصوص بالرجل، وأما المرأة
فلا، على المشهور بين الأصحاب! للأصل، والاستصحاب، لاختصاص أخبار
الوجوب بالرجل، مضافا إلى التنصيص به في صحيحتي سليمان ومنصور (6)، بل
لا يجب الغسل عليها وإن علمت أن الخارج مني، بعد احتمال كونه. من الرجل.
ب: صرح جماعة - منهم الفاضل في المنتهى (7) والشهيدان (8) - باختصاص
إعادة الغسل في بعض الصور بالمنزل، فلا يجب على من أجنب بغيره! لأن الحكم

(1) الحدائق 3: 34.
(2) الرياض 1: 31.
(3) في ج 1 ص 385.
(4) في ص 8 4 3.
(5) لاحظ المقنعة: 53؟ والتهذيب 1: 3 4 1، 144، والاستبصار 1: 120.
(6) المتقدمين ص 9 4 3.
(7) المنتهى 1: 92.
(8) الأول في البيان: 56، الثاني في الروض 55.
351

بالإعادة إنما هو لمظنة كون الخارج من فضلة المني الخارج، وذلك في حقه غير
متصور.
ومال بعض المتأخرين إلى الإعادة؟ لعموم الروايات. وهي أحوط، وإن
أمكن الخدش في الروايات: بأنها مطلقة، فإلى الشائع من أفراد الجنب - وهو
المنزل - منصرفة.
ج: الخارج فيما يجب فيه الغسل أو الوضوء حدث جديد، فالعبادة الواقعة
قبل خروجه صحيحة، للأصل، واقتضاء الأمر للاجزاء.
وقوله في صحيحة محمد.، المتقدمة (1). " ويعيد الصلاة " لا يفيد؟ إذ كما
يمكن أن يراد منه الصلاة الواقعة بعد الغسل، يمكن أن يراد منه الواقعة بعد
الخروج، ولا عموم فيه يشمل الجميع. مع أنه لا يفيد أزيد من الرجحان
د: وجوب الغسل أو الوضوء إنما هو إذا كان نفس البلل الخارج مشتبها،
أما لو علم أنه ليس بمني أو بول، وشك في أنه هل يستصحب شيئا من الأجزاء
المتخلفة من أحدهما، فلا يجب، إذ ما علم خروجه لا يوجبه، بالنصوص الواردة
فيه (2)، وغيره منفي بالأصل.
ه‍: المستفاد من لفظ الإعادة في الأخبار المتقدمة، ومن التعليل بخروج
بقية المني: كون الغسل المعاد غسل جنابة، فيرتفع به الحدث الأصغر المتخلل بين
الغسلين من غير حاجة إلى الوضوء ولو احتاط بنقض الغسل ثم الوضوء كان
أولى.
المسألة الثانية. المحدث بالأصغر في أثناء الغسل يعيده، وفاقا
للصدوقين (3)، ونهاية الإحكام (4)، والمبسوط والاصباح والجامع والقواعد (5)،

(1) في ص 348.
(2) الوسائل 1: 276، 282 أبواب نواقض الوضوء ب 2 1 و 13.
(3) الفقيه 1: 49 (ونقله فيه عن والده)، الهداية 21.
(4) نهاية الإحكام 1: 114، والقول موجود أيضا في النهاية: 22 للشيخ الطوسي.
(5) المبسوط 1: 29 الجامع للشرائع: 40، القواعد 1: 3 1.
352

والشهيدين (1). بل نسبه المحقق الثاني في شرح الألفية إلى الشهرة.
للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: " فإن أحدثت حدثا من بول أو
غائط أو ريح بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك، فأعد الغسل من
أوله " (2).
ونقله جماعة من مجالس الصدوق (3) أيضا.
وقد يستدل أيضا: بأن الغسل الأول بعد إتمامه لا يرفع الحدث المتخلل
بالبديهة، والصحيح من غسل الجنابة ما يرتفع معه جميع الأحداث.
وبأن المتخلل لا بد له من أثر، وليس هو الوضوء إذ ليس هو مع غسل
الجنابة، فهو الغسل.
وبأنه ينقض حكم تمام الغسل إن صدر بعد.، فينقض حكم البعض
بالطريق الأولى. فلا يكون لهذا الغسل حكم إباحة الصلاة والصحيح منه لا
يخلو عنه البتة.
، يرد على الأول: منع المقدمة الأولى أولا، فإن أحد المخالفين يقول برفعه
للعمومات، كما يأتي، ولا استبعاد فيه. ومنع إطلاق الثانية ثانيا، فإن المخالف
الآخر يقول بأنه لا يرفع المتخلل.
وعلى الثاني: منع وجوب الأثر لكل حدث حتى المتخلل أولا. ومنع عدم
كونه الوضوء ثانيا، ولا يلزم من عدمه مع غسل الجنابة في الجملة عدمه معه
مطلقا.
وعلى الثالث: منع الأولوية المدعاة أولا. ومنع ترتب الإباحة على كل غسل
جنابة صحيح ثانيا. وسند هذا الممنوع يظهر مما يأتي من أدلة المخالفين.

(1) الدروس 1: 97، الروض: 57.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 1: 4 7 4 أبواب الجنابة ب 21 ح 1.
(3) لم نعثر عليه في الأمالي ونقله عنه في المدارك 1: 308، وفي الوسائل 2: 238 أبواب الجنابة ب 29
ح 4 عن المدارك. وقد أشار إليه الشهيدان في الذكرى: 106، روض الجنان: 9 5.
353

خلافا للسيد (1) والمحقق (2) وأكثر الثالثة.، ومنهم: والدي العلامة، فقالوا
بأنه يتم الغسل ويتوضأ بعده.
أما الاتمام: فلأصالة البراءة، واستصحاب الصحة الثابتة بعموم مثل قوله
في الجنب. " ما جرى عليه الماء فقد طهر " (3) وكل شئ أمسسته الماء فقد نقيته " (4).
وأما الوضوء: فلعموم ما دل على إيجاب الأصغر إياه خرج منه ما كان قبل
غسل الجنابة بالاجماع والأدلة، فيبقى الباقي.
وأيضا: الأصغر لا يوجب الغسل فلا يعيد، فيجب الاتمام ولا يرتفع
ببقيته، لعدم استقلالها بالرفع، فيتوضأ.
ويضعف الأول: باندفاع الأصل، والاستصحاب. بما مر، بضميمة عدم
القول بالصحة مح ع الإعادة، فلا يتمه بل يعيد، ومعها لا يتوضأ بالبديهة.
والثاني. بأن عدم إيجاب الأصغر للغسل لا يوجب عدم إبطاله لبعضه.
وللقاضي (5) والحلي (6) والكركي (7) ويعض الثالثة (8)، فقالوا بكفاية الاتمام؟
لصدق الغسل، وكفايته بإطلاق الأمر به المستلزم للاجزاء، فلا إعادة، واستفاضة
النصوص بانتفاء الوضوء مع غسل الجنابة مطلقا (9)، خرج ما إذا أحدث بالأصغر
بعد إتمامه بالاجماع، فيبقى الباقي.

(1) نقله عنه في المعتبر 1: 196.
(2) المعتبر 1: 196.
(3) الكافي 3: 43 الطهارة ب 29 ح 1، التهذيب 1: 132 / 365 الإستبصار 1: 23 1 / 420،
الوسائل 2: 29 2 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
(4) التهذيب 1: 370 / 1 3 1 1، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 6 2 ح 5.
(4) جواهر الفقه: 12.
(6) السرائر 1: 119.
(7) جامع المقاصد 1: 276.
(8) الذخيرة 60.
(9) الوسائل 2: 46 2، أبواب الجنابة ب 34.
354

ويجاب عنه: بلزوم تقييد إطلاق الأمر بما مر - كما هو القاعدة - فتجب
الإعادة..
مع أن (إطلاق) (1) النصوص النافية للوضوء معه يعارض عمومات إيجاب
الأصغر للوضوء بالعموم من وجه، والترجيح للعمومات، بموافقة الكتاب، وعدم
انصراف الاطلاق إلى مثل تلك الصورة النادرة.
وتوهم توقف موافقة الكتاب على عطف قوله تعالى: وإن كنتم جنبا "
على قوله: إذا قمتم " (2)، وأما على العطف على الشرط المقدر أو الجزاء المذكور
فلا، إذ التفصيل قاطع للشركة، فاسد، إذ تدل الآية - على جميع التقادير - على
وجوب الوضوء على المحدث من حيث هو محدث مطلقا، ومقتضى قطع الشركة
عدم وجوب غير الغسل على الجنب من حيث هو جنب، وهو كذلك، ولا ينافي
ذلك وجوبه عليه من جهة أخرى. -
ومنه يظهر عدم دلالة رواية محمد: إن أهل الكوفة يروون عن علي أنه كان
يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة. قال: " كذبوا على علي عليه السلام، ما
وجدوا ذلك في كتاب علي، قال الله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا "، (3) على
انتفاء الوضوء من الجنب المحدث من حيث هو محدث فإن السؤال عن الأمر
بالوضوء قبل غسل الجنابة، وظاهره أنه من حيث هو جنب.
ثم المحتاط يعيد ويتوضأ، سيما بعد نقض المعاد، ولو أتم وأعاد ونقض
وتوضأ، احتاط غايته.
فرعان:
أ: لو تخلل الحدث غير غسل الجنابة من الأغسال، يتم ويتوضأ، سواء قلنا

(1) لا توجد في (ق).
(2) المائدة: 6.
(3) التهذيب 1: 139 / 389، الإستبصار 1: 25 1 / 26 4، الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 34
ح 5.
355

بإجزائه عن الوضوء أم لا.
أما الاتمام. فللأصل والاستصحاب المتقدمين الخاليين عن المعارض في
المقام، لاختصاص الرضوي (1) وقرينه - بقرينة السياق - بالجنب. مع أن الشهرة
الجابرة له في المورد غير محققة ولا محكية، بل الفاضل مع حكمه بالإعادة في الجنابة
لم يحكم بهاهنا.
وأما الوضوء: فلموجباته بعد الأصغر، الراجحة على ما ينفيه بعد كل غسل
- بعد التعارض - كما مر.
ب: الارتماسي كالترتيبي في إمكان التخلل إذ الدفعة العرفية لا تنافيه.
وتوهم أن الغسل بعد ولوج الكل، فيحصل بآخر أجزائه وهو آني فاسد،
بل هو يحصل بكل أجزاء الولوج، وهو تدريجي.
وعلى هذا، فلو تخلله الحدث، تجري فيه الأقوال الثلاثة. والحق فيه
الاتمام للاستصحاب المتقدم. والوضوء، لعموماته الراجحة - بما مر - على
معارضها في الغسل. وعدم الإعادة، للأصل، حيث إن سياق الرضوي وقرينه
في الترتيبي.
مع أن الشهرة الجابرة هنا غير معلومة، وعدم الفصل بين الترتيبي
والارتماسي غير ثابت.
والاحتياط بالجمع بين الإعادة والوضوء أولى، سيما مع نقض المعاد.
المسألة الثالثة:
لا يجب الوضوء مع غسل الجنابة للمشروط به ولو على المحدث بالحدث
الأصغر قبله، بالاجماع المحقق والمحكي عن جماعة من علمائنا الأخيار، وعمل
الفرقة في جميع الأعصار، واستفاضة الأخبار السالمة عن المعارض بأنه لا وضوء معه
ولا قبله ولا بعده (2)، التي منها ما يصرح بأنه لا وضوء للصلاة مع غسل الجمعة

(1) تقدم في ص 353.
(2) الوسائل 2: 6 4 2 أبواب الجنابة ب 4 3.
356

وغيره (1)، الشامل للجنابة، أو بإجزائه عن الوضوء. بل في الرضوي: " غسل
الجنابة والوضوء فريضتان، فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما " (2).
فاحتمال أن يراد في بعض تلك الظواهر أنه لا وضوء مع غسل الجنابة أي
للغسل، بمعنى أنه لا تتوقف تمامية الغسل عليه، فلا ينافي وجوبه للصلاة، أو:
لا وضوء معه من حيث إنه جنب، فلا ينافي وجوبه من حيث هو محدث، غير
ضائر.
ولا يستحب معه أيضا على الحق المشهور، لنفي الوضوء معه أو قبله أو
بعده، أي في الشرع - كما هو الظاهر المتبادر من صدوره عن الشارع - في جملة من
أخبارنا. ويؤيده الحكم بكونه بدعة في جملة أخرى.
خلافا للمحكي من التهذيب (3)، ومال إليه المقدس الأردبيلي (4)، لرواية
الحضرمي: كيف أصنع إذا أجنبت؟ قال: " إغسل كفك وفرجك، وتوضأ وضوء
الصلاة ثم اغتسل " (5).
ورواية ابن ميسر، وفيها بعد السؤال من الرجل يريد أن يغتسل: " يضع
يده ويتوضأ ويغتسل " (6).
وتردان بمرجوحيتهما عن الأخبار المعارضة لهما، باعتبار موافقتهما للعامة،

(1) الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33 ح 2، 3، 4.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 82، المستدرك 1: 476 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
(3) التهذيب 1: 140.
(4) مجمع الفائدة 1: 126.
(5) التهذيب 1: 140 / 393، الإستبصار 1: 97 / 4 1 3 الوسائل 2: 247 أبواب الجنابة ب 4 3
ح 6.
(6) الكافي 3: 4 الطهارة ب 3 ح 2 التهذيب 1: 9 4 1 / 425، الوسائل 1: 152 أبواب الماء المطلق
ب 8 ح 5.
357

كما صرح بها الجماعة (1) وتستفاد من بعض المعتبرة (2)، وهي مما توجب المرجوحية
قطعا.
على أن الغسل في الثانية أعم من الجنابة، والتوضؤ غير صريح في الأفعال
المعهودة إلا على أن تثبت فيه الحقيقة الشرعية. بل وكذا في الأولى! لاحتمال أن
يراد بوضوء الصلاة المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين من المرفق، المستحبة قبل
غسل الجنابة.
هذا في غسل الجنابة، وأما غيره من الأغسال المفروضة والمسنونة، ففي
وجوب الوضوء معه وعدمه - إن لم يكن للمكلف وضوء - قولان:
الأول للأكثر، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا (3)، بل عن أمالي الصدوق:
كونه من دين الإمامية (1)، إلا أن عبارته عن إفادة الوجوب قاصرة.
لاطلاق الآية، وعموم ما دل على وجوبه بحدوث أحد أسبابه، بضميمة
أصالة عدم إجزاء غيره.
ومرسلة ابن أبي عمير: (كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة " (5) وفي
أخرى: " في كل غسل وضوء إلا الجنابة " (6).
وصحيحة ابن يقطين: (إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضأ واغتسل، (7)

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 90، وانظر المغني لابن قدامة 1: 251، ونيل الأوطار للشوكاني 1:
306.
(2) الوسائل 2: 7 4 2 أبواب الجنابة ب 4 3 ح 4.
(3) كما في الذكرى: 25، والرياض 1: 34.
(4) أمالي الصدوق: 515 - المجلس 93 -.
(5) الكافي 3: 5 4 الطهارة ب 29 ح 3 1، التهذيب 1: 39 1 / 1 39، الإستبصار 1: 26 1 / 28 4،
الوسائل 2: 8 24 أبواب الجنابة ب 35 ح 1.
(6) التهذيب 1: 3 4 1 / 403، الإستبصار 1: 209 / 733 الوسائل 2: 248 أبواب الجنابة ب 5 3
ح 2.
(7) التهذيب 1: 2 4 1 / 1 40، الإستبصار 1: 27 1 / 34 4 الوسائل 2: 8 4 2 أبواب الجنابة ب 5 3
ح 3.
358

وتمام المطلوب بالاجماع المركب.
والرضوي: " والوضوء في كل غسل ما خلا غسل الجنابة لأن غسل الجنابة
فريضة مجزية عن الفرض الثاني، ولا يجزيه سائر الأغسال عن الوضوء لأن
الغسل سنة والوضوء فريضة، ولا يجزي سنة عن فرض) إلى أن قال: (فإذا
اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل، ولا يجزيك الغسل عن الوضوء،
فإن اغتسلت ونسبت الوضوء توضأ وأعد الصلاة " (1).
والمروي في الغوالي عن النبي صلى الله عليه وآله: " كل الأغسال لا بد فيها
من الوضوء إلا الجنابة " (2).
والثاني للمحكي عن السيد (3) والإسكافي (4) وجملة من أفاضل المتأخرين،
منهم. المحققان الأردبيلي (5) والخوانساري (6)، وصاحبا المدارك والذخيرة (7)، ونسبه
في البحار إلى أكثرهم (8)، واختاره بعض مشايخنا.
للأصل، وللمستفيضة المصرحة بأن الوضوء بعد الغسل أو قبله بدعة،
كصحيحة سليمان (9)، ورواية ابن سليمان (10)، ومرسلة الفقيه (11).

(1) فقه الرضا عليه السلام: 82، المستدرك 1: 76 4 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
(2) عوالي اللآلي 2: 203 / 110، المستدرك 1: 77 4 أبواب الجنابة ب 26 ح 3.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 4 2.
(4) نقله عنه في المختلف: 33.
(5) مجمع الفائدة 1: 132.
(6) مشارق الشموس 69.
(7) المدارك 1: 361، الذخيرة: 49.
(8) البحار 78: 28.
(9) التهذيب 1: 140 / 6 39، الوسائل 2: 5 4 2 أبواب الجنابة ب 33 ح 9.
(10) الكافي 3: 5 4 الطهارة ب 29 ح 12، التهذيب 1: 140 / 395، الوسائل 2: 5 4 2 أبواب
الجنابة ب 33 ح 6.
(1 1) لم نعثر عليها في الفقيه، والموجود مرسلة محمد بن أحمد بن يحيى رواها الشيخ في التهذيب 1:
140 / 4 39، والاستبصار 1: 26 1 / 430 الوسائل 2: 5 4 2 أبواب الجنابة ب 33 ح 5.
359

ولصحيحة محمد: (الغسل يجزي عن الوضوء وأي وضوء أطهر من
الغسل) (1).
وفي صحيحة ابن حكيم: " وأي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ " (2).
ومرسلة حماد: في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك، أيجزيه من الوضوء؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام: " وأي وضوء أطهر من الغسل، (3).
وموثقة الساباطي. عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم جمعة أو يوم
عيد، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعد.؟ فقال: " لا، ليس عليه قبل ولا بعد،
قد أجزأه الغسل. والمرأة مثل ذلك، إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك، فليس
عليها الوضوء لا قبل ولا بعد، قد أجزأها الغسل " (4).
ومكاتبة الهمداني إلى أبي الحسن الثالث: عن الوضوء للصلاة في غسل
الجمعة، فكتب: " لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة ولا غيره " (5).
والمستفيضة من الصحاح وغيرها الواردة في غسل الحائض والمستحاضة
والنفساء، الآمرة فيها بالغسل ثم الصلاة (6)، من غير تعرض فيها للوضوء مع
كونها في مقام الحاجة.
والايراد على الثلاثة الأولى: بأنها متروك الظاهر، لاعتقاد الخصم

(1) التهذيب 1: 39 1 / 390 الإستبصار 1: 26 1 / 27 4 الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة
ب 33 ح 1.
(2) التهذيب 1: 39 1 / 2 39 الوسائل 2: 7 4 2 أبواب الجنابة ب 34 ح 4.
(3) التهذيب 1: 41 1 / 399، الإستبصار 1: 27 1 / 433، الوسائل 2: 5 24 أبواب الجنابة
ب 33 ح 4.
(4) التهذيب 1: 1 4 1 / 398، الإستبصار 1: 27 1 / 32 4 الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33
ح 3.
(5) التهذيب 1: 141 / 397، الإستبصار 1: 26 1 / 31 4، الوسائل 2: 244 أبواب الجنابة ب 33
ح 2.
(6) الوسائل 2: أبواب الحيض ب 6، وأبواب الاستحاضة ب 1، وأبواب النفاس ب 1 و 2.
360

استحباب الوضوء ومشروعيته، مردود: بلزوم تقدير فيها - على القول بكون
العبادات أسامي للأعم، كما هو الحق - لعدم حرمة الوضوء لا بقصد المشروعية
قطعا، والمقدر كما يمكن أن يكون قصد القربة، يمكن أن يكون قصد الوجوب.
وعليها (9) مع المتعقبين لها: بفقد اللفظ الدال على العموم فيها، وانصراف
الغسل فيها إلى المتبادر الغالب الذي هو غسل الجنابة؟ مردود: بعموم المفرد
المعرف كما عليه عملهم في جميع الموارد، ومنع غلبة الجنابة جدا، سيما بحيث
توجب تبادره وانصراف المطلق إليه. كيف وغسل الجمعة وسائر الأغسال
المسنونة، وغسل الحيض والاستحاضة لو لم تغلب على غسل الجنابة لم تقصر عنه
البتة.
وورود أمثالها في الرد على العامة لا يخصصها بالجنابة، لأن إيجابهم الوضوء
لا يختص بها.
وعلى البواقي: بضعفها إسنادا مردود: بأنه غير ضائر مع كونها في
الأصول المعتبرة مع أن فيها الموثقة، وهي بنفسها حجة.
وعلى الجميع. بأن المراد منها انتفاء الوضوء في الغسل لأجله، وعدم توقف
تماميته عليه، فالمعنى: أنه لا يحتاج الغسل من حيث هو غسل وفي حصول
المقصود منه إلى الوضوء وذلك لا ينافي توقف مثل الصلاة عليه، مردود: بأنه
خلاف الظاهر، كيف وإطلاق نفيه بعده في طائفة منها يشمل المطلوب أيضا،
والحكم بإجزائه عن الوضوء في أخرى صريح فيما إذا كان مأمورا بالوضوء.
مع أنه قد صرح في المكاتبة بنفي الوضوء للصلاة، والتخصيص بنفيه لها
حين الغسل لا وجه له.
نعم، يرد على الثلاثة الأولى: أن كون الوضوء بعد الغسل بدعة لا ينافي
وجوبه قبله - كما هو مذهب جماعة - كما يأتي.

(1) عطف على: الثلاثة.. أي الايراد عليها وعلى الحديثين المتعقبين... مردود...
361

وأما قوله في المرسلة. قبل الغسل) فيمكن أن يكون خبرا، ويكون الكلام
فيها جملتين، لا جملة واحدة.
وعلى أخبار غسل الحائض وأختيها: أن الظاهر من سياقها الحاجة إلى
معرفة الرافع للأحداث الثلاثة وبيانه، لا بيان غيره، ولذا لم يذكر فيها سائر
شرائط الصلاة من ستر العورة والاستقبال وغيرهما.
كما يرد على ما استدل به الأولون - مما يصرح بأن في كل غسل وضوء - عدم
دلالته على الوجوب؟ ضرورة أنه يحتاج إلى تقدير، فالمقدر كما يمكن أن يكون ما
يفيد الوجوب، يمكن أن يكون ما يفيد المشروعية.
وظهور التركيب في إرادة الوجوب ممنوع. ولو سلم، فهو من باب النقل
الحادث، الذي يكون الأصل تأخره.
فلم يبق من أدلتهم بعد العمومات، غير الصحيحة والرضوي والنبوي.
وهما وإن كانا بنفسهما غير معتبرين، إلا أنهما لانجبارهما بالشهرة العظيمة، سيما
القديمة، بل الاجماع المنقول، يعدان من المعتبرة بل لا يقصران عن الصحاح
في الحجية.
فيقع التعارض بين هذه الثلاثة وبين الأخبار النافية للوضوء. وهي وإن
كانت راجحة من جهة المخالفة للعامة، وأكثرية الرواية التي هي الشهرة بين
الرواة، والأحدثية، وكل ذلك من المرجحات المنصوصة، ولكن للثلاثة أيضا
رجحانا من جهة موافقة الآية التي هي من المرجحات القوية وعمل معظم الفرقة.
مضافا إلى ضعف ترجيح الأولى بمخالفة العامة: بأن بعض الثانية أيضا
كذلك؟ لنفي الوضوء فيه عن غسل الجنابة، وهو لا يوافق مذهب العامة.
وبالأشهرية: بمنع بلوغ الأكثرية حدا تثبت بها الأشهرية التي هي من المرجحات
المنصوصة..
فيحصل التكافؤ بين الفريقين، وإذ لا قول بالتخيير في البين، ترفع اليد
عن كل من الصنفين، وتبقى الآية وعمومات موجبات الوضوء خالية عن
362

المعارض المعلوم.
هذا كله، مع أن الأخبار النافية، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة،
ولعمل ناقليها، خارجة عن حيز الحجية، ولمعارضة غيرها وتخصيص العمومات
غير صالحة. فهي مع الروايتين والصحيحة عن المعارض سالمة، فيجب الأخذ
بها، والقول بوجوب الوضوء مع كل غسل غير الجنابة.
وهل يجب تقديم الوضوء على الغسل؟ كما عن ظاهر الصدوقين (1)
والشيخين (2) والحلبيين (3)، واختاره بعض متأخري المتأخرين (4)! للصحيحة،
والرضوي، ومرسلتي ابن أبي عمير والفقيه المتقدمة (5)، وما يصرح بأن الوضوء
بعد الغسل بدعة (6). ويؤيده صدر صحيحة ابن حكيم، ورواية الحضرمي
المتقدمتين (7).
أم يستحب؟ كما عن النهاية والمقنعة والوسيلة والسرائر والجامع والمعتبر
والشرائع (8) وادعي عليه الشهرة (9)، بل في السرائر نفي الخلاف في عدم
وجوبه (10) للأصل، وبعض الاطلاقات، وهو الأقوى؟ لذلك.

(1) الفقيه 1: 46، الهداية: 20، ونقله في المختلف: 34 عن والد الصدوق.
(2) المفيد في المقنعة: 53 والطوسي في الاستبصار 1: 126، والمصباح: 10.
(3) أبي الصلاح في الكافي: 134، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 554.
(4) الحدائق 3: 127.
(5) المتقدمة ص 358، 359 وراجع ما علقنا على مرسلة الفقيه، ولا يخفى أن الاستدلال بها على
المطلوب لا يتم إلا على أن يكون قوله: " قبل الغسل خبرا كما احتمله الماتن في ص 362 وسيشير
إليه.
(6) راجع ص 59 3.
(7) في ص 357، 360.
(8) النهاية: 23، المقنعة: 53، الوسيلة: 56، السرائر 1: 3 1 1 الجامع للشرائع: 2 4، المعتبر
1: 257، الشرائع 1: 31
(9) كما في الحدائق 3: 127.
(10) السرائر 1: 113.
363

ويجاب عن الصحيحة: بعدم اشتمالها على ما يفيد التقديم، إلا التقديم
الذكري، وهو له غير مفيد.
وعن الرضوي: بالضعف الخالي عن الجابر في المورد.
وعن المرسلتين: بعدم الدلالة على الوجوب - كما مر - مع أن في إحداهما
احتمالا آخر.
وعن قوله: " الوضوء بعد الغسل بدعة ": بما مر من احتمال كون ذلك مع
قصد وجوب البعدية.
وعن البواقي: بعدم التأييد، كما هو ظاهر عند النظر الشديد. والاحتياط
لا ينبغي تركه.
وكيف كان، لا تعلق للتقديم بصحة الغسل، بلا خلاف كما قيل (1)،
للأصل. فلو أخره عمدا أثم به - على القول بالوجوب - وصح غسله، ويتوضأ
بعده لما يشترط به.
المسألة الرابعة: في وجوب تطهير المحل قبل إجراء ماء الغسل عليه وعدمه
قولان:
الأول، للمحكي عن الأكثر، بل عن الغنية الاجماع عليه (2).
لاشتراط طهارة ماء الغسل، المنتفية بوروده على المحل النجس.
ومنع النجاسة عن وصول الماء إلى المحل.
والأمر بغسل الفرج قبل الصب على الرأس في عدة من الأخبار.
وصحيحتي البزنطي وابن حكيم، الأولى: " ثم اغسل ما أصابك منه، ثم
أفض على رأسك وجسدك " (3).

(1) نقله صاحب الرياض 1: 35 من بعض مشايخه، وهو الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح
(مخطوط).
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 554.
(3) التهذيب 1: 1 3 1 / 363، الإستبصار 1: 23 1 / 9 1 4، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26
ح 6.
364

والثانية. " ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى، ثم اغسل فرجك وأفض
على رأسك وجسدك " (1).
ووجوبه في غسل الميت إما بضميمة الاجماع المركب - كما هو محتمل - أو مع
ما في المعتبرة من أن غسل الميت مثل غسل الجنابة (2).
ويضعف الأول: بمنع الانتفاء المدعى أولا لوروده على النجاسة. ومنع
اشتراط طهارته مطلقا ثانيا، وإنما هي طهارته قبل الورود على المحل، كما يقولون
في إزالة الخبث، على القول بنجاسة الغسالة.
والقول (3) بتوقف العبادة على البيان، وعدم حصوله في الماء، (4) النجس
(مطلقا) (5)، مدفوع بحصوله بالاطلاقات الشاملة لذلك الماء.
والثاني: بمنع المانعية مطلقا، وإنما هي فيما له عين، ولا كلام في وجوب
إزالة عينه أولا.
ومنه يظهر ضعف دلالة الثالث والرابع، لعدم دلالتهما إلا على وجوب
غسل المني، وهو مما يمنع من وصول الماء إلى المحل، لثخانته ولزوجته.
والخامس: بعدم إمكان إبقاء الأمر فيه على الوجوب، إلا بانسلاخ حرف
الترتيب عن معناه، الموجب لسقوط الاستدلال رأسا، لعدم وجوب تقديم تطهير
النجاسة عن البدن على غسل الفرج إجماعا، (بل) (6) ولا على أصل الغسل قطعا،
بحيث يجب تقديم تطهير الفرج على الصب على الرأس، وإن أوهمه كلام

(1) التهذيب 1: 39 1 / 2 39، الوسائل 2: 230 أبواب الجنابة ب 26 ح 7.
(2) الوسائل 2: 81 4، أبواب غسل الميت ب 3.
(3) كما في شرح المفاتيح (مخطوط).
(4) في النسخ: غير الماء، والصواب كما أثبتناه.
(5) ليس في (ه‍).
(6) لا توجد في ق و " ه‍ ".
365

بعضهم (1).
ومنه يظهر وجه آخر لضعف الثالث والرابع، لافادتهما وجوب التقديم على
أصل الغسل، بل في بعضهما على المضمضة والاستنشاق أيضا.
والسادس: بمنع الاجماع المركب، بل القول بالفصل متحقق، وبمنع
دلالة المعتبرة على المماثلة في الجميع. ولو سلم، فالمدلول المماثلة في جميع أجزاء
الغسل وكيفيته، لا الأمور الخارجة. مع أن الثابت منها أن أحكام غسل الجنابة
ثابتة له، دون العكس.
والثاني لجماعة من المتأخرين (2)؟ للأصل، وضعف الرافع، وإن استحب.
وهو الأقوى! لما مر.
ومنه يظهر عدم اشتراط طهر المحل قبل الغسل في صحته، كما هو صريح
الشيخ في المبسوط (3)، وكل من لا يوجب التطهير أولا.
والأكثر على الاشتراط! لما ذكر، بضميمة استلزام الأمر بالشئ للنهي عن
ضده، الموجب للفساد،. إلى الأخبار، مضافا إلى استصحاب الحدث.
ويضعف الاستصحاب: بوجود الرافع، من مثل قوله: " فما جرى عليه
الماء فقد طهر " (4) ومن استلزام الأمر بالغسل للاجزاء، والبواقي بما مر.
ثم على ما ذكرنا من عدم توقف ارتفاع الحدث على تطهر المحل، فهل
يكتفي بغسلة واحدة لرفع الحدث والخبث إذا كان مما يغسل مرة، أو مرة لرفع
الحدث ومرة للخبث إذا لم يكن كذلك؟ أو لا، بل يحتاج رفع الخبث إلى غسل

(1) كما في الوسيلة: 55.
(2). منهم المحقق الخوانساري في مشارق الشموس: 182، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1.
84، وصاحب الحدائق 3: 101.
(3) المبسوط 1: 29.
(4) الكافي 3: 43 الطهارة ب 30 ح 1، التهذيب 1: 132 / 365، الإستبصار 1: 23 1 / 420،
الوسائل 2: 229 أبواب الجنابة ب 26 ح 1.
366

آخر؟
الحق: الأول، لعمومات إزالة الخبث بجريان الماء، أو تحقق الغسل
المزيل.
والمصرح به في كلام جماعة: الثاني، لأصالة عدم تداخل الأسباب.
ويضعف باندفاع الأصل بما مر، مضافا إلى أن رفع الحدث والخبث بغسل
واحد ليس من باب تداخل الأسباب، كما لا يخفى على الفطن المتأمل. والله أعلم
بالصواب.
المسألة الخامسة: يكره غسل الجنابة ارتماسا في الماء الراكد لفتوى بعض
الأجلة من القدماء (1)، والنبوي: " لا يبولن أحدكم في الماء الراكد، ولا يغتسل
فيه من الجنابة " (2).
المسألة السادسة: في كفاية الغسل الواحد عن المتعدد إذا اجتمعت أغسال
متعددة، مطلقا أو بشرط نية الجميع أو بشرط عدم نية البعض أو إذا كان أحدها
غسل جنابة مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان الجميع متحدا في الوجه، بأن
يكون واجبا أو مستحبا - دون ما إذا تفرقت - مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان
الجميع واجبا خاصة مطلقا أو بأحد الشرطين أو إذا كان أحدها (3) غسل جنابة إما
مطلقا أو بأحد الشرطين، أقوال. أظهرها: الأول.
لنا - بعد الاجماع المحقق والمنقول (1) في بعض صوره وأصالة البراءة عن
المتعدد، وعدم دليل على التعدد سوى أصالة عدم التداخل التي لا دليل عليها كما
بينا في كتاب عوائد الأيام (5)، وصدق الامتثال في أكثر الصور -: النصوص

(1) منهم المفيد في المقنعة: 4 5.
(2) سنن أبي داود 1: 18 / 70 - بتفاوت يسير -.
(3) أي. أحد الأغسال الواجبة خاصة، فيفرق مع الصورة الرابعة، لأنها أعم من الواجبة والمستحبة.
(4) كما نقله في السرائر 1: 123.
(5) عوائد الأيام. 100.
367

المستفيضة الدالة إما على الكفاية مطلقا.
كحسنة زرارة. " إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر، أجزأك غسلك ذلك
للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والذبح والزيارة، فإذا اجتمعت لله عليك حقوق
أجزأها عنك غسل واحد، وكذلك المرأة يجريها غسل واحد لجنابتها وإحرامها
وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها " (1).
دلت بقوله: " فإذا اجتمعت... " على ما ذكرنا من العموم.
وإضمارها في بعض الكتب (2) غير قادح، سيما مع إسنادها في التهذيب إلى
أحدهما عليهما السلام، وفي السرائر إلى مولانا الباقر عليه السلام بسند (3)، وإلى
أحدهما بآخر. وزاد على الأخير: وقال زرارة: " وحرم اجتمعت في حرمة يجزيك
عنها غسل واحد " (4).
ورواية الحسين الخراساني، المروية في السرائر: " غسل يومك يجزيك
لليلتك، وغسل ليلتك يجزيك ليومك " (5).
وعمومه لما تأخر سببه غير ضائر لأنه بالاجماع خارج، ضرورة عدم تقدم
المسبب على سببه.
وصحيحة زرارة: ميت مات وهو جنب، كيف يغسل؟ وما يجزيه من الماء؟
فقال: " يغسل غسلا واحدا، يجزئ ذلك عنه لجنابته ولغسل الميت، لأنهما حرمتان
اجتمعتا في حرمة واحدة "؟ 6).

(1) الكافي 3: 1 4 الطهارة: ب 28 ح 1، التهذيب 1: 107 / 279، الوسائل 2: 1 26 أبواب
الجنابة ب 3 4 ح 1.
(2) وهو الكافي.
(3) مستطرفات السرائر: 74 / 19، الوسائل 2: 1 26 أبواب الجنابة ب 43 ملحق ح 1.
(4) مستطرفات السرائر: 103 / 38.
(5) مستطرفات السرائر: 6 4 / 4.
(6) الكافي 3: 4 5 1 الجنائز ب 25 ح 1، التهذيب 1: 32 4 / 384 1 الإستبصار 1: 94 1 / 680،
الوسائل 2: 539 أبواب غسل الميت ب 31 ح 1.
368

دل التعليل على العموم المطلوب. والمراد بالحرمة الحق، كما يدل عليه ذيل
رواية السرائر المتقدمة.
أو على كفاية واحد للواجبات المجتمعة، التي أحدها الجنابة مطلقا سواء
نوى الجميع أو البعض، بل ولو مع نية عدم البعض، المثبت لهذا الاطلاق في غير
الواجبات أيضا، بعد ثبوت تداخله بالاجماع المركب.
كالمستفيضة الواردة في كفاية غسل واحد للجنابة والحيض (1)، وخبر
شهاب: " وإن غسل ميتا وتوضأ، ثم أتى أهله، يجزيه غسل واحد لهما " (2).
واختصاص الأولى بالحيض، والثاني بغسل المس لا يضره لعدم الفصل
بين الواجبات.
أو على كفاية واحد للندب والفرض وإن لم ينو إلا أحدهما:
كمرسلة الفقيه: " من جامع في أول شهر رمضان، ثم نسي الغسل حتى
خرج شهر رمضان، عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه، إلا أن يكون قد
اغتسل للجمعة، فإنه يقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم، ولا يقضي ما بعد
ذلك (3).
حجة المخالف مطلقا أو في بعض الصور: ضعف الأخبار كلا أو بعضا مع
أصالة عدم التداخل، أو اشتراط نية الوجه. الغير المتحققة في بعض الصور، أو
قصد السبب - مطلقا أو في خصوص الأغسال المندوبة - الغير المتحقق في بعض
آخر، أو مع عدم صدق الامتثال قطعا في صورة نية عدم البعض، أو عدم جواز
اجتماع الوجوب والاستحباب، اللازم في صورة تفريق الأغسال.
ويرد الأول: بأن ضعف السند غير ضائر، مع أن الجميع ليس كذلك.

(1) الوسائل 2: 261 أبواب الجنابة ب 3 4.
(2) الكافي 3: 250 الجنائز ب 95 ح 1، التهذيب 1: 8 44 / 1450، الوسائل 2: 263 أبواب
الجنابة ب 3 4 ح 3.
(3) الفقيه 2: 4 7 / 1 32،
369

ولو سلم، فالأصل مع التداخل، فلا يحتاج إلى الدليل. وأصل عدم التداخل
- كما اشتهر بين جماعة - أصل غير أصيل، خال عن التحقيق والتحصيل.
والثاني والثالث. بعدم اشتراط نية الوجه ولا قصد السبب، ولو في الأغسال
المندوبة - كما مر - بل يكفي قصد القربة.
والرابع: بأنه إن أريد عدم صدق امتثال الأمر المستفاد من أخبار التداخل،
فممنوع. وإن أريد عدم صدق امتثال الأوامر المتعددة الواردة في كل غسل،
فمسلم ولا ضير فيه، إذ مقتضى التداخل كفاية واحد عن الجميع، وكون المأمور
به حينئذ أمرا واحدا قائما مقام الجميع، بل مسقطا لغير الواحد، فلا أمر بغيره
حتى يطلب امتثاله.
بل نقول: إن مع قطع النظر عن أخبار التداخل، لا دليل على تعدد الأمر
في صورة الاجتماع.
بيانه: أنه إذا قال الآمر: الجنابة سبب لوجوب الغسل، والحيض سبب
لوجوب الغسل، فلا يمكن أن يكون المراد من الغسل المسبب عند اجتماعهما معناه
الحقيقي الذي هو المهية، لأنه أمر واحد، فلا يجب بإيجابين، لاستلزامه تحصيل
الحاصل، بل اجتماع الوجوب والاستحباب في شئ واحد إذا اختلف الأمران
وجوبا وندبا. فإما يراد من أحدهما فرد خاص من الغسل، وهو الفرد المغاير لما
تحققت المهية في ضمنه لامتثال الأمر، أو يخصص أحدهما بغير صورة الاجتماع،
ولكن الأول مستلزم لاستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه فتعين الثاني.
ومنه يعلم ما يرد على الخامس أيضا. فإنه إذا قال: الجنابة سبب لوجوب
الغسل، والتوبة لاستحبابه لا يمكن أن يراد بهما شئ واحد في صورة الاجتماع،
لاستلزامه اجتماع الوجوب والاستحباب في شئ واحد، وهو محال ولو من جهتين.
ولا شيئان (1) متغايران، لاستلزامه استعمال لفظ واحد في استعمال واحد في

(1) في النسخ. ولو شيئان، والصواب ما أثبتناه.
370

حقيقته ومجازه، ضرورة إرادة المهية منهما عند الانفراد. فتعين تخصيص أحدهما
بصورة عدم الاجتماع، وكفاية واحد منهما عند الاجتماع، وهو معنى التداخل.
ويكون هذا الواحد الذي أتى به حينئذ واجبا غير جائز الترك، قائما مقام الندب
أيضا، بمعنى ترتب ثوابه ومصالحه المطلوبة منه عليه أيضا.
بل ذلك مقتضى التداخل الثابت بأخباره أيضا، ولو قطع النظر عما ذكرنا!
إذ ليس الواحد المتداخل فيه جائز الترك قطعا، فهو واجب ترتبت عليه آثار
الفرض (1) أيضا.
ثم إنه ظهر مما ذكرنا - من أصالة التداخل وعدم التعدد، بل عدم تعدد
الأمر في صورة الاجتماع - أن التداخل عزيمة لا رخصة، وصرح به والدي العلامة
أيضا. مع أن بعد صدق الامتثال وتحقق الاجزاء المصرح به في أخبار التداخل،
لا معنى للاتيان به ثانيا. وظهور الاجزاء في الرخصة ممنوع؟ فإنه إذا كان شئ
مجزيا على الاطلاق عن غيره، لا يبقى الغير حتى يجوز الاتيان به أيضا.
وما ورد في موثقة الساباطي (2) - من تخيير المرأة التي تحيض بعد جنابتها بين
اغتسالها للجنابة قبل الانقطاع وبين صبرها إلى أن تطهر وتكتفي بغسل واحد - لا
يفيد الرخصة، إذ لا يدل على جواز غسلين بعد الانقطاع، وجواز غسل الجنابة
قبل وجوب غسل الحيض لا يفيد كيفية حال. التداخل.
وهل يسقط الوضوء - على القول بوجوبه لغير غسل الجنابة - إذا جعل
الجنابة مع غيرها غسلا واحدا؟ الظاهر نعم، بل هو الظاهر من الجميع؟ لتحقق
غسل الجنابة المجزئ عن الوضوء ولا ينافيه تحقق غيره.
وقال والدي - رحمه الله -: الظاهر وجوب الوضوء لصدق الاسمين.
فتتعارض أدلة وجوبه وعدمه، فيحصل التساقط، وتبقى أدلة عموم الوضوء.

(1) كذا، والظاهر أن الصواب: الندب.
(2) التهذيب 1: 396 / 229 1، الإستبصار 1: 147 / 6 50، الوسائل 2: 264 أبواب الجنابة
ب 43 ح 7.
371

وفيه: أن غير غسل الجنابة لا يوجب بنفسه الوضوء بل لا يسقط معه
الوضوء فهو لا يعارض المسقط إذا تحقق.
والحاصل: أن الثابت إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء دون غيره وعدم
إجزاء الغير لا ينافي إجزاءه حتى يحصل التعارض.
فإن قيل: لا نعلم أن ذلك الغسل غسل الجنابة، إذ لعله غسل آخر مسقط
لغسل الجنابة، سيما إذا لم ينوه.
قلنا: ليس غسل الجنابة المصرح بإجزائه عن الوضوء إلا الرافع لحدث
الجنابة أو المسبب عنها وإن جامعها سبب آخر أيضا، وذلك الغسل الواحد جامع
للوصفين.
372

الفصل الثاني
في غسل الحيض
والكلام إما في بيان دم الحيض ومعرفته إثباتا ونفيا، أو في أحكام الحائض.
فها هنا بحثان:
البحث الأول: في بيان دم الحيض ومعرفته.
وهو في العرف دم مخصوص سائل من المرأة بل قيل: إنه المعنى اللغوي
أيضا (1) - كما ذكره بعض اللغويين (2) - للتبادر وأصالة عدم النقل.
وذلك الدم مما يقذفه الرحم بعد البلوغ، ثم تصير المرأة في الأغلب معتادة
بقذفه في أوقات معلومة، قرره الله سبحانه لحكمة تربية الولد. فإذا حملت المرأة
صرفه الله تعالى إلى تغذيته، فإذا رضعت الحمل، بدل الله سبحانه صورته
الدموية باللبنية - غالبا - لاغتذاء الطفل، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع، بقي
ذلك الدم بلا مصرف، فيستقر في مكانه، ثم يخرج في الغالب في أيام متفاوتة
بتفاوت المزاج حرارة.
وهو شئ معروف بين الناس، له أحكام كثيرة في علمي الأديان والأبدان،
ليس بيانه موقوفا على الأخذ من الشرع، بل هو كسائر الأحداث كالمني والبول
وغيرهما، بل باقي موضوعات الأحكام التي ليست معرفتها متوقفة على بيانه. بل
متى لمحقق وعرف، تعلقت به أحكامه الشرعية، وإن خلا عن أوصافه الأغلبية.
كما تترتب أحكام المني عليه بعد معرفته وإن لم يكن مقارنا للفتور الذي هو من

(1) كما في الرياض 1: 35.
(2) القاموس 2. 314.
373

أوصافه الغالبة. وإن لم يتحقق وجوده، يحكم بمقتضى الأصل الذي هو المرجع،
كما في سائر الموارد.
نعم، لما كان لذلك الحدث مشارك في الصورة النوعية، كدم الاستحاضة
والقرحة والعذرة، ولم تكن له خاصة لازمة غير منفكة عنه ظاهرة لكل مكلف
بدون بيان الشرع يميزه كل أحد بها عن سائر مشاركيه، دعا ذلك الشرع إلى
تعريفه إثباتا أو نفيا، وبيان الدم الذي تتحيض به المرأة، والذي لا تتحيض به.
فذكر له خواص ولوازم إما غير منفكة أو أغلبية، وبين أقسام النساء، والدم الذي
تتحيض به كل منهن، والذي لا تتحيض به.
ونحن نذكر ما يتعلق بذلك المطلب في مقامين:
المقام الأول: في بيان لوازم دم الحيض، وهي أمور:
منها. أنه لا يكون قبل كمال تسع سنين. فكل دم كان قبله، ليس حيضا
إجماعا محققا ومحكيا (1). وفي المعتبر: أنه متفق عليه بين أهل العلم (2). وفي
المنتهى: أنه مذهب العلماء كافة (3).
وهو فيه الحجة، مضافا إلى الموثقة والرواية الآتيتين. ومقتضاهما كون
التحديد تحقيقا، كما هو ظاهر الأصحاب. فاحتمال التقريب - كما عن نهاية
الإحكام (4) - غير صحيح.
ثم إن جعلهم الحيض دليل البلوغ إنما هو في مجهولة السن، مع كون الدم
بوصفه الآتي، فاشتراطه بإكمال التسع لا ينافيه.
ومنها: أن لا يكون بعد اليأس. فكل ما كان بعده، لم يكن حيضا

(1) حكاه في كشف اللثام 1: 84، والرياض 1: 35.
(2) المعتبر 1: 199.
(3) المنتهى 1: 96.
(4) نهاية الإحكام 1: 117.
374

بالاجماعين (1) أيضا.
فهو الدليل عليه، مع موثقة البجلي: " ثلاث يتزوجن على كل حال: التي
يئست من المحيض ومثلها لا تحيض) قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: " إذا بلغت
ستين سنة، فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، والتي لم تحض ومثلها لا
تحيض) قلت: وما تكون كذلك؟ قال:، ما لم تبلغ تسع سنين، فإنها لا تحيض
ومثلها لا تحيض، والتي لم يدخل بها، (2).
وروايته: " ثلاث يتزوجن على كل حال: التي لم تحض ومثلها لا تحيض،
قال: قلت: وما حدها؟ قال: " إذا أتى لها أقل من تسع سنين، والتي لم يدخل
بها، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض " قال: قلت: وما حدها؟ قال:
" إذا كان لها خمسون سنة " (3).
ثم سن اليأس هل هو خمسون؟ كما هو مقتضى الرواية، مضافة إلى
صحيحة أخرى للبجلي: " حد التي يئست من المحيض خمسون سنة) (4) ورواية
البزنطي: " المرأة التي قد يئست من المحيض، حدها خمسون سنة " (5) وإلى
استصحاب وجوب العبادة وجواز المكث في المساجد وسائر لوازم الطهر.
أو ستون؟ كما هو مقتضى الموثقة، مضافة إلى مرسلة الكافي، التي ذكرها
بعد رواية البزنطي بقوله: " وروي ستون سنة أيضا " (6)، وإلى استصحاب كونها

(1) كما نقله في المدارك 1: 323، والرياض 1: 35.
(2) التهذيب 7: 469 / 1886، الوسائل 22: 183 أبواب العدد ب 3 ح 5.
(3) الكافي 6: 85 الطلاق ب 24 ح 4، التهذيب 8 ج 137 / 478، الإستبصار 3: 337 / 1202،
الوسائل 22: 179 أبواب العدد ب 2 ح 4.
(4) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ح 4، التهذيب 1: 397 / 1237، الوسائل 2: 335 أبواب
الحيض ب 31 ح 1.
(5) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ح 2، التهذيب 1: 397 / 1235 الوسائل 2: 335 أبواب
الحيض ب 31 ح 3.
(6) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ذيل ح 2، الوسائل 2: 336 أبواب الحيض ب 31 ح 4.
375

ممن تحيض وعدم يأسها وبقاء الحكم بالعدة وتوابع الزوجية، والعمومات الدالة
على أن ما يكون بصفة الحيض أو تراه المرأة في أيام العادة حيض (1).
أو الثاني في القرشية، والأول في غيرها؟ كما تقتضيه مرسلة ابن أبي عمير:
" إذا بلغت المرأة خمسين سنة، لم تر حمرة إلا أن تكون من قريش " (2) ومرسلة
المبسوط في القرشية: " روي أنها ترى دم الحيض إلى ستين سنة) (3).
أو الثاني في القرشية والنبطية، والأول في غيرهما؟ كما يقتضيه الجمع بين
مطلقات الخمسين ومرسلة المقنعة: " وروي أن القرشية من النساء والنبطية تريان
الدم إلى ستين سنة، (4).
الأول مذهب الشرائع في كتاب الطلاق (5)، والسرائر والمدارك (6)، وعن
نهاية الشيخ (7) وجمله (8) والمهذب (9)، للأخبار الثلاثة، والأصول المتقدمة.
ويجيبون أما عن أصول الستين: فبالاندفاع بما ذكر.
وأما عن الموثقة ومرسلة الكافي: فبعدم المقاومة مع أخبار الخمسين،
لترجيحها عليهما بالأكثرية عددا، والأصحية سندا، والأوضحية دلالة، لكونها
بالمنطوق، وكون دلالتهما على عدم اليأس بالخمسين بالمفهوم، والأشهرية عملا
- كما قيل - ورواية - كما في النافع (10) وبكونها أخص منهما، لأنها تدل على حصول

(1) انظر الوسائل 2: 275، 278 أبواب الحيض ب 3 و 4.
(2) الكافي 3: 107 الحيض ب 21 ح 3 التهذيب 1: 397 / 1236، الوسائل 2: 335 أبواب
الحيض ب 31 ح 2.
(3) المبسوط 1: 42، الوسائل 2: 336 أبواب الحيض ب 31 ح 5.
(4) المقنعة: 532، الوسائل 2: 337 أبواب الحيض ب 31 ح 9.
(5) الشرائع 3: 35.
(6) السرائر 1: 145 المدارك 1: 323.
(7) النهاية: 516.
(8) لم نجده فيه، ولكن نسبه إليه في الحدائق 3: 171.
(9) المهذب ب 2: 286.
(10) المختصر النافع: 200.
376

اليأس بخصوص الخمسين، وهما تدلان على عدمه بما دون الستين الذي منه
الخمسون.
وأما عن المراسيل الثلاث الأخيرة: فبعدم صلاحيتها لدفع الأصول
وتخصيص المطلقات، لضعفها بالارسال. مع ما في أولاها من القصور في
الدلالة، من جهة عدم التصريح بالستين ولا بالحيضية في القرشية.
والثاني مختار الشرائع في بحث الحيض (1)، ومجوز المنتهى (2)، وصريح
والدي العلامة - رحمه الله - في الكتابين للأصول المتقدمة، والعمومات المذكورة
الخالية جميعا عما يصلح للمعارضة.
ويجيبون أما عن أصول الخمسين: فباندفاعها بالعمومات، مع كون
الأصول الأولى مقدمة عليها لكونها مزيلة لها.
وأما عن الصحيح والروايتين: فبسقوطها من البين، لمعارضتها مع الموثقة
ومرسلة الستين، وبطلان الوجوه المرجحة لها عليهما. أما غير الأخير: فلعدم
صلاحيتها للترجيح، كما بين في الأصول.
مع أن ما ذكروه في الترجيح باعتبار السند إنما هو الأصدقية والأعدلية، دون
الإمامية التي هي مادة اختلاف السندين هنا.
والأشهرية المدعاة في العمل ممنوعة.
ودعواها من بعضهم معارضة بدعوى الأكثر إياها في أحد التفصيلين،
وبعضهم في الآخر، كما يأتي. وفي الرواية غير ثابتة. ودعوى النافع لا تثبتها، مع
جواز أن يكون مراده مجرد الأكثرية في العدد.
وأما الأخير: فلأنه لا يتم في تعارض أخبار الخمسين مع مرسلة الستين،
إذ معناها المستفاد من ذكرها بعد خبر البزنطي، أن حد اليأس ستون. مع أنه كما

(1) الشرائع 1، 29.
(2) المنتهى 1: 96.
377

أن مفهوم الموثقة عام، كذلك منطوق الأخبار الثلاثة لدلالته على أن حد اليأس
إذا كان لها خمسون سنة، وهو أعم من أن تكون لها زيادة أيضا.
وأيضا: ليس تعارضهما بالمنطوق والمفهوم فقط، بل يتخاصم منطوقاهما أيضا
بالتساوي، فإن مدلول المنطوق الأول، بل صريحه أن حد اليأس ستون سنة، بل
المتبادر من نحو قوله: (إذا بلغت ستين يئست من المحيض) أن اليأس ببلوغها
يحدث، ومدلول الثاني أنه خمسون. وذلك عين التخاصم والتنازع، فيتعارضان
ويتساقطان.
وأما عن المراسيل الثلاث: فبما مر، مضافا إلى عدم كون الحمرة المنفية في
الأولى صريحة في الحيض، وعدم منافاة الأخرتين منها للمطلوب إلا بمفهوم
الوصف الضعيف.
والثالث عن الصدوق (1) والمبسوط (2)، بل أكثر كتب الشيخ " 3) - طاب ثراه -
واستجوده في المعتبر (4)، ونسبه في البحار والحدائق إلى المشهور (5)، وفي التبيان
والمجمع نسب حصول يأس القرشية بالستين إلى الأصحاب (6)، وهو ظاهر في
دعوى الاجماع، للمرسلتين.
ويجيبون عن رواية النبطية: بعدم الثبوت. وعن مطلقات الخمسين
والستين: بوجوب حمل المطلق والعام على المقيد والخاص، والمرسلتان خاصتان
ومقيدتان.
ويدفعون الايراد عليهما بالضعف: بمنعه جدا. كيف؟! وهما منجبرتان

(1) الفقيه 1: 51.
(2) المبسوط 1: 42.
(3) كما في الحدائق 3: 171، لكن لم نعثر عليه من الشيخ إلا في المبسوط والتبيان.
(4) المعتبر 1: 200.
(5) البحار 78: 106، الحدائق 3: 171،
(6) التبيان 10: 33، مجمع البيان 5: 304،
378

بالشهرة المحققة والمحكية، بل بظاهر دعوى الاجماع من الشيخين الجليلين:
الطوسي والطبرسي (1). ومثله لا يقصر عن الصحاح، بل ربما يعد أقوى منها.
مع أن ابن أبي عمير الراوي لأولاهما ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما
صح عنه، وصرحوا بكون مراسيله في حكم المسانيد.
وبالقصور في الدلالة من جهة عدم التصريح بالستين: بعدم القائل
بالفرق. ومن جهة عدم الصراحة في الحيضية: بكونها ظاهرة فيها، وهو كاف.
مع أن في المرسلة الثانية تصريحا بالحكمين. ومن جهة عدم صراحة الحمرة في
الحيض: بمنعه. كيف مع أن المنفي ليس سوى الدمين: الحيض
والاستحاضة، وبعد توصيف الأول في الروايات بالأحمر، والثاني بالأصفر (2)
يتعين أن المراد هو الأول، مع أن العموم يكفي للمطلوب.
بل لو سلم القصور من هذه الجهة أيضا لم يضر، إذ بعد ثبوت الستين
للقرشية بمرسلة المبسوط (3)، يتعين تخصيص مطلقات الخمسين بها، فتصير
خاصة بالنسبة إلى مطلقات الستين، وتخصص بها ويثبت المطلوب.
والرابع محكي عن ابني حمزة وسعيد، واختاره الفاضل في القواعد (4)، بل
- كما قيل - في أكثر كتبه (5)، وذهب إليه الكركي (6) ناسبا له إلى المشهور، بل إلى
الأصحاب، المؤذن بدعوى الاجماع لمرسلة المقنعة (7).
ويدفعون الايراد عليها بالضعف: بالانجبار بدعوى الكركي. ويجيبون عن

(1) في التبيان والمجمع - كما تقدم -.
(2) الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3.
(3) المتقدمة ص 376.
(4) الوسيلة: 56، الجامع للشرائع 466، القواعد 1: 14.
(5) كما قال به في التحرير 1: 13، والتذكرة 1: 26، والارشاد 1: 226.
(6) جامع المقاصد 1: 286.
(7) المتقدمة ص 376.
379

المطلقات: بوجوب التقييد.
أقول: كان ما ذكروه حسنا، لولا معارضة دعوى الكركي في النبطية مع
دعوى أكثر منه الشهرة على الخمسين في غير القرشية الشامل للنبطية أيضا، وأما
معها فلا يحصل بها انجبار،، ويسقط لأجله ذلك القول.
نعم، يبقى دعواها في القرشية، كدعوى الشيخين فيها خالية عن المعارض
جابرة للمرسلتين الأوليين وتخصص بهما المطلقات كما مر، ويثبت بهما مقتضاهما
الذي هو القول الثالث، فهو الحق.
فائدة: القرشية أعم من الهاشمية، وهي المنسوبة إلى النضر بن كنانة، إما
بالأب كما عليه جماعة (1) اقتصارا على المتيقن، واستصحابا للتكليف وسائر لوازم
الطهر، واتباعا لعموم وجوب العبادة.
أو مطلقا كما عليه أخرى (2) نظرا إلى صدق كونها من قريش، كما في
المرسلة الأولى، وتحقق الانتساب إليه، كما في الأخيرتين، واستصحابا لكونها ممن
تحيض، واتباعا لعمومات الرجوع إلى التمييز واعتبار أيام العادة. وهو الأقوى - ولو
كان الصدق والتحقق المذكوران عرفا على التشكيك - للأصول المذكورة المزيلة
للأصول المتقدمة.
ومنه يعلم كفاية الانتساب الشرعي وغيره ظاهرا وإن لم يعلم الواقع.
وأما احتمال القرشية واقعا من غير الانتساب ظاهرا فغير كاف لا لأصالة
عدم القرشية، لعدم حجيتها إن أريد بالأصل الظهور الحاصل من الالحاق
بالأغلب، ومنعها إن أريد غيره. بل للاجماع المحقق.
ثم المعروفات منهن في هذا العصر منحصرات في الهاشميات فعليهن
الحكم.

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 1: 370، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 285.
(2) كصاحبي المدارك 1: 322 والذخيرة: 62.
380

وأما النبطيات فلا يعرفن في هذا الزمان أصلا، فهو قد كفانا مؤونة
الاشتغال بتحقيق معناها.
ومنها: أنه حار أسود عبيط يخرج بدفع وحرقة - أي لذع لأجل الدفع
والحرارة - بالاجماع والمستفيضة.
منها: حسنة البختري عن المرأة تستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أو
غيره، قال، فقال لها: (إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة ودم
الاستحاضة أصفر بارد، وإذا كان للدم دفع وحرارة وسواد فلتدع الصلاة " (1).
ومرسلة (2) جميل وفيها: وإن اشتبه فلم يعرف أيام حيضها فإن ذلك لا
يخفى، لأن دم الحيض دم عبيط حار، ودم الاستحاضة دم أصفر بارد " (3).
وصحيحة ابن عمار: (إن دم الاستحاضة والحيض ليسا يخرجان من مكان
واحد، إن دم الاستحاضة بارد، وإن دم الحيض حار " (4).
وموثقة ابن جرير: " دم الحيض ليس به خفاء هو دم حار تجد له حرقة، ودم
الاستحاضة دم فاسد بارد " (5).
وفي موثقة إسحاق بن عمار في الحبلى: " إن كان دما عبيطا فلا تصلي ذينك
اليومين، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين " (6).

(1) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 1، التهذيب 1: 151 / 429، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض
ب 3 ح 2.
(2) مذكورة في باب عدة المطلقة المسترابة من الوافي (منه ره).
(3) التهذيب 8: 127 / 439، الإستبصار 3: 332 / 1181، الوسائل 22: 190 أبواب العدد
ب 5 ح 1.
(4) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 2 الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3 ح 1.
(5) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 3 التهذيب 1: 151 / 431، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض
ب 3 ح 3.
(6) التهذيب 1: 387 / 1192، الإستبصار 1: 141 / 483، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض
ب 30 ح 6.
381

وفي مرسلة يونس، الطويلة: " إن دم الحيض أسود يعرف " (1).
والمراد بالسواد هنا هو الحمرة الشديدة القريبة من السواد، كما هو المتبادر في
السواد المستعمل في الدماء المتأيد بالمشاهدة والاعتبار.
ويشهد له: ما في مرسلة يونس إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة) ثم
قال عليه السلام: " وقوله البحراني شبه معنى قول النبي صلى الله عليه وآله: إن
دم الحيض أسود وإنما سماه (أبي) بحرانيا لكثرته ولونه " الحديث....
دل على اتحاد المراد من الأسود ومن البحراني المفسر في كتب اللغة، (2)،
والمعتبر، والتذكرة (3)، بالحمرة الشديدة.
فلا تنافي بين ما مر وبين ما وصف الحيض بالحمرة، كالمرسل الآتي في الحبلى
(إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي " (4) وغيره، ولا بين كلام من وصفه بالسواد فقط،
كما عن النهاية والمبسوط والوسيلة والمنتهى والتبصرة والارشاد (5) والتلخيص
والتحرير (6) وغيرها (7)، ومن وصفه بالحمرة كذلك، كما عن المقنعة (8)
نعم، في النافع خير بين الوصفين، وظاهره الاختلاف بينهما (9).
وهو ليس بجيد، إلا أن يحمل على تفاوت مراتب الحمرة.

(1) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 381 / 1183، الوسائل 2: " 276 " أبواب الحيض
ب 3 ح 4.
(2) كالنهاية لابن الأثير 1: 99، والصحاح 2: 585، ولسان العرب 4: 45.
(3) المعتبر 1: 197، التذكرة 1: 26.
(4) سيأتي ذكره ص 403.
(5) النهاية: 23، المبسوط 1: 41، الوسيلة: 56، المنتهى 1: 95، التبصرة: 8، مجمع الفائدة 1.
141.
(6) التحرير 1: 13.
(7) كالكفاية: 3، والمفاتيح 1: 14.
(8) المقنعة: 54.
(9) المختصر النافع: 9.
382

وقد يزاد في الوصف: الغلظة والنتن. وليس عليهما دليل سوى المرويين في
فقه الرضا عليه السلام والدعائم.
الأول: " وتفسير الاستحاضة أن دمها بكون رقيقا تعلوه صفرة، ودم
الحيض إلى السواد وله غلظة، ودم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة، ودم
الاستحاضة بارد يسيل وهي لا تعلم " (1).
والثاني: " ودم الحيض كدر غليظ منتن، ودم الاستحاضة دم رقيق " (2).
وهما لضعفهما غير صالحين للاستناد وإن شهد لهما الاعتبار.
ثم إن مقتضى التوصيف في تلك الأخبار: أن الأصل أن كل ما انتفت فيه
تلك الأوصاف كلا أو بعضا لم يكن حيضا.
وبعبارة أخرى: كل ما كان حيضا كان متصفا بالأوصاف، كما أن مقتضى
منطوق الشرط في الحسنة (3): أن الأصل أن كل ما وجدت فيه الأوصاف فهو
حيض مطلقا، إلا ما دل دليل على خلافه في الكليتين، ويزاد الدليل على الكلية
الأخيرة في صورة الاشتباه مع الاستحاضة الحكم بانتفاء تلك الأوصاف عن
المستحاضة في المستفيضة (4)، فإن مفادها أن المتصف بها حينئذ حيض، إلا إذا
دل دليل على خلاف ذلك.
وبذلك يظهر أن الحق مع من حكم بكون اعتبار الأوصاف إثباتا ونفيا
للحيض أصلا لا بتخلف عنه إلا بدليل (5).
وجعلها مميزات عند الاشتباه مع الاستحاضة خاصة (6) غير سديد، وغفلة

(1) فقه الرضا عليه السلام: 192 و 194 وفيه: " رقة " بدل: " غلظة " والظاهر أنها تصحيف: حرقة
كما نقله في المستدرك 2: 7 أبواب الحيض ب 3 ح 3.
(2) الدعائم 1: 127، المستدرك 2: 7 أبواب الحيض ب 3 ح 2.
(3) حسنة البختري المتقدمة ص 281.
(4) المتقدمة ص 281.
(5) كما في المدارك 1: 313، والحدائق 3: 152.
(6) كما في شرح المفاتيح. (مخطوط)، والرياض 1: 35، ومفتاح الكرامة 1: 236
383

عن منطوق الشرط.
ثم إن المعتبر في التمييز بينهما حين الاشتباه هو جميع الأوصاف المتقدمة، ولا
يكفي البعض وإن اكتفي به في بعض الأخبار (1) لأنه يكون أعم من الخبر
المستجمع للجميع، فيجب تقييده به.
ومنه يظهر أنه لو اتصف حينئذ دم ببعض أوصاف كل من الحيض
والاستحاضة، كأن يكون حارا أصفر، أو باردا أسود، تتعارض فيه الأخبار المميزة
بالوصف، فلا يعمل بها فيه، بل يرجع إلى القواعد الأخر.
ومنها: أنه يكون منغمسا في القطنة، وهذا إنما يعتبر مع اشتباهه بدم
العذرة فيحكم حينئذ بالحيضية مع الانغماس، والعذرة مع التطوق.
وفاقا للأكثر في الحكمين، لصحيحتي زياد (2)، وخلف (3)، والرضوي (4)،
المصرحة جميعا بهما.
وخلافا لظاهر الشرائع، والنافع، وصريح المعتبر (5) ومحتمل المقنعة (6) في
الأول، فتوقفا فيه.
ولا وجه له بعد صراحة الأخبار المعتبرة المعمول بها عند الأكثر. مع أن مورد
المسألة إنما هو صورة الاشتباه، وهو لا يكون إلا مع إمكان الحيضية إما باستجماع

(1) مثل صحيحة ابن عمار المتقدمة ص 281.
(2) الكافي 3: 94 الحيض ب 10 ح 2، التهذيب 1: 152 / 432، الوسائل 2: 1273 أبواب الحيض
ب 2 ح 2.
(3) الكافي 3: 92 الحيض ب 10 ح 1، التهذيب 1: 385 / 1184، الوسائل 2: 272 أبواب
الحيض ب 2 ح 1.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 194، المستدرك 2: 6 أبواب الحيض ب 2 ح 1.
(5) الشرائع 1: 29، المختصر النافع: 9، المعتبر 1: 198.
(6) كذا في النسخ، وليس موجودا في المقنعة ولم نعثر على من نسبه إليه والظاهر أنه مصحف " القواعد "
- لتشابه رمزيهما -، قال في الرياض 1: 35،... وصريحه في المعتبر... ويحتمله القواعد... "
فراجع القواعد 1: 14.
384

الأوصاف إن قلنا باشتراطه في الامكان أو بدونه إن لم نقل به، فيثبت الحكم إما
بأخبار اعتبار الأوصاف، أو بالقاعدة المسلمة عندهما من أن ما يمكن أن يكون
حيضا فهو حيض إلا ما خرج بالدليل، فلا مجال للتوقف.
ومنه يظهر بطلان توجيه كلامهما: بأن الدم ربما لا يستجمع الشرائط (1)!
فإن الشرائط إن كانت معتبر فلا يكون حيضا قطعا، ولا يحصل الاشتباه، وإلا
فلا يوجب عدمها التوقف.
وقد يجوز عدم مخالفتهما، ويوجه عدم حكمهما بالحيضية في صورة الانغماس
باتكالهما على فرض انحصار؟؟ الاشتباه بين الدمين خاصة، فإذا تميز دم العذرة
بمميزه فيرتفع الاشكال في الحكم بالحيضية مع عدمه بحكم الفرض (2).
وهو إنما يتأتي في غير كلام المعتبر، وأما فيه - فلتصريحه بالتوقف في الحكم
بالحيضية - فلا.
ثم ظاهر إطلاق إحدى الصحيحتين (3) كفاية وضع القطنة وإخراجها بأي
نحو اتفق، ولكن الأخرى (4) قيدته بالوضع والصبر هنيئة ثم إخراجها هنيئة،
والعمل بها أحسن لتقييدها.
وأما ما ذكره بعضهم (5) - من اعتبار الاستلقاء في رفع الرجلين وإدخال
الإصبع - فلم نعثر على حجة له وإن نسبه إلى الأخبار، ولعل نظره إلى أخبار
القرحة (6)، والله أعلم.
ومنها: الخروج عن الأيسر، وهو معتبر عند الاشتباه مع دم القرحة فيحكم

(1) كما في الذكرى: 28.
(2) كما في الرياض 1: 35.
(3) وهي صحيحة زياد المتقدمة ص 384.
(4) وهي صحيحة خلف المتقدمة ص 384.
(5) روض الجنان: 60.
(6) الآتية عن قريب.
385

بالحيضية معه وبالقرحة مع الخروج عن الأيمن. وفاقا للفقيه، ونهاية الإحكام،
والسرائر، والبيان، والقواعد، والارشاد، والتذكرة (1)، وعن المقنع، والمقنعة،
والمبسوط، والمهذب (2)، والاصباح، والوسيلة، والجامع، والنهاية (3)،
والتلخيص، بل الأكثر، كما ذكره في التذكرة (4)، وجمع ممن تأخر (5).
لمرفوعة أبان، المروية في التهذيب، وفيها: " مرها فلتستلق على ظهرها، ثم
ترفع رجليها، ثم تستدخل إصبعها الوسطى، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر
فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة " (6).
والرضوي: " وإن اشتبه عليها الحيض ودم القرحة فربما كان في فرجها
قرحة، فعليها أن تستلقي على قفاها وتدخل إصبعها، فإن خرج الدم من الجانب
الأيمن فهو من القرحة، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض " (7).
وبالشهرة - كما مرت - ينجبر ضعفهما، كما أن الأخيرة بها وبالأحدثية - التي
هي من المرجحات المنصوصة - تترجح على مرفوعة أبان، المروية في الكافي (8)
بالعكس، إن قلنا بتعدد روايتي الكافي والتهذيب أو باتحادهما مع سقوط نسخة
التهذيب بترجيح الكافي عليها بأضبطيته وأقدميته أو باضطراب نسخه حيث إنه
نقل عن ابن طاووس توافق نسخ التهذيب القديمة للكافي (9)، وعن الذكرى

(1) الفقيه 1: 54، نهاية الإحكام 1: 116، السرائر 1: 146، البيان: 57، القواعد 1: 14،
مجمع الفائدة 1: 14، التذكرة 1: 26.
(2) المقنع: 16، المقنعة. لم نعثر عليه فيه، ولكن نقله عن المفيد في مفتاح الكرامة 1: 338، المبسوط
1: 43، المهذب 1: 35.
(3) الوسيلة: 57، الجامع للشرائع: 41، النهاية: 24.
(4) التذكرة 1: 26.
(5) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 36، وصاحبا الرياض 1: 35، والذخيرة: 62.
(6) التهذيب 1: 385 / 1185، الوسائل 2: 307 أبواب الحيض ب 16 ح 2.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 193، المستدرك 2: 14 أبواب الحيض ب 14 ح 1.
(8) الكافي 3: 94 الحيض ب 10 ح 3، الوسائل 2: 307 أبواب الحيض ب 16 ح 1.
(9) نقله عنه في الذكرى: 28.
386

موافقة كثير من نسخه له (1).
وأما إن قلنا باتحادهما وترجيح نسخة التهذيب بموافقتها الشهرة، ومطابقتها
لعبارة الصدوق - التي قالوا: هي متون الأخبار - وفتوى المفيد، وشهادة بعض
النسوة المتدينة بذلك، كما ذكره بعض مشايخنا (2)، أو بتكافئهما، فلا يكون للأخيرة
المنجبرة معارض، لسقوط نسخة الكافي، إما بالمرجوحية، أو بالتكافؤ، وبقاء
الأخيرة بلا معارض.
وخلافا للكليني (3)، والمحكي عن الإسكافي (4)، والبشرى (5)، والذكرى،
والدروس (6)، فعكسوا، لمرفوعة الكافي وترجيحها على ما في التهذيب بما مر.
ويضعف. بأنه لو سلم ترجيحها عليه فلا نسلم ترجيحها على الرضوي،
بل الرجحان له كما عرفت.
وللمعتبر وظاهر المنتهى (7)، والمقدس الأردبيلي (8)، والمدارك (9)، ووالدي
العلامة، وجمع آخر من متأخري المتأخرين (10)، بل نسبه والدي إلى أكثر
المتأخرين، فلم يعتبروا الجانب بالمرة.

(1) الذكرى: 28.
(2) هكذا حكى في الرياض 1: 35 عن بعض المشايخ شهادة المتدينة من النسوة وقد يكون مراده
أستاذه الوحيد البهبهاني حيث قال. ولأن المعروف من النساء والمشهور بينهن أن الأمر كذلك
فاستعلم منهن. شرح المفاتيح (مخطوط).
(3) الكافي 3: 94.
(4) نقله عنه في المختلف: 36.
(5) للسيد جمال الدين بن طاووس، نقله عنه في الذكرى: 28.
(6) الذكرى: 28، الدروس 1: 97
(7) المعتبر 1: 199، المنتهى 1: 95.
(8) مجمع الفائدة 1: 141.
(9) المدارك 1: 318.
(10) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 62، والكفاية: 3.
387

لاضطراب متن الحديث واختلافه، مع ترجيح كل من الروايتين بوجه كما
مر، ومخالفة اعتبار الجانب للاعتبار، إذ القرحة تكون في كل من الجانبين والحيض
محله الرحم، وهي ليست في الأيسر، وفساد توهم كون وضع الرحم بحيث
يستلزم خروج الحيض من الأيسر ودم القرحة من الأيمن عند الاستلقاء، على أن
النسوان لا يدركن ذلك.
قال والدي: كل امرأة رأيناها وسألناها اعترفت بعدم إدراك الجانب
للخروج.
ويضعف: بأن غاية ما في الباب سقوط الروايتين بالاضطراب، وبقاء
الرضوي خاليا عن المعارض. ومخالفة الاعتبار بعد شهادة النص غير مسموعة
فإن الشرعيات تعبدية.
ومنها: أنه لا يكون أقل من ثلاثة أيام ولا أكثر من عشرة بالاجماعين في
الموضعين، وهو الحجة فيهما، مضافا إلى المعتبرة كالصحاح الثلاث لبني عمار
ويقطين ويحيى.
الأولى. " إن أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام وأكثر ما يكون عشرة أيام " (1).
الثانية: " أدنى الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة " (2).
الثالثة: " أدناه ثلاثة وأبعده عشرة " (3) وغيرها من الأخبار المتكثرة.
وصحيحة ابن سنان المخالفة للثاني ظاهرا: " أكثر ما يكون الحيض ثمان
وأدنى ما يكون ثلاثة " (4) شاذة غير صالحة للحجية. مع أن إرادة أكثر العادات كما

(1) الكافي 3: 75 الحيض ب 1 ح 2، الوسائل 2: 293 أبواب الحيض ب 10 ح 1.
(2) التهذيب 1: 156 / 447، الإستبصار 1: 130 / 448، الوسائل 2: 296 أبواب الحيض ب 10
ح 10.
(3) الكافي 3: 75 الحيض ب 1 ح 3، التهذيب 1: 156 / 446، الإستبصار 1: 130 / 447،
الوسائل 2: 294 أبواب الحيض ب 10 ح 2.
(4) التهذيب 1: 157 / 450، الإستبصار 1: 131 / 451، الوسائل 2: 297 أبواب الحيض
ب 10 ح 14.
388

هو الواقع ممكنة، بل لإرادة أكثر الحيض مساوية، ولا يمكن إرادة ذلك في أكثرية
العشرة وأقلية الثلاثة، لأنه ليس كذلك قطعا، كما أن المشاهدة به حاكمة.
وفي اشتراط التوالي في الثلاثة وعدمه - بكونها في جملة العشرة - قولان:
الأول - وهو الأظهر - للمحكي عن الصدوقين في الرسالة، والهداية (1)،
والإسكافي (2)، والجمل، والمبسوط (3)، والسيد (4)، وابني حمزة وإدريس (5)،
والمعتبر، والمنتهى، والقواعد، والبيان (6)، والمحقق الثاني ناسبا له إلى أكثر
الأصحاب (7) كجماعة من المتأخرين (8) بل نسبه بعضهم إلى الشهرة العظيمة (9).
واستقرب والدي - رحمه الله - دعوى الاجماع عليه.
للرضوي الصريح المنجبر ضعفه بالشهرتين: " وإن رأت يوما أو يومين
فليس ذلك من الحيض ما لم تر ثلاثة أيام متواليات " (10) مضافا إلى استصحاب عدم
الحدث.
والايراد على الأول: بأنه مخرج الغالب دون الكلي، وإلا لكان منافيا
لقوله عليه السلام قبل ذلك: " فإن رأت الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل
استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من الحيضة الأولى " (11) مندفع بعدم منافاة

(1) الفقيه 1: 50 نقله عن رسالة أبيه، الهداية: 21.
(2) نقله عنه في المختلف: 26.
(3) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 163، المبسوط 1: 42.
(4) لم نعثر على كلامه في كتبه الموجودة ولا على ناقل عنه.
(5) الوسيلة: 56، السرائر 1: 143.
(6) المعتبر 1: 202، المنتهى 1: 98، القواعد 1: 14، البيان: 58.
(7) جامع المقاصد 1: 287.
(8) منهم العلامة في التذكرة 1: 26، وصاحبا كشف اللثام 1: 86، والذخيرة: 63.
(9) نسبه في الرياض 1: 36.
(10) فقه الرضا عليه السلام: 192، المستدرك 2: 12 أبواب الحيض ب 10 ح 1.
(1 1) فقه الرضا عليه السلام 192، المستدرك 2: 12 أبواب الحيض ب 9 ح 1، في المستدرك: " فإن
389

قوله السابق له إلا بالاطلاق، وهو لا ينافي إرادة الكلية من قوله اللاحق، لوجوب
تقييد السابق باللاحق.
وقد يستدل أيضا: بعمومات التكليف بالعبادة، فلا يخرج منها إلا ما علم.
وبأصالة عدم تعلق أحكام الحائض بها.
وبثبوت العبادة في الذمة باليقين فلا يسقط إلا مع اليقين بالمسقط، ولا يقين
حين فقد التوالي.
وبتبادره من مثل قولهم: أقل الحيض ثلاثة.
والكل منظورا فيه، لا لما أورد على الأول: بأن العمومات مخصصة قطعا بما
دل على حرمة العبادة على الحائض، فهي أيضا مخصوصة بغير الحائض، ولا يدري
أن تلك المرأة داخلة في العمومات أو الخصوصات.
وعلى الثاني: بأنه معارض بأصالة عدم التكليف بالعبادات المشروطة
بالطهارة.
وعلى الثالث: بالمنع من ثبوتها في الذمة، فإنه أول الكلام، بل مقتضى
الأصل عدم التعلق.
وعلى الرابع: بأنه لو تم في الثلاثة، لزم مثله في العشرة، لاشتراكهما في
الاطلاق في أخبار المسألة.
لأنا نجيب عما أورد على الأول بأن تحصيص العمومات إنما هو بالحائض
المعلوم حيضها إجماعا، بل هي المراد من الحائض قطعا، لأن الألفاظ وإن كانت
أسامي للمعاني النفس الأمرية إلا أنها مقيدة بالعلم هنا إجماعا، بل في مطلق
مقامات التكاليف.
وعما أورد على الثاني: بأنها لو كانت حائضا، لحرمت عليها العبادات
المشروطة بالطهارة أيضا لأجل أنها حائض، وهذا أيضا تكليف بترك العبادة من

زاد الدم.... "..
390

هذه الجهة، والأصل عدمه، فالتكليف بالعبادة متحقق إما بالفعل أو الترك،
والأصل عدم كل منهما، فيتعارضان، وتبقى أصالة عدم تعلق أحكام الحائض
كحرمة الوطئ والمنع عن المسجد والعزائم ونحو ذلك خالية عن المعارض.
وعما أورد على الثالث: بأن للمستدل أن يتمسك بالاستصحاب في صورة
رؤيتها الدم بعد دخول الوقت ومضي مقدار الطهارة والصلاة " وإلحاق غيرها بعدم
القائل بالفرق، إلا أن يعارض ذلك بصورة رؤيتها الدم قبل الوقت.
وعما أورد على الرابع: بأن خروج العشرة بالاجماع أو دليل آخر عن معناه
المتبادر لا يوجب خروج غيرها أيضا. مع أنهم يقولون باشتراط التوالي في العشرة
أيضا، ولا يجعلون النقاء المتخلل في العشرة طهرا، غاية الأمر أنه لا يلزم عندهم
في العشرة المتوالية رؤية الدم كل يوم.
بل لاندفاع الثلاثة الأولى. بأن ذات العادة يجب عليها ترك العبادة بمجرد
رؤية الدم، وهكذا المبتدأة بالمعنى الأعم عند جماعة (1)، فالعمومات بهذه المرأة
مخصصة وأحكام الحائض بها متعلقة " والعبادات عنها ساقطة. فيبقى الكلام في
تعلق القضاء بها لو لم تتوال الثلاثة، ولا شك أن الأصل عدمه المستلزم للحيضية
الموجبة لعدم اشتراط التوالي، بل يكفي لو منع ذلك الحكم في غير ذات العادة
أيضا، ويسقط الاستدلال، لأن بثبوت الحيضية في ذات العادة يثبت في غيرها
أيضا بالاجماع المركب، ولا تفيد المعارضة بغير ذات العادة والتمسك بالاجماع
المركب فيها، إذ بتمامية المعارضة أيضا يسقط الاحتجاج بالأصول.
واندفاع الرابع أولا: بمنع التبادر، ولذا لا يلزم التوالي على من نذر صيام
ثلاثة أيام ما لم يقيد بالتوالي.
وثانيا: بتوقف تماميته على كون الثلاثة في ضمن العشرة حيضا خاصة وهو

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 42 - 43، والعلامة في المنتهى 1، 109، والشهيد الثاني في الروضة
1: 387، المحقق السبزواري في الذخيرة: 64.
391

غير معلوم، فلا تكون الثلاثة الأقل إلا متوالية أبدا، ويرجع النزاع إلى مجرد
اشتراط التوالي في رؤية الدم في الثلاثة الأولى وعدمه.
والحاصل: أن اشتراط التوالي في الأقل المنحصر قطعي مجمع عليه،
والخلاف في صورة التجاوز عنه، ولا يكون الحيض حينئذ ثلاثة، بل أكثر،
ومدلول قولهم: أقل الحيض ثلاثة: إنما هو في المنحصر.
الثاني: للشيخ في النهاية وعن الاستبصار (1)، القاضي (2)، وإليه
ذهب جملة من متأخري المتأخرين، منهم المحقق الأردبيلي، والفاضل الهندي (3)
واختاره جماعة من مشايخنا الأخباريين (4).
لكون ما يمكن أن يكون حيضا وما يشمل على الأوصاف وما يقع في العادة
حيضا.
ولحسنة محمد: " إذا رأت المرأة الدم قبل عشر فهو من الحيضة الأولى، وإن
كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة " (5) وقريبة منها موثقته (6).
دلتا على أنه متى رأت المرأة الدم بعد ما رأته أولا سواء كان الأول يوما أو
أزيد، فإن كان قبل العشرة فهو من الحيضة الأولى.
ومرسلة يونس وفيها: " وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت
وصلت وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام، فإن رأت في تلك العشرة أيام

(1) النهاية: 26، الإستبصار 1: 130.
(2) جواهر الفقه: 15.
(3) مجمع الفائدة 1: 143، كشف اللثام 1: 86.
(4) منهم صاحب الحدائق 3: 159.
(5) الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 1، التهذيب 1: 59 1 / 4 5 4، الوسائل 2: 6 29 أبواب الحيض
ب 11 ح 3.
(6) التهذيب 1: 56 1 / 8 44، الإستبصار 1: 130 / 9 44، الوسائل 2: 296 أبواب الحيض
ب 10 ح 1 1.
392

من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتى تتم لها ثلاثة أيام فذلك الذي رأته في أول
الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة فهو من الحيض) (1) الحديث.
والجواب عن غير الأخيرة: بأن دلالته على المورد بالعموم، فيجب تخصيصه
بما مر، لما مر.
وعن الأخيرة: بعدم حجيتها؟ لمخالفتها شهرة القدماء طرا. ولو سلمت
فهي معارضة للرضوي المتقدم (2) والترجيح له من جهة الأحدثية، ولو سلم عدم
الترجيح فيرجع إلى استصحاب عدم الحدث.
وقد يجاب عن الحسنة والموثقة: بمنع كون ما تقدم حيضا ما لم تتوال فيه
الثلاثة، فبدونه لا يكون حيضة حق يكون الباقي من الحيضة الأولى
وفيه: أن معنى الحديث. أن الدم المرئي بعد انقطاعه وقبل العشرة بعض
من الحيضة الأولى، أي يجب جعل المجموع حيضا واحدا أوليا، وذلك لا يتوقف
على تسمية ما سبق حيضا. والحاصل. أن هذا حكم منه عليه السلام بالحيضية
والأولية معا، لا أنه حكم بالأولية خاصة حتى يتوقف صدقها على ثبوت الحيضية
أولا.
ثم على القول المختار: فهل يجب استمرار الدم في الثلاثة بحيث متى
وضعت الكرسف تلوث ولو ضعيفا؟ كما عن المحقق الثاني في شرح القواعد (3)،
وابن فهد في المحرر (4)، والحلبي في معطى الكافي " (5)، والغنية (6)، وابن سعيد،

(1) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5 التهذيب 1: 57 1 / 2 5 4 الوسائل 2: 299 أبواب الحيض
ب 12 ح 2.
(2) في ص 389.
(3) جامع المقاصد 1: 287.
(4) نقله عنه في كشف اللثام 1: 86.
(5) الكافي في الفقه: 28 1، قال في كشف اللثام 1: 86: ويعطيه ما في الكافي.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
393

نافيا عنه الخلاف (1)، وظاهر المبسوط أنه مسلم عند القائلين بالتوالي (2).
أم يكفي وجوده في كل يوم من الثلاثة وإن لم يستوعبها كما عن الروض (3)،
وظاهر الفاضل (4)، واختاره في المدارك، وعزاه إلى الأكثر (5)، ولكن ظاهر شرح
القواعد ندرة القول به حيث نسبه إلى أنه قد يوجد في بعض الحواشي (6).
أم يعتبر وجوده في أول الأول وآخر الآخر وجزء من الوسط؟ كما عن بعض
المتأخرين (7)، ونفى الشيخ البهائي عنه البعد (8).
أقوال، أقواها: الأخير، لمثل قولهم عليهم السلام: أقل ما يكون الحيض
ثلاثة أيام ".
فإنه لا يصدق على من رأت في الدقيقة الأخيرة من اليوم الأول والأولى من
الثالث، كما هو مقتضى القول الثاني بل المتبادر منه عدم تحقق الحائضية في أقل
من ثلاثة أيام تامة.
وأظهر منه في ذلك المعنى قوله في موثقة ابن بكير في المبتدأة التي استمر بها
الدم: " ثم تترك الصلاة في المرة الثانية أقل ما تترك امرأة الصلاة وتجلس أقل ما
يكون من الطمث، وهو ثلاثة أيام " (9) الحديث.

(1) الجامع للشرائع: 3 4.
(2) المبسوط 1: 67.
(3) الروض، 62.
(4) المنتهى 1: 98، التذكرة 1: 35.
(5) المدارك: 1: 322.
(6) جامع المقاصد 1: 287.
(7) لم نعثر عليه، نعم قال في الحدائق 3: 169 ونسب إلى السيد حسن ابن السيد جعفر معاصر
شيخنا الشهيد الثاني. -
(8) الحبل المتين 7 4.
(9) التهذيب 1: 400 / 1251، الإستبصار 1: 37 1 / 70 4 الوسائل 2: 1 29 أبواب الحيض
ب 8 ح 5.
394

فإن المتبادر من ترك الصلاة والجلوس ثلاثة أيام تركها وجلوسها ثلاثة أيام
تامة، لصحة السلب عن الأقل ولو بدقيقة.
وبذلك يقيد إطلاق مفهوم الرضوي المتقدم (1)، حيث إنه يصدق رؤية
الدم ثلاثة أيام برؤية المسمى في كل يوم، لعدم وجوب المطابقة بين الظرف
والمظروف.
ويسقط لأجله القول الثاني، فإن مستنده ليس إلا ذلك العموم، مع أنه
ضعيف وانجباره في المقام غير معلوم.
كما أن بعمومات الحكم بالحيض مع الأوصاف وفي أيام العادة منضمة مع
ما دل على أن الطهر لا يكون أقل من عشرة يندفع أصالة عدم الحدث التي هي
مستند القول الأول، ويسقط لأجله ذلك القول أيضا. ولا دلالة لقوله عليه
السلام في مرسلة يونس: " فإن استمر بها الدم ثلاثة فهي حائض " (2) عليه، لأن
مقابل ذلك الاستمرار الانقطاع المذكور فيها فلا حكم للمفهوم غيره.
ثم هل يعتبر الثلاثة بلياليها كما عن الإسكافي (3)، والمنتهى، والتذكرة (4)
أم يكفي ما عدا الليلة الأولى كما احتمله بعض المحققين (5)؟
ظاهر الدليل: الثاني، لصدق الثلاثة أيام، بل لولا عدم الخلاف في دخول
الليلتين فيها لكان الاقتصار على النهار خاصة محتملا.
ولو رآه أول الليلة الأولى لم ينقص لأجله من الثلاثة أيام شئ البتة.
والظاهر عدم الخلاف في كفاية اليوم الملفق هنا، فلو رأى أول الظهر

(1) ص 389.
(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 57 1 / 2 5 4، الوسائل 2: 299 أبواب الحيض
ب 12 ح 2.
(3) نقله عنه في المعتبر 1: 202.
(4) المنتهى 1: 97، التذكرة 1: 26.
(5) وهو الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 86.
395

من الأول تمت الثلاثة بأول الظهر من الرابع ولم يتوقف على تمامه، فتأمل.
ولنختم هذا المقام بمسائل ثلاث:
المسألة الأولى: لا حد لأكثر الطهر على المشهور، بل بلا خلاف، كما عن
الغنية (1)، للأصل.
وعن ظاهر الحلبي تحديده بثلاثة أشهر (2). وحمل على الغالب (3).
وعن البيان (4) احتمال أن يكون نظره إلى عدة المسترابة.
وأقله عشرة أيام إجماعا قطعيا في المتوسط بين الحيضتين المستقلتين،
ومحكيا (5) مستفيضا في مطلقه الشامل للمتخلل في أثناء الحيضة الواحدة،
لاستفاضة النصوص المعتبرة.
منها: صحيحة محمد:، لا يكون القرء في أقل من عشرة أيام فما زاد، أقل
ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم " (6).
وفي مرسلة يونس: " أدنى الطهر عشرة أيام " وفيها أيضا: " ولا يكون الطهر
أقل من عشرة أيام " (7).
خلافا لبعض متأخري المتأخرين، فخص الحكم بما بين الحيضتين، وجوز
كون المتخلل في أثناء الحيضة أقل من عشرة (8).

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
(2) الكافي في الفقه: 128.
(3) كما حمله العلامة في التذكرة 1: 27.
(4) البيان 58.
(5) كما حكاه في الخلاف 1: 238، وروض الجنان: 63، والمدارك 1: 9 1 3
(6) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 4، التهذيب 1: 157 / 1 5 4، الإستبصار 1: 131 / 452
الوسائل 2: 297 أبواب الحيض ب 11 ح 1.
(7) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5 التهذيب 1: 57 1 / 2 5 4، الوسائل 2: 298 أبواب الحيض
ب 11 ح 2.
(8) الحدائق 3: 160.
396

لصحيحة محمد، المتقدمة، بجعل مبدأ العشرتين فيها انقطاع الدم الأول،
لكون الثانية كذلك قطعا، وإلا لزم أقلية الطهر المتخلل بين الحيضتين عن
العشرة وهو باطل إجماعا، فلو لم يجعل الأيام المتخللة في الحيضة الأولى طهرا لزم
زيادة الحيض عن العشرة في بعض الصور وهو محال، والتخصيص بغير ذلك
خلاف الأصل.
ورواية البصري الواردة في المرأة إذا طلقها زوجها (1)، والتقريب فيها أيضا
كما تقدم.
ومرسلة يونس وفيها:. " إذا حاضت المرأة وكان حيضها خمسة أيام ثم انقطع
الدم اغتسلت وصلت، فإن رأت بعد ذلك الدم ولم يتم لها من يوم طهرت عشرة
أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة " (2) الحديث.
والأخبار المصرحة بأنه إذا انقطع الدم تستبرئ، فإن كانت القطنة نقية فقد
طهرت (3)، فإنها شاملة بعمومها لما إذا عاد الدم قبل العشرة أيضا.
وموثقة يونس بن يعقوب: المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة، قال: " تدع
الصلاة " قلت: فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال. تصلي " قلت: فإنها
ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة! قال: " تدع الصلاة) قلت: فإنها ترى. الطهر ثلاثة
أيام أو أربعة، قال. " تصلي " قلت: فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة؟ قال:
" تدع الصلاة تصنع ما بينها وبين شهر، فإن انقطع الدم عنها وإلا فهي بمنزلة
المستحاضة " (4).

(1) الكافي 6: 88 الطلاق ب 26 ح 10، الوسائل 2 2: 205 أبواب العدد ب 15 ح 5.
(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 57 1 / 2 5 4، الوسائل 2: 9 9 2 أبواب الحيض
ب 12 ح 2.
(3) الوسائل 2: 308 أبواب الحيض ب 17.
(4) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 2، التهذيب 1: 380 / 79 1 1، الإستبصار 1: 1 3 1 / 53 4،
الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 2.
397

وموثقة أبي بصير: عن المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر خمسة أيام، وترى
الدم أربعة أيام والطهر ستة أيام، فقال: " إن رأت الدم لم تصلي، وإن؟ رأت الطهر
صلت ما بينها وبين ثلاثين يوما، (1) الحديث.
والرضوي: " والحد بين الحيضتين القرء وهو عشرة أيام بيض، فإن رأت
الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض فهو ما بقي من
الحيضة الأولى، وإن رأت الدم بعد العشرة البيض فهو ما تعجل من الحيضة
الثانية) " 2).
والجواب عن الأول: منع تعين كون مبدأ الثانية الانقطاع، لجواز جعل
مبدئهما الرؤية وتخصيص الفقرة الثانية بما إذا تخللت عشرة طاهرة بين الحيضتين،
وليس إبقاء هذه على العموم وتخصيص. الأولى بما إذا لم يزد أيام الدمين على العشرة
أولى من عكسه.
سلمنا وجوب جعل المبدأين الانقطاع، ولكن نقول: إن الفقرة الأولى
مخصصة قطعا بما إذا لم تتجاوز أيام الحيض عن العشرة، وإنما الكلام في تعيين
أيام الحيض، ومقتضى عمومات أقل الطهر كون مدة النقاء منها أيضا فلا يزاد
تخصيص.
نعم، لو كانت أيام الدمين المتجاوزة عن العشرة خارجة بخصوصها
وأوجبت حيضية النقاء إخراج شئ آخر ليتم التقريب، وذلك كما إذا قال. اقتلوا
المشركين، وعلم إخراج الكتابي، ولم يعلم إخراج المجوس لا يحكم بخروجه، ولو
دل كلام على خروجه بعمومه تعارض التخصيصان، أما لو دل كلام بعمومه على
أن المجوس أيضا من الكتابي فلا يتعارض التخصيصان، بل يحكم بخروج

(1) التهذيب 1: 380 / 1180، الإستبصار 1: 32 1 / 454، الوسائل 2: 286 أبواب الحيض
ب 6 ح 3.
(2) فقه الرضا عليه السلام 192، المستدرك 2: 2 1 أبواب الحيض ب 9 ح 1.
398

المجوس أيضا.
هذا، مع أنه لو سلمنا تعارض التخصيصين وتوقفنا، لزم الحكم بحيضية
النقاء، للاستصحاب. ولا تعارضه عمومات العبادة، لخروج الحائض الشرعي
منها قطعا، وهذه حائض بالدليل الشرعي الذي هو الاستصحاب. مع أنه لا
كلام في وجوب العبادة عليها قبل رؤية الدم الثاني، لأصالة عدم رؤيته، وإنما
الكلام بعد رؤيته، ووجوب قضاء الصوم حينئذ لثبوت كونها حائضا شرعا.
لا يقال: قبل رؤية الثاني محكومة بعدم كونها حائضا) لأصالة عدم الرؤية،
فيستصحب هذا الحكم.
قلنا: بعد رؤية الثاني وانتفاء أصالة عدمها لا يصح استصحاب الحكم
المبني عليها كما بين في موضعه.
ومما ذكر يظهر الجواب عن الثلاثة المتعقبة للأول أيضا.
وعن الخامس: بأنه لا يدل إلا على فعل الصلاة بعد الطهارة ظاهرا في
الثلاثة أو الأربعة، وهو كذلك، ولا يدل على جعلها طهرا بعد رؤية الدم في
الثلاثة أو الأربعة الثانية، وكذا في الثالثة، وهو ظاهر جدا.
نعم، في الحديث إشكال من جهة أخرى، ولذا حمل ذلك وغيره مما بمضمونه
على أنها تفعل ذلك لتحيرها واحتمالها الحيض عند كل دم والطهر عند كل نقاء إلى
أن يتعين لها الأمران (1)، بل هذا هو مراد الشيخ في الاستبصار (2) مما حمل ذلك عليه
وفسره به. -
ومن ذلك يعلم أن توقف الفاضل في المنتهى (3) في الفتوى بمضمونه على ما
حمله في الاستبصار عليه ليس توقفا في مسألة أقل، الطهر المتخلل كما قد يتوهم (4)،

(1) المعتبر 1: 207.
(2) الإستبصار 1: 132.
(3) المنتهى 1: 105.
(4) كشف اللثام 1: 87.
399

كيف وقد صرح قبل ذلك بأنها لو رأت ثلاثة أيام ثم انقطع ثم رأت اليوم العاشر
أو قبله وانقطع كان الدمان وما بينهما حيضا (1) واستدل عليه: بأخبار أقل الطهر؟
ولا حمل الشيخ عليه قولا بجواز أقلية الطهر المتخلل من العشرة.
وعن السادس: بضعفه المانع عن العمل به الخالي عن الجابر في المقام، مع
جريان ما أجيب به عن الثلاثة الأول فيه أيضا.
المسألة الثانية: في اجتماع الحيض مع الحبل وعدمه قولان:
الأول - وهو الأظهر - للأكثر، منهم. الصدوقان (2)، والسيد (3)، والشيخ
في النهاية والخلاف والتهذيب والاستبصار (4)، والاصباح، والحلي (5)، والمنتهى،
والتذكرة، والقواعد (6)، وشرحه (7)، والدروس، والمدارك (8). ومال إليه في
المعتبر (9)، وعليه الشهرة في كلام جماعة (10)، بل في الناصريات الاجماع عليه (11)،
وهو قول مالك (12)، والشافعي في القديم (13).
لاستصحاب الحالة السابقة، والعمومات المثبتة لحيضية الدم في النساء
مطلقا أو مع الوصف أو في أيام العادة.

(1) المنتهى 1: 105.
(2) المقنع: 6 1، ونقله في المعتبر 1: 200 عن والد الصدوق.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 191.
(4) النهاية 25، الخلاف 1: 239، التهذيب 1: 388، الإستبصار 1: 140
(5) السرائر 1: 150.
(6) المنتهى 1: 6 9، التذكرة 1: 26، القواعد 1: 14.
(7) جامع المقاصد 1: 287.
(8) الدروس 1: 97، المدارك 2: 2 1.
(9) المعتبر 1: 201.
(10) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 286، وصاحب الرياض 1: 35
(11) الناصريات (الجوامع الفقهية): 191.
(12) بداية المجتهد 1: 53.
(13) المهذب للشيرازي 1: 39.
400

وخصوص المستفيضة: كصحيحتي ابن سنان وصفوان:
الأولى: عن الحبلى ترى الدم أتترك الصلاة؟ قال: " نعم) (1).
والثانية: عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أتصلي؟ قال: " تمسك
عن الصلاة، (2).
وحسنة سليمان (3) ومرسلة حريز (4) وغير ذلك مما يأتي ذكر بعضه.
والثاني للشرائع (5)، وعن المفيد (6)، والإسكافي (7)، والتلخيص، وهو
مذهب أبي حنيفة (8)، وأحمد (9)، والشافعي في الجديد (10)، ونسبه في التذكرة إلى
جمهور التابعين (11).
لاستصحاب عدم الحيضية.
ولرواية السكوني. " ما كان الله ليجعل حيضا مع حبل، يعني أنها إذا رأت
الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق

(1) الكافي 3: 97 الحيض ب 11 ح 5، التهذيب 1: 386 / 87 1 1، الإستبصار 1: 38 1 / 474،
الوسائل 2: 329 أبواب الحيض ب 30 ح 1.
(2) التهذيب 1: 387 / 1193، الإستبصار 1: 139 / 478، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض
ب 30 ح 4.
(3) الكافي 3: 97 الحيض ب 11 ح 6، الوسائل 2: 333 أبواب الحيض ب 30 ح 14.
(4) التهذيب 1: 386 / 86 1 1، الإستبصار 1: 138 / 473، الوسائل 2: 332 أبواب الحيض.
ب 30 ح 9.
(5) الشرائع 1: 32.
(6) نقله عنه في التذكرة 1: 26، ولم نعثر عليه في المقنعة.
(7) نقله عنه في المختلف: 36.
(8) بداية المجتهد 1: 53.
(9) المغني لابن قدامة الحنبلي 1: 347.
(10) المهذب للشيرازي 1: 39.
(11) التذكرة 1: 26.
401

ورأت الدم تركت الصلاة " (1).
وصحيحة حميد: عن الحبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيام وفي
الشهر والشهرين، فقال: " تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة " (2).
ولأنه يصح طلاقها مع رؤية الدم إجماعا، ولا شئ من الحائض يصح
طلاقه كذلك.
ولأن شرع الاستبراء بالحيض لاستبانة عدم الحمل فلا يجامعه.
ويرد الأول: بالمعارضة باستصحاب عدم سائر الأسباب أيضا، مضافا إلى
اندفاعه بما مر.
والثاني: بعدم الدلالة، لجواز أن يكون المراد حقيقته، وهو الاخبار عن
عدم الاجتماع فيما مضى وإن تخلف في الأزمنة اللاحقة، كما ورد في أصل الحيض
أنه كان قبل ذلك سنة.
ويؤيده ما في بعض نسخ نوادر الراوندي - على ما في البحار - بعد ذكر قوله.
" ما كان الله... ". " فإذا رأت الدم وهي حبلى تدع الصلاة، (3).
وأما قوله: " يعني أنها إذا رأت.. " فيمكن أن يكون من كلام الراوي، بل
هو الظاهر، فلا حجية فيه.
مضافا إلى معارضته مع الأخبار المتقدمة الراجحة عليه باعتبار الأحدثية
والمخالفة لأكثر العامة والموافقة لمعظم الخاصة، مع أنه على فرض التكافؤ
يتساقطان ويرجع إلى العمومات.
ومنه يظهر رد الثالث أيضا، مضافا إلى عدم دلالته، لعدم استجماع ما رأته

(1) التهذيب 1: 387 / 196 1، الإستبصار 1: 140 / 1 8 4، الوسائل 2: 333 أبواب الحيض
ب 30 ح 12.
(2) التهذيب 1: 387 / 1195، الإستبصار 1: 39 1 / 480، الوسائل 2: 332 أبواب الحيض
ب 30 ح 8.
(3) بحار الأنوار 78: 111.
402

شرائط الحيض، لأن الدفقة والدفقتين لا تكون حيضا.
لا يقال: وقوع الدفقة في الأيام لا يكون إلا بحصولها في جميعها، فتحصل
الشرائط إذا كانت متوالية، كما تشمله الرواية بترك الاستفصال.
لأن المراد بالأيام ليس معناها الحقيقي الذي هو الاستغراق، ومجازه يمكن
أن تكون الأيام المعهودة، أي أيام الحيض، ورؤية الدفقة فيها تتحقق برؤية الدم
فيها دفعة واحدة.
والرابع: بمنع الاجماع، ولا دليل آخر على عدم صحة طلاق الحائض
مطلقا، كيف ويصح مع غيبة الزوج!؟
والخامس: بمنع كون العلة في شرع الاستبراء بالحيض استبانة عدم
الحمل! لامكان أن يكون تعبدا أو معللا بحكمة خفية لا نعلمها، كيف؟ لو
كانت العلة ذلك لكفت حيضة واحدة في جميع الموارد، ولم يشترط في بعضها
حيضتان، وفي بعضها الأكثر، وفي بعضها المدة.
ثم على المختار هل يجتمع معه مع استبانة الحمل أيضا؟ أو يشترط فيه عدم
الاستبانة؟ وتظهر الفائدة في قضاء الصلاة لا في تركها عند رؤية الدم، إذ لا ريب
في البناء على أصالة عدم الحمل بدون استبانته.
الأول - وهو الأصح - لأكثر القائلين باجتماعه مع الحمل؟ لما تقدم،
وخصوص مرسلة محمد: عن المرأة الحبلى قد استبان حملها ترى ما ترى الحائض
من الدم، قال: " تلك الهراقة من الدم، إن كان دما أحمر كثيرا فلا تصلي، وإن
كان قليلا أصفر فليس عليها إلا الوضوء، (1). وقريبة منها رواية أبي المعزا (2).
والثاني للحلي (3)، وعن الخلاف، والمبسوط (4)، ونسبه في الأول إلى الأكثر،

(1) الكافي 3: 96 الحيض ب 1 1 ح 2، الوسائل 2: 334 أبواب الحيض ب 30 ح 6 1.
(2) التهذيب 1: 387 / 1 119، الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 5
(3) السرائر 1: 150.
(4) الخلاف 1: 239، المبسوط 1: 68.
403

وفي الثاني إلى الاجماع، وصريح الأول اختصاص الخلاف بما بعد الاستبانة،
ويظهر ذلك من المعتبر أيضا، حيث فسر قوله في النافع (1): أشهرها أنها لا تحيض:
بأنه مع استبانة الحمل.
للاجماع المنقول في الخلاف، والرضوي: والحامل إذا رأت الدم في الحمل
كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم، فإن رأت صفرة لم تدع الصلاة. وقد روي
أنها تعمل ما تعمله المستحاضة إذا صح لها الحمل فلا تدع الصلاة والعمل من
خواص الفقهاء على ذلك، " 2).
ويرد الأول: بعدم الحجية، وكذا الثاني سيما مع مخالفته مع ما حكم به أولا
ونسبته إلى الرواية، ولو سلم فيعارض ما مر، ويرجع إلى العمومات.
ثم على المختار من الاجتماع مع الاستبانة أيضا فلا شك في كون الدم
المتصف بالأوصاف في أيام العادة حيضا، ويدل عليه الاجماع المركب، مضافا إلى
الأخبار الدالة على حيضية كل من الدمين (3).
وإنما الكلام في اشتراط الوصفين في الحكم بالحيضية، أو الاتصاف
خاصة، أو كونه في العادة كذلك، أو أحدهما لا بعينه، أو لا يشترط شئ منهما،
بل المرأة كحالة عدم الحبل فتحيض بما تحيض به قبله، فيه احتمالات، ولم أعثر
على مصرح بالأول.
والثاني للصدوق، قال: والحبلى إذا رأت الدم تركت الصلاة وذلك إذا
رأت الدم كثيرا أحمر، فإن كان قليلا أصفر فلتصل وليس عليها إلا الوضوء (4).
انتهى.

(1) المعتبر 1: 201، النافع: 9.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 1 9 1، المستدرك 2: 23 أبواب الحيض ب 25 ح 1.
(3) انظر الوسائل 2: 275، 278 أبواب الحيض ب 3 و 4.
(4) الفقيه 1: 51.
404

وتدل عليه - بعد عمومات اعتبار الأوصاف (1) - مرسلة محمد، ورواية أبي
المعزا، المتقدمتان (2).
وموثقة إسحاق: الحبلى ترى الدم اليوم واليومين قال: (إن كان دما عبيطا
فلا تصلي ذينك اليومين، وإن كانت صفرة فلتغتسل عند كل صلاتين) (3).
والثالث للشيخ في النهاية، وكتابي الحديث (4)، ومال إليه في المعتبر،
والمدارك، والبحار (5)، ولكنهم مع إثباتهم الحيضية لأيام العادة نفوها عما تأخر عنها
بعشرين يوما، فسكتوا عما بينهما، ويظهر من بعضهم أنهم يلحقونه بالعادة،
ومن آخر أنهم يلحقونه بما بعد العشرين.
وكيف كان، فدليلهم عمومات حيضية ما تراه أيام العادة مطلقا.
وصحيحة محمد: عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما
في كل شهر، فقال: (تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها " (6).
وموثقة سماعة: عن امرأة رأت الدم في الحمل، قال: " تقعد أيامها التي
كانت تحيض، فإذا زاد الدم على الأيام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيام ثم
هي مستحاضة (7).
وصحيحة الصحاف: " إذا رأت الحامل الدم بعدما يمضي عشرون يوما

(1) انظر الوسائل 2: 1 27، 272 أبواب الحيض ب 1 و 2.
(2) ص 404
(3) التهذيب 1: 387 / 92 11، الإستبصار 1: 141 / 483 الوسائل 2: 331 أبواب الحيض
ب 30 ح 6.
(4) النهاية: 25، التهذيب 1: 388، الإستبصار 1: 140.
(5) المعتبر 1: 201، المدارك 2: 2 1، البحار 78: 5 9.
(6) الكافي 3: 97 الحيض ب 11 ح 3، التهذيب 1: 387 / 4 9 1 1، الإستبصار 1: 39 1 / 79 4،
الوسائل 2: 331 أبواب الحيض ب 30 ح 7.
(7) التهذيب 1: 386 / 1190، الإستبصار 1: 39 1 / 77 4، الوسائل 2: 2 33 أبواب الحيض
ب 30 ح 11.
405

من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه، فإن ذلك
ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشي بالكرسف وتصلي، وإذا رأت
الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيها الدم بقليل أو في الوقت من ذلك
الشهر فإنه من الحيضة، فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي كانت تقعد في
حيضها " (1) الحديث.
والرابع لوالدي العلامة في اللوامع، والمعتمد، ويظهر من بعضهم (2) ذهاب
بعض آخر إليه أيضا.
لخلو أخبار اعتبار الوصف في الحبلى وعدم حيضية الفائدة له في غير أيام
العادة عن المعارض، فيحكم به قطعا، ويحصل التعارض بين تلك الأخبار وبين
ما يدل على حيضية ما في العادة في الحبلى أو مطلقا في الخالي عن الوصف في أيام
العادة والمتصف به في غيرها، فيرجع إلى عمومات اجتماع الحيض مع الحمل
ولازمه الحكم مع أحد الأمرين من الاتصاف بالأوصاف ومصادفة العادة.
ولدفع توهم إيجابه خرق المركب قال والدي - رحمه الله -: إن الظاهر أن
إطلاق كلام الأكثر في غير وقت العادة مقيد بوجود الأوصاف، ولذا صح الكل
بموافقة الصدوق للمشهور مع تصريحه باعتبار الصفة، بل المشترط للعادة لا
ينكر كون ما ترى في غير وقتها حيضا إذا وجدت فيه أوصافه. انتهى.
والخامس لظاهر أكثر الموافقين في الاجتماع، لعموماته.
أقول: لا يخفى أن خلو أخبار اعتبار الوصف في الحبلى وعدم حيضية الفاقد
له في غير أيام العادة عن المعارض مطلقا يخصص تلك العمومات قطعا، ولازمه
عدم حيضية الخالي عن الوصف في غير أيام العادة فالحكم به لازم والقول

(1) الكافي 3: 95 الحيض ب 11 ح 1، التهذيب 1: 388 / 1197، الإستبصار 1: 140 / 482،
الوسائل 2: 330 أبواب الحيض ب 30 ح 3.
(2) قد يظهر هذا من الرياض 1: 36 في قوله: وربما يجمع بين الأخبار... فراجع،
406

الخامس ساقط.
وأما اختيار الرابع، والرجوع في الخالي عن الوصف في الأيام أو المتصف في
غيرها إلى عمومات الاجتماع - بعد تعارض أخبار اعتبار الوصف في الحبلى وأخبار
حيضية ما في العادة فيها واشتغال كل، منهما بالآخر - إنما كان تاما لو كانت تلك
العمومات كسائر عمومات الحيض فارغة في الموردين عن المعارض الآخر أيضا.
ولكنه تعارضها في المورد الأول أخبار اعتبار الوصف في الحيض مطلقا،
فإنها أعم من وجه من عمومات الاجتماع.
ولا يفيد تخصيصها بأخبار حيضية الصفرة والكدرة في أيام العادة (1)، لأن
القدر المعلوم التخصيص في غير الحبلى، وأما فيها - فلمعارضة أخبار حيضية
الصفرة مطلقا مع أخبار عدمها في الحبلى - فلا، كما تعارض أخبار اعتبار الوصف
في الحبلى سائر عمومات التحيض.
وفي المورد الثاني أخبار عدم حيضية ما بعد العادة مطلقا (2) أو في الحبلى
كصحيحة الصحاف (3)، فتتساقط الأخبار من الطرفين، فيبقى الحكم في الموردين
خاليا عن المستند.
وأصالة عدم تعلق أحكام الحائض توجب عدم الحيضية فيهما كما هو
مقتضى القول الأول، فهو الأقرب إلا في أيام الاستظهار الثابت للحبلى بموثقة
سماعة، المتقدمة (4) وما بينها وبين العشرة في صورة عدم التجاوز، فيحكم
بالحيضية كما في غير الحبلى، لاستصحابها.
وتوهم إيجابه خرق المركب فاسد، لأنه في أمثال المقام غير ثابت.
هذا في المعتادة، وأما غيرها فالمناط فيه الأوصاف. فالمتصف حيض؟

(1) انظر الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4.
(2) انظر الوسائل 2: 281 أبواب الحيض ب 5.
(3) المتقدمتان ص 405.
(4) المتقدمتان ص 405.
407

لأخبار اعتبارها مطلقا أو في خصوص الحبلى، مضافة إلى عمومات الاجتماع،
الخالية جميعا عن المعارض. وغيره ليس بحيض، للأخبار النافية لحيضيته
المخصصة لعمومات الاجتماع، فتأمل.
المسألة الثالثة: اختلفوا بعد اتفاقهم على أن الأصل في كل دم اتصف
بصفة الحيض أو وجد في أيام العادة كونه حيضا - كما هو مدلول المستفيضة
المعتبرة - في غيرهما.
فالمشهور: أن كل دم يمكن شرعا - أي لا يمتنع بحكم الشارع - أن يكون
حيضا فهو حيض، بل في المعتبر، والمنتهى، وشرح القواعد للمحقق الثاني (1)
الاجماع عليه.
للاجماعات المنقولة. وأصالة عدم كونه من قرح ومثله.
وحسنة ابن مسلم وموثقته، المتقدمتين (2)، فإنهما شاملتان لجميع الدماء
سوى ما ترى في الأيام الزائدة على العشرة الأولى والناقصة عن عشرة الطهر، وهو
مما يمتنع كونه حيضا.
وما دل على أن الدم مطلقا - قبل وقت الحيض كذلك (3) كموثقة سماعة (4)،
أو الصفرة قبله كذلك كرواية علي بن أبي حمزة (5) وغيرها، أو بيومين كصحيحة ابن
حكيم (6) وغيرها - حيض.

(1) المعتبر 1: 203، المنتهى 1: 98، جامع المقاصد 1: 288.
(2) ص 392.
(3) أي مطلقا - بلحاظ عدد الأيام -.
(4) الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 2، التهذيب 1: 58 1 / 53 4 الوسائل 2: 300 أبواب الحيض
ب 13 ح 1.
(5) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 4، التهذيب 1: 396 / 232 1، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض
ب 4 ح 5.
(6) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 5، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 6.
408

وما دل على ترتب أحكام الحائض على مجرد رؤية الدم كصحيحة ابن حازم
" أي ساعة ترى الدم فهي تفطر " (1).
وموثقة محمد: في المرأة ترى الدم من أول النهار في شهر رمضان أتفطر أم
تصوم؟ قال: (تفطر إنما فطرها من الدم " (2).
ورواية أبي الورد. عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلت ركعتين
ثم ترى الدم، قال: " تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين " (3) الحديث. وفي
معناها أحاديث عديدة.
وفحوى أخبار الاستظهار لذات العادة إذا رأت ما زاد عليها (4) الشامل
لغيرها بطريق أولى.
ولأنه لو لم يعتبر الامكان لم يحكم بحيض؟ إذ لا تعين، والصفات إنما تعتبر
عند الحاجة إليها لا مطلقا.
ويؤيده ثبوت الحكم في كثير من جزئيات موارد الامكان، كما في حال الحمل
والتمييز وأيام العادة وغيرها.
خلافا للناصريات، والسرائر، ونهاية الإحكام (5)، والأردبيلي،
والمدارك 6)، فصرحوا بأن الصفرة في أيام الطهر طهر، وظاهر الأول الاجماع عليه.
للأصل، واستصحاب لوازم الطهر، وعمومات العبادة.

(1) التهذيب 1: 4 39 / 218 1، الإستبصار 1: 6 14 / 499، الوسائل 10: 229 أبواب من يصح
منه الصوم ب 25 ح 4.
(2) التهذيب 1: 53 1 / 435، الوسائل 2: 367 أبواب الحيض ب 50 ح 7.
(3) الكافي 3: 3 10 الحيض ب 15 ح 5، التهذيب 1: 2 39 / 1210 الإستبصار 1: 4 4 1 / 5 9 4،
الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 3.
(4) انظر الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 190، السرائر 1: 146، نهاية الإحكام 1: 145.
(6) مجمع الفائدة 1: 146 المدارك 2: 8.
409

ومرسلة يونس وفيها: " وكل ما رأته بعد أيام حيضها فليس من الحيض " (6).
وصحيحة محمد وفيها: " وإن رأت الصفرة في غير أيامها توضأت
وصلت، (2).
وصحيحة البجلي. عن امرأة نفست فمكثت ثلاثين يوما أو أكثر، ثم
طهرت وصلت، ثم رأت دما أو صفرة، قال: " إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصل
ولا تمسك عن الصلاة " (3).
وفي موثقة الجعفي: " وإن رأت صفرة بعد انقضاء أيام قرئها صلت " (4).
وما مر من الأخبار الدالة على انتفاء الحيضية بانتفاء الأوصاف (5).
والمروي في قرب الإسناد والمسائل: " ولا غسل عليها من صفرة تراها إلا في
أيام طمثها " (6).
وفي دعائم الاسلام: " في المرأة ترى الدم أيام طهرها إن كان دم الحيض
فهو بمنزلة الحائض وعليها منه الغسل، وإن كان دما رقيقا فتلك ركضة من
الشيطان تتوضأ وتصلي ويأتيها زوجها (7).
وهو الحق لما ذكر.
ويجاب عن أدلة المخالف:

(1) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 57 1 / 2 5 4 الوسائل 2: 279 أبواب الحيض
ب 4 ح 3.
(2) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 1، التهذيب 1: 396 / 230 1، الوسائل 2: 278 أبواب الحيض
ب 4 ح 1.
(3) الكافي 3: 100 الحيض ب 3 1 ح 2، الوسائل 2: 393 أبواب النفاس ب 5 ح 2.
(4) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 3، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 4.
(5) ص 383، 4 38.
(6) قرب الإسناد: 5 2 2 / 880، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 8، مسائل علي بن جعفر
نقل عنها في البحار 78: 86 / 7.
(7) دعائم الاسلام 1: 27 1، المستدرك 2: 43، أبواب الاستحاضة ب 1 ح 2.
410

أما عن الأول: فبعدم حجية الاجماع المنقول سيما مع مخالفة هؤلاء
الفحول، على أنهم لم يدعوه إلا على حيضية ما يمكن أن يكون حيضا أي شرعا،
والامكان في أيام الطهر مع عدم الوصف ممنوع جدا، كيف وقد وردت النصوص
على عدم حيضيته.
وأما عن الثاني: فبمعارضته بأصالة عدم كونه حيضا، وكون الأصل في
دماء النساء الحيضية ممنوع، وخلقه فيهن لغذاء الولد لا يوجبه، فإن الخلق غير
القذف، والدماء الأخر موجودة فيهن أيضا.
وأما عن الثالث - فمع أن دلالته إنما هي على تقدير كونه بيانا للحيضية،
وأما إذا كان المراد بيان الأولية والثانوية كما عليه حمله الأكثر كما مر فلا يدل إلا على
بعض الموارد الجزئية - أنها عامة بالنسبة إلى ما ذكر، فيجب تخصيصه به.
وبه يجاب عن الرابع والخامس، مضافا في الأول إلى أنه إنما يتضمن الحكم
في بعض الجزئيات وهو قبل الحيض، ومع ذلك يتضمن خلافه في البعض الآخر
وهوما بعد الحيض.
وأما عن السادس: فبمنع الأولوية.
وأما عن السابع: فبمنع انتفاء اليقين الشرعي، ومنع تخصيص اعتبار
الصفات بما ذكر.
وأما عن المؤيد: فبأنه - مع كونه قياسا - يعارض بانتفاء الحكم في كثير من
الموارد الأخر، كالزائد على العادة مع التجاوز عن العشرة وفي الأقل من ثلاثة
أيام والأكثر من عشرة وغير ذلك.
المقام الثاني. في بيان أقسام النساء، والدم الذي تتحيض به كل منهن،
والذي لا تتحيض به.
وأقسامهن على ما يستفاد من أخبار الباب أربعة:
411

المبتدأة: وهي التي ابتدأت الحيض أو ابتدأها (1).
والمضطربة: وهي من لم تستقر لها عادة.
وذات العادة وهي من استقرت عادتها في الحيض وعرفتها.
والناسية: وهي التي استقرت عادتها ونسيتها.
والمبتدأة بالمعنى المذكور هي المبتدأة بالمعنى الأخص، وقد يطلق على الأولى
والثانية معا، وهي المبتدأة بالمعنى الأعم، والمضطربة على ذلك الاطلاق تطلق على
الناسية، فتجعل الأقسام ثلاثة، والأمر لفظي.
وما قيل (2) من ظهور الفائدة في رجوع القسم الثاني إلى عادة أهلها وعدمه
فاسد جدا! لعدم إناطة الحكم في النصوص بتلك الألفاظ أصلا.
نعم، الظاهر أن منشأ الاختلاف الاختلاف في اتحاد أحكام القسمين
الأولين واختلافها، فمن سمى القسمين باسم واحد نظر إلى اتحاد المضطربة
بالمعنى الأول مع المبتدأة بالمعنى الأخص فيما يتعلق بها من أحكام الباب، وهو
أولى لذلك، فتكون الأقسام الكلية المختلفة باختلافها في الأحكام ثلاثة: المبتدأة
وذات العادة والناسية.
والكلام في كل منها إما في تحيضها أو في قدر حيضها ووقته.
القسم الأول: المبتدأة الشاملة لمن كان ابتداء حيضها أو بعده قبل استقرار
العادة، وقد عرفت أن الكلام فيها إما في تحيضها أو في قدره فهاهنا موضعان:
الموضع الأول: في بيان تحيضها يعني الحكم بكون دمها حيضا.
فنقول: إن المبتدأة بالمعنى الأعم إذا رأت الدم ففي تحيضها بمجرد الرؤية
مطلقا فتترك العبادة، أو استظهارها بفعلها حتى يستمر إلى الثلاثة فتتحيض

(1) أي ابتدأها الحيض، فعلى الأول تصير المبتدأة اسم فاعل وتكسر الدال، وعلى الثاني اسم مفعول،
كما في الحدائق 3: 187 وغيره.
(2) كما في الرياض 1: 38.
412

كذلك، أو الأول مع كون الدم بصفة الحيض خاصة، أقوال:
الأول عن المبسوط، والاصباح، والجامع، وظاهر المقنعة، ونهاية
الشيخ (1)، والوسيلة، والذكرى (2)، ونسب إلى المنتهى، والمختلف، ونهاية
الإحكام (3)، وكلماتها تحتمله.
لأصالة عدم الآفة، وقاعدة ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض، وعموم
النصوص المستفيضة في التحيض بمجرد رؤية الدم (4) الناشئ عن ترك
الاستفصال في أكثرها، وخصوص بعضها في أول من تحيض (5)، والأخبار الدالة
على التحيض برؤية الدم المتصف (6) بضميمة عدم الفصل.
والثاني للسرائر، والمعتبر (7)، وعن السيد (8)، والإسكافي (9)، والديلمي (10)،
والحلبي (11) بل الشرائع، والنافع، والقواعد، والدروس، والبيان (2 1)، وإن احتاط
في الأخيرين في تعلق التروك بمجرد الرؤية.
لعمومات أوامر العبادة، فلا تسقط إلا باليقين.

(1) المبسوط 1: 2 4، الجامع: 42 المقنعة: 4 5، النهاية: 26.
(2) الوسيلة: 57، الذكرى: 29.
(3) نسبه في كشف اللثام 1: 96، انظر المنتهى 1: 109، المختلف 1: 37، نهاية الإحكام 1:
118.
(4) انظر ص 08 4، 9 40.
(5) كموثقة سماعة الآتية في ص 18 4.
(6)) انظر ص 381.
(7) السرائر 1: 146، المعتبر 1: 13 2.
(8) حكى عنه في المعتبر 1: 213
(9) حكى عنه في جامع المقاصد 1: 330.
(10) حكى عنه الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط) ولم نعثر عليه في المراسم.
(11) الكافي: 128.
(2 1) الشرائع 1: 2 3، النافع: 10، القواعد 1: 6 1، الدروس: 1: 97، البيان: 64.
413

والثالث للمدارك والذخيرة (1)، لأخبار التمييز الدالة منطوقا أو مفهوما على
أن ما ليس بصفة الحيض فليس بحيض، وأن ما تراه في اليوم واليومين إن لم يكن دما
عبيطا تصلي ذينك اليومين كما مر (2)، ومفهوم قوله: " إذا رأت الدم البحراني فلتدع
الصلاة " (3).
وهو الحق لما ذكر.
ويجاب عن دليل الأول، أما عن الأصل. فبمنعه. وأما عن القاعدة:
فبمنعها. وأما عن العمومات: فبوجوب تخصيصها بأخبار التمييز لأخصيتها، مع
أن في بعضها ذكر رؤية الحيض والطمث وعوده، وصدقه في المورد ممنوع.
وأما عن الخصوصات المذكورة: فبعدم دلالتها؟ لمنع صدق من تحيض ما
لم يستمر دمها إلى الثلاثة أو كان بالصفة، مع أنه لو سلم لتعارضت مع أخبار
التمييز بالعموم من وجه، فتتساقطان، يرجع إلى أصالة عدم سقوط العبادات.
وعن الأخير: بمنع عدم الفصل.
مع أنه قد ادعى في المدارك كون محل النزاع هو الدم المتصف بالأوصاف لا
غيره، وهو الظاهر من المنتهى (4) حيث إنه بعد ما اختار قول الشيخ احتج بأخبار
التمييز، وبأن الاحتياط لو كان معتبرا في المبتدأة لكان كذلك في ذات العادة
لعدم الفارق.
ثم أجاب عن إبداء الفارق بوجود الظن في الثاني دون محل النزاع بوجود
الظن فيه أيضا، لأن المظنون أن المرأة البالغة إذا رأت ما هو بصفة الحيض أنه
حيض، وهذا كالصريح في كون محل النزاع هو الدم المتصف.

(1) المدارك: 328، الذخيرة: 4 6.
(2) ص 381.
(3) تقدم ص 382.
(4) المنتهى 1: 109.
414

ومنه يظهر أنه الظاهر من المختلف (1) أيضا؟ لأنه صرح فيه بأن مختاره فيه
كما اختاره في المنتهى، ولذا نسب في المدارك إليه التصريح باختصاص محل
النزاع (2).
والقول بأن الاحتجاج بالدليل الأخص لا يخصص الدعوى العامة، إذ
لعله لدفع مذهب الخصم وتتميم المطلوب بعدم الفصل (3)؟ مقدوح: بأنه خلاف
الظاهر، مع أن وجه ظهور كلامه في الاختصاص لا يختص بذلك بل بعده ما
يؤيده ظهورا كما ذكرنا.
واستدلاله بقاعدة ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض غير ضائر؟ إذ
الشأن في تعيين ما يمكن عنده، ولعله لا يرى غير المتصف من الأفراد الممكنة،
سيما مع تعريفه دم الحيض بأنه دم متصف بكذا وكذا.
ومنه يظهر إمكان أن يكون الوجه في عدم التقييد أولا هو الاتكال على ما
عرفوا به دم الحيض، بل يظهر احتمال وجه لعدم تقييد أكثرهم العنوان بالمتصف
أيضا، حيث إنهم عرفوا أولا دم الحيض مطلقا أو مقيدا بالأغلب بذلك.
ثم لو سلمنا عدم الظهور في الاختصاص فلا شك في الاحتمال. وبه يبطل
الاجماع المركب الذي ادعوه.
نعم، ظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد (4) الاجماع على عدم الفرق،
ولكنه غير صالح لاثبات الاجماع! لعدم حجيته.
ثم بما ذكرنا ظهر الجواب عن دليل الثاني أيضا.
ثم على المختار من عدم تحيضها برؤية الدم الغير المتصف هل تتحيض إذا
استمر ذلك الدم ثلاثة أيام أم لا؟

(1) المختلف 1: 37.
(2) المدارك 1: 328.
(3) قاله في شرح المفاتيح (مخطوط).
(4) جامع المقاصد 1: 330.
415

صرح بالأول الديلمي (1) " والحلي، والمنتهى (2)، مدعيا عليه في الأخير أنه
مذهب علمائنا أجمع، فإن ثبت فهو، وإلا ففيه تأمل.
وظاهر المحكي عن المقنع، والمقنعة (3): عدم كون الصفرة والكدرة حينئذ
حيضا، حيث حكما بالاستبراء مع رؤيتهما.
الموضع الثاني: في قدر حيضها ووقته بعد الحكم بكونها حائضا، ونبين هذا
الموضع في مسائل:
المسألة الأولى: إذا حكم بكونها حائضا إما برؤيتها الدم المتصف، أو
بالاستمرار إلى الثلاثة إن قلنا بالحيضية معه فيحكم بكون المرئي حيضا إن لم
يتجاوز العشرة ولو لم يتصف بالصفة.
لاستصحاب الحيضية. وموثقة سماعة: عن الجارية البكر أول ما تحيض،
إلى أن قال: " فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز
العشرة " (4).
وموثقتي ابن بكير:
أولاهما: " المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر الدم تركت الصلاة
عشرة أيام " (5).
والأخرى: في الجارية أول ما تحيض يدفع عنها الدم فتكون مستحاضة
أنها تنتظر بالصلاة فلا تصلي حتى يمضي أكثر ما يكون من الحيض، فإذا مضى

(1) نقله عنه في المدارك 1: 329 ولم نعثر عليه في المراسم.
(2) السرائر 1: 146، المنتهى 1: 100.
(3) المقنع 15، ولم نعثر عليه في المقنعة.
(4) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 1، التهذيب 1: 380 / 1178، الوسائل 2: 4 30 أبواب الحيض
ب 14 ح 1.
(5) التهذيب 1: 381 / 1182، الإستبصار 1: 137 / 469، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض
: ب 8 ح 6.
416

ذلك وهو عشرة أيام فعلت ما تفعله المستحاضة " (1).
وحسنة محمد وموثقته المتقدمتين (2).
ولا تضر معارضة أخبار التمييز مع تلك الأخبار، لموافقة الاستصحاب مع
هذه.
وفي حكم الدم: النقاء المتخلل بين الدمين في العشرة الغير المتجاوز عنها،
بإجماع جميع فقهائنا، كما صرح به بعض مشايخنا المحققين، بل جمع آخر منهم
والدي العلامة رحمه الله لاستصحاب الحيضية، وعدم كون الطهر مطلقا أقل
من العشرة، كما مر (3).
الثانية: لو انقطع دمها بعد الثلاثة فما فوقها، ولم تر حتى مضى أقل الطهر
من الانقطاع ثم رأته يحكم بالحيضية المستقلة مع الصفات، لا بدونها إلا إذا
استمر ثلاثة أيام إن قلنا بالاجماع على حيضيته.
والأكثر حكموا بالحيضية مطلقا لبعض الأخبار (4) المعارضة بروايات
التمييز؟ وللبناء على أن ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض.
وقد عرفت ما فيه (5).
الثالثة: إذا تجاوز دمها العشرة، فإن كان لها تمييز رجعت إليه على الحق
المشهور، بل عليه الاجماع في المعتبر، والتذكرة (6)، واللوامع، وعن الخلاف،

(1) التهذيب 1: 400 / 1 5 2 1، الإستبصار 1: 37 1 / 470، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض
ب 8 ح 5، وفي المصدر بدل " عنها ": عليها ".
(2) ص 382.
(3) في ص 396.
(4) كموثقة سماعة المتقدمة ص 416.
(5) في ص 413.
(6) المعتبر 1: 204، التذكرة 1: 31.
417

والمنتهى (1)، وأسنده في الكفاية إلى الأصحاب (2)، وفي الدروس إلى ظاهرهم (3)،
لأخبار اعتبار الصفات إثباتا ونفيا، ومنها الدالة عليه في خصوص استمرار
الدم (4).
وعن الصدوقين (5)، والمفيد، وابن زهرة (6): عدم التعرض للرجوع إلى
التمييز.
وعن الحلبي: رجوع المضطربة أولا إلى نسائها، فإن فقدن فإلى التمييز،
والمبتدأة إلى نسائها خاصة إلى أن تستقر لها عادة (7).
ولا دليل يعتد به لشئ منها يصلح لمعارضة أخبار التمييز.
وأما موثقة سماعة: عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر
وهي لا تعرف أيام أقرائها، قال: أقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كانت نساؤها
مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام " (8) الدالة بظاهرها على رجوع
المبتدأة إلى النساء أولا.
ففيها. منع تلك الدلالة، إذ السؤال إنما هو عمن لا تعرف أقراءها، ولا
نسلم أن صاحبة التمييز لا تعرفها، فهي واردة في غير ذات التمييز.
وظاهر الكفاية (9) التردد بين الرجوع إلى التمييز وبين الرجوع إلى الأيام

(1) الخلاف 1: 230، المنتهى 1: 104.
(2) الكفاية 4.
(3) الدروس 1: 98.
(4) راجع ص 381 من الكتاب.
(5) الفقيه 1: 50 نقل فيه عن والده، المقنع 1: 15.
(6) المقنعة:، 54 الغنية (الجوامع الفقهية) 550.
(7) الكافي: 128.
(8) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 3، التهذيب 1: 380 / 181 1، الإستبصار 1: 138 / 71 4،
الوسائل 2: 288 أبواب الحيض ب 8 ح 2.
(9) الكفاية: 4.
418

الذي هو شأنها حين فقد التمييز والنساء.
بل ظاهر بعض مشايخنا الأخباريين (1) ترجيح الثاني لقوله في مرسلة
يونس، الطويلة: وأما السنة الثالثة فهي التي ليست لها أيام متقدمة ولم تر الدم
قط ورأت أول ما أدركت واستمر بها، فإن سنة هذه غير سنة الأولى - والثانية،
وذلك أن امرأة يقال لها حمنة بنت جحش أتت رسول الله صلى الله عليه وآله،
فقالت: إني استحضت حيضة شديدة) إلى أن قال: (تحيضي في كل شهر في، علم
الله ستة أيام أو سبعة " (2) الخبر.
وموثقة سماعة، المتقدمة (3)، وموثقة ابن بكير:
أحدهما: " المرأة إذا رأت الدم في أول حيضها فاستمر تركت الصلاة عشرة
أيام، ثم تصلي عشرين يوما، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة
أيام وصلت سبعة وعشرين يوما " (4). وبمضمونها الأخرى (5).
ويجاب عنها. بأنها معارضة لاطلاقات التمييز بالعموم من وجه. والترجيح
للاطلاقات لأشهريتها رواية وفتوى، وأصحيتها سندا، واعتضادها بالاجماعات
المستفيضة نقلا.
هذا، مع ما في المرسلة من اختصاصها بفاقدة التمييز التي هي غير المسألة،
كما يدل عليه قوله في آخرها: " وإن لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها

(1) الحدائق 3: 194.
(2) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 831 / 38 1 1، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض
ب 8 ح 3.
(3) ص 418.
(4) التهذيب 1: 381 / 1182، الإستبصار 1: 137 / 69 4، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض
ب 8 ح 6.
(5) التهذيب 1: 400 / 1 5 2 1، الإستبصار 1: 37 1 / 70 4، الوسائل 2: 291 أبواب الحيض
ب 8 ح 5.
419

فلم تزل الاستحاضة دائرة وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة، فسنتها
السبع، والثلاث والعشرون، لأن قصتها قصة حمنة " الحديث.
وما في الموثقة من عدم المنافاة، إذ مع الرجوع إلى التمييز يكون أيضا أكثر
الجلوس عشرة وأقله ثلاثة.
وما في الأخيرتين من عدم الحجية، لعدم عامل بمضمونها بخصوصه ولو في
فاقدة التمييز أيضا كما يأتي، مع أن ثانيتهما ليست مروية عن إمام.
ثم إنه يتوقف حصول التمييز على أمور:
الأول: أن لا ينقص المشابه للحيض عن الثلاثة مع تواليها ولا يزيد على
العشرة، لعموم ما دل على اعتبار الأمرين في الحيض.
وليس في إطلاق ما دل على اعتبار الصفات مخالفة لذلك! لورودها في بيان
الوصف دون المقدار. وعلى فرض المخالفة ظاهرا يجب تقييده بما دل على
اعتبارهما لظاهر الاجماع.
وبه يجاب عما في رواية يونس من أن المختلطة عليها أيامها تعرفها بالدم ما
كان من قليل الأيام وكثيرها.
ولو قطع النظر عن الاجماع ووجوب التقييد يحصل التعارض فيرجع إلى
الأصل، ولا شك أنه مع عدم التحيض، لعمومات العبادة وأصالة عدم تعلق
أحكام الحيض بها.
فتوهم عدم اعتبار هذا الشرط - كبعض مشايخنا الأخباريين (1)، ونقله
والدي - رحمه الله - في اللوامع عن ظاهر المبسوط (2) - لا وجه له، فلا تمييز
لفاقدته.
وهل تتحيض ببعض ما زاد على العشرة مما يمكن جعله حيضا وبالناقص مع

(1) الحدائق 3. 195.
(2) لاحظ المبسوط 1: 43، 4 4.
420

إكماله بما في الروايات، أم لا بل يتعين الرجوع إلى النساء أو الروايات؟ فيه قولان:
من عموم أدلة التمييز، وعموم الرجوع إلى الأمرين. والاحتياط لا يترك.
الثاني. عدم قصور الخالي عن الوصف المحكوم بكونه طهرا أو مع النقاء
المتخلل عن أقل الطهر على الحق المشهور، بل قال بعض الأجلة (1): إنه لا خلاف
فيه لاطلاق أن أقل الطهر عشرة.
ولا يضره إطلاق أخبار التمييز للرجوع إلى أصالة عدم الحيضية بعد
تعارضهما. ولا الأخبار الدالة على جعل النقاء المتخلل الأقل من عشرة متكررا بين
الدماء المتكررة طهرا (2)؟ لخروجها عن مورد المسألة الذي هو تفاوت الدمين
بالأوصاف، مع أنه قد مر الجواب عنها في مسألة أقل الطهر، فلا يجعل كل من
الدمين المتخلل بينهما ذلك حيضا.
نعم، وقع الخلاف - فيما إذا تخلل الضعيف الأقل من العشرة القوي الصالح
للحيضية في كل من الطرفين - في أنه هل يجعل المجموع من الضعيف حيضا مع
إمكانه، وأحدهما خاصة مع عدم الامكان، أو يحكم بفقد التمييز؟
فعن المبسوط (3) أنها لو رأت ثلاثة دم الحيض وثلاثة دم الاستحاضة ثم رأت
بصفة الحيض تمام العشرة فالكل حيض، وإن تجاوز الثالث إلى تمام ستة عشر كان
العشرة حيضا والستة السابقة استحاضة.
ولعله - كما قيل (4) - نظر إلى أن دم الاستحاضة لما خرج عن كونه حيضا
خرج ما قبله أيضا.
ويضعف بإمكان القول بمثله فيما بعده أيضا، فتخصيص القبل ترجيح بلا
مرجح.

(1) الفاضل الهندي (منه رحمه الله) كشف اللثام 1: 88.
(2) انظر الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6.
(3) المبسوط 1: 50.
(4) الريا ض 1: 38.
421

ومنه يظهر ضعف العكس وجعل المتقدم حيضا كما عن بعضهم (1).
ولهذا استحسن المحقق نفي التمييز حينئذ (2).
واستقربه في الذكرى (3). وهو الأقرب، لوضوح تقييد أخبار التمييز
بالامكان، وهو هنا غير ممكن في كل أيامه، وتخصيص البعض ترجيح بلا مرجح،
بل الظاهر منها الامكان في الكل. وعن المنتهى والتحرير: التردد (4).
الثالث: اختلاف الدم في الصفات المعتبرة في الحيض، المتقدمة، من
السواد والحرارة والدفع والحرقة، فيجعل ما بصفة الحيض حيضا والباقي استحاضة
وكذا الكثرة كما يصرح بها في مرسلة (5) يونس - الطويلة - في تفسير قوله.
(البحراني).
وأما إلحاق الغلظة والنتن بها فقد عرفت أنه لا دليل عليهما سوى بعض
الأخبار الضعيفة الغير الصالحة للحجية.
وقد يدعى فيهما شهادة التجربة، ولا يستفاد منها لو سلمت سوى المظنة،
واعتبارها في المقام خال، عن الحجة، كما أن التخصيص هنا باللون - كما في بعض
كتب الجماعة (6) - لا وجه له.
ولا تمييز لفاقدة الصفات المذكورة، كما لا تمييز لواجدتها فقط للحيض أو
الاستحاضة في المتساوية منها قوة وضعفا إجماعا، بل وكذا في المختلفة بالقوة
والضعف فقط بعد اتحاد الصفة المنصوصة عرفا على الأصح، فلا تمييز لواجدة

(1) الرياض 1: 38.
(2) المعتبر 1: 206.
(3) لم نعثر عليه ولعله مصحف: التذكرة فإن القول موجود فيها 1: 31 كما نقل عنها في الرياض
أيضا.
(4) المنتهى 1: 105، التحرير 1: 14.
(5) تقدم مصدرها في ص 419.
(6) كما في التذكرة 1: 31.
422

المختلف بالسواد الشديد وغير الشديد، بل ولا بالسواد والحمرة ولا بالحار والأقل
حرارة خلافا لجماعة (1) فحكموا بالتمييز.
ومنه يظهر أنه لو رأت عشرة أحمر ثم عشرة أسود ثم عشرة أشد سوادا، لم
يكن له تمييز، لكون الجميع بصفة الحيض.
وقد يحكم فيها بالجلوس عن العبادة تمام الشهر للانتقال إلى الأقوى في
كل عشرة. وليس بشئ، لما مر.
وكذا لا تمييز لواجدة المتصف ببعض صفات أحدهما لدلالة أخبار التمييز
على اعتبار الكل.
نعم، لو وجدت البعض متصفا بجميع صفات الحيض والآخر ببعض
صفات الاستحاضة فهي في الحيض ذات تمييز.
وكذا لو وجدت البعض متصفا بصفات الحيض، وبعضا آخر بصفاته أيضا
ولكن بأضعف من الأولى، وثالثا بصفات الاستحاضة، كان الأولان حيضا
مجموعا إذا استجمعا سائر الشرائط.
الرابعة: إذا فقد التمييز للمبتدأة، رجعت إلى عادة نسائها بلا خلاف
ظاهر، بل عليه الاجماع في كلام بعض الأكابر (2)، وعن المعتبر اتفاق الأعيان من
فضلائنا عليه (3)، وفي اللوامع صرح باتفاق الكل عليه، وفي المدارك أنه المعروف
من مذهب الأصحاب (4).
لموثقة سماعة، المتقدمة (5) التي هي حجة بنفسها، وباعتضادها بما مر،

(1) كما في جامع المقاصد 1: 297، والروضة 1: 103، والمدارك 2: 15.
(2) الخلاف 1: 234، وفي التذكرة 1: 31: ذهب إليه علماؤنا.
(3) المعتبر 1: 208.
(4) المدارك 2: 6 1.
(5) ص 418.
423

وبدعوى الخلاف إجماع الفرقة على صحتها (1).
وموثقة أبي بصير: في النفساء إذا ابتليت به بأيام كثيرة (إلى أن قال: (إن
كانت لا تعرف أيام نفاسها فابتليت، جلست بمثل أيام أمها أو أختها أو
خالتها " (2).
والأخيرة شاملة للمبتدأة بقسميها، فهي الحجة في المضطربة وإن احتاجت
في تتميم جميع ما يتعلق بها إلى الاجماع المركب.
ولا يضر في المسألة إطلاق المرسلة - الطويلة - في رجوع المبتدأة إلى الأيام
أولا، لكونها أعم من الموثقة الأولى مطلقا باعتبار وجود النساء واتفاقهن وعدمهما،
فيجب تقييدها بها. مع أنه قد حملها الشهيد على ما لا ينافي الموثقة (3). ولكنه بعيد
جدا.
ثم صريح الأولى - كفتاوى الجماعة - اختصاص الرجوع إلى النساء بصورة
اتفاقهن في العادة. وهو كذلك، لذلك.
ولا تضرها موثقة زرارة ومحمد: " المستحاضة تنظر بعض نسائها فتقتدي
بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم " (4) حيث عمت صورة الاختلاف أيضا لأنها
أعم مطلقا.
وتوهم اختصاص الأخيرة بالاختلاف لمكان الأمر بالنظر إلى البعض،
ضعيف لأن مع الاتفاق أيضا يكون الاقتداء بكل بعض. مع أنها أعم أيضا
من حيث شمولها لغير المبتدأة أيضا.. مضافا إلى أنها لو خصت بصورة الاختلاف

(1) الخلاف 1: 234.
(2) التهذيب 1: 403 / 1262، الوسائل 2: 389 أبواب النفاس ب 3 ح 20.
(3) قال الشهيد. معنى: وتحيضي في كل - شهر في علم الله ستة أو سبعة " فيما علمك الله من عادات
النساء فإنه الغالب عليهن (منه رحمه الله) الذكرى: 30.
(4) التهذيب 1: 1: 401 / 52 2 1، الإستبصار 1: 38 1 / 72 4، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض
ب 8 ح 1.
424

خرجت عن صلاحية المعارضة؟ لصيرورتها شاذة، لعدم قائل بمضمونها، كما
صرح به جماعة (1).
ومنه يظهر عدم مضرة موثقة أبي بصير أيضا، مع أنها شاملة لصورة
الاختصاص بوجود إحدى من ذكر فيها وعدم وجود غيرها.
نعم، مقتض موثقة سماعة: الرجوع إلى الجميع مع العلم باتفاقهن إذ
حينئذ يمكن جعل أقرائها مثل أقرائها، وإلى الأيام مع العلم باختلافهن ولو بعد
الفحص في الصورتين.
أما لو لم يعلم الاتفاق ولا الاختلاف ولم يتمكن من الاستعلام، كأن تكون
بعضهن أمواتا أو في بلاد بعيدة، وكانت المعلومات حالهن متفقات حتى يصدق
عدم العلم بالاختلاف، فالظاهر الاكتفاء بهذا البعض المعلوم بمقتضى الموثقتين
الأخيرتين الخاليتين عن المعارض في المقام، بل قيل: إن المراد من الأولى أيضا
النساء الأحياء المتمكن من استعلام حالهن أو الموجودات في بلدها (2).
وتدخل في نسائها أقاربها من الأبوين أو أحدهما إجماعا وعرفا، دون غيرهن
وإن تلبست بضرب من الملابسة وكفى أدناها في الإضافة لأن كفايته مصححة
للإضافة لا معينة لإرادة كل ملابس.
ومقتضى عموم النص. عدم اشتراط الحياة في الأقارب ولا التساوي في
السن ولا الاتحاد في البلد.
خلافا لظاهر الذكرى (3) في الأخير، فاعتبره لظهور تأثير الاختلاف في البلد
في مخالفة الأمزجة. وهو اجتهاد في مقابلة النص. ولعدم تبادر غير المتحد منه
وهو مردود بلزوم تبادر المتحد في التخصيص، وهو منتف.
وهل يختص الرجوع - حين فقد التمييز - بنسائها؟ كما عن المعتبر والمنتهى (4)

(1) كما المدارك 2: 117، والحدائق 3: 300، والرياض 1: 39.
(2) الذكرى 31.
(3) الذكرى 31.
(4) المعتبر 1: 207، المنتهى 1: 100، 101.
425

وغيرهما.
أو يجوز لها الرجوع مع وجود النساء واتفاقهن إلى أقرانها وذوات أسنانها
أيضا؟ إما مطلقا، كما في النافع (1) وعن التلخيص، أو بشرط كونهن من أهل
بلدها، كما نقله في الشرائع (2) وعزاه في المدارك إلى المبسوط (3) وجمع من
الأصحاب.
أو يجوز لها ذلك مع فقد النساء خاصة مطلقا كما عن المهذب، والتحرير،
والتبصرة (4)، وجمل الشيخ، واقتصاده (5)، والسرائر (6)، أو بشرط اتحاد البلد، كما
عن الوسيلة (7)، أو مع اختلافهن أيضا مطلقا، كما عن القواعد، والارشاد، ونهاية
الإحكام (8)، أو بشرط اتحاد البلد، كما عن الإصباح.
الحق هو الأول، لعدم دليل معتد به على الرجوع إليهن مطلقا.
ودعوى الظن بمشابهتها مع الأقران في الأقراء ممنوعة. ولو سلمت فاعتباره
غير مسلم.
والاستدلال بلفظ نسائها " باعتبار كفاية أدنى الملابسة فاسد، كما مر.
والتمسك باستفادة توزيع أيام الأقراء على الأعمار في المرسل المصرح بأن
المرأة أول ما تحيض تكون كثيرة الدم وكلما كبرت نقص الدم (9) ضعيف، لعدم

(1) المختصر النافع: 9.
(2) الشرائع 1: 32.
(3) المدارك 2: 17، المبسوط 1: 46.
(4) المهذب 1: 37، التحرير 1: 4 1، التبصرة: 9.
(5) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 63 1، الإقتصاد: 47 2.
(6) السرائر 1: 146.
(7) الوسيلة: 59.
(8) القواعد 1: 4 1، الإرشاد 1: 226، نهاية الإحكام 1: 37 1.
(9) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 57 1 / 2 5 4، الوسائل 2: 294 أبواب الحيض
ب 10 ح 4.
426

دلالته على تساوي النساء في النقص بتساوي ازدياد السن.
الخامسة: إذا فقدت الأقارب لها أو اختلفن - وإن اتفقن منهن الأغلب على
الأقرب (1) - تحيضت بالسبعة في كل شهر على الأصح، وفاقا للمحكي عن ظاهر
النهاية (2) في اللوامع، وعن الجمل والاقتصاد (3) في كلام بعض الأجلة، وعن
غيرهم أيضا في كلام بعض آخر (4).
لقوله عليه السلام في مرسلة يونس - الطويلة - التي هي كالصحيحة،
لوجوه عديدة: " هذه سنة التي استمر بها الدم أول ما تراه، أقصى وقتها سبع
وأقصى طهرها ثلاث وعشرون ".
وقوله عليه السلام فيها: " وإن لم تكن لها أيام قبل ذلك واستحاضت أول
ما رأت، فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون ".
وقوله في آخرها - في حق من أطبق عليها الدم ولم تعرف أياما وكانت فاقدة
للتمييز -: " فسنتها السبع والثلاث والعشرون، لأن قصتها قصة حمنة، (5).
وأما التخيير الواقع فيها أولا بقوله للمبتدأة: " تحيضي في كل شهر في علم
الله ستة أيام أو سبعة، ثم اغتسل! وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين
يوما " فلمنافاته مع تعيين السبع وجعل أقصى الطهر ثلاثا وعشرين ثانيا لا يصلح
للاستناد إليه في التخيير، بل يحمل إما على ترديد الراوي كما قيل (6)، أو على وجه
آخر.

(1) إشارة إلى خلاف الذكرى حيث ألحق اتفاق الأغلب باتفاق الجميع، فحكم فيه بالرجوع إلى
عادة الأغلب. الذكرى: 30.
(2) النهاية: 4 2.
(3) الجمل والعقود (الرسائل العشر) 163، الإقتصاد: 247.
(4) كما حكى عن القواعد في الرياض 1: 39 ولاحظ القواعد 1: 14 وتأمل.
(5) الكافي 3: 83 الحيض ب 8 ح 1، التهذيب 1: 1 83 / 38 1 1، الوسائل 2: 288 أبواب الحيض
ب 8 ح 3.
(6) الرياض 1: 39.
427

ولأجل ذلك وإن لم يمكن الاستناد في التعيين إلى قوله ثانيا أيضا وأمكن
حمله على الاكتفاء في التفصيل بأحد فردي التخيير دون الانحصار كما ذكره والدي
- رحمه الله - في اللوامع، ولكن لاتفاق الفقرتين على جواز السبع يكون جواز
التحيض بها قطعيا، وغيرها مشكوكا فيه، فينفي التعبد به بالأصل.
خلافا في المبتدأة بقسميها لكثير من علماء الفرقة، فإن لهم فيهما أقوالا
متكثرة تتجاوز عن العشرة، أكثرها عن الحجة خال بالمرة، وحجة ماله حجة منها
للاستناد غير صالحة.
كالقول بتحيضهما مطلقا بالثلاثة (1)؟ لأصالة عدم الزيادة، واستصحاب
لزوم العبادة، وأصالة الطهارة فإن جميع تلك الأصول بما مر مندفعة، ومع ذلك
باستصحاب الحيض بعد التحيض بالثلاثة معارضة.
وبتحيضها في كل شهر بالعشرة، كما ذهب إليه بعضهم (2)، أو بالتحيض
عشرة والتطهر عشرة، كما حكي عن بعض آخر (3)؟ للقاعدة التي هي على ألسنتهم
جارية من حيضية كل ما يمكن أن يكون حيضا! فإنك قد عرفت أن تلك القاعدة
غير ثابتة.
وبتحيضها بالثلاثة إلى العشرة مع أفضلية العشرة في الدور الأول والثلاثة
في غيره، ثم أفضلية السبعة أو الستة في كل دور.
اختاره والدي العلامة - رحمه الله - استنادا في الجزء الأول إلى موثقة سماعة،
المتقدمة (4). وفي الثاني إلى موثقتي ابن بكير، السابقتين (5). وفي الثالث إلى التخيير
المذكور أولا في المرسلة (6)، بحمل الأولى على الجواز، والثانية على الأفضلية لعدم

(1) المعتبر 1: 210.
(2) قد يظهر هذا من الفقيه 1: 51 كما نسبه في مفتاح الكرامة إلى مذهب الصدوق وظاهر السيد.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، ونسبه في كشف اللثام 1: 89 إلى موضع من المبسوط أيضا.
(4) في ص 418.
(5) في ص 419.
(6) يعني مرسلة يونس الطويلة المتقدم مصدرها ص 19 4.
428

منافاتها للأولى مع دلالتها على الرجحان، والثالثة على التخيير بينها وبين الثانية
للتعارض وعدم الترجيح، فيصار إلى التخيير مع أفضلية لصراحة الأمر.
فإن الأولى للاحتجاج غير صالحة! لاجمالها، حيث إن كون الأكثر عشرة
والأقل ثلاثة يتصور بوجوه مختلفة، كأن تتحيض في كل شهر بما شاءت من
الثلاثة، أو العشرة، أو منهما ومما بينهما، أو في شهر بالأولى وفي آخر بالثانية مخيرة
في التعيين، أو مع تعيين الأول للثلاثة والثاني للعشرة أو بالعكس، مع عدم
دلالتها على جواز التحيض بما بين العددين، بل إمكان القدح في دلالتها على
الجواز بالعددين أيضا.
والثانية شاذ " ولشهرة القدماء بل الاجماع مخالفة إذ لم ينقل من أحد من
الطائفة المصير إلى مضمونها الذي هو التحيض بالعشرة في الدور الأول وبالثلاثة
في غيره مطلقا لا معينا ولا مخيرا بين ذلك وبين غيره، فهي عن أصلها ساقطة،
ولمعارضة المرسلة غير صالحة.
والثالثة مع ما بعدها في المرسلة - كما عرفت - منافية، ومثل ذلك لا يصلح
للاستناد والحجية.
ومع ذلك كله، فلا يشمل شئ منها المضطربة، بل الكل مختص بالمعنى
الأخص من المبتدأة.
وبتحيضها بالستة أو السبعة مطلقا؟ لما ذكر مع ما فيه.
وبالثلاثة من شهر وعشرة من آخر للموثقتين. فإنهما على ذلك غير دالتين
ولا مشعرتين. إلى غير ذلك من الأقوال الخالية عن الحجة، أو المحتج لها بما يظهر
ما فيه بما ذكر.
ثم إنه صرح جماعة (1)، وحكي عن المعتبر والاصباح والمنتهى والتحرير (2):

(1) منهم صاحب المدارك 2: 21، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 90 وحكاه عن الكتب
المذكورة في المتن.
(2) المعتبر 1: 209، المنتهى 1: 102، التحرير 1: 14.
429

بأن العدد الذي تتحيض به، لها وضعه حيث شاءت من الشهر في الدور الأول
لاطلاق الأدلة وعدم الترجيح.
يعني - بعد ظهور استمرار الدم إلى آخر الشهر - لها أن تجعل الحيض أي
سبعة شاءت مثلا، فإن جعلت الأولى التي كان عليها أن تتحيض فيها قبل
ظهور الاستمرار فهو، وإلا فتقضي ما تركته فيها من الصلاة.
والظاهر أولوية جعل الأول حيضا بل تعينه، كما عن التذكرة، وظاهر
المبسوط، والجواهر (1) للمرسلة " عدت من أول ما رأت الدم الأول والثاني عشرة
أيام ثم هي مستحاضة " (2).
وأيضا: فإنها تتحيض قطعا في الأول باستمرار الدم إلى الثلاثة سيما مع
الوصف، فالانتقال عنه وتركها العبادة وقضاؤها لما تركته من الصلاة يحتاج إلى
دليل.
هذا في الدور الأول، وأما ما بعده فلا بد من اتباع النص من جعل ثلاثة
وعشرين طهرا ثم التحيض بعده، فإنها أقصى طهرها، بل طهرها تلك خاصة،
كما نص به في المرسلة (3) التي هي في الباب عمدة.
القسم الثاني: ذات العادة.
وهي التي حصلت لها العادة في وقت الحيض، أو قدره، أو فيهما.
ثم إن عدم حصول العادة - التي قد يعبر عنها بأيام الحيض أيضا - بالمرة
الواحدة عندنا مجمع عليه، واشتقاقها من العود يرشد إليه، والأصل يوافقه، وفي
ذيل المرسلة - الطويلة، كما يأتي - تصريح به، وأكثر المخالفين يوافقنا فيه.
وثبوتها بالمرتين مما لا خلاف فيه، وحكاية الاجماع من الأعيان متكررة

(1) التذكرة 1: 31، المبسوط 1: 47، جواهر الفقه: 16.
(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، التهذيب 1: 157 / 452، الوسائل 2:: 299 أبواب الحيض
ب 12 ح 2.
(3) يعني بها المرسلة الطويلة، تقدم مصدرها في ص 419.
430

عليه (1).
ودل عليه اطلاق أخبار العادة بل عموم بعضها (2)، وخصوص ما يأتي (3)
من الموثقة والمرسلة.
وفي اشتراط استقرار الطهر بتكريره مرتين متساويتين في استقرار العادة
عددا ووقتا قولان، الأقوى: العدم، للأصل، وظاهر المرسلة. وفاقا للفاضل (4)،
والروض (5)، بل الأكثر، كما ذكره والدي في اللوامع. وخلافا للذكرى (6)،
فاشترطه فيهما، وبدونه حكم باستقرار العدد دون الوقت. ولا دليل له.
وكذا لا يشترط في العددية تعدد الشهر، فتستقر برؤيته في الشهر الواحد
مرارا متساوية بينهما أقل الطهر، وفاقا للمحكي عن المبسوط، والخلاف، والمعتبر،
والذكرى، والروض (7)، لاطلاق أخبار العادة وأيام الحيض الصادق بذلك.
وظاهر الموثقة (8) وإن اقتضى نفي الاستقرار في الشهر الواحد بالمفهوم،
ولكن لتعارضه مع إطلاق قوله في المرسلة بالعموم من وجه وتساقطهما تبقى
إطلاقات أخبار العادة وأيام الحيض خالية عن المعارض.
ومنه يظهر عدم اشتراط تعدد الشهر الهلالي في استقرار الوقتية أيضا، بل
يكفي تعدده في شهر الحيض، وهو ما يمكن أن يعرض فيه حيض وطهر
صحيحان وهو ثلاثة عشر يوما، أو في غير ذلك ككل أسبوعين مثلا.

(1) لاحظ الخلاف 1: 239، التذكرة 1: 27، المدارك 1: 325.
(2) انظر الوسائل 2: أبواب الحيض ب 4، 5.
(3) في ص 432.
(4) في المنتهى 1: 103، والتذكرة 1: 27. قال. فلو رأت في شهر خمسة لا غير وفي آخر خمسة مرتين
استقرت العادة.
(5) الروض: 63.
(6) الذكرى: 28.
(7) المبسوط 1: 47، الخلاف 1: 239، المعتبر 1: 217، الذكرى: 28، الروض: 64.
(8) الآتية عن قريب.
431

وورود الشهر في الخبرين وكونه حقيقة في الهلال لا يضر لما عرفت.
وعدم إمكان تماثل الزمانين بالنسبة إلى الدمين في غير الهلالي ممنوع، فإنه
يمكن في شهر الحيض أو الأسبوع أو كل نصف من الهلالي ونحو ذلك.
ومن ذلك تظهر أيضا صحة القول باستقرار الأقل القدر المشترك من الوقت
والعدد في الأقسام الثلاثة لصدق العادة وأيام الحيض وإن لم يصدق السواء
المصرح به في الخبرين.
وكذا يظهر وجه حصول العادة بالتمييز مع استمرار الدم.
ثم إن ذات العادة - كما أشير إليه - على أنواع ثلاثة لأنها إما عددية ووقتية
أو عددية فقط، أو وقتية كذلك. واعتبار الثلاثة وإطلاق العادة وأيام الحيض
وترتب أحكامهما عليها مجمع عليه وهو الحجة في ذلك.
مضافا في الأوليين إلى موثقة سماعة، وفيها: " فإذا اتفق الشهران عدة أيام
سواء فتلك أيامها " (1).
والمرسلة (2) - الطويلة - وفيها: " فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول سواء
حتى توالت عليها حيضتان فقد علم أن ذلك صار وقتا وخلقا معروفا، فتعمل
عليه وتدع سواه " إلى أن قال: " وإنما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو
ثلاث حيض، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله، للتي تعرف أيامها: دعي
الصلاة أيام أقرائك فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنة لها فيقول " لها ": دعي
الصلاة أيام قرئك، ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان فصاعدا ".
وفي الأخيرة (3) إلى قوله عليه السلام في المرسلة: " ولو كانت تعرف أيامها ما
احتاجت (إلى معرفة) لون الدم " إلى أن قال: (فإن جهلت الأيام وعددها

(1) الكافي 3: 79 الحيض ب 4 ح 1، التهذيب 1: 380 / 1178، الوسائل 2: 304، أبواب
الحيض ب 14 ح 1.
(2) تقدم مصدرها ص 419.
(3) أي مضافا في الأخيرة - وهي الوقتية - إلى قوله عليه السلام....
432

احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم وإدباره وتغير لونه، ثم تدع الصلاة إلى
قدر ذلك " الحديث.
دلت بالمفهوم على أنه إذا عرفت الأيام وحدها أيضا لم يحتج إلى النظر إلى
لون الدم، وتمام المطلوب يثبت بالاجماع المركب.
ثم تأثير العددية إنما هو في الرجوع إليها عند عبور الدم عن العشرة،
والوقتية في الجلوس برؤية الدم.
ثم إنه قيل: إن المناط في اتحاد الوقت والعدد عدم الزيادة والنقصان والتقدم
أو التأخر بيوم تام، لا ببعضه أيضا إذ التفاوت بالبعض لازم التحقق في كل دمين
غالبا، مع أن العرف لا يعتني بمثل ذلك.
أفول: لا شك في عدم اعتناء العرف بالتفاوت القليل، فلا ينافي
الاستقرار، ولكن تحديده بمطلق بعض اليوم محل نظر فإنه لو رأت الدم أول
الطلوع من اليوم الأول من شهر وانقطع آخر السابع، ثم رأته في آخر ساعة من
الأول من الشهر الثاني بل ولو بعد زواله مطلقا وانقطع آخر سابعه ففي صدق
الاتحاد في الوقت والعدد نظر ظاهر. والأولى إحالة ذلك إلى العرف مطلقا.
ثم الكلام في كل من هذه الأنواع - كما في المبتدأة في إما في تحيضها أو في
مقدار حيضها.
فالنوع الأول، وهي: ذات العادة العددية والوقتية، فيه موضعان:
الموضع الأول. في تحيضها. ولبيانه نقول. إن ذات العادة العددية والوقتية
تتحيض وتترك العبادة برؤية الدم مطلقا وإن لم يكن بصفة الحيض إذا كانت في
وقت العادة إجماعا محققا، ومنقولا (1) مستفيضا، له، وللنصوص المستفيضة جدا،
بل المتواترة معنى.
وفي تحيضها برؤيته قبله مطلقا، أو مع كونه بالصفة، أو إلحاقها حينئذ

(1) كما نقله في الشرائع 1: 29، والتذكرة 1: 28.
433

بالمبتدأة فتستظهر بالعبادة إلى الثلاثة أو حضور الوقت، أقوال:
الأشهر الأظهر: الأول، بل قيل (1): إنه إجماع. لا لأصالة عدم الآفة كما
قيل (2) لمعارضتها مع أصالة عدم الحيض كما مر.
بل لعموم المستفيضة المصرحة بتحيض المرأة بمجرد رؤية الدم (3).
وخصوص ما دل على حيضية ما تراه ذات العادة قبل العادة مطلقا، كموثقة
سماعة: عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، قال: " فلتدع الصلاة، فإنه ربما
يعجل بها الوقت) (1).
أو الصفرة التي تراها كذلك، كرواية ابن أبي حمزة: عن المرأة ترى الصفرة
فقال: " ما كان قبل الحيض فهو من الحيض، وما كان بعد الحيض فليس منه " (5).
والرضوي: " والصفرة قبل الحيض حيض، وبعد أيام الحيض ليست من
الحيض، (6).
أو الثاني مقيدا بيومين، كصحيحة ابن حكيم: " الصفرة قبل الحيض
بيومين فهو من الحيض، وبعد أيام الحيض ليس من الحيض، وفي أيام الحيض
حيض " (7) وقريبة منها موثقة أبي بصير (8).

(1) كما ادعى في كشف اللثام 1: 90 اتفاق الأصحاب عليه.
(2) الرياض 1: 41.
(3) راجع ص 409.
(4) الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 2، التهذيب 1: 158 / 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض
ب 13 ح 1.
(5) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 4، التهذيب 1: 396 / 1232، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض
ب 4 ح 5.
(6) فقه الرضا عليه السلام: 21، المستدرك 2: 8 أبواب الحيض ب 4 ح 2.
(7) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 5، الوسائل 2: 280 أبواب الحيض ب 4 ح 6.
(8) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 2، الفقيه 1: 1 5 / 196 رواها مرسلة، التهذيب
1: 396 / 1231، الوسائل 2: 279 أبواب الحيض ب 4 ح 2.
434

وأما ما في المرسلة - الطويلة - من الدلالة على أن ذات العادة تعمل في العادة
وتدع ما سواها - كما يأتي - فلا يضر هنا، لعدم عامل به في المورد أصلا، مع أنها
أعم مطلقا من أخبار القبل فتخصص بها.
للثاني - وهو مختار صاحب المدارك (1) -: ما تقدم (2) من الأخبار الدالة على
انتفاء الحيضية بانتفاء الصفات، وعلى أن الصفرة في غير أيام الحيض ليست
بحيض كما في صحيحة محمد (3).
وأجيب عنها: بكونها أعم مطلاقا مما مر، فتخصص بها، مع أن في المرسلة
- الطويلة - دلالة على عدم رجوع ذات العادة إلى التمييز " كما يأتي.
وللثالث - وهو مذهب المسالك (4) -: ظواهر بعض الأخبار التي لا دلالة
لها، وبعض الاعتبارات الذي لا اعتناء به.
ثم إنه لا فرق فيما تراه قبلها فيما إذا كان بحيث ينتهي الدم على أول أيام
العادة، أو في أثنائها إذا كان بحيث تصدق القبلية عرفا ولم يبعد عنها بحيث لا
يقال إنه قبل العادة، ويصدق عليها تعجيل العادة كما علل به في الرواية (5).
والحاصل: أن القبل المحكوم بحيضيته هو ما يقرب العادة وكذا البعد،
وأما مطلق القبل والبعد اللغويين الصادقين على كل ما تقدم وتأخر فليس مرادا
هنا قطعا، ولذا ورد في بعض الأخبار بيوم ويومين (6) وعبر بعض الفقهاء بالقبيل
والبعيد.

(1) المدارك 1: 328.
(2) ص 382، 383.
(3) الكافي 3: 78 الحيض ب 3 ح 1، التهذيب 1: 396 / 1230 الوسائل 2: 278 أبواب الحيض
ب 4 ح 1،
(4) المسالك 1: 9.
(5) المتقدمة ص 434.
(6) انظر الوسائل 2: 541 أبواب الحيض ب 4 ح 8.
435

ومما يثبت ذلك. أنه لو أريد اللغويان، لكان كل قبل بعدا لما قبله
وبالعكس، فتتعارض الفقرتان ويلغو الحكم، وذلك قرينة واضحة على ما ذكرنا
من المراد من القبل والبعد.
وكذا تتحيض بمجرد الرؤية مطلقا إذا رأته متأخرا عن أول وقت العادة أي
في أثنائها، لصدق كونه في العادة، فتدل عليه أخبارها.
وأما لو رأته متأخرا عن آخر وقت العادة فلا شك في التحيض به مع كونه
بالوصف، للاجماع، ولأخبار التمييز، الخالية عما يصلح للمعارضة في المقام. وأما
قوله لذات العادة في المرسلة (1): " تعمل فيه - أي في وقتها - وتدع ما سواه " فإنما
يجري فيما إذا رأت في العادة أيضا حتى يصدق قوله: (تعمل فيه) وليس كذلك
المقام.
وأما ما في آخر مرسلة يونس - القصيرة -: ما رأته بعد أيام حيضها
فليس من الحيض " (2) فلا ينافيها، لجواز أن يراد بأيام حيضها هنا أيام العادة إذا
كانت فيها حائضا دون ما إذا خلت أيام العادة عن الدم، كما هو مورد المسألة
وأما بدونه (3) فادعى بعض الأجلة الاتفاق على التحيض مطلاقا الشامل
لهذه الصورة أيضا (4).
وظاهر المدارك عدمه (5). والأصل معه وإن كان مظنة الاجماع على التحيض
في صورة الاستمرار إلى الثلاثة.
وفي حكم المتأخر كل ما بعد زمان العادة ولو بكثير إذا لم تر في زمان العادة
والدليل الدليل.

(1) أي مرسلة يونس الطويلة، تقدم مصدرها ص 419. وفيه: " نعمل عليه... ".
(2) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 5، الوسائل 2: 279 أبواب الحيض ب 4 ح 3.
(3) أي بدون الوصف.
(4) كشف اللثام 1: 90.
(5) المدارك 1: 328.
436

ولو رأت في العادة وانقطع عليها ثم رأت قبل مضي أقل الطهر، لم تتحيض
به إجماعا. وكذا بعده على الأصح، لعدم كون ذلك حيضا - كما يأتي - إلا إذا كان
ذلك أيضا عادة لها.
الموضع الثاني: في قدر حيضها ووقته في كل موضع حكم بتحيضها.
وبيانه: أنها إما ترى أقل من العادة، أو مساويا له، أو أزيد منه، والأخير
إما لا يتجاوز من العشرة، أو يتجاوزها، فهنا مسائل.
المسألة الأولى: إذا انقطع دمها على العدد أو أقل منه ما لم ينقص عن
الثلاثة، فالكل حيض إجماعا، له، وللاستصحاب، والنصوص، وكذا النقاء
المتخلل بين أيامها. ولا استظهار حينئذ، وفاقا للمعظم، لمرسلة داود (1) وغيرها.
خلافا لشاذ (2) لا يعبأ به لبعض إطلاقات الاستظهار الواجب تقييده بما مر.
الثانية: لو لم ينقطع دمها على العدد، فإن كان عددها عشرة، استحاضت
في الزائد، ولم يكن عليها استظهار إجماعا وتدل عليه مرسلتا ابن المغيرة (3)
وإن كان ما دون العشرة، تستظهر وتحتاط بترك العبادة إجماعا، للنصوص
المستفيضة جدا، كالصحاح الأربع لمحمد (4)، والبزنطي (5)، وزرارة (6)، وابن

(1) الكافي 3: 90 الحيض ب 9 ح 7، الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 1.
(2) نقله في شرح المفاتيح - مخطوط - عن السرائر والموجود فيه 1491 خلافه.
(3) روى إحداهما في الكافي 3: 77 الحيض ب 3 ح 3، الوسائل 2: 295 أبواب الحيض ب 10 ح 5
وأخراهما في التهذيب 1: 172 / 493، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض ب 13 ح 11.
(4) المعتبر 1: 215، الوسائل 2: 304 أبواب الحيض ب 13 ح 15.
(5) التهذيب 1: 171 / 489، الإستبصار 1: 149 / 514، الوسائل 2: 302 أبواب الحيض
ب 13 ح 9.
(6) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 4، التهذيب 1: 173 / 496، الوسائل 2: 373 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 5.
437

عمرو (1)، والموثقات السبع لسماعة (2)، وسعيد (3) وابن جرير (4)، ويونس (5)،
وزرارة (6)، والمراسيل الثلاث لابن المغيرة، وداود. وخبر زرارة (7).
بيوم واحد إن كانت عادتها تسعة أيام إجماعا، لعدم إمكان الزائد.
ومخيرة بين يوم أو يومين إن كانت ثمانية، للتصريح بالتخيير بينهما لمن تجاوز
دمه العادة مطلقا في الصحيحتين الأوليين، والموثقة الأخيرة، والخبر الأخير.
ولا ينافي ذلك ما دل على الاستظهار بثلاثة أيام، لاختصاصه بما عدا ذلك
قطعا، لعدم إمكانه. ولا ما اقتصر فيه على واحد لوجوب حمله على أحد أفراد
المخير، فإن الأصل في الحكم وجوبا كان أو استحبابا وإن كان التعيين، إلا أنه
يجب الخروج عنه مع الدليل على التخيير كما في المورد.
وبينه وبينهما وبين ثلاثة أيام إن كانت سبعة، للصحيحة الثانية. ولا ينافيها
ما اقتصر على أحد الثلاثة، لما مر.

(1) التهذيب 1: 172 / 491، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض ب 13 ح 10، وفي (ق) و " ه‍ " بدل
ابن عمرو " ابن عمير " وفي " ح " ابن أبي عمير، والصواب ما أثبتناه.
(2) له روايتان: إحداهما رواها في الكافي 3: 77 الحيض ب 2 ح 2، التهذيب 1.
158 / 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13 ح 1، والأخرى رواها في التهذيب 1:
386 / 1190، الإستبصار 1: 139 / 477، الوسائل 2: 302 أبواب الحيض ب 13 ح 6.
(3) التهذيب 1: 172 / 490، الإستبصار 1: 149 / 516، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض
ب 13 ح 8.
(4) الكافي 3: 91 الحيض ب 9 ح 3، التهذيب 1: 151 / 431، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض
ب 3 ح 3.
(5) التهذيب 1: 402 / 1259، الإستبصار 1: 149 / 516، الوسائل 2: 303 أبواب الحيض
ب 13 ح 12.
(6) له روايتان موثقتان روى إحداهما في التهذيب 1: 169 / 483، الوسائل 2: 735 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 9 والأخرى في التهذيب 1: 401 / 1253، الوسائل 2: 376 أبواب
الاستحاضة ب 1 ح 12،
(7) التهذيب 1: 402 / 1256، الوسائل 2: 304 أبواب الحيض ب 13 ح 14.
438

وبين كل من هذه الثلاثة وتمام العشرة إن كانت ستة فما دون، لدلالة
الصحيحة الثانية على التخيير بين الثلاثة مطلقا، ودلالة مرسلتي ابن المغيرة،
وموثقة يونس على تعيين تمام العشرة، وإذ لا ترجيح فالحكم التخيير، كما نطقت
به الأخبار العلاجية في التعارض.
وفاقا في الجميع للذكرى (1)، وأكثر الثالثة (2).
خلافا للمحكي عن الصدوق (3)، والشيخين (4)، والوسيلة، والشرائع،
والنافع (5)، فحكموا بالتخيير بين الأولين خاصة. وظاهر أنه في غير الأولى.
ولصاحب المدارك (6) فبين الثلاثة الأولى. وظاهر أنه في غير الأولين.
وللسيد، وعن الإسكافي (7)، والمقنعة، والجمل (8)، فحكموا بتعين تمام
العشرة مطلقا.
وحجة الجميع مع الجواب ظاهرة.
ثم ذلك الاستظهار هل هو على الوجوب؟ كما عن ظاهر الأكثر،
والسيد (9)، والاستبصار، والنهاية، والجمل، والسرائر (10)، عملا بظاهر الأوامر،
واحتياطا في العبادة حيث إن تركها على الحائض عزيمة، واستصحابا للحالة

(1) الذكرى: 29.
(2) كما قال به في المفاتيح 1: 15، والكفاية. 4، والحدائق 3: 223.
(3) قال في المنتهى 1: 103: وبه قال ابن بابويه.
(4) نقله في المنتهى عن المفيد، النهاية: 24.
(5) الوسيلة: 58، الشرائع 1: 30، النافع: 10.
(6) المدارك 1: 335.
(7) نقل عن السيد في المنتهى 1: 103. وعن الإسكافي في جامع المقاصد 1: 332.
(8) المقنعة: 55 الجمل والعقود (الرسائل العشرة): 163. قال في كشف اللثام 1: 96 وهو ظاهر
الشيخين في المقنعة والجمل لاطلاقهما صبرها حتى تنقى.
(9) كما هو ظاهر ما نقله عنه في المنتهى.
(10) الإستبصار 1: 149، النهاية: 24، الجمل والعقود (الرسائل العشرة) 163، السرائر 1: 149.
439

السابقة.
أو على الاستحباب؟ كما عن التذكرة (1) وعامة المتأخرين (2)، بل الأكثر
كما في اللوامع، التفاتا إلى أخبار الرجوع إلى العادة مطلقا والعمل فيما عداها
بالاستحاضة، كالصحاح الثلاث لأبناء عمار (3)، وسنان (4)، وأعين (5)، وموثقتي
ابن سنان (6)، وسماعة (7)، ومرسلة يونس (8)، وخبر ابن أبي يعفور (9)، وأخذا بظن
الانقطاع على العادة.
وهو الحق. لا لما ذكره لعدم التمامية. بل لانتفاء الوجوب بالأصل، وعدم
دليل عليه، لخلو جميع أخبار الاستظهار - سوى اثنين منها - عن اللفظ الدال على
الوجوب، وإنما وردت بلفظ الأخبار الغير المفيد سوى الرجحان. وأما هما
فمخرجان عن حقيقتهما التي هي الوجوب المعين قطعا، لما عرفت من ثبوت
التخيير.
وليس الحمل على الوجوب التخييري أولى من الاستحباب كذلك، حيث
إنهما من المعاني المجازية.
وكون الوجوب التخييري أقرب إلى الحقيقة لا يفيد، لعدم دليل على وجوب

(1) التذكرة 1: 29.
(2) منهم الشهيدان في الذكرى: 29، والمسالك: 9، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 332.
(3) الكافي 3: 88 الحيض ب 8 ح 2، التهذيب 1: 170 / 484، الوسائل 2: 371 أبواب الاستحاضة
ب 1 ح 1.
(4) التهذيب 1: 171 / 487، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ملحق ح 4.
(5) التهذيب 1: 173 / 495، الإستبصار 1: 150 / 519، الوسائل 2: 382 أبواب الاستحاضة
ب 3 ح 1.
(6) التهذيب 1: 401 / 1254، الوسائل 2: 372 أبواب الاستحاضة ب 1 ملحق ح 4.
(7) التهذيب 1: 401 / 1255، الوسائل 2: 378 أبواب الاستحاضة ب 2 ح 1.
(8) تقدم مصدرها ص 419.
(9) التهذيب 1: 402 / 1258، الوسائل 2: 376. أبواب الاستحاضة ب 1 ح 13.
440

الحمل على مثل ذلك الأقرب، وثبوت مطلق الرجحان الموجب - لدفع الأصل -
للاستحباب بما مر.
ولا تضر معارضة أخبار الرجوع إلى العادة الواردة جميعا أيضا بلفظ الأخبار
المفيد للرجحان. لا لما قيل (1) من أنها لا تفيد سوى الجواز الغير المنافي للاستحباب
حيث وردت في مقام توهم الحظر، لمنع حمل الأمر على الجواز في مثل ذلك المقام.
بل لسقوطها بموافقتها العامة (2) التي هي من موجبات المرجوحية المنصوصة،
فتبقى مرجحات الاستظهار خالية عن المعارض.
مع أنه لو تعارض الفريقان، لوجب تقديم الأولى، لكونها أخص مطلقا.
ولو سلم أنهما تعارضا وتساقطا، لكفت الشهرة العظيمة بل ظاهر الاجماع
لاثبات الاستحباب، للتسامح في أدلته.
ومنه يظهر سقوط القول بالجواز الخالي عن قيدي الوجوب والاستحباب
رأسا وإن سقطت أدلة الطرفين بالتعارض (3).
فروع.
أ: مقتضى إطلاقات الاستظهار ثبوته مع رؤية الدم مطلقا سواء كان بصفة
الحيض أم لا.
وربما يقيد بالأول، جمعا بينها وبين إطلاقات سقوط الاستظهار بشهادة
أخبار التمييز (4).
وفيه - مع أن الاستشهاد لا يوافق التخيير في أيام الاستظهار ولا استحبابه -:

(1) كما في الرياض 1: 42.
(2) بداية المجتهد 1: 51 قال: وأما الاستظهار الذي قال به مالك بثلاثة أيام فهو شئ انفرد به مالك
وأصحابه وخالفهم في ذلك جميع فقهاء الأمصار ما عدا الأوزاعي..
(3) كما قال به المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 1: 149، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 70.
(4) كما في المدارك 1: 334.
441

أن أخبار التمييز معارضة مع حسنة ابن مسلم وموثقته (1) الدالتين على حيضية كل
ما رأته قبل العشرة وساقطة في المقام، فيبقى ذلك الجمع بلا شاهد فلا اعتبار به
وقد يجمع (2) أيضا بحمل إطلاقات السقوط على مستقيمة الحيض بلا
اختلاف بالزيادة والنقصان والتقدم والتأخر، والمثبتات له على غيرها، بشهادة
صحيحتي البصري (3) وابن أعين (4).
وهو كان حسنا لولا شذوذهما، إذ لا قائل بهما كما في اللوامع، ولا أقل من
ندرته الكافية لاخراج الرواية عن حيز الحجية، مع أن تنزيلهما على ما لا ينافي
المشهور ممكن.
ب: إذا تمت أيام الاستظهار قبل العاشر ولم ينقطع الدم تفعل فعل
المستحاضة إجماعا، وتدل عليه موثقة سماعة، وفيها: " فإذا كان أكثر من أيامها
التي كانت تحيض فيهن فلتتربص ثلاثة أيام بعد ما تمضي أيامها، وإذا تربصت
ثلاثة أيام ولم ينقطع عنها الدم فلتصنع كما تصنع المستحاضة (5).
واختصاصها باستظهار الثلاثة غير ضائر لعدم الفصل.
ج: صرح الأكثر - بل قيل: إنه المعروف منهم - بأن بعد الاستظهار فإما
يتجاوز دمها العاشر، أو لا بل ينقطع عليه أو على ما دونه.
فعلى الأول يتبين كون ما سوى العادة استحاضة ويلزمه وجوب قضاء ما
تركته في أيام الاستظهار من الصلاة والصوم.
وعلى الثاني يتبين كون الجميع حيضا، فتقضي الصوم حتى الذي أتى به

(1) المتقدمتين ص 392.
(2) كما جمعه في الحدائق 3: 221.
(3) التهذيب 5: 400 / 1390، الوسائل 2: 275 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8.
(4) التهذيب 1: 402 / 1257، الوسائل 2: 379 أبواب الاستحاضة ب 3 ح 1.
(5) الكافي 3: 77 الحيض ب 3 ح 2، التهذيب 1: 158 / 453، الوسائل 2: 300 أبواب الحيض
ب 13 ح 1.
442

بعد أيام الاستظهار.
وقيل. تكون أيام الاستظهار حيضا في اليقين، وإنما التفاوت بالحيضية
والاستحاضة إنما هو فيما بعدها وقبل انقضاء العشرة لو كان، حكي عن مصباح
السيد (1)، وظاهر القواعد، والنهاية (2)، واختاره في النافع، ونقله في المعتبر عن
جماعة من علمائنا المحققين (3).
ومال بعض مشايخنا المتأخرين (4) - مضافا إلى حيضية أيام الاستظهار - إلى
كون ما بعد أيام الاستظهار استحاضة مطلقا، وإليه يميل كلام المدارك (5).
ومن هذا ظهر أن أيام الاستظهار مع عدم التجاوز حيض إجماعا، وما
بعدها إلى العشرة مع التجاوز طهر كذلك. وإنما الخلاف في الأول (6) مع الثاني
والثاني (7) مع الأول، ففي كل من الموضعين قولان: الطهرية والحيضية، وفيهما
معا احتمالات أربعة: طهرية الأول وحيضية الثاني وهو المشهور، وعكسه وهو
لصاحب المدارك وبعض المشايخ، وحيضيتهما معا وهو للسيد وتابعيه، وطهريتهما
كذلك، ولم أعثر على قائل به.
والتحقيق في المقام، بعد ملاحظة أنه لا دلالة لأخبار الاستظهار على
حيضية أيامه ولا طهريته أصلا، إذ لا ملازمة بين استحباب ترك العبادة في أيام
الاستظهار أو وجوبه وبين أحد الأمرين قطعا، كما أنه يجب تركها برؤية الدم مع

(1) حكاه في الرياض 1: 42.
(2) القواعد 1: 16، نهاية الإحكام 1: 123 وقد أوضح في الرياض 1: 42 وجه الاستظهار منهما
فراجع.
(3) النافع: 15، المعتبر 1: 215.
(4) انظر الحدائق 3: 224.
(5) المدارك 1: 336.
(6) أي في أيام الاستظهار مع الثاني أي مع التجاوز عن العشرة.
(7) أي في ما بعد أيام الاستظهار مع الأول أي مع عدم التجاوز عن العشرة.
443

أنه قد لا يستمر إلى الثلاثة، ويجب فعلها في الانقطاع المتخلل في الأثناء، مع أنه
قد يعود الدم قبل العشرة أو تمام العادة. ولا لمثل قوله في تلك الأخبار بعد
الاستظهار: " ثم هي مستحاضة " على الحيضية قبله: أن هاهنا أقساما خمسة من
الأخبار: الدالة على أن كل ما تراه بعد أيام حيضها فليس بحيض (1)، وقوله في
المرسلة: " فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا وخلقا تعمل عليه وتدع ما
سواه " (2) والمصرحة بأن ما بعد أيام الاستظهار استحاضة (3)، والمشتملة على أن كل
ما بصفة الحيض حيض (4)، والمتضمنة لأن ما تراه المرأة قبل العشرة فهو من
الحيضة الأولى (5).
ومقتضى إطلاق الأوليين طهرية الموضعين، كما أن مقتضى الثالث طهرية
الثاني أيضا، ومقتضى إطلاق الثانيين حيضية الموضعين، فيتعارض الفريقان
بالعموم من وجه، ويرجع إلى الأصل، وهو يقتضي حيضية الموضعين لاستصحاب
الحدث. ولا تعارضه في الموضع الأول أصالة بقاء العادة على حالها، لمنعها البتة.
فالحق هو القول الثاني.
وإباء العقل عن الحكم بكون ما تراه من الدم طهرا في آن وما تراه في آن
متصل به حيضا مع اتصالهما، وعن صيرورة دم واحد حيضا وطهرا باختيارها
لتخييرها في الاستظهار - كما هو اللازم في الموضع الأول - ممنوع جدا.
د: لو رأت ذات العادتين الدم قبيل (6) العادة وانتهت أيام العادة في أثنائها
ففي الاستظهار حينئذ لأخباره، أو عدمه بل التحيض لقوله عليه السلام في

(1) انظر الوسائل 2: 281 أبواب الحيض ب 5
(2) تقدم مصدرها في ص 19 4.
(3) انظر الوسائل 2: 300 أبواب الحيض ب 13.
(4) انظر الوسائل 2: 275 أبواب الحيض ب 3.
(5) انظر الوسائل 2: 9 29 أبواب الحيض ب 2 1.
(6) في " ق " و " ه‍ "، قبل.
444

المرسلة الطويلة: " فتعمل فيه وتدع ما سواه " (1) إشكال.
ه‍. لو اختارت عدم الاستظهار تغتسل وتعمل عمل المستحاضة، فإن
تجاوز الدم العشرة فلا شئ عليها إجماعا، وإلا فتتحيض في جميع أيام الدم وتقضي
الصوم ووجهه ظاهر مما سبق. والظاهر عدم الفرق في ثبوت الاستظهار بين ما
إذا استمر الدم إلى العادة وتجاوز عنها أو انقطع قبلها ثم عاد قبل العشرة بما يمكن
فيه الاستظهار لاطلاق بعض أخباره. وحينئذ فإن تجاوز عن العشرة فالظاهر
عدم الخلاف في كونه استحاضة وأيام النقاء طهرا، وإلا فمقتضى الاستصحاب
حيضيته مع أيام النقاء.
الثالثة: لو تجاوز دمها العاشر، تجعل عادتها عددا ووقتا أو مع أيام
الاستظهار - على اختلاف القولين - حيضا، وما سواها استحاضة إن لم يبلغ
المجموع حدا يصلح لحيضتين مستقلتين بأن يتضمن الزائد على العادة لأقل طهر
وحيض - توافقت العادة والزائد الصالح للحيضية في الصفات أو اختلفتا - مع
كون أيام العادة بالصفة إجماعا.
وكذا مع كون غير العادة. بالصفة دون العادة، فيرجح العادة على الأصح
الأشهر، كما صرح به جماعة، وهو مختار المفيد، والسيد (2)، والشيخ في الجمل
والمبسوط (3)، والمعتبر، وا لنا فع، والشرائع (4)، والجامع، والكافي، والاقتصاد،
والسرائر (5)، وغيرها (6).
لعموم أخبار العادة وأن الصفرة في أيام الحيض حيض، وإطلاقات كون

(1) تقدم مصدرها ص 419.
(2) نقل في المعتبر 1، 212 عنه وكذا عن المفيد.
(3) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 164، المبسوط 1: 49.
(4) المعتبر 1: 2 1 2، النافع: 9، الشرائع 1: 32.
(5) الجامع للشرائع: 2 4، الكافي: 28 1، الإقتصاد 6 4 2، السرائر 1: 8 14.
(6) كالقواعد 1: 14، والذكرى: 29.
445

الدم استحاضة بعد الاستظهار.
وخصوص قوله عليه السلام في المرسلة الطويلة: " ولو كانت تعرف أيامها
ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ".
وقوله فيها: " فإذا جهلت الأيام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال
الدم وإدباره وتغير لونه ".
وقوله فيها أيضا: " فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا
تعمل عليه وتدع ما سواه).
خلافا للمحكي عن النهاية (1)، والاصباح (2)، وموضع من المبسوط (3)،
فرجحوا التمييز لأخباره الواجب تقييدها بغير ذات العادة، لما ذكر.
وللمنقول عن ابن حمزة (4)، فقال بالتخيير؟ جمعا بين أخبار العادة والتمييز.
وضعفه ظاهر بعد ما مر.
وللكركي (5)، فرجح العادة مع استفادتها من الأخذ والانقطاع، والتمييز
مع استفادتها من التمييز؟ لئلا تلزم زيادة الفرع على الأصل.
ويرد بعدم محذور في لزومه، مع أنه ليس زيادة.
ولو بلغ المجموع حدا صالحا لحيضتين بأن يتخلل بينهما زمان أقل الطهر،
فمع اختلاف السهمين بالتمييز وعدمه وثبوت التمييز لغير العادة، ففي الرجوع
إليها، أو إليه، أو جعل كل منهما حيضا منفردا، احتمالات بل أقوال. أظهرها:
الأول، وفاقا لبعض الثالثة (6)؟ للمرسلة المشترطة في الرجوع إلى التمييز فقد

(1) النهاية 24.
(2) نقل عنه في كشف اللثام 1: 90.
(3) المبسوط 1: 48.
(4) الوسيلة: 60.
(5) جامع المقاصد 1: 301.
(6) الذخيرة: 55.
446

العادة، وقوله فيها. " وتدع ما سواه). مع أنه لو قلنا بتعارض الأمر بدعة ما سواه،
والأمر باعتبار التمييز يرجع إلى أصالة عدم الحيضية.
خلافا لمحتمل النهاية (1) فالثاني، وللمحكي عن الأكثر (2) فالثالث، لأدلة
ظاهرة مع ردها. إلا أن يكون التحيض بكل منهما مقتضى عادتها بأن تعتاد
التحيض في كل شهر مرتين مثلا.
وكذا (3) مع عدم اختلافهما بالطريق الأولى. ولعل القائل بالحيضتين في
الصورة السابقة يقول بهما هنا أيضا، ودليله مع جوابه واضح، هذا.
ثم إن مقتضى ما ذكرنا من جعلها عادتها عددا ووقتا حيضا أنه لو تقدمت
الرؤية على الوقت وتجاوز عن العشرة وانقطع على آخر وقت العادة تجعل الزائد
عن العادة الذي هو استحاضة من قبل العادة. وهو كذلك، لقوله في المرسلة.
" وتدع ما سواه. وأما روايات حيضية ما قبل العادة (4) فتسقط بمعارضة أخبار
حيضية ما في العادة (5).
ولو تجاوز مع ذلك عن آخر العادة أيضا تجعل الزائد من القبل والبعد،
وتتحيض بالعادة، لما ذكر.
ولو انقطع في أثناء العادة تأخذ العدد من الوقت ومن قبله وتجعل الزائد من
القبل.
ولو لم يدخل شئ من الدم في وقت العادة كما إذا لم تر فيه وترى بعده فتأخذ
العدد ولا تعتني بالوقت لخلوه عن الدم.

(1) نهاية الإحكام 1: 2 4 1.
(2) فإن الأكثر قائلون بقاعدة الامكان كما تقدم في ص 408. والمقام من مصاديق تلك القاعدة كما
صرح به في القواعد 1: 14، والمسالك 1: 10.
(3) أي الأظهر الرجوع إلى العادة مع عدم اختلاف الدمين بالتمييز.
(4) انظر ص 4 3 4.
(5) انظر الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4.
447

الرابعة: لو رأت في العادة وانقطع عليها أو على غيرها وطهرت أقل الطهر،
ثم رأت في ذلك الشهر بعدد العادة أيضا، فإن كان ذلك لها عادة تحيضت بهما
وكان كل حيضا، وإن لم يكن عادة لها فالمشهور فيه ذلك أيضا.
والحق التحيض بأيام العادة خاصة وإن كان التمييز لغيرها، لما مر.
النوع الثاني. ذات العادة العددية خاصة.
والكلام فيها أيضا إما في تحيضها، أو في قدره أو وقته.
أما في الأول: فكالمبتدأة إجماعا، فالقائل بتحيضها بمجرد الرؤية يقول به
هنا، والقائل بتحيضها بالوصف أو الاستمرار إلى الثلاثة يقول به هاهنا أيضا.
ولما عرفت أن الحق فيها التحيض بالوصف فكذا في ذات العددية مع احتمال
التحيض بالاستمرار إلى الثلاثة أيضا، لمظنة الاجماع.
فإن قيل: تحيض المبتدأة بالوصف إنما كان لأخباره ولا تجري هاهنا
لدلالة مفهوم المرسلة على عدم الرجوع إلى الوصف مع عدم الجهل بالوقت أو
العدد.
قلنا: المتبادر منه عدم الاحتياج إلى الوصف فيما لم يجهل خاصة لا فيما جهله
أيضا، فلو علمت العدد خاصة لم يحتج فيه إلى الوصف وذلك لا ينافي احتياجها
في الوقت إليه، بل في آخر موثقة إسحاق بن جرير (1) دلالة واضحة على اختصاص
عدم الرجوع إلى التمييز بالمعلوم حيث حكم برجوع المختلفة في الوقت خاصة
إليه.
سلمنا ولكن بعد رجوعها إليه في المبتدأة يرجع إليه هنا أيضا بالاجماع
المركب.
فإن قيل: يمكن العكس بأن يسقط الوصف في العددية لمفهوم المرسلة،

(1) الكافي 3: 1 9 الحيض ب 9 ح 3، التهذيب 1: 1 5 1 / 1 3 4، الوسائل 2: 275 أبواب الحيض
ب 3 ح 3.
448

ويحكم بتحيضها بالرؤية ويتعدى إلى المبتدأة بالاجماع المركب.
قلنا: فيتساقطان ورجع إلى المجمع عليه وهو التحيض بالوصف، أو مع
الاستمرار أيضا إن ثبت فيه الاجماع.
وأما في الثاني: فكذات العادة العددية والوقتية في العدد، لأن ما هو المناط
في إثبات العادة واعتبارها من موثقة سماعة والمرسلة المتقدمتين (9) يعم اعتبار العادة
بالأقسام الثلاثة. بل في الموثقة تصريح بأن بعد اعتياد العدد يكون هو أيام الحيض
المصرح في الأخبار باعتبارها، وأيضا في الأخبار المتقدمة في الاستظهار،
كصحيحتي ابن عمرو وزرارة (2) دلالة على اعتبار العادة العددية.
وعلى هذا، فهذه ترجع إلى عددها، وتسقط غيره وتقدمه على التمييز لو
اختلفا عددا، لما مر في ذات العادتين (3). وتستظهر كاستظهارها.
وأما في الثالث: فمع عدم التجاوز عن العشرة ظاهر. ومعه فمع فقد
التمييز المساوي للعدد تتخير في وضعه حيث شاءت عند جماعة (4)، لعدم المرجح.
وتجعل الأول حيضا على الأقرب عندنا، لما مر في المبتدأة (5).
وكذا مع التمييز المساوي للعدد في الدور الأول، ووجهه ظاهر. بل وكذا
لو قلنا بدلالة مفهوم المرسلة على عدم رجوع ذات العادة مطلقا إلى الوصف. بل
ولو قلنا بعدم دلالته عليه أيضا واختصاص دلالتها على عدم الرجوع فيما لم تجهله
- كما هو الظاهر - وبقاء أخبار التمييز مطلقا خالية عن المعارض، إذ قد عرفت أن
تحيضها ابتداء متوقف على الوصف، فلا يخلو الأول عن الوصف أيضا وهو كاف
في جريان أخبار الوصف فيه أيضا.

(1) ص 32 4.
(2) المتقدمتين ص 437، 38 4.
(3) في ص 6 44.
(4) منهم العلامة في المختلف: 39، والشهيد في الدروس 1: 100.
(5) في ص 430.
449

ثم إنها لو رأت العدد ثم رأته أيضا بعد تخلل أقل الطهر. بينه وبين الأول
خاليا عن الدم أو معه، فتتحيض بالثاني أيضا مع الوصف أو الاستمرار إلى الثلاثة
لو قلنا به في الأول، ودليله دليله.
النوع الثالث: ذات العادة الوقتية.
وهي لا تكون على ما اخترناه - من حصول العادة في العدد بالقدر المشترك
أيضا - إلا في ناسية العدد إذ بدون النسيان تكون ذات العادتين البتة وعلى هذا
فيكون ذلك النوع من أفراد الناسية ويأتي حكمها.
القسم الثالث: الناسية.
وهي على ثلاثة أنواع: ناسية الوقت والعدد، ويطلق عليها المتحيرة
وناسية الوقت خاصة، والعدد كذلك.
والكلام فيها أيضا إما في التحيض، أو القدر، أو الوقت.
أما الأول: فتحيض الأوليين كالمبتدأة فتتحيض كل منهما برؤية الدم
المتصف، مع احتمال التحيض بغيره مع الاستمرار إلى الثلاثة أيضا. وتحيض
الثالثة كذات العادتين، فتتحيض برؤية الدم مطلقا في الوقت أو قبله، وفي غيرهما
بالصفة إذا لم تر في الوقت.
وأما الثاني والثالث فجميع أيام الدم حيض مع انقطاعه على العشرة في
الأولى والثالثة، وعلى العادة في الثانية، وتستظهر كما مر في الثانية مع التجاوز عن
العادة.
وإذا تجاوز العشرة في الثلاثة فإما يوجد التمييز أو لا، فإن وجد فرجوع
الأولى إليه إجماعي، ونقل الاجماع عليه متكرر (1)، وصريح مواضع من المرسلة

(1) قال في المنتهى 1: 104 الفاقدة للعادة ذات التمييز كالمضطربة والمبتدأة والناسية فإنها ترجع إليه
وهو مذهب علمائنا. وفي المعتبر 1: 204 أن رجوع المبتدأة والمضطربة - في صورة تجاوز الدم - إلى
التمييز مذهب فقهاء أهل البيت. ولا يخفى أنه يفيد في المقام بناء على شمول المضطربة للناسية "
فتدبر ولاحظ مفتاح الكرامة 1: 8 4 3، والحدائق 3: 233.
450

الطويلة (9)، ومرسلة جميل المتقدمة (2) في مسألة أوصاف الحيض، وعمومات (3)
اعتبار التمييز بلا معارض يدل عليه. ومثلها الناسية عددا والمبتدأة وقتا،
وعكسها.
وأما الأخريان فالحق فيهما - وفاقا لأهل التحقيق - تقديم العادة على التمييز
فيما تتذكره مع تعارضهما، لعمومات اعتبار كل من العادتين وبناء الحيض عليه،
وعموم ما دل على اعتبار خصوص العدد، كصحيحتي ابن عمرو وزرارة
المتقدمتين (4) في الاستظهار، وما دل على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض
حيض (5)، وخصوص المرسلة (6) المشترطة لاعتبار التمييز بالجهل بالأيام والعدد.
ومنه يظهر عدم تمامية القول بالجمع في صورة تذكر العدد وزيادة التمييز
عليه (7).
وهل تعملان هاتان في الطرف المنسي بالتمييز أم لا؟
الظاهر ذلك في ناسية العدد، فتجعل الوقت زمان التمييز وتأخذ العدد
منه، لأخبار التمييز الخالية عن المعارض سوى المرسلة المشترطة، وقد علمت
اختصاص الاشتراط بما لم تجهله.
أما ناسية الوقت فلا، بل تجعل الوقت العدد الأول، وقد ظهر وجهه في
ذات العادة العددية.
وإن لم يوجد التمييز فإما متحيرة، أو ذاكرة العدد خاصة، أو الوقت

(1) المتقدم مصدرها في ص 419.
(2) في ص 381.
(3) انظر الوسائل 2: أبواب الحيض ب 1، 2.
(4) ص 437، 38 4.
(5) انظر الوسائل 2: 278 أبواب الحيض ب 4.
(6) يعني مرسلة يونس الطويلة.
(7) قال في الحدائق 3: 235 والأحوط هنا الجمع بينهما بجعل الجميع حيضا وقضاء عبادات ما زاد أو
نقص عن أيام العادة،
451

كذلك.
أما الأولى فتتحيض في كل شهر بسبعة أيام على الأظهر، وفاقا للشيخ في
الجمل (1) والحلي (2)، واختاره غير واحد من مشايخنا (3) لآخر المرسلة - الطويلة -
الشاملة للمتحيرة قطعا. وتخصيصه بالمبتدأة لا وجه له كما يأتي في الثالثة.
خلافا لكثير من علمائنا فإن لهم فيها أقوالا متكثرة:
كالقول بتحيضها بالثلاثة والعمل في بقية الشهر عمل الاستحاضة، اختاره
المحقق في المعتبر (4)، ووالدي العلامة رحمه الله، واستوجهه في المدارك (5)، عملا
بالأصل، ولزوم العبادة، واستضعافا للرواية أو استنكارا لها في الدلالة.
والضعف مردود بما مر، وقصور الدلالة بما يأتي، فالأخذ بها متعين،
والأصل بها مندفع.
أو بتحيضها في كل شهر بستة أيام أو سبعة أو من شهر بعشرة ومن آخر
بثلاثة، ذهب إليه جماعة (6) بل نسب إلى الشهرة (7)، وعن الخلاف الاجماع
عليه (8) للموثقات الثلاث لابن بكير وسماعة، المتقدمة (9).
وهي مختصة بالمبتدأة فالاستدلال بها للمتحيرة غفلة.
أو بتحيضها كلما رأت الدم، وطهرها كلما انقطع، حكي عن الصدوق

(1) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 164.
(2) الكافي: 128.
(3) الحدائق 3: 39، شرح المفاتيح (مخطوط)، الرياض 1: 39.
(4) المعتبر 1: 210.
(5) المدارك 2: 29.
(6) الشرائع 1: 34، المختلف 1: 39، الروض 69.
(7) كما نسبه في الحدائق 3: 237.
(8) كما حكاه في الحدائق، والذي عثرنا عليه في الخلاف 1: 76، دعوى الاجماع على ترك الصلاة
والصوم في كل شهر سبعة أيام.
(9) ص 416، 417.
452

والشيخ في النهاية (1)، لموثقتي يونس وأبي بصير، المتقدمتين (2) في مسألة أقل الطهر،
بحملهما على من اختلط عليها دمها.
وفيهما - مع أخصيتهما عن المدعى لاختصاصهما بشهر واحد، وأعميتهما من
المرسلة؟ لأن موردهما مطلق المرأة فالمرسلة لهما مخصصة -: أن ظاهرهما مخالف
للاجماع على كون أقل الطهر عشرة، ومع ذلك فلا يوجد عامل بهما غيرهما من
الطائفة، مع أن الثاني رجع عنها في غير النهاية (3)، فهما شاذتان غير صالحتين
للحجية، مع أن الفاضل (4) صرف كلامهما أيضا عن ظاهره المطابق للموثقتين
أيضا.
أو بتحيضها في الشهر الأول بثلاثة وفي الثاني بعشرة، أو بتحيضها بعكس
ذلك، أو بستة أيام مطلقا، أو بعشرة كذلك، كما قال بكل منهما قائل بنقل
الحلي (5)، لبعض ما فساده ظاهر البتة.
أو بوجوب الاحتياط عليها والأخذ بأسوأ الحالات والجمع بين التكاليف،
بأن تعمل في الزمان كله عمل المستحاضة وتغتسل للحيض كل وقت يحتمل
انقطاع الدم لكل صلاة وهو ما بعد الثلاثة، إذ ما من زمان بعدها إلا ويحتمل
الحيض وانقطاعه، وتقتضي صوم العشرة أو أحد عشر يوما، وتجتنب كل ما تجتنبه
الحائض، كما اختاره في المبسوط (6) ومال إليه في القواعد (7) لفقد الدليل على
حكمها، وحصول الشك في زمان الحيض المقتضي لعدم يقين البراءة بدون

(1) الفقيه 1: 54، النهاية: 24.
(2) ص 397، 398.
(3) كالخلاف 1: 2 4 2، والجمل والعقود (الرسائل العشر): 164.
(4) المختلف 1: 38.
(5) السرائر 1: 149.
(6) المبسوط 1: 58.
(7) القواعد 1: 15.
453

الاحتياط.
ويدفعه - مضافا إلى لزوم العسر والحرج المنفيين في الكتاب والسنة -: أن
الدليل على حكمها موجود، وهو ما مر ذكره ولولاه أيضا لكان مقتضى الأصل
البراءة عن الزائد عن الثلاثة لأصالة عدم حدوث حدث الحيض في غيرها،
وأصالة عدم التكليف بالزائد.
هذا، مع أنه قال في البيان: إن الاحتياط هنا بالرد إلى أسوأ الاحتمالات
ليس مذهبا لنا (1). وهو مشعر بدعوى الاجماع على نفيه وأنه مذهب العامة، كما
يظهر من الفاضل أيضا (2) حيث نسبه إلى الشافعي (3). ومع ذلك فهو يخالف ما
ادعاه الشيخ نفسه في الخلاف من الاجماع على الرجوع إلى الروايات (4)، هذا.
ثم إن الظاهر أن القائلين بالسبعة أو بعدد آخر يقولون بتخيرها في وضعه
حيث ما شاءت من الشهر كما في المبتدأة مع أولوية وضعه أول الدور، وقد
عرفت (5) أن المصير إلى تعين ذلك أولى، فهو المتعين عليها.
وأما الثانية - أي ذاكرة العدد ناسية الوقت - فتتحيض بالعدد لما مر من
أدلة اعتباره الخالية عن المعارض.
وأما ما في آخر المرسلة من رجوع فاقدة التمييز إلى السبع فلا يشمل ذاكرة
العدد، لقوله. " وإن اختلط عليها أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على
حد) ومعتادة العدد واقفة على الحد مخيرة في وضعه فيما شاءت من الشهر مطلقا
عند الأكثر - كما في المدارك (6) - لعدم الترجيح.

(1) البيان: 59.
(2) المنتهى 1: 151.
(3) الأم 1: 68، المغني 1: 372.
(4) الخلاف 1: 242.
(5) في ص 430.
(6) المدارك 2: 25.
454

وفي اللوامع نسب إلى الأكثر أنه إن حفظت مع العدد قدر الدور وابتداءه
تضعه فيما شاءت من الدور إن ضل في مجموعه ومن الأقل منه إن ضل في الأقل،
لما مر. وإن لم تعرف وقت الدور وابتداءه أو أحدهما تضع العدد فيما شاءت من
أيام الشهر إذ الغالب في النساء التحيض في كل شهر. واختار - رحمه الله - ذلك
أيضا.
وفي الحدائق (1) نسب إلى الأكثر التحيض بالعدد، ووضعه فيما شاءت من
الشهر في القسم الأول والرجوع إلى الروايات، كالمتحيرة في القسم الثاني، إذ ليس
لها دور معلوم ووقت مضبوط حتى تضع فيه عددها المحفوظ، لأن كل وقت عندها
يحتمل الحيض والطهر والانقطاع، فاللازم أن ترجع إلى الروايات، بمعنى أن
تأخذ العدد المروي في كل شهر وتضعه فيما شاءت من أيامه.
ويضعف: بأن بعد حفظ العدد لا تكون موردا للروايات، فلا وجه
لرجوعها إليها في العدد.
وعن المبسوط (2) والقواعد (3) والارشاد (4) العمل بالاحتياط المتقدم، فتغتسل
للحيض في أول وقت إمكان الانقطاع، وهو بعد انقضاء العدد من أول الدور في
القسم الأول، ولكل عبادة مشروطة بالطهارة بعد ذلك إلى آخر الدور تعمل في
كل وقت من أوقات الاضلال ما تعمله المستحاضة، وتترك تروك الحائض،
وتقضي صوم عددها إن علمت عدم الكسر (5)، وإلا زادت عليها يوما، ونسبه
في الشرائع (6) إلى قيل، وفي المعتبر إلى الشيخ، واقتصر عليه، وفيه نوع إشعار

(1) الحدائق 3: 240.
(2) المبسوط 1: 51.
(3) الذي اختاره في القواعد 1: 14 هو التخيير، ونسب الاحتياط إلى قيل.
(4) مجمع الفائدة 1: 148.
(5) في النسخ: الكبير، والصواب ما أثبتناه.
(6) الشرائع 1: 34.
455

باختياره، ومستندهم ما مر مع جوابه.
وقد يقال: إنها تخصص أيامها بالاجتهاد، ومع فقد الأمارة تتخير، لحجية
ظنها حينئذ (1). وصريح بعضهم أولوية أول الرؤية (2)، بل ذهب بعضهم إلى
تعينه (3). وهو الأظهر، لما مر في المبتدأة.
هذا في الدور الأول، وأما بعده فمقتضى القاعدة التي جرينا عليها أنها في
القسم الأول لما علمت أن قدر العدد من الدور المعين وقت عادتها قطعا وإن لم
تعلمه بعينه، وأن الدم مطلقا في وقت الحيض حيض، فقد علمت حيضية قدر
العدد من الدور الثاني أيضا، ولعدم تعين وقته عندها وبطلان الترجيح بلا مرجح
تكون مخيرة في وضعه حيث شاءت منه وإن كان الأولى جعله موافقا لوقت الدور
الأول.
وأما في القسم الثاني فإن علمت الدور دون ابتدائه تأخذ بالعدد وتتخير في
الدور. وإن لم تعلم الدور أصلا فإن رأت بصفة الحيض بعد مضي زمان أقل
الطهر أو أكثر من العدد الأول تتحيض به أي وقت كان، وهكذا بعد العدد الثاني
والثالث. وإن لم تر لم تتحيض.
وظن التحيض في كل شهر لغلبة ذلك في النساء لم تثبت حجيته،
والاحتياط والالحاق بالمتحيرة لا دليل عليه.
ولكن يقرب أن يكون ذلك في القسم الثاني مخالفا للاجماع، إذ الظاهر
فتوى الكل بتحيضها في كل شهر، بل يمكن أن يستدل له أيضا برواية زرارة
وفيها: " وإذا كانت تحيض حيضا مستقيما فهو في كل شهر حيضة) (4) الحديث.

(1) كما في الذكرى: 32.
(2) الذخيرة: 68.
(3) كشف اللثام 1: 90.
(4) الكافي 6: 100 الطلاق ب 34 ح 10، تفسير العياشي 1: 115 / 352 الوسائل 22: 184
أبواب العدد ب 4 ح 1.
456

فلو قلنا به للاجماع وتخيرها في الوضع في الدور الثاني مع أولوية موافقة الدور الأول
كما في القسم الأول لم يكن بعيدا.
هذا كله إذا لم يحصل لها وقت معلوم في الجملة بأن تضل العدد في وقت
يزيد نصفه على العدد المعتاد أو يساويه، فإن كل يوم من الوقت حينئذ يحتمل
الطهر والحيض. وأما إذا حصل لها ذلك بأن يزيد العدد على نصف زمان
الاضلال، فإن ضعف الزائد حيض بيقين، ويبقى من العدد تمام الضعف إليه،
فعلى التخيير تضمها إلى الضعف متقدمة أو متأخرة أو بالتفريق، وعلى الاحتياط
تجمع فيما تقدم من الدور على القدر المتيقن بين أعمال المستحاضة وتروك الحائض،
وفيما تأخر عنه تزيد عليهما غسل الانقطاع لكل مشروط بالطهارة.
وأما الثالثة - أي ذاكرة الوقت ناسية العدد - فإما تتذكر أول الوقت، أو
آخره، أو وسطه - أي ما بين الطرفين - أو وقتا في الجملة كأن تعلم تحيضها بيوم
معين أو أكثر من الشهر من دون علم بالأولية أو الآخرية أو الوسطية.
فعلى التقادير تكمل المعلوم ثلاثة يقينا، لأنه أقل الحيض على حسب
مقتضاه، فتجعل المعلوم أول الثلاثة على الأول، وآخرها على الثاني، ووسطها على
الثالث لو كان المعلوم يوما محتملا كونه محفوفا بمتساويين.
وأما لو كان المعلوم يومين محفوفين بمتساويين فالأقل أربعة تجعل اليومين
وسطها، ولو كانت ثلاثة فالأقل خمسة، أو أربعة فالستة، وهكذا.
ولو علمت الاحتفاف بغير متساويين، فلو كان المعلوم واحدا فالأقل
أربعة، وإن كان اثنين فخمسة وهكذا.
وفي الاكتفاء في التكميل بالثلاثة، أو الأخذ بأسوأ الاحتمالات فتحتاط
(باقي العشرة) (1) كما مر، أو رجوعها إلى الروايات أقوال:

(1) في " ق ": في العشرة وفي (ه‍): العشرة.
457

الأول للمعتبر، والبيان (1) (واللوامع) (2)، والمعتمد لتيقن الثلاثة وفقد
الدلالة في الباقي فيستصحب التعبد فيه.
والثاني للشيخ (3) والفاضل (4) لما مر.
والثالث عن الأكثر (5) لصدق النسيان والاختلاط الموجب للحكم في
المرسلة. وهو الأظهر لذلك، فإن قوله في آخر المرسلة. " وإن اختلطت عليها
- أي على المستحاضة - أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد " يصدق
على هذه أيضا، لكون عددها أيامها أيضا، كما صرح به في موثقة سماعة (6) ودل
عليه قوله: " وزادت ونقصت " وقوله: " وإن لم يكن الأمر كذلك) يعني لم يكن
بحيث لا تقف من الدم على لون كما بينه بقوله: ولكن الدم أطبق عليها)،
فيكون بيانا لحال الناسية غير ذات التمييز، أو إن لم تكن ممن ذكر فتشمل المبتدأة
والناسية غير ذاتي التمييز، وعلى التقديرين يثبت المطلوب، وهذا أوفق بعموم
اللفظ.
ويؤكده بل يدل عليه: قوله في صدر الرواية: " بين فيها كل مشكل لمن
سمعها وفهمها حتى لم يدع لأحد مقالا فيه بالرأي " وقوله في وسطها: فجميع
حالات المستحاضة يدور على هذه السنن الثلاث لا تكاد أبدا تخلو عن واحدة
منهن) ثم شرع في تفسير الثلاث.
والتخصيص بالمبتدأة - بأن يكون المعنى: وإن لم يكن أمر المبتدأة كذلك
أي لم يختلط أيامها لعدم كون أيام لها - خلاف الظاهر جدا، بل خلاف مقتضى

(1) المعتبر 1: 220، البيان: 60.
(2) ليس في (ه‍).
(3) المبسوط 1: 59.
(4) التذكرة 1: 33، القواعد 1: 14.
(5) نسبه في الحدائق 3: 242 إلى الشهرة واختاره في الروض: 70، والرياض 1: 40.
(6) المتقدمة ص 432.
458

عموم اللفظ.
وبالجملة لا شك في شمول مقتضى اللفظ لما ذكر، ومن يقول بالتخصيص
بواحدة فعليه البيان.
وعلى هذا فهذه المرأة تكمل عددها المعلوم بالسبعة، وتجعل تتمة الشهر
استحاضة وإن علمت أن طهرها أزيد من ذلك، كما إذا علمت أن دورها أزيد
من الشهر، لعموم المرسلة.
نعم، لو كان العدد المعلوم مما لا يمكن تكميله بالسبعة، كأن تعلم يومين
محفوفين بمتساويين، فالظاهر حينئذ الخروج من المرسلة. وتكليفها الأخذ
بالمتيقن، لما مر، لعدم مخرج عن الأصل فيما إذا كان المعلوم الآخر، لأصالة عدم
التحيض. والتخيير بين الأقل والأكثر في غيره لتعارض الاستصحابين الموجب
للتخير، بخلاف ما لو أمكن فإن المرسلة مخرجة عنه.
ومنه يظهر جواب دليل الأول، مع أن هذا إنما يتم فيما إذا علمت الآخر
وأكملته في القبل. وأما في غيره فلا يتم، لأن استصحاب التعبد في الباقي وأصالة
عدم التحيض معارض باستصحاب الحيضية.
وبما مر (1) في المتحيرة يظهر دليل الثاني وجوابه.

(1) في ص 452.
459

البحث الثاني:
في أحكام الحائض
وهي أمور نذكرها في مسائل:
المسألة الأولى: الحائض مطلقا إذا انقطع دمها لما دون العشرة استبرأت
بإدخالها القطنة إجماعا، وجوبا على الأظهر الأشهر، بل قيل: لا خلاف فيه بين
الأصحاب (1) للأمر به في صحيحة ابن مسلم: (إذا أرادت الحائض أن تغتسل
فلتستدخل قطنة، فإن خرج منها شئ من الدم فلا تغتسل، وإن لم تر شيئا
فلتغتسل) (2).
والرضوي: " فإذا رأت الصفرة أو شيئا من الدم فعليها أن تلصق بطنها
بالحائط وترفع رجلها اليسرى، كما ترى الكلب إذا بال، وتدخل قطنة، فإن خرج
فيها دم في حائض، وإن لم يخرج فليست بحائض " (3).
وضعفه في المقام بما مر منجبر.
واستحبابا على ما هو ظاهر الاقتصاد (4). وهو بعيد عن السداد.
والأولى أن ترفع رجلها إلى حائط كالكلب يبول، مخيرا بين اليمنى، كما في
مرسلة يونس، واليسرى كما في خبر الكندي (5) والرضوي.
ولا يجب ذلك لوروده في تلك الروايات بلفظ الاخبار الغير الصريح في

(1) كما في الحدائق 3: 191.
(2) الكافي 3: 80 الحيض ب 5 ح 2، التهذيب 1: 161 / 460، الوسائل 2: 308 أبواب الحيض
ب 17 ح 1.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 193، المستدرك 2: 15 أبواب الحيض ب 15 ح 1.
(4) الإقتصاد: 246.
(5) الكافي 3: 80 الحيض ب 5 ح 3، التهذيب 1: 161 / 461، الوسائل 2: 309 أبواب الحيض
ب 17 ح 3.
460

الوجوب.
نعم، لا بأس بالقول بوجوب القيام وإلصاق البطن على الحائط للأمر بهما
في موثقة سماعة (1).
الثانية: إذا استبرأت الحائض مطلقا وعلمت انقطاع دمها لدون العشرة
ظاهرا، وجب عليها الغسل لمشروط الطهارة إجماعا للنصوص المعتبرة، كمرسلة
يونس، القصيرة (2)، وموثقة يونس بن يعقوب المتقدمة (3)، ومرسلة العجلي (4)،
وغيرها.
ولا فرق في ذلك بين معتادة الانقطاع والعود قبل العشرة أو غيرها لاطلاق
الروايات.
وقد يقال بعدم الوجوب على معتادة العود لأن المظنون حينئذ كونها
حائضا.
وهو باطل، لعدم ثبوت حجية ذلك الظن، وصلاحيته لتقييد الاطلاقات.
نعم، لو اعتادت الفترات بحيث يحصل لها اليقين بالعود عادة لم يجب
والوجه ظاهر.
الثالثة: لا يصح منها صلاة ولا طواف ولا صوم، بالاجماع والمستفيضة من
النصوص. فتحرم عليها؟ لأنها شأن العبادة الغير الصحيحة. كما تحرم عليها
أيضا أمور أخر:
منها: مس كتابة المصحف على الأشهر الأظهر، كما في بحث الجنابة مع
فروعه قد مر (5).

(1) التهذيب 1: 161 / 462، الوسائل 2: 309 أبواب الحيض ب 17 ح 4.
(2) الكافي 3: 80 الحيض ب 5 ح 1، الوسائل 2: 309 أبواب الحيض ب 17 ح 2.
(3) ص 397.
(4) الكافي 3: 90 الحيض ب 8 ح 7، الوسائل 2: 285 أبواب الحيض ب 6 ح 1.
(5) ص 286.
461

ومنها. اللبث في المساجد وفاقا للأكثر، ونسبه في المنتهى (1) إلى عامة أهل
العلم، وفي التذكرة (2) إلى علمائنا، مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، بل في صريح
المعتبرة والتحرير والمدارك: الاجماع عليه (3). وهو كذلك، حيث لا ينافيه خلاف
نادر يأتي ذكره. فهو دليله.
مضافا إلى عدم الفصل بينها وبين الجنب المحرم عليه ذلك قطعا،
وصحيحة أبي حمزة، المتقدمة (4) في الجنب.
ويؤيده النبوي المروي في المعتبر، والمنتهى، والتذكرة: " لا أحل المسجد
لحائض ولا جنب " (5).
وصحيحة العلل، ورواية محمد، المتقدمتان (6).
والرضوي: " ولا تدخل المسجد وأنت جنب ولا الحائض إلا مجتازين " (7).
بل استدل بها الأكثر. وفيه نظر كما مر.
نعم، في الصحيحة دلالة على الحرمة على الجنب من جهة أخرى، وهي
الاستشهاد بالآية، وهو لا يفيد في المقام.
خلافا للمحكي عن الديلمي (8) للأصل. وهو مدفوع بما ذكر.
وأما الجواز فيها فجائز على الأشهر الأظهر، بل في المعتبر اتفاقهم عليه (9)
للتصريح به في الأخبار المذكورة.

(1) المنتهى 1: 110.
(2) التذكرة 1: 26.
(3) المعتبر 1: 221، التحرير 1: 15، المدارك 1: 345.
(4) ص 290.
(5) المعتبر 1: 221، المنتهى 1: 110، التذكرة 1: 26، وهي مروية في سنن أبي داود كتاب
الطهارة: 92.
(6) ص 289.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 85، المستدرك 2: 26 أبواب الحيض ب 26 ح 1.
(8) الموجود في المراسم، 43 خلافه.
(9) المعتبر 1: 222.
462

وعن المقنع، والفقيه، والجمل والعقود، والوسيلة (1): إطلاق المنع من
الدخول. ويدفعه ما ذكر.
عدا المسجدين، فيحرم الجواز فيهما أيضا على الأقوى، وفاقا لصريح
السرائر، والنافع، والمنتهى، والتذكرة والدروس، والبيان (2)، وعن الجامع،
والتحرير، والتلخيص، والتبصرة (3)، بل عن الغنية (4). وفي اللوامع: الاجماع
عليه، ونسبه في المدارك إلى الأصحاب (5) مؤذنا بدعواه.
لمفهوم قوله في صحيحة أبي حمزة: " ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد " (6)
وتؤيده حسنة محمد (7). وبه يقيد بعض الاطلاقات.
خلافا لظاهر الهداية، والمقنعة، والمبسوط، والنهاية، والاقتصاد،
والمصباح، ومختصره، والاصباح، والخلاف (8)، والشرائع، والارشاد،
والقواعد، ونهاية الإحكام (9)، ونسب إلى التذكرة أيضا - وهو غفلة (10) - فأطلقوا
جواز الجواز في المساجد، لبعض المطلقات المقيد بما مر. وظاهر المعتبر والمدارك

(1) المقنع: 27 الفقيه 1: 50، الجمل والعقود (الرسائل العشر) 162، الوسيلة: 58.
(2) السرائر 1: 144، النافع: 10، المنتهى 1: 110 التذكرة 1: 26، الدروس 1: 101، البيان.
61.
(3) الجامع: 41، التحرير 1: 15، التبصرة: 9.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
(5) المدارك 1: 347.
(6) تقدم مصدرها في ص 290.
(7) التهذيب 1: 371 / 1132، الوسائل 1: 488 أبواب الجنابة ب 15 ح 17.
(8) الهداية: 21، المقنعة: 54، المبسوط 1: 41، النهاية: 25، الإقتصاد: 245، مصباح
المتهجد: 10، الخلاف 1: 517.
(9) الشرائع 1: 30، الإرشاد 1: 228، القواعد 1: 15، نهاية الإحكام 1: 119.
(10) لأنه قد صرح فيها بالحرمة كما تقدم النقل عنها.
463

التوقف (1)، وليس في موقعه.
وهل يتصف الجواز في غيرهما بالكراهة كما في الخمسة الأخيرة، أو لا؟
الظاهر نعم لفتوى هؤلاء الأجلة، بل دعوى الاجماع عليها عن
الخلاف (2)، والمروي في الدعائم عن مولانا الباقر عليه السلام: " إنا نأمر نساءنا
الحيض أن يتوضأن) إلى أن قال: (ولا يقربن مسجدا ولا يقرأن قرآنا " (3).
وهي كافية في المقام، للتسامح. ولأجله لا يضر ضعف الأخير.
والظاهر جواز التردد في جوانب المسجد، والدخول من باب والخروج عنه
من غير عبور وإن منعناهما في الجنب لعدم ثبوت الزيادة عن المنع عن الجلوس،
وعدم تحقق الاجماع المركب، حيث ذكر الحكم في الشرائع والقواعد بلفظ الجلوس
الغير الصادق على التردد، وصرح في المدارك بجوازه.
ومن ذلك يظهر قرب التخصيص بالجلوس فلا يحرم القيام، إلا أن الظاهر
عدم الخلاف في ذلك.
وظاهر أن الحكم مختص بغير حال الاضطرار إذ رفع عن أمة نبينا صلى
الله عليه وآله وسلم ما اضطروا إليه فيجوز معه. ولا " يجوز التيمم له للأصل.
ومنها: وضع شئ في المسجد، وفاقا للأكثر، ونسبه في المعتبر والمنتهى إلى
أصحابنا (4) المؤذن بدعوى الاجماع، وفي الحدائق (5): من غير خلاف لغير
الديلمي (6) لما مر في الجنب مع سائر ما يتعلق بذلك.
خلافا لمن ذكر حيث كرهه. وجوابه ظاهر. وهو الظاهر من الشرائع،

(1) المعتبر 1: 222، المدارك 1: 347.
(2) الخلاف 1: 518.
(3) دعائم الاسلام 1: 128، المستدرك 2: 29 أبواب الحيض ب 29 ح 3.
(4) المعتبر 1: 223، المنتهى 1: 110.
(5) الحدائق 3: 256.
(6) المراسم: 43.
464

والقواعد (1)، حيث لم يذكراه.
ومنها: قراءة العزائم إجماعا، كما في المعتبر والمنتهى (2)، لما مر ثمة مع ما
يتعلق به.
الرابعة: يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة بالاجماعين (3) والمستفيضة.
وتتدارك ما لزمها منهما بالنذر المطلق، لعدم تعين وقته. وأما المعين الواقع في
الحيض فقد يحتاط بقضائهما (4).
وقال جماعة (5) منهم والدي - رحمه الله - بعدم القضاء للتعيين وتعذر
الاتيان، فيسقط تكليفها به.
وكذا غير اليومية من الصلوات حتى الزلزلة. وكون وقت الأخير تمام العمر
لا يصحح القضاء. ويأتي تحقيق كل منها في موضعه.
الخامسة: لو قلت آية السجدة أو سمعتها أو استمعت سجدت وجوبا،
وفاقا لجماعة (6) صريحا أو ظاهرا.
لعموم أوامر السجود، وخصوص صحيحة الحذاء: عن الطامث تسمع
السجدة، فقال: " إن كان من العزائم فلتسجد إذا سمعتها " (7).
وموثقة أبي بصير: " والحائض تسجد إذا سمعت السجدة " (8).
وخبر آخر له موقوفا عليه في الكافي، والتهذيب، ومستندا إلى الصادق عليه

(1) الشرائع 1: 30، القواعد 1: 15.
(2) المعتبر 1: 223، المنتهى 1: 110.
(3) كما نقل الاجماع عليه في الغنية (الجوامع الفقهية): 550 المنتهى 1: 113، المدارك 1: 362،
(4) كما في الحدائق 3: 255، والرياض 1: 44.
(5) منهم العلامة على ما حكاه عنه الشهيد الثاني في الروض: 82.
(6) منهم العلامة في التحرير 1: 15، والشهيد في البيان: 63، والمحقق الثاني في جامع المقاصد
1: 319.
(7) الكافي 3: 106 الحيض ب 18 ح 3، الوسائل 2: 340 أبواب الحيض ب 36 ح 1.
(8) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291 / 1168، الإستبصار 1:
320 / 1192 الوسائل 2: 341 أبواب الحيض ب 36 ح 3.
465

السلام في السرائر، والمعتبر، والمختلف، والمنتهى، والتذكرة (9): " إذا قرئ شئ
من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا،
وإن كانت المرأة لا تصلي ".
لا جوازا كما عن المبسوط، والجامع (2)، جمعا بين ما ذكر وبين صحيحة
البصري: عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟
قال: " تقرأ ولا تسجد، (3).
والمروي في كتاب ابن محبوب، عن غياث، عن الصادق عليه السلام، عن
أمير المؤمنين عليه السلام. " لا تقضي الحائض الصلاة " ولا تسجد إذا سمعت
السجدة " (4).
لأن الأولى أخص، لاختصاصها بالعزائم، فالتخصيص متعين. ولأن
الجمع فرع المقاومة، وهي منتفية، لموافقتهما لفقهائهم الأربعة (5) كما هو في
التذكرة (6) وغيرها. فتقديم الأولى وحمل الأخرى على التقية متحتم.
ويؤكده كون راوي الثاني عاميا وإسناد الإمام الحكم إلى أمير المؤمنين عليه
ا لسلام.
مع أنه لو فرض التقاوم لوجب الرجوع إلى العمومات والاستصحاب.
ومنه ظهر ضعف القول بالحرمة عليها مطلقا، كما عن المقنعة، والانتصار،

(1) الكافي 3: 318 الصلاة ب 2 2 ح 2 التهذيب 2: 291 / 1171، الوسائل 2: 341 أبواب
الحيض ب 36 ح 2، لم نعثر عليه في السرائر (مستطرفات) المعتبر 1: 228، المختلف 1: 34،
المنتهى 1: 115، التذكرة 1: 28.
(2) المبسوط 1: 114، الجامع: 83.
(3) التهذيب 2: 292 / 1172، الإستبصار 1: 320 / 1193، الوسائل 2: 341 أبواب الحيض
ب 36 ح 4.
(4) مستطرفات السرائر: 105 / 47 الوسائل 2: 342 أبواب الحيض ب 36 ح 5.
(5) بدائع الصانع 1: 186، المغني 1: 685.
(6) التذكرة 1: 28.
466

والتهذيب، والوسيلة (1)، وهو مذهب أكثر العامة.
وقد يستدل لها باشتراط الطهارة. وهو ممنوع.
أو إذا سمعت خاصة دون ما إذا استمعت كما عن المهذب (2) أو الفرق
بينهما في الجواز والوجوب، فالأول في الأول والثاني في الثاني، كما في المعتبر،
وغيره (3) حيث إن الأخبار الناهية مختصة بالسماع.
ويرده أن الآمرة أيضا كذلك.
نعم، كان لذلك وجه لو خصصنا وجوب السجدة مطلقا بصورة التلاوة أو
الاستماع كما في المعتبر (4)، واللوامع، وعن الخلاف (5) مدعيا عليه الاجماع، وعن
التذكرة والمنتهى (6). ولتحقيقه محل آخر، بل ينتفي التعارض حينئذ بين
الأخبار.
السادسة: تتوضأ الحائض ناوية به التقرب دون الاستباحة وقت كل صلاة
من الفرائض اليومية، وتذكر الله تعالى إجماعا، له، وللمستفيضة، كصحيحة
زرارة: وعليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ثم تقعد في موضع
طاهر فتذكر الله تعالى وتسبحه وتهلله وتحمده كمقدار صلاتها، ثم تفرغ
لحاجتها (7).
والرضوي: " ويجب عليها عند حضور كل صلاة أن تتوضأ وضوء الصلاة

(1) المقنعة: 58، الإنتصار: 31، التهذيب 1: 29 1 الوسيلة: 8 5.
(2) المهذب 1: 34.
(3) المعتبر 1: 29 2، التذكرة 1: 28.
(4) المعتبر 2: 272.
(5) الخلاف 1: 425.
(6) التذكرة 1: 123، المنتهى 1: 304.
(7) الكافي 3: 101 الحيض ب 4 1 ح 4، التهذيب 1: 159 / 456، الوسائل 2: 345 أبواب
الحيض ب 40، ح 2.
467

وتجلس مستقبل القبلة وتذكر الله مقدار صلاتها كل يوم " (1).
ومثله المرسل المروي في الهداية (2).
وحسنة زرارة: ولكنها تتوضأ في وقت الصلاة ثم تستقبل القبلة وتذكر
الله (3).
وقريبة منها صحيحة ابن عمار (4) ومرسلة الفقيه (5)، إلا أن في الأولى زادت
على الذكر التهليل والتكبير وقراءة القرآن، وفي الثانية الجلوس قريبا من المسجد.
وحسنة الشحام: " ينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة وتذكر
الله مقدار ما كانت تصلي " (6).
ثم إنه هل ذلك على الوجوب؟ كما عن الصدوقين (7)، وظاهر الحلبي (8)،
وهو ظاهر الشيخ في النهاية (9)، واختاره بعض مشايخنا الأخباريين (10) لصريح
الثلاثة الأولى، وظاهر الثلاثة المتعقبة لها.
أو الاستحباب؟ كما هو المشهور بتصريح غير واحد من الأصحاب، بل

(1) فقه الرضا عليه السلام: 2 9 1، المستدرك 2: 29 أبواب الحيض ب 29 ح 2.
(2) الهداية: 22.،
(3) الكافي 3: 100 الحيض ب 14 ح 1، الوسائل 2: 6 4 3 أبواب الحيض ب 40 ح 4.
(4) الكافي 3: 101 الحيض ب 14 ح 2 الوسائل 2: 6 4 3 أبواب الحيض ب 40 ح 5.
(5) الفقيه 1: 5 5 / 206، الوسائل 2: 5 34 أبواب الحيض ب 40 ح 1.
(6) الكافي 3: 101 الحيض ب 14 ح 3، التهذيب 1: 109 / 455، الوسائل 2: 5 4 3 أبواب
الحيض ب 40 ح 3.
(7) الهداية: 22 ونقله في الفقيه 1: 50 عن والده.
(8) لم نعثر عليه في الكافي للحلبي، ولا على من نسب إليه هذا القول. نعم قال في الحدائق 3: 274:
لا يخفى أن ظاهر صاحب الكافي أيضا القول بالوجوب حيث عنون به الباب فقال: باب ما يجب
على الحائض... ومراده من صاحب الكافي هو الكليني، فمن المحتمل وقوع تصحيف في العبارة
والصواب: ظاهر الكليني....
(9) النهاية: 25.
(10) الحدائق 3: 274.
468

نسب في شرح القواعد القول بالوجوب إلى الندور (1)، بل يظهر من بعض مشايخنا
المحققين (2) الاجماع على عدمه، للأخيرة الظاهرة في الاستحباب - لمكان لفظ
ينبغي " - المعارضة لما تقدم عليها، الراجحة عليها من جهة الشهرة العظيمة.
مضافا إلى عدم دلالة الثلاثة السابقة عليها على الوجوب، وضعف الاثنتين
المتقدمتين عليها الخاليتين عن الجابر، فلم يبق إلا الأولى المتعين حملها على
الاستحباب، لما مر.
الحق هو الثاني. لا لما ذكر، لعدم صراحه لفظ " ينبغي " في الاستحباب وإن
لم تكن مفيدة للوجوب أيضا كما قيل (3)، بل مفادها الرجحان الغير المنافي لشئ
منهما.
بل للمروى في الدعائم، عن مولانا الباقر عليه السلام، المنجبر ضعفه بما
ذكر: " إنا نأمر نساءنا الحيض أن يتوضأن عند كل صلاة فيسبغن الوضوء ويحتشين
بخرق، ثم يستقبلن القبلة من غير أن يفرضن صلاة فيسبحن ويكبرن ويهللن،
وإنما يؤمرن بذكر الله ترغيبا في الفضل واستحبابا له، (4).
وبه تعارض الحسنة (5)، ويرجع إلى أصل نفي الوجوب.
واختصاص الاستحباب بالذكر لا يضر، لعدم الفصل، إلا أن يمنع أحد
ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الاستحباب، وحينئذ تكون تلك الرواية أيضا دالة
على الوجوب. ولا ينبغي ترك الاحتياط.
ثم ظاهر الأكثر تأدي الواجب أو المستحب بمطلق الذكر، لاطلاق كثير

(1) جامع المقاصد 1: 329.
(2) قال الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك: 67 ما لفظه: والفقهاء اتفقوا على عدم الوجوب.
(3) قال في الحدائق 3: 273.... وربما استعمل في الوجوب والتحريم بل هو الغالب في
الأخبار..،.
(4) تقدم مصدره في ص 4 6 4.
(5) أي حسنة زرارة. وقد تقدمت في صدر المسألة معبرا منها بالصحيحة.
469

من الأخبار.
وعن المقنعة: أنها تحمد الله وتهلله وتسبحه وتكبره (1).
وفي البيان. وليكن الذكر تسبيحا وتهليلا وتحميدا وما أشبهه (2). وهو
مقتضى حمل المطلقات على مقيداتها، فالعمل به أولى.
وعن المراسم الاقتصار على التسبيحة (3). كما عن النفلية زيادة الصلاة على
النبي مع الاستغفار على التسبيحات الأربع (4).
ولم أعثر على دليل لها.
ولا بد أن تكون جالسة مستقبلة القبلة بمقدار صلاتها المعتاد لها، كما هو
صريح الأخبار. حيث شاءت، كما في الشرائع (5)، والذكرى، والمعتبر،
والمنتهى (6)، بل نسبه في الأخيرين إلى غير الشيخين من الأصحاب، لاطلاق
الأخبار.
ولو جلست قريبة من مسجدها أي مصلاها، كان أولى للصحيحة (7).
وأما في مصلاها كما عن المبسوط، والخلاف، والمهذب، والوسيلة (8)،
والاصباح، والجامع، ونهاية الإحكام، والنافع (9)، أو في محرابها كما عن المراسم،
وفي السرائر (10)، أو ناحية من مصلاها كما عن المقنعة (11) فلا دليل عليه إلا

(1) المقنعة: 55.
(2) البيان 64.
(3) المرا سم: 43.
(4) النفلية: 10.
(5) الشرائع 1: 31، وفيه: تجلس في مصلاها.
(6)) الذكرى: 35، المعتبر 1: 233، المنتهى 1: 115.
(7) الفقيه 1: 5 5 / 206، الوسائل 2: 345 أبواب الحيض ب 40 ح 1
(8) المبسوط 1: 45، الخلاف 1: 232، المهذب 1: 36، الوسيلة: 58.
(9) الجامع: 2 4، نهاية الإحكام 1: 124، النافع: 10.
(10) المراسم: 43، السرائر 1: 5 14
(11) المقنعة 55،
470

الأخير، فإنه معنى القريب من مسجدها.
ويستحب استحشاؤها بخرقة كما في بعض الأخبار (1).
السابعة: يكره لها قراءة ما عدا سور العزائم مطلقا حتى السبع أو السبعين
المستثناة في الجنب عند جماعة (2)، وفاقا لاطلاق السرائر، والنافع، والشرائع،
والمعتبر، والقواعد، والبيان (3)، وعن المبسوط، والجمل والعقود، والوسيلة،
والاصباح، والروض (4). وفي الرابع وعن الأخير الاجماع عليه.
للمروي في الدعائم، المتقدم (5) في المسألة الثالثة، المؤيد بما مر في
الجنب (6).
ثم ظاهره وإن كان الحرمة - كما هو المحكي عن القاضي (7) وظاهر
المفيد (8) - إلا أن ضعفها ومخالفتها الأصل، وموافقتها العامة (9) ودعوى جماعة (10)
الاجماع على الجواز منع عن إثباتها به مضافا إلى صحيحة البصري، المتقدمة (11)
كما أن المسامحة في أدلة الكراهة وسع في إثباتها مع ما ذكر، من غير تخصيص

(1) راجع الرقم (7) ص 69 4.
(2) كالمحقق والعلامة في المعتبر 1: 190 " والقواعد 1: 13.
(3) السرائر 1: 145، النافع: 10، الشرائع 1: 30 المعتبر 1: 233، القواعد 1: 15،
البيان: 62.
(4) المبسوط 1: 2 4، الجمل والعقود (الرسائل العشر) 62 1، الوسيلة: 58، الروض 81.
(5) ص 64 4.
(6) ص 300.
(7) المهذب 1: 34.
(8) حكي عنه في كشف اللثام 1: 93، ولم نعثر عليه في المقنعة.
(9) المغني 1: 8 4 3، بدائع الصنائع 1: 44.
(10) كما في الإنتصار: 31، والخلاف 1: 101.
(11) ص 466.
471

بالزائد عن السبع أو السبعين كما في المنتهى، وعن التحرير (1)، وبعض آخر، وإن
ظن ذلك، إلحاقا لها بالجنب، مع أن في التخصيص فيه كلاما قد مر.
ومنه يظهر عدم اتجاه القول بعدم الكراهة مطلقا كما في المدارك (2).
ويكره لها أيضا حمل المصحف مع العلاقة وبدونها، ولمس هامشه وبين
سطوره، لما مر في بحث الجنب (3).
والخضاب اتفاقا كما صرح به جماعة (4)، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى المستفيضة (5) الكاشفة عن مرجوحيته دون تحريمه، لعدم
اشتمالها على ما يفيده.
مع أن بإزائها مستفيضة أخرى دالة على نفي البأس عنه وجوازه التي هي
كالقرينة على إرادة الكراهة من الأولى.
مضافا إلى الأصل والاجماع المستقلين في نفي الحرمة لو تعارضتا.
ولا تضر فتوى الصدوق بأنه لا يجوز (6)، في ثبوت الاجماع، مع أن استعماله
في كلامه في شدة الكراهة كثير.
والظاهر اختصاص الكراهة بما يتعارف من المخضوب وما يختضب به،
لانصراف المطلق إليه. فلا كراهة في خضاب غير اليد والرجلين والشعور، وفاقا
للمفيد (7). ولا في غير الحناء طباقا للديلمي (8)، وإن كان الظاهر إلحاق الوسمة به

(1) المنتهى 1: 110، التحرير 1: 15.
(2) المدارك 1: 347
(3) ص 304.
(4) كالمحقق في المعتبر 1: 233، والعلامة في المنتهى 1: 115، والتذكرة 1: 28.،
(5) انظر الوسائل 2: 352 أبواب الحيض ب 42.
(6) الفقيه 1: 51.
(7) المقنعة: 58.
(8) المرا سم: 44.
472

أيضا. وقد يقال بالتعميم فيهما (1). وليس بجيد.
الثامنة: في توقف جواز صومها وصحته بعد انقطاع الدم على الغسل
قولان:
الأول للأكثر، وهو الأظهر.
لا لصدق الحائض عليها، لعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق
لاشتراطه في مثل ذلك كما بين في موضعه، مع إمكان المعارضة لولاه بصدق
الطاهر.
ولا لعدم صحته من المستحاضة فمن الحائض أولى، لكونها أغلظ حدثا
منها؟ لكونه قياسا.
ولا لاستصحاب ما ثبت بالحيض! لمعارضته مع استصحاب صحته الثابتة
قبل الحيض، حيث لم يثبت المنع زائدا على حال الدم. مع أن المسلم عدم صحة
الصوم من الحائض، وهذه ليست بحائض، فلا يستصحب، لتغير الموضوع.
بل لموثقة أبي بصير المنجبر ضعفها - لو كان - بالشهرة: " إن طهرت بليل
من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت كان عليها قضاء ذلك
اليوم " (2) ويتعدى إلى غير رمضان بعدم الفصل.
والثاني عن العماني (3)، ونهاية الإحكام (4)، واستقواه في المدارك (5)، وتردد في
المعتبر (6)، للأصل، وعموم أوامر الصوم، وضعف الرواية.
وجوابه ظاهر مما مر.

(1) كما في الرياض 1: 45.
(2) التهذيب 1: 3 39 / 3 1 2 1، الوسائل 2: 1 27 أبواب الحيض ب 1 ح 1.
(3) المنقول عنه في المختلف. 220 توقف صحة صومها على الاغتسال.
(4) نهاية الإحكام 1: 119.
(5) المدارك 1: 5 4 3.
(6) المعتبر 1: 226.
473

وهل تجب الكفارة بالترك أم لا؟ يجئ تحقيقه في بحث الصيام.
التاسع: صرح في المعتبر، والمنتهى، والسرائر، والتحرير (1)، واللوامع
بجواز الأغسال المسنونة التي لا ترفع الحدث عن الحائض واستحبابها لها. وهو
كذلك عملا بعمومات استحبابها الخالية عن المخصص.
وأما حسنة ابن مسلم: عن الحائض تتطهر يوم الجمعة وتذكر الله؟ قال:
" أما الطهر فلا) (2) الحديث، فلا تدل على عدم صحة غسل الجمعة عنها، إذ لا
دليل على كون الطهر غسل الجمعة، ولو دل لما دل على عدم الجواز.
ولا شك في عدم وجوب غسل الجنابة عليها لو كانت جنبا، للاجماع،
والنصوص. ولا في أنها لو اغتسلت للجنابة حال الحيض لم يرتفع حدثها، وفي
المعتبر عليه الاجماع (3)، وتؤيده الحسنة المتقدمة.
وهل يجوز لها غسل الجنابة حينئذ ويكفي عنها لو اغتسلت، فلا يجب عليها
غسل الجنابة ثانيا، ولا تتعلق بها الأحكام المختصة بالجنب، أم لا؟
صرح في المنتهى والتذكرة بعدم الجواز (4) واستدل عليه بما دل على الأمر
بجعل غسلهما واحدا، كموثقتي أبي بصير والخشاب (5)، وبما صرح بأنها لا تغتسل
كصحيحة الكاهلي (6).
يضعف: بأن الجميع خال، عن الأمر والنهي الدالين على الوجوب
والحرمة، بل غايتهما الاخبار المفيد للجواز أو الرجحان. مع أن جعلهما واحدا

(1) المعتبر 1: 1 22، المنتهى 1: 9 1 1، السرائر 5 4 1، التحرير 1: 6 1.
(2) الكافي 3: 100 الحيض ب 14 ح 1، الوسائل 2: 14 3 أبواب الحيض ب 22 ح 3.
(3) المعتبر 1: 225؟؟.
(4) المنتهى 1: 119، التذكرة 1: 28.
(5) التهذيب 1: 5 39 / 1226، 27 2 1، الإستبصار 1: 7 4 1 / 503، 504، الوسائل 1: 263،
أبواب الجنابة ب 43 ح 5، 6.
(6) الكافي 3: 83 الحيض ب 7 ح 1، التهذيب 1: 5 39 / 24 2 1، الوسائل 2: 4 1 3 أبواب
الحيض ب 22 ح 1.
474

ليس بواجب قطعا.
مضافا إلى أنه في موثقة عمار: عن المرأة يواقعها زوجها ثم تحيض قبل أن
تغتسل، قال: (إن شاءت أن تغتسل فعلت، وإن لم تفعل ليس عليها شئ، فإذا
طهرت غسلت غسلا واحدا للحيض والجنابة) (1).
وعن كلام الشيخ في كتابي الحديث أنه يلوح بالجواز (2). فالقول به ليس
ببعيد، والاجماع على خلافه غير معلوم، كيف ولم يصرح بعدم الجواز إلا شاذ من
المتأخرين (3)، وأمر الاحتياط واضح.
العاشرة. لو طرأ الحيض بعد دخول الوقت، فإن مضى منه ما تمكنت فيه
من فعل صلاة تامة ولو مخففة مشتملة على الواجبات خاصة ولم تصلها، وجب
عليها قضاؤها إجماعا - كما صرح به بعض الأجلة (4) - لموثقة يونس: في امرأة إذا
دخل وقت الصلاة وهي طاهرة فأخرت الصلاة حتى حاضت قال: " تقضي إذا
طهرت " (5).
ومضمرة البجلي. عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصل الظهر،
هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال: " نعم " (6).
وموثقة الفضل بن يونس، وفيها. " وإذا رأت المرأة الدم بعدما يمضي من
زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة، فإذا طهرت من الدم فلتقض

(1) التهذيب 1: 396 / 229 1، الإستبصار 1: 7 4 1 / 506، الوسائل 1: 264 أبواب الجنابة.
ب 3 4 ح 7.
(2) التهذيب 1: 6 39، الإستبصار 1: 47 1.
(3) وهو العلامة كما تقدم النقل عنه آنفا.
(4) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 383.
(5) التهذيب 1: 2 39 / 1 1 2 1، الإستبصار 1: 144 / 493 الوسائل 2: 360 أبواب الحيض
ب 8 4 ح 4
(6) التهذيب 1: 394 / 1 2 2 1، الإستبصار 1: 4 4 1 / 94 4، الوسائل 2: 360 أبواب الحيض
ب 8 4 ح 5.
475

صلاة الظهر، لأن وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر، وخرج عنها وقت الظهر
وهي طاهر، فضيعت صلاة الظهر، فوجب عليها قضاؤها " (1).
والتعليل فيها بخروج الوقت أيضا لا يفيد الاختصاص بعد الاطلاقات
المتقدمة، مع أنه مذهب أبي حنيفة (2)، فالتقية فيها محتملة.
ولا ينافي وجوب القضاء إطلاق خبر أبي الورد: في المرأة تكون في صلاة
الظهر وقد صلت ركعتين ثم ترى الدم، قال. (تقوم من مسجدها ولا تقضي
الركعتين) (3).
وموثقة سماعة: عن امرأة صلت من الظهر ركعتين ثم إنها طمثت وهي
جالسة، قال: " تقوم من مسجدها ولا تقضي تلك الركعتين " (4).
حيث دلتا بضميمة الاجماع المركب على عدم القضاء مطلقا وإن كانت
متمكنة من إتمام الصلاة طاهرا؟ لأنهما مقيدتان بما إذا لم تكن كذلك إجماعا.
مع أنه لو سلم التعارض فغايته التساقط، وتبقى عمومات موجبات قضاء
الفوائت خالية عن المعارض.
نعم، تتعارضان فيما إذا لم تتمكن من إتمام الصلاة في الوقت وتمكنت من
نصفها أو الأقل.، فمقتضى الاطلاقات الأولى القضاء، ومقتضى الثانية العدم.
ويجب تقديم الثانية؟ لأخصيتها بل موافقتها ظاهر الاجماع، وإن أطلق في النهاية،
والوسيلة (5) وجوب القضاء إذا دخل الوقت.

(1) الكافي 3: 102 الحيض ب 5 1 ح 1، التهذيب 1: 389 / 99 1 1، الإستبصار 1: 42 1 / 485،
الوسائل 2: 359 أبواب الحيض ب 48 ح 1،
(2) قال ابن حزم الظاهري في المحلى 2: 175 وإن حاضت. امرأة في أول وقت الصلاة أو في آخر الوقت
ولم تكن صلت سقطت عنها ولا إعادة عليها فيها وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي وأصحابنا.
(3) الكافي 3: 103 الحيض ب 15 ح 5، التهذيب 1: 2 39 / 1210، الإستبصار 1: 4 14 / 5 9 4،
الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 8 4 ح 3.
(4) التهذيب 1: 394 / 1220 الوسائل 2: 360 أبواب الحيض ب 48 ح 6.
(5) النهاية: 27، الوسيلة: 59.
476

واحتمال إرادة مطلق الفعل من القضاء دون مقابل الأداء في الثانية، حيث
لم تتحقق فيه الحقيقة الشرعية في المعنى الآخر، فيمكن أن يكون المراد عدم فعل
الركعتين الباقيتين حينئذ، فلا يفيد في نفي القضاء في النصف فما دونه! مردود
ببعده في خبر أبي الورد، لمكان تعريف الركعتين بعد ذكرهما بالتنكير، فإن الظاهر
المتبادر حينئذ هو الركعتان الأوليان، ولا شك أن القضاء فيهما بالمعنى المصطلح.
ويؤكده كونه بذلك المعنى قطعا فيما بعده في الركعة الأخيرة من المغرب. بل
وكذلك في الموثقة، لمكان لفظ " تلك " فإن الظاهر أنه إشارة إلى الركعتين اللتين
فعلهما وعدم قضائهما بالمعنى المصطلح قطعا.
وعلى هذا، فلا شك في عدم وجوب القضاء مع عدم التمكن من أكثر
الصلاة بل وكذلك مع التمكن من الأكثر ما لم تتمكن من الاتمام على الأشهر،
بل عن الخلاف الاجماع عليه، للأصل، وتبعية وجوب القضاء لوجوب الأداء،
كما استدل به بعضهم (1)، وتوقف القضاء على أمر جديد، كما استدل به آخر (2).
ويضعف الأول: بإطلاق المضمرة (3). والثاني: بالمنع. والثالث: بوجود
الأمر الجديد في المضمرة ومقتضاها وجوب القضاء مطلقا، خرج ما لم تتمكن من
الأكثر بما مر، فيبقى الباقي، كما هو المحكي عن السيد (4)، والإسكافي (5)، وفي
المدارك (6) عن الصدوق أيضا. وهو الأحوط بل الأقوى.
ولا تعارضها عمومات سقوط الصلاة عن الحائض لأعميتها، مع أن في
شمولها للمورد تأملا.

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 113.
(2) كالمدارك 1: 342، والحدائق 3: 249.
(3) المتقدمة ص 475.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 38.
(5) المدارك 1: 342 فيه: نقل عن ظاهر المرتضى وابن بابويه.
(6) كالمدارك 1: 342، والحدائق 3: 249.
477

نعم، يعارضها إطلاق خبر أبي الورد، وموثقة سماعة. ولكنه لا يفيد؟
لوجوب الرجوع إلى موجبات القضاء حينئذ.
مع أنه يؤيده خبر أبي الورد: " وإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد
صلت ركعتين فلتقم من مسجدها، فإذا طهرت فلتقض الركعة التي فاتتها من
المغرب " (1) يحمل قضاء الركعة على قضاء الصلاة مجازا، أو المراد بالركعة التي فاتتها
مجموع الركعات حيث إنها فاتت بفوات ركعة.
وتظهر مما ذكرنا: قوة القول بوجوب القضاء مع عدم مضي زمان الطهارة
أيضا، لامكان التقديم على الوقت، كما احتمله الفاضل في النهاية (2)، وإن خالف
فيه الأكثر إذا لم يأت بها قبل الوقت، بناء على عدم جواز الأمر بالصلاة مع عدم
مضي زمان الطهارة لاستلزامه التكليف بالمحال.
ويضعف. بعدم التابعية بين الأداء والقضاء.
وأما مع الاتيان بها قبل الوقت فعدم الاشتراط أظهر، لامكان التكليف
حينئذ.
الحادية عشر: لو طهرت في آخر الوقت بقدر الصلاتين، وجبتا أداء
وبقدر إحداهما وجبت كذلك، وكذا يجب فعل ما يدرك بقدر ركعة منها في الوقت.
ويأتي تفصيل المسألة في باب المواقيت.
الثانية عشرة: يحرم وطؤها بالاجماع والكتاب والسنة، بل قيل: بالضرورة
الدينية (3). ولذا حكم بكفر مستحله لو لم يدع شبهة محتملة.
وصرح جماعة (4) بتفسيق الواطئ مع عدم الاستحلال.
وفيه نظر على القول بتخصيص الكبائر بما أوعد الله سبحانه عليه النار

(1) تقدم مصدره في ص 76 4.
(2) نهاية الإحكام 1: 317.
(3) كما في الروض: 76.
(4) منهم العلامة في التذكرة 1: 28، وصاحب المدارك 1: 35.
478

صريحا في كتابه.
وفي تعزيره بما يراه الحاكم، أو بثمن حد الزاني، أو ربعه احتمالات:
أولها للأكثر لإناطة التعزيرات بنظره في غير المنصوص.
ويضعف. بمنع عدم النص، مع أن لي في ثبوت التعزير في كل غير
منصوص نظرا.
وثانيها لولد الشيخ. وصرحوا بأنه لا مأخذ له (1).
وثالثها لبعض الثالثة (2)، كما نقله والدي العلامة، ونفي - رحمه الله - عنه
البعد لخبر الهاشمي: عن رجل أتى أهله وهي حائض، قال: يستغفر الله ولا
يعود " قلت: فعليه أدب؟ قال: " نعم خمسة وعشرون سوطا ربع حد الزاني) (3).
وبمضمونه خبر ابن مسلم (4).
وهو الأظهر، لذلك. والشذوذ المخرج عن الحجية فيهما غير ثابت.
ولا يعارضه المروي في تفسير القمي. " من أتى امرأته في الفرج في أول
حيضها فعليه أن يتصدق بدينار، وعليه ربع حد الزاني خمسة وعشرون جلدة
وإن أتاها في غير أول حيضها فعليه أن يتصدق بنصف دينار ويضرب اثنتي عشرة
جلدة ونصفا) (5) لضعفها.
ولا شئ عليه لو جهل الحكم أو الموضوع أو نسيه لعمومات رفع الخطأ
والنسيان.

(1) كما صرح به في جامع المقاصد 1: 43، والروض: 77.
(2) كما اختاره في الحدائق 3: 260.
(3) الكافي 7: 2 4 2 الحدود ب 8 4 ح 3 1، التهذيب 10: 5 4 1 / 575، الوسائل 28: 378 أبواب
بقية الحدود ب 13 ح 2.
(4) الكافي 7: 243 الحدود باب 48 ح 20، التهذيب 10: 45 1 / 576، الوسائل 28: 377 أبواب
بقية الحدود ب 13 ح 1.
(5) تفسير القمي 1: 73، الوسائل 2: 328 أبواب الحيض ب 28 ح 6.
479

وتوقف بعضهم في جاهل الحكم لعدم معذوريته إلا فيما استثنى (1). وهو
حسن في التحريم إذا لم يكن ساذجا.
وأما الحد فهو ساقط عن الجاهل كما ورد في الأخبار.
ويلحق بأيام الحيض أيام الاستظهار مطلقا على ما اخترناه من حيضيته،
دون ما بينه وبين العشرة وإن قلنا بحيضيته مع عدم التجاوز؟ لأصالة الإباحة،
وعدم الانقطاع، أي بقاء الحالة الكائنة لها.
فإن عورضت بأصالة عدم التجاوز - حيث إن الدم في كل آن متجدد
حادث - تتساقطان وتبقى أصالة الإباحة.
والمناط في التحريم العلم بالحيضية شرعا، فلا يضر احتماله بل ولا ظنه،
إلا المستند إلى قول المرأة نفسها، فإنه يتبع في المورد إجماعا ظاهرا. وفي الحدائق:
إنه لا إشكال فيه ولا خلاف (2). وقيل: بلا خلاف بين الطائفة (3)، بل نفى
الخلاف في القبول مع عدم التهمة الشامل لصورة عدم حصول الظن بالخلاف
مطلقا، وفي اللوامع. إنه، مجمع عليه.
وهو الحجة فيه، مضافا إلى ظاهر قوله سبحانه: ولا يحل لهن أن يكتمن
ما خلق الله في أرحامهن " (4).
وصحيحة زرارة: " العدة والحيض إلى النساء " (5) ومثلها حسنته بزيادة
قوله: (إذا ادعت صدقت " (6).

(1) الذخيرة: 71.
(2) الحدائق 3: 261.
(3) كما في الرياض 1: 43.
(4) البقرة: 228.
(5) التهذيب 1: 398 / 1243، الإستبصار 1: 48 1 / 510، الوسائل 2: 358 أبواب الحيض
ب 7 4 ح 2.
(6) الكافي 6: 101 الطلاق ب 35 ح 1، التهذيب 8: 65 1 / 575، الإستبصار 3: 356 / 1276
الوسائل 2: 8 35 أبواب الحيض ب 47 ح 1.
480

وقوله عليه السلام في رواية ابن تغلب: " إنما عليك أن تصدقها في
نفسها " (1).
ولتعذر إقامة البينة عليه؟ إذ غايته مشاهدة الدم وهو غير كاف في الحكم
بالتحيض، فيقبل قولها فيه لعموم العلية المستفادة من رواية الأشعري بعد
حكمه عليه السلام بأنه ما عليه شئ في قبول قولها في الزوج، بأنه: " أرأيت لو
سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟ " (2).
ولا تنافيها رواية السكوني ومرسلة الصدوق: في امرأة ادعت أنها حاضت
في شهر واحد ثلاث حيض " كلفوا نسوة من بطانتها أن حيضها كان فيما مضى على
ما ادعت، فإن شهدت صدقت، وإلا فهي كاذبة، (3) لاحتمال اختصاصها
بموردها، حيث إن الدعوى فيها مخالفة للعادة. وحملها على صورة التهمة لا وجه
له.
ومنه يظهر وجوب قبولها مع احتمال صدقها أيضا.
وهل يجب مع ظن الكذب أم لا؟
الأول عن نهاية الفاضل، وذكرى الشهيد (4)، وفي الحدائق (5)، واللوامع
لعموم الأخبار.
والثاني عن التذكرة والروض (6)، لاستصحاب الإباحة، وعدم تبادر
التهمة من المعتبرة.

(1) الكافي 5: 2 46 النكاح ب 105 ح 1، الوسائل 1 2: 30 أبواب المتعة ب 10 ح 1 (وانظر
الهامش منه).
(2) التهذيب 7: 53 2 / 1094، الوسائل 1 2: 32 أبواب المتعة ب 10 ح 5.
(3) التهذيب 1: 398 / 1242، الإستبصار 1: 48 1 / 1 51، الفقيه 1: 55 / 207 مرسلا،
الوسائل 2: 358 أبواب الحيض ب 7 4 ح 3.
(4) الذكرى: 5 3.
(5) الحدائق 3: 262.
(6) ا لتذكرة 1: 28، الروض 77.
481

ويضعف الأول. باندفاعه بما مر. مع أنه غير جار في الحيض السابق إذا
أخبرت عن بقائه.
والثاني: بعدم كفاية عدم تبادرها، بل اللازم تبادر عدم التهمة. وهو
ممنوع.
وأما إخبارها عن الطهر، فإن كان مع عدم معلومية الحيض سابقا فيقبل
قطعا؟ للاستصحاب. ونفى عنه الخلاف في اللوامع.
وإن كان عن حدوث طهر بعد سبق حيض، ففي اللوامع. إن الاحتياط
هنا مع التهمة الاجتناب؟ للاستصحاب مع عدم القطع بالمزيل.
والظاهر القبول هنا أيضا مطلقا، لظاهر الأخبار المتقدمة.
وكما يحرم الوطئ على الزوج يحرم التمكين على الزوجة مع إمكان العدم؟
لكونه إعانة على الإثم، ووجوب النهي عن المنكر، وهو هنا يتحقق بالامتناع.
ومنه يظهر عدم إثم على الزوج لو غرته، أو أكرهته، أو استدخلت ذكره في
النوم! إذ لا إثم على الزوج حينئذ ولا منكر عنه.
وقد صرح المحقق الثاني في شرح القواعد (1)، ووالدي في اللوامع بتأثيمها
وتعزيرها بذلك.
وهو كان حسنا لو ثبت حرمة التمكين عليها مطلقا، وهو غير معلوم، ولذا
استدلوا عليها بكونه معاونة على الإثم. وأمر الاحتياط واضح.
ثم التحريم مختص بالجماع في القبل، فيجوز الاستمتاع بما عداه، أما فيما
فوق السرة وتحت الركبة فبالاجماع المحقق، والمحكي في كلام جماعة منهم:
المنتهى، والتذكرة، والمعتبر (2)، واللوامع، وغيرها.
وأما فيما بينهما - ولو بالوطئ في الدبر - فعلى الحق الموافق لصريح السرائر،

(1) جامع المقاصد 1: 321.
(2) المنتهى 1: 1 1 1، التذكرة 1: 27، المعتبر 1: 4 2 2.
482

وظاهر المعتبر، والشرائع، والنافع (1)، والمنتهى، والتذكرة، والقواعد، والنهاية (2)،
والدروس، والبيان (3)، وعن ظاهر الاقتصاد، والتحرير، والمختلف (4)، والتبيان،
ومجمع البيان (5). بل عن ظاهر الأخيرين وصريح الخلاف (6): الاجماع عليه،
وجعله في الأول الأظهر من المذهب، ونسبه في الثاني إلى جمهور الأصحاب، وفي
الثالث إلى الأكثر (7).
للأصل، وعمومات الاستمتاع من النساء من الكتاب والسنة وإطلاقاتها.
والقول بانصرافها إلى الشائع وهو حال الطهر، مردود: بأنه فرع شيوع المنع
منه حالة الحيض، وهو أول الكلام.
والمستفيضة من النصوص، كرواية عبد الملك: ما لصاحب المرأة الحائض
منها؟ قال: " كل شئ ما عدا القبل بعينه " (8).
ومرسلة ابن بكير: " إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى
موضع الدم " (9). ورواية ابن حنظلة (10).
ولا ينافي عمومها الشامل للدبر ما دل على حل ما دون الفرج له، كروايات

(1) السرائر 1: 150، الشرائع 1: 31، النافع: 10.
(2) القواعد 1: 15، نهاية الإحكام 1: 122.
(3) الدروس 1: 101، البيان: 62.
(4) الإقتصاد: 245، التحرير 1: 15 المختلف: 34.
(5) التبيان 2: 220، مجمع البيان 1: 319.
(6) الخلاف 1: 227.
(7) لم نعثر عليه في الشرائع وهو موجود في المنتهى 1: 111.
(8) الكافي 5: 538 النكاح ب 175 ح 1، التهذيب 1: 154 / 437، الإستبصار 1: 128 / 438
وفيه: عبد الكريم بدل عبد الملك، الوسائل 2: 321 أبواب الحيض ب 25 ح 1
(9) التهذيب 1: 154 / 436، الإستبصار 1: 128 / 437، الوسائل 2: 322، أبواب الحيض
ب 25 ح 5.
(10) التهذيب 1: 155 / 442، الإستبصار 1: 129 / 440، الوسائل 2: 322 أبواب الحيض
ب 25 ح 7.
483

أبناء سنان (1) وعمرو (2) وعمار (3) إذ الظاهر من الفرج القبل، فهي توافقه ولا
تنافيه.
ولو سلم عدم الظهور فلا ظهور له في شمول الدبر، إذ ليس المراد منه معناه
اللغوي قطعا، بل هو إما فرجة مخصوصة أو معهودة. وشمولها للدبر غير معلوم.
ولا ما نهى عن الايقاب بقول مطلق، كصحيحة ابن يزيد: ما للرجل من
الحائض؟ قال: ما بين أليتيها ولا يوقب، (4) لعدم تعيين ما يوقب فيه.
مع أنه لا دلالة لها إلا على مرجوحية الايقاب مطلقا، وهو مسلم، فهي
أيضا من أدلة المطلوب،. لعموم صدرها الخالي عن المخصص.
مع أنه لو سلم منافاتهما، لكانت بالعموم من وجه، فيرفع اليد عنهما ويرجع
إلى أصل الإباحة.
خلافا للمحكي عن السيد (5) فمنع عما بين السرة والركبة، للأمر
بالاعتزال في المحيض، والنهي عن قربهن (6).
وصحيحة الحلبي. في الحائض ما يحل لزوجها منها؟ قال: تتزر بإزار إلى
الركبتين وتخرج سرتها، ثم له ما فوق الإزار " (7). ومثلها موثقة أبي بصير (8) بتبديل
السرة بالساق

(1) الكافي 5: 539 النكاح ب 5 7 1 ح 3، الوسائل 2: 321 أبواب الحيض ب 25 ح 3.
(2) الكافي 5: 539 النكاح ب 5 7 1 ح 4، الوسائل 2: 2 32 أبواب الحيض ب 25 ح 4،
(3) الكافي 5: 538 النكاح ب 5 7 1 ح 2، الوسائل 2: 321 أبواب الحيض ب 25 ح 2.
(4) التهذيب 1: 5 5 1 / 3 4 4، الإستبصار 1: 29 1 / 1 4 4، الوسائل 2: 322 أبواب الحيض
ب 25 ح 8.
(5) حكى عنه في المعتبر 1: 224.
(6) البقرة 222.
(7) الفقيه 1: 54 / 204، الوسائل 2: 323 أبواب الحيض ب 26 ح 1.
(8) التهذيب 1: 154 / 440، الإستبصار 1: 29 1 / 43 4، الوسائل 2: 323 أبواب الحيض
ب 26 ح 2.
484

وصحيحة البصري. عن الرجل ما يحل له من الطامث؟ قال: (لا شئ:
حتى تطهر " (1) خرج ما خرج بالاجماع، فيبقى الباقي.
يضعف الاستدلال بالآيتين (2): بأن حقيقة عدم القرب والاعتزال ليست
مرادة إجماعا، ولا يجوز جعلهما من باب المطلق المقيد أو العام المخصص حتى
يبقى ما عدا الثابت خروجه، لاستلزامه خروج الأكثر.
مع أن ما هو حقيقة عدم القرب والاعتزال لا يختلف بالاستمتاع فيما بين السرة
والركبة وغيره، بل هو أمر خارج عن حقيقتهما، فتأمل. فيجب المصير إلى التجوز.
وإرادة ترك الوطئ في القبل ليست مرجوحة عن غيره بل هو أولى بها، للشيوع.
مع إمكان إرادة مكان الحيض من الآية الأولى، بل هو - كما قيل (3) - أولى
من المصدر واسم الزمان لخلوه عن الاضمار والتخصيص اللازم فيهما، وإن لزم
تخصيص حالة الطهر على إرادة المكان أيضا.
وبالأخبار - بعد تخصيص الأخيرة بما بين السرة والركبة بالاجماع -: بأنها
تعارض ما مر بالعموم من وجه، والترجيح لما مر! لمخالفتها لأكثر العامة (4). مع
أنه لولاه لكان المرجع إلى الأصل أيضا، مضافا إلى عدم دلالة الأولى على حرمة
ما تحت السرة إلا بالمفهوم الضعيف.
والتضعيف (5): بأن نفي الحل الظاهر في متساوي الطرفين لا يثبت الحرمة،
ضعيف لأن المتبادر منه نفي مطلق الجواز.

(1) التهذيب 1: 55 1 / 4 4 4، الإستبصار 1: 130 / 45 4، الوسائل 2: 320 أبواب الحيض
ب 24 ح 12 والرواية مروية عن علي بن الحسن فهي موثقة وليست بصحيحة بحسب الاصطلاح.
(2) لا يخفى أنه ليست هنا إلا آية واحدة كما أشرنا إليها.
(3) الحدائق 3: 4 26، الرياض 1: 46.
(4) نقل في بداية المجتهد 1: 56 عن مالك والشافعي وأبي حنيفة أن له منها ما فوق الإزار، وفي نيل الأوطار 1: 324 أنه ذهب أكثر العلماء إلى التحريم.....
(5) كما ضعفه في الحدائق 3: 264.
485

ثم بما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال بها على الكراهة أيضا. ولكن فتوى
الأكثر بها ودعوى جماعة (1) الشهرة عليها كافية في إثباتها، فعليها الفتوى. ونفيها
- كبعض مشايخنا الأخباريين (2) - غير جيد.
الثالثة عشرة: لو وطئها زوجها عالما عامدا وجبت عليه الكفارة بدينار في
أوله، ونصفه في وسطه، وربعه في آخره، وفاقا في الوجوب بل التفصيل للمحكي
عن الصدوقين (3)، والسيد، والمفيد، والمبسوط، والخلاف، والجمل والعقود (4)،
وأبناء البراج وحمزة وإدريس وزهرة (5)، واختاره غير واحد من مشايخنا (6). بل عليه
في الانتصار، وعن الغنية، والخلاف، الاجماع، ونسب دعواه إلى السرائر
أيضا (7). وليس كذلك، بل قال: لأصحابنا فيه قولان. نعم جعل الوجوب
الأظهر من المذهب. ونسبه في التذكرة إلى أكثر علمائنا (8)، وجماعة (9) إلى أكثر
القدماء.
للرضوي: " إن جامعت امرأتك في أول الحيض تصدق بدينار، وإن كان
في وسطه فنصف دينار، وإن كان في آخره فربع دينار " (10).

(1) منهم الشهيد الثاني في الروض 81.
(2) الحدائق 3: 265.
(3) الفقيه 1: 53، الهداية: 9 6، ونقله في المعتبر 1: 1 23 عن علي بن بابويه أيضا.
(4) الإنتصار 33، المقنعة: 55، المبسوط 1: 41، الخلاف 1: 225، الجمل والعقود (الرسائل
العشر: 162.
(5) المهذب 2: 23 4، الوسيلة 58، السرائر 1: 4 4 1، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
(6) كصاحب الحدائق 3: 268، والسبد بحر العلوم في الدرة: 35.
(7) نسبه في الرياض 1: 44.
(8) التذكرة 1: 27.
(9) منهم صاحب الرياض، وفي الحدائق 3: 265 أنه المشهور بين المتقدمين.
(10) فقه الرضا عليه السلام 26 2، المستدرك 2: 1 2 أبواب الحيض ب 23 ح 1.
486

والمروي في المقنع: " إذا جامعها في أول الحيض فعليه أن يتصدق بدينار،
وإن كان في نصفه فنصف دينار، وإن كان في آخره فربع دينار " (1).
وضعفهما بعد انجبارهما بما ذكر غير ضائر.
ويؤيده بل يدل على التفصيل: رواية داود في كفارة الطمث: " أن يتصدق
إذا كان في أوله بدينار، وفي وسطه نصف دينار، وفي آخره ربع دينار) قلت: فإن
لم يكن عنده ما يكفر؟ قال: " فليتصدق على مسكين واحد، وإلا استغفر الله ولا
يعود، فإن الاستغفار توبة وكفارة لمن لم يجد السبيل إلى شئ من الكفارة " (2).
ولا تضرها رواية القمي، المتقدمة (3)، ورواية محمد: عن الرجل يأتي المرأة
وهي حائض، قال: " يجب عليه في استقبال الحيض دينار وفي استدباره نصف
دينا ر " (4).
وموثقة أبي بصير: (من أتى حائضا فعليه نصف دينار " (5).
ومضمرة محمد: عمن أتى امرأته وهي طامث، قال: " يتصدق بدينار " (6).
فإنها مطلقة من جهة وقت الحيض بالنسبة إلى الأخبار الأولى، والمطلق لا
ينافي المقيد بل يحمل عليه، فهي أيضا أدلة لبعض المطلوب.
ولا حسنة الحلبي: عن الرجل يقع على امرأته وهي حائض، ما عليه؟

(1) المقنع: 6 1، الوسائل 2: 328 أبواب الحيض ب 28 ح 7
(2) التهذيب 1: 164 / 471، الإستبصار 1: 134 / 09 4، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض
ب 28 ح 1.
(3) ص 79 4. رقم 5.
(4) الكافي 7: 3 4 2 الحدود ب 8 4 ح 20، التهذيب 10: 5 4 1 / 576، الوسائل 28: 377 أبواب
بقية الحدود ب 13 ح 1.
(5) التهذيب 1: 63 1 / 68 4، الإستبصار 1: 133 / 56 4، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض
ب 28 ح 4.
(6) التهذيب 1: 63 1 / 467، الإستبصار 33 1 / 55 4، الوسائل 2: 327 أبواب الحيض ب 28
ح 3.
487

قال: " يتصدق على مسكين بقدر شبعه " (1).
لأعميتها مطلقا مما مر، حيث يختص ما مر بالعالم العامد وواجد للكفارة
اجماعا ونصا.
مضافا إلى أن رجحان التصدق على مسكين لا ينافي وجوب غيره أيضا.
وعدم ذكره مع السؤال عما يجب عليه لا ينفي الوجوب، لجواز مصلحة فيه،
وكونه مقام الحاجة غير معلوم. ولو فرض منافاته له فتكون الرواية شاذة، لعدم
مفت بمضمونها إلا عن نادر (2).
وبهذين الوجهين يظهر عدم مضرة حسنته الأخرى، وموثقة عبد الملك.
الأولى: عن رجل واقع امرأته وهي حائض، فقال: " إن كان واقعها في
استقبال الدم فيستغفر الله، ويتصدق على سبعة نفر من المؤمنين بقدر قوت كل
رجل منهم ليومه، ولا يعد، وإن كان واقعها في إدبار الدم في آخر أيامها قبل
الغسل فلا شئ عليه " (3).
الثانية. عن رجل أتى جاريته وهي طامث، قال: " يستغفر الله) قال
عبد الملك: فإن الناس يقولون. عليه نصف دينار أو دينار! فقال أبو عبد الله عليه
السلام: " فليتصدق على عشرة مساكين " (4).
مضافا في الأولى إلى أن الظاهر من جزئها الأخير أنه بعد الطهر وقبل
الغسل، ولا أقل من الشمول له الموجب للأعمية المطلقة مما مر الباعث

(1) التهذيب 1: 63 1 / 69 4، الإستبصار 33 1 / 57 4، الوسائل 2: 328 أبواب الحيض ب 28
ح 5.
(2) الصدوق في المقنع: 16.
(3) الكافي 7: 2 6 4 الأيمان والنذور والكفارات ب 8 1 ح 3 1، الوسائل 22: 1 39 أبواب الكفارات
ب 22 ح 2.
(4) التهذيب 1: 4 6 1 / 70 4، الإستبصار 1: 33 1 / 458، وفيه. عبد الكريم بدل عبد الملك،
الوسائل 2: 327 أبواب الحيض ب 28 ح 2.
488

للتخصيص.
وفي الثانية إلى احتمال أن يكون عدم ذكره للكفارة أولا للتقية، حيث إنه
مذهب أبي حنيفة ومالك (1) المشتهر في عصره عليه السلام، فلما ذكر الراوي إيجاب
العامة لها أيضا حيث إنهم يروونها عن ابن عباس (2)، وهو مذهب أحمد وأحد قولي
الشافعي، أمر عليه السلام أيضا بالكفارة وقال: " فليتصدق " هذه الكفارة الواجبة
" على عشرة مساكين " ولا بعد أن يكون الراجح في الكفارة هذا النوع من
التقسيم.
ومما ذكر من اشتهار عدم الوجوب عند رؤساء منافقي عصره يظهر عدم
مضرة ما دل على نفيها مطلقا أيضا، كصحيحة العيص: عن رجل واقع امرأته
وهي طامث، - إلى أن قال -: قلت. إن فعل عليه كفارة؟ قال: " لا أعلم فيه
شيئا، يستغفر الله " (3).
وموثقة زرارة: عن الحائض يأتيها زوجها، قال: " ليس عليه شئ، يستغفر
الله " (4).
وخبر المرادي: عن وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطأ، قال. " ليس
عليه شئ وقد عصى ربه " (5).
والمروي في الدعائم: " من أتى حائضا فقد أتى ما لا يحل له، وعليه أن

(1) بداية المجتهد 1: 59، المغني 1: 350.
(2) سنن أبي داود 1: 69 / 264.
(3) التهذيب 1: 164 / 472، الإستبصار 1: 134 / 460، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض
ب 29 ح 1.
(4) التهذيب 1: 165 / 474، الإستبصار 1: 134 / 462، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض
ب 29 ح 2.
(5) التهذيب 1: 65 1 / 473، الإستبصار 1: 134 / 1 46، الوسائل 2: 329 أبواب الحيض
ب 29 ح 3.
489

يستغفر الله ويتوب من خطيئته، وإن تصدق مع ذلك فقد أحسن) (1).
مضافا إلى عموم غير الأخير بالنسبة إلى المتمكن وغيره وخصوص ما مر،
فيجب التخصيص.
وورود ما قبله في الخاطئ وليس عليه كفارة إن كان خطؤه في الموضوع - كما
هو أحد احتماليه - إجماعا، ومطلقا عند طائفة.
ولا ينافيه قوله: " وقد عصى " لوجوب حمله على ضرب من التجوز بقرينة
الخطأ.
وتحقق العصيان. بترك الفحص - على الحمل على الجهل بالحكم وإمكان
العكس - لا يفيد! لكفاية الاحتمال في سقوط الاستدلال. بل لنا أن نقول
بشمول ما تقدم عليه أيضا للخاطئ، ولا ينافيه الاستغفار؟ لأنه راجح في كل
حال.
وأما الأخير، فمع عدم دلالته على نفي الوجوب، ضعيف لا يصلح لمقاومة
ما مر.
فالقول بعدم الوجوب لبعض ما ذكر، وللأصل. المندفع بما مر، ولاختلاف
الأخبار الموجبة، المعلوم وجهه مع عدم صلاحيته لنفي الايجاب، كما في المنتهى
ناسبا له إلى أكثر أهل العلم (2)، والتذكرة، ونهاية الإحكام، والمعتبر، وظاهر
الشرائع، والنافع (3)، والمحقق الثاني (4)، ووالدي العلامة، وعن نكاح
المبسوط (5)، ونسب إلى أكثر المتأخرين (6)، ضعيف، كالتوقف، كما هو ظاهر

(1) الدعائم 1: 127، المستدرك 2: 2 2 أبواب الحيض ب 24 ح 1.
(2) المنتهى 1: 115.
(3) التذكرة 1: 28، نهاية الإحكام 1: 1 2، المعتبر 1: 1 23، الشرائع 1: 31 وفيه والوجوب أحوط،
ا لنا فع 10.
(4) جامع المقاصد 1: 321.
(5) المبسوط 4: 242.
(6) كما نسبه في الرياض 1: 44.
490

الدروس، والبيان، وعن اللمعة (1)، وشيخنا البهائي (2)، والتفرقة بين الشاب
والمضطر وغيرهما، كما عن الراوندي (3).
فروع:
أ: تلحق بالزوجة المشتبهة والمزني بها؟ لاطلاق بعض الأخبار، وعدم
الفصل.
ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة! لعموم بعض الأدلة.
نعم، فرق بين الحرة والأمة، فإن ما ذكر مخصوص بالحرة.
وأما الكفارة في الأمة فثلاثة أمداد من الطعام، وفاقا للصدوق، والشيخ في
كفارات النهاية، والسيد في كفارات الانتصار (4)، والسرائر، والمعتبر، والمنتهى،
والقواعد، والبيان، والدروس (5). بل في الثالث. الاجماع على وجوبه، وعن
الرابع: في الخلاف عنه.
لمرسلة الفقيه وفي آخرها: من جامع أمته وهي حائض تصدق بثلاثة أمداد
من الطعام) (6).
والرضوي: وإن جامعت أمتك وهي حائض تصدقت بثلاثة أمداد من
طعام) (7).
ولذلك منضما إلى عدم القول بالجمع بين ذلك وبين الدنانير يقيد إطلاق
بعض الأخبار.

(1) الدروس 1: 101، البيان 63، اللمعة (الروضة البهية): 108.
(2) الحبل المتين: 51.
(3) نقل عنه في الذكرى: 34.
(4) الفقيه 1: 53 المقنع. 6 1، النهاية: 571، الإنتصار: 165.
(5) السرائر 3: 76، المعتبر 1: 232، المنتهى 1: 6 1 1، القواعد 1: 15، البيان 63، الدروس
1: 101.
(6) الفقيه 1: 53 / 200.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 236، المستدرك 2: 21 أبواب الحيض ب 23 ح 1.
491

وهل ذلك على الوجوب؟ كما هو ظاهر الفقيه الانتصار، أو الاستحباب؟
كما هو صريح المعتبر والمنتهى وأكثر عبارات الباقين محتمل للأمرين.
الظاهر الأخير؟ لخلو الروايات عن الدال على الوجوب.
ب: التكفير مختص بالواطئ، فلا كفارة على الموطوء للأصل.
ج: الأظهر الأشهر الموافق لظاهر الأخبار اختلاف الأول والوسط والآخر
باختلاف الحيض الذي وطئ فيه، فالأول لذات الثلاثة الأول (1)، ولذات الأربعة
مع ثلث الثاني، ولذات الخمسة مع ثلثيه، وهكذا، ومثله الوسط والآخر.
وبالجملة التثليث مرعي. بالإضافة إلى أيام الحيض مطلقا، ذات عادة كانت أم
غيرها، كانت العادة عشرة أم لا.
وعن الديلمي (2): تحديد الوسط بما بين الخمسة إلى السبعة. والراوندي (3)
اعتبر العشرة مطلقا فثلثها، فلا وسط لمن حيضها ثلاثة وثلث فما دون، ولا آخر
لمن حيضها سبعة إلا ثلثا، على الاعتبارين، ويفترقان في صاحبة الأربعة والسبعة،
فلا وسط للأول ولا آخر للثاني على الأول، ويتحققان على الثاني، وهما الثلثان
الأخيران من اليوم الرابع أو السابع.
د: الدينار المثقال الشرعي من الذهب الخالص إجماعا؟ المسكوك على
الأصح، وفاقا لجماعة (4)؟ للتبادر. خلافا لآخرين (5)، فاكتفوا بالتبر لاطلاق
الاسم. وهو ضعيف.
والأصح تعيينه، فلا تجزئ القيمة، اقتصارا على ظاهر النص، ومثله

(1) أي الأول - بالنسبة إلى امرأة حيضها ثلاثة أيام - هو اليوم الأول، وبالنسبة إلى امرأة حيضها أربعة
هو اليوم الأول مع ثلث اليوم الثاني....
(2) المراسم: 44.
(3) فقه القرآن 1: 54.
(4) كما اختاره في الذكرى: 35، والمدارك 1: 355، وكشف اللثام 1: 94.
(5) كالعلامة في التحرير 1: 15.
492

النصف والربع، فيشارك الفقير المالك في النصف من دينار أو ربعه.
ومصرفه مصرف سائر الكفارات اللازمة. ولا يلزم فيه التعدد، لاطلاق
النص. ولو قيل برجحان التصدق على عشرة مساكين، لأنه أحد احتمالي رواية
عبد الملك (1)، لم يكن بعيدا.
الرابعة عشرة: يجوز وطؤها بعد الطهر وقبل الغسل وفاقا للمعظم، بل في
الانتصار، والسرائر، وعن الخلاف، والغنية (2)، وظاهر التبيان، والمجمع،
والروض، وأحكام الراوندي (3): الاجماع عليه.
لا لتعليق الاعتزال في الآية (4) على المحيض فينتفي بانتفائه! لانتفاء المفهوم
المعتبر.
ولا لجعل غاية النهي عن المقاربة فيها الطهر في القراءات السبع فلا يحرم
بعده، لعدم ثبوت كون الطهر فيها ولو على قراءة التخفيف بمعنى انقطاع الدم
فيجوز أن يراد به الحالة الحاصلة بعد الغسل وإن لم تثبت له الحقيقة الشرعية في
الغسل عند نزول الآية.
ولا ينافي ذلك ما ورد في الأخبار من أن غسل الحيض سنة (5)، أي لا يثبت
وجوبه من الكتاب، لأن تعليق جواز المقاربة على الغسل غير إيجابه.
بل للأصل، والمستفيضة كصحيحة محمد: في المرأة ينقطع عنها دم الحيض

(1) المتقدمة ص 88 4.
(2) الإنتصار: 34، السرائر 1: 1 5 1، الخلاف 1: 29 2، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
(3) التبيان 2: 1 2 2، مجمع البيان 1: 320، الروض 1 8، فقه القرآن (الأحكام) 1: 5 5.
(4) البقرة: 222.
(5) كذلك أشار إليها في الوسائل 2: ب 1 أبواب الحيض بقوله: وتقدم ما يدل على أنه سنة وأشار إليها
أيضا في شرح المفاتيح - مخطوط - والرياض 1: 6 4، ولم نعثر عليها، فانظر الوسائل 2: أبواب
الجنابة ب 1 والوسائل 2: أبواب الحيض ب 1، و ج 3 أبوب الأغسال المسنونة ب 1 ولعل المراد ما ورد
في رواية سعد بن أبي خلف. الغسل في أربعة عشر موطنا واحد فريضة والباقي سنة (الوسائل:
2: 176 أبواب الجنابة ب 1 ح 11) ولكن الدلالة محل منع كما يظهر بالتأمل في سائر روايات الباب
فراجع وتأمل.
493

في آخر أيامها، قال: " إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغسل فرجها ثم يمسها
إن شاء قبل أن تغتسل " (1).
وموثقة ابن يقطين: عن الحائض ترى الطهر فيقع عليها زوجها قبل أن
تغتسل، قال: " لا بأس، وبعد الغسل أحب إلي) (2).
وموثقة ابن بكير: " إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء " (3).
ومرسلة ابن المغيرة: إذا طهرت من الحيض ولم تمس الماء فلا يقع عليها
زوجها حتى تغتسل، وإن فعل فلا بأس به " وقال: " تمس الماء أحب إلى " (4).
وخلافا للفقيه في غير ما إذا كان الزوج مشبقا فحرمه (5)، واستقواه في
الروض (6)؟ للاستصحاب، والآية مع قراءة التشديد.
وموثقة أبي بصير: عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر، أيقع عليها زوجها
قبل أن تغتسل؟ قال: لا حتى تغتسل " وعن امرأة حاضت في السفر ثم طهرت
فلم تجد ماء يوما أو اثنين، أيحل لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل؟ قال: " لا
يصلح حتى تغتسل) (7) ونحو آخرها موثقة عبد الرحمن " 8).

(1) الكافي 5: 539 النكاح ب 76 1 ح 1، التهذيب 7: 486 / 2 5 9 1، الوسائل 2: 324 أبواب
الحيض ب 27 ح 1.
(2) التهذيب 1: 167 / 481، الإستبصار 1: 136 / 468 الوسائل 2: 324 أبواب الحيض
ب 27 ح 5.
(3) الإستبصار 1: 135 / 464، وفي التهذيب 1: 166 / 476 رواها عن ابن بكير عن بعض
أصحابنا عن علي بن يقطين...، الوسائل 2: 325 أبواب الحيض ب 27 ح 3.
(4) التهذيب 1: 67 1 / 480، الإستبصار 1: 136 / 467، الوسائل 2: 325 أبواب الحيض
ب 27 ح 4.
(5) الفقيه 1: 53.
(6) الروض: 80.
(7) التهذيب 1: 66 1 / 78 4، الإستبصار 1: 136 / 465، الوسائل 2: 326 أبواب الحيض ب 27
ح 6.
(8) التهذيب 1: 399 / 4 4 2 1، الوسائل 2: 3 31 أبواب الحيض ب 21 ح 3.
494

وموثقة ابن يسار: المرأة تحرم عليها الصلاة فتوضأ من غير أن تغتسل،
فلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال: " لا حتى تغتسل) (1).
ويرد الاستصحاب. بالمعارضة مع استصحاب الجواز السابق على
الحيض، حيث لم يعلم المنع زائدا على أيام الحيض.
والآية بمعارضة القراءتين مع أرجحية التخفيف بالشهرة، مضافا إلى أن
إرادة غسل الفرج من التطهير ممكنة.
والأخبار - مع عدم دلالة الأولى بل الأخيرة على الحرمة -: بأن حملها على
الكراهة متعين بقرينة الأخبار السابقة، فلا تعارض.
ولو سلم فالترجيح للأولى، لمخالفتها لأكثر العامة، كما نقلها جماعة من
الخاصة (2).
مع أن إطلاق الثانية مما لم يقل به أحد ممن سبق، حيث إن الصدوق
استثنى الشبق، فلا بد إما من تخصيصها أو حملها على الكراهة، وليس الأول أولى
من الثاني.
ومع تسليم الجميع فغايته التعارض الموجب للرجوع إلى أصالة الجواز.
نعم، يكره ذلك، للاجماع على المرجوحية واشتهار الكراهة، لا لقوله عليه
السلام: " أحب إلي " لعدم دلالته على الكراهة.
وهل تزول الكراهة بغسل الفرج كما صرح في السرائر (3)؟ الظاهر لا
للأصل.
وفي اشتراط زوال الحرمة به وعدمه قولان: الأول للمحكي عن الصدوق،

(1) التهذيب 1: 67 1 / 79 4، الإستبصار 1: 136 / 466، الوسائل 2: 326 أبواب الحيض
ب 27 ح 7.
(2) كالشيخ في الخلاف 1: 70، والعلامة في المنتهى 1: 7 11، وانظر بداية المجتهد 1: 55، والمغني
1: 338.
(3) السرائر 1: 151
495

وصريح الغنية (1)، وظاهر التبيان، والمجمع، وأحكام الراوندي (2)، لكن مخيرا بينه
وبين الوضوء، فحكموا باشتراط أحد الأمرين منهما. ولا دليل على ذلك التخيير.
نعم، ظاهر لفظة " ثم " في الصحيحة (3) كون جواز المس معقبا لغسل
الفرج، وأيضا في خبر الحذاء: عن المرأة الحائض ترى الطهر في السفر وليس معها
من الماء ما يكفي لغسلها - إلى أن قال - قلت: يأتيها زوجها في تلك الحال؟ قال:
" نعم، إذا غسلت فرجها وتيممت فلا بأس " (4).
وفيهما: أنهما لو دلتا لدلتا على شرطية غسل الفرج خاصة أو مع التيمم، ولا
قائل بهما.
مضافا إلى عدم دلالة الأولى على عدم جوازه قبل غسل الفرج بمنطوق ولا
مفهوم، والجواز عقيبه لا يدل على عدمه قبله. بل الثانية أيضا؟ إذ ثبوت البأس
قبله يمكن أن لا يكون للوطئ قبله واشتراطه به، بل لتركه بنفسه. فيكون هو
واجبا نفسيا وإن لم يشترط به جواز الوطئ كما اختاره بعض الأجلة حاكيا له عن
ظاهر الأكثر (5)، وتشعر به عبارة القواعد (6). وهو المختار؟ للأمر به في الصحيحة،
فإن الأمر بالأمر بشئ يدل على وجوبه، وإثبات البأس - الذي هو العذاب - قبله في
خبر الحذاء.
لا أن يكون مستحبا بنفسه، كما عن صريح المعتبر، والمنتهى، والتحرير،
والذكرى، والبيان (7)؟ للأصل، وخلو أكثر الأخبار المجوزة الواردة - على الظاهر -

(1) الفقيه 1: 53، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
(2) التبيان 2: 221، مجمع البيان 1: 320، فقه القرآن (الأحكام) 1: 55.
(3) صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ص 494 رقم 1.
(4) الكافي 3: 82 الحيض ب 6 ح 3، التهذيب 1: 400 / 1250، الوسائل 2: 2 31 أبواب الحيض
ب 21 ح 1.
(5) الفاضل الهندي (منه رحمه الله). كشف اللثام 1: 97.
(6) القواعد 1: 16.
(7) المعتبر 1: 236، المنتهى 1: 8 1 1 التحرير 1: 6 1، الذكرى: 34، البيان: 63.
496

في مقام الحاجة عنه، فلو وجب غسله لزم تأخير البيان عن وقتها.
ويدفع الأصل: بما مر.
ويجاب عن خلو الأخبار: بمنع كونها في مقام الحاجة. وجعله أصلا - كما
قيل - لا أصل له. مع أن التأخير إنما يلزم لو (لم يعدمها) (1) البيان وهو غير معلوم.
ثم إن زمان الاستظهار زمان الحيض استصحابا، فلا يجوز الوطئ فيه.
ويدل عليه أيضا قوية مالك بن أعين: عن النفساء يغشاها زوجها وهي في
نفاسها من الدم، قال: " نعم، إذا مضى بها منذ وضعت بقدر أيام عدة حيضها
ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها، يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن
أحب (2).

(1) في " ق " لم يهدمها.
(2) التهذيب 1: 176 / 505، الوسائل 2: 395 أبواب النفاس ب 7 ح 1
497