الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ١١
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة
ردمك:
ملاحظات:

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه
محمد تقي الإيرواني
الجزء الحادي عشر
منشورات
جماعة المدرسين في الحوزة العلمية
في قم المقدسة
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الرابع
في اللواحق
والكلام يقع في هذا الباب في مقاصد: الأول - في القضاء وهو إما أن يكون
عن الانسان نفسه أو عن غيره من الأموات، فهنا مطلبان: (الأول) - في قضاء
الانسان عن نفسه ما فاته وفيه مسائل:
الأولى - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم
قضاء ما فات بصغر أو جنون أو حيض أو نفاس أو كفر أصلي.
ويدل على الأولين مضافا إلى الاجماع حديث رفع القلم عن الصبي والمجنون (1)
كما ذكره بعض الأصحاب. إلا أن فيه أن غاية ما يدل عليه سقوط الأداء، ويمكن
اتمام الاستدلال به بأنه لما دل على سقوط الأداء - ومن الظاهر عدم ترتب القضاء على
مجرد فوات الأداء بل لا بد له من أمر جديد على الأشهر الأظهر - فلا قضاء حينئذ
لعدم الدليل عليه. وقيد شيخنا الشهيد الثاني في الروض الثاني بما إذا لم يكن
سبب الجنون من فعله وإلا وجب عليه القضاء كالسكران. انتهى. وعلى الثالث

(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات، وسنن أبي داود ج 4 ص 141 حد الزنا
2

والرابع ما تقدم في كتاب الطهارة.
وعلى الخامس مضافا إلى الاجماع المذكور قوله سبحانه " قل للذين كفروا..
الآية " (1) والخبر وهو قوله صلى الله عليه وآله (2) " الاسلام يجب - أو يهدم - ما قبله ".
وتقييد الكفر بالأصلي كما ذكرنا وقع في عبائر أصحابنا أيضا للاحتراز عن
العارض كالمرتد وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى في المقام.
إنما الخلاف في المغمى عليه إذا استوعب الاغماء جميع وقت الصلاة فقد
اختلفت فيه كلمة الأصحاب لظاهر اختلاف الأخبار في هذا الباب، فالمشهور أنه لا يجب
القضاء عليه، وعن بعض الأصحاب أنه يقضي آخر أيام إفاقته إن أفاق نهارا أو آخر ليلته
إن أفاق ليلا، وقال الصدوق في المقنع (3): إعلم أن المغمى عليه يقضي جميع ما فاته
من الصلوات، وروى ليس على المغمى عليه أن يقضي إلا صلاة اليوم الذي أفاق فيه
والليلة التي أفاق فيها، وروي أنه يقضي صلاة ثلاثة أيام، وروي أنه يقضي الصلاة
التي أفاق في وقتها. وهو كما ترى ظاهر في اختياره قضاء جميع ما فاته. والعجب
منه (قدس سره) أنه بعد أن اختار وجوب القضاء عليه لجميع ما فاته أسند الأقوال
الباقية إلى الرواية ولم يتعرض إلى سقوط القضاء بالكلية مع أنه المشهور وهو الذي
تظافرت به الأخبار كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
والأظهر هو القول المشهور، ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح
عن أيوب بن نوح (4) قال: " كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن المغمى
عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب لا يقضي الصوم
ولا يقضي الصلاة ".
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " سألته عن المريض

(1) سورة الأنفال الآية 39 " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف "
(2) الخصائص الكبرى ج 1 ص 249 وصحيح مسلم باب الايمان
(3) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
(4) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
(5) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
3

هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال لا إلا الصلاة التي أفاق فيها ".
وعن حفص في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " يقضي الصلاة التي أفاق فيها "
وعن علي بن مهزيار في الصحيح (2) قال: " سألته عن المغمى عليه يوما أو
أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة "
ورواه في الفقيه في الصحيح عن علي بن مهزيار أيضا (3) وزاد فيه " وكل ما غلب الله
عليه فالله أولى بالعذر ".
وعن أبي بصير في الموثق أو الصحيح أو الضعيف - بالنظر إلى الخلاف في
أبي بصير - عن أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " سألته عن المريض يغمى عليه
ثم يفيق كيف يقضي صلاته؟ قال يقضي الصلاة التي أدرك وقتها ".
وعن أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " سألته عن رجل أغمي عليه
أياما لم يصل ثم أفاق أيصلي ما فاته؟ قال لا شئ عليه ".
وعن معمر بن عمر في الحسن إليه وهو مجهول (6) قال: " سألت أبا جعفر
عليه السلام عن المريض يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال لا ".
وفي الصحيح إلى علي بن محمد بن سليمان وهو مجهول (7) قال: " كتبت إلى
الفقيه أبي الحسن العسكري عليه السلام أسأله عن المغمى عليه يوما " أو أكثر هل يقضي
ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة ".
وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (8) قال: " سمعته يقول في المغمى عليه قال ما غلب الله عليه فالله
أولى بالعذر ".
وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (9) " في الرجل يغمى
عليه الأيام؟ قال لا يعيد شيئا من صلاته ".

(1) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(2) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(3) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(4) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(5) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(6) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(7) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(8) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(9) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
4

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" كل ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شئ ".
وعن العلاء بن الفضيل (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يغمى
عليه يوما إلى الليل ثم يفيق قال إن أفاق قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا،
فإن أغمي عليه أياما ذوات عدد فليس عليه أن يقضي إلا آخر أيامه إن أفاق قبل
غروب الشمس وإلا فليس عليه قضاء ".
وعن أبي بصير في الموثق أو الصحيح أو الضعيف - كما تقدم - عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " سألته عن الرجل يغمى عليه نهارا ثم يفيق قبل غروب الشمس؟
قال يصلي الظهر والعصر، ومن الليل إذا أفاق قبل الصبح قضى صلاة الليل ".
وعن عبد الله بن محمد الحجال في الصحيح (4) قال " كتبت إليه جعلت فداك
روي عن أبي عبد الله عليه السلام في المريض يغمى عليه أياما فقال بعضهم يقضي صلاة
يومه الذي أفاق فيه، وقال بعضهم يقضي صلاة ثلاثة أيام ويدع ما سوى ذلك، وقال
بعضهم أنه لا قضاء عليه؟ فكتب يقضي صلاة اليوم الذي يفيق فيه ".
وروى الصدوق " قدس سره " في كتاب العيون والعلل في الصحيح عن الفضل
ابن شاذان عن الرضا عليه السلام (5) في حديث قال: " وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى
عليه يغمى عليه في يوم وليلة فلا يجب عليه قضاء الصلوات كما قال الصادق علله السلام
كل ما غلب الله على العبد فهو أعذر له ".
وروي في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (6) قال: " سألته عن المريض يغمى عليه أياما ثم
يفيق ما عليه من قضاء ما ترك من الصلاة؟ قال يقضي صلاة ذلك اليوم ".

(1) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
(2) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
(3) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
(4) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
(5) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
(6) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات. وفيه وفي قرب الإسناد ص 97 " يقضي
صلاة اليوم الذي أفاق فيه ".
5

وقال الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (1) " قال العالم عليه السلام ليس على المريض
أن يقضي الصلاة إذا أغمي عليه إلا الصلاة التي أفاق في وقتها ".
وروى الصدوق في كتاب الخصال بسنده عن موسى بن بكر (2) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يغمى عليه اليوم واليومين والثلاثة والأربعة وأكثر من ذلك كم
يقضي من صلاته؟ فقال ألا أخبرك بما يجمع لك هذا وأشباهه: كل ما غلب الله عز
وجل عليه من أمر فالله أعذر لعبده " وزاد فيه غيره (3) " أن أبا عبد الله عليه السلام قال
وهذا من الأبواب التي يفتح كل باب منها ألف باب ".
وروى في بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد مثله (4).
هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على القول المشهور وهي كما ترى مع
كثرتها فيه واضحة الظهور.
وأما روايات المسألة الباقية فمنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " سألته عن المغمى عليه يوما إلى الليل قال يقضي
صلاة يوم ".
وعن سماعة في الموثق (6) قال: " سألته عن المريض يغمى عليه قال:
إذا جاز عليه ثلاثة أيام فليس عليه قضاء وإن أغمي عليه ثلاثة أيام فعليه قضاء
الصلاة فيهن ".

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 677
(2) الوسائل الباب 8 من قضاء الصلوات
(3) الوسائل الباب 8 من قضاء الصلوات
(4) البحار ج 18 الصلاة ص 677
(5) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات. وليس في الوسائل ولا في التهذيب ج 1
ص 438 في هذا الحديث " يوما إلى الليل " وإنما هو في الوافي باب صلاة المغمى عليه، فقد
نقله من التهذيب بطريقين وفيه هذا القول، والموجود في التهذيب والوسائل إنما هو أحد
الطريقين ولم نقف على الطريق الآخر. ولا يخفى أن الشيخ في التهذيب ج 1 ص 421
يروي من طريق حفص الحديث رقم (5) إلا أنه لا يشتمل على السؤال ومورد الكلام
إنما هو حديث حفص المشتمل على السؤال.
(6) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
6

وعن حفص بن البختري في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " المغمى
عليه يقضي صلاة ثلاثة أيام ".
وعن حفص في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: يقضي المغمى
عليه ما فاته ".
وعن حفص في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " يقضي صلاة يوم "
وعن أبي بصير (4) قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل أغمي عليه شهرا "
أيقضى شيئا من صلاته؟ قال يقضي منها ثلاثة أيام ".
وعن أبي كهمس (5) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام وسئل عن المغمى عليه
أيقضى ما ترك من الصلاة؟ فقال أما أنا وولدي وأهلي فنفعل ذلك ".
وفي الحسن أو الصحيح عن إبراهيم بن هاشم عن غير واحد عن منصور بن
حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (6) " أنه سأله عن المغمى عليه شهرا أو أربعين ليلة قال
فقال إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي وولدي أن تقضي كل ما فاتك ".
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (7) قال: " كل شئ
تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت ".
وفي الحسن عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (8) قال: " سألته عن الرجل
يغمى عليه ثم يفيق قال يقضي ما فاته يؤذن في الأولى ويقيم في البقية ".
وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام (9) " في المغمى عليه
قال يقضي كل ما فاته "
وعن رفاعة في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (10) قال: " سألته عن
المغمى عليه شهرا ما يقضي من الصلاة؟ قال يقضيها كلها، إن أمر الصلاة شديد ".
وروى في الذكرى عن إسماعيل بن جابر (11) قال: " سقطت عن بعيري

(1) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
(2) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
(3) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
(4) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
(5) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
(6) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
(7) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
(8) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
(9) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
(10) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
(11) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات
7

فانقلبت على أم رأسي فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى على فسألته عن ذلك فقال اقض
مع كل صلاة صلاة " ونقل في الذكرى (1) عن ابن إدريس أنه قال: " وروي أنه
يقضي صلاة شهر " أقول: وهذه الرواية لم تصل إلينا.
وكيف كان فالظاهر - كما ذكره الشيخ وقبله الصدوق في الفقيه وهو المشهور
- هو حمل هذه الأخبار على الاستحباب كما يشير إليه خبر أبي كهمس ورواية منصور
بن حازم الأولى وإن تفاوتت مراتبه بالجميع أو الشهر أو الثلاثة أو اليوم الواحد
فهي مترتبة في الفضل والاستحباب.
قال في الفقيه (2) وأما الأخبار التي رويت في المغمى عليه - أنه يقضي جميع ما فاته
وما روي أنه يقضي صلاة شهر وما روي أنه يقضي صلاة ثلاثة أيام - فهي صحيحة
ولكنها على الاستحباب لا على الإيجاب والأصل أنه لا قضاء عليه. انتهى.
والعجب أن هذا كلامه في الفقيه مع أنه كما تقدم من عبارة المقنع اختار
وجوب قضاء جميع ما فاته، وهذا من نوادر الاتفاق له في اختلاف الفتوى في
مسألة واحدة وإن كان ذلك كثيرا في كلام المجتهدين من أصحابنا (رضوان الله عليهم)
تنبيهات
الأول - قد صرح غير واحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) بأنه لا يلحق
بالكافر الأصلي من حكم بكفره من منتحلي الاسلام ولا غيرهم من المخالفين، فإن
الحكم في هؤلاء جميعا هو أنهم بعد الاستبصار والرجوع إلى الدين الحق يجب عليهم
قضاء ما فاتهم لو أخلوا بشئ من واجباته أما ما كان صحيحا في مذهبهم فلا
إعادة عليهم فيه.
أما الأول فلعموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء الفائت (3) الشامل لمحل
البحث، وخروج الكافر الأصلي بدليل مختص به فيبقى ما عداه داخلا تحت العموم.

(1) ص 135 وفي البحار ج 18 الصلاة ص 676
(2) ج 1 ص 237
(3) الوسائل الباب 1 من قضاء الصلوات
8

وأما الثاني فللأخبار المستفيضة الدالة على ذلك، ومنها ما رواه ثقة الاسلام والشيخ عنه في الصحيح أو الحسن عن زرارة وبكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد
العجلي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (1) " أنهما قالا في الرجل يكون
في بعض هذه الأهواء: الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف
هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أوليس
عليه إعادة شئ من ذلك؟ قال ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة لا بد أن
يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية ".
ومنها - ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة (2) قال: " كتب
إلى أبو عبد الله عليه السلام إن كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من
الله عليه وعرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه
وضعها في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية، وأما الصلاة والصوم فليس
عليه قضاؤهما ".
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) في حديث قال فيه " وكل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من
الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة... إلى أن قال: وأما الصلاة والحج
والصيام فليس عليه قضاء ".
ومنها - ما رواه الكشي بسنده عن عمار الساباطي (4) قال: " قال سليمان بن
خالد لأبي عبد الله عليه السلام وأنا جالس إني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين
أقضي ما فاتني قبل معرفتي قال لا تفعل فإن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك
ما تركت من الصلاة ".
أقول: ظاهر هذا الخبر عدم وجوب قضاء ما تركه حال ضلاله، وهو

(1) الوسائل الباب 3 من المستحقين للزكاة
(2) الوسائل الباب 3 من المستحقين للزكاة
(3) الوسائل الباب 3 من المستحقين للزكاة
(4) الوسائل الباب 31 من مقدمة العبادات
9

خلاف ما صرح به الأصحاب من وجوب قضاء ما تركه كما عرفت.
وشيخنا الشهيد في الذكرى قد نقل هذا الخبر من كتاب الرحمة عن عمار كما
ذكرناه ثم قال: وهذا الحديث مع ندوره وضعف سنده لا ينهض مخصصا للعموم
مع قبوله التأويل بأن يكون سليمان يقضي صلاته التي صلاها وسماها فائتة بحسب
معتقده الآن، لأنه اعتقد أنه بحكم من لم يصل لمخالفتها في بعض الأمور، فيكون
معنى قول الإمام عليه السلام " من ترك.. " ما تركت من شرائطها وأفعالها، وحينئذ لا دلالة
فيه على عدم قضاء الفائتة حقيقة في الحال الأولى. انتهى.
واستشكل العلامة في التذكرة سقوط القضاء عن من صلى منهم أو صام
لاختلال الشرائط والأركان. والظاهر بعده لدلالة الأخبار الصحيحة كما ترى على
خلافه، والمستفاد من هذه الأخبار ترتب الثواب على تلك الأعمال بعد الدخول
في الايمان وإن كانت باطلة واقعا تفضلا منه سبحانه لرجوعه إلى المذهب الحق،
وبطلانها سابقا لا ينافي ترتب الثواب عليها أخيرا لأن الثواب هنا إنما هو تفضلي
لا استحقاقي لتبعية للصحة والحال أنها غير صحيحة كما عرفت.
قيل: وصحيحة الفضلاء المتقدمة تدل على عدم الفرق في الحكم المذكور بين
من يحكم باسلامه من فرق المخالفين ومن يحكم بكفره من أهل القبلة، لأن من جملة
من ذكر فيها صريحا الحرورية وهم كفار لأنهم خوارج.
أقول: هذا الخبر وأمثاله إنما خرج بناء على كفر المخالفين وأنه لا فرق
بينهم وبين الخوارج كما هو مذهب متقدمي الأصحاب وبه استفاضت الأخبار كما
قدمنا ذكره في كتاب الطهارة، والحكم باسلام المخالفين إنما وقع في كلام جملة من
المتأخرين غفلة عن التعمق في الأخبار والنظر فيها بعين الفكر والاعتبار، وسيأتي
مزيد تحقيق للمسألة إن شاء الله تعالى في كتاب الحج.
الثاني - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو حصل الاغماء بفعل
المكلف كشرب المسكر وشرب المرقد وجب القضاء، أسنده في الذكرى إلى
10

الأصحاب، واستدل عليه بأنه مسبب عن فعله. قال في المدارك: والاعتماد في ذلك
على النصوص المتضمنة لوجوب قضاء الفوائت (1) المتناولة بعمومها لهذه الصورة.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة: واعلم أن ظاهر الأدلة عدم الفرق بين
أن يكون الاغماء من غير فعله أم لا، وذكر الشهيد أنه لو أغمي عليه بفعله وجب
عليه القضاء وأسنده إلى الأصحاب والحجة عليه غير واضحة. انتهى. وظاهره
المخالفة في الحكم المذكور وستعرف ما فيه إن شاء الله تعالى.
قالوا: ولو أكل غذاء لم يعلم بكونه مقتضيا للاغماء فاتفق أنه آل إلى الاغماء
لم يجب عليه قضاء ما يفوته من الصلاة في حال الاغماء.
قال في المدارك: والوجه فيه اطلاق النصوص المتضمنة لسقوط القضاء
عن المغمى عليه (2) ثم قال: ولو علم بكون الغذاء موجبا للاغماء قيل وجب القضاء
كتناول المسكر، ولو شربت المرأة دواء للحيض أو لسقوط الولد فتصير نفساء لم
يجب عليها القضاء للعموم وبه قطع الشهيدان، وفرقا بين ذلك وبين تناول الغذاء
المقتضي للاغماء بأن سقوط القضاء عنهما عزيمة لا رخصة وتخفيف بخلاف المغمى
عليه. وفي هذا الفرق نظر. انتهى.
أقول وبالله سبحانه الثقة: لا ريب أنه في جميع هذه الفروض المذكورة قد
تعارض فيها اطلاق الأخبار الدالة على سقوط القضاء عن المغمى عليه بناء على
الأشهر الأظهر واطلاق الأخبار الدالة على وجوب القضاء على من فاتته صلاة
فتقييد أحد الاطلاقين بالآخر يحتاج إلى مرجح، إلا أن الظاهر من أخبار الاغماء
- بالنظر إلى ما دل عليه جملة منها من أن سقوط القضاء عن المغمى عليه إنما هو من
حيث ابتلاء الله سبحانه له بذلك المرض فهو سبحانه أعذر لعبده، كما في صحيحة
حفص بن البختري (3) من قوله " ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر " وفي حسنة عبد الله

(1) الوسائل الباب 1 من قضاء الصلوات
(2) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات
(3) ص 4 و 5 و 6 والراوي في الثانية " ابن سنان ".
11

ابن المغيرة " كل ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شئ " ونحوه في صحيحة علي بن
مهزيار برواية الفقيه ورواية موسى بن بكر الصريحة في أن هذا أحد القواعد الكلية
والأبواب التي ينفتح منها ألف باب - هو أنها أخص من أخبار القضاء، وحينئذ
فيجب تقييد اطلاق أخبار القضاء بها في هذا المقام في جميع ما ذكروه من الأفراد
التي تعارض فيها الاطلاقان المذكوران، فإن الجميع ظاهر كما ترى في أن سقوط
القضاء عن المغمى عليه إنما هو من حيث كون الاغماء من قبله سبحانه وفعله بعبده،
وحينئذ فالحاق الاغماء الحاصل من قبل المكلف به وإن كان عن جهل ليس بجيد بل
حكمه حكم ما لو تعمد ذلك من وجوب القضاء.
ومن هذا التعليل الذي قد عرفت أنه من القواعد الكلية والضوابط الإلهية
يفهم أيضا وجوب القضاء على الحائض والنفساء إذا كان عروض ذلك من قبلهما
بشرب الدواء وإن كان ظاهر الأصحاب خلافه عملا باطلاق أخبار الحيض كما ذكره
السيد المذكور.
هذا، مع أنهم صرحوا في غير مقام بأن الأحكام المودعة في الأخبار إنما
تنصرف وتحمل على الأفراد الشائعة المتكررة فإنها هي التي يتبادر إليها الاطلاق
دون الفروض النادرة الوقوع. وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل الخراساني
المتقدم في المسألة الأولى وكلام السيد في الثانية جريا علي كلام الأصحاب في الباب.
واستثنى جماعة من متأخري الأصحاب من الموجب للقضاء السكر الذي يكون
الشارب غير عالم به أو أكره عليه أو اضطر إليه لحاجة. وفيه ما عرفت من أن
مدار الحكم في سقوط القضاء عن المغمى عليه هو كون الاغماء من قبله سبحانه، فكل ما
كان كذلك فإنه لا قضاء وما لم يكن كذلك فالواجب القضاء عملا باطلاق أخبار
وجوب القضاء لعدم المخصص لها، مؤيدا ذلك بما ذكرناه من عدم انصراف اطلاق
الحكم بسقوط القضاء عن المغمى عليه إلى هذه الأفراد النادرة الوقوع. والله العالم.
الثالث - قال في الذكرى - بعد أن ذكر أن مما يوجب القضاء النوم المستوعب
12

وشرب المرقد - ما لفظه: ولو كان النوم على خلاف العادة فالظاهر التحاقه بالاغماء
وقد نبه عليه في المبسوط. انتهى.
أقول: لا يخفى أن الأخبار الواردة بوجوب قضاء النائم لما نام عنه شاملة
باطلاقها لهذا الفرد المذكور فلا أعرف لاستثنائه دليلا معتمدا.
ومن الأخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " سألته عن رجل صلى ركعتين بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها
أو نام عنها؟ قال يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار ".
وفي الصحيح عن عبد الله بن مسكان رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام (2) قال:
" من نام قبل أن يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل فليقض صلاته
وليستغفر الله " إلى غير ذلك من الأخبار.
ويدل على ذلك اطلاق الأخبار الدالة على أن من فاتته فريضة بنوم أو غيره
فإنه يجب عليه قضاؤها وهي كثيرة:
ومنها - صحيحة حماد بن عثمان (3) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل فاته
شئ من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها؟ قال فليصل حين يذكر "
وصحيحة معاوية بن عمار (4) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول خمس
صلوات لا تترك على حال... إلى أن قال في تعداد الخمس المذكورة: وإذا نسيت
فصل إذا ذكرت ".
وصحيحة زرارة أو حسنته الطويلة الواردة في ترتب الفوائت (5) وغيرها
من الأخبار الكثيرة.

(1) الوسائل الباب 1 و 2 من قضاء الصلوات واللفظ " سئل " وليس فيه " ركعتين "
(2) الوسائل الباب 17 و 29 من مواقيت الصلاة
(3) الوسائل الباب 29 من مواقيت الصلاة
(4) الوسائل الباب 29 من مواقيت الصلاة
(5) الوسائل الباب 63 من مواقيت الصلاة
13

ومن هنا صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب قضاء كل ما فاته
عمدا أو سهوا بنوم أو سكر أو شرب مرقد أوردة عن الاسلام إلا ما استثنى مما
تقدم ذكره. والله العالم.
المسألة الثانية - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن من
ترك الصلاة مستحلا تركها فإن كان ممن ولد على فطرة الاسلام فإنه يقتل من غير
استتابة. لأنه مرتد لإنكاره ما علم ثبوته من الدين ضرورة، ومن حكم المرتد
الفطري القتل وإن تاب، إلا أن الأخبار - كما تقدم جملة منها في المقدمة الأولى
من مقدمات هذا الكتاب - دلت على الكفر مطلقا من غير قيد الاستحلال، وقد
مر تحقيق الكلام في ذلك في الموضع المشار إليه (1) وبينا أنه لا مانع من حمل
الكفر فيها على المعنى الحقيقي.
قالوا: وفي حكم استحلال الصلاة استحلال شرط مجمع عليه كالطهارة أو جزء
كالركوع دون المختلف فيه كتعين الفاتحة ووجوب الطمأنينة، وكأنهم بنوا ذلك على
الفرق بين ضروري الدين وضروري المذهب وإلا فتعين الفاتحة ووجوب الطمأنينة
لا خلاف فيه عندنا وإنما الخلاف فيهما بين العامة والخاصة. والفرق المذكور لا يخلو
عندي من اشكال لعدم ظهور الدليل عليه.
وكيف كان فهذا الحكم مختص بالرجل دون المرأة فإنها لا تقتل بل تستتاب
فإن أبت فإنها تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت.
وإن كان التارك مستحلا مليا بأن كان كافرا ثم أسلم استتيب أولا فإن
امتنع قتل.
وإن لم يكن مستحلا عزر فإن عاد عزر فإن عاد ثالثة قتل على قول وقيل إنما
يقتل في الرابعة، والخلاف هنا مبني على الخلاف في أصحاب الكبائر هل يقتلون
في الثالثة أو الرابعة؟ ولتحقيق المسألة محل آخر.

(1) ج 6 ص 18
14

ولا خلاف في أن المرتد فطريا كان أو مليا إذا رجع إلى الاسلام فإنه يقضي
زمان ردته، والمستند فيه عموم الأخبار الدالة على وجوب قضاء الفوائت (1)
خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي.
وهذا الحكم واضح في المرتد الملي والمرأة مطلقا ملية أو فطرية فإنه لا اشكال
ولا خلاف في قبول توبتهما متى تابا.
وإنما الخلاف والاشكال في الرجل المرتد إذا كان فطريا هل تقبل توبته أم لا؟
ففيه أقوال ثلاثة: (الأول) - وهو المشهور على ما صرح به شيخنا الشهيد الثاني
في كتاب الميراث من المسالك - عدم قبولها مطلقا، قال في الموضع المذكور من
الكتاب المشار إليه: وأما عدم قبولها مطلقا فالمشهور ذلك عملا باطلاق الأخبار (1)
والحق قبولها في ما بينه وبين الله تعالى حذرا من التكليف بما لا يطاق. انتهى.
وبذلك يظهر ما في كلام بعض مشايخنا المعاصرين حيث ادعى أن المشهور هو قبولها
باطنا وعدم قبولها ظاهرا (الثاني) قبولها مطلقا باطنا وظاهرا وهو منقول عن ابن
الجنيد (الثالث) قبولها باطنا وعدم قبولها ظاهرا وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني
كما سمعت من كلامه وعليه جملة من المتأخرين وهو الظاهر عندي، وبه يجمع بين
أدلة المسألة ويزول عنها الاختلاف، وحينئذ فتجري عليه الأحكام التي أوجبتها
الردة من القتل وبينونة الزوجة وقسمة أمواله على الورثة وتصح عباداته في ما بينه
وبين الله سبحانه وتقبل منه لو اتفق ذلك قبل القتل وبعد التوبة.
حجة القول المشهور ظواهر الأخبار مثل قول أبي جعفر عليه السلام في حسنة
محمد بن مسلم (2) " وقد سأل عن المرتد فقال من رغب عن الاسلام وكفر بما أنزل
على محمد صلى الله عليه وآله بعد اسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته ويقسم
ما ترك على ولده ".

(1) الوسائل الباب 1 من حد المرتد
(2) الوسائل الباب 1 من حد المرتد
15

وقول أبي عبد الله عليه السلام في موثقة عمار الساباطي (1) " كل مسلم بين مسلمين
ارتد عن الاسلام وجحد محمدا صلى الله عليه وآله نبوته وكذبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك
منه وامرأته عدة بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته
المتوفى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه ".
ونحو هما غير هما من الأخبار، وظاهر هما عدم القبول مطلقا لاجرائه مجرى
الميت في الأحكام المذكورة.
حجة القول بالقبول باطنا وعدمه ظاهرا كما هو المختار الجمع بين الأخبار
المذكورة وبين ما دل على قبول التوبة من الآيات القرآنية والأخبار النبوية.
ومن الآيات قوله عز وجل " ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب
يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم
حسنات (2) " وقوله سبحانه: " فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه
إن الله غفور رحيم " (3) ومفهوم قوله عز وجل " ومن يرتدد منكم عن دينه
فيمت وهو كافر " (4).
ومن الأخبار حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (5) قال: " من كان
مؤمنا فعمل خيرا في ايمانه ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب بعد كفره كتب له وحسب
كل شئ كان عمله في ايمانه ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره " إلى غير ذلك من
الآيات والروايات.
وكذا ما دل على توجه خطاب التكليف إليه من عموم أدلة التكاليف لكل
بالغ عاقل مسلم فيلزم صحة عباداته وقبولها منه المستلزم لقبول التوبة باطنا وإلا لزم

(1) الوسائل الباب 1 من حد المرتد
(2) سورة الفرقان الآية 68 و 69
(3) سورة المائدة الآية 43
(4) سورة البقرة الآية 214
(5) الوسائل الباب 99 من جهاد النفس
16

التكليف بما لا يطاق، كما يشير إليه كلام شيخنا الشهيد الثاني المتقدم، وهو منفي
عقلا ونقلا.
وحينئذ فلو لم يطلع عليه أحد أو لم يقدر على قتله أو تأخر بوجه وقد حصلت
منه التوبة فإنه تقبل توبته في ما بينه وبين الله عز وجل وتصح عباداته
ومعاملاته ويطهر بدنه ويدفن في مقابر المسلمين، لقوله عز وجل زيادة على ما تقدم
" إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " (1)
ولا ينافيه اجراء تلك الأحكام التي اشتملت عليها الأخبار المتقدمة، فإن هذا أمر
آخر وراء قبول التوبة باطنا.
وأما ما نقل عن ابن الجنيد وهو القول الثالث فلعل وجهه العمل بما دل على
قبول التوبة من الآيات والروايات، إلا أن فيه طرحا للأخبار المتقدمة والجمع بين
الدليلين متى أمكن أولى من طرح أحدهما.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك
في هذه المسألة لا يخلو من اضطراب، فإنه قال في كتاب الميراث ما قدمنا ذكره
مما يدل على أن المختار عنده هو قبول التوبة باطنا لا ظاهرا وأن المشهور بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) هو عدم القبول مطلقا.
وقال في كتاب القضاء: ثم إن قبلت توبته كالمرأة والملي قضى وإن لم تقبل
ظاهرا كالفطري على المشهور فإن أمهل بما يمكنه القضاء قبل قتله قضى وإلا بقي في
ذمته، والأقوى قبول توبته مطلقا. انتهى.
وهذا الكلام كما ترى ظاهر في اختياره قبول التوبة ظاهرا وباطنا كما هو
المنقول عن ابن الجنيد وهو خلاف ما صرح به في كتاب الميراث، وظاهره أن
القبول ظاهرا وعدمه محل خلاف والمشهور هو عدم القبول مع أنه ادعى الاجماع
في مبحث الارتداد من كتاب الحدود على عدم قبول توبته ظاهرا وقوى قبولها

(1) سورة المائدة الآية 38
17

باطنا كما حكيناه عنه في كتاب الميراث، ففي الأول نسب عدم القبول ظاهرا إلى
المشهور مؤذنا بالخلاف فيه، وفي الثاني ادعى الاجماع المؤذن بعدم الخلاف.
ويمكن الجواب عن هذا بحمل الاجماع على الشهرة وإن عبر بلفظ الاجماع لما
ذكره الشهيد في الذكرى من أنهم كثيرا ما يريدون به الشهرة دفعا للتناقض الواقع
في كلامهم في دعوى الاجماع على حكم ودعوى الاجماع على خلافه من ذلك المدعى أو
غيره، وإنما الاشكال في اختياره القول بالقبول باطنا لا ظاهرا كما في كتاب الميراث
مع اختياره القبول ظاهرا وباطنا كما في كتاب القضاء. والله العالم.
المسألة الثالثة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب تقديم الفائتة
على الحاضرة على أقوال ثلاثة، وقد تقدم تحقيق هذه المسألة مستوفى بحمد الله سبحانه
في مبحث الأوقات فلا حاجة إلى الإعادة.
المسألة الرابعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لو نسي تعيين
الصلاة الفائتة بأن كانت واحدة مثلا ولا يعلم أيها من الخمس فإنه يصلي ثلاثا
ينوي بها المغرب وأربعا مرددة بين الظهر والعصر والعشاء واثنتين ينوي بهما الصبح،
ذهب إليه الشيخان وابنا بابويه وابن الجنيد وأكثر المتأخرين، ونقل الشيخ في
الخلاف الاجماع عليه (1) ونقل عن أبي الصلاح وابن حمزة وجوب الخمس.
ويدل على المشهور ما رواه الشيخ باسنادين أحدهما من الصحاح والآخر من
الحسان عن علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال
" من نسي من صلاة يومه واحدة ولم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا "
وما رواه أحمد بن أبي عبد الله البرقي في كتاب المحاسن عن علي بن مهزيار
عن الحسين رفعه (3) قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل نسي صلاة من
الصلوات الخمس لا يدري أيتها هي قال يصلي ثلاثة وأربعة وركعتين، فإن كانت الظهر
أو العصر أو العشاء كان قد صلى أربعا، وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلى ".

(1) وفي الخطية " وهو الأظهر "
(2) الوسائل الباب 11 من قضاء الصلوات
(3) الوسائل الباب 11 من قضاء الصلوات
18

احتج الفاضلان المذكوران بعموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت ولا يعلم
إلا بالاتيان بالخمس كملا.
واحتج في المدارك على القول المشهور بما لا يخلو عند التأمل الصادق من
القصور، قال بعد ذكر القول المشهور أولا ثم القول الثاني: والمعتمد الأول،
لنا أن الواجب عليه صلاة واحدة لكن لما كانت غير متعينة والزيادة والنقيصة في
الصلاة مبطلة وجب عليه الاتيان بالثلاث لدخول الواجب في أحدها يقينا والأصل
براءة الذمة من الزائد، ويؤيده رواية علي بن أسباط... ثم ساق الرواية إلى
قوله " أربعا ".
أقول: لا يخفى أنه لما كانت الرواية المذكورة باصطلاحه ضعيفة السند
لفق هذا الدليل وجعله المعتمد وجعل الرواية مؤيدة له. وفيه أن دليله لا يفي
بالمطلوب ولا يقوم حجة على الخصم، لأن مطرح النزاع في هذه المسألة هو أنه
هل يكتفي بالرباعية المرددة بين الثلاث الفرائض المذكورة أم يجب الاتيان بكل
فريضة منها على حدة حتى يستوفى الخمس؟ فالخصم يوجب الثاني وهو الحق بناء على
طرح الرواية من البين لما ذكره ذلك الخصم من التعليل، وجوابه عنه بالمنع لحصوله
بالثلاث المرددة مردود بأن العبادات توقيفية من الشارع كما وكيفا وأداء وقضاء
ووجوبا وندبا لا مسرح لأمثال هذه التخريجات الغثة فيها، ولم يثبت من الشارع
الاكتفاء بذلك بناء على طرح النص المذكور، ويقين براءة الذمة لا يحصل إلا
بالاتيان بالثلاث المذكورة على حدة. ويؤيده أن الأصل عدم التداخل، والقول
بالتداخل والاكتفاء بالواحدة من غير دليل شرعي مردود. وبالجملة فإن دليله
المذكور لا يخرج عن المصادرة لأن الخصم يمنع الاكتفاء بالأربع المرددة ويوجب
الاتيان بالخمس وهو يحتج بالاكتفاء بها وهو عين الدعوى، ومن ثم إن صاحب
الذخيرة مع اقتفائه له في أكثر الأحكام عدل عنه في هذا المقام ولفق للاستدلال
بالخبر وجوها ذكرها لجبر ضعفه، والكل حاصل عن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح
19

الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح كما نبهت عليه في غير مقام.
فروع
الأول - لو كانت الفائتة في الصورة المذكورة في السفر صلى ثنائية مطلقة
اطلاقا رباعيا ومغربا، وخالف ابن إدريس هنا مع موافقته ثمة نظرا إلى اختصاص
النص بالأول فالتعدية قياس، وزعما منه حصول الاجماع ثمة دون ما هنا.
وأنت خبير بأن ظاهر خبر المحاسن وقوله عليه السلام فيه " فإن كانت الظهر أو
العصر أو العشاء كان قد صلى أربعا، هو الإشارة إلى أن الغرض من التشريك والعلة
فيه هو حصول الفريضة الفائتة في ضمن هذه الكيفية. ولا تفاوت فيه بين اشتراك
هذا العدد بين ثلاث فرائض أو أربع، وورود الثلاث في الخبرين المذكورين إنما
هو باعتبار صلاة الحضر التي هي الغالبة المتكررة، فذكر هذا التفصيل فيها بالثلاث
والأربع والثنتين إنما خرج مخرج التمثيل.
الثاني - لو قلنا بالترديد كما هو المشهور وقلنا بوجوب الجهر والاخفات فهل
الحكم في هذه الفريضة المترددة الجهر أو الاخفات؟ اشكال، والظاهر من كلام جملة
من الأصحاب هنا التخيير، ولا يخلو من قرب وإلا لزم الترجيح من غير مرجح.
الثالث - لو تعددت الفائتة المجهولة قضى كما تقدم مكررا. فلو كان العدد
معلوما كأن نسي فريضتين مجهولتين مثلا صلى ثلاثا ثلاثا إن كانتا من صلاة الحضر
وإن كانتا من السفر اثنتين اثنتين، وعلى هذا النحو لو نسي ثلاث فرائض مجهولات،
وأما لو لم يكن العدد معلوما قضى على الوجه المذكور حتى يغلب على ظنه الوفاء.
الرابع - لو فاتته فريضة معينة مرات لا يعلم عددها قالوا يكرر حتى يغلب
على ظنه الوفاء، قال في المدارك: وهو مقطوع به في كلام الأصحاب ولم نقف فيه
على نص بالخصوص.
وبنحو ذلك صرح جده (قدس سره) في الروض ثم قال: والظاهر من الجماعة
أيضا أنه لا نص عليه. ثم قال نعم ورد ذلك في قضاء النوافل الموقتة فروى
20

مرازم (1) قال: " سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه السلام إن علي نوافل كثيرة
فقال اقضها. فقلت لا أحصيها؟ قال توخ " والتوخي التحري وهو طلب ما هو
أحرى بالاستعمال في غالب الظن، قاله الجوهري. وروى عبد الله بن سنان عنه
عليه السلام (2) " في رجل فاته من النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته كيف يصنع؟
قال يصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرته فيكون قد قضى بقدر ما عليه " قال في الذكرى:
وبهذين الحديثين احتج الشيخ على أن من عليه فرائض لا يعلم كميتها يقضي حتى يغلب
على ظنه الوفاء من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى. وفيه نظر لأن كون النوافل
أدنى مرتبة يوجب سهولة الخطب فيها والاكتفاء بالأمر الأسهل فلا يلزم منه تعدية
الحكم إلى ما هو أقوى وهو الفرائض كما لا يخفى، بل الأمر في ذلك بالعكس فإن
الاكتفاء بالظن في الفرائض الواجبة الموجبة لشغل الذمة يقتضي الاكتفاء به في
النوافل التي ليست بهذه المثابة بالأولى. انتهى.
قال في المدارك: ويمكن الجواب عنه بأن الشيخ (قدس سره) إنما استدل
بالرواية على وجوب القضاء إلى أن يغلب على الظن الوفاء لا على الاكتفاء بالظن
فإنه يكفي في عدم اعتبار ما زاد عليه عدم تحقق الفوات. نعم يرد على هذا الاستدلال
أن قضاء النوافل على هذا الوجه إنما هو على وجه الاستحباب فلا يلزم منه وجوب
قضاء الفريضة كذلك. انتهى.
والتحقيق أن يقال إنه لما كانت المسألة غير منصوصة فالواجب فيها العمل
بالاحتياط كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم، ووجهه أنه لا ريب أن الذمة
مشغولة بالفريضة بيقين ولا تبرأ إلا بيقين الأداء من جميع ذلك، وحيث كانت
الفريضة في هذه الصورة المفروضة غير معلومة المقدار لكثرتها فيقين البراءة
لا يحصل إلا بالقضاء بما يقابل الكثرة الفائتة، فإن كان الفائت قد بلغ في الكثرة
إلى حد لا يدري ما قدره فينبغي أن يكون القضاء كذلك، وورد ذلك في النافلة مع

(1) الوسائل الباب 19 من أعداد الفرائض ونوافلها
(2) الوسائل الباب 19 من أعداد الفرائض ونوافلها
21

أنها مستحبة، وإنما الغرض الحث على الاتيان بالمستحبات على وجه يحصل به يقين
القيام بالوظائف الشرعية والسنة المحمدية صلى الله عليه وآله فكيف بالفرائض الواجبة الموجبة
لشغل الذمة، فإن تحصيل يقين البراءة فيها أهم وطلب الوجه الموجب للخروج عن
المؤاخذة فيها أعظم وأتم. وبالجملة فكلام الشيخ (رضوان الله عليه) لا يخلو من قوة
وأبواب المناقشات واسعة المجال لا يسلم من تطرقها مقال.
ونقل عن العلامة (قدس سره) في التذكرة الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته
خاصة، قال في المدارك: وهو متجه لأصالة البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم
تيقن الفوات، ولأن الظاهر من حال المسلم أنه لا يترك الصلاة، ويؤيده حسنة
زرارة والفضيل عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " متى استيقنت أو شككت في
وقت صلاة أنك لم تصلها صليتها، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد
دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، وإن استيقنت فعليك أن تصليها في
أي حال كنت " انتهى. وهو جيد من حيث الاعتبار إلا أن التحقيق ما قدمنا ذكره
المسألة الخامسة - لا خلاف بين علماء الفريقين في ترتب الحواضر بعضها على
بعض، وأما الفوائت فالمشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) وجوب الترتيب
بينها إذا علمه بل نقل الفاضلان في المعتبر والمنتهى الاجماع عليه، وحكى الشهيد
في الذكرى عن بعض الأصحاب ممن صنف في المضايقة والمواسعة القول بالاستحباب
استدل الأولون بقوله صلى الله عليه وآله (2) " من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته "
والتقريب فيه أنه يجب الترتيب في الأداء فكذا في القضاء.
وما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الصحيح (3) قال: " إذا

(1) الوسائل الباب 60 من مواقيت الصلاة
(2) لم نقف على حديث بهذا اللفظ في ما وقفنا عليه من أحاديث الخاصة والعامة
ويمكن أن يكون نقلا بالمضمون لما دل على وجوب المماثلة بين القضاء والأداء.
(3) الوسائل الباب 63 من المواقيت و 1 من قضاء الصلوات والشيخ يرويه عن الكليني
22

نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن فأذن
لها وأقم ثم صلها ثم ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة ".
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك؟ قال يتطهر
ويؤذن ويقيم في أولاهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان
حتى يقضي صلاته ".
وأجاب في الذخيرة عن الخبر الأول بعدم صحة الرواية وأنها غير ثابتة قال والظاهر أنها من طريق العامة، سلمنا لكن اقتضاء التشبيه المماثلة من جميع الجهات بحيث يشمل
هذه الأوصاف الاعتبارية غير واضح. ثم أورد على صحيح زرارة بأن الأمر في
أخبارنا غير واضح الدلالة على الوجوب، إلى أن قال: وللتوقف في هذه المسألة
طريق وطريق الاحتياط رعاية الترتيب.
أقول: أما ما ذكره في رد الخبر الأول فجيد. وأما ما ذكره في رد الخبر
الثاني فقد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم. وبالجملة فإن الحكم مما لا اشكال فيه.
وأما القول الذي حكاه في الذكرى عن بعض الأصحاب فلم نقف له على دليل. إلا
أنه قال في الذكرى إن قائله حمل الأخبار وكلام الأصحاب على الاستحباب، ثم قال
وهو حمل بعيد مردود بما اشتهر بين الجماعة. ثم قال (فإن قيل) هي عبادات مستقلة
والترتيب فيها من توابع الوقت وضروراته فلا يعتبر في القضاء كالصيام (قلنا) قياس
في معارضة النص، ومعارض بأنها صلوات وجبت مرتبة فلتقض مرتبة كالأداء.
والأول من تعليلية جيد. والثاني مبني على الحديث النبوي المتقدم وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فإن الحكم مما لا إشكال فيه مع العلم بالترتيب وإنما الاشكال والخلاف
مع جهله والأظهر سقوطه وبه قطع العلامة في التحرير وولده في الشرح، وإليه
ذهب جمع من المتأخرين: منهم - الشهيدان وهو ظاهر العلامة في القواعد.

(1) الوسائل الباب 1 من قضاء الصلوات
23

والوجه فيه أن الروايات المتضمنة لوجوب الترتيب لا تتناول الجاهل نصا
ولا ظاهرا فيكون منفيا بالأصل. واستدل عليه في الذكرى بامتناع التكليف بالمحال
واستلزام التكرار المحصل له الحرج المنفي (1).
وقيل بوجوب الترتيب لامكان الامتثال بالتكرار المحصل له، وبه صرح
العلامة في الإرشاد، وعلى هذا فيجب على من فاته الظهر والعصر من يومين وجهل
السابق أن يصلي ظهرا بين عصرين أو عصرا بين ظهرين ليحصل الترتيب بينهما على
تقدير سبق كل منهما. ولو جامعهما مغرب من ثالث صلى الثلاث قبل المغرب وبعدها.
ولو كان معها عشاء صلى السبع قبلها وبعدها. ولو انضم إليها صبح صلى الخمس
عشرة قبلها وبعدها.
والضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات وهي اثنان
في الأول وستة في الثاني وأربعة وعشرون في الثالث ومائة وعشرون في الرابع
حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا من الاحتمالات في عدد الفرائض المطلوبة، ففي
الصورة الأولى من الاحتمالات وهي اثنان ثلاث فرائض، وفي الصورة الثانية من
الاحتمالات وهي ستة سبع فرائض، وفي الصورة الثالثة منها وهي أربعة وعشرون
احتمالا خمس عشرة فريضة، وفي الرابعة وهي مائة وعشرون احتمالا إحدى وثلاثون
فريضة، وعلى هذا القياس.
ويمكن حصول الترتيب بوجه أخصر وأسهل وهو أن يصلي الفوائت المذكورة
بأي ترتيب أراد ويكررها كذلك ناقصة عن عدد ما فاته من الصلاة بواحدة ثم
يختم بما بدأ به، فيصلي في الفرض الأول الظهر والعصر ثم الظهر أم بالعكس، وفي الثاني
الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم يكرر مرة أخرى ثم يصلي الظهر، وفي هذين لا فرق
بين الضابطين من حيث العدد، وفي الثالث يصلي الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم
العشاء ثم يكررها مرتين ثم يصلي الظهر فيحصل الترتيب بثلاث عشرة فريضة،

(1) ج 1 ص 151
24

ومقتضى الضابطة السابقة حصول الترتيب بخمس عشرة فريضة. وعلى هذا القياس
في غيرها من الصور.
هذا كله في ترتيب فوائت اليومية بعضها على بعض، وأما الترتيب بين فوائت
غير اليومية - مثل صلاة الآيات المتعددة الأسباب بحيث يقدم ما تقدم سببه وهكذا
وكذا الترتيب بينها وبين اليومية بأن يكون عليه فوائت من اليومية وفوائت من
غيرها - ففي وجوب الترتيب في هاتين الصورتين وعدمه اشكال، حيث لا نص في
هذا المقام، والاحتياط يقتضي الترتيب.
قال في الذكرى: قال بعض المتأخرين بسقوط الترتيب بين اليومية والفوائت
الأخر وكذا بين تلك الفوائت اقتصارا بالوجوب على محل الوفاق، وبعض مشايخ
الوزير السعيد مؤيد الدين ابن العلقمي (طاب ثراهما) أوجب الترتيب في الموضعين
نظرا إلى عموم " فليقضها كما فاتته " (1) وجعله الفاضل في التذكرة احتمالا، ولا
بأس به. انتهى.
أقول: قد عرفت ما في هذا الحديث الذي استند إليه هذا القائل، مع أنه على
تقدير صحة الخبر المذكور لا يخلو الاستدلال من المناقشة أيضا.
المسألة السادسة - الاعتبار في القصر والتمام وكذا في الجهر والاخفات بحال
الفوات. أما الأول فقال في المدارك: إنه مذهب العلماء كافة إلا من شذ. والظاهر أنه أشار به إلى ما نقله في الذكرى عن المزني من علماء العامة من القصر اعتبارا
بحالة الفعل كالمريض إذا قضى فإنه يعتبر حاله والمتيمم كذلك (2) قال: ورد بسبق

(1) ارجع إلى التعليقة 2 ص 22
(2) في مختصر المزني على هامش " الأم " ج 1 ص 125 " قال الشافعي إن نسي صلاة
سفر فذكرها في حضر فعليه أن يصليها صلاة حضر لأن علة القصر هي النية والسفر فإذا
ذهبت العلة ذهب القصر، وإذا نسي صلاة حضر فذكرها في سفر فعليه يصليها أربعا
لأن أصل الفرض أربع فلا يجزئه أقل منها وإنما رخص له في القصر ما دام وقت الصلاة
قائما وهو مسافر فإذا زال وقتها ذهبت الرخصة " وفي المغني ج 2 ص 282 " نص أحمد
على أنه إذا نسي صلاة حضر فذكرها في السفر أو صلاة سفر فذكرها في الحضر صلى في
الحالتين صلاة حضر، أما المسألة الأولى فبالاجماع يصلي أربعا. وأما الثانية وهو ما إذا
نسي في السفر وذكر في الحضر فبالاحتياط يصلي أربعا. وإلى ذلك ذهب الأوزاعي
وداود والشافعي في أحد قوليه، وقال مالك والثوري وأصحاب الرأي يصليها صلاة
سفر لأنه إنما يقضي ما فاته ولم يفته إلا كعتان ".
25

الاجماع. والمريض والمتيمم عاجزان عن القيام واستعمال الماء، ولا تكليف مع العجز
ولهذا لو شرع في الصلاة قائما ثم مرض قعد.. إلى آخر كلامه زيد في اكرامه.
واستدل الأصحاب على الحكم المذكور بقوله صلى الله عليه وآله (1) " فليقضها كما فاتته "
وقد تقدم أن الخبر المذكور لم يثبت من طرقنا.
والمروي من طرقنا مما يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن
عن زرارة (2) قال: " قلت له رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟
فقال يقضي ما فاته كما فاته: إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها وإن كانت
صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته ".
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها
بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك
ولا ينقص، ومن نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما، ومن
نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما ".
ولو حصل الفوات في أماكن التخيير فهل يستحب التخيير في القضاء مطلقا أو
بشرط أن يوقعه في تلك الأماكن أو يتعين القصر؟ احتمالات أحوطها الأخير.
وأما الثاني وهو أن يقضي الجهرية والاخفاتية كما كانت تؤدى ليلا كان

(1) ارجع إلى التعليقة 2 ص 22.
(2) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات. والشيخ يرويه عن الكليني
(3) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات.
26

أو نهارا فقد نقل الشيخ فيه الاجماع، ويدل عليه عموم قوله في الخبر الأول
" يقضي ما فاته كما فاته " وإن كان مورد الخبر العدد الذي هو أحد أفراد هذه
القضية الكلية.
بقي الكلام هنا في موضعين: أحدهما - بالنسبة إلى الكيفية التي هي عبارة عن
هيئة الصلاة التي تؤدى عليها، والظاهر أن الاعتبار فيها بحال الفعل لا حال الفوات
كصلاة الصحيح وصلاة المريض، فيقضي الصحيح فائتة المرض بالكيفية التي يصليها
صحيحا ويقضي المريض فائتة الصحة على الكيفية التي هو عليها جالسا أو قائما أو نحو
ذلك ويجب عليه بل ولا يجوز له التأخير إلى أن يصح ويأتي بصلاة الصحيح.
وثانيهما - لو قضى الرجل عن المرأة أو بالعكس مع وجوب الجهر على الرجل
والاخفات على المرأة في القراءة أو جميع أفعال الصلاة بناء على تحريم اسماعها
الأجنبي صوتها، وهكذا بالنسبة إلى سنن صلاة المرأة وما يخصها في القيام والقعود
ونحوهما، فهل الاعتبار بالقاضي أو المقضى عنه؟ الظاهر الأول فيقضي الرجل
صلاة المرأة كما يقضي عن نفسه، عملا بعموم الخطاب المتعلق به من وجوب الجهر عليه
في موضعه والتكاليف الموظفة في قيامه وقعوده وأفعال صلاته أعم من أن يكون ذلك
عن نفسه أو غيره، فإن الأخبار الدالة على أحكام صلاة الرجل لا تخصيص فيها
بما أوقعه عن نفسه بل هي أعم من ذلك كما لا يخفى. وكذا المرأة تقضي صلاة الرجل
مثل صلاتها عن نفسها بالتقريب المذكور. والله العالم.
المسألة السابعة - يستحب قضاء النوافل الموقتة اجماعا نصا وفتوى والأخبار
بذلك متظافرة:
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام عن عبد الله بن سنان (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرته كيف يصنع؟ قال
فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرته فيكون قد قضى بقدر علمه. قلت فإنه لا يقدر

(1) الوسائل الباب 18 من أعداد الفرائض ونوافلها
27

على القضاء من كثرة شغله؟ فقال إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة
لأخ مؤمن فلا شئ عليه، وإن كان شغله لدنيا تشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء
وإلا لقي الله تعالى مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله الحديث.. " ويأتي
تمامه إن شاء الله تعالى.
وما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن مرازم (1) قال: " سأل إسماعيل
ابن جابر أبا عبد الله عليه السلام فقال أصلحك الله إن على نوافل كثيرة فكيف أصنع؟
فقال اقضها. فقال له إنها أكثر من ذلك؟ قال اقضها قلت لا أحصيها؟ قال توخ. قال
مرازم وكنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها فقلت أصلحك الله وجعلت فداك
إني مرضت أربعة أشهر لم أصل فيها نافلة؟ قال ليس عليك قضاء إن المريض ليس
كالصحيح كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فيه ".
وقوله عليه السلام في هذا الخبر " ليس عليك قضاء " محمول على نفي تأكد الاستحباب
لحسنة محمد بن مسلم (2) قال: " قلت له رجل مرض فترك النافلة؟ فقال يا محمد ليست
بفريضة إن قضاها فهو خير يفعله وإن لم يفعل فلا شئ عليه ".
ثم إنه مع عدم القدرة على القضاء يتصدق لما رواه عبد الله بن سنان في تتمة
الخبر المتقدم " قلت فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزئ أن يتصدق؟ فسكت مليا
ثم قال فليتصدق بصدقة. قلت فما يتصدق؟ قال بقدر طوله وأدنى ذلك مد لكل
مسكين مكان كل صلاة. قلت وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ فقال لكل
ركعتين من صلاة الليل مد وكل ركعتين من صلاة النهار مد. فقلت لا يقدر؟ فقال مد إذن
لكل أربع ركعات. فقلت لا يقدر؟ فقال مد لكل صلاة الليل ومد لصلاة النهار، والصلاة
أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل " والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد ذكروا
هنا أنه إن عجز يتصدق عن كل ركعتين بمد فإن عجز فعن كل يوم بمد استحبابا. ولا يخفى

(1) الوسائل الباب 19 و 20 من أعداد الفرائض ونوافلها
(2) الوسائل الباب 20 من أعداد الفرائض ونوافلها
28

ما فيه من عدم الانطباق على ما تضمنه الخبر. والله العالم.
المسألة الثامنة - قال في الذكرى: قد اشتهر بين متأخري الأصحاب قولا
وفعلا الاحتياط بقضاء صلاة يتخيل اشتمالها على خلل بل جميع العبادات الموهوم
فيها ذلك، وربما تداركوا ما لا يدخل الوهم في صحته وبطلانه في الحياة وبالوصية
بعد الوفاة، ولم نظفر بنص في ذلك بالخصوص، وللبحث فيه مجال إذ يمكن أن
يقال بشرعيته لوجوه: منها - قوله تعالى " فاتقوا الله ما استطعتم " (1) و " اتقوا
الله حق تقاته " (2) " وجاهدوا في الله حق جهاده " (3) " والذين جاهدوا فينا
لنهدينهم سبلنا " (4) " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة " (5) وقول النبي
صلى الله عليه وآله (6) " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " و " إنما الأعمال بالنيات " (7) و " من
اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه " (8) وقوله صلى الله عليه وآله (9) للمتيمم لما أعاد صلاته
لوجود الماء في الوقت " لك الأجر مرتين " وللذي لم يعد " أصبت السنة "

(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة آل عمران الآية 97
(3) سورة الحج الآية 77
(4) سورة العنكبوت الآية 69
(5) سورة المؤمنون الآية 62
(6) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به عن الشهيد في
الذكرى وغيره، وفي الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 14.
(7) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات
(8) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به عن الذكرى، وفي
البخاري كتاب الايمان باب (فضل من استبراء لدينه)
(9) في سنن أبي داود ج 1 ص 93 باب (المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي في الوقت)
عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما
صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر ثم
أتيا رسول الله (ص) فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك.
وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين.
29

وقول الصادق عليه السلام في الخبر السالف (1) " انظروا إلى عبدي يقضي ما لم افترض
عليه " وقول العبد الصالح عليه السلام في مكاتبة عبد الله بن وضاح (2) " أرى لك أن
تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك " وربما يخيل المنع لوجوه: منها
قوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر " (3) " يريد الله يخفف عنكم " (4) " وما جعل عليكم
في الدين من حرج " (5) وفتح باب الاحتياط يؤدي إليه، وقول النبي صلى الله عليه وآله (6)
" بعثت بالحنيفية السمحة " وروى حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام (7) " ما أعاد
الصلاة فقيه، يحتال فيها ويدبرها حتى لا يعيدها " والأقرب الأول لعموم قوله
تعالى: " أرأيت الذي ينهي عبدا إذا صلى " (8) وقول النبي صلى الله عليه وآله (9) " الصلاة
خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر " ولأن الاحتياط المشروع في
الصلاة من هذا القبيل، فإن غايته التجويز، ولهذا قال أبو عبد الله عليه السلام (10) " وإن
كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة " ولأن اجماع شيعة عصرنا وما راهقه عليه، فإنهم
لا يزالون يوصون بقضاء العبادات مع فعلهم إياها ويعيدون كثيرا منها أداء وقضاء
والنهي عن إعادة الصلاة إنما هو في الشك الذي يمكن فيه البناء. انتهى.
أقول: لا يخفى أن أكثر ما أطال به (قدس سره) من الأدلة سيما في المقام
الأول والثاني تطويل بغير طائل، والحق في المقام أنه مع تطرق احتمال النقص - كما
في أكثر الناس حيث يأتون بالعبادات مع الجهل بالمسائل الشرعية وعدم صحة

(1) الوسائل الباب 57 من مواقيت الصلاة رقم 5 و 15
(2) الوسائل الباب 16 من مواقيت الصلاة رقم 14
(3) سورة البقرة الآية 181
(4) سورة النساء الآية 32
(5) سورة الحج الآية 77
(6) الجامع الصغير ج 1 ص 125 وكنز العمال ج 6 ص 111 كما هنا، وفي الذكرى
" السمحة السهلة " وفي تاريخ بغداد ج 7 ص 209 " السمحة أو السهلة ".
(7) الوسائل الباب 29 من الخلل في الصلاة
(8) سورة العلق الآية 9 و 10
(9) الوسائل الباب 42 من أحكام المساجد والمستدرك الباب 10 من أعداد الفرائض
(10) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة
30

القراءة وعدم التورع من النجاسات والشبهات وعدم المحافظة على أفعالها ونحو ذلك -
فإنه لا ريب أن القضاء حسن بل أحسن عملا بأخبار الاحتياط في الدين، وأما مع
يقين الصحة ويقين البراءة فاشكال يأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى في المطلب الآتي
المسألة التاسعة - من فاته الفرض المختلف باعتبار أول الوقت وآخره كمن
دخل عليه الوقت وهو حاضر ثم سافر قبل الصلاة وبالعكس هل يقضي لو فاتته
والحال هذه باعتبار وقت الوجوب وهو الأول أو وقت الفوات وهو الثاني؟ قولان
والأشهر الأظهر الثاني وهو الاعتبار بحال الفوات فيبني على وجوب الأداء في
المسألة، فإن كان الواجب فيه التمام مطلقا كما هو أحد الأقوال وجب القضاء تماما
وإن كان القصر مطلقا وجب القضاء كذلك وإن كان التفصيل فكذلك، وبالجملة
فالمراعى ما وجب عليه أداؤها من قصر أو تمام، فمعنى حال الفوات يعني الحالة
التي فاتت عليها الفريضة ووجب أداؤها عليها. وقيل إن الاعتبار بحال الوجوب
ونقل عن السيد المرتضى وابن الجنيد.
ويدل على المشهور قوله عليه السلام في حسنة زرارة (1) " يقضي ما فاته كما فاته "
ولا يتحقق الفوات إلا عند خروج الوقت.
واستدل على القول الآخر برواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) " أنه سئل
عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فهو يريد أن يصليها
إذا قدم إلى أهله فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها؟ قال يصليها ركعتين
صلاة المسافر لأن الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي أن يصليها عند ذلك ".
وردها المتأخرون بضعف الاسناد، وأجاب عنها في المعتبر باحتمال أن يكون
دخل مع ضيق الوقت عن أداء الصلاة أربعا فيقضي على وقت إمكان الأداء.
أقول: ويمكن أن يقال لعل هذا الخبر إنما خرج بناء على أن فرض هذا الداخل
الصلاة أداء بالقصر كما هو أحد الأقوال في المسألة، وحينئذ فالقضاء تابع لذلك فيكون

(1) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات
(2) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات
31

الخبر موافقا لما هو المشهور من الاعتبار بحال الفوات، وليس في التعليل المذكور في
الرواية منافاة لما ذكرنا، إذ غاية ما يدل عليه أن استقرار الركعتين في ذمته باعتبار
دخول الوقت في السفر وهو مما لا إشكال فيه. وكيف كان فالاحتياط مما لا ينبغي
تركه. والله العالم.
المطلب الثاني - في القضاء عن الأموات، وحيث إن هنا جملة من الأخبار
المتعلقة بقضاء الصلاة عن الأموات ذكرها السيد الزاهد العابد رضي الدين أبو القاسم
علي بن طاووس الحسيني (عطر الله مرقده) في كتاب غياث سلطان الورى لسكان
الثرى وقصد بها بيان قضاء الصلاة عن الأموات، وقد نقلها جملة من أصحابنا: منهم -
شيخنا الشهيد في الذكرى وشيخنا المجلسي في البحار وغيرهما فأحببنا أولا ايرادها ثم
اردافها إن شاء الله تعالى بالأبحاث الشافية المتعلقة بالمقام والتحقيقات الوافية الداخلة
في سلك هذا النظام:
فنقول: الأول - ما رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (1) " إن الصادق
عليه السلام سأله عمر بن يزيد أيصلى عن الميت؟ قال نعم حتى أنه ليكون في ضيق فيوسع
عليه ذلك الضيق ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك "
الثاني - ما رواه علي بن جعفر في مسائله عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (3)
قال: " حدثني أخي موسى بن جعفر عليه السلام قال سألت أبي جعفر بن محمد عليه السلام عن
الرجل هل يصلح له أن يصلي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال نعم فيصلي ما أحب
ويجعل تلك للميت فهو للميت إذا جعل ذلك له " قيل ولفظ " ما أحب " للعموم وجعلها
نفسها للميت دون ثوابها ينفي أن يكون هدية صلاة مندوبة.
الثالث - من مسائله أيضا عن أخيه موسى عليه السلام (3) " وسأله عن الرجل هل يصلح
أن يصلي ويصوم عن بعض أهله بعد موته؟ قال نعم يصلي ما أحب ويجعل ذلك

(1) الوسائل الباب 28 من الاحتضار
(2) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(3) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
32

للميت فهو للميت إذا جعله له ".
الرابع - ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي باسناده إلى محمد بن عمر بن يزيد (1)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام يصلى عن الميت؟ قال نعم حتى أنه ليكون في ضيق
فيوسع عليه ذلك ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك ".
الخامس - ما رواه الشيخ باسناده إلى عمار الساباطي من كتاب أصله المروي عن
الصادق عليه السلام (2) " وعن الرجل يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم هل يجوز له
أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال لا يقضيه إلا رجل مسلم عارف ".
السادس - ما رواه الشيخ باسناده إلى محمد بن أبي عمير عن رجاله عن الصادق
عليه السلام (3) " في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضيه أولى الناس به ".
السابع - ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني باسناده إلى محمد بن أبي عمير
عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " في الرجل يموت وعليه صلاة أو
صيام؟ قال يقضي عنه أولى الناس به ".
الثامن - هذا الحديث بعينه عن حفص بطريق آخر إلى كتابه الذي هو
من الأصول (5).
التاسع - ما روى في أصل هشام بن سالم من رجال الصادق والكاظم (عليهما
السلام) ويروي عنه ابن أبي عمير، قال هشام في كتابه: وعنه عليه السلام (6) قال:
" قلت يصل إلى الميت الدعاء والصدقة والصلاة ونحو هذا؟ قال نعم. قلت ويعلم
من صنع ذلك به؟ قال نعم. ثم قال يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه " وظاهره أنه
من الصلاة الواجبة التي تركها لأنها سبب للسخط.
العاشر - ما رواه علي بن أبي حمزة في أصله وهو من رجال الصادق والكاظم

(1) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(2) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(3) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(4) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان. والوارد " أولى الناس بميراثه "
(5) الذكرى ص 74 عن كتاب غياث سلطان الورى
(6) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
33

(عليهما السلام) (1) قال: " وسألته عن الرجل يحج ويعتمر ويصلي ويصوم
ويتصدق عن والديه وذوي قرابته؟ قال لا بأس به يؤجر في ما يصنع وله أجر
آخر بصلته قرابته. قلت وإن كان لا يرى ما أرى وهو ناصب؟ قال يخفف عنه
بعض ما هو فيه " أقول: وهذا أيضا مما ذكره ابن بابويه في كتابه (2).
الحادي عشر - ما رواه الحسين بن الحسن العلوي الكوكبي في كتاب المنسك
باسناده إلى علي بن أبي حمزة (3) قال: " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام أحج وأصلي
وأتصدق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال نعم تصدق عنه وصل
عنه ولك أجر آخر بصلتك إياه " قال ابن طاووس (قدس سره) يحمل في الحي
على ما يصح فيه النيابة من الصلوات ويبقى الميت على عمومه.
الثاني عشر - ما رواه الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن الصادق
عليه السلام (4) أنه قال: " يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة
والبر والدعاء، قال ويكتب أجره للذي يفعله وللميت " وهذا الحسن بن محبوب يروي
عن ستين رجلا من رجال أبي عبد الله عليه السلام وروى عن الرضا عليه السلام وقد دعا له الرضا
وأثنى عليه فقال في ما كتبه عليه السلام (5) " إن الله قد أيدك بحكمة وأنطقها على لسانك قد
أحسنت وأصبت أصاب الله بك الرشاد ويسرك للخير ووفقك لطاعته ".
الثالث عشر - ما رواه ابن أبي عمير بطريق آخر عن الإمام (6) " يدخل
على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء، قال ويكتب أجره
للذي يفعله وللميت ".
الرابع عشر - ما رواه إسحاق بن عمار (7) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(2) ج 1 ص 117 قال: " ويجوز أن يجعل الحي حجته أو عمرته أو بعض صلاته
أو بعض طوافه لبعض أهله.. "
(3) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(4) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(5) الذكرى ص 74
(6) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(7) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات. وما في الكتاب يوافق ما في الذكرى
والوسائل القديمة، وفي الوسائل الحديثة " محمد بن إسحاق بن عمار سألت أبا عبد الله.. "
34

يقول: يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء، قال
ويكتب أجره للذي يفعله وللميت ".
الخامس عشر - روى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام (1) " يدخل على الميت في
قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والعتق ".
السادس عشر - ما رواه عمر بن محمد بن يزيد (2) قال: " قال أبو عبد الله
عليه السلام إن الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى أن الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ويقال إن هذا بعمل ابنك فلان وبعمل أخيك
فلان، أخوه في الدين " قال السيد (رحمه الله) " أخوه في الدين " ايضاح لكل
ما يدخل تحت عمومه من الابتداء بالصلاة عن الميت أو بالإجارات.
السابع عشر - ما رواه علي بن يقطين - وكان عظيم القدر عند أبي الحسن موسى
عليه السلام له كتاب المسائل - عنه عليه السلام (3) قال: " وعن الرجل يتصدق عن الميت
ويصوم ويعتق ويصلي؟ قال كل ذلك حسن يدخل منفعته على الميت ".
الثامن عشر - ما رواه علي بن إسماعيل الميثمي في أصل كتابه قال حدثني
كردين (4) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام الصدقة والحج والصوم يلحق الميت؟
قال نعم. قال فقال هذا القاضي خلفي وهو لا يرى ذلك. قال قلت وما أنا وذا
فوالله لو أمرتني أن أضرب عنقه لضربت عنقه. قال فضحك. قال: وسألت أبا الحسن
عليه السلام عن الصلاة على الميت أتلحق به. قال نعم. قال: وسألت أبا عبد الله عليه السلام قلت
إني لم أتصدق بصدقة منذ ماتت أمي إلا عنها؟ قال نعم. قلت افترى غير ذلك؟ قال
نعم نصف عنك ونصف عنها. قلت أيلحق بها؟ قال نعم " قال السيد: قوله " الصلاة

(1) الفقيه ج 1 ص 117 وفي الوسائل الباب 28 من الاحتضار
(2) الذكرى ص 74 عن كتاب غياث سلطان الورى
(3) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(4) الذكرى ص 74 وفي الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
35

على الميت " أي التي كانت على الميت أيام حياته. ولو كانت ندبا كان الذي يلحقه
ثوابها دون الصلاة نفسها.
التاسع عشر - ما رواه حماد بن عثمان في كتابه (1) قال: " قال أبو عبد الله
عليه السلام إن الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت
حتى أن الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ويقال هذا بعمل ابنك فلان أو بعمل
أخيك فلان، أخوه في الدين ".
العشرون - ما رواه عبد الله بن جندب (2) قال: " كتبت إلى أبي الحسن
عليه السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبر والخير أثلاثا ثلثا له
وثلثين لأبويه أو يفرد هما من أعماله بشئ مما يتطوع به وإن كان أحدهما حيا والآخر
ميتا؟ فكتب إلى: أما الميت فحسن جائز وأما الحي فلا إلا البر والصلة " قال السيد:
لا يراد بهذه الصلاة المندوبة لأن الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات
والحج وغيرهما.
الحادي والعشرون - ما رواه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (3) أنه كتب
إلى الكاظم مثله وأجابه بمثله.
الثاني والعشرون - ما رواه أبان بن عثمان عن علي بن مسمع (4) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إن أمي هلكت ولم أتصدق بصدقة.. كما تقدم إلى قوله أفيلحق ذلك
بها؟ قال عليه السلام نعم. قلت والحج؟ قال نعم. قلت والصلاة؟ قال نعم. قال
ثم سألت أبا الحسن عليه السلام بعد ذلك أيضا عن الصوم فقال نعم ".
الثالث والعشرون - ما رواه الكليني باسناده إلى محمد بن مروان (5) قال:
" قال أبو عبد الله عليه السلام ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين يصلي عنهما
ويتصدق عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده
الله ببره وصلته خيرا كثيرا ".

(1) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(2) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(3) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(4) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(5) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
36

الرابع والعشرون - عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام (1) قال: " الصلاة
التي دخل وقتها قبل أن يموت الميت يقضي عنه أولى الناس به ".
ثم ذكر (قدس سره) عشرة أحاديث تدل بطريق العموم قال:
الأول - ما رواه عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام (2) قال: " يقضي
عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن ".
الثاني - ما رواه صفوان بن يحيى (3) - وكان من خواص الرضا والجواد
(عليهما السلام) وروى عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق عليه السلام - قال " يقضي
عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن ".
الثالث - ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " يقضي عن
الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن ".
الرابع - ما رواه العلاء بن رزين في كتابه (5) - وهو أحد رجال الصادق عليه السلام -
قال: " يقضي عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن ".
الخامس - ما رواه البزنطي - وكان من رجال الرضا (عليه السلام) (6) - قال
" يقضي عن الميت الحج والصوم والعتق وفعله الحسن ".
السادس - ما ذكره صاحب الفاخر مما أجمع عليه وصح من قول الأئمة (عليهم
السلام) (7) قال: " ويقضي عن الميت أعماله الحسنة كلها ".
السابع - ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام (8) قال: " من عمل من
المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف الله له أجره ونفع الله به الميت.
الثامن - ما رواه عمر بن يزيد (9) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) من
عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله أجره وينعم بذلك الميت ".
التاسع - ما رواه العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه

(1) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(2) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(3) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(4) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(5) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(6) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(7) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
(8) الوسائل الباب 28 من الاحتضار
(9) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
37

السلام) (1) قال: " يقضي عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن ".
العاشر - ما رواه حماد بن عثمان في كتابه (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) من عمل من المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله أجره وينعم
بذلك الميت ".
قال الشهيد: وروى يونس عن العلاء عن عبد الله بن أبي يعفور عن الصادق
(عليه السلام) (3) قال: " يقضي عن الميت الحج والصوم والعتق والفعل الحسن "
ومما يصلح هنا ما أورده في التهذيب بإسناده عن عمر بن يزيد (4) قال:
" كان أبو عبد الله (عليه السلام) يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين وعن والديه في
كل يوم ركعتين. قلت جعلت فداك كيف صار للولد الليل؟ قال لأن الفراش للولد.
قال: وكان يقرأ فيهما القدر والكوثر " قال: فإن هذا الحديث يدل على وقوع
الصلاة عن الميت من غير الولد كالأب، وهو حجة على من ينفي الوقوع أصلا أو ينفيه
إلا من الولد.
قال في الذخيرة: قلت يفهم من هذا الكلام وقوع الخلاف في وقوع الصلاة
عن الميت ثم في عدم اختصاصه بقضاء الولد عن الوالد، وسيجيئ ما يدل على اتفاق
الإمامية على وقوع الصلاة عن الميت وعدم اختصاصه بالولد نقلا عن كلام الشهيد.
ولعل الخلاف الذي يفهم ههنا مخصوص بالعامة أو مستند إلى بعض الأصحاب
المعاصرين للشهيد أو السيد أو غيرهم ممن لا يرون مخالفته قادحة في الاجماع.
ثم ذكر السيد (قدس سره) أن الصلاة دين وكل دين يقضى عن الميت،
أما أن الصلاة تسمى دينا ففيه أربعة أحاديث:
الأول - ما رواه حماد عن أبي عبد الله عليه السلام (5) في أخباره عن لقمان (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(2) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(3) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(4) الوسائل الباب 28 من الاحتضار. وفي التهذيب ج 1 ص 132 والوسائل
" وكان يقرأ فيهما إنا أنزلناه في ليلة القدر وإنا أعطيناك الكوثر "
(5) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
38

" وإذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشئ صلها واسترح منها فإنها دين ".
الثاني - ما ذكره ابن بابويه في باب آداب المسافر (1) " إذا جاء وقت الصلاة
فلا تؤخرها لشئ صلها واسترح منها فإنها دين ".
الثالث - ما رواه ابن بابويه في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى محمد بن
الحنفية في حديث الأذان لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله (2) إلى قوله: " ثم قال حي على
الصلاة قال الله جل جلاله فرضتها على عبادي وجعلتها لي دينا " إذا روي بفتح الدال
الرابع - ما رواه حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " قلت له رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح ولم يصل
صلاة ليلته تلك؟ قال يؤخر القضاء ويصلي صلاة ليلته تلك ".
وأما قضاء الدين عن الميت فلقضية الخثعمية (4) لما سألت رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) الوسائل الباب 52 من آداب السفر. والحديث عن حماد عن الصادق " ع " نقلا
عن لقمان وعليه يتحد الحديثان.
(2) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 61 من المواقيت عن كتاب غياث سلطان الورى
(4) المذكور في سنن أبي داود ج 1 ص 286 وغيره من كتب أحاديث العامة اللفظ الآتي
أو ما قاربه: عن ابن عباس عن النبي (ص) " جاءته امرأة من خثعم فقالت إن فريضة الله على عباده
في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال نعم "
ورواه في تيسير الوصول ج 1 ص 331 عن الستة، ورواه في الوسائل عن الشيخ المفيد
في المقنعة في الباب 24 من وجوب الحج وشرائطه. وفي سنن البيهقي ج 4 ص 328 بعد
أن نقل الحديث كما تقدم بعدة طرق ومنها طريق سفيان قال قال سفيان وكان عمرو بن دينار
حدثناه أولا عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس فقال فيه " أو ينفعه ذلك؟
يا رسول الله " ص "؟ قال نعم كما لو كان على أحدكم دين فقضاء " ثم قال فلما جاءنا الزهري
حدثناه فتفقدته فلم يقل هذا الكلام الذي رواه عنه عمرو. انتهى. وقد نقل ذلك الشيخ
في الخلاف ص 156. نعم في سنن النسائي ج 2 ص 5 عن ابن عباس قال: " قال رجل
يا رسول الله " ص " إن أبي مات ولم يحج أفا حج عنه؟ قال أرأيت لو كان على أبيك
دين أكنت قاضيه؟ قال نعم. قال فدين الله أحق " فالحديث المنقول في الكتاب عن
السيد باللفظ المتقدم لم نقف عليه كتب الحديث ويجوز أن يكون قد تداخلت ألفاظ الحديث
الثاني بالأول فظهر الحديث بهذه الصورة
39

فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن
يحج إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته
أكان ينفعه ذلك؟ قالت نعم. قال فدين الله أحق بالقضاء.
قال السيد: ويدل على أن القضاء عن الميت أمر مشروع تعاقد صفوان
ابن يحيى وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام أن من مات منهم
يصلي من بقي صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ما دام حيا، فمات صاحباه وبقي صفوان
فكان يفي لهما بذلك فيصلي كل يوم وليلة خمسين ومائة ركعة (1) وهؤلاء من أعيان
مشايخ الأصحاب والرواة عن الأئمة (عليهم السلام).
قال السيد: إنك إذا اعتبرت كثيرا من الأحكام الشرعية وجدت الأخبار
فيها مختلفة حتى صنفت لأجلها كتب ولم تستوعب الخلاف، والصلاة عن الأموات
قد ورد فيها مجموع أخبار ولم نجد خبرا واحدا يخالفها، ومن المعلوم أن هذا المهم في
الدين لا يخلو عن شرع بقضاء أو ترك فإذا وجد المقتضي ولم يوجد المانع علم موافقة
ذلك للحكمة الإلهية. انتهى كلامه زيد في الخلد اكرامه ومقامه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تحقيق الكلام في هذا المقام وتفصيل ما اشتمل عليه
جملة هذه الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) والإحاطة بما فيها من نقض وإبرام
يقتضي بسطها في مسائل:
الأولى - المستفاد من هذه الأخبار وكذا من كلام علمائنا الأبرار من غير
خلاف يعرف جواز الصلاة عن الميت بأن يصلي نيابة عنه كما أنه يجوز أن يحج
نيابة عنه أو أنه يصلي لنفسه ثم يجعل ثوابها وأجرها له.

(1) رجال النجاشي ص 140 وفهرست الشيخ 83
40

هذا بالنسبة إلى الصلوات المستحبة وأكثر الأخبار المتقدمة إنما خرجت هذا
المخرج، وأما الواجبة فإنه يجوز أيضا أن يصليها نيابة عنه وإن لم يكن ولده
ولا وليه، إلا أن الفاضل الخراساني في الذخيرة قال إن الفتوى بذلك لم يكن
مشهورا في كتب القدماء وإنما اشتهر بين أصحابنا المتأخرين، والمشهور في كتب
السابقين قضاء الولي عن الميت حسب. انتهى. وهو جيد.
بقي الاشكال هنا في أنه هل ينسحب جواز القضاء في الواجبة إلى ما لو لم
تكن ذمة الميت مشغولة بالعبادة كالصلاة اليومية بأن يصليها عنه وإن علم فراغ ذمته
منها أم لا؟ ظاهر الجماعة ذلك، وعليه جرى من عاصرناه من مشايخنا في بلادنا
البحرين حتى أن الرجل منهم يوصي بعقار يصرف حاصله في العبادة والصلاة اليومية
عنه إلى يوم القيامة، وشاهدنا جملة من العلماء يعملون بتلك العبادات من غير
توقف ولا تناكر، والظاهر أن عمدة ما استدلوا به على ذلك حكاية صفوان بن
يحيى المتقدمة.
ولم أطلع على من توقف في هذا الحكم وناقش فيه إلا الفاضل المولى محمد باقر
الخراساني في الذخيرة فإنه قال - بعد ذكره هذا الفرع المذكور وتقديم جملة
الأخبار التي قدمناها - ما صورته: وفيه اشكال نظرا إلى أن شرعية العبادات تحتاج
إلى توقيف الشرع وليس ههنا أمر دال على ذلك بحيث ينسد به باب التوقف
والاشكال، فإن الأخبار المذكورة غير واضحة الدلالة على العموم، ولو سلم
لا يبعد أن يكون المراد بالصلاة فيها الصلاة المشروعة بالنسبة إلى المكلف بناء على
أن لفظة الصلاة موضوعة للصحيحة الشرعية لا طبيعة الأركان مطلقا، وإذا كان
الأمر كذلك كان محصل النص أن كل صلاة يصح شرعا أن يفعله المكلف فله أن
يجعله للميت فلا يستفاد منه الجواز. وأما قضية صفوان فقد ذكرها النجاشي بلفظ
" روي " والشيخ أطلق ذكرها ولم يذكر لها سندا وطريقا، والمسامحة في نقل أمثال هذه
الحكايات التي لم يكن الغرض الأصلي من ايرادها تأسيس حكم شرعي شائع غالب،
41

فبهذا الاعتبار يحصل نوع شك في صحة الاستناد إلى الأمر المذكور فيحصل الشك
في المسألة حتى يفتح الله ويسهل طريق معرفتها. انتهى. وهو جيد، وإلى ذلك
أيضا يميل كلام شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار.
والظاهر عندي هو العدم وإن كان ظاهر كلاميهما (طاب ثراهما) إنما هو
التوقف والاستشكال لعدم وقوفهم على دليل صريح في ثبوت هذا الحكم وعدمه في هذا
المجال، مع أنه قد روى الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟
قال هل برئت من مرضها؟ قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضي عنها فإن الله لم يجعله
عليها. قلت فإني أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال فكيف تقضي
شيئا لم يجعله الله عليها ".
(فإن قيل) إن مورد الرواية مخصوص بالصوم فلا يتعدى إلى غيره إلا بدليل
(قلنا) موضع الاستدلال في الخبر إنما هو قوله عليه السلام في الجواب بعد نهيه عن القضاء
في الصورة المذكورة المؤذن بالتحريم وتعليله التحريم بأن الله لم يجعله عليها المؤذن
بأن القضاء كائنا ما كان إنما يكون لما ثبت في الذمة واشتغلت به وكان مخاطبا به من
قبله سبحانه، ثم تأكيد ذلك بعد مراجعة السائل بالاستفهام الانكاري بقوله (عليه
السلام) " فكيف تقضي شيئا لم يجعله الله عليها ".
وبالجملة فإن هذا الخبر كما ترى ظاهر الدلالة واضح المقالة في أن القضاء عن
الغير لا يشرع إلا مع استقرار الأداء في ذمته، مضافا إلى ما عرفت في كلام الفاضل
المتقدم من أن العبادات مبنية على التوقيف ثبوتا وعدما والثابت هنا بموجب هذا الخبر
إنما هو العدم. ولم أقف على من تنبه للاستدلال بالخبر المذكور في هذا المقام مع أنه كما ترى واضح الدلالة في ما ادعيناه، ولا معارض له في البين إلا حكاية صفوان
المذكورة، ومن الظاهر قصورها عن المعارضة من جهات عديدة. والله العالم.

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
42

المسألة الثانية - قد تقدم أن الأشهر الأظهر وجوب الترتيب على القاضي عن
نفسه مع العلم بالترتيب، أما لو كان القضاء عن الغير فهل يجب ذلك بمعنى أنه لا يصح
أن يقضي عن الميت اثنان أو ثلاثة مثلا دفعة واحدة بل لا بد أن يكون أحدهم بعد
الآخر أو أن يكون القاضي عنه متحدا؟ ظاهر الأصحاب الأول كما في قضاء
الانسان عن نفسه.
وقد وقفت في هذا المقام على كلام جيد للسيد الفاضل المحقق السيد نعمة الله
الجزائري (نور الله تعالى تربته) يتضمن القول بعدم الوجوب في شرحه على
التهذيب، حيث قال بعد ذكر المسألة: الذي أفتى به أكثر مشايخنا المعاصرين هو
وجوب الترتيب، ولهذا أمروا بتوزيع الأوقات وتقسيمها بين المستأجرين حتى
لا يصلي اثنان عن الميت في وقت واحد، والذي لا يزال يختلج بخاطري من
البحث عن حقيقة الأخبار هو القول الثاني، وذلك أن أخبار هذا الباب من قوله
عليه السلام (1): " من فاتته فريضة " ومن هذا الخبر الذي نحن بصدد الكلام فيه هو قضاء
المكلف ما في ذمته، وذلك أنه يجب عليه تفريغ الذمة من ما تعلق بها أولا فأولا شيئا
بعد شئ لعدم إمكان المبادرة إلى تفريغها من تلك الواجبات كلها دفعة واحدة وإذا
لم يمكن هذا وجب ذلك، بخلاف الميت فإنه إذا مات لم تبق له ذمة كذمة الحي ولهذا
بطلت الأحكام المنوطة بها كأجل الدين وأكثر الإجارات وأحكام الفلس ونحوها،
وحينئذ فقد بقي مشغولا بما فاته من الواجبات، والمبادرة إلى رفعها ورفع عذابها
عنه مهما أمكن هو الأولى، لأنه كما ورد في الأخبار يضيق عليه من جهتها فإذا
قضيت عنه أسرعت إليه ملائكة الرحمة ووسعوا عليه من جهة قضاء العبادة عنه،
فإذا أمكن رفعها عنه دفعة واحدة أو ما هو قريب منها كان هو الأحسن.. إلى أن
قال: على أن الأخبار التي استدلوا بها على القضاء عن الميت عامة شاملة لموضع النزاع.
وبالجملة فالقول بعدم الترتيب هنا لعله الأولى، وقد أستدل لهذا القول من بعض

(1) ارجع إلى التعليقة 2 ص 22
43

المعاصرين إلا أنه لم يذكر هذا الكلام بل جعل عدم الدليل دليلا على العدم. انتهى
كلام السيد المزبور وهو جيد وجيه.
ويكفينا في القول بذلك ما نقله عن بعض معاصريه من عدم وجود الدليل
في الصورة المذكورة على وجوب الترتيب، إذ لا تكليف إلا بعد البيان ولا مؤاخذة
إلا بعد إقامة البرهان، فإن ما ورد من الأخبار الدالة على وجوب الترتيب (1)
مورده قضاء الانسان عن نفسه كما عرفت، وما ذكره (قدس سره) علاوة ظاهر
الوجاهة، وعلى هذا جرى من عاصرناه من مشايخنا في بلاد البحرين. والله العالم.
المسألة الثالثة - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في ما أعلم في جواز الاستئجار للصلاة والصوم عن الميت، إلا أن بعض متأخري
المتأخرين ممن سيأتي نقل كلامه ناقش في ذلك، والظاهر ضعفه كما سيظهر لك
إن شاء الله تعالى.
قال السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاووس (عطر الله مرقده)
في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى: وقد حكى ابن حمزة في كتابه في
قضاء الصلاة عن الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسين الشوهاني أنه كان يجوز الاستئجار
عن الميت، واستدل ابن زهرة على وجوب قضاء الولي الصلاة بالاجماع على أنها
تجري مجرى الصوم والحج. وقد سبقه ابن الجنيد بهذا الكلام حيث قال: والعليل
إذا وجبت عليه الصلاة وأخرها عن وقتها إلى أن فاتت قضاها عنه وليه كما يقضي
حجة الاسلام والصيام. قال وكذلك روى أبو يحيى عن إبراهيم بن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام (2) فقد سويا بين الصلاة وبين الحج، ولا ريب في جواز

(1) ص 22 و 23
(2) لم نقف على رواية بهذا السند في مورد الكلام، وفي الذكرى في نسخة " أبو يحيى بن إبراهيم
ابن سالم " ويجوز أن يكون تصحيف في العبارة. نعم ورد في رواية صفوان بن يحيى عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) المذكور في الوسائل في الباب 28 من الاحتضار ما يتعلق بالمورد
44

الاستئجار على الحج.
وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل هذا الكلام: الاستئجار على فعل
الصلاة الواجبة بعد الوفاة مبني على مقدمتين (إحداهما) جواز الصلاة عن الميت
وهذه اجماعية والأخبار الصحيحة ناطقة بها كما تلوناه. و (الثانية) أن كلما جازت
الصلاة عن الميت جاز الاستئجار عنه، وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار
على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر، ولا يخالف فيها أحد من
الإمامية بل ولا من غيرهم، لأن المخالف من العامة إنما منع لزعمه أنه لا يمكن
وقوعها للمستأجر عنه (1) أما من يقول بامكان وقوعها له وهم جميع الإمامية فلا يمكنه
القول بمنع الاستئجار إلا أن يخرق الاجماع في إحدى المقدمتين، على أن هذا النوع
قد انعقد عليه الاجماع من الإمامية الخلف والسلف من عهد المصنف وما قبله إلى زماننا
هذا، وقد تقرر أن اجماعهم حجة قطعية (فإن قلت) فهلا اشتهر الاستئجار على
ذلك والعمل به عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) كما اشتهر الاستئجار على
الحج حتى علم من المذهب ضرورة (قلت) ليس كل واقع يجب اشتهاره ولا كل
مشهور يجب الجزم بصحته فرب مشهور لا أصل له ورب متأصل لم يشتهر، إما لعدم
الحاجة إليه في بعض الأحيان أو لندور وقوعه، والأمر في الصلاة كذلك فإن

(1) في بدائع الصنائع ج 2 ص 212 أن العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم
لا تقل النيابة عن الحي والميت لقوله (ص) " لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد
عن أحد " والعبادة المالية المحضة كالزكاة والصدقات تجوز فيها النيابة لأن الغاية اخراج
المال، والبدنية المالية كالحج تجوز النيابة فيه عن الحي العاجز أو الميت وقد وجب عليه
لقوله (ص) " حق الله أحق أن يقضي " وفي ص 221 قال: " من وجب عليه الحج ومات
ولم يوص به أثم ويسقط عنه في أحكام الدنيا لأن العبادات تسقط بالموت مالية أو بدنية "
والشافعي في الأم ج 2 ص 98 نفي الخلاف في جواز النيابة عن الميت في الحج، ولم يخالف
فيه ابن قدامة في المغني ج 3 ص 234، يرجع إلى المحاضرات تقرير بحث آية
الله الخوئي ص 389
45

سلف الشيعة كانوا على ملازمة الفريضة والنافلة على حد لا يقع من أحد منهم اخلال
بها إلا لعذر يعتد به كمرض موت أو غيره، وإذا اتفق فوات فريضة بادروا إلى
فعلها لأن أكثر قدمائهم على المضايقة المحضة فلم يفتقروا إلى هذه المسألة واكتفوا
بذكر قضاء الولي لما فات الميت من ذلك على طريق الندور، ويعرف هذه الدعاوي
من طالع كتب الحديث والفقه وسيرة السلف معرفة لا يرتاب فيها، فخلف من بعدهم قوم
تطرق إليهم التقصير واستولى عليهم فتور الهمم حتى آل الحال إلى أنه لا يوجد من يقوم
بكمال السنن إلا أوحديهم ولا يبادر بقضاء الفائت إلا أقلهم، فاحتاجوا إلى استدراك
ذلك بعد الموت لظنهم عجز الولي عن القيام به، فوجب رد ذلك إلى الأصول المقررة
والقواعد الممهدة وفي ما ذكرناه كفاية. انتهى. وهو جيد متين.
واعترضه المولى محمد باقر الخراساني في الذخيرة - بعد أن ذكر سابقا ما قدمنا
نقله عنه آنفا من أن الفتوى بذلك لم تكن مشهورة في كتب القدماء - فقال بعد نقل
هذا الكلام: قلت ملخص ما ذكره الشهيد أن الحكم بجواز الاستئجار للميت
مبني على الاجماع على أن كل أمر مباح يمكن أن يقع للمستأجر يجوز الاستئجار
فيه، وقد نبهت مرارا بأن اثبات الاجماع في زمن الغيبة في غاية الاشكال خصوصا
في مثل هذه المسألة التي لم تشتهر في سالف الأعصار وقد خلت منها مصنفات القدماء
والعظماء. ثم إن قوله (قدس سره) " على أن هذا النوع قد انعقد عليه الاجماع.. إلى
آخره " يدل على أنه زعم انعقاد الاجماع عليه في زمان السيد وما قاربه، ولا يخفى
أن دعوى انعقاد الاجماع بالمعنى المعروف بين الشيعة في مثل تلك الأزمان بين التعسف
واضح الجزاف. ثم ما ذكره في تعليل عدم اشتهار هذا الحكم بين السلف لا يخلو
عن تكلف، فإن ما ذكره من ملازمة الشيعة على مداومة الصلوات وحفظ حدودها
والاستباق والمسارعة إلى قضاء فوائتها على تقدير تمامه إنما يجري في العلماء وأهل
التقوى منهم لأعوامهم وأدانيهم وعموم السفلة والجهلة منهم، ويكفي ذلك داعيا
للافتقار إلى هذه المسألة والفتوى بها واشتهار العمل بها لو كان لها أصل. وبالجملة للنظر
46

في هذه المسألة وجه فتدبر. انتهى.
أقول: لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه فإنه عنده ظاهر البطلان غني عند
التأمل عن البيان:
(أما أولا) فلأن قوله " قلت ملخص ما ذكره الشهيد.. إلى قوله الفقهاء
والعظماء " مردود (أولا) بأن هذا الاجماع الذي ادعاه الشهيد وادعى به صحة
الاستئجار في كل الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر عنه، إن كان المناقشة
فيه إنما هو بالنسبة إلى الصلاة والصوم فهذا مما لا معنى له عند المحصل لأنه متى سلم تلك
القاعدة الكلية فعليه في استثناء ما ذكره الدليل، وإن كان بالنسبة إلى أصل الكلية
فالواجب عليه طلب الدليل في كل فرد فرد من أفراد الإجارات وأن لا تجوز
الإجارة في عمل من الأعمال ولا فعل من الأفعال إلا بنص خاص بذلك الجزئي يدل
على جواز الإجارة فيه بخصوصه وإلا فلا ولا أراه يلتزمه، بل لو انفتح هذا
الباب لأدى إلى اطراده في جميع أبواب المعاملات من البيوع والمصالحات والسلم
والمساقاة ونحو ذلك، فيشترط في كل فرد فرد مما يجري فيه أحد هذه العقود ورود نص
فيه وإلا فلا يجوز أن يدخله البيع ونحوه من تلك المعاملات، إذ العلة واحدة في الجميع
والمناقشة تجري في الكل، مع أنه لا يرتاب هو ولا غيره في أن المدار في جميع
المعاملات إنما هو على ما يدخل به ذلك الفرد الذي يراد اجراء تلك المعاملة عليه في
جملة أفرادها الشائعة وينتظم به في جملة جزئياتها الذائعة إلا أن يقوم على المنع دليل
من خارج، وهذه قاعدة كلية في جميع المعاملات، فإن سلمها وقال بها لزمه اجراء
ذلك في محل البحث فإنه أحد أفرادها إلا أن يأتي بدليل على اخراجه، وإن منعها - ولا
أراه يتجشمه - فهو محجوج بما ذكرناه وأنى له بالمخرج.
و (ثانيا) - أن الشهيد (قدس سره) لم يستند هنا إلى مجرد الاجماع وإنما
استند أولا إلى عموم ما دل على الإجارة في الأعمال المباحة ثم أردفه باتفاق الإمامية
لأنه قال: وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة أي عموم
47

أدلة الاستئجار بمعنى أن دليلها عموم الأدلة الدالة على الاستئجار على الأعمال
المباحة، ثم قال ولا يخالف فيها أحد من الإمامية.. إلى آخره، فاستند أولا
إلى عموم الأدلة، وثانيا إلى الاجماع، وهذا هو الواقع والجاري في جميع
المعاملات، فإن هذه القواعد كما أنها متفق عليها بين الأصحاب منصوصة في جميع
أبواب المعاملات من إجارة وغيرها، فالمدعى لاخراج فرد من أفراد بعض تلك
القواعد عليه إقامة الدليل.
ومن الأخبار الدالة على هذه القاعدة بالنسبة إلى الإجارة ما رواه الحسن بن
شعبة في كتاب تحف العقول عن الصادق عليه السلام (1) في وجوه المعايش قال: وأما
تفسير الإجارات فإجارة الانسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابته
أو ثوبه بوجه الحلال من جهات الإجارات أن يؤجر نفسه أو داره أو أرضه
أو شيئا يملكه في ما ينتفع به من وجوه المنافع، أو العمل بنفسه وولده ومملوكه أو
أجيره من غير أن يكون وكيلا للوالي.. إلى أن قال: وكل من آجر نفسه أو آجر
ما يملكه أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقة على ما فسرناه مما تجوز
الإجارة فيه فحلال محلل فعله وكسبه. انتهى.
قال بعض المحدثين من أفاضل متأخري المتأخرين بعد نقل هذا الخبر:
أقول فيه دلالة على جواز إجارة الانسان من يلي أمره من قرابته وأن يؤجر نفسه
للعبادات.. إلى أن قال: وبالجملة المستفاد منها جواز أن يستأجر لكل عمل
وأن يؤجر نفسه من كل أحد لكل عمل إلا ما أخرجه الدليل. انتهى.
وأما قوله - ثم إن قوله على أن هذا النوع.. إلى آخره - فهو في محله إلا أنه
لا يضر بما قلناه فإن المطلوب يتم بما قدمناه وأحكمناه.
و (أما ثانيا) فلأن قوله - ثم ما ذكره في تعليل عدم اشتهار هذا الحكم..
إلى آخره - سقيم عليل لا يبرد الغليل وكلام شيخنا (قدس سره) هنا حق لا ريب

(1) الوسائل الباب 1 من الإجارة
48

فيه وصدق لا شبهة تعتريه، فإن ما ذكره (قدس سره) من الاستئجار على الصلاة
والوصية بها إنما يترتب على ترك العلماء وأهل التقوى العارفين بوجوب قضائها
الخائفين من تبعاتها وجزائها لو كانوا يتركونها فإنهم يوصون بها، ولكن لما كانوا
يحافظون عليها في حال الحياة تمام المحافظة أداء وقضاء واجبا وسنة لم يقع ذلك ولم
يشتهر، فأما اعتراضه بالجهلة والسفلة الذين لا يبالون بالصلاة صحيحة كانت أو
باطلة في حياتهم أو بعد موتهم فغير وارد، لأنهم لما ذكرنا يتركونها ويتهاونون بها
ويموتون على ذلك من غير فحص ولا وصية بقضائها لجهلهم وقلة مبالاتهم بالدين
فكيف يكون ذلك حينئذ داعيا إلى الافتقار إلى هذه المسألة والفتوى بها واشتهار
العمل بها، على أن مساق كلام شيخنا المشار إليه إنما هو بالنسبة إلى شهرة الاستئجار
على الصلاة وأنه لم لا اشتهر كاشتهار الاستئجار على الحج لا بالنسبة إلى الفتوى
بهذه المسألة، ويزيدك تأكيدا لما ذكرنا ثمة كلام شيخنا المذكور وقوله " فخلف من
بعدهم قوم تطرق إليهم التقصير.. إلى آخره " مما يدل على أن اشتهار الوصية
بالصلاة والاستئجار عليها في الوقت الأخير إنما كان لتهاون العلماء والعارفين بما
يعرفون وجوبه عليهم وفتورهم عن القيام بالواجبات فضلا عن السنن الموظفة في
ذلك المقام، فالكلام أولا وآخرا إنما ترتب على العلماء والعارفين لا ما توهمه
من ضم السفلة والجاهلين.
وبالجملة فكلامه (قدس سره) ليس بموجه يعتمد عليه وكلام شيخنا المذكور
أولى وأحرى بالرجوع إليه.
ثم إن ممن ناقش في هذه المسألة وإن كان من جهة أخرى المحدث الكاشاني
(طاب ثراه) في كتاب المفاتيح، حيث قال - في آخر الخاتمة التي في الجنائز من الكتاب
المذكور بعد أن ذكر أنه يصل إلى الميت ثواب الصلاة والصوم والصدقة والحج -
ما صورته: وأما العبادات الواجبة عليه التي فاتته فما شاب منها المال كالحج يجوز
49

الاستئجار له كما يجوز التبرع به عنه بالنص (1) والاجماع، وأما البدني المحض
كالصلاة والصيام ففي النصوص (2) " يقضيها عنه أولى الناس به " وظاهرها التعيين
عليه، والأظهر جواز التبرع بهما عنه من غيره أيضا، وهل يجوز الاستئجار لهما؟ المشهور
نعم، وفيه تردد لفقد النص فيه وعدم حجية القياس حتى يقاس على الحج أو على
التبرع، وعدم ثبوت الاجماع بسيطا ولا مركبا إذا لم يثبت أن كل من قال بجواز
العبادة للغير قال بجواز الاستئجار لها، وكيف كان فلا يجب القيام بالعبادات البدنية
المحضة له بتبرع ولا استئجار إلا مع الوصية.. إلى آخر كلامه.
وقال في كتاب المعايش والمكاسب بعد كلام في المقام: والذي يظهر لي أن ما يعتبر
فيه نية التقرب لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقا لمنافاته الاخلاص فإن النية كما مضى
ما يبعث على الفعل دون ما يخطر بالبال، نعم يجوز فيه الأخذ إن أعطى على وجه
الاسترضاء أو الهدية أو الارتزاق من بيت المال ونحو ذلك من غير تشارط، وأما
ما لا يعتبر فيه ذلك بل يكون الغرض منه صدور الفعل على أي وجه اتفق فيجوز
أخذ الأجرة عليه مع عدم الشرط في ماله صورة العبادة.. وأما جواز الاستئجار
للحج مع كونه من القسم الأول فلأنه إنما يجب بعد الاستئجار وفيه تغليب لجهة
المالية، فإنه إنما يأخذ المال ليصرفه في الطريق حتى يتمكن من الحج ولا فرق في
صرف المال في الطريق بأن يصدر من صاحب المال أو نائبه، ثم إن النائب إذا
وصل إلى مكة وتمكن من الحج أمكنه التقرب به كما لو لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوع
أو نقول إن ذلك أيضا على سبيل الاسترضاء للتبرع. أما الصلاة والصوم فلم يثبت
جواز الاستئجار لهما. انتهى.
وفيه نظر من وجوه: الأول - أن ما ذكره في الكلام الأول من التردد في جواز
الاستئجار لفقد النص مردود (أولا) - بما عرفت آنفا من أن فقد النص في خصوص

(1) الوسائل باب النيابة في الحج وبعض أبواب وجوب الحج وشرائطه.
(2) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات والباب 13 من أحكام شهر رمضان
50

الاستئجار للصلاة والصيام لا يصلح للمانعية، ومن ذا الذي اشترط وجود
النص في خصوص كل عمل وفعل يراد الاستئجار عليه حتى يشترط هنا، والنصوص
العامة كافية كما في غير الإجارة من المعاملات.
وثانيا - أنه قد روى الصدوق (قدس سره) في الفقيه (1) عن عبد الله بن
جبلة عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل يجعل عليه صياما في نذر فلا
يقوى؟ قال يعطي من يصوم عنه كل يوم مدين " وهي صريحة في المطلوب
والمراد عارية عن وصمة الإيراد.
وثالثا - النقض بالحج أيضا كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الثاني - ما ذكره في كلامه الثاني - بقوله: والذي يظهر لي أن ما يعتبر فيه نية
التقرب لا يجوز أخذ الأجرة عليه.. إلى آخره - فإن فيه (أولا) - ما ذكرناه في
الوجه الأول من ورود النص في الصوم وكذا في الحج، وما اعتذر به في الحج
فسيأتي بيان بطلانه.
وثانيا - أنه متى كان العلة في عدم جواز الاستئجار ذلك فإنه لا يجوز وإن
أوصى الميت بذلك، لأن الاستئجار متى كان باطلا لبطلان العبادة والأجير لا يستحق
لذلك أجرة فالوصية غير مشروعة فتكون باطلة، مع أنه قد استثنى الوصية كما
عرفت، هذا خلف.
وثالثا - إن لقائل أن يقول إن الفعل المستأجر عليه هو الصلاة المتقرب بها
إلى الله سبحانه فإنها هي المستقرة في ذمة المستأجر عنه، فالأجرة في مقابلة المجموع
لا الصلاة خاصة ليحصل منافاة الأجرة للقربة، والفرق لطيف يحتاج إلى مزيد
تأمل، وتوضيحه أن النية مشتملة على قيود منها كون الفعل خالصا لله سبحانه ومنها
كونه أداء أو قضاء عن نفسه أو غيره تبرعا أو بأجرة، وكل من هذه القيود
الأخيرة غير مناف لقيد الاخلاص، والأجرة في ما نحن فيه إنما وقعت أولا

(1) الوسائل الباب 12 من النذر والعهد عن الفقيه والكافي
51

وبالذات بإزاء القصد الثاني أعني النيابة عن زيد مثلا، بمعنى أنه استؤجر على النيابة
عن زيد في الاتيان بهذه الفريضة للتقرب بها وقيد القربة على حاله وفي محله لا تعلق
للأجرة به إلا من حيث كونه قيدا للفعل المستأجر عليه، نعم لو اشترط في النيابة
عن الغير التقرب زيادة على التقرب المشروط في صحة العبادة اتجه منافاة الأجرة
لذلك إلا أنه ليس بشرط اجماعا، وبالجملة فإن أصل الصلاة مقصود بها وجهه
سبحانه ولكن الحامل عليها والباعث عليها مع التقرب هو هذا المبلغ الذي قرر له
ولذلك نظائر في الشرع توجب رفع الاستبعاد مثل الصلاة لأجل الاستسقاء وصلاة
الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة طلب الولد وطلب الرزق ونحو. ذلك مما كان
الباعث عليه أحد هذه الأغراض فإن أصل الصلاة مقصود بها وجهه سبحانه
ومتقرب بها إليه جل شأنه ولكن الحامل عليها هو أحد هذه الأمور المذكورة ونحوها
بمعنى أنه يأتي بالصلاة الخالصة لوجه الله سبحانه لأجل هذا الغرض الحامل له عليها.
(فإن قيل) إن هذا مما قام الدليل على صحته وورد الخبر به (قلنا) إن الخصم
إنما تمسك بأن الصلاة بالأجرة مناف للقربة والاخلاص بها لله سبحانه حيث إن
الحامل عليها إنما هو الأجرة دون قصد وجهه سبحانه، وبمقتضى تعليله المذكور
لا يصح شئ من هذه الصلوات بالكلية فإن الباعث عليها أمور أخر كما عرفت، مع أن الشرع قد ورد بصحتها وليس الوجه في ذلك إلا ما قلناه من أن هذه الأسباب
إنما هي أسباب حاملة على الاتيان بالصلاة الخالصة له سبحانه، ومثله يجري في مسألة
الإجارة فلا فرق حينئذ.
وبالجملة فإن ورود النص بالصحة في هذه المواضع دليل واضح في بطلان
ما توهمه في أمر الاستئجار على الصلاة، وحينئذ فكما يصح أن يكون الحامل على
العبادة أحد هذه الأمور يجوز أن يكون الحامل أخذ الأجرة والانتفاع بها.
الثالث - ما ذكره - بقوله: وأما جواز الاستئجار على الحج مع كونه من القسم
الأول.. إلى آخره - فإن فيه (أولا) - أنه من الجائز الواقع أن يكون الاستئجار
52

من الميقات أو من مكة وهو مما لا يجري فيه هذا التخرص الذي ذكره والتمحل
الذي اعتبره، فلا يكون ما ذكره كليا مع أن ظاهر النصوص كلية الحكم وهو كاف
للخصم في التعلق به فإنه لا ينكر صحته.
وثانيا - أنه يمكن أيضا اجراء ما فرضه في الحج في الصلاة بأن يقبض الأجير
الأجرة ويتصرف فيها بعد الاستئجار ولا يأتي بالصلاة إلا بعد نفاد الأجرة إذ
الإجارة لا تقتضي الفورية كما هو الأظهر الأشهر، وحينئذ فيمكنه التقرب بها كما
لو لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوع.
وثالثا - أن قوله - أو نقول إن ذلك على سبيل الاسترضاء للتبرع - مناف لفرض
المسألة أولا، فإن المفروض الاستئجار للحج كما صرح به في كلامه فكيف يجعله
تبرعا وأن المدفوع من الأجرة على سبيل الاسترضاء. والفرق بين الأمرين
أوضح واضح.
وبالجملة فإنه لو جاز بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التخريجات البعيدة
والتمحلات الغير السديدة لا تسع المجال وانفتح باب القيل والقال، ولم يبلغ المجتهدون
الذين قد أكثر من التشنيع عليهم في رسائله ومصنفاته إلى مثل هذه التخريجات الواهية
الباردة والتخرصات البعيدة الشاردة. والله العالم.
المسألة الرابعة - لا يخفى على من تتبع كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
هذا الباب ما وقع لهم من الاختلاف في القاضي والمقضي والمقضى عنه.
أما الأول فقد صرح الأكثر بأنه الولد الأكبر، قال في الذكرى بعد نقل ذلك
عنهم: وكأنهم جعلوه بإزاء حبوته لأنهم قرنوا بينها وبينه والأخبار خالية عن
التخصيص كما أطلقه ابن الجنيد وابن زهرة، ولم نجد في أخبار الحبوة ذكر الصلاة
نعم ذكرها المصنفون ولا بأس به اقتصارا على المتيقن وإن كان القول بعموم كل
ولي ذكر أولى حسبما تضمنته الروايات. انتهى.
أقول: قال ابن الجنيد: والعليل إذا أوجبت عليه صلاة فأخرها عن وقتها
53

إلى أن مات قضاها عنه وليه كما يقضي عنه حجة الاسلام والصيام ببدنه، فإن جعل
بدل كل ركعتين مدا أجزأه فإن لم يقدر فلكل أربع فإن لم يقدر فمد لصلاة النهار ومد
لصلاة الليل، والصلاة أفضل. وعن المرتضى نحو ذلك. وظاهر هما مع التخيير
بين القضاء والتصدق التخصيص بما فات عن العليل في مرض موته.
وقال ابن زهرة: ومن مات وعليه صلاة وجب على وليه قضاءها، وإن
تصدق عن كل ركعتين بمد أجزأه.. إلى آخر ما ذكره ابن الجنيد. واحتج
بالاجماع وطريق الاحتياط، وظاهره التخيير بين القضاء والصدقة مع عموم الفائت
دون التخصيص بفائت مرض الموت.
والجميع متفقون على الولي بقول مطلق. وقال ابن إدريس بوجوب القضاء على
وليه الأكبر من الذكر أن ما وجب على العليل فأخره عن أوقاته حتى مات ولا يقضي
عنه إلا الصلاة الفائتة في حال مرض موته فحسب، وتبعه في ذلك سبطه نجيب الدين
يحيى بن سعيد والشهيد في اللمعة. وهو صريح في التخصيص بالفائت في مرض
الموت وأن القاضي هو الولي وهو الأكبر من الذكران.
وأما الثاني فظاهر الشيخين وابن أبي عقيل وابن البراج وابن حمزة والعلامة
في أكثر كتبه أنه جميع ما فات الميت وهو ظاهر كلام ابن زهرة المتقدم، وظاهر
ما قدمنا نقله عن ابن الجنيد والمرتضى وابن إدريس ويحيى بن سعيد والشهيد في اللمعة
هو التخصيص بما فات في مرض الموت، وقال المحقق في كتابيه بقول الشيخين،
وقال في المسائل البغدادية المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم االمشغري (قدس
سره): الذي ظهر لي أن الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة لعذر
كالمرض والسفر والحيض لا ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه. قال في الذكرى
بعد نقل ذلك عنه: وقد كان شيخنا عميد الدين (قدس سره) ينصر هذا القول
ولا بأس به، فإن الروايات تحمل على الغالب من الترك وهو إنما يكون على هذا
الوجه أما تعمد ترك الصلاة فإنه نادر، نعم قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرئ للذمة
54

والظاهر أنه ملحق بالتعمد للتفريط. انتهى.
وأما الثالث فظاهرهم أنه الرجل، قال في الذكرى: لذكر هم إياه في معرض
الحبوة. وظاهر عبارة المحقق الشمول للمرأة.
والتحقيق عندي في هذا المقام أما بالنسبة إلى الأول فهو ولي الميت وهو أولى
الناس بميراثه كما صرح به ابن الجنيد ومن معه ممن قدمنا ذكره، وبذلك صرح
الصدوقان أيضا.
وعليه تدل صحيحة حفص بن البختري وهي السابعة من الروايات المتقدمة
ومثلها الرواية السادسة والرواية الرابعة والعشرون (1).
ونحوها أيضا مرسلة حماد بن عثمان عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
" في الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان من يقضي عنه؟ قال أولى الناس به
قلت فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال لا إلا الرجال " وبذلك يظهر لك ما في كلام
جمهور الأصحاب من التخصيص بالولد فإنه خال عن المستند.
ويختص القضاء بالرجال النساء كما تضمنه خبر حفص (3) ومرسلة حماد (4)
وبأكبر الرجال لو تعددوا لصحيحة الصفار عن أبي محمد الحسن عليه السلام (5) " أنه كتب
إليه رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما أن
يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه السلام يقضي
عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء انشاء الله " قال في الفقيه: وهذا التوقيع عندي مع
توقيعاته إلى الصفار بخطه عليه السلام.
وأما بالنسبة إلى الثاني فهو كل ما فات الميت لعذر كان أم لا لعذر في مرض
الموت أو غيره لاطلاق الأخبار المذكورة من الخبر السادس والسابع، ولا ينافي
ذلك الخبر الرابع والعشرون إذ لا دلالة فيه على نفي ما عدا ما ذكر فيه بل غايته أن

(1) ص 33 و 37
(2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(4) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
55

يكون بالنسبة إلى ذلك مطلقا واطلاقه محمول على ما دل عليه الخبران المذكوران
من جميع ما فات الميت.
وقال في الذكرى: ورواية عبد الله بن سنان وردت بطريقين وليس فيها نفي
لما عداها، إلا أن يقال قضية الأصل تقتضي عدم القضاء إلا ما وقع الاتفاق عليه، أو
أن المتعمد مؤاخذ بذنبه فلا يناسب مؤاخذة الولي به لقوله تعالى: " ولا تزر
وازرة وزر أخرى " (1) انتهى.
وفيه أن قضية الأصل يجب الخروج عنها بالدليل وهو خبر حفص ومرسلة
ابن أبي عمير فإنهما ظاهران في العموم. وأما التعليل بالمؤاخذة بالذنب فعليل سيما
في مقابلة النص، والآية المذكورة لو عمل على ظاهرها لوجب المنع أيضا من تحمل
الولي ما فات الميت لعذر وهو لا يقول به.
وأما بالنسبة إلى الثالث فاشكال ينشأ من ورود بعض الأخبار بلفظ الرجل
وبعض بلفظ الميت، والظاهر حمل ذكر الرجل على مجرد التمثيل لاشتراكهما في
الأحكام غالبا فيرجح القول بالعموم، ويؤيده أن التخصيص بالرجل في الروايات
إنما وقع في الأسئلة فلا يقتضي تقييد المطلق الواقع في الروايات الأخر، ويؤكده
أيضا أنه الأحوط.
ثم إنه على تقدير تفسير الولي بالولد الأكبر كما هو الأشهر ينحصر المقضى
عنه في الأب سيما على القول بكون المقضى عنه الرجل وكأنهم جعلوه في مقابلة
الحبوة كما تقدم في كلام شيخنا الشهيد، أو مع الأم بناء على العموم في المقضى عنه
ولا يتعدى إلى غيرهما. ولكن تفسير الولي بذلك كما عرفت عار عن الدليل بل
الدليل على خلافه واضح السبيل. وسيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصيام مزيد
بحث في هذا المقام محيط بأطراف الكلام بابرام النقض ونقض الابرام.

(1) سورة الأنعام الآية 164
56

فوائد
الأولى - قد تقدم في كلام ابن الجنيد والمرتضى وابن زهرة التخيير بين
الصلاة والصدقة ولم نظفر له مستند، والذي ورد من الصدقة إنما هو بالنسبة إلى
النوافل كما تقدم، قال في المختلف بعد نقل التخيير عن ابن الجنيد والمرتضى: وباقي
المشهورين من الأصحاب لم يذكروا الصدقة في الفرائض، ثم قال: لنا إنه واجب
عليه فلا تجزئ عنه الصدقة كالميت. ثم ذكر بأنهم احتجوا بأنه واجب عليه على
سبيل البدل فأجزأت الصدقة عنه كالصوم. ثم أجاب بأنه لولا النص لما صرنا إليه في
الصوم. انتهى. وقال في الذكرى: وأما الصدقة عن الصلاة فلم نرها في غير النافلة.
الثانية - هل يشترط كمال الولي حال الوفاة؟ قرب الشهيد في الذكرى ذلك،
قال لرفع القلم عن الصبي والمجنون (1) ثم قال: ويمكن إلحاق الأمر به عند البلوغ بناء
على أنه يحبى وأنها تلازم القضاء. أما السفيه وفاسد الرأي فعند الشيخ لا يحبى
فيمكن انتفاء القضاء عنه، ووجوبه أقرب أخذا بالعموم. والشيخ نجم الدين لم
يثبت عنده منع السفيه والفاسد الرأي من الحبوة، فهو أولى بالحكم بوجوب القضاء
عليهما. انتهى.
أقول: مبنى هذا الكلام والبحث في هذا المقام على كون الولي الذي يجب
قضاؤه عن الميت هو الولد كما هو المشهور، وقد عرفت ما فيه من القصور وأن الولي
في هذا الباب الذي يتعلق به الخطاب إنما هو الأولى بالميراث، ومنه يعلم سقوط
هذا الكلام والدوران مدار الحبوة وعدمها الذي فرعوا عليه الكلام في السفيه
وفاسد الرأي. بقي الكلام على ما اخترناه من معنى الولي لو اتفق عدم بلوغه وقت
الوفاة، وفيه اشكال لعدم النص الواضح في البين وقيام الاحتمال من الجانبين.
الثالثة - لو قلنا بعدم قضاء الولي ما تركه الميت عمدا أو كان الميت لا ولي له
فإن أوصى الميت بفعلها من ماله وجب إنفاذه، وإن أخل بذلك فظاهر المتأخرين من

(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 2.
57

الأصحاب عدم وجوب الاخراج من ماله، وعلله في الذكرى قال لعدم تعلق الفرض
بغير البدن خالفناه مع وصية الميت لانعقاد الاجماع عليه بقي ما عداه على أصله. انتهى
ونقل عن بعض الأصحاب القول بوجوب اخراجها كالحج وصب الأخبار
التي لا ولي فيها عليه، واحتج أيضا بخبر زرارة الطويل الوارد في الزكاة (1) قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن أباك قال لي من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ قال
صدق أبي عليه أن يؤدي ما وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شئ عليه فيه. ثم قال
أرأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن
يؤديها؟ قلت لا إلا أن يكون أفاق من يومه " قال: وظاهره أنه يؤديها بعد موته
وهو إنما يكون بوليه أو ماله فحيث لا ولي يحمل على المال وهو شامل لحالة
الايصاء وعدمه. انتهى.
وظاهر الشهيد في الذكرى الميل إلى ذلك أو التوقف في ما هنالك، حيث إنه
نقل فيه القول والاستدلال المذكورين ولم يقدح فيه بشئ، ويضد أنه قال بعد
ذكر المسألة المذكورة: لو أوصى بفعلها من ماله فإن قلنا بوجوبه لولا الايصاء
كان من الأصل كسائر الواجبات وإن قلنا بعدمه فهو تبرع يخرج من الثلث إلا أن
يجيزه الوارث. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ظاهر كلمة الأصحاب عدا من نقل عنه الخلاف هنا هو
الاتفاق على أن الصلاة والصوم ونحو هما من الواجبات البدنية لا يجب اخراجها مع
عدم الوصية ومع الوصية فمخرجها الثلث كسائر الوصايا، بخلاف الواجبات المالية
كالزكاة ونحوها، والحج وإن كان مشوبا إلا أنه غلب فيه الجهة المالية، وسيأتي مزيد
تحقيق لذلك أن شاء الله تعالى في كتاب الحج.
وكيف كان فإن ما استند إليه ذلك البعض المنقول عنه القول بوجوب اخراج
الصلاة والصوم عن الميت وإن لم يوص به لا يخلو من المناقشة وإن جمد عليه من

(1) الفروع ج 1 ص 148 وفي الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب والفضة.
58

نقل كلامه في المقام كشيخنا الشهيد في الذكرى والفاضل الخراساني في الذخيرة،
وذلك أما بالنسبة إلى الأخبار الغير المشتملة على ذكر الولي فقد عرفت في ما تقدم
أن المتبادر من سياق تلك الأخبار إنما هو الصلوات المستحبة لا الواجبة، ومع
تسليم شمول الواجبة فإنا نقول إن غاية تلك الأخبار أن تكون مطلقة بالنسبة إلى
القاضي. والقاعدة تقتضي حمل اطلاقها على ما دلت عليه الأخبار المتقدمة
من إناطة القضاء بالولي، وكذا الكلام في رواية زرارة المذكورة.
ومن الأخبار الدالة على إناطة القضاء بالولي زيادة على ما تقدم موثقة ابن
بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " في الرجل يموت في شهر
رمضان؟ قال ليس على وليه أن يقضي عنه.. إلى أن قال: فإن مرض فلم يصم شهر
رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضي عنه لأنه قد صح
فلم يقض ووجب عليه.
وقال الرضا عليه السلام في كتاب الفقه (2) " وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر
رمضان فعلى وليه أن يقضي عنه.. إلى أن قال: وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما
من الرجال أن يقضي عنه، فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء "
وبهذه العبارة ما ذكرناه منها وما لم نذكره عبر في الفقيه.
وبالجملة فإنك إذا ضممت هذه الأخبار بعضها إلى بعض وحملت مطلقها على
مقيدها ظهر لك أنه لا مستند لهذا القول المذكور من الأخبار وأن قياس الصلاة
والصوم على الحج في التعلق بالمال بعد تعذر البدن قياس مع الفارق، وذلك فإن
الحج بدني مشوب بالمال فمن ثم دلت الأخبار بعد تعذر الاتيان به بالبدن على التعلق
بالمال، فوجب اخراجه بعد الموت من ماله بل في حال الحياة مع المرض المانع من
المباشرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحج، وأما الصوم والصلاة فإنهما

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان
(2) ص 25
59

بدنيان محضان لا تعلق لهما بالمال في حال الحياة فمع تعذر الاتيان بهما والموت بعد
استقرارهما في الذمة يتعلق الخطاب بالولي، ومع عدم الولي فلا دليل يدل على
تعلقهما بالمال كما ادعاه القائل المذكور بل يسقط حكمهما كما هو ظاهر الأدلة المتقدمة
الدالة على أنه مع فقد الولي من الرجال فلا يتعلق القضاء بالولي من النساء، ولو كان
القضاء يرجع إلى المال في الصورة المذكورة لأشير إليه في بعض تلك الأخبار بأن
يقال بل يجب القضاء عنه من ماله. وبالجملة فعندي أن ما تكلفه هذا الفاضل المذكور
من القول واستدل عليه بما ذكر فهو غير خال من القصور. والله العالم.
الرابعة - لو أوصى الميت بقضائها عنه بأجرة من ماله وأسندها إلى أحد أوليائه
أو إلى أجنبي فهل تسقط عن الولي؟ وجهان واستقرب في الذكرى السقوط لوجوب
العمل بما رسمه الموصي. وهو غير بعيد، ويؤيده أن المتبادر من الأخبار الدالة على إناطة ذلك بالولي إنما هو مع عدم وصية الميت بذلك على وجه من الوجوه، وحينئذ
فلا منافاة في هذه الصورة لما دلت عليه الأخبار، ويؤيد ما ذكرناه ما صرح به السيد
ابن طاووس (قدس سره) في رسالته التي قدمنا نقل هذه الأخبار المتقدمة منها،
حيث قال ما صورته: لو أوصى الميت بالصلاة عنه وجب العمل بوصية لعموم
" فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " (1) ولأنه لو أوصى ليهودي
أو نصراني لوجب إنفاذ وصيته فكيف الصلاة المشروعة. ثم أورد بعض الأخبار
الدالة على ذلك.
الخامسة - قال في الذكرى: لا يشترط خلو ذمة الولي من صلاة واجبة
لتغاير السبب فيلزمان معا، والأقرب الترتيب بينهما عملا بظاهر الأخبار وفحاويها،
نعم لو فاتته صلاة بعد التحمل أمكن القول بوجوب تقديمها لأن زمان قضائها مستثنى
كزمان أدائها، ويمكن تقديم المتحمل لسبق سببه. انتهى.
أقول: أما الحكم الأول فجيد، وأما الثاني وهو وجوب الترتيب بين ما في ذمته
وبين ما تحمله عن الميت فلا أعرف له دليلا معتمدا بل ظواهر الأخبار واطلاقها

(1) سورة البقرة الآية 177
60

إنما يقتضي عدم وجوب الترتيب، فإن اطلاقها دال على وجوب قضاء ما لزمه من
نفسه وما لزمه من غيره وأما أنه يرتب بينهما فلا يفهم ذلك منها بوجه. وأما
الثالث فالظاهر التخيير لعدم الدليل على رجحان واحد من الاحتمالين المذكورين
في كلامه.
السادسة - قال في الذكرى: لو مات هذا الولي فالأقرب أن وليه لا يتحملها
لقضية الأصل والاقتصار على المتيقن سواء تركها عمدا أو لعذر. انتهى.
أقول: من المحتمل قريبا القول بوجوب التحمل لظاهر الأخبار المتقدمة،
فإن قوله في صحيحة حفص (1) " في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضي
عنه أولى الناس به " شامل لما لو كانت تلك الصلاة التي في ذمته وعليه من فوائت
صلاته ومما لزمه تحمله عن غيره، ونحوها مرسلة ابن أبي عمير (2) ونحوها الروايات
الدالة على الصوم، فإن الجميع ظاهر في العموم لصدق كونه عليه.
السابعة - قال في الذكرى: الأقرب أنه ليس له الاستئجار لمخاطبته بها والصلاة
لا تقبل التحمل عن الحي. ويمكن الجواز لما يأتي إن شاء الله تعالى في الصوم
ولأن الفرض فعلها عن الميت. فإن قلنا بجوازه وتبرع بها متبرع أجزأت أيضا. انتهى
أقول: قد تقدم في الرواية الحادية عشرة ما يدل على جواز الحج والصلاة
والصدقة عن الأحياء والأموات من القرابة والأصحاب، والسيد ابن طاووس
(قدس سره) تأوله في الحي بما يصح فيه النيابة من الصلوات، والظاهر أن مراده
مثل ركعتي الطواف نيابة وصلاة الزيارة نيابة دون ما عدا ذلك، وهو ظاهر كلمة
الأصحاب في هذا الباب.
ويعضده ما في الحديث العشرين حيث " سأله السائل عن الرجل يريد أن
يجعل أعماله من الصلاة والبر والخير أثلاثا له ولأبويه وكان أحدهما حيا والآخر

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان، وفي الفروع ج 1 ص 196
والوسائل والوافي باب (من مات وعليه صيام) " أولى الناس بميراثه ".
(2) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات
61

ميتا؟ فكتب إليه: أما الميت فحسن جائز وأما الحي فلا إلا البر والصلة " وهو ظاهر
بل صريح في عدم جواز الصلاة عن الحي وجوبا أو استحبابا، لأنه إنما رخص له في
الحي بالبر والصلة دون الصلاة التي هي مذكورة معهما في السؤال، ومن ذلك يظهر
أن الأقرب عدم صحة الاستئجار من الولي.
وأما ما علل به إمكان الجواز - من حصول ذلك في الصوم وكون الفرض
فعلها عن الميت - ففيه ما ذكره السيد السند (قدس سره) في المدارك في مسألة
الصوم بعد أن نقل عن جده أنه لو تبرع بعض بالقضاء سقط عن الولي، وأن وجه
السقوط حصول المقتضي وهو براءة الذمة، حيث قال: ويتوجه عليه أن الوجوب
تعلق بالولي وسقوطه بفعل غيره يحتاج إلى دليل، ومن ثم ذهب ابن إدريس
والعلامة في المنتهى إلى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وإن وقع بإذن من تعلق به
الوجوب لأصالة عدم سقوط الفرض عن المكلف بفعل غيره. وقوته ظاهرة. انتهى
وهو جيد. والله العالم بحقائق أحكامه وأولياؤه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
المقصد الثاني في صلاة الجماعة
وفضلها عظيم وثوابها جسيم وقد ورد فيها عنهم (عليهم السلام) من ضروب
التأكيدات ما كاد يلحقها بالواجبات:
روى الشيخ عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " هم
رسول الله صلى الله عليه وآله باحراق قوم في منازلهم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون
الجماعة، فأتاه رجل أعمى فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله إني ضرير البصر وربما أسمع النداء
ولا أجد من يقودني إلى الجماعة والصلاة معك؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله شد من منزلك إلى
المسجد حبلا واحضر الجماعة ".
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سمعته

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الجماعة.
62

يقول: إن أناسا " كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أبطأوا عن الصلاة في المسجد فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع
على أبوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم ".
وروى في الفقيه مرسلا (1) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله لقوم: لتحضرن
المسجد أو لأحرقن عليكم منازلكم ".
وروى الشيخ بسند معتبر عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام
في حديث العدالة الطويل المتقدم في باب صلاة الجمعة (2) قال عليه السلام: " والساتر لجميع
عيوبه - حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وغيبته ويجب
عليهم تزكيته واظهار عدالته في الناس - التعاهد الصلوات الخمس إذا واظب
عليهن وحافظ على مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين وأن لا يتخلف عن جماعتهم في
مصلاهم إلا من علة، وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب ولولا ذلك لم يكن لأحد
أن يشهد على أحد بالصلاح. لأن من لم يصل فلا صلاح له بين المسلمين لأن الحكم جرى
فيه من الله ورسوله صلى الله عليه وآله بالحرق في جوف بيته، قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا صلاة
لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا غيبة إلا
لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين
غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره
وحذره فإن حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه بيته.. ".
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح (3) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام الصلاة
في جماعة تفضل على صلاة الفذ بأربع وعشرين درجة " أقول: الفذ بالفاء والذال
المعجمة: الفرد.

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الجماعة
(2) ج 10 ص 25
(3) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة. وفي التهذيب باب فضل الجماعة " الفرد " نعم
في الوافي باب فضل الجماعة كما هنا، واللفظ في الجميع هكذا " تفضل على كل صلاة.. ".
63

وعن زرارة في الحسن (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما يروي الناس
أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة؟ فقال
صدقوا. فقلت الرجلان يكونان جماعة؟ فقال نعم ويقوم الرجل عن يمين الإمام ".
وفي كتاب المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله (2) " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد
بخمس وعشرين درجة ".
وقال الصدوق: قال أبي (قدس سره) في رسالته إلى (3) صلاة الرجل في
جماعة تفضل على صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين درجة في الجنة.
وقال عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (4) " وصلاة واحدة في جماعة بخمس
وعشرين صلاة من غير جماعة، وترفع له في الجنة خمس وعشرون درجة ".
وروى في كتاب المجالس في خبر الأعمش (5) قال: " قال الصادق عليه السلام فضل
الجماعة على الفرد بأربع وعشرين " ونحوه في كتاب العيون (6) في ما كتبه الرضا
عليه السلام للمأمون.
أقول: ما دل من هذه الأخبار على أربع وعشرين درجة فالمراد به بيان الفضل
الذي به يحصل الزيادة وما دل على خمس وعشرين فالمراد به التفضل مع إضافة الأصل.
وعن محمد بن عمارة (7) قال: " أرسلت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن
الرجل يصلي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل أو صلاته في جماعة؟ فقال

(1) الوسائل الباب 1 و 4 من صلاة الجماعة
(2) لم نقف على رواية المجالس عن النبي " ص " بهذا المضمون، نعم في الوسائل
الباب 1 من صلاة الجماعة عن الخصال عن النبي " ص " اللفظ المذكور، وقد نقله في البحار
ج 18 الصلاة ص 613 عن الخصال.
(3) الفقيه ج 1 ص 245 وليس فيه نسبة إلى أبيه (4) ص 14
(5) البحار ج 18 الصلاة 613 عن الخصال
(6) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة
(7) الوسائل الباب 33 من أحكام المساجد.
64

الصلاة في جماعة أفضل ".
قيل: ويستفاد من هذه الرواية إن الصلاة في جماعة أفضل من ألف صلاة، لأن
الصلاة في مسجد الكوفة أفضل من ألف صلاة على ما دل عليه بعض الروايات.
أقول: ما ذكره جيد إلا أنه قد روى ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات
قال حدثني أبو عبد الرحمان محمد بن أحمد بن الحسين العسكري عن الحسن بن علي بن
مهزيار عن أبيه عن الحسن بن سعيد عن محمد بن سنان (1) قال: " سمعت الرضا عليه السلام
يقول: الصلاة في مسجد الكوفة فردا أفضل من سبعين صلاة في غيره جماعة " وهو
كما ترى ظاهر المنافاة للخبر الأول، ولا يحضرني الآن وجه جمع بينهما.
وروى الشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة والفضيل (2) قالا: " قلنا
له الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في
الصلوات كلها ولكنها سنة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة
فلا صلاة له ".
وروى الكليني والشيخ عنه باسنادين أحدهما من الصحاح أو الحسان عن
زرارة (3) قال: " كنت جالسا عند أبي جعفر عليه السلام ذات يوم إذ جاءه رجل فدخل
عليه فقال له جعلت فداك إني رجل جار مسجد لقومي فإذا أنا لم أصل معهم وقعوا
في وقالوا هو كذا وكذا؟ فقال أما لئن قلت ذلك لقد قال أمير المؤمنين عليه السلام من سمع
النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له. فخرج الرجل فقال له لا تدع الصلاة معهم
وخلف كل إمام. فلما خرج قلت له جعلت فداك كبر على قولك لهذا الرجل
حين استفتاك فإن لم يكونوا مؤمنين؟ قال فضحك عليه السلام فقال ما أراك بعد إلا ههنا
يا زرارة فأي علة تريد من أنه لا يؤتم به؟ ثم قال يا زرارة أما تراني قلت صلوا في

(1) الوسائل الباب 33 من أحكام المساجد.
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 5 من صلاة الجماعة
65

مساجدكم وصلوا مع أئمتكم " قال في الوافي في ذيل هذا الخبر: لعله عليه السلام اتقى الرجل
أن يروي ذلك عنه عليه السلام وصرح بالحق مع زرارة.
وروى الصدوق في المجالس وفي ثواب الأعمال والبرقي في المحاسن بأسانيدهم
عن ميمون القداح عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (1) قال: " اشترط
رسول الله صلى الله عليه وآله على جيران المسجد شهود الصلاة وقال لينتهين أقوام لا يشهدون
الصلاة أو لآمرن مؤذنا يؤذن ثم يقيم ثم آمر رجلا من أهل بيتي وهو علي عليه السلام
فليحرقن على أقوام بيوتهم بحزم الحطب لأنهم لا يأتون الصلاة ".
وروى الشيخ (قدس سره) في كتاب المجالس بسنده عن زريق الخلقاني (2)
قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة أن قوما
من جيران المسجد لا يشهدون الصلاة جماعة في المسجد فقال عليه السلام ليحضرن معنا
صلاتنا جماعة أو ليتحولن عنا ولا يجاورونا ولا نجاورهم ".
وبهذا الاسناد عن زريق عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " أن أمير المؤمنين عليه السلام
بلغه أن قوما لا يحضرون الصلاة في المسجد فحطب عليه السلام فقال إن قوما لا يحضرون
الصلاة معنا في مساجدنا فلا يؤاكلونا ولا يشاربونا ولا يشاورونا ولا يناكحونا
ولا يأخذوا من فيئنا شيئا أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة، وإني لأوشك أن آمر لهم
بنار تشعل في دورهم فأحرقها عليهم أو ينتهون، قال فامتنع المسلمون من مواكلتهم
ومشاربتهم ومناكحتهم حتى حضروا الجماعة مع المسلمين ".
وروى شيخنا الشهيد الثاني (عطر الله مرقده) في شرح الإرشاد عن كتاب
الإمام والمأموم للشيخ أبي محمد جعفر بن أحمد القمي باسناده المتصل إلى أبي سعيد
الخدري (4) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني جبرئيل مع
سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر فقال يا محمد صلى الله عليه وآله إن ربك يقرئك السلام

(1) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد
(4) مستدرك الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة
66

وأهدى إليك هديتين لم يهدهما إلى نبي قبلك. قلت وما تلك الهديتان؟ قال الوتر
ثلاث ركعات والصلوات الخمس في جماعة. قلت يا جبرئيل وما لأمتي في الجماعة؟
قال يا محمد إذا كانا اثنين كتب الله لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة، وإذا
كانوا ثلاثة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ستمائة صلاة، وإذا كانوا أربعة كتب
الله لكل واحد بكل ركعة ألفا ومائتي صلاة، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل
واحد بكل ركعة ألفين وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا ستة كتب الله لكل واحد منهم
بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكل واحد
منهم بكل ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد
منهم بكل ركعة تسعة عشر ألفا ومائتي صلاة، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل
واحد منهم بكل ركعة ستة وثلاثين ألفا وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا عشرة كتب
الله لكل واحد منهم بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة صلاة، فإذا زادوا على
العشرة فلو صارت بحار السماوات والأرض كلها مدادا والأشجار أقلاما والثقلان
مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة، يا محمد صلى الله عليه وآله تكبيرة
يدركها المؤمن مع الإمام خير له من ستين ألف حجة وعمرة وخير من الدنيا وما
فيها سبعين ألف مرة، وركعة يصليها المؤمن مع الإمام خير من مائة ألف دينار
يتصدق بها على المساكين، وسجدة يسجدها المؤمن من الإمام في جماعة خير له
من عتق مائة رقبة ".
وروى في جامع الأخبار عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري مثله (1) إلى
قوله: " يا محمد صلى الله عليه وآله تكبيرة يدركها المؤمن خير له من سبعين حجة وألف عمرة
سوى الفريضة، يا محمد صلى الله عليه وآله ركعة يصليها المؤمن مع الإمام خير له من أن
يتصدق بمائة ألف دينار على المساكين، وسجدة يسجدها خير له من عبادة سنة،
وركعة يركعها المؤمن مع الإمام خير له من مائة رقبة يعتقها في سبيل الله، يا محمد

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة
67

صلى الله عليه وآله من أحب الجماعة أحبه الله والملائكة أجمعون ".
قال شيخنا المجلسي في البحار ذيل هذا الخبر: بناء أكثر المثوبات وزيادتها في
زيادة الأعداد على التضعيف إلا الأول والثامن والتاسع فإن التسعة على هذا الحساب
ينبغي أن يكون ثوابها ثمانية وثلاثين ألفا وأربعمائة والعشرة سبعين ألفا وستة
آلاف وثمانمائة، ولعله من الرواة أو النساخ. انتهى.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب الروضة: الجماعة مستحبة في الفريضة
متأكدة في اليومية حتى أن الصلاة الواحدة منها تعدل خمسا أو سبعا وعشرين مع
غير العالم ومعه ألفا، ولو وقعت في المسجد تضاعف بمضروب عدده في عددها: ففي
الجامع مع غير العالم ألفان وسبعمائة ومعه مائة ألف. قال وروي أن ذلك مع اتحاد
المأموم فلو تعدد تضاعف في كل واحد بقدر المجموع (1).
وروى الشهيد في النفلية عن الصادق عليه السلام (2) " الصلاة خلف العالم بألف ركعة
وخلف القرشي بمائة وخلف العربي خمسون وخلف المولى خمس وعشرون ".
قال الشهيد الثاني في شرحها: المراد بالقرشي المنسوب إلى النضر بن كنانة جد
النبي صلى الله عليه وآله والسادات الأشراف أجل هذه الطائفة، والعربي المنسوب إلى العرب يقابل
العجم وهو المنسوب إلى غير العرب مطلقا، والمولى يطلق على معان كثيرة والمراد
هنا غير العربي بقرينة ما قبله، وكثيرا ما يطلقون المولى على غير العربي وإن كان
حر الأصل. انتهى.
وروى زيد النرسي في كتابه عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " إن قوما جلسوا
عن حضور الجماعة فهم رسول الله صلى الله عليه وآله أن يشعل النار في دورهم حتى خرجوا

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة، وتتمة العبارة هكذا " بقدر المجموع في
سابقه إلى العشرة ثم لا يحصيه إلا الله تعالى ".
(2) مستدرك الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
(3) مستدرك الوسائل الباب 2 من صلاة الجماعة
68

وحضروا الجماعة مع المسلمين ".
قال شيخنا المجلسي المتقدم ذكره (طيب الله مرقده) في الكتاب المذكور
ذيل هذا الخبر: ظاهر هذا الخبر وأمثاله وجوب الجماعة في اليومية ولم ينقل عن
أحد من علمائنا القول به، وخالف فيه أكثر العامة (1) فقال بعضهم فرض على
الكفاية في الصلوات الخمس، وقال آخرون إنها فرض على الأعيان، وقال بعضهم
إنها شرط في الصلاة تبطل بفواتها، ولذا أول أصحابنا هذه الأخبار فحملوها تارة على
الجماعة الواجبة وأخرى على ما إذا تركها استخفافا. وربما يقال العقوبة الدنيوية
لا تنافي الاستحباب كالقتل على ترك الأذان، ولا يخفى ضعفه إذ لا معنى للعقوبة
على ما لا يلزم فعله ولا يستحق تاركه الذم واللوم كما فسر أكثرهم الواجب به.
والقول بأنه كان واجبا في صدر الاسلام فنسخ أو كان مع حضور إمام الأصل
واجبا فمع أن أكثر الأخبار لا تساعدهما لم أر قائلا به أيضا. وبالجملة فالاحتياط
يقتضي عدم الترك إلا لعذر وإن كان بعض الأخبار يدل على الاستحباب، وكفى
بفضلها أن الشيطان لا يمنع من شئ من الطاعات منعها، وطرق لهم في ذلك شبهات
من جهة العدالة ونحوها إذ لا يمكنهم انكارها ونفيها رأسا لأن فضلها من ضروريات
الدين، أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين من وساوس الشياطين. انتهى.
أقول: لا يخفى على من أحاط خبرا بالأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)
في أمثال هذا المضمار أنهم كثيرا ما يبالغون في الحث على المندوبات بما يكاد يلحقها
بالواجبات والزجر عن المكروهات بما يكاد يدخلها في حيز المحرمات تأديبا
لرعيتهم لئلا يتهاونوا ويتكاسلوا عن القيام بالمستحبات ويتهاونوا بالانهماك في
المكروهات، وقد تقدم التصريح باستحبابها في صحيح زرارة والفضيل أو حسنهما (2)

(1) عمدة القارئ ج 2 ص 685 وفتح القدير ج 1 ص 243 ونيل الأوطار
ج 2 ص 131
(2) ص 65
69

وبه يندفع توهم الوجوب من هذه الأخبار ونحوها. ومن المحتمل قريبا حمل هذه الأخبار ونحوها مما ورد دالا على ترتب العذاب على ترك المستحبات على ما إذا كان
الترك على جهة الاستخفاف وعدم المبالاة بكمالات الشرع، وقد تقدم تحقيق القول
في ذلك في المقدمة الثانية من مقدمات هذا الكتاب.
ومما يؤيد ذلك زيادة على ما قدمناه في الموضع المذكور ما رواه في الكافي (1)
في الحسن عن ميسر عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة
لعنتهم وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله والتارك لسنتي والمكذب بقدر الله
والمستحل من عترتي ما حرم الله والمستأثر بالفئ المستحل له ".
والتقريب فيه أنه عد التارك لسنته في عداد هؤلاء الذين لا اشكال في
كفرهم وجعله ملعونا مثلهم، ولا ريب أن الجماعة أفضل سننه (صلوات الله عليه
وآله) ولا بد من حمل الترك فيه على كونه استخفافا وتهاونا، وقد ورد اللعن زجرا
في مواضع مثل من سافر وحده أو بات في بيت وحده أو نام على سطح غير
محجر (2) ونحو ذلك، والوجه فيه ما عرفت.

(1) الأصول ج 2 ص 293 وفي الخصال أبواب الستة " قال رسول الله (ص) ستة
لعنهم الله وكل نبي مجاب.. كما في المتن وزاد المتسلط بالجبروت ليذل من أعزه الله ويعز من
أذله الله " وفي أبواب السبعة " قال رسول الله (ص) إني لعنت سبعة لعنهم الله وكل نبي
مجاب قبلي. فقيل ومن هم؟ فقال الزائد في الكتاب الله.. وزاد والمحرم ما أحل الله " ورواه
بطريقين. وفي كنز العمال ج 8 ص 191 عن عائشة " قال رسول الله (ص) ستة لعنتهم
وكل نبي مجاب.. كما في الخصال برواية الستة إلا أنه أبدل المستأثر بالفئ بالمستحل لحرم
الله " وكذا في مجمع الزوائد ج 7 ص 205 إلا أنه يذكر السادس. وفي كنز العمال أيضا
ج 8 ص 192 عن عمرو بن شعيب " قال رسول الله (ص) سبعة لعنتهم.. وزاد على
روايته المتقدمة المستأثر بالفئ ".
(2) الوسائل الباب 20 من أحكام المساكن و 30 من آداب السفر " لعن رسول الله (ص)
ثلاثة: الآكل زاده وحده والنائم في بيت وحده والراكب في الفلاة وحده " وفيه النهي
عن المبيت على سطح غير محجر كما في البحار ج 16 باب أنواع النوم وسنن أبي داود ج 4
ص 310 ومجمع الزوائد ج 8 ص 99 ولم نقف على ورود اللعن في المبيت على سطح
غير محجر.
70

تتمة مهمة
قد استفاضت الأخبار بأنه يستحب حضور جماعة المخالفين استحبابا مؤكدا
وها أنا مورد في هذا المقام جملة من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) في ذلك
وفي ما يتعلق بالصلاة معهم من الأحكام مذيلا لها إن شاء الله تعالى بما يكشف عنها
نقاب الابهام مستمدا منه سبحانه التوفيق لبلوغ المرام فأقول:
الأول - ما رواه الصدوق (قدس سره) في الفقيه في الصحيح عن زيد الشحام
عن الصادق عليه السلام (1) قال " يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم صلوا في مساجدهم وعودوا
مرضاهم واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فإنكم
إذا فعلتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه
وإذا تركتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه ".
الثاني - ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار (2) قال: " قال لي
أبو عبد الله عليه السلام يا إسحاق أتصلي معهم في المسجد؟ قلت نعم. قال صل معهم فإن
المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله " قال في الوافي: إنما قيد
بالصف الأول لأنه أدخل في معرفتهم باتيانه المسجد وأدل على كونه منهم، وإنما شبهه
بشاهر سيفه في سبيل الله لدفعه شر العدو.
الثالث - ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله
صلى الله عليه وآله في الصف الأول ".
الرابع - ما رواه في الفقيه مرسلا (4) قال: " قال الصادق عليه السلام إذا صليت

(1) الوسائل الباب 75 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 5 من صلاة الجماعة. وليس في الرقم (3) لفظ " في الصف الأول " ثانيا.
(3) الوسائل الباب 5 من صلاة الجماعة. وليس في الرقم (3) لفظ " في الصف الأول " ثانيا.
(4) الوسائل الباب 5 من صلاة الجماعة. وليس في الرقم (3) لفظ " في الصف الأول " ثانيا.
71

معهم غفر لك بعدد من خالفك ".
الخامس - ما رواه فيه عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" ما منكم أحد يصلي صلاة فريضة في وقتها ثم يصلي معهم صلاة تقية وهو متوضئ
إلا كتب الله له بها خمسا وعشرين درجة فارغبوا في ذلك. قال (2) وقال له رجل
أصلي في أهلي ثم أخرج إلى المسجد فيقدمونني؟ فقال تقدم لا عليك وصل بهم ".
السادس - ما رواه فيه أيضا عن عبد الله بن سنان عنه عليه السلام (3) أنه قال: " ما من
عبد يصلي في الوقت ويفرغ ثم يأتيهم ويصلي معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له
خمسا وعشرين درجة. قال (4) وقال له أيضا إن على بابي مسجدا يكون فيه قوم
مخالفون معاندون وهم يمسون في الصلاة فإنا أصلي العصر ثم أخرج فأصلي معهم؟
فقال أما ترضى أن تحسب لك بأربع وعشرين صلاة؟ ".
السابع - ما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن عبد الله الأرجاني عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " من صلى في منزله ثم أتى مسجدا من مساجدهم فصلى
معهم خرج بحسناتهم ".
الثامن - ما رواه الشيخ في التهذيب عن نشيط بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام (6)
قال: " قلت له الرجل منا يصلي صلاة في جوف بيته مغلقا عليه بابه ثم يخرج فيصلي
مع جيرته تكون صلاته تلك وحده في بيته جماعة؟ فقال الذي يصلي في بيته يضاعف
الله له ضعفي أجر الجماعة تكون له خمسون درجة والذي يصلي مع جيرته يكتب الله
له أجر من صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله ويدخل معهم في صلاتهم فيخلف عليهم
ذنوبه ويخرج بحسناتهم ".

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة. والرواية عن أبي الحسن الأول (ع)
72

التاسع - ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار (1) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إني أدخل المسجد واجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم فلا
يمكنني أن أؤذن وأقيم وأكبر؟ فقال لي فإذا كان ذلك فأدخل معهم في الركعة واعتد
بها فإنها من أفضل ركعاتك. قال إسحاق فلما سمعت أذان المغرب وأنا على بابي قاعد.
قلت للغلام انظر أقيمت الصلاة؟ فجاءني فقال نعم. فقمت مبادرا فدخلت المسجد
فوجدت الناس قد ركعوا فركعت مع أول صف أدركت واعتددت بها ثم صليت
بعد الانصراف أربع ركعات ثم انصرفت فإذا خمسة أو ستة من جيراني قد قاموا
إلى من المخزوميين والأمويين فأقعدوني ثم قالوا يا أبا هاشم جزاك الله عن نفسك
خيرا فقد والله رأينا خلاف ما ظننا بك وما قيل فيك. فقلت وأي شئ ذلك؟
قالوا اتبعناك حين قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنك لا تقتدي بالصلاة معنا وقد وجدناك
قد اعتددت بالصلاة معنا وصليت بصلاتنا فرضي الله عنك وجزاك خيرا. قال
قلت لهم سبحان الله المثلي يقال هذا؟ قال فعلمت أن أبا عبد الله عليه السلام لم يأمرني إلا
وهو يخاف على هذا وشبهه ".
العاشر - ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن سعيد البصري (2) وهو مجهول
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني نازل في بني عدي ومؤذنهم وإمامهم وجميع أهل
المسجد عثمانية يتبرأون منكم ومن شيعتكم وأنا نازل فيهم فما ترى في الصلاة حلف
الإمام؟ قال صل خلفه. قال وقال واحتسب بما تسمع ولو قدمت البصرة لقد
سألك الفضيل بن يسار وأخبرته بما أفتيتك فتأخذ بقول الفضيل وتدع قولي. قال
على فقدمت البصرة وأخبرت فضيلا بما قال فقال هو أعلم بما قال لكني قد سمعته
وسمعت أباه يقولان لا تعتد بالصلاة خلف الناصب واقرأ لنفسك كأنك وحدك.
قال فأخذت بقول الفضيل وتركت قول أبي عبد الله عليه السلام.

(1) الوسائل الباب 34 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 10 و 33 من صلاة الجماعة
73

الحادي عشر - ما رواه عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" قلت إني أدخل المسجد وقد صليت فأصلي معهم فلا أحتسب بتلك الصلاة؟ قال
لا بأس وأما أنا فأصلي معهم وأريهم أني أسجد وما أسجد ".
الثاني عشر - ما رواه عن ناصح المؤذن (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
إني أصلي في البيت وأخرج إليهم؟ قال اجعلها نافلة ولا تكبر معهم فتدخل معهم في
الصلاة فإن مفتاح الصلاة التكبير ".
الثالث عشر - ما رواه عن أبي الربيع عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما
السلام) (3) في حديث " أنه سئل عن الإمام إن لم أكن أثق به أصلي خلفه وأقرأ؟
قال لا صل قبله أو بعده. قيل له أفأصلي خلفه واجعلها تطوعا؟ قال فقال لو قبل
التطوع لقبلت الفريضة ولكن اجعلها سبحة ".
الرابع عشر - ما رواه في الصحيح ورواه الكليني أيضا " عن يعقوب بن
يقطين (4) قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك تحضر صلاة الظهر فلا نقدر
أن ننزل في الوقت حتى ينزلوا وننزل معهم فنصلي ثم يقومون فيسرعون فنقوم
ونصلي العصر ونريهم كأنا نركع ثم ينزلون العصر فيقدمونا فنصلي بهم؟ قال صل
بهم لا صلى الله عليهم ".
الخامس عشر - ما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام (5) قال: " إذا صليت خلف إمام لا تقتدي به فاقرأ خلفه سمعت قراءته
أو لم تسمع ".

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 6 من صلاة الجماعة. والراوي عمرو بن الربيع والمروي عنه هو
جعفر بن محمد عليه السلام
(4) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 33 من الجماعة
74

السادس عشر - ما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن يقطين (1) قال:
" سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدى بصلاته والإمام
يجهر بالقراءة؟ قال اقرأ لنفسك وإن لم تسمع نفسك فلا بأس ".
السابع عشر - ما رواه عن أبي حمزة عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام ورواه
في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " يجزئك إذا كنت معهم مثل
حديث النفس ".
الثامن عشر - ما رواه عن معاوية بن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " سألته عن الرجل يؤم القوم وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر
فيها بالقراءة فقال إذا سمعت كتاب الله يتلى فانصت له. قلت فإنه يشهد على بالشرك؟
قال إن عصى الله فأطع الله. فرددت عليه فأبى أن يرخص لي، قال قلت له أصلي إذن في
بيتي ثم أخرج إليه؟ فقال أنت وذاك، وقال إن عليا عليه السلام كان في صلاة الصبح
فقرأ ابن الكوا وهو خلفه " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت
ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " (4) فانصت علي عليه السلام تعظيما للقرآن حتى
فرغ من الآية ثم عاد في قراءته ثم أعا ابن الكوا الآية فانصت علي عليه السلام ثم قرأ
فأعاد ابن الكوا فانصت علي عليه السلام ثم قال: " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك
الذين لا يوقنون (5) " ثم أتم السورة ثم ركع ".
التاسع عشر - ما رواه عن ابن بكير عن أبيه في الموثق أو الحسن عليه السلام (6)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الناصب يؤمنا ما تقول في الصلاة معه؟ فقال

(1) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة. والراوي في التهذيب ج 1 ص 256 محمد
ابن بن حمزه.
(3) الوسائل الباب 34 من صلاة الجماعة
(4) سورة الزمر الآية 65
(5) سورة روم الآية 60
(6) الوسائل الباب 34 من صلاة الجماعة
75

إذا جهر فانصت للقرآن واسمع ثم اركع واسجد أنت لنفسك.
العشرون - ما رواه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " لا بأس أن
تصلي خلف الناصب ولا تقرأ خلفه في ما يجهر فيه فإن قراءته تجزئك إذا سمعتها ".
الحادي والعشرون - ما رواه في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال:
" أذن خلف من قرأت خلفه ".
الثاني والعشرون - ما رواه في التهذيب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (3) قال: " قلت له إني أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب
فيعجلوني إلى ما أن أؤذن وأقيم ولا أقرأ إلا الحمد حتى يركع أيجزئني ذلك؟ قال نعم
تجزئك الحمد وحدها.
الثالث والعشرون - ما رواه عن أحمد بن عائذ (4) قال: " قلت لأبي الحسن
عليه السلام إني أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن أؤذن وأقيم فلا أقرأ
شيئا حتى إذا ركعوا وأركع معهم أيجزئني ذلك؟ قال نعم ".
الرابع والعشرون - ما رواه عن ابن أسباط عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله
وأبي جعفر (عليهما السلام) (5) " في الرجل يكون خلف الإمام لا يقتدي به
فيسبقه الإمام بالقراءة؟ قال إذا كان قد قرأ أم الكتاب أجزأه يقطع ويركع ".
الخامس والعشرون - ما رواه عن أبي بصير في الصحيح (6) قال: " قلت
لأبي جعفر عليه السلام من لا أقتدي به في الصلاة؟ قال افرغ قبل أن يفرغ فإنك في حصار
فإن فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه ".
السادس والعشرون - ما رواه عن محمد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه السلام (7)
قال: " سألته عن دخولي مع من أقرأ خلفه في الركعة الثانية فيركع عند فراغي

(1) الوسائل الباب 34 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة
(4) مستدرك الوسائل الباب 30 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 34 من صلاة الجماعة
(7) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة
76

من قراءة أم الكتاب فقال تقرأ في الأخراوين كي تكون قد قرأت في ركعتين ".
السابع والعشرون - ما رواه في الكافي في الحسن عن زرارة (1) قال:
" سألت أبا جعفر عليه السلام عن الصلاة خلف المخالفين فقال ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر "
الثامن والعشرون - ما رواه عبد الله بن جعفر في كتاب قرب الإسناد عن
الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (2) قال: " كان الحسن
والحسين (عليهما السلام) يقرآن خلف الإمام ".
التاسع والعشرون - ما رواه في الكافي عن حمران بن أعين (3) قال:
" قلت لأبي جعفر عليه السلام جعلت فداك إنا نصلي مع هؤلاء يوم الجمعة وهم يصلون في
الوقت فكيف نصنع؟ فقال صلوا معهم. فخرج حمران إلى زرارة فقال له قد أمرنا
أن نصلي معهم بصلاتهم فقال زرارة ما يكون هذا ألا بتأويل فقال له حمران قم
حتى تسمع منه قال فدخلنا عيه فقال له زرارة جعلت فداك إن حمران زعم أنك
أمرتنا أن نصلي معهم فأنكرت ذلك؟ فقال لنا كان علي بن الحسين عليه السلام يصلي معهم
الركعتين فإذا فرغوا قام فأضاف إليهما ركعتين ".
الثلاثون - ما رواه في التهذيب في الحسن عن حمران (4) في حديث قال:
" فقال أبو عبد الله في كتاب علي عليه السلام إذا صلوا الجمعة في وقت فصلوا معهم ولا تقومن
من مقعدك حتى تصلي ركعتين أخريين.. الحديث ".
الحادي والثلاثون - ما رواه في التهذيب عن أبي بكر الحضرمي (5) قال:
" قلت لأبي جعفر عليه السلام كيف تصنع يوم الجمعة؟ قال كيف تصنع أنت؟ قلت
أصلي في منزلي ثم أخرج فأصلي معهم قال كذلك أصنع أنا ".
الثاني والثلاثون - ما رواه عن زرارة في الصحيح أو الحسن (6) قال:
" قلت لأبي جعفر عليه السلام إن أناسا رووا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه صلى أربع ركعات

(1) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة
(4) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة
(5) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة
(6) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة
77

بعد الجمعة لم يفصل بينهن بتسليم؟ فقال يا زرارة إن أمير المؤمنين عليه السلام صلى خلف
إمام فاسق فلما سلم وانصرف قام أمير المؤمنين عليه السلام فصلي أربع ركعات لم يفصل
بينهن بتسليم فقال رجل إلى جنبه يا أبا الحسن عليه السلام صليت أربع ركعات لم تفصل
بينهن بتسليم؟ فقال إنها أربع ركعات مشتبهات فسكت فوالله ما عقل ما قال له ".
الثالث والثلاثون - ما رواه في كتاب المحاسن عن عبد الله بن حبيب بن جندب (1)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني أصلي المغرب مع هؤلاء وأعيدها فأخاف أن
يتفقدوني؟ قال إذا صليت الثالثة فمكن في الأرض ألييك ثم إنهض وتشهد وأنت
قائم ثم اركع واسجد فإنهم يحسبون أنها نافلة ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع:
(الأول) أن المستفاد من جملة هذه الأخبار الدالة على الحث والتأكيد على الصلاة
معهم وما ذكر فيها من الثواب الجزيل هو استحباب الصلاة أو وجوبها معهم على
أحد وجهين: (أحدهما) أن يصلي في منزله لنفسه ثم يخرج إلى الصلاة معهم كما
دل عليه جملة من هذه الخبار، والظاهر أنه الأفضل والأولى لما فيه من الاتيان
بالصلاة المستجمعة لشرائط الصحة والكمال، حيث إن الغالب مع الصلاة معهم
لزوم ترك بعض الواجبات أو المستحبات كما صرح به جملة من الأخبار المذكورة.
و (ثانيهما) أن يصلي معهم ابتداء صلاة منفردة يؤذن ويقيم ويقرأ لنفسه مع
الامكان. والظاهر أنه إلى القسمين المذكورين أشار في الحديث الثامن.
ثم إنه هل يشترط بالنسبة إلى القسم الثاني عدم وجود المندوحة عن الصلاة
معهم أم لا؟ قولان وإلى الأول مال في المدارك وبالثاني صرح الشهيدان في الروض
والبيان، وللمحقق الشيخ على (قدس سره) تفصيل في المقام قد سبق ذكره مع
نقل الخلاف في المسألة في باب الوضوء من كتاب الطهارة في مسألة المسح على الرجلين
قال في المدارك: وهل يشترط في التقية عدم المندوحة؟ قيل لا لاطلاق

(1) البحار ج 18 الصلاة 632
78

النص وقيل نعم لانتفاء الضرورة مع وجودها فيزول المقتضي وهو أقرب. انتهى
والظاهر بعده لما عرفت من هذه الأخبار ولا سيما الخبر الأول من الحث على
الأمر بمخالطتهم ومعاشرتهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وإن استطاعوا أن
يكونوا أئمة لهم ومؤذنين فعلوا، والغرض من ذلك كله هو تأليف القلوب واجتماعها
لدفع الضرر والطعن على المذهب وأهله كما سمعت من الحديث التاسع، وأمر
الصادق عليه السلام بالدخول في تلك الركعة التي قد فاتته القراءة فيها فضلا عن الأذان والإقامة فإنها أفضل ركعاته، وما قاله أولئك المخالفون لإسحاق لما رأوه قد اقتدى
بهم مع أن الإمام (عليه السلام) لم يأمره بشرط المندوحة أو عدمها ولم يأمره
بالإعادة بعد ذلك وإن كان في الوقت. وبه يظهر ضعف ما فرعوه على الخلاف
المتقدم من الإعادة في الوقت وعدمه متى زال موجب التقية كما قدمنا ذكره في
الموضع المشار إليه آنفا.
وبالجملة فإن المستفاد من الأخبار على وجه لا يقبل الانكار عند من تأمل
فيها بعين التحقيق والاعتبار أنه يجوز الدخول معهم ابتداء وأن يصلي معهم صلاة
منفردة ويتابع في الركوع والسجود سواء كان له مندوحة عن الدخول أو لم تكن
وأنه يغتفر له ما يلزم فواته من الواجبات إذا لم يمكن الاتيان بها كما تضمنه خبر
إسحاق وهو التاسع، وكذا الخبر الثالث والعشرون من فوات القراءة، وخبر أبي بصير وهو الخامس والعشرون من قطع القراءة، وفي خبر آخر لأبي بصير
أيضا اشتمل على التشهد قائما لمن اضطره الإمام إلى القيام قبل تشهده ونحو ذلك،
كل ذلك لتحصيل المحافظة على تأليف القلوب ودفع الطعن على المذهب وإمامه
وشيعته كما دل عليه الخبر الأول.
ونحوه ما رواه في المقنع ونقله في كتاب مشكاة الأنوار عن كتاب المحاسن
عن عمر بن أبان (1) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول يا معشر

البحار ج 18 الصلاة ص 636
79

الشيعة إنكم قد نسبتم إلينا كونوا لنا زينا ولا تكونوا شينا كونوا مثل أصحاب على (عليه
السلام) في الناس إن كان الرجل منهم ليكون في القبيلة فيكون إمامهم ومؤذنهم
وصاحب أماناتهم وودائعهم، عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم وصلوا في مساجدهم
ولا يسبقوكم إلى خير فأنتم والله أحق منهم به ".
وعن عبد الله بن بكير (1) قال: " دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)
ومعي رجلان فقال أحدهما لأبي عبد الله (عليه السلام) آتي الجمعة؟ فقال أبو عبد الله
(عليه السلام) ائت الجمعة والجماعة واحضر الجنازة وعد المريض واقض الحقوق
ثم قال أتخافون أن نضلكم لا والله لا نضلكم أبدا ".
الثاني - المفهوم من أكثر الأخبار الدالة على الصلاة أولا لنفسه ثم الخروج
والصلاة معهم مأموما أو إماما لهم هو أن تلك الصلاة الثانية تقع نافلة، وقد دل
الخبر الخامس والسادس والسابع على مقدار ثواب تلك الصلاة المعادة معهم،
وكذا الحديث الثامن على أحد الاحتمالين وقد تقدمت الإشارة إلى الاحتمال الآخر
وقد دل الحديث الخامس على اشتراط الوضوء فيها إشارة إلى أنها صلاة حقيقية وإن
كانت نفلا، وكذا الحديث السادس أيضا.
إلا أن ظاهر الخبر الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر أنه لا ينويها
صلاة ولا يكبر فيها تكبيرة الاحرام وإنما يأتي بالأذكار من قراءة وذكر ركوع
وسجود وقيام وقعود ونحو ذلك. وهو غريب لم أقف على من نبه عليه ولا
من تنبه إليه.
أما الأول منها فإنه تضمن في حكايته (عليه السلام) عن نفسه في الصلاة
معهم أنه يريهم أنه يسجد وهو لا يسجد وعليه يحمل كلام السائل وقوله " فلا
احتسب بتلك الصلاة " يعني لا أحتسبها صلاة بل مجرد أذكار آتي بها وإن احتمل على
بعد أن يكون مراده أني لا أحتسبها من الصلاة الواجبة على إلا أن جواب الإمام

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 636
80

واخباره له عن نفسه بالأول أنسب.
وأما الثاني فإنه (عليه السلام) قال له: " إجعلها نافلة ولا تكبر معهم فتدخل
معهم في الصلاة.. " وظاهره الاتيان بمجرد الأذكار والمتابعة وهو المراد بالنافلة.
وأما الثالث فإنه أصرح الجميع حيث قال له السائل: " أصلي خلفه وأجعلها
تطوعا " فأجابه بأنه " لو قبل التطوع لقبلت الفريضة ولكن اجعلها سبحة " يعني
تسبيحا وتنزيها وأذكارا من غير نية صلاة وهو المراد بالنافلة في سابقه.
وبالجملة فإن هذه الأخبار ظاهرة في أن الصلاة معهم إنما هي عبارة عن المتابعة
في القيام والقعود والأذكار من غير أن ينويها صلاة، بل ظاهر قوله في الثاني
" ولا تكبر معهم " أي لا تفتتح الصلاة بالتكبير فإن الذي يأتي به إنما هو مجرد
أذكار وليس بصلاة، وكذا نهيه في الخبر الثالث عن الصلاة معهم وإنما يصلي
قبلهم أو بعدهم مع استفاضة الأخبار بالصلاة معهم.
ولا يحضرني الآن وجه جواب عنها إلا أن يكون هذا قسما ثالثا في الصلاة
معهم مضافا إلى القسمين المتقدمين في الموضع الأول. وتأويل هذه الأخبار بما
ترجع به إلى الأخبار الكثيرة المذكورة يحتاج إلى مزيد تعسف وتكلف وربما
لا يجري في بعضها بالكلية. والله العالم.
الثالث - قد اختلفت الأخبار المتقدمة في القراءة خلف المخالف فجملة منها دلت
على الأمر بذلك وإن سمع قراءته وعيه عمل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو
الأوفق بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية، لأنه منفرد يجب عليه الاتيان بما
يجب على المنفرد من قراءة وغيرها، وجملة منها دلت على المنع من القراءة خلفه
إذا سمعه والاجتزاء بقراءته، والظاهر حملها على شدة التقية بحيث لا يتمكن من
القراءة ولو خفيا مثل حديث النفس، وعلى ذلك حمل الشيخ الأخبار المذكورة.
ويحتمل حمل هذه الأخبار على خصوص السائلين لما يعلمونه (صلوات الله عليهم)
من لحوق الضرر لهم بترك ذلك كما في أمر إسحاق بن عمار بما أمره به (عليه السلام)
81

في الحديث التاسع لعلمه بما يبتلي به من تلك القضية، ونحوه خبر علي بن يقطين وخبر
داود بن زربي في الأمور بالوضوء ثلاثا (1) لعلمه (عليه السلام) بما يجري عليهما
مما هو مذكور في خبريهما. وبالجملة فإن العمل على الأخبار الأولى كما عليه كافة
الأصحاب، ويؤيده قوله (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (2) بعد النهي عن
القراءة خلف من يقتدي به " وإذا كان لا يقتدي به فاقرأ خلفه سمعت أم لم تسمع ".
الرابع - قد عرفت أن الواجب على هذا المصلي معهم تقية القراءة لانتفاء القدوة
وكونه منفردا وهو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب لما ذكرنا، وقد عرفت الوجه
في ما دل على خلاف ذلك من عدم القراءة خلفه في الجهرية.
ولا خلاف أيضا في سقوط الجهر في الجهرية وإن قلنا بوجوبه للتقية،
وعليه يدل أيضا الخبر السادس عشر والسابع عشر.
وتجزئه الحمد وحدها مع تعذر السورة بلا خلاف ولا إشكال، وعليه يدل
الخبر الثاني والعشرون والرابع والعشرون.
وإنما الخلاف لو ركع الإمام قبل اتمامه الفاتحة، فقيل إنه يقرأ في ركوعه
وقيل إنه تسقط القراءة للضرورة وبه قطع الشيخ في التهذيب، قال إن الانسان إذا
لم يلحق القراءة معهم جاز له ترك القراءة والاعتداد بتلك الصلاة بعد أن يكون قد
أدرك الركوع. ثم استدل بالخبر التاسع.
وقال في المدارك بعد نقل ذلك عن الشيخ: وهذه الرواية وإن كانت واضحة
المتن لكنها قاصرة من حيث السند، والمسألة محل إشكال ولا ريب أن الإعادة مع
عدم التمكن من قراءة الفاتحة طريق الاحتياط. انتهى.
أقول: ويدل على ما قاله الشيخ أيضا الخبر الثالث والعشرون والخامس
والعشرون، وهو صحيح إذ ليس فيه من ربما يتوقف فيه إلا أبو بصير وهو هنا
ليث المرادي بقرينة رواية عبد الله بن مسكان عنه، فما ذكره من الاستشكال

(1) الوسائل الباب 32 من الوضوء
(2) ص 11
82

في المدارك ليس في محله. وأما القول بأنه يقرأ حال ركوعه فلم أقف على مستنده
بل صريح هذه الأخبار إنما هو المضي والمتابعة للإمام واغتفار ترك القراءة
في هذا المقام.
الخامس - ما اشتمل عليه الحديث الثالث والثلاثون من التشهد حال القيام إذا
ألجأته التقية إلى ذلك قد ورد مثله في خبر لأبي بصير إلا أنه لا يحضرني الآن
مكانه وبه صرح الصدوق، قال في المنتهى: قال ابن بابويه وإن لم يتمكن من التشهد
جالسا قام مع الإمام وتشهد قائما.
أقول وبذلك صرح الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (1)
في ما لو دخل في صلاة المخالف بعد أن صلى بعض صلاته. وسيأتي الكلام في
المسألة إن شاء الله تعالى في المطالب الثالث في الأحكام.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن البحث في هذا المقصد يقع في مطالب ثلاثة: الأول
في الجماعة وفيه مسائل:
المسألة الأولى - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الجماعة
لا تجب أصالة إلا في الجمعة والعيدين مع اجتماع الشرائط المتقدمة فيهما، وتجب بالعارض
كالنذر وشبهيه، وفي جاهل القراءة مع ضيق الوقت عن التعلم وامكان الائتمام،
وما عدا ذلك فهي مستحبة، وقد عرفت تأكد استحبابها في اليومية.
والمشهور بين الأصحاب بل ادعى في المنتهى عليه الاجماع هو استحبابها في
جميع الفرائض، قال في المنتهى: وهو مذهب علمائنا أجمع. وتنظر فيه بعض فضلاء
متأخري المتأخرين، قال: وفي استفادة هذا التعميم من الأخبار نظر. وهو في محله
والأحوط الوقوف في ذلك على موارد النصوص.
قالوا: ولا تجوز الجماعة في شئ من النوافل عدا الاستسقاء والعيدين مع
اختلال الشرائط. أقول: أما استحبابها في الاستسقاء فقد تقدم الكلام فيه في صلاة

(1) ص 14
83

الاستسقاء، وأما العيدان فقد تقدم أيضا تحقيق القول في ذلك في صلاة العيد وإن
الأمر ليس كما ادعوه (رضوان الله عليهم).
وأما عدم الجواز في غير هذين الموضعين من النوافل فقال في المنتهى أنه
مذهب علمائنا أجمع، واستدل بما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم
والفضيل عن الصادقين (عليهما السلام) (1) " أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال إن الصلاة
بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة " وعن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن
(عليه السلام) وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) " أن النبي صلى الله عليه وآله قال في نافلة شهر
رمضان أيها الناس إن هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة فليصل كل رجل منكم وحده
وليقل ما علمه الله من كتابه واعلموا أن لا جماعة في نافلة ".
واعترضه في المدارك بأن في هذا الاستدلال نظر القصور الرواية الأولى عن
إفادة العموم وضعف سند الثانية باشتماله على محمد بن سليمان الديلمي وغيره، قال
وربما ظهر من كلام المصنف في ما سيأتي أن في المسألة قولا بجواز الاقتداء في النافلة
مطلقا. ثم نقل عن الذكرى ما يقرب من ذلك ثم قال وهذا الكلام يؤذن بأن المنع
ليس اجماعيا وقد ورد بالجواز روايات: منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن
عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) أنه قال له: " صل بأهلك في
رمضان الفريضة والنافلة فإني أفعله " وفي الصحيح عن هشام بن سالم (4) " أنه
سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تؤم النساء فقال تؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة فلا "
ونحوه روي أيضا في الصحيح عن الحلبي وسليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
ومن هنا يظهر أن ما ذهب إليه بعض الأصحاب من استجاب الجماعة في صلاة الغدير
جيد وإن لم يرد فيها نص على الخصوص انتهى.

(1) الوسائل الباب 10 ممن نافلة شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان
(3) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
84

أقول: لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه المطلع على ما ورد عنهم (عليه السلام) في هذه
المسألة من الأخبار والمتأمل فيها بعين الفكر والاعتبار:
أما أولا - فلعدم انحصار ما دل على تحريم الجماعة في النافلة في هذه الروايات
التي استدل بها العلامة (قدس سره) ليتم له بالطعن فيها القول بالجواز.
ومما يدل على ذلك زيادة على الأخبار المذكورة ما رواه ثقة الاسلام في
الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن سليم بن قيس (1) قال: " خطب أمير المؤمنين
(عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال ألا إن أخوف ما أخاف
عليكم خلتان اتباع الهوى وطول الأمل.. وساق الخطبة إلى أن قال (عليه السلام) وأمرت
الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل
بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي يا أهل الاسلام غيرت سنة عمر..
إلى آخرها ".
وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب أبي القاسم جعفر بن
محمد بن قولويه عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (2) قالا " لما كان
أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة أتاه الناس فقالوا له اجعل لنا إماما يؤمنا في رمضان فقال لهم
لا ونهاهم أن يجتمعوا فيه فلما أمسوا جعلوا يقولون ابكوا رمضان وارمضاناه، فأتى
الحارث الأعور في أناس فقال يا أمير المؤمنين ضج الناس وكرهوا قولك فقال عند ذلك
دعوهم وما يريدون ليصل بهم من شاءوا ثم قال: ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله
ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " (3) ورواه العياشي في تفسيره عن حريز عن
بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) (4).
وما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا (عليه السلام) (5)
قال: " ولا يجوز التراويح في جماعة ".

(1) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان
(2) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان
(3) سورة النساء الآية 115 " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع.. "
(4) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان
(5) الوسائل الباب 10 من نافلة شهر رمضان
85

وأنت خبير بأنه بعد ورود هذه الأخبار كملا ما ذكرناه وما ذكره العلامة
(قدس سره) لا مجال للمناقشة في الحكم المذكور سيما مع ما سيظهر لك إن شاء
الله تعالى في رواياته من الخلل والقصور.
وأما ثانيا - فلأن صحيحة الفضلاء الثلاثة وإن كان موردها إنما هو النهي عن
الاجتماع في صلاة الليل في شهر رمضان كما قدمنا بيانه في بحث نافلة شهر رمضان
إلا أن النهي إنما وقع من حيث تحريم الاجتماع في النافلة لا من حيث خصوصية
شهر رمضان أو خصوصية الليل كما أفصحت به الروايات الأخر من قوله (عليه السلام)
في صحيحة سليم بن قيس " وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة " وقولهما (عليهما
السلام) في حديثي سماعة وإسحاق " أن هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة " وقوله (عليه
السلام) (1) " واعلموا أن لا جماعة في نافلة " ومن ذلك يعلم أن اجمال هذا الخبر
يحمل على غيره من الأخبار المتقدمة المفصلة حمل المطلق على المقيد والمجمل على المبين
وأما ثالثا - فإن ما ذكره من الروايات الدالة على الجواز - من صحيحتي
عبد الرحمان وهشام -
ففيه أولا - أنه قد اعترض صحيحة الفضلاء بأنها قاصرة عن إفادة العموم إشارة
إلى أن موردها إنما هو النهي عن الجماعة في النافلة في الليل في شهر رمضان فلا تدل
على عموم تحريم النافلة مطلقا كما هو محل البحث، وهذا بعينه وارد عليه في
الصحيحتين المذكورتين، فإن الأولى موردها أيضا شهر رمضان والثانية موردها
النساء خاصة فلا دلالة فيها على عموم الجواز، فكيف يدعى بعد ذكرهما العموم
ويقول: ومن هنا يظهر أن ما ذهب إليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في
صلاة الغدير جيد وإن لم يرد فيها نص والحال أن دليله كما عرفت أخص من المدعى
ما هذا إلا عجب عجيب من هذا المحقق الأريب.
وثانيا - أن ظاهر صحيحة عبد الرحمان هو أن هذه النافلة المذكورة في الخبر إنما

(1) ص 84 و 85
86

هي نافلة شهر رمضان وإلا لما كان لذكر شهر رمضان معنى في المقام، وقد عرفت
استفاضة الأخبار بتحريم الجماعة فيها، وحينئذ فالواجب حمل هذا الخبر على
التقية (1) وبذلك يسقط. الاستناد إليه بالكلية.
وأما صحيحة هشام فسيأتيك الجواب عنها واضحا مشروحا إن شاء الله تعالى
في المطلب الثاني في شرط ذكورية الإمام.
وأما رابعا - فإن ما ذكره - من أنه يفهم من كلام المصنف والشهيد في الذكرى
احتمال وجود المخالف في المسألة ليتم له القول بجواز الجماعة في النافلة ومخالفة
الأصحاب في ما ظاهرهم الاتفاق عليه تحاشيا عن مخالفة الاجماع - فلا يخفى ما فيه
وكم قد خالف الأصحاب في ما ظاهرهم الاتفاق عليه وإن تحاشا عن ذلك في مواضع
أخر كما في هذا الموضع، مع أنه قد ذكر في صدر كتابه في مقام طعنه على اجماعاتهم
أنه قد صنف رسالة في الطعن على هذا الاجماع وأنه مما لا يعول عليه في مقام التحقيق
ولا يرجع إليه.
هذا. ومما استثنى من تحريم الجماعة في النافلة صلاة الغدير عند أبي الصلاح كما أشار
إليه في المدارك وإليه ذهب الشهيد في اللمعة والمحقق الشيخ على على ما نقل عنه ورجحه
شيخنا أبو الحسن في رسالته في الصلاة، ونقل عن أبي الصلاح أنه نسبه إلى الرواية
وهو ظاهر كلامه في الكافي. إلا أن الخروج عن ظواهر الأخبار الدالة على التحريم
بمثل ذلك لا يخلو عن مجازفة فالتحريم أقوى.
ومما استثنى أيضا إعادة المنفرد صلاته جماعة إماما كان أو مأموما كما سيأتي
بيان ذلك في محله.
المسألة الثانية - من شرائط الجماعة وترتب ثوابها وأحكامها العدد وأقله اثنان
في غير الجمعة والعيدين يقوم المأموم عن يمين الإمام وإن كان امرأة فخلفه، فههنا
أحكام ثلاثة:

(1) المهذب ج 1 ص 82 والمغني ج 2 ص 168
87

أما الحكم الأول أعني كون أقل الجماعة اثنين فيدل عليه صحيحة زرارة (1)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجلان يكونان جماعة؟ قال نعم ويقوم الرجل
عن يمين الإمام ".
وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " الرجلان
يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ".
قال في المدارك: ويدل عليه رواية الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
قال: " سألته عن أقل ما تكون الجماعة قال رجل وامرأة، وإذا لم يحضر المسجد
أحد فالمؤمن وحده جماعة " ومعنى كون المؤمن وحده جماعة أنه إذا طلب الجماعة فلم
يجدها تكون صلاته على الانفراد مساوية لصلاة الجماعة في الثواب تفضلا من الله
تعالى ومعاملة له بمقتضى نيته. انتهى.
أقول: رواية الصيقل المذكورة قد رواها الشيخ في التهذيب (4) بما نقله إلى قوله
" رجل وامرأة " ورواها الصدوق في الفقيه (5) هكذا: وسأل الحسن الصيقل
أبا عبد الله عليه السلام عن أقل ما تكون الجماعة قال رجل وامرأة، وإذا لم يحضر المسجد
أحد فالمؤمن وحده جماعة لأنه متى أذن وأقام صلى خلفه صفان من الملائكة ومتى
أقام ولم يؤذن صلى خلفه صف واحد. انتهى.
وأنت خبير بأن الظاهر أن ما زاد على رواية التهذيب فهو من كلام الصدوق
الذي يداخل به الأخبار فيقع بسببه الالتباس، باحتمال كونه منها، وفي التعليل
الذي ذكره إيناس بما قلنا، وظاهر صاحب المدارك أن قوله: " وإذا لم يحضر المسجد
أحد... الخ " من الرواية، والظاهر أنه ليس كذلك بل إنما هو من كلام الصدوق لما

(1) الوسائل الباب 4 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 4 من صلاة الجماعة. واللفظ هكذا " سألته كم أقل... "
(4) ج 1 ص 235
(5) ج 1 ص 246
88

ذكرناه من نقل الشيخ الرواية عارية عن ذلك وايناس التعليل بما هنالك.
وروى الشيخ في التهذيب عن أبي البختري عن جعفر عليه السلام (1) " أن عليا عليه السلام
قال: الصبي عن يمين الرجل إذا ضبط الصف جماعة، والمريض القاعد عن يمين
الصبي جماعة ".
وروى في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله الاثنان جماعة. قال
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله المؤمن وحده حجة والمؤمن وحده جماعة ".
وروى في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن يوسف عن
أبيه (3) وهو مجهول قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إن الجهني أتى النبي
صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله إني أكون في البادية ومعي أهلي وولدي وغلمتي فأؤذن وأقيم
وأصلي بهم أفجماعة نحن؟ فقال نعم... إلى أن قال فإن ولدي يتفرقون في الماشية فأبقى
أنا وأهلي فأؤذن وأقيم وأصلي بها أفجماعة نحن؟ فقال نعم. فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله
إن المرأة تذهب في مصلحتها فأبقى أنا وحدي فأؤذن وأقيم أفجماعة أنا؟ فقال نعم
المؤمن وحده جماعة " والظاهر في تعليل كونه وحده جماعة هو ما ذكره في الفقيه مما
قدمنا نقله عنه. وأما ما علله به في المدارك فالظاهر بعده وإن أمكن احتماله.
وأما الحكم الثاني أعني قيام المأموم إذا كان واحدا عن يمين الإمام فهو مما
لا خلاف في رجحانه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وإن كان المأموم أكثر
من واحد وقفوا خلف الإمام.
واستندوا في هذا التفصيل إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن
يمينه فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه ".
وبالجملة فإنه لا خلاف في أفضلية قيام الرجل وحده عن يمين الإمام إنما

(1) الوسائل الباب 4 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 4 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 4 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
89

الخلاف في وجوبه واستحبابه والمشهور أن ذلك على جهة الفضل والاستحباب،
قال في المنتهى: وهذا الموقف سنة فلو خالف بأن وقف الواحد على يسار الإمام
أو خلفه لم تبطل صلاته عند علمائنا أجمع. ونقل في المختلف عن ابن الجنيد القول
بالبطلان مع المخالفة، قال في المدارك وهو ضعيف.
أقول: لا أعرف لما ذكره الأصحاب من الاستحباب هنا مستندا سوى
الاجماع الذي ادعاه في المنتهى، ولا أعرف لحكم السيد بضعف قول ابن الجنيد وجها
مع عدم الدليل على خلافه وقيام الأدلة وتكاثرها على ما نقلوه عنه، وهم إنما استندوا
في هذا التفصيل إلى صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة بأنه إن كان واحدا قام عن يمين
الإمام وإن كانوا أكثر قاموا خلفه، وهي إن لم تدل على ما ذهب إليه ابن الجنيد كما
هو الظاهر منها فلا تدل على خلافه. وبالجملة فإنها أعم من ذلك فلا دلالة فيها على
كون ذلك على جهة الاستحباب بوجه، وجميع ما حضرني من روايات هذه المسألة
على كثرتها وتعددها لا إشارة في شئ منها فضلا عن الدلالة إلى الاستحباب بل
المتبادر من سياقها واتفاقها على الحكم المذكور إنما هو الوجوب، لأن العبادات
كمية وكيفية صحة وبطلانا مبنية على التوقيف فما ثبت عن صاحب الشرع وجب الحكم
بصحته وما لم يثبت عنه فلا مساغ للحكم بصحته بمجرد التخرص والظن، والذي
ثبت عنه كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى إنما هو ما ذكرناه.
وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من أخبار المسألة، فمنها صحيحة محمد بن
مسلم المتقدمة وصحيحة زرارة المتقدمة في صدر المسألة ورواية أبي البختري
المتقدمة أيضا.
ومنها - ما رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد (1) قال:
" ذكر الحسين - يعني ابن سعيد - أنه أمر من يسأله عن رجل صلى إلى جانب
رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم ثم علم وهو في صلاته كيف يصنع؟ قال

(1) الوسائل الباب 24 من صلاة الجماعة
90

يحوله عن يمينه ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
" في الرجل يؤم النساء ليس معهن رجل في الفريضة؟ قال نعم وإن كان معه صبي
فليقم إلى جانبه ".
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) " أنه
سئل عن الرجل يؤم الرجلين؟ قال يتقدمها ولا يقوم بينهما. وعن الرجلين يصليان
جماعة؟ قال نعم يجعله عن يمينه ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن يسار المدائني (3) " أنه سمع من
يسأل الرضا عليه السلام عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم كيف
يصنع ثم علم وهو في الصلاة؟ قال يحوله عن يمينه ".
وما رواه في كتاب العلل بسنده فيه عن أحمد بن رباط عن أبي عبد الله عليه السلام (4)
قال " قلت له لأي علة إذا صلى اثنان صار التابع عن يمين المتبوع؟ قال لأنه إمامه
وطاعة للمتبوع وأن الله جعل أصحاب اليمين المطيعين، فلهذه العلة يقوم عن يمين
الإمام دون يساره ".
وما رواه في كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن ظريف عن الحسين بن
علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (5) " أنه كان يقول المرأة
خلف الرجل صف ولا يكون الرجل خلف الرجل صفا إنما يكون الرجل إلى جنب
الرجل عن يمينه ".
وما رواه فيه أيضا عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن علي (عليهم السلام) (6) قال: " رجلان صف فإذا كانوا ثلاثة تقدم الإمام "
وروى الصدوق في كتاب المجالس في الصحيح إلى محمد بن عمر

(1) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 24 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
91

الجرجاني (1) قال: " قال الصادق عليه السلام أول جماعة كانت إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي
وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام معه إذ مر أبو طالب وجعفر معه فقال يا بني
صل جناح ابن عمك فلما أحسن رسول الله صلى الله عليه وآله تقدمهما وانصرف أبو طالب
مسرورا.. الحديث ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) " يؤم الرجلين أحدهما صاحبه يكون عن
يمينه فإذا كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه ".
أقول: هذا ما حضرني من أخبار المسألة المذكورة وهي كما ترى متطابقة
الدلالة متعاضدة المقالة على أن الحكم في الاثنين هو قيام المأموم عن يمين الإمام
والحكم في الأكثر التأخر، وقد عرفت أن العبادات مبنية على التوقيف عن صاحب
الشريعة، وهذا هو الذي وورد به الشرع عنهم (عليهم السلام) في كيفية الائتمام في
هذه الصورة سيما مع اشتمالها على الأوامر التي هي حقيقة في الوجوب، والخروج
عن ذلك خروج عن المشروع عين ما سيأتي إن شاء الله تعالى في استدلالهم في مسألة
عدم جواز تقدم المأموم على الإمام، حيث قالوا ثمة: لأن المنقول من فعل النبي
صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) إما تقدم الإمام أو تساوى الموقفين فيكون الاتيان
بخلافه خروجا عن المشروع. انتهى. وهذا بعينه آت في ما نحن فيه فإن المنقول
عنهم (عليهم السلام) كما عرفت من هذه الأخبار هو وقوف الواحد عن يمين الإمام
وتأخر الأكثر، والخروج عنه من غير دليل ولا نص خروج عن المشروع.
نعم لو كان هنا دليل معارض لهذه الأخبار لتم لهم حملها على الاستحباب جمعا بين
الدليلين كما هي قاعدتهم المطردة إلا أن الأمر ليس كذلك.
وغاية ما استدل به العلامة في المختلف للقول المشهور ما رواه أبو الصباح في
الصحيح (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقوم في الصف وحده فقال

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة
(2) ص 11
(3) الوسائل الباب 57 من صلاة الجماعة
92

لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد " ثم نقل الاحتجاج لابن الجنيد برواية زرارة
المتقدمة وهي صحيحته المتقدمة في صدر المسألة، قال والأمر للوجوب. ثم قال
والجواب المنع من كونه للوجوب. انتهى.
وأنت خبير بما في كلامه من الوهن والضعف الظاهر الذي لا يخفى على الخبير
الماهر، أما الخبر الذي استدل به فإن الظاهر منه إنما هو قيام المأموم وحده في صف
مع امتلاء الصفوف وعدم وجود مكان له فيها فإنه يقوم وحده كما ورد في صحيحة
سعيد الأعرج (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدخل المسجد ليصلي
مع الإمام فيجد الصف متضايقا بأهله فيقوم وحده حتى يفرغ الإمام من الصلاة
أيجوز ذلك له؟ قال نعم لا بأس " وفي موثقة أخرى لسعيد الأعرج (2) أيضا قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم
وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال نعم لا بأس يقوم بحذاء الإمام " وما ذكرناه في معنى
الخبر المذكور إن لم يكن متعينا لما ذكرنا من الأخبار فلا أقل أن يكون مساويا لما
ذكره في الاحتمال وهو كاف في ابطال الاستدلال. وأما جوابه عن صحيح زرارة
بعد اعترافه بأن الأمر فيه للوجوب بمنع ذلك فهو تحكم محض كما لا يخفى.
وبالجملة فالقول المذكور في غاية القوة لما عرفت، ولا أعرف لهم وجها في رد
هذه الأخبار إلا قصور النظر عن تتبعها والاطلاع عليها والجمود على ظواهر
المشهورات المزخرفة بالاجماعات.
قال في الذكرى: وتنعقد الجماعة بالصبي المميز لأن ابن عباس ائتم بالنبي صلى الله عليه وآله
وكان إذ ذاك غير بالغ (3).

(1) الوسائل الباب 57 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 57 من صلاة الجماعة
(3) في سنن أبي داود ج 1 ص 166 عن ابن عباس قال: بت في بيت خالتي ميمونة
فقام رسول الله " ص " من الليل فأطلق القربة فتوضأ ثم أوكأ القربة ثم قام إلى الصلاة
فقمت فتوضأت كما توضأ ثم جئت فقمت عن يساره فأخذني بيمينه فأدارني من ورائه
فأقامني عن يمينه فصيلت معه.
93

أقول: الأظهر الاستدلال على ذلك بخبر أبي البختري وإبراهيم بن ميمون
المتقدمين، وأما الخبر الذي أشار إليه فالظاهر أنه من طريق القوم.
وتنعقد بالمرأة خلف الرجل كما دل عليه خبر كتاب قرب الإسناد المتقدم وغيره
ثم إنه لا يخفى أن ظاهر الأخبار المتقدمة الدالة على أنهما إذا كان اثنين يقوم
المأموم عن يمين الإمام هو مساواة المأموم للإمام في الموقف، ونقل في المختلف
عن ابن إدريس أنه لا بد من تقدم الإمام عليه بقليل. ثم أجاب عنه بأنه ممنوع لأن
الأصل براءة الذمة منه. ثم أورد صحيحة محمد بن مسلم وحسنة زرارة المتقدمتين
الدالتين على أنه يقوم عن يمين الإمام. ثم استدل بأنه لو كان كذلك بطلت صلاة
الاثنين إذا قال كل واحد منهما كنت إماما، قال لأنهما إن أخلا بالتقدم المذكور مع
وجوبه بطلت صلاتهما، ويستحيل أن يأتيا به معا، وإن تقدم أحدهما فهو
الإمام، لكن التالي باطل اجماعا فكذا المقدم. انتهى.
وظاهر الشهيد (قدس سره) في الذكرى موافقة ابن إدريس هنا حيث قال
في بيان سنة الموقف: أحدها - أن يقتدي الرجل بالرجل فيستحب قيامه عن يمينه
ويتقدم الإمام بيسير. انتهى. ولا ريب في ضعفه لما عرفت.
وأما الحكم الثالث وهو تأخر المرأة خلفه فهو مبني على ما هو المختار من عدم
جواز محاذاة المرأة للرجل في الموقف كما تقدم تحقيقه في مبحث المكان من مقدمات
الكتاب، وأما من قال بجواز المحاذاة فالحكم هنا عنده على الاستحباب.
والذي يدل على تأخرها روايات: منها - ما رواه الشيخ عن أبي العباس (1)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤم المرأة في بيته؟ قال نعم تقوم وراءه "
وعن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في الرجل
يؤم المرأة؟ قال نعم تكون خلفه. وعن المرأة تؤم النساء؟ قال نعم تقوم وسطا

(1) الوسائل الباب 19 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 19 و 20 من صلاة الجماعة
94

بينهن ولا تتقدمهن ".
ويستحب لها مع التأخر أن تقوم عن يمين الإمام إذا كانت واحدة لما رواه
الصدوق في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " الرجل إذا
أم المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه ".
وما رواه الشيخ عن الفضيل بن يسار قال (2): " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
أصلي المكتوبة بأم على؟ قال نعم تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك ".
ولو كان المأموم رجلا وامرأة قام الرجل عن يمين الإمام والمرأة خلفه لما
رواه عن القاسم بن الوليد (3) قال: " سألته عن الرجل يصلي مع الرجل الواحد معهما
النساء؟ قال يقوم الرجل إلى جنب الرجل ويتخلفن النساء خلفهما ". والله العالم.
المسألة الثالثة - من الشرائط أيضا عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) المشاهدة
بمعنى أن لا يكون ثمة بين الإمام والمأموم أو بين المأمومين بعض مع بعض حائل
يمنع المشاهدة، قال في المدارك: هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب.
والأصل فيه ما رواه الشيخ في الحسن والصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس
ذلك الإمام لهم بإمام، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف
الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة، وإن كان بينهم سترة أو جدار

(1) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 19 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 19 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 62 و 59 من صلاة الجماعة. ومصدر الحديث الفقيه والكافي
والشيخ يرويه عن الكليني. وقوله " ع " " ينبغي أن تكون الصفوف.. " إلى قوله " ع "
" إذا سجد " رواه في الفقيه قبل قوله " ع " " إن صلى قوم... " وفي كلمة " إذا سجد "
دون الكافي كما أن قوله " ع " " أيما امرأة... " حديث الفقيه دون الكافي راجع الفروع ج 1
ص 107 والفقيه ج 1 ص 253
95

فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب. قال: وهذه المقاصير لم تكن في
زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة
من فيها صلاة. قال: وقال أبو جعفر عليه السلام ينبغي أن تكون الصفوف تامة
متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون قدر ذلك مسقط
جسد الانسان إذا سجد. قال وقال: أيما امرأة صلت خلف إمام وبينها وبينه
ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة. قال قلت: فإن جاء انسان يريد أن يصلي
كيف يصنع وهي إلى جانب الرجل؟ قال: يدخل بينها وبين الرجل وتنحدر
هي شيئا ".
وتحقيق الكلام في هذا المقام أن يقال قد عرفت أنه لا يجوز الحيلولة بين
الإمام والمأمومين ولا بين المأمومين بعضهم مع بعض بما يمنع المشاهدة من الحائل
فلو لم يمنع المشاهدة كالحائل القصير المانع حالة الجلوس خاصة والشباك المانع من
الاستطراق دون المشاهدة فلا بأس بالصلاة والحال هذه، وبذلك صرح معظم
الأصحاب ومنهم الشيخ في المبسوط على ما نقله في الذخيرة، وخالف في الخلاف
فقال من صلى وراء الشبابيك لا تصح صلاته مقتديا بصلاة الإمام الذي يصلي داخلها.
واستدل بصحيحة زرارة، قال في المدارك: وكأن موضع الدلالة فيها النهي عن
الصلاة خلف المقاصير فإن الغالب فيها أن تكون مشبكة. وأجاب عنه في المختلف
بجواز أن تكون المقاصير المشار إليها فيها غير مخرمة.. إلى أن قال: ولا ريب أن
الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكره الشيخ. انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) - من أن موضع الدلالة في ما استدل به
الشيخ من الرواية النهي عن الصلاة خلف المقاصير فإن الغالب فيها أن تكون مشبكة -
لا يخلو من بعد، فإنه لا يخفى أن ظاهر قوله عليه السلام: " وهذه المقاصير لم تكن في
زمن أحد من الناس " إنما وقع تفريعا على قوله: " وإن كان بينهم سترة أو جدار
فليس تلك لهم بصلاة " فإنه لما حكم عليه السلام ببطلان الصلاة والحال هذه وكانت تلك
96

المقاصير حائلة وساترة مع كون الناس يصلون خلفها استدرك عليه السلام وبين أن هذه
المقاصير التي يصلي خلفها الناس الآن لم تكن في الصدر الأول من زمنه صلى الله عليه وآله ولا
ما قاربه وإنما هي شئ محدث، ولا يجوز الصلاة خلفها لحصول الستر والحيلولة
بها. هذا هو ظاهر سياق الخبر المذكور وهو الذي فهمه الأصحاب منه كما نقله عن
المحقق ومثله العلامة وغيرهما، فقوله (قدس سره) إن الغالب في تلك المقاصير أن
تكون مشبكة مع كونه مجرد دعوى مخالف لظاهر النص، ومن أين علم أن تلك
المقاصير التي كانت في زمانهم (عليهم السلام) كانت مشبكة لو ثبت كونها في
زمانه كذلك.
وبالجملة فإن استدلال الشيخ بالخبر المذكور على ما ادعاه ليس له وجه إن
ثبت ما نقلوه عنه من أنه استدل بخبر زرارة، ومن المحتمل قريبا عندي أن هذا
الاستدلال إنما هو من كلام الأصحاب وإن أسندوه إليه ظنا منهم استناده في ذلك إلى
الخبر المذكور كما وقع في المختلف في استدلاله للأقوال التي ينقلها فيه وإن أسند ذلك
إلى صاحب القول، كما لا يخفى على من تأمل ذلك بعين التحقيق.
هذا. ولا يخفى أن صاحب الذخيرة نقل أن الشيخ في المبسوط وافق المشهور
في جواز الصلاة خلف الشبابيك وإنما خالفهم في الخلاف، والمفهوم من كلام
الذكرى أن خلافه إنما هو في المبسوط حيث قال: ولو كانت المقصورة مخرمة صحت
كالشبابيك، ويظهر من المبسوط وكلام أبي الصلاح عدم الجواز مع حيلولة الشباك
لرواية زرارة مع اعتراف الشيخ بجواز الحيلولة بالمقصورة المخرمة ولا فرق
بينهما. انتهى.
أقول: لا يخفى على من لاحظ عبارة المبسوط في هذا المقام أنها غير خالية
من التدافع والتناقض في هذه الأحكام ومنه وقع الاشتباه في ما نقل عنه من هذا
الكلام، حيث قال: الحائط وما يجري مجراه مما يمنع من مشاهدة الصفوف يمنع
من صحة الصلاة والاقتداء بالإمام، وكذلك الشبابيك والمقاصير تمنع من الاقتداء
97

بإمام الصلاة إلا إذا كانت مخرمة لا تمنع من مشاهدة الصفوف. انتهى.
ووجه الاشكال فيها أنه لا ريب أن الشبابيك لا تمنع المشاهدة مع أنه عدها
في ما يمنع من صحة الصلاة والاقتداء بالإمام وجوز في المقاصير المخرمة، ولا ريب
أن المقصورة المخرمة والشباك بمعنى واحد ولهذا أورد عليه في الذكرى ما ذكره،
وصاحب الذخيرة نظر إلى آخر العبارة وغفل عن ذكره الشبابيك وأنها تمنع.
ثم إنه لا يخفى عليك أن ظاهر الشهيد في الذكرى كما قدمناه في عبارته أن
الشيخ في المبسوط استند في عدم الجواز مع حيلولة الشباك إلى رواية زرارة مع أن
عبارة المبسوط كما حكيناها خالية من ذلك، وهو دليل على ما قدمناه من أن نسبة
الاستدلال بالرواية إلى الشيخ إنما هو من الأصحاب تكلفا لتحصيل الدليل له، وبذلك
يسقط ما ذكره في المدارك من تمحل توجيه الاستدلال له بالخبر المذكور، ونحوه في
الذخيرة حيث حذا حذوه في المقام كما هو الغالب عليه في أكثر الأحكام.
تنبيهات
الأول - لو وقف بحذاء باب المسجد وهو مفتوح بحيث يشاهد الواقف
حذاء الباب الإمام أو المأمومين الذين في المسجد صحت صلاة المحاذي للباب لمشاهدته
لمن في المسجد وصلاة من على يمينه ويساره من الصف لمشاهدتهم ذلك الواقف
حذاء الباب، وقد صرح بذلك الشيخ (قدس سره) وجملة من الأصحاب: منهم -
العلامة في المنتهى حيث قال: لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو
مفتوح يشاهد المأمومين في المسجد صحت صلاته، ولو صلى قوم عن يمينه وشماله
صحت صلاتهم لأنهم يرون من يرى الإمام. ولو وقف بين يدي هذا الصف صف
آخر عن يمين الباب أو يساره لا يشاهدون من في المسجد لم تصح صلاتهم. انتهى.
وبنحو ذلك صرح في المدارك أيضا.
وتوقف في الذخيرة في الحكم الأول فقال - بعد نقل ما ذكره في المنتهى عن
جماعة من الأصحاب - ما لفظه: والحكم الثاني صحيح وأما الحكم الأول فقد ذكره
98

غير واحد من الأصحاب كالشيخ ومن تبعه، وهو متجه إن ثبت الاجماع على أن
مشاهدة بعض المأمومين تكفي مطلقا وإلا كان في الحكم المذكور اشكال نظرا إلى قوله
عليه السلام (1) " إلا من كان بحيال الباب " فإن ظاهره قصر الصحة على صلاة من كان
بحيال الباب. وجعل بعضهم هذا الحصر إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه
عن يمين الباب ويساره. وفيه عدول عن الظاهر يحتاج إلى دليل. انتهى.
أقول: الظاهر أن منشأ الشبهة الحاصلة له هو تخصيص المشاهدة التي هي
شرط في صحة القدوة بمشاهدة الانسان من يكون قدامه دون من على يمينه ويساره
والذي على الباب من المأمومين يشاهد الإمام أو المأمومين الذين في المسجد فتصح
صلاته وأما من على يمينه ويساره فإنهم لا يشاهدون قدامهم إلا جدار المسجد
فتبطل صلاتهم لفوات شرط المشاهدة، ومشاهدة من على جنبه غير كافية عنده.
واللازم من هذا أنه لو استطال الصف الأول على وجه لا يرى من في طرفيه
الإمام فإنه يلزم بطلان صلاتهم، حيث إنهم لا يشاهدون الإمام ومشاهدة من على
الجنب يمينا ويسارا غير كافية، ولا أظن هذا القائل يلتزمه. ونحو ذلك لو استطال
الصف الثاني أو الثالث زيادة على الصفوف المتقدمة وكان الذي بلى قبلة هذه الزيادة
جدارا لا أحدا من المأمومين فإنه يلزم بطلان صلاة هذه الزيادة لعدم وجود المأمومين
قدامهم وعدم الاكتفاء بمشاهدة من على الجنب. والظاهر من قوله عليه السلام " إلا من
كان بحيال الباب " يعني من الصفوف لا من المأمومين لأن عبارة الخبر هنا كلها منصبة
على الصفوف، حيث قال " وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين
الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة وإن كان بينهم ستر
أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب " وهذا الكلام كما ترى مشتمل
على شرطين: (أحدهما) - أن لا يكون بين الصفوف من البعد ما لا يتخطى.
و (الثاني) أن لا يكون بينهم ستر ولا جدار كالصف الذي يقوم عن يمين الباب

(1) ص 95 و 96
99

ويساره، فإنه لا ريب في بطلان صلاتهم لعدم المشاهدة، ثم استثنى الصف الذي
يقوم بحيال الباب لحصول الشرط المذكور فيه بمشاهدة من على الباب لمن في المسجد
ومشاهدة من على يمين ذلك الرجل ويساره له وهكذا.
وبالجملة فاللازم مما ذكره في هذه الصورة هو بطلان الصلاة في الصورتين
المذكورتين اللتين فرضناهما ولا أظنه يلتزمه. ونحوهما أيضا وقوف بعض المأمومين
خلف الأساطين بحيث إن الأسطوانة في قبلته فهو لا يرى من قدامه من المأمومين
وإنما يرى من على يمينه ويساره، واللازم بمقتضى ما ذهب إليه بطلان صلاته مع أن صحيح الحلبي (1) دل على أنه لا بأس بالصفوف بين الأساطين.
وبالجملة فما ذكره (قدس سره) إنما هو من قبيل الأوهام البعيدة والتشكيكات
الغير السديدة. والله العالم.
الثاني - الأشهر الأظهر عدم اشتراط هذا الشرط في حق المرأة فيجوز لها
الاقتداء مع الحائل، ويدل على ذلك - مضافا إلى الأصل والعمومات وعدم ظهور
تناول الصحيحة المتقدمة التي هي الأصل في هذا الحكم لهذه الصورة - ما رواه الشيخ
في الموثق عن عمار (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي بالقوم
وخلفه دار فيها نساء هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال نعم إن كان الإمام أسفل
منهن. قلت فإن بينهن وبينه حائطا أو طريقا؟ قال لا بأس ".
وقال ابن إدريس في سرائره: وقد وردت رخصة للنساء أن يصلين
وبينهن وبين الإمام حائط والأول أظهر وأصح. ومراده بالأول مساواة النساء
للرجال في هذا الشرط، وهو جيد على أصله الغير الأصيل.
الثالث - لو لم يشاهد بعض المأمومين الإمام وشاهد من يشاهده ولو بوسائط
عديدة كفى في صحة القدوة وإلا بطلت صلاة الصفوف الأخيرة مع كثرة الصفوف
حيث إنهم لا يشاهدون الإمام وهو معلوم البطلان، قال في المنتهى: ولا نعرف

(1) ص 101
(2) الوسائل الباب 60 من صلاة الجماعة
100

فيه خلافا، والخبر إنما دل على بطلان القدوة بالحائل والساتر من جدار ونحوه
لا بحيلولة المأمومين بعضهم ببعض. وبالجملة فالأصل وعموم الأدلة يقتضي صحة
القدوة في الصورة المذكورة مضافا إلى دعوى الاتفاق على ذلك.
الرابع - نقل عن أبي الصلاح وابن زهرة المنع من حيلولة النهر بين الإمام
والمأموم، قال في المدارك فإن أرادا به ما لا يمكن تخطيه من ذلك كان جيد الاطلاق
صحيحة زرارة المتقدمة، وإن لم يعتبرا فيه هذا القيد طولبا بالدليل على الاطلاق.
وقال في الذكرى: ومنع أبو الصلاح وابن زهرة من حيلولة النهر لرواية زرارة
السالفة وقد بينا حملها على الاستحباب.
أقول: سيأتي أن مذهب هذين الفاضلين هو تفسير البعد الموجب لبطلان
القدوة بما لا يتخطى وهو الذي دل عليه الخبر المشار إليه، وسيأتي في معنى الخبر
المذكور أنه لا بد من تواصل الصفوف بعضها مع بعض وهكذا مع الإمام، بأن
لا يزيد ما بين موقف الصف الثاني إلى الصف الذي قدامه على مسقط جسد الانسان
حال سجوده وأن هذا هو الحد الذي يتخطى عادة وما زاد عليه فهو مما لا يتخطى،
ولا ريب أن النهر إذا فصل بين الصفوف أو بين الإمام والصف فقد حصلت الزيادة
في المسافة المعتبرة وانتهت إلى ما لا يتخطى.
وبذلك يظهر أن كلامهما هنا يرجع إلى ما ذكروه ثمة كما قدمنا نقله عنهما، وهو
جيد عند من عمل بالخبر المذكور كما يشير إليه كلام صاحب المدارك دون من يتأوله كما
يشير إليه كلام صاحب الذكرى.
الخامس - تجوز الصلاة بين الأساطين مع المشاهدة واتصال الصفوف لقوله
(عليه السلام) في صحيحة الحلبي (1) " لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2): نقلا عن العالم (عليه السلام) قال:
" وقال لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا " وهو يشمل ما لو كانت الأساطين

(1) الوسائل الباب 59 من صلاة الجماعة
(2) ص 11
101

معترضة بين الصف الواحد أو بين الصفين. وفيه دلالة على أنه لا يضر الوقوف
خلف الأسطوانة وإن كان مانعا من رؤية الإمام إذا رأى المأمومين الذين يرون
الإمام أو من يراه.
وبما ذكرنا صرح في الذكرى فقال: يجوز الصلاة بين الأساطين مع المشاهدة
واتصال الصفوف لقوله (عليه السلام): " لا أرى بالصفوف بين الأساطين بأسا "
وبذلك يظهر ما في كلام العلامة (أجزل الله اكرامه) في المنتهى حيث قال:
ويكره للمأمومين الوقوف بين الأساطين لأنها تقطع صفوفهم، وبه قال ابن مسعود
والنخعي وحذيفة وابن عباس، ولم يكره مالك وأصحاب الرأي (1) لعدم الدلالة
على المنع. والجواب ما رواه الجمهور عن معاوية بن قرة عن أبيه (2) قال: " كنا
ننهى أن نصف بين الأساطين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ونطرد عنها طردا " ولما
ذكرناه من قطعها للصف. انتهى. وظاهره أنه لا مستند له في ما ذكره إلا هذه
الرواية العامية وهذا التعليل العليل وغفل عن ملاحظة النص الواضح في نفي
البأس عن ذلك.
السادس - قال في الذكرى: لو صلى في داره خلف إمام المسجد وهو
يشاهد الصفوف صحت قدوته وأطلق الشيخ ذلك، والأولى تقييده بعدم البعد
المفرط، قال ولو كان باب الدار بحذاء باب المسجد أو باب المسجد عن يمينه أو
عن يساره واتصلت الصفوف من المسجد إلى داره صحت صلاتهم، وإن كان قدام
هذا الصف في داره صف لم تصح صلاة من كان قدامه، ومن صلى خلفهم صحت
صلاتهم سواء كان على الأرض أو في غرفة منها لأنهم يشاهدون الصف المتصل
بالإمام والصف الذي قدامه لا يشاهدون الصف المتصل بالإمام، وقد روي (3)
" أن أنسا كان يصلي في بيت حميد بن عبد الرحمان بن عوف بصلاة الإمام وبينه وبين

(1) المغني ج 2 ص 220
(2) المغني ج 2 ص 220
(3) المغني ج 2 ص 209 وفيه هكذا ".. في موت حميد بن عبد الرحمان.. "
102

المسجد طريق " وفيه أيضا دلالة على أن الشارع ليس بحائل (فإن قلت) قد روي
عن النبي صلى الله عليه وآله (1) " من كان بينه وبين الإمام حائل فليس مع الإمام " قلت يحمل
على البعد المفرط أو على الكراهة. انتهى ما ذكره في الذكرى.
أقول: هذا الكلام من أوله إلى آخره مبني على ما تقدم نقله عنهم من تفسير
البعد الموجب لبطلان القدوة بما قدمنا نقله عن الشيخ في الخلاف والمبسوط وما
ذكره الأكثر من الإحالة إلى العرف، وقد عرفت ما في الجميع وأن الاعتماد في
ذلك أنما هو على الخبر الصحيح الصريح الدال على التقدير بما لا يتخطى عادة المفسر
في الخبر المذكور بما زاد على مسقط جسد الانسان حال السجود. وأما ما استند
إليه في عدم كون الشارع حائلا من الخبر العامي فضعفه أظهر من أن يبين، وتأويله
الخبر المروي عنه صلى الله عليه وآله بما ذكره موقوف على وجود المعارض وليس في المقام
ما يعارضه بل الموجود فيها ما يعضده ويقويه وهو صحيحة زرارة المتقدمة.
وبالجملة فإن كلماتهم في هذا المقام لكون البناء على غير أساس وثيق القوام
مختلة النظام عديمة الانتظام.
المسألة الرابعة - قال في المدارك: أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أنه يشترط
في الجماعة عدم التباعد بين الإمام والمأموم إلا مع اتصال الصفوف،
وإنما الخلاف
في حده فذهب الأكثر إلى أن المرجع فيه إلى العادة، وقال في الخلاف حده مع عدم
اتصال الصفوف ما يمنع من مشاهدته والاقتداء بأفعاله، ويظهر منه في المبسوط
جواز البعد بثلاثمائة ذراع. انتهى.

(1) في المجموع للنوى شرح المهذب للشيرازي ج 2 ص 309 في حيلولة
الطريق " وقال أبو حنيفة لا يصح لحديث رووه مرفوعا " من كان بينه وبين الإمام طريق
فليس مع الإمام " ثم قال: وهذا حديث باطل لا أصل له وإنما يروى عن عمر من رواية
ليث بن أبي سليم عن تميم وليث ضعيف وتميم مجهول " وفي التذكرة في المسألة الرابعة من
الشرط الثالث من شروط الجماعة رواه كما تقدم بلفظ " طريق " وبما تقدم من النووي يظهر
أن نسبة الحديث إلى النبي " ص " كما في الذكرى والتذكرة ليست في محلها.
103

أقول: فيه (أولا) - أن الظاهر من كلام العامة - على ما نقله بعض محققي
متأخري المتأخرين - خلاف ما ذكره (قدس سره) فإنه نقل أن مذهب الشافعية
الفرق في ذلك بين المساجد وغيرها، قال البغوي في التهذيب: فإن تباعدت
الصفوف أو بعد الصف الأول عن الإمام نظر إن كانوا جميعا في مسجد واحد
صحت صلاتهم مع الإمام، وإن بعدوا واختلف بهم البناء أو كان بين الإمام
والمأموم حائل.. إلى أن قال: وإن كانوا في غير المسجد فإن كان بين المأموم
والإمام أو بينه وبين الصف الآخر ثلاثمائة ذراع أو أقل صحت. انتهى. وهو
صريح في عدم اعتبار الصفوف كما زعمه (قدس سره). وقال في شرح المنهاج:
واشترطوا أن يجمع الإمام والمأموم المسجد وإن بعدت المسافة وحالت الأبنية
نافذة أغلق أبوابها أم لا، وقيل لا تصح في الاغلاق. وهو كما ترى ظاهر في أنهم
لم يشترطوا في المساجد غير ذلك من قرب المسافة أو وجود الصفوف فضلا عن
اتصالها لكن لا بد أن يعلم بانتقالات الإمام إما برؤية شخصه أو يسمعه أو يبلغه
غيره. ومذهب مالك على ما ذكره العثماني في كتابه أنه إذا صلى في داره بصلاة
الإمام وهو في المسجد وكان يسمع التكبير صح الاقتداء إلا في الجمعة فإنها لا تصح
إلا في الجامع أو في رحابه إذا كان متصلا به، وقال أبو حنيفة يصح الاقتداء في
الجمعة وغيرها، وقال عطاء الاعتبار العلم بصلاة الإمام دون المشاهدة وعدم الحائل
وحكى ذلك عن النخعي والحسن البصري (1) انتهى. ومقتضاه أن أبا حنيفة قائل

(1) في المجموع للنووي الشافعي ج 4 ص 309 " فرع في مسائل: إحداها - يشترط
أن لا تطول المسافة بين الإمام والمأمومين إذا صلوا في غير المسجد وبه قال جماهير العلماء،
وقدر الشافعي القرب بثلاثمائة ذراع، وقال عطاء يصح مطلقا وإن طالت المسافة ميلا
وأكثر إذا علم صلاته.. الثانية - لو حال بينهما طريق صح الاقتداء عندنا وعند مالك
والأكثرين، وقال أبو حنيفة لا يصح.. إلى آخر ما تقدم في التعليقة (1) ص 103
الثالثة - لو صلى في دار أو نحوها بصلاة الإمام في المسجد وحال بينهما حائل لم يصح عندنا وبه
قال أحمد، وقال مالك تصح إلا في الجمعة، وقال أبو حنيفة تصح مطلقا "
104

بقول مالك حتى في الجمعة، وبذلك يظهر أن ما نسبه إلى أكثر العامة من موافقة
الأصحاب في ما ذكره ليس في محله وكان ينبغي أن يقول: أجمع أصحابنا خلافا
لأكثر العامة بل جميعهم. على أن ما ادعاه من اجماع أصحابنا على ما ذكره يرده
ظاهر كلام العلامة في المختلف من قوله: والمشهور المنع من التباعد الكثير، ويستند
في ذلك إلى العرف.
و (ثانيا) أن ما نسبه إلى الشيخ في المبسوط من أنه يظهر منه جواز البعد
بثلاثمائة ذراع ليس في محله، وهذه عبارته قال في المبسوط: وحد البعد ما جرت
العادة بتسميته بعدا، وحد قوم ذلك بثلاثمائة ذراع وقالوا على هذا إن وقف
وبينه وبين الإمام ثلاثمائة ذراع ثم وقف آخر وبينه وبين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع
ثم على هذا الحساب والتقدير بالغا ما بلغوا صحت صلاتهم. قالوا وكذلك إذا
اتصلت الصفوف في المسجد ثم اتصلت بالأسواق والدروب والدور بعد أن يشاهد
بعضهم بعضا ويرى الأولون الإمام صحت صلاة الكل. وهذا قريب على مذهبنا أيضا.
قال العلامة (قدس سره) ومراده بالقوم هنا بعض الجمهور لأنه لأقول لعلمائنا في
ذلك. انتهى. وهو جيد. وقد عرفت قول بعض الجمهور بذلك من ما نقلناه.
وقال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه: يمكن أن يشير إلى جميع ما تقدم فيكون
رضي بالثلاثمائة، ويمكن أن يشير بالقرب إلى الفرض الأخير خاصة فلا يكون راجعا
إلى التقدير بثلاثمائة ذراع وهو الأنسب بقوله: وحد البعد ما جرت العادة بتسميته
بعدا. وقال أبو الصلاح وابن زهرة لا يجوز أن يكون بين الصفين من المسافة
ما لا يتخطى.
وإلى هذا القول مال جملة من أفاضل متأخري المتأخرين، وهو الحق الحقيق
بالاتباع لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (1) " إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام
ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام

(1) ص 95 و 96
105

وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة ".
وأجاب عنها في المعتبر بأن اشتراط ذلك مستبعد فيحمل على الأفضل.
وأجاب عنها في المختلف باحتمال أن يكون المراد ما لا يتخطى من الحائل لا من المسافة.
ورد بالتصريح في الرواية بعد ذلك بذكر الحائل، مع أن اللازم من حمله على
الحائل المنع من الصلاة خلف الشبابيك والحائل القصير الذي يمنع من الاستطراق
دون المشاهدة وهو لا يقول به.
أقول: ويؤيد الرواية المذكورة ما رواه في كتاب دعائم الاسلام عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) (1) أنه قال: ينبغي للصفوف أن تكون
تامة متصلة ويكون بين كل صفين قدر مسقط جسد الانسان إذا سجد، وأي صف
كان أهله يصلون بصلاة الإمام وبينهم وبين الصف الذي تقدمهم أزيد من ذلك فليس
تلك الصلاة لهم بصلاة. انتهى.
ثم إن العجب منهم (نور الله مراقدهم) في هذا المقام في ارتكاب هذه
التأويلات البعيدة والتمحلات الشديدة من غير موجب لذلك، فإن ما ذهبوا إليه
من الحوالة على العادة لا دليل عليه غير مجرد تخرصهم وظنهم، مع ما عرفت في
غير مقام من ما تقدم ما في حوالة الأحكام الشرعية على العرف الذي لا انضباط له
بالكلية، وهل هو إلا رد إلى جهالة لما يعلم من اختلاف الأقطار والبلدان في هذا
العرف فإن لكل قطر عرفا على حدة، ثم إنه من الذي يدعي الوقوف والاطلاع
على العرف العام لجميع الناس في جميع الأقطار والأمصار حتى يرتب عليه حكما
شرعيا أو أنه يجب الوقوف في الحكم حتى يحصل تتبع العرف أو أنه يكتفى بعرف
كل بلد وإقليم على حدة، ما هذه إلا تخرصات ظنية ومجازفات وهمية في أحكامه
سبحانه المبنية على القطع واليقين والعلم " أتقولون على الله ما لا تعلمون " (2) مع أن

(1) مستدرك الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة. وفيه بدل " أزيد " " أقل "
(2) سورة الأعراف الآية 27
106

الخبر المذكور صحيح صريح خال من المعارض دال على الحكم المذكور بأظهر تأكيد
لقوله عليه السلام (1) زيادة على ما قدمنا ذكره " ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة
بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى " و " ينبغي " هنا بمعنى الوجوب كما
استفاض في الأخبار، وعليه صدر الكلام إلى أن قال عليه السلام أيضا في الخبر " أيما
امرأة صلت خلف إمام وبينها وبينه ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة " وهل وقع
في حكم من الأحكام ما وقع في هذا الحكم من المبالغة بهذا التأكيد التام؟ ما هذا إلا
عجب عجيب من هؤلاء الأعلام تجاوز الله عنا وعنهم في دار المقام.
وبالجملة فالظاهر عندي من النص المذكور هو وجوب مراعاة هذا المقدار بين
الإمام والمأمومين وكذا ما بين المأمومين بعضهم مع بعض، وظاهر الخبر المذكور
أنه لا ينبغي أن يكون بين الصفين زيادة على مسقط جسد الانسان حال السجود
بمعنى أنه يكون سجوده متصلا بعقب رجلي المتقدم فتكون مسافة البعد من موقف
المصلي لا من موضع سجوده، وقوله عليه السلام: " يكون قدر ذلك مسقط جسد الانسان "
أي قدر المسافة التي يحصل بها تواصل الصفوف بعضها إلى بعض هذا المقدار. وما
ذكرناه ظاهر من عبارة الخبر المنقول من كتاب الدعائم أتم الظهور.
فرعان
الأول - قال في المدارك: واعلم أنه ينبغي للبعيد من الصفوف أن لا يحرم
بالصلاة حتى يحرم قبله من المتقدم من يزول معه التباعد. انتهى. وهو جيد
لأنه مع إحرام البعيد بهذا المقدار قبل احرام من يزول به البعد يصدق وجود
ما لا يتخطى فإن وجود المأمومين قبل الدخول في الصلاة في حكم العدم وحينئذ
تبطل القدوة. واحتمال أنهم آن وجودهم مريدين الصلاة وإن لم يحرموا في حكم
من أحرم معارض بجواز انصرافهم وتركهم الاقتداء أو عروض مانع منه. إلا أن
اعتبار هذا الشرط في غاية الاشكال الآن في حق المأمومين الذين هم في الأغلب

(1) ص 96
107

الأكثر من الجهال ولكن جهلهم ليس عذرا شرعيا يوجب الخروج عن العمل
بأحكام الملك المتعال.
الثاني - لو حصل البعد المذكور بخروج الصفوف المتخللة بين الإمام والمأمومين
من الصلاة عن الاقتداء لانتهاء صلاتهم أو نية الانفراد، فهل تنفسخ القدوة
لحصول البعد حينئذ أم لا؟ وعلى تقدير الانفساخ هل تعود القدوة بالانتقال إلى محل
القرب الذي به يزول البعد بناء على جواز تجديد المؤتم بإمام آخر إذا انتهت صلاة
الإمام الأول أم لا؟ ولعل الأظهر أن اشتراط عدم البعد إنما هو في ابتداء الصلاة
خاصة دون استدامتها، كما تقدم نظيره في صلاة الجمعة والعيد من أن اشتراط الجماعة
والعدد المشروط فيهما إنما هو في الابتداء فلو انفض العدد بعد الدخول في الصلاة
وجب الاتمام جمعة ولو لم يبق إلا الإمام خاصة.
المسألة الخامسة - من الشرائط أيضا في صحة الجماعة عدم علو الإمام بما يعتد به
من الأبنية ونحوها بل إما أن يكون مساويا للمأموم أو أخفض منه، ولا بأس
بذلك في المأموم، ويستثنى من ذلك العلو في الأرض المنبسطة لو قام الإمام في المكان
الأعلى منها.
والأصل في هذه الأحكام ما رواه ثقة الاسلام والصدوق والشيخ في الموثق
عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن الرجل يصلي بقوم وهم في
موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه؟ فقال إن كان الإمام على شبه الدكان أو
على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، وإن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو
أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل، فإن كان أرضا مبسوطة وكان في

(1) الوسائل الباب 63 من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني. وقوله " سألته "
في رواية الكليني في الفروع ج 1 ص 107 والشيخ عنه في التهذيب ج 1 ص 261، وفي
الفقيه ج 1 ص 253 " قال عمار سئل أبو عبد الله ع " وفي الفقيه أيضا هكذا " وإن كانت
الأرض مبسوطة " وفيه أيضا بعد قوله " منحدر " هكذا " فلا بأس به " وفي الفروع
والتهذيب " قال لا بأس ".
108

موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه
والأرض مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس به. وسئل فإن قام الإمام أسفل
من موضع من يصلي خلفه؟ قال لا بأس. قال وإن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك
دكانا كان أو غيره وكان الإمام يصلي على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلي خلفه
ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع منه بشئ كثير " قوله: " إذا كان الارتفاع ببطن
مسيل " في الكافي، وفي غيره (1) " إذا كان الارتفاع بقدر شبر "
وطعن السيد السند في المدارك في هذه الرواية بأنها ضعيفة السند متهافتة المتن
قاصرة الدلالة فلا يسوغ التعويل عليها في اثبات حكم مخالف للأصل، قال ومن ثم
تردد فيه المصنف (رحمة الله عليه) وذهب الشيخ في الخلاف إلى كراهة كون الإمام
أعلى من المأموم بما يعتد به كالأبنية وهو متجه. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: ومما ورد في المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان
- وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه - عن محمد بن عبد الله وهو مجهول
عن الرضا عليه السلام (2) قال: " سألته عن الإمام يصلي في موضع والذين خلفه يصلون
في موضع أسفل منه أو يصلي في موضع والذين خلفه في موضع أرفع منه؟ فقال
يكون مكانهم مستويا ".
وما رواه علي بن جعفر (رضي الله عنه) في كتاب المسائل عن أخيه موسى
ابن جعفر عليه السلام (3) قال: " سألته عن الرجل هل يحل له أن يصلي خلف الإمام
فوق دكان؟ قال إذا كان مع القوم في الصف فلا بأس ".
أقول: قضية الجمع بين هذه الأخبار هو المنع من علو الإمام كما دلت عليه
الموثقة المذكورة، إذ لا معارض لها في البين وطرحها من غير معارض مشكل
وجواز علو المأموم كم دل عليه خبر علي بن جعفر، والظاهر أنه مما لا خلاف فيه كما
يظهر من المنتهى حيث إنه أسنده إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، وأفضلية

(1) هذا في التهذيب وفي الفقيه " بقطع سيل "
(2) الوسائل الباب 63 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 63 من صلاة الجماعة
109

المساواة بحمل خبر محمد بن عبد الله المذكور على ذلك جمعا بين الأخبار المذكورة.
وحمل العلامة في المختلف كلام الشيخ في الخلاف على أنه إنما قصد به التحريم
وهو غير بعيد. إلا أن ظاهر كلام المحقق في المعتبر أن الشيخ في الخلاف إنما
استند في ما ذكره من الكراهة إلى رواية سهل (1) قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله
على المنبر فكبر وكبر الناس وراءه ثم ركع وهو على المنبر ثم رجع فنزل القهقرى
حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس فعلت
كذا لتأتموا ولتعلموا صلاتي " ثم أجاب في المعتبر بمنع الرواية (أولا) وبالحمل على
علو لا يعتد به كالمرقاة السفلى (ثانيا) وبجواز كونه من خواصه صلى الله عليه وآله (ثالثا) وزاد
العلامة فقال: ولأنه لم يتم الصلاة على المنبر فإن سجوده وجلوسه إنما كان على الأرض
بخلاف ما وقع فيه الخلاف، أو لأنه صلى الله عليه وآله علمهم الصلاة ولم يعتدوا بها. انتهى.
أقول: ربما أشعر تكلف هذه الأجوبة عن الخبر المذكور بثبوته عندهم إلا أن يحمل على التنزل بعد تسليم صحته وهو الأقرب، فإن الظاهر أن الخبر المذكور ليس
من طرقنا ولا من أخبارنا. وكيف كان فالظاهر أن الشيخ إنما ذهب إلى الكراهة جمعا
بين ما دل عليه هذا الخبر من الجواز كما يعطيه استدلاله به وما دلت عليه موثقة عمار
من المنع فجعل وجه الجمع بينهما حمل خبر عمار على الكراهة، ومنه يظهر بعد
ما ذكره العلامة في المختلف من حمل الكراهة في عبارته على التحريم.
ثم إنه في المختلف نقل عن ابن الجنيد أنه قال لا يكون الإمام أعلى في مقامه
بحيث لا يرى المأموم فعله إلا أن يكون المأمومون أضراء، فإن فرض البصراء
الاقتداء بالنظر وفرض الأضراء الاقتداء بالسماع إذا صح لهم التوجه. ثم استدل
للقول المشهور بالموثقة المتقدمة ثم قال وهو شامل للبصراء والأضراء.
هذا. وقد استدل في الذكرى للقول المشهور زيادة على الموثقة المذكورة

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 205 باب جواز الخطوة والخطوتين
110

بما روي (1) " أن عمارا (رضي الله عنه) تقدم للصلاة على دكان والناس أسفل منه
فقدم حذيفة (رضي الله عنه) فأخذ بيده حتى أنزله فلما فرغ من صلاته قال له
حذيفة ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان
أرفع من مقامهم؟ قال عمار فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي " قال وروي
أيضا (2) " أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان فأخذ عبد الله بن مسعود بقميصه
فجذبه فلما فرغ من صلاته قال ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال بلى ذكرت
حين جذبتني " والظاهر أن هذين الخبرين من روايات العامة أو من الأصول التي
وصلت إليه ولم تصل إلينا.
فروع
الأول - اختلف الأصحاب (رضي الله عنهم) في مقدار العلو المانع من
صحة القدوة فقيل إنه القدر المعتد به وأنه لا تقدير له إلا بالعرف، وهو قول الأكثر
ومنهم الشهيد في الذكرى والعلامة في بعض كتبه، وقيل قدر شبر، وقيل
ما لا يتخطى وبه صرح العلامة في التذكرة، قال لو كان العلو يسيرا جاز اجماعا وهل
يتقدر بشبر أو بما لا يتخطى؟ الأقرب الثاني. والظاهر أنه بنى في ذلك على صحيحة
زرارة المتقدمة.
قال في الذكرى: لا تقدير للعلو إلا بالعرف وفي رواية عمار (3) " ولو كان
أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر فإن كان أرضا مبسوطة وكان في موضع فيه ارتفاع
فقام الإمام في المرتفع وقام من خلفه أسفل منه إلا أنه في موضع منحدر فلا بأس "
وهي تدل بمفهومها على أن الزائد على شبر ممنوع وأما الشبر فيبنى على دخول الغاية
في المغيى وعدمه. انتهى.

(1) سنن أبي داود باب (الإمام يقوم مكانا أرفع من مكان القوم).
(2) سنن أبي داود باب (الإمام يقوم مكانا أرفع من مكان القوم).
(3) ص 108 و 109
111

أقول: وهذا الموضع من ما طعن به على الرواية بأنها متهافتة فإنه لا يخفى ما في
عبارة الخبر من القصور عن تأدية هذا المعنى الذي ذكره هنا.
الثاني - لو وقف الإمام على الموضع الأعلى بما يعتد به صحت صلاته وبطلت
صلاة المأموم لأنه منهي عن الاقتداء به في هذه الحال، وأما الإمام فلا وجه لبطلان
صلاته، والنهي عن قيامه في الموضع المذكور إنما هو لأجل صحة صلاة المأموم
لا لأجل صحة صلاته. ونقل عن بعض العامة القول ببطلان صلاة الإمام أيضا
لأنه منهي عن القيام على مكان أعلى من مكان المأمومين (1) وفيه ما عرفت.
الثالث - قال في المدارك: لو صلى الإمام على سطح والمأموم على آخر
وبينهما طريق صح مع عدم التباعد وعلو سطح الإمام. انتهى.
أقول: قد عرفت من ما قدمنا أن المستفاد من خبر زرارة وكذا من خبر
كتاب الدعائم أنه لا بد من اتصال الصفوف بالإمام والصفوف بعضها ببعض بحيث
لا يكون بينهم أزيد من مسقط جسد الانسان حال سجوده، وحينئذ فالطريق التي
بين السطحين متضمنة لزيادة المسافة على القدر المذكور، وبه يظهر الاشكال في
الحكم بالصحة في الصورة المفروضة إلا أن تعتبر مسافة التقدير بما لا يتخطى من موضع
سجود المأموم، والظاهر أنه ليس كذلك بل المسافة إنما هي من موقفه إلى موقف من
قدامه فإنه هو الذي به يحصل تواصل الصفوف المأمور به في الخبر، ورواية كتاب
الدعائم كما تقدم صريحة في ما ذكرناه.
وظاهر الأصحاب أن هذا الحكم أعني تواصل الصفوف على الوجه المذكور

(1) في المغني ج 2 ص 211 " إذا صلى الإمام في مكان أعلى من المأمومين فقال ابن
حامد بطلت صلاتهم وهو قول الأوزاعي، لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه. وقال القاضي
لا تبطل وهو قول أصحاب الرأي، لأن عمارا أتم صلاته ولو كانت فاسدة لاستأنفها. ثم
قال: ويحتمل أن يتناول النهي الإمام لكونه منهيا عن القيام في مكان أعلى من مقامهم، فعلى
هذا الاحتمال تبطل صلاة الجميع عند من أبطل الصلاة بارتكاب النهي ".
112

إنما هو على سبيل الاستحباب، قال في الذكرى: يستحب تقارب الصفوف فلا
يزيد ما بينها على مسقط الجسد إذا سجد، رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) وقدر
أيضا بمربض عنز (2) ذكره في المبسوط. انتهى.
أقول: لا ريب أن تصريحهم بالاستحباب هنا مبني على حملهم الخبر في ما
يدل عليه من النهي عن البعد بما لا يتخطى على الاستحباب كما تقدم ذكره واعتمادهم
في تقدير البعد على ما تقدم نقله عنهم من الأقوال، وأما من يجعل البعد الموجب
لبطلان القدوة هو ما دل عليه الخبر فلا إشكال عنده في صحة ما ذكرنا، وبه يظهر
ما في كلام صاحب المدارك حيث إنه ممن يقول بما دل عليه الخبر المذكور ظاهرا
وإن كان كلامه غير صريح في ذلك مع قوله هنا بصحة الصلاة على السطحين اللذين
بينهما طريق فاصلة، فإن القول بالصحة هنا لا يجامع ما دل عليه الخبر كما أوضحناه
وإنما يتم بناء على القول المشهور من تحديد البعد بما تقدم نقله عنهم. والله العالم.
المسألة السادسة - من الشرائط في صحة القدوة أن لا يتقدم المأموم في الموقف
على الإمام بمعنى أن يكون أقرب إلى القبلة من الإمام، قال في المدارك: هذا قول
علمائنا أجمع ووافقنا عليه أكثر العامة (3) ثم احتج عليه بأن المنقول من فعل
النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) إما تقدم الإمام أو تساوى الموقفين فيكون
الاتيان بخلافه خروجا عن المشروع، ولأن المأموم مع التقدم يحتاج إلى استعلام
حال الإمام بالالتفات إلى ما وراءه وذلك مبطل. انتهى.

(1) الوسائل الباب 62 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 62 من صلاة الجماعة
(3) في المهذب للشيرازي ج 1 ص 99 " إن تقدم المأموم على الإمام ففيه قولان: قال
في القديم لا تبطل لو وقف خلف الإمام وحده. وقال في الجديد تبطل، لأنه وقف في موضع
ليس بموقف مؤتم بحال فأشبه إذا وقف في موضع نجس " وفي المغني ج 2 ص 213
" السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام فإن وقفوا قدامه لم تصح وبهذا قال أبو حنيفة
والشافعي، وقال مالك وإسحاق تصح ".
113

والتعليل الأول جيد لأن مرجعه إلى أن العبادات توقيفية فيرجع في كيفيتها
صحة وبطلانا إلى ما ثبت من الشارع فما ثبت التعبد به حكم بصحته وإلا فلا،
إلا أنه ينقض عليهم بما قدمنا ذكره في مسألة صلاة المأموم الواحد مع الإمام حيث
جعلوا موقفه على يمينه من المستحبات وجوزوا كونه خلفه وعن يساره، والأخبار
الواردة في المسألة كلها متفقة على كون المأموم المتحد موقفه عن يمين الإمام والأكثر
خلفه، وقضية التعليل المذكور في هذه المسألة جار في تلك المسألة كما عرفت فكيف
عدلوا عنه ثمة من غير دليل؟
وكيف كان فظاهر كلامهم أنهم لم يقفوا على دليل من الأخبار زائدا على
ما ذكروه هنا من هذا الدليل المؤيد باتفاقهم.
ويمكن أن يستدل على ذلك بصحيحة محمد بن عبد الله الحميري المروية في
التهذيب (1) قال: " كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم
السلام) هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم
وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر
ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: أما السجود
على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة بل يضع خده الأيمن على القبر،
وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الإمام ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم
ويصلي عن يمينه وشماله ".
والتقريب فيها أنه عليه السلام جعل القبر الشريف بمنزلة إمام الجماعة في الأحكام
المذكورة فكما لا يجوز التقدم على الإمام في الجماعة لا يجوز التقدم في الصلاة على القبر
الشريف، وكما يجوز التأخر والمساواة هناك فإنهما يجوزان هنا.
وقد سبقنا إلى فهم هذا المعنى من الخبر شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في
كتاب الحبل المتين حيث قال ما صورته: هذا الخبر يدل على عدم جواز وضع

(1) الوسائل الباب 26 من مكان المصلي
114

الجبهة على قبر الإمام عليه السلام.. إلى أن قال: وعلى عدم جواز التقدم على الضريح المقدس
حال الصلاة، لأن قوله عليه السلام " يجعله الإمام " صريح في جعل القبر بمنزلة الإمام في
الصلاة، فكما أنه لا يجوز للمأموم أن يتقدم على الإمام بأن يكون موقفه أقرب
إلى القبلة من موقف الإمام بل يجب أن يتأخر عنه أو يساويه في الموقف يمينا أو
شمالا فكذا هنا، وهذا هو المراد هنا بقوله عليه السلام " لا يجوز أن يصلي بين يديه لأن
الإمام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله " والحاصل أن المستفاد من الحديث أن
كل ما ثبت للمأموم من وجوب التأخر عن الإمام أو المساواة أو تحريم التقدم عليه
فهو ثابت للمصلي بالنسبة إلى الضريح المقدس من غير فرق فينبغي لمن صلى عند رأس
الإمام أو عند رجليه أن يلاحظ ذلك. انتهى المقصود نقله من كلامه (أفاض
الله تعالى عليه رواشح اكرامه) وهو جيد رشيق كما لا يخفى على ذوي التحقيق، ومنه
يظهر الدليل على الحكم المذكور وإن غفل عنه الجمهور.
بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) - أن ظاهر كلام أكثر الأصحاب
(رضوان الله عليهم) أنه يجوز المساواة مع تعدد المأمومين، بل نقل عن العلامة
في التذكرة دعوى الاجماع على ذلك وأن الممنوع منه إنما هو التقدم على
الإمام، ونقل عن ابن إدريس هنا أنه اعتبر تأخر المأموم ولم يكتف بالتساوي،
قال في المدارك: وهو مدفوع بالأصل السالم من المعارض وصحيحة محمد بن مسلم
عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن
يمينه فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه " ونحوه روى زرارة (2) قال: دلت
الروايتان على استحباب وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام أو وجوبه ولو
وجب التأخر لذكره إذ المقام مقام البيان. انتهى.
أقول: قد تقدم في المسألة الثانية النقل عن ابن إدريس في صورة اتحاد

(1) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 4 من صلاة الجماعة
115

المأموم أنه أوجب أيضا تقدم الإمام بقليل، وظاهر النقل عنه في هذه المسألة أنه
مع التعدد أيضا أوجب تقدم الإمام.
والتحقيق في المقام بالنظر إلى ما يفهم من أخبارهم (عليهم السلام) التي
عليها المدار في النقض والابرام أن ما ذكره ابن إدريس في هذه المسألة جيد دون
ما ذكره في المسألة المتقدمة، لما عرفت في المسألة المتقدمة من تكاثر الأخبار
واستفاضتها بأنه متى كان المأموم متحدا فموقفه عن يمين الإمام والمتبادر منه المحاذاة
وإن كانوا أكثر فموقفهم خلفه، وقد عرفت من ما قدمنا في المسألة المذكورة تطابق
الأخبار على ذلك، وحينئذ فحكمهم بالاستحباب في كل من الموقفين - مع دلالة
ظواهر الأخبار على الوجوب من غير معارض سوى مجرد الشهرة بينهم - تحكم
محض، وبه يظهر قوة ما ذكره ابن إدريس هنا. وما استدل به عليه في المدارك
من الأخبار الدالة على صورة وحدة المأموم ليس في محله إذ هو أخص من المدعى،
فإن المدعى أنه هل تجوز المساواة تعدد المأموم أو اتحد أم لا؟ والبحث هنا إنما هو
في هذه المسألة والروايات إنما دلت على جواز المساواة مع الاتحاد كما قدمناه في تلك
المسألة. وأما ما يدل على الجواز مع التعدد فلم يرد في شئ من الأخبار بل الوارد
فيها إنما هو وجوب التأخر خلف الإمام كما تقدم، فكلام ابن إدريس في صورة تعدد
المأموم حق لا ريب فيه.
وبالجملة فالمستفاد من الأخبار كما عرفت هو كون المأموم متى كان رجلا واحدا
فموقفه على يمين الإمام ومتعددا خلفه، وما ذكروه من جواز خلاف ذلك فلم نقف
فيه على دليل، ومقتضى دليلهم الذي قدمنا ذكره في صدر هذه المسألة كما أشرنا إليه
هو عدم الجواز كما لا يخفى.
الثاني - قال في المدارك: وقد نص الأصحاب على أن المعتبر التساوي
بالأعقاب فلو تساوى العقبان لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه، ولو
تقدم بعقبه على الإمام لم ينفعه تأخره عنه بأصابعه أو رأسه، واستقرب العلامة في
116

النهاية اعتبار التقدم بالعقب والأصابع معا، وصرح بأنه لا يقدح في التساوي تقدم
رأس المأموم في حالتي الركوع والسجود ومقاديم الركبتين أو الاعجاز في حال التشهد.
والنص خال من ذلك كله. ولو قيل إن المرجع في التقدم المبطل إلى العرف كان
وجيها قويا. انتهى.
أقول: روى في كتاب دعائم الاسلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله (1) قال: " سووا
صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولا تخالفوا بينها فتختلفوا ويتخللكم الشيطان.. الحديث "
وهو ظاهر في أن التساوي في الموقف يحصل بتحاذي المناكب فإذا وقع المنكب بحذاء
المنكب فقد حصل التساوي في الموقف، ولهذا رتب اعتدال الصفوف واستقامتها
على ذلك، وعلى هذا فلا يحتاج إلى ما تكلفوه هنا من ما لم يقم عليه دليل في المقام.
وأما ما اختاره من الحوالة على العرف فقد عرفت في غير مقام من ما تقدم
ولا سيما ما تقدم قريبا ما في حوالة الأحكام الشرعية على العرف من المجازفة بل
الاختلال مضافا إلى عدم وجود الدليل عليه من الآل عليهم صلوات ذي الجلال.
وأما ما ذكره من عدم ورود نص في هذا المقام فهو وإن كان كذلك ألا إن
المستفاد من النصوص التي قدمناها في المقدمة السادسة في المكان في مسألة محاذاة
الرجل للمرأة جوازا ومنعا ما به يعلم التساوي والتقدم، فإن المستفاد من تلك الأخبار كما قدمنا تحقيقه في تلك المسألة المذكورة هو تحريم محاذاة المرأة للرجل حال
الصلاة وأنه لا بد من تقدم الرجل عليها، وأنه يحصل التقدم بنحو شبر كما في
صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " أنه سأله عن الرجل والمرأة
يصليان في بيت واحد فقال إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذائه وحدها وهو وحده
لا بأس " والمراد تقدم الرجل بالشبر، وفي بعض الأخبار " بقدر عظم الذراع " (3)

(1) مستدرك الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 5 من مكان المصلي
(3) وهو حديث زرارة المروي في الفقيه ج 1 ص 159 باللفظ الآتي: " إذا كان
بينها وبينه قدر ما يتخطى أو قدر عظم ذراع فصاعدا فلا بأس صلت بحذائه وحدها " وهكذا أورده في الوافي باب (صلاة كل من الرجل والمرأة بحذاء الآخر أو قريبا منه) وأورده
في الوسائل في الباب 5 من مكان المصلي هكذا: " إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى أو قدر
عظم الذراع فصاعدا فلا بأس ".
117

وفي بعض " قدر ما يتخطى " وفي موثقة عبد الله بن بكير (1) قال: " إذا كان
سجودها مع ركوعه فلا بأس " بمعنى أن موضع سجودها يحاذي ركبتيه، وفي صحيحة
لزرارة (2) " لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو بصدره " وهذه
الرواية قريبة من ما ذكره الأصحاب من بناء ذلك على التقدم بالأعقاب، فإنه متى
تقدم الرجل بعقبه لزم تقدم صدره إلى القبلة على صدر من يحاذيه ممن كان متأخرا عنه
بالمقدار المذكور.
وبالجملة فالمفهوم من هذه الروايات أنه متى حصل تقدم الرجل بأحد هذه
المقادير زالت المحاذاة وهي وإن كانت متفاوتة لكن التفاوت يسير، وأقل مراتبها
التقدم بالصدر وبعده بالشبر، وفي معناه سجودها مع ركوعه ثم عظم الذراع ثم بما
يتخطى الذي قد عرفت آنفا أنه عبارة عن مسقط جسد الانسان حال السجود. والله العالم
الثالث - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز استدارة المأمومين
حول الكعبة في المسجد الحرام، فنقل عن ابن الجنيد القول بجواز ذلك بشرط
أن لا يكون المأموم أقرب إلى الكعبة من الإمام، وبه قطع الشهيد في الذكرى
محتجا بالاجماع عليه عملا في كل الأعصار السالفة، ونقل عن العلامة في جملة من كتبه منع
ذلك، وأوجب وقوف المأموم في الناحية التي فيها الإمام بحيث يكون خلفه أو إلى
جانبه كما في غير المسجد، واحتج عليه في المنتهى بأن موقف المأموم خلف الإمام
أو إلى جانبه وهو إنما يحصل في جهة واحدة فصلاة من غايرها باطلة، وبأن المأموم
مع الاستدارة إذا لم يكن واقفا في جهة الإمام يكون واقفا بين يديه فتبطل صلاته.

(1) الوسائل الباب 6 من مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 6 من مكان المصلي
118

أقول: لم أقف في هذا المقام على نص عنهم (عليهم السلام) وطريق
الاحتياط في ما ذهب إليه العلامة (أجزل الله تعالى اكرامه) والله العالم.
المسألة السابعة - من الشرائط في صحة القدوة نية الائتمام بإمام معين، فلو
نوى كل منهما الإمامة صحت صلاتهما معا، بخلاف ما لو نوى كل منهما الائتمام
بالآخر فإنه يجب الحكم ببطلان صلاتهما معا، وكذا في ما لو شكا في ما أضمراه
من الإمامة والائتمام.
وتفصيل هذا الاجمال يحتاج إلى بسطه في مقامات ثلاثة: (الأول) في وجوب
نية الائتمام بإمام معين، أما وجوب نية الائتمام فلأنه بدون ذلك يكون منفردا
يجب عليه ما يجب على المنفرد، وهو من ما لا خلاف فيه حتى قال في المنتهى إنه قول كل
من يحفظ عنه العلم. وأما قصد تعيين الإمام فالظاهر أيضا أنه من ما لا خلاف فيه.
واستدلوا على ذلك بعدم الدليل على سقوط القراءة بدون ذلك فتكون
العمومات الدالة على وجوب القراءة باقية على عمومها بالنسبة إليه. ولا يخفى ما فيه
إلا أن الحكم لما كان من ما ظاهرهم الاتفاق عليه مع معلومية ذلك من حال السلف من
أصحابنا (رضوان الله عليهم) مضافا إلى توقف يقين البراءة عليه ورجوع الاحتياط
إليه فيجب العمل به.
وتعيين الإمام كما يكون باسمه وصفته يكون أيضا بالإشارة إليه بهذا الحاضر
إذا علم استجماعه لشرائط الإمامة.
ولو اقتدى بالحاضر على أنه زيد فبان أنه عمرو مثلا ففي ترجيح الإشارة على
الاسم فيصح الاقتداء أو العكس فيبطل نظر، بمعنى أنه لاحظ في حال النية هذا الحاضر
مع كونه زيدا فبالنظر إلى قيد الحضور وظهور كونه عمرا يصح من حيث أنه هو
الحاضر وبالنظر إلى نية كونه زيدا مع ظهور أنه ليس هو يبطل، والحق أن منشأ
النظر والتوقف إنما هو من حيث عدم النص والدليل في المسألة، قال في الذكرى:
ونظيره أن يقول المطلق لزوجة اسمها عمرة " هذه زينب طالق " أو يشير البائع إلى
119

حمار فيقول " بعتك هذا الفرس ".
وهل يشترط في الإمام نية الإمامة؟ ظاهر الأصحاب العدم، بل قال العلامة
لو صلى بنية الانفراد مع علمه بأن من خلفه يأتم به صح عند علمائنا، لأن أفعال
الإمام مساوية لأفعال المنفرد في الكيفية والأحكام فلا وجه لاعتبار تمييز أحدهما
عن الآخر. وهو جيد.
وظاهرهم - بل صرح به جملة منهم - أن الثواب لا يترتب على صلاة الإمام إلا
مع النية، ولو تحققت القدوة به وهو لا يعلم حتى فرغ من الصلاة فهل يكون
الحكم فيه كالحكم في من نوى الانفراد فلا يترتب عليه الثواب أو حكم من نوى
الجماعة فيترتب؟ اشكال إلا أنه لا يبعد من سعة كرمه سبحانه وفضله واحسانه
جل شأنه امداده بالثواب وادخاله في سعة تلك الأبواب.
وفي وجوب نية الإمامة في الجماعة احتمالات، استظهر جملة من
أصحابنا العدم، إذ المعتبر فيها تحقق القدوة في نفس الأمر وهي حاصلة، وجزم
الشهيدان بالوجوب لوجوب نية الواجب. وفيه بحث تقدم في باب الوضوء من
كتاب الطهارة في بحث النية.
المقام الثاني - في ما لو صلى اثنان فقال كل منهما كنت الإمام فإنه يحكم بصحة
صلاتهما، ولو قال كل منهما كنت مأموما بطلت صلاة كل منهما.
والوجه في الأول أن كلا منهما أتى بجميع الأفعال الواجبة من قراءة وغيرها
ولم يخل بشئ من الواجبات فلا وجه لبطلان صلاته. ونية الإمامة لا منافاة فيها
لصحة صلاة المنفرد فلا تؤثر بطلانا. وفي الثاني أنه أخل كل منهما بالقراءة
الواجبة فتبطل صلاته.
والأصل في ذلك مضافا إلى ما ذكرناه من ما هو واضح الدلالة على الحكم المذكور
ما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن
120

على (صلوات الله عليه) (1) " أنه قال في رجلين اختلفا فقال أحدهما كنت إمامك وقال
الآخر أنا كنت إمامك إن صلاتهما تامة. قال قلت: فإن قال كل واحد منهما كنت
أئتم بك؟ فقال صلاتهما فاسدة وليستأنفا " ورواه الصدوق في الفقيه عن علي عليه السلام مرسلا (2).
ونقل عن المحقق الشيخ على (قدس سره) أنه استشكل في البطلان في الصورة
الثانية، قال لأن أخبار كل منهما بالائتمام بالآخر يتضمن الاقرار على الغير فلا
يقبل كما لو أخبر الإمام بعد الصلاة بفسادها بغير ذلك. وأجيب عنه بأنه غير
مسموع في مقابلة النص الدال على البطلان.
قال في المدارك: وهو جيد لو كانت الرواية صالحة لاثبات هذا الحكم لكنها
ضعيفة جدا. أقول: لا ريب أنها وإن كانت ضعيفة بهذا الاصطلاح المحدث
إلا أن ضعفها مجبور بعمل الأصحاب بها، إذ لا مخالف في الحكم المذكور، وهو
(قدس سره) قد جرى على هذه القاعدة في غير موضع من كتابه وإن خالف نفسه
في مواضع أخر كما هنا. وبالجملة فإن الخبر معمول عليه بالاصطلاحين فالخروج
عن ما دل عليه بهذه التخريجات اجتهاد محض في مقابلة النص.
وأما ما ذكره في المدارك - حيث قال: ويمكن أن يقال إن من شرائط الائتمام
أن يظن المأموم قيام الإمام بوظائف الصلاة التي من جملتها القراءة وسبقه بتكبيرة
الاحرام، فإن دخل كل منهما في الصلاة على هذا الوجه كان دخولهما مشروعا واتجه
عدم قبول أخبار كل منهما بما ينافي ذلك كما في صورة الأخبار بالحدث، وإن انتفى
ذلك تعين الحكم بالبطلان وإن لم يحصل الأخبار، وعلى هذا الوجه يمكن تنزيل

(1) الوسائل الباب 29 من صلاة الجماعة. والسند فيه وفي التهذيب ج 1 ص 261
والوافي باب (نوادر الجماعة) هكذا " عن أبي عبد الله عن أبيه قال قال أمير المؤمنين.. " والشيخ يرويه عن الكليني. نعم السند في المدارك والذخيرة كما في المتن.
(2) الوسائل الباب 19 من صلاة الجماعة
121

الرواية وكلام الأصحاب. انتهى -
ففيه أن ما ذكره الشيخ على (قدس سره) لا يخرج عن ما ذكره من الدخول
على الوجه الشرعي، إلا أن ما ذكره من اتجاه عدم قبول أخبار كل منهما بما ينافي ذلك
ممنوع بالخبر المذكور. وقياسه على صورة الأخبار بالحدث قياس مع الفارق،
إذ من الجائز خروج هذا الجزئي بهذا الخبر من تلك القاعدة، وكم وقع أمثال ذلك
في القواعد الشرعية والضوابط المرعية من أنه ترد أخبار بقاعدة كلية ويرد في بعض
الأخبار في بعض جزئياتها ما يوجب التخصيص والاستثناء مع اتفاقهم على ذلك
من غير تناكر، فما لمانع أن يكون ما نحن فيه من قبيل ذلك؟ وقد اتفقت الروايات
وكلمة الأصحاب على أن كل شئ على أصل الطهارة حتى تعلم النجاسة وعلى عدم نقض
اليقين بالشك، مع أنهم قد خرجوا عن هاتين القاعدتين في مواضع: منها البلل المشتبه
بعد البول قبل الاستبراء فقد حكموا بنجاسته ونقضه الطهارة وهو خروج عن
القاعدتين المذكورتين، ونحوه البلل المشتبه بعد الجنابة وقبل البول من الحكم بنجاسته
ونقضه للطهارة، وأمثال ذلك مما يقف عليه المتتبع. وبالجملة فالعمل على القول المشهور
وعدم الالتفات إلى هذه التخريجات والاستبعادات في مقابلة النصوص.
قال في المدارك: ولا يخفى أن وقوع الاختلاف على هذا الوجه نادر جدا
فإنه لا يكاد يتحقق إلا في حال التقية والائتمام بثالث ظاهرا.
المقام الثالث - في ما لو شكا في ما أضمراه من الإمامة أو الائتمام، وقد صرح
جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا تصح صلاتهما في هذه الحال،
قالوا: لأن الشك إن كان في أثناء الصلاة لم يمكنهما المضي على الائتمام وهو ظاهر،
ولا على الانفراد أو الإمامة لجواز أن يكون كل واحد منهما قد نوى الائتمام
بصاحبه فتبطل النية من رأسها ويمتنع العدول لبطلان النية، وإن كان بعد الفراغ
لم يحصل منهما اليقين بالاتيان بأفعال الصلاة.
وفصل العلامة في التذكرة فقطع بالبطلان إن عرض الشك في أثناء الصلاة
122

لأنه لا يمكنهما المضي في الصلاة على الانفراد ولا على الاجتماع، وتردد في ما إذا
شكا بعد الفراغ من أنه شك بعد الانتقال، ومن عدم اليقين بالاتيان بأفعال الصلاة.
وفصل الشهيد في الذكرى تفصيلا آخر فقال: يمكن أن يقال إن كان الشك في
الأثناء وهو في محل القراءة لم يمض ما فيه اخلال بالصحة نوى الانفراد وصحت
الصلاة، لأنه إن كان نوى الإمامة فهي نية الانفراد وإن كان نوى الائتمام فالعدول
عنه جائز، وإن كان بعد مضي محل القراءة فإن علم أنه قرأ بنية الوجوب أو علم
القراءة ولم يعلم بنية الندب إنفرد أيضا لحصول الواجب عليه، وإن علم ترك
القراءة أو القراءة بنية الندب أمكن البطلان للاخلال بالواجب.
واعترضه في المدارك بأنه يشكل بما ذكرناه من جواز أن يكون كل منهما قد
نوى الائتمام بصاحبه فتبطل الصلاة ويمتنع العدول. انتهى.
أقول: والحق في المقام أن المسألة المذكورة لما كانت عارية عن النصوص
عنهم (عليهم السلام) فالواجب الوقوف فيها على ساحل الاحتياط كما أشرنا إليه
في جملة من المواضع وعدم الالتفات إلى هذه التخريجات والاحتمالات سيما مع
ما هي عليه من التدافع. والله العالم.
المسألة الثامنة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في القراءة خلف
الإمام على أقوال منتشرة وآراء متعددة حتى قال شيخنا الشهيد الثاني (قرس سره)
في الروض أنه لم يقف في الفقه على خلاف في مسألة يبلغ ما وقع في هذه المسألة،
وها نحن ننقل أولا ما وصل إلينا من أقوالهم (رضوان الله عليهم) ثم نردفها بما
وصل إلينا من الأخبار في المقام مذيلين لها بما يرتفع به إن شاء الله تعالى عنها غشاوة
الابهام من التحقيق الذي لا يخفى على ذوي الأفهام، فنقول مستمدين منه عز وجل
التوفيق لإصابة الصواب والعصمة من زلل أقدام الأقلام في هذا الباب وفي كل باب:
قال الصدوق (قدس سره) في المقنع: واعلم أن على القوم في الركعتين
الأولتين أن يستمعوا إلى قراءة الإمام، وإذا كان في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة
123

سبحوا، وعليهم في الركعتين الأخراوين أن يسبحوا.
وقال المرتضى (رضي الله عنه) لا يقرأ المأموم خلف الموثوق به في الأولتين
في جميع الصلوات من ذوات الجهر والاخفات إلا أن تكون صلاة جهر لم يسمع
فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ كل واحد لنفسه، وهذا أشهر الروايات، وروي
أنه لا يقرأ في ما جهر فيه الإمام وتلزمه القراءة في ما يخافت فيه الإمام، وروي
أنه بالخيار في ما يخافت فيه. وأما الأخيرتان فالأولى أن يقرأ المأموم أو يسبح
فيهما، وروي أنه ليس عليه ذلك.
وقال الشيخ في النهاية: إذا تقدم من هو بشرائط الإمامة فلا تقرأن خلفه
جهرية أو إخفاتية بل تسبح مع نفسك وتحمد الله، وإن كانت جهرية فانصت
للقراءة، فإن خفي عليك قراءة الإمام قرأت لنفسك، وإن سمعت مثل الهمهمة من
قراءة الإمام جاز لك أن لا تقرأ وأنت مخير في القراءة، ويستحب أن تقرأ الحمد
وحدها في ما لا يجهر الإمام بالقراءة فيها وإن لم تقرأها فليس عليك شئ.
وقال ابن البراج: ومتى أم من يصح تقدمه بغيره في صلاة جهر وقرأ فلا يقرأ
المأموم بل يسمع قراءته، وإن كان لا يسمع قراءته كان مخيرا بين القراءة وتركها،
وإن كانت صلاة إخفات استحب للمأموم أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها ويجوز
أن يسبح الله ويحمده.
وقال أبو الصلاح: ولا يقرأ خلفه في الأولتين من كل صلاة ولا في الغداة إلا
أن يكون بحيث لا يسمع قراءته ولا صوته في ما يجهر فيه فيقرأ، وهو في الأخيرتين
من الرباعيات وثالثة المغرب بالخيار بين قراءة الحمد والتسبيح، والقراءة أفضل.
وقال ابن حمزة: فالواجب أربعة أشياء.. وعد منها الانصات لقراءته، ثم
قال: وإذا اقتدى بالإمام لم يقرأ في الأولتين، فإن جهر الإمام وسمع أنصت وإن
خفي عليه قرأ وإن سمع مثل الهمهمة فهو مخير، وإن خافت الإمام سبح في نفسه،
وفي الأخيرتين إن قرأ كان أفضل وإن لم يقرأ جاز وإن سبح كان أفضل من السكوت
124

وقال سلار في قسم المندوب: ولا يقرأ المأموم خلف الإمام، وروي أن
ترك القراءة في صلاة الجهر خلف الإمام واجب فإن ثبت وإلا ثبت الأول.
وقال ابن زهرة: ويلزم المؤتم أن يقتدي بالإمام عزما وفعلا فلا يقرأ في
الأولتين من كل صلاة ولا في الغداة إلا أن تكون صلاة جهر وهو لا يسمع قراءة
الإمام، وأما الآخرتان وثالثة المغرب فحكمه فيها حكم المنفرد.
قال في الذكرى: وهذه العبارة وعبارة أبي الصلاح تعطي وجوب القراءة أو
التسبيح على المؤتم في الأخيرتين وكأنهما أخذاه من كلام المرتضى.
وقال ابن إدريس: اختلفت الرواية في القراءة خلف الإمام الموثوق به،
فروي أنه لا قراءة على المأموم في الأولتين في جميع الركعات والصلوات سواء كانت
جهرية أو إخفاتية في أظهر الروايات، والذي تقتضيه أصول المذهب أن الإمام
ضامن للقراءة بلا خلاف، وروي أنه لا قراءة على المأموم في الأولتين في جميع
الصلوات الجهرية والاخفاتية إلا أن تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة
الإمام فيقرأ لنفسه، وروي أنه ينصت في ما جهر فيه الإمام بالقراءة ولا يقرأ
هو شيئا ويلزمه القراءة في ما خافت فيه، وروي أنه بالخيار في ما خافت فيه الإمام
فأما الركعتان الأخيرتان فقد روي أنه لا قراءة فيهما ولا تسبيح، وروي أنه يقرأ
فيها أو يسبح، والأول أظهر.
وقال المحقق: وتكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر وفي
الجهر لو سمع ولو همهمة ولو لم يسمع قرأ، وقال: تسقط القراءة عن المأموم
وعليه اتفاق العلماء. ونقل عن الشيخين أنهما قالا: لا يجوز أن يقرأ المأموم في
الجهرية إذا سمع قراءة الإمام ولو همهمة. كذا في المعتبر وقال في الشرائع نحوه.
وقال ابن عمه نجيب الدين يحيى بن سعيد: ولا يقرأ المأموم في صلاة جهر
بل يصغي لها فإن لم يسمع وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز أن يقرأ، وإن كان في صلاة
إخفات سبح مع نفسه وحمد الله. وندب إلى قراءة الحمد في ما لا يجهر فيه.
125

وقال العلامة في المختلف بعد ذكر جملة من روايات المسألة: والأقرب في
الجمع بين الأخبار استحباب القراءة في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة لا الوجوب
وتحريم القراءة فيها مع السماع لقراعة الإمام، والتخيير بين القراءة والتسبيح في
الأخيرتين من الإخفاتية.
وقال في التذكرة: لا يجب على المأموم القراءة سواء كانت الصلاة جهرية
أو إخفاتية وسواء سمع قراءة الإمام أم لا، ولا يستحب في الجهرية مع السماع
عند علمائنا أجمع. ثم نقل عن الشيخين أنه لا يجوز القراءة في الجهرية مع السماع
ولو همهمة. ثم قال ويحتمل الكراهة، قال ولو لم يسمع القراءة في الجهرية ولو
همهمة فالأفضل القراءة، ونقل عن الشيخ استحباب قراءة الحمد خاصة في صلاة السر
أقول: والذي ظهر لي من الأخبار هو تحريم القراءة خلف الإمام في
الأولتين جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية، إلا إذا كانت صلاة جهرية ولم يسمع
المأموم قراءة الإمام ولو همهمة فإنه يستحب له القراءة في هذه الحال. وأما في
الأخيرتين فقد تقدم تحقيق الكلام فيهما في الفصل الثامن من الباب الثاني في الصلوات
اليومية وما يلحق بها، وأوضحنا أن الحكم فيهما أفضلية التسبيح وأنه لا فرق بين المأموم
ولا غيره من المنفرد.
والذي وصل إلى من أخبار المسألة المذكورة هنا عدة روايات (الأولى) ما رواه
الصدوق في الصحيح عن الحلبي - ورواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن
الحلبي أيضا - عن أبي عبد الله عليه السلام (1) أنه قال: " إذا صليت خلف إمام تأتم به
فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة
ولم تسمع فاقرأ ".
وهذه الرواية كما ترى واضحة الدلالة في ما اخترناه صريحة المقالة في ما ادعيناه
فإن النهي الذي هو حقيقة في التحريم قد وقع عن القراءة خلف من يأتم به مطلقا

(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني
126

في جهرية أو إخفاتية ولم يستثن منه إلا الجهرية التي لم يسمع فيها فإنه أمره بالقراءة
والأمر هنا محمول على الاستحباب كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الثانية - ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (1)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال أما
الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، وأما الصلاة
التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه فإن سمعت فانصت وإن لم تسمع فاقرأ "
والتقريب في هذا الخبر كما في سابقه فإنه دال على تحريم القراءة خلفه في
الإخفاتية والجهرية إلا في صورة عدم سماع قراءته في الجهرية فإنه يقرأ استحبابا
كما يأتي إن شاء الله تعالى بيانه.
الثالثة - ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن زرارة ومحمد
ابن مسلم (2) قالا: " قال أبو جعفر عليه السلام كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول من قرأ
خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة " وهو صريح الدلالة على تحريم القراءة
مطلقا إلا أنه مخصوص بما عرفت من الأخبار الدالة على الاستحباب مع عدم
السماع في الجهرية.
الرابعة - ما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام (3)
أنه قال: " وإن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته،
ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين فإن الله عز وجل يقول للمؤمنين " وإذا قرئ القرآن -
يعني في الفريضة خلف الإمام - فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون " (4)
والأخيرتان تبع للأولتين ".
ومورد هذا الخبر الصلاة الجهرية لتعليل التحريم في الأولتين بوجوب

(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني
(2) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة
(4) سورة الأعراف الآية 203
127

الانصات لقراءة الإمام، وهو ظاهر في مرجوحية القراءة في الأخيرتين مطلقا
خلافا لجمهور الأصحاب كما تقدم تحقيقه.
الخامسة - ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أحدهما
(عليهما السلام) (1) قال: " إذا كنت خلف إمام تأتم به فانصت وسبح في نفسك "
أقول: دل هذا الخبر على وجوب الانصات في الصلاة الجهرية، والأمر بالتسبيح
سرا واخفاتا محمول على الاستحباب، وبذلك صرح أيضا جملة من الأصحاب.
السادسة - ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن قتيبة عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم
تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ ".
والتقريب فيه أنه دل على المنع من القراءة مع سماع الهمهمة في الجهرية،
وفيه رد على الشيخ في المبسوط حيث قال: لو سمع مثل الهمهمة جاز له أن يقرأ.
وقال في المنتهى: ولعله استند إلى ما رواه في الحسن عن الحلبي.. ثم نقل الرواية
الأولى ثم قال: وسماع الهمهمة ليس سماعا للقراءة فربما كان الوجه في ما ذكره هذا
الحديث. انتهى. ولم يتعرض للجواب عن ذلك، وقد عرفت أن الخبر المذكور صريح
في الرد لما ذكره، وقضية الجمع بينه وبين حسنة الحلبي المذكورة هو حمل قوله في
الحسنة المذكورة " ولم يسمع " على ما هو أعم من سماع القراءة نفسها أو سماع
الصوت وإن لم يسمع الحروف مفصلة. ويؤيد ذلك موثقة سماعة الآتية في المقام
إن شاء الله تعالى. ونظير صحيحة قتيبة المذكورة في ما ذكرناه في الرد على الشيخ
ما ذكره الصدوق في الفقيه (3) حيث قال: وفي رواية عبيد بن زرارة " إن
سمع الهمهمة فلا يقرأ ".
السابعة - ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (4) قال: " سألت
أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدي به في صلاة يجهر فيها

(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة
128

بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ قال لا بأس إن صمت وإن قرأ ".
أقول: ومن هذا الخبر يعلم ما قدمنا ذكره من حمل الأمر بالقراءة في صورة
عدم السماع في الجهرية ولو همهمة على الاستحباب لتخييره هنا بين الصمت والقراءة
الثامنة - ما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (1) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة خلف من ارتضى به أقرأ خلفه؟ قال من رضيت به فلا
تقرأ خلفه ".
والتقريب فيه ظاهر للنهي الدال على التحريم الشامل للجهرية والاخفاتية.
نعم يجب أن يستثني منه صورة عدم السماع في الجهرية بالنصوص المتقدمة.
التاسعة - ما رواه عن سليمان بن خالد (2) قال " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
أيقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال لا ينبغي
له أن يقرأ يكله إلى الإمام ".
أقول: قوله " وهو لا يعلم أنه يقرأ " ليس المراد به الشك في قراءة الإمام
وعدمها لأن فيه طعنا على الإمام بالاخلال بالواجب فلا يجوز الاقتداء به حينئذ،
وإنما المراد بهذا الكلام الكناية عن عدم سماع قراءته، فكأنه قال وهو لا يسمع أنه يقرأ. وكأنه ظن أنه إنما يترك القراءة في ما إذا جهر الإمام لوجوب الانصات
وأما مع الاخفات وعدم السماع فإنه يجوز القراءة. وقوله عليه السلام " لا ينبغي " المراد
به التحريم كما استفاض مثله في الأخبار بقرينة باقي أخبار المسألة الصريحة في النهي
عن القراءة الذي مفاده التحريم. والمراد من ايكال ذلك إلى الإمام هو الإشارة
إلى ما ورد في بعض الأخبار من أن الإمام ضامن للقراءة (3).
العاشرة - ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) قال: " إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ

(1) الوسائل الباب 31 من الجماعة
(2) الوسائل الباب 31 من الجماعة
(3) الوسائل الباب 30 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 31 من الجماعة
129

وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين. وقال يجزئك التسبيح
في الأخيرتين. فقلت أي شئ تقول أنت؟ قال اقرأ فاتحة الكتاب ".
أقول: دل الخبر المذكور على النهي عن القراءة خلف الإمام في الأولتين
من الإخفاتية وهو بعض المدعى. وأما معنى باقي الخبر فقد تقدم القول فيه في
الفصل الثامن في ما يعمل في الأخيرتين من الباب الثاني.
الحادية عشرة - ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد (1) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن إمام لا بأس به في جميع أموره عارف غير أنه يسمع أبويه
الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا ".
والتقريب فيه النهي عن القراءة خلف الإمام المرضي مطلقا في جهرية أو
إخفاتية. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في ما دل عليه من جواز إمامة من
يسمع أبويه الكلام الغليظ في بحث العدالة من الفصل الأول في صلاة الجمعة
من هذا الباب.
الثانية عشرة - ما رواه أيضا في الموثق عن سماعة (2) قال: " سألته عن الرجل
يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول؟ فقال إذا سمع صوته فهو يجزئه
وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه ".
دل الخبر المذكور على أنه يكتفي في تحريم القراءة بمجرد سماع صوت الإمام
وهو المشار إليه بالهمهمة في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وأما قراءته مع
عدم السماع فقد تقدم الكلام فيه.
الثالثة عشرة - ما رواه الصدوق والشيخ عن بكر بن محمد الأزدي في الصحيح
عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " إني أكره للمؤمن أن يصلي خلف الإمام في صلاة

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 32 من صلاة الجماعة
130

لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار. قال قلت جعلت فداك فيصنع ماذا؟ قال
يسبح " واستحباب التسبيح في هذا المقام قد صرح به الأصحاب أيضا استنادا إلى
الخبر المذكور.
ويدل عليه أيضا وإن لم يذكره أحد منهم ما رواه علي بن جعفر (رضي الله عنه) في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (1) قال: " سألته عن الرجل
يكون خلف الإمام يقتدى به في الظهر والعصر يقرأ خلفه؟ قال لا ولكن
يسبح ويحمد ربه ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته ".
الرابعة عشرة - ما رواه الشيخ عن إبراهيم المرافقي وأبي أحمد عمرو بن الربيع
البصري عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (2) " أنه سئل عن القراءة خلف الإمام
فقال إذا كنت خلف إمام تتولاه وتثق به فإنه يجزئك قراءته وإن أحببت أن
تقرأ فاقرأ في ما يخافت فيه فإذا جهر فانصت قال الله تعالى وانصتوا لعلكم ترحمون " (3)
أقول: الظاهر أن هذا الخبر هو مستند الشيخ في ما تقدم نقله عنه من كتاب
النهاية من قوله: ويستحب أن يقرأ الحمد وحدها في ما لا يجهر الإمام بالقراءة
فيها. إلا أنه معارض بما هو أصح منه سندا وأكثر عددا ومنها الأخبار العامة كالخبر
الثالث والثامن والحادي عشر وخصوص الخبر الثاني وقد تضمن النهي الذي
هو حقيقة في التحريم، والخبر التاسع وقد عرفت أن " لا ينبغي " محمولة على
التحريم بقرينة الأخبار الباقية، والخبر العاشر وقد تضمن النهي أيضا، والخبر
الثالث عشر وقد تضمن أن المستحب في هذه الصورة إنما هو التسبيح دون القراءة
وعاضدها في ذلك على وجه أبلغ خبر علي بن جعفر حيث نهى عن القراءة وأمر
بالتسبيح والتحميد والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وبالجملة فإن الخبر المذكور لما عرفت غير

(1) البحار ج 4 ص الصلاة 151 وفي الوسائل الباب 32 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة. وفي التهذيب ج 1 ص 255 النصري بالنون
(3) سورة الأعراف الآية 203
131

معمول عليه عند النظر في الأخبار بعين التحقيق فهو مردود إلى قائله عليه السلام إذ
لا يحضرني الآن وجه يمكن حمله عليه.
الخامسة عشرة - ما رواه الشيخ أيضا عن سالم أبي خديجة عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين وعلى الذين
خلفك أن يقولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهم قيام، فإذا كان في
الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرأوا فاتحة الكتاب وعلى الإمام التسبيح
مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين ".
أقول: يمكن حمل الخبر المذكور على ما هو أعم من الجهرية والاخفاتية،
فإن استحباب التسبيح للمأموم في حال قراءة الإمام وإن كان أكثر الأخبار على كونه
في الصلاة الإخفاتية وكذا كلام الأصحاب إلا أنه قد تقدم في الخبر الرابع ما يؤذن
بذلك في الجهرية أيضا وبه صرح جملة من الأصحاب، ويمكن تخصيصه بالاخفاتية
لا ظهرية الحكم المذكور فيها.
وكيف كان فالمراد بقوله " فإذا كان في الركعتين الأخيرتين.. الخ " أنه إذا
كان الائتمام وقع في الركعتين الأخيرتين بمعنى أن المأموم لم يدخل مع الإمام إلا في
الركعتين الأخيرتين فعلى من خلفه من المأمومين أن يقرأوا، لما سيأتي إن شاء الله تعالى
في المسألة المذكورة من أن حكم المسبوق بالركعتين الأولتين هو وجوب القراءة عليه في
أولتيه اللتين هما أخيرتا الإمام وعلى الإمام التسبيح فيهما من حيث إنهما أخيرتاه وحكم
الأخيرتين التسبيح كما يسبح الناس في الركعتين الأخيرتين، لأن التسبيح وظيفتهما
مطلقا إماما أو مأموما أو منفردا على جهة الأفضلية كما هو أحد الأقوال في المسألة
أو التعيين كما صار إليه بعض أفاضل المتأخرين، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك
في الفصل الثامن في ما يعمل في الأخيرتين من الباب الثاني في الصلوات اليومية (2).

(1) الوسائل الباب 32 من صلاة الجماعة
(2) ج 8 ص 388
132

السادسة عشرة - ما رواه الشيخ عن الحسين بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
" أنه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام فقال لا إن الإمام ضامن للقراءة وليس
يضمن الإمام صلاة الذين خلفه وإنما يضمن القراءة ".
أقول: قد دل الخبر المذكور على النهي عن القراءة خلف الإمام مطلقا في
جهرية أو إخفاتية معللا ذلك بأن الإمام ضامن للقراءة، وفيه رد أيضا لما دل
عليه خبر المرافقي والبصري من استحباب القراءة خلف الإمام في الإخفاتية حسبما
دلت عليه الأخبار المتقدمة عموما وخصوصا.
السابعة عشرة - ما رواه الشيخ عن عبد الرحيم القصير (2) قال: " سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول إذا كان الرجل تعرفه يؤم الناس فقرأ القرآن فلا تقرأ
واعتد بقراءته ".
والتقريب فيه ما تقدم، ويجب تقييد اطلاقه بما إذا لم يسمع المأموم في
الصلاة الجهرية القراءة ولو همهمة فإنه لو قرأ لا بأس للأخبار المتقدمة.
الثامنة عشرة - ما ذكره الرضا عليه السلام في كتاب الفقه (3) حيث قال: نقلا
عن العالم عليه السلام وقال: " إذا صليت خلف إمام تقتدي به فلا تقرأ خلفه سمعت
قراءته أم لم تسمع إلا أن تكون صلاة يجهر فيها فلم تسمع فاقرأ " أقول: وهذا
الخبر طبق ما ادعيناه ووفق ما اخترناه. هذا ما حضرني من أخبار المسألة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أني لا أعرف لما ذهب إليه المحقق وغيره من القول
بكراهة القراءة مطلقا وجها يعتمد عليه ولا دليلا يرجع إليه، وغاية ما استدل به
في المعتبر على ذلك هو تعليل الجهر بالانصات في الرواية الثانية حيث إنه بعد أن

(1) الوسائل الباب 30 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 12 من صلاة الجماعة. واللفظ الوارد فيه " لا تعرفه " كما في
التهذيب ج 1 ص 331 والوافي باب صفة إمام الجماعة وفيه " بصلاته " بدل " بقراءته "
(3) ص 11
133

نقل عن الشيخ تحريم القراءة في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام ولو همهمة قال:
ولعله استند إلى رواية يونس بن يعقوب ثم أورد بعده الخبر الأول ثم قال:
والأولى أن يكون النهي على الكراهة لرواية عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله
عليه السلام (1): إنما أمر بالجهر لينصت من خلفه.. إلى آخر ما في الرواية الثانية، فانظر
إلى هذا الدليل العليل إذ لا ريب في أن ظاهر النهي في الخبرين اللذين نقلهما أولا
هو التحريم لأنه المعنى الحقيقي للنهي كما هو الأشهر الأظهر، والخروج عنه إلى
الحمل على الكراهة مجاز يحتاج إلى قرينة ظاهرة، ودعوى ايذان التعليل بالانصات
بالاستحباب ممنوعة، فإن علل الشرع ليست من قبيل العلل الحقيقية وإنما هي معرفات
والتعليل هنا إنما وقع بيانا للحكمة وإلا فالعلة الحقيقية إنما هي أمر الشارع فيتحقق
الوجوب ونهيه فيتحقق التحريم. هذا مع قطع النظر عن ملاحظة ما ذكرنا من
الأخبار الظاهرة العلية المنار الساطعة الأنوار في الدلالة على ما هو المختار.
وقال في الروض - بعد أن نقل عن المصنف كراهة القراءة خلف الإمام المرضي
إلا إذا لم يسمع ولو همهمة - ما صورته: أما كراهة القراءة خلفه فلقوله تعالى
" وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا " (2) وقول النبي صلى الله عليه وآله (3) " إنما جعل
الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فانصتوا " وقول الصادق عليه السلام (4):
" من ارتضيت قراءته فلا تقرأ خلفه " وحمل الأمر على الندب والنهي على الكراهة

(1) ص 127
(2) سورة الأعراف الآية 203
(3) في سنن أبي داود ج 1 ص 164 باب (الإمام يصلي من قعود) عن أبي هريرة
قال: " قال رسول الله (ص) إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى
يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم
ربنا لك الحمد " ثم روى هذا الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة أيضا بزيادة قوله في
آخره " وإذا قرأ فانصتوا " ثم قال وهذه الزيادة ليست بمحفوظة والوهم إنما هو من أبي خالد
(4) لم نقف على اللفظ المذكور وإنما الموجود في الرواية الثامنة " من رضيت به
فلا تقرأ خلفه ".
134

جمعا بينهما وبين ما دل على عدم التحريم كصحيحة علي بن يقطين عن الكاظم عليه السلام (1)
" في الرجل يصلي خلف من يقتدي به ويجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ فقال
لا بأس إن صمت وإن قرأ " انتهى.
أقول: لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الاختلال الذي لا يخفى على سائر
الناظرين في هذا المقال فضلا عن ذوي الكمال، وذلك فإن الآية المذكورة والخبر
العامي الذي بعدها صريحان في وجوب الانصات في الجهرية، والخبر الذي نقله
عن الصادق عليه السلام صريح في النهي الذي مفاده التحريم عن القراءة خلف من ارتضى
قراءته جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية. وخبر علي بن يقطين إنما دل على التخيير
بين السكوت والقراءة في صورة ما لو كانت الصلاة جهرية ولم يسمع المأموم القراءة
وهو أخص من المدعى، وأنت خبير بأن محل الخلاف والاشكال إنما هو في ما
عدا هذه الصورة، وحينئذ فأين الدليل على الكراهة في صورة سماع القراءة ولو
همهمة في الجهرية وكذا في الصلاة الإخفاتية كما يدعونه؟
ثم انظر إلى اقتصاره (رضي الله عنه) على ما نقله من هذه الرواية العامية
وهذا الخبر المجمل الذي بعدها وروايات المسألة كما نقلناها مستفيضة عديدة ولم
يرجعوا إليها ولم يتأملوا فيها، ومن هنا يعلم أن منشأ هذا الاختلاف وكثرة هذا
الخلاف إنما هو من حيث عدم تتبع الأخبار والتأمل فيها بعين الفكر والاعتبار
وإلا فمن أعطى التأمل فيها حقه فإنه لا يخفى عليه صحة ما ذكرناه ووضوح ما أوضحناه
وأعجب من ذلك أنهم أدخلوا حكم الأخيرتين للمأموم في هذا الاختلاف
ونظموه في سلك هذا الخلاف، وقد أوضحنا ما فيه في الفصل الثامن (2) من فصول الباب
الثاني في الصلوات اليومية وما يلحق بها فليرجع إليه من أحب تحقيق الحال وإزاحة
الاشكال. والله العالم.

(1) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة
(2) ج 8 ص 388
135

فروع
الأول - لو كان الإمام ممن لا يقتدى به وجبت القراءة على المأموم لأنه
منفرد وحكم المنفرد ذلك، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة في التتمة
المذكورة في أول هذا المقصد.
الثاني - قد ذكر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يستحب للمأموم
التسبيح حال قراءة الإمام في الإخفاتية وهو جيد، ويدل عليه الخبر الثالث عشر
وصحيح علي بن جعفر المذكور في ذيله.
ولا يبعد القول باستحباب التسبيح أيضا ولو كانت الصلاة جهرية وأنصت
لقراءة الإمام إذا أمكن الجمع بينهما كما يشير إليه الخبر الخامس.
وربما قيل بأنه ينافي ظاهر الآية من وجوب الانصات فينبغي حمل الخبر
المذكور على التسبيح والذكر القلبي كما يشير إليه قوله " في نفسك ".
وفيه أن الظاهر أنه لا منافاة بين الانصات الذي هو عبارة عن الاستماع
وبين الذكر والتسبيح إذا كان خفيا لا يظهر ولا يسمع، إلا أن يقال إن الانصات
عبارة عن السكوت فما لم يحصل السكوت لا يتحقق الانصات، وفيه ما فيه، مع أنه
يمكن اطلاق السكوت العرفي على هذه الصورة التي يكون التسبيح فيها خفيا لا يسمع
ويؤيده أنه لم يعهد التكليف بالأذكار من التسبيح ونحوه في القلب خاصة
وإنما هذا اللفظ خرج مخرج المبالغة في الاخفات، كما عبر في بعض الأخبار عن القراءة
الإخفاتية بتحريك اللسان في لهواته (1) وعبر عنه تارة بالصمت (2) وفي مرسلة ابن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل
حديث النفس "
الثالث - متى قلنا بتحريم القراءة على المأموم فهل يستحب له الاستعاذة ودعاء
الاستفتاح أم لا؟ الظاهر بالنسبة إلى الاستعاذة العدم لأنها من مستحبات القراءة

(1) الوسائل الباب 52 من القراءة
(3) الوسائل الباب 52 من القراءة
(2) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة
136

فلا وجه لها هنا. وأما دعاء الاستفتاح وهو دعاء التوجه فالظاهر استحبابه إلا أن
يكون وقت قراءة الإمام ويشغله ذلك عن السماع.
قال في الذكرى: وهل يستحب له دعاء الاستفتاح أعني دعاء التوجه؟ الوجه
ذلك للعموم، نعم لو كان يشغله الاستفتاح عن السماع أمكن استحباب تركه، وقطع
العلامة بأنه لا يستفتح إذا اشتغل به.
الرابع - لو قرأ المأموم في الموضع الذي سوغنا له القراءة فيه وفرغ قبل
الإمام استحب له أن يبقى آية ليقرأها عند فراغ الإمام ويركع بعدها.
ويدل عليه ما رواه في الكافي عن زرارة في الموثق (1) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ؟ قال فامسك آية ومجد
الله واثن عليه فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع "
قال في الذكرى: وفيه دليل على استحباب التسبيح والتحميد في الأثناء ودليل
على جواز القراءة خلف الإمام.
أقول: قد عرفت من الأخبار المتقدمة وهي مجموع أخبار المسألة أنه لا يجوز
القراءة للمأموم إلا في صورة واحدة وهي في ما إذا كانت الصلاة جهرية ولم يسمع
المأموم ولا همهمة فإنه يستحب له القراءة، وهذا الحديث وإن كان مطلقا إلا أنه
يجب حمله على ما علم من خارج من جواز القراءة للمأموم وهو إما في الصورة المذكورة
أو في صورة الصلاة خلف المخالف، فيكون المراد بالإمام هنا وإن أطلق هو
الإمام الذي يجب القراءة خلفه، ولهذا أن المحدث الكاشاني نظم هذا الخبر في
أخبار الصلاة خلف من لا يقتدى به، كما رواه في الكافي والتهذيب عن إسحاق بن
عمار في الموثق (2) عن من سأل أبا عبد الله عليه السلام قال " أصلي خلف من لا أقتدي به

(1) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة. والفظ المذكور للشيخ في التهذيب ج 1
ص 257، وفي الكافي ج 1 ص 104 هكذا: " قلت لأبي عبد الله (ع) أكون مع الإمام
فأفرغ.. " وفيه بدل " فامسك " " ابق ".
(2) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة
عن الكافي فقط والنقل عنهما في الوافي ولم نقف عليه في التهذيب.
137

فإذا فرغت من قراءتي ولم يفرغ هو؟ قال فسبح حتى يفرغ " وما رواه الشيخ في
الموثق عن عمر بن أبي شعبة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " قلت له أكون مع
الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته؟ قال فأتم السورة ومجد الله واثن عليه حتى
يفرغ " وهذا الحديث مطلق مثل موثقة زرارة المذكورة، وبالجملة فالظاهر أن هذه الأخبار الثلاثة إنما خرجت بالنسبة إلى الصلاة خلف المخالفين لأنه هو الغالب
المتكرر يومئذ وإن دخل في اطلاق الخبرين المذكورين الصلاة خلف من يقتدى به
في الصورة المذكورة. والله العالم.
المسألة التاسعة - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في وجوب متابعة المأموم للإمام في الأفعال حتى قال في المعتبر: وعليه اتفاق
العلماء ولقوله صلى الله عليه وآله (2) " إنما جعل الإمام ليؤتم به " وقال في المنتهى: متابعة
الإمام واجبة وهو قول أهل العلم قال صلى الله عليه وآله (3) " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع
فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا " وظاهر كلامهما (طاب ثراهما) أنه لا دليل لهم على
هذا الحكم بعد دعوى الاجماع إلا هذا الخبر، والظاهر أنه عامي فإنا لم نقف عليه
بعد التتبع في أخبارنا، وإلى ذلك أيضا أشار في الذخيرة.
وفسرت المتابعة في كلامهم بأنها عبارة عن عدم تقدم المأموم على الإمام وعلى
هذا فتصدق مع المساواة، ولم نجد لهم على هذا التفسير دليلا مع أن المتبادر من
اللغة والعرف أن المتابعة إنما هي التأخر. والتمسك بأصالة عدم الوجوب
وصدق الجماعة عند المقارنة ضعيف لا يصلح لتأسيس حكم شرعي. إلا أن ظاهر
كلام الصدوق المنقول هنا يقتضي الصحة في صورة المساواة، حيث قال: إن من
المأمومين من لا صلاة له وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه، ومنهم من
له صلاة واحدة وهو المقارن له في ذلك، ومنهم من له أربع وعشرون ركعة وهو الذي

(1) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة
(2) صحيح مسلم باب ائتمام المأموم بالإمام
(3) صحيح مسلم باب ائتمام المأموم بالإمام
138

يتبع الإمام في كل شئ ويركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما بعده. وحيث كان
من أرباب النصوص فالظاهر أنه لا يقوله إلا مع وصول نص إليه بذلك.
هذا بالنسبة إلى الأفعال وأما الأقوال فأما في تكبيرة الاحرام فتجب المتابعة
فيها اجماعا فلو تقدم المأموم بها لم تنعقد صلاته، ولا ريب في الصحة مع تأخره
بها عن الإمام، وإنما الاشكال والخلاف في المقارنة فقيل بالمنع وبه صرح في
المدارك والذخيرة، وعلله في الذخيرة بالشك في تحقق الجماعة والائتمام حينئذ
فلا يحصل اليقين بالبراءة من التكليف الثابت، قال واستدل عليه أيضا بقول النبي
صلى الله عليه وآله " إذا كبر فكبروا " فإن الفاء ظاهرة في التعقيب.
وأنت خبير بما في الدليل الثاني من الوهن، وأما الأول فمرجعه إلى أن
العبادات صحة وبطلانا مبنية على التوقيف ولم يثبت من صاحب الشريعة انعقاد
الصلاة جماعة في صورة المقارنة. وهو جيد.
إلا أنه روى الحميري في كتاب قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر عن
أخيه عليه السلام (1) قال: " سألته عن الرجل يصلي أله أن يكبر قبل الإمام؟
قال لا يكبر إلا مع الإمام فإن كبر قبله أعاد التكبير " فإن ظاهرهما جواز المقارنة،
وقواه شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار للخبر المذكور.
ويخطر بالبال العليل أن الظاهر أن معنى الخبر ليس على ما فهمه شيخنا المشار
إليه، والذي يظهر من قوله " لا يكبر إلا مع الإمام " إن المراد به إنما هو أنه لا يدخل
في الصلاة إلا حين يدخل الإمام في الصلاة أولا، فالمعية ليس المراد بها المعية مع
تكبير الإمام كما ربما يتوهم بل المعية مع الإمام وحصول الإمامة لأنه لو سبق الإمام
بالتكبير لم تكن هناك إمامة، وقوله عليه السلام " فإن كبر قبله أعاد " لا يدل على أنه لو
كبر مقارنا له صح، فإن تخصيص هذين الفرديين بالذكر إنما هو من حيث كونهما الشائع

(1) البحار ج 18 الصلاة ص 627. ولم نجده في قرب الإسناد ولا في الوسائل ولا في المستدرك
139

المتكرر، فإن المقارنة أمر نادر والمتكرر إما التقدم أو التأخر فلأجل ذلك بين الكلام
فيهما في الخبر.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من اشتباه واشكال والاحتياط عندنا في أمثال ذلك
واجب على كل حال.
وأما في غير تكبيرة الاحرام من الأقوال فقولان: الوجوب واختاره
الشهيد في جملة من كتبه، والعدم واختاره العلامة وجملة ممن تأخر عنه والظاهر أنه المشهور، واختاره صاحب المدارك واحتج على ذلك بأصالة البراءة من هذا
التكليف، ولأنه لو وجبت المتابعة فيها لوجب على الإمام أن يجهر بها ليتمكن
المأموم من متابعته، قال والثاني منفي بالاجماع فالمقدم مثله. وتكليف المأموم
بتأخير الذكر إلى أن يعلم وقوعه من الإمام بعيد جدا بل ربما كان مفوتا
للقدوة. انتهى. وهو جيد.
وكيف كان فينبغي أن يعلم أن وجوب اشتراط المتابعة في الأفعال لا بمعنى أنه
تبطل القدوة مع التقدم مطلقا بل الظاهر اختصاص البطلان بما إذا مضى في صلاته
كذلك، فلو تقدم ركوعا أو سجودا أو رفعا منهما فالمشهور استمراره أي بقاؤه على
حاله حتى يلحقه الإمام، وعن الشيخ في المبسوط القول بالبطلان حيث قال: من فارق
الإمام لغير عذر بطلت صلاته.
وتفصيل الكلام في المقام على ما يستفاد من أخبارهم (عليهم السلام) هو
أن يقال: لا ريب أن المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو أنه لو تقدم
المأموم في الركوع أو السجود أو الرفع منهما، فإن كان عامدا استمر بمعنى أنه لا يرجع
وإن كان ساهيا يرجع.
ومستندهم في ذلك الجمع بين رواية غياث الآتية الدالة على عدم الرجوع
بحملها على العامد وبين الروايات الكثيرة الدالة على الرجوع بحملها على الساهي تبعا
للشيخ (قدس سره) في ما ذكره من ذلك. ورد بعدم اشعار شئ من روايات
140

المسألة بهذا التفصيل وامكان حمل ما دل على الرجوع على الاستحباب.
وظاهر كلام الأصحاب في وجه هذا الحمل هو أنه مع الرجوع حال رفع رأسه
عامدا يلزم زيادة الركن عمدا وأما مع السهو فاللازم زيادته سهوا وهو مغتفر.
وفيه أنهم قد صرحوا بأن زيادة الركن مبطلة عمدا وسهوا فلا وجه لهذا التفصيل حينئذ
والواجب أولا نقل ما وقفنا عليه من أخبار المسألة ثم الكلام فيها بما وفق
الله سبحانه لفهمه منها مستمدين منه تعالى الهداية إلى الصواب في هذا الباب وفي
جميع الأبواب فنقول:
من الأخبار المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة - وهو
ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه - عن غياث بن إبراهيم الثقة البتري (1)
قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيعود
فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه؟ قال لا ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن الحسن بن علي بن فضال (2) قال: " كتبت
إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام في الرجل كان خلف إمام يأتم به فركع قبل أن يركع
الإمام وهو يظن أن الإمام قد ركع فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع
الإمام أيفسد ذلك صلاته أم تجوز له الركعة؟ فكتب يتم صلاته ولا يفسد
ما صنع صلاته ".
وعن محمد بن علي بن فضال عن أبي الحسن عليه السلام (3) قال: " قلت له أسجد مع
الإمام وأرفع رأسي قبله أعيد؟ قال أعد واسجد ".
وعن علي بن يقطين (4) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يركع مع الإمام
يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الإمام؟ قال يعيد ركوعه معه " ورواه في الفقيه عن
محمد بن سهل الأشعري عن أبيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام مثله (5).

(1) الوسائل الباب 48 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 48 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 48 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 48 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 48 من صلاة الجماعة ورواه الشيخ أيضا في التهذيب ج 1
ص 259 عن محمد بن سهل عن أبيه عن الرضا (ع) ونقله عنه في الوسائل في نفس الباب.
141

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ربعي والفضيل - ورواه في الفقيه
عن الفضيل بن يسار - عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قالا: " سألناه عن رجل صلى مع
إمام يأتم به فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود؟
قال فليسجد ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام (2)
قال: " سألته عن الرجل يصلي مع إمام يقتدي به فركع الإمام وسها الرجل وهو
خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه وانحط للسجود أيركع ثم يلحق بالإمام والقوم
في سجودهم أو كيف يصنع؟ قال يركع ثم ينحط ويتم صلاته معهم ولا شئ عليه،
إذا عرفت ذلك فاعلم أن أخبار المسألة المذكورة لا تساعد على ما ذكروه من
الكلام المنقول عنهم آنفا على اطلاقه، وينبغي تفصيل ما يستفاد منها في صور:
الأولى - صورة تقدم المأموم في الرفع من الركوع وكذا من السجود،
والحكم فيه أنه يرجع وجوبا أو استحبابا عامدا كان أو ناسيا، والوجه في ذلك
دلالة صحيحة علي بن يقطين وصحيحة ربعي والفضيل ورواية سهل وموثقة محمد بن
علي بن فضال على الرجوع، وموردها الرفع من الركوع في بعض ومن السجود في
بعض، وظاهرها العموم لحالتي العمد والنسيان، وموثقة غياث الدالة على عدم
الرجوع وموردها مورد تلك الأخبار وهي مطلقة أيضا شاملة للعمد والنسيان،
والشيخ ومن تبعه كما هو المشهور بين الأصحاب وإن جمعوا بينها وبين تلك الأخبار
بحملها على العامد وحمل تلك الأخبار على الناسي إلا أنه كما عرفت تحكم محض،
والأظهر إما طرحها لضعفها عن معارضة تلك الأخبار أو حملها على الجواز وحمل
تلك الأخبار على الاستحباب، ومن ثم حصل الترديد في العبارة المتقدمة بقولنا
وجوبا أو استحبابا.

(1) الوسائل الباب 48 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 64 من صلاة الجماعة
142

الثانية - صورة تقدم المأموم في الهوى للركوع والسجود، والأظهر
التفصيل بين العمد وعدمه، فإن تقدمه عمدا فالأحوط الإعادة للصلاة بعد اتمامها كما
ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) فإنا لم نقف في النصوص على ما يدل على
ما ذكره الأصحاب من ما قدمنا نقله عنهم من جعل الحكم هنا كالرفع، ومورد الروايات
التي ذكرناها في الصورة الأولى إنما هو الرفع وهو غير الهوى البتة. وجملة من
الأصحاب قد فصلوا في هذه الصورة بأنه إن كان تعمد المأموم الركوع قال قراءة
الإمام فالظاهر بطلان الصلاة لوجوب الوقوف عليه والطمأنينة في تلك الحال،
وإن كان بعد القراءة فنقلوا عن الشيخ في المبسوط بطلان الصلاة حيث ذهب إلى أن من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته كما قدمنا نقله عنه. ومال جملة منهم إلى
العدم وإن لزم الإثم خاصة. ورجح بعض أفاضل متأخري المتأخرين البطلان
من حيث إن الفعل وقع منهيا عنه فيكون فاسدا غير مبرئ للذمة، والرجوع
إليه ثانيا يستلزم زيادة الركن والواجب عمدا وهو مبطل للصلاة. والتعليل المذكور
وإن كان لا يخلو من المناقشة إلا أن الأحوط ما ذكره لما قدمناه.
الثالثة - صورة تقدم المأموم سهوا أو ظنا منه بهوى الإمام فيرجع في صورة
الهوى للركوع لموثقة الحسن بن علي بن فضال المذكورة، وموردها الركوع
والأصحاب عمموا الحكم في السجود أيضا، وكأنهم بنوا على عدم ظهور الخصوصية
بالركوع فعدوا الحكم إلى السجود من باب تنقيح المناط القطعي كما هو المعمول عليه
في جملة من الأحكام، وهو غير بعيد إلا أن الأحوط قصر الحكم على مورد الرواية
والاحتياط في الهوى للسجود بالإعادة بعد الاتمام كما ذكروه. ومورد الرواية أيضا
وإن كان الظن إلا أن النسيان أيضا يرجع إليه لاشتراك الجميع في عدم التعمد
وحصول العذر، ولهذا لم يفرق الأصحاب بينهما هنا وفي أكثر الأحكام.
قال في المدارك: وأما الرجوع مع النسيان فيدل عليه ما رواه الشيخ عن
سعد عن أبي جعفر عن الحسن بن علي بن فضال.. ثم ساق الرواية حسبما قدمناه،
143

ثم قال: وهذه الرواية لا تقصر عن الصحيح إذ ليس في رجالها من قد يتوقف في شأنه
إلا الحسن بن علي بن فضال، وقد قال الشيخ أنه كان جليل القدر عظيم المنزلة زاهدا
ورعا ثقة في رواياته وكان خصيصا بالرضا عليه السلام وأثنى عليه النجاشي وقال إنه كان
فطحيا ثم رجع إلى الحق (رضي الله عنه) انتهى.
أقول: لا يخفى ما في تستره بما ذكره عن الخروج من قاعدة اصطلاحه من
الوهن الناشئ عن ضيق الخناق في العمل بهذا الاصطلاح كما قدمنا الإشارة إليه في
غير موضع، وقد تقدم له في غير موضع أيضا رد أخبار إبراهيم بن هاشم التي هي في
أعلى مراتب الحسن عند أصحاب هذا الاصطلاح بل عدها في الصحيح جملة منهم.
وقد وقع له في كتاب الحج اضطراب في حديث علي بن الحسن بن فضال فما بين
أن يرده ويطعن عليه إذا لم يوافق اختياره وما بين أن يقبله إذا وافق مراده،
ويتستر بمثل هذا الكلام الذي ذكره علماء الرجال في حقه ومدحه والثناء عليه،
وكذا وقع له في مسمع بن عبد الملك ما بين أن يعد حديثه في الصحيح تارة وفي
الحسن أخرى ويرده ثالثا ويرميه بالضعف، وبحمل الكلام أنه إن كان التوثيق
موجبا " للعمل بالخبر فإنه يجب العمل بالأخبار الموثقة حيثما كانت وفي أي حكم
وردت ولا معنى لردها من هذه الجهة، وإلا فلا معنى لهذا الكلام المنحل الزمام
وأمثاله من ما جرى له في غير مقام. وهذا المدح لا يختص بهذا الرجل بل قد ذكر
علماء الرجال في أمثاله من الواقفية والفطحية أمثال هذا الكلام كما لا يخفى على من
لاحظ كتب الرجال مع أنه يرد أحاديثهم غالبا. ونقل رجوعه إلى الحق سيما عند
الموت كما هو المروي لا يفيد فائدة. والله العالم.
فروع
الأول - لو كان الإمام ممن لا يقتدي به فرفع المأموم رأسه من الركوع
أو السجود قبله عامدا أو ناسيا استمر على حاله حتى يلحقه الإمام ولا يعود إليه كما
144

ذكرنا في الصورة الأولى، لأنه منفرد فيقع رفعه في موضعه ويلزم من رجوعه
زيادة ركن في صلاته.
الثاني - لو ترك المأموم الرجوع بناء على القول بوجوبه عليه إما في صورة النسيان كما هو المشهور أو مطلقا كما هو أحد الاحتمالين في القول الآخر فهل تبطل
صلاته أم لا؟ وجهان: أحدهما - نعم لأن المتعبد به والمأمور به الرجوع ولم يأت
به متعمدا فيبقى تحت عهدة الخطاب. وثانيهما - لا لأن الرجوع لقضاء حق المتابعة
لا لكونه جزء من الصلاة، ولأنه بترك رجوعه يصير في حكم المتعمد الذي عليه
الإثم لا غير. والمسألة خالية من النص والاحتياط لا يخفى.
الثالث - قال في المنتهى: لو تقدم على الإمام بركنين كما لو ركع قبل إمامه
ثم نهض قبله لم تبطل صلاته ولا ائتمامه بل الحكم ما قدمناه، وقال الشافعي لو تقدم
بركنين بطلت صلاته (1) انتهى.
أقول: قد عرفت أن تقدم المأموم في الركوع والسجود عمدا غير منصوص
وقد عرفت وجه الاشكال في المسألة، ولكنه (قدس سره) بناء على ما هو
المشهور عندهم من اجراء التقدم في الركوع مجرى الرفع منه وكذا في السجود جعل
الحكم في ما لو تقدم بركنين مثل الحكم في ما لو تقدم بركن. وفيه أنه مع تسليم
وجود الدليل في تلك المسألة والدلالة على جواز التقدم بركن فالحاق الركنين به
قياس مع الفارق.
الرابع - هل تبطل المتابعة وتنفسخ القدوة بالتأخر عن الإمام بقدر ركن أم
لا؟ ظاهر الشهيد في الذكرى في باب الجماعة العدم، قال (قدس سره): لو سبق الإمام
بعد انعقاد صلاته أتى بما وجب عليه والتحق بالإمام سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا
أو لعذر، وقد مر مثله في الجمعة، ولا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن
ولا أكثر عندنا، وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخر بركن، والمروي

(1) المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 95 والوجيز للغزالي ج 1 ص 35
145

بقاء القدوة، رواه عبد الرحمان عن أبي الحسن عليه السلام في من لم يركع ساهيا.. ثم ذكر
مضمون الخبر الذي قدمناه. انتهى.
أقول: لا يخفى أن الدليل أخص من المدعى فلا ينهض حجة على العموم،
وكذا ما أشار إليه أنه مر مثله في الجمعة، فإنه إشارة إلى صحيحة عبد الرحمان بن
الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام (1) " في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام
ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ولا أن يسجد حتى رفع
القوم رؤوسهم أيركع ثم يسجد ثم يقوم في الصف؟ قال لا بأس " وموردها كما
ترى حال الضرورة والعذر كالرواية المذكورة، وقد تقدم منه (قدس سره) في
باب صلاة الآيات ما يناقض هذا الكلام كما قدمنا ذكره ثمة وحققنا المقام بما يرفع
عنه غشاوة الابهام.
والظاهر عندي من تتبع النصوص في جملة من الموارد هو القول بوجوب
المتابعة وعدم التخلف من الإمام بركن:
ففي صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في الرجل يدرك
آخر صلاة الإمام وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في
آخر صلاته؟ قال نعم ".
وفي صحيحة زرارة في المسبوق أيضا (3) وستأتي بكمالها إن شاء الله تعالى في المسألة
المذكورة، قال فيها: " قرأ في كل ركعة من ما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة الجمعة. واللفظ في الفقيه ج 1 ص 170 ونحوه
في التهذيب ج 1 ص 301 هكذا: " ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟
فقال يركع ويسجد ثم يقوم في الصف ولا بأس بذلك "
(2) الوسائل الباب 47 من صلاة الجمعة واللفظ هكذا " قال: " سألت
أبا عبد الله (ع) الرجل.. "
(3) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة
146

وسورة فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب.. الحديث ".
والتقريب فيهما أن الظاهر من قوله في الأولة " فلا يمهله حتى يقرأ " ومن قوله
في الثانية " فإن لم يدرك السورة " إنما هو باعتبار خوف فوت الركوع مع الإمام
بمعنى أنه لو اشتغل بالقراءة تامة فاته الركوع مع الإمام، ولو جاز التخلف عنه ولو
بركن كما يدعونه لم يكن لهذا الكلام معنى، لأنه يتم القراءة كملا وإن لم يلحقه في
الركوع لحقه في السجود أو بعد السجود كما يدعونه من عدم فوات القدوة بالاخلال
بالمتابعة في ركنين.
ونحو هاتين الروايتين أيضا قوله عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (1): " فإن
سبقك الإمام بركعة أو ركعتين فاقرأ في الركعتين الأولتين من صلاتك الحمد وسورة
فإن لم تلحق السورة أجزأك الحمد ".
وفي كتاب دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام (2) قال: " إذا سبق
أحدكم الإمام بشئ من الصلاة فليجعل ما يدرك مع الإمام أول صلاته وليقرأ في ما
بينه وبين نفسه إن أمهله الإمام.. ".
وروى فيه أيضا عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) (3) قال: " إذا
أدركت الإمام وقد صلى ركعتين فأجعل ما أدركت معه أول صلاتك فاقرأ لنفسك
فاتحة الكتاب وسورة إن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ " والتقريب فيها
ما عرفت. والله العالم.
المسألة العاشرة - من الشرائط في الجماعة توافق نظم الصلاتين في الأفعال لا في
عدد الركعات ومرجعه إلى اتحاد النوع، أي أن تكون صلاة الإمام والمأموم من
نوع واحد، فلو اختلفا نوعا كاليومية وصلاة الآيات أو العيدين أو بالعكس لم
يجز الاقتداء. وأما اختلاف الصنف كالمفترض بالمنتفل وبالعكس والمقصر بالمتم

(1) ص 14
(2) مستدرك الوسائل الباب 38 من صلاة الجماعة
(3) مستدرك الوسائل الباب 38 من صلاة الجماعة
147

وبالعكس فلا مانع منه. ولا يشترط الاتحاد في عدد الركعات على الأشهر الأظهر
وخلاف الصدوق (قدس سره) كما سيأتي نقله إن شاء الله تعالى في المقام شاذ.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع (الأول) - احتج شيخنا الشهيد في
الذكرى على عدم جواز الاقتداء في اليومية بصلاة الكسوف وبالعكس ونحوه في
العيدين بقوله صلى الله عليه وآله (1) " إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به.. الخبر " قال وهو غير
حاصل مع الاختلاف.
أقول: قد عرفت آنفا أن هذا الخبر ليس من طريقنا وإنما هو من طريق
العامة وإن استسلقوه (رضوان الله عليهم) في أمثال هذه المقامات سيما مع عدم
الدليل من أخبار أهل البيت (عليهم السلام).
والأظهر في الاستدلال على منع ذلك بأن العبادة مبنية على التوقيف من
صاحب الشريعة كيفية وكمية وصحة وبطلانا وفرادى وجماعة ونحو ذلك، ولم
يثبت عنهم (عليهم السلام) فتوى ولا فعلا صحة الاقتداء في موضع البحث فيجب
الحكم بالمنع حتى يقوم الدليل عليه.
الثاني - المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز اقتداء
المفترض بمثله في فروض الصلاة اليومية وإن اختلف العدد والكمية، بل قال في
المنتهى أنه قول علمائنا أجمع.
ونقل عن الصدوق أنه قال: لا بأس أن يصلي الرجل الظهر خلف من يصلي
العصر ولا يصلي العصر خلف من يصلي الظهر إلا أن يتوهمها العصر فيصلي معه
العصر ثم يعلم أنها كانت الظهر فتجزئ عنه.
قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه: ولا أعلم مأخذه إلا أن يكون نظر إلى أن
العصر لا تصح إلا بعد الظهر فإذا صلاها خلف من يصلي الظهر فكأنه قد صلى العصر مع
الظهر مع أنها بعدها. وهو خيال ضعيف لأن عصر المصلي مترتبة على ظهر نفسه لا على

(1) ارجع إلى التعليقة 3 ص 134
148

ظهر إمامه. انتهى. وهو جيد.
إلا أنه من المحتمل قريبا عدم ثبوت النقل المذكور عنه فإني لم أقف عليه في
كتاب الفقيه، وقد عرفت من ما ذكرنا في باب السهو والشك عدم صحة جملة من
الأقوال المنقولة عنه في ذلك الباب وأوضحنا ذلك بايضاح لا يزاحمه الشك والارتياب
ويؤيده أيضا ما ذكره في الذخيرة قال: وحكى عنه الشارح الفاضل اشتراط
اتحاد الكمية مع أنه صرح في الفقيه بجواز اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس. انتهى
وما ذكره أيضا في الذخيرة - من أنه صرح في الفقيه بجواز اقتداء المسافر
بالحاضر وبالعكس - لم أقف عليه في الكتاب المذكور بهذا النقل، وإنما روى فيه
حديث داود بن الحصين (1) المشتمل على جواز ذلك على كراهية، فلعله أراد
ما ذكرناه حيث إن ما يرويه من الأخبار ينسب مذهبا إليه.
قال في المدارك: وربما استدل له بصحيحة علي بن جعفر (2) " أنه سأل
أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي معه وهي
تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد
كانت صلت الظهر؟ قال لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها " وهو غير
جيد، لأن مدلول الرواية مناف لما ذكره الصدوق.. إلى آخر ما ذكره.
أقول: قد قدمنا في المقدمة السادسة في المكان من مقدمات هذا الكتاب (3)
أن الحكم بإعادة المرأة صلاتها إنما هو لمحاذاة المرأة للإمام وتقدمها على الرجال مع
تحريم ذلك كما أوضحناه ثمة، لا لما ذكره في المدارك من حمل الإعادة على الاستحباب
حيث إنه يختار القول بكراهة المحاذاة دون التحريم، وقد سبق البحث معه في ذلك
في الموضع المشار إليه. وأما قوله إن مدلول الرواية مناف لما ذكره الصدوق فالوجه فيه
أن الصدوق قد صرح بالصحة متى ظن المأموم أن تلك الصلاة صلاة العصر والحال أن الخبر
صرح بأن المرأة ظنت كذلك، فمقتضى كلام الصدوق هو الصحة في هذه الصورة لا البطلان

(1) ص 151
(2) الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة
(3) ج 7 ص 177
149

كما صرحت به الرواية. وبالجملة فإن بطلان صلاة المرأة إنما استند إلى ما ذكرناه.
وكيف كان فالعمل على القول المشهور لعموم أدلة الجماعة، ويدل على جواز
صلاة الظهر خلف من يصلي العصر ما رواه الشيخ عن حماد بن عثمان في الصحيح (1)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل إمام قوم يصلي العصر وهي لهم الظهر؟
قال أجزأت عنه وأجزأت عنهم ".
وروى الشيخ في الصحيح عن سليم الفراء (2) قال: " سألته عن الرجل
يكون مؤذن قوم وإمامهم يكون في طريق مكة أو غير ذلك فيصلي بهم العصر في
وقتها فيدخل الرجل الذي لا يعرف فيرى أنها الأولى أفتجزئه أنها العصر قال لا "
أقول: الظاهر أن المعنى في هذه الرواية أن الرجل نوى الظهر والحال أن
الإمام يصلي العصر في وقتها يعني وقت الفضيلة لها فهل صلاته تكون صحيحة أوانه
باعتبار كون الوقت وقتا للعصر تجزئه عن العصر وإن لم ينوها؟ فأجاب عليه السلام بأنها
لا تجزئ عن العصر لعدم نيتها. ومجرد كون الوقت للعصر لا يمنع من وقوع الظهر فيه
وعن أبي بصير في الموثق (3) قال: " سألته عن رجل صلى مع قوم وهو
يرى أنها الأولى وكانت العصر؟ قال فليجعلها الأولى وليصل العصر " ورواه الكليني
عن أحمد بن محمد مثله (4) ثم قال: وفي حديث آخر " فإن علم أنهم في صلاة العصر
ولم يكن صلى الأولى فلا يدخل معهم ".
أقول: حمل في الوسائل هذه الرواية المرسلة على التقية واحتمل حملها على
الدخول بنية العصر. والأول أظهر.
ويدل على اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس وإن كان على كراهية ما رواه
ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (5) " في المسافر
يصلي خلف المقيم؟ قال يصلي ركعتين ويمضي حيث شاء " ورواه الشيخ في التهذيب في

(1) الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة
150

الصحيح عن حماد (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسافر.. الحديث ".
وما رواه في التهذيب عن محمد بن علي (2) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين؟ قال فليصل صلاته ثم يسلم وليجعل
الأخيرتين سبحة ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك -
ورواه في الفقيه عن الفضل بن عبد الملك - عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " لا يؤم
الحضري المسافر ولا المسافر الحضري، فإن ابتلى بشئ من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا
أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم، وإذا صلى المسافر خلف قوم
حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم، وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر
والأخيرتين العصر " ورواه في الفقيه عن داود بن الحصين عنه (عليه السلام) (4)
مثله إلى قوله " ويسلم ".
وروى في الفقيه عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (5)
قال: " إذا صلى المسافر خلف قوم حضور.. الحديث بتمامه ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن النعمان الأحول عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (6) قال: " إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فإن
كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين وإن كانت العصر فليجعل
الأولتين نافلة والأخيرتين فريضة ".
قال في التهذيب: وفقه هذا الحديث أنه إنما قال: " إن كانت الظهر فليجعل
الفريضة في الركعتين الأولتين " لأنه متى فعل ذلك جاز له أن يجعل الركعتين الأخيرتين

(1) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة. ولم ينقل فيه رواية الفضل عن الفقيه كما لم
نجدها في الفقيه في مظانها نعم في الوافي باب (ائتمام كل من مسافر والمقيم بالآخر) نقلها
عن التهذيب والفقيه.
(4) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة
151

صلاة العصر وإذا كان صلاة العصر إنما يجعل الركعتين الأخيرتين صلاته لأنه تكره
الصلاة بعد صلاة العصر إلا على جهة القضاء.
وروى الشيخ عن أبي بصير في الصحيح (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه
السلام) لا يصلي المسافر مع المقيم فإن صلى فلينصرف في الركعتين ".
وقال في الفقيه (2) وقد روي " أنه إن خاف على نفسه من أجل من يصلي
معه صلى الركعتين الأخيرتين وجعلهما تطوعا " أقول: والوجه فيه أن المخالفين
يتمون في السفر.
وعندي في المقام اشكال لم أر من نبه عليه ولا من تنبه إليه، وهو أن
ظاهر جملة من هذه الأخبار - وبه صرح هنا جملة من علمائنا الأبرار - جواز الائتمام
في النافلة هنا لقوله (عليه السلام) في رواية محمد بن علي " وليجعل الأخيرتين
سبحة " وفي رواية محمد بن النعمان " فليجعل الأولتين نافلة والأخيرتين نافلة والأخيرتين فريضة " وقد
عرفت دلالة كلام الشيخ على ما تضمنه الخبر المذكور مع أن الأظهر الأشهر كما تقدم
تحقيقه أنه لا يجوز الجماعة في النافلة إلا ما استثنى ولم يعدوا هذا الموضع من جملة
ما خصوه بالاستثناء.
الثالث - قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض في ما لو صلى المسافر الصلاة
الرباعية مع الحاضر أنه يسلم إذا فرغ من أفعاله الموافقة لصلاة الإمام قبل الإمام،
ولو تشهد معه ثم انتظره إلى أن يكمل صلاته ويسلم معه كان أفضل. ولو انعكس
الفرض تخير الحاضر عند انتهاء الفعل المشترك بين المفارقة في الحال والصبر حتى
يسلم الإمام فيقوم إلى الاتمام وهو أفضل، والأفضل للإمام أن ينتظر بالسلام
فراغ المأموم ليسلم به فإن علم المأموم بذلك قام بعد تشهد الإمام. انتهى. وبنحوه
صرح الشهيد في الذكرى أيضا. وما ذكره (طاب ثراه) من الأفضلية في هذه

(1) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة
152

المواضع لم أقف فيه على دليل.
الرابع - المشهور عدم وجوب بقاء الإمام المسافر في مجلسه إلى أن يتم
المأموم المقيم خلافا للمرتضى وظاهر ابن الجنيد.
قال المرتضى (رضي الله عنه) في الجمل على ما نقله في المختلف: لو دخل المقيم
في صلاة مسافر وجب عليه أن لا ينتقل من الصلاة بعد سلامه إلا بعد أن يتم المقيم
صلاته. واقتصر في المختلف على نقل خلاف المرتضى. وإماما نسبناه إلى ظاهر
ابن الجنيد فقد نقله شيخنا الشهيد الثاني في الروض.
ثم إنه في المختلف اختار الاستحباب ونقله عن الشيخ وابن إدريس، واحتج
بأنه قد صلى فرضه فلا يجب عليه انتظار المأموم كالمأموم المسبوق.
أقول: يمكن أن يكون دليلهما ما رواه في الكافي عن أبي بصير في الموثق
أو الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " أيما رجل أم قوما فعليه أن يقعد بعد
التسليم ولا يخرج من ذلك الموضع حتى يتم الذين خلفه الذين سبقوا صلاتهم،
ذلك على كل إمام واجب إذا علم أن فيهم مسبوقا، فإن علم أن ليس فيهم مسبوق
بالصلاة فليذهب حيث شاء ".
إلا أن مورد الرواية كما ترى إنما هو المسبوق وقد ورد ما يدل على جواز
القيام بالنسبة إليه وعدم الانتظار كما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق (2)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي بقوم فيدخل قوم في صلاته بعد ما
قد صلى ركعة أو أكثر من ذلك فإذا فرغ من صلاته وسلم أيجوز له وهو إمام أن
يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال نعم ".
وقال في الروض على أثر الكلام المتقدم نقله عنه هنا ونقل خلاف المرتضى
وابن الجنيد: وما ذكرناه من التفصيل آت في الصلاتين المختلفتين عددا وصلاة
المسبوق وإن لم يختلفا سفرا وحضرا، فإذا اقتدى مصلي الصبح بالظهر فحكمه حكم

(1) الوسائل الباب 2 من التعقيب
(2) الوسائل الباب 2 من التعقيب
153

اقتداء المسافر بالحاضر، ومثله اقتداء مصلي المغرب بالعشاء فإنه يجلس بعد الثالثة
للتشهد والتسليم والأفضل له انتظاره به كما مر. وربما قيل بالمنع هنا لاحداثه تشهدا
مانعا من الاقتداء بخلاف مصلي الصبح مع الظهر والمسافر مع الحاضر فإنه يتشهد مع
الإمام. ويضعف بأن ذلك ليس مانعا من الاقتداء ومن ثم يتأخر المأموم المسبوق
للتشهد مع بقاء القدوة. انتهى.
الخامس - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كراهة ائتمام الحاضر
بالمسافر وكذا بالعكس، ذكره المفيد والمرتضى والشيخ في الخلاف وأبو الصلاح
وابن إدريس والمحقق في المعتبر والعلامة، ونقل في المختلف عن الشيخ علي بن
بابويه أنه قال: لا يجوز إمامة المتم للمقصر وبالعكس. وقال ابنه في المقنع:
لا يجوز أن يصلي المسافر خلف المقيم. وجملة من الأصحاب كالشيخ في المبسوط
والنهاية والجمل لم يعدوا في قسم المكروه ائتمام المسافر بالحاضر، وكذا المحقق في
الشرائع حيث اقتصر في عده المكروهات على ائتمام الحاضر بالمسافر، وهو ظاهر
سلار أيضا كما نقله في المختلف، وظاهره في المختلف الميل إلى عدم الكراهية في
الصورة المذكورة.
وأنت خبير بأنه قد تقدم في موثقة الفضل بن عبد الملك المنع من إمامة
الحضري بالمسافر وبالعكس، وأكثر الروايات المتقدمة كصحيحة حماد بن عثمان
وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة محمد بن النعمان الأحول دلت على جواز ائتمام المسافر
بالحاضر من غير كراهة وكذا رواية محمد بن علي، إلا أن غاية ما تدل عليه هو
الجواز وإن لم يتعرض فيها لذكر الكراهة، وهولا ينافي ما دل على الكراهة كالموثقة
المذكورة ومثلها صحيحة أبي بصير، فإنها دلت على أنه لا يصلي المسافر مع المقيم.
وصاحب المختلف حيث اختار الجواز بلا كراهة رد موثقة الفضل بن
عبد الملك بأن في طريقها داود بن الحصين وهو واقفي.
وصاحب المدارك حيث اختار الكراهة اعتذر عن الموثقة المذكورة حيث
154

إن مذهبه كما عرفت نظم الموثق في قسم الضعيف فقال: وهذه الرواية معتبرة
الاسناد إذ ليس في طريقها مطعون فيه سوى داود بن الحصين، وقد وثقه النجاشي
وقال إنه كان يصحب أبا العباس الفضل بن عبد الملك وإن له كتابا يرويه عدة من
أصحابنا. لكن قال الشيخ وابن عقدة إنه كان واقفيا. ولا يبعد أن يكون الأصل
في هذا الطعن من الشيخ كلام ابن عقدة وهو غير ملتفت إليه لنص الشيخ والنجاشي
على أنه كان زيديا جاروديا وأنه مات على ذلك. انتهى.
أقول: أنظر ما يتستر به (قدس سره) في الخروج عن اصطلاحه من هذا
الكلام الضعيف والعذر السخيف (أما أولا) فإن ما ذكره من كون الشيخ إنما أخذ
الطعن من ابن عقدة وتبعه فيه من غير أن يثبت عنده مع كونه مجرد تخرص غير
مسموع، إذ هو موجب للطعن في الشيخ (قدس سره) والقدح فيه من جهة أنه
يقدح في الرواة وينسبهم إلى خلاف المذهب الحق من غير أن يكون ذلك معلوما
عنده ولا ثابتا لديه بل بمجرد التقليد لغيره وإن كان ممن لا يعتمد عليه، وهو مما لا ينبغي
ظنه بالشيخ ولا نسبته إليه.
و (أما ثانيا) فلأنا إن لم نقل بترجيح الجرح على التعديل لما ذكروه من اطلاع
الجارح على ما لم يطلع عليه المعدل حيث إن بناء العدالة على الظاهر فلا أقل من
الجمع بينهما بأن يعد الحديث في الموثق الذي هو من قسم الضعيف عنده، ولهذا أن
العلامة في الخلاصة بعد نقل القولين المذكورين قال: والأقوى عندي التوقف
في روايته. والمشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح هو عد حديثه في الموثق.
وبالجملة فقد عرفت في غير موضع أنه (قدس سره) لا رابطة له يرجع إليها
ولا ضابطة يعتمد عليها بل كلامه يختلف باختلاف اختياراته وإراداته وإن ناقض
بعضه بعضا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما نقلوه هنا عن الشيخ علي بن بابويه من العبارة
المتقدمة مجملة غير منسوبة إلى رسالته ولا غيرها، وصورة عبارته في الرسالة لم ينقلها
155

أحد في المقام، وأنت قد عرفت من ما قدمناه في غير مقام أن أكثر عباراته في الرسالة
إنما هو من كتاب الفقه الرضوي، ومضمون هذه العبارة وإن كان موجودا في
الكتاب المذكور إلا أن بعدها ما يدل على أنه ليس المراد بها ما يظهر منها من التحريم
بل المراد بعدم الجواز تأكد الكراهة كما دلت عليه موثقة الفضل بن عبد الملك.
حيث قال عليه السلام (1): واعلم أن المقصر لا يجوز له أن يصلي خلف المتم ولا
يصلي المتم خلف المقصر، وإن ابتليت مع قوم لا تجد بدا من أن تصلي معهم فصل
معهم ركعتين وسلم وامض لحاجتك لو تشاء.. إلى أن قال: وإن كنت متما صليت
خلف المقصر فصل معه ركعتين فإذا سلم فقم وأتمم صلاتك. انتهى.
وهو كما ترى طبق ما ذكر في موثقة الفضل المذكورة، فإن صدر الكلام دال
على التحريم إلا أن آخره من ما يكشف عن كون ذلك على جهة الكراهة المؤكدة.
ويمكن أن يكون ما نقلوه عن الشيخ علي بن بابويه بناء على ما ذكرنا من
أخذه غالبا من كتاب الفقه أخذوه من صدر العبارة من غير التفات إلى آخرها
فصار قولا مخالفا لما عليه الأصحاب في المسألة.
السادس - قد عرفت جواز اقتداء المفترض بمثله وإن اختلف الفرضان عددا
وكمية، وأما اقتداء المتنفل بالمفترض فكاقتداء الصبي بالبالغ ومعيد صلاته جماعة
بعد أن صلاها فرادى بمن لم يصل، واقتداء المفترض بالمتنفل كمبتدئ الصلاة مع
إمام صلى منفردا وأراد الإعادة جماعة وفي الاقتداء بالصبي المميز على مذهب الشيخ
وفي صلاة بطن النخل من صلوات الخوف كما سيأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى
واقتداء المتنفل كما في المعادة منهما معا عند بعض، وفيه كلام يأتي ذكره إن
شاء الله تعالى عند ذكر المسألة، وكما في جماعة الصبيان والعيد المندوبة عند
الأصحاب، وفيه كلام قد تقدم ذكره في باب صلاة العيد، والاستسقاء والغدير
على قول تقدم ذكره.

(1) ص 16
156

قال في الذكرى: الظاهر أن هذه الفروض إنما تتأتى في صورة الإعادة
فلو صلى مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة أو صلى متنفل بالراتبة
خلف المفترض أو متنفل براتبة أو غيرها من النوافل فظاهر المتأخرين المنع. انتهى
أقول: وبهذه العبارة تعلق في المدارك في ما قدمنا نقله عنه في المسألة الأولى
في عدم ثبوت الاجماع على تحريم الجماعة في النافلة.
وأنت خبير بما قدمناه في المسألة المذكورة من الأدلة الدالة على القول المشهور
ومنه يظهر لك ضعف هذا الكلام وأنه لا اعتماد عليه ولا ركون إليه في هذا المقام
لما صرحت به أخبارهم (عليهم السلام) من التحريم الظاهر لذوي الأفهام ولكنهم
(رضوان الله عليهم) لقصور تتبعهم للأخبار يقعون في مثل هذه الأوهام.
فروع
الأول - قال العلامة في المنتهى: لو كان الإمام حاضرا والمأموم مسافرا
استحب للإمام أن يومئ برأسه إلى التسليم ليسلم المأموم ثم يقوم الإمام فيتم صلاته
ويجوز للمأموم أن يصلي معه فريضة أخرى لحديث الفضل.
الثاني - قال فيه أيضا: لو كان الإمام مسافرا سلم ولا يتبعه المأموم فيه فإذا سلم
قام المأموم فأتم صلاته. ويستحب للإمام أن يقدم من يتم الصلاة بهم وإن لم يفعل قدم
المأمومون. وهل يجوز أن يصلي الإمام فريضة أخرى وينوي المأموم الائتمام به
في التتمة التي بقيت عليه؟ الذي يلوح من كلام الشيخ في الخلاف الجواز.
الثالث - هل يكره إئتمام المسافر بالمقيم وعكسه عند تساوي الفرضين أو
تختص الكراهة بصورة الاختلاف؟ الذي صرح به المحقق في المعتبر الثاني نظرا إلى
انتفاء المفارقة المقتضية للكراهة. وهو غير بعيد. والله العالم.
المسألة الحادية عشرة - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن للجماعة
آدابا ومستحبات بعضها يتعلق بالصلاة وبعضها يتعلق بالإمام وبعضها يتعلق بالمأموم،
ونحن نذكر في هذه المسألة ما يجري منها على البال ويمر بالخيال من ما نص عليه كلامهم
157

وجرت به أقلامهم في هذا المجال فنقول:
منها - أنه يستحب للمأموم الواحد إذا كان رجلا أو صبيا الوقوف عن يمين
الإمام والأكثر خلفه، وكذا المرأة وإن كانت واحدة تقوم خلفه، وقد تقدم
الكلام في ذلك وحققنا ثمة ما هو الحق الثابت عندنا من الأخبار في المسألة الثانية.
ومنها - أنه يستحب أن يقف العراة المؤتمون بالعاري في صف واحد وأن
يبرز الإمام بركبتيه، وكذا النساء المؤتمون بالمرأة إلا أنها لا تبرز عنهم بل يكون
الجميع في صف واحد.
ويدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة، قال يتقدمهم
الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس ".
والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تعين الجلوس عليهم جميعا
مطلقا، وقيل بوجوب القيام مع أمن المطلع واختاره شيخنا الشهيد الثاني،
والأكثر على أنه يجب على الجميع الايماء، وادعى عليه ابن إدريس الاجماع،
وهو الأظهر لاطلاق الأمر بذلك في جملة من الأخبار الصحيحة الصريحة.
وقال الشيخ في النهاية: يومئ الإمام ويركع من خلفه ويسجد، ويشهد له
ما رواه في الموثق عن إسحاق بن عمار (2) قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام قوم قطع
عليهم الطريق فأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟
فقال يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه فيومئ إيماء بالركوع والسجود وهم
يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم ".
وتحقيق هذه المسألة وما ورد فيها من الأخبار والخلاف والأبحاث المتعلقة
بها قد مر مستوفى في المقدمة الخامسة في الساتر من مقدمات هذا الكتاب فمن

(1) الوسائل الباب 51 من لباس المصلي
(2) الوسائل الباب 51 من لباس المصلي. والرواية عن أبي عبد الله " ع "
158

أراد الوقوف على ذلك فليرجع إلى الموضع المذكور ولا يحتاج إلى إعادته.
وأما ما يدل على الثاني فجملة من الأخبار: منها - موثقة عبد الله بن بكير عن
بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه سئل عن المرأة تؤم النساء قال نعم
نقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن ".
وصحيحة هشام بن سالم (2) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة هل تؤم
النساء؟ قال تؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن نقوم وسطهن "
وصحيحة سليمان بن خالد (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تؤم
النساء؟ قال إذا كن جميعا امتهن في النافلة فأما المكتوبة فلا ولا نتقدمهن ".
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " قلت له المرأة تؤم النساء؟
قال لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن معهن في الصف
فتكبر ويكبرن ".
ورواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " تؤم المرأة النساء في الصلاة
وتقوم وسطا منهن ويقمن عن يمينها وشمالها تؤمهن في النافلة ولا تؤمهن
في المكتوبة ".
وأما الكلام والخلاف في جواز امامتها مطلقا أولا مطلقا أو التفصيل فسيأتي
تحقيق البحث فيه إن شاء الله تعالى قريبا في اشتراط ذكورية الإمام.
ومنها - أنه يستحب اختصاص أهل الفضل بالصف الأول، قيل: والمراد
بهم من له مزية وكمال في علم أو عمل أو عقل. وقد نقل الاتفاق على أصل
الحكم المذكور.
ويدل عليه من الأخبار وكذا على أفضلية الصف الأول وأن أفضله ما قرب
من الإمام ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن جابر عن أبي جعفر

(1) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة. وفي آخره " ولكن تقوم وسطا منهن "
(4) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
159

عليه السلام (1) قال: " ليكن الذين يلون الإمام أولي الأحلام منكم والنهى فإن نسي الإمام
أو تعايا قوموه، وأفضل الصفوف أولها وأفضل أولها ما دنا من الإمام.. الحديث "
وقال الرضا عليه السلام في كتاب الفقه (2) " وليكن من يلي الإمام منكم أولي الأحلام
والنهى فإن نسي الإمام أو تعايا يقومه، وأفضل الصفوف أولها وأفضل أولها ما
قرب من الإمام ".
أقول: والأحلام جمع حلم بالكسر وهو العقل ومنه قوله عز وجل " أم
تأمرهم أحلامهم " (3) والنهي بالضم جميع نهية بالضم أيضا كمدية ومدي: العقل أيضا
وتعايا أي لم يهتد لوجه مراده أو عجز عنه ولم يطق أحكامه.
وروى في الفقيه مرسلا (4) قال: " وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام
إن الصلاة في الصف الأول كالجهاد في سبيل الله عز وجل ".
وميمنة الصف أفضل لما رواه في الكافي عن علي بن محمد عن سهل بن زياد
باسناده (5) قال قال: " فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على
صلاة الفرد ".
قال في الذكرى: وليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأول لما روي (6) أن
الرحمة تنتقل من الإمام إليهم ثم إلى يسار الصف ثم إلى الباقي، والأفضل للأفضل.
فرعان
الأول - لو اقتدى بالإمام أصناف كالأحرار والعبيد والرجال والنساء والخناثى
والصبيان قال الشيخ يقف الأحرار من كل صنف أمام العبيد من ذلك الصنف

(1) الوسائل الباب 7 و 8 من صلاة الجماعة.
(2) ص 14 وفيه بدل " والنهى " " واتقى "
(3) سورة الطور الآية 32
(4) الوسائل الباب 8 من صلاة الجماعة.
(5) الوسائل الباب 8 من صلاة الجماعة.
(6) الذكرى الصورة الخامسة من صور الفرع الرابع من فروع الشرط الرابع
من شروط الاقتداء.
160

والرجال أمام الصبيان والصبيان أمام الخناثى والخناثى أمام النساء.
وقال ابن الجنيد: يقوم الرجال أولا ثم الخصيان ثم الخناثى ثم الصبيان ثم النساء
ويقدم الأحرار على العبيد والإماء والأشراف على غيرهم والعلماء من الأشراف على
من لا علم له، والأحق بقرب الإمام من تصح منه النيابة عند احتياج الإمام إليها.
قال في الذكرى: والخلاف بينه وبين الشيخ في تقديم الصبيان على الخناثى
فالشيخ نظر إلى تحقق الذكورية في الصبيان ونظر ابن الجنيد إلى تحقق الوجوب في
الخناثى دون الصبيان وهو حسن واختاره ابن إدريس والفاضل. انتهى.
أقول: الظاهر أنهم بنوا في هذا الترتيب المذكور على مجرد الاعتبار لعدم
وجود ما يدل عليه من الأخبار كما يشير إليه كلام الشهيد في وجه اختلاف الشيخ
وابن الجنيد.
الثاني - قد صرح جملة: منهم - العلامة والشهيدان (رضي الله عنهم) بأن
الأفضل وقوف الإمام في وسط الصف، قال في المنتهى: ويستحب أن يقف
الإمام في مقابلة وسط الصف لتتساوى نسبة المأمومين إليه فيمكنهم المتابعة، وقد
روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله (1) أنه قال: " وسطوا الإمام وسدوا الخلل ".
أقول: روى ثقة الاسلام في الكافي عن علي بن إبراهيم رفعه (2) قال:
" رأيت أبا عبد الله عليه السلام يصلي بقوم وهو إلى زاوية من بيته بقرب الحائط وكلهم
عن يمينه وليس على يساره أحد ".
وهذا الخبر كما ترى ظاهر في خلاف ما ذكروه، ويؤيده أن أفضلية اليمين
تقتضي استحباب توسيعها. ولا معارض للخبر المذكور إلا ما ينقلونه من هذا
الخبر العامي.
وأما ما ذكره في الذكرى في سنة الموقف في الجماعة - حيث قال: وخامسها

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 182 رقم 68 باب مقام الإمام من الصف
(2) الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
161

أن يقتدي الرجال بالرجل، والأفضل صلاتهم خلفه بأجمعهم وهو منصوص عنهم
(عليهم السلام) (1) وكونه في وسط الصف فلو صلى لا في وسطه جاز، وقد
روى من فعل بعضهم (عليهم السلام) (2) ولعله للضرورة لأن الإمام لا يترك الأفضل -
فهو جيد لو ثبت دليل أفضلية ما ذكروه وإلا فارتكاب التأويل في الخبر من
غير معارض عقلي أو نقلي غير معقول ولا مقبول، وهم لم يذكروا دليلا على ما
ادعوه ولو اعتباريا سوى ما عرفت من الرواية العامية.
ومنها - استحباب إعادة المصلي منفردا صلاته جماعة إماما كان أو مأموما
ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل ادعى عليه الاجماع جمع منهم
وعليه يدل جملة من الأخبار: منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع (3) قال: " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أني أحضر المساجد مع
جيرتي وغيرهم فيأمروني بالصلاة بهم وقد صليت قبل أن آتيهم فربما صلى خلفي
من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل وأكره أن أتقدم وقد صليت لحال من
يصلي بصلاتي ممن سميت لك فأمرني في ذلك بأمرك انتهى إليه وأعمل به إن شاء الله
تعالى؟ فكتب صل بهم ".
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " إذا صليت صلاة
وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت فاخرج وإن شئت فصل معهم
واجعلها تسبيحا ".
ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (5) " في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة؟ قال يصلي معهم

(1) ارجع إلى الصفحة 89
(2) تقدم في رواية علي بن إبراهيم ص 161
(3) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
162

ويجعلها الفريضة " ورواه في الفقيه عن هشام بن سالم عنه عليه السلام مثله (1) وزاد
في آخره " إن شاء ".
قيل: المعنى أنه يجعلها تلك الفريضة التي صلاها وحده فإن إعادة تلك الفريضة
مستحبة، أو المراد أن يجعل هذه الفريضة المطلوبة منه وما صلاها أولا نافلة،
قال: وفي التهذيب حمله على محامل بعيدة من غير ضرورة.
وقال في الفقيه (2) وروي أنه يحسب له أفضلهما وأتمهما.
وروى في الكافي عن أبي بصير (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أصلي ثم
أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت؟ فقال صل معهم يختار الله أحبهما إليه ".
وروى في التهذيب عن عمار الساباطي (4) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يصلي الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟
قال نعم وهو أفضل. قلت فإن لم يفعل؟ قال ليس به بأس ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (5) نقلا عن العالم عليه السلام " إذا صليت صلاتك
وأنت في مسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت فصل وإن شئت فاخرج. ثم قال
لا تخرج بعدما أقيمت صل معهم تطوعا واجعلها تسبيحا ".
والكلام هنا يقع في مواضع: الأول - لا خلاف ولا إشكال في صحة
الإعادة ومشروعيتها لمن صلى الفرض أولا منفردا وإنما الاشكال والخلاف في ما
لو صلاه جماعة فهل يستحب الإعادة جماعة مرة أخرى؟ الأشهر الأظهر العدم،
وحكم الشهيد في الذكرى باستحباب الإعادة للمنفرد والجامع لعموم الأدلة، قال
في المدارك: وهو غير واضح لأن أكثر الروايات مخصوصة بمن صلى وحده وما ليس
بمقيد بذلك فلا عموم فيه، ومن هنا يعلم أن الأظهر عدم تراسل الاستحباب، وجوزه
الشهيدان. انتهى.

(1) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
(5) ص 11
163

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض بعد قول المصنف " وإعادة المنفرد مع
الجماعة ": ولو صلى أولا جماعة ففي استحباب الإعادة قولان أصحهما الجواز لعموم
الأدلة خصوصا مع اشتمال الجماعة الثانية على مرجح، وهل يسترسل الاستحباب؟
منعه المصنف في التذكرة وجوزه في الذكرى، وعموم الأدلة يدل عليه. انتهى.
وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة الميل إلى ما ذكره الشهيدان حيث نفى
البعد عن قولهما مستندا إلى عدم الاستفصال في صحيحة محمد بن إسماعيل، ثم قال:
والأحوط الأول لعدم ما يدل عليه صريحا وتوقف الصلاة على توقيف الشارع
وقد روي عنه صلى الله عليه وآله (1) لا تصل صلاة في يوم مرتين. انتهى.
أقول: الظاهر المتبادر من صحيحة محمد بن إسماعيل المذكورة أن صلاته أولا
إنما كانت فرادى حيث إنه أخبر عن نفسه بأنه يأتي المساجد وقد صلى، فإن قرينة
الحال تدل على أنه صلى في بيته قبل مجئ المساجد، والحمل على كونه صلى في بيته
جماعة بعيد عن رسم العادة سيما أن المساجد التي أتى إليها من ما تقام فيها الجماعة من غير
تقية كما هو المفروض، وبه يظهر سقوط ما ذكره الفاضل المذكور. وكذلك ظاهر صحيحة
الحلبي وقوله فيها " إذا صليت صلاة وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة " فإن ظاهرها
أنه صلى فرادى واتفقت الجماعة بعد صلاته كذلك، والحمل على كونه صلى جماعة
وبعد فراغه أقيمت جماعة أخرى في غاية البعد عن رسم العادة وما هو المتكرر
المعروف سيما على القول بتحريم الجماعة ثانية أو كراهتها كما هو المشهور. وبالجملة
فإن الأحكام في الأخبار إنما تنصرف إلى الأفراد المتكررة المتعارفة. وأما صحيحة
حفص أو حسنته فهي صريحة في كونه صلى وحده، ومثلها صحيحة هشام بن سالم
المروية في الفقيه. وأما رواية أبي بصير فالتقريب فيها ما تقدم في صحيحة محمد بن
إسماعيل ونحوها رواية عمار. وأما رواية كتاب الفقه الرضوي فالتقريب فيها
ما تقدم في صحيحة الحلبي مع احتمال حملها على كون الصلاة أخيرا مع جماعة المخالفين
كما قدمنا ذكره سابقا على هذا المقام.

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 276
164

ويمكن أن يقال أيضا إن هذه الأخبار ما بين مطلق ومقيد والقاعدة تقتضي
حمل مطلقها على مقيدها، وبذلك يظهر أن الأظهر هو القول المشهور من
الاختصاص بالمنفرد، ويؤيده أن العبادات مبنية على التوقيف ولم يثبت يقينا
الإعادة بعد الصلاة جماعة. ومنه يظهر بطلان التراسل كما ذهبوا إليه تفريعا على
ما اختاروه من استحباب إعادة الجامع.
الثاني - قال في المدارك: لو صلى اثنان فرادى ففي استحباب إعادة الصلاة
لهما جماعة إذا لم يكن معهما مفترض وجهان، من أن أقصى ما يستفاد من الروايات
مشروعية الإعادة إذا اقتدى بمفترض أو اقتدى به مفترض، ومن عموم الترغيب
في الجماعة. انتهى.
ولا يخفى ضعف ثاني الوجهين المذكورين، فإن استحباب الجماعة لا يقتضي
استحباب ايقاعها كيف اتفقت بل على الوجه الذي وردت به النصوص، والكيفية
التي ثبتت عنهم (عليهم السلام) استحباب الصلاة بقول مطلق، مع أنه لا بد من
تقييدها بما ثبت مشروعيته من الكيفية والكمية ونحوها. وبالجملة فالأظهر هو
ما يستفاد من الوجه الأول وهو المستفاد من روايات المسألة.
الثالث - قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: وأولى الصلاتين أو الصلوات
هي فرضه فينوي بالباقي الندب لامتثاله المأمور به على وجهه فيخرج من العهدة،
ولو نوى الفرض في الجميع جاز لرواية هشام بن سالم.. ثم نقل الرواية، ثم قال
ولما روي (1) " أن الله تعالى يختار أحبهما إليه " وروي " أفضلهما وأتمهما " ونقل في
المدارك الوجه الثاني عن الشهيد في الذكرى والدروس للرواية المذكورة، ورده بأنه
بعيد جدا والرواية لا تدل عليه بوجه.
أقول: قد تقدم أن الرواية محتملة لأن يكون المعنى في قوله: " يصلي معهم
ويجعلها الفريضة " إنه يجعل الصلاة المعادة جماعة هي الفريضة التي صلاها أولا

(1) ص 163
165

لا صلاة غيرها من الفرائض والصلوات وهو وجه وجيه، والحمل على المعنى الذي
فهموه من الخبر وإن كان محتملا إلا أن صيرورة الفريضة بعد اتمامها نافلة والنافلة
فريضة غير معهود، فاثباته بمجرد هذا الخبر لا يخلو من الاشكال سيما مع قيام
ما ذكرناه من الاحتمال، وعليه حمل صاحب المدارك الخبر المذكور. ورواية
" إن الله يختار أحبهما إليه " لا تقتضي نية وجوب كل منهما واتصافها بأنها فرض،
بل المعنى أنه لما شرع (عز شأنه) الإعادة وأمر بها استحبابا فله سبحانه الاختيار
في ما يختاره منهما فيختار ما هو أحب إليه. هذا غاية ما يدل عليه الخبر المذكور وهو
لا يقتضي ما ادعاه. والله العالم.
ومنها - القرب من الإمام لما تقدم من رواية جابر ورواية كتاب الفقه
الرضوي، وقد عده الشهيد في النفلية من مستحبات الجماعة. وذكر أفضلية
القرب في الخبرين المذكورين من الصف الأول يقتضي (1) أفضلية الأقربية مطلقا.
ومنها - إقامة الصفوف واعتدالها ويستحب استحبابا مؤكدا وكذا سد الفرج
الواقعة في الصفوف:
روى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2)
في حديث قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله أقيموا صفوفكم فإني أراكم من خلفي كما
أراكم من قدامي ومن بين يدي ولا تخالفوا فيخالف الله بين قلوبكم ".
وروى في التهذيب عنه عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (3) قال: " قال

(1) وفي المطبوع القديم " لا يقتضي "
(2) الوسائل الباب 70 من صلاة الجماعة. وقد نقلها عن الصدوق الارسال
عن النبي (ص) إلا أن الظاهر عبارة الفقيه ج 1 ص 250 خلاف ذلك حيث إن العبارة فيه
بعد ذكر رواية إمامة الرجل للرجل والرجلين هكذا " قال وقال رسول الله ص.. " وظاهرها
أن الذي حكى قول رسول الله (ص) هو أبو جعفر (ع) وفد نقلها في الوافي باب (إقامة
الصفوف) كذلك. (3) الوسائل الباب 70 من صلاة الجماعة. وهي
رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (ع).
166

رسول الله صلى الله عليه وآله سووا بين صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم لا يستحوذ عليكم الشيطان "
وروى في كتاب ثواب الأعمال في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا أيها الناس أقيموا صفوفكم وامسحوا
بمناكبكم لئلا يكون بينكم خلل ولا تخالفوا فيخالف الله بين قلوبكم، ألا وإني
أراكم من خلفي ".
وروى في كتاب البصائر في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال: " قلت
لأبي جعفر عليه السلام الرجل يكون في المسجد فتكون الصفوف مختلفة فيها الناس فأميل
إليه مشيا حتى أقيمه؟ قال نعم لا بأس به إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال يا أيها الناس إني
أراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم ".
ومن الكتاب المذكور (3) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال; " قلت له إنا نصلي في مسجد لنا فربما كان الصف إمامي وفيه انقطاع فامشي
إليه بجانبي حتى أقيمه؟ قال نعم إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أراكم من خلفي كما أراكم
من بين يدي، لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم ".
ومن الكتاب المذكور عن عبد الله الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أقيموا صفوفكم فإني أراكم من
خلفي كما أراكم من بين يدي، ولا تختلفوا فيخالف الله بين قلوبكم ".
ومن الكتاب المذكور عن أبي عتاب زياد مولى آل دغش عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (5) قال: " سمعته يقول أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خللا. ولا عليك
أن تأخذ وراءك إذا وجدت ضيقا في الصفوف فتتم الصف الذي خلفك أو تمشي
منحرفا فتتم الصف الذي قدامك فهو خير. ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
أقيموا صفوفكم فإني أنظر إليكم من خلفي لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم "

(1) الوسائل الباب 70 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 70 من صلاة الجماعة
(3) ص 419 الطبع الحديث وفي البحار ج 18 الصلاة ص 632
(4) الوسائل الباب 70 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 70 من صلاة الجماعة
167

ومنه أيضا عن هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال أقيموا صفوفكم فإني أنظر إليكم من خلفي لتقيمن
صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم ".
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله (2) قال: " سووا
صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولا تخالفوا بينها فتختلفوا ويتخللكم الشيطان
تخلل أولاد الحذف " قال: والحذف ضرب من الغنم الصغار السود واحدتها حذفة
فشبه رسول الله صلى الله عليه وآله تخلل الشيطان الصفوف إذا وجد فيها حللا بتخلل أولاد
تلك الغنم بين كبارها. انتهى.
أقول: وروى العامة في صحاحهم (3) " كان رسول صلى الله عليه وآله يسوي صفوفنا كما
يسوي القداح. وقال أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري. وقال سووا
صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة. وكان يمسح مناكبكم في الصلاة
ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ".
قال في النهاية: فيه " سووا صفوفكم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم " أي إذا تقدم
بعضهم على بعض في الصفوف تأثرت قلوبهم ونشأ بينهم الخلف. ومنه الحديث الآخر
" لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " يريد أن كلا منهم بصرف وجهه عن
الآخر يوقع بينهم التباغض، فإن اقبال الوجه على الوجه من أثر المودة والألفة.
وقيل المراد تحويلها إلى الأدبار. وقيل تغيير صورها إلى صور أخرى.
وأنت خبير بأن ظاهر الخبر الأول من أخبار البصائر جواز المشي حال
الصلاة لأجل إقامة الصف إذا رآهم مختلفين في الوقوف تقدما وتأخرا، وينبغي

(1) الوسائل الباب 70 من صلاة الجماعة
(2) مستدرك الوسائل الباب 54 من صلاة الجماعة
(3) سنن أبي داود وصحيح مسلم وصحيح البخاري باب تسوية الصفوف وسنن النسائي
باب كم مرة يقول استووا.
168

أن يقيد بغير وقت القراءة لما تقدم في الباب الثاني في أفعال الصلاة من وجوب
الطمأنينة على المأموم حال القراءة وإن تحمل عنه الإمام القراءة.
وظاهر الخبر الثاني من الأخبار المذكورة أن من إقامة الصفوف اتمام الصف
لو كان ناقصا، وقوله " فامشي إليه بجانبي " يدل على أن النقصان في جانب اليمين أو
اليسار من موقف المصلي وإلا فلو كان محاذيا له في الموقف لم يحتج إلى المشي إليه على
جانب. ونحو هذا الخبر خبر أبي عتاب.
وقال في الذكرى: لو وجد فرجة في الصف فله السعي إليها وإن كانت في
غير الصف الأخير، ولا كراهة هنا في اختراق الصفوف لأنهم قصروا حيث تركوا
تلك الفرجة، نعم لو أمكن الوصول بغير اختراقهم كان أولى.
أقول: واطلاق الخبرين المذكورين يدل على ما ذكره لأن الصف الواقع
إمام أو خلف في الخبرين أعم من أن يكون بغير فاصلة أو بفاصلة صف آخر.
وأظهر من ذلك ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه السلام (1) قال: " سألته
عن الرجل يكون في صلاته في الصف هل يصلح له أن يتقدم إلى الثاني أو الثالث أو
يتأخر وراءه في جانب الصف الآخر؟ قال: إذا رأى خللا فلا بأس به ".
وظاهر الحديث المرسل في التهذيب وحديث كتاب ثواب الأعمال وخبر
كتاب الدعائم أن إقامة الصفوف واستواءها بالمحاذاة بين المناكب من المأمومين.
ومنه يعلم تحديد المساواة في الموقف بين الإمام والمأموم مع اتحاد المأموم والتقدم
مع التعدد. وقد تقدم في كلام الأصحاب تحديد ذلك بالأعقاب أو مع رؤوس
الأصابع، وقد عرفت أنه لا مستند له.
ومنها - تقارب الصفوف بعضها من بعض، قال في الذكرى: يستحب
تقارب الصفوف فلا يزيد ما بينها على مسقط الجسد إذا سجد، رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) وقدر أيضا بمربض عنز (3) ذكره في المبسوط.

(1) الوسائل الباب 70 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 62 من صلاة الجماعة.
(3) الوسائل الباب 62 من صلاة الجماعة.
169

أقول: قد قدمنا أن ظاهر الخبر المذكور وكذا غيره من ما ورد بهذا المضمون
أن التقدير بهذا المقدار على جهة الوجوب والشرطية لصحة القدوة فلو زاد على
ذلك بطلت القدوة، لأن الرواية قد اشتملت على النهي عن التباعد بين الإمام
والمأموم وبين المأمومين بعضهم مع بعض بما لا يتخطى، وأن نهاية ما يتخطى الذي
يجوز التباعد به قدر مسقط جسد الانسان حال السجود. والأصحاب لما حملوا
الرواية في ما اشتملت عليه من تحديد البعد على الاستحباب - حيث إنهم فسروه بما
يرجع إلى العرف والعادة - فرعوا عليه ما ذكروه هنا من الاستحباب، ومن عمل
بظاهر الخبر المذكور كما أوضحناه آنفا فإنه يصير هذا الحد بين الصفوف نهاية الجواز
فلو زاد على ذلك بطلت القدوة.
ومنها - أنه يستحب تسبيح المأموم إذا فرغ من قراءته قبل الإمام في موضع
يجوز له القراءة فيه كما في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة فإنه متى قرأ وفرغ قبل
الإمام فإنه يستحب له أن يسبح حتى يفرغ الإمام، وله أيضا أن يمسك آية حتى
إذا فرغ الإمام قرأها وركع بعدها:
روى الشيخ في الموثق عن عمر بن أبي شعبة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:
" قلت له أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته؟ قال فأتم السورة ومجد
الله واثن عليه حتى يفرغ ".
وعن زرارة في الموثق (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإمام
أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ؟ قال فامسك آية ومجد الله واثن عليه
فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع ".
وقد ورد نحو ذلك في الصلاة خلف المخالفين إذا فرغ المأموم من قراءته قبل
الإمام (3) فإنه يتخير بين الأمرين المذكورين:
روى الكليني في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار عن من سأل أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة
170

عليه السلام (1) قال: " أصلي خلف من لا أقتدي به فإذا فرغت من قراءتي ولم يفرغ
هو؟ قال فسبح حتى يفرغ ".
وروى البرقي في كتاب المحاسن عن صفوان الجمال (2) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إن عندنا مصلى لا نصلي فيه وأهله نصاب وإمامهم مخالف فائتم به؟ قال
لا. قلت إن قرأ أقرأ خلفه؟ قال نعم. قلت فإن نفدت السورة قبل أن يركع؟ قال
سبح وكبر إنما هو بمنزلة القنوت وكبر وهلل ".
أقول: وبذلك صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) قال في المنتهى: لو فرغ
المأموم من القراءة قبل الإمام استحب له أن يسبح إلى أن يفرغ الإمام ويركع معه،
ويستحب له أن يبقى آية فإذا ركع الإمام قرأها وركع معه.
وقال في الذكرى: لو قرأ ففرغ قبله استحب أن يبقى آية ليقرأها عند
فراغ الإمام ليركع عن قراءة. ثم ذكر رواية زرارة وقال: فيه دليل على
استحباب التسبيح والتحميد في الأثناء ودليل على جواز القراءة خلف الإمام. ثم قال
وكذا يستحب ابقاء آية لو قرأ خلف من لا يقتدي به. انتهى. والظاهر أنه لم يقف
على رواية التحميد والتسبيح في الصورتين المذكورتين.
ومن ما يدل على التخيير بين الأمرين المذكورين في الصلاة خلف المخالف قوله
عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (3) بعد ذكر الصلاة خلف المخالف تقية: وأذن
لنفسك وأقم واقرأ فيها لأنه غير مؤتمن به. فإذا فرغت قبله من القراءة أبق آية منها
حتى تقرأ وقت ركوعه وإلا فسبح إلى أن يركع. انتهى.
وكذا يستحب للمأموم في الصلاة الإخفاتية والجهرية، وقد تقدم ذكر ذلك
والدليل عليه في المسألة الثامنة.
ومنها - أن الأفضل للإمام أن يصلي بصلاة أضعف من خلفه والأخبار به مستفيضة

(1) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 35 من صلاة الجماعة
(3) ص 14
171

ومنها - ما رواه الشيخ والصدوق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " ينبغي للإمام أن تكون صلاته على صلاة أضعف من خلفه ".
وما رواه الشيخ في التهذيب مسندا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) - ورواه الصدوق مرسلا عن علي عليه السلام (2) - قال " آخر ما فارقت عليه
حبيب قلبي صلى الله عليه وآله أنه قال يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك.. الحديث ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر والعصر فخفف الصلاة في الركعتين
الأخيرتين فلما انصرف قال له الناس يا رسول الله صلى الله عليه وآله أحدث في الصلاة شئ؟
قال وما ذاك؟ قالوا خففت في الركعتين الأخيرتين. فقال لهم أما سمعتم صراخ
الصبي؟ " ورواه في كتاب عدة الداعي (4) ثم قال: وفي حديث آخر " خشيت أن
يشتغل به خاطر أبيه ".
وقال في كتاب الفقيه (5): كان معاذ يؤم في مسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
ويطيل القراءة وأنه مر به رجل فافتتح سورة طويلة فقرأ الرجل لنفسه وصلى ثم
ركب راحلته فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فبعث إلى معاذ فقال يا معاذ إياك أن تكون فتانا
عليك بالشمس وضحاها وذواتها.
وفي كتاب نهج البلاغة (6) في عهده عليه السلام للأشتر (رضي الله عنه) " إذا قمت
في صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا فإن في الناس من به العلة وله الحاجة
وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم؟ فقال صل بهم
كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (7): إذا صليت فخفف بهم الصلاة وإذا كنت

(1) الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة
(4) مستدرك الوسائل الباب 53 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة
(7) ص 14
172

وحدك فثقل فإنها العبادة.
وقال في الذكرى: يستحب للإمام تخفيف الصلاة والاقتصار على السور
القصار والتسبيح في الركوع والسجود ثلاثا لا أزيد. ثم نقل رواية إسحاق بن عمار
المتقدمة. ثم قال: ولو أحس بشغل لبعض المأمومين استحب التخفيف أزيد من ذلك.
ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان في بكاء الصبي.
وبالجملة فالحكم المذكور اتفاقي نصا وفتوى، واستثنى بعض الأصحاب من ذلك
ما إذا علم منهم حب التطويل ولا بأس به، لأن الظاهر من الأخبار هو مراعاة
حالهم في الاستعجال لأغراضهم وحوائجهم وأمراضهم فإذا أحبوا ذلك فلا منافاة
فيه لما دلت عليه النصوص المذكورة.
ومنها - أن الأفضل للإمام أن لا يقوم من مقامه بعد التسليم حتى يتم من خلفه
صلاته، وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة العاشرة.
ومن الأخبار الواردة في المسألة زيادة على ما قدمناه ما رواه الشيخ في الصحيح
عن إسماعيل بن عبد الخالق (1) قال: " سمعته يقول لا ينبغي للإمام أن يقوم إذا
صلى حتى يقضي كل من خلفه ما قد فاته من الصلاة ".
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال: " لا ينبغي للإمام أن ينتقل إذا سلم حتى يتم من خلفه الصلاة.. الحديث ".
وما رواه في الفقيه عن حفص بن البختري في الصحيح عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " ينبغي للإمام أن يجلس حتى يتم من خلفه صلاتهم ".
وما رواه في التهذيب في الموثق عن سماعة (4) قال: " ينبغي للإمام أن يلبث
قبل أن يكلم أحدا حتى يرى أن من خلفه قد أتموا الصلاة ثم ينصرف هو ".
وعن أبي بكر الحضرمي (5) قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام إذا صليت بقوم

(1) الوسائل الباب 51 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 2 من التعقيب
(3) الوسائل الباب 2 من التعقيب
(4) الوسائل الباب 2 من التعقيب
(5) الوسائل الباب 2 من التعقيب
173

فاقعد بعدما تسلم هنيهة ".
وقد تقدم ثمة (1) نقل موثقة عمار الدالة على جواز قيامه من موضعه
وانصرافه قبل أن يتم من خلفه.
ومن أخبار المسألة قوله عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (2) نقلا عن العالم
(عليه السلام) قال: " لا ينبغي للإمام أن ينتقل من صلاته إذا سلم حتى يتم
من خلفه الصلاة ".
أقول: ربما أشعر ظاهر هذا الخبر وظاهر موثق سماعة وكذا ظاهر صحيحة
الحلبي أو حسنته بأنه يستحب له البقاء بعد التسليم على هيئة الصلاة فلا يتكلم ولا
يلتفت حتى يتم من خلفه، والذي ذكره الأصحاب إنما هو أن لا يقوم من محله وما
أشعرت به هذه الأخبار أخص من ذلك.
ومنها - أن الأفضل له أن يسمع من خلفه كل ما يقول من الأذكار ولا سيما
التشهد ولمن خلفه أن لا يسمعوه شيئا.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه
السلام (3) قال: " ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول ولا ينبغي لمن
خلفه أن يسمعه شيئا من ما يقول ".
وربما سبق إلى بعض الأفهام الفاسدة والأوهام الشاردة من هذا الخبر
وجوب الجهر في الأخيرتين على الإمام بتقريب أن لفظ " ينبغي " في الأخبار قد
تكاثر وروده بمعنى الوجوب و " لا ينبغي " بمعنى التحريم.
وفيه أنه لا ريب أن الأمر كذلك إلا أنه قد ورد فيها أيضا بمعنى الاستحباب
والكراهة كما هو ظاهر الاستعمال العرفي، ونحن قد حققنا في غير موضع من ما تقدم
أن هذين اللفظين في الأخبار من الألفاظ المتشابهة وأنه لا يحمل على أحد المعنيين

(1) ص 153
(2) ص 10
(3) الوسائل الباب 52 من صلاة الجماعة
174

في الأخبار إلا بقرينة تؤذن بذلك.
(فإن قلت) إن مقتضى كون اللفظ كما ذكرتم - مع تصريحكم بأن الحكم في
المتشابه هو الاحتياط وجوبا - ترجيح الجهر في الأخيرتين احتياطا وجوبا كما
تختارونه واستحبابا كما هو المشهور لدخول الجزئي تحت عموم الخبر، وكذا الكلام
بالنسبة إلى المأموم.
فالجواب أنه لا ريب في صحة ما ذكرت لو خلينا وظاهر الخبر المذكور "
إلا أنه لما كان أصحابنا (رضوان الله عليهم) سلفا وخلفا على الاخفات في هذه
المسألة وحمل الخبر المذكور في جميع ما اشتمل عليه من الأحكام على الاستحباب
بالنسبة إلى الإمام والكراهة بالنسبة إلى المأموم - فإنهم ما بين مصرح بما ذكرنا
وما بين من لم يظهر منه خلاف ذلك - فالواجب تقييد الخبر المذكور بما ذكروه
وعدم الخروج عن ما اعتمدوه، وكم في الأخبار من ما هو من هذا القبيل من ما اشتمل
على هذا اللفظ مع حمله على الاستحباب بين كافة الأصحاب جيلا بعد جيل، أو لفظ
" لا ينبغي " مع حمله على الكراهة اتفاقا أو مع خلاف نادر قليل كما لا يخفى على
المتتبع من ذوي التحصيل.
ولا يخفى على المتتبع أيضا ورود ما هو أصرح من هذا الخبر في الوجوب في
جملة من الأحكام مع اتفاقهم على العدول عنه من غير خلاف يعرف أو خلاف
شاذ في المقام، وكثير من مستحبات الصلاة من هذا القبيل كالتكبير للركوع
والسجود ونحوهما من ما قد وردت الأوامر به من غير معارض ومقتضى الأمر الوجوب
والاستغفار في الأخيرتين بعد التسبيح فإن مقتضى الأمر الوجوب مع الفتوى منهم
من غير خلاف يعرف أو خلاف شاذ على الاستحباب، والتورك في الصلاة
كذلك وليس للأمر به معارض إلا اطلاق بعض الأخبار التي يمكن حمل اطلاقها
على الأخبار المقيدة مع أنه لا خلاف في الاستحباب، وأمثال ذلك كثير يقف
عليها المتتبع، ولا سيما ما اشتمل عليه حديث حماد بن عيسى الوارد في تعليم
175

الصادق (عليه السلام) له الصلاة، ونحوه صحيحة زرارة، وما ذكره (عليه
السلام) في كتاب الفقه الرضوي المتقدم جميع ذلك في صدر الباب الثاني في الصلوات
اليومية (1) فإن جميع ما اشتملت عليه الأخبار المشار إليها من الأوامر والنواهي
لا معارض لها يوجب اخراجها عن حقيقة الأمر والنهي.
فالواجب على هذا القائل هنا بمجرد ورود لفظ مشتبه محتمل للوجوب أن
يقول بالوجوب والتحريم في جميع تلك المستحبات والمكروهات باتفاق العلماء،
وهذا عين السفسطة، وما ذاك إلا من حيث تقييد تلك الأخبار بعمل الأصحاب
على ذلك الحكم واتفاقهم عليه.
ولا يخفى على المنصف المتدرب في الفن أن اتفاق الأصحاب على الحكم
متقدميهم ومتأخريهم من ما يثمر العلم أو الظن المتاخم له بأن ذلك هو مذهب الأئمة
(صلوات الله عليهم) فإن مذهب كل إمام من أئمة الهدى أو أئمة الضلال إنما يعلم
بنقل شيعته وأتباعه. وأما الأخبار فليست كذلك فإن فيها ما خرج على خلاف
المذهب وفيها المجمل والمتشابه ونحو ذلك من الوجوه المانعة من الجزم بكون ما
اشتملت عليه مذهبا، وقد وردت عندنا جملة من الأخبار الصحاح الصراح في جملة
من الأحكام لم يلتفت إليها أصحابنا ولم يعملوا بها واطرحوها كأخبار عدم وجوب
الغسل على المرأة بالاحتلام (2) وأخبار السنة والسنتين في الرضاع المحرم (3) ونحو
ذلك من ما يقف عليه المتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير.
وحينئذ فإذا جاز الخروج عن مقتضى الأوامر الظاهرة في الوجوب باتفاق
الأصحاب على خلاف ذلك فكيف بلفظ محتمل كما هو محل البحث، ومن ذا الذي
يروم الجزم بوجوب جهر الإمام بجميع ما يأتي به من الأذكار وتحريم الجهر على
المأموم في جميع ذلك بهذا الخبر المجمل مع مخالفة كافة العلماء له قديما وحديثا وطرحه

(1) ج 8 ص 2 إلى 11
(2) الوسائل الباب 7 من الجنابة
(3) الوسائل الباب 2 من ما يحرم بالرضاع
176

بينهم بهذا المعنى الذي توهموه وحملهم له على ما ذكروه (رضوان الله عليهم) من
المعنى الذي قدمناه عنهم. هذا مع ما أخذ على المفتي في الأخبار من القول بالعلم
واليقين والنهي عن الظن والتخمين.
وما توهمه بعض من لم يعض على العلم بضرس قاطع ولم يعط التأمل حقه في
جميع المواضع من التفرد بالعمل بالأخبار من غير ملاحظة كلام الأصحاب فهو جهل
محض لما أوضحناه وإن صار في هذه الأيام من صار إلى ما ذكرناه إلا أنه كما عرفت
واضح الفساد ناشئ من العصبية واللداد.
ومن ما يوضح لك صحة ما ذكرناه ما اشتهر بينهم الآن من أنه ينبغي لطالب العلم
أن لا يشتغل إلا بكتب الأخبار وإن كان أميا لم يقرأ شيئا من العلوم بالكلية وصارت
كتب الفقهاء بينهم مهجورة مطرحة، وهذه حماقة ظاهرة فإنه لا يخفى على المنصف
العارف بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية أن هذه المرتبة وهي الاشتغال بالأخبار
واستنباط ما فيها من الأحكام والأسرار ليست بسهلة التناول لكل من رامها من
الناس وإن زعم ذلك من تلبس الآن بهذا اللباس وإنما هي مرتبة الفقيه الجامع
الشرائط، وهي مرتبة لم يصلها العلماء إلا بعد أن تشيب نواصيهم في تحصيل العلوم
والاطلاع على كل معلوم منها ومفهوم وأحكام قواعدها وتحصيل ضوابطها، ومع هذا
فهم فيها بين قائم وطائح وغريق وسابح، وأين لهؤلاء الجهال من نيل هذه المرتبة العزيزة
المنال بمجرد عقولهم الناقصة العيار وتوهماتهم الموجبة للعثار، نعوذ بالله سبحانه
من زيغ الأفهام وزلل الأقدام والخروج عن النهج القويم والميل عن الصراط المستقيم
وأما ما يدل على تأكد الأسماع في التشهد فرواية أبي بصير (1) قال: " صليت
خلف أبي عبد الله عليه السلام فلما كان في آخر تشهده رفع صوته حتى أسمعنا فلما انصرف
قلت كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهده من خلفه؟ قال نعم ".
وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 6 من التشهد
177

عليه السلام (1) قال: " ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد ولا يسمعونه هم شيئا "
قال في الفقيه (2): يعني الشهادتين. قال: ويسمعهم أيضا السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين.
ومنها - أنه يستحب للإمام إذا أحس بداخل حال ركوعه أن يطيل بقدري
ركوعه انتظارا للداخلين ثم يرفع.
ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن جابر الجعفي (3) قال: " قلت لأبي جعفر
عليه السلام إني أؤم قوما فأركع فيدخل الناس وأنا راكع فكم أنتظر؟ فقال ما أعجب
ما تسأل عنه يا جابر انتظر مثلي ركوعك فإن انقطعوا وإلا فارفع رأسك ".
وروى في الكافي عن مروك بن عبيد عن بعض أصحابه عن أبي جعفر
عليه السلام (4) قال: " قلت له إني إمام مسجد الحي فأركع بهم وأسمع خفقان نعالهم
وأنا راكع؟ قال اصبر ركوعك ومثل ركوعك فإن انقطعوا وإلا فانتصب قائما ".
ومنها - أن يقول المأموم عند فراغ الإمام من الفاتحة: الحمد لله رب العالمين.
قال العلامة في المنتهى: ذكر ابن بابويه في كتابه أنه يستحب للمأمومين إذا فرغ الإمام
من قراءة الحمد أن يقولوا: الحمد لله رب العالمين. ورواه الحسين بن سعيد في كتابه
أيضا (5). انتهى.
أقول: ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن جميل عن

(1) الوسائل الباب 6 من التشهد
(2) الوسائل الباب 52 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 50 من صلاة الجماعة.
(4) الوسائل الباب 50 من صلاة الجماعة.
(5) أورد في الوسائل في الباب 17 من القراءة روايات الحسين بن سعيد ولكنها
تتضمن النهي عن قول " آمين " فقط ولم نقف على ما نقله من روايته الأمر بقول " الحمد
لله رب العالمين " وقد نقل في البحار ج 18 الصلاة ص 623 عبارة المنتهى كما في المتن
ولم يعقبها بشئ.
178

أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل
أنت: الحمد لله رب العالمين. ولا تقل آمين " ونحوه روى عن جميل في كتاب مجمع
البيان للطبرسي (2).
ومنها - قيام المأمومين إلى الصلاة عند قول المقيم " قد قامت الصلاة " على
المشهور، واستدل عليه بأن هذا اللفظ أخبار عن الإقامة فيجب المبادرة للتصديق.
ولا يخفى ما فيه من الوهن فهو بالاعراض عنه حقيق.
والأظهر الاستناد في ذلك إلى ما رواه الشيخ والصدوق عن الحناط (3)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام إذا قال المؤذن " قد قامت الصلاة " أيقوم القوم على
أرجلهم أو يجلسون حتى يجئ إمامهم؟ قال لا بل يقومون على أرجلهم فإن جاء إمامهم
وإلا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم ".
وما رواه الشيخ عن معاوية بن شريح (4) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام قال
إذا قال المؤذن " قد قامت الصلاة " ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدموا
بعضهم ولا ينتظروا الإمام. قال قلت وإن كان الإمام هو المؤذن؟ قال وإن كان
فلا ينتظرونه ويقدموا بعضهم ".
أقول: والواجب على ذلك القائل المتقدم ذكره بما قدمنا نقله عنه هو القول
بوجوب القيام في هذه الصورة، لورود الخبر المذكور من غير معارض بل تأكده
بالخبر المتقدم، والقول به سفسطة ظاهرة.
وقال الشيخ في المبسوط والخلاف وقت القيام إلى الصلاة عند فراغ المؤذن من
كمال الأذان. ولم نقف على دليله.
وحكى العلامة في المختلف عن بعض علمائنا قولا بأن وقت القيام إلى الصلاة

(1) الوسائل الباب 17 من القراءة في الصلاة، والشيخ يرويه عن الكليني
(2) ج 1 ص 31
(3) الوسائل الباب 42 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 42 من صلاة الجماعة
179

عند قوله " حي على الصلاة " لأنه دعاء إليها فاستحب القيام عنده.
وأجيب عنه بالمعارضة بالأذان فإن هذا اللفظ موجود فيه ولا يستحب القيام
عنده. وبأن هذا اللفظ دعاء إلى الاقبال إلى الصلاة و " قد قامت " صيغة أخبار
بمعنى الأمر فالقيام عنده أولى.
وقد مضى بعض المستحبات في الأبحاث السابقة وسيأتي أيضا في المطلب
الآتي بعض ذلك من ما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
المسألة الثانية عشرة - قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) جملة من
المكروهات في الجماعة أيضا:
منها - أن يقف المأموم وحده في الصف إلا أن تمتلئ الصفوف فلا يجد
موضعا يدخل فيه فإنه يقف وحده في صف بغير كراهة، والحكم المذكور مجمع عليه
كما نقله في المدارك وقبله العلامة، ونقل عن ابن الجنيد أنه منع من ذلك، قال على
ما نقل عنه في الذكرى: إن أمكنه الدخول في الصف من غير أذية غيره لم يجز
قيامه وحده.
ويدل على الحكم الأول ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه
(عليهما السلام) (1) قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تكونن
في العيكل. قلت وما العيكل؟ قال أن تصلي خلف الصفوف وحدك، فإن لم يمكن
الدخول في الصف قام حذاء الإمام أجزأه فإن هو عاند الصف فسد عليه صلاته "
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن علي عليه السلام (2) قال: " قال لي رسول الله
صلى الله عليه وآله يا علي لا تقومن في العيكل. قلت وما العيكل يا رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال أن
تصلي
خلف الصفوف وحدك ".
ثم قال في الكتاب المذكور (3): يعني - والله العالم - إذا كان ذلك وهو

(1) الوسائل الباب 58 من صلاة الجماعة
(2) مستدرك الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة
(3) ج 1 ص 188 واللفظ فيه هكذا: " يعني - والله أعلم - إذا وجد موضعا في ما
بين يديه من الصفوف فأما إذا لم يجد فلا شئ عليه إن صلى وحده خلف الصفوف.. "
180

يجد موضعا في الصفوف فأما إذا لم يجد فلا شئ عليه أن يصلي خلف الصفوف
وحده، لأنا روينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) (1) " أنه سئل عن
رجل دخل مع قوم في جماعة فقام وحده ليس معه في الصف غيره والصف الذي
بين يديه متضايق؟ قال إذا كان كذلك وصلى وحده فهو معهم. وقال: قم في الصف
ما استطعت فإذا ضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس " وعن علي عليه السلام (2) أنه قال: " إذا جاء الرجل ولم يستطع أن يدخل الصف فليقم حذاء الإمام فإن ذلك
يجزئه ولا يعاند الصف " انتهى.
قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار: أقول لم أر " العيكل " بهذا
المعنى في كتب اللغة، قال في القاموس: اعتكل اعتزل وكمنبر مخيط الراعي. وفي
بعض النسخ بالثاء المثلثة وهو أيضا كذلك ليس له معنى مناسب، ولا يبعد أن يكون الفسكل بالفاء والسين المهملة وهو بالضم والكسر الفرس الذي يجئ في الحلبة
آخر الخيل، ورجل فسكل كزبرج رذل، وكزنبور وبرذون متأخر تابع، ذكره
الفيروزآبادي. وقال في النهاية: فيه " أن أسماء بنت عميس قالت لعلي عليه السلام إن ثلاثة أنت
آخرهم لأخيار. فقال علي عليه السلام لأولادها فسكلتني أمكم " أي أخرتني وجعلتني كالفسكل
وهو الفرس الذي يجئ في آخر خيل السباق، وكانت قد تزوجت قبله بجعفر ثم
بأبي بكر. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.
وقال في كتاب مجمع البحرين بعد أن نقل الحديث بهذا اللفظ قال: وفي
نسخة " الفسكل " ثم فسره بما ذكره في النهاية، وفيه تأييد لما ذكره شيخنا المشار إليه
من التحريف في هذه اللفظة.
ومن الأخبار الدالة على الحكم المذكور أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن
الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " أتموا الصفوف إذا وجدتم خللا

(1) مستدرك الوسائل الباب 45 من صلاة الجماعة
(2) مستدرك الوسائل الباب 45 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 70 من صلاة الجماعة.
181

ولا يضرك أن تتأخر إذا وجدت ضيقا في الصف وتمشي منحرفا حتى تتم الصف ".
كذا استدل به بعضهم وفي الدلالة غموض، فإن مورد الخبر إنما هو سد الخلل
والفرج التي تكون في الصف خصوصا في ما إذا كان مكانه ضيقا.
وأما ما يدل على الحكم الثاني فمنه - ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن
سعيد الأعرج (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد
في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال نعم لا بأس يقوم
بحذاء الإمام ".
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن سعيد الأعرج (2) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدخل المسجد ليصلي مع الإمام فيجد الصف متضايقا
بأهله فيقوم وحده حتى يفرغ الإمام من الصلاة أيجوز ذلك له؟ فقال نعم لا بأس به "
وعن أبي الصباح (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يقوم في الصف وحده؟ فقال لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد ".
وما رواه في الفقيه (4) قال: " سأل موسى بن بكر أبا الحسن (عليه السلام)
عن الرجل يقوم.. الحديث " إلا أنه قال: " إنما يبدو الصف واحدا بعد واحد "
وأما ما تقدم نقله عن ابن الجنيد من منع ذلك فقيل إنه احتج برواية السكوني
المذكورة، وبما روي من طريق العامة (5) " أن النبي صلى الله عليه وآله أبصر رجلا خلف
الصفوف وحده فأمره أن يعيد الصلاة " وأجيب عن دليليه بعد التنزل عن ضعف
السند بأنهما محمولان على الكراهة جمعا بين الأدلة.
بقي هنا شئ لم أر من نبه عليه ولا تنبه له وهو أنه لا يخفى أن الظاهر من قوله
(عليه السلام) في جملة من هذه الأخبار " يقوم بحذاء الإمام " حال امتلاء الصفوف

(1) الوسائل الباب 57 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 57 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 57 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 57 من صلاة الجماعة
(5) في تيسير الوصول ج 2 ص 255 الفصل الخامس في أحكام المأموم عن وابصة
ابن معبد " رأى رسول الله " ص " رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره بإعادة الصلاة "
182

هو أنه يقوم وحده في الصف الأخير الذي ليس فيه إلا هو ويكون موقفه محاذيا
لموقف الإمام. وهذا المعنى قد سمعته من بعض مشايخنا في صغر سني وأظنه الوالد
الماجد العلامة (أجزل الله تعالى اكرامه).
وهذا هو المفهوم من رواية سعيد الأعرج المذكورة، لأن السائل سأله " أيقوم
وحده " يعني خارجا عن الصفوف فيقف في صف وحده فقال: " نعم لا بأس يقوم
بحذاء الإمام " فإن قوله (عليه السلام) " نعم " صريح في موافقة السائل في وقوفه
وحده ظهر الصفوف لكن أمره أن يكون محاذيا للإمام من خلفه.
ونحو هذه الرواية قول الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه (1) " فإن دخلت
المسجد ووجدت الصف الأول تاما " فلا بأس أن تقف في الصف الثاني وحدك أو حيث
شئت، وأفضل ذلك قرب الإمام " فإن المراد أنه يكون محاذيا للإمام في موقفه من
خلفه ومسامتا له فإنه أقرب المواقف إليه. وعلى هذا ينبغي أن يحمل اطلاق
رواية السكوني.
إلا أن الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه (2) قال: وسألت محمد بن الحسن
عن موقف من يدخل بعد من دخل ووقف عن يمين الإمام لتضايق الصفوف فقال
لا أدري. وذكر أنه لا يعرف في ذلك أثرا في الحديث. انتهى.
وربما أشعر ظاهر هذا الكلام بحمل قولهم (عليهم السلام) في تلك الأخبار
" قام بحذاء الإمام " أو " يقوم بحذاء الإمام " على القيام بجنبه كما في اتحاد المأموم
دون ما قلناه.
ولعل الأقرب حمل كلامه على امتلاء الصفوف على وجه لا يوجد في ذلك
المكان موقف للمصلي، ويؤيده قول محمد بن الحسن " أنه لا يعرف في ذلك أثرا في
الحديث " ولو حمل على ما ذكرناه من وجود مكان في الصف الأخير فإن الأخبار

(1) ص 14
(2) لم نقف على هذه العبارة في الفقيه في مظانها
183

دلت على أنه يقوم في ذلك الصف كما يدل عليه قوله في رواية أبي الصباح المتقدمة
" إنما يبدو واحد بعد واحد " وفي رواية الفقيه " إنما يبدو الصف واحدا بعد واحد "
إلا أنا لم نقف على ما يدل على القيام بجنب الإمام حال تضايق الصفوف كما
ذكره، وليس في الأخبار الواردة في المقام سوى هذا اللفظ أعني قوله: " يقوم
بحذاء الإمام " والظاهر أنه فهم منه هذا المعنى الذي ذكره، وهو وإن أوهمه ظاهر
اللفظ في بادئ النظر إلا أن الظاهر منه إنما هو ما ذكرناه، وهو الذي فهمه
الأصحاب أيضا حيث إنهم صرحوا بأنه يكره للمأموم القيام وحده في صف إلا أن
لا يجد موضعا في الصفوف فيجوز قيامه وحده من غير كراهة.
لكن ظاهر كلامه في المنتهى الموافقة لما ذكره الصدوق، حيث قال: لو دخل
المسجد ولم يجد مدخلا في الصف وقف وحده عن يمين الإمام مؤتما لرواية سعيد
الأعرج (1) وبه قال الشافعي في أحد القولين (2)... إلى آخره. وهو كما ترى ظاهر
في أنه فهم من المحاذاة في الرواية المذكورة ونحوها إنما هو القيام بجنب الإمام.
وظني بعده لما عرفت من ما شرحناه، ويؤيد ذلك الأخبار الدالة على أنه متى كان
المأموم أكثر من واحد فإن حكمهم التأخر والقيام بحذاء الإمام مخصوص بالمأموم المنفرد.
إلا أنه لا يخلو من شوب المناقشة بتخصيص هذه الصورة لعموم الحكم المذكور.
وبالجملة فالحكم لا يخلو من شوب الاشكال لما عرفت من الابهام في ذلك اللفظ
والاجمال وإن كان الأقرب ما ذكرناه كما شرحناه. والله العالم.
ومنها - التنفل بعد قوله " قد قامت الصلاة " على المشهور ونقل عن الشيخ

(1) ص 182
(2) في نيل الأوطار ج 3 ص 198 باب ما جاء في صلاة الرجل فذا " وقد اختلف
في من لم يجد فرجة ولا سعة في الصف ما الذي يفعل؟ فحكى عن نصه في البويطي أنه يقف
منفردا ولا يجذب إلى نفسه أحدا... إلى أن قال: وقال أكثر أصحاب الشافعي وبه قالت
الهادوية أنه يجذب إلى نفسه واحدا ". ونحو ذلك في المجموع للنووي ج 4 ص 297
184

في النهاية وابن حمزة أنهما منعا ذلك، قال في الذكرى: وقد يحمل على ما لو كانت
الجماعة واجبة وكان ذلك يؤدي إلى فواتها.
والأظهر الأول لما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد (1)
" أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع
في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة. فقال له إن
الناس يختلفون في الإقامة؟ قال المقيم الذي تصلي معه ".
وأنت خبير بأن ظاهر الخبر أن الوقت المذكور لكراهة النافلة هو شروع
المقيم في الإقامة التي هي عبارة عن الفصول السبعة عشرة، وعبارات الأصحاب
تضمنت التحديد بقول " قد قامت الصلاة " ولا يخفى ما بينهما من المغايرة.
ثم إن ظاهر الخبر وكلام الأصحاب أن الكراهة إنما هي في ابتداء النافلة متى
دخل الوقت المذكور أما لو دخل وهو مشتغل بها فالظاهر أنه يتمها بغير
كراهة في ذلك.
وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف
وعلي بن إسماعيل كلهم عن حماد بن عيسى (2) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
قال أبي خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لصلاة الصبح وبلال يقيم وإذا عبد الله بن القشب
يصلي ركعتي الفجر فقال له النبي صلى الله عليه وآله يا ابن القشب أتصلي الصبح أربعا؟ قال ذلك له
مرتين أو ثلاثا ".
وروى فيه عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام (3) قال: " سألته عن رجل ترك ركعتي الفجر حتى دخل المسجد والإمام
قد قام في صلاته كيف يصنع؟ قال يدخل في صلاة القوم ويدع الركعتين فإذا ارتفع
النهار قضاهما ".

(1) الوسائل الباب 44 من الأذان والإقامة و 35 من مواقيت الصلاة
(2) الوسائل الباب 44 من الأذان والإقامة
(3) الوسائل الباب 44 من الأذان والإقامة
185

قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار: الخبران يدلان على
المنع من التنفل بعد الشروع في الإقامة وبعد اتمامها.
أقول: من المحتمل قريبا عندي أن المنع من ذلك أنما هو من حيث أن وقت
صلاة ركعتي الفجر - كما قدمنا تحقيقه في موضعه من الأوقات - إنما هو قبل الفجر
الثاني وأنه لا يجوز تأخيرهما إلى بعد الفجر لغير تقية وإن كان خلاف المشهور بين
أصحابنا كما أثبتنا ذلك بالأخبار المتقدمة ثمة، ولعله إلى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وآله في الخبر
الأول " أتصلي الصبح أربعا؟ " بمعنى أن الوقت في النافلة قد خرج واختص بالفريضة
وهي ركعتان فصلاتها فيه موجب لكون الفريضة في هذا الوقت أربعا.
ومنها - أن يخص نفسه بالدعاء لما رواه الشيخ في التهذيب مسندا والصدوق
في الفقيه مرسلا (1) " أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال من صلى بقوم فاختص نفسه
بالدعاء دونهم فقد خانهم ".
والظاهر تخصيص الحكم المذكور بالدعاء الذي يخترعه الإمام من نفسه أما لو
أراد الدعاء ببعض الأدعية المروية عنهم (عليهم السلام) فالظاهر الاتيان به على
الكيفية الواردة تحصيلا لفضيلة الاتيان به على الوجه المنقول. والله العالم.
المطلب الثاني في الإمام
وفيه مسائل:
الأولى - يشترط فيه البلوغ والعقل والايمان وطهارة المولد والذكورة إن
أم مثله والسلامة من الجذام والبرص والحد الشرعي والعدالة، وهذه الشروط قد
تقدم البحث عنها وما يتعلق بها من الخلاف وذكر الأدلة وتحقيق الحال بما يزيل
عنها نقاب الاشكال في الفصل الأول في صلاة الجمعة من الباب الثالث فلا حاجة
إلى الإعادة هنا.

(1) الوسائل الباب 71 من صلاة الجماعة. ولفظ " دونهم " في الفقيه
186

وإنما يبقى الكلام هنا في إمامة المرأة، وقد عرفت اشتراط الذكورة في الإمام
إذا أم ذكرانا أو ذكرانا وإناثا، وهو مما لا خلاف فيه وإنما الخلاف في إمامة
المرأة بمثلها في الفريضة، أما النافلة التي تجوز الجماعة فيها فالظاهر منهم الاتفاق على
جواز امامتها وإنما محل الخلاف الفرائض، فالمشهور هو الجواز بل قال في التذكرة
إنه قول علمائنا أجمع، وذهب السيد المرتضى إلى المنع وهو المنقول عن الجعفي وابن
الجنيد، ونفى عنه البأس في المختلف وإليه مال في المدارك.
ومنشأ الخلاف المذكور اختلاف الأخبار في المقام، فالواجب أولا نقل
الأخبار المشار إليها ثم الكلام في المسألة بما وفق الله سبحانه لفهمه منها:
فمنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (1) قال:
" سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ قال قدر ما تسمع "
وعن سماعة بن مهران في الموثق (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المرأة تؤم النساء؟ فقال لا بأس به ".
وعن عبد الله بن بكير في الموثق - وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عنه - عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " أنه سئل عن المرأة تؤم
النساء؟ قال نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن ".
وعن علي بن يقطين باسناد فيه محمد بن عيسى اليقطيني - وفيه كلام - عن أبي الحسن الماضي عليه السلام (4) قال: " سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها
بالقراءة والتكبير؟ فقال بقدر ما تسمع ".
وروى في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى عليه السلام (5) قال: " سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها
بالقراءة؟ قال قدر ما تسمع. قال: وسألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة

(1) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 31 من القراءة في الصلاة
(5) الوسائل الباب 31 من القراءة في الصلاة
187

في الفريضة؟ قال لا إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها "
وهذه الأخبار كلها دالة على الجواز وظاهرها أن ذلك في الفريضة.
ومنها - ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم (1) " أنه
سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال تؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة
فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطهن. "
وما رواه ثقة الاسلام والشيخ عن سليمان بن خالد في الصحيح (2) قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال إذا كن جميعا امتهن في النافلة فأما
المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطا منهن ".
وما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " قلت له
المرأة تؤم النساء؟ قال لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن معهن
في الصف فتكبر ويكبرن ".
وما رواه الشيخ عن الحلبي في القوي عن أبي عبد الله عليه السلام (4)
قال " تؤم المرأة النساء في الصلاة وتقوم وسطا منهن ويقمن عن يمينها وشمالها، تؤمهن
في النافلة ولا تؤمهن في المكتوبة ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المحقق في المعتبر قد أجاب عن روايتي سليمان بن
خالد والحلبي بأنهما نادرتان لا عمل عليهما. واعترضه في المدارك بأنه غير جيد
لوجود القائل بمضومنهما وموافقتهما لصحيحة هشام المتقدمة مع أن الصدوق
أوردها في كتابه، ومقتضى كلامه في أول كتابه الافتاء بمضمونها. والشهيد
في الذكرى جمع بين الروايات بحمل أخبار المنع على نفي الاستحباب المؤكد
لا مطلق الاستحباب. ولا يخفى ما فيه من البعد. وقال الفاضل الخراساني في
الذخيرة: والأقرب في الجمع بين الأخبار أن يقال إمامتهن في الفرائض جائزة ولكن
الأفضل تركها. وصاحب المدارك حيث كان يدور مدار الأسانيد ويتهافت عليها

(1) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة
188

جمد على الروايات الأخيرة وطعن في روايتي سماعة وابن بكير بضعف السند
واختار ما ذهب إليه المرتضى وابن الجنيد من جواز إمامتهن في النوافل دون الفرائض
ثم قال: ويشهد لهذا القول ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
(عليه السلام)... ثم أورد الرواية المتقدمة الدالة على أن المرأة لا تؤم إلا على الميت
أقول: والذي يخطر بالبال العليل أن ما اشتملت عليه الروايات الأخيرة
من التفصيل بين النافلة والمكتوبة فيجوز في الأول دون الثانية فالمراد بالنافلة
والمكتوبة إنما هو الجماعة المستحبة والجماعة الواجبة فيكون كل من النافلة والمكتوبة
صفة للجماعة لا للصلاة كما فهموه، وحينئذ فالمراد بالجماعة النافلة أي المستحبة
كالصلاة اليومية لاستحباب الجماعة فيها، والمراد بالجماعة الواجبة كالجمعة والعيدين
فإنه لا يجوز إمامة المرأة فيها اتفاقا نصا وفتوى، وعلى هذا تجتمع الأخبار وتكون
الأخبار الأخيرة راجعة إلى الأخبار الأولة الدالة على القول المشهور. والاستدلال
بهذه الأخبار على ما ادعوه مبني على جعل كل من النافلة والمكتوبة صفة للصلاة
وهو غير متعين بل كما يجوز الحمل على ذلك يجوز الحمل على جعلها صفة للجماعة أي الجماعة
المستحبة والجماعة الواجبة. ولا ينافي ذلك اطلاق المكتوبة فإن المكتوبة بمعنى
المفروضة الواجبة كما في قوله عز وجل " كتب عليكم الصيام " (1) أي فرض، وقوله:
" كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت " (2) أي فرض، وقوله: " إن الصلاة كانت
على المؤمنين كتابا موقوتا " (3) فإن الكتاب هنا مصدر بمعنى المفعول أي مكتوبا
يعني مفروضا. وبالجملة فإن المكتوبة بمعنى المفروضة وهي كما يمكن جعلها صفة
للصلاة يمكن أن تكون صفة للجماعة.
والذي يرجح ما قلناه من الحمل المذكور وجوه: (أحدها) - أن فيه جمعا بين
أخبار المسألة لاتفاقها واجتماعها على ما قلناه من جواز إمامة المرأة في الصلاة اليومية

(1) سورة البقرة الآية 79
(2) سورة البقرة الآية 176
(3) سورة النساء الآية 104
189

والجمع بين الأخبار على وجه لا يطرح منها شئ أولى من اطراح بعضها كما هو اللازم
من ما ذهب إليه المانع من جواز امامتها في اليومية. ولا ينافي ما قلناه من الأخبار
المتقدمة إلا صحيحة زرارة وسيأتي إن شاء الله تعالى وجه الجواب عنها.
و (ثانيها) - أنه قد روى الصدوق في الفقيه (1) قال: قال الحسن بن زياد
الصيقل " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) كيف تصلي النساء على الجنائز إذا لم يكن
معهن رجل؟ قال يقمن جميعا في صف واحد ولا تتقدمهن امرأة. قيل ففي
صلاة مكتوبة أيؤم بعضهن بعضا؟ قال نعم " وهو كما ترى صريح في إمامتهن في
الصلاة اليومية، والرواية كما ترى من مرويات الفقيه التي اعترف كما تقدم في كلامه
أنها تكون من ما يفتي به ويعمل عليه (2) ويعضد هذه الرواية صحيحة علي بن
جعفر المتقدمة ورواية علي بن يقطين. وهو قد اعترف بذلك في صحيحة علي بن
جعفر حيث إنه - بعد أن طعن في روايتي سماعة وعبد الله بن بكير - قال: نعم يمكن
الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر... ثم ساق الخبر كما
قدمناه. ولا يخفى أنه مع العمل بهذه الأخبار الأخيرة بناء على حمل المكتوبة فيها
على الصلاة المكتوبة كما يدعونه فإن اللازم طرح تلك الأخبار الدالة على الجواز
رأسا مع ما عرفت من كثرتها وصحة بعضها واعتضادها بالشهرة بين الأصحاب
بل دعوى الاجماع، والجمع بين الخبرين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما رأسا.
وثالثها - أن المستفاد من الأخبار - كما قدمنا تحقيقه في المسألة الأولى من المطلب
الأول - هو تحريم الجماعة في النافلة مطلقا إلا ما استثنى كما عليه اتفاق الأصحاب
(رضوان الله عليهم) وأن كان ظاهر كلام السيد المذكور ثمة اختيار الجواز إلا أنا
قد أوضحنا بطلانه وهدمنا بنيانه، وحينئذ فمتى حملت هذه الأخبار على ما يدعونه
من جواز إمامة المرأة في النافلة دون الفريضة لزم مخالفتها لتلك الأخبار الكثيرة

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة الجنازة
(2) تقدم منه " قدس سره " ج 9 ص 115 خروجه عن هذه القاعدة في مواضع عديدة
190

المعتضدة باتفاق الأصحاب الدالة على تحريم الجماعة في النافلة ومخالفتها لهذه الأخبار
الدالة هنا على جواز إمامة المرأة في اليومية، مع ما عرفت من شهرة القول بها
بين الأصحاب بل ادعى عليه الاجماع، ومتى حملنا هذه الأخبار على المعنى الذي
ذكرناه فلا تعارض ولا اشكال في البين وبه يزول التنافر والاختلاف من الجانبين
وتكون هذه الأخبار الثلاثة التي أوردها موافقة للمشهور في المسألتين، وعلى
تقدير ما ذكره تكون معارضة كما عرفت بأخبار الطرفين مع كون عمل الأصحاب
كما عرفت إنما هو على تلك الأخبار في الموضعين. ومن أجل ذلك نسب في المعتبر
روايتي سليمان بن خالد والحلبي إلى الشذوذ والندرة كما عرفت، وبمثله صرح العلامة
في المنتهى أيضا. وهو جيد إلا أن ما حملناها عليه أجود لأن فيه أعمالا للدليلين
بحسب الامكان من غير طرح شئ في البين.
ورابعها - أنه متى حملت النافلة هنا على صلاة النافلة كما يدعونه فلا يخلو إما أن
يراد بها النافلة التي استثنيت من تحريم الجماعة في النافلة وهو صلاة الاستسقاء والعيدين
كما زعموه وأنه يجوز إمامة المرأة في هاتين الصلاتين كما يفهم من كلام شيخنا الشهيد
الثاني في الروض من الاتفاق عليه، أو يراد بها مطلق النافلة راتبة أو غير راتبة كما يفهم
من صاحب المدارك الميل إليه. والأول أبعد بعيد من أخبار الصلاتين المذكورتين،
مضافا إلى ما عرفت من عدم ثبوت ذلك في صلاة العيدين. والثاني من ما يلزم منه
تفضيل النساء على الرجال حيث إنه يسوغ لهن من الإمامة في الجماعة ما لا يجوز مثله
للرجال مع أن المعهود من الشرع خلافه لنقصانهن في جميع الموارد.
وكيف كان كما قيل في ارخاء العنان فإنه وإن لم يكن ما ذكرناه في هذه الأخبار
من المعنى المذكور متعينا أو مترجحا لما أوضحناه فلا أقل من أن يكون مساويا لما
ذكروه وهو كاف في دفع الاستدلال.
وأما صحيحة زرارة التي نقلها عن الفقيه فالأظهر حملها على التقية وكذا كل
ما دل على المنع من إمامة المرأة، لأن جل العامة على المنع من امامتها لكن كراهة
191

عند بعض وتحريما عند آخرين في الفريضة دون النافلة كما هو قول المرتضى، والقول
بالجواز في الفريضة كما هو المشهور عندنا قول الشافعي خاصة وأحمد في إحدى
الروايتين كما نقله في المنتهى، وأما القول بالكراهة فنقله عن عائشة وأم سلمة وعطاء
والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وأحمد في الرواية الأخرى وأبي حنيفة
ومالك، قال وحكى عن نافع وعمر بن عبد العزيز، وأما القول بالتفصيل كما ذهب إليه
المرتضى (قدس سره) فنقله عن الشعبي والنخعي وقتادة (1) ومن ذلك يظهر لك
أن جل العامة على القول بالمنع من امامتها وإن كان كراهة عند بعض وتحريما عند
آخرين، وهو وجه وجيه في الجمع بين أخبار المسألة.
وأنت إذا تأملت بعين الحق والانصاف وجدت أنه لا سبب للاضطراب في
هذه الأخبار ونحوها والاختلاف إلا التقية التي عمت بها البلية وصارت أعظم
سبب في الاختلاف في الأحكام الشرعية، وشهرة الحكم في الصدر الأول بالجواز
من أظهر المرجحات لكون ذلك مذهبهم (صلوات الله عليهم) كما تقدمت الإشارة
إليه في غير موضع. والله العالم.

(1) لا يخفى أن عبارة المنتهى ج 1 ص 368 لا ظهور لها في نقل الكراهة عن عائشة
ومن بعدها وإنما ظاهرها نقل الكراهة عن أحمد في روايته الأخرى وأبي حنيفة ومالك
ونافع وعمر بن عبد العزيز، وهذه عبارته: يجوز أن تؤم المرأة النساء في الفرض والنفل
الذي فيه تسن الجماعة، ذهب إليه أكثر علمائنا وهو مستحب عندنا وبه قال الشافعي وأحمد
في إحدى الروايتين وروى عن عائشة... إلى أن قال: وقال أحمد في الرواية الأخرى إنه
مكروه وإن فعلن أجزأهن وهو قول أبي حنيفة... إلى آخر ما نقل في الكتاب. وعلى
طبق ما استظهرناه من العبارة جاء النقل في المجموع للنووي الشافعي ج 4 ص 199 والمحلى
ج 3 ص 128 فإن الكراهة لم تنفل فيهما عن عائشة ومن بعدها إلى أبي ثور. ولمعرفة مذهب
الشافعي وأحمد زيادة على ذلك يرجع إلى الأم ج 1 ص 145 والانصاف ج 2 ص 212،
ونقل في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 305 عن المالكية أنه لا يصح أن تكون المرأة
إماما لرجال أو نساء لا في فرض ولا في نقل. وكذا نقل في المجموع والمحلى عن مالك المنع مطلقا
192

المسألة الثانية - من الشرائط في الإمامة الذكورة والقيام والقراءة والاتقان
إن أم مثله، وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع:
الأول - أنه لا يؤم القاعد القائم وإنما يؤم مثله، وهو قول علمائنا أجمع
على ما حكاه العلامة في التذكرة.
وعليه يدل ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (1) قال: " قال أبو جعفر
عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بأصحابه جالسا فلما فرغ قال: لا يؤمن أحدكم بعدي
جالسا. قال وقال: الصادق عليه السلام كان النبي صلى الله عليه وآله وقع عن فرس فشج شقه الأيمن
فصلى بهم جالسا في غرفة أم إبراهيم ".
ومن غفلات صاحب الوسائل أنه تفرد بالقول بالكراهة: فقال في كتاب
الوسائل: باب كراهة إمامة الجالس القيام وجواز العكس (2) ثم أورد الرواية
الأولى، مع اجماع الأصحاب كما عرفت على التحريم وصراحة الخبر المذكور في ذلك
من غير معارض يوجب تأويله.
واستدل جملة من الأصحاب على الحكم المذكور بما رواه الشيخ عن السكوني
عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) (3) قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام
لا يؤم المقيد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحاء ".
قالوا: وكذا الكلام في جميع المراتب لا يؤم الناقص الكامل فلا يجوز اقتداء
الجالس بالمضطجع.
والاستدلال بهذه الرواية بناء على ما ذيلوها به مبني على كون العلة في منعه
صلى الله عليه وآله من إمامة الجالس القائم إنما هو من حيث نقصان صلاة الجالس عن صلاة
القائم ولا يخفى أن هذه العلة إنما هي مستنبطة إذ لا اشعار في النص بها وإلا لاقتضى
ذلك عدم جواز إمامة المتيمم بالمتوضئ والمسافر بالحاضر.
والظاهر أنه إلى ما ذكرناه يشير كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 22 من صلاة الجماعة. ويرويه الشيخ عن الكليني
193

ما نقلناه عنهم بقوله: هكذا اشتهر بين الأصحاب.
وبالجملة فإن الدليل على الحكم المذكور إنما هو الرواية الأولى، وأما إمامة
الناقص الكامل بقول مطلق جوازا وتحريما فلم أقف فيه على نص. وأما بالنسبة
إلى جزئيات هذه الكلية فهو يدور مدار النصوص وجودا وعدما جوازا وتحريما.
قالوا: وأطلق الشيخ في الخلاف جواز إمامة العاري بالمكتسي. وقال العلامة
في التذكرة: إن اقتدى بالعاري مكتس عاجز عن الركوع والسجود جاز لمساواته له
في الأفعال. قال في المدارك: وهو يتم إذا قلنا إن المانع من الاقتداء بالعاري عجزه
عن الأركان وأما إذا علل بنقصه من حيت الستر فلا. انتهى. وفيه إشارة إلى
ما قدمنا ذكره عنهم.
والحق في المسألة المذكورة أن المأموم في هذه الصورة إن كان فرضه شرعا
الصلاة جالسا كإمامه فلا بأس بائتمامه، لأن فرض الإمام وفرضه الجلوس فيدخلان
تحت الأخبار الدالة على جواز إمامة الجالس بالجالس من ذوي الأعذار. ولا يضر
هنا نقص صلاة الإمام من حيث كونه عاريا والمأموم مكتس إذ لا دليل على هذه
العلة كما عرفت، وإن كان فرضه الاتيان بالأركان من قيام وقعود وركوع وسجود
فالظاهر المنع لخبر الرسول صلى الله عليه وآله.
الثاني - المشهور أنه لا يجوز إمامة اللاحن في قراءته ولا المبدل حرفا بغيره
بالمتقن سواء كان اللحن مغيرا للمعنى كضم تاء " أنعمت " أم لا كفتح دال " الحمد "
تمكن من الاصلاح أو لم يتمكن، وأطلق الشيخ كراهة إمامة من يلحن في قراءته،
قال في المبسوط يكره إمامة من يلحن في قراءته سواء كان في الحمد أو غيرها
أحال المعنى أو لم يحل إذا لم يحسن اصلاح لسانه، فإن كان يحسن وتعمد اللحن
فإنه تبطل صلاته وصلاة من خلفه إذا علموا بذلك. وظاهر ابن إدريس اختصاص
المنع بما يحيل المعنى حيث قال: لا يجوز إمامة اللحنة الذي يغير بلحنه معاني القرآن.
وقال العلامة في المختلف: الوجه عندي أنه لا يصح أن يكون إماما، أما إذا
194

تعمد فلأن صلاته باطلة لأنه لم يقرأ القرآن كما أنزل، وأما إذا لم يتمكن فلأنه
بالنسبة إلى الأعراب كالأخرس فكما لا تصح إمامة الأخرس لا تصح إمامة من
لا يتمكن من الأعراب. ثم قال: احتج بأن صلاته صحيحة فجاز أن يكون إماما.
والجواب المنع من اللازمة كالأخرس. انتهى. وعلى هذا جرى كلام الأكثر
كما عرفت.
وكذا الكلام بالنسبة إلى المبدل حرفا بغيره كالألثغ بالثاء المثلثة وهو الذي
يبدل حرفا بغيره، وربما خص بمن يبدل الراء لاما، والأرت وهو الذي يجعل
اللام تاء، وفي حكمه الأليغ بالياء المثناة التحتانية وهو الذي لا يبين الكلام
ولا يأتي بالحروف على الصحة، وكذا التمتام والفأفاء وهو من لا يحسن تأدية
التاء والفاء إلا بترديدهما مرتين فصاعدا، وقيل من لا يحسن تأدية التاء والفاء
أو يبدلهما بغيرهما.
وهؤلاء كلهم ما عدا التمتام والفأفاء لا تصح إمامتهم عند الأصحاب إلا بأمثالهم
أما الفردان المذكوران فقد صرح غير واحد منهم بجواز إمامتهما مطلقا قالوا لأن
هذه الزيادة الحاصلة من الترديد زيادة غير مخرجة عن صحة القراءة وكرهه بعض
الأصحاب، قال المحقق في المعتبر: أما التمتام والفأفاء فالائتمام بهما جائز لأنه يكرر
الحرف ولا يسقطه. ومقتضى كلامه أن التمتام هو الذي لا يتيسر النطق بالتاء
إلا بعد ترديدها مرتين فصاعدا. وبهذا التفسير والحكم صرح العلامة في التذكرة
والمنتهى لكنه حكم في التذكرة بكرامة إمامته لمكان هذه الزيادة. وقال في المنتهى:
ولو كان لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ولكن لا يبدله بغيره أمكن أن
يقال بجواز إمامته بالقارئ. ونحوه قال في التذكرة ولكنه جزم بالجواز. وقال في
الذكرى: أما من به لثغة تمنع من تخليص الحرف ولا تبلغ به تبديله بغيره فجائز
إمامته للقارئ وإن كان القارئ أفضل لأن ذلك يعد قرآنا. قال في المدارك:
ويشكل بأن من لم يخلص الحرف لم يكن آتيا بالقراءة على الوجه المعتبر فلا تكون
195

قراءته كافية عن قراءة المأموم كالمبدل.
قيل: وهل يجب على اللاحن والمبدل للحرف بغيره مع العجز عن الاصلاح
الائتمام بالمتقن إن تمكن منه؟ وجهان من توقف الواجب على ذلك فيكون
واجبا، ومن أصالة البراءة، واطلاق قوله عليه السلام (1) في صحيحة زرارة والفضيل
" وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ".
والمسألة بجميع شقوقها لا تخلو من توقف وتأمل لعدم النصوص الواضحة
في المقام.
الثالث - أنه لا خلاف في أنه لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل، نقل ذلك غير
واحد من الأصحاب، واستدلوا عليه بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله (2) قال: " لا تؤم
المرأة رجلا " وعنه صلى الله عليه وآله (3) قال: " أخروهن من حيث أخرهن الله " قالوا
ويؤيده أن المرأة مأمورة بالستر والحياء والإمامة للرجال تقتضي خلافه.
وأنت خبير بما في هذا الاستدلال، أما الخبران فالظاهر أنهما ليسا من طريقنا
إذ لم أقف عليهما في أخبارنا. وأما التعليل الأخير فعليل.
والأظهر في الاستدلال على ذلك أنما هو ما قدمناه في المقدمة السادسة في
المكان من الأخبار الدالة على عدم جواز محاذاة المرأة للرجال ولا تقدمها عليه،
مضافا إلى أن العبادات مبنية على التوقيف ولم يرد عن صاحب الشريعة فعل ذلك

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة.
(2) سنن البيهقي ج 2 ص 90
(3) المغني ج 2 ص 243، وفي البحر الرائق ج 1 ص 354 نسب الحديث إلى ابن
مسعود والحنفية يذكرونه مرفوعا وابن همام منع رفعه بل هو موقوف على ابن مسعود.
وفي المقاصد الحسنة للسخاوي ص 28 رقم 41 " من الغلط نسبته للصحيحين ولدلائل
النبوة للبيهقي ولمسند رزين ولكن في مصنف عبد الرزاق ومن طريقه الطبراني من قول ابن
مسعود... " وفي موضوعات ملا علي القارئ ص 19: في الهداية حديث مشهور وقال
ابن همام لا يثبت رفعه فضلا عن شهرته، والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود.
196

ولا الأمر به. ولكن لما كان المشهور بين متأخري أصحابنا هو كراهة المحاذاة
والتقدم دون التحريم التجأوا إلى الاستدلال هنا بهذه الأدلة المذكورة.
ثم إنه كما لا يجوز أن تؤم الرجل لا يجوز أن تؤم الخنثى أيضا لاحتمال الذكورية
ولا خنثى بمثله لاحتمال الأنوثية في الإمام والذكورية في المأموم فلا تحصل المماثلة.
ونقل في الذكرى عن ابن حمزة أنه جوز ذلك لتكافؤ الاحتمالين فيهما والأصل
الصحة. قال: وجوابه أن من صور الامكان تخالفهما في الذكورة والأنوثة كما قلناه
والأصل وجوب القراءة على المصلي إلا بعد العلم بالمسقط.
هذا. وروى في كتاب دعائم الاسلام (1) عن علي عليه السلام قال: " لا تؤم المرأة
الرجال ولا تؤم الخنثى الرجال ولا الأخرس المتكلمين ولا المسافر المقيمين "
وروى في موضع آخر عنه عليه السلام أيضا (2) قال: " لا تؤم المرأة الرجال وتصلي
بالنساء ولا تتقدمهن، تقوم وسطا منهن ويصلين بصلاتها " والله العالم.
المسألة الثالثة - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن صاحب الإمارة
والمسجد والمنزل أحق وأولى بالإمامة في هذه الموارد الثلاثة، والمراد بصاحب
الإمارة من كانت إمارته شرعية بمعنى أنه منصوب من قبل المعصوم عليه السلام فإنهم
(عليهم السلام) في وقت تمكنهم وسلطتهم كانوا يعينون أمراء للبلدان للأمر
والنهي والحكم بين الرعية والجمعة والجماعة ونحو ذلك. والمراد بصاحب المسجد يعني
الإمام الراتب فيه، وصاحب المنزل ساكنه وإن لم يكن ملكا له. قالوا: وكذا الهاشمي
أولى من غيره ممن لم يكن كذلك. وصرح بعضهم بأن إمام الأصل مع حضوره
أولى من الجميع.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع: (أحدها) - ما ذكروه - من أولوية
هؤلاء الثلاثة الأول على غيرهم عدا الإمام الأعظم وإن كان ذلك الغير أفضل منهم -

(1) ج 1 ص 183 طبع مصر
(2) مستدرك الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة.
197

من ما لا خلاف فيه عندهم، وقد صرح بذلك العلامة في جملة من كتبه، وقال
في المنتهى أنه لا يعرف فيه خلافا.
واستدلوا عليه بالنسبة إلى صاحب الإمارة والمنزل بما سيأتي إن شاء الله تعالى
في رواية أبي عبيدة (1) من قوله عليه السلام: " ولا يتقدمن أحدكم الرجال في منزله ولا
صاحب سلطان في سلطانه ".
وأما بالنسبة إلى إمام المسجد الراتب فعللوه بأن المسجد يجري مجرى منزله،
ولأن تقدم غير الراتب عليه يورث وحشة وتنافرا فيكون مرجوحا.
أقول: والأظهر الاستدلال عليه بما ذكره الرضا عليه السلام في كتاب الفقه
الرضوي، والظاهر أنه هو المستند لما صرح به المتقدمون من هذا الحكم كما عرفت
في غير موضع إلا أنه لما لم يصل ذلك إلى المتأخرين عللوه بما عرفت.
حيث قال عليه السلام في موضع من الكتاب (2) " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال صاحب
الفراش أحق بفراشه وصاحب المسجد أحق بمسجده " وقال في باب صلاة الجماعة
" إعلم أن أولى الناس بالتقدم في الجماعة أقرؤهم... إلى أن قال: وصاحب المسجد
أولى بمسجده "
وقال في كتاب دعائم الاسلام (3) " وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: يؤمكم
أكثركم نورا - والنور القرآن - وكل أهل مسجد أحق بالصلاة في مسجدهم إلا أن
يكون أمير حضر فإنه أحق بالإمامة من أهل المسجد " وعن جعفر بن محمد (عليهما
السلام) (4) أنه قال: يؤم القوم أقدمهم هجرة... إلى أن قال: وصاحب المسجد
أحق بمسجده "
ولو اجتمع صاحب الإمارة مع صاحب الراتبة أو صاحب المنزل فقد قطع

(1) الوسائل الباب 28 من صلاة الجماعة
(2) ص 11 و 14
(3) مستدرك الوسائل الباب 25 من صلاة الجماعة
(4) مستدرك الوسائل الباب 25 من صلاة الجماعة
198

الشهيد الثاني بكونه أولى منهما، ولا يخلو من توقف.
بقي الاشكال في أنه قد تقدم في روايتي معاوية بن شريح والحناط المتقدمتين
في آخر المسألة الحادية عشرة من مسائل المطلب الأول (1) " أنه إذا قال المؤذن " قد
قامت الصلاة " يقوم القوم على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام حتى
يجئ " ومن الظاهر أن ذلك هو في المسجد وحينئذ فلو كان إمام المسجد أحق لم
يسارعوا إلى تقديم غيره. اللهم إلا أن يقال إن أحقيته إنما هي مع الحضور لا مع
الغيبة. وفيه ما لا يخفى فإن حقه لا يفوت بمثل هذه المسارعة.
ويؤيد ما قلناه ما صرح به شيخنا الشهيد في الذكرى حيث قال: ولو تأخر
الإمام الراتب استحب مراسلته ليحضر أو يستنيب، ولو بعد منزله وخافوا فوت
وقت الفضيلة قدموا من يختارونه... إلى أن قال: ولو حضر بعد صلاتهم استحب
إعادتها معه لما فيه من اتفاق القلوب مع تحصيل الاجتماع مرتين. انتهى. وبنحو
ذلك صرح غيره أيضا.
وما ذكره أخيرا من استجاب الإعادة معه بعد حضوره مبني على ما قدمنا
نقله عنه من استحباب ترامي الجماعة. وفيه ما مر.
على أن الخبرين المذكورين غير خاليين أيضا من الاشكال وإن لم يتنبه له أحد
من علمائنا الأبدال، وذلك فإن الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب أن الأذان والإقامة في الجماعة إنما هما من وظائف صلاة الإمام ومتعلقاتها ولا تعلق لصلاة
المأمومين بشئ منهما، غاية الأمر أنه قد يقوم بهما الإمام كلا أو بعضا وقد يقوم
بهما بعض المأمومين كلا أو بعضا، وحينئذ فما لم يكن الإمام حاضرا فلمن يؤذن
هذا المؤذن ويقيم المقيم.
وأشكل من ذلك أن في رواية معاوية بن شريح بعد ذكر ما تقدم " قلت فإن
كان الإمام هو المؤذن؟ قال وإن كان فلا ينتظرونه ويقدموا بعضهم " وكيف

(1) ص 179
199

يستقيم هذا وهو الذي قد أذن وأقام وعند قوله: " قد قامت الصلاة " قام الناس
على أرجلهم فأين ذهب بعد ذلك حتى ينتظرونه أو لا ينتظرونه.
وبالجملة فجميع ما ذكرنا من وجوه هذه الاشكالات ظاهر لا ريب فيه،
والاعتماد على هذين الخبرين بعد ما عرفت من ثبوت حقية الإمام الراتب بالأخبار
المتقدمة مضافا إلى اتفاق الأصحاب مشكل غاية الاشكال. والله العالم.
وثانيها - أن ما ذكره بعضهم من أنه مع حضور إمام الأصل فإنه أولى
بالإمامة من ما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه، لأنه صاحب الرئاسة العامة وهو ولي
الأمور الأولى بالناس من أنفسهم. ولو منعه مانع فاستناب فلا ريب أن نائبه هو
الأولى لترجحه بتعيين الإمام له فإنه لا يستنيب إلا الراجح أو المساوي، ومع
رجحانه فالأمر ظاهر ومع التساوي فالمرجح له التعيين، فعلى الأول فيه مرجحان
وعلى الثاني مرجح واحد.
وثالثها - ولو أذن أحد الثلاثة المتقدم ذكرهم لغيره كان هو الأولى، قال في
المنتهى: لو أذن المستحق من هؤلاء في التقدم لغيره جاز وكان أولى من غيره إذا
اجتمع الشرائط، ولا نعرف فيه خلافا لأنه حق له فله نقله إلى من شاء.
قال في الذخيرة: وقد جزم الشهيدان بانتفاء كراهة تقدم الغير معللا
بأن أولويتهم ليست مستندة إلى فضيلة ذاتية بل إلى سياسة أدبية. واستشكل ذلك
بأنه اجتهاد في مقابلة النص.
أقول: من المحتمل قريبا أن الأولوية التي دل عليها النص المشار إليه إنما هي
عبارة عن أحقيته بالصلاة والتقدم من غيره بالنسبة إلى نفسه فلو أراد غيره التقدم
عليه كان على خلاف ما ورود به النص لا أن ذلك بالنسبة إلى نائبه، والظاهر أن
بناء كلام الشهيدين على هذا وبه يعلم سقوط ما اعترض به عليهما من أنه اجتهاد في
مقابل النص، إذ لا دلالة في النص على أزيد من ما ذكرناه.
قال في الذكرى: وهل الأفضل لهم الإذن للأكمل منهم أو الأفضل لهم
200

مباشرة الإمامة؟ لم أقف فيه على نص، وظاهر الأدلة يدل على أن الأفضل لهم
المباشرة، فحينئذ لو أذنوا فالأفضل للمأذون له رد الإذن ليستقر الحق على
أصله. انتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) من أن ظاهر الأدلة يدل على أن الأفضل
لهم المباشرة دون الإذن لا يخلو من شوب النظر، فإن الخطاب هنا إنما توجه إلى
من عداهم بأن الأولى أن لا يتقدموهم في هذه المواضع الثلاثة ويراعوا حقهم فيها
ويحترموهم ويوقروهم، وهذا لا ينافي أفضلية إذنهم لمن كان أعلم وأفقه وأفضل
واتقي وأورع عملا بالآيات والأحاديث الآتية الدالة على أولوية صاحب هذه الصفات
وحينئذ فالأفضل للناس هو ارجاع أمر الإمامة لهم، وبهذا يحصل امتثال ما دل
عليه الخبر المشار إليه فإن تعظيمهم واحترامهم يحصل بمجرد هذا. والأفضل لهم أن
يأذنوا لمن كان بالصفات المذكورة عملا بالآيات والأخبار المشار إليها فلا منافاة.
ورابعها - قال الشيخ في المبسوط: إذا حضر رجل من بني هاشم كان أولى
بالتقديم إذا كان ممن يحسن القرآن.
وقال في الذكرى بعد نقل عنه: والظاهر أنه أراد به على غير الأمير
وصاحب المنزل والمسجد مع أنه جعل الأشرف بعد الأفقه الذي هو بعد الأقرأ
والظاهر أنه الأشرف نسبا، وتبعه ابن البراج في تقديم الهاشمي وقال بعده: ولا
يتقدمن أحد على أميره ولا على من هو في منزله أو مسجد، وجعل أبو الصلاح بعد
الأفقه القرشي، وابن زهرة جعل الهاشمي بعد الأفقه، وفي النهاية لم يذكر الشرف
وكذا المرتضى وابن الجنيد وعلي بن بابويه وابنه وسلار وابن إدريس والشيخ نجيب الدين
يحيى بن سعيد وابن عمه في المعتبر، وذكر ذلك في الشرائع وأطلق وكذا الفاضل
في المختلف وقال إنه المشهور يعني تقديم الهاشمي، ونحن لم نره مذكورا في الأخبار
إلا ما روي مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي صلى الله عليه وآله (1) " قدموا قريشا

(1) الجامع الصغير ج 2 ص 85 ويرجع إلى التعليقة 2 ص 395 ج 10
201

ولا تقدموها " وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدعى، نعم هو مشهور في
التقديم في صلاة الجنازة كما سبق من غير رواية تدل عليه. نعم فيه اكرام لرسول الله
صلى الله عليه وآله إذ تقديمه لأجله نوع اكرام، واكرام رسول الله صلى الله عليه وآله وتبجيله من ما لا خفاء
في أولويته. انتهى كلامه في الذكرى.
وما ذكره من عدم الوقوف على نص في الهاشمي في هذا المقام جيد وأما في
صلاة الجنازة فقد قدمنا (1) وجود النص بذلك في كتاب الفقه الرضوي وأوضحنا
أن كلام علي بن بابويه الذي تبعه الأصحاب في مقام مأخوذ من عبارة الكتاب
المذكور. والله العالم.
المسألة الرابعة - قد ذكر جملة من الأصحاب: منهم - السيد السند في المدارك
أنه إذا تشاح الأئمة في الإمامة فأما أن يكره المأمومون إمامة بعضهم وأما أن يختاروا
إمامة واحد بأسرهم وأما أن يختلفوا في الاختيار:
فإن كرهه جميعهم لم يؤمهم لقوله عليه السلام (2) " ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة
أحدهم من تقدم قوما وهم وله كارهون " وإن اختار الجميع واحدا فهو أولى لما فيه من
اجتماع القلوب وحصول الاقبال بالمطلوب.
وإن اختلفوا فقد أطلق الأكثر المصير إلى الترجيح بالمرجحات الآتية،
وقال في التذكرة: إنه يقدم اختيار الأكثر فإن تساووا طلب الترجيح. قال في
الذكرى: وفي ذلك تصريح بأن ليس للمأمومين أن يقتسموا الأئمة ويصلي كل قوم
خلف من يختارونه لما فيه من الاختلاف المثير للإحن. هكذا ذكروا (رضوان
الله عليهم).
واستندوا في الترجيح في مقام الاختلاف إلى ما رواه ثقة الاسلام في الكافي
عن أبي عبيدة (3) قال: " سألت أبا عبد لله عليه السلام عن القوم من أصحابنا يجتمعون

(1) ج 10 ص 396 عن الفقه الرضوي ص 19
(2) الوسائل الباب 27 من صلاة الجماعة. وفيه " أم قوما "
(3) الوسائل الباب 28 من صلاة الجماعة
202

فتحضر الصلاة فيقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
يتقدم القوم أقرأهم للقرآن فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في
الهجرة سواء فأكبرهم سنا فإن كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالنسبة وأفقههم في
الدين. ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا صاحب سلطان في سلطانه ".
أقول: وعندي في ما ذكروه (رضوان الله عليهم) من التفصيل في هذا
المقام نظر لا يخفى على من تأمل من ذوي الأفهام، فإن ما ذكروه من هذا التفصيل
- باتفاق المأمومين واختلافهم وأنه مع تشاح الأئمة في الإمامة يؤخذ باتفاق
المأمومين ونحو ذلك من ما هو مذكور - لا أعرف له وجها ولا عليه دليلا إلا مجرد
اعتبارات تخريجية لا تصلح مستندا للأحكام الشرعية، والنص المذكور الذي هو
المستند في هذا المقام قد دل على أن الأحق بهذا المقام والأولى بأن يكون الإمام هو
من كان أقرأ... إلى آخر ما تضمنه الخبر من المراتب، ولا تعلق لذلك باتفاق المأمومين
ولا باختلافهم ولا رضاهم ولا كراهتهم ولا تشاح الأئمة ولا عدمه، فلو فرض
وجود أئمة متعددين وحصول المشاحة بينهم فلا وجه للترجيح بينهم بالاتفاق على
من لم يكن على الصفة المذكورة في الخبر لأن فيه ردا للنص المذكور. وأولى
بالعدم الترجيح باختيار الأكثر. ولا معنى لتشاح الأئمة مع كون النبي صلى الله عليه وآله قد
قرر لهم ودلهم على أن صاحب هذا المقام هو من كان متصفا بتلك الصفة، بل الأولى
لهم إن كانوا على الطريقة القويمة ومن العاملين بالسنة المستقيمة هو تقديم من كان
كذلك عملا بما رسمه لهم، إلا فقد خالفوا الوظائف الشرعية ورجع تشاحهم إلى
التكالب على الرئاسة الدنيوية إلا أن يدعى كل واحد منهم أنه المتصف بذلك دون
غيره وهو خارج عن ما نحن فيه. وأما مسألة كراهة المأمومين الإمام فلا تعلق لها بهذا
المقام. وبالجملة فكلامهم هنا لا أعرف له مزيد فائدة.
بقي الكلام هنا في مواضع: (الأول) في ما دل عليه الخبر المذكور من
هذه المراتب المذكورة.
203

والذي وقفت عليه زيادة على الخبر المذكور ما صرح به الرضا عليه السلام في كتاب
الفقه حيث قال (1): وإن أولى الناس بالتقديم في الجماعة أقرأهم للقرآن وإن كانوا
في القرآن سواء فأفقههم وإن كانوا في الفقه سواء فأقربهم هجرة وإن كانوا في الهجرة
سواء فأسنهم فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. وصاحب المسجد أولى
بمسجده. انتهى.
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (2)
قال: " يؤم القوم أقدمهم هجرة فإن استووا فاقرأهم فإن استووا فأفقههم فإن استووا
فأكبرهم سنا ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو
تقديم الأقرأ على الأفقه كما دلت عليه هذه الأخبار، وذهب جملة من الأصحاب:
منهم - العلامة في المختلف إلى العكس، وعليه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين
كالسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني والمحدث
الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي وغيرهم، وهو الحق الحقيق بالاتباع وإن كان
قليل الاتباع للأدلة العقلية والنقلية كتابا وسنة كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
قال في المختلف: لنا - إن الأفقه أشرف واعلم بأركان الصلاة وامكان تدارك
السهو ومراتبه وكيفية الصلاة فيكون أولى بالتقديم، قال الله تعالى: " قل هل يستوي
الذين يعلمون والذين لا يعلمون " (3).
وما رواه العرزمي عن أبيه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله (4) قال: " من أم
قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة ".

(1) ص 14
(2) مستدرك الوسائل الباب 25 من صلاة الجماعة. وفي آخره هكذا " وصاحب
المسجد أحق بمسجده " كما تقدم ص 198
(3) سورة الزمر الآية 12
(4) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة.
204

ولأنه يستحب تقديم أهل الفضل وأولي النهى في الصفوف بقرب الإمام
لينبهوه على الغلط والسهو ولمزية شرفهم على غيرهم. ثم نقل رواية جابر بذلك عن
الباقر عليه السلام (1) ثم نقل رواية أبي عبيدة (2) وتأولها بتأويل لا يخلو من البعد.
أقول: ومن ما يدل على ما اخترناه ما لا خلاف فيه بين الإمامية من قبح
تقديم المفضول على الفاضل.
ونقل في الذكرى عن ابن أبي عقيل أنه قال: ولا يؤم المفضول الفاضل ولا
الأعرابي المهاجر ولا الجاهل العالم. ثم قال في الذكرى: وقول ابن أبي عقيل بمنع
إمامة المفضول بالفاضل ومنع إمامة الجاهل بالعالم إن أراد به الكراهة فحسن وإن أراد
به التحريم أمكن استناده إلى أن ذلك يقبح عقلا، وهو الذي اعتمد عليه محققو
الأصوليين في الإمامة الكبرى، ولقول الله تعالى " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن
يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " (3) وللخبرين المتقدمين في
كلام ابن بابويه. انتهى. وظاهره احتمال التحريم في المسألة احتمالا قويا لمطابقة
الدليل العقلي للدليل النقلي كتابا وسنة.
وتقريب الاستدلال بالآية المذكورة أنها خرجت مخرج الانكار على من
يحكم بخلاف ذلك الذي هو مقتضى بديهة العقول السليمة كما يشير إليه قوله تعالى:
" فما لكم كيف تحكمون " (4).
وأما الأخبار الواردة بذلك فمنها ما رواه في الفقيه مرسلا (5) قال: " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله إمام القوم وافدهم فقدموا أفضلكم " قال: " وقال علي عليه السلام (6) إن

(1) ص 159 و 160
(2) ص 202
(3) سورة يونس الآية 36
(4) سورة يونس الآية 36
(5) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة. وليس فيه ولا في الفقيه ج 1 ص 247
ولا في الوافي باب (صفة إمام الجماعة ومن لا ينبغي إمامته) نسبة الحديث إلى علي (ع) بل
ظاهر الجميع النسبة إلى النبي " ص "
205

سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم ".
ورواه في كتاب العلل مسندا عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن سركم... الحديث مثله.
وروى في الفقيه ومثله الشيخ في كتاب الأخبار مرسلا في الأول ومسندا في
الثاني (2) قال: قال النبي صلى الله عليه وآله من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه... الحديث كما
تقدم في كلام صاحب المختلف.
وروى في كتاب قرب الإسناد في الموثق عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم
السلام) عن النبي صلى الله عليه وآله (3) قال: " إن أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون
في دينكم وصلاتكم ".
وفي حسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " قلت أصلي خلف الأعمى؟
قال نعم إذا كان له من يسدده وكان أفضلهم " وفيها أيضا (5) " الصلاة خلف العبد؟
قال لا بأس به إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه ".
وفي موثقة سماعة (6) قال: " سألته عن المملوك يؤم الناس؟ فقال لا إلا أن
يكون هو أفقههم وأعلمهم ".
وروى الشهيد في الذكرى عن النبي صلى الله عليه وآله (7) قال: " من صلى خلف عالم

(1) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 21 من صلاة الجماعة.
(5) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة
(7) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة عن الذكرى. وفي البحر الرائق ج 1 ص 349
لو صلى خلف فاسق أو مبتدع ينال فضل الجماعة لكن لا ينال كما ينال خلف تقي ورع
لقوله (ص) " من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي " قال ابن أمير الحاج لم يجده
المخرجون. وفي موضوعات ملا علي لقارئ ص 82 حديث " من صلى خلف تقي كأنما
صلى خلف نبي " لا أصل له. وفي المقاصد الحسنة للسخاوي ص 304 حرف القاف عند
قوله: " قدموا خياركم " قال: ما وقع في الهداية للحنفية بلفظ " من صلى خلف عالم تقي
فكأنما صلى خلف نبي " لم أقف عليه اللفظ.
206

فكأنما صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله ".
وروى الصدوق في كتاب اكمال الدين بسنده فيه عن أبي الحسن الليثي عن
الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي صلى الله عليه وآله (1) قال: " إن أئمتكم قادتكم إلى
الله فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم ".
وتؤيده الأخبار العامة مثل قوله صلى الله عليه وآله (2): " إن العلماء ورثة الأنبياء "
وقوله صلى الله عليه وآله (3) " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " وما دل من الأخبار على فضل
العلماء على من سواهم (4) وقوله عز وجل: " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في
والعلم والجسم " (5) واحتجاج الله عز وجل على الملائكة في تفضيله آدم وجعله خليفة
بكونه أعلم منهم (6) وأمثال ذلك كما لا يخفى على الناقد البصير ولا ينبئك مثل خبير.
وظاهر ايراد الصدوق هذه الأخبار التي قدمنا نقلها عنه في باب الجماعة هو
القول بمضونها بمقتضى قاعدته في صدر كتابه حيث إنه لم ينقل رواية أبي عبيدة
المذكورة، إلا أنه نقل عن أبيه في رسالته إليه قبل ايراد هذه الأخبار أنه قال: إعلم
يا بني إن أولى الناس بالتقدم في جماعة أقرؤهم للقرآن فإن كانوا في القراءة سواء
فأفقههم فإن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأسنهم فإن
كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. وصاحب المسجد أولى بمسجده. انتهى. وهذه
عين عبارة كتاب الفقه التي قدمناها.
والذي يقرب عندي أن هذه الأخبار الدالة على تقديم الأقرأ إنما خرجت

(1) مستدرك الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة
(2) أصول الكافي كتاب فضل العلم، وفي الوسائل الباب 8 من صفات القاضي
(3) البحار ج 1 ص 76 وكفاية الطالب للكنجي ص 239. وفي المقاصد الحسنة
للسخاوي ص 286 أنكره شيخنا - يعني ابن حجر العسقلاني - وقبله الدميري والزركشى
وقال بعضهم لا يعرف في كتاب معتبر.
(4) أصول الكافي كتاب فضل العلم، وفي الوسائل الباب 8 من صفات القاضي
(5) سورة البقرة الآية 248
(6) سورة البقرة الآية 28 إلى 32
207

مخرج التقية فإنه قول جمهور العامة (1) وبه تكاثرت أخبارهم.
ومنها - ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله (2) " يؤمكم أقرأكم لكتاب الله " وفي خبر
آخر (3) " يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة
فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ".
وما رووه عن عمرو بن أبي سلمة (4) قال كنت غلاما حافظا قد حفظت

(1) في نيل الأوطار ج 3 ص 133 باب (من أحق بالإمامة) قال: حديث " يؤم القوم
أقرأهم " فيه حجة لمن قال يقدم في الإمامة الأقرأ على الأفقه، وإليه ذهب الأحنف بن قيس
وابن سيرين والثوري وأبو حنيفة وأحمد وبعض أصحابهما، وقال الشافعي ومالك وأصحابهما
والهادوية الأفقه مقدم على الأقرأ، وقال الشافعي المخاطب الذين كانوا في عصره (ص)
كان أقرأهم أفقههم فإنهم كانوا يسلمون كبارا ويتفقهون قبل أن يقرأوا فلا يوجد قارئ
إلا وهو متفقه. وقال النووي وابن سيد الناس: قوله في الحديث " فإن كانوا في القراءة
سواء فأعلمهم بالسنة " دليل على تقديم الأقرأ مطلقا. وفي عمدة القارئ ج 2 ص 732
قال طائفة الأفقه مقدم على الأقرأ وبه قال أبو حنيفة ومالك والجمهور، وقال أبو يوسف
وأحمد وإسحاق الأقرأ مقدم وهو قول ابن سيرين وبعض الشافعية، وقال أصحابنا
- الحنفية - أولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة أي الفقه إذا كان يحسن من القراءة ما تجوز
به الصلاة وهو قول الجمهور وإليه ذهب عطاء والأوزاعي والشافعي ومالك، وقال
أبو يوسف أقرأ الناس أولى بالإمامة يعني أعلمهم بالقراءة وكيفية أداء حروفها وما يتعلق
بها، وهو أحد الوجوه عند الشافعية.
(2) كنز العمال ج 4 ص 125
(3) كنز العمال ج 4 ص 126
(4) في أسد الغابة ج 4 ص 110 في ترجمة عمرو الجرمي قال أممت قومي وأنا غلام ابن
ست أو سبع سنين. وفي حديث عنه: كنت في الوفد الذين وفدوا على رسول الله (ص)
فقال (ص) " ويؤمكم أقرأكم " وكنت أقرأهم. وفي حديث آخر عنه: وفدوا على رسول الله (ص)
وأرادوا أن ينصرفوا قالوا يا رسول الله (ص) من يؤمنا؟ قال " أكثركم جمعا للقرآن " أو
" أخذا للقرآن " فلم يكن أحد من القوم جمع ما جمعت فقدموني وأنا غلام وعلى شملة فما شهدت
مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم وكنت أصلي على جنائزهم.
208

قرآنا كثيرا فانطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في نفر من قومه فقال النبي صلى الله عليه وآله
" يؤمكم أقرأكم لكتاب الله " فقدموني فكنت أصلي بهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان "
وربما أجيب عن خبر أبي عبيدة بأن المراد بالأقرأ فيه الأفقه، لأن المتعارف
كان في زمانه صلى الله عليه وآله أنهم إذا تعلموا القرآن تعلموا أحكامه، قال ابن مسعود (1)
" كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها " واطلاق القارئ على العالم
بأحكام الشريعة غير عزيز في الصدر الأول.
واعترض عليه بأن جعل الأعلم مرتبة بعد الأقرأ صريح في انفكاك القراءة
عن العلم بالسنة، وتعلم أحكام القرآن غير كاف في الفقه إذ معظمه يثبت بالسنة، وبأن
فيه عدولا عن ظاهر اللفظ. وهو جيد.
وظني أن الوجه في الجواب عن الخبر المذكور وأمثاله إنما هو ما ذكرته من
الحمل على التقية فإنها هي السبب التام في اختلاف الأحكام الشرعية وإن كانت هذه
القاعدة غير معمول عليها بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) كما قدمنا ذكره في غير مقام
الثاني - قد فسر جماعة من الأصحاب الأقرأ بمعنى الأجواد قراءة واتقانا
للحروف وأشد اخراجا لها من مخارجها. وزاد بعضهم على الأمور المذكورة الأعرف
بالأصول والقواعد المقررة بين القراء. وقيل إن المراد أكثر قرآنا. ونسبه في
البيان إلى الرواية.
أقول: ولعله أشار بذلك إلى ما روي (2) من " أن الأعمى يؤم القوم إذا رضوا
به وكان أكثرهم قراءة " وفي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (3) " أنه

(1) في سنن البيهقي ج 3 ص 119 عن عبد الله: كنا إذا تعمنا من النبي " ص " عشر
آيات من القرآن لم نتعلم من العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه. قيل لشريك من
العمل؟ قال نعم
(2) الوسائل الباب 21 من صلاة الجماعة. وفيه أيضا " وأفقههم "
(3) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة
209

سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا؟ قال لا بأس ".
ثم إنه على تقدير هذا المعنى فهل المراد يعني أكثرهم قراءة للقرآن - وتؤيده
الرواية الأولى من هاتين الروايتين - أو أكثرهم حفظا للقرآن وتؤيده رواية عمرو بن أبي سلمة العامية؟ وقيل الأجود بحسب طلاقة اللسان وحسن الصوت وجودة المنطق.
الثالث - جعل الشيخ الأفقه بعد الأقرأ وقبل غيره وهو اختيار ابن بابويه
في رسالته كما تقدم، وذهب بعضهم إلى تقديم الأقرأ ثم الأقدم هجرة ثم الأسن ثم
الأفقه كما هو مورد رواية أبي عبيدة، وبعضهم إلى تقديم الأقدم هجرة بعد الأقرأ
ثم الأفقه، وقدم الشيخ في المبسوط بعد الأفقه الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم
الأسن، وقدم السيد المرتضى الأسن بعد الأفقه ولم يذكر الهجرة.
ولا أعرف لهم في هذا الاختلاف وجها يرجع إليه ولا مستندا يعتمد عليه
إلا أن يكون مجرد اعتبارات يعتبرها كل منهم في ما ذهب إليه كما هو شأنهم في كثير
من الأحكام، وإلا فليس في المسألة من الأخبار المتداولة في كلامهم والمتناقلة على
رؤوس أقلامهم إلا خبر أبي عبيدة، نعم خبر كتاب الفقه الذي جرى عليه
علي بن الحسين بن بابويه قد اشتمل على تقديم الأقرأ أولا ثم الأفقه ثم الأقرب
هجرة ثم الأسن ثم الأصبح وجها.
وكيف كان فقد عرفت كلامهم في معنى الأقرأ، وأما الهجرة فالمراد بها
السبق من دار الحرب إلى دار السلام، وقال العلامة في التذكرة المراد سبق
الاسلام أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام أو يكون من أولاد
من تقدمت هجرته. ونقل في الذكرى عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أن
المراد التقدم في العلم قبل الآخر. وقال في الذكرى: وربما جعلت الهجرة في زماننا
سكنى الأمصار لأنها تقابل البادية مسكن الأعراب لأن أهل الأمصار أقرب إلى
تحصيل شرائط الإمامة والكمال فيها. انتهى.
أقول: لا يخفى أن المراد من خبر أبي عبيدة إنما هو المعنى الأول وهو
210

الأسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام فإن هذا هو معنى الهجرة في وقته
صلى الله عليه وآله والخبر مروي عنه صلى الله عليه وآله.
بقي الكلام في الترجيح بهذه المرتبة في ما عدا زمانه صلى الله عليه وآله والأظهر أنه
لا يمكن الترجيح بها بل يجب اطراحها من البين لعدم دليل على شئ من هذه المعاني
التي ذكروها، وبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التخريجات والتقريبات
لا يخلو من مجازفة.
نعم روى الصدوق (قدس سره) في كتاب معاني الأخبار (1) مرسلا عن
الصادق عليه السلام قال: " من ولد في الاسلام فهو عربي ومن دخل فيه بعد ما كبر فهو
مهاجر ومن سبي وعتق فهو مولى " وفيه اشعار بالمعنى الأول الذي ذكره في التذكرة
فيمكن حينئذ الترجيح بهذه المرتبة باعتبار هذا المعنى.
وأما الأسن فالمتبادر منه الأكبر بحسب السن، وفي الذكرى وغيره أن
المراد علو السن في الاسلام، وكذا نقل عن الشيخ في المبسوط، وهو اعتبار حسن
إلا أنه خلاف المتبادر من ظاهر اللفظ.
وأما الأصبح وجها فذكره الصدوقان والشيخان وجماعة، وقال المرتضى
وابن إدريس: وقد روي (2) إذا تساووا فأصبحهم وجها. وقال المحقق في المعتبر:
لا أرى لهذا أثرا في الأولوية ولا وجها في شرف الرجال. وعلله في المختلف بأن
في حسن الوجه دلالة على عناية الله به.

(1) هذا مؤلف من حديثين ذكرهما في معاني الأخبار باب نوادر المعاني ص 405
من الطبع الحديث عن أبي جعفر " ع " " من ولد في الاسلام فهو عربي ومن دخل فيه
طوعا أفضل ممن دخل فيه كرها، والمولى هو الذي يؤخذ أسيرا من أرضه ويسلم " وقال
أبو جعفر " ع " في حديث آخر " من دخل في الاسلام طوعا فهو مهاجر ".
(2) في سنن البيهقي ج 3 ص 121 باب (من يومهم أحسنهم وجها) عن النبي " ص "
قال: " إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأكبرهم سنا فإن
كانوا في سنن سواء فأحسنهم وجها ".
211

أقول: قد عرفت أن كتاب الفقه الرضوي صرح بذلك، والصدوقان
إنما أخذا هذا الحكم من الكتاب لأن عبارة علي بن الحسين المتقدمة في الرسالة عين
عبارة الكتاب من أولها إلى آخرها ومنها هذا الموضع، وهذا من جملة المواضع
التي قدمنا الإشارة إليها بأنه كثيرا ما يذكر القدماء حكما من الأحكام الشرعية ولا
يصل دليله إلى المتأخرين فيعترضونهم بعدم الدليل وهو في هذا الكتاب، وما نحن
فيه من هذا الباب.
والظاهر أنه إلى هذا الخبر أشار الصدوق في كتاب العلل حيث قال - بعد نقل
خبر أبي عبيدة فيه (1) المتضمن لأنه إذا كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة
- وفي حديث آخر: وإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. انتهى.
والظاهر أيضا أنه إلى هذه الرواية المرسلة هنا في العلل أشار المرتضى وابن
إدريس في ما قدمنا نقله عنهما وقولهما: وقد روي إذا تساووا فأصبحهم وجها.
ومن ما يعضد ما ذكره العلامة في المختلف من أن في حسن الوجه دلالة
على عناية الله تعالى بذلك الشخص ما في حديث إبراهيم أبي إسحاق الليثي الوارد في
طينة المؤمن وطينة الناصب المروي في العلل (2) وغيره حيث قال عليه السلام بعد ذكر
الطينتين وهما الطيبة والخبيثة المذكورتان في صدر الخبر: ثم عمد إلى بقية ذلك
الطين فمزجه بطينتكم ولو ترك طينتهم على حالها لم تمزج بطينتكم ما عملوا أبدا عملا
صالحا ولا أدوا أمانة إلى أحد ولا شهدوا الشهادتين ولا صاموا ولا صلوا ولا
زكوا ولا حجوا ولا شبهوكم في الصور أيضا، يا إبراهيم ليس شئ أعظم على المؤمن
من أن يرى صورة حسنة في عدو من أعداء الله عز وجل والمؤمن لا يعلم أن تلك
الصورة من طين المؤمن ومزاجه: انتهى.

(1) ص 202
(2) هو آخر حديث في العلل وبه الختام
212

ويشير إلى ذلك ما ورد (1) من " أن النبي صلى الله عليه وآله طلب من الله سبحانه أن
ينزل عليه جبرئيل متى أرسل إليه في صورة دحية الكلبي وكان من أجمل الناس
صورة " وبذلك يظهر لك ما في كلام المحقق من الغفلة.
ثم إنه لا يخفى أن التقديم في هذه المراتب تقديم فضل واستحباب لا حتم
وايجاب كما صرح به غير واحد: منهم - العلامة في التذكرة، قال: وهذا كله تقديم
استحباب لا تقديم اشتراط وإيجاب فلو قدم المفضول جاز ولا نعلم فيه خلافا. انتهى
المسألة الخامسة - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في الاستنابة في الأثناء لو عرض للإمام عارض يمنع من إتمام الصلاة فإنه يستنيب
من يتم بهم الصلاة وإلا استناب المأمومون، وكذا يستنيب لو كان مقصرا
والمأموم متما.
والذي وقفت عليه من الأخبار في المقام عدة أخبار: الأول - ما رواه
المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
" في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات؟ قال يقدمون رجلا آخر ويعتدون

(1) لم يذكر ذلك في طبقات ابن سعد ج 4 ص 249 وسير أعلام النبلاء ج 2 ص 396
والإصابة ج 1 ص 473 وأسد الغابة ج 2 ص 130 واستيعاب في ترجمته وتهذيب
تاريخ الشام ج 5 ص 218 وتهذيب التهذيب ج 3 ص 206 ومجمع الزوائد ج 9 ص 378
وكنز العمال ج 6 ص 173 نعم في جميعها كان دحية جميلا ربما نزل جبرئيل بصورته.
وفي تهذيب تاريخ الشام ج 5 ص 220 عن عائشة قالت: رأيت رسول الله (ص) واضعا
يده على عرف فرس دحية فسألته عن ذلك قال " ص " ذاك جبرئيل وهو يقرئك السلام
فقالت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. هذا أصل الحديث ثم أخذ الشعبي والزهري
وأنس وأمثالهم يتحدثون عن نزول جبرئيل بصورة دحية تركيزا لهذا الحديث. وبالنظر
إلى ما في تاريخ ابن عساكر من الرواية عن ابن عباس أن دحية أسلم في زمن أبي بكر تفسد
جميع تلك الأحاديث
(2) الوسائل الباب 43 من صلاة الجماعة
213

بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ويغتسل من مسه ".
الثاني - ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو
أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم إليه فيقدمه؟ فقال يتم صلاة القوم
ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال وكان الذي
أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما كان فاته أو بقي عليه ".
الثالث - ما رواه في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام ما كان
من إمام تقدم في الصلاة وهو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه
فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه ثم ليتوضأ وليتم
ما سبقه به من الصلاة، فإن كان جنبا فليغتسل وليصل الصلاة كلها ".
الرابع - ما رواه في الكافي والتهذيب عن سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) " أن عليا عليه السلام كأن يقول لا يقطع الصلاة الرعاف ولا القئ ولا الدم فمن
وجد أذى فليأخذ بيد رجل من القوم من الصف فليقدمه يعني إذا كان إماما ".
الخامس - ما رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) (4) قال: " سألته عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو
ركعتين فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان: قال يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا
فيسلم بهم ويقوم هو فيتم بقية صلاته ".
السادس - ما رواه في التهذيب عن معاوية بن شريح (5) قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا أحدث الإمام وهو في الصلاة لم ينبغ أن يقدم إلا من
شهد الإقامة ".

(1) الوسائل الباب 40 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 72 من صلاة الجماعة.
(3) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة. وفي التهذيب ج 1 ص 228 " عن أبي حفص "
(4) الوسائل الباب 40 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 41 من صلاة الجماعة
214

السابع - ما رواه عن سليمان بن خالد في الصحيح (1) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ فقال
لا يقدم رجلا قد سبق بركعة ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه ".
الثامن - ما رواه في الفقيه عن معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه السلام (2) أنه قال: " لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة فإن قدم مسبوقا
بركعة فإن عبد الله بن سنان روى عنه عليه السلام أنه قال إذا أتم صلاته بهم فليومئ إليهم
يمينا وشمالا فلينصرفوا ثم ليكمل هو ما فاته من صلاته ".
التاسع - ما رواه في الفقيه أيضا عن جميل بن دراج في الصحيح عنه عليه السلام (3)
" في رجل أم قوما على غير وضوء فانصرف وقدم رجلا ولم يدر المقرم ما صلى
الإمام قبله؟ قال يذكره من خلفه ".
العاشر - ما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (4) قال: " سألت أحدهما
(عليهما السلام) عن إمام أم قوما فذكر أنه لم يكن على وضوء فانصرف وأخذ بيد رجل
وأدخله وقدمه ولم يعلم الذي قدم ما صلى القوم؟ قال يصلي بهم فإن أخطأ سبح القوم
به وبنى على صلاة الذي كان قبله ".
الحادي عشر - ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة في الصحيح (5) قال:
" قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة فأحدث
إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه فصلى بهم أتجزئهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها
صلاة؟ فقال لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة
بل ينبغي له أن ينويها صلاة فإن كان قد صلى فإن له صلاة أخرى وإلا فلا يدخل

(1) الوسائل الباب 41 من صلاة الجماعة
(2) الفقيه ج 1 ص 262 وفي الوسائل الباب 41 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 40 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 40 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 39 من صلاة الجماعة
215

معهم، قد تجزئ عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها ".
الثاني عشر - ما رواه في التهذيب في الصحيح (1) قال: " سأل علي بن جعفر أخاه
موسى بن جعفر عليه السلام إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم؟
قال لا صلاة لهم إلا بإمام فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم "
الثالث عشر - ما رواه في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (2)
قال: " سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه ليس على وضوء؟ قال
يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الإمام ضمان ".
الرابع عشر - ما رواه في الفقيه والتهذيب في الموثق عن أبي العباس البقباق
عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري
فإذا ابتلى بشئ من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم
فقدمه فأمهم.. الحديث ".
الخامس عشر - ما رواه في كتاب الاحتجاج من سؤالات الحميري للناحية
المقدسة (4) قال: " كتب الحميري إلى القائم عليه السلام أنه روى عن العالم عليه السلام أنه سئل
عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال
عليه السلام يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه؟ التوقيع ليس على من
نحاه إلا غسل اليد وإذا لم يحدث ما يقطع الصلاة تمم صلاته مع القوم.. الحديث ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع:
(أحدها) - المفهوم من هذه الأخبار أن مواضع الاستنابة من الإمام أو المأمومين
في صور: (الأولى) - موت الإمام كما في الخبر الأول والخبر الخامس عشر

(1) الوسائل الباب 72 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 3 من غسل المس
216

(الثانية) - في صورة دخوله في الصلاة على غير طهارة نسيانا كما تضمنه الخبر
الثالث والتاسع والعاشر والثالث عشر (الثالثة) - في صورة ما لو أحدث الإمام في
الصلاة، وعليه يدل الخبر الثاني والثالث والرابع بحمل الأذى فيه وهو الوجع في
البطن على ما لا يتحمل الصبر عليه أو الكناية عن خروج الحدث، والسادس
والسابع والثامن والحادي عشر والثاني عشر. (الرابعة) - ما لو أصابه الرعاف ولم يمكن
غسله إلا بالمنافي، وعليه يدل الخبر الخامس. (الخامسة) - في ما لو كان الإمام
مسافرا كما يدل عليه الخبر الرابع عشر، فهذه المواضع الخمسة مورد النصوص
في الاستنابة.
والأصحاب قد ذكروا الاغماء مضافا إلى الموت ونقلوا الاجماع عليه، قال
في المدارك - بعد قول المصنف: وإذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب من يتم بهم
الصلاة - قد أجمع الأصحاب على أن الإمام إذا مات أو أغمي عليه يستحب للمأمومين
استنابة من يتم بهم الصلاة كما نقله جماعة: منهم - العلامة في التذكرة، وتدل عليه
روايات.. ثم أورد الخبر الأول خاصة ومورده كما عرفت إنما هو الموت.
والظاهر أنهم بنوا على أن الاغماء في تلك الحال في حكم الموت، بل ظاهر
كلام جملة منهم عروض المانع للإمام بقول مطلق. وهو جيد من حيث الاعتبار
إلا أنه بالنسبة إلى عدم النص عليه لا يخلو من شوب الاشكال.
وثانيها - قال في المدارك بعد الاستدلال بالخبر الثاني عشر: ومقتضى
الرواية وجوب الاستنابة إلا أن العلامة (قدس سره) في التذكرة نقل اجماع علمائنا
على انتفاء الوجوب، وعلى هذا فيمكن حمل الرواية على أن المنفي فيها الكمال
والفضيلة لا الصحة. والمسألة محل تردد. انتهى.
أقول: الظاهر أنه غفل عن صحيحة زرارة وهي الخبر الثالث عشر فإنه ظاهر
في جواز الانفراد مضافا إلى دعوى الاجماع في المقام، وحينئذ فيجب حمل صحيحة
علي بن جعفر على تأكد الاستحباب كما يقوله الأصحاب. وظاهر جملة من الأصحاب
217

أيضا عدم الوقوف على الصحيحة المذكورة كالعلامة في المنتهى والفاضل الخراساني
في الذخيرة، فإنهم إنما استندوا - في تأويل صحيحة علي بن جعفر بحملها على الفضيلة
والاستحباب - إلى ما صرحوا به من جواز انفراد المأموم عن الإمام مع وجوده فمع
عدمه أولى. وسيأتي ما في هذا الدليل عند ذكر المسألة المذكورة. والأظهر إنما هو
الاستدلال بصحيحة زرارة المذكورة فإنها ظاهرة في جواز الاتمام منفردين.
وثالثها - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يكره أن يستناب
المسبوق سواء كانت الاستنابة من الإمام أو المأمومين، ووجه الكراهة الجمع بين
ما دل على الجواز كالخبر الثاني وعجز الخبر الثامن، وما دل على المنع كالخبر السادس
والسابع وصدر الخبر الثامن.
وقد صرح الأصحاب هنا بجواز استنابة من لم يكن من المأمومين، قال العلامة
في المنتهى: لو استناب من جاء بعد حدث الإمام فالوجه الجواز بناء على الأصل
ولأنه جاز استنابة التابع فغيره أولى. انتهى.
أقول: لا يخفى ما في هذا التعليل العليل وكأنه غفلوا عن الأخبار الواردة
من هذا القبيل وهي الرواية التاسعة والعاشرة، فإن ظاهر الخبرين المذكورين ما ذكرناه
فإن قوله " أخذ بيد رجل وأدخله وقدمه " يدل على أنه ليس من المأمومين وإنما
أدخله الإمام بعد اعتلاله ولهذا أنه لم يعلم ما صلى القوم، وظاهره أنه يصلي من
حيث قطع الإمام كما يدل عليه قوله في الخبر العاشر " وبنى على صلاة الذي كان قبله "
وأنه إنما يصلي بهم ذلك القدر الناقص خاصة. وهو حكم غريب لم يوجد له في
الأحكام نظير، فإن هذه الصلاة بالنسبة إلى هذا الداخل إنما هي عبارة عن مجرد
الأذكار وإن اشتملت على ركوع وسجود وإلا فإنها ليست بصلاة حقيقة، إذ
المفهوم من الخبرين المذكورين أنه يدخل معهم من حيث اعتل الإمام ويخرج معهم
من غير أن يزيد شيئا على صلاتهم وإنما يؤمهم في ما بقي عليهم كائنا ما كان ولو ركعة
واحدة، ومن هذا حصل الاستغراب. واحتمال حمل الخبرين المذكورين على استنابة
218

بعض المأمومين من المسبوقين - كما يفهم هذين الخبرين أو أحدهما مع
أحاديث المسبوق كما جرى عليه في المدارك ومثله صاحب الوسائل - بعيد بل غير
مستقيم، لأن المسبوق الداخل في الصلاة قبل اعتلال الإمام عالم بما صلوا وأن
دخوله في أي ركعة لأنه صلى بصلاتهم ومع عدم علمه فالواجب عليه الاتيان
بالترتيب الواجب عليه شرعا، فلا معنى لقوله " فإن أخطأ سبح القوم به " ولا
لقوله " بنى على صلاة الذي كان قبله " ولا معنى أيضا لقوله " وأخذ بيد رجل وأدخله "
فإن هذا كله إنما يبتني على رجل خارج من الصلاة لم يدخله الإمام إلا بعد اعتلاله
وهو صريح عبارة العلامة المتقدمة، فهو إنما يبتدئ الصلاة من حيث قطع الأول
فلو فرضنا أن الأول انصرف عن ركعتين أتم هذا الداخل بالمأمومين الركعتين
الأخيرتين خاصة وهكذا. قال في المنتهى أيضا: لو استخلف من لا يدري كم صلى
فالوجه أنه يبني على اليقين فإن وافق الحق وإلا سبح القوم به فيرجع إليهم. ثم نقل
أقوالا عديدة من العامة، ثم احتج برواية زرارة المتقدمة. وبالجملة فالحكم المذكور
في غاية الغرابة ولم أقف على من أفصح عن الكلام فيه ولا تنبه لما ذكرناه. والله العالم
ورابعها - الظاهر أنه لا فرق بين اعتلال الإمام وخروجه أن يقدم هو أو
المأمومون من يتم بهم أو يتقدم شخص من المأمومين ممن له أهلية الإمامة من غير
استخلاف أو يأتم كل طائفة بإمام أو يأتم بعض وينفرد بعض.
قال في المنتهى: لو قدم بعض الطوائف إماما وصلى الآخرون منفردين
جاز لأن لهم الانفراد مع وجود الإمام فمع العدم أولى.
أقول: فيه أنه مبني على مسألة انفراد المأموم من غير عذر كما تقدمت
الإشارة إليه في كلامه وسيأتي ما فيه إن شاء الله تعالى.
والأظهر الاستدلال على ذلك بما ذكرنا من صحيحة زرارة وهي الخبر
الثالث عشر الظاهر في جواز صلاتهم فرادى بعد اعتدال الإمام مع الأخبار الدالة
على جواز الاستنابة بل استحبابها، فإذا كان الأمران جائزين للجميع جاز ذلك
219

بالنسبة إلى البعض في جميع ما ذكرنا من الصور.
وخامسها - قد دل الخبر الثاني الوارد في استنابة المسبوق وكذا عجز الخبر
الثامن على أنه بعد تمام صلاة المأمومين يومئ إليهم بيده عن اليمين والشمال عوض
التسليم بهم ثم يتم ما فاته، ودل الخبر الخامس على أنه يقدم رجلا منهم يسلم بهم
ثم يقوم هو ويتم ما بقي عليه. والجمع بين الأخبار يقتضي التخيير بين الأمرين.
وقال العلامة في المنتهى: ولو انتظروا حتى يفرغ ويسلم بهم لم أستبعد جوازه
وقد ثبت جواز ذلك في صلاة الخوف. انتهى.
أقول: ثبوت ذلك في صلاة الخوف لا يستلزم جوازه هنا سيما بعد ورود
النص بالحكم في هذه الصلاة بالخصوص كما عرفت. والله العالم.
وسادسها - أن الخبر الرابع عشر قد دل على أنه بعد تمام صلاة الإمام يقدم
من يتم بالمأمومين صلاتهم، والظاهر أنه لا فرق بين أن يقدم الإمام أو يقدموا
لأنفسهم من يختارونه من المأمومين.
وهل يجري هذا الحكم في المسبوقين بأن يأتم بعضهم ببعض بعد انقضاء صلاة
الإمام وقيامهم لما بقي عليهم من الصلاة؟ اشكال، قال في المدارك: ومتى اقتدى
الحاضر بالمسافر في الصلاة المقصورة وجب على المأموم اتمام صلاته بعد تسليم الإمام
منفردا أو مقتديا بمن صاحبه في الاقتداء كما في صورة الاستخلاف مع عروض
المبطل، وربما ظهر من كلام العلامة في التحرير التوقف في جواز الاقتداء على
هذا الوجه، حيث قال: ولو سبق الإمام اثنين ففي ائتمام أحدهما بصاحبه بعد
تسليم الإمام إشكال. وكيف كان فالظاهر مساواته لحالة الاستخلاف. انتهى.
أقول: ينبغي أن يعلم أن هنا صورتين: (إحداهما) أن يقتدي جماعة من
الحاضرين بمسافر، ولا ريب أنه متى أتم المسافر صلاته فإنه يجب على المأمومين
الاتيان بما بقي من صلاتهم، وهل يجوز أن يأتم بعضهم ببعض في تلك البقية أم لا؟
220

و (الثانية) أنه لو سبق الإمام اثنين فصاعدا بمعنى أنهم لم يدركوا الإمام إلا بعد
فوات ركعة أو ركعتين من صلاته فبعد تسليم الإمام وقيامهم لما بقي عليهم هل يأتم
بعضهم ببعض أم لا؟ وهذه الصورة الثانية هي مراد العلامة من هذا الكلام
والصورة الأولى هي المفروضة في كلامه " قدس سره " وكلام السيد هنا لا يخلو من
اجمال فيحتمل أنه حمل كلام العلامة هنا على ما فرضه أولا من صورة اقتداء
الحاضرين بالمسافر كما يشير إليه قوله بالتوقف في جواز الاقتداء على هذا الوجه يعني
الوجه المتقدم في كلامه أو ما هو أعم من الصورتين المفروضتين وإن كلام العلامة
شامل لاقتداء الحاضرين بالمسافر.
وكيف كان فالظاهر أن المسألتين متغايرتان والنص قد دل بالنسبة إلى ائتمام
الحاضرين بالمسافر أنه بعد تمام صلاة الإمام يقدم بعض المأمومين، فجواز الائتمام
هنا من ما لا اشكال فيه سواء قدمه الإمام لما عرفت من الخبر الرابع عشر أو
المأمومين لعين ما تقدم في صورة موت الإمام كالخبر الأول، وفي صورة ما لو
أحدث وانصرف ولم يقدم أحدا كما في الخبر الثاني عشر، فإن الإمامة لما كانت
جائزة ومشروعة لا يفرق بين الآتي بها والمتصدي لها من الإمام أو المأمومين
أو تقدم بعضهم واقتداء الباقي من غير تعيين أحد، أما بالنسبة إلى المسبوقين بعد
اتمام الإمام صلاته فلم يرد هنا نص على الاستخلاف من الإمام أو المأمومين.
وقوله: " وكيف كان فالظاهر مساواته لحال الاستخلاف " إن أراد به
بالنسبة إلى ائتمام الحاضرين بالمسافر فقد عرفت أنه لا إشكال فيه، وإن أراد
بالنسبة إلى الصورة الأخرى وهي الظاهرة من كلام العلامة فلا أعرف لهذه الظاهرية
وجها يعتمد عليه، فإن العبادات عندنا مبنية على التوقيف كما وكيفا وفرادى
وجماعة، والنصوص الواردة بالاستخلاف المستلزم لنقل النية من المأمومية إلى
الإمامة ومن الائتمام بإمام إلى الائتمام بآخر مخصوصة بالصور الخمس التي قدمناها
وليس هذا منها، والحاق ما سوى ذلك به قياس لا يوفق أصول المذهب وإن
221

كان بعض الأصحاب قد عدوا ذلك إلى صور خالية من النصوص، والظاهر أنه
لما ذكرناه استشكل العلامة في صورة المسبوقية وهو في محله.
وبالجملة فإن العدول في الصلاة من نية إلى أخرى - مع ما يترتب على ذلك
من تغاير الأحكام كما هو المعلوم من أحكام الإمامة والمأمومية - أمر على خلاف
الأصل المستفاد من قواعد الشرع. فالواجب الاقتصار فيه على موارد الرخص،
وقد عرفت اختصاص ذلك بالصور الخمس المتقدمة وإلا فههنا صور عديدة قد قدمنا
الكلام فيها مستوفى في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة:
منها - أن يعدل من الائتمام بإمام في أثناء الصلاة إلى الائتمام بآخر لو حضرت
جماعة أخرى في ذلك المكان، وقد نقل القول بالجواز هنا عن العلامة في التذكرة
وتبعه المحدث الكاشاني في المفاتيح.
ومنها - ما لو صلى مأموما ثم عدل في أثناء الصلاة إلى نية الإمامة ببعض
المأمومين أو غيرهم بعد نقل نيته إلى الانفراد أو عدمه.
ومنها - أن ينقل الإمام نيته في الأثناء إلى الائتمام ببعض المأمومين وذلك
المأموم ينقل نيته إلى الإمامة.
إلى غير ذلك من الصور التي يمكن فرضها، وقد تقدم الكلام فيها ونحوها
في الموضع المشار إليه، والأظهر الأشهر العدم لما عرفت من الخروج عن مواضع
النصوص. والله العالم.
المسألة السادسة - قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) كراهة الإمامة في
جملة من المواضع: منها - المسبوق وقد تقدم الكلام فيه في سابق هذه المسألة.
ومنها - المجذوم والأبرص والمحدود والأعرابي، وقد تقدم الكلام في هؤلاء
الأربعة في بحث صلاة الجمعة.
ومنها - الأغلف وقد أطلق جملة من الأصحاب كراهة إمامة الأغلف، ومنع
منه جماعة منهم كالشيخ والمرتضى.
222

وقال في المدارك - بعد أن ذكر المصنف الأغلف في من يكره إمامته -
ما صورته: الحكم بكراهة إمامة الأغلف مشكل على اطلاقه لأن من أخل بالختان
مع التمكن منه يكون فاسقا فلا تصح إمامته، وأطلق الأكثر المنع من إمامته وهو
مشكل أيضا.
وقال المحقق في المعتبر: والوجه أن المنع مشرط بالفسوق وهو التفريط في
الاختتان مع التمكن لا مع العجز، وبالجملة ليس الغفلة مانعة باعتبارها ما لم ينضم
إليها الفسوق بالاهمال ونطالب المانعين بالعلة، فإن احتجوا - بما رواه أبو الجوزاء
عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم
السلام) (1) قال: " الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم لأنه ضيع من السنة أعظمها
ولا تقبل له شهادة ولا يصلي عليه إلا أن يكون منع ذلك خوفا على نفسه " فالجواب
من وجهين: (أحدهما) - الطعن في سند الرواية فإنهم بأجمعهم زيدية مجهولو الحال
و (الثاني) - أن نسلم الخبر ونقول بموجبه، فإنه تضمن ما يدل على إهمال
الاختتان مع وجوبه فلا يكون المنع متعلقا على الغلفة، فإن ادعى مدع الاجماع
فذاك يلزم من علمه ونحن لا نعلم ما ادعاه. انتهى. وهو جيد.
ثم إن الظاهر أنه مع قدرته على الاختتان والاخلال به لا يقتضي ذلك
بطلان صلاته بل غايته الإثم لعدم توجه النهي إلى شئ من العبادة وإنما هو أمر
خارج إلا عند من يقول باقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص، وهو قول
مرغوب عنه لعدم الدليل عليه بل الدليل على خلافه واضح السبيل. إلا أن
شيخنا الشهيد الثاني في الروض صرح بأنه لا تصح صلاته بدون الاختتان وإن كان
منفردا، ولا أعرف له وجها ولا سيما أن مذهبه في تلك المسألة الأصولية هو عدم
استلزام الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص.
ومن ما يدل على النهي عن إمامة الأغلف زيادة على الخبر المذكور ما نقله

(1) الوسائل الباب 13 من صلاة الجماعة.
223

في البحار (1) عن كتاب جعفر بن محمد بن شريح عن عبد الله بن طلحة النهدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يؤم الناس المحدود وولد الزنا والأغلف والأعرابي
والمجنون والأبرص والعبد ".
وما رواه الصدوق في الخصال بسنده فيه عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين
عليه السلام (2) قال: " ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس: ولد الزنا والمرتد والأعرابي بعد
الهجرة وشارب الخمر والمحدود والأغلف، ورواه جعفر بن محمد بن قولويه في
كتابه باسناده إلى الأصبغ مثله (3).
وروى في المقنع مرسلا (4) قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام الأغلف لا يؤم
القوم.. الحديث كما تقدم في حديث الزيدية.
ومنها - إمامة من يكرهه المأمومون وقد ورد بذلك جملة من الأخبار: منها -
ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (5) قال: قال النبي صلى الله عليه وآله ثمانية لا يقبل الله
لهم صلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط
ومانع الزكاة وإمام قوم صلى بهم وهم له كارهون.. الحديث ".
وروى في الكتاب المذكور بسنده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد
عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (6) في حديث المناهي قال: " ونهى أن يؤم
الرجل قوما إلا بإذنهم. وقال من أم قوما بإذنهم وهم به راضون فاقتصد بهم في
حضوره وأحسن صلاته بقيامه وقراءته وركوعه وسجوده وقعوده فله مثل أجر
القوم ولا ينقص من أجرهم شئ ".

(1) ج 18 الصلاة ص 627
(2) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 13 من صلاة الجماعة.
(5) الوسائل الباب 27 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 27 من صلاة الجماعة
224

وروى في كتاب الخصال بسنده عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " أربعة لا تقبل لهم صلاة: الإمام الجائر، والرجل يؤم القوم وهم
له كارهون، والبعد الآبق من مولاه من غير ضرورة، والمرأة تخرج من بيتها بغير
إذن زوجها ".
وروى الشيخ بسنده عن زكريا صاحب السابري عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
قال: " ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر: مؤذن أذن احتسابا، وإمام أم قوما
وهم به راضون، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه ".
وروى في الأمالي بسنده فيه عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " ثلاثة لا تقبل لهم صلاة: عبد آبق من مواليه حتى يرجع إليهم
فيضع يده في أيديهم، ورجل أم قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها
عليها ساخط " ورواه الكليني في كتاب النكاح (4).
وروى جملة من الأصحاب عن علي عليه السلام (5) أنه قال لرجل أم قوما وهم له
كارهون: " إنك لخروط " قال في الروض: إنه بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة والواو
والطاء المهملة وهو الذي يتهور في الأمور ويركب رأس كل ما يريد بالجهل وقلة
المعرفة بالأمور.
قال العلامة في التذكرة: الأقرب أنه إن كان ذا دين يكرهه القوم لذلك
لم تكره إمامته والإثم على من كرهه وإلا كرهت. وظاهر هذا الكلام حمل الأخبار
المذكورة على من لم يكن أهل الإمامة ويحمل الناس على الائتمام به، وحينئذ
فهذه الكراهة ترجع إلى التحريم إلا مع التقية.
وقال في المنتهى: لا تكره إمامة من يكرهه المأمومون أو أكثرهم إذا كان

(1) الوسائل الباب 27 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 27 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 27 من صلاة الجماعة
(4) ج 2 ص 60 وفي الوسائل الباب 80 من مقدمات النكاح
(5) الفائق للزمخشري ونهاية ابن الأثير ولسان العرب وتاج العروس مادة " خرط "
225

بشرائط الإمامة خلافا لبعض الجمهور (1) لنا قوله صلى الله عليه وآله (2): " يؤمكم أقرأكم "
وذلك عام، ولا اعتبار بكراهة المأمومين له إذا الإثم إنما يتعلق بمن يكرهه لا به.
انتهى. وهو جيد يرجع إلى ما تقدم.
أقول: ويمكن - ولعله الأقرب - أن المراد بالأخبار المذكورة أن المأمومين ليس
لهم مزيد اعتقاد فيه ويرجحون غيره عليه ويريدون الائتمام بغيره وهو يحملهم مع
ذلك على الائتمام به ويمنعهم من غيره، وحينئذ فالكراهة في محلها وإن صحت
الصلاة خلفه. والله العالم.
ومنها - المتيمم بالمتوضئين، والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب بل قال العلامة
في المنتهى: إنا لا نعرف فيه خلافا إلا ما حكي عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع
من ذلك (3).
واستدل الشيخ على الحكم المذكور في كتابي الأخبار بما رواه عن عباد بن
صهيب (4) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول " لا يصلي المتيمم بقوم متوضئين "
وعن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (5) قال: " لا يؤم
صاحب التيمم المتوضئين ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء ".
وإنما حملتا على الكراهة لما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن جميل بن
دراج (6) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن إمام قوم أجنب وليس معه من الماء ما يكفيه
للغسل ومعهم ماء يتوضأون به أيتوضأ بعضهم ويؤمهم؟ قال لا ولكم يتيمم الإمام

(1) في المهذب ج 1 ص 98: ويكره أن يصلي الرجل بقوم وأكثرهم له كارهون، وإن
كان الذي يكره أقل فلا كراهة. وبه قال ابن قدامة في المغني ج 1 ص 363 وقال أحمد إذا
كرهه واخد أو اثنان فلا بأس.
(2) ص 208
(3) في البحر الرائق ج 1 ص 263 ذهب محمد إلى فساد اقتداء المتوضئ بالتيمم
وذهبا (أبو حنيفة وأبو يوسف) إلى صحة
(4) الوسائل الباب 17 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 17 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 17 من صلاة الجماعة. واللفظ للفقيه ج 1 ص 250
226

ويؤمهم فإن الله (عز وجل) جعل الأرض طهورا كما جعل الماء طهورا ".
وما رواه الشيخ عن عبد الله بن بكير في الموثق (1) قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل أجنب ثم تيمم فأمنا ونحن طهور؟ فقال لا بأس به ".
وعن عبد الله بن المغيرة في الحسن عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
قال: " قلت له رجل أم قوما وهو جنب وقد تيمم وهم على طهور: فقال لا بأس ".
وعن أبي أسامة عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في الرجل يجنب وليس معه ماء
وهو إمام القوم؟ قال يتيمم ويؤمهم ".
والأقرب عندي في الجمع بين هذه الأخبار هو حمل الأخبار الأولة على التقية
لا تفاق المخالفين إلا الشاذ النادر على الحكم المذكور (4) كما عرفت من كلام العلامة
وإن وافقهم أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ذلك وجعلوه وجه جمع بين هذه الأخبار إلا أن الأخبار المجوزة لا إشارة فيها إلى ذلك فضلا عن التصريح به، ويعضده
أن رواة الخبرين الأولين من العامة. وإلى ما ذكرناه من العمل بهذه الأخبار
الأخيرة يميل كلام صاحب المدارك بناء على قاعدته، حيث نقل صحيحة جميل في
المسألة ورد الخبرين الأولين بضعف الاسناد ورجح العمل بالصحيحة المذكورة
لضعف المعارض لها ولم ينقل شيئا من الروايات التي أردفناها به. وبالجملة فالأظهر
عندي ما ذكرته. والله العالم.
ومنها - العبد وقد وقع الخلاف في إمامته، فقال في المبسوط والنهاية: لا يجوز
أن يؤم الأحرار ويجوز أن يؤم مواليه إذا كان أقرأهم. وقال ابن بابويه في المقنع:
ولا يؤم العبد إلا أهله لرواية السكوني (5) وأطلق ابن حمزة أن العبد لا يؤم الحر،

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 17 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 17 من صلاة الجماعة
(4) في المهذب ج 1 ص 97 يجوز للمتوضئ أن يصلي خلف المتيمم لأنه أتى عن طهارة
يبدل. وفي المغني ج 2 ص 225 يصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم لا أعلم فيه خلافا لأن عمرو
ابن العاص صلى بأصحابه متيمما وبلغ النبي (ص) فلم ينكره.
(5) ص 228
227

وجوز إمامته مطلقا ابن الجنيد وابن إدريس، وأطلق الشيخ في الخلاف جواز إمامته
قال: وفي بعض رواياتنا لا يؤم إلا مولاه. وقال أبو الصلاح يكره.
ويدل على جواز إمامته جملة من الأخبار: منها - ما رواه في الكافي في الصحيح
أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " قلت له الصلاة خلف العبد
فقال لا بأس به إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه.. الحديث ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2)
" أنه سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثر هم قرآنا؟ قال لا بأس به " ورواه
أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر مثله (3).
وعن سماعة في الموثق (4) قال: " سألته عن المملوك يؤم الناس فقال لا
إلا أن يكون هو أفقههم وأعلمهم ".
وما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري
عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (5) قال: " لا بأس أن يؤم المملوك
إذا كان قارئا ".
وهذه الأخبار كما ترى كلها ظاهرة في الجواز إذا كان من أهل الإمامة.
إلا أنه روى الشيخ عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) (6) قال " لا يؤم العبد إلا أهله ".
وجمع الشيخ بينه وبين الأخبار المتقدمة بحمل هذا الخبر على الاستحباب
وتبعه في ذلك جملة من الأصحاب كما هي قاعدتهم في سائر الأبواب.
أنت خبير بأن ظاهر تلك الأخبار على تعدادها مؤذن بجواز الإمامة متى
كان قارئا أو فقيها من غير اشعار بكراهة بالكلية، وحملها على خلاف ظاهرها
بمجرد هذا الخبر مع ضعفه وعدم نهوضه بالمعارضة مشكل، ولعل طرحه
وارجاعه إلى قائله هو الأولى إن لم يكن خرج مخرج التقية. ومن ذلك يظهر لك

(1) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة
228

عدم المستند لما ذكروه من الأقوال المتقدمة فإن هذه أخبار المسألة التي وصلت
إلينا. والله العالم.
ومنها - المقيد بالمطلقين وصاحب الفالج بالأصحاء، والظاهر أن إمامة المقيد
بالمطلقين ترجع إلى إمامة القاعد بالقائمين، وقد عرفت آنفا أن الحكم في ذلك هو
التحريم، وحينئذ فلا وجه لعده هنا في المكروهات كما ذكره بعضهم إلا أن يكون
المقيد يستطيع الصلاة قائما وهو خلاف الظاهر وكذا صاحب الفالج، وبالجملة فإنه
متى استلزم نقصان صلاة الإمام بترك شئ من واجباتها فظاهرهم المنع من الاقتداء
كما صرحوا به في غير موضع وإلا فالكراهة.
ومن الأخبار الواردة هنا ما رواه في الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام لا يؤم المقيد المطلقين ولا صاحب الفالج
الأصحاء ولا صاحب التيمم المتوضئين.. الحديث " ورواه الصدوق مرسلا (2).
وعن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (3) قال " لا يؤم صاحب
الفالج الأصحاء ".
وعن صاعد بن مسلم عن الشعبي (4) قال قال علي عليه السلام في حديث: " لا يؤم
المقيد المطلقين ".
قال شيخنا المجلسي في البحار: وظاهر كلام بعض الأصحاب عدم جواز إمامة
المقيد المطلقين وصاحب الفالج الأصحاء، والمشهور الكراهة إلا مع عدم تمكنهما
من الاتيان بأفعال الصلاة. انتهى.
ومنها - إمامة المسافر بالحاضر وبالعكس، وقد تقدم الكلام في ذلك في
المسألة العاشرة من المطلب المتقدم.

(1) الوسائل الباب 22 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 22 من صلاة الجماعة إلى قوله " الأصحاء "
(3) الوسائل الباب 22 من صلاة الجماعة. والرواية للشيخ في التهذيب ج 1 ص 302
(4) الوسائل الباب 22 من صلاة الجماعة. وفي النسخ " محمد بن مسلم " وقد صححناه
229

المطلب الثالث في الأحكام
وفيه مسائل: الأولى - الأشهر الأظهر أنه لو تبين بعد الصلاة أن الإمام
كافر أو فاسق أو على غير طهارة لم تبطل صلاة من ائتم به، ونقل عن المرتضى
وابن الجنيد أنهما أوجبا الإعادة على المأموم، كذا نقله عنهما في المدارك ومثله الفاضل
الخراساني في الذخيرة. وظاهره يؤذن بأن المرتضى خالف في كل من المسائل
الثلاث أعني فسق الإمام وكفره وحدثه، والظاهر أنه ليس كذلك فإن ظاهر
العلامة في المنتهى والمختلف أن خلاف السيد إنما هو في مسألتي الكفر والفسق
دون الحدث، أما في المنتهى فإنه قال: لو صلى خلف من ظاهره العدالة فبان
فاسقا لم يعد وبه قال الشيخ وقال السيد المرتضى يعيد. ثم قال: الثاني - لو صلى
خلف جنب أو محدث عالما أعاد بغير خلاف ولو كان جاهلا لم يعد، قال السيد
المرتضى يلزم الإمام الإعادة دون المأموم. قال: وقد روي أن المأمومين إن علموا
في الوقت لزمهم الإعادة. وأما في المختلف فإنه إنما نقل خلاف المرتضى في مسألة
ظهور الفسق أو الكفر وأما مسألة الحدث فلم يتعرض لذكرها في الكتاب، وهو
مؤذن بأنها ليست محل خلاف. وحكى الصدوق في الفقيه عن جماعة من مشايخه
أنه سمعهم يقولون ليس عليه إعادة شئ من ما جهر فيه وعليهم إعادة ما صلى بهم
من ما لم يجهر فيه، قال: والحديث المفصل يحكم على المجمل.
ويدل على القول المشهور جملة من الأخبار: منها - ما رواه ثقة الاسلام
والشيخ عن ابن أبي عمير في الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) " في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل فلما
صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي؟ قال لا يعيدون ".
وقال الصدوق في الفقيه: وفي كتاب زياد بن مروان القندي وفي نوادر محمد

(1) الوسائل الباب 37 من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني
230

ابن أبي عمير أن الصادق عليه السلام (1) قال: " في رجل صلى بقوم من حين خرجوا
من خراسان حتى قدموا مكة فإذا هو يهودي أو نصراني؟ قال ليس عليهم إعادة ".
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2)
قال: " سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته
فقال يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنه على غير طهر ".
وعن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " سألته عن قوم
صلى بهم إمامهم وهو غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال لا إعادة عليهم
تمت صلاتهم وعليه هو الإعادة، وليس عليه أن يعلمهم هذا عنه موضوع ".
وعن عبد الله بن بكير في الموثق به (4) قال: " سأل حمزة بن حمران
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا نعلم؟ قال لا بأس "
وعن عبد الله بن أبي يعفور بسند لا يبعد أن يكون موثقا (5) قال: " سئل
أبو عبد الله عليه السلام عن رجل أم قوما وهو على غير وضوء؟ فقال ليس عليهم إعادة
وعليه هو أن يعيد ".
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (6) أنه قال: " في رجل يصلي
بالقوم ثم يعلم أنه صلى بهم إلى غير القبلة؟ قال ليس عليهم إعادة ".
وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (7) قال: " من صلى
بقوم وهو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة وليس عليهم أن يعيدوا، وليس
عليه أن يعلمهم ولو كان ذلك عليه لهلك. قال قلت كيف كان يصنع بمن قد خرج
إلى خراسان وكيف كان يصنع بمن لا يعرف؟ قال هذا عنه موضوع ".
وبإسناده عن جميل بن دراج عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (8)

(1) الوسائل الباب 37 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة
(5) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة
(6) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة
(7) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة
(8) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة
231

قال: " سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه ليس على وضوء؟ قال يتم
القوم صلاتهم فإنه ليس على الإمام ضمان ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل أم قوما وهو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلوا؟ فقال يعيد هو
ولا يعيدون ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (2) قال: " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام أيضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن؟ فقال لا يضمن
أي شئ يضمن؟ إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر ".
وأما ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن العرزمي عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
- قال " صلى على (عليه السلام) بالناس على غير طهر وكانت الظهر ثم دخل فخرج
مناديه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صلى على غير طهر فأعيدوا وليبلغ
الشاهد الغائب " -
فأجاب عنه الشيخ في التهذيبين بأن هذا خبر شاذ مخالف للأخبار كلها وما
هذا حكمه لا يجوز العمل به، على أن فيه ما يبطله وهو أن أمير المؤمنين (عليه
السلام) أدى فريضة على غير طهر ساهيا غير ذاكر، وقد أمننا من ذلك دلالة
عصمته (عليه السلام) انتهى. وهو جيد.
أقول: ومن الأخبار الدالة على ما دل عليه هذا الخبر من وجوب الإعادة
على المأمومين ما نقله في كتاب البحار (4) عن نوادر الراوندي بسنده فيه عن
موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه عن علي (عليهم
السلام) قال: " من صلى بالناس وهو جنب أعاد هو وأعاد الناس ".

(1) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة.
(3) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة.
(4) ج 18 الصلاة ص 625. وفيه " أعاد هو والناس صلاتهم "
232

وما رواه في كتاب دعائم الاسلام عن علي (صلوات الله عليه) (1) قال: " صلى
عمر بالناس صلاة الفجر فلما قضى الصلاة أقبل عليهم فقال يا أيها الناس إن عمر صلى
بكم الغداة وهو جنب. فقال له الناس فماذا ترى؟ فقال على الإعادة ولا إعادة عليكم.
فقال له على (عليه السلام) بل عليك الإعادة وعليهم إن القوم بإمامهم يركعون
ويسجدون فإذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأمومين ".
قال شيخنا في البحار بعد نقل خبر الراوندي: وهذا الخبر يمكن حمله على علمهم
بكونه جنبا أو على الاستحباب أو على التقية لأنه مذهب الشعبي وابن سيرين
وأصحاب الرأي من العامة (2) وإن كان أكثرهم معنا.
أقول: وأظهر هذه الاحتمالات هو الثالث لأن مذهب أبي حنيفة وأصحابه
المعبر عنهم بأصحاب الرأي كان له قوة في وقته فحمل ما وافقه على التقية غير بعيد،
والتقية هنا من الكاظم (عليه السلام) في نقل ذلك، وعلى ذلك يحمل أيضا حديث
كتاب الدعائم. وبالجملة فإنه لما ثبت اتفاق الطائفة على الحكم المذكور وتكاثر الأخبار
الصريحة الصحيحة به كما عرفت من ما تلوناه فلا مندوحة من تأويل هذين
الخبرين الضعيفين أو طرحهما بالكلية.
ونقل أن السيد المرتضى احتج - على ما نقل عنه - بأنها صلاة تبين فسادها
لاختلال بعض شرائطها فيجب إعادتها، وبأنها صلاة منهي عنها فتكون فاسدة.
وفيه (أولا) - أن هذا الاحتجاج في مقابلة النصوص المتكاثرة كما عرفت غير
مسموع. و (ثانيا) - أن تبين الفساد مسلم بالنسبة إلى الإمام أما بالنسبة إلى المأمومين فهو
محل المنع، لأنهم مأمورون بالاقتداء بمن ظاهره الاتصاف بشرط الإمامة أعم من أن
يكون ذلك الظاهر مطابقا للواقع أولا، ومقتضى الأمر الاجزاء والإعادة تحتاج إلى
دليل. وكذا قوله " إنها صلاة منهي عنها " مسلم بالنسبة إلى الإمام وأما المأموم

(1) مستدرك الوسائل الباب 32 من صلاة الجماعة
(2) المغني ج 2 ص 99
233

فلا بل هي مأمور بها لما عرفت.
وأما ما نقله الصدوق عن بعض مشايخه فلم يصل إلينا ما يدل على ما ذكروه
من التفصيل، والظاهر أنه لم يصل إليه أيضا وإلا لأفتى بما قالوه ولم يكتف بمجرد
نقل ذلك عنهم.
هذا. ولو ظهر ذلك في الأثناء فإنهم يعدلون إلى الانفراد بناء على القول
المشهور من عدم وجوب الإعادة، وأما على القول بوجوب الإعادة فقيل بأنه
يستأنف هنا. قيل ويحتمل الاستئناف على القولين إن قلنا بتحريم المفارقة في أثناء
الصلاة، قال في الذكرى: ولو صلى بهم بعض الصلاة ثم عملوا حينئذ أتم القوم في
رواية جميل وفي رواية حماد عن الحلبي (1) " يستقبلون صلاتهم ".
أقول: الظاهر هو القول بالعدول إلى الانفراد لما عرفت من الأخبار
المتكاثرة المتعاضدة الدلالة على صحة الصلاة كملا بعد العلم فكذا بعضها بطريق أولى،
ولصحيحة زرارة المتقدمة وهي الثانية من روايتيه المتقدمتين.
وأما ما نقله هنا في الذكرى من رواية حماد عن الحلبي الدالة على الاستقبال
فلم أقف عليها في ما حضرني من كتب الأخبار ولا سيما ما جمع الكتب الأربعة
وغيرها من الوسائل والبحار. والله العالم.
المسألة الثانية - قد تقدم في باب صلاة الجمعة الكلام في ما به تدرك الركعة
وتحتسب من ادراك الإمام راكعا أو أنه لا بد من إدراك تكبير الركوع، وقد تقدم
تحقيق القول في ذلك ونقل الأخبار المتعلقة بالمسألة.
بقي الكلام هنا بناء على القول المشهور ثمة من ادراك الركعة بالدخول معه
حال ركوعه، فلو دخل المأموم وخاف بالالتحاق بالصف رفع الإمام رأسه من
الركوع فإنه يكبر مكانه ويمشي في ركوعه حتى يلتحق بالصف، ولو سجد الإمام

(1) سيأتي منه (قدس سره) بعد أسطر التصريح بعدم الوقوف عليها
234

قبل التحاقه جاز له السجود في موضعه ثم الالتحاق بالصف إذا قام، قال في المنتهى:
ذهب إليه علماؤنا.
أقول: ويدل على الحكم الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم
عن أحدهما (عليهما السلام) (1) " أنه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن
تفوته لركعة؟ فقال يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم ".
قال الصدوق في الفقيه (2): وروى أنه يمشي في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى.
وعلى الثاني ما رواه عن عبد الرحمان بي أبي عبد الله في الصحيح عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن مشيت إليه رفع
رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف
وإن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف ".
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (4) قال: " رأيت أبا عبد الله عليه السلام يوما
وقد دخل المسجد الحرام لصلاة العصر فلما كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده
وسجد السجدتين ثم قام فمضى حتى لحق الصفوف ".
أقول: وفي ذكر هذا الخبر في عداد أخبار هذه المسألة كما ذكره الأصحاب
نظر لأن الظاهر أن ائتمامه عليه السلام إنما كان بمخالف، وقد عرفت أن الصلاة معهم إنما
هو على جهة الانفراد، فهو عليه السلام كان منفردا والكلام في المأموم الحقيقي، بقي
جواز مشيه عليه السلام حال الصلاة حتى لحق بالصف وهو محمول على التقية (5).

(1) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة. والراوي معاوية بن وهب
(5) في بداية المجتهد ج 1 ص 137 المسألة الخامسة من الفصل الثالث: ذهب مالك
وكثير من العلماء إلى أن الداخل وراء الإمام إذا خاف فوات الركعة له أن يركع دون
الصف ثم يدب راكعا، وكره ذلك الشافعي، وفرق أبو حنيفة بين الواحد فيكره وبين
الجماعة فيجوز لهم. وفي المغني ج 2 ص 134: ممن رخص في ركوع الرجل ثم بدب راكعا حتى
يدخل في الصف زبد بن ثابت وفعله ابن مسعود وزيد بن وهب وأبو بكر بن عبد الرحمن
وعروة وسعيد بن جبير وابن جريح وجوزه الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي إذا
كان قريبا من الصف.
235

أقول: ومن أخبار المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1)
قال: " قلت له الرجل يتأخر وهو في الصلاة؟ قال لا. قلت فيتقدم؟ قال نعم
ماشيا إلى القبلة " ورواه الكليني مثله (2).
وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدخل
المسجد وقد ركع الإمام فأركع بركوعه وأنا وحدي وأسجد فإذا رفعت رأسي أي
شئ أصنع؟ فقال قم فاذهب إليهم فإن كانوا قياما فقم معهم وإن كانوا جلوسا
فاجلس معهم " ورواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمار مثله (4).
وقيد شيخنا الشهيد الثاني المشي حال الصلاة بغير حالة الذكر الواجب،
والظاهر أن منشأه المحافظة على وجوب الطمأنينة في موضعها، إلا أن ظاهر النصوص
الاطلاق ولعله يخص هذا الاطلاق بما دلت عليه أدلة وجوب الطمأنينة. والأقرب
تخصيص أدلة وجوب الطمأنينة بهذه الأخبار فإنها أظهر في الدلالة سيما مع عدم
ما يدل على ما يدعونه من وجوب الطمأنينة من النصوص.
وقال العلامة في المنتهى: ولو فعل ذلك من غير ضرورة وخوف فوت
فالظاهر الجواز خلافا لبعض العامة (5) لأن للمأموم أن يصلي في الصف منفردا
وأن يتقدم بين يدية وحينئذ يثبت المطلوب. انتهى.
قال في الذخيرة بعد نقله: ويدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في
الصحيح (6) قال: قلت له: الرجل يتأخر وهو في الصلاة.. الخبر كما ذكرناه.
أقول: إن هنا مسألتين: أحداهما التقدم من صف إلى آخر والتأخر إما لسد

(1) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة
(5) لم أقف على نفس الفرع ويمكن أن يستفاد من ما في المجموع للنووي ج 4
ص 298 حيث إنه بعد حكاية الخلاف في صلاة المنفرد خلف الصف نقل أن المشهور عن أحمد وإسحاق صحة احرامه وإن دخل في الصف قبل الركوع صحت قدوته.
(6) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة
236

خلل الصفوف أو لضيق مكان المصلي أو لاتمام الصف، ومن الظاهر أنه ليس هنا
ما يمنع من ذلك إلا من حيث الاخلال بالطمأنينة لو انتقل في وقت تجب فيه
الطمأنينة، فالأولى والأظهر هو جواز الانتقال كما دلت عليه الأخبار لكن في
وقت لا يلزم الاخلال بالطمأنينة التي هي أحد واجبات الصلاة وفيه جمع بين الأدلة
الثانية - ما لو دخل المصلي المسجد وبينه وبين الصفوف مسافة تزيد على
ما لا يتخطى الذي هو كما عرفت من ما يبطل القدوة، فإن الأخبار هنا دلت على أنه متى خاف فوت الركعة برفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى الصفوف والالتحاق
بها فإنه يكبر مكانه ويركع، وتصير هذه المسافة والبعد المبطلان للقدوة في غير هذه
الصورة مغتفرين في هذه الصورة بالنص لضرورة ادراك الركعة، وقد رخص له
في الخبر أن يمشي في حال ركوعه ويلتحق بالصف، وفيه دليل على اغتفار وجوب
الطمأنينة وأنها لا تبطل الصلاة بتركها في هذه الصورة، وهكذا لو سجد الإمام قبل
التحاقه فإنه يسجد معه ولو جلس للتشهد جلس أيضا معه وإن كانت تلك المسافة
المبطلة في غير هذه الصورة موجودة لأنها صارت مغتفرة بهذه النصوص.
وبذلك يظهر لك ما في كلام المنتهى وإن وافقه عليه في الذخيرة من عدم
الاستقامة من أنه لو فعل ذلك من غير ضرورة وخوف فوت الركعة جاز قياسا على
التقدم والتأخر في الصفوف وهي كما عرفت مسألة أخرى، وكيف يجوز ما ذكروه
حال الاختيار والمفروض حصول البعد بين المأموم والصفوف بالقدر الممنوع
منه في غير هذه الصورة، اللهم إلا أن يبني كلامه على عدم حصول البعد الموجب
للاخلال بالقدوة الذي ناطوه بالعرف.
وبالجملة فإن كلامه هنا على ما حققناه آنفا في مسألة البعد وتحديده غير وجيه
ولا تام. وقياسه مسألة تكبير الداخل للجماعة قبل الالتحاق بالصفوف على مسألة
الانتقال من صف إلى آخر قياس مع الفارق كما عرفت. والله العالم.
المسألة الثالثة - المعروف من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يجوز
237

للمأموم مفارقة الإمام لغير عذر إلا أن ينوي الانفراد.
واستدل على الأول وهو عدم جواز المفارقة لغير عذر بالتأسي وقوله
صلى الله عليه وآله (1): " إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به ".
وفيه ما عرفت مرارا من أن التأسي لا يكون دليلا في وجوب أو تحريم إلا
مع معلومية وجهه وإلا فهو أعم من ذلك والأمر هنا كذلك. وأما الحديث
المذكور فقد تقدم الكلام في أنه غير ثابت من طرقنا بل الظاهر أنه من روايات
القوم كما صرح به بعض أصحابنا، مع ما في دلالته من المناقشة.
والأولى الاستدلال على ذلك بما ذكره بعض محققي متأخري المتأخرين من
أن الصلاة عبادة مترتبة على التوقيف عن صاحب الشرع وليس هنا ما يدل على
شرعيتها على هذا الوجه.
وأما المفارقة مع العذر فلا ريب في جوازها كما في المسبوق الذي يجلس للتشهد
حال قيام الإمام ويتشهد ثم يلتحق به، وكذا من تخلف عنه بركن أو أكثر لعذر
من سهو أو ضيق مكان كما تقدم، فإنه يأتي بما سبقه به ويلتحق به ولا يضر تأخره
عنه لمكان العذر.
وأما جواز الانفراد بنيته قبل فراغ الإمام فهو المشهور في كلامهم بل نقل
العلامة في النهاية الاجماع عليه. وقال الشيخ في المبسوط: من فارق الإمام لغير عذر
بطلت صلاته وإن فارقه لعذر وتمم صحت صلاته. وهو ظاهر في عدم جواز
نية الانفراد.
واحتج الأولون بوجوه: منها - أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بطائفة يوم ذات الرقاع
ركعة ثم خرجت من صلاته وأتمت منفردة (2) ومنها - أن الجماعة ليست واجبة
ابتداء فكذا استدامة. ومنها - أن الغرض من الائتمام تحصيل الفضيلة فيكون

(1) ارجع إلى التعليقة 3 ص 134 وليس فيه كلمة " إماما "
(2) سنن أبي داود ج 2 ص 13 صلاة الخوف
238

تركه لها مفوتا لها دون الصحة.
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام (1) قال: " سألته عن الرجل يكون خلف إمام فيطول في التشهد فيأخذه
البول أو يخاف على شئ أن يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال: يسلم
وينصرف ويدع الإمام ".
ومنها - الأخبار الدالة على جواز التسليم قبل الإمام، مضافا إلى اتفاق الأصحاب
على ذلك حتى من القائلين بوجوب التسليم.
كما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي المعزا عن أبي عبد الله عليه السلام (2) " في الرجل
يصلي خلف إمام فيسلم قبل الإمام؟ فقال ليس بذلك بأس ".
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في الرجل يكون خلف
الإمام فيطيل الإمام التشهد؟ فقال يسلم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحب ".
وأنت خبير بما في هذه الوجوه من إمكان تطرق المناقشات إليها: أما الأول
فهو ظاهر في أن المفارقة إنما كانت لعذر وقد عرفت أنه ليس بمحل خلاف ولا
اشكال. وأما الثاني فإنه لا يلزم من عدم وجوب الجماعة ابتداء عدم وجوبها
استدامة، والحاق أحدهما بالآخر قياس لا يوافق أصول المذهب، وأما الثالث فإن
نية الائتمام كما تفيد الفضيلة كذا تفيد الصحة على هذا الوجه، ومن الجائز أن يكون
ترك الائتمام ابتداء مفوتا للفضيلة وفي الأثناء مفوتا للصحة، وبالجملة فإنه مع
الاستمرار على نية الائتمام مقطوع بالصحة بلا إشكال ومع نية الانفراد وحصول
المفارقة لا قطع على الصحة، فإفادتها الصحة من ما لا شك ولا إشكال فيه.
وأما الرابع فهو يرجع إلى الأول لأن الرواية المذكورة ظاهرة في العذر، وقد عرفت
أنه من ما لا خلاف فيه ولا اشكال. وأما الخامس فنقول بموجبه ونمنع التعدي
عن موضع النص وهو أخص من المدعى فلا يفيد دلالة على المطلوب.

(1) الوسائل الباب 64 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 64 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 64 من صلاة الجماعة
239

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من الاشكال والاحتياط فيها واجب على كل
حال، وهو في ما ذهب إليه الشيخ كما هو الأقرب في هذا المجال.
هذا كله في الجماعة المستحبة أما الواجبة فلا يجوز الانفراد فيها قطعا من
غير خلاف.
ثم إنه على تقدير القول المشهور من جواز نية الانفراد فقد فرعوا على
ذلك فروعا عديدة:
منها - عدوله بعد نية الانفراد إلى الائتمام بإمام آخر في أثناء الصلاة، وقد
تقدم الكلام في ذلك مستوفى في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة ومرت الإشارة
إليه قريبا أيضا.
وينبغي أن يعلم أنه متى جوزنا للمأموم الانفراد فإنه يجب عليه اتمام صلاته
منفردا، فإن حصلت المفارقة قبل القراءة قرأ لنفسه وإن كان بعد تمامها ركع لنفسه
ومضى في صلاته، وإنما الكلام في ما لو كان في أثنائها فالظاهر على تقدير القول
المذكور أنه يقرأ من موضع القطع والمفارقة، وأوجب الشهيد الثاني الابتداء
من أول السورة التي حصل القطع في أثنائها، واستوجه الشهيد في الذكرى الاستئناف
مطلقا لأنه في محل القراءة وقد نوى الانفراد. والحكم محل إشكال إلا أنك قد
عرفت أن أصل القول المتفرع عليه هذا الحكم خال من الاستدلال. والله العالم.
المسألة الرابعة - إذا فاته مع الإمام شئ صلى ما يدركه وجعله أول صلاته وأتم
ما بقي عليه، وعليه الأصحاب كافة كما نقله الفاضلان في المعتبر والمنتهى.
ويدل على الحكم المذكور جملة من الأخبار: منها - ما رواه الصدوق في
الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) أنه قال " إذا فاتك شئ مع الإمام
فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها ولا تجعل أول صلاتك آخرها ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال:

(1) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة.
240

" إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل
أول ما أدرك أول صلاته: إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين
وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة من ما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة،
فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين
لا يقرأ فيهما، لأن الصلاة إنما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب
وسورة وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس
فيهما قراءة، وإن أدرك ركعة قراء فيها خلف الإمام فإذا سلم الإمام قام فقرأ بأم
الكتاب وسورة ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة ".
وفي الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الأولى كيف يصنع إذا
جلس الإمام؟ قال يتجافى ولا يتمكن من القعود فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له
الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد ثم يلحق الإمام. قال: وسألته عن
الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال
اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها ".
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى في المقام.
قال في المدارك بعد ايراد صحيحتي زرارة وعبد الرحمان المذكورتين ما لفظه:
ومقتضى الروايتين أن المأموم يقرأ خلف الإمام إذا أدركه في الركعتين الأخيرتين
وكلام أكثر الأصحاب خال من التعرض لذلك، وقال العلامة (قدس سره) في
المنتهى: الأقرب عندي أن القراءة مستحبة، ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب لئلا
تخلو الصلاة عن قراءة إذ هو مخير في التسبيح في الأخيرتين. وليس بشئ، فإن
احتج بحديث زرارة وعبد الرحمان حملنا الأمر فيهما على الندب لما ثبت من عدم
وجوب القراءة على المأموم. هذا كلامه (قدس سره) ولا يخلو من نظر لأن

(1) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني
241

ما تضمن سقوط القراءة باطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصلين لوجوب حمل
الاطلاق عليهما وإن كان ما ذكره من الحمل لا يخلو من قرب، لأن النهي في الرواية الأولى
عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعا، وكذا الأمر بالتجافي وعدم التمكن
من القعود في الرواية الثانية محمول على الاستحباب، ومع اشتمال الرواية على
استعمال الأمر في الندب والنهي في الكراهة يضعف الاستدلال بما وقع فيها من
الأوامر على الوجوب أو النواهي على التحريم. مع أن مقتضى الرواية الأولى
كون الأمر بالقراءة في النفس وهو لا يدل صريحا على وجوب التلفظ بها. وكيف
كان فالروايتان قاصرتان عن اثبات الوجوب. انتهى.
وتبعه في هذه المقالة جمع ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا ومنهم الفاضل
الخراساني متمسكا زيادة على ذلك بما صرح به في غير موضع من ما قدمنا نقله عنه
من أن الأوامر والنواهي في أخبارنا لا تدل على الوجوب والتحريم. وفيه
ما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
والتحقيق عندي في المقام بما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الأعلام (أعلى الله
تعالى مقامهم في دار المقام) هو أن يقال لا يخفى أن عبائر جملة من المتقدمين وجل
المتأخرين في هذه المسألة مجملة وإن كان الظاهر منها بعد التأمل هو الوجوب، حيث إن بعضهم صرح بأنه يقرأ وبعضهم عبر بلفظ الرواية وهو أنه يجعل ما أدرك مع
الإمام أول صلاته، ثم ربما أردف ذلك بعضهم بذكر الصحيحتين المذكورتين.
ولم أقف على من صرح بوجوب القراءة من المتقدمين إلا على كلام المرتضى
(قدس سره) حيث نقل عنه في المختلف أنه قال: لو فاتته ركعتان من الظهر أو
العصر أو العشاء وجب أن يقرأ في الأخيرتين بالفاتحة في نفسه فإذا سلم الإمام قام فصلى
الركعتين الأخيرتين مسبحا فيهما. انتهى.
وهو أيضا صريح كلام الشيخ أبي الصلاح في كتابه الكافي حيث قال: وإذا
سبق بركعة فأولته ثانية الإمام فإذا نهض الإمام إلى الثالثة وهي له ثانية فليقرأ لنفسه
242

الحمد وسورة، وإذا سبق بركعتين صارت أخيرتا الإمام له أولتين فليقرأ لنفسه
فيهما كقراءة المنفرد ويجلس بجلوسه، وإن سبقه بثلاث ركعات فرابعة الإمام له
أولة فليقرأ لنفسه فيها. انتهى.
الظاهر أن أول من صرح بالاستحباب في هذه المسألة هو العلامة في المنتهى
والمختلف وتبعه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد والسيد في المدارك لما ذكره من
الوجوه المذكورة في كلامه.
وعندي في ما ذكروه نظر وليكن محط الكلام وبيان ما فيه من النظر الظاهر
لمن تدبر أخبار أهل الذكر (عليهم السلام) على كلام السيد المشار إليه حيث إنه
من ما استوفى البحث في المقام بما فيه من نقض وإبرام:
فنقول: إن ما ذكره منظور فيه من وجوه: الأول - إن ما ذكره - من أنه
باشتمال الرواية على بعض الأوامر والنواهي المستحبة والمكروهة يلزم منه
انسحاب الحكم إلى جملة ما فيها من الأوامر والنواهي - فإنه ممنوع لما صرحوا به في الأصول
من أن الأصل في الأمر الوجوب وفي النهي التحريم، وبه تمسك السيد المذكور
في جملة من المواضع في كتابه، وقد عرفت من ما قدمناه في مقدمات الكتاب دلالة
الآيات والروايات على ذلك أيضا، وحينئذ فالواجب الوقوف على ذلك حتى يقوم
دليل على الخروج عنه والحمل على المعنى المجازي، وخروج بعض الأوامر والنواهي
في تلك الرواية مخرج الاستحباب لدليل من خارج يدل على ذلك لا يقتضي انسحابه
في ما لا دليل عليه. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لمن نظر بعين الانصاف وجنح إليه
الثاني - أنه لو سلم ذلك بالنسبة إلى صحيحة زرارة لو لم يكن لها معاضد يمنع
ذلك لكنه غير مسلم بالنسبة إلى صحيحة عبد الرحمان، لأن الأمر بالقراءة فيها وقع
معللا منهيا عن خلافه وهو من ما يؤكد الوجوب كما لا يخفى. وأيضا فالأمر بالقراءة
فيها واقع في سؤال منفصل على حدة غير السؤال المشتمل على الأمر بالتجافي " ومن
الجائز بل الواقع اشتمال الرواية على أسئلة متعددة عن أحكام متباينة بل هو شائع
243

ذائع في الأخبار فالانسحاب فيها من ما لا وجه له بالكلية، ويلزم على ما ذكره
انجرار هذا الحكم وانسحابه إلى قوله: " فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد "
فينبغي بمقتضى ما ذكره أن يحمل اللبث هنا الذي هو عبارة عن الجلوس للتشهد في
هذا المقام على الاستحباب مع أن هذه الرواية هي مستند الأصحاب في وجوب
لتشهد على المسبوق، على أنه ما ذكره من كون الأمر بالتجافي وعدم التمكن محمولا
على الاستحباب محل كلام، فإن بعض الأصحاب ذهب إلى وجوبه استنادا إلى هذه
الرواية وإلى ما رواه في كتاب معاني الأخبار عن الصادق عليه السلام (1) قال: " إذا
أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه فتجاب " ونقل القول بالوجوب شيخنا
الشهيد في الذكرى عن ابن بابويه.
الثالث - إن ما طعن به على صحيحة زرارة - من كون الأمر بالقراءة فيها في
النفس وهو لا يدل على الوجوب - كلام ظاهري فإن هذه العبارة من ما شاع في
الأخبار التعبير بها في مقام الكناية عن الاخفات والمبالغة فيه، حيث إنه يكره
للمأموم هنا أن يسمع الإمام شيئا من ما يقول كما دلت عليه الأخبار.
ومثل ذلك ما ورد في الاقتداء بالمخالف مع وجوب القراءة خلفه اتفاقا من
قوله عليه السلام (2): " يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس ".
وأبلغ منه ما روى من التعبير عن الاخفات بالصمت الذي هو حقيقة عدم
الكلام بالكلية كما في صحيحة علي بن يقطين (3) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن
الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد.. الخبر " فإن المراد بهما
الركعتان من الصلاة الإخفاتية.
وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (4) قال: " سألته عن الرجل

(1) الوسائل الباب 6 من السجود
(2) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة.
(3) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة.
(4) الوسائل الباب 52 من القراءة في الصلاة
244

يصلح له أن يقرأ في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع
نفسه؟ قال: لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما " وحمله الشيخ على الصلاة خلف
من لا يقتدى به.
وفي كتاب قرب الإسناد عن أخيه عليه السلام (1) " أنه سأله عن الرجل يقرأ
في صلاته هل يجزئه أن لا يحرك لسانه وأن يتوهم توهما؟ قال لا بأس " هذا مع
الاتفاق على وجوب القراءة.
وبالجملة فإن باب المجاز واسع والتعبير بهذه العبارة عن المعنى الذي ذكرناه
شائع، وعليه يحمل ما تقدم في عبارة السيد (قدس سره) وبذلك يظهر لك أن
ما نسبه من القصور إلى الروايتين لا أثر له عند التأمل ولا عين.
الرابع - أن الأخبار المتعلقة بهذه المسألة كلها متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة
على وجوب القراءة في المقام ما بين صريح وظاهر لجملة ذوي الأفهام، ومنها
الصحيحتان المتقدمتان فإنهما بما أوضحناه وكشفنا عنه نقاب الابهام صريحتان
واضحتان، ومنها ما تقدم في كلامه من صحيحة الحلبي.
وما رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم
السلام) (2) قال: " يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أول صلاته. قال جعفر
عليه السلام وليس نقول كما يقول الحمقى ".
وعن أحمد بن النضر عن رجل عن أبي جعفر - ورواه في الفقيه مرسلا عنه -
عليه السلام (3) قال: " قال لي أي شئ يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الإمام
ركعتان؟ قلت يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد وسورة. فقال هذا يقلب صلاته
فيجعل أولها آخرها. قلت: فكيف يصنع؟ قال يقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة ".
والتقريب في هذه الروايات ومثله ما وقع في صحيحة عبد الرحمان من قوله

(1) الوسائل الباب 52 من القراءة في الصلاة
(2) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة
245

عليه السلام " اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها " هو أنه قد
ذهب بعض العامة - ونسبه في المعتبر إلى أبي حنيفة وأتباعه - إلى أن ما يدركه المأموم
يجعله آخر صلاته إذا كان مسبوقا محتجا بقوله صلى الله عليه وآله (1) " ما أدركتم فصلوا وما
فاتكم فاقضوا " فإن لفظ القضاء يدل على أن ما ينفرد به المصلي بعد تسليم الإمام هو
ما فاته مع الإمام وهو أول صلاته، فعندهم أنه يلزم في ما أدركه ما يلزم في الأخيرتين
من القراءة أو التسبيح أو السكوت وما انفرد به يثبت فيه ما يثبت في الأولتين من الحمد
والسورة، وهذه الروايات قد وردت في مقام الرد على هذا المذهب والنهي عنه وتضمنت
أن ذلك قلب للصلاة كما صرحت به رواية أحمد بن النضر وصحيحة الحلبي (2) حيث قال:
عليه السلام " فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها ولا تجعل أول صلاتك آخرها " وحينئذ
فعدم القلب إنما هو بارجاع كل إلى مقره من جعل الحمد والسورة في أول ما يدركه
المأموم والتخيير المتقدم إنما هو في ما ينفرد به. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر
لا سترة عليه.
ومنها - ما رواه الشيخ عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله
عليه السلام (3) قال: " إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في
الثالثة من صلاته وهي ثنتان لك، فإن لم تدرك معه إلا ركعة واحدة قرأت فيها
وفي التي تليها.. الحديث ".

(1) في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 218 قال محمد: يؤمر من أدرك القوم
ركوعا أن يأتي وعليه السكينة والوقار ولا يعجل في الصلاة حتى يصل إلى الصف فما أدرك
مع الإمام صلى بالسكينة والوقار وما فاته قضى، وأصله قول النبي (ص) " إذا أتيتم الصلاة
فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون عليكم بالسكينة والوقار، وما أدركتم فصلوا
وما فاتكم فاقضوا " وفي المهذب ج 1 ص 94 فإن أدرك معه الأخيرة كان ذلك أول صلاته
لما روي عن علي (ع) أنه قال " ما أدركت فهو أول صلاتك ".
(2) ص 240
(3) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة
246

وعن عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن
الرجل يدرك الإمام وهو يصلي أربع ركعات وقد صلى الإمام ركعتين؟ قال يفتتح
الصلاة ويدخل معه ويقرأ خلفه في الركعتين ".
وقال عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (2) " فإن سبقت بركعة أو ركعتين فاقرأ
في الركعتين الأولتين من صلاتك بالحمد وسورة فإن لم تلحق السورة أجزأك الحمد ".
وقال أيضا في موضع آخر (3) " وإذا فاتك مع الإمام الركعة الأولى التي فيها
القراءة فانصت للإمام في الثانية التي أدركت ثم اقرأ أنت في الثالثة للإمام وهي
لك ثنتان ".
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام (4) أنه قال: " إذا
سبق أحدكم الإمام بشئ من الصلاة فليجعل ما يدرك مع الإمام أول صلاته وليقرأ
في ما بينه وبين نفسه إن أمهله الإمام فإن لم يمكنه قرأ في ما يقضي، وإذا دخل
مع الإمام في صلاة العشاء الآخرة وقد سبقه بركعة وأدرك القراءة في الثانية فقام
الإمام في الثالثة قرأ المسبوق في نفسه كما كان يقرأ في الثانية واعتد بها لنفسه أنها
الثانية " وروى فيه عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) نحوه (5).
وروي فيه عن أبي جعفر محمد بي على (عليهما السلام) (6) أنه قال: " إذا
أدركت الإمام وقد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك فاقرأ لنفسك بفاتحة
الكتاب وسورة إن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ واجعلها أول صلاتك ".
فهذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة، وكلها كما قدمنا
ذكره قد اشتملت على الأمر بالقراءة، وبه يظهر لك ما في كلام الجماعة المتقدمين
من البناء في المسألة على مجرد الظن والتخمين. والحق فيها بحمد الله سبحانه واضح

(1) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة
(2) ص 14
(3) ص 10 وفيه " أجزأك الحمد وحده "
(4) مستدرك الوسائل الباب 38 من صلاة الجماعة.
(5) مستدرك الوسائل الباب 38 من صلاة الجماعة.
(6) مستدرك الوسائل الباب 38 من صلاة الجماعة.
247

ومناره لمن أعطى التأمل حقه لائح. والله العالم.
فروع
الأول - قد عرفت من ما قدمنا من الأخبار وجوب القراءة على المسبوق في
أولتيه، فلو اتفق أن الوقت ضاق عن القراءة كملا على وجه يدرك الإمام في الركوع
فهل يقرأ وإن فاته ادراك الركوع فيقرأ ويلحقه في السجود أو يترك القراءة
ويتابعه في الركوع؟ اشكال ينشأ من وجوب القراءة كما عرفت ومن وجوب المتابعة
وانفساخ القدوة بالاخلال بها في ركن كما تقدم بيانه في فروع المسألة التاسعة من
المطلب الأول، وطريق الاحتياط في المقام مطلوب فينبغي للمكلف قبل دخوله
وتكبيره أن يتأمل وينظر فإن أمكنه الدخول والقراءة ولو بالحمد وحدها قبل رفع
الإمام رأسه من الركوع كبر ودخل معه وإن عرف ضيق الوقت عن ذلك صبر
حتى يركع الإمام فيدخل معه إذ لا قراءة في هذه الحال، ومع فرض دخوله
واتفاق الأمر كما ذكرنا من الاشكال فالأولى له قطع القراءة ومتابعة الإمام في
الركوع قبل الرفع ثم الإعادة من رأس وإن كان المفهوم من ظواهر جملة من الأخبار
تقديم المتابعة وقطع القراءة كما تقدم ايضاحه في الموضع المشار إليه إلا أن الاحتياط
بالإعادة من رأس أولى.
الثاني - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن التخيير بين قراءة
الحمد والتسبيح ثالث للمسبوق في الركعتين الأخيرتين وإن اختار الإمام التسبيح في
الركعتين الأخيرتين ولم يقرأ، ويظهر من المنتهى كون ذلك اتفاقيا حيث قال: الذي
عليه علماؤنا أنه يقرأ في الركعتين اللتين فأتتاه بأم الكتاب خاصة أو يسبح
لأنهما آخر صلاته.
ونقل عن بعض الأصحاب القول بوجوب القراءة هنا في ركعة لئلا تخلو
الصلاة عن قراءة، والأظهر الاستدلال على ذلك برواية أحمد بن النضر المتقدمة (1)

(1) ص 245
248

حيث إنه بعد أن منع من قراءة الحمد والسورة في الأخيرتين لاستلزامه قلب الصلاة
أمر بقراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة.
ومن ذلك أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (1) قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهي أول صلاة
الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال نعم " فإن المراد من
هذا الخبر كما ذكره في الإستبصار أنه يأتي بالقراءة في الأخيرتين التي هي أحد فردي
التخيير حيث إنه فاتته القراءة في الأولتين، والتعبير بالقضاء وقع مجازا أو بمعنى
الفعل كقوله عز وجل: " فإذا قضيت الصلاة " (2).
وبذلك يظهر أن ما استدل به للقول المشهور - من عموم أدلة التسبيح الشاملة
لموضع البحث - مدخول بأنه يمكن تخصيص العموم المذكور بهذه الرواية كما أنه
خصص أيضا بأخبار ناسي القراءة في الأولتين وأن عليه القراءة في الأخيرتين كما
هو أحد القولين حسبما تقدم تحقيق البحث في ذلك في الفصل الثامن من الباب الأول (3)
في الصلوات اليومية، فإنا قد رجحنا ثمة وجوب القراءة بالأخبار الدالة على ذلك
وإن كان خلاف المشهور فليرجع إليه من أحب تحقيق الحال.
الثالث - لو دخل المأموم مع الإمام في الركعة الثانية وقنت الإمام فإنه يستحب
للمأموم القنوت معه وإن لم يكن موضع قنوت بالنسبة إليه.
ويدل عليه ما رواه الشيخ عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله في الموثق عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) " في الرجل يدخل في الركعة الأخيرة من الغداة مع الإمام فقنت الإمام
أيقنت معه؟ فقال نعم ".
وكذا ينبغي المتابعة له في التشهد وإن لم يكن موضع تشهد للمأموم، ويدل عليه

(1) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة.
(2) سورة الجمعة الآية 10
(3) الصحيح " الثاني "
(4) الوسائل الباب 17 من القنوت
249

ما رواه الشيخ في الموثق عن الحسين بن المختار وداود بن الحصين (1) قال " سئل عن
رجل فاتته ركعة من المغرب مع الإمام وأدرك الثنتين فهي الأولى والثانية للقوم يتشهد
فيها؟ قال نعم. قلت والثانية أيضا؟ قال نعم. قلت كلهن؟ قال نعم فإنما هو بركه ".
وعن إسحاق بن يزيد (2) قال " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك يسبقني
الإمام بركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان أفأتشهد كلما قعدت؟ قال نعم فإنما
التشهد بركة ".
وبذلك يظهر أن ما نقله في الذكرى عن أبي الصلاح - من أنه يجلس مستوقرا
ولا يتشهد، قال: وتبعه ابن زهرة وابن حمزة - غفلة عن ملاحظة هذه الأخبار
وعدم الوقوف عليها.
قيل: ومنه يعلم أنه قد يوجد خمس تشهدات في الرباعية وأربعة في الثلاثية
وثلاثة في الثنائية. والظاهر أنه سهو من القلم أو من القائل بل أربعة في الرباعية
وثلاثة في الثلاثية واثنان في الثنائية.
الرابع - قيل: الأولى القيام إلى ادراك الفائت بعد تسليم الإمام ويجوز قبله
بعد التشهد على القول باستحباب التسليم، وأما على القول بوجوبه فلا يبعد أيضا ذلك
بل يجوز المفارقة بعد رفع الرأس من السجدة أيضا قبل التشهد بناء على القول بعدم
وجوب المتابعة في الأقوال، وعلى تقدير الجواز هل تجب نية الانفراد؟ فيه وجهان
ولعل الأقرب العدم. انتهى.
أقول: لا يحضرني الآن خبر في هذه المسألة إلا ما سيأتي قريبا في موثقة
عمار (3) من قوله عليه السلام " فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتم صلاته " وهي كما ترى
ظاهرة في كون القيام بعد التسليم، وباب الاحتمال في المسألة واسع. والله العالم.
المسألة الخامسة - لا يخفى أن للمأموم بالنظر إلى دخوله مع الإمام في الصلاة

(1) الوسائل الباب 66 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 66 من صلاة الجماعة
(3) ص 254
250

أحوالا: أحدها - أن يدركه قبل الركوع، ولا خلاف في ادراكه الركعة والاعتداد
بها، وعليه تدل الأخبار الكثيرة كما تقدم في صلاة الجمعة.
الثانية - أن يدركه حال الركوع والأشهر الأظهر ادراك الركعة والاعتداد
بها، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في فصل صلاة الجمعة وفي المسألة الثانية من
هذا المطلب، فيكبر تكبيرة للافتتاح وأخرى للركوع وإن خاف فوت الركوع
أجزأته تكبيرة الافتتاح، قال في المنتهى: ولو خاف الفوات أجزأته تكبيرة
الافتتاح عن تكبيرة الركوع إجماعا.
أقول: وقد تقدم ما يدل على ذلك من الأخبار في الفصل الثاني في تكبيرة
الاحرام من فصول الباب الثاني في الصلوات اليومية وقد تقدم ما يتعلق من البحث بذلك
الثالثة - أن يدركه بعد رفع رأسه من الركوع، ولا خلاف في فوات الركعة
بذلك وعدم احتسابها، وكذلك الظاهر أنه لا خلاف أيضا في استحباب التكبير
والدخول معه ومتابعة الإمام في السجدتين، وإنما الخلاف في وجوب استئناف
النية وتكبيرة الاحرام بعد القيام من السجود أو الاعتداد بما فعله أولا، فالشيخ
على الثاني مستندا إلى أن زيادة الركن مغتفرة في متابعة الإمام، والأكثر على الأول
لأن زيادة السجدتين تبطل الصلاة، ويظهر من العلامة في المختلف التوقف في هذا
الحكم من أصله للنهي عن الدخول في الركعة عند فوات تكبيرها.
الرابعة - أن يدركه وقد سجد سجدة واحدة، قالوا وحكمه كالسابق.
الخامسة - أن يدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة، وقد قطع المحقق
وغيره بأنه يكبر ويجلس معه ويتخير بين الاتيان بالتشهد وعدمه استنادا إلى رواية
عمار الآتية، وقال في الذكرى: الحالة الخامسة - أن يدركه بعد السجود فيكبر ويجلس
معه جلسة الاستراحة أو جلسة التشهد الأول أو التشهد الأخير، وتجزئ هذه التكبيرة
قطعا فإن كان قد بقي شئ من صلاة الإمام بنى عليه وإلا نهض بعد تسليم الإمام وأتم
صلاته. ثم نقل روايتي عمار المتقابلتين في الجلوس بعد التكبيرة وقد جمع بينهما
بجواز الأمرين.
251

أقول: وتحقيق الكلام في المقام بما لا يحوم حوله إن شاء الله تعالى نقض
ولا ابرام إن المستفاد من أخبار المسألة هو ثبوت التعبد بالدخول مع الإمام في
هذه الصور الثلاث الأخيرة وإنما البحث والاشكال ومحل الخلاف في جوب تجديد
النية وتكبيرة الاحرام وعدمه.
وها أنا أذكر الأخبار التي وقفت عليها في هذه المسألة مذيلا لكل منها بما
رزقني الله سبحانه فهمه منها مستمدا منه تعالى الهداية والتوفيق إلى الصواب والعصمة
من زلل الأقدام في هذه الأبواب:
فأقول: من الأخبار المذكورة رواية المعلي بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
قال: " إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها "
وظاهرها كما عرفت هو جواز الدخول واستحبابه وحصول فضيلة الجماعة
بذلك لكنها مجملة بالنسبة إلى الاستئناف وعدمه بل ربما ظهر منها أن المراد إنما
هو مجرد المتابعة في السجود لا أنه ينوي ويكبر بحيث يدخل في الصلاة، ولعل في
قوله " ولا تعتد بها " ما يشير إلى ذلك بمعنى أنك لا تعد ذلك دخولا في الصلاة
وإن احتمل أيضا أن يكون المعنى أنك لا تعتد بها بحيث تجعلها ركعة تامة بمجرد
ادراك السجود، وحينئذ فيحمل قوله " فأدركته " يعني كبرت معه ودخلت في
الصلاة. وكيف كان فإنها بهذا الاجمال وتعدد الاحتمال تسقط عن درجة الاستدلال
ومنها - موثقة عمار (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أدرك
الإمام وهو جالس بعد الركعتين؟ قال يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتى يقوم ".
وظاهر هذه الرواية أنه يكبر تكبيرة الاحرام المعبر عنه بالافتتاح ويدخل
في الصلاة مع الإمام حال جلوسه في التشهد ولكن لا يجلس معه بعد التكبير
والدخول بل يبقى قائما إلى أن يقوم الإمام. وهذه الرواية خارجة عن محل البحث
لأن المفروض أن المأموم لم يأت بشئ زائد من ركن أو واجب ومنشأ الاشكال

(1) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة
252

إنما هو من ذلك، وحينئذ فالرواية خارجة من البين لعدم الدلالة على شئ من القولين
ومنها - رواية معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا جاء
الرجل مبادرا والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع،
ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبر وسجد معه ولم يعتد بها، ومن أدرك الإمام
وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، ومن أدركه وقد رفع رأسه من
السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا إقامة،
ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة ".
أقول: يمكن أن يستدل للشيخ بهذا الخبر بأن يقال لا يخفى أن الظاهر من
قوله " ومن أدركه " أي نوى وكبر معه ودخل في الصلاة، وقد دلت على أن
من دخل معه وهو ساجد سجد معه ولم يعتد بها واستمر معه في الصلاة ومن دخل
معه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة فإنه يمضي في صلاته بعد تسليم الإمام،
ولو كان ما يدعونه من وجوب إعادة النية والتكبير حقا لوجب ذكره في الكلام
إذ المقام مقام البيان وليس فليس. وبعين ذلك يمكن أن يقال في رواية المعلى المتقدمة
فإنها دلت على الدخول معه بعد النية والتكبير المعبر عنهما بقوله " فأدركته " لأن
هذا هو ظاهر معنى هذا اللفظ كما عرفت، ولم يتعرض في الخبر لإعادة النية وتكبير
الاحرام ومقام البيان يقتضيه لو كان واجبا. وبالجملة فإنه حيث كان ظاهر اللفظ
المذكور أعني قوله " ومن أدركه " هو ما ذكرنا من الكناية عن الدخول معه بعد
النية وتكبير الاحرام فإنه لا مناص من صحة ما رتبناه عليه من توجيه الاستدلال
به للشيخ (قدس سره) ونحوه رواية المعلى بالتقريب المذكور، ولا معنى لحمل هذا
اللفظ على معنى الوصول إلى الإمام في تلك الحال وإن لم يكبر ويدخل معه لأنه
معنى متهافت لا يقبله الذوق السليم ولا الفهم القويم. إلا أن الشيخ قد روى هذه
الرواية (2) إلى قوله " أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع " خاصة

(1) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة.
(2) الوسائل الباب 4 من تكبيرة الاحرام
253

وما نقلناه بهذه الكيفية إنما هو من رواية صاحب الفقيه (1) واحتمل في الوافي (2)
أن تكون هذه الزيادة من كلام صاحب الفقيه، وحينئذ فيسقط الاستدلال بما
دلت عليه هذه الزيادة، وصاحب الوسائل قد نقل الجميع (3) بناء على أنه من
الرواية ولعله الأظهر.
ومنها - رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري عن أبي عبد الله عليه السلام (4)
وفيها قال: " إذا وجدت الإمام ساجدا فأثبت مكانك حتى يرفع رأسه وإن كان
قاعدا قعدت وإن كان قائما قمت ".
أقول: ظاهر هذه الرواية الدخول معه في الصلاة وأنه متى كان الدخول
وهو ساجد لم يتابعه في السجود مع دلالة رواية المعلى المتقدمة على السجود معه متى
دخل معه بعد رفع رأسه من الركوع. ويشكل الجمع بينهما في ذلك إذ لا فرق بينهما إلا أن
هذا الخبر دل على دخوله حال السجود وخبر المعلى دل على دخوله قبل السجود،
وهذا لا يصلح للفرق وجواز السجود في ما إذا دخل قبل وعدم الجواز في ما إذا
دخل حال السجود. اللهم إلا أن يقال إن رواية المعلى قد دلت على أنه لا يعتد بذلك
السجود وحينئذ يكون وجوده كعدمه، وظاهرها أنه لا ضرورة في الاتيان به كما هو
مذهب الشيخ، وحينئذ يكون وجه الجمع بينهما التخيير بين الاتيان بالسجود وعدمه.
ومنها - موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (5) " في الرجل يدرك
الإمام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه؟ قال لا يتقدم
الإمام ولا يتأخر الرجل ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام فإذا سلم الإمام
قام الرجل فأتم صلاته ".
أقول: ظاهر الخبر أنه بدخوله في هذه الحال يدرك فضيلة الجماعة وإن لم

(1) ج 1 ص 265
(2) باب الرجل يدرك الإمام في أثناء الصلاة أو بعد انقضاء الأولى
(3) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة.
(4) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة.
(5) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة.
254

يدرك من الصلاة شيئا ولم يكن حكمه حكم المأموم حقيقة، ولهذا منع من تقدم
الإمام وتأخر الرجل الذي إلى جنبه لأن هذا الداخل ليس مأموما حقيقيا يوجب
تعدد المصلي خلف الإمام الموجب لتقدم الإمام وتأخر المأمومين خلفه كما تقدم.
وكيف كان فظاهر الخبر الدلالة على مذهب الشيخ، لأن قوله: " فإذا سلم
الإمام قام الرجل فأتم صلاته " ظاهر في الدلالة على الاعتداد بالتكبير الأول وإن
كان قد زاد واجبا وهو التشهد، ومن ثم إن جمعا ممن خالف الشيخ في الصورة
الثالثة والرابعة وافقه هنا كالمحقق والعلامة وغير هما للموثقة المذكورة كما قدمنا ذكره
وصاحب المدارك إنما طعن في الرواية المذكورة من حيث السند دون الدلالة،
إلا أنه لا يخفى أن موثقة عمار المتقدمة دالة على النهي عن القعود مع الإمام في مثل
هذه الصورة، إلا أن يقال بالفرق بين التشهد الأول والثاني فيقال بالمتابعة في الثاني
كما دلت عليه هذه الموثقة دون الأول كما دلت عليه الموثقة المتقدمة.
ومنها - ما رواه الصدوق في الفقيه (1) عن عبد الله بن المغيرة قال " كان
منصور بن حازم يقول إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلى ركعتين فكبر ثم اجلس
فإذا قمت فكبر " وهو ظاهر الدلالة على المشهور.
والرواية وإن كانت غير مسندة إلى إمام إلا أن الظاهر من حال القائل
المذكور لكونه من أجل ثقات الأصحاب أنه لا يقوله إلا عن ثبت وسماع من الإمام
ويؤيده ايراد الصدوق لها في كتابه.
وحينئذ فتبقى المسألة في قالب الاشكال، ولعل نهيه عليه السلام في موثقة عمار الأولى
عن الجلوس والتشهد مع الإمام في هذه الصورة إنما هو لأجل البقاء على التكبير
الأول وعدم الاحتياج إلى إعادة التكبير ثانيا كما في هذه الرواية، على أن في
الابطال بالتشهد مع الإمام إشكالا لدلالة الأخبار المتقدمة قريبا على استحباب

(1) ج 1 ص 26
255

متابعة المأموم للإمام في التشهد وإن لم يكن موضع تشهد للمأموم فليكن هنا
من قبيل ذلك.
وبالجملة فإن هذه الأخبار قد تصادمت وتقابلت في هذه الزيادات التي بعد
تكبير الاحرام نفيا واثباتا كالسجود الذي تقابلت فيه رواية المعلى اثباتا ورواية
البصري نفيا، والتشهد الذي قد تقابلت فيه موثقة عمار الأولى نفيا وموثقته
الثانية وكذا رواية عبد الله بن المغيرة اثباتا، وظاهر الروايات المثبتة في كل
من الموضعين موافق لكلام الشيخ وظاهر الروايات النافية في كليهما موافقة للمشهور
وحمل أحد الطرفين على الآخر وإن أمكن كما أشرنا إليه آنفا إلا أنه لا يخرج المسألة
عن قالب الاشكال ومجال الاحتمال، والاحتياط عندي أن لا يدخل المأموم في
حال من هذه الأحوال.
ومنها - صحيحة محمد بن مسلم (1) قال: " قلت له متى يكون يدرك الصلاة
مع الإمام؟ قال إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته ".
قال في المدارك: ويستفاد من هذه الرواية عدم جواز الدخول مع الإمام بعد
رفع رأسه من السجدة الأخيرة، لأن الظاهر أن السؤال إنما وقع عن غاية ما تدرك
به الجماعة وقد ناطه عليه السلام بادراك السجدة الأخيرة، وليس في الرواية دلالة على
حكم المتابعة إذا لحقه في السجود، والظاهر أن الاقتصار على الجلوس أولى. انتهى
أقول: لا يخفى أن هذه الدلالة إنما هي بالمفهوم الضعيف المعارض بمناطيق
جملة من الأخبار، إذ غاية ما تدل عليه الرواية أنه إذا أدرك الإمام وهو في السجدة
الأخيرة فقد أدرك الصلاة معه ومفهومه عدم ادراك الصلاة بعد ذلك، وقد عرفت
دلالة موثقة عمار الثانية على ادراك فضيلة الجماعة بالدخول معه في التشهد الأخير،
وأصرح منها رواية معاوية بن شريح المتقدمة وقوله فيها " ومن أدركه وقد رفع
رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة " ونحو ذلك إطلاق

(1) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة
256

رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري (1) وحينئذ فوجه الجمع بين هذه الأخبار
حمل الصحيحة المذكورة على أعلى المرتبتين، وذلك فإنه بعد فوات الدخول في
الركعة الأخيرة لعدم ادراك ركوعها فهنا مراتب في ادراك فضيلة الجماعة: أولها
ادراكه قبل السجود ثانيها ادراكه في السجدة الثانية ثالثها ادراكه في التشهد،
والصحيحة المذكورة لا دلالة فيها على انحصار ادراك الفضيلة في هذه الحال دون
ما بعدها إلا بالمفهوم وهو من ما يجب إطراحه في مقابلة المنطوق. ولكن العذر
له ظاهر حيث إنه يدور مدار الأسانيد صحة وضعفا، وهذه الرواية صحيحة السند
عنده وتلك الأخبار ضعيفة باصطلاحه، فألغى مناطيق تلك الأخبار في مقابلة هذا
المفهوم الضعيف وهو تعسف محض. وأما قوله - وليس في الرواية دلالة على حكم
المتابعة إذا لحقه في السجود.. إلى آخره - ففيه أن قضية الدخول مع الإمام في
الصلاة كيف كان وحيث كان هو المتابعة في جميع ما يأتي به في ذلك المكان إلا أن
يستثنى من ذلك شئ بخصوصه، ولا يحتاج بعد ذلك إلى التصريح بالمتابعة في كل
فعل حتى أنه يحتاج هنا إلى ذلك ويكون عدم ذكر المتابعة في السجود دليلا على
عدمها. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لمن تأمل في أخبار الجماعة الواردة في المسبوق
وغيره أدرك ما يوجب انعقاد الجماعة أم لا كما لا يخفى. والله العالم.
المسألة السادسة - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو
دخل الإمام والمأموم في النافلة قطعها وإن كان في الفريضة أتمها نافلة ودخل مع
الإمام، ولو كان إمام الأصل قطع الفريضة، ولو كان الإمام مخالفا لم يقطع
فرضه ولم ينقله إلى النفل بل يدخل معه.
وتوضيح هذه الجملة يقع في مواضع: الأول - لو كان في نافلة فدخل الإمام
قالوا فإنه يقطعها إن خشي باتمامها الفوات وإلا أتمها. قالوا وإنما يقطعها تحصيلا
للعبادة التي هي أهم في نظر الشارع فإن الجماعة في نظر الشارع أهم من النافلة، وأما لو لم

(1) ص 254
257

يخش الفوات فإنه يتمها جمعا بين الوظيفتين وتحصيلا للفضيلتين. والظاهر أن
المراد بالفوات يعني فوات الركعة، واحتمال فوات الصلاة كملا بعيد.
ولم أقف في هذا المقام على نص إلا على ما ذكره الرضا عليه السلام في كتاب
الفقه (1) حيث قال: " وإن كنت في صلاة نافلة وأقيمت الصلاة فاقطعها وصل
الفريضة مع الإمام ".
والأصحاب (رضوان الله عليهم) لم ينقلوا مستندا لما ذكره في هذا الموضع
سوى ما عرفت من التعليل الاعتباري الذي نقلناه عنهم.
ويمكن أيضا أن يستدل على ذلك بما تقدم في المسألة الثانية عشرة من المطلب
الأول (2) من صحيحة عمر بن يزيد الدالة على السؤال عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي
أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة..
الحديث. والأصحاب قد استدلوا به على كراهة النافلة بعد قوله " قد قامت الصلاة "
ويمكن الاستدلال به هنا بتقريب أن الخبر قد دل على أنه إذا أخذ المقيم في الإقامة
فلا ينبغي التطوع، وهو أعم من أن يبتدئ بالتطوع بعد أخذ المقيم في الإقامة
أو يحصل الأخذ في الإقامة بعد دخوله في النافلة، فالمراد من النهي عن التطوع في
هذا الوقت ابتداء واستدامة.
الثاني - ما لو كان في فريضة فإنه ينقل نيته إلى النفل ويتمها ركعتين على المشهور
وكلام العلامة في التذكرة يؤذن بدعوى الاجماع عليه.
ويدل عليه ما رواه في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح (3) قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي
إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة؟ قال فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام
ولتكن الركعتين تطوعا ".
وعن سماعة في الموثق (4) قال: " سألته عن رجل كان يصلي فخرج الإمام

(1) ص 14
(2) ص 185
(3) الوسائل الباب 56 من صلاة الجماعة
(4) الوسائل الباب 56 من صلاة الجماعة
258

وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ فقال إن كان إماما عدلا فليصل أخرى
وينصرف ويجعلهما تطوعا وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، وإن لم يكن إمام
عدل فليبن علي صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى معه يجلس قدر ما يقول: " أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله " ثم ليتم
صلاته معه على ما استطاع، فإن التقية واسعة ليس شئ من التقية إلا وصاحبها
مأجور عليها إن شاء الله تعالى ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) " وإن كنت في فريضتك وأقيمت الصلاة
فلا تقطعها واجعلها نافلة وسلم في ركعتين ثم صل مع الإمام إلا أن يكون الإمام
ممن لا يقتدى به فلا تقطع صلاتك ولا تجعلها نافلة ولكن أخط إلى الصف وصل
معه، وإذا صليت أربع ركعات وقام الإمام إلى رابعته فقم معه وتشهد من قيام
وسلم من قيام ".
ونقل عن ابن إدريس المنع من النقل لأنه في قوة الابطال. ولا يخفى ما فيه
بعد ما عرفت.
ونقل عن ظاهر الشيخ في المبسوط أنه جوز قطع الفريضة من غير احتياج
إلى النقل إذا خاف الفوت مع النقل. وقواه الشهيد في الذكرى استدراكا لفضل
الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان، ولأن العدول إلى النفل قطع للفريضة
أو مستلزم لجوازه. واستحسنه جملة ممن تأخر عنه: منهم - السيد في المدارك،
وهو كذلك.
وهل المراد بدخول الإمام في الصلاة الذي ينقل لأجله المأموم صلاته إلى
النفل هو الاشتغال بشئ من واجباتها على ما قاله جماعة أو عند إقامة الصلاة كما
ذكره آخرون؟ ظاهر الأخبار الثاني.
ثم إن ظاهر الأخبار المذكورة أنه ينوي العدول عن الفريضة التي كان فيها

(1) ص 14
259

إلى النفل ويضيف إليها ركعة أخرى لو كان قد صلى ركعة منها ولو كان قد صلى ركعتين
منها عدل بما صلاه إلى النفل وتشهد وسلم، وإنما الاشكال في ما لو صلى أزيد
من ركعتين حيث إنه لا يفهم من النصوص المذكورة الحكم في ذلك إذ الظاهر منها
إنما هو ما عدا الصورة المفروضة، وحينئذ فهل يستمر لتحريم قطع الفريضة
وخروج هذه الصورة عن مورد النصوص، أو أنه يعدل إلى النفل للاشتراك في
العلة وهي تحصيل فضيلة الجماعة، أو يهدم الركعة ويسلم أو يقطعها استدراكا لفضيلة
الجماعة وعدم دليل على تحريم قطع الفريضة بحيث يشمل محل البحث؟ أوجه
استقرب العلامة في التذكرة والنهاية منها الأول والظاهر أنه الأحوط.
الثالث - لو كان الداخل إمام الأصل قالوا إنه يقطع الفريضة ويدخل معه،
قاله الشيخ وتبعه جمع من الأصحاب، وعللوه بأن له المزية الموجبة لشدة الاهتمام
بمتابعته واللحوق به. وتردد فيه الفاضلان من حيث كمال المزية كما ذكروا، ومن
عموم النهي عن قطع الصلاة. وفي المختلف جزم بعدم قطع الصلاة لقوله تعالى:
" ولا تبطلوا أعمالكم " (1) وخبري سليمان بن خالد وسماعة المتقدمين (2) والتحقيق
أن الأخبار المتقدمة التي هي العمدة في هذه المسألة عامة لإمام الأصل وغيره والفرق
بمجرد هذا الاعتبار الذي ذكروه لا وجه له.
الرابع - ما لو كان الداخل إماما مخالفا وهو في الفريضة فقد صرحوا بأنه
لا ينقل الفريضة إلى النفل ولا يقطعها بل يدخل معه، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك
إنما الخلاف في ما لو ألجأه الإمام إلى القيام في موضع التشهد فهل يتشهد
جالسا ثم يقوم أو يقوم معه ويتشهد قائما؟ ظاهر الشيخ وجماعة الأول وظاهر
الشيخ علي بن بابويه الثاني.
قال الشيخ (قدس سره): لو كان الإمام ممن لا يقتدى به وقد سبقه المأموم
لم يجز له قطع الفريضة بل يدخل معه في صلاته ويتم هو في نفسه فإذا فرغ سلم

(1) سورة محمد الآية 36
(2) ص 258
260

وتابعه نفلا، فإن وافق حال تشهده حال قيام الأول فليقتصر في تشهده على
الشهادتين والصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله ويسلم إيماء ويقوم مع الإمام. وعلى هذا
تدل موثقة سماعة المتقدمة.
وقال الشيخ علي بن بابويه: فإذا صليت أربع ركعات وقام الإمام إلى رابعته
فقم معه وتشهد من قيام وسلم من قيام. وعلى هذا القول يدل كلامه عليه السلام في كتاب
الفقه الرضوي، بل الظاهر أن الشيخ المزبور إنما أخذ عبارته من الكتاب المذكور
كما لا يخفى على من تأمل العبارتين لتطابقهما لفظا وكذلك ما قبل هذه العبارة، فإن
العلامة في المختلف في موضع آخر نقلها عن الشيخ المذكور بعين عبارة الكتاب،
وهو من قبيل ما عرفت في غير موضع من ما تقدم وستعرف أمثاله من أخذ الشيخ
المزبور عبارات الكتاب المشار إليه والافتاء بها.
وكيف كان فطريق الجمع بين الكلامين - وهو يرجع إلى الجمع بين الخبرين
المذكورين - هو ما ذكره في المختلف من أنه إن تمكن المأموم من تخفيف الشهادتين
والتسليم والاتيان بهما جالسا وجب وإلا قام مع الإمام وتشهد وسلم قائما لضرورة
التقية فإنها تبيح ذلك وأمثاله. والله العالم.
المسألة السابعة - قال شيخنا العلامة أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله
البحراني (طيب الله مرقده) في رسالته التي في الصلاة: وفي جواز الاقتداء بمن
علم نجاسة ثوبه أو بدنه نظر. واستوجه المحقق الشيخ على المنع وبعض المتأخرين
الجواز ولا يخلو من قوة. انتهى. ولم ينبه على وجه القوة التي اختارها في حواشي
رسالته كما جرى عليه غالبا في حواشيه.
وقال تلميذه المحدث الصالح شيخنا الشيخ عبد الله بن صالح (قدس سره) في
شرحه على الرسالة المذكورة بعد قوله " نظر " وبيان وجه النظر ما لفظه: ينشأ من
أن الإمام غافل فتكون صلاته صحيحة فيكون الاقتداء به صحيحا، ومن أن طهارة
الثوب والبدن واجب في الصلاة مع العلم وصلاة المأموم متحدة بصلاة الإمام
261

فتكون كأنها في ثوبه أو بدنه. ثم قال (قدس سره) بعد قول المصنف - واستوجه
الشيخ على المنع - ما لفظه: لما مر. ثم قال بعد قوله: " ولا يخلو من قوة " ما لفظه:
لما مر وعدم صلاحية المعارض للمعارضة وإن كان الاحتياط لا يخفى. انتهى.
أقول: لا يخفى ما في كلام شيخنا الشارح المذكور وما ذكره من التعليل
العليل الظاهر القصور كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى غاية الظهور.
ومن ما يناسب هذا المقام ويدخل في سلك هذا النظام ما وقفت عليه من
مسألة مذيلة بالجواب لبعض الأعلام حيث قال السائل ما هذه صورته: لو رأى
المأموم في أثناء الصلاة في ثوب الإمام نجاسة غير معفو عنها فهل يجوز له الاقتداء في
تلك الحال أم لا؟ وهل يجب عليه إعلامه أم لا؟ ولو لم يجز له الاقتداء فهل
يبني بعد نية الانفراد على ما مضى أم يعيد من رأس؟ فكتب المسؤول ما
صورته: الجواب الأولى عدم الائتمام ويجب الاعلام ويجب الانفراد في الأثناء ويبني
على قراءة الإمام. انتهى.
أقول وبالله سبحانه التوفيق لادراك كل مأمول ونيل كل مسؤول: أما ما ذكره
هذا المجيب من وجوب الاعلام في هذه الصورة فقد صرح به العلامة (أجزل الله
تعالى اكرامه) في أجوبة مسائل السيد السعيد مهنا بن سنان المدني (طاب ثراه)
مستندا إلى كونه من باب الأمر بالمعروف.
ولا يخفى ما فيه (أما أولا) - فلأن الأصل عدمه وأدلة الأمر بالمعروف لا
تشمله لعدم توجه الخطاب إلى الجاهل والغافل والناسي كما ذكروه فلا معروف
ولا منكر بالنسبة إليهما.
وثانيا - دلالة الأخبار على خلافه فإن جملة ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة
بجزئيات هذه المسألة ترد ما ذكروه وتبطل ما حرروه:
ومنها - صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أن الباقر عليه السلام
اغتسل وبقيت لمعة في جسده لم يصبها الماء فقيل له فقال ما كان عليك لو سكت؟ ".

(1) الوسائل الباب 41 من الجنابة و 47 من النجاسات.
262

ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " سألته عن
الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي؟ فقال لا يؤذنه حتى ينصرف " وهي
صريحة في المطلوب خالية عن جهات العيوب.
ورواية عبد الله بن بكير المروية في كتاب قرب الإسناد (2) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه وهو لا يصلي فيه؟ فقال لا يعلمه.
قلت فإن أعلمه؟ قال يعيد ".
والمستفاد من هذه الأخبار كراهية الأخبار فضلا عن جوازه فكيف الوجوب
وله مؤيدات كثيرة من الأخبار.
إذا عرفت ذلك فنقول بالنسبة إلى أصل المسألة وما وقع فيها من القولين
بجواز الاقتداء والمنع أن الظاهر أن القول بالمنع هنا مبني على مسألة أخرى وهي أن
من صلى في النجاسة جاهلا بها فهل تكون صلاته والحال هذه صحيحة أم لا؟ المشهور
الثاني وإن كان غير معاقب ولا مؤاخذ من حيث الجهل، وهو يرجع إلى أن
تكون صحيحة ظاهرا باطلة واقعا، والظاهر أنه على هذا القول يتجه المنع من
الائتمام بمن كان بدنه أو ثوبه نجسا والانفراد في الأثناء كما ذكره المجيب المتقدم
لتبين بطلان الصلاة عند المأموم وإن كانت صحيحة ظاهرا عند الإمام لمكان جهله،
وحينئذ فيتجه عدم جواز الاقتداء ووجوب الانفراد في الأثناء.
إلا أن الظاهر عندي في هذه المسألة إنما هو القول الأول (أما أولا) - فلما
تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة من أن الحكم بالطهارة والنجاسة والحل والحرمة
ونحوها ليس منوطا بالواقع ونفس الأمر وإنما ترتب على نظر المكلف وعلمه
وعدم علمه، فالطاهر شرعا هو ما لا يعلم المكلف بملاقاة النجاسة له وإن
لاقته واقعا لا ما لم تلاقه النجاسة واقعا، ويقابله النجس وهو ما علم المكلف
بملاقاة النجاسة له لا ما لاقته النجاسة وإن لم يعلم بها. وحينئذ فإذا صلى

(1) الوسائل الباب 47 من النجاسات
(2) الوسائل الباب 47 من النجاسات
263

المكلف في ثوب لم يعلم ملاقاة النجاسة له ومثله في بدنه فقد امتثل ما أمره الشارع به
ويلزم منه كون صلاته صحيحة موجبة للثواب بغير شك ولا ارتياب.
و (أما ثانيا) - فلما أسلفنا من الأخبار الدالة على المنع من الأخبار بالنجاسة
وإن كان في أثناء الصلاة، ولو كان الأمر كما يدعونه من كون وصف النجاسة
والطهارة ونحوهما إنما هو باعتبار الواقع ونفس الأمر وإن تلبس المصلي بالنجاسة
جاهلا موجب لبطلان صلاته واقعا فكيف يحسن من الإمام عليه السلام المنع
من الايذان بها والأخبار في الصلاة كما تضمنته رواية محمد بن مسلم أو قبلها كما في
رواية ابن بكير؟ وهل هو بناء على ما ذكروه إلا من باب التقرير له على تلك الصلاة
الباطلة والمعاونة على الباطل، ولا ريب في بطلانه.
و (أما ثالثا) - فإنه يلزم على ما ذكروه عدم الجزم بصحة شئ من العبادات
إلا نادرا لشيوع تطرق النجاسات سيما من النساء والأطفال ومن لا يحترز عن
النجاسة وسريان ذلك في عامة الناس، وقد اعترف بذلك شيخنا الشهيد الثاني في
شرح الألفية وألزم به القول المشهور.
وبما ذكرنا يظهر لك أن الأظهر في أصل المسألة هو القول بجواز الاقتداء
وإن علم بالنجاسة في بدن الإمام أو ثوبه وعدم وجوب الانفراد. ومن أراد
تحقيق المسألة زيادة على ما ذكرناه فليرجع إلى كتابنا الدرر النجفية من الملتقطات
اليوسفية. والله العالم.
المقصد الثالث في صلاة الخوف
وهي ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع من علمائنا كملا وجمهور الجمهور (1)

(1) في المغني ج 2 ص 400 صلاة الخوف ثابتة بالكتاب والسنة، وجمهور العلماء
متفقون على أن حكما باق بعد النبي (ص) وقال أبو يوسف إنما تختص بالنبي (ص)
وليس بصحيح فإن ما ثبت في حقه ثبت في حقنا إلا أن يدل دليل على الاختصاص به.
ونحو ذلك في بدائع الصنائع ج 1 ص 242.
264

قال عز وجل: " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة.. الآية " (1).
وتحقيق الكلام في هذه المقام يتوقف على بسطه في مسائل: الأولى - لا خلاف
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب التقصير في صلاة الخوف إذا وقعت
سفرا وإنما الخلاف في ما إذا وقعت حضرا، فنقل عن الأكثر ومنهم - المرتضى
والشيخ في الخلاف وابن الجنيد وابن أبي عقيل وابن البراج وابن إدريس أنهم ذهبوا
إلى وجوب التقصير سفرا وحضرا جماعة وفرادى، وقال الشيخ في المبسوط إنها
إنما تقصر في الحضر بشرط الجماعة ونسبه الشهيد إلى ابن إدريس وظاهر جماعة من
الأصحاب، وحكى المحقق في المعتبر وقبله ابن إدريس في السرائر قولا عن بعض
الأصحاب بأنها إنما تقصر في السفر خاصة، وحينئذ ففي المسألة أقوال ثلاثة،
والسيد السند في المدارك قد نسب القول الأول إلى ابن إدريس والشهيد في الذكرى
نسب إليه القول الثاني، وظاهر الذي وقفت عليه في السرائر من عبارته في هذه
المسألة إنما يدل على ما ذكره في المدارك، حيث قال: واعلم أن الخوف إذا انفرد
عن السفر لزم فيه التقصير في الصلاة مثل ما يلزم في السفر إذا انفرد على الصحيح
من المذهب، وقال بعض أصحابنا لا قصر إلا في حال السفر والأول عليه العمل.
وظاهره فيه الاقتصار على نقل القول الأول والثالث، وأما الثاني فلم يتعرض له
فنقل الشهيد (قدس سره) ذلك عنه لا يخلو من غفلة. وصاحب الذخيرة قد نقل
عنه القولين تبعا للقولين وهو غير جيد لما عرفت من ظهور عبارته في ما ذكره في
المدارك، واحتمال كون ذلك في غير كتاب السرائر بعيد جدا.
واستدل على القول المشهور بقوله عز وجل " وإذا ضربتم في الأرض فليس
عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم " (2) قيل: والتقريب فيها أن ظاهر
أنه ليس المراد بالضرب سفر القصر وإلا لم يكن في التقييد بالخوف فائدة.
وبقوله تعالى " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك

(1) سورة النساء الآية 103
(2) سورة النساء الآية 102
265

وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا
فليصلوا معك " (1) وهي مطلقة في الاقتصار على الركعتين شاملة باطلاقها للحضر والسفر
وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال:
" قلت له صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا؟ قال نعم، وصلاة الخوف
أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه ".
وأورد على ذلك، أما بالنسبة إلى الآية الأولى فلأن حمل الضرب في الأرض
على غير سفر القصر عدول عن الظاهر، مع أنه غير نافع فإن مجرد الخوف كاف للقصر
على قولهم من غير توقف على الضرب في الأرض. والظاهر أن المراد بالضرب
سفر القصر والتقييد بالخوف إما لوجود الخوف في السفر حين نزول الآية أو يكون
قد خرج مخرج الأعم الأغلب في أسفارهم فإنهم كانوا يخافون الأعداء في عامتها،
وربما يدعى لزوم الخوف في السفر غالبا. وبالجملة المفهوم إنما يعتبر إذا لم يكن
للتقييد فائدة أخرى وههنا ليس كذلك. ويؤيد ما ذكرناه القراءة بترك " إن
خفتم " وعلى قول من يقول إن التقصير في الخوف ليس كالتقصير في السفر كما
سيجئ فأثر التقييد واضح، وكذا على القول بأن المراد بالقصر في الآية القصر من
حدود الصلاة كما يصلي في شدة الخوف.
وأما الثانية فإنها تتمة للآية السابقة، والظاهر أن معناها " وإذا كنت يا محمد
فيهم يعني في أصحابك الضاربين في الأرض الخائفين عدوهم " كما قاله الطبرسي في
مجمع البيان، وهو يقتضي اتصالها بما قبلها وسياقها مع شأن نزولها فلا عموم لها، مع أنه لا دلالة لها على القصر فرادى.
وأما الرواية فيمكن المناقشة فيها بأنه يجوز أن يكون المراد بالتقصير القصر
في حدود الصلاة لا في ركعاتها كما قيل في الآية لكنه بعيد.

(1) سورة النساء الآية 103
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة
الخوف والمطاردة وفيه بدل " الذي.. " " لأن فيها خوفا "
266

أقول: لا ريب أن ما ذكره من المناقشة في الآيتين المذكورتين لا يخلو من
وجه، وأما المناقشة في الرواية فهي ضعيفة واهية لما عرفت في غير مقام من أن
الألفاظ إنما تحمل على ما هو المتكرر الشائع من الأفراد دون الفروض النادرة
الوقوع، والتقصير في الصلاة عرفا وشرعا إنما يتبادر إلى نقص الكمية، وحينئذ
فالاعتماد في الدلالة هنا على الرواية المذكورة واطلاقها شامل للحضر والسفر
جماعة وفرادى.
واستدل في الذكرى بعد هذه الرواية بما في حسن محمد بن عذافر عن الصادق
عليه السلام (1) " إذا جالت الخيل تضطرب بالسيوف أجزأه تكبيرتان " قال: وهو
ظاهر في الانفراد لبعد الجماعة في هذه الحال.
وأما القول بأنها لا تقصر إلا في السفر خاصة فلم أقف له على دليل إلا
ما يدل عليه ظاهر كلام الذكرى من الاقتصار على موضع الوفاق وأصالة اتمام الصلاة.
ثم قال في الذكرى: وجوابه إنما يقتصر مع عدم الدليل وهو ظاهر الثبوت. انتهى.
وأما القول بأنها تقصر في الحضر بشرط الجماعة فعلله في الذكرى بأن النبي
صلى الله عليه وآله إنما قصرها في الجماعة. ثم أجاب عنه بأنه إنما كان لوقوع ذلك لا لكونه شرطا
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن
هذا القصر على حسب قصر المسافر من ارجاع الرباعية إلى ركعتين، وقال ابن
الجنيد: فإن كانت الحالة الثالثة وهي مصافة الحرب والموافقة والتعبئة والتهيؤ
للمناوشة من غير بداية صلى الإمام بالفرقة الأولى ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا
وسلم القوم بعضهم على بعض في مصافهم، وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي
(عليهما السلام) (2) أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى كذلك بعسفان، وروي ذلك عن

(1) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة
(2) لم نقف عليه في كتب الحديث
267

حذيفة بن اليمان وجابر وابن عباس وغيرهم (1) وقال بعض الرواة وكانت لرسول الله
صلى الله عليه وآله ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة.
وقال ابن بابويه (2) سمعت شيخنا محمد بن الحسن يقول: رويت أنه سئل
الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن
تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " (3) فقال هذا تقصير ثان
وهو أن يرد الرجل ركعتين إلى ركعة. انتهى.
أقول: لعل ما أشار إليه من الرواية هو ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز
عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " في قول الله عز وجل: فليس عليكم جناح أن تقصروا
من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا؟ قال في الركعتين تنقص منهما واحدة "
ونقل عن ابن الجنيد القول بذلك كما عرفت من عبارته المذكورة.
ويرد هذا القول الأخبار المتكاثرة بكيفية صلاة الخوف كما سيأتي ذكرها
إن شاء الله تعالى. والظاهر حمل الرواية المذكورة على التقية (5).
قال في الذخيرة بعد ذكر هذا القول: وهو المحكي عن جماعة من الصحابة
والتابعين في تفسير القصر المذكور في الآية.
وقال في الذكرى: وقال ابن الجنيد بهذا المذهب وأن النبي صلى الله عليه وآله صلى كذلك
بعسفان برواية الباقر عليه السلام (6) وجابر وابن عباس وحذيفة، وقال بعض الرواة فكانت
لرسول الله صلى الله عليه وآله ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة. ثم قال في الذكرى: وهذا
القول نادر والرواية (7) وإن كانت صحيحة إلا أنها معارضة بأشهر منها عملا ونقلا،

(1) سنن أبي داود ج 2 ص 11 عن جابر وابن عباس ومجاهد وهشام بن عروة عن
أبيه وأبي موسى. وفي الصفحة 17 ذكر حديث حذيفة في كيفية صلاة الخوف وليس فيه ذكر
الموضع.
(2) الفقيه ج 1 ص 295
(3) سورة النساء الآية 102
(4) التهذيب ج 1 ص 338 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الخوف والمطاردة
(5) ارجع إلى التعليقة 1 ص 269
(6) تقدم عدم الوقوف عليها
(7) التهذيب ج 1 ص 338 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الخوف والمطاردة
268

ثم أورد بعض الأخبار الدالة على القول المشهور.
واحتمل في الذخيرة حمل الرواية على أنه لما كان كل طائفة إنما تصلي مع
الإمام ركعة فكأن صلاته ردت إليها.
أقول: ومن المحتمل قريبا تخصيص الرواية بحال الخوف من إتمام الركعتين
بمعنى أن الحال أضيق والخوف أشد من الحالة الموجبة للركعتين فيقتصر على الركعة،
فتكون هذه المرتبة أول مراتب الانتقالات الآتية في هذه الصلاة. والأظهر
هو الحمل على التقية (1).
المسألة الثانية - من صلاة الخوف المذكورة في كلام الأصحاب صلاة ذات
الرقاع، والنظر في شروطها وكيفيتها وأحكامها:
أما الشروط فهي على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) أربعة:
أحدها - كون الخصم في غير جهة القبلة بحيث لا يمكنهم مقابلته وهم يصلون إلا
بالانحراف عن القبلة، وعلى هذا لو كان العدو في جهة القبلة وأمكن أن يصلوا
جميعا ويحرس بعضهم بعضا صلوا صلاة عسفان الآتية إن شاء الله تعالى.
وهذا الشرط هنا بناء المشهور، قال في المدارك: وهو مقطوع به في
كلام أكثر الأصحاب، واستدلوا عليه بأن النبي صلى الله عليه وآله إنما صلاها كذلك فيجب

(1) في عمدة القارئ ج 3 ص 329: إعلم أن الخوف لا يؤثر في نقصان عدد
الركعات إلا عند ابن عباس والحسن البصري وطاووس حيث قالوا إنها ركعة، وروى
مسلم من حديث مجاهد عن ابن عباس " أن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم في الحضر
أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة " أخرجه الأربعة أيضا، وإليه ذهب عطاء
وطاووس ومجاهد والحكم بن عتيبة وقتادة وإسحاق والضحاك، وروى مثله عن زيد بن
ثابت وأبي هريرة وجابر، قال جابر إنما القصر ركعة عند القتال. وقال إسحاق تجزئك
عند الشدة ركعة تومئ إيماء فإن لم تقدر فكبر تكبيرة حيث كان وجهك. وقال القاضي
لا تأثير للخوف في عدد الركعات، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن عمر والنخعي والثوري
ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، وسائر أهل العلم من علماء الأمصار لا يجيزون ركعة
269

متابعته. واستوجه العلامة في التذكرة عدم اعتباره لعدم المانع من فعلها بدونه،
قال: وفعل النبي صلى الله عليه وآله وقع اتفاقا لا لأنه كان شرطا. ورجحه الشهيدان.
وثانيها - أن يكون الخصم ذا قوة يخاف هجومه على المسلمين فلو كان ضعيفا
بحيث يؤمن منه الهجوم انتفى الخوف المسوغ لهذه الصلاة.
وثالثها - أن يكون في المسلمين كثرة تمكنهم الافتراق طائفتين تقاوم كل فرقة
منهم العدو حال صلاة الأخرى.
ورابعها - عدم احتياجهم إلى زيادة على الفرقتين، وهذا الاشتراط في
الثنائية واضح لتعذر التوزيع بدونه، وأما في الثلاثية فهل يجوز توزيعهم ثلاث
فرق وتخصيص كل ركعة بفرقة؟ قولان واختار الشهيد الجواز، وهو مبني على
جواز الانفراد اختيارا وإلا اتجه المنع.
وأما الكيفية فهي أن يصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعة والثانية تحرسهم
واقفة بإزاء العدو ثم يقوم الإمام ومن خلفه إلى الثانية، فينفرد الجماعة الذين خلفه
ويقرأون لأنفسهم ويطول الإمام في قراءته بقدر ما يتم الطائفة الذين خلفه
وينصرفون إلى موقف أصحابهم، وتجئ الطائفة الأخرى وتدخل مع الإمام
فيكبرون ثم يركع الإمام بهم ويسجد، وتقوم الجماعة فتصلي ركعة أخرى
ويطيل الإمام تشهده ويتمون فيسلم بهم الإمام. ويتخير الإمام في الثلاثية بين أن
يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين وبالعكس.
وأما الأحكام فسيأتي إن شاء الله تعالى فيها الكلام.
والواجب أو لا بسط ما وقفنا عليه من أخبار المسألة ثم الكلام بتوفيق الملك
العلام في ما يدخل في حيز المقام.
فنقول: منها - ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) قال
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الخوف؟ قال يقوم الإمام وتجئ طائفة من

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة
270

أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بإزاء العدو فيصلي بهم الإمام ركعة، ثم يقوم
ويقومون معه فيمثل قائما ويصلون هم الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض، ثم
ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ويجئ الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي
بهم الركعة الثانية، ثم يجلس الإمام فيقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم
فينصرفون بتسليمة. قال وفي المغرب مثل ذلك يقوم الإمام وتجئ طائفة فيقومون
خلفه ثم يصلي بهم ركعة، ثم يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما فيصلون ركعتين
فيتشهدون ويسلم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم
ويجئ الآخرون ويقومون خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ ثم يجلس فيتشهد
ثم يقوم ويقومون معه ويصلي بهم ركعة أخرى، ثم يجلس ويقومون هم فيتمون
ركعة أخرى ثم يسلم عليهم ".
ومنها - ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال " صلى النبي صلى الله عليه وآله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع ففرق
أصحابه فرقتين فأقام فرقة بإزاء العدو وفرقة خلفه فكبر وكبروا فقرأ وانصتوا
فركع وركعوا فسجد وسجدوا، ثم استمر رسول الله صلى الله عليه وآله قائما فصلوا لأنفسهم
ركعة ثم سلم بعضهم على بعض ثم خرجوا إلى أصحابهم فقاموا بإزاء العدو، وجاء
أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فكبر وكبروا وقرأ فانصتوا وركع فركعوا
وسجد وسجدوا ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وآله فتشهد ثم سلم عليهم فقاموا ثم قضوا
لأنفسهم ركعة ثم سلم بعضهم على بعض، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وإذا كنت
فيهم فأقمت لهم الصلاة.. ثم ساق الآية في الفقيه إلى قوله: كانت على المؤمنين كتابا
موقوتا " (2) ثم قال فهذه صلاة الخوف التي أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وآله وقال
من صلى المغرب في خوف بالقوم صلى بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الثانية ركعتين "

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة
(2) سورة النساء الآية 103 و 104
271

هذه صورة ما في الفقيه (1) وظاهر صاحب الوافي (2) أن رواية عبد الرحمان
إلى قوله " ثم سلم بعضهم على بعض " وأن قوله " وقد قال الله لنبيه... إلى آخره "
إنما هو من كلام صاحب الفقيه ولهذا لم ينقله، وظاهر صاحب الوسائل أنه من
الرواية حيث إنه نقله في جملتها. والكل محتمل. وأما قوله " وقال من صلى
المغرب... إلى آخره " فالظاهر أن هذه رواية أخرى مرسلة. وصاحب الكافي (3)
روى رواية عبد الرحمان المذكورة كما تقدم إلى قوله " فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله
ثم قال: " فصلى بهم ركعة ثم تشهد وسلم عليهم فقاموا وصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلم
بعضهم على بعض ".
ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال:
" صلاة الخوف المغرب يصلي بالأولين ركعة ويقضون ركعتين ويصلي بالآخرين
ركعتين ويقضون ركعة ".
ومنها - ما رواه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (5) أنه قال:
" إذا كانت صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين، فيصلي بفرقة ركعتين ثم جلس بهم
ثم أشار إليهم بيده فقام كل انسان منهم فيصلي ركعة ثم سلموا وقاموا مقام أصحابهم
وجاءت الطائفة الأخرى فكبروا ودخلوا في الصلاة وقام الإمام فصلى بهم ركعة ثم
سلم ثم قام كل رجل منهم فصلى ركعة فشفعها بالتي صلى مع الإمام ثم قام فصلى ركعة ليس
فيها قراءة، فتمت للإمام ثلاث ركعات وللأولين ركعتان في جماعة وللآخرين وحدانا،
فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم " ورواه العياشي في تفسيره
عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام مثله (6) وبإسناده عن الحسين بن

(1) ج 1 ص 293 و 294
(2) باب صلاة الخائف في القتال
(3) باب صلاة الخوف
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة
(5) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة
(6) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة
272

سعيد عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام مثل ذلك (1).
ومنها - ما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن
جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (2) قال: " سألته عن صلاة
الخوف كيف هي؟ فقال يقوم الإمام فيصلي ببعض أصحابه ركعة ويقوم في الثانية
ويقوم أصحابه ويصلون الثانية ويخففون وينصرفون، ويأتي أصحابهم الباقون فيصلون
معه الثانية فإذا قعد في التشهد قاموا فصلوا الثانية لأنفسهم ثم يقعدون فيتشهدون معه
ثم يسلم وينصرفون معه ".
ومنها - ما رواه في الكتاب المذكور عنه عن أخيه عليه السلام (3) قال: " سألته
عن صلاة المغرب في الخوف؟ قال يقوم الإمام ببعض أصحابه فيصلي بهم ركعة ثم
يقوم في الثانية ويقومون فيصلون لأنفسهم ركعتين ويخففون وينصرفون، ويأتي
أصحابه الباقون فيصلون معه الثانية ثم يقوم إلى الثالثة فيصلي بهم فتكون للإمام
الثالثة وللقوم الثانية ثم يقعدون فيتشهد ويتشهدون معه ثم يقوم أصحابه والإمام
قاعد فيصلون الثالثة ويتشهدون معه ثم يسلم ويسلمون " ورواه علي بن جعفر في
كتابه وكذا الذي قبله (4).
ومنها - ما رواه العياشي في تفسيره عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد
(عليهما السلام) (5) قال: " صلاة المغرب في الخوف أن يجعل أصحابه طائفتين
بإزاء العدو واحدة والأخرى خلفه فيصلي بهم ثم ينتصب قائما ويصلون هم تمام
ركعتين ثم يسلم بعضهم على بعض، ثم يأتي الطائفة الأخرى خلفه فيصلي بهم ركعتين
ويصلون هم ركعة، فيكون للأولين قراءة وللآخرين قراءة ".
ومنها - ما رواه فيه أيضا عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (6)
قال: " إذا حضرت الصلاة في الخوف فرقهم الإمام فرقتين فرقة مقبلة على عدوهم

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة.
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة.
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة.
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة.
(5) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة.
(6) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة.
273

وفرقة خلفه كما قال الله تعالى، فيكبر بهم ثم يصلي بهم ركعة ثم يقوم بعد ما يرفع
رأسه من السجود فيمثل قائما ويقوم الذين صلوا خلفه ركعة فيصلي كل انسان منهم
لنفسه ركعة ثم يسلم بعضهم على بعض، ثم يذهبون إلى أصحابهم فيقومون مقامهم
ويجئ الآخرون والإمام قائم فيكبرون ويدخلون في الصلاة خلفه فيصلي بهم ركعة
ثم يسلم، فيكون للأولين استفتاح الصلاة بالتكبير وللآخرين التسليم من الإمام، فإذا سلم
الإمام قام كل انسان من الطائفة الأخيرة فيصلي لنفسه ركعة واحدة، فتمت للإمام
ركعتان ولكل انسان من القوم ركعتان واحدة في جماعة والأخرى وحدانا... الحديث "
هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار الواردة في المسألة.
والكلام يقع في هذا المقام في مواضع: الأول - في سبب التسمية بذات الرقاع
كما اشتمل عليه صحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله، قال شيخنا الشهيد في الذكرى:
اختلف في سبب التسمية بذلك، فقيل لأن القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر
وصفر كالرقاع، وقيل كانت الصحابة حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود والخرق
لئلا تحترق. قال صاحب المعجم: وقيل سميت برقاع كانت في أولويتهم، وقيل الرقاع
اسم شجرة كانت في موضع الغزوة، قال وفسرها مسلم في الصحيح (1) بأن الصحابة
نقبت أرجلهم من المشي فلفوا عليها الخرق، وهي على ثلاثة أميال من المدينة عند
بئر أروما. هكذا نقله صاحب معجم البلدان بالألف، قال: وبين الهجرة وبين هذه
الغزوة أربع سنين وثمانية أيام. وقيل مر بذلك الموضع ثمانية حفاة فنقبت أرجلهم
وتساقطت أظفارهم فكانوا يلفون عليها الخرق. انتهى كلام شيخنا المشار إليه.
الثاني - قال في الذكرى: يستحب تطويل الإمام القراءة في انتظار الثانية،
ولو انتظرهم بالقراءة ليحضروها كان جائزا فحينئذ يشتغل بذكر الله تعالى إلى حين
حضورهم، والأول أجود لأن فيه تخفيفا للصلاة وقراءة كافية لاقتدائهم وإن لم
يحضروها كغيرهم من المؤتمين. وإذا انتظرهم لفراغ ما بقي عليهم في تشهده طوله

(1) ج 2 ص 106 كتاب الغزوات غزوة ذات الرقاع
274

بالأذكار والدعوات حتى يفرغوا، ولو سكت أيضا فالأقرب جوازه. انتهى.
وهو جيد بالنسبة إلى القراءة لاطلاق الأخبار المذكورة وشمولها لكل من
الأمرين مع عدم حصول ما ينافي صحة الصلاة في البين، وأما بالنسبة إلى التشهد
فإن ظاهر صحيحة الحلبي أنه يجلس الإمام بعد اتمام صلاته إلى أن يتم المأمومون
صلاتهم ثم يسلم عليهم وظاهرها تأخير التسليم خاصة، وهي وإن كانت مطلقة
بالنسبة إلى التشهد إلا أن صريح صحيحة عبد الرحمان أنه صلى الله عليه وآله تشهد بعد تمام صلاته
وسلم عليهم قبل تمام صلاتهم ثم قاموا فأتموا ما بقي عليهم، وكذا ظاهر صحيحة زرارة
الثانية أن الإمام سلم بعد تمام صلاته ثم قام كل رجل منهم لاتمام صلاته، وهو
أيضا ظاهر صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المنقولة من تفسير العياشي. نعم ظاهر
رواية قرب الإسناد الأولي ربما يفيد ما ذكره من تطويل الإمام في التشهد إلى أن
يدركوه فيه، حيث قال فيها: " فإذا قعد في التشهد قاموا فصلوا الثانية لأنفسهم ثم يقعدون
فيتشهدون معه ثم يسلم وينصرفون معه " وكذلك رواية قرب الإسناد الثانية التي في
صلاة المغرب فإن ظاهرها ذلك أيضا. ولعل الوجه في الجمع بين الأخبار هنا
التخيير بين ما دلت عليه من ما فصلناه وأوضحناه، إلا أن صحيحة الحلبي مجملة لا بد
من حملها على بعض الروايات المفصلة.
وظاهر كلامه في الذكرى هو تعين تأخير التشهد إلى أن تفرغ الفرقة الثانية
إما بأن يطول فيه بحيث يدركونه أو يسكت، وبذلك صرح في المختلف نقلا عن
الأصحاب فقال: المشهور أن الإمام إذا صلى بالثانية الركعة الباقية من الثنائية طول
تشهده حتى تتم الثانية ويسلم بهم. ثم نقل عن ابن الجنيد أنه قال: إذا كان الإمام قد سبقهم
بالتسليم لم يبرح من مكانه حتى يسلموا وانصرفوا أجمعين. وقال ابن إدريس في
صفة صلاة الخوف بعد دخول الفرقة الثانية وصلاتهم مع الإمام ركعة ثانية: فإذا جلس
للتشهد قاموا فصلوا ركعة أخرى وهو جالس ثم جلسوا معه فيسلم بهم ثم انصرفوا
بتسليمة، وقد روي أنه إذا جلس الإمام للثانية تشهدوا سلم ثم قام من خلفه فصلوا
275

الركعة الأخرى فيصلون لأنفسهم. وما ذكرناه أولا هو الأظهر في المذهب
والصحيح من الأقوال. انتهى. وفيه ما عرفت من أن أكثر الأخبار وصحاحها
دالة على التسليم قبل اتمام الفرقة الثانية، ولا دليل على ما ذهبوا إليه إلا ظاهر روايتي
قرب الإسناد. وكيف كان فالظاهر كما عرفت هو التخيير بين أن يسلم قبلهم أو
ينتظرهم. والله العالم.
الثالث - هل يجب على الفرقة الأولى نية الانفراد عند مفارقة الإمام أم لا؟
وجهان اختار أولهما الشهيد في الدروس والثاني في الذكرى.
احتج الأولون بوجوب الانفراد، ووجوب نية كل واجب، وما تقدم من
عدم جواز مفارقة المأموم الإمام بدون نية الانفراد. وأورد على الأول منع
وجوب نية كل واجب، وعلى الوجهين معا أنهما إنما يتمان مع اطلاق نية الاقتداء،
أما إذا تعلقت النية بالركعة الأولى خاصة فلا. واحتج الآخرون بالأصل وانقضاء
ما تعلق به نية الائتمام.
أقول: والتحقيق بناء على ما عرفت من معنى النية كما حققناه في غير موضع
من بحث نية الوضوء ونية الصلاة أن هذا الكلام سؤالا وجوابا لا وجه له ولا أثر
يتعلق به، فإن من المعلوم أن هذا المصلي مع علمه بأحكام هذه الصلاة وكيفيتها إنما
تعلق قصد إئتمامه بالركعة الأولى وهو في الثانية منفرد حكمه حكم المنفرد نوى
الانفراد أم لم ينوه، كما لو أدرك مع الإمام ركعة ثم قام وأتم بعد فراغ الإمام، فإن
الائتمام وأحكامه من وجوب المتابعة ونحوها إنما هو بالنسبة إلى تلك الركعة وإلا
فحكمه في الثانية حكم المنفرد وإن كتب له ثواب الجماعة تفضلا من الله تعالى بل لو
لم يدرك ركعة. نعم يبقى الكلام في أن المأموم هنا هل يكتب له ثواب الجماعة كملا
بمجرد هذه الركعة أو إنما يكتب له بالنسبة إلى هذه الركعة خاصة؟ فيه اشكال لعدم
تصريح الأخبار بشئ من ذلك، وقد تقدم في أخبار المسبوق ما يدل على إدراك
ثواب الجماعة بادراك الإمام في التشهد الأخير، فلا يبعد من فضل الله سبحانه
276

حصول ثواب الجماعة بالمتابعة في هذه الركعة كما أنه يكتب ثواب الجماعة للفرقة
الأخيرة بدخولها مع الإمام في الركعة الثانية لدخولها في أخبار المسبوق الذي قد
عرفت أنه يكتب له ثواب الجماعة بادراك التشهد الأخير.
الرابع - قال في الذكرى: ظاهر الأصحاب بقاء اقتداء الثانية في الركعة
الثانية حكما وإن استقلوا بالقراءة والأفعال فيحصل لهم ثواب الائتمام ويرجعون
إلى الإمام في السهو، وحينئذ لا ينوون الانفراد عند القيام إلى الثانية، وابن حمزة
في الواسطة والوسيلة حكم بأن الثانية تنوي الانفراد في الركعة الثانية. وكأنه
أخذه من كلام الشيخ في المبسوط حيث قال: ومتى سهت الطائفة يعني الثانية في ما
تنفرد به فإذا سلم بهم الإمام سجدوا هم لنفوسهم سجدتي السهو، ومتى سهت في الركعة
التي تصلي مع الإمام لم يلزمها حكم ذلك السهو ولا يجب عليها شئ، فنفي الشيخ
لازم الائتمام وهو وجوب سجدتي السهو ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم. ويدل على
المشهور أنهم عدوا من جملة مخالفة هذه الصلاة ائتمام القائم بالقاعد وأنه في رواية
زرارة الصحيحة (1) أن الباقر عليه السلام قال: " فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة
وللآخرين التسليم " ولا يحصل لهم التسليم إلا ببقاء الائتمام. وللشيخ وابن حمزة
أن يمنعا كون ذلك مستلزما لبقاء الائتمام حقيقة وإن كان مستلزما له في ثواب الائتمام
وهما يقولان به، على أن التسليم في الرواية مصرح به أن الإمام يوقعه من غير
انتظارهم كما يأتي وذلك مقتض لانفرادهم حتما وإنما قال: " للآخرين التسليم " لأنهم
حضروه مع الإمام. انتهى.
أقول: والكلام في هذه المسألة أيضا غير منقح ولا موجه بالنظر إلى الأدلة
الشرعية، وذلك فإن ما نقله عن ظاهر الأصحاب - من بقاء اقتداء الثانية حكما وإن
استقلوا بالقراءة.. إلى آخره - إن أريد بالنسبة إلى ترتب ثواب الجماعة فهو من ما
لا إشكال فيه، وقد عرفت في ما قدمناه أن ثواب الجماعة يدرك في المسبوق

(1) ص 272
277

بادراك الإمام في التشهد الأخير فكيف بمن أدرك ركعة تامة، وإن أريد غير
ذلك مثل ما نقله عن الشيخ من تحمل الإمام السهو عن المأموم ونحو ذلك فهو من ما
لا دليل عليه وإن كان في حال مصاحبة الإمام في الصلاة فضلا عن الانفراد، فإن
الحق أن لكل من الإمام والمأموم حكم نفسه في السهو فلو حصل موجب السهو من
المأموم حال متابعة الإمام لم يتحمله عنه الإمام كما هو الأظهر الأشهر. وأما بالنسبة
إلى رجوع الظان إلى العالم وكذلك الشاك إلى الظان ونحو ذلك من ما تقدم فهذا لا يتم
هنا بعد تمام صلاة الإمام وقيام المأموم لما بقي عليه، فإن الأدلة الدالة على ذلك أنما
قامت بالنسبة إلى المشتركين في الصلاة لا بعد اتمام الإمام وانفراد المأموم. وبالجملة
فإن حكم المأموم في هذه الصورة حكم المسبوق الذي قد تقدمت صلاة إمامه وقام
لاتمام ما بقي عليه فإن أوجبوا فيه نية الانفراد فكذا هنا وإلا فلا، وكل ما يترتب
من الأحكام في مسألة المسبوق فهو يجري هنا، وغاية ما تدل عليه الأخبار في
مسألة المسبوق هو حصول ثواب الجماعة له وإن انفرد في بقية صلاته سواء أدرك
ركعة أو أقل كما تقدم، وكل ما يثبت للمسبوق من الأحكام فهو ثابت هنا لأنه
أحد أفراده. وأما ما ذكره من الأدلة للقول المشهور فهي مدخولة سخيفة كما
أشار إليه (قدس سره).
وبالجملة فإنه لا دليل في كل من المسألتين على أزيد من ترتب الثواب خاصة،
فإن أريد ببقاء الاقتداء ذلك فهو مسلم وإن أريد غيره فهو ممنوع.
وأما ما ذكره ابن حمزة من نية الانفراد فقد تقدم ما فيه، فإنه بعد تمام صلاة
الإمام وقيام المأموم إلى ما بقي عليه منفرد نوى الانفراد أو لم ينوه.
وما نقله عن الشيخ من التفريع ضعيف فإنه لم يقم لنا دليل على تحمل الإمام
سهو المأموم حال مصاحبته حتى يفرع ذلك على حال انفراده وبقاء الاقتداء حكما،
والظاهر أنه لا خلاف عندنا في أنه لو سها المسبوق في ما بقي عليه من صلاته بعد
اتمام الإمام فإنه يجب عليه الاتيان بموجب السهو وإن قلنا بتحمل الإمام ذلك في حال
278

مصاحبته، والحكم هنا كذلك فإن هذا أحد أفراد المسبوق. والله العالم.
الخامس - قد اختلفت الروايات في الائتمام في صلاة المغرب ففي بعضها
كصحيحة الحلبي " يصلي بهم الإمام ركعة وينفردون بركعتين ويصلي بالثانية ركعتين
وينفردون بركعة " ونحوها مرسلة الفقيه المتقدمة وصحيحة زرارة الأولى وصحيحة
علي بن جعفر، وفي بعضها بالعكس بأن يصلي بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة
كصحيحة زرارة الثانية بطرقها العديدة.
والظاهر أن وجه الجمع بينها هو التخيير بين الأمرين كما هو ظاهر جملة من
الأصحاب أيضا، لكن اختلفوا في الأفضل منهما فقيل إن الأول أفضل لكونه
مرويا عن علي عليه السلام فيترجح للتأسي به، ولأنه يستلزم فوز الفرقة الثانية بالقراءة
والزيادة ليوازي فضيلة تكبيرة الافتتاح والتقدم، ولتقارب الفرقتين في ادراك
الأركان. ونسب هذا القول إلى الأكثر واختاره العلامة في التذكرة. وقيل إن
الثاني أفضل لئلا تكلف الثانية زيادة جلوس في التشهد وهي مبنية على التخفيف.
أقول: القدر المعلوم من الأخبار من حيث ضرورة الجمع بينها التخيير بين
الأمرين المذكورين، وأما الحكم بالأفضلية فلا يظهر من شئ منها، والركون إلى هذه
التعليلات العليلة مجازفة.
وأما كلمات الأصحاب في هذا المقام فقال الشيخ في المبسوط صلاة المغرب
مخيرة بين أن يصلي بالطائفة الأولى ركعة واحدة والأخرى ثنتين وبين أن يصلي
بالأولى ثنتين وبالأخرى واحدة كل ذلك جائز. ولم يرجح أحدهما على الآخر.
وكذا في الجمل، وفي النهاية ذكر الأول ولم يتعرض للثاني. وقال في الخلاف:
الأفضل أن يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين، فإن صلى بالأولى ثنتين وبالأخرى
ركعة واحدة كان أيضا جائزا. وفي الإقتصاد قال والأول أحوط. وأشار به إلى
الذي جعله في الخلاف الأفضل. والمفيد لم يذكر الثاني في المغرب ولا السيد
المرتضى. وقال علي بن بابويه: وإن كانت المغرب فصلى بالأولى ركعة وبالثانية
279

ركعتين. وكذا قال ابنه في كتاب من لا يحضره الفقيه وسلار وابن البراج.
وقال ابن أبي عقيل: ويصلي الإمام في المغرب خاصة بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة
الأخرى ركعتين حتى يكون لكلتا الطائفتين قراءة، بذلك تواترت الأخبار عنهم
(عليهم السلام) وقال ابن الجنيد: فإن صلى بهم المغرب فالذي أختاره أن يصلي
بالطائفة الأولى ركعة واحدة فإذا قام إلى الثانية أتم من معه بركعتين أخراوين.
وقال أبو الصلاح: يصلي بالأولى ركعة أو ثنتين وبالثانية ما بقي. كذا نقله عنهم
العلامة في المختلف. ثم إنه (قدس سره) اختار التخيير للأخبار التي ذكرناها.
والظاهر أن عبارتي ابني بابويه مأخوذتان من كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام (1)
" وإن كانت صلاة المغرب فصل بالطائفة الأولى ركعة وبالطائفة الثانية ركعتين "
فاختصراها بحذف لفظ الطائفة. وكيف كان فقد عرفت ما هو الظاهر من الأخبار
في هذا المكان. والله العالم.
السادس - قال المرتضى وابن الجنيد: إذا صلى بالأولى في المغرب ركعة
وأتموا ثم قام الإمام إلى ثالثته وهي الثانية للفرقة الثانية سبح هو وقرأت الطائفة الثانية
وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك عن المرتضى: والصحيح عند أصحابنا المصنفين
والاجماع حاصل عليه أنه لا قراءة عليهم.
أقول: والكلام في هذه المسألة مبني على ما تقدم في بحث صلاة الجماعة من
وجوب القراءة على المسبوق في أخيرتي الإمام وأولتي المأموم وعدمه، وقد تقدم
تحقيق القول في المسألة وأن القراءة واجبة على المأموم في الصورة المذكورة كما دلت
عليه الأخبار المتكاثرة وإن ذهب العلامة في المنتهى وتبعه في المدارك إلى الاستحباب
وبه يظهر أن كلام ابن إدريس ليس بشئ يعتمد عليه وأن الصحيح إنما هو المجمع
عليه في الأخبار لا في كلام الأصحاب مع خلوه من الدليل بل قيام الدليل على
خلافه كما عرفت، على أن ادعاه من الاجماع ممنوع كما تقدم تحقيقه في المسألة بل

(1) ص 14
280

ظاهر كلام جل الأصحاب إنما هو الوجوب وإن عبروا عنه بعبارة مجملة وإن لم يفصح
بذلك إلا المرتضى (رضي الله عنه) وابن الجنيد.
السابع - قد صرح المحقق في الشرائع بأن هذه الصلاة تخالف صلاة الجماعة في
ثلاثة أشياء: انفراد المؤتم وتوقع الإمام للمأموم حتى يتم وإمامة القاعد بالقائم.
واعترضه في المدارك، أما بالنسبة إلى الأول فقال: إنه لا يخفى أن انفراد
المؤتم إنما تحصل به المخالفة على قول الشيخ من المنع من المفارقة في حال الاختيار،
أما إن سوغناها مطلقا كما هو المشهور فلا تتحقق المخالفة بذلك لصلاة المختار،
اللهم إلا أن يقال بوجوب الانفراد هنا فتحصل المخالفة بذلك. انتهى. وهو جيد.
وأما بالنسبة إلى الثاني فقال فيه على أثر الكلام الأول: وكذا الكلام في
توقع الإمام المؤتم حتى يتم فإنه جائز مع الاختيار، مع أنه غير لازم في هذه
الصلاة كما دلت عليه صحيحة عبد الرحمان المتقدمة حيث وقع التصريح فيها بأن الإمام
يتشهد ويسلم على الفرقة الثانية ثم يقومون بعد ذلك ويتمون صلاتهم. انتهى.
أقول: لا يخفى أنه يمكن تطرق المناقشة إلى هذا الكلام فإن ما ذكره
من جواز انتظار الإمام المأموم حتى يتم مع الاختيار لا أعرف عليه دليلا، فإن
ذلك لا محل له إلا في مسألة المسبوق، وأخبار المسبوق على تعددها دالة على أن
الإمام متى تمت صلاته سلم ولم ينتظر بسلامه اتمام المأمومين. نعم دلت على أن
الأفضل له أن لا يفارق مصلاه حتى يتم المسبوق صلاته. وأما قوله: " على أنه
غير لازم في هذه الصلاة كما دلت عليه صحيحة عبد الرحمان " فإن ظاهرها أنه وإن
لم يكن لازما إلا أنه جائز، وهو الظاهر لما عرفت من ما تقدم في الموضع الثاني
من دلالة ظاهر روايتي قرب الإسناد على ما ذكره الأصحاب وأن الظاهر هو القول
بالتخيير جمعا بين الأخبار، وهذا يكفي في الفرق متى قلنا بعدم جواز توقع الإمام
للمأموم حتى يتم في مسألة المسبوق لعدم الدليل عليه كما عرفت، وهنا يجوز ذلك
لما ذكرنا وهو ظاهر في الفرق وبالجملة فإن كلامه هنا لا يخلو من تأمل لما عرفت.
281

والظاهر أنهم لو ذكروا في هذا المقام في وجه الفرق - تمثل الإمام
قائما بعد صلاة ركعة بالطائفة الأولى واتمامها الصلاة ثم المضي إلى موقف أصحابها
واتيان الطائفة الثانية ودخولهم معه - لكان أظهر في الفرق، فإنه لم يعهد في صلاة
الجماعة مثله سيما على القول بسكوت الإمام عن القراءة حتى تأتي الطائفة الثانية
وتدخل معه كما تقدم في كلام الذكرى.
وأما بالنسبة إلى الثالث فإنه قال: وأما إمامة القاعد بالقائم فإنما تتحقق إذا
قلنا ببقاء اقتداء الفرقة الثانية في الركعة الثانية حكما وإن استقلوا بالقراءة والأفعال
كما صرح به العلامة في المختلف محتجا بقوله عليه السلام في صحيحة زرارة " فصار للأولين
التكبير وافتتاح الصلاة وللآخرين التسليم " قال ومع الانفراد لا يحصل لهم ذلك.
وهو احتجاج ضعيف للتصريح في تلك الرواية بعينها بأن الإمام يوقع السلام بعد
فراغه من التشهد من غير انتظارهم، وعلى هذا فيكون معنى قوله عليه السلام " وللآخرين
التسليم " إنهم حضروه مع الإمام. والأصح انفراد الفرقة الثانية عند مفارقة الإمام
كالأولى كما هو ظاهر الشيخ في المبسوط وصريح ابن حمزة في الوسيلة لقوله عليه السلام في
صحيحة عبد الرحمان المتقدمة " ثم تشهد وسلم عليهم فقاموا فصلوا لأنفسهم ركعة
وسلم بعضهم على بعض " ولأنه لا معنى للقدوة مع الاستقلال بالقراءة والأفعال
إلا حصول ثواب الائتمام وسقوط السهو عنهم في الركعة الثانية إن قلنا بسقوطه
عن المأموم، وليس في الأدلة النقلية ما يدل عليه فكان منفيا بالأصل. انتهى
كلامه (زيد مقامه) وهو جيد. وإنما نقلناه بطوله لتأييد لما قدمنا ذكره في
الموضع الرابع.
الثامن - في جملة من الفروع: الأول - نقل عن الشيخ وأكثر الأصحاب أنهم
صرحوا بوجوب أخذ السلاح في الصلاة استنادا إلى قوله عز وجل: " وليأخذوا
حذرهم وأسلحتهم " (1) والأمر المطلق للوجوب. وعن ابن الجنيد أنه يستحب

(1) سورة النساء الآية 103
282

أخذ السلاح حملا للأمر على الإرشاد لما في أخذ السلاح من الاستظهار في التحفظ
من العدو. أقول: وما ذكره ابن الجنيد غير بعيد والظاهر أنه لذلك تردد
المحقق في النافع والمعتبر. ونقل عن ابن إدريس أنه أوجب أخذ السلاح على
الطائفتين، ولا بأس به لما فيه من زيادة الاحتراس والمحافظة، إلا أن الحكم
بالوجوب لا يخلو من اشكال إلا أن تلجئ الضرورة إليه.
الثاني - قال الشيخ في المبسوط: يكره أن يكون السلاح ثقيلا لا يتمكن
معه من الصلاة والركوع والسجود كالجوشن الثقيل والمغفر السابغ لأنه يمنع من
السجود على الجبهة. وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنه: والأقرب أن نقول
إن احتاج إلى أخذه وجب ولم يكن مكروها وإن لم يحتج إليه حرم أخذه لأنه يمنعه
من استيفاء الأفعال الواجبة. انتهى. وهو جيد. ويمكن على بعد حمل الكراهة
في كلامه على التحريم.
الثالث - لا تمنع النجاسة على السلاح من أخذه في الصلاة لما تقدم في مقدمة
اللباس من ثبوت العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه منفردا وعدم قيام الدليل
على طهارة المحمول، ولو تعدت النجاسة إلى الثوب وجب تطهيره إن أمكن.
الرابع - لو ترك أخذ السلاح في مقام وجوبه لم تبطل صلاته لأن أخذه
ليس شرطا في الصلاة ولا جزء منها وإنما هو واجب منفصل عنها. ولو منع من
كمال الأفعال كزيادة الانحناء في الركوع كره أخذه.
الخامس - قال في الذكرى: يجوز في أثناء الصلاة الضربة والضربتان
والطعنة والطعنتان والثلاث مع تباعدها اختيارا واضطرارا لأنها ليست فعلا كثيرا
ولو احتاج إلى الكثير فأتى به لم تبطل وتكون كصلاة الماشي. وكذا يجوز له إمساك
عنان فرسه وجذبه إليه كثيرا وقليلا لأنه في محل الحاجة. انتهى.
السادس - قال في الذكرى: لا فرق في جواز القصر مع الخوف بين الرجال
والنساء لحصول المقتضي في الجميع، وابن الجنيد قال يقصرها كل من يحمل السلاح
283

من الرجال حرا كان أو عبدا دون النساء في الحرب. ولعله لعدم مخاطبتهن بالقتال
والخوف إنما يندفع غالبا بالرجال فلا أثر فيه للنساء قصرن أم أتممن. انتهى.
ولا يخلو من تردد واشكال لعدم النص الواضح في هذا المجال.
السابع - قال في الكتاب المذكور أيضا: لو عرض الخوف في أثناء صلاة
الأمن أتمها ركعتين، ولو عجز عن الركوع والسجود أتمها بالايماء لمكان الضرورة
ووجود المقتضي، ولو أمن في أثناء صلاة الخوف أتمها عددا إن كان حاضرا وكيفية
سواء كان حاضرا أو مسافرا، ولا فرق بين أن يكون قد استدبر أو لم يستدبر.
وقال الشيخ في المبسوط: لو صلى ركعة مع شدة الخوف ثم أمن نزل وصلى بقية
صلاته على الأرض، وإن صلى على الأرض آمنا ركعة فلحقه شدة الخوف كبر
وصلى بقية صلاته إيماء ما لم يستدبر القبلة في الحالين فإن استدبرها بطلت صلاته،
والأقرب الصحة مع الحاجة إلى الاستدبار لأنه موضع ضرورة والشروط معتبرة
مع الاختيار. انتهى.
المسألة الثالثة - من صلاة الخوف المذكورة في كلام الأصحاب صلاة بطن
النخل، قالوا ورد أن النبي صلى الله عليه وآله صلاها بأصحابه (1) قال في المبسوط: روى ذلك
الحسن عن أبي بكرة عن فعل النبي صلى الله عليه وآله (2) وصفتها أن يصلي الإمام بالفرقة الأولى
مجموع الصلاة والأخرى تحرسهم ثم يسلم بهم ثم يمضون إلى موقف أصحابهم، ثم
يصلي بالطائفة الأخرى نفلا له وفرضا لهم. قال في المبسوط: وهذا يدل على
جواز صلاة المفترض خلف المتنفل. وشرطها كون العدو فيه قوة يخاف هجومه

(1) الدر المنثور ج 2 ص 212
(2) في عمدة القارئ ج 3 ص 342: حديث أبي بكرة أفتى به الحسن البصري، وحكى
المزني عن الشافعي أنه لو صلى في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم وصلى بطائفة ركعتين ثم
سلم كان جائزا، قال وهكذا صلى النبي (ص) ببطن نخل، وقال ابن عبد البر روي أن صلاته
هكذا كانت يوم ذات الرقاع.
284

وامكان افتراق المسلمين فرقتين لا أزيد، وكونه في خلاف جهة القبلة.
قال في الذكرى: ويتخير بين هذه الصلاة وذات الرقاع، وترجع هذه إذا
كان في المسلمين قوة ممانعة بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية،
ويختار ذات الرقاع إذا كان الأمر بالعكس.
ومنها - صلاة عسفان وقد نقلها الشيخ في المبسوط بهذه العبارة، قال: ومتى
كان العدو في جهة القبلة ويكونون في مستوى الأرض لا يسترهم شئ ولا يمكنهم
أمر يخافون منه ويكون في المسلمين كثرة لا تلزمهم صلاة الخوف ولا صلاة شدة
الخوف، وإن صلوا كما صلى النبي صلى الله عليه وآله بعسفان جاز، فإنه قام مستقبل القبلة
والمشركون أمامه فصف خلف رسول الله صلى الله عليه وآله صف وصف بعد ذلك الصف
صف آخر فركع رسول الله صلى الله عليه وآله وركعوا جميعا ثم سجد صلى الله عليه وآله وسجد الصف الذين
يلونه وقام الآخرون يحرسونه فلما سجد الأولون السجدتين وقاموا سجد الآخرون
الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذين يلونه إلى مقام الآخرين وتقدم الصف
الآخر إلى مقام الصف الأول ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وآله وركعوا جميعا في حالة واحدة
ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون يحرسونه فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وآله
والصف الذي يليه سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا وسلم بهم جميعا. وصلى صلى الله عليه وآله
بهم أيضا هذه الصلاة يوم بني سليم (1).
أقول قال في المنتهى: روى أبو عياش الزرقي (2) قال: كنا مع النبي
صلى الله عليه وآله بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر فقال المشركون لقد
أصبنا غرة لو حملنا عليهم في الصلاة فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر، فلما
حضرت صلاة العصر قام رسول الله صلى الله عليه وآله مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف
خلف رسول الله صلى الله عليه وآله.. ثم ساق الحديث كما تقدم في عبارة المبسوط.

(1) سنن أبي داود ج 2 ص 11
(2) سنن أبي داود ج 2 ص 11
285

ثم قال في المنتهى: وروى جابر بن عبد الله (1) " أن النبي صلى الله عليه وآله صلى الظهر
ببطن النخل: جعل أصحابه طائفتين فصلى بالأولى ركعتين ثم سلم فصلى بالأخرى
ركعتين " قال الشيخ: ولو صلى كما صلى بعسفان جاز.
ثم قال في المنتهى تبعا للمحقق في المعتبر: ونحن نتوقف في هذا لعدم
ثبوت النقل عندنا أن أهل البيت (عليهم السلام) بذلك. انتهى. وهو جيد متين.
وأما ما ذكره في الذكرى - جوابا عما ذكراه هنا حيث قال: قلت هذه
صلاة مشهورة في النقل فهي كسائر المشهورات الثابتة وإن لم تنقل بأسانيد صحيحة،
وقد ذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند ولا محيل على سند فلو لم تصح عنده لم يتعرض
لها حتى ينبه على ضعفها فلا تقصر فتواه عن روايته، ثم ليس فيها مخالفة لأفعال
الصلاة غير التقدم والتأخر والتخلف بركن، وكل ذلك غير قادح في صحة الصلاة
اختيارا فكيف عند الضرورة. انتهى -
فهو كلام مزيف سخيف، فإن فيه (أولا) أن ما ذكره يرجع إلى تقليد الشيخ
في الفتوى بصحة هذه الصلاة وإن لم يقفوا له على دليل، مع أنا نراهم لا يقفون
على هذه القاعدة في مقام وجود الأدلة للشيخ على فتاويه وإلا لما اتسع الخلاف
وانتشرت الأقوال في الأحكام الشرعية على ما هي عليه الآن، إذا لا حكم إلا وقد
تعددت فيه أقوالهم واختلفت فيه آراؤهم ولم يقفوا فيه على فتاوى الشيخ ونحوه من
عظماء متقدميهم.
وثانيا - ما هو معلوم من طريقة الشيخ وتساهله في الفتاوى ودعوى الاجماعات
والاحتجاج بالأخبار العامية، وهذا ظاهر للمطلع على كتبه (قدس سره)
والمتدبر لأقواله.
وثالثا - إن ما ذكره من عدم قدح التأخير بركن في القدوة ممنوع، وقد تقدم
الكلام في المسألة مستوفى وقد بينا تناقض كلامه (قدس سره) فيها.

(1) الدرر المنثور ج 2 ص 213
286

ورابعا - أن بلوغ التساهل في العبادات المبنية على التوقيف إلى هذا الحد لا يخلو
من تشريع وقول على الله سبحانه بغير علم " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا " (1)
" أتقولون على الله ما لا تعلمون " (2) ونحوهما من الآيات المعتضدة بالروايات
المستفيضة الدالة على النهي عن القول بما لم يثبت عنهم (عليهم السلام) والأمر
بالوقوف والتثبت والرد إليهم في ما اشتبه منها (3) وبالجملة فإن الحق هنا ما ذكره
الفاضلان المذكوران. والله العالم.
المسألة الرابعة - في صلاة شدة الخوف بمعنى أنه ينتهي الحال إلى المسايفة
والمعانقة، والضابط أن لا يتمكنوا من الصلاة على الوجه المتقدم، فإنهم يصلون
فرادى كيفما أمكنهم وقوفا أو ركبانا أو مشاة، ويركعون ويسجدون مع الامكان
وإلا فبالايماء، ويستقبلون القبلة مع الامكان في جميع الصلاة أو بعضها ولو بتكبيرة
الاحرام إن أمكن وإلا سقط أيضا. وهذه الأحكام كلها مجمع عليها بينهم
.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة
وفضيل ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (4) قال: " في صلاة الخوف عند
المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال فإنه يصلي كل انسان منهم بالايماء حيث كان وجهه
فإذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال فإن أمير المؤمنين عليه السلام ليلة صفين وهي
ليلة الهرير لم يكن صلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا
بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء، فكانت تلك صلاتهم ولم يأمرهم
بإعادة الصلاة ".
وعن عبيد الله بن علي الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال:
" صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك وتكبير، والمسايفة تكبير مع إيماء،

(1) سورة هود الآية 21
(2) سورة الأعراف الآية 7
(3) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(4) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة
(5) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة
287

والمطاردة إيماء يصلي كل رجل على حياله ".
وعن زرارة في الصحيح (1) قال: " قال أبو جعفر عليه السلام الذي يخاف اللصوص
والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته. قال قلت أرأيت إن لم يكن المواقف
على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال يتيمم من لبد سرجه أو من
معرفة دابته فإن فيها غبارا، ويصلي ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولا يدور
إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه "
وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله في الصحيح (2) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الله عز وجل: " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " (3) كيف يصلي؟ وما
يقول؟ إن خاف من سبع أو لص كيف يصلي؟ قال يكبر ويومئ برأسه إيماء ".
وعن أبي بصير في الموثق أو الصحيح (4) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول إذا التقوا فاقتتلوا فإنما الصلاة حينئذ بالتكبير وإذا كانوا وقوفا فالصلاة إيماء "
ثم إنه مع تعذر الايماء كما تقدم فإنه ينتقل الفرض إلى التسبيح بأن يقول
عوض كل ركعة " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " وذلك يجزئ
عن جميع الأفعال والأذكار كما صرح به الأصحاب ومنهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى
والظاهر أنه مجمع عليه بينهم كما جزم به في المدارك.
قال في الذكرى: ومع تعذر الايماء يجزئ عن كل ركعة " سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر " فعن جميع الصلوات تسبيحتان وعن المغرب ثلاثا.
وقال في المنتهى: لو لم يتمكن من الايماء حال المسايفة جعل عوض كل ركعة
تكبيرة، وصورتها " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " وذلك يجزئ
عن القراءة والركوع والسجود لما تقدم في حديث زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم.

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة الخوف والمطاردة
(3) سورة البقرة الآية 240
(4) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة
288

أقول: ويدل على الحكم المذكور ما تقدم في صحيحة الفضلاء من صلاة
أمير المؤمنين عليه السلام ليلة الهرير، ونحوها رواية أبي بصير المتقدمة.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام (1) " في صلاة الزحف؟ قال تكبير وتهليل يقول الله
عز وجل: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " (2).
ثم قال (3) وفي كتاب عبد الله بن المغيرة أن الصادق عليه السلام قال: " أقل ما يجزئ
في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة إلا المغرب فإن لها ثلاثا " وهذه
الرواية قد نقلها الشيخ عن عبد الله بن المغيرة في الصحيح عن بعض أصحابنا عن
الصادق عليه السلام (4).
وما رواه الشيخ عن محمد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " إذا
جالت الخيل تضطرب بالسيوف أجزأته تكبيرتان، فهذا تقصير آخر ".
وقال عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (6): وإن كنت في حرب هي لله رضى
وحضرت الصلاة فصل على ما أمكنك على ظهر دابتك وإلا تومئ إيماء أو تكبر
وتهلل. وروي أنه فات الناس مع علي عليه السلام يوم صفين صلاة الظهر والعصر
والمغرب والعشاء فأمر علي عليه السلام فكبروا وهللوا وسبحوا، ثم قرأ هذه الآية " فإن
خفتم فرجالا أو ركبانا " فأمرهم علي عليه السلام فصنعوا ذلك رجالا وركبانا. انتهى.
بقي الكلام هنا في أشياء: الأول - أن المذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله
عليهم) أن التسبيح الذي ينتقل إليه في هذه المرتبة يجب أن يكون بهذه الكيفية التي
تقدم نقلها عن المنتهى والذكرى، والأخبار التي قدمناها ونحوها من أخبار المسألة
لا تساعد على ذلك، فإن أوضحها في هذا الحكم صحيحة الفضلاء وظاهرها الاكتفاء
بهذه الأذكار كيف اتفق.

(1) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة.
(2) سورة البقرة الآية 240
(3) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة.
(4) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة.
(5) الوسائل الباب 4 من صلاة الخوف والمطاردة.
(6) ص 14
289

وقال في الذكرى: وتجب الصيغة المشار إليها أولا في التسبيح للاجماع على
اجزائها، وظاهر الرواية أنه يتخير في الترتيب كيف شاء، والأجود الأول لتحصيل
يقين البراءة. انتهى. ولا ريب أن ما ذكره طريق الاحتياط.
ويمكن تأييد ما ذكرناه بالأخبار الواردة في تسبيح الأخيرتين، فإنها من
قبيل صحيحة الفضلاء المذكورة ونحوها في عدم الترتيب مع اتفاق الأصحاب على هذه
الكيفية المشهورة.
الثاني - الأحوط أن يضاف إلى التسبيح المذكور الدعاء كما دلت عليه الصحيحة
المشار إليها.
الثالث - أنه قد صرح جمع من المتأخرين: منهم - الشهيد في الذكرى
والعلامة وغير هما بأنه لا بد في التسبيحات من النية وتكبيرة الاحرام والتشهد والتسليم
وظواهر أخبار المسألة قاصرة عن إفادته، نعم النية التي قد عرفت أنها من الأمور
الجبلية لا يمكن تخلفها ليحتاج إلى اعتبار ايجابها. وما استندوا إليه في هذا المقام
- من عموم الأخبار الواردة بهذه الأشياء - ففيه أن ما نحن فيه خاص ولا ريب في
تقديمه على العام وتخصيص العام به. وبما ذكرناه صرح في المدارك، قال: وعندي
في وجوب ما عدا النية اشكال لعدم استفادته من الروايات بل ربما كانت ظاهرة في
خلافه. انتهى. وهو جيد.
الرابع - المشهور أنه إذا صلى مومئا فأمن أتم صلاته بالركوع والسجود في ما
بقي منها ولا يجب عليه الاستئناف مطلقا. وقال الشيخ بذلك بشرط عدم الاستدبار
في ما صلاة أولا. ورد بصدق الامتثال في ما أتى به فلا تتعقبه إعادة لأن ما أتى
به من الاستدبار مأمور به في تلك الحال وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء.
الخامس - قالوا: لو رأى سوادا فظنه عدوا فقصر وصلى مومئا ثم انكشف
بطلان خياله لم يعد. وكذا لو أقبل العدو فصلى مومئا لشدة خوفه ثم ظهر أن
290

هناك حائلا يمنع العدو. قالوا: والوجه في ذلك أن الصلاة في الحال المذكور مأمور
بها شرعا فتكون مجزئة، نعم لو استند الخوف إلى التقصير في الاطلاع وعدم
التأمل أو غلبة الوهم من غير تحقيق فالظاهر وجوب الإعادة، وبه قطع في الذكرى
للتفريط. وهو جيد. والله العالم.
المسألة الخامسة - المشهور في كلام جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) أن
الخوف بأي نحو كان من عدو أو لص أو سبع أو غرق موجب لهذه الصلاة
كمية وكيفية.
قال الشهيد في الذكرى: لا فرق في لسباب الخوف بين الخوف من عدو أو
لص أو سبع فيجوز قصر للكمية والكيفية عند وجود سبب الخوف كائنا ما كان.
وقال المحقق في المعتبر: كل أسباب الخوف يجوز معها القصر والانتقال إلى
الايماء مع الضيق والاقتصار على التسبيح إن خشي مع الايماء وإن كان الخوف من
لص أو سبع أو غرق، وعلى ذلك فتوى علمائنا. ثم استدل بقوله تعالى: " وإذا
ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم
الذين كفروا " (1) قال: وهو دال بمنطوقه على خوف العدو وبفحواه على ما عداه
من المخوفات. ثم قال: ومن طريق الأصحاب ما رواه.. ثم نقل صحيحة عبد الرحمان
ابن أبي عبد الله المتقدمة ثم صحيحة زرارة المتقدمة أيضا الواردة في اللصوص والسبع
أقول: ومن قبيل هاتين الروايتين اللتين ذكر هماما رواه المشايخ الثلاثة في
الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (2) قال: " سألته عن الرجل يلقى
السبع وقد حضرت الصلاة ولا يستطيع المشي مخافة السبع، فإن قام يصلي خاف في
ركوعه وسجوده السبع والسبع أمامه على غير القبلة، فإن توجه إلى القبلة خاف أن
يثب عليه الأسد فكيف يصنع؟ قال فقال يستقبل الأسد ويصلي ويومئ برأسه

(1) سورة النساء الآية 102
(2) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف والمطاردة
291

إيماء وهو قائم وإن كان الأسد على غير القبلة ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن من حدثه عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) " في الذي يخاف السبع أو يخاف عدوا يثب عليه أو يخاف اللصوص
يصلي - على دابته إيماء - الفريضة ".
وما رواه في الفقيه عن زرارة في الصحيح (2) قال: " الذي يخاف اللصوص
يصلي إيماء على دابته ".
وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام (3) في حديث قال: " ومن
تعرض له سبع وخاف فوت الصلاة استقبل القبلة وصلى صلاته بالايماء فإن خشي
السبع وتعرض له فليدر معه كيف دار وليصل بالايماء ".
قال في المدارك - بعد نقل ما قدمناه عن المعتبر من كلامه وما استدل به من
الآية والروايتين ثم صحيحة علي بن جعفر - ما لفظه: وهذه الروايات إنما تدل على
مساواة صلاة خائف الأسد لخائف العدو في الكيفية أما قصر العدد فلا دلالة لها
عليه بوجه، وما ادعاه من دلالة الآية الشريفة عليه بالفحوى غير واضح، ومن ثم
تردد في ذلك في المنتهى وحكى عن بعض علمائنا قولا بأن التقصير في عدد الركعات
إنما يكون في صلاة الخوف من العدو خاصة، والمصير إليه متعين إلى أن يقوم على
قصر العدد دليل يعتد به. انتهى. وهو جيد فإن غاية ما تدل عليه أخبار المسألة
ما ذكره من قصر الكيفية دون الكمية.
ثم إن ظاهر هذه الأخبار أن الصلاة هنا تقصر في الكيفية وتصلي بالايماء مع
عدم إمكان الركوع والسجود وهي صلاة الخوف، وظاهر بعض الأخبار أيضا أنه
مع تعذر الايماء ينتقل إلى صلاة شدة الخوف وهي التسبيحات كما رواه في الفقيه (4)
قال: " وقد رخص في صلاة الخوف من السبع إذا خشيه الرجل على نفسه أن

(1) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف والمطاردة
(2) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف والمطاردة
(3) الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف والمطاردة
(4) ج 1 ص 295 وفي الوسائل الباب 3 من صلاة الخوف والمطاردة
292

يكبر ولا يومئ " رواه محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) ولفظ الرواية
وإن كان بالتكبير إلا أن الظاهر كما فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من روايات
هذا المقام هو التسبيح كما تقدم مثله في أخبار صلاة شدة الخوف من رواية أبي بصير
وصحيحة محمد بن عذافر المصرحة بأن هذا تقصير آخر ورواية عبد الله بن المغيرة
المتقدم ذلك كله، وبه عبر في المنتهى في عبارته المتقدمة في سابق هذه المسألة
من قوله: " جعل عوض كل ركعة تكبيرة وصورتها: سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر ".
وظاهر رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله المذكورة هنا هو تأخير الصلاة إلى
آخر وقتها رجاء لزوال العذر.
وبه صرح الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال: " إذا كنت
راكبا وحضرت الصلاة وتخاف أن تنزل من لص أو سبع أو غير ذلك فلتكن
صلاتك على ظهر دابتك، وتستقبل القبلة وتومئ إيماء إن أمكنك الوقوف وإلا
استقبل القبلة بالافتتاح ثم امض في طريقك الذي تريد حيث توجهت بك راحلتك
مشرقا ومغربا، وتومئ للركوع، والسجود أخفض من الركوع، وليس لك أن
تفعل ذلك إلا في آخر الوقت ".
وقال في آخر الباب أيضا (2): وإذا تعرض لك سبع وخفت أن تفوت
الصلاة فاستقبل القبلة وصل صلاتك بالايماء فإن خشيت السبع يعرض لك فدر
معه كيفما دار وصل بالايماء كيفما يمنك. انتهى.
ولم أقف على من تعرض هنا لذلك من الأصحاب وهو مؤيد لما سلف نقله
عن المرتضى (رضي الله عنه) من وجوب التأخير إلى آخر الوقت على ذوي
الأعذار. والله العالم.
المسألة السادسة - قد صرح جملة من الأصحاب - بل الظاهر أنه لا خلاف فيه -

(1) ص 14
(2) ص 14
293

بأن الموتحل والغريق يصليان بحسب الامكان فيقصران في الكيفية، وأما الكمية فلا
تقصر إلا في سفر أو خوف.
أما الأول فعلل بأن ما لا يتمكن منه ليس بواجب، قال في الذخيرة بعد نقل
ذلك: والمستفاد من ذلك عدم وجوب استيفاء الأفعال، وأما وجوب الايماء
بدله فيحتاج إلى دليل آخر وكأنه اجماعي، والتوصل إلى اليقين بالبراءة من التكليف
الثابت إنما يحصل به. انتهى.
أقول: حاصل كلامه أن مقتضى التعليل المذكور سقوط ما لم يمكن الاتيان
به من أفعال الصلاة، وأما أنه ينتقل من ذلك الفعل إلى بدل آخر فلا دلالة للتعليل
عليه إلا من حيث توقف يقين البراءة على ذلك.
وفيه أنه لما كان المعهود من الشرع في غير موضع هو أنه مع تعذر الأفعال
المعهودة في الصلاة ينتقل منها إلى أشياء جعلها الشارع بدلا عنها مع تعذرها فالواجب
هنا الجري على ذلك، وتوضيحه أن الصلاة المأمور بها شرعا تقع على انحناء عديدة
ومراتب متفاوتة باعتبار حال المكلف قوة وضعفا، فكل ما أمكن منها في هذه
المراتب أصالة أو بدلا وجب الاتيان به وما لم يمكن يسقط، ومن جملة ذلك
الركوع والسجود فإنه مع تعذره ينتقل منه إلى الايماء والقيام ينتقل منه إلى القعود
ثم إلى الاضطجاع على ما تقدم تفصيله في محله، وهكذا " بل الانسان على نفسه
بصيرة " (1).
وأما الثاني فعلل بأن مقتضى الأصل وجوب الاتمام قام الدليل على وجوب
التقصير في الكمية حال السفر والخوف فوجب استثناؤه وبقي ما بقي ومنه محل البحث
إلا أن شيخنا الشهيد في الذكرى قال بعد ذكر الحكم المذكور: فعم لو
خاف من اتمام الصلاة استيلاء الغرق عليه ورجا عند قصر العدد سلامته وضاق
الوقت فالظاهر أنه يقصر العدد أيضا.

(1) سورة القيامة الآية 14
294

واستحسنه الشهيد الثاني في الروض حيث قال بعد نقله: وهو حسن حيث إنه يجوز له الترك فقصر العدد أولى، لكن في سقوط القضاء بذلك نظر لعدم
النص على جواز القصر هنا، ووجه السقوط حصول الخوف في الجملة كما مر،
والحاصل أن علية مطلق الخوف توجب تطرق القصر إلى كل خائف. ووجهه غير
واضح إذ لا دليل عليه والوقوف مع المنصوص عليه بالقصر أوضح. انتهى.
قال في المدارك: وما ذكره (قدس سره) من وجوب القضاء بعيد لأنه
لا يلائم ما استحسنه من جواز قصر العدد، إذ مقتضاه وجوب الاتيان بالصلاة
المقصورة وإذا وجب الأداء سقط القضاء، ومع ذلك فما استدل به على جواز
القصر ضعيف جدا إذ لا يلزم من جواز ترك الصلاة للعجز جواز قصرها على هذا
الوجه. وبالجملة فاللازم من ما اعترف به من انتفاء دليل القصر مساواة حكم التمكن
من الركعتين لحكم التمكن من الركعة الواحدة خاصة في عدم وجوب الاتيان بها
منفردة. انتهى. ونسج على منواله صاحب الذخيرة أيضا كما هي قاعدته غالبا.
أقول: ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) هنا لا يخلو من قرب
وإن اعترضوا عليه بما ذكروه، فإن مرجع كلامه إلى الأخذ بالاحتياط في المسألة
حيث إنها غير منصوصة والأدلة فيها من الطرفين متدافعة، لاحتمال دخولها تحت
مسألة الخوف فيكون الحكم فيها هو التقصير واحتمال قصر التقصير في صلاة الخوف
على موارد النصوص وليس هذه منها فيجب القضاء تماما بعد زوال العذر. ولا ريب
أن هذا هو الأحوط في المقام.
والظاهر أنه لما ذكره في الذكرى عد المحقق في المعتبر الغرق في مسألة الخوف
من السبع واللص التي حكموا فيها بوجوب التقصير كمية وكيفية كما تقدم في عبارته
ثم عده في مسألة الموتحل التي قد صرح فيها بعدم قصر الكمية وإلا لزم التدافع بين
كلاميه. والله العالم بحقائق أحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
295

المقصد الرابع في صلاة المسافر
لا خلاف نصا وفتوى في سقوط أخيرتي الرباعية في السفر الجامع للشرائط
الآتية، وكذا لا خلاف في سقوط نافلتها إلا الوتيرة فإن المشهور سقوطها
والأظهر العدم، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في مقدمات هذا الكتاب.
روى الصدوق (عطر الله مرقده) في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (1)
أنهما قالا: " قلنا لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي؟
فقال إن الله عز وجل يقول: " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " (2) فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر.
قالا قلنا إنما قال الله عز وجل " فليس عليكم جناح " ولم يقل " افعلوا " فكيف أوجب
ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال عليه السلام أوليس قد قال الله عز وجل " إن الصفا
والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " (3)
ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض لأن الله عز وجل ذكره في كتابه
وصنعه نبيه صلى الله عليه وآله؟ وكذلك التقصير شئ صنعه النبي صلى الله عليه وآله وذكره الله في كتابه.
قالا قلنا فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال إن كان قد قرئت عليه آية التقصير
وفسرت له فصلى أربعا أعاد وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه. والصلاة
كلها في السفر الفريضة ركعتان كل صلاة إلا المغرب فإنها ثلاث ليس فيها تقصير تركها
رسول الله صلى الله عليه وآله في السفر والحضر ثلاث ركعات. وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى ذي خشب وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان أربعة وعشرون ميلا
فقصر وأفطر فصارت سنة. وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما صاموا حين أفطر " العصاة "
قال فهم العصاة إلى يوم القيامة وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا ".

(1) الفقيه ج 1 ص 278 وفي الوسائل الباب 22 و 17 و 1 من صلاة المسافر
(2) سورة النساء الآية 102
(3) سورة البقرة الآية 153
296

وروى الصدوق في كتاب الخصال بسنده عن الأعمش عن الصادق عليه السلام (1)
في حديث قال: " ومن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته لأنه قد زاد في فرض
الله عز وجل ". وروى في كتاب ثواب الأعمال بسنده فيه عن علي بن أبي طالب عليه السلام (2)
قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله خياركم الذين إذا سافروا قصروا وافطروا ".
ومنه في الصحيح عن محمد بن أحمد الأشعري رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام (3)
قال: " من صلى في سفره أربع ركعات متعمدا فأنا إلى الله عزو جل منه برئ)
وفي المقنع مرسلا مثله ومثل الخبر السابق (4).
وروى ثقة الاسلام عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " الصلاة
في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب فإن بعدها أربع
ركعات.. الحديث ".
وعن سماعة في الموثق (6) قال: " سألته عن الصلاة في السفر قال ركعتان
ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا أنه ينبغي للمسافر أن يصلي بعد المغرب أربع
ركعات.. الخبر ".
وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (7)
قال: " سألته عن الصلاة تطوعا في السفر قال لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما
شيئا نهارا ".
وعن حذيفة بن منصور في الصحيح عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما
السلام) (8) أنهما قالا: " الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ ".

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة المسافر.
(2) الوسائل الباب 22 من صلاة المسافر.
(3) الوسائل الباب 22 من صلاة المسافر.
(4) الوسائل الباب 22 من صلاة المسافر.
(5) الوسائل الباب 24 من أعداد الفرائض
(6) الوسائل الباب 24 من أعداد الفرائض
(7) الوسائل الباب 21 من أعداد الفرائض
(8) الوسائل الباب 21 من أعداد الفرائض
297

وعن أبي يحيى الحناط (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة النافلة
بالنهار في السفر قال يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة ".
وأما ما ورد في شواذ الأخبار (2) - من قضاء صلاة النهار في السفر بالليل -
فحمله الشيخ على محامل بعيدة والأقرب خروجه مخرج التقية (3).
إذا عرفت ذلك فاعلم أن البحث في هذا المقصد يقع في مطلبين: الأول - في شروط
هذه الصلاة وهي على ما صرح به الأصحاب ستة إلا أنها في التحقيق - وبه نطقت
النصوص - سبعة.
الأول - اعتبار المسافة والكلام هنا يقع في مقامين: الأول: أجمع
العلماء من الخاصة والعامة على أن المسافة شرط في التقصير (4) وإنما الخلاف في
قدرها، فذهب علماؤنا أجمع (رضوان الله عليهم) إلى أن القصر إنما يجب في مسيرة
يوم تام بريدين ثمانية فراسخ أربعة وعشرون ميلا، حكى اجماعهم على ذلك المحقق
في المعتبر وغيره في غيره.
ويدل عليه من الأخبار صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة (5) وما رواه

(1) الوسائل الباب 21 من أعداد الفرائض
(2) الوسائل الباب 22 من أعداد الفرائض.
(3) لم نقف على المسألة بعنوانها في كتبهم نعم في المغني ج 2 ص 294 قال أحمد
أرجو أن لا يكون بالتطوع في السفر بأس، وروى عن الحسن قال كان أصحاب رسول الله (ص)
يسافرون فيتطوعون قبل المكتوبة وبعدها، روي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وجابر
وأنس وابن عباس وأبي ذر وجماعة من التابعين كثير، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق
وأبي ثور وابن المنذر، وكان ابن عمر لا يتطوع مع الفريضة قبلها ولا بعدها إلا من جوف
الليل ونقل ذلك عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعلي بن الحسين.
(4) في عمدة القارئ ج 3 ص 531 " اختلف العلماء في المسألة التي تقصر فيها
الصلاة.. " والظاهر منه أن اعتبار المسألة اتفاقي. (5) ص 296
298

الشيخ في الصحيح عن أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن التقصير
فقال في بريدين أو بياض يوم ".
وعن علي بن يقطين في الصحيح (2) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام الأول
عن الرجل يخرج في سفره وهو مسيرة يوم قال يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة
يوم وإن كان يدور في عمله ".
وعن أبي بصير في الصحيح (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام في كم يقصر
الرجل؟ قال في بياض يوم أو بريدين ".
وعن عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن (4) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول في التقصير في الصلاة قال بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا ".
وعن سماعة في الموثق (5) قال: " سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟
قال في مسيرة يوم وذلك بريدان وهما ثمانية فراسخ.. الحديث ".
وعن عيص بن القاسم في الحسن أو الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال:
" في التقصير حده أربعة وعشرون ميلا ".
وروى الصدوق بسند معتبر عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام (7) قال
" وإنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر لأن ثمانية فراسخ
مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم. قال: ولو لم
يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة وذلك لأن كل يوم يكون بعد هذا
اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره ".
وأما ما رواه الصدوق في الصحيح عن زكريا بن آدم (8) - " أنه سأل أبا الحسن
الرضا عليه السلام عن التقصير في كم يقصر الرجل إذا كان في ضياع أهل بيته وأمره جائز فيها يسير
في الضياع يومين وليلتين وثلاثة أيام ولياليهن؟ فكتب: التقصير في مسيرة يوم وليلة "
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر
(5) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر
(6) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر
(7) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر
(8) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر
299

أبي الحسن الرضا عليه السلام (1) قال: " سألته عن الرجل يريد السفر في كم يقصر؟
قال في ثلاثة برد ".
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " لا بأس للمسافر أن يتم في السفر
مسيرة يومين " -
فالظاهر حملها على التقية كما أجاب به الشيخ عن الخبرين الأخيرين حيث قال إنهما غير معمول عليهما لموافقتهما العامة. وهكذا ينبغي أن يقال في الخبر الأول.
ولا بأس بالإشارة هنا إلى أقوال العامة في اعتبار المسافة وعدمها وقدرها كما
ذكره بعض مشايخنا المحدثين من متأخري متأخرين.
فنقول: إعلم أن بعضا منهم لم يشترط مسافة مخصوصة بل ذهب إلى أنه متى صدق
عليه اسم المسافر فله القصر، ونقل ذلك عن داود ومحمد بن الحسن. والمشهور
اعتبار المسافة لكن اختلفوا في قدرها فنقلوا عن دحية الكلبي أنها فرسخ، ونقل
عن بعض قدمائهم أنها روحة أي ثمانية فراسخ، وعن آخر أنها يوم وليلة، وعن
بعض مسيرة ثلاثة أيام، ونسب هذا إلى أبي حنيفة وجماعة (3) وستأتي هذه
الأقوال الثلاثة في مرسلة محمد بن يحيى الخزاز، ومن هنا يعلم أن ما دل عليه صحيح
زكريا بن آدم المذكور من التقدير بيوم وليلة موافق لبعض أقوالهم كما عرفت. وعن
جمع منهم أنها ثلاثة برد يعني اثني عشر فرسخا (4) ومنه يعلم أن ما تضمنه صحيح
البزنطي من تفسيرها بذلك فإنه موافق لهذا القول. وعن جملة منهم الشافعي ومالك
كونها مسيرة يومين عبارة عن ستة عشر فرسخا (5) ومنه يعلم أن ما اشتملت عليه
رواية أبي بصير من تحديدها بيومين فإنها خرجت مخرج هذا القول.
إذا عرفت ذلك فتحقيق الكلام في هذا المقام يتوقف على بسطه في موارد:
أولها - قد عرفت أن المسافة الموجبة للتقصير ثمانية فراسخ، والفرسخ عندهم ثلاثة

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر
(3) عمدة القارئ ج 3 ص 531 والمجموع للنووي ج 4 ص 325
(4) عمدة القارئ ج 3 ص 531 والمجموع للنووي ج 4 ص 325
(5) عمدة القارئ ج 3 ص 531 والمجموع للنووي ج 4 ص 325
300

أميال والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربعة وعشرون إصبعا
والإصبع سبع شعيرات عرضا وقيل ست والشعيرة سبع شعرات من شعر البرذون.
أما أن الفرسخ ثلاثة أميال فهو اتفاقي بينهم وعليه تدل الأخبار، وأما أن
الميل أربعة آلاف ذراع فهو المشهور في كلامهم من غير خلاف يعرف.
قالوا: وفي كلام أهل اللغة دلالة عليه حيث قال في القاموس: الميل قدر مد
البصر ومنار يبنى للمسافر أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد أو مائة ألف إصبع
إلا أربعة آلاف إصبع أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ
هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو اثنا عشر ألفا بذراع المحدثين. انتهى.
وقال أحمد بن محمد الفيومي في كتاب المصباح المنير: الميل بالكسر في كلام
العرب مقدار مد البصر من الأرض قاله الأزهري، والميل عند القدماء من أهل
الهيئة ثلاثة آلاف ذراع وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع، والخلاف لفظي فإنهم
اتفقوا على أن مقداره ست وتسعون ألف إصبع، والإصبع سبع (1) شعيرات بطن كل
واحدة إلى ظهر الأخرى " ولكن القدماء يقولون الذراع اثنتان وثلاثون إصبعا
والمحدثون يقولون أربع وعشرون إصبعا، فإذا قسم الميل على رأي القدماء كل ذراع
اثنين وثلاثين كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع، وإن قسم على رأي المحدثين أربعا
وعشرين كان المتحصل أربعة آلاف ذراع، والفرسخ عند الكل ثلاثة أميال. انتهى.
أقول: ومن هذا الكلام يمكن أن يستنبط وجه جمع بين التقدير المشهور
بالأربعة آلاف ذراع وبين ما يأتي في رواية الكليني من ثلاثة آلاف وخمسمائة بأن يكون الاختلاف مبينا على اختلاف الأذرع.
وقال السيد السند في المدارك: أما الميل فلم نقف في تقديره على رواية من
طرق الأصحاب سوى ما رواه ابن بابويه مرسلا عن الصادق عليه السلام (2) أنه ألف
وخمسمائة ذراع وهو متروك. انتهى. والظاهر أنه من هنا قال المحقق في الشرائع

(1) في المصباح ج 2 ص 155 " ست "
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
301

أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربعة وعشرون إصبعا تعويلا على
المشهور بين الناس، أو مد البصر من الأرض.
أقول: روى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن ابن أبي عمير عن
بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سئل عن حد الأميال التي يجب فيها
التقصير فقال أبو عبد الله عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل حد الأميال من ظل عير
إلى ظل وعير، وهما جبلان بالمدينة، فإذا طلعت الشمس وقع ظل عير إلى ظل وعير
وهو الميل الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وآله عليه التقصير ".
وروى في الكتاب المذكور أيضا عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن
محمد بن يحيى الخزاز عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " بينا نحن
جلوس وأبي عند وال لبني أمية على المدينة إذ جاء أبي فجلس فقال كنت عند هذا قبيل
فسألهم عن التقصير فقال قائل منهم في ثلاث قال قائل منهم في يوم وليلة وقال قائل
منهم روحة فسألني فقلت له إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير
قال له النبي صلى الله عليه وآله في كم ذاك؟ قال في بريد. قال وأي شئ البريد؟ قال ما بين
ظل عير إلى فئ وعير. قال ثم عبرنا زمانا ثم رأى بنو أمية يعملون أعلاما على
الطريق وأنهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر عليه السلام فذرعوا ما بين ظل عير إلى فئ
وعير ثم جزأوه على اثني عشر ميلا فكانت ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع كل ميل
فوضعوا الأعلام، فلما ظهر بني هاشم غيروا أمر بني أمية غيرة لأن الحديث
هاشمي فوضعوا إلى جنب كل علم علما ".
وهذا الخبر كما ترى واضح الدلالة على أن الميل شرعا عبارة عن ثلاثة آلاف
وخمسمائة ذراع، والعجب من غفلة السيد (قدس سره) عنه.
قال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل هذا الخبر أولا ثم نقل حديث
الفقيه ثانية ما صورته: تقدير الميل في هذا الحديث بألف وخمسمائة ذراع ينافي

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
302

تقديره في الحديث السابق بثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع مع أن القصة واحدة فقد
تطرق السهو إلى أحد الحديثين، والظاهر أن السهو في الثاني لأن الأول أقرب إلى
ما هو المشهور في تقديره بين الأصحاب وهو الأربعة آلاف ذراع وإلى ما قدره به
أهل اللغة.. إلى آخر كلامه زيد في اكرامه.
أقول: والخبر المذكور في الفقيه (1) بهذه الصورة " قال الصادق عليه السلام إن
رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له النبي صلى الله عليه وآله في كم ذلك؟ فقال
في بريد. قال وكم البريد؟ قال ما بين ظل عير إلى فئ وعير. فذرعته بنو أمية ثم جزأوه
على اثني عشر ميلا فكان كل ميل ألفا وخمسمائة ذراع وهو أربعة فراسخ ".
ثم إنه من ما يؤيد ما ذكره في الوافي من تطرق السهو إلى حديث الفقيه ما هو
محسوس من البعد ما بين ظل الجبلين، فإنه أزيد من فرسخ ونصف بكثير، على أنه
لا بعد في مثل هذا السقوط فقد تقدم التنبيه على أمثال ذلك في كثير من الواضع.
وأما تقدير الإصبع بسبع شعيرات والشعيرة بسبع شعرات فهو مأخوذ
من كلام بعض أهل اللغة. إلا أن الظاهر أن أمثال هذه الأمور في الشرع تقريبية
لا تتوقف على هذه التدقيقات فإن الذراع معروف بين عامة الناس، نعم لا بد من
البناء على مستوي الخلقة كما جروا عليه في غير موضع من الأحكام إذ هو الفرد
الذي يحمل عليه الاطلاق.
وثانيها - المستفاد من الأخبار المتقدمة أن المسافة تعلم بأمرين (أحدهما) مسير
يوم، و (ثانيهما) الأذرع.
والمراد باليوم على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) يوم الصوم،
ويدل عليه ما تقدم في صحيحة أبي أيوب من قوله (عليه السلام) " في بريدين
أو بياض يوم " ونحوه قوله في صحيحة أبي بصير أيضا " في بياض يوم أو بريدين "
والمراد بالسير فيه ما هو المتعارف الغالب من سير الإبل القطار وسير عامة

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر.
303

الناس فإنه الذي يحمل عليه الاطلاق مضافا إلى ما صرحت به الأخبار: ومنها - ما تقدم في رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) من
قوله " لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال ".
ومنها - قول الصادق (عليه السلام) في حسنة الكاهلي المتقدمة (1) زيادة
على ما قدمناه منها " ثم قال إن أبي كأن يقول إن التقصير لم يوضع على البلغة السفواء
والدابة الناجية وإنما وضع على سير القطار " أقول: قال الجوهري يقال بغلة سفواء
بالسين المهملة خفيفة سريعة وقال أيضا: الناجية الناقة السريعة ينجو من ركبها.
وفي رواية عبد الرحمان بن الحجاج (2) قال: " قلت له كم أدنى ما تقصر
فيه الصلاة؟ فقال جرت السنة ببياض يوم. فقلت له إن بياض يوم يختلف
فيسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم ويسير الآخر أربعة فراسخ في يوم؟ فقال إنه ليس إلى ذلك ينظر أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكة والمدينة؟ ثم أومأ بيده
أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ ".
وبما دلت عليه هذه الأخبار قد صرح أيضا أصحابنا (رضوان الله عليهم)
من غير خلاف يعرف.
واعتبر الشهيدان اعتدال الوقت والسير والمكان، قال في المدارك: وهو
جيد بالنسبة إلى الوقت والسير، أما المكان فيحتمل قويا عدم اعتبار ذلك فيه
لاطلاق النص وإن اختلفت كمية المسافة في السهولة والحزونة. انتهى.
أقول: ما ذكره من الاحتمال لاطلاق النص مع اعترافه باختلاف كمية المسافة
في السهولة والحزونة يجري في الوقت أيضا، فإن النصوص مطلقة شاملة باطلاقها
لجميع الأوقات، فقصير النهار وطويلة من ما تختلف به الكمية أيضا، فلا وجه لتسليمه
لهما ذلك في الوقت ومناقشته في المكان. وبالجملة فإن غاية ما يستفاد من النصوص هو
اعتدال السير كما عرفت وما عداه فلا، فإن حمل اطلاق النصوص على الحد الأوسط

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر.
(2) الوسائل الباب 1 من صلاة المسافر.
304

بين طرفي الزيادة والنقصان والافراط والتفريط ليكون ضابطا كليا لا يختلف
بالزيادة والنقصان ففي الجميع وإلا فلا معنى لتسليم ذلك في فرد والمناقشة في الآخر.
وإلى ما ذكرنا يشير كلام جده في الروض حيث قال: ولما كان ذلك يختلف
باختلاف الأرض والأزمنة والسير حمل على الوسط في الثلاثة. انتهى. وهو جيد
وثالثها - لا خلاف ولا إشكال في الاكتفاء بالسير كما تكاثرت به الأخبار،
وكذا لا إشكال في ما لو اعتبرت المسافة بالتقدير فوافق السير.
إنما الاشكال في ما لو اختلفا فهل يتخير في العمل على أيهما كان ولزوم القصر
ببلوغ المسافة بأحدهما أو أنه يقدم السير لأنه أضبط أو يقدم التقدير؟ احتمالات
استظهر أولها في المدارك، والظاهر أن وجهه ورود النصوص بكل منهما.
واحتمل في الروض تقديم السير، قال: لأن دلالة النص عليه أقوى إذ ليس
لاعتبارها بالأذرع على الوجه المذكور نص صريح بل ربما اختلفت فيه الأخبار
وكلام الأصحاب، وقد صنف السيد السعيد جمال الدين أحمد بن طاووس كتابا
مفردا في تقدير الفراسخ وحاصله لا يوافق المشهور، ولأن الأصل الذي اعتمد
عليه المصنف وجماعة في تقدير الفرسخ يرجع إلى اليوم، لأنه استدل عليه في
التذكرة بأن المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العام وهو يناسب ذلك. انتهى.
ويظهر من الذكرى تقديم التقدير ولعله لأنه تحقيق والآخر تقريب.
أقول: لا ريب أن الاعتبار بكل منهما جيد بالنظر إلى دلالة النصوص
المتقدمة عليها، إلا أن الاشكال في التقدير من حيث الاختلاف في تفسير الفرسخ
كما عرفت من اضطراب كلامهم في الميل، والرجوع إلى الاحتياط بالجمع بين القصر
والاتمام في موضع الاشتباه طريق السلامة. والله العالم.
ورابعها - قد صرح غير واحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن مبدأ
التقدير من آخر خطة البلد في المعتدل وآخر محلته في المتسع. ولم أقف له على دليل.
وقيل مبدأ سيره بقصد السفر.
305

وخامسها - قال في الذكرى: لو قصد مسافة في زمان يخرج به عن اسم المسافر
كالسنة فالأقرب عدم القصر لزوال التسمية. ومن هذا الباب لو قارب المسافر
بلده فتعمد ترك الدخول إليه للترخص ولبث في قرى تقاربه مدة يخرج بها
عن اسم المسافر. ولم أقف في هذين الموضعين على كلام للأصحاب وظاهر النظر
يقتضي عدم الترخص.
قال في المدارك بعد نقل ذلك: هذا كلامه (قدس سره) ويمكن المناقشة في
عدم الترخص في الصورة الثانية بأن السفر بعد استمراره إلى انتهاء المسافة فإنما
ينقطع بأحد القواطع المقررة من نية الإقامة أو التردد ثلاثين يوما أو الوصول إلى
الوطن وبدونه يجب البقاء على حكم القصر. أما ما ذكره من عدم الترخص في
الصورة الأولى فجيد لأن التقصير إنما يثبت في السفر الجامع لشرائط القصر فمتى
انتفى السفر أو أحد شرائطه قبل انتهاء المسافة انتفى التقصير. انتهى.
أقول: حاصل كلام السيد (قدس سره) يرجع إلى منع دخول هذه الصورة
المفروضة في كلامه تحت القاعدة التي قدمها في صدر الكلام، حيث إنه سلم له
ما ذكره في تلك القاعدة وناقش في الصورة المذكورة بزعم أنها ليست من قبيل
ما ذكره أولا، لحصول الاستمرار على قصد السفر إلى انتهاء المسافة في هذه
الصورة فلا ينقطع إلا بأحد القواطع المقررة بخلاف ما قدمه من القاعدة للخروج
عن اسم المسافر بهذا القصد الذي قصده.
وأنت خبير بأنه يمكن الجواب بأن ما ذكره - من أن السفر بعد استمراره
إلى انتهاء المسافة فإنما ينقطع بأحد القواطع المذكورة - جيد بالنسبة إلى السفر المتعارف
المتكرر، أما بالنسبة إلى هذا الفرد النادر - وهو أنه بعد قربه من البلد ترك الدخول
فيه لقصد بقائه على التقصير وبقي مترددا في تلك القرى على وجه يخرج به عن
كونه مسافرا - فإن دخوله تحت حكم المسافر الذي ذكره بعيد، فإنه وإن وجب عليه
التقصير في مدة سفره إلا أنه بعد أن قصد هذا القصد الآخر بتأخره عن الدخول
306

وتردده في تلك القرى على وجه يخرج عن كونه مسافرا فلا يبعد أن يكون حكمه
حينئذ هو التمام كما ذكره شيخنا المذكور ويكون هذا من قبيل القواطع الثلاثة
المذكورة، ولا فرق بين هذا الفرد المذكور وبين ما ذكره أولا إلا باعتبار أن الأول
قصد التطويل في المسافة بزمان يخرج به عن اسم المسافر في أول الأمر وهذا إنما
تجدد له هذا القصد بعد أن حصلت المسافة ووجب التقصير عليه مدة سفره،
فالواجب على الأول التمام من أول الأمر لأن قصده الذي قصده من أول الأمر
موجب لخروجه عن اسم المسافر فلا يكون حكمه التقصير، والواجب على الثاني
هو التقصير مدة سفره وأما بعد تجدد هذا القصد الأخير على الوجه المذكور فإنه
لخروجه به عن اسم المسافر يزول عنه حكم التقصير ويجب عليه الاتمام. والظاهر أن بناء كلام شيخنا المذكور (قدس سره) على ما ذكرناه وإلا فهو لا يخفى عليه أن
السفر بعد ثبوته لا ينقطع إلا بأحد القواطع الثلاثة المذكورة، ولكن هذا قد
خرج عن كونه مسافرا بما قصده وفعله فلا يدخل تحت المسافر المتصف بالسفر
المعروف المتكرر الذي وردت فيه الأخبار بأنه لا ينقطع سفره إلا بأحد
القواطع. والله العالم.
وسادسها - قال في المنتهى: لو كان مسافرا في البحر كان حكمه حكم المسافر
في البر من اعتبار المسافة سواء قطعها في زمان طويل أو قصير، لا نعرف فيه
خلافا. انتهى.
وهو كذلك لأن وجوب التقصير ترتب على قصد المسافة التي قد ورد اعتبارها
بالتقدير المتقدم ذكره وهي ثمانية فراسخ، وحينئذ فمتى قصد هذه المسافة في بر أو
بحر فلا فرق بين أن يقطعها في ساعة أو يوم أو أكثر ما لم يتطاول الزمان على الوجه
المتقدم في سابق هذا المورد. ومثل السفر في البحر السفر في البر من البريد
الحثيث كما هو معمول الآن في بلاد العجم بحيث يقطع مسير اليوم في ربع نهار أو أقل
وسابعها - قال في المدارك: إنما يجب التقصير مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار
307

أو الشياع أو شهادة العدلين ومع انتفاء الأمرين يجب الاتمام. وفي وجوب الاعتبار
مع الشك اشكال منشأه أصالة البراءة وتوقف الواجب عليه. ولو سافر مع الجهل
ببلوغ المسافة ثم ظهر أن المقصد مسافة وجب التقصير حينئذ وإن قصر الباقي عن
مسافة، ولا يجب عليه إعادة ما صلاه تماما قبل ذلك لأنها صلاته المأمور بها
فكانت مجزئة. انتهى.
أقول: أما ما ذكره - من توقف وجوب التقصير على العلم ببلوغ المسافة
بأحد الوجهين ومع عدمه يجب الاتمام - فهو من ما لا ريب فيه ولا إشكال، لأن
العلم ببلوغ المسافة شرط في وجوب التقصير كما عرفت والمشروط عدم عند عدم
شرطه. والحكم المذكور مقطوع به في كلام الأصحاب.
وبذلك يظهر أن ما أطال به في الذخيرة - من الاستدلال على ذلك بما ذكره ثم
المناقشة في ذلك - من ما لا طائل تحته، على أنها لا تقصر عن التأييد لما ذكرناه،
ومنها قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة (1) " لا تنقض اليقين بالشك أبدا " بناء على أن الحكم الثابت أصالة هو الاتمام والقصر مشكوك فيه مع الجهل ببلوغ المسافة أو الشك
فيها للشك في سببه وهو واضح. وما ذكره - من أن الاستدلال بالخبر المذكور
لا يصفو عن المنازعة - لا أعرف له وجها بعد ما عرفت.
وأما ما ذكره في المدارك - من الاشكال في وجوب الاعتبار مع الشك -
فهو في محله.
وأما ما ذكره - من أنه لو سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثم ظهر أن المقصد
مسافة فإنه يجب التقصير حينئذ وإن قصر الباقي عن مسافة - فهو عندي محل اشكال
وإن كان قد تقدمه في ذلك الشهيد في الذكرى، لأن من جملة الشروط - كما سيأتي إن
شاء الله تعالى - قصد المسافة وهو السفر الشرعي وهذا في حال خروجه والحال هذه
لم يحصل له هذا القصد، ولهذا أن فرضه التمام وقد صلى تماما بناء على ذلك فهو

(1) الوسائل الباب 1 من نواقض الوضوء و 37 و 41 و 44 من النجاسات
308

حاضر غير مسافر، وقصد السفر بعد ظهور كون المقصد مسافة مع نقصان الباقي
عن المسافة غير مجد ولا مسوغ للقصر لعدم المسافة في الباقي، والبناء على ما مضى
مع عدم نية قصد المسافة فيه مشكل كما عرفت. وما نحن فيه في الحقيقة مثل طالب
الآبق والحاجة الذي سار مسافة أو أقل من غير قصد المسافة ثم ظهر له أن حاجته
في مكان يقصر عن المسافة الشرعية، فإنه لا ريب ولا إشكال في أنه يتم في سفره
المذكور بعد خروجه وبعد ظهور كون حاجته في محل كذا من ما يقصر عن المسافة،
ولا يضم ما تقدم إلى هذه المسافة الباقية ويجب عليه التقصير حينئذ بل الواجب عليه
هو الاتمام. نعم متى أراد الرجوع فإن الواجب عليه التقصير إن بلغ المسافة وهو
شئ آخر. وبالجملة فإن ما ذكره هنا غير خال عندي من الاشكال.
ثم إن ظاهره في الذخيرة المناقشة في شهادة العدلين في هذا المقام مدعيا أنه
لا يعلم نصا يدل على أن شهادة العدلين متبعة كلية.
وفيه أنه وإن كان ما ذكره - من عدم وجود نص دال على وجوب العمل
بشهادة العدلين في كل أمر - كذلك إلا أن جملة من النصوص المعتبرة كما قدمناه في باب
التطهير من النجاسات من كتاب الطهارة قد دلت على العمل بخبر العدل الواحد بل إنه مفيد
للعلم وإن لم يسم ذلك شهادة، وحينئذ لا ريب في قبول خبر العدلين هنا ولا اشكال
وثامنها - قال في الذكرى: لو كان لبلد طريقان أحدهما خاصة مسافة فسلك
الأقرب أتم وإن سلك الأبعد لعلة غير الترخص قصر، وإن كان للترخص لا غير
فالأقرب التقصير للإباحة، وقال ابن البراج يتم لأنه كاللاهي بصيده. ولو رجع
قاصد الأقرب بالبعد قصر في رجوعه لا غير. ولو رجع قاصد الأبعد بالأقرب
قصر في ذهابه وإيابه. انتهى.
أقول: الظاهر ضعف ما ذكره ابن البراج لأن السفر بقصد الترخص غير
محرم بل هو مباح، وقياسه على اللاهي بصيده قياس مع الفارق مع أن القياس غير
صحيح في مذهبنا، وحينئذ فيجب عليه التقصير.
309

وأما ما ذكره في الذكرى - من أن قاصد الأقرب متى رجع بالأبعد فإنه يتم في
ذهابه ويقصر في رجوعه خاصة - فهو مبني على ما هو المشهور بينهم من عدم ضم
الذهاب إلى الإياب إلا في قصد الأربعة. وفيه ما سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه
من أنه لا دليل عليه غير مجرد الشهرة بينهم.
وتاسعها - قال في الذخيرة: لو تردد يوما في ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائيا،
فإن بلغ في الرجوع إلى موضع سماع الأذان ومشاهدة الجدران فالظاهر أنه لا خلاف
في عدم القصر، وإن يبلغ فالمقطوع به في كلام أكثر الأصحاب أنه لم يجز القصر
وخالف فيه المصنف في التحرير، واستدل على الأول بوجهين: (أحدهما) أن
من هذا شأنه ينقطع سفره بالرجوع وإن كان في رجوعه لم ينته إلى الحد المذكور
وإلا لزم القصر لو تردد في ثمانية فراسخ خمس مرات (1) وبأن مقتضى الأصل
لزوم الاتمام خرج منه قاصد الثمانية والأربعة التي لا تكون ملفقة من الذهاب
والاياب لأنه المتبادر من اللفظ فيبقى الباقي على الأصل. وللتأمل في الوجهين
طريق. انتهى.
أقول: الظاهر أن ما ذكره من هذا التفصيل والاستدلال في المقام وما وقع
له فيه من النقض والابرام من متفرداته (قدس سره) وتخريجاته، ومقتضى
ما صرح به الأصحاب هنا كالعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى هو أن التردد في
ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائيا غير موجب للقصر ثلاث مرات وأزيد بلغ محل الترخص
أم لم يبلغ لعدم المسافر عليه، وهو التحقيق في المقام الذي لا يعتريه نقض
ولا ابرام، لأن وجوب التقصير تابع لصدق السفر مع استكمال شروطه، ومثل
هذا لا يسمى مسافرا عرفا ولا شرعا.
قال في المنتهى: لو كانت المسافة ثلاثة فراسخ وتردد فيها ثلاث مرات لم

(1) في الذخيرة في التنبيه السابع من تنبيهات الشرط الأول هكذا: " ولو تردد في فرسخ
واحد ثماني مرات ".
310

يقصر، لأنه بالعود انقطع سفره، ولعدم الدليل على القصر مع وجود المقتضي
لشغل الذمة.
وقال في الذكرى: ولو كان القصد زيادة على الأربعة فكالأربعة، ولو
نقص كالثلاثة يتردد فيها ثلاث مرات لم يترخص لخروجه عن اسم المسافر وإلا
لزم تقصير المتردد في أقل من ميل وهو باطل. انتهى.
والجميع كما ترى ظاهر في ما قلناه واضح في ما نقلناه، وبه يظهر أن ما ذكره
مجرد توهم وخيال ضعيف، فإن ظهور عدم صدق المسافر على مثل هذا لا يمكن
انكاره عرفا ولا شرعا. والله العالم.
وعاشرها - لو تعارضت البينتان في المسافة بالنفي والاثبات، قال في الذكرى:
الأقرب العمل ببينة الاثبات لأن شهادة النفي غير مسموعة. وقال في المعتبر:
أخذ بالمثبتة وقصر.
قال في المدارك بعد ذكر كلام المعتبر: وهو جيد مع اطلاق البينتين أما
لو كان النفي متضمنا للاثبات كدعوى الاعتبار وتبين القصور فالمتجه تقديم بينة
النفي لاعتضادها بأصالة التمام.
أقول: لا يخفى ما في الاعتضاد هنا بأصالة التمام من الاشكال لقيام البينة
المثبتة للمسافة التي بالنظر إليها يجب التقصير شرعا والخروج عن هذا الأصل.
والحق أن المسألة لا تخلو من الاشكال إلا أن يقال بالرجوع إلى الترجيح بين البينتين
قال في الذكرى: ولا يكفي أخبار الواحد بها، ويحتمل الاكتفاء به إذا كان
عدلا جعلا لذلك من باب الرواية لا من باب الشهادة.
أقول: ما ذكره من الاحتمال جيد لما أشرنا إليه قريبا من دلالة الأخبار على
قبول قول الثقة وأنه مفيد للعلم الشرعي.
ثم قال في الذكرى: فعلى هذا لو سافر اثنان أحدهما يعتقد المسافة والآخر
لا يعتقدها فالظاهر أن لكل منهما أن يقتدي بالآخر لصحة صلاته بالنسبة إليه.
311

وقال في المدارك بعد ذكر التعارض بين البينتين: ويتعلق بكل من البينتين
حكم ما يعتقده فيقصر المثبت ويتم النافي، وفي جواز اقتداء أحدهما بالآخر وجهان
من حكم كل منهما بخطأ الآخر، ومن أن كلا من الصلاتين محكوم بصحتها شرعا
لاتيان كل منهما بما هو فرضه فينتفي المانع من الاقتداء، ورجح الشهيدان الجواز
وهو حسن لكنهما منعا من الاقتداء مع المخالفة في الفروع، والفرق بين
المسألتين مشكل. انتهى.
أقول: قد قدمنا في بحث القبلة من التحقيق في هذا المقام ما يندفع به هذا
الاشكال الذي ذكره (قدس سره) ومرجعه إلى الفرق بين الأحكام الشرعية
وموضوعاتها فيمتنع الاقتداء على الأول دون الثاني.
وأقول هنا: إنه لا يخفى أن ما ذكروه من جواز الاقتداء في الصورة المذكورة
إن أريد به الاقتداء في مجموع الصلاة - بحيث إن من فرضه منهما التمام يصلي قصرا
وبالعكس كما هو الظاهر من كلامهم، وقوله في الذكرى لأنها صحيحة بالنسبة إليه.
وقوله في المدارك إن كلا من الصلاتين محكوم بصحتها شرعا.. إلى آخره - فالظاهر
عدمه لأنها وإن صحت من هذه الجهة التي ذكرها إلا أن هذا مكلف شرعا بالعمل بعلمه
وما أدى إليه اعتقاده، فلو تابع الإمام في صلاته قصرا أو تماما والحال إن
اعتقاده خلاف اعتقاد الإمام فقد خالف ما هو تكليفه شرعا ومأمول به من جهته
سبحانه فكيف يجزئ عنه، وإن أريد به الاقتداء في ما يتفق معه فيه كاقتداء
المسافر بالحاضر وبالعكس فالظاهر أنه لا بأس به لما ذكروه من التعليل، ولأن
هذا من باب موضوعات الأحكام الشرعية التي قد أشرنا إلى أنه يجوز الاقتداء فيها
مع الاختلاف من حيث إن صلاته صحيحة شرعية، ونحن إنما منعنا من الاقتداء
في الفرض الأول من حيث مخالفته لما هو مكلف به شرعا لا من حيث حكمنا
ببطلان الإمام، والفرق بحمد الله سبحانه ظاهر. فاشرب بكأس هذا التحقيق
الذي هو بأن يكتب بالنور على وجنات الحور جدير وحقيق، ولا تكاد تجد مثل
312

هذه التحقيقات في غير كتبنا وزبرنا. ولله سبحانه الحمد والمنة والله الهادي لمن يشاء.
المقام الثاني - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو كانت المسافة
أربعة فراسخ فصاعدا إلى ما دون الثمانية على أقوال:
أحدهما - وهو المشهور سيما بين المتأخرين وبه صرح المرتضى وابن إدريس -
أنه يجب التقصير إذا أراد الرجوع ليومه والمنع من التقصير إن لم يرد الرجوع ليومه
وثانيها - ما ذهب إليه الصدوق (قدس سره) في الفقيه قال: إذا كان سفره
أربعة فراسخ وأراد الرجوع من يومه فالتقصير عليه واجب وإن كان سفره أربعة
فراسخ ولم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار إن شاء أتم وإن شاء قصر.
ونحوه قال الشيخ المفيد، ونقله الأصحاب عن والد الصدوق أيضا وسلار، وبه
صرح الشيخ في النهاية إلا أنه منع من التقصير في الصوم، فصار هذا قولا ثالثا.
وما ذهبوا إليه ظاهر في وجوب التقصير مع الرجوع ليومه كما هو المشهور
والتخيير في ما لم يرد الرجوع ليومه خلافا للمشهور حيث أوجبوا التمام هنا حتما،
فهذا القول يوافق المشهور من جهة ويخالفه من أخرى.
وينبغي أن يعلم أن مرادهم بقولهم في صورة التخيير " ومن لم يرد الرجوع من
يومه " أنه أعم من أن لم يرد الرجوع بالكلية فالنفي متوجه إلى القيد والمقيد، أو أراد
الرجوع ولكن في غير ذلك اليوم فالنفي متوجه إلى القيد خاصة. وما ربما يتوهم
من التخصيص بالصورة الثانية غلط محض كما لا يخفى على المتأمل.
وثالثها - ما ذهب إليه في النهاية من ما قدمنا الإشارة إليه.
ورابعها - ما نقله شيخنا الشهيد في الذكرى عن الشيخ في التهذيب والمبسوط
وابن بابويه في كتابه الكبير وقواه من التخيير في قصد الأربعة بشرط الرجوع ليومه
قال في الذكرى: واعلم أن الشيخ في التهذيب ذهب إلى التخيير لو قصد
أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه، وكذا في المبسوط وذكره ابن بابويه في
كتابه الكبير، وهو قوي لكثرة الأخبار الصحيحة بالتحديد بأربعة فراسخ فلا
أقل من الجواز.
313

أقول: عبارة الشيخ في التهذيب هكذا: إن المسافر إذا أراد الرجوع من يومه فقد
وجب عليه التقصير في أربعة فراسخ. ثم قال: إن الذي نقوله في ذلك أنه إنما يجب
التقصير إذا كان مقدار المسافة ثمانية فراسخ وإذا كان أربعة فراسخ كان بالخيار في
ذلك أن شاء أتم وإن شاء قصر.
وأنت خبير بأن ظاهر هذه العبارة العدول عن القول الأول الموافق للمشهور
إلى أن مجرد قصد الأربعة موجب للتخيير أراد الرجوع ليومه أم لا، وحينئذ فما نقله
عنه هنا من قوله بالتخيير بشرط الرجوع ليومه إن أراد من حيث عموم كلامه وشموله
لهذا الفرد فهو مسلم إلا أنه بعيد عن ظاهر عبارته، وإن أراد تخصيص عبارته بما
ذكره فهو خلاف ظاهر كلام الشيخ كما عرفت.
وأما عبارته في المبسوط فهي أيضا لا تساعد ما ادعاه حيث إن عبارة المبسوط
هكذا: حد المسافة التي يجب فيها التقصير ثمانية فراسخ أربعة وعشرون ميلا،
فإن كانت أربعة فراسخ وأراد الرجوع من يومه وجب أيضا التقصير وإن لم يرد
الرجوع من يومه كان مخيرا بين التقصير والاتمام. وهذه العبارة كما ترى صريحة
الانطباق على ما قدمنا نقله عن الصدوق والشيخ المفيد وهو القول الثاني لا في ما
ذكره وادعاه.
والعجب أن الأصحاب لم يتنبهوا لموافقة الشيخ للصدوق في هذا الكتاب بل
خصوا ذلك بالنهاية مع منعه فيها التقصير في الصوم، وهذه العبارة ظاهرة في
الانطباق على ذلك القول من جميع جهاته. وأعجب من ذلك نقل شيخنا المشار إليه
عن المبسوط ما ادعاه والحال أن العبارة كما ترى، ولعل النقل عن ابن بابويه في
كتابه الكبير من هذا القبيل.
وكيف كان فهو قول مرغوب عنه كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
وخامسها - ما ذهب إليه ابن أبي عقيل (قدس سره) حيث قال: كل سفر
كان مبلغه بريدين وهو ثمانية فراسخ أو بريدا ذاهبا وبريدا جائيا وهو أربعة فراسخ
في يوم واحد أو ما دون عشرة أيام فعلى من سافر عند آل الرسول صلى الله عليه وآله أن يصلي
314

صلاة السفر ركعتين. وإلى هذا القول مال جملة من أفاضل متأخري المتأخرين
وهو الظاهر عندي من الأخبار كما سيسفر عنه إن شاء الله تعالى صبح التحقيق أي أسفار
إلا أن عبارة الشيخ ابن أبي عقيل لا تخلو عن مسامحة أو غفلة، وذلك فإن
الحق في هذا المقام أن يقال إنه لا ريب أن المسافة الموجبة للتقصير إنما هي ثمانية
فراسخ لكنها أعم من أن تكون ممتدة في الذهاب خاصة أو ملفقة من الذهاب
والاياب، وحينئذ فمن قصد أربعة فراسخ مريدا للرجوع من غير أن يقطع سفره
بإقامة العشرة ولا بالمرور على منزل يقطع سفره ولا مضي ثلاثين يوما مترددا فإنه
يجب عليه التقصير ويصدق عليه أن مسافة سفره ثمانية فراسخ لأن السفر لا خصوصية
له بالذهاب خاصة. ونظيره من قصد ثمانية فراسخ وهي المسافة المتفق على وجوب
التقصير فيها ثم اتفق جلوسه على رأس أربعة فراسخ أياما لبعض المطالب
والأغراض، فإن جلوسه تلك المدة ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع المذكورة
لا يخرجه عن كونه مسافرا ولا كون سفره ثمانية فراسخ. وحينئذ فإن كان ما ذكره
ابن أبي عقيل في هذه العبارة من قوله: " أو ما دون عشرة أيام " إنما وقع على وجه
التمثيل إشارة إلى أنه يقصر ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع التي من جملتها العشرة
أيام فهو يرجع إلى ما ذكرناه ونسبته إلى آل الرسول صلى الله عليه وآله في محله، لأنه الظاهر من
أخبارهم كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى، وإلا كان هذا قولا آخر ولا وجه لنسبته
إليهم (صلوات الله عليهم) باعتبار التخصيص بالعشرة، إذ يمكن أن يرجع بعد
عشرين يوما ولم ينقطع سفره بإقامة العشرة في موضع.
وسادسها - ما ذهب إليه السيد السند (قدس سره) في المدارك من القول
بالتخيير بمجرد قصد الأربعة أراد الرجوع أو لم يرد، ونقله عن الشيخ في
التهذيب وجده.
قال (قدس سره) بعد البحث في المسألة: وجمع الشيخ في كتابي الأخبار
بين هذه الروايات بوجه آخر وهو تنزيل أخبار الثمانية على الوجوب وأخبار
315

الأربعة على الجواز، وحكاه بعض مشايخنا المعاصرين عن جدي (قدس سره) في
الفتاوى، ومال إليه في روض الجنان حتى أنه استوجه كون القصر أفضل من
الاتمام. ولا ريب في قوة هذا القول. ولا ينافي ما ذكرناه من التخيير رواية
معاوية بن عمار المتضمنة لنهي أهل مكة عن الاتمام بعرفات (1) لأنا نجيب عنها
بالحمل على الكراهة أو على أن النهي عن الاتمام على وجه اللزوم. انتهى.
وسابعها - ما ذهب إليه بعض فضلاء متأخري المتأخرين من وجوب التقصير
مع قصد الأربعة مطلقا ونسبه مذهبا لثقة الاسلام الكليني في الكافي حكى ذلك بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين، حيث قال بعد الكلام في المسألة وذكر
أخبار الثمانية: ثم اختلفوا في نصف ذلك أي أربعة فراسخ على أقوال شتى، فمنهم من
ظاهر كلامه كالكليني أن الأربعة هي المسافة حيث لم يذكر ما سوى أحاديث الأربعة
حتى أن بعض مشايخنا كان يدعى له هذا القول ويقويه استنادا إلى عدم وجدان قائل
بها من المخالفين (2) وجعل وجه الجمع بين هذه الأخبار وأخبار الثمانية بأن المراد بهذه الأخبار أقل ما يتحقق به تحتم القصر وأنه مستلزم للتحتم بالزائد أيضا كما هو ظاهر،
فيكون حينئذ تخصيص التعبير بالثمانية في أخبارها لأجل بعض المصالح كمراعاة
التقية. انتهى كلام شيخنا المشار إليه. ثم إنه (قدس سره) رجح كون اعتقاد الكليني
التخيير في قصد الأربعة مطلقا.
أقول: لا يخفى أن حمل أخبار الأربعة على الوجوب - كما ذكره البعض المشار
إليه وأنه أقل ما يجب فيه التقصير - يدفعه ما اشتملت عليه جملة من أخبار الثمانية
الفراسخ والبريدين من أنها أقل مسافة القصر وأنه لا يقصر في ما دونها وأن المناط

(1) ص 319 و 320
(2) في المحلى ج 5 ص 8 عن شعبة قال: سمعت ميسرة بن عمران عن أبيه عن جده أنه
خرج مع عبد الله بن مسعود وهو رديفه على بغلة له مسيرة أربع فراسخ فصلى الظهر ركعتين
والعصر ركعتين.
316

في ذلك بياض يوم أو سير الإبل ونحو ذلك من ما اشتملت عليه الأخبار كما
لا يخفى على من راجعها.
إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في موضعين: الأول - في نقل أخبار
المسألة كملا فنقول:
إعلم أن الأخبار المتعلقة بهذه المسألة على ثلاثة أقسام: الأول - ما اشتمل
على تحديد المسافة بما علم مخالفته لمذهب الإمامية وموافقته لمذهب العامة كالأخبار
الدالة على التحديد بفرسخ أو ثلاثة أبرد أو يوم وليلة ونحو ذلك، وقد تقدم شطر
منها في صدر المسألة الأولى، وقد أوضحنا ثمة (1) خروجها مخرج التقية فلا حاجة
إلى ارتكاب التأويل فيها ولا تكلف الجواب عنها بعد ظهور ما قلناه فيها.
الثاني - الأخبار المشتملة على ما عليه اتفاق الإمامية من ثمانية فراسخ أو
بريدين أو بياض يوم، وقد مر منها صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم في صدر المقصد
وتقدم في صدر المقام الأول صحيحة أبي أيوب وفيها بريدين أو بياض يوم، وصحيحة
علي بن يقطين وفيها مسيرة يوم، وصحيحة أبي بصير وفيها بياض يوم أو بريدين
وحسنة الكاهلي وفيها بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا، وموثقة سماعة وفيها مسيرة
يوم وذلك بريدان وهما ثمانية فراسخ، وموثقة عيص بن القاسم أو حسنته وفيها حده
أربعة وعشرون ميلا، ورواية الفضل بن شاذان وفيها ثمانية فراسخ مسير يوم،
ومنها رواية صفوان الآتية إن شاء الله تعالى (2) في الموضع الثاني، ومنها موثقة
عبد الرحمان بن الحجاج المتقدمة في المورد الثاني من موارد المقام المتقدم، إلى غير
ذلك من الأخبار التي لا ضرورة في التطويل بها مع الاتفاق على العمل بمضمونها.
الثالث - الأخبار المشتملة على التقصير في أربعة فراسخ أو بريد أو نحو ذلك
التي هي محل الاشكال في المقام ومنفصل سهام النقض والابرام.
وهذه الأخبار أيضا على ثلاثة أقسام: أحدها - ما ورد في التحديد

(1) ص 300
(2) ص 326
317

بالأربعة على الاطلاق من غير تقييد بالذهاب والاياب وغير ذلك بحيث يتبادر
من ظواهرها التعارض بين اطلاقها واطلاق أخبار الثمانية:
ومنها - مرسلة محمد بن يحيى الخزاز المتقدمة في صدر المسألة الأولى ومرسلة
ابن أبي عمير المتقدمة ثمة أيضا.
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " التقصير في بريد والبريد
أربعة فراسخ ".
وصحيحة زيد الشحام (2) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول يقصر الرجل
الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلا ".
وصحيحة إسماعيل بن الفضل (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التقصير
فقال في أربعة فراسخ ".
ورواية أبي الجارود (4) قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام في كم التقصير؟
فقال في بريد ".
وموثقة ابن بكير (5) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القادسية أخرج
إليها أتم أم أقصر؟ قال وكم هي؟ قلت هي التي رأيت. قال قصر ".
أقول: قال في المغرب، القادسية موضع بينه وبين الكوفة خمسة عشر ميلا
كذا نقله عنه في كتاب البحار، ثم قال: وهي تدل على وجوب التقصير في أربعة
فراسخ لعدم القول بالفصل. انتهى.
ومنها صحيحة أبي أيوب (6) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدنى ما يقصر فيه
المسافر؟ فقال بريد ".
وثانيها - ما ورد بالتحديد بأربعة فراسخ مع التقييد بأن ذلك حيث يضم
الإياب إلى الذهاب بحيث إن يحصل منهما جميعا ثمانية فراسخ:
ومنها - صحيحة معاوية بن وهب (7) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدنى

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(5) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(6) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(7) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
318

ما يقصر فيه المسافر؟ قال بريد ذاهبا وبريد جائيا ".
ومنها - صحيحة زرارة المروية في الفقيه (1) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام
عن التقصير فقال بريد ذاهبا وبريد جائيا، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتى ذبابا
قصر وذباب على بريد، وإنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ "
وموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: " سألته عن التقصير
فقال في بريد. قال قلت بريد؟ قال إنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه "
ورواية سليمان بن حفص المروزي (3) قال: " قال الفقيه عليه السلام التقصير
في الصلاة بريدان أو بريد ذاهبا وجائيا.. الحديث ".
ورواية الفضل بن شاذان المروية في كتاب العلل والعيون عن الرضا عليه السلام (4)
قال: " إنما وجبت الجمعة على من يكون على رأس فرسخين لا أكثر من ذلك لأن ما
تقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا أو بريد ذاهبا وبريد جائيا والبريد أربعة فراسخ، فوجبت
الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير، وذلك أنه يجئ فرسخين
ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر ".
وروى الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا عليه السلام في كتابه
إلى المأمون (5) قال: " والتقصير في أربعة فراسخ بريد ذاهبا وبريد جائيا اثنى عشر
ميلا، وإذا قصرت أفطرت ".
وثالثها - ما ورد كذلك بحيث يدل على أن ذلك على سبيل الحتم وأنه مراعى
باعتبار ضم الإياب إلى الذهاب بحيث يكون الجميع ثمانية فراسخ، وأنه لا حاجة إلى
أن يكون الذهاب والاياب في يوم واحد:
ومنها - صحيحة معاوية بن وهب المروية في كتب المشايخ الثلاثة بالأسانيد
الصحيحة (6) " أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام إن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات؟

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(5) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(6) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر. والراوي معاوية بن عمار
319

فقال ويلهم أو ويحهم وأي سفر أشد منه لا تتم ". وفي بعض النسخ " لا تتموا "
وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " أهل مكة إذا زاروا
البيت ودخلوا منازلهم أتموا وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا ".
وصحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " إن أهل مكة إذا
خرجوا حجاجا قصروا وإذا زاروا وارجعوا إلى منازلهم أتموا ".
وموثقة معاوية بن عمار (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام في كم أقصر
الصلاة؟ فقال في بريد ألا ترى أن أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير "
ورواية إسحاق بن عمار (4) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام في كم التقصير؟
فقال في بريد ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقصروا ".
وقال شيخنا المفيد (عطره الله مرقده) في المقنعة (5) قال الصادق عليه السلام " ويل
لهؤلاء القوم الذي يتمون بعرفات أما يخافون الله؟ فقيل له وهو سفر؟ فقال
وأي سفر أشد منه ".
أقول: وذكر أهل مكة وأم لم يقع في الكلام إلا أن الظاهر بمعونة ما ذكرنا
من الأخبار هو كونهم المرادين بهذا الكلام وإن خفي علينا الآن قرينة المقام.
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (6) قال: " من قدم قبل التروية بعشرة
أيام وجب عليه اتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة فإذا خرج إلى عرفات وجب عليه
التقصير فإذا زار البيت أتم الصلاة وعليه اتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر "
وموثقة إسحاق بن عمار (7) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن أهل مكة إذا

(1) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر. والراوي معاوية بن عمار
(2) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر.
(3) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر.
(4) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر.
(5) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر.
(6) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر. واللفظ فيه وفي الوافي باب عزم الإقامة
في السفر " فإذا خرج إلى منى ".
(7) الوسائل الباب 6 و 15 من صلاة المسافر.
320

زاروا عليهم اتمام الصلاة؟ قال نعم، والمقيم بمكة إلى شهر بمنزلتهم " ولعل المراد
بقوله عليه السلام: " والمقيم بمكة.. إلى آخره " يعني المتردد فإنه بعد مضي الشهر
يلزمه الاتمام.
ومنها أيضا صحيحة أبي ولاد الآتية إن شاء الله تعالى في الموضع الثاني (1).
أقول: هذا ما حضرني من أخبار المسألة المذكورة كملا، وأصحابنا (رضوان
الله عليهم) لما رأوا ما هي عليه من الاختلاف اختلف كلمتهم في التفصي عن وجه
الجمع بينها لتحصيل الاجتماع بينها والائتلاف.
فذهب البعض منهم - وهو المشهور بين المتأخرين منهم كما تقدمت الإشارة
إليه بعد ابقاء أخبار الثمانية على اطلاقها وشمولها للذهاب فقط أو مع الإياب - إلى
حمل أخبار الأربعة على ما إذا أراد المسافر الرجوع ليومه حملا لأخبار القسم الأول
منها على أخبار القسم الثاني.
وهو جيد لكن لا دلالة في شئ من أخبار القسم الثاني على التقييد بالرجوع
ليومه، فمن أين لهم دليل هذا التقييد؟ ومحل البحث معهم هنا، وإلا فإنه لا ريب
بمقتضى القاعدة المتفق عليها من حمل المطلق على المقيد في صحة ما ذكروه من تقييد
اطلاق أخبار القسم الأول بأخبار القسم الثاني، إلا أن غاية ما تدل عليه الأخبار
المذكورة هي اعتبار ضم الإياب إلى الذهاب مطلقا أعم من أن يكون في يوم أو أكثر
ويدفع ما ذكره من هذا التقييد صريحا أخبار القسم الثالث وهي أخبار
أهل مكة المستفيضة الصحيحة الصريحة في تحتم القصر عليهم مع معلومية كون
الرجوع ليس في يومه.
وغاية ما تعلق به بعضهم لاثبات هذه الدعوى هو قوله عليه السلام في موثقة محمد
ابن مسلم المتقدمة في أخبار القسم الثاني من أخبار الأربعة " إذا ذهب بريدا ورجع
بريدا فقد شغل يومه ".
وفيه أولا - أنه معارض بما هو أكثر عددا وأصح سندا وأصرح دلالة وهي

(1) بل في الشرط الثالث ص 333
321

أخبار القسم الثالث من أخبار الأربعة، فإنها صريحة الدلالة ناطقة المقالة في تحتم
التقصير ووجوبه بقصد الأربعة مع عدم الرجوع في يومه.
وأما ثانيا - فلأن هذه العبارة إنما خرجت مخرج التجوز في دفع الاستبعاد
الذي توهمه السائل، حيث إنه لما كان المعهود عنده والشائع هو التقصير في مسيرة
يوم بريدين تعجب من افتاء الإمام عليه السلام بالبريد الواحد فأجاب عليه السلام بأن هذا
المسافر إلى مسافة البريد متى رجع حصل من ذهابه وإيابه قدر مسير يوم، فلا دلالة
على الرجوع من يومه حتى أنه لا يتحتم القصر إلا بذلك، والغرض إنما هو بيان
أن مسافة الأربعة إنما اعتبرت من حيث الذهاب والاياب فهي في حكم اليوم
والثمانية الفراسخ والبريدين التي اتفقت الأخبار على وجوب التقصير فيها، كما يشير
إليه قوله عليه السلام في صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن وهب " بريد ذاهبا وبريد
جائيا " وقوله عليه السلام في صحيحة زرارة حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وآله " وإنما فعل ذلك
لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ ".
وبالجملة فإن الرواية المذكورة لا ظهور لها فضلا عن الصراحة في ما ادعوه،
ولا بد من حملها على ما ذكرناه لتنتظم به مع أخبار القسم الثالث التي قد عرفت أنها
أرجح منها عددا وسندا ودلالة.
قال في المدارك: وأما رواية محمد بن مسلم فإنها وإن كانت مشعرة بذلك إلا أنها غير صريحة فيه، بل ربما لاح منها أن التعليل - بكونه إذا ذهب بريدا ورجع
بريدا شغل يومه - إنما وقع على سبيل التقريب إلى الأفهام كما يشعر به اطلاق التقصير
في البريد أولا. انتهى.
وأما ما ذهب إليه الصدوقان والشيخ المفيد ومن تبعهم من القول الثاني من
الأقوال المتقدمة فالكلام معهم بالنسبة إلى ما ذهبوا إليه من تخصيص وجوب
التقصير بالرجوع ليومه، وقد عرفت من ما دفعنا به القول الأول أنه لا دليل عليه
بل الأدلة الصحيحة الصريحة ترده. وكذلك بالنسبة إلى ما ذهبوا إليه من التخيير
322

مع عدم الرجوع ليومه، وكأنهم جعلوا ذلك وجه جمع بين أخبار الأربعة المقيدة
كما تقدم وأخبار عرفات حذرا من ما يلزم القول المشهور من طرحها رأسا.
وفيه أنه لا اشعار في شئ من أخبار عرفات بما ذهبوا إليه من التخيير بل هي
في رده أظهر ظاهر كما لا يخفى على البصير الخبير. وتوجيه ذلك بحمل النهي على
الكراهة أو عن الاتمام على وجه اللزوم - كما ذهب إليه في المدارك وقبله جده في
كتاب روض الجنان مع بعده عن مضامينها كما عرفت - يتوقف على وجود المعارض
المحوج إلى هذه التكلفات البعيدة والتمحلات الشديدة الناشئة من عدم فهمهم المراد
من هذه الأخبار.
وتقريب الاستدلال بالأخبار المشار إليها أنه لا يخفى أن جملة منها قد تضمنت
النهي عن الاتمام الذي هو حقيقة في التحريم، وجملة تضمنت الأمر بالتقصير
الذي هو حقيقة في الوجوب مؤكدا ذلك بقوله " وأي سفرا أشد منه " والدعاء
ب‍ " ويلهم أو ويحهم " والتوبيخ لهم بأنهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله
المشعر بكونه صلى الله عليه وآله مدة كونه في مكة متى حج فإنه يقصر الموجب لوجوب التأسي،
فأي دلالة أظهر من هذه الدلالات وأي مبالغة وتأكيد أبلغ من هذه التأكيدات،
مع أنهم يكتفون في سائر الأحكام في الحكم بالوجوب والتحريم بمجرد خبر واحد
يدل على ذلك، فكيف بهذه الأخبار الصحيحة الصريحة العديدة المشتملة على
ما ذكرنا من وجوه المبالغات والتأكيدات، ويقابلونها بمجرد هذه التخريجات
والتمحلات والتكلفات من غير معارض يقتضيه سوى عدم اعطائهم التأمل حقه في
فهم المراد من الأخبار كما سنظهره لك إن شاء الله تعالى أي إظهار.
وبذلك يظهر لك ما في كلام الشيخ في أحد قوليه وصاحب المدارك ومن تبعهما
من حمل أخبار الأربعة على الجواز مطلقا أو مع التقييد بعدم الرجوع ليومه كما هو
القول الآخر للشيخ وهو الذي نقله عنه في الذكرى.
بقي هنا شئ يجب التنبيه عليه وهو أن ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله
323

عليهم) أن الوجه في ما ذهب إليه الصدوقان من القول الثاني من الأقوال المتقدمة
في صدر المسألة هو الجمع بين أخبار المسألة كالأقوال الباقية، والظاهر أن الحال
ليس كذلك فإن هذا القول المذكور قد صرح به الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي
ومن الظاهر بناء على ما عرفت في غير موضع من ما تقدم وسيأتي إن شاء الله تعالى
أمثاله أن مستندهما في هذا القول إنما هو الكتاب المذكور، حيث قال عليه السلام في الكتاب
المشار إليه (1): فإن كان سفرك بريدا واحدا وأردت أن ترجع من يومك قصرت
لأن ذهابك ومجيئك بريدان. ثم قال بعد هذا الكلام بأسطر: وإن سافرت إلى موضع
مقدار أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار فإن شئت أتممت وإن
شئت قصرت. انتهى. وهو صريح في القول المذكور إلا أن الظاهر أنه لا يبلغ قوة في
معارضة ما ذكرنا من الأخبار الصحيحة الصريحة المتعددة المذكورة في القسم الثالث
وكذا الأخبار الآتية في المقام الثاني من ما تدل على القول المختار في المسألة، فإن
الجميع متى ضم بعضه إلى بعض صريح الدلالة واضح المقالة في أن قاصد الأربعة مع
إرادة الرجوع يجب عليه التقصير ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع الثلاثة المعلومة
ولا تخصيص للوجوب بالرجوع ليومه ولا مجال للتخيير بوجه، فالواجب رد هذا
الكلام إلى قائله حسبا أمروا به (صلوات الله عليهم) في أمثال هذا المقام.
وأما ما تقدم نقله عن بعض الأصحاب - من الميل إلى حمل أخبار الأربعة
على أقل ما يجب فيه التقصير مدعيا أنه مذهب الشيخ الكليني (عطر الله مرقده)
حيث إنه اقتصر على نقل أخبار الأربعة خاصة -
ففيه أولا - أنه لا يخفى أن ما استند إليه من الأخبار المطلقة إنما يتم لو لم يكن
في الباب إلا هي وأما مع وجود الأخبار المقيدة كالأخبار القسم الثاني من أخبار
الأربعة فإن مقتضى القاعدة حمل المطلق من الأخبار على المقيد، وبه يزول
الاستناد إلى اطلاق الأخبار المذكورة، فإنها متى قيدت بالذهاب والاياب رجعت

(1) ص 16
324

إلى أخبار الثمانية كما تقدم توضيحه.
وثانيا - ما قدمنا الإشارة إليه من دلالة جملة من تلك الأخبار على أن مسافة
الثمانية وبياض يوم أو بريدين أقل ما يجب فيه التقصير، فمن ذلك ما تقدم في صدر
المقام الأول من قوله عليه السلام في موثقة العيص بن القاسم أو حسنته " حده أربعة
وعشرون ميلا " وقوله عليه السلام في رواية الفضل بن شاذان المتقدمة ثمة أيضا " إنما
وجب القصر في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر لأن ثمانية فراسخ مسيرة
يوم.. الحديث " ومن ذلك رواية عبد الرحمان بن الحجاج قال: " قلت له كم أدنى
ما يقصر فيه الصلاة؟ قال جرت السنة ببياض يوم.. الحديث " وقد تقدم في
المورد الثاني من موارد المقام الأول، وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في القسم
الثاني من أقسام أخبار الأربعة قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدنى ما يقصر فيه
المسافر؟ قال بريد ذاهبا وبريد جائيا " ونحو ذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى في
رواية إسحاق بن عمار، وهذه الأخبار كلها كما ترى صريحة في أن أقل مسافة التقصير
ثمانية فراسخ وهو بياض يوم. وأما ما يدل على ذلك باعتبار الاشعار وظاهر
السياق فكثير من أخبار المسألة.
وبالجملة فالظاهر أن هذا القول من هذا الفاضل المشار إليه إنما وقع غفلة عن
التدبر في الأخبار والوقوف على ظاهر تلك الأخبار. والله العالم.
الموضع الثاني - في بيان ما هو المختار من الأقوال المتقدمة وذكر الدليل عليه
زيادة على ما ذكرنا من بطلان أدلة ما سواه، وقد عرفت في ما أشرنا إليه سابقا
في نقل الأقوال المتقدمة أن المفهوم من أخبارهم (عليهم السلام) - وهو الذي عليه
تجتمع في هذا المقام من غير أن تعتريه شائبة النقض والابرام - هو أن المسافة
الشرعية الموجبة للقصر التي لا يجب في أقل منها هي ثمانية فراسخ إلا أنها أعم من
أن تكون في الذهاب خاصة أو ملفقة من الذهاب والاياب، وعلى الأول دلت
أخبار القسم الثاني من أقسام أخبار المسألة، وعلى الثاني دلت أخبار القسم الثاني
325

من أخبار الأربعة، فإنها ظاهرة الدلالة في أن قاصد الأربعة مع إرادته الرجوع
يجب عليه التقصير كقاصد الثمانية الممتدة في أنه سفر شرعي لا ينقطع إلا بأحد
القواطع الآتية إن شاء الله تعالى، ويؤكدها أخبار القسم الثالث من أخبار الأربعة
وهي أخبار عرفات.
ومن الأخبار الدالة على ذلك زيادة على ما عرفت مرسلة صفوان (1) قال:
" سألت الرضا عليه السلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل
فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان وهي أربعة فراسخ من بغداد أيفطر إذا أراد الرجوع
ويقصر؟ قال لا يقصر ولا يفطر لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية
فراسخ إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع
الذي بلغه، ولو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه أن
ينوي من الليل سفرا والافطار.. الحديث ".
وهو كما ترى ظاهر في أن قصد الأربعة على وجه الرجوع قصد للثمانية موجب
للتقصير، والرجوع فيه كما ترى مطلق كسائر أخبار القسم الثاني من أقسام أخبار
الأربعة، وهو ظاهر في وجوب التقصير عليه في الصورة المذكورة لا مجال لاحتمال
التخيير فيه بوجه.
ومنها - ما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب العلل عن إسحاق بن عمار (2)
قال: " سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن قوم خرجوا في سفر لهم فلما
انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصروا فلما أن صاروا على رأس
فرسخين أو ثلاثة أو أربعة فراسخ تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم السفر إلا
بمجيئه إليهم فأقاموا على ذلك أياما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون
هل ينبغي لهم أن يتموا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ فقال إن كانوا بلغوا مسيرة
أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا، وإن كانوا ساروا أقل

(1) الوسائل الباب 4 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر
326

من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا فإذا مضوا فليقصروا. ثم قال عليه السلام هل
تدري كيف صار هكذا؟ قلت لا أدري. قال لأن التقصير في بريدين ولا يكون
التقصير في أقل من ذلك، فلما كانوا قد ساروا بريدا وأرادوا أن ينصرفوا بريدا كانوا
قد ساروا سفر التقصير، وإن كانوا قد ساروا أقل من ذلك لم يكن لهم إلا اتمام
الصلاة. قلت أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي
خرجوا منه؟ قال بلى إنما قصروا في ذلك الموضع لأنهم لم يشكوا في مسيرهم
وأن السير سيجد بهم في السفر فلما جاءت العلة في مقامهم دون البريد صاروا
هكذا " ورواه البرقي في المحاسن مثله (1) ورواه في الكافي (2) إلى قوله: " فإذا
مضوا فليقصروا " وأما قوله عليه السلام " هل تدري.. إلى آخره " فلم ينقله.
أقول: والتقريب في هذا الخبر يتوقف على بيان مسألة أخرى وهي أن
من شروط وجوب القصر كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى استمرار قصد المسافة
وعدم العدول عنه إلى أن تحصل المسافة، فلو قصد المسافة وسافر ثم رجع عن
عزمه أو تردد قبل بلوغ المسافة وجب عليه الاتمام لاختلال الشرط المذكور،
أما لو كان بعد بلوغ المسافة فإنه يستمر على التقصير حينئذ على كل حال بلا خلاف
ولا اشكال، وهذا الخبر من أدلة هذه المسألة، وحيث كانت الأربعة مع إرادة
الرجوع في حكم الثمانية الممتدة كما ذكرناه فرق عليه السلام بين ما إذا حصل التردد بعد بلوغ
أربعة فراسخ وبين ما إذا حصل قبل ذلك، فأوجب عليه البقاء على التقصير في
الأول لأن المسافة قد حصلت، ثم بين عليه السلام ذلك في التعليل بأنه بعد بلوغ الأربعة
وإن ترددوا إلا أن قصد المسافة وهو البريدان حاصل إما بالمضي على قصدهم الأول
إن جاءت الرفقة أو بالرجوع إلى البلد الذي هو بريد آخر فتصير المسافة بريدين
ملفقة من الذهاب والاياب، بخلاف ما إذا كانوا على أقل من أربعة فإنه على تقدير
الرجوع لم تحصل مسافة التقصير وهي البريدان التي هي أقل ما يقصر فيه، والخبر

(1) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
327

كما ترى ظاهر الدلالة في المطلوب والمراد عار عن وصمة النقض والايراد، وهو
ظاهر في رد القول المشهور أتم الظهور حيث إن الرجوع المعتبر انضمامه إلى الذهاب
غير حاصل في اليوم كما ادعوه، وظاهر أيضا في رد قول من ادعى التخيير في مجرد
قصد الأربعة، حيث إنه عليه السلام جعل التقصير في البريدين لا أقل من ذلك وإن
القصر متحتم على هؤلاء ولازم بعد قطع الأربعة من حيث حصول مسافة الثمانية
بانضمام الرجوع لو لم يسافروا فأي مجال للتخيير في المقام.
ومنها - صحيحة أبي ولاد الآتية إن شاء الله تعالى قريبا في الشرط الثالث (1)
وبالجملة فالمسألة بما شرحناه وأوضحناه واضحة الظهور كالنور على الطور لا يعتريها
فتور ولا قصور. ومنه يظهر أن خلاف من خالف في هذه المسألة إنما نشأ من
عدم اعطاء التأمل حقه في الأخبار والتتبع لها وامعان النظر فيها بعين الاعتبار كما
لا يخفى على من لاحظ أحوالهم (رضوان الله عليهم) في كثير من المواضع، ومنشأ
جميع ذلك الاستعجال في التصنيف والاقتصار على ما حضر بين أيديهم من نقل
من تقدم لمن تأخر في الكتب الاستدلالية. والله العالم.
الثاني - من الشروط المتقدمة قصد المسافة، ويتفرع على ذلك سقوط القصر
عنه مهما لم يقصد المسافة ولو تمادى به السير إلى أن يحصل له مسافات عديدة فضلا
عن مسافة واحدة، وهو من ما لا خلاف فيه بينهم (رضوان الله عليه) كما نقله
غير واحد: منهم - السيد السند في المدارك.
وتدل عليه رواية صفوان المتقدمة قريبا. إلا أنه قد وقع لصاحب المدارك
في هذا المقام ما أن ينسب فيه إلى سهو القلم أولى من أن ينسب إلى زلة القدم، حيث
قال في الاستدلال على هذا الشرط بعد الاستدلال بوجه اعتباري: وما رواه
الشيخ عن صفوان (2) قال: " سألت الرضا عليه السلام عن رجل خرج من بغداد يريد

(1) ص 333
(2) ص 326
328

أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان؟ فقال لا يقصر
ولا يفطر لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ إنما خرج يريد
أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه " هذه
صورة الرواية التي نقلها.
وأنت خبير بأن الرواية كما قدمناها سابقا ظاهرة الدلالة في ابطال ما ذهب
إليه من التخيير بقصد الأربعة أتم الظهور، وهو هنا قد أسقط منها موضع الدلالة
على ذلك فاسقط قوله بعد ذكر النهروان " وهي أربعة فراسخ من بغداد أيفطر إذا
أراد الرجوع ويقصر؟ " وهو عجيب من مثله (قدس سره) إلا أن يكون قدسها في
نقل الرواية أو نقلها من نسخة غير معتمدة، وإلا فاسقاط هذه العبارة من البين
مع ذكره ما قبلها وما بعدها من ما يوجب سوء ظن به (قدس سره) والرواية
بتمامها قد تقدمت.
وكيف كان فوجه ما قلناه إن كلامه المتقدم الذي قدمنا نقله عنه في جملة أقوال
المسألة ظاهر في حمله أخبار الثمانية على الوجوب وأخبار الأربعة على الجواز الذي
هو عبارة عن التخيير بين القصر والاتمام رجع أم لم يرجع، وهذا الخبر كما قدمنا
لك نقله بتمامه صريح في كون المسافة المفروضة هنا أربعة فراسخ، وقد صرح عليه السلام
بأنه لو خرج من منزله يريد النهروان التي هي أربعة فراسخ ذاهبا وجائيا يعني تعلق
القصد بالذهاب والاياب لوجب عليه التقصير، حيث إنه قصد المسافة وهي ثمانية
فراسخ وإن كانت ملفقة، ولا ريب أن الشرط المذكور شرط في وجوب التقصير
وتحتمه، فإذا كان الدليل على هذا الشرط إنما هو هذه الرواية التي موردها قصد الأربعة
خاصة فقد ثبت وجوب التقصير حتما بقصد الأربعة مع إرادة الرجوع وبطل
ما اختاره من الجواز، وكان الأليق بمذهبه أن يستدل برواية تدل على هذا الشرط
في مسافة الثمانية الممتدة في الذهاب لينجو من هذا الاشكال وينقطع عنه لسان المقال
وأنى له به وليس في الأخبار إلا ما هو من قبيل هذه الرواية.
329

ثم إنه لا يخفى أن ما أوردناه على صاحب المدارك هنا لازم لكل من قال
بالجواز في قصد الأربعة من الصدوق والشيخ وغيرهما كما لا يخفى، وحينئذ فالمراد
بالمسافة المشروطة بهذا الشرط هي مسافة الثمانية التي هي أعم من الممتدة ذهابا والملفقة
من الذهاب والاياب. هذا على ما اخترناه وأما على المشهور ففي مسافة الأربعة يجب
التقييد بالرجوع ليومه، وحينئذ فلو تمادى به السير إلى أن حصل حد المسافة فإنه
لا خلاف في وجوب التقصير عليه في الرجوع لحصول القصد إلى المسافة بنية
الرجوع إلى محله.
وهل يضم إلى الرجوع ما بقي من الذهاب من ما هو أقل من المسافة لو كان
أم لا؟ احتمالات ثلاثة: (أحدها) - عدم الضم فلا يقصر حينئذ إلا عند
الشروع في الرجوع دون هذه البقية وإن تمادى به السير في الذهاب لعدم ضم
الذهاب إلى الإياب كما هو المشهور. و (ثانيها) - ضمه إليه بشرط أن يبلغ الإياب
وحده حد المسافة، كما إذا ذهب ثمانية فراسخ بغير قصد ثم عزم على ذهاب فرسخين
آخرين مثلا والرجوع إلى وطنه. و (ثالثها) - الضم أيضا مهما بلغ مجموع الذهاب
المقصود والاياب مسافة وإن لم يبلغ الإياب وحده مسافة، كما إذا ذهب مثلا ستة
فراسخ بغير قصد ثم قصد فرسخا والرجوع إلى أهله.
والمعروف ممن ذكر هذه المسألة هو الأول ومستندهم ما أشرنا إليه أولا من
ضم الذهاب إلى الإياب، ولكن لم نعثر لهم على دليل عليه من النصوص، وادعى
بعضهم الاجماع عليه ولم أعرف لهم حجة سواه. واستثنوا من ذلك قصد الأربعة
مع إرادة الرجوع ليومه حيث إنه هو المشهور بينهم، ولكن الروايات دالة على
الضم وإن لم يرجع ليومه ولا سيما أخبار عرفات.
قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين: وكأنه مأخوذ من
كتب العامة غفلة عن تحقيق الحال، فإن جلهم يشترطون في مطلق القصر كون
330

الذهاب وحده مسافة مقصودة وأن الإياب لا يحتسب من الذهاب (1). ثم إنه رجح
(قدس سره) الاحتمال الثاني بل الثالث.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار من ما يناسب هذا المقام ما تقدم في
الشرط الأول من أخبار القسم الثاني والقسم الثالث من أقسام أخبار الأربعة،
فإنها صريحة في ضم الذهاب إلى الإياب.
وخصوص ما رواه عمار في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سألته
عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها
ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستة لا يجوز ذلك ثم ينزل في ذلك
المنزل؟ قال لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ
فليتم الصلاة ".
قال في الوافي: حمله في التهذيبين على من خرج من بيته من غير نية السفر
فتمادى به السير إلى أن صار مسافرا من غير نية، وإنما الاعتبار في التقصير
بقصد المسافة لا بقطعها، واستدل عليه بالخبر الآتي وأصاب، وإنما لا يكون
مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ لأنه في ذهابه أولا ليس بمسافر
لخلوه عن قصد المسافة المعتبرة وإنما يصير مسافرا بنية الإياب إذا بلغ إيابه المسافة
المعتبرة فإذا بلغها صار في ذهابه أيضا مسافرا لانضمام ما يقطعه حينئذ إلى مسافة
الإياب المنوي المعتبرة. وأما قوله عليه السلام " فليتم الصلاة " يعني في مسيره الأول
والثاني حتى يبلغ ثمانية فراسخ فإذا بلغها قصر، والذي يبين ما قلناه ويوضحه خبر
الفطحية الآتي. انتهى.
وظاهر هذا الكلام يرجع إلى اختيار الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاثة
المتقدمة، حيث إنه اعتبر بلوغ المسافة ثم ضم ما زاد من الذهاب إلى الإياب

(1) لم نقف على من صرح بذلك والظاهر من عبائرهم أن الإياب لا يحتسب
(2) الوسائل الباب 4 من صلاة المسافر
331

فأوجب القصر في ما بقي من الذهاب. وأشار بالخبر الآتي الذي استدل به الشيخ
إلى خبر صفوان المتقدم (1).
وأشار بخبر الفطحية الآتي إلى ما رواه عمار في الموثق (2) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج في حاجته وهو لا يريد السفر فيمضي في ذلك
يتمادى به المضي حتى يمضي به ثمانية فراسخ كيف يصنع في صلاته؟ قال يقصر
ولا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله ".
قال في الوافي ذيل هذا الخبر أيضا: وذلك لأنه صار حينئذ مسافرا ناويا لقطع
المسافة المعتبرة في التقصير وإن لم يكن قصد من الأول ذلك. كذا في التهذيب. انتهى.
والظاهر أن وجه الاستدلال بهذا الخبر على ما ذكره هو حكمه عليه السلام بالتقصير
بعد حصول ثمانية فراسخ أعم من أن يكون ضم إليها شيئا من الذهاب أو رجع
بعد تمام الثمانية، وظاهره في التهذيب ذلك أيضا لاطلاق كلامه كاطلاق الرواية.
والوجه فيه ما ذكره سابقا من حصول القصد إلى الإياب الذي قد صار مسافة فيضم
إليها ما بقي من الذهاب، وعلى هذا فيدل الخبر المذكور على ضم الذهاب إلى الإياب
خلافا لما هو المشهور بينهم من عدم ضم أحدهما إلى الآخر إلا في الصورة المتقدمة.
وأما خبر عمار الأول فما ذكره فيه من التأويل الراجع إلى ما دل عليه هذا
الخبر لا يخلو من إشكال، لأن ما ذكره مبني على أن المعنى في جوابه عليه السلام أن هذا
الذي قطع المسافة على هذا الوجه لا يكون مسافرا حتى يمضي له من خروجه من
منزله أو قريته ثمانية فراسخ، فإذا مضت له ثمانية فراسخ كان مسافرا لحصول
المسافة المقصودة من الإياب ويضم إليها ما بقي من الذهاب إن كان، وعلى هذا
قوله عليه السلام " فليتم الصلاة " يعني قبل بلوغ الثمانية. ومن المحتمل أن مراده عليه السلام
بهذه العبارة أعني قوله " لا يكون مسافرا حتى يسير.. إلى آخره " إنما هو أن ما أتى
به من السفر من قرية إلى قرية على الوجه المذكور ليس بسفر شرعي يوجب التقصير

(1) ص 326
(2) الوسائل الباب 4 من صلاة المسافر
332

وإنما يكون مسافرا حتى يقصد من منزله أو قريته ثمانية فراسخ، وحيث إنه لم يقصد
حال خروجه من منزله ذلك فهو ليس بمسافر فليتم الصلاة في هذا السفر الذي على
هذه الكيفية بلغ ثمانية فراسخ أو أزيد. إلا أنه بالنظر إلى ما دل عليه الخبر الثاني
من حكمه عليه السلام بالتقصير بعد الثمانية التي هي أعم من حصول الذهاب بعدها وعدمه
يرجح ما ذكره (قدس سره) فيحمل اطلاق ذلك الخبر على هذا. والله العالم.
الثالث من الشروط المتقدمة استمرار القصد المذكور يعني أن يكون قصد
المسافة مستمرا إلى انتهائها وتمامها، فلو عدل قبل بلوغ ذلك أو تردد في السفر
كمنتظر الرفقة ونحوه وجب عليه الاتمام وإن سار مسافة أو أزيد بهذه الكيفية إلا
إذا قصد العود في ما يصير به مجموع الذهاب والاياب مسافة فإنه يقصر.
ويدل على ذلك ما تقدم قريبا من رواية إسحاق بن عمار بالتقريب المذكور
ذيلها، وموردها المتردد.
ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي ولاد (1) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة وهو
من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء فسرت يومي ذلك أقصر الصلاة ثم
بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة فلم أدر أصلي في رجوعي بتقصير أم بتمام فكيف
كان ينبغي أن أصنع؟ فقال إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا فكان
عليك حين رجعت أن تصلي بالتقصير لأنك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك.
قال: وإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا فإن عليك أن تقضي كل
صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تريم من مكانك ذلك،
لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت فوجب عليك قضاء
ما قصرت، وعليك إذا رجعت أن تتم الصلاة حتى تصير إلى منزلك " ومورد هذه
الرواية الرجوع عن النية السابقة.

(1) الوسائل الباب 5 من صلاة المسافر.
333

والعجب من جملة من الأصحاب ومنهم صاحب المدارك حيث إنهم ذكروا
هذا الشرط ولم يوردوا عليه دليلا حتى قال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل
ذلك عن الأصحاب: وحجتهم عندي غير واضحة. مع أن صحيحة أبي ولاد المذكورة
ورواية إسحاق بن عمار المتقدمة أظهر ظاهر في الدلالة على ذلك.
وفيهما دلالة واضحة على بطلان قول من قال بالجواز في قصد الأربعة
كصاحب المدارك ومن سبقه بالتقريب الذي ذكرناه في معنى رواية صفوان في ذكر
الشرط الثاني.
ونزيده بيانا بالنسبة إلى هذا الشرط أيضا فنقول إنك قد عرفت من كلامه
سابقا أن التقصير الواجب المشروط بهذه الشروط الستة التي ذكرها الأصحاب ومنها
هذا الشرط أعني استمرار القصد إنما هو في قصد الثمانية الفراسخ دون الأربعة
لجواز الاتمام عندهم فيها، وحينئذ فمقتضى كلامه أنه لو قصد الثمانية ثم رجع عن
قصده أو تردد قبل بلوغها وإن كان ما أتى به أربعة فراسخ فما زاد ما لم تبلغ الثمانية
فإن الواجب عليه الاتمام، مع أن الخبرين المذكورين اللذين هما مستند هذا الشرط
ظاهران بل صريحان في أنه متى حصل العدول عن المسافة التي توجه إليها القصد
الأول بعد حصول الأربعة إلى الرجوع إلى بلده فالواجب عليه التقصير إلى أن يصير
إلى بلده، ومبناهما على أن المسافة تحصل بالثمانية الملفقة، فهما صريحان في رد هذا
القول لاتفاقهم على كون استمرار القصد شرطا في الوجوب مع أن هذه أدلة
استمرار الشرط. إلا أن العذر لهم واضح من حيث عدم التدبر في الروايات
والاطلاع عليها، ولكنه عذر غير مسموع ولا يسمن ولا يغني من جوع.
فروع
الأول - لو صلى بعد سفره قبل الرجوع عن نيته أو التردد فيها قصرا فهل
تجب عليه الإعادة متى رجع أو تردد أم لا؟ المشهور الثاني لأنه صلى صلاة مأمورا بها
شرعا وقضية امتثال الأمر الاجزاء.
334

ويدل عليه زيادة على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (1)
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج في سفر يريده فدخل عليه الوقت وقد
خرج من القرية على فرسخين فصلوا وانصرفوا فانصرف بعضهم في حاجة له فلم يقض له
الخروج ما يصنع في الصلاة التي كان صلاها ركعتين؟ قال تمت صلاته ولا يعيد "
قال في الوافي في ذيل هذا الخبر: يشبه أن يكون قد سقط لفظ " مع القوم " بعد
" يخرج " كما هو في الفقيه (2).
وذهب الشيخ في الإستبصار (3) إلى أنه يعيد مع بقاء الوقت، واستدل عليه
بما رواه عن سليمان بن حفص المروزي (4) قال: " قال الفقيه عليه السلام التقصير في
الصلاة بريدان أو بريد ذاهبا وبريد جائيا.. إلى أن قال: وإن كان قصر ثم رجع
عن نيته أعاد الصلاة " وحمل صحيحة زرارة على ما إذا لم يرجع عن نيته بل يكون
عازما عليها ليوافق خبره الذي استدل به. كذا نقله عنه في الوافي ثم رده بالبعد،
والمنقول عنه إنما هو حمل الخبر المذكور على خروج الوقت جمعا بينه وبين رواية
المروزي بحملها على بقاء الوقت. وهذا هو المناسب لمذهبه في المسألة فإنه جعل
ذلك وجه جمع بين خبريها المذكورين.
قال في المدارك بعد نقل رواية المروزي: وهي ضعيفة بجهالة الراوي ولو
صحت لوجب حملها على الاستحباب.
أقول: ويعضد هذه الرواية صحيحة أبي ولاد المتقدمة، والعجب منه
(قدس سره) حيث لم يقف عليها في المقام مع تضمنها لجملة من هذه الأحكام.
وقد نقلها بعض من تأخر عنه من مشايخنا المحققين وحملها على الاستحباب
أيضا، ولا يخفى ما فيه لما اشتملت عليه الرواية من الصراحة في الحكم المذكور

(1) الوسائل الباب 23 من صلاة المسافر
(2) ج 1 ص 281
(3) ج 1 ص 228
(4) الوسائل الباب 2 من صلاة المسافر
335

كقوله عليه السلام " فإن عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام
من قبل أن تريم - أي تبرح - من مكانك " فإن التأكيد في القضاء فورا بتقديمه على
اليومية - كما ينادي به ظاهر الخبر، وهو الذي اخترناه في مسألة القضاء كما تقدم
من وجوب الفورية به، مفرعا عليه الوجوب بقوله " وجب عليك " - لا يلائم
الاستحباب وظاهرها أن صحة الصلاة قصرا قبل بلوغ المسافة وقبل الرجوع عن
القصد كأنها مراعاة بعدم الرجوع إلى أن يبلغ المسافة.
وربما حملت على أن المقضى هو ما صلاه قصرا في حال الرجوع فقط بقرينة
أن السؤال فيها عن حال الرجوع كما أشار إليه الوالد (عطر الله مرقده) في
بعض حواشيه.
وفيه أن الظاهر من الخبر أن ذلك حكم كلي بالنسبة إلى الرجوع عن القصد
قبل بلوغ البريد وبعده ولا اختصاص له بالسؤال. ويؤيده ما ذكره في المنتقى
من أن قوله عليه السلام " من قبل أن تريم " إن معناه من قبل أن تثني عن السفر من
المكان الذي بدأ فيه الرجوع.
وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها لازم على كل
حال وإن كان ما دلت عليه صحيحة زرارة هو الأوفق بمقتضى القواعد الشرعية، إلا أن هذه الرواية مع ما هي عليه من الصحة والصراحة منافية لذلك، ولا يحضرني
الآن لها محمل تحمل عليه، وبعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين احتمل
حمل هذه الرواية ورواية المروزي على التقية (1) والله العالم.
الثاني - قد عرفت أنه متى تردد عزمه قبل بلوغ المسافة فإنه يجب عليه التمام
لاختلال شرط التقصير وهو استمرار القصد إلى بلوغ المسافة، أما لو كان ذلك

(1) في المغني ج 2 ص 258: إذا خرج يقصد سفرا بعيدا يوجب قصر الصلاة ثم
بدا له فرجع كان ما صلاه ماضيا صحيحا ولا يقصر في رجوعه إلا أن تكون مسافة الرجوع
مبيحة بنفسها.
336

بعد بلوغ المسافة لم يؤثر في الترخص بل الواجب هو القصر لحصول الشرط، فلو
تمادى في سفره مترددا والحال هذه ومضى عليه ثلاثون يوما فهل يكون بمثابة من
تردد وهو مقيم في المصر؟ قال في الذكرى: فيه نظر من وجود حقيقة السفر
فلا يضر التردد ومن اختلال القصد. انتهى. وبالأول صرح الشيخ في النهاية كما
سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في عبارته، وهو مشكل لأن مورد النص التردد
في المصر بأن يقول أسافر اليوم أو غدا حتى يمضي له ثلاثون يوما، والحاق التردد
في هذه الصورة بين السفر وعدمه لا يخلو من إشكال كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
الثالث - قال في المنتهى: ولو خرج من بلده إن وجد رفقة سافر وإلا رجع
أتم ما لم يسر ثمانية فراسخ. وقال الشيخ في النهاية إذا خرج قوم إلى السفر وساروا
أربعة فراسخ وقصروا من الصلاة ثم أقاموا ينتظرون رفقة لهم في السفر فعليهم
التقصير إلى أن يتيسر لهم العزم على المقام فيرجعون إلى التمام ما لم يتجاوزا ثلاثين
يوما، وإن كان مسيرهم أقل من أربعة فراسخ وجب عليهم الاتمام إلى أن يسيروا
فإذا ساروا رجعوا إلى التقصير. والتحقيق ما قلناه نحن أولا. انتهى كلامه في المنتهى
وأنت خبير بما فيه من النظر الظاهر لكل ناظر فإن مقتضى كلامه (قدس
سره) أولا إنما هو من خرج من بلده معلقا سفره على وجود الرفقة، وهذا غير
قاصد للسفر جزما وحكمه هو الاتمام وإن قطع مسافات عديدة بهذه الكيفية،
لاختلال شرط وجوب التقصير وهو القصد إلى المسافة. وقوله إنه يتم ما لم يسر
ثمانية فراسخ لا أعرف له وجها. ومقتضى كلام الشيخ في النهاية إنما هو من سافر
قاصدا للمسافة جازما بالسفر ثم عرض له بعد ذلك انتظار الرفقة، وهذا متفرع
على شرط استمرار القصد كما تقدم. وما ذكره الشيخ من التقصير هنا جيد كما
تقدم في رواية إسحاق بن عمار من قوله عليه السلام " إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ
فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا، وإن كانوا ساروا أقل من أربعة
فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا فإذا مضوا فليقصروا " ثم ذكر عليه السلام العلة في ذلك على
337

رواية كتاب العلل والمحاسن.
وبالجملة فإن موضوع كلامه غير موضوع كلام الشيخ، ولعل ذلك لغلط في
نسخة الكتاب أو لسوء فهمي في الباب، ولا يبعد أن يكون مراد العلامة - وإن
قصرت عنه العبارة المذكورة لغلط فيها ونحوه - أنه متى حصل له التردد بانتظار الرفقة
قبل بلوغ ثمانية فراسخ بمعنى أنه خرج ناويا للسفر قاصدا للمسافة ولكن عرض له
ما يوجب عدم استمرار القصد من انتظار الرفقة، فإن كان هذا العارض عرض
قبل بلوغ نهاية المسافة التي هي عندهم بناء على المشهور ثمانية فراسخ فإن الواجب
الاتمام لزوال الشرط المذكور قبل بلوغ المسافة، وإن كان بعد حصول الثمانية التي هي
المسافة فالواجب البقاء على التقصير إلا أن ينقطع بأحد القواطع الشرعية. وهو
جيد بناء على ما هو المشهور من تخصيص المسافة بالثمانية، وأما على ما اخترناه
- من أن الأربعة أيضا باعتبار انضمام الإياب إلى الذهاب مسافة شرعية، وهو مورد
الأخبار المتقدمة وعليه بناء كلام الشيخ (قدس سره) هنا إلا أنه مخالف لمذهبه في
أصل المسألة كما تقدم من قوله بالجواز في الأربعة - فهو محل النظر لما عرفت من
أخبار الشرطين المذكورين أعني شرط القصد وشرط استمراره، فإن موردهما إنما
هو أخبار الأربعة الفراسخ كما تقدم، وهو دليل ظاهر في كونها مسافة القصر حقيقة
وأن القصر واجب فيها حتما لوجود شرطي الوجوب. ولكنه (قدس سره) لعدم إمعان
النظر في أخبار المسألة بنى على ما هو المشهور من تخصيص المسافة بالثمانية وعدم
حصولها بالأربعة الراجعة باعتبار الذهاب والاياب إلى الثمانية. والله العالم.
الرابع - لا يخفى أن انتظار الرفقة إنما يكون موجبا للعدول إلى التمام إذا كان
قبل بلوغ المسافة إذا علق سفره على ذلك، وإلا فلو كان عازما على السفر وإن لم
يأتوا فمجرد انتظارهم لا يكون موجبا لعدوله عما هو عليه من وجوب التقصير لأنه
جازم بالسفر وشرط استمرار القصد موجود إلا أن يحصل شئ من القواطع الآتية
ثم إنه لو رجع عن التردد الموجب للتمام إلى العزم على السفر فالواجب
338

التقصير إن كان الباقي مسافة ذهبا وإيابا.
واستقرب الشهيد في البيان ضم ما مضى من المسافة، واستظهره بعض
مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين استنادا إلى قوله عليه السلام في آخر رواية إسحاق
ابن عمار المتقدمة " فإذا مضوا فليقصروا ".
أقول: يمكن المناقشة في دلالة العبارة المذكورة بناء على أن المتبادر كما هو
الغالب المتكرر في الأسفار هو حصول المسافة بعد موضع التردد، والاطلاق في
الأخبار كما عرفت في غير مقام من ما تقدم إنما ينصرف إلى ما هو المتكرر الغالب
المتكثر الوقوع دون الفروض النادرة.
الخامس - قال في المنتهى: لو أخرج مكرها إلى المسافة كالأسير قصر لأنه
مسافر سفرا بعيدا غير محرم فأبيح له التقصير كالمختار والمرأة مع الزوج والعبد
مع السيد إذا عزما على الرجوع مع زوال اليد عنهما، خلافا للشافعي قال لأنه غير
ناو للسفر ولا جازم به فإن نيته أنه متى خلي رجع (1) والجواب النقض بالعبد
والمرأة. انتهى.
وظاهر كلامه (قدس سره) عدم الخلاف في المسألة إلا من العامة مع أنه
قال في النهاية: لو عزم العبد على الرجوع متى أعتقه مولاه والزوجة متى طلقها
أو على الرجوع وإن كان على سبيل التحريم كالإباق والنشوز لم يترخصوا لعدم
القصد. انتهى.
وظاهره كما ترى المنافاة لما اختاره في المنتهى والموافقة لما نقله عن الشافعي في
الأسير لأنه لا فرق بين الأسير ولا غيره من هؤلاء المعدودين.
وقال الشهيد في الذكرى: ولو جوز العبد العتق أو الزوجة الطلاق وعزما على
الرجوع متى حصل فلا يترخص، قاله الفاضل وهو قريب إن حصلت أمارة لذلك وإلا

(1) المغني ج 2 ص 259
339

فالظاهر البناء على بقاء الاستيلاء وعدم رفعه بالاحتمال البعيد. انتهى. وهو
مؤذن بالتفصيل.
وقال في الذخيرة: والعبد والزوجة والخادم والأسير تابعون يقصرون إن
علموا جزم المتبوع، وقد صرح جماعة من الأصحاب بأنهم يقصرون وإن قصدوا
الرجوع عند زوال اليد عنهم.
والمسألة لخلوها عن النص محل اشكال إلا أن يقصدوا المسافة ويريدوا السفر
ولو تبعا. وما ذكره في المنتهى - في تعليل وجوب التقصير على الأسير لو أخرج
مكرها من أنه مسافرا سفرا بعيدا غير محرم - لا يخفى ما فيه، فإن من الشروط كما
عرفت قصد المسافة وهذا غير قاصد كما اعترف به في النهاية. وما ذكره في الذكرى
لا يخلو من قرب، والاحتياط في المسألة عندي لازم لاشتباه الحكم وعدم وجود
النص الرافع للاشكال. والله العالم.
الرابع من الشروط المتقدمة أن لا ينقطع سفره بأحد القواطع الثلاثة التي
هي إقامة عشرة أيام والمرور بوطنه أو ملك له استوطنه ستة أشهر ومضى ثلاثين
يوما مترددا، والأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يذكروا في هذا الشرط إلا نية
الإقامة والوطن أو الملك وأما مضي ثلاثين يوما مترددا فإنما ذكروه في الأحكام،
وهو إن وصل بلدا ونوى إقامة العشرة وجب عليه التمام ولو لم ينو العشرة بحيث إنه يقول اليوم أخرج أو غدا فإنه يجب عليه التقصير إلى أن تمضي ثلاثون يوما،
وهذا مدلول الأخبار كما سيأتي إن شاء الله تعالى عند ذكر المسألة. وبه يظهر لك
صحة ما ذكرنا آنفا من الاشكال في ما ذكره الأصحاب من أنه لو تردد في طريقه في
السفر إلى مضي ثلاثين يوما وجب عليه اتمام، مع أن مورد النصوص وظاهر
كلامهم في هذا المقام أن ذلك ليس من القواطع مطلقا وإلا لعدوه في هذا الشرط
مع أنهم لم يذكروه كما لا يخفى على من راجع كلامهم وإنما ذكروه في تلك المسألة
المخصوصة، هذا مع دلالة النصوص أيضا على التخصيص بالإقامة في البلد كما
340

سيظهر لك إن شاء الله تعالى، إلا أنه لما كان من جملة القواطع في الجملة ولو بخصوص
ما ذكرناه حسن عده في هذا المكان كما ذكره أيضا في المفاتيح.
وكيف كان فالكلام هنا يقع في مقامات ثلاثة: الأول - في نية الإقامة
عشرا وانقطاع السفر بها، إلا أن انقطاع السفر بها يكون على وجهين
(أحدهما) - أن يقصد المسافة ويسافر ثم تعرض له نية نية الإقامة عشرة فإنه يجب
عليه التمام، وعلى هذا يكون الشرط المذكور شرطا في استمرار القصد بمعنى أنه
يشرط في استمرار قصد المسافة أن لا يقطعه بنية إقامة عشرة. وهذا هو مدلول
الأخبار الآتية. و (ثانيهما) - أن ينوي مسافة لا يعزم على إقامة عشرة في أثنائها
فلو نوى مسافة ثمانية فراسخ مثلا لكن في عزمه إقامة عشرة في أثنائها فإن هذا
لا يجوز له التقصير بل فرضه التمام من وقت خروجه لأنه بنية إقامة العشرة في
الأثناء لم يحصل له قصد المسافة، وعلى هذا فالشرط المذكور شرط في وجوب
التقصير، والحجة في وجوب الاتمام هنا عدم تحقق قصد المسافة كما عرفت، وأما
في الأول فالأخبار. وقد صرح غير واحد من الأصحاب بأنه لا فرق في نية
المقام الموجبة لقطع السفر بين كون ذلك في بلد أو قرية أو بادية ولا بين العازم
على استمرار السفر بعد المقام وغيره.
ومن أخبار المسألة المشار إليها ما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة في
الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: " قلت له أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي
له أن يكون مقصرا ومتى ينبغي له أن يتم؟ قال إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها
مقاما عشرة أيام فأتم الصلاة، فإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج أو بعد
غد فقصر ما بينك وبين أن يمضي شهر فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن
تخرج من ساعتك ".
وعن أبي أيوب الخزاز في الصحيح أو الحسن (2) قال: " سأل محمد بن مسلم

(1) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر
341

أبا عبد الله عليه السلام وأنا أسمع عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام؟ قال فليتم
الصلاة، وإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم وإن كان أقام
يوما أو صلاة واحدة. فقال له محمد بلغني أنك قلت خمسا؟ قال قد قلت ذاك. قال
الخزاز فقلت إنا: جعلت فداك يكون أقل من خمس؟ قال لا ".
وعن منصور بن حازم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سمعته
يقول إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة، فإن تركه رجل جاهلا
فليس عليه إعادة ".
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) أنه قال: " إذا دخلت بلدا وأنت تريد المقام عشرة أيام فأتم الصلاة
حين تقدم وإن أردت المقام دون العشرة فقصر، وإن أقمت تقول غدا أخرج
وبعد غد ولم تجمع على عشرة فقصر ما بينك وبين شهر فإذا تم الشهر فأتم
الصلاة. قال قلت إن دخلت بلدا أول يوم من شهر رمضان ولست أريد أن لقيم
عشرا؟ قال: قصر وافطر. قلت: فإن مكثت كذلك أقول غدا أو بعد غد
فأفطر الشهر كله واقصر؟ قال نعم هذا واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت "
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) قال: " سألته عن المسافر
يقدم الأرض فقال إن حدثته نفسه أن يقيم عشرا فليتم وإن قال اليوم أخرج أو غدا
أخرج ولا يدري فليقصر بينه وبين شهر فإن مضى شهر فليتم، ولا يتم في أقل من
عشرة إلا بمكة والمدينة، وإن أقام بمكة والمدينة خمسا فليتم ".
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن أبي ولاد الحناط (4) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام فأتم
الصلاة ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم أقصر؟ فقال إن كنت دخلت

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة المسافر، والرواية للشيخ فقط
(2) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر.
(3) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر.
(4) الوسائل الباب 18 من صلاة المسافر.
342

المدينة وصليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها،
وإن كنت حين دخلتها على نيتك المقام ولم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك
أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا وأتم وإن لم تنو
المقام عشرا فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (1)
قال: " سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيام في المكان عليه
صوم؟ قال لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام وإذا أجمع على مقام عشرة أيام صام
وأتم الصلاة. قال: وسألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان وهو مسافر
يقضي إذا أقام الأيام في المكان؟ قال لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام ".
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (2)
قال: " سألته عن الرجل يخرج في السفر ثم يبدو له في الإقامة وهو في الصلاة قال
يتم إذا بدت له الإقامة ".
وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن سهل عن أبيه (3) قال: " سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يخرج في سفر ثم تبدو له الإقامة وهو في صلاته أيتم أم
يقصر؟ قال يتم إذا بدت له الإقامة ".
إذا عرفت ذلك فالكلام يقع هنا في مواضع: الأول - المشهور في كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراط التوالي في هذه العشرة بمعنى أنه لا يخرج
من ذلك المحل إلى محل الترخص، وأما الخروج إلى ما دون ذلك فالظاهر أنه
لا خلاف ولا إشكال في جوازه، فإن المستفاد من الأخبار وكلام علمائنا الأبرار
على وجه لا يدخله الشك والانكار إلا ممن لم يعض على المسألة بضرس قاطع ولم
يعط التأمل حقه في هذه المواضع أن الحدود الشرعية لكل بلد عبارة عن منتهى

(1) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر.
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 20 من صلاة المسافر
343

سماع أذانها ورؤية من وراء جدرانها وهو الذي يحصل به الترخص من جميع
أطرافها. وما اشتهر في هذه الأوقات المتأخرة والأزمنة المتغيرة - من أن من أقام
في بلد أو قرية مثلا فلا يجوز له الخروج من سورها المحيط بها أو عن حدود بنيانها
ودورها - فهو ناشئ عن الغفلة وعدم اعطاء النظر حقه من التأمل في الأخبار وكلام
الأصحاب كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى من ما نذكره في الباب.
ثم إن الأصحاب (رضوان الله عليهم) استدلوا على اشتراط التوالي في العشرة
بأن ذلك هو المتبادر من الأخبار:
قال السيد السند (طيب الله مرقده) في المدارك: وهل يشترط في العشرة
التوالي بحيث لا يخرج بينها إلى محل الترخص أم لا؟ الأظهر اشتراطه لأنه المتبادر
من النص وبه قطع الشهيد في البيان وجدي (قدس سره) في جملة من كتبه، وقال
في بعض فوائده بعد أن صرح باعتبار ذلك: وما يوجد في بعض القيود - من أن
الخروج إلى خارج الحدود مع العود إلى موضع الإقامة ليومه أو لليلته لا يؤثر في
نية الإقامة وإن لم ينو إقامة عشرة أيام مستأنفة - لا حقيقة له ولم نقف عليه مسندا إلى
أحد من المعتبرين الذين تعتبر فتواهم، فيجب الحكم باطراحه حتى لو كان ذلك في
نيته من أول الإقامة بحيث صاحبت هذه النية نية إقامة العشرة يعتد بنية الإقامة
وكان باقيا علي القصر لعدم الجزم بإقامة العشرة المتوالية فإن الخروج إلى ما يوجب
الخفاء يقطعها ونيته في ابتدائها يبطلها. انتهى كلامه (قدس سره) وهو جيد. لكن
ينبغي الرجوع في صدق الإقامة إلى العرف فلا يقدح فيها الخروج إلى بعض البساتين
أو المزارع المتصلة بالبلد مع صدق الإقامة فيها عرفا. انتهى كلام السيد المشار إليه
أقول: ما نقله عنه من هذا الكلام الذي نسبه إلى فوائده قد صرح به في
رسالته التي في هذه المسألة المسماة بنتائج الأفكار، وهو ظاهر في بطلان ما توهمه
من قدمنا النقل عنه من القول ببطلان الإقامة الخروج إلى خارج سور البلد ونحوه.
وقال المحقق الأردبيلي (نور الله مرقده) في شرح الإرشاد: وهل يشترط
344

في نية الإقامة في بلد أن يكون بحيث لا يخرج إلى محل الترخص أو يكفي عدم السفر إلى
مسافة أو يحال إلى العرف بحيث يقال إنه مقيم في هذا البلد فلا يضره السير في
البساتين والأسواق البعيدة عن منزله وغير ذلك؟ قد صرح الشهيد في البيان بالأول..
إلى أن قال: الظاهر من الأخبار هو الاطلاق من غير قيد، ولو كان مثل ذلك شرطا
لكان الأولى بيانه في الأخبار وإلا يلزم التأخير والاغراء بالجهل، فيمكن تنزيله
على العرف بمعنى أنه جعل نفسه في هذه العشرة من المقيمين في البلد بمعنى أن هذا موضعه
ومكانه ومحله مثل أهله فلا يضره السير في الجملة إلى البساتين والتردد في البلد وحواليه
ما لم يصل إلى موضع بعيد بحيث يقال إنه ليس من المقيمين في البلد، وكذا لو
تردد كثيرا أو دائما في المواضع البعيدة في الجملة، ولا يبعد عدم ضرر الخروج إلى
محل الترخص أحيانا لغرض من الأغراض مع كون المسكن والمنزل في موضع معين
لصدق إقامة العشرة عرفا المذكورة في الروايات. انتهى. وهو جيد.
وظاهر كلامه كما ترى ينجر إلى جواز الخروج إلى موضع الترخص أحيانا
لعدم منافاته لصدق الإقامة عرفا، وإليه يرجع ما قدمنا نقله عن السيد السند من
قوله بعد نقل كلام جده " لكن ينبغي الرجوع.. إلى آخره ".
وقال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) بعد نقل كلام شيخنا الشهيد الثاني
المتقدم: والظاهر أن عدم التوالي في أكثر الأحيان يقدح في صدق المعنى المذكور
عرفا ولا يقدح فيه أحيانا، كما إذا خرج يوما أو بعض يوم إلى بعض البساتين
والمزارع المتقاربة وإن كان في حد الخفاء ولا بأس به. والمسألة مشكلة وهي من
مواضع الاحتياط. انتهى.
وأما القول الذي أشار إليه المحقق المذكور - بقوله " أو يكفي عدم السفر إلى
مسافة " وهو الذي أشار إليه شيخنا الشهيد الثاني في ما قدمنا من نقل سبطه عنه
بقوله " وما يوجد في بعض القيود من أن الخروج إلى خارج الحدود مع العود..
إلى آخره " - فهو منقول عن فخر المحققين ابن شيخنا العلامة، قال في رسالته
345

نتائج الأفكار: وفي بعض الحواشي المنسوبة إلى الإمام فخر الدين بن المطهر (قدس
سره) عدم قطع نية الخروج إلى القرى المتقاربة والمزارع الخارجة عن الحدود لنية
الإقامة بل يبقى على التمام سواء قارنت النية الأولى أم تأخرت وسواء نوى بعد الخروج
إقامة عشرة مستأنفة أم لا. انتهى.
أقول: وبذلك ظهر أن في المسألة أقوالا ثلاثة (أحدها) - وهو الذي صرح
به الشهيدان والظاهر أنه المشهور - جواز التردد في حدود البلد وأطرافها ما لم يصل
إلى محل الترخص.
و (ثانيها) - الرجوع في ذلك إلى العرف كما سمعت من كلام المولى الأردبيلي
وتلميذه السيد السند وشيخنا المجلسي (قدس الله أسرارهم) والظاهر أنه الأقرب.
و (ثالثها) - القول بالبقاء على التمام ما لم يقصد المسافة وإن تردد حيث شاء
وأراد كما هو المنقول عن فخر المحققين.
وربما كان مستنده صحيحة أبي ولاد المتقدمة الدالة على أنه متى نوى الإقامة
فصلى فريضة بالتمام وجب عليه التمام إلى أن يقصد المسافة.
إلا أن فيه أن الأمر وإن كان كذلك لكن الكلام في بقاء الإقامة، فإن مقتضى
الخبر المذكور ترتب استصحاب التمام إلى أن يقصد المسافة على الإقامة مع صلاة
فريضة فلا بد من ثبوت الإقامة وبقائها ليجب استصحاب التمام، والخصم يدعي
أن الإقامة في صورة التردد على ما زاد على محل الترخص قد زالت، فإن مقتضى
الأخبار الدالة على ترتب التمام على نية الإقامة في البلد هو أنه لا يخرج من حدودها
لما أشرنا إليه في أول الكلام من أن حدود البلد مواضع الترخص من جميع نواحيها
فمعنى الإقامة بها يعني عدم الخروج من حدودها، فوجوب التمام عليه مترتب على عدم
خروجه فمتى خرج زالت الإقامة وزال ما يترتب عليها من وجوب الاتمام. وهذا
بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.
بقي الكلام في تحديد الخروج الموجب لزوال الإقامة هل هو كما ذكره الشهيدان
346

ومن تبعهما أو ما ذكره المحقق الأردبيلي ومن تبعه؟ وهذا بحث آخر خارج عن
ما نحن فيه مع أنا قد أشرنا إلى أن الأقرب هو ما ذكره المحقق الأردبيلي (قدس
سره) ومن اقتفاه. والله العالم.
الثاني - لا خلاف ولا إشكال في أن بعض اليوم لا يحسب بيوم كامل ولو
كان النقصان يسيرا، إنما الاشكال والخلاف في أنه هل يضم بعض يوم الدخول
إلى ما يتمه من آخر العدد فيحصل التلفيق في اليوم العاشر كأن ينوي الإقامة وقت
الزوال فيشترط إلى ما ينتهي إلى زوال اليوم الحادي عشر أم لا بد من عشرة كاملة
غير يومي الدخول والخروج في الصورة المفروضة؟ وجهان بل قولان صرح
بأولهما الشهيد في الذكرى، قال: الأقرب إنه لا يشترط عشرة أيام غير يوم الدخول
والخروج لصدق العدد حينئذ. وبذلك صرح الثاني في الروض واستظهره
شيخنا المجلسي في البحار. وبالثاني صرح السيد السند في المدارك، قال: وفي
الاجتزاء باليوم الملفق من يومي الدخول والخروج وجهان أظهر هما العدم لأن نصفي
اليومين لا يسمى يوما فلا يتحقق إقامة العشرة التامة بذلك، وقد اعترف الأصحاب
بعدم الاكتفاء بالتلفيق في أيام الاعتكاف وأيام العدة والحكم في الجميع واحد. انتهى.
واستشكل العلامة في النهاية والتذكرة احتسابها من العدد من حيث إنهما من نهاية
السفر وبدايته لاشتغاله في الأول بأسباب الإقامة وفي الأخير بالسفر ومن صدق
الإقامة في اليومين. ثم احتمل التلفيق.
أقول: والمسألة لعدم النص القاطع لمادة القيل والقال وتطرق الاحتمال
لا تخلو من الاشكال.
وقال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين: ثم هل يعد من العشرة
يوما الدخول والخروج؟ وهل يعتبر تلفيق بعض يوم ببعض من يوم آخر أم لا؟
والذي يظهر من إطلاق الأخبار - وعدم ورود تحديد في هذا الأمر مع عموم بلواه
وكثرة وروده في الروايات - أن المرجع في ذلك إلى العرف كما أنه كذلك في سائر
347

الأمور الغير المحدودة في الشرع، ومن المعلوم أن في العرف لا ينظر إلى نقص
بعض شئ من الليل أو النهار كساعة وساعتين مثلا في احتسابه من التمام فلا يلزم
القول بالتلفيق (1) واخراج يومي الدخول والخروج من العداد كلية. نعم لو فرض
دخوله عند الزوال مثلا وكذا الخروج بعده بقليل فظاهر العرف عدم عده تاما.
ومن ما يؤيد جميع ما ذكرناه قوله عليه السلام في ما مر من صحيحة زرارة " من قدم قبل
التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة " لظهور أن الحاج يخرج في ذلك اليوم
من الزوال. انتهى.
أقول: قد عرفت في ما قدمنا في غير موضع من الكتاب ما في حوالة
الأحكام الشرعية على العرف، على أن ما ذكره هنا من نسبة هذه الأمور إلى
العرف إنما هو باعتبار ما تخيله وإلا فمن أين له الوقوف على استعلام عرف عامة
الأقطار والأمصار واستعلام ما ذكره من هذه الخيالات؟ وبدون ذلك لا يجدي
الاستناد إلى العرف، على أن قصارى كلامه بالنسبة إلى اليوم الناقص هل يحسب
من العدد أم لا؟ فإنه فصل فيه بين النقصان اليسير والكثير، وأما التلفيق الذي
هو محل البحث مع أنه قد صرح به في صدر عبارته فلا دلالة لكلامه عليه. وأما
الرواية التي أوردها فهي بالدلالة على خلاف ما يدعيه أظهر، فإن الظاهر منها أن
العشرة قد حصلت وكملت قبل يوم التروية فوجوب اتمام الصلاة عليه لحصول العشرة
الكاملة ويوم التروية خارج عنها، فاستناده إلى أن الحاج يخرج في ذلك اليوم من
الزوال لا يجدي نفعا في المقام لظهور أنه زائد على العشرة وليس بداخل فيها،
فإن قوله عليه السلام " من قدم قبل التروية بعشرة أيام " أظهر ظاهر في خروجه عن
العشرة كما لا يخفى.
وبالجملة فالمسألة لما كانت عارية من النص كثرت فيها الخيالات وتطرقت إليها
الاحتمالات كغيرها من المسائل العارية عن النصوص والاحتياط فيها من ما لا ينبغي
تركه. والله العالم.

(1) في النسخة الخطية " ولا اخراج "
348

الثالث - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا ينقطع السفر
بنية أقل من عشرة بل الواجب هو التقصير، وظاهر المنتهى دعوى الاجماع عليه
حيث قال إنه قول علمائنا. ويدل عليه صريحا ما تقدم (1) في صحيحة معاوية بن
وهب من قوله عليه السلام: " وإن أردت المقام دون العشرة فقصر ما بينك وبين
شهر.. الحديث ".
ونقل عن ابن الجنيد أنه اكتفى بإقامة خمسة. أقول: ظاهر عبارته المنقولة
في المقام انحصار ذلك في الخمسة، حيث قال في كتاب المختصر الأحمدي: لو نوى
المسافر عند دخوله البلد أو بعده مقام خمسة أيام فصاعدا أتم. ولم يتعرض لذكر
العشرة بوجه.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى: اجتزأ ابن الجنيد وحده في إتمام المسافر بنية
مقام خمسة أيام وهو مروي في الحسن عن الصادق عليه السلام (2) بطريق أبي أيوب
وسؤال محمد بن مسلم، وحمله الشيخ على الإقامة بأحد الحرمين أو على استحباب
الاتمام. وفيها نظر لأن الحرمين عنده لا يشترط فيهما خمسة ولا غيرها إن كان
أقل من خمس فلا إتمام، وأما الاستحباب فالقصر عنده عزيمة فكيف يصير
رخصة هنا. انتهى.
واعترضه المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في المنتقى فقال: وغير خاف أن
مرجع الاستحباب في مثله إلى التخيير مع رجحان الفرد المحكوم باستحبابه، فمناقشة
الشهيد في الذكرى للشيخ في هذا الحمل - بأن القصر عنده عزيمة فكيف يصير رخصة
هنا - ليس لها محصل وفيها سد لباب التخيير بين الاتمام والقصر، والأدلة قائمة على
ثبوته في مواضع فلا وجه لافراد هذا الموضع منها بالمناقشة، ولولا قصور الخبر
من جهة السند عن مقاومة ما دل على اعتبار إقامة العشرة لما كان عن القول بالتخيير
في الخمسة معدل وإن كان خلاف المعروف بين المتأخرين. انتهى.

(1) ص 342
(2) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر
349

وقال السيد السند (طاب ثراه) في المدارك - بعد نقل قول ابن الجنيد
والاستدلال له بحسنة أبي أيوب المتقدمة التي أشار إليها في الذكرى - ما لفظه:
وهي غير دالة على الاكتفاء بنية إقامة الخمسة صريحا لاحتمال عود الإشارة إلى
الكلام السابق وهو الاتمام مع إقامة العشرة. وأجاب عنها الشيخ في التهذيب
بالحمل على من كان بمكة أو المدينة وهو حمل بعيد. وكيف كان فهذه الرواية لا تبلغ
حجة في معارضة الاجماع والأخبار الكثيرة. انتهى.
أقول وبالله التوفيق لادراك المأمول: إن ما ذكروه من استعباد حمل الشيخ
حسنة أبي أيوب على مكة والمدينة غير موجه، فإن الشيخ قد استدل على ذلك بصحيحة
محمد بن مسلم المتقدمة في عداد الروايات المذكورة في صدر المقام، وأنت خبير
بأنه بعد ورود الخبر الصحيح كما ترى بذلك فحمل اطلاق الخبر المذكور عليه غير بعيد
ولا مستنكر من قواعدهم في حمل المطلق على المقيد، فاستبعادهم ذلك ليس في محله.
نعم يبقى الكلام في تخصيص هذا الحكم بهذين البلدين وهو كلام آخر، مع أن الوجه فيه ما رواه الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب العلل في الصحيح عن
معاوية بن وهب (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام مكة والمدينة كسائر البلدان؟
قال نعم. قلت روى عنك بعض أصحابنا أنك قلت لهم أتموا بالمدينة لخمس؟ فقال إن
أصحابكم هؤلاء كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك
لهم فلذا قلته " ومن ذلك يظهر لك أن الأمر بالاتمام بإقامة الخمسة في هذه الأخبار
إنما خرج مخرج التقية ويخص ذلك بالبلدين المذكورين لما ذكره من العلة فتكون
إقامة الخمسة إنما هي لذلك لا مطلقا بحيث تشتمل جميع البلدان وجميع الأحوال،
وعلى هذا فلا منافاة في هذه الأخبار لما اتفقت عليه الأخبار وكلمة الأصحاب عدا
ابن الجنيد من تخصيص الاتمام بإقامة العشرة في جميع البلدان وجملة الأحوال.
وأما ما ذكره شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) - من حمل حسنة أبي أيوب

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
350

على التقية بغير المعنى الذي ذكرناه، قال لأن الشافعي وجماعة منهم قائلون بإقامة
الأربعة ولا يحسبون يوم الدخول ويوم الخروج فتحصل خمسة ملفقة (1) وسياق
الخبر أيضا يدل عليه كما لا يخفى على الخبير. انتهى -
فظني بعده لأن الأخبار المتعلقة بهذا الحكم متى ضم بعضها إلى بعض فإنها
واضحة الدلالة طافحة المقالة في ما ذكرناه من اختصاص الحكم بالبلدين المذكورين،
وإن الوجه في التقية هو ما علل به في صحيحة معاوية بن وهب المذكورة، على أن
ما ذكره متوقف على ثبوت التلفيق وقد عرفت من ما تقدم أنه محل اشكال.
وأما ما ذكره الشيخ أيضا - من الحمل على الاستحباب وإن جنح إليه جملة
ممن تأخر عنه من الأصحاب - فقد عرفت من ما قدمناه في غير موضع أنه مع كونه
لا مستند له من سنة ولا كتاب مدفوع بأن الاستحباب حكم شرعي كالوجوب
والتحريم يتوقف على الدليل الواضح، ومجرد اختلاف الأخبار لا يستلزم ذلك
لجواز أن يكون لذلك وجه آخر من تقية ونحوها.
وممن ناقش الشيخ في هذا الحمل زيادة على ما ذكره في الذكرى العلامة في
المختلف حيث قال - بعد أن نقل عن الشيخ حمل حسنة أبي أيوب على الاستحباب
أولا ثم على مكة والمدينة ثانيا - ما صورته: والحمل الأول ليس بجيد لأن
فرضه التقصير.
وأما ما اعترض به في المنتقى على الشهيد - كما قدمنا نقله من المناقشة وقوله:
" إن في ذلك سدا لباب التخيير.. إلى آخره " فالظاهر أنه ليس في محله، وذلك فإن
الظاهر أن مراد الشهيد وكذا العلامة كما سمعت من كلامه في المختلف إنما هو أن الشارع قد
أوجب على المسافر المستكمل للشروط المعتبرة القصر عزيمة، وهذا المسافر الناوي
خمسة من جملة ذلك فيكون القصر عليه عزيمة، واستثناؤه من الضابط المذكور
يحتاج إلى دليل واضح، ومجرد دلالة هذا الخبر على انقطاع السفر بإقامة خمسة

(1) المهذب ج 1 ص 103 وبدائع الصنائع ج. ص 97
351

لا يصلح لأن يكون مستندا للاستحباب الموجب للتخيير كما يدعيه المحقق المذكور،
لعدم انحصار الحمل في ذلك بل يجوز أن يحمل على وجوه أخر من تقية والحمل على
خصوص مكة والمدينة كما هو أحد احتمالي الشيخ أيضا، وحينئذ فكيف يجوز
الخروج عن ما هو واجب عزيمة بالأخبار الصحيحة الصريحة المتفق على العمل بها
بما هذا سبيله؟ ولا ريب أن الاستدلال على هذا الوجه الذي ذكرناه من ما لا تعتريه
شائبة الاختلال ولا يدخله الاشكال. وبه يظهر لك ضعف ما أورده المحقق
المذكور على شيخنا الشهيد (عطر الله مرقديهما) وما فيه من القصور.
ثم إن قوله في المنتقى في آخر عبارته " وإن كان خلاف المعروف بين المتأخرين "
لا يخلو من نظر لايذانه بأن المتقدمين أو أكثرهم على القول بالتخيير مع أنه ليس
كذلك لما تقدم من كلام المنتهى المؤذن بالاجماع على وجوب التقصير متى قصرت
المدة عن عشرة أيام، ولم يذهب إلى اعتبار الخمسة أحد من المتقدمين غير ابن
الجنيد حيث أنه جعلها موجبة للاتمام، والأصحاب سلفا وخلفا على التخصيص
بالعشرة ولم ينقل عن أحد اعتبار الخمسة تعيينا أو تخييرا، غاية الأمر أن الشيخ
في مقام الجمع بين الأخبار في كتابه جمع هنا بهذا الجمع في أحد احتماليه، وهو
لا يستلزم أن يكون مذهبا له سيما مع ذكره على جهة الاحتمال وذكر غيره معه،
على أنه لو اعتبرت وجوه الجمع التي يذكرها في كتابيه مذاهب له لم تنحصر مذاهبه
في عد ولم تقف على حد.
وأما ما ذكره في المدارك من احتمال عود الإشارة إلى الكلام السابق فبعيد
جدا كما ينادي به آخر الرواية وهو قوله: " فقلت إنا: جعلت فداك يكون أقل من
خمسة.. إلى آخره " فإنه لولا معلومية حكم الاتمام بالخمسة عند السامع لما حسن هذا
السؤال والمراجعة. وأما استبعاده لحمل الشيخ على مكة والمدينة فهو ناشئ عن
غفلته عن الرواية الواردة بذلك كما ذكرناه، وأكثر القصور في كلامهم ناشئ عن
عدم اعطاء الفحص حقه في تتبع الأدلة والاطلاع عليها فهو معذور من جهة وغير
352

معذور من أخرى سامحنا الله وإياهم بلطفه وكرمه.
ثم إن ما ذكره في المدارك وكذا في المنتقى - من قصور الرواية من حيث
السند مع أن حسنها إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي قد عد حديثه في الصحيح جملة
من أصحاب هذا الاصطلاح وتلقاه بالقبول جملة علمائنا الفحول، وبذلك صرح هذان
الفاضلان أيضا في غير مقام - من ما لا يخفى ما فيه من المجازفة. والله العالم.
الرابع - قال في المدارك: إذا سبقت نية المقام ببلد عشرة أيام على الوصول
إليه ففي انقطاع السفر بما ينقطع بالوصول إلى بلده من مشاهدة الجدران وسماع
الأذان وجهان، أظهر هما البقاء على التقصير إلى أن يصل البلد وينوي المقام فيها،
لأنه الآن مسافر فيتعلق به حكمه إلى أن يحصل ما يقتضي الاتمام. لو خرج منه
موضع الإقامة إلى مسافة ففي ترخصه بمجرد الخروج أو بخفاء الجدران أو الأذان
الوجهان، والمتجه هنا اعتبار الوصول إلى محل الترخص، لأن محمد بن مسلم
سأل الصادق عليه السلام (1) فقال له: " رجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ فقال
إذا توارى من البيوت " وهو يتناول من خرج من موضع الإقامة كما يتناول من
خرج من بلده. انتهى.
أقول: لا يخفى أن المفهوم من أخبار تحديد محل الترخص بسماع الأذان
وعدمه والخفاء عن من وراء البيوت وعدمه - وكذا ما صرح به الأصحاب كما تقدم
من أن ناوي الإقامة في بلد لا يضره التردد في نواحيها ما لم يبلغ محل الترخص - هو
أن حدود البلد شرعا من جميع نواحيها هي هذه المواضع المذكورة، وأن المتوطن
في البلد لو أراد السفر منها وجب عليه الاتمام إلى الحد المذكور الذي هو عبارة عن
الخفاء في الأمرين المذكورين، وكذا لو رجع من سفره فإنه يجب عليه التقصير
إلى الحد المذكور الذي هو عبارة عن سماع الأذان ورؤية من خلف الجدران،
وما ذاك جميعه إلا من حيث انتهاء حدود البلد شرعا إلى ذلك الموضع كما عرفت،

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة المسافر.
353

وقضية ذلك أن المقيم بها كالمتوطن فيها. إلا أنهم اختلفوا هنا في الداخل إليها من
غير أهلها لو قصد نية الإقامة بها قبل الوصول إليها فهل يصير حكمه حكم صاحب
البلد فيتم متى سمع الأذان أو رأى من عند جدران البلد أو لا حتى يدخل البلد
وينوي الإقامة بها؟ ظاهر جماعة: منهم - السيد السند وقبله جده في الروض
الثاني، وبالأول صرح المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد، وهو الأظهر لما قدمناه
في صدر الكلام.
وأما ما ذكره السيد هنا من الاحتجاج على ما ذهب إليه فيمكن تطرق الاعتراض
عليه (أما أولا) - فلأن ما علل به أظهرية ما اختاره من قوله " إنه الآن مسافر " ممنوع
فإن الخصم يدعي أنه حيث دخل في حدود البلد مع نية الإقامة التي حصلت منه قبل
الدخول حاضر، ولا خلاف عندهم في اعتبار هذه الحدود في حال الخروج فكذا
في حال الدخول، فاستدلاله بما ذكره لا يخرج عن المصادرة.
وأما ما ذكره جده (قدس سره) في الروض - من أنه من ما يضعف كونها
بحكم بلده من كل وجه أنه لو رجع فيها عن نية الإقامة قبل الصلاة تماما أو ما في
حكمها يرجع إلى التقصير وإن أقام فيها أياما وساوت غيرها من مواضع القرية -
ففيه ما ذكره المحقق الأردبيلي (عطر الله مرقده) حيث قال: إن حكم موضع
الإقامة حكم البلد وينتهي السفر هنا كما ينتهي في البلد بالوصول إلى محل الترخص
ويحصل بالخروج عنه من غير فرق وهو ظاهر، وعدم كون حكمه حكم البلد باعتبار
أنه لو رجع عن نية الإقامة قبل الصلاة تماما يرجع إلى القصر ليس من ما يضعف
ذلك كما قاله الشارح، لأن المماثلة إنما حصلت بالنية فمعنى كون حكمه حكم البلد
باعتبار أنه لو رجع كان حكمه حكم البلد (1) ما دام متصفا بذلك الوصف وهو ظاهر.
انتهى. وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النية.
و (أما ثانيا) - فإن ما حكم به - من اتجاه اعتبار الوصول إلى محل الترخص في
ترخصه للخروج دون مجرد الخروج من البلد لرواية محمد بن مسلم باعتبار شمولها

(1) في شرح الإرشاد والنسخ الخطية هكذا " فمعنى كون حكمها البلد ما دام.. "
354

للمقيم كصاحب البلد - فهو آت في ما نحن فيه وجار في ما ندعيه، فإن صحيحة
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) - قال: " إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه
الأذان فأتم وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر، وإذا قدمت من
سفرك فمثل ذلك " - شاملة باطلاقها لهذين الفردين في حالتي كل من الدخول والخروج،
فإن قوله عليه السلام: " وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك " شامل لمن قدم بنية الإقامة وأنه
متى سمع الأذان وجب عليه التمام.
وتوضيحه أن السيد قد صرح في رواية محمد بن مسلم بشمولها للقاطن والغريب
المقيم بالنسبة إلى خفاء الجدران لو أراد الخروج، ويلزمه مثل ذلك في صدر صحيحة
عبد الله بن سنان بالنسبة إلى الأذان البتة، والمخاطب في عجزها هو الخاطب في
صدرها فإذا فرض الحكم في صدرها بشمول الفردين فيجب أن يكون في عجزها
كذلك. ولا يتوهم من قوله " وإذا قدمت من سفرك " الاختصاص بكون القادم
من أهل البلد دون القادم الغريب الذي يريد الإقامة فيها، لأن اطلاق القدوم
بالنسبة إلى الغريب القادم أراد الإقامة أم لا ليس بممتنع لغة ولا عرفا، بل قد
ورد هذا اللفظ كذلك في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام من قوله: " أرأيت
من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصرا؟... الحديث " وحينئذ فكما أن رواية
محمد بن مسلم التي أوردها دلت على مشاركة المقيم لصاحب البلد في وجوب الاتمام إلى
حال الخروج إلى الحد المذكور ثم التقصير، كذلك صحيحة عبد الله بن سنان دلت على
اشتراكهما في الحالين بالتقريب المتقدم. ومثل ذلك صحيحة حماد بن عثمان المروية
في كتاب المحاسن عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " إذا سمع الأذان أتم المسافر "
فإنها شاملة باطلاقها لكل قادم من سفره إلى بلد سواء كانت بلده أو بلدا عزم الإقامة
فيها قبل وصولها.
ولو قيل: إن وجه الفرق بين حالة الدخول والخروج ظاهر من حيث صدق

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة المسافر
355

الإقامة عليه في الثاني دون الأول، فإنه في حال الدخول مسافر إلى أن يدخل
البلد كما ذكر سابقا.
قلنا: قد تقدم في أول البحث إن حدود البلد من محل الترخص كما أوضحناه من
الأخبار وكلام الأصحاب ولا يختص بالوصول إلى البيوت. وأيضا فمتى سلم صدق
صدر صحيحة ابن سنان الواردة في الأذان على الفردين باعتبار الخروج حسبما
اعترف به في رواية محمد بن مسلم بالنسبة إلى الجدران لزم ذلك في عجزها، لقوله
عليه السلام: " وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك " وحاصل معنى الخبر حينئذ أنه عليه السلام
قال: إذا كنت في الموضع الذي تسمع الأذان في خروجك من البلد مقيما كنت فيها
أو من أهل البلد فأتم وإذا كنت لا تسمع فقصر، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك
من أهل البلد كنت أو ناويا الإقامة بها. فكأنه قال هذا الحكم لا فرق فيه بين
الدخول والخروج للداخل والخارج. نعم يخرج منه الداخل الغير القاصد للإقامة
بالبلد حال دخوله لأنه مسافر وإن تجدد له القصد بعد دخوله ويبقى ما عداه داخلا
تحت اطلاق الخبر. والله العالم.
الخامس - قال في المنتهى: لو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه
من قرية إلى قرية ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها المدة التي يبطل حكم السفر فيها
لم يبطل حكم سفره، لأنه لم ينو الإقامة في بلد بعينه فكان كالمنتقل في سفره من منزل
إلى منزل. قال في المدارك بعد نقل ذلك: وهو حسن.
أقول: ظاهره أنه ما لم يقصد نية الإقامة في موضع من تلك القرى فإنه
يبقى على القصر وإن زاد مقامه في قرية منها على ثلاثين يوما، لأنه رتب البقاء على
السفر واستصحابه على عدم نية الإقامة، مع أنه قد تقدم تصريح جملة من الأصحاب -
منهم الشيخ في ما قدمنا من عبارته في النهاية في فروع الشرط الثالث - بأنه بمضي
ثلاثين يوما على المسافر إذا توقف في الطريق بعد قطع أربعة فراسخ ينتقل حكمه
إلى التمام، ومقتضى ذلك أنه هنا كذلك. إلا أنا قد قدمنا أن ظاهر الأخبار وكلام
356

جملة من الأصحاب كما نبهنا عليه في الشرط الرابع هو اختصاص ذلك بالإقامة في
البلد، بمعنى أنه إذا دخل بلدا ولم ينو الإقامة بها بل قال اليوم أخرج أو غدا ونحو
ذلك فإن الواجب عليه استصحاب التقصير إلى مضي ثلاثين يوما، وهذا هو الذي
دلت عليه الأخبار المتقدمة ثمة. وأما اثبات هذا الحكم في مجرد السفر كما تقدم
فرضه في كلام الشيخ فلا أعرف له دليلا واضحا.
فإن قيل: إن هذا منقوض عليكم بنية الإقامة عشرة أيام التي هي أحد القواطع
في سفر كان أو بلد، كما تقدم تصريح الأصحاب بأنه لا فرق في قطعها السفر بين
كونها في بلد أو فلاة من الأرض أو نحو ذلك، مع أن الأخبار التي استند تم إليها
في تخصيص الثلاثين بالبلد هي بعينها أخبار الإقامة عشرا وقد اشتملت على الحكمين
فيلزم بمقتضى ما ذكرتم أنه لا ينقطع سفره بإقامة العشرة إلا في البلد دون الطريق.
قلنا: ليس الأمر كما ظننت فإن من جملة الأخبار المتقدمة في الشرط الرابع
ما هو ظاهر في قطع نية الإقامة للسفر ولو كان في الطريق مثل صحيحة علي بن جعفر
وصحيحة علي بن يقطين ورواية محمد بن سهل عن أبيه (1) فإن اطلاقها شامل للبلد
والطريق، بل الظاهر منها سيما صحيحة علي بن يقطين ورواية محمد بن سهل عن أبيه
إنما هو الإقامة في السفر، حيث قال في صحيحة علي بن يقطين " سألته عن الرجل يخرج
في السفر ثم يبدو له في الإقامة وهو في الصلاة أيتم أو يقصر؟ قال يتم " (2) ونحوها
الرواية المذكورة، فإن المتبادر منها كون ذلك في الطريق حيث إنه لا اشعار فيهما
بالبلد بوجه وإن صدق عنوان السفر على من كان في البلد ولم ينو الإقامة.
ثم إنه لو فرض قصد الإقامة في إحدى قرى هذا الرستاق ترتب عليه في
خروجه ما تقدم في الموضع الأول من الخلاف في الخروج إلى محل الترخص وما
دونه وما زاد عليه.
السادس - قال في المدارك: قد عرفت أن نية الإقامة تقطع السفر المتقدم

(1) ص 343
(2) فيه خلط بين الروايتين راجع ص 343
357

وعلى هذا فيفتقر المكلف في عوده إلى التقصير بعد الصلاة على التمام إلى قصد
مسافة جديدة يشرع فيها القصر، ولو رجع إلى موضع الإقامة بعد انشاء السفر
والوصول إلى محل الترخص لطلب حاجة أو أخذ شئ لم يتم فيه مع عدم عدوله عن
السفر بخلاف ما لو رجع إلى بلده لذلك، ولو بدا له العدول عن السفر أتم في
الموضعين. انتهى. وهو جيد.
إلا أنه بقي هنا شئ لم ينبهوا عليه ولم يتنبهوا إليه وهو غير خال من الاشكال،
وذلك فإنهم قد ذكروا كما نبه عليه هنا أنه بنية الإقامة والصلاة تماما فإنه ينقطع
السفر ويجب البقاء على التمام حتى يعزم المسافة، وظاهرهم الاتفاق عليه وعليه
دلت صحيحة أبي ولاد الآتية إن شاء الله تعالى قريبا (1) مع أنهم قد صرحوا كما
تقدم في كلام السيد السند نقلا عن جده (قدس الله روحيهما) باشتراط التوالي في
العشرة بمعنى أنه لو خرج في ضمنها إلى ما دون المسافة ولو إلى محل الترخص قطع
إقامته، ومقتضى بطلان الإقامة بطلان الصلاة تماما والرجوع إلى التقصير وإن
كان قد صلى تماما بتلك النية أولا، مع أن صحيحة أبي ولاد المعتضدة باتفاق
الأصحاب دلت على وجوب البقاء على التمام بعد نية الإقامة والصلاة تماما إلى أن يقصد
المسافة والمدافعة بين الحكمين ظاهرة، لأن مقتضى الحكم الأول هو وجوب الاتمام
بعد النية والصلاة تماما إلى أن يقصد المسافة وهو أعم من أن يخرج في ضمن العشرة
أو لا يخرج، ومقتضى الحكم الثاني الحكم ببطلان الإقامة بالخروج صلى أو لم يصل
ويمكن أن يقال في الواجب بتقييد الاطلاق الأول بالحكم الثاني بمعنى أنه
يشترط في وجوب الاتمام ودوامه شروط ثلاثة: نية الإقامة والصلاة تماما وعدم
الخروج من موضع الإقامة على الوجه المذكور في كلامهم. ويحتمل أيضا أن يسند
وجوب الاستمرار على التمام إلى الصلاة لا إلى النية، بمعنى أن يقال إن نية الإقامة
قد انتقضت وبطلت في الصورة المذكورة بالخروج عن موضع الإقامة، ووجوب البقاء
على التمام إنما هو بسبب الصلاة تماما بعد تلك النية، فعلى هذا تصير الصلاة بعد تلك

(1) تقدمت ص 342
358

النية شرطا في دوام التمام. وهذا الوجه الثاني رأيته في كلام والدي (قدس سره)
مجيبا به عن الاشكال المذكور حيث إنه (طاب ثراه) تنبه له وأورد هذا الكلام
جوابا عنه وهو جيد. إلا أن الذي يظهر من الخلاف في المسألة - وأن من جملة
الأقوال فيها هو البقاء على التمام حتى يقصد المسافة، وهو الذي رده شيخنا الشهيد
الثاني في ما تقدم من كلامه وأنكر نسبته إلى أحد المحققين المعتمدين - هو أن مراد
القائل بانقطاع نية الإقامة إنما هو وجوب الرجوع إلى التقصير، وإلا لما كان
هذا القول مغايرا لما ذكره شيخنا المشار إليه ولما بالغ في رده هذه المبالغة المذكورة
كما لا يخفى. والله العالم.
المقام الثاني - في الملك أو المنزل الذي ينقطع به السفر، وقد وقع الخلاف
هنا في ما ينقطع به السفر من مجرد الملك أو خصوص المنزل، فالمشهور بين
المتأخرين الاكتفاء بمجرد الملك ولو نخلة واحدة بشرط الاستيطان في تلك البلدة
ستة أشهر، وذهب آخرون إلى اشتراط المنزل.
قال الشيخ في النهاية: ومن خرج إلى ضيعة وكان له فيها موضع ينزله
ويستوطنه وجب عليه التمام وإن لم يكن له فيها مسكن فإنه يجب عليه التقصير.
وهو ظاهر في اعتبار المنزل، وأما بالنسبة إلى الاستيطان فهو مطلق.
وقال ابن البراج في كتاب الكامل: من كانت له قرية فيها موضع يستوطنه
وينزل فيه وخرج إليها وكانت عدة فراسخ سفره على ما قدمناه فعليه التمام، وإن لم
يكن له فيها مسكن ينزل به ولا يستوطنه كان له التقصير. وهي كعبارة النهاية.
وقال أبو الصلاح: وإن دخل مصرا له فيه وطن فنزل فيه فعليه التمام ولو
صلاة واحدة.
وهذه العبارات كلها مشتركة في التقييد بالمنزل خاصة وعدم تقييد الاستيطان
بالستة الأشهر بل هي مطلقة في ذلك.
وقال الشيخ في المبسوط: إذا سافر فمر في طريقة بضيعة أو على مال له أو كانت
359

له أصهار أو زوجة فنزل عليهم ولم ينو المقام عشرة أيام قصر، وقد روي أن عليه
التمام، وقد بينا الجمع بينهما وهو أن ما روي أنه إن كان منزله أو ضيعته من ما قد
استوطنه ستة أشهر فصاعدا أتم وإن لم يكن استوطن ذلك قصر.
هذه جملة من عبائر المتقدمين وأما كلام العلامة والمحقق ومن تأخر عنهما فهو
على ما حكيناه من الاكتفاء بمجرد الملك بشرط الاستيطان ستة أشهر.
ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في المسألة، فالواجب أولا
ذكر الأخبار مذيلة بما يظهر منها ثم عطف الكلام على كلام الأصحاب في المقام:
فأقول وبالله سبحانه الثقة لبلوغ المأمول: الأول - من الأخبار المذكورة
صحيحة إسماعيل بن الفضل (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سافر من
أرض إلى أرض وإنما ينزل قراه وضيعته قال إذا نزلت قراك وضيعتك فأتم الصلاة
وإذا كنت في غير أرضك فقصر ".
أقول: ظاهر الخبر كما ترى أنه يتم بمجرد الوصول إلى الأملاك المذكورة
سواء كان له فيها منزل أو لم يكن استوطنها سابقا أم لم يستوطن قصد الإقامة
أم لم يقصد.
الثاني - رواية البزنطي (2) قال: " سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يخرج إلى
ضيعته ويقيم اليوم واليومين والثلاثة أيقصر أو يتم؟ قال يتم الصلاة كلما أتى
ضيعة من ضياعه ". والتقريب فيها ما تقدم وهي أظهر في عدم اعتبار نية الإقامة.
وروى هذه الرواية في كتاب قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد
ابن محمد بن أبي نصر (3) قال: " سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يخرج إلى الضيعة
فيقيم اليوم واليومين والثلاثة يتم أم يقصر؟ قال يتم فيها " وهي صحيحة
السند كما ترى.
الثالث - صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (4) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر.
(2) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر.
(3) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر.
(4) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر.
360

الرجل يكون له الضياع بعضها قريب من بعض يخرج فيقيم فيها يتم أو يقصر؟ قال يتم "
أقول: هكذا لفظ الخبر في الكافي (1) وأما في الفقيه والتهذيب (2) فإنه قال: " يطوف " بدل " يقيم " وهو أوضح، وعلى تقدير نسخة " يقيم " يحتمل إقامة
اليوم واليومين والثلاثة كما في الخبر السابق ويحتمل إقامة العشرة لكن في مجموع
الضياع حتى ينطبق على السؤال، وبه يرجع إلى الأخبار المتقدمة.
الرابع - موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في الرجل يخرج
في سفر فيمر بقرية له أو دار فينزل فيها؟ قال يتم الصلاة ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة
ولا يقصر وليصم إذا حضره الصوم وهو فيها " وهو ظاهر الدلالة في المعنى المتقدم.
الخامس - صحيحة عمران بن محمد (4) قال: " قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام
جعلت فداك إن لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ربما خرجت إليها فأقيم
فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فأتم الصلاة أم أقصر؟ فقال قصر في
الطريق وأتم في الضيعة ".
أقول: لا يخفى أن هذه الأخبار كلها قد اشتركت في الاكتفاء في الاتمام
بمجرد الملك ولا سيما موثقة عمار.
والعجب هنا من صاحب المدارك (قدس سره) وما وقع له من المجازفة في
هذا المقام كما هي عادته في كثير من الأحكام، حيث قال - بعد قول المصنف: والوطن
الذي يتم فيه هو كل موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر - ما لفظه: اطلاق
العبارة يقتضي عدم الفرق في الملك بين المنزل وغيره، وبهذا التعميم جزم العلامة
ومن تأخر عنه حتى صرحوا بالاكتفاء في ذلك بالشجرة الواحدة، واستدلوا
عليه بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار.. ثم ساق الرواية المذكورة. ثم قال:
وهذه الرواية ضعيفة السند باشتمالها على جماعة من الفطحية، والأصح اعتبار
المنزل خاصة كما هو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية.. إلى آخره.

(1) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر
361

فإن فيه من المجازفة في المقام التي لا تليق من مثله من الأعلام ما لا يخفى على
ذوي الأفهام، وذلك فإن الناظر في كلامه القاصر عن تتبع الأخبار لحسن الظن
به يظن أنه لا مستند لهذا القول إلا هذه الرواية مع أن الروايات كما رأيت به
متكاثرة والأخبار به متظافرة فيها الصحيح باصطلاحه وغيره، ولا ريب أن
الواجب في مقام التحقيق هو استقصاء أدلة القول والجواب عنها متى اختار خلافه
ولكن هذه عادته (قدس سره) في غير موضع كما تقدمت الإشارة إليه.
ثم إنه لا يخفى أن هذه الأخبار قد اشتركت في كون التمام بمجرد الوصول إلى
الأملاك المذكورة من غير تقييد بشئ من نية إقامة أو استيطان ستة أشهر سابقا كما
هو ظاهر سياقها.
نعم في حديث عمران بن محمد اشكال من وجه آخر حيث إن ظاهره وجوب
التقصير في خمسة فراسخ مع العلم بانقطاع السفر على رأسها، فإن السفر قد انقطع
بالوصول إلى الضيعة التي قصدها لايجابه عليه السلام الاتمام فيها، وربما كان فيه دلالة على
مذهب من قال بالتخيير في أربعة فراسخ. إلا أنك قد عرفت أنه قول مرغوب
عنه لدلالة الروايات الصحيحة على ضعفه، والخبر المذكور مشكل لا يحضرني
الآن وجه الجواب عنه.
وأما ما ذكره المحدث الكاشاني في الوافي من حمله على التخيير - حيث إنه حمل
الأخبار الدالة على الاتمام بمجرد وصول الملك على التخيير وجعل هذا جوابا عن
الاشكال المذكور - فلا يخفى ما فيه، لأن التخيير الذي احتمله في تلك الأخبار إنما
هو في الملك بعد تحقق السفر سابقا، لأن الأخبار اختلفت في حكم الوصول إلى
الملك بعد تحقق السفر وأنه هل يكون قاطعا للسفر أم لا؟ والاشكال هنا إنما هو
في حكمه عليه السلام بالتقصير في الطريق مع انقطاع السفر بالوصول إلى الملك، وهو هنا
ليس بمسافر السفر الموجب للتقصير إلا على قول من يقول بالتخيير في مجرد قصد
الأربعة وهو لا يقول به، وحمله على ما لا يقول به غير جيد كما هو ظاهر. وبالجملة
362

فإن كلامه هنا لا يخلو عن نوع غفلة.
السادس - رواية موسى بن حمزة بن بزيع (1) قال: " قلت لأبي الحسن
عليه السلام جعلت فداك إن لي ضيعة دون بغداد فأخرج من الكوفة أريد بغداد فأقيم في
تلك الضيعة أقصر أم أتم؟ قال إن لم تنو المقام عشرا فقصر ".
السابع - رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " من أتى
ضيعته ثم لم يرد المقام عشرة أيام قصر وإن أراد المقام عشرة أيام أتم الصلاة ".
أقول: وهاتان الروايتان كما ترى صريحتان في أنه لا يجوز الاتمام في الضيعة
والملك بمجرد الوصول بل لا بد من قصد إقامة عشرة أيام وبدون ذلك فإن
الواجب التقصير. الثامن - صحيحة علي بن يقطين (3) قال: " قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام الرجل
يتخذ المنزل فيمر به أيتم أم يقصر؟ فقال كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل
وليس لك أن تتم فيه ".
التاسع - صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " في الرجل يسافر فيمر
بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال يقصر إنما هو المنزل الذي توطنه ".
العاشر - صحيحة سعد بن أبي خلف (5) قال: " سأل علي بن يقطين أبا الحسن
الأول عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمر بها؟ قال إن كان من ما
قد سكنه أتم فيه الصلاة وإن كان من ما لم يسكنه فليقصر ".
الحادي عشر - صحيحة علي بن يقطين (6) قال: " قلت لأبي الحسن الأول
عليه السلام إن لي ضياعا ومنازل بين القرية والقرية الفرسخان والثلاثة؟ فقال كل منزل
من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير ".
أقول: قد اتفقت هذه الأخبار الأربعة على أن مجرد وجود المنزل غير

(1) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر.
(2) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر.
(3) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر. وراوي الحديث " 4 "
عنه " ع " فيه " حماد " كما في الإستبصار ج 1 ص 230
(4) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر. وراوي الحديث " 4 "
عنه " ع " فيه " حماد " كما في الإستبصار ج 1 ص 230
(5) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر. وراوي الحديث " 4 "
عنه " ع " فيه " حماد " كما في الإستبصار ج 1 ص 230
(6) الوسائل الباب 14 من صلاة المسافر. وراوي الحديث " 4 "
عنه " ع " فيه " حماد " كما في الإستبصار ج 1 ص 230
363

كاف في الاتمام عند المرور به ما لم يستوطنه، واطلاقها شامل لما لو كان الاستيطان
ستة أشهر أو أقل أو أزيد.
الثاني عشر - صحيحة أخرى لعلي بن يقطين أيضا (1) قال: " سألت أبا الحسن
الأول عليه السلام عن رجل يمر ببعض الأمصار وله بالمصر دار وليس المصر وطنه أيتم
صلاته أم يقصر؟ قال يقصر الصلاة، والضياع مثل ذلك إذا مر بها ".
أقول: ينبغي حمل الدار هنا على ما لم يحصل فيه الاستيطان. وفي الخبر أيضا
دلالة على أن مجرد المرور بالضياع لا يوجب التمام ولا يقطع السفر، وهو خلاف
ما دلت عليه الأخبار الأولة. ويمكن جعله من قبيل الخبرين المتقدمين الدالين على أنه لا يقصر في الملك إلا بنية الإقامة عشرا فيه وإلا فالحكم التقصير، وبعين ما يقال
فيهما يقال فيه.
الثالث عشر - صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (2)
قال: " سألته عن الرجل يقصر في ضيعته؟ قال لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام
إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه. فقلت ما الاستيطان؟ فقال إن يكون له فيها
منزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها ".
وصدر هذه الصحيحة موافق لما دلت عليه الرواية السادسة والسابعة من
وجوب التقصير في الضيعة ما لم ينو مقام عشرة أيام، وعليه يحمل اطلاق صحيحة
علي بن يقطين الأخيرة كما أشرنا إليه ذيلها. والجميع كما ترى ظاهر المنافاة لما دلت
عليه الأخبار الأولة من وجوب الاتمام بمجرد وصول الملك، ودلت هذه الصحيحة
أيضا على أنه لا بد في المنزل القاطع للسفر من الاستيطان كما دلت عليه الرواية الثامنة
والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة، إلا أن تلك الروايات مطلقة في الاستيطان
وهذه قد عينته وقيدته بستة أشهر فصاعدا فلا يكفي ما دونها، وبها قيد الأصحاب
اطلاق الروايات المشار إليها.

(1) الوسائل الباب 23 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 23 من صلاة المسافر
364

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو تقييد
أخبار الملك وأخبار المنزل بالاستيطان ستة أشهر في وجوب الاتمام بالوصول إليهما
وانقطاع السفر بهما، والذي ظهر لي من الأخبار بعد التأمل فيها بعين الفكر
والاعتبار هو اختصاص الاستيطان بالمنزل دون مجرد الملك، وذلك فإن أخبار
الضياع والأملاك إنما اختلفت في أنه هل يجب الاتمام بمجرد الوصول إليها كما دل
عليه الخبر الأول والثاني والثالث والرابع والخامس لو أنه لا بد من مقام عشرة فيها
وبدونه يجب التقصير كما دل عليه الخبر السادس والسابع وصدر الخبر الثالث عشر؟
وأما الاستيطان فإنما ورد في أخبار المنازل خاصة كما عرفت من روايات علي بن يقطين
وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع، وليس فيها ما ربما يوهم انسحابه إلى الملك
إلا الرواية العاشرة، حيث اشتمل السؤال فيها على الدار والضيعة وأجيب بأنه
إن كان من ما قد سكنه أتم فيه الصلاة. ويمكن الجواب بصرف ذلك إلى الدار
بخصوصها كما هو منطوق ما ذكرناه من أخبار المنزل ولا سيما الرواية الثالثة عشرة
فإنها كالصريحة في ما ذكرناه من التفصيل، إذ ظاهرها كما ترى بالنسبة إلى الضياع أنه
يقصر فيها ما لم يقم عشرة أيام وبالنسبة إلى المنازل أنه يقصر فيها أيضا ما لم يستوطنها
على الوجه المذكور فيها، ولو كان قيد الاستيطان معتبرا في الضياع كما يدعونه لعطفه
على إقامة العشرة ولم يخصه بالمنازل. ويؤيده أن المقام مقام البيان فلو كان الحكم
كذلك لأشار إليه في الخبر أو غيره. ويؤكده أيضا النظر إلى العرف فإن الاستيطان
مثل المدة المذكورة إنما يكون في المنازل والدور. وأما ما ذكره الأصحاب من
الاكتفاء بالاستيطان في بلد الملك وإن كان في غير منزله فهو كالأصل الذي فرعوه
عليه حيث عرفت أنه لا مستند له فكذا ما يرجع إليه. وبالجملة فصحيحة ابن بزيع
المذكورة ظاهرة الدلالة في ما ذكرناه حيث خص الضياع بوجوب التقصير ما لم
ينو مقام عشرة أيام والمنزل بوجوب التقصير ما لم يحصل الاستيطان.
وظاهر شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه الافتاء بالصحيحة
365

المذكورة حيث قال بعد ذكر صحيحة إسماعيل بن الفضل وهي الأولى من
الأخبار المتقدمة: يعني بذلك إذا أراد المقام في قراه وأرضه عشرة أيام ومن لم
يرد المقام بها عشرة أيام قصر إلا أن يكون له بها منزل يكون فيه في السنة ستة
أشهر فإن كان كذلك أتم متى دخلها، وتصديق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن
بزيع.. وساق الخبر.
وأنت خبير بأن ما ذكره من تقييد الخبر المذكور بما دل عليه صدر صحيحة
محمد بن إسماعيل بن بزيع ونحوها روايتا موسى وعبد الله بن سنان وإن أمكن في هذا
الخبر الذي نقله ونحوه من الأخبار المطلقة إلا أنه لا يمكن في مثل الخبر الثاني الدال
على الإقامة اليوم واليومين والثلاثة والخبر الخامس الدال على الإقامة ثلاثة أو خمسة
أو سبعة وظاهر الخبر الثالث بالتقريب الذي ذكرناه في ذيله، والتقييد بالمنزل
أيضا لا تقبله تلك الأخبار سيما مع اعتبار الاستيطان المدة المذكورة وخصوصا
موثقة عمار الدلالة على الاكتفاء بالنخلة، واللازم من تقييد تلك الأخبار المطلقة
بما ذكره من الصحيحة المذكورة ونحوها وإن بعد هو طرح تلك الأخبار المشتملة
على الأيام المعدودة فيها لعدم قبولها التقييد، وحينئذ فما ذكره غير حاسم لمادة
الاشكال ولا ساد لباب المقال.
وجملة من متأخري المتأخرين كالمحدث الكاشاني في الوافي جمعوا بهذه الصحيحة
أعني صحيحة ابن بزيع بين الأخبار بحمل مطلقها على مقيدها بأحد القيدين أعني
إقامة العشرة أو الاستيطان، ونقله في الوافي عن الشيخ في التهذيبين والصدوق
في الفقيه.
وفيه أن القيدين اللذين اشتملت عليهما الصحيحة المذكورة إنما هما إقامة العشرة
أو المنزل الذي يستوطنه بمعنى أنه لا يتم في الملك إلا بعد نية إقامة عشرة أو يكون
له ثمة منزل يستوطنه لا مجرد الاستيطان وإن كان من غير منزل، وهذا هو المعنى
الذي صرح به في الفقيه كما سمعت من عبارته. وبالجملة فإن قيد إقامة العشرة وإن أمكن
366

في بعض الأخبار إلا أنه لا يمكن في بعض آخر كما عرفت، وقيد الاستيطان
مورده في الأخبار إنما هو المنزل كما عرفت أيضا.
فما ذكره كل منهم (رضوان الله عليهم) زاعما أنه وجه جمع بين الأخبار
ناقص العيار بين الانكسار، والصحيحة المذكورة لا تنطبق على هذا الوجه ولا
تساعده كما عرفت لأنها صريحة في كون الاتمام في الملك والضيعة لا يكون إلا بإقامة
عشرة أيام أو وجود المنزل المستوطن تلك المدة، وظاهرها أن وجود الملك وعدمه
على حد سواء لأن هذين القاطعين حيثما حصلا انقطع بهما السفر.
واحتمل المحدث المذكور في الوافي وغيره في غيره حمل ما دل على الاتمام
في غير صورتي الإقامة والاستيطان على التخيير.
وفيه ما لا يخفى فإن الأخبار المذكورة ظاهرة بل صريحة في وجوب الاتمام
وجوبا حتميا متعينا ولا قرينة في شئ منها تؤنس بهذا الحمل بالكلية، ووجود
المناقض والمعارض لا يستدعي ذلك ولا يكون قرينة على ارتكاب التجوز في تلك
الألفاظ باخراجها عن ظواهرها وحقائقها، إذ يمكن أن يكون التأويل في جانب
المعارض لها أو حملها على محمل آخر.
وعندي أن أحد طرفي هذه الأخبار المتعارضة في المقام إنما خرج مخرج
التقية التي هي الأصل في اختلاف الأخبار في كل حكم وقضية ولكن أشكل تميزها
ومعرفتها في أي طرف فحصل الالتباس، وقد دلت الأخبار على أنهم (عليهم السلام)
كانوا يلقون الاختلاف في الأحكام تقية وإن لم يكن ثمة قائل بها من أولئك الأنعام
كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب (1).
وبالجملة فالمسألة في غاية الاشكال وللتوقف فيها مجال وأي مجال فالواجب
الاحتياط في ما عدا المنزل المستوطن المدة المذكورة إما بإقامة العشرة أو الجمع
بين الفرضين.
367

ثم إنه بعد وصول الكلام إلى هذا المقام وفق الله للوقوف على كلام بعض
مشايخنا الكرام من متأخري المتأخرين الأعلام يؤذن بحمل الأخبار المطلقة في
وجوب الاتمام بمجرد وصول الملك على التقية، قال لأن عامة العامة على ما نقل
عنهم ذهبوا إلى أن المسافر إذا ورد في أثناء سفره منزلا له أتم فيه سواء استوطنه
أم لا حتى قال بعضهم بالاتمام في منازل أهله وعشيرته ولم يظهر من أحد منهم القول
باشتراط دوام الاستيطان (1).
أقول: ومن الأخبار التي يجب حملها على التقية بناء على ما ذكره شيخنا
المشار إليه صحيحة البقباق (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسافر ينزل
على بعض أهله يوما أو ليلة أو ثلاثا قال ما أحب أن يقصر الصلاة ".
وقد حملها الشيخ على الاستحباب الذي مرجعه إلى التخيير بين القصر والاتمام
وحملها بعض على الاستيطان بشرائطه أو على أنه يستحب أن يقيم عشرا. والظاهر
بعد الجميع بل الأظهر هو الحمل على التقية لما عرفت، وعلى ذلك تحمل جملة تلك الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب الاتمام بمجرد وصول الملك، وتعضده الأخبار
الدالة على أنه لا يجوز الاتمام فيها إلا مع نية إقامة العشرة وإلا فالواجب التقصير،
لأنك قد عرفت أن تقييدها بهذه الأخبار كما ذكره الصدوق وإن أمكن في بعض
إلا أنه لا يمكن في بعض آخر كالأخبار الدالة على وجوب الاتمام مع الجلوس فيها
يوما أو يومين أو ثلاثة، وحينئذ فلم يبق إلا حملها جميعا على التقية التي هي في
اختلاف الأخبار أصل كل بلية، وهو محمل جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه

(1) في المغني ج 2 ص 290: إذا مر في طريقه على بلد فيه أهل أو مال قال أحمد في
موضع يتم وقال في موضع يتم إلا أن يكون مارا هو قول ابن عباس، وقال الزهري إذا
مر بمزرعة له أتم، وقال إذا مر بقربة له فيها أهله أو ماله أتم إذا أراد أن يقيم بها يوما
وليلة، وقال الشافعي وابن المنذر يقصر ما لم يجمع على إقامة أربعة لأنه مسافر لم يجمع
على أربع.
(2) الوسائل الباب 19 من صلاة المسافر
368

ربه يزول الاختلاف بين هذه الأخبار.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قال في المدارك في هذا المقام - بعد أن نقل عن
الأصحاب الاستدلال على قطع السفر بالملك بموثقة عمار ثم ردها بضعف السند كما
قدمنا نقله عنه - ما صورته: والأصح اعتبار المنزل خاصة لإناطة الحكم به في الأخبار
الصحيحة، ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع.. ثم ساق الرواية الثالثة عشرة من الأخبار المتقدمة، ثم قال
وبهذه الرواية احتج الأصحاب على أنه يعتبر في الملك أن يكون قد استوطنه ستة
أشهر فصاعدا، وهي غير دالة على ما ذكروه بل المتبادر منها اعتبار إقامة ستة أشهر
في كل سنة. وبهذا المعنى صرح ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه فقال بعد أن
أورد قوله عليه السلام في صحيحة إسماعيل بن الفضل.. إلى آخر ما قدمنا نقله عن ابن بابويه.
ثم قال: والمسألة قوية الاشكال، وكيف كان فالظاهر اعتبار دوام الاستيطان كما يعتبر
دوام الملك لقوله عليه السلام في صحيحة علي بن يقطين " كل منزل من منازلك لا تستوطنه..
إلى آخره " انتهى ملخصا
أقول: فيه أولا - زيادة على ما قدمنا من اقتصاره في نقل دليل القول
المشهور على موثقة عمار مع وجود الروايات الصحيحة الصريحة غيرها كما عرفت -
أن وجه الاشكال في قوله: " والمسألة قوية الاشكال " إنما هو من حيث استدلال
الأصحاب بهذه الرواية على الاستيطان ستة أشهر في الجملة والرواية تدل على دوام
الاستيطان في كل سنة، فالاشكال حينئذ عنده من حيث إن القول بما عليه
الأصحاب خروج عن ما دل عليه النص والقول بما دل عليه النص خروج عن ما عليه
الأصحاب. وأنت خبير بأن هذا الاشكال سخيف ضعيف والاشكال الحقيقي إنما
هو من حيث إن الاستيطان في الرواية إنما وقع قيدا للمنزل كما عرفت، غاية الأمر
أنه متى كان المنزل المستوطن في الضيعة وجب الاتمام من حيث المنزل، وقد عرفت
من روايات علي بن يقطين المتعددة تقييد المنزل بالاستيطان في وجوب الاتمام وإن
369

كان وحده، والقيد المعتبر في الملك بناء على الروايات الثلاث الأخيرة إنما هو نية
الإقامة، فاستدلالهم بالرواية المذكورة ليس في محله. وأيضا فإنه صرح في صدر
كلامه بأن الأصح اعتبار المنزل خاصة دون مجرد الملك واستدل عليه بهذه الرواية،
وحينئذ فاعتبار الاستيطان إنما هو في المنزل الذي اختاره كما هو ظاهر الرواية،
وحق العبارة بناء على ما ذكرناه لما نقل عن الأصحاب أنهم احتجوا بهذه الرواية
على أنه يعتبر في الملك الاستيطان ستة أشهر أن يرده بأن اعتبار الاستيطان في الرواية
إنما هو بالنسبة إلى المنزل خاصة لا الملك، مع أن متبادر منها اعتبار الاستيطان
ستة أشهر في كل سنة وهم قد اكتفوا بالستة ولو في سنة واحدة. هكذا كان حق
العبارة بمقتضى ما اختاره في المقام.
وثانيا - أن قوله: " وكيف كان فالظاهر اعتبار دوام الاستيطان.. إلى
آخره " بعد قوله: " والمسألة قوية الاشكال " من ما لا يخلو من التدافع، لأن
قوة الاشكال عنده كما عرفت من حيث الاختلاف بين كلام الأصحاب في ما اكتفوا
به من الاستيطان ستة أشهر ولو في سنة وبين الرواية في ما دلت عليه من دوام
الاستيطان، وهو مؤذن بتوقفه في المسألة من حيث عدم إمكان مخالفة الأصحاب
وعدم إمكان مخالفة الرواية فوقع في الاشكال لذلك، ومقتضى قوله: " وكيف
كان.. إلى آخره " ترجيح العمل بما دلت عليه الرواية من دوام الاستيطان كما
أيده بذكر صحيحة علي بن يقطين وكلام الشيخ وابن البراج.
وبالجملة فإن الظاهر من كلامه في هذا المقام أن الخلاف هنا بين الأصحاب وقع
في موضعين: (أحدهما) - أن الوطن الذي ينقطع به السفر هل هو مجرد الملك
الذي استوطنه كما هو المشهور أو خصوص المنزل المستوطن؟ وهو في هذا الموضع
قد حكم بأن الأصح هو القول الثاني مستندا إلى الصحيحة المذكورة. و (ثانيهما) - أنه
هل يكفي إقامة الستة ولو مرة واحدة في سنة كما هو المشهور أم لا بد من تجدد
الإقامة في كل سنة كما هو ظاهر الصدوق والشيخ في النهاية وابن البراج؟ وهو قد
370

اختار هنا القول الثاني لقوله " والظاهر اعتبار دوام الاستيطان ".
وحينئذ فقد تلخص أن مذهبه في المسألة هو القول بخصوص المنزل مع اعتبار
دوام الاستيطان كل سنة، وعلى هذا فأي اشكال هنا عنده وما وجه هذا الاشكال
فضلا عن قوته حتى أنه يقول " والمسألة قوية الاشكال " وبالجملة فالظاهر أن كلامه
هنا لا يخلو من مسامحة ناشئة عن الاستعجال. والله العالم.
تنبيه
قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا المقام جملة من الفروع
والأحكام من ما يتم بها الكلام لا بد من نقلها وذكرها لما فيها من الإيضاح للمسألة
ورفع غشاوة الابهام:
فمنها - أن المستفاد من كلام الأكثر هو الاكتفاء بمقام الستة الأشهر ولو
دفعة في سنة واحدة فيتم متى وصل بعدها ولو فريضة واحدة، وظاهر الصدوق
- وإليه مال في المدارك كما تقدم ذكره - اعتبار السنة في كل سنة، والمفهوم من
كلام الفاضل الخراساني وبعض من تأخر عنه إناطة حصول الاستيطان بالعرف من
غير تقييد بمدة:
قال في الذخيرة: والظاهر أن الوصول إلى بلد له فيه منزل استوطنه بحيث
يصدق الاستيطان عرفا كاف في الاتمام. انتهى. ونحوه في الكفاية.
وقال بعض من تأخر عنه من مشايخنا المحققين بعد نقل صحيحة محمد بن
إسماعيل بن بزيع: وخلاصة معناه أن الاتمام بالضياع وما بحكمها إنما هو في ما يكون
محلا لسكناه بحيث يعد عرفا من أوطانه ويصدق عليه عادة أنه موضع استيطانه من
غير أن يعرضه الترك لذلك في ما بعد بمرتبة تخرجه عن عداد الأوطان وصدق
الاستيطان أي بحيث لا يقال إنه كان وطنه سابقا فتركه، فإن هذا الاستيطان
يتحقق بأن يكون له فيه محل نزول وإن لم يكن ملكا له يسكنه دائما ستة أشهر مهما
ارتحل منتقلا إليه. انتهى.
371

أقول: قد عرفت أنه لا يخفى ما في إحالة الأحكام الشرعية على العرف من
الاشكال، فإنا لا نجد لهذا العرف معنى إلا باعتبار ما يتصوره مدعيه في كل مقام ويزعم أن كافة الناس على ما ارتسم في خاطره فيحمل عليه الأحكام، وإلا فتتبع الأقطار
والأمصار ومعرفة ما عليه عرف الناس وعادتهم في تلك الأمور التي علقوها على العرف
أمر متعذر البتة، هذا مع ما علم يقينا من اختلاف العادات والعرف باختلاف الأقاليم
والبلدان. وبالجملة فإناطة الأحكام الشرعية بالعرف مع ما عرفت من كونه لا دليل عليه
لا يخلو من الاشكال، والمفهوم من أخبارهم (عليهم السلام) أنه مع ورود لفظ مجمل
في أخبارهم فإنه يجب الفحص عن معناه المراد به عنهم ومع تعذر الوقوف على ذلك
فالواجب الأخذ بالاحتياط والوقوف على سواء ذلك الصراط.
ويمكن هنا أن يقال إن لفظ الاستيطان وإن كان مجملا في أكثر الأخبار إلا أن صحيحة ابن بزيع قد صرحت بأن المراد به إقامة ستة أشهر، والمجمل يحمل
على المفصل والمطلق على المقيد فلا اشكال.
وأما ما يفهم من كلام الصدوق ومن تبعه في هذا المقام - من وجوب الستة
في كل سنة استنادا إلى إفادة المضارع التجدد - ففيه أن الظاهر بمعونة الأخبار الكثيرة
الدالة على مطلق الاستيطان إنما هو أن المراد بذلك أنه لا يكفي في صدق الاستيطان
المرة والمرتان بل لا بد من تجدده واستمراره على وجه لا يتركه تركا يخرج به عن
الاسم المذكور، وأقل ما يحصل به ذلك من المراتب إقامة الستة مرة واحدة حيث إنه لم يعين في تلك الأخبار الكثيرة مدة للتحديد بل جعل المناط هو التحديد الذي
يكون سببا لعدم زوال اسم الاستيطان، وفي الصحيحة المذكورة أوضحه وعينه
بكون أقل ذلك مدة الستة الأشهر. وبذلك يظهر أنه لا دلالة في الرواية على
ما توهموه من اعتبار إقامة الستة في كل سنة. والله العالم.
ومنها - أنه لا يشترط في الستة الأشهر التوالي بل يكفي ولو كانت متفرقة.
وهو جيد، وذلك فإن الحكم بالتمام في الأخبار المتقدمة علق على مطلق الاستيطان
372

المدة المذكورة وهو أعم من أن يكون مع التوالي أو التفريق.
ومنها - أنه يشترط أن تكون الصلاة في الستة المذكورة بنية الإقامة لأنه
المتبادر من قوله عليه السلام في صحيحة ابن بزيع " منزل يقيم فيه ستة أشهر " وكذا من
لفظ الاستيطان والسكنى كما في الأخبار الأخر، وحينئذ فلا يكفي الاتمام المترتب
على كثرة السفر ولا على المعصية بالسفر ولا بعد التردد ثلاثين يوما ولا لشرف
البقعة. نعم لا تضر مجامعتها له وإن تعددت الأسباب.
ومنها - اشتراط الملك في المنزل وغيره كما هو ظاهر كلامهم وبه صرح الشهيدان
قال في الذكرى: ويشترط ملك الرقبة فلا تكفي الإجارة والتملك بالوصية. ونحوه
في الروض أيضا.
وظاهر بعض متأخري المتأخرين المناقشة في الشرط المذكور، قال في
الذخيرة: واشترط الشهيد ملك الرقبة فلا تجزئ الإجارة. وفيه تأمل.
أقول: لا يخفى أن المفهوم من الأخبار المتقدمة بالنسبة إلى الضياع والقرى
ونحوها هو اشتراط الملك بغير اشكال وإنما محل الاشكال في المنزل، والمفهوم لغة
وعرفا أنه عبارة عن موضع النزول، قال في القاموس: النزول الحلول ونزل به
حل فيه والمنزل موضع النزول. ومثله في كتاب المصباح المنير. ولا ريب أن
ذلك أعم من أن يكون ملكا أو مستأجرا أو معارا أو نحو ذلك، والاستناد إلى
اللام في المقام باعتبار حملها على التملك لا وجه له لاحتمال حملها على الاختصاص،
بل صرح في الروض في مسألة اتخاذ البلد دار إقامة على الدوام بأن اللام كما تدل على
الملك تدل على الاختصاص بل هي فيه أظهر، وقال بعض مشايخنا المحققين من
متأخري المتأخرين: الحق إن الأصل في اللام الاختصاص ومجيئها للتمليك إنما هو
لأجل كونه من أفراد الاختصاص. وبالجملة فإن ما ذكروه في المقام لا يخلو من
الاشكال لعدم الدليل الواضح عليه بل ظاهر كلام أهل اللغة كما عرفت خلافه.
ومنها - كون الاستيطان بعد تحقق الملك بناء على القول المشهور من اشتراط
373

ملك الرقبة أو بعد تحقق أحد الأسباب المبيحة للنزول بناء على القول الآخر،
فلو تقدم الاستيطان أو بعضه على ذلك لم يعتد به، والوجه في ما ذكرنا أن الحكم
في الأخبار ترتب على الاستيطان في المنزل الذي له ملكا كان أو عارية أو نحو ذلك
وهو ظاهر في أن الاستيطان قبل وجود المنزل المتصف بأحد الوجوه المذكورة من
الملكية ونحوها لا يدخل تحت مضمون هذه العبارة.
ومنها - دوام الملك فلو خرج عنه لم يترتب عليه الحكم المذكور، قال في
الذكرى: ويشترط أيضا دوام الملك فلو خرج عن ملكه زال الحكم، لأن
الصحابة لما دخلوا مكة قصروا فيها لخروج أملاكهم (1).
أقول: هذا الشرط جيد بالنسبة إلى الملك بناء على ما قدمنا نقله عنهم من
اشتراط ملك الرقبة، وأما بناء على القول الآخر فإنه لا بد أيضا من دوام نسبة المنزل
إليه بأحد الأسباب المتقدمة، فلو استأجره أو استعاره مدة ثم انقضت المدة وخرج عن
النسبة إليه والتعلق به فالظاهر أيضا زوال الحكم المترتب على وجود المنزل الداخل
تحت تصرفه، فإن ظاهر الأخبار اعتبار دوام السبب المذكور في دوام ما يترتب عليه
ومنها - أنه لا يشترط السكنى في الملك بل يكفي السكنى في البلد أو القرية
حيث كان ولا يشترط كونه له صلاحية السكنى.
قال في الروض: ولا يشترط كون السكنى في الملك ولا كونه له صلاحية
السكنى لحديث النخلة (2) فيكفي سكنى بلد لا يخرج عن حدوده الشرعية وهي حد
الخفاء. انتهى.
أقول: أما عدم اشتراط كون السكنى في الملك فإن أريد به بالنسبة إلى مثل
الضياع والنخيل فهو من ما لا ريب في صحته، لأن هذه الأشياء ليست محلا
للسكنى عرفا فيكفي الجلوس في البلد. إلا أنك قد عرفت سابقا أنه لا دليل على
ما اعتبروه من اشتراط مجرد الملك بالسكنى بل السكنى في الأخبار إنما ترتب على

(1) بدائع الصنائع ج 1 ص 103
(2) وهو الحديث الرابع ص 361
374

المنزل، وإن أريد به بالنسبة إلى المنازل فهو محل اشكال، لأن الروايات دلت
على أنه إذا كان له منزل يستوطنه وهي ظاهرة بل صريحة في كون الاستيطان في
نفس المنزل، والحمل على تقدير مضاف أي يستوطن بلده بعيد غاية البعد، فما
ذكروه (عطر الله مراقدهم) هنا لا يخلو من وصمة الاشكال.
ومنها - أنه قد صرح غير واحد منهم (رضوان الله عليهم) بأنه لو اتخذ بلدا
دار إقامة على الدوام فإن حكمه حكم الملك:
قال في المدارك: والحق العلامة ومن تأخر عنه بالملك اتخاذ البلد دار إقامة
على الدوام ولا بأس به لخروج المسافر بالوصول إليها عن كونه مسافرا عرفا.
قال في الذكرى: وهل يشترط هنا الاستيطان الستة الأشهر؟ الأقرب ذلك ليتحقق
الاستيطان الشرعي مضافا إلى العرفي. وهو غير بعيد لأن الاستيطان على هذا
الوجه إذا كان معتبرا مع وجود الملك فمع عدمه أولى. انتهى.
أقول: لا يخفى ما وقع للأصحاب (رضوان الله عليهم) قديما وحديثا من
الغفلة في هذه المسألة، وذلك فإن ظاهرهم الاتفاق على انحصار قواطع السفر في
ثلاثة: (أحدها) إقامة العشرة. و (ثانيها) مضى ثلاثين يوما مترددا. و (ثالثها) وصول
بلد له فيها ملك أو منزل قد استوطنه على الخلاف المتقدم، وظاهرهم دخول بلدته
التي تولد فيها ونشأ من زمن أبيه وأجداده في القاطع الثالث، والحق العلامة ومن
تبعه بالملك كما هو القول المشهور اتخاذ البلد دار إقامة على الدوام ورجحه السيد
السند كما ذكره. ثم إن من تأخر عن العلامة اختلفوا في أنه هل يشترط اعتبار
الستة الأشهر المعتبر في الملك في هذا البلد؟ ظاهر الذكرى ذلك ورجحه السيد
المذكور لما ذكره، وبمثل ذلك صرح جده لي الروض وغيره، وظاهر الشهيد في
البيان التوقف في ذلك حيث قال: والمقيم ببلدة اتخذها وطنا على الدوام يلحق بالملك
على الظاهر وفي اشتراط الإقامة ستة أشهر أو العشرة الأيام إشكال. انتهى.
وبالجملة فالمشهور هو الأول.
375

وأنت خبير بأنه لا يخفى على من لاحظ الأخبار بعين التأمل والتدبر
والاعتبار أن المفهوم منها على وجه لا يعتريه الشك ولا الانكار أن القواطع الثلاثة
التي أحدها بلد الملك أو المنزل المشترط فيه الاستيطان إنما هي في ما إذا خرج
الانسان من بلده مسافرا سفرا يجب فيه التقصير فإنه يستصحب التقصير في سفره
إلى أن ينقطع إما بإقامة عشرة أيام في بعض المواضع أو مضى ثلاثين يوما مترددا
أو يمر في سفره ذلك على ملك له من ضياع أو منزل على الوجه المتقدم في المسألة فإنه
ينقطع سفره بأي هذه حصل ويرجع إلى التمام، ثم بعد المفارقة يرجع إلى التقصير في
سفره كما كان أولا حتى يرجع إلى بلده التي خرج منها فيجب عليه الاتمام بالوصول إليها،
إلا أن الأخبار هنا قد اختلفت في أنه هل يتم إذا رجع إلى بلده بعد تجاوزه محل
الترخص داخلا أو لا يتم حتى يدخل منزله وأهله؟ وحينئذ فتلك القواطع الثلاثة إنما
هي خارج البلد المذكور، وانقطاع السفر بالرجوع إلى بلده التي خرج منها ليس له مدخل
في تلك القواطع بوجه، وقد تقدمت لك الأخبار المتعلقة بهذا القاطع الثالث الذي هو
الملك أو المنزل صريحة في ما قلناه وواضحة في ما ادعيناه فإنها تضمنت أنه يمر به في
سفره، ومنه يعلم أن ذلك إنما هو في مدة السفر وضمنه كما ذكرناه، وعباراتها في
هذا المعنى صريح وظاهر مثل قولهم " سافر من أرض إلى أرض وإنما ينزل
قراه وضيعته " وقولهم " يتخذ المنزل فيمر به " ونحو ذلك من ما تقدم، وكله صريح
أو ظاهر في كون تلك الأملاك والضياع والمنازل إنما هي في الطريق والسفر، وأما
بلد الإقامة فلا مدخل لها في هذه الأخبار بوجه وإنما لها أخبار على حدة، ومحل
الخلاف الذي وقع بينهم من الاكتفاء بالملك مطلقا أو لا بد من المنزل واعتبار
الاستيطان مطلقا أو مقيدا ونحو ذلك كله إنما نشأ من هذه الأخبار التي ذكرناها
المتضمنة لكون ذلك في السفر.
وأما أخبار بلد الاستيطان الدالة على انقطاع السفر بالوصول إليها فهي هذه
التي نتلوها عليك: فمنها موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال:

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة المسافر، والرواية عن أبي إبراهيم " ع "
376

" سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتم الصلاة أم
يكون مقصرا حتى يدخل أهله؟ قال بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله ".
وصحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " لا يزال المسافر
مقصرا حتى يدخل بيته ".
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال: وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال
" إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه ".
وموثقة ابن بكير (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة
وهو من أهل الكوفة له بها دار ومنزل فيمر بالكوفة وإنما هو مجتاز لا يريد المقام
إلا بقدر ما يتجهز يوما أو يومين؟ قال يقيم في جانب المصر ويقصر. قلت فإن
دخل أهله؟ قال عليه التمام ".
وروى هذه الرواية الحميري في كتاب قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب (4) " أنه سمع بعض الواردين يسأل
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة وله بالكوفة دار
وعيال فيخرج فيمر بالكوفة ويريد مكة ليتجهز منها وليس من رأيه أن يقيم أكثر
من يوم أو يومين؟ قال يقيم في جانب الكوفة ويقصر حتى يفرغ من جهازه وإن
هو دخل منزله فليتم الصلاة ".
وأنت خبير بأن سند الرواية المذكورة صحيح فبملاحظة موافقتها مع الموثقة
المذكورة يجعلها في حكم الصحيح أيضا.
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " إن أهل مكة إذا
زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا وإذا يدخلوا منازلهم قصروا ".
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (6) قال: " إن أهل مكة إذا خرجوا

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 7 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 7 من صلاة المسافر
(5) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر
(6) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر
377

حجاجا قصروا وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتموا ".
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سألته عن التقصير
قال: إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم وإذا كنت في الموضع الذي
لا تسمع فيه الأذان فقصر، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك " وليس في بعض نسخ
الحديث أول الحديث إلى قوله " فأتم ".
هذه جملة ما حضرني من أخبار المسافر إذا رجع إلى بلده، وقد دلت كلها
ما عدا الأخير على أن سفره إنما ينقطع بدخول بيته كما هو أحد القولين في المسألة
وأظهرهما، وصحيحة ابن سنان قد دلت على الانقطاع بتجاوز محل الترخص داخلا
كما هو أشهر هما، ولا تعرض في شئ منها بوجه من الوجوه لشئ من تلك الشروط
التي وقع فيها الخلاف ولا دلالة فيها على اشتراط منزل ولا ملك، والإضافة في.
هذه الأخبار في قوله " بيته أو منزله " أعم من التمليك والاختصاص، ولا تعرض
فيها لاستيطان ستة أشهر ولا عدمه، وهؤلاء الذين اشتملت هذه الأخبار على
السؤال عن أحكامهم وبيان تقصيرهم واتمامهم لا تخصيص في أحد منهم بكونه ممن
قد اتخذها وطنا من زمن آبائه وأجداده أو توطنها أخيرا، نعم لا بد من صدق
كونها بلده عرفا كما تشير إليه أخبار أهل مكة، ومن ذلك يظهر أن قواطع السفر
أربعة بزيادة ما ذكرناه على الثلاثة المتقدمة.
هذا. وأما ما ذكروه من حكم من اتخذ بلدا دار إقامة على الدوام فالأظهر
عندي التفصيل فيه بأنه إن كان قد صدق عليه عرفا كونه من أهل البلد المذكور فحكمه
ما ذكرناه ودلت عليه هذه الأخبار كأهل البلد القاطنين بها، وإن كان قبل ذلك
كأن يكون ذلك في أول أمره بأن نوى الجلوس فيها على الدوام ولكنه بعد لم يدخل
تحت اسم أهلها ولم يصدق عليه أنه منها فالأظهر فيه الرجوع إلى قواعد السفر
المنصوصة عن أهل البيت (عليهم السلام) من بقاء حكم السفر عليه حتى ينقطع

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة المسافر.
378

سفره بأحد القواطع الشرعية. وما ذكروه من التخريجات المتقدم ذكرها لا
أعرف عليها دليلا ولا إليها سبيلا. وقوله في المدارك: " لخروج المسافر بالوصول
إليها عن كونه مسافرا عرفا " ليس بشئ في مقابلة النصوص الصحيحة الصريحة الدالة
على وجوب التقصير على المسافر إلا أن ينقطع سفره بأحد القواطع الشرعية،
وحيث لم يحصل هنا شئ منها فالواجب بمقتضى تلك النصوص استصحاب التقصير
كما صرحوا به في من أقام مدة في رستاق، ومجرد نية الإقامة دواما في البلد لا دليل
على تأثيرها في قطع حكم السفر، والالحاق بالملك مجرد قياس لا يوافق أصول
المذهب. وبالجملة فإن التحقيق عندي في المسألة ما ذكرته. والله العالم بحقائق
أحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
المقام الثالث - في مضي ثلاثين يوما مترددا ولا خلاف بينهم في وجوب
الاتمام عليه بعد المدة المذكورة، وقد مضت الأخبار الدالة عليه في صدر المقام
الأول، إلا أن في بعضها التحديد بثلاثين يوما وفي بعضها بالشهر، ويظهر
الفرق في ما إذا كان مبدأ التردد أول الشهر الهلالي فإنه يكتفي به وإن ظهر نقصانه
عن الثلاثين بناء على رواية الشهر، والظاهر أنه كذلك أيضا بمقتضى كلام الأصحاب
ويشكل حينئذ باعتبار رواية الثلاثين إلا أن تحمل على غير الصورة المذكورة من
حصول التردد في أثناء الشهر كما هو الأغلب.
ونقل عن العلامة في التذكرة أنه اعتبر الثلاثين ولم يعتبر الشهر الهلالي، قال:
لأن لفظ الشهر كالمجمل ولفظ الثلاثين كالمبين. قال في المدارك: ولا بأس به.
وقال في الذخيرة: وفي كونهما كالمجمل والمبين تأمل بل الظاهر كون الشهر
حقيقة في المعنى المشترك بين المعنيين، وحينئذ فالمتجه أن يقال يحمل على الثلاثين
كما يحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص. انتهى.
أقول: لا يخفى أن مرجع الكلامين إلى البناء على الثلاثين وتقييد الشهر بذلك
وهو الأظهر وإن كان ما ذكرناه أو لا في الجمع بين الأخبار لا يخلو من قرب. والله العالم
379

الخامس من الشروط المتقدمة أن يكون السفر سائغا واجبا كان كالحج أو
مستحبا كالزيارة أو مباحا كالتجارة فلا يترخص العاصي بسفره، وهذا الشرط
مجمع عليه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما نقله المحقق في المعتبر والعلامة في
جملة من كتبه.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها - ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمار بن
مروان عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سمعته يقول من سافر قصر وأفطر إلا أن
يكون رجلا سفره إلى صيد أو في معصية الله تعالى أو رسولا لمن يعصي الله عز وجل
أو في طلب شحناء أو سعاية ضرر على قوم مسلمين ".
وما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة في الموثق (2) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يخرج إلى الصيد أيقصر أو يتم؟ قال يتم لأنه ليس بمسير حق ".
وعن أبي سعيد الخراساني (3) قال: " دخل رجلان على أبي الحسن الرضا
عليه السلام فسألاه عن التقصير فقال لأحدهما: وجب عليك التقصير لأنك قصدتني. وقال
للآخر: وجب عليك التمام لأنك قصدت السلطان ".
وعن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (4) قال: " سبعة
لا يقصرون الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته والأمير الذي يدور في إمارته
والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق والراعي والبدوي الذي يطلب
مواضع القطر ومنبت الشجر والرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا
والمحارب الذي يقطع السبيل ".
واتمام الأخيرين لعدم إباحة السفر وأما ما عداهما فيمكن أن يكون لكون
السفر عملهم، ويحتمل في الأولين أن يكونا من قبيل الأخيرين أيضا.

(1) الوسائل الباب 8 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 9 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 8 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 11 من صلاة المسافر
380

وعن ابن بكير (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتصيد اليوم
واليومين والثلاثة أيقصر الصلاة؟ قال لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين فإن
التصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه. وقال يقصر إذا شيع أخاه ".
وعن عمران بن محمد بن عمران القمي في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " قلت له الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين
يقصر أو يتم؟ قال إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر ويقصر وإن خرج لطلب
الفضول فلا ولا كرامة ".
وعن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال: " سألته عن من
يخرج من أهله بالصقور والبزاة والكلاب يتنزه الليلة والليلتين والثلاثة هل يقصر
من صلاته أم لا يقصر؟ قال إنما خرج في لهو لا يقصر. قلت: الرجل يشيع
أخاه اليوم واليومين في شهر رمضان؟ قال يفطر ويقصر فإن ذلك حق عليه ".
وعن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (4) " في قول الله عز وجل: فمن
اضطر غير باغ ولا عاد (5) قال: الباغي باغي الصيد والعادي السارق ليس لهما أن
يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها هي حرام عليهما كما هي على المسلمين وليس لهما أن يقصرا
في الصلاة ".
هذا ما حضرني من الأخبار المتعلقة بالمسألة، وتحقيق الكلام في المقام أن
يقال: ظاهر الأصحاب - وإليه يشير بعض الأخبار المذكورة كصحيحة عمار بن مروان
وموثقة عبيد بن زرارة - أن السفر المحرم الموجب للاتمام أعم من أن يكون محرما
في حد ذاته أو باعتبار غايته المترتبة عليه، ومن الأول الفار من الزحف والهارب

(1) الوسائل الباب 9 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 9 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 9 و 10 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 8 من صلاة المسافر
(5) سورة البقرة الآية 168 والأنعام الآية 146
381

من غريمه مع قدرته على الوفاء، وعدوا من ذلك تارك الجمعة بعد وجوبها عليه،
ومنه أيضا الآبق عن مولاه والمرأة الناشزة والسالك طريقا يغلب على ظنه فيه العطب
وإن كانت الغاية حسنة كأن يكون السفر للحج والزيارات مثلا، وعد منه كل سفر
استلزم ترك واجب وسيأتي ما فيه. ومن الثاني المسافر لقطع الطريق أو لقتل رجل
مسلم أو لاضرار بقوم مسلمين أو نحو ذلك، وقد عد في المدارك ومثله صاحب
الذخيرة الآبق والناشز في القسم الثاني.
قال في المدارك: واطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في
السفر المحرم بين من كان غاية سفره معصية كقاصد قطع الطريق بسفره وكالعبد
والمرأة القاصدين بسفرهما النشوز والإباق أو كان نفس سفره معصية كالفار من
الزحف والهارب من غريمه مع قدرته على وفاء الحق.
أقول: فيه أنه لا يخفى أن معنى السفر الذي غايته معصية أن يكون هناك أمران
ثابتان في الوجود الخارجي أحدهما مقدم على الآخر والآخر مترتب عليه، فإن
الغاية متأخرة في الوجود عن ذي الغاية، مثلا من سافر لقتل رجل في بلد فإن
السفر يحصل أولا ثم تلك الغاية المترتبة عليه فالسفر من حيث هو لا يلحقه تحريم
وإنما يلحقه التحريم باعتبار ترتب تلك الغاية عليه، وبهذا يظهر أن سفر المرأة
القاصدة به النشوز ليس كذلك لأن سفرها بهذا العنوان محرم من أصله، والنشوز
لا يصلح هنا لأن يكون من الغايات المترتبة على السفر بعد وقوعه كما في سائر
الأسفار التي غايتها محرمة بل هو حاصل من أول خروجها عن طاعة الزوج، غاية
الأمر أن السفر لما كان من حيث هو أعم قيد بهذا القيد، والمراد حينئذ أن من
جملة السفر المحرم في حد ذاته سفر المرأة إذا كانت قاصدة به النشوز فإن مجرد
سفرها ليس بمحرم. وبذلك يظهر أن هذين الفردين إنما هما من القسم الأول
كما ذكرناه.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: وادخال هذه الأفراد يقتضي المنع
382

من ترخص كل تارك للواجب بسفره لاشتراكهما في العلة الموجبة لعدم الترخص،
إذ الغاية مباحة فإنه المفروض وإنما عرض العصيان بسبب ترك الواجب، فلا
فرق حينئذ بين استلزام سفر التجارة ترك صلاة الجمعة ونحوها وبين استلزامه ترك
غيرها كتعلم العلم الواجب عينا أو كفاية بل الأمر في هذا الوجوب أقوى، وهذا
يقتضي عدم الترخص إلا لأوحدي الناس، لكن الموجود من النصوص في ذلك لا يدل
على إدخال هذا القسم ولا على مطلق العاصي وإنما دل على السفر الذي غايته المعصية
وقال سبطه السيد السند بعد نقله: ويشكل بأن رواية عمار بن مروان التي
هي الأصل في هذا الباب تتناول مطلق العاصي بسفره، وكذا التعليل المستفاد من رواية
عبيد بن زرارة، والاجماع المنقول من جماعة. لكن لا يخفى أن تارك الواجب
كالتعلم ونحوه إنما يكون عاصيا بنفس الترك لا بالسفر إلا إذا كان مضادا للواجب
وقلنا باقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص، والظاهر عدم الاقتضاء كما
هو اختياره (قدس سره) مع أن التضاد بين التعلم والسفر غير متحقق في أكثر
الأوقات، فما ذكره (قدس سره) حينئذ من أن إدخال هذه القسم يقتضي عدم
الترخص إلا لأوحدي الناس غير جيد. انتهى.
أقول: التحقيق في هذا المقام أن يقال: لا يخفى أن المفهوم من الأخبار المتقدمة -
وهو صريح روايتي أبي سعيد الخراساني وعمران بن محمد القمي - أن المدار في حرمة
السفر وإباحته إنما هو على القصد والنية، ويعضده الأخبار المستفيضة الدالة على أن
الأعمال بالنيات (1) لا محض استلزام السفر لأمر محرم كترك واجب مثلا مطلقا
وإن لم يخطر بباله فضلا عن قصده. ومنه يظهر أن عدمهم سفر تارك الجمعة من قبيل
السفر المحرم ليس في محله بناء على ما ذكروه في تلك المسألة من حيث إنه مستلزم
لتفويت الواجب، فإنه إنما يتم بناء على ثبوت تلك المقدمة الأصولية من أن
الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده الخاص. نعم يأتي بناء على ما قدمناه من النصوص

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات
383

في تلك المسألة صحة عده هنا حيث إنها دالة على النهي عن السفر. وبالجملة فإن المفهوم
من الأخبار المتقدمة كما عرفت هو دوران التحريم مدار النية والقصد بذلك السفر،
فإن قصد به أمرا محرما كالفرار من الزحف والهرب من غريمه مع إمكان الوفاء
أو النشوز والإباق أو قصد غاية محرمة مترتبة عليه كالأمثلة المتقدمة ثبت التحريم
ووجب الاتمام، وأما لو استلزم ترك واجب ولم يخطر بباله أو خطر بباله ولكن
لم يتعلق به القصد فإنه لا يتعلق به التحريم، نعم لو كان هو المقصود من السفر
وتعلقت به النية وقد ثبت تحريمه في حد ذاته أو باعتبار غايته فلا اشكال في ما
ذكروه من وجوب الاتمام. وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا المتقدم ذكره من عدم
ورود ما ذكره وأنه لا حاجة في التفصي عنه إلى ما ذكره سبطه السيد السند.
ويؤيد ما قلناه ما صرحوا به في هذا المقام من أن المعصية في السفر مانعة
ابتداء واستدامة، فلو قصد المعصية ابتداء أتم ولو رجع عنها في أثناء السفر
اعتبرت المسافة حينئذ فإن بلغ الباقي مسافة قصر وإلا أتم.
وظاهر هم الاتفاق هنا على الحكم المذكور حيث إن ذلك ثابت في انشاء كل
سفر وهذا من جملة ذلك، فإنه بعد الرجوع عن المعصية قاصد لإنشاء السفر فلا بد
فيه من المسافة.
وأما لو كان سفره مباحا ثم قصد المعصية في الأثناء انقطع ترخصه ووجب
عليه التمام ما دام على ذلك القصد، فلو رجع عن ذلك القصد إلى قصده الأول أو
غيره من القصود المباحة رجع إلى التقصير.
وهل يعتبر هنا في رجوعه إلى التقصير كون الباقي مسافة؟ قيل نعم وبه
قطع العلامة في القواعد لبطلان المسافة الأولى بقصد المعصية فافتقر في رجوعه إلى
التقصير إلى قصد مسافة جديدة. وقيل لا وهو ظاهر المحقق في المعتبر والعلامة
في المنتهى وبه قطع في الذكرى، واستدل عليه بأن المانع من التقصير إنما كان هي
المعصية وقد زالت. قال في المدارك: وهو جيد وفي بعض الأخبار دلالة عليه.
384

أقول: الظاهر أنه أشار بالخبر المذكور إلى ما رواه الشيخ عن بعض أهل
العسكر (1) قال: " خرج عن أبي الحسن عليه السلام أن صاحب الصيد يقصر ما دام على
الجادة فإذا عدل عن الجادة أتم فإذا رجع إليها قصر ".
وقال في الفقيه: ولو أن مسافرا ممن يجب عليه التقصير مال عن طريقه إلى
صيد لوجب على التمام لطلب الصيد، فإن رجع من صيده إلى الطريق فعليه في
رجوعه التقصير.
والظاهر أن كلامه هذا وقع تفسيرا للخبر المذكور، وظاهره حمل الجادة
على المعنى المعروف، وكأنه حمل صاحب الصيد في الخبر على من لم يرد الصيد ابتداء
وإنما خرج مسافرا ثم بدا له التصيد فعدل عن طريقه
واحتمل بعض الأفاضل حمل الجادة في الخبر على الحق بمعنى الجادة الشرعية
والموافقة لأمر الشارع فإنه يقصر ما دام كذلك وإن عدل عن ذلك أتم.
ووجه الاستدلال بالرواية المذكورة هو الأمر بالتقصير بعد الرجوع إلى
الجادة وهو أعم من أن يكون الباقي مسافة أو أقل بحيث يحصل منه ومن ما
تقدم المسافة.
ويمكن الاستدلال أيضا على القول الثاني زيادة على الرواية المذكورة بصحيحة
أبي ولاد المتقدمة في الشرط الثالث (2) حيث إنه عليه السلام أمره بالتقصير بعد رجوعه
عن السفر متى كان سار في يومه ذلك بريدا نظر إلى ضم البريد الماضي إلى البريد
الحاصل في الرجوع وتلفيق المسافة منهما، وبه يظهر قوة القول المشهور.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه بقي من أخبار المسألة خبران لا يخلو ظاهر هما من
الاشكال: أحدهما - ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتصيد فقال إن كان يدور حوله فلا يقصر وإن كان
يجاوز الوقت فليقصر " ورواه في الفقيه عن العيص بن القاسم عنه عليه السلام مثله (4).

(1) الوسائل الباب 9 من صلاة المسافر
(2) ص 333
(3) الوسائل الباب 9 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 9 من صلاة المسافر
385

وحمله الشيخ على ما إذا قصد بالصيد القوت. أقول: وينبغي حمل قوله:
" إن كان يدور حوله " بناء على ما ذكره على أنه يدور حول مكانه الذي هو فيه من
بلد ونحوها بمعنى أنه لا يبلغ محل الترخص فإنه لا يقصر وإن تجاوز الوقت يعني حد
الترخص فليقصر. وهو ظاهر.
وثانيهما - ما رواه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ورواه في الفقيه عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام وإذا جاوز
الثلاثة لزمه ".
والشيخ في التهذيب حمله على الصيد للقوت أيضا، والصدوق حمله على صيد
اللهو والفضول دون القوت.
ويمكن توجيه ما ذكره الشيخ بأنه في ضمن الثلاثة لا يبلغ مسافة التقصير
لأنه يتأنى في طلب الصيد يمينا وشمالا لعدم الصيد وقصد تحصيله، فإن المسافة وإن
حصلت بعد الثلاثة إلا إنها غير مقصودة من أول الأمر فلا يجب عليه التقصير تلك
المدة، وبعد الثلاثة فالغالب أنه يرجع إلى بلده، وحينئذ يكون قاصدا للمسافة
فيجب عليه التقصير لذلك.
ويمكن توجيه ما ذكره الصدوق بأنه في ضمن الثلاثة كان صيده غير مشروع
فلا يقصر، وأما بعد الثلاثة فالغالب أنه يرجع إلى بلده كما ذكرنا أولا ويكون
سفره مشروعا يجب فيه التقصير.
واحتمل في الوافي حمل هذا الخبر على التقية أيضا ولعله الأقرب.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد اختلفت الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سفر
صيد التجارة، فالمشهور بين المتأخرين كونه سفرا شرعيا مباحا بل ربما يكون مستحبا
فيجب فيه التقصير في الصلاة وافطار الصوم كغيره من الأسفار المباحة، والمشهور
في كلام المتقدمين التفصيل بين الصوم فيقصر فيه والصلاة فيتم فيها.

(1) الوسائل الباب 9 من صلاة المسافر.
386

قال في المدارك بعد أن ذكر أنه يجب التقصير إذا كان الصيد لقوته وقوت
عياله: والأصح إلحاق صيد التجارة به كما اختاره المرتضى وجماعة للإباحة بل قد
يكون راجحا أيضا. والقول بأن من هذا شأنه يقصر صومه ويتم صلاته للشيخ
في النهاية والمبسوط وأتباعه، قال في المعتبر: ونحن نطالبه بدلالة الفرق ونقول
إن كان مباحا قصر فيهما وإن لم يكن أتم فيهما. وهو جيد. ويدل على ما اخترناه
من التسوية بين قصر الصوم والصلاة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب
عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت " انتهى.
أقول: لا يخفى أن العلامة في المختلف قد نقل هذا القول عن جملة من أجلاء
أصحابنا المتقدمين (رضوان الله عليهم): منهم - الشيخ في النهاية والمبسوط والشيخ
المفيد والشيخ علي بن الحسين بن بابويه وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس،
قال وقال ابن إدريس: روى أصحابنا بأجمعهم أنه يتم الصلاة ويفطر الصوم، وكل سفر
أوجب التقصير في الصوم وجب تقصير الصلاة فيه إلا هذه المسألة فحسب للاجماع
عليه. ونقل في المختلف عن المبسوط أنه قال: وإن كان للتجارة دون الحاجة فروى
أصحابنا أنه يتم الصلاة ويفطر الصوم. ثم نقل في المختلف عن السيد المرتضى قال
وأوجب المرتضى وابن أبي عقيل وسلار التقصير على من كان سفره طاعة أو مباحا
ولم يفصلوا بين الصيد وغيره. انتهى.
وظاهر كلام ابن إدريس أن القول بذلك كان مشهورا بين المتقدمين إن لم
يكن مجمعا عليه كما ادعاه، وأن انفكاك حكم الصلاة هنا عن الصوم مستثنى من
القاعدة المتفق عليها نصا وفتوى، وهي أن من أفطر قصر ومن قصر أفطر.
وظاهر كلام المختلف أن السيد المرتضى وابن أبي عقيل وسلار لم يتعرضوا
إلى مسألة الصيد للتجارة بخصوصها وإنما ذكروا وجوب التقصير على من كان سفره
طاعة أو مباحا كما هو أصل المسألة التي هي من شروط التقصير.

(1) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر.
387

وبذلك يظهر أن قول السيد السند (قدس سره) هنا - والأصح إلحاق الصيد
للتجارة بالصيد لقوت عياله كما اختاره المرتضى وجماعة - ليس من ما ينبغي لأن
ظاهر هذه العبارة يعطي أن المرتضى وأتباعه نصوا على أن صيد التجارة كالصيد
لقوت عياله وليس الأمر كذلك كما عرفت.
ثم إنه لا يخفى أن ما ذكره أولئك الأجلاء من الخبر الدال على الفرق هنا
بين الصوم والصلاة لم نقف عليه إلا في كتاب الفقه الرضوي، حيث قال عليه السلام
في باب صلاة السفر (1): " وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والتقصير
في الصوم ".
ويمكن أن يكون الجماعة قد تلقوا هذا الحكم من كلام الشيخ علي بن الحسين
ابن بابويه كما هي عادتهم في جملة من المواضع، والشيخ المذكور كما عرفت من ما
قدمناه في غير مقام إنما أخذه من هذا الكتاب. واحتمال الوقوف على خبر بذلك
غيره أيضا ممكن إلا أنك قد عرفت في غير موضع اختصاص هذا الكتاب بجملة
من مستندات الأحكام التي قال بها المتقدمون ولم تصل إلى المتأخرين، والظاهر أن هذا منها.
إلا أنه عليه السلام في كتاب الصوم من الكتاب المذكور (2) قال ما هذه صورته:
" وصاحب الصيد إذا كان صيده بطرا فعليه التمام في الصلاة والصوم، وإن كان صيده
للتجارة فعليه التمام في الصلاة والصوم وروي أن عليه الافطار في الصوم، وإن كان
صيده من ما يعود على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم.. إلى آخره ".
وبه يعظم الاشكال ويصير من الداء العضال فإنه يؤذن بكون صيد التجارة
غير مشروع، وربما يشير إلى ذلك قوله عليه السلام في مرسلة عمران بن محمد بن عمران
القمي المتقدمة في روايات المقام الثاني من الشرط الرابع (3) " إن خرج لقوت عياله
فليفطر وليقصر وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة " فإن هذا الكلام يؤذن

(1) ص 16
(2) ص 25
(3) ص 381
388

بكون صيد التجارة من الفضول وأنه غير مشروع.
هذا. وفي كتاب زيد النرسي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " سأله بعض
أصحابنا عن طلب الصيد وقال له إني رجل ألهو بطلب الصيد وضرب الصوالج وألهو
بلعب الشطرنج؟ قال فقال أبو عبد الله عليه السلام أما الصيد فإنه مبتغى باطل وإنما أحل
الله الصيد لمن اضطر إلى الصيد فليس المضطر إلى طلبه سعيه فيه باطلا، ويجب عليه
التقصير في الصلاة والصوم جميعا إذا كان مضطرا إلى أكله، فإن كان ممن يطلبه
للتجارة وليست له حرفة إلا من طلب الصيد فإن سعيه حق وعليه التمام في الصلاة
والصيام لأن ذلك تجارته، فهو بمنزلة صاحب الدور الذي يدور في الأسواق في
طلب التجارة أو كالمكارى والملاح ".
ويمكن أن يستنبط من هذا الخبر أن الصيد للتجارة إذا لم يكن على هذا الوجه
فهو سفر شرعي يوجب التقصير، وذلك لأنه عليه السلام إنما أوجب اتمام هنا من حيث
كونه صار عملا له كالتاجر الذي يدور في الأسواق للتجارة والمكاري ونحوهما من
الأسفار المباحة لا من حيث كون سفره معصية، وحينئذ فمع انتفاء كونه عملا له
يكون مشروعا موجبا للتقصير، وعلى هذا ينبغي أن يحمل قوله في صدر الخبر
" أن الصيد مبتغى باطل " على صيد اللهو الذي أخبر به السائل عن نفسه، إلا أن
قوله عليه السلام " إنما أحل الله الصيد لمن اضطر إلى الصيد فليس المضطر إلى طلبه سعيه فيه
باطلا " لا يخلو من منافرة لما ذكره في صيد التجارة.
وبالجملة فالمسألة لما عرفت غير خالية من الاشكال والداء العضال، وقوة
القول المشهور بين المتأخرين ظاهرة فإن سفر التجارة في صيد كان أو غيره من
الأسفار المباحة الموجبة لوجوب التقصير والموجب للاتمام إنما هو سفر المعصية.
إلا أن ذهاب جملة من فضلاء الأصحاب إلى هذا القول - مع نقلهم لورود الأخبار
به مضافا إلى ما سمعت من كلامه عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي في الموضعين المتقدمين -

(1) مستدرك الوسائل الباب 7 من صلاة المسافر
389

من ما أوجب الاشكال، والاحتياط من ما لا ينبغي تركه على كل حال. والله العالم
السادس من الشروط المتقدمة أن لا يكون السفر عمله فإن من كان السفر
عمله يتم في سفره وحضره بلا خلاف يعتد به كالمكارى والجمال والملاح والبريد
والاشتقان والراعي والبدوي والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق كما
تضمنته الأخبار الصحيحة، وما وقع في أكثر عبائر الأصحاب - من التعبير هنا
بكثير السفر أو من كان سفره أكثر من حضره سواء كان من هؤلاء المعدودين
أو لا فجعلوا مناط الاتمام سفر الرجل من أهله مرتين أو ثلاثا على الخلاف في ما
به تحصل الكثرة من غير إقامة عشرة - ليس من ما ينبغي أن يصغى إليه لعدم الدليل
عليه، بل الظاهر من الأخبار كما سنتلوها عليك إن شاء الله تعالى على وجه لا يعتريه
الانكار هو كون ذلك عملا له، فلا بد من صدق الاسم بأحد العنوانات المتقدمة ونحوها.
ومن الأخبار المشار إليها ما تقدم من رواية إسماعيل بن أبي زياد في صدر
الشرط الخامس.
ومنها - ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما
السلام) (1) قال: " ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير ولا على المكارى والجمال "
وعن هشام بن الحكم باسنادين أحدهما من الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " المكارى والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة ويصوم
شهر رمضان ".
وعن زرارة بأسانيد ثلاثة فيها الصحيح والحسن، ورواه الشيخ والصدوق
في الصحيح (3) قال: " قال أبو جعفر عليه السلام أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر
كانوا أو حضر: المكارى والكرى والراعي والاشتقان لأنه عملهم ".
قال في الوافي: الكرى كغنى: الكثير المشي، وكأنه أريد به الذي يكري
نفسه للمشي، وأما الاشتقان فقيل هو أمين البيادر، وقال في الفقيه هو البريد.

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة المسافر.
(2) الوسائل الباب 11 من صلاة المسافر.
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة المسافر.
390

أقول: ما فسر به الكرى من أنه الكثير المشي لم نجده في شئ من كتب
اللغة المشهورة (1) والذي ذكره غيره من الأصحاب في معنى هذه اللفظة هو أن
المراد بها المكترى - فعيل بمعنى مفتعل - نظرا إلى ما يقتضيه ظاهر العطف من التغاير
وأصالة عدم الترادف، ولما نقل أيضا من استعماله في كلا المعنيين، قال ابن إدريس
في سرائره: الكرى من الأضداد ونقل عن ابن الأنباري في كتاب الأضداد أنه يكون بمعنى المكارى ويكون بمعنى المكترى. انتهى.
ويستفاد من الخبر المذكور أن وجوب الاتمام على هؤلاء من حيث إنه عملهم
وفيه دلالة على أن كل من كان السفر عمله فإنه يجب عليه الاتمام.
وعن محمد بن جزك في الصحيح (2) قال " كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام
إن لي جمالا ولي قواما عليها ولست أخرج فيها إلا في طريق مكة لرغبتي في الحج
أو في الندرة إلى بعض المواضع فما يجب علي إذا أنا خرجت معهم أن أعمل أيجب على
التقصير في الصلاة والصيام في السفر أو التمام؟ فوقع عليه السلام: إذا كنت لا تلزمها
ولا تخرج معها في كل سفر إلا إلى مكة فعليك تقصير وافطار ".
وعن إسحاق بن عمار (3) قال: " سألته عن الملاحين والأعراب هل عليهم
تقصير؟ قال لا بيوتهم معهم ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن سليمان بن جعفر الجعفري عن من ذكره
عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " الأعراب لا يقصرون وذلك أن منازلهم معهم ".
وما رواه في التهذيب عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبي عبد الله (عليهما السلام) (5) قال: " أصحاب السفن يتمون الصلاة في سفنهم "

(1) ذكر في القاموس في مادة (كرى) أن أحد معاني هذه المادة العدو الشديد
وذكر ورودها بهذا المعنى على هيئة فعيل وعليه يتم ما في الوافي نعم لم يذكر صاحب المصباح
ولا صاحب الجمع هذا المعنى.
(2) الوسائل الباب 12 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 11 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 11 من صلاة المسافر
(5) الوسائل الباب 11 من صلاة المسافر
391

وما رواه في الخصال في الصحيح عن ابن أبي عمير يرفعه إلى أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " خمسة يتمون في سفر كانوا أو في حضر: المكارى والكرى
والاشتقان وهو البريد والراعي والملاح لأنه عملهم ".
والظاهر أن هذا الخبر مستند الصدوق في ما فسر به الاشتقان من أنه البريد
كما تقدم نقله عنه، والمذكور في اللغة وكلام الأصحاب إنما هو أمين البيادر يذهب
من بيدر إلى آخر ولا يقيم في مكان، قالوا وهو معرب دشتبان أي أمين البيادر.
وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) -
قال: " المكارى والجمال إذا جد بهما السير فليقصرا ".
وعن الفضل بن عبد الملك في الصحيح (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المكارين الذين يختلفون فقال إذا جدوا السير فليقصروا " -
فقد اختلف كلام الأصحاب في المعنى المراد منهما، فقال الشيخ في التهذيب:
الوجه في هذين الخبرين ما ذكره محمد بن يعقوب الكليني قال هذا محمول على من يجعل
المنزلين منزلا فيقصر في الطريق ويتم في المنزل، والذي يكشف عن ذلك ما رواه
سعد بن عبد الله عن أحمد عن عمران بن محمد عن بعض أصحابنا يرفعه إلى عبد الله
عليه السلام (4) قال: " المكارى والجمال إذا جد بهما السير فليقصرا في ما بين المنزلين
ويتما في المنزل ".
قال في المدارك: وهذه الرواية مع ضعف سندها غير دالة على ما اعتبراه.
وهو جيد لكن لا من حيث ضعف السند بل من حيث إنهما فسرا جد السير بأن
يجعلا المنزلين منزلا والرواية لا دلالة لها على ذلك بل هي مجملة مثل الروايتين
المتقدمتين، نعم قد دلت بالنسبة إلى من جدبه السير على حكم آخر غير الروايتين
المتقدمتين، إذ مقتضى الروايتين الأولتين أن حكمه التقصير مطلقا ومقتضى هذه

(1) الوسائل الباب 11 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 13 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 13 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 13 من صلاة المسافر
392

الرواية التقصير في الطريق والاتمام في المنزل.
ومثل الروايتين الأولتين ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه السلام (1)
قال: " سألته عن المكارين الذين يختلفون إلى النيل هل عليهم إتمام الصلاة؟ قال إذا كان
مختلفهم فليصوموا وليتموا الصلاة إلا أن يجد بهم السير فليقصروا وليفطروا ".
ولا يحضرني وجه جمع بين هذه الأخبار الثلاثة ومرسلة عمران المذكورة.
وقال الشهيد في الذكرى في معنى الخبرين الأولين - ومثلهما كما عرفت رواية
علي بن جعفر - إن المراد ما إذا أنشأ المكارى والجمال سفرا غير صنعتهما أي يكون
سيرهما متصلا كالحج والأسفار التي لا يصدق عليها صنعته. واستقربه السيد السند
(قدس سره) في المدارك، وقال لا يبعد استفادته من تعليل الاتمام الذي مر في
صحيحة زرارة من قوله عليه السلام (2) " لأنه عملهم " واحتمل في الذكرى أن يكون المراد
أن المكارين يتمون ما داموا يترددون في أقل من المسافة أو في مسافة غير مقصودة
وأما إذا قصدوا مسافة قصروا. قال: ولكن هذا لا يختص المكارى والجمال به بل
كل مسافر. وأنت خبير بما فيه من البعد.
وقال العلامة في المختلف: الأقرب عندي حمل الحديثين على أنهما إذا أقاما
عشرة أيام قصرا. قال في المدارك: ولا يخفى بعد ما قربه. وهو كذلك.
وحملهما شيخنا الشهيد الثاني في الروض على ما إذا قصد المكارى والجمال
المسافة قبل تحقق الكثرة. وهو في البعد كسابقيه بل أبعد.
والأقرب عندي ما ذكره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين - أولهم على
الظاهر السيد السند في المدارك والمحقق الشيخ حسن في المنتقى والمحدث الكاشاني
وغيرهم - من أن المراد به ما إذا زاد السير على ما هو المتعارف بحيث يشتمل على
مشقة شديدة والقول بوجوب التقصير عليه لهذه المشقة الشديدة. قال في المنتقى:
والمتجه هو الوقوف مع ظاهر اللفظ وهو زيادة السير عن القدر المعتاد في أسفارهما

(1) الوسائل الباب 13 من صلاة المسافر
(2) ص 290
393

غالبا والحكمة في هذا التخفيف واضحة. وعلى هذا فيجب تخصيص أخبار المكارين
ونحوهم الدالة على أن فرضهم الاتمام بهذه الأخبار لما ذكر من العلة المذكورة.
وأما ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار في الموثق على المشهور والصحيح
على الأظهر عندي عن أبي إبراهيم عليه السلام (1) - قال: " سألته عن المكارين الذين
يكرون الدواب وقلت يختلفون كل أيام كلما جاءهم شئ اختلفوا، فقال عليهم
التقصير إذا سافروا ".
وما رواه أيضا في الموثق أو الصحيح على الأظهر عن إسحاق بن عمار (2)
قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الذين يكرون الدواب يختلفون كل الأيام أعليهم
التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال نعم " -
فهو محمول على من أنشأ سفرا غير السفر الذي هو عادته وهو ما يختلفون
كل الأيام، كالمكارى مثلا لو سافر للحج أو إلى أحد البلدان في أمر غير ما هو الذي
يتكرر فيه دائما. وقد حملهما الشيخ على محمل بعيد سحيق غير جدير بالذكر ولا حقيق
وكيف كان فتحقيق الكلام في المقام يقع في مواضع: الأول - المستفاد من ما
قدمناه من الأخبار هو أن المدار في الاتمام على صدق أحد تلك الأمور المعدودة
أو صدق كون السفر عادته.
قالوا: والمرجع في ذلك إلى العرف لأنه المحكم في مثله. وبه قطع العلامة في
جملة من كتبه والشهيد في الذكرى، إلا أنه قال إن ذلك أنما يحصل غالبا بالسفرة
الثالثة التي لم يتخلل قبلها إقامة تلك العشرة. واعتبر ابن إدريس في تحقق الكثرة
ثلاث دفعات، ثم قال إن صاحب الصنعة من المكارين والملاحين يجب عليهم الاتمام
بنفس خروجهم إلى السفر لأن صنعتهم تقوم مقام تكرر من لا صنعة له ممن سفره
أكثر من حضره. واستقرب العلامة في المختلف الاتمام في ذي الصنعة وغيره
ممن جعل السفر عادته بالدفعة الثانية.

(1) الوسائل الباب 12 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 12 من صلاة المسافر
394

ولم نقف لهذه الأقوال على مستند أزيد من ادعاء كل منهم العرف على ما ذكره
والواجب بالنظر إلى الأخبار مراعاة صدق الاسم وكون السفر عمله، فإنه هو المستفاد
منها ولا دلالة لها على ما ذكروه من اعتبار الكثرة فضلا عن صدقها بالمرتين
أو الثلاث. والله العالم.
الثاني - إعلم أن المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
أن الضابط في حصول الكثرة التي يترتب عليها وجوب الاتمام هو أن يسافر ثلاث
مرات بحيث ينقطع سفره بعد الأولى والثانية إما بالوصول إلى بلده أو إلى موضع
يعزم فيه الإقامة ثم يتجدد له بعد الصلاة تماما عزم السفر، ولا يفصل بين هذه
الدفعات الثلاث بإقامة عشرة في بلده مطلقا وفي غير بلده مع نية الإقامة، فإنه
يجب عليه التمام في الدفعة الثالثة ويبقى الحكم مستمرا إلى أن يقيم عشرة على أحد
الوجهين المتقدمين.
والذي نص عليه الشيخ وجملة ممن تبعه في قطع التمام في الأثناء أو بعد تمام
الثلاث إنما هو إقامة العشرة في بلده، وألحق المحقق في النافع والعلامة ومن تبعهما
إقامة العشرة المنوية في غير بلده فلو أقام في غير بلده عشرة ثم انشاء سفرا قصر فيه،
قال في المدارك إن ظاهر الأصحاب الاتفاق على أن إقامة العشرة الأيام في البلد قاطعة
لكثرة السفر وموجبة للقصر. وألحق المحقق في النافع والعلامة ومن تأخر عنهما
بإقامة العشرة في بلده نية إقامتها في غير بلده أيضا، فلو نواها في غير بلده وأتم
فريضة ثم سافر قصر أيضا وإن لم يتم الإقامة. كذا يفهم من صاحب المدارك ومن
تأخر عنه، إلا أن الظاهر من عبارات غيره ممن تقدمه إنما هو أن يقيم عشرة
كاملة بالنية لا مجرد النية والصلاة تماما وإن لم يتم الإقامة كما هو ظاهر كلام من تأخر
عنه، والظاهر أن هذا هو الذي يستفاد من الرواية الآتية أيضا.
وألحق الشهيد في الدروس ومن تبعه العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما
أي مضى أربعين يوما في غير بلده مترددا أو عازما على السفر، لتصريحهم بكون
395

ما بعد الثلاثين المذكورة في حكم إقامة العشرة المنوية في وجوب الاتمام وانقطاع
السفر، وعلى هذا فإذا بطل اتمام كثير السفر بها يتوجه القول بلزوم البطلان بهذا
أيضا، حتى أن بعضهم قال بكون محض مضي الثلاثين مترددا كذلك بناء على كون
نفس هذا المضي بمنزلة نية إقامة العشرة. إلا أن الظاهر من الرواية إنما هو الأول.
ثم إن الشيخ وأتباعه صرحوا أيضا بأنه لو أقام خمسة في بلده قصر نهارا
صلاته دون صومه وأتم ليلا.
وتوقف في هذا الحكم من أصله جملة من أفاضل متأخري المتأخرين: أولهم
في ما أعلم السيد السند في المدارك وتبعه الفاضل الخراساني والمحدث الكاشاني.
واستند الأصحاب في ما ذكروه من أصل الحكم وهو انقطاع اتمام كثير السفر
بإقامة عشرة في بلده بما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
قال: " المكارى إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار
وأتم بالليل وعليه صوم شهر رمضان، وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه
عشرة أيام وأكثر قصر في سفره وأفطر ".
وأنت خبير بأن هذه الرواية مع ضعف سندها - المانع من قيامها بمعارضة
الأخبار المتكاثرة الصحيحة الصريحة في وجوب الاتمام، واشتمالها على ما لا يقول
به أحد من الأصحاب من وجوب التقصير بإقامة أقل من خمسة الصادق على
اليوم أو اليومين -
فهي غير دالة على ما يدعونه (أما أولا) - فلأن موردها المكارى ولهذا
احتمل المحقق في المعتبر اختصاص الحكم بالمكارى، ونقله في الشرائع قولا وهو مجهول
القائل، وقال بعض شراح النافع اعتذارا عن ما ذكره في الشرائع حيث لم ينقله
غيره: ولعل المصنف سمعه من معاصر له في غير كتاب مصنف.

(1) الوسائل الباب 12 من صلاة المسافر
396

و (أما ثانيا) - فإنها إنما تضمنت إقامة العشرة في البلد الذي يذهب إليه والمدعى
إقامة العشرة في بلده.
و (أما ثالثا) - فإن ظاهر الخبر المذكور أنه إذا كان له إرادة الإقامة في البلد الذي
يذهب إليه قصر في سفره إليه، واللازم من ذلك التقصير قبل الإقامة بل بمجرد
العزم عليها، وجميع ذلك خارج عن ما يقولون به.
والصدوق في الفقيه (1) روى هذه الرواية في الصحيح بنحو آخر قال:
" المكارى إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر في سفره بالنهار وأتم
صلاة الليل وعليه صوم شهر رمضان، فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه
عشرة أيام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر
في سفره وأفطر ".
ومقتضى هذه الرواية زيادة على ما تقدم اعتبار إقامة العشرة في منزله مضافة
إلى العشرة التي في بلد الإقامة. وظاهر الخبر ترتب القصر على الإقامتين ولا قائل
به بل هو أشد اشكالا.
ومن ما ورد في المسألة أيضا رواية يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " سألته عن حد المكارى الذي يصوم ويتم قال أيما مكار أقام في
منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبدا
وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه
التقصير والافطار ".
وهذه الرواية مع ضعف سندها وإن كانت عارية عن الاشكالات المتقدمة
إلا أنها تضمنت الرجوع إلى التقصير بالإقامة في غير بلده أيضا، وقد عرفت من
كلامهم - كما هو المشهور بين المتقدمين - التخصيص ببلده.
وبالجملة فإن الأخبار الصحاح قد استفاضت بوجوب الاتمام على المكارى

(1) الوسائل الباب 12 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 12 من صلاة المسافر
397

ونحوه من تلك الأفراد المعدودة في الأخبار، ومقتضاها ثبوت الحكم واستمراره
ما دام الاسم باقيا والعادة جارية، والخروج عنها بهذين الخبرين مع ما عرفت
من الاشكالات المتقدمة فيهما مشكل، وبمجرد دعوى اتفاق الأصحاب مع خلوه
من الدليل أشكل. نعم لو كان هذان الخبران موافقين لكلام الأصحاب ومعتضدين
باتفاقهم ومجتمعين على أمر واحد لقوي الاعتماد عليهما في تخصيص تلك الأخبار
المشار إليها إلا أن الأمر كما عرفت ليس كذلك.
وأما ما ذكره في الذخيرة - من أن العمل بصحيحة ابن سنان على رواية
الصدوق غير بعيد، قال: واستوجه ذلك بعض أفاضل المتأخرين ولم يعتبر مخالفة
المشهور وقال إن اعتبار مثل هذه الشهرة لا وجه له. انتهى -
فظني بعده ولكن قاعدة أصحاب هذا الاصطلاح المحدث هو التهافت على صحة
السند وإن كان متن الرواية مخالفا لمقتضى القواعد الشرعية والأصول المرعية وهو
لا يخلو من المجازفة، وكيف يمكن العمل بالخبر المذكور وقد تضمن زيادة على
ما قدمناه أنه متى أقام خمسة أو أقل قصر في سفره بالنهار وصام شهر رمضان مع أن مقتضى الأخبار المعتمدة أن التقصير ملازم للافطار متى قصر أفطر ومتى أفطر
قصر (1) وأشكل من ذلك لزوم هذا الحكم في من أقام أقل من خمسة كما هو صريح
الرواية الصادق على إقامة يوم وأنه يقصر في سفره ويصوم، وهل يلتزم عارف
بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ذلك؟ فكيف يمكن العمل بالخبر بمجرد صحة
سنده مع اشتماله على هذه الأحكام الخارجة عن مقتضى الأصول والقواعد.
وأما ما ذكره الفاضل المتقدم - من أن ايراد الصدوق لها في كتابه مع قرب
العهد بما قرره في أوله يقتضي عمله بها وكونها من الأخبار المعمول عليها بين القدماء
- فهو مجرد تطويل لا يرجع إلى طائل، فإن من تتبع أخبار الفقيه حق التتبع
ورأي ما فيه من الأخبار الشاذة النادرة المخالفة لما عليه الأصحاب قديما وحديثا
لا يخفى عليه ضعف قوله: إن مجرد نقل الخبر في الكتاب المذكور يقتضي كونه

(1) ص 387
398

معمولا عليه بين القدماء.
نعم ربما يمكن التمسك برواية يونس لسلامتها من هذه الاشكالات إلا أن
تخصيص تلك الأخبار الصحيحة الصريحة المستفيضة والخروج عن مقتضاها بهذه
الرواية الضعيفة مشكل.
ومن ما يؤيد الاشكال أيضا عدم دلالة شئ من الروايات المذكورة على تعيين
وقت الرجوع إلى التمام بعد التقصير بالإقامة، واختلاف الأصحاب في كونه بعد
الثانية أو الثالثة.
ومن ما ذكرنا يظهر لك أنه لا دليل على ما ذهب إليه الشهيد في الدروس
ومن تبعه من إلحاق العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما، فإنه لا إشارة إليها
في ما ذكرنا من نصوص المسألة فضلا عن التصريح بها.
الثالث - ما تقدم نقله عن الشيخ وأتباعه - من أن من أقام في بلده خمسة
أيام قصر نهارا صلاته دون صومه وأتم ليلا - فقد استندوا فيه إلى ما تقدم من
رواية عبد الله بن سنان، والمشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين وجوب لاتمام في
الصورة المذكورة، وصرح به ابن إدريس ومن تأخر عنه تمسكا باطلاق الروايات
المتضمنة لأن كثير السفر يجب عليه الاتمام، قالوا خرج عنه من أقام عشرة
بالنص والاجماع فبقي الباقي. وفيه أن هذا الكلام يرجع في الحقيقة إلى الاعتماد
هنا على دعوى الاجماع خاصة وأنه هو السبب في الاستثناء، لأن النص الذي
ادعوه ليس إلا هذه الرواية فإن صلحت للاستثناء ففي الموضعين وإلا فلا فيهما،
فلا وجه للاستناد إليها في أحدهما دون الآخر. وكيف كان فقد عرفت معارضة
هذه الرواية في هذا الحكم بالأخبار الصحيحة الصريحة في ملازمة التقصير للافطار (1)
مضافا إلى ما اشتملت عليه من التقصير في أقل من الخمسة أيضا، وبه يظهر ضعف
القول المذكور.
وكيف كان فملخص الكلام في المسألة أن ما عدا المكارى يجب عليه البقاء على

(1) ص 387
399

التمام كما اقتضته الروايات المستفيضة المتقدمة، ولا معارض لها إذ مورد هذه الأخبار إنما هو المكارى، وأما المكارى الذي هو محل الاشكال واختلاف الروايات
في هذا المجال فإن الواجب عليه الاحتياط بعد إقامة العشرة في منزله أو بلد الإقامة
بالجمع بين القصر والاتمام إلى ثلاث سفرات. والله العالم.
الرابع - أنه بعد وصول القلم في الجرئ في هذا الميدان إلى هذا المكان وقفت
على كلام لبعض مشايخنا الأعيان يتضمن الانتصار للقول المشهور بين الأصحاب
في شرح له على المفاتيح قد ارتكب فيه من التكلفات البعيدة والتعسفات الغير السديدة
ما لا يخفى على الناظر الماهر والخبير الباهر، ولا بأس بايراد ملخص كلامه وما
اشتمل عليه من نقضه وإبرامه ليظهر لك صحة ما ذكرناه وقوة ما ادعيناه:
قال (قدس سره) - بعد ذكر كلام المصنف والبحث في المسألة على ما ذكره
المصنف - ما ملخصه: إذا تبين هذا فاعلم أن أكثر كلام المصنف ههنا مبني على متابعة
صاحب المدارك، فإنه ذكر ما ذكر ههنا واستشكل في المسألة وصار هذا سبب توقف
غير واحد ممن تأخر عنه مع نقلهم جميعا كون المسألة مقطوعا بها عند الأصحاب،
والحق بحسب نظري القاصر أن هؤلاء لم يتفطنوا لما فهمه الأصحاب وإن ما فهمه
الأصحاب هو الصواب، فاستمع لما نتلو عليك ثم تدبر: إعلم أن الصدوق في الفقيه
روى بسند صحيح.. ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدم نقلها عن الفقيه (1)
ثم قال: ورواه الشيخ مرة من كتاب سعد بن عبد الله عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام مثله إلا أنه أسقط قوله: " وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة
أيام أو أكثر " ومرة أخرى من كتاب محمد بن أحمد بن يحيى بالسند بعينه لكن
برواية يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام (2) هكذا.. ثم ساق مرسلة
يونس كما قدمناه (3) ثم قال: ولا يخفى أن بعد ملاحظة هذه الثلاثة سندا ومتنا
لا يبقى شك في أنها مضمون حديث واحد وقع فيه بعض اختلاف في العبارة كما

(1) ص 397
(2) الوسائل الباب 12 من صلاة المسافر
(3) ص 397
400

هو دأب الرواة في نقل الروايات، ومروي بسندين أحدهما ما لا كلام في صحته
وهو ما في الفقيه. ثم أطال في الاعتذار عن ضعف طريق رواية الشيخ عن
عبد الله بن سنان وضعف مرسلة يونس، إلى أن قال: فظهر أن تضعيف السند
في غاية الضعف، ثم إنه ظاهر أيضا أن اختلاف بعض العبارات بل عدم استقامة
مضمون بعضها ظاهرا غير موجب للطرح رأسا، بل مهما أمكن التوجيه لا بد منه
وإلا يؤخذ بما هو المشترك بين الجميع والمضبوط المتضح، ولا يخفى أن مضمون
الأخير لا عيب فيه ولا شبهة تعتريه سوى عدم التصريح بلزوم كون إقامة العشرة
في غير منزله مع النية وظاهر أن مبنى هذا على اشتهاره وظهوره، نعم لما كان
الواجب تحقق الإقامة عشرا بالتمام كما هو المشهور عبر هنا بالعبارة التي تدل عليه كما
هو ظاهر. ثم إن الحق أن هذا المضمون هو المشترك بين الجميع أيضا، إلا أن الظاهر
من عبارة الفقيه أن الواو في قوله: " وينصرف " بمعنى " أو " بل لا بد أن تحمل
كذلك، أو نقول بسقوط الألف من قلم النساخ والمراد " أو ينصرف " حتى
يستقيم المعنى ويوافق كل مع الآخر، وأما اسقاط قوله: " وينصرف " في الوسطاني
فربما يكون ممن لم يتفطن لحقيقة الحال فظن أنه زائد، مع أنه على تقدير فرض
عدم كونه من أصل الحديث غير مضر ضرورة إمكان استنباط ما هو مضمونه من
قوله عليه السلام: " وإن كان له مقام.. إلى آخره " بل من حكم الخمسة أيضا فافهم. وأما
الاشكال بما اشتمل عليه الأولان من حكم الخمسة فمع عدم وجوده في الأخير وعدم
تنافي تركه العمل بما سواه يمكن توجيهه بأن المراد بالتقصير في النهار ترك النوافل
أي إذا لم يقم العشرة تماما فمن حيث نفيه من وجوب الاتمام عليه ليس يلزم عليه
نوافل النهار بل يكتفي حينئذ بنوافل الليل كما يشعر به التعبير في الفقيه بلفظ صلاة
الليل، فلا ينافي الحكم باتمام الفريضة كما يؤيده الأمر بالصوم أيضا وما في ابتداء
الخبر الأخير، ويحتمل حمل الخمسة على التقية أيضا (1) على أنه قد مر أنه عمل به
بعض الأصحاب أيضا، وبالجملة بعد تبيان ما ذكرناه من حال السند أي مانع من

(1) التعليقة 1 ص 351
401

العمل بمضمون الخبر الأخير لا سيما مع اعتضاده بعمل الأصحاب لما مر من كون الحكم
مقطوعا به عندهم، بل مع وجود شواهد متينة ومؤيدات قوية كصحيحة هشام
التي مرت في الشرط الرابع من مفتاح شروط القصر (1) وكرواية السندي (2) التي
مثلها وحديث إسحاق بن عمار (3) وغيرهما من ما فيه الاشعار ولو على سبيل الاجمال
بأن المقام للمكارى يقطع حكم الإقامة وأن الاتمام على هؤلاء ليس على سبيل الاطلاق،
فقد ظهر من هذا كله سقوط ما مر من دعوى المصنف متروكية مضمون صحيحة الفقيه
ومن ادعائه معارضة الصحاح الواردة في اتمام المكارى من حيث كونها دالة على
الاتمام على سبيل الاطلاق من غير ذكر ما يدل على الاشتراط المذكور، مع عدم
قابلية مستند الاشتراط للمعارضة بزعمه ووجه السقوط واضح من ما بيناه.
انتهى كلامه (زيد مقامه).
وفيه أولا - أن ما ادعاه - من كون رواية يونس مع روايتي الصدوق والشيخ
رواية واحدة وحديثا واحدا وقع فيه بعض اختلاف في العبارة - بعيد غاية البعد
كما لا يخفى على الناقد البصير ولا ينبئك مثل خبير، إذ لا يخفى المغايرة سندا ومتنا
وبه يثبت التغاير بين الأخبار المذكورة والتعدد وإن حصل الاشتراك في مادة من
حيث المعنى، والموجب للاتحاد هو الاتفاق سندا ومتنا في اللفظ كما لا يخفى،
وغرضه من هذه الدعوى سريان الصحة إلى ما تضمنته رواية يونس من حيث صحة
سند رواية الفقيه كما يشير إليه قوله أخيرا " وبالجملة بعد تبيان ما ذكرناه من حال
السند أي مانع من العمل بمضنون الخبر الأخير " وأشار بالخبر الأخير إلى رواية
يونس وببيان حال السند إلى ما قدمه من صحة سند رواية الفقيه، وهو من التعسف
والتكلف بمكان غير خفي على المتأمل.
وثانيا - أن ما ذكره - من حمل الواو في صحيحة الفقيه في قوله " وينصرف "
على أنها بمعنى " أو " أو سقوط الألف من قلم النساخ - وإن سقط به مع بعده وتكلفه

(1) ص 290 و 291
(2) الوسائل الباب 11 من صلاة المسافر
(3) ص 290 و 291
402

الاشكال الناشئ من ترتب القصر على الإقامتين كما تقدم إلا أن الاشكال الثالث من
الاشكالات الموردة على رواية الشيخ باق بحاله، فإن ظاهر العبارة المذكورة
ومقتضاها هو ترتب القصر على إرادة المقام في البلد الذي يذهب إليه أو إرادة
الإقامة في منزله لا على حصول المقام وتمامه بالفعل والمراد بالاستدلال إنما هو الثاني
لا الأول، فما تدل عليه الرواية غير مراد بالاتفاق وما هو المراد لا دلالة لها عليه
ولكن هذا من ما لم يتفطن (قدس سره) إليه.
وثالثا - أن ما ذكره - في الاعتذار عن سقوط قوله " وينصرف.. إلى
آخره " الذي في صحيحة الفقيه من رواية الشيخ حيث إنه موضع الاستدلال وبتركه
حصل الاختلال - فهو أيضا من التكلفات البعيدة والتمحلات الشديدة، ولو قامت
هذه التكلفات في الروايات انسدت أبواب الاستدلالات، إذ للخصم أن يقدر
ما يريد وما يوافق غرضه ويدعى أمثال هذه الدعاوى في دليل خصمه فيقلب عليه
دليله فيدعى نقصان ما يحتاج إليه وزيادة ما يضره ويرد عليه ونحو ذلك كما لا يخفى
على المنصف، ومن ذلك أيضا قوله: " ضرورة إمكان استنباط ما هو مضمونه
من قوله وإن كان له مقام.. إلى آخره " مشيرا به كما ذكره في حاشية الكتاب إلى أن قوله في الخبر " وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام " شامل باطلاقه
للبلد الذي هو وطنه وغيره، فإن فيه أنه لا يخفى على العارف بأساليب الكلام أن
المتبادر من هذه العبارة والمنساق منها إنما هو بلد الإقامة الخارجة عن وطنه والعبارة
المطابقة إذا أريد ذلك أنما يقال " يرجع إليه " لا " يذهب " وهذا ظاهر لمن نظر بعين
الانصاف وجانب التعصب والاعتساف.
ورابعا - أن ما ذكره - من الجواب عن الاشكال بما اشتمل عليه الخبران
من حكم الخمسة من توجيهه بأن المراد بالتقصير في النهار يعني ترك النوافل النهارية
وإن كان يتم الفريضة - فهو مثل تأويلاته المتقدمة التي قد عرفت بما ذكرنا أنها
متزعزعة منهدمة، ومن الذي يعجزه مثل هذه التأويلات الغثة الباردة والتمحلات
403

السخيفة الشاردة التي قد عرفت أنه لو انفتح في أمثالها الباب لا نسد باب الاستدلال
وعلا الباطل الصواب.
وبالجملة فإن ما أطال به هذا الفاضل (قدس سره) حجة للقول المشهور ظاهر
القصور واضح الفطور وإن كان بزعمه أنه كالنور على الطور في الظهور، نعم ربما
لاح من صحيحة هشام المشار إليها في كلامه (1) وقوله عليه السلام فيها " المكارى
والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة ويصوم شهر رمضان " ما ذكره إلا أنها ليست ظاهرة في ذلك بل ربما كان الظاهر منها إنما هو بيان أن هؤلاء الذين
عادتهم الاختلاف كلما عرض لهم من يكتري دوابهم ليس لهم تأخر عن ذلك ولا
توقف عنه - كما يشير إليه قوله في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة " كلما جاءهم شئ
اختلفوا " - يجب عليهم اتمام الصلاة والصوم وإن أقاموا عشرة أو أزيد مع عدم وجود
من يكتري دوابهم. ولا يخفى على الناظر في ما هو العادة الجارية الآن أن المكارى
كثيرا ما يتوقف في وطنه أو البلد الذي يذهب إليه عشرة، وبذلك صرح شيخنا
المجلسي في البحار أيضا فقال: وقل مكار لا يقيم في بلده أو البلد الذي يذهب إليه
عشرة أيام. انتهى. وهو جيد وبه يعظم الاشكال. وكيف كان فالاحتياط في أمثال
هذه المواضع طريق السلامة. والله العالم.
السابع - من الشروط المتقدمة أن يتوارى عن البيوت - بمعنى أنه لا يراه
أحد ممن كان عند البيوت التي هي آخر خطة البلد - أو يخفى عليه أذان البلد، والمراد
كفاية أحدهما في ترخص القصر والانتقال من الاتمام إلى التقصير.
والأصل في هذين الشرطين ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في
الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل يريد السفر متى
يقصر؟ قال إذا توارى من البيوت ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عنه عليه السلام (3) قال: " سألته

(1) ص 390
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 6 من صلاة المسافر
404

عن التقصير قال إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم وإذا كنت في
الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك ".
وما رواه البرقي في المحاسن في الصحيح عن حماد بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا سمع الأذان أتم المسافر ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) " وإن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب
إذا غاب عنك أذان مصرك، وإن كنت في شهر رمضان فخرجت من منزلك قبل
طلوع الفجر إلى السفر أفطرت إذا غاب عنك أذان مصرك ".
وقد تقدم (3) في رواية إسحاق بن عمار المنقولة من كتاب العلل في المقام الثاني
في بيان ما هو المختار من الأقوال في مسافة الأربعة الفراسخ قوله فيها " أليس قد
بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه.. إلى آخره "
من ما يؤذن بكون خفاء الأذان موجبا للترخص.
وما ذكرناه من التخيير في الترخص بين الأمرين المذكورين هو أحد
الأقوال في المسألة جمعا بين أخبارها المذكورة، وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) سيما المتقدمين إلا أنهم عبروا هنا بخفاء جدران البلد بمعنى أنه لا يجب
عليه التقصير حتى يتوارى عنه جدران البلد الذي خرج منه أو يخفى عليه أذانها.
وقيل بخفائهما معا ونقل عن المرتضى والشيخ في الخلاف ونسبه شيخنا الشهيد الثاني
إلى المشهور بين المتأخرين. وقال علي بن بابويه: إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن
تعود إليه. واعتبر الشيخ المفيد وسلار الأذان خاصة. وقال ابن إدريس الاعتماد
عندي على الأذان المتوسط دون الجدران. وعن الصدوق في المقنع أنه اعتبر
خفاء الحيطان.
أقول: لا يخفى أن الظاهر من صحيحة محمد بن مسلم المذكورة وقوله فيها:
" إذا توارى من البيوت " إنما هو بمعنى إذا بعد المسافر بالضرب في الأرض على وجه

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة المسافر.
(2) ص 16
(3) ص 326
405

لا يراه أهل البيوت، والمراد بالتواري عن البيوت أي من أهل البيوت بتقدير
مضاف كما في قوله عز وجل " واسأل القرية.. " (1) أي أهل القرية. هذا هو
ظاهر اللفظ بغير اشكال وبه يقرب مقتضى هذا الخبر ونحوه من خبر خفاء الأذان
فإن توارى المسافر عن أهل البلد وخفاء الأذان متقاربان ولا يضر التفاوت اليسر،
فإن مدار أمثال هذه الأمور في الشرع على التقريب كما هو كذلك عرفا وتبادرا.
وأما ما ذكره الأصحاب - من حمل الخبر على خفاء البيوت عن المسافر حملا لقوله
" إذا توارى من البيوت " على معنى تواري البيوت عنه - فمع كونه خلاف ظاهر
اللفظ المذكور لا يخفى ما فيه من التفاوت الفاحش بين العلامتين المذكورتين، فإنه
بعد أن يخفى عليه سماع الأذان لا يخفى عليه جدران البلد إلا بعد مسافة زائدة كما هو
ظاهر لمن تأمل.
والسبب في اختلاف الأقوال هنا هو اختلاف الأفهام في الجمع بين أخبار
المسألة، فبعضهم جمع بالتخيير كما ذكرناه إلا أنه بناء على القول المشهور لا يخلو
من اشكال كما عرفت، وبعض كالمرتضى والشيخ في الخلاف ومن تبعهما جمعوا بين
الخبرين بتقييد كل منهما بالآخر، فيلزم ارتكاب التخصيص في كل منهما، وهو
بعيد جدا بقرينة الاكتفاء بأحدهما في كل من الخبرين فهو في قوة تأخير البيان عن
وقت الحاجة.
وأما من ذهب إلى الاعتماد على الأذان المتوسط دون التواري فلعله لتعدد
رواياته وكونه أضبط لاعتباره الأذان المتوسط مع اختلاف البيوت والجدران
في سرعة الخفاء وعدمها بحيث يرى بعضها من أزيد من فرسخ، وللتفاوت الفاحش
بين خفاء الأذان والجدران كما أشرنا إليه آنفا. والحق هو ما ذكرناه من التخيير
بناء على المعنى الذي فهمناه من الخبر.
وأما ما نقل عن الشيخ علي بن بابويه فقيل إن وجهه الاعتماد على ما رواه

(1) سورة يوسف الآية 82
406

ابنه الصدوق في الفقيه مرسلا (1) حيث قال: وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه " قال في الذخيرة: ولو
صحت كان الجمع بالتخيير قبل الوصول إلى حد الخفاء متجها لكن صحتها غير
معلوم. انتهى.
أقول: ومثل هذه الرواية ما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (2) " في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال إذا
حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله.. الخبر ".
ويمكن أن يكون مثلهما أيضا ما رواه في المحاسن في الصحيح عن حماد بن عثمان
عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (3) " في الرجل يخرج مسافرا؟ قال يقصر إذا خرج
من البيوت " بحمل البيوت على بيت المسافر، مع إمكان حملها على بيوت البلد، والمراد
من الخروج منها التواري المعتبر في الترخص جمعا بينها وبين روايات المسألة
ولعله الأقرب.
هذا. ولا يخفى عليك أن ما صرح به الشيخ المشار إليه هنا عين ما ذكره في
كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام (4): " وإن خرجت من منزلك فقصر إلى
أن تعود إليه " ومنه يعلم أن مستنده إنما هو الكتاب المذكور على الطريقة التي عرفتها
في غير مقام من ما تقدم وسيأتي إن شاء الله تعالى.
وبذلك يظهر لك قوة ما ذهب إليه الشيخ المذكور لدلالة هذه الروايات
المذكورة عليه، ولا وجه للجمع بينهما وبين ما دل من الأخبار المتقدمة على إناطة
التقصير بمحل الترخص إلا ما ذكره في الذخيرة من التخيير قبل وصول حد الخفاء
إلا أنه يخدشه لفظ الضرب في آية السفر لترتب التقصير فيها على الضرب في

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة المسافر.
(2) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(3) الوسائل الباب 6 من صلاة المسافر (4) ص 16
407

الأرض الذي هو عبارة عن السير فيها، وحينئذ فيكون ما دلت عليه هذه الأخبار
مخالفا لظاهر الآية، وأخبار الترخص بوصول حد الخفاء منطبقة عليها وموافقة
لها فترجح بذلك على هذه الأخبار، ولا يبعد حمل هذه الأخبار على التقية كما
احتمله بعض أصحابنا أيضا ولعله الأرجح وإن لم يعلم القائل منهم بذلك (1) كيف
كان فالقول المعتمد في المسألة ما قدمنا ذكره أولا. والله العالم.
تنبيهات
الأول - قال في المدارك: وذكر الشارح أن المعتبر في رؤية الجدار صورته
لا شبحه ومقتضى الرواية اعتبار التواري من البيوت، والظاهر أن معناه وجود
الحائل بينه وبينها وإن كان قليلا وأنه لا يضر رؤيتها بعد ذلك لصدق التواري أولا
وذكر الشهيدان أن البلد لو كانت في علو مفرط أو وهدة اعتبر فيها الاستواء تقديرا
ويحتمل قويا الاكتفاء بالتواري في المنخفض كيف كان لاطلاق الخبر. انتهى.
هكذا في بعض نسخ الكتاب وفي بعضها: ومقتضى الرواية التواري من البيوت
والظاهر أن معناه استتاره عنها بحيث لا يرى لمن كان في البلد وذكر الشهيدان..
إلى آخر ما تقدم.
والظاهر أن النسخة الأولى هي القديمة التي خرجت عنه أولا والثانية تضمنت
العدول عن ما ذكره أولا، وقد وقع له مثل ذلك في مواضع من شرحه هذا كما
في مسألة القراءة في صلاة الجمعة، إلا أن قوله بعد ذكر ما نقله عن الشهيدين في العلو

(1) في المغني ج 2 ص 259 عن سليمان بن موسى وعطاء أنهما أباحا القصر في البلد
لمن نوى السفر، وعن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى في منزله ركعتين وفيهم
الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب عبد الله، روى عبيد بن جبير قال: كنت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع ثم قرب غداءه فلم يجاوز
حتى دعا بالسفرة ثم قال اقترب. قلت ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة أترغب عن سنة
رسول الله " ص " فأكل رواه أبو داود.
408

المفرط والوهدة: " ويحتمل قويا الاكتفاء بالتواري في المنخفض " إنما ينطبق على
النسخة الأولى التي عدل عنها وهو قد أصلح هذا الموضع وغفل عن ذلك، وبيان
ذلك أن الظاهر أن ما اشتملت عليه هذه النسخة الأخيرة يرجع إلى ما اخترناه في
معنى الرواية وأن المراد منها خفاء المسافر عن أهل البلد لا خفاء البلد عن المسافر،
وحينئذ فقوله بعد نقله عن الشهيدين اعتبار الاستواء في البلد بأن لا تكون في علو
مفرط ولا وهدة: " ويحتمل قويا.. إلى آخره " إنما يتجه على النسخة القديمة،
اللهم إلا أن يريد بعبارته الأخيرة وقوله: " استتاره عنها بحيث لا يرى لمن كان
في البلد " هو الاستتار كيف اتفق ولو بوجود الحائل، إلا أنه لا يظهر حينئذ لهذا
العدول عن العبارة الأولى إلى هذه العبارة وجه لرجوع هذه العبارة بهذا المعنى إلى
العبارة الأولى كما لا يخفى.
وكيف كان فإنه ينبغي أن يعلم أن المراد من قوله عليه السلام: " إذا توارى " إنما هو
التواري والخفاء بالضرب في الأرض والسير فيها والبعد عن البلد كما دلت عليه
الآية الشريفة لا التواري كيف اتفق كما توهمه، فإن قوله عز وجل " وإذا ضربتم في
الأرض " الذي هو شرط التقصير إنما يتحقق بالسير فيها والبعد عن البلد، وهي
وإن كانت مجملة في قدر البعد إلا أن النصوص الواردة في تحديد محل الترخص قد
أوضحت اجمال الآية وأن المراد الضرب إلى هذا المقدار الذي دلت عليه النصوص
المشار إليها، وهذا هو المعنى الذي فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من الخبر
المذكور، ولم يذهب إلى هذا الوهم الذي توهمه أحد سواه (قدس سره) ومن الظاهر أنهم (عليهم السلام) أرادوا بهذه الأخبار وضع قاعدة كلية وبيان ضابطة جليلة
يترتب عليها حكم التقصير والتمام ذهابا وهو إما خفاء المسافر عن أهل البلد أو خفاء
الأذان عليه، وأما وجود الحائل الذي قد يكون وقد لا يكون وقد يبعد وقد
يقرب مع عدم الدليل عليه فلا يصلح لأن يكون ضابطا كليا ولا قانونا جليلا. وبالجملة
فإن ما ذكره (قدس سره) لا يخلو من مجازفة أو غفلة. والله العالم.
409

الثاني - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا عبرة بأعلام
البلد كالمنارة والقلاع والقباب، قالوا: ولا عبرة بسماع الأذان المفرط في العلو كما أنه
لا عبرة بخفاء الأذان المفرط في الانخفاض. أقول: والجميع من ما لا بأس به
حملا للروايات المتقدمة على ما هو الغالب المعروف.
ثم إنهم صرحوا أيضا بأن ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من خفاء البيوت
وخفاء الأذان المراد به بيوت البلد وأذانه بالنسبة إلى القرية والبلد الصغيرة أو
المتوسطة، وأما لو كان البلد كبيرة متسعة - قالوا وهي التي اتسعت خطتها بحيث
تخرج عن العادة - فإنهم جعلوا لكل محلة منها حكم نفسها بالنسبة إلى تقدير مسافة
الترخص التي هي عبارة عن خفاء الأذان والجدران عند السفر منها، فقالوا إن
الاعتبار في خفاء الأذان والجدران الموجب للتقصير مبدأه من آخره خطة البلد إلا أن تكون متسعة على الوجه المذكور فالمعتبر جدران آخر المحلة، وكذا أذان
مسجد المحلة.
ولم نظفر لهم في هذا الفرق والتفصيل ولا في اعتبار المحلة وبدليل يعتمد عليه
ولم يصرح أحد منهم بالدليل على ذلك وكأنه أمر مسلم بينهم، بل ربما دلت ظواهر
الأخبار المتقدمة على رده نظرا إلى اطلاقها أو عمومها.
ويعضد ذلك أيضا موثقة غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه الباقر (عليهما
السلام) (1) " أنه كان يقصر الصلاة حين يخرج من الكوفة في أول صلاة تحضره "
والتقريب فيها أنه لا ريب أن الكوفة كانت من البلدان العظام المتسعة والخبر دل
على أنه إنما يقصر الصلاة بعد الخروج منها، والخروج منها وإن كان بحسب ما يتراءى
في بادئ النظر مجملا إلا أنك بمعونة ما عرفت سابقا من أن حدود البلد عبارة عن ما
ينتهي إلى محل الترخص فالمراد بالخروج منها حينئذ هو الوصول إلى ذلك المكان، ولو
كان الحكم كما ذكروه من الاعتبار بالمحلة في البلد المتسعة والحال أن هذه البلد كذلك

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة المسافر.
410

لما أخر التقصير إلى الخروج منها ولما علق الحكم بها بل ينبغي أن يعلقه بالمحلة.
وروى البرقي في المحاسن في الصحيح عن حماد بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " المسافر يقصر حتى يدخل المصر ".
والتقريب فيه كما تقدم من أن المراد بدخول المصر الوصول إلى أول حدوده
وهو تجاوز محل الترخص داخلا، فإنه لما كانت حدود البلد منتهية إلى المكان المشار
إليه فبدخولها يصدق دخول المصر كما هو ظاهر، ومن الظاهر أن لفظ المصر إنما
يطلق على البلدان المتسعة دون القرى والبلدان الصغار، ولذا قالوا للكوفة والبصرة
المصرين كما وقع في الأخبار وكلام أهل اللغة، وكثيرا ما تراهم في كلامهم سيما في
باب صلاة الجمعة يقابلون بين الأمصار والقرى، ولو كان الأمر كما يدعونه من
الاعتبار بالمحلة في البلد المتسعة لم يجعل هنا غاية التقصير ما ذكرناه بل غايته باعتبار
المحلة وسماع أذانها أو رؤية جدرانها.
على أن اللازم من ما ذكروه هنا أنه لو عزم على الإقامة في البلد المتسعة
فالواجب مراعاة المحلة، بمعنى أن ما صرحوا به في حكم من أقام عشرة في بلد خاصة
- من أنه لا يجوز له تجاوز محل الترخص منها وأنه متى نوى ذلك في أصل نية الإقامة
بطلت نيته - يجري في المحلة، فعلى هذا لا يجوز له الخروج إلى سائر المحاليل الخارجة
عن هذا المقدار بالنسبة إلى محلته، وهو مع كونه لم صرحوا به في تلك المسألة
موجب للحرج في منع المسافر المقيم من التردد في البلد لقضاء حوائجه ومطالبه كما هو
الغالب الذي عليه كافة الناس، مع أنه لم يظهر له أثر ولا خبر في الأخبار سيما مع
عموم البلوى به مضافا إلى أصالة براءة الذمة منه.
وبالجملة فإن ما صرحوا به هنا من هذا التفصيل لا يخلو من الاشكال كما
عرفت. والله العالم.
الثالث - قد عرفت الكلام في حد الترخص حال الذهاب وما فيه من الخلاف

(1) الوسائل الباب 6 من صلاة المسافر
411

بين الأصحاب وما هو المختار في الباب، وقد اختلفوا أيضا في حكم الإياب فظاهر
القولين المشهورين المتقدمين - من اعتبار التخيير بين خفاء الأذان وخفاء الجدران
كما هو المشهور بين المتقدمين أو اعتبارهما معا كما هو المشهور بين المتأخرين - هو كون
ذلك في الذهاب والاياب، إلا أن المرتضى الذي هو أحد القائلين بالقول المشهور
بين المتأخرين ذهب هنا إلى ما ذهب إليه الشيخ علي بن بابويه وابن الجنيد من القول
بالتقصير إلى المنزل، وقد عرفت الاختلاف في الذهاب بين مذهب المرتضى
والشيخ المذكور.
وذهب المحقق في الشرائع إلى موافقة المتقدمين في الذهاب وهو الاكتفاء
بأحد الأمرين وخالفهم في الإياب فذهب إلى وجوب التقصير حتى يسمع الأذان
واختاره في المدارك عملا بصحيحة ابن سنان (1).
قال في المدارك بعد نقل عبارة المحقق في ذلك: ما اختاره المصنف
(قدس سره) في حكم العود أظهر الأقوال في المسألة لقوله عليه السلام في رواية ابن سنان
المتقدمة (2) " وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك " وإنما لم يكتف المصنف هنا
بأحد الأمرين كما اعتبره في الذهاب لانتفاء الدليل هنا على اعتبار رؤية الجدران.
والأظهر عندي بالنسبة إلى الذهاب ما تقدم من التخيير عملا بالروايتين
المتقدمتين وجمعا بينهما بذلك، وأما في الإياب فهو ما ذهب إليه الشيخ علي بن بابويه
ومن تبعه.
لنا على الأول ما عرفت وعلى الثاني الأخبار المتكاثرة التي قدمناها في التنبيه
الذي في آخر المقام الثاني من مقامات الشرط الرابع (3) فإنها صحيحة متكاثرة متعاضدة
الدلالة على ما قلناه.
والأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يذكروا ما قدمنا ذكره كملا وإنما أوردوا
بعض ذلك وأجابوا عن ما نقلوه منها.

(1) ص 404 و 405
(2) ص 404 و 405
(3) ص 376
412

فمن ذلك ما أجاب به في الروض حيث قال بعد تصريحه باختيار ما ذهب
إليه المصنف من اعتبار هما معا ذهابا وإيابا كما قدمنا نقله عنهم: وخالف هنا جماعة
حيث جعلوا نهاية التقصير دخول المنزل استنادا إلى أخبار تدل على استمرار
التقصير إلى دخول المنزل، ولا صراحة فيها بالمدعى فإن ما دون الخفاء في حكم
المنزل. انتهى.
وهو راجع إلى ما أجاب به العلامة في المختلف أيضا حيث قال بعد أن أورد
صحيحة العيص وموثقة إسحاق بن عمار: المراد بهما الوصول إلى موضع يسمع الأذان
ويرى الجدران فإن من وصل إلى هذا الموضع يخرج عن حكم المسافر فيكون بمنزلة
من يصل إلى منزله. انتهى.
وفيه أن جملة من أخبار المسألة التي قدمناها قد صرحت بوجوب التقصير
بعد دخول البلد وقصرت الاتمام على المنزل:
مثل قوله عليه السلام في موثقة إسحاق بن عمار (1) التي ذكرها " الرجل يكون
مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل
أهله؟ قال بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله ".
وفي صحيحة معاوية بن عمار (2) قال عليه السلام " إن أهل مكة إذا زاروا البيت
ودخلوا منازلهم أتموا وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا " ونحوها صحيحة الحلبي (3).
والجميع كما ترى صريح في وجوب التقصير في البلد ما لم يدخل منزله فكيف
يتم ما ذكروه من التأويل المذكور.
وصاحب المدارك ومثله الفاضل الخراساني التجأوا في الجمع بين هذه الأخبار
وبين عجز صحيحة ابن سنان إلى القول بالتخيير بمعنى أنه بعد وصوله إلى محل
الترخص من سماع الأذان الذي هو مورد الرواية المذكورة فإنه يتخير بين القصر

(1) الوسائل الباب 7 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 7 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 3 من صلاة المسافر
413

والاتمام إلى أن يدخل منزله.
وفيه أن ظواهر الأخبار المذكورة ظاهرة بل صريحة في وجوب التقصير
ما لم يدخل منزله ولا سيما موثقة ابن بكير المتقدمة ثمة، والأظهر أن يقال إن
غاية ما تدل عليه صحيحة ابن سنان المذكورة بمنطوقها هو وجوب التقصير في
الرجوع إلى أن يسمع الأذان، ومفهومه أنه متى سمع الأذان أتم، والمعارضة
إنما حصلت بهذا المفهوم، ولا ريب في ضعف معارضة المفهوم للمنطوق سيما إذا
تعدد هذا المنطوق في روايات عديدة صريحة صحيحة، فيمكن اطراحها والقول
بأن الغرض من الرواية إنما تعلق بالمنطوق دون المفهوم وأن المراد أن المسافر
يقصر إلى هذه الغاية وإن قصر بعدها أيضا. هذا على تقدير رواية الصحيحة
المذكورة بحذف صدرها كما تقدمت الإشارة إليه، وأما مع ثبوته فإنها وإن دلت
على ما ذكروه لكن لا يبقى وثوق به بعد معارضة الصحاح المذكورة. وربما حمل
عجزها المذكور على التقية لأن مذهب أكثر العامة كما ذهب إليه جملة من أصحابنا هو
أن المسافر لا يزال مقصرا إلى أن يصل إلى الموضع الذي ابتدأ فيه بالقصر فيتم
بعده (1) إلا أن بعضهم أيضا احتمل حمل هذه الأخبار على التقية كما يظهر من
صاحب الوسائل، والظاهر أن الأمر بالعكس أنسب لما ذكرناه. وكيف كان فالأظهر

(1) في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 432 إلى 435: عند الحنيفة إذا عاد
المسافر إلى المكان الذي خرج منه بعد قطع مسافة القصر فإنه لا يتم إلا إذا عاد بها بالفعل فلا
يبطل القصر بمجرد نية العود ولا بالشروع فيه. وعند المالكية إذا سافر من بلد قاصدا
قطع مسافة القصر ثم رجع إلى بلدته الأصلية فإنه يتم بمجرد دخولها، وفي حال رجوعه
وسيره ينظر فإن كانت مسافة الرجوع مسافة قصر قصر وعند الشافعية إذا رجع إلى وطنه
بعد أن سافر منه انتهى سفره بمجرد وصوله إليه سواء رجع إليه لحاجة أو لا ويقصر في
حال رجوعه حتى يصل. وعند الحنابلة إذا رجع إلى وطنه الذي ابتدأ السفر منه أولا فإن
كانت المسافة بين وطنه وبين المحل الذي نوى الرجوع إليه قدر مسافة القصر قصر في
حال رجوعه.
414

عندي من الأخبار هو ما عرفت.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد ظهر من ذكر هذه الشروط السبعة المذكورة هنا
ضابطتان كليتان، وهو أنه متى كملت هذه الشروط فلا يجوز الاتمام بحال إلا في مواضع
قد دلت النصوص وكلام الأصحاب على استثنائها، ومنها - جاهل الحكم مع استكماله
الشرائط الموجبة للقصر على الأشهر الأظهر، ومنها - الناسي وقد خرج الوقت.
ومنها - من كان في أحد المواطن الأربعة. والضابطة الثانية أن كل من لم يستكمل
هذه الشروط فالواجب عليه التمام إلا في مواضع مستثناة أيضا، ومنها - من قصر
جهلا مع فقد الشرائط على الأظهر، ومنها - من جد به السير ومن أقام عشرة من
المكارين، فإن مقتضى القاعدة المذكورة وجوب الاتمام عليهم لاختلال بعض الشروط
وهو عدم كون السفر عمله إلا أن النصوص وردت بالتقصير لهم. وجميع هذه المسائل
قد مضى بعضها وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق القول في ما لم يتقدم له ذكر.
والله العالم بحقائق أحكامه.
المطلب الثاني في الأحكام
والبحث يقع فيه في مسائل: الأولى - لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في أنه لو نوى إقامة عشرة أيام فصاعدا في موضع ثم بدا له الرجوع
عن الإقامة فإنه يقصر إلا أن يكون قد صلى فريضة بتمام فإنه يجب عليه الاتمام
حينئذ حتى يخرج من موضع الإقامة ويقصد المسافة، قال في المدارك: هذا الحكم
ثابت باجماعنا.
والأصل في الحكم المذكور ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي ولاد الحناط (1)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها
عشرة أيام فأتم الصلاة ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم أقصر؟ فقال

(1) الوسائل الباب 18 من صلاة المسافر
415

إن كنت دخلت المدينة وصليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر
حتى تخرج منها، وإن كنت حين دخلتها على نيتك التمام ولم تصل فيها صلاة فريضة
بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا
وأتم وإن لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة "
ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ والصدوق عن حمزة بن عبد الله الجعفري (1)
قال: " لما نفرت من منى نويت المقام بمكة فأتمت الصلاة حتى جاءني خبر من المنزل
فلم أجد بدا من المصير إلى المنزل ولم أدر أتم أم أقصر وأبو الحسن عليه السلام يومئذ بمكة
فأتيته وقصصت عليه القصة فقال ارجع إلى التقصير ".
فإن الوجه فيه أن المراد بالجواب إنما هو الأمر بالتقصير بعد السفر والخروج
فهو كناية عن الأمر له بالسفر بمعنى سافر وقصر، إذ الظاهر أن مراد السائل إنما
هو الاستفهام عن من نوى الإقامة هل يجوز له ابطالها والخروج والقصر فيه أم لا بد
من الاتمام ولو في الطريق إلى أن يتم أيام الإقامة؟ كما يتوهمه كثير ممن لم يقف على
حكم المسألة فأجابه عليه السلام بالأول وحينئذ فلا اشكال.
وتحقيق الكلام في المقام يتوقف على بسطه في مواضع: الأول - الظاهر
من اطلاق قوله في صحيحة أبي ولاد المذكورة " حتى بدا لك أن لا تقيم " أنه بمجرد
العدول عن نية الإقامة قبل الصلاة على التمام سواء كان بقصد المسافة أو التردد في
الإقامة وعدمها يلزم الرجوع إلى التقصير ما لم ينو إقامة عشرة غير الأولى، وهذا
هو المعروف من مذهب الأصحاب لا نعلم فيه خلافا.
لكن يظهر من كلام الشهيد الثاني (قدس سره) وجود الخلاف في ذلك
وأن مجرد العدول عن النية السابقة قبل الصلاة لا يقتضي التقصير ما لم يقصد
مسافة، لأنه قال: ويحتمل اشتراط المسافة بعد ذلك لاطلاق النص والفتوى
أن نية الإقامة تقطع السفر فيبطل حكم ما سبق كما لو وصل إلى وطنه، وبما قلناه

(1) الوسائل الباب 18 من صلاة المسافر
416

أفتى الشهيد في البيان. انتهى. وهو كما ترى صريح في ما قلناه.
ورواية أبي ولاد المذكورة مطلقة كما ترى في العدول عن نية الإقامة، وحملها
على قصد المسافة - بسبب احتمال إرادة الخروج إلى الكوفة لأن الراوي كوفي كما ذكره
(قدس سره) في شرح الإرشاد - بعيد جدا فالمقام لا يخلو عن اشكال. كذا أفاده
والدي (عطر الله مرقده) في حواشيه على كتاب الإستبصار وهو جيد وجيه.
والظاهر أن ما احتمله شيخنا الشهيد الثاني من اشتراط المسافة بعيد وفيه
تقييد للنص المذكور من غير دليل، وتخيل أن السائل كوفي فيحتمل حمل الخبر على
إرادته الخروج إلى الكوفة خيال بعيد، ولو بنيت الأحكام الشرعية على مثل هذه
الخيالات البعيدة والاحتمالات السخيفة لا تسع المجال وكثر القيل والقال وبطل
الاستدلال إذ لا قول إلا وهو قابل للاحتمال وإن بعد كما لا يخفى على ذوي الكمال.
والاحتجاج باطلاق النص والفتوى بأن نية الإقامة تقطع السفر مسلم مع بقائها
واستصحابها، وهذا هو الذي دل عليه النص والفتوى وبه يبطل حكم ما سبق كما
ذكره، وأما مع العدول عن النية كما هو المفروض فإن هذه الدعوى ممنوعة كما
لا يخفى على المتأمل المنصف.
قال شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار بعد ايراد عبارة الفقه
الرضوي التي هي في معنى الرواية المذكورة ما لفظه: وظاهر الأصحاب أنه لا يشترط
في الرجوع إلى التقصير في صورة العدول عن نية الإقامة من غير صلاة كون الباقي
مسافة، وقواه الشهيد الثاني (قدس سره) واحتمل الاشتراط، واطلاق هذه
الرواية وغيرها يؤيد المشهور. انتهى.
وبما ذكرناه في المقام يظهر ضعف ما جنح إليه في الذخيرة في هذه المسألة من
الميل إلى هذا الاحتمال.
الثاني - لا اشكال في الانقطاع بالصلاة المقصورة إذا صلاها تماما بعد نية
الإقامة أما لو صلى غيرها من ما لم يكن مقصورا كالصبح والمغرب بعد النية فهل
417

يكفي في الانقطاع ووجوب استصحاب التمام إلى أن يقصد المسافة؟ اشكال ولم أقف
على مصرح بذلك من الأصحاب (رضوان الله عليهم) نفيا واثباتا، والرواية
لا تخلو من الاجمال لأن قوله " بتمام " في الموضعين محتمل لأن يكون المراد " صليت
فريضة مقصورة بتمام " وحينئذ فلا يثبت الحكم بغير المقصورة إذا أتمها، ويحتمل
أن يكون المعنى صليت فريضة بعد قصد التمام في المقصورات، والظاهر بعده إذ لو
كان مجرد صلاة الفريضة مقصورة أو غير مقصورة كافيا بنية التمام لم يكن للاتيان
بهذا القيد وجه يعتد به، لأن نية الإقامة قد حصلت بالاستقلال ومن شأنها
الانتقال من حكم المسافر إلى حكم الحاضر بالنسبة إلى الصلاة والصوم والشرط معها
صلاة فريضة، فلو لم يعتبر في تلك الفريضة أن تكون من الفرائض المقصورات
التي هي عبارة عن ركعتين بأن يأتي بها أربعا كما هو ظاهر العبارة بل يكفي مثل
الصبح والمغرب لم يكن لضم هذا القيد في الكلام وجه بل يكفي أن يقول " صليت
صلاة فريضة " بقول مطلق، لا سيما مع الاتفاق على أنه لا يشترط قصد القصر
والاتمام ولا نيتهما في الاتيان بكل من المقصورة والتامة. ويعضد ما قلناه إنه قد
وقع ما يقرب من هذه العبارة مرادا بها ما قلناه في صحيحة أبي ولاد المتقدمة في
الشرط الثالث من شروط التقصير حيث قال عليه السلام: " فإن عليك أن تقضي كل صلاة
صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام.. الخبر ".
وبالجملة فالظاهر عندي قصر الحكم على الصلاة المقصورة وأن يأتي بها تماما
دون غيرها من ما لم يدخله التقصير. والله العالم.
الثالث - قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في إلحاق الصوم الواجب
بالصلاة الفريضة في هذا المقام، فقيل بالالحاق بمجرد الشروع في الصوم الواجب
المشروط بالحضر. وهو اختيار العلامة في جملة من كتبه لوجود أثر النية.
وقيل بذلك أيضا لكن يجب تقييده بما إذا زالت الشمس قبل الرجوع عن
نية الإقامة، وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في الروض.
418

وقيل بعدم الالحاق وقصر الحكم على الصلاة، وهو اختيار جمع من الأصحاب:
منهم - الشهيد والمحقق الشيخ على والسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني
في الذخيرة.
وهو الظاهر لأن الحكم في النص وقع معلقا على الصلاة وتعديته إلى غيرها
يحتاج إلى دليل شرعي وإلا كان قياسا محضا وهو لا يوافق أصول المذهب. ومقتضى
النص المذكور رجوع التقصير بعد العدول عن نية الإقامة التي لم يصل بها أعم من
أن يكون صام بتلك النية أو لم يصم زالت الشمس أم لم تزل فيكون الحكم ثابتا في
جميع الصور المذكورة.
احتج شيخنا الشهيد الثاني في الروض بأنه لو فرض أن هذا الصائم سافر
بعد الزوال فلا يخلو إما أن يجب عليه الافطار أو اتمام الصوم، لا سبيل إلى
الأول للأخبار الصحيحة الشاملة باطلاقها أو عمومها لهذا الفرد الدالة على وجوب
المضي على الصوم:
كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " أنه سئل عن الرجل يخرج من
بيته وهو يريد السفر وهو صائم؟ قال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر
وليقض ذلك اليوم وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه ".
وصحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام (2) " إذا سافر الرجل في شهر رمضان
خرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم " وغيرهما.
فيتعين الثاني وحينئذ فلا يخلو إما أن يحكم بانقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها
بعد الزوال وقبل الخروج أولا، لا سبيل إلى الأول لاستلزامه وقوع الصوم
الواجب سفرا بغير نية الإقامة وهو غير جائز اجماعا إلا ما استثنى من الصوم
المنذور على وجه وما ماثله وليس هذا منه، فيثبت الآخر وهو عدم انقطاع نية
الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال سواء سافر حينئذ بالفعل أم لم يسافر، إذ لا

(1) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم
419

مدخل للسفر في صحة الصوم وتحقق الإقامة بل حقه أو يحقق عدمها وقد عرفت
عدم تأثيره فيها فإذا لم يسافر بقي على التمام إلى أن يخرج إلى المسافة وهو المطلوب.
انتهى ملخصا.
وفيه ما ذكره سبطه السيد السند (قدس سره) في المدارك حيث قال بعد نقل
ذلك عنه: ولقائل أن يقول لا نسلم وجوب إتمام الصوم والحال هذه، وما أشار
إليه (قدس سره) من الروايات المتضمنة لوجوب المضي في الصوم غير صريحة في
ذلك بل ولا ظاهرة، إذ المتبادر منها تعلق الحكم بمن سافر من موضع يلزم فيه
الاتمام وهو غير متحقق هنا فإنه نفس النزاع، سلمنا وجوب الاتمام لكن لا نسلم
اقتضاء ذلك لعدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها في هذه الحالة، واستلزام ذلك
لوقوع الصوم الواجب سفرا لا محذور فيه لوقوع بعضه في حال الإقامة، ولأنه
لا دليل على امتناع ذلك (فإن قلت) إنه يلزم من وجوب اتمام الصوم اتمام الصلاة
لعكس نقيض قوله عليه السلام (1): " إذا قصرت أفطرت " (قلت) هذا بعد تسليم عمومه
مخصوص بمنطوق الرواية المتقدمة المتضمنة للعود إلى القصر مع الرجوع عن نية
الإقامة قبل إتمام الفريضة. انتهى.
أقول: الظاهر أن الجواب الحق هو ما ذكره أولا من منع وجوب اتمام
الصوم والحال هذه لما ذكره، حيث إن المتبادر من الأخبار المشار إليها الخروج
من بلد يجب عليه الاتمام فيه وفرضه فيها التمام كبلد وطنه أو بلد إقامته ثم أنشأ سفرا
منها، لأن هذا هو الفرد الغالب المتكثر الذي ينصرف إليه الاطلاق، وقد عرفت
في غير موضع من ما تقدم أن اطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد الشائعة
المتكثرة الغالبة فإنها هي التي يتبادر إليها الاطلاق، وما نحن فيه ليس من هذا
القبيل فلا يدخل تحت الاطلاق، مع أنه محل البحث والنزاع وأول المسألة لأنه
بنية الإقامة ورجوعه عنها قبل الصلاة تماما لا يمكن الجزم بكونه مقيما فيدخل تحت
اطلاق الخبر، وبمجرد سفره على هذه الحال لا يمكن الجزم بدخوله تحت اطلاق

(1) في صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة ص 342
420

الأخبار المشار إليها.
وبالجملة فإن ما ذكره (قدس سره) هنا جيد. وأما ما ذكره بعد تسليم
وجوب الاتمام ومنع اقتضاء ذلك لعدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها في هذه
الحالة - من أن استلزم ذلك لوقوع الصوم الواجب سفرا لا محذور فيها لوقوع
بعضه حال الإقامة - فالظاهر أنه لا يخلو من خدش وإن تبعه عليه في الذخيرة،
فإن الأخبار الدالة على تحريم الصوم في السفر شاملة باطلاقها وعمومها لما وقع بعضه
في حال الإقامة أم لم يقع، فقوله " إنه لا دليل على امتناع ذلك " ممنوع فإن الأخبار
عامة شاملة لما ذكره ودلالتها على ذلك بعمومها واطلاقها واضحة فلا معنى لمنعه الدليل
على امتناع ذلك، ويخرج ما ذكره - من عكس النقيض في قوله عليه السلام: " إذا قصرت
أفطرت " بمعنى أن عدم جواز الافطار يقتضي عدم جواز التقصير - شاهدا. وما
تكلفه من الجواب عنه لا يخلو من غموض كما لا يخفى على من راجع كلام صاحب
الذخيرة في هذا المقام.
الرابع - المفهوم من الخبر المتقدم أن وجوب الاتمام واستصحابه معلق بعد
نية الإقامة على أمور ثلاثة:
أحدها - الصلاة فلو لم يكن صلى ثم رجع عن نية الإقامة عاد إلى التقصير
سواء كان قد دخل وقت الصلاة أم لم يدخل خرج وقتها ولم يصل عمدا أو سهوا
أم لا، لأن مناط الحكم الصلاة تماما ولم يحصل، ونقل عن العلامة في التذكرة
أنه قطع بكون الترك كالصلاة نظرا إلى استقرارها في الذمة وتبعه المحقق الشيخ على
واستشكل العلامة في النهاية الحكم وكذا الشهيد في الذكرى. ولو كان ترك الصلاة
لعذر مسقط للقضاء كالجنون والاغماء فلا إشكال ولا خلاف في كونه كمن لم يصل.
وثانيها - كون الصلاة فريضة فلو رجع عن نية الإقامة بعد صلاة نافلة فإن
كانت من النوافل المشروعة في السفر كنافلة المغرب فلا خلاف في عدم تأثيرها وإلا
فقولان أظهر هما عدم التأثير أيضا لما عرفت من تعليق الحكم على الفريضة، وهو
421

مختار جماعة من الأصحاب ومنهم الشهيد في الذكرى، ونقل عن العلامة في النهاية
أنه ذهب إلى الاجتزاء بها، وإليه يميل كلام الشهيد الثاني في الروض حيث قال بعد
نقل القول الأول عن الذكرى: ويحتمل قويا الاجتزاء بها لأنها من آثار الإقامة،
وما تقدم من الدليل على الاكتفاء بالصوم آت هنا وهو مختار المصنف في
النهاية. انتهى. وفيه ما عرفت في إلحاقه الصوم وهو قياس على قياس غير خال
من ظلمة الالتباس.
وثالثها - كون الصلاة تماما فلا تأثير لصلاة القصر، وهل يشترط كون التمام
بنية الإقامة أم يكفي مطلق التمام ولو سهوا؟ فيه وجهان، يحتمل الأول لأن ذلك
هو أكثر أفراد الإقامة بل هو مقتضى ظاهر الرواية لأن السؤال فيها وقع عن من
نوى الإقامة عشرا، ويحتمل الثاني عملا باطلاق التمام. والأقرب الأول.
قالوا: وتظهر الفائدة في مواضع: منها - ما لو صلى فرضا تماما ناسيا قبل نية
الإقامة سواء خرج الوقت أم لا.
أقول: الظاهر أن الصلاة على هذه الكيفية لا تأثير لها إذ المفهوم من النص
المتقدم هو نية الإقامة أولا ثم الصلاة تماما بعد النية كما يشير إليه قوله عليه السلام (1):
" إن شئت فانو المقام عشرا وأتم وإن لم تنو المقام عشرا فقصر " حيث رتب الصلاة
على النية أولا.
قالوا: ومنها - ما لو صلى تماما في أماكن التخيير بعد النية لشرف البقعة، أما
لو نوى التمام لأجل الإقامة فلا اشكال في التأثير، ولو ذهل عن الوجه ففي
اعتبارها وجهان، من اطلاقها الرواية حيث علق الحكم فيها على صلاة الفريضة تماما
مع أن الإقامة كانت بالمدينة فقد حصل الشرط. ومن أن التمام كان سائغا له بحكم
البقعة فلم يؤثر.
أقول: لا يخفى أن النص كما عرفت قد دل على نية الإقامة عشرا ثم الصلاة

(1) في صحيح أبي ولاد المتقدم ص 415
422

تماما بتلك النية وهو أعم من أن يكون في مواضع التخيير أو غيرها، وحينئذ فلا
يجزئ مجرد الاتمام لشرف البقعة، وكون الخبر هنا مورده المدينة وهي من
المواضع المذكورة لا وجه له، إذ الظاهر أن كلامه عليه السلام بمنزلة القاعدة الكلية في هذا
المقام لا اختصاص له ببلد دون بلد وهو قد علق الحكم فيه على نية الإقامة ورتب
الصلاة عليها وبذلك يظهر أنه لو أتم جاهلا الوجه فإنه لا عبرة باتمامه ما لم
تحصل نية الإقامة وقصدها ثم الصلاة بتلك النية والقصد كما هو مؤدى الخبر وكلام
الأصحاب في الباب.
قالوا: ومنها - ما لو نوى الإقامة عشرا في أثناء الصلاة قصرا فأتمها ثم رجع عن
الإقامة بعد الفراغ فإنه يحتمل حينئذ الاجتزاء بهذه الصلاة لصدق التمام بعد النية،
ولأن الزيادة إنما حصلت بسببها فكانت من آثارها كما مر، وعدمه لأن ظاهر
الرواية كون جميع الصلاة تماما بعد النية وقبل الرجوع عنها ولم يحصل.
أقول: ظاهر جمع من الأصحاب هنا: منهم - الشيخ الشهيد في الذكرى وشيخنا
الشهيد الثاني في الروض وشيخنا المجلسي في البحار هو اختيار الوجه الأول، وهو
الأقرب لصدق الصلاة تماما والمؤثر في الحقيقة ليس إلا العدد الزائد عن الركعتين
وقد حصل هنا.
وأما ما تعلقوا به للوجه الآخر - من أن ظاهر الرواية كون جميع الصلاة
تماما بعد النية - ففيه أنه وإن كان كذلك بالنسبة إلى هذه الرواية إلا أنه قد ورد
أيضا ما يدل على وجوب الاتمام بالنية في أثناء الصلاة:
كما في صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (1) قال: " سألته عن الرجل
يخرج في السفر ثم يبدو له في الإقامة وهو في الصلاة؟ قال يتم إذا بدت له الإقامة ".
ورواية محمد بن سهل عن أبيه (2) قال " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل

(1) الوسائل الباب 20 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 20 من صلاة المسافر
423

يخرج في سفر ثم تبدو له الإقامة وهو في صلاته أيتم أم يقصر؟ قال يتم إذا
بدت له الإقامة ".
وحينئذ فلا فرق في استصحاب التمام ووجوب البقاء عليه بعد النية والصلاة
تماما بين أن تكون النية متقدمة على الصلاة أو في أثنائها كما دل عليه الخبران المذكوران
الخامس - المفهوم من الخبر المذكور أن المعتبر في قطع السفر واستصحاب
التمام اتمام الصلاة بعد نية الإقامة، فلو شرع في الصلاة بنية الإقامة ثم رجع عن
الإقامة في أثنائها لم يكف ذلك في قطع السفر والخروج عن ما هو عليه وإن كان
بعد ركوع الثالثة.
وبه صرح في المنتهى حيث قال: لو نوى المقام ثم قام فصلى ثم تغيرت نيته
إلى السفر في الأثناء قيل يتم والوجه عندي أنه يقصر لأن الشرط وهو الصلاة على
التمام لم يحصل. وقال الشيخ في المبسوط لو نوى المقام عشرا ودخل في الصلاة بنية
التمام ثم عن له الخروج لم يجز له القصر إلى أن يخرج مسافرا، ونحوه ابن الجنيد
حيث قال: لو كان مسافرا قد دخل في الصلاة بنية القصر ثم نوى الإقامة أتم على
ما كان صلاه، وإن كان مقيما فدخل في صلاته بنية الاتمام ثم نوى السفر قبل الفراغ
منها لم يكن له القصر. وقال ابن البراج: لو بدا له في المقام وقد صلى منها ركعة أو
ركعتين وجب التمام لأنه دخلها بنية مقيم. وصريح كلام هؤلاء هو وجوب الاتمام
وإن لم يتم الصلاة بل وإن لم يتجاوز فرض القصر.
وفصل العلامة في التذكرة والمختلف بأنه إن كان قد تجاوز في صلاته فرض
القصر بأن صلى ثلاث ركعات تعين الاتمام وإلا جاز له القصر، قال في الذكرى:
وفصل الفاضل بتجاوز محل القصر فلا يرجع وبعدم تجاوزه فيرجع، لأنه مع
التجاوز يلزم من الرجوع ابطال العمل المنهي عنه ومع عدم التجاوز صدق أنه لم
يصل بتمام. انتهى.
424

وتردد المحقق في المسألة نظرا إلى افتتاح الصلاة وقد ورد في الخبر (1) أنها
على ما افتتحت عليه، وإلى عدم الاتيان بالشرط حقيقة.
وقال في الذخيرة: وحكى عن المصنف وغيره الاكتفاء بها إذا كان الرجوع
بعد ركوع الثالثة وأنهم اختلفوا إذا كان الرجوع بعد القيام إلى الثالثة. انتهى.
أقول: الظاهر من كلام من ذهب إلى التفصيل أن الحد الذي به يتجاوز
محل التقصير هو ركوع الثالثة كما قدمنا نقله عن العلامة في المختلف والتذكرة، وذلك
لأن ما قبل الركوع من الواجبات لا يكون موجبا للتجاوز لامكان جعله من قبيل
زيادة الواجب سهوا وإنما الاعتبار بالركن المبطل فعله عمدا وسهوا، فما ذكره في
الذخيرة من الحكاية المذكورة لم أقف عليه ولا أعرف له وجها.
ثم أقول وبالله التوفيق: إنه لا يخفى أن مقتضى الخبر المذكور كما اعترفوا به أن
الشرط في وجوب الاتمام والاستمرار عليه هو الاتيان بعد نية الإقامة بالصلاة
التامة كاملة وأن تكون نية الإقامة مستمرة إلى أن يفرغ منها، فلو رجع عن نية
الإقامة في أثنائها في أي جزء منها تجاوز محل القصر أو لم يتجاوز فالواجب عليه
بمقتضى اختلال الشرط المذكور هو التقصير. والاعتماد في وجوب الاتمام بمجرد
الدخول في الصلاة على خبر " الصلاة على ما افتتحت عليه " لا يخلو من مجازفة لعدم
ثبوت الخبر من طريقنا، ومع تسليمه فتناوله لموضع النزاع وعمومه له ممنوع
لدلالة الصحيحة المذكورة على وجوب التقصير في الصورة المذكورة، إذ مقتضاها
ذلك حيث دلت على أن الشرط في وجوب التمام واستصحابه حصول صلاة كاملة
بالتمام ولم تحصل وبفوات الشرط يفوت المشروط فيتعين القصر، وحينئذ فمع

(1) يمكن أن يريد به حديث معاوية بن عمار الوارد في من قام للفريضة فظن أنها
نافلة سهوا وبالعكس المروي في الوسائل الباب 2 من نية من كتاب الصلاة وقد تقدم
في ج 2 ص 217 وبمضمونه حديثان آخران، وبه يظهر ما في قوله " قدس سره " في ما
سيأتي " لعدم ثبوت الخبر من طريقنا " وقد تعرض المسألة بمناسبة العدول في ج 2 ص 209
425

ثبوت الخبر المذكور يجب تخصيصه بما ذكرنا وتستثنى هذه الصورة من عمومه بذلك
كما خرجوا عن عمومه في مواضع لا تحصى من الأحكام.
بقي الكلام في ما إذا حصل الرجوع بعد تجاوز محل القصر بأن صلى ثلاث
ركعات، والظاهر هنا الإعادة بوقوع الزيادة المبطلة.
وأما ما احتج به القائل بالتفصيل كما ذكره في الذكرى من لزوم ابطال العمل
المنهي عنه فعليل، لعدم دليل لهم على هذه الدعوى سوى ما ذكروه من ظاهر
الآية (1) الذي قد قدح فيه غيروا حد منهم. ومع تسليمه فإنا نقول إن مقتضى
ما قررنا من الدليل هو الحكم بالابطال، لأن الواجب في حال الرجوع عن نية الإقامة
قبل الاتمام بمقتضى الخبر المذكور هو البقاء على التقصير لعدم حصول شرط الاتمام
وحينئذ فلا يكون من قبيل ما ذكروه، فإن المتبادر من النهي عن ابطال العمل إنما هو
ابطاله من غير سبب شرعي يقتضي الابطال، وما نحن فيه ليس كذلك كما عرفت حيث إن مقتضى الدليل هنا ابطاله لا أن المكلف يبطله من غير سبب يقتضي الابطال كما
هو ظاهر دليلهم. والله العالم.
المسألة الثانية - لو أتم مع استكمال الشروط المتقدمة فلا يخلو إما أن يكون
عامدا أو جاهلا أو ناسيا، وكذا لو كان فرضه التمام فقصر.
فههنا مقامات أربعة: الأول - أن يتم عالما عامدا ولا خلاف في وجوب
الإعادة عليه وقتا وخارجا.
وعليه تدل صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة في صدر المقصد (2) لقوله
عليه السلام فيها بعد أن سأله الراويان المذكوران فقالا " قلنا فمن صلى في السفر أربعا أيعيد
أم لا؟ قال إن كان قد قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد وإن لم
يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه ".

(1) " ولا تبطلوا أعمالكم " سورة محمد الآية 33
(2) ص 296
426

ويعضدها صحيحة ليث المرادي عن الصادق عليه السلام (1) قال: " إذا سافر
الرجل في شهر رمضان أفطر وإن صامه بجهالة لم يقضه ".
واستدل عليه في المدارك أيضا بما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام صليت الظهر أربع ركعات وأنا في سفر؟ قال أعد ".
وعندي في الاستدلال على هذا الحكم بهذه الرواية اشكال فإن صدور الاتمام
عالما عامدا من مثل الحلبي الذي هو من الثقات الأجلاء المشهورين غير متصور ولا
جائز، ثم مع فرض ذلك عنه عمدا كيف يسأل عنه؟ وقرينة السؤال مؤذنة
بكون الترك إنما كان نسيانا أو جهلا والثاني أيضا بعيد بالنسبة إليه، وبه يظهر أن
الأظهر حمل الخبر على النسيان وإلا فمتى كان عالما بالوجوب وتعمد الاخلال بذلك
فأي معنى لهذا السؤال؟ وبالجملة فإن قدر الرجل المذكور أجل من أن يترك الواجب
عليه عامدا عالما وإلا لأخل بعدالته واحتاج إلى معلومية توبته فكيف يعدون
حديثه في الصحيح من غير خلاف؟ فالأظهر كما عرفت حمل الرواية وإن كانت
مجملة على كون الاتمام وقع منه نسيانا.
بقي الكلام في دلالة الخبر على الإعادة مطلقا على هذا التقدير وهو مذهب
الشيخ كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في المسألة ويأتي الكلام إن شاء الله تعالى
في الجمع بين أخبارها.
قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في الروض - بعد الاستدلال على
بطلان الصلاة مع العمد بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم - ما صورته: ويعلم من
هذا أن الخروج من الصلاة عند من لا يوجب التسليم لا يتحقق بمجرد الفراغ من
التشهد بل لا بد معه من نية الخروج أو فعل ما به يحصل كالتسليم وإلا لصحت الصلاة
هنا عند من لا يوجب التسليم لوقوع الزيادة خارج الصلاة، وقد تقدم في باب التسليم

(1) الوسائل الباب 2 ممن يصح منه الصوم.
(2) الوسائل الباب 17 من صلاة المسافر
427

الإشارة إلى ذلك. انتهى.
أقول: الظاهر من هذا الكلام أن الغرض منه الجواب عن اشكال يرد
في هذا المقام على القول بندب التسليم وهو أن الرواية الصحيحة (1) قد دلت على بطلان
صلاة من حكمه الركعتان قصرا لو صلاها أربعا متعمدا، وهذا على تقدير القول
بوجوب التسليم ظاهر لأنه قد زاد في الصلاة ركعتين حيث إنه إنما يخرج من الصلاة
بالتسليم، وأما على القول بكونه مندوبا أو واجبا خارجا كما هو أحد الأقوال في
المسألة أيضا فإن اللازم هنا صحة الصلاة لأن الصلاة قد تمت بالتشهد على الركعتين فهاتان
الركعتان الأخيرتان وقعتا خارج الصلاة والصلاة صحيحة مع أن النص واتفاق
الأصحاب على البطلان.
وحاصل جواب شيخنا المشار إليه أن القائل بندب التسليم إنما تتم الصلاة عنده
بنية الخروج أو بالتسليم وإن كان مستحبا أو بفعل المنافي، وعلى هذا فتكون
الركعتان الواقعتان بقصد التمام قد وقعتا قبل تمام الصلاة فتبطل الصلاة حينئذ لذلك.
وفيه أنه وإن ذكروا ذلك تفصيا عن هذا الاشكال إلا أن ما ذكروه لا دليل
عليه. وأيضا فإنه لا يحسم مادة الاشكال بالنسبة إلى القول بكونه واجبا خارجا
وإن كان لم يتعرض إليه.
وأجيب أيضا عن الاشكال المذكور بأن المبطل هنا قصد عدم الخروج فلا يلزم
وجوب قصد الخروج أو الاتيان بالمخرج.
والتحقيق في الجواب إنما هو التفصيل في المقام بأنه إن كانت صلاة الأربع
الركعات هنا وقعت بقصد إرادة التمام من أول الأمر فالصلاة باطلة، وهذا هو
الذي دلت عليه الرواية ووقع الاتفاق عليه لحصول المخالفة، لأن الشارع إنما
أوجب عليه ركعتين وهو قد قصد إلى مخالفته بقصده الأربع من أول الأمر،
وإن كان إنما قصد الصلاة ركعتين كما هو المأمور به شرعا لكن حصلت الزيادة
بعد الفراغ من الصلاة الواجبة فلا بطلان هنا إلا على تقدير القول بوجوب التسليم

(1) ص 426
428

وأما على تقدير القول باستحبابه أو كونه واجبا خارجا فلا، ومدعي البطلان عليه
الدليل وليس فليس.
المقام الثاني - أن يتم جاهلا والأشهر الأظهر الصحة كما دلت عليه صحيحة زرارة ومحمد
ابن مسلم المتقدمة (1) لقوله عليه السلام " وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه ".
ونقل عن ابن الجنيد وأبي الصلاح أنهما أوجبا الإعادة في الوقت، وعن ظاهر
ابن أبي عقيل الإعادة مطلقا، وهما ضعيفان مردودان بالخبر المذكور.
وربما احتج للقول بالإعادة في الوقت بصحيحة العيص عن أبي عبد الله
عليه السلام (2) قال: " سألته عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة؟ قال إن كان في وقت
فليعد وإن كان الوقت قد مضى فلا ".
وفيه أنها محمولة على الناسي جمعا بين الأخبار، فإنها وإن دلت باطلاقها على العامد
والجاهل والناسي إلا أنه قد قام الدليل في الأولين على خلاف ما دلت عليه فوجب
تخصيصها بالناسي لعدم المعارض.
وحكى الشهيد في الذكرى أن السيد الرضي سأل أخاه المرتضى (رضي الله عنهما) عن هذه المسألة فقال: الاجماع منعقد على أن من صلى صلاة لا يعلم أحكامها
فهي غير مجزئة والجهل بأعداد الركعات جهل بأحكامها فلا تكون مجزئة؟ وأجاب
المرتضى (رضي الله عنه) بجواز تغير الحكم الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل
غير معذور.
أقول: قد اختلفت كلام جملة من الأصحاب في توجيه كلام السيد (رضي الله عنه) فقال في الروض: وحاصل الجواب يرجع إلى النص الدال على عذره
والقول به متعين. انتهى.
وقيل إن الظاهر من كلام السيد (قدس سره) أن مراده أن الأحكام الشرعية تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فيجوز أن يكون حكم الجاهل

(1) ص 296
(2) الوسائل الباب 17 من صلاة المسافر
429

بالقصر وجوب الاتمام عليه وإن كان مقصرا غير معذور بترك التعلم، وحينئذ فهو
آت بالمأمور به في تلك الحال فيكون مجزئا.
وقيل إنه يمكن مقصوده (قدس سره) أنه قد يختلف الحكم من الشارع
بالنسبة إلى الجاهل المطلق وإلى الجاهل العالم في الجملة كمن عرف أن للصلاة أحكاما
تجب معرفتها ولم يعرفها فتصح تلك الصلاة من الأول منهما دون الثاني وأن دعوى
الاجماع على الاطلاق غير واضح.
وقال في المدارك: وكأن المراد أنه يجوز اختلاف الحكم الشرعي بسبب
الجهل فيكون الجاهل مكلفا بالتمام والعالم مكلفا بالقصر، واختلاف الحكم هنا على
هذا الوجه لا يقتضي عذر الجاهل. انتهى. والظاهر أنه يرجع إلى القول الثاني
من الأقوال المنقولة.
أقول: قد نقل العلامة في كتاب المختلف عن السيد (رضي الله عنه) في أجوبة
المسائل الرسية الجواب عن هذه المسألة بوجه أوضح من ما أجاب به أخاه (قدس
الله روحيهما) حيث قال له السائل: ما الوجه في ما تفتى به الطائفة من سقوط
فرض القضاء عن من صلى من المقصرين صلاة متمم بعد خروج الوقت إذا كان جاهلا
بالحكم في ذلك مع علمنا بأن الجهل بأعداد الركعات لا يصح معه العلم بتفصيل أحكامها
ووجوها، إذ من البعيد أن يعلم بالتفصيل من جهل الجملة التي هي الأصل، وللإجماع
على أن من صلى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزئة وما لا يجزئ من الصلاة يجب
قضاؤه، فكيف تجوز الفتيا بسقوط القضاء عن من صلى صلاة لا تجزئه؟ فأجاب بأن
الجهل وإن لم يعذر صاحبه وهو مذموم جاز أن يتغير معه الحكم الشرعي ويكون
حكم العالم بخلاف حكم الجاهل. انتهى.
وأنت خبير بأن ما أوضحه هنا من الجواب وهو الذي عليه المعمول كاشف
عن نقاب الاجمال في الجواب الأول ويرجع إلى الاحتمال الثاني من الاحتمالات
الثلاثة المقدمة، ومنه يظهر حينئذ أن مذهب السيد (قدس سره) أن تكليف
430

الجاهل من حيث هو جاهل في جميع الموارد ليس كتكليف العالم وأن الحكم مع الجهل
ليس كالحكم مع العلم، وفيه حينئذ رد للاجماع المدعى في المقام. وهو مطابق لما
حققناه في المسألة كما تقدم في المقدمة الخامسة من مقدمات الكتاب. ولا خصوصية
له بالصورة المذكورة كما فهمه شيخنا الشهيد الثاني في ما قدمنا نقله عنه من كلامه في
الروض ليوافق ما ذهب إليه هو وغيره في المسألة من عدم معذورية الجاهل إلا في
هذا الموضع ومسألة الجهر والاخفات.
ثم إن ما ذكره العلامة (قدس سره) في المختلف بعد ذكر ما قدمنا نقله
عنه - من أن كلام السيد (رضي الله عنه) يدل بمفهومه على الإعادة في الوقت من
حيث إن سؤال السائل تضمن تخصيص سقوط فرض القضاء بخروج الوقت، وهو
يدل بمفهومه على الإعادة في الوقت والسيد (قدس سره) لم ينكره - فظني أنه بعيد
إذ الظاهر أن مطمح نظر السيد (رحمه الله) إنما هو إلى الجواب عن أصل الاشكال
من غير نظر إلى الخصوصية المذكورة وصحة ما ذكره السائل أو بطلانه.
وقال في المدارك في هذا المقام: وهل المراد بالجاهل الجاهل بوجوب القصر
من أصله أو مطلق الجاهل ليندرج فيه الجاهل ببعض أحكام السفر كمن لا يعلم
انقطاع كثرة السفر بإقامة العشرة؟ فيه وجهان منشأهما اختصاص النص المتضمن
لعدم الإعادة (1) بالأول، والاشتراك في العذر المسوغ لذلك وهو الجهل. انتهى.
أقول: ظاهر كلامه (قدس سره) التوقف هنا ومثله نقل عن العلامة في النهاية.
وأنت خبير بأنه لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه، وذلك لأن المشهور في كلام
الأصحاب من غير أن يداخله الشك والارتياب هو أن الجاهل بالأحكام الشرعية
عندهم غير معذور إلا في مسألتي الجهر والاخفات والجهل بوجوب القصر كما هو
مورد الصحيحة المتقدمة فإنها هي مستندهم في الاستثناء من القاعدة المذكورة، وأما
ما عدا هذين الفردين من مطلق الجاهل بأحكام القصر فهو عندهم غير معذور لدخوله

(1) ص 429
431

في مطلق الجاهل الذي اتفقوا على عدم معذوريته. وتعليله - احتمال مطلق الجاهل
بالقصر بالاشتراك في العذر المسوغ لذلك وهو الجهل - آت في الجهل بالأحكام الشرعية مطلقا من أحكام السفر وغيره صلاة كانت أو غيرها وهم لا يقولون به.
وبالجملة فإن مرادهم بالجاهل هنا إنما هو الفرد الأول من غير اشكال ولا يصح أن
يحمل كلامهم على الفرد الثاني.
وكأن منشأ هذا التردد هو أن المسألة التي استثنوها من قاعدة عدم معذورية
الجاهل هل هي عبارة عن الجاهل بوجوب القصر من أصله أو مطلق الجاهل
بالقصر في كل موضع يجب فيه القصر ككثير السفر متى أقام عشرة ونحوه؟
وفيه أن الظاهر من كلامهم إنما هو الأول الذي هو مورد النص كما لا يخفى،
وأما الجاهل في غير هذه الصورة من صور التمام فيرجع إلى معذورية جاهل الحكم
وعدمها والمشهور العدم، وبالمعذورية هنا صرح المحقق الأردبيلي (قدس سره)
في شرح الإرشاد. والله العالم.
المقام الثالث - أن يتم ناسيا والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
وجوب الإعادة في الوقت خاصة، ونقل عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ في
المبسوط أنه يعيد مطلقا، وعن الصدوق في المقنع أنه يعيد إن ذكر في يومه وإن مضى
اليوم فلا إعادة.
واستدل من قال بالقول المشهور برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
قال: " سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات؟ قال إن ذكر في ذلك
اليوم فليعد وإن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه ".
واعترض في المدارك على الاستدلال بهذه الرواية بعد الطعن في السند بأنها
مجملة المتن، لأن اليوم إن كان المراد به بياض النهار كان حكم العشاء غير مذكور في
الرواية، وإن كان المراد به بياض النهار والليلة المستقبلة كان ما تضمنه مخالفا للمشهور

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة المسافر
432

وأجاب في الذخيرة بأن المراد باليوم بياض النهار وأن حكم العشاء غير
مستفاد من الرواية، إنما المستفاد منها حكم الظهرين وينسحب الحكم في العشاء بمعونة
دعوى عدم القائل بالفصل، لكن في اثباته اشكال. انتهى.
أقول: ويحتمل أن اليوم وإن لم يدخل تحته إلا الظهران إلا أنه خرج مخرج
التمثيل وجعل كناية عن خروج الوقت. والأقرب عندي أن التعبير باليوم في
الرواية المذكورة إنما خرج مخرج التجوز عبارة عن الوقت. فكأنه قال إن ذكر في
ذلك الوقت فليعد وإن لم يذكر حتى يمضي ذلك الوقت فلا إعادة. وبه تنطبق
الرواية المذكورة على المدعى، وشيوع التجوز في أمثال ذلك أظهر من أن ينكر.
وبه يظهر أن ما ذكره في المقنع راجع إلى ما ذكرناه، وما أطالوا به من الاعتراضات
في المقام لا طائل تحته بعد ما عرفت.
ويدل على القول المذكور أيضا صحيحة العيص المتقدمة (1) والتقريب فيها
ما عرفت من أنها وإن كانت أعم من أن يكون الاتمام عمدا أو جهلا أو نسيانا إلا أنك قد عرفت خروج العامد بوجوب الإعادة عليه مطلقا فلا يدخل تحت هذا
التفصيل، وخروج الجاهل بقيام الأدلة على عدم وجوب الإعادة عليه مطلقا، فيتحتم
حملها على الناسي البتة. ومع الاغماض عن ذلك يكفي في الاستدلال بها هنا مجرد
دخول الناسي تحت العموم فتكون دالة عليه بطريق العموم، وبالتقريب الأول
تكون دلالتها بطريق الخصوص.
وقال عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (2) " وإن كنت صليت في السفر صلاة
تامة فذكرتها وأنت في وقتها فعليك الإعادة، وإن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا
شئ عليك، وإن أتمتها بجهالة فليس عليك في ما مضى شئ ولا إعادة عليك إلا أن
تكون قد سمعت بالحديث ".
والتقريب في هذا الكلام هو ظهور تخصيص التفصيل - وإن كانت العبارة

(1) ص 429
(2) ص 16
433

مجملة - بصورة النسيان، لأنه ذكر بعد ذلك حكم الجاهل والعامد وأنه لا إعادة على
الأول بل على الثاني.
وهذه الأخبار إذا ضمت بعضها إلى بعض لا يبقى مجال للشك في الحكم المذكور.
وأما ما نقل عن الشيخ علي بن بابويه والشيخ في المبسوط فلم نقف له على
مستند، قيل: ولعل مستند هما القطع بتحقق الزيادة مع قصور كل من روايتي العيص
وأبي بصير المذكورتين بالطعن الذي تقدم ذكره. وفيه أن هذا الطعن الذي قد
عرفت الجواب عنه إنما يجري على مذاق المتأخرين سيما صحيحة العيص، فإن
دلالتها على حكم الناسي وأنه كما تضمنته من ما لا إشكال فيه إنما الكلام في حملها عليه
خاصة وعدم احتمال غيره كما وجهناه وبيناه وبه تكون مختصة به، أو شمولها لغيره
فعلى كل تقدير فهي دالة عليه.
قال في الذكرى: ويتخرج على القول بأن من زاد خامسة في الصلاة وكان
قد قعد مقدار التشهد تسلم له الصلاة صحة الصلاة هنا لأن التشهد حائل بين ذلك
وبين الزيادة.
واستحسنه الشهيد الثاني في روض الجنان وقال: إنه كان ينبغي لمثبت تلك
المسألة القول بها هنا ولا يمكن التخلص من ذلك إلا بأحد أمور: إما إلغاء ذلك الحكم كما
ذهب إليه أكثر الأصحاب، أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد
النص فلا يتعدى إلى الثلاثية والثنائية فلا تتحقق المعارضة هنا، أو اختصاصه
بزيادة ركعة لا غير كما ورد به النص هناك ولا يتعدى إلى الزائد كما عداه بعض
الأصحاب، أو القول بأن ذلك في غير المسافر جمعا بين الأخبار لكن يبقى فيه
سؤال الفرق مع اتحاد المحل. انتهى.
وقال في المدارك بعد نقل كلام جده المذكور: وأقول إنه لا يخفى عليك بعد
الإحاطة بما قررناه في تلك المسألة ضعف هذه الطرق كلها وأنها غير مخلصة ومن هذا
الاشكال، والذي يقتضيه النظر أن النسيان والزيادة إن حصلا بعد الفراغ من
434

التشهد كانت هذه المسألة جزئية من جزئيات من زاد في صلاته ركعة فصاعدا بعد التشهد
نسيانا، وقد بينا أن الأصح أن ذلك غير مبطل للصلاة مطلقا لاستحباب التسليم،
وإن حصل النسيان قبل ذلك بحيث أوقع الصلاة أو بعضها على وجه التمام اتجه القول
بالإعادة في الوقت دون خارجه كما اختاره الأكثر لما تقدم. انتهى.
أقول وبالله التوفيق: إنه لا يخفى عليك أن مبنى هذه المسألة التي نحن فيها -
وتقسيمها إلى الأقسام الثلاثة من كون الصلاة تماما التي أوقعها المسافر إما عن عمد
فتبطل أو جهل فتصح أو نسيان فالتفصيل المتقدم - إنما هو على كون المصلي قد قصد
من أول الدخول في الصلاة إلى الاتمام، ولهذا حكم بالابطال مع العمد للوجه
الذي بيناه سابقا وجعلناه وجه الفرق بينه وبين ما إذا قصد الزيادة بعد الدخول في
الصلاة بنية القصر ثم زاد بعد تمام صلاته المقصورة فحكمنا بصحة الصلاة لذلك
وحكم بالصحة مع الجهل للمعذورية، وحينئذ فما ذكره الشهيد (قدس سره) من
التخريج - ووافقه عليه في الروض وزعم أنه لا مخرج منه إلا بإحدى تلك الوجوه -
لا أعرف له وجها للفرق بين هذه المسألة التي نحن فيها وبين تلك المسألة، فإن مبنى
تلك المسألة على أن المصلي إنما دخل في الصلاة قاصدا إلى الاتيان بما هو المفروض
عليه شرعا من الأربع كما هو مورد نص تلك المسألة أو أقل كما هو قول من ألحق
بالرباعية غيرها، غاية الأمر أنه بعد أن أكمل ما هو الواجب عليه عرض له
السهو فزاد ركعة، وقد عرفت الخلاف ثمة بأن هذه الزيادة بعد الجلوس بمقدار
التشهد ولما يتشهد أو بعد التشهد بالفعل كما اخترناه وحققناه ثمة، فالفرق بين
المسألتين ظاهر بالنظر إلى مبدأ الدخول في الصلاة كما عرفت، والنسيان الذي بنى
عليه التفصيل في هذه المسألة ووردت به الأخبار إنما هو من أول الدخول في الصلاة
بأن نسي أن فرضه القصر وصلى تماما بزعم أن فرضه التمام نسيانا، والنسيان الذي
في تلك المسألة إنما هو بعد الاتيان بما هو فرضه شرعا وأصل القصد إنما توجه إلى
فرض مشروع إلا أنه عرض له النسيان بعد تمامه فزاد تلك الركعة فالنسيان إنما
435

تعلق بتلك الركعة المزادة، ووجه الفرق ظاهر بين بحمد الله سبحانه، فيتعين
الوقوف في كل مسألة منهما على ما حكم به فيها وعدم تداخل المسألتين ولا إلحاق
أحداهما بالأخرى، فتخريج هذه المسألة على تلك وإلحاقها بها - حتى أنه يتجه على
من قال بالصحة في تلك المسألة القول بها هنا كما يشير إليه كلام الشهيدين (روح الله
روحيهما) هنا - لا وجه له كما عرفت. هذا هو التحقيق عندي في المقام والله سبحانه
وأولياؤه العالمون بحقائق الأحكام.
المقام الرابع - لو قصر من فرضه التمام فإن كان عالما عامدا فلا ريب في
وجوب الإعادة، ولو كان جاهلا فالمشهور وجوب الإعادة لعدم تحقق الامتثال وعدم
معذورية الجاهل عندهم إلا في الموضعين المشهورين.
وقد وقع الخلاف في صورة ما لو قصر بعد نية الإقامة الموجبة للتمام جاهلا
فظاهر المشهور وجوب الإعادة كما هو في غير هذه الصورة من صور الجهل، ونقل عن
الشيخ نجيب الدين في الجامع العدم.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله
عليه السلام (1) قال: " إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة فإن تركه
رجل جاهل فليس عليه إعادة ".
والقول بها متجه لعدم المعارض بل وجود المؤيد لها من الأخبار الدالة على
معذورية الجاهل في مواضع عديدة تقدم تفصيلها في مقدمات الكتاب.
بل يمكن القول بمعذورية الجاهل في هذا المقام مطلقا كما اختاره بعض مشايخنا
المحققين من متأخري المتأخرين حيث قال في شرح له على كتاب المفاتيح: ثم إن
الظاهر من الأخبار كون الجاهل معذورا في هذا المقام مطلقا أعني في جميع ما يتعلق
بالقصر والاتمام في السفر حتى القصر في مواضع التمام والتمام في بعض مواضع
القصر وإن كان عالما بأصل القصر كما هو مفاد ظاهر عبارة المصنف وفتوى نجيب الدين

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة المسافر.
436

في جامعه، خلافا للمشهور فإنهم خصوا الحكم بالجاهل بوجوب التقصير من أصله.
ثم أطال الكلام في ذلك إلى أن قال: فمن الأخبار ما رواه الشيخ بسند صحيح
والصدوق في الفقيه بأسانيد صحاح كلها عن محمد بن إسحاق الثقة عن أبي الحسن عليه السلام (1)
قال: " سألته عن امرأة كانت معنا في السفر وكانت تصلي المغرب ركعتين ذاهبة
وجائية؟ قال ليس عليها قضاء. أوليس عليها إعادة " على اختلاف الروايات. ثم أورد
رواية منصور بن حازم المنقولة ثم أيد ذلك باطلاق صحيحتي عيص وليث المرادي
عن الصادق عليه السلام (2) قال: " إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر وإن
صامه بجهالة لم يقضه " ثم قال: هذا مع عدم وجود المعارض الصريح من الأخبار
بالكلية، فلا حاجة إلى ارتكاب تكلف حمل صحيحة محمد بن إسحاق على الشذوذ كما
فعل الشيخ مع اعتماد الصدوق عليها، وكذا ارتكاب حملها على الاستفهام الانكاري
أو على كون المراد نافلة المغرب وأمثال ذلك من الخيالات الضعيفة. انتهى. وهو
جيد لكن الظاهر الرجوع إلى التفصيل الذي قدمناه في المقدمة التي في معذورية
الجاهل من مقدمات الكتاب.
وبالجملة فإن الجاهل في الصورة التي هي مورد صحيحة منصور المذكورة من ما
لا شك في الحكم بمعذوريته للرواية المذكورة.
وأما الناسي للإقامة فقيل بالحاقه بالجاهل لها وأنه لا إعادة عليه وهو خروج
عن موضع النص المذكور، والظاهر هو وجوب الإعادة.
ويدل عليه ما ذكره الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال:
" وإن قصرت في قريتك ناسيا ثم ذكرت وأنت في وقتها أو غير وقتها فعليك
قضاء ما فاتك منها ".

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة المسافر. والمسؤول في الإستبصار ج 1 ص 220
" أبو عبد الله ع " وفي الفقيه ج 1 ص 287 " أبو الحسن الرضا ع ".
(2) الوسائل الباب 2 ممن يصح منه الصوم
(3) ص 16
437

وفيه دلالة على أن التقصير نسيانا في موضع يجب الاتمام فيه موجب للإعادة
وقتا وخارجا كما هو ظاهر فتوى الأصحاب. والله العالم.
المسألة الثالثة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم صلاة المسافر
في المواضع الأربعة المشهور، فالمشهور التخيير بين القصر والاتمام مع أفضلية
الاتمام، ولم ينقل الخلاف هنا إلا عن الصدوق والمرتضى وابن الجنيد، أما
الصدوق فإنه ذهب كما هو مذهب المخالفين إلى مساواة هذه المواضع الأربعة لغيرها
من البلدان التي يتحقق السفر إليها في وجوب التقصير ما لم ينقطع سفره بأحد
القواطع المتقدمة إلا أنه جعل الأفضل له نية المقام فيها والصلاة تماما، وسيأتي نقل
كلامه في ذلك أن شاء الله تعالى. وأما المرتضى وابن الجنيد فظاهر كلاميهما المنع
من التقصير في هذه المواضع الأربعة وألحقا بها في ذلك أيضا المشاهد المشرفة
والضرائح المنورة. والظاهر عندي من الأقوال هو ما عليه الأكثر من علمائنا
الأبدال كما استفاضت به أخبار الآل عليهم صلوات ذي الجلال.
وها أنا أذكر ما وصل إلي من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة من ما في الكتب
المشهورة وغيرها مذيلا لها بما يكشف عن معانيها نقاب الابهام ويجلو عن مضامينها
غشاوة الابهام لما ذهب إليه أولئك الأعلام بتحقيق شاف لم يسبق إليه سابق وبيان
واف للنصوص المعصومية مطابق وموافق فأقول وبالله سبحانه التوفيق والإعانة
لادراك المأمول:
الأول - ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى (1) وكذا رواه الصدوق
عنه في الخصال (2) وابن قولويه في المزار بالاسناد المذكور (3) قال: " قال أبو عبد الله
عليه السلام من مخزون علم الله الاتمام في أربعة مواطن: حرم الله وحرم رسول الله
صلى الله عليه وآله وحرم أمير المؤمنين عليه السلام وحرم الحسين بن علي عليه السلام ".
الثاني - ما رواه في الصحيح عن مسمع عن أبي إبراهيم عليه السلام (4) قال: " كان

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
438

أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغير هما ويقول إن الاتمام فيهما من الأمر المذخور "
الثالث - عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إن من الأمر
المذخور الاتمام في الحرمين ".
الرابع - ما رواه في الفقيه عن الصادق عليه السلام مرسلا (2) قال: " من الأمر
المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: مكة والمدينة ومسجد الكوفة وحائر الحسين
عليه السلام " وروى هذه الرواية ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات بسند صحيح عن
حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (3).
أقول: أنت خبير بما في هذه الأخبار من وضوح الدلالة على القول المشهور
وهو المؤيد المنصور، والتقريب فيها أن كون الاتمام فيها من الأمر المذخور ومن
مخزون علم الله إنما يتجه على القول المذكور من أفضلية التمام بمجرد الوصول إليها
من غير توقف على نية الإقامة، ولو خص ذلك بما كان عن نية الإقامة لم تتجه
المزية لهذه المواضع على غيرها حتى يدعى أنه من مخزون علم الله وأنه من الأمر
المذخور، فإن المسافر حيثما أقام وجب عليه التمام فالاتمام دائر مدار الإقامة في
هذه أو غيرها، ومن الظاهر أن هذه المزية إنما تتوجه على ترتب الاتمام على مجرد
وصولها ودخولها لمزيد مشرفها.
وفي الأخبار المذكورة إشارة إلى حمل ما خالف هذه الأخبار على التقية أو
الاتقاء، وأن الاتمام في هذه المواضع من الأسرار المختصة بأهل البيت (عليهم السلام)
وشيعتهم التابعين لهم والناسجين على منوالهم، وهو خاص بهم لم يوفق له سواهم من
أعدائهم المخالفين، وأنه من ما ادخره الله تعالى لهم وصار مخزونا عن غير هم حيث لم
يوفقوا له ولم يطلعهم الله تعالى عليه كما ورد نظيره في الصلاة بعد العصر (4).
وبالجملة فإنها في الدلالة على المراد من ما لا يعتريها وصمة الإيراد، وبه يظهر

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر.
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر.
(3) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر.
(4) الوسائل الباب 38 من مواقيت الصلاة
439

لك ما في كلام الصدوق في الفقيه ونحوه في كتاب الخصال من تقيد هذه الأخبار
بالإقامة عشرة، وكأنه زعم بذلك الجمع بين أخبار المسألة، وسيأتي بعد تمام نقل
الأخبار إن شاء الله تعالى التعرض لكلامه وبيان ما في نقضه وإبرامه.
الخامس - صحيحة علي بن مهزيار (1) قال: " كتبت إلى أبي جعفر الثاني
عليه السلام إن الرواية قد اختلفت عن آبائك (عليهم السلام) في الاتمام والتقصير
في الحرمين، فمنها أن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة، ومنها أن يقصر ما لم ينو مقام
عشرة أيام، ولم أزل على الاتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجنا في عامنا هذا فإن
فقهاء أصحابنا أشاروا على بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام فصرت
إلى التقصير، وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك؟ فكتب إلي بخطه عليه السلام: قد علمت
يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غير هما فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن
لا تقصر وتكثر فيهما الصلاة. فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة: إني كتبت إليك
بكذا وأجبتني بكذا؟ فقال نعم. فقلت فأي شئ تعني بالحرمين؟ فقال مكة والمدينة ".
السادس - رواية عثمان بن عيسى (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اتمام
الصلاة والصيام في الحرمين؟ فقال أتمها ولو صلاة واحدة ".
السابع - صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن التمام بمكة والمدينة؟ قال أتم وإن لم تصل فيهما إلا صلاة واحدة ".
الثامن - رواية فائد الحناط المروية في كتاب كامل الزيارات لابن قولويه عن أبي الحسن الماضي عليه السلام (4) قال: " سألته عن الصلاة في الحرمين؟ قال أتم ولو
مررت به مارا ".
أقول وهذه الأخبار كما ترى ناصة على الاتمام في الحرمين من حيث
خصوصية المكان، ولا مجال فيها لاحتمال التقييد بنية الإقامة بوجه كما يدعيه الصدوق
(قدس سره) ومن قال بمقالته.

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر. والمسؤول في الحديث " 2 " أبو الحسن " ع "
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر. والمسؤول في الحديث " 2 " أبو الحسن " ع "
(3) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر. والمسؤول في الحديث " 2 " أبو الحسن " ع "
(4) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر. والمسؤول في الحديث " 2 " أبو الحسن " ع "
440

والمفهوم من صحيحة علي بن مهزيار المذكورة أن الخلاف في هذه المسألة كان
في ذلك الوقت أيضا، بل ظاهرها أن التقصير ربما كان أشهر يومئذ حيث نقل عن
فقهاء أصحابنا يومئذ أنهم أمروه بالتقصير ما لم ينو مقام عشرة أيام.
ويؤيده ما رواه جعفر بن محمد بن قولويه في كتاب كامل الزيارات (1) عن
أبيه عن سعد بن عبد الله قال: " سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه
المشاهد: مكة والمدينة والكوفة وقبر الحسين عليه السلام الأربعة والذي روي فيها؟ فقال
أنا أقصر وكان صفوان يقصر وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصرون ".
وأجاب شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار عن خبر أيوب
ابن نوح المذكور بأنه لا ينافي التخيير فإنهم اختاروا هذا الفرد. وعندي في هذا
الجواب نظر لأنه وإن سلم أنه لا ينافي التخيير كما ذكره لكنه ينافي أفضلية الاتمام
التي دلت عليها أخبار التمام ورغبت فيها وحثت عليها وصرحت بأنه من المذخور
والمخزون في علم الله سبحانه، ومن البعيد كل البعيد أن يرغب عنه هؤلاء الأفاضل
مع ثبوت هذه الفضيلة بل جميع أصحابنا كما نقله أيوب بن نوح.
والذي يظهر لي أن هذا الخبر ونحوه من الأخبار الآتية الدالة على التقصير
في هذه الأماكن إنما خرجت ناصة على تحتم التقصير وتعينه مع عدم نية الإقامة وأنه
لا يسوغ الاتمام إلا بنية الإقامة، فما أجاب به أصحاب القول المشهور عن أخبار
القصر - من أنها لا تنافي بينهما وبين أخبار التمام بحملها على اختيار أحد الفردين كما
ذكره شيخنا المشار إليه هنا - ليس في محله.
ويرشدك إلى ذلك حكاية علي بن مهزيار فإنها تعطي أن الاختلاف واقع في
تلك الأيام وأن اختلاف الرواية عنهم (عليهم السلام) إنما هو في تعين القصر
وتحتمه في هذه المواضع كغيرها من سائر البلدان، إذ لو كان التخيير ثابتا يومئذ
مع أرجحية التمام كما هو القول المشهور لما أشار عليه فقهاء أصحابنا يومئذ
بالتقصير مع عدم نية الإقامة بل لا أقل أن يقولوا له أنت مخير ولما ضاق ذرعا بذلك

(1) مستدرك الوسائل الباب 18 من صلاة المسافر
441

لأنه إذا كان الحكم بالتخيير متفقا عليه عندهم ومعلوما لديهم والأخبار عندهم مجتمعة
عليه وإن لم تثبت أفضلية التمام فما وجه ضيقة بذلك وكتابته إليه عليه السلام؟ بل الحق الصريح
الذي لا يحتاج إلى تكلف ولا تصحيح هو ما ذكرناه من أن روايات التقصير إنما
خرجت ناصة على تعين القصر إلا مع نية الإقامة وهو الذي فهمه منها أصحابنا في
ذلك الوقت ولذا عكفوا على التقصير، وهو السبب الذي ضاق به علي بن مهزيار
حيث إنه قد روى له سابقا قبل حجته المشار إليها من الأخبار ما يدل على أفضلية
التمام وقد كان يتم لذلك حتى صدر في حجه ذلك، فأشار عليه الأصحاب بالتقصير
الموجب لبطلان ما عمل عليه سابقا فضاق بذلك صدرا من حيث رغبته في الاتمام
لتحصيل تلك الفضيلة التي وردت في أخبار الاتمام وهؤلاء منعوه من ذلك وافهموه
أنه غير مشروع إلا مع نية الإقامة فكتب لهذه الحيرة إلى الإمام عليه السلام.
وحينئذ فمع تعارض الأخبار على هذا الوجه وعدم إمكان ما ذكروه من
الجمع في المقام فلا بد من النظر في ما يترجح به أخبار الطرفين ليصير العمل عليه في
البين، وحينئذ فلقائل أن يقول إن صحيحة علي بن مهزيار المذكورة قد اشتملت
على سؤاله عليه السلام عن ذينك القولين وعرض أخبار الطرفين وهو عليه السلام قد أمر مع
ذلك بالتمام فلا مندوحة عن الحكم بمقتضاها والعمل بفتواها. نعم يبقى الكلام في
وجه تحمل عليه أخبار القصر وأظهر الوجوه فيها الحمل على التقية كما تقدمت الإشارة
إليه ذيل الأخبار الأربعة المتقدمة في صدر البحث لاختصاص الاتمام في هذه
البقاع بمذهب الإمامية، وسيأتي مزيد بسط الكلام في المقام بعد ذكر الأخبار
المشار إليها إن شاء الله تعالى.
التاسع - صحيحة مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال قال لي: " إذا دخلت
مكة فأتم يوم تدخل ".
العاشر - رواية عمر بن رياح (2) قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام أقدم مكة

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
442

أتم أو أقصر؟ قال أتم. قلت وأمر على المدينة فأتم الصلاة أو أقصر؟ قال أتم ".
أقول: وهذان الخبران ظاهرا الدلالة على الاتمام أيضا بمجرد الوصول كما
يشير إليه قوله في الرواية الأولى " إذا دخلت مكة فأتم " ومن الظاهر أن الدخول
للحج وهو أعم من أن يكون يوم الخروج منها للحج أو قبله بما لا يسع مقام عشرة
أو يسع، ويشير إليه في الرواية الثانية " أمر على المدينة " بل ربما يدعى كونه كالصريح
في عدم الإقامة، إذ المراد بالمرور هو اتخاذها طريقا من غير توقف ولا إقامة فيها
ونحوها في ذلك رواية فائد الحناط المتقدمة.
الحادي عشر - صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (1) قال: " قلت لأبي الحسن
عليه السلام إن هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين وذلك من أجل الناس؟
قال لا كنت أنا ومن مضى من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس ".
أقول: هذا الخبر لا يخلو من الاجمال لتعدد الاحتمال، وأظهر
ما ينبغي أن يحمل عليه هو أنه لما كان مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم
من تحتم القصر في السفر ما لم ينو مقام عشرة أيام معلوما عند عامة أهل زمانهم
فكانوا إذا رأوا أحدا منهم يتم في الحرمين بدون الإقامة سيما مكة التي إنما يحصل
القدوم فيها قبل التروية بقليل كانوا إذا أرادوا التمام لتحصيل شرف البقعة استتروا
خوفا من التشنيع عليهم بالاتمام الذي هو خلاف مذهبهم لعدم علمهم بأفضلية الاتمام
لشرف هذه البقاع، حيث إنهم حجب عنهم كما تقدمت الإشارة إليه في الأخبار الأربعة
الأولة، فلا جل دفع هذه المفسدة كانوا يستترون بذلك.
الثاني عشر - رواية إبراهيم بن شيبة (2) قال: " كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام
أسأله عن اتمام الصلاة في الحرمين فكتب إلى كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب اكثار
الصلاة في الحرمين فأكثر فيهما وأتم ".
الثالث عشر - رواية علي بن يقطين (3) قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن
التقصير بمكة فقال أتم وليس بواجب إلا أني أحب لك مثل الذي أحب لنفسي ".

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
443

الرابع عشر - رواية سماعة بن مهران رواها شيخنا المجلسي في كتاب البحار (1)
نقلا من كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي عن العبد الصالح عليه السلام قال قال لي " أتم الصلاة
في الحرمين مكة والمدينة ".
الخامس عشر - رواية عمرو بن مرزوق (2) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الصلاة في الحرمين وعند قبر الحسين عليه السلام قال أتم الصلاة فيها "
أقول: التقريب في هذه الروايات وأمثالها أنه من الظاهر البين الظهور أن
وجوب القصر على المسافر مع عدم نية الإقامة ووجوب الاتمام عليه مع نيتها كان
أمرا معلوما عند أصحاب الأئمة (عليهم السلام) في تلك الأزمان، بل ربما يدعى
أنه من ضروريات الدين بين أولئك الأعيان، وأن ذلك حكم عام في جميع البلدان
لا اختصاص له بمكان دون مكان، وهو صريح الأدلة الواردة بذلك كما لا يخفى
على ذوي الأفهام والأذهان، وحينئذ فلو كان الاتمام في هذه الأخبار مقيدا بإقامة
العشرة كما يدعيه الصدوق ومن قال بمقالته لكان لا وجه لتكرار هذه الأسئلة في
هذه الأخبار العديدة عن الاتمام أو التقصير في هذه المواضع المخصوصة ولا سيما
الحرمين لزيادة التردد لها على غير هما لوضوح أمر المسألة كما ذكرنا، فالحق أن هذه
الأسئلة ما خرجت من هؤلاء السائلين في خصوصية هذه المواضع إلا من حيث إنهم سمعوا أن لها خصوصية زائدة على غيرها وحكما مختصا بها دون ما سواها وهو
رجحان الاتمام فيها وإن لم يكن بينة الإقامة خلاف ما يعهدونه من مسألة القصر،
والأئمة (صلوات الله عليهم) قد أجابوا عن هذه الأسئلة تارة بالأمر بالاتمام وتارة
بالتخيير وتارة بالتقصير، وبذلك ازداد الاشكال الموجب لكثرة السؤال والسعي
في تحقيق الحال وكشف ذلك الداء العضال، وينبهك على ذلك صحيحة علي بن مهزيار
المتقدمة ورواية علي بن حديد الآتية (3) إن شاء الله تعالى.

(1) ج 18 الصلاة ص 695
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(3) ص 448
444

السادس عشر - رواية عمران بن حمران قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام
أقصر في المسجد الحرام أو أتم؟ قال إن قصرت فذاك وإن أتممت فهو خير وزيادة
الخير خير ".
السابع عشر - رواية الحسين بن المختار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: " قلت
له إنا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر؟ قال إن قصرت فذاك وإن أتممت
فهو خير تزداد ".
الثامن عشر - صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام " في الصلاة
بمكة؟ قال من شاء أتم ومن شاء قصر ".
والتقريب في هذه الأخبار ما تقدم في سابقها إلا أنه قد وقع الجواب هنا
بالتخيير مع أفضلية الاتمام كما عليه جل علمائنا الأعلام، وهذه الأخبار هي
مستند هم في ذلك.
فإن قيل: إن هذه الأخبار إنما دلت على التخيير في الحرمين وأما حرم الحسين
عليه السلام والكوفة فلا دلالة فيها عليهما.
قلنا: لا ريب في صحة ما ذكرت إلا أن الظاهر أن مستند التخيير في هذين
الموضعين إنما هو الجمع بين ما دل على الاتمام وبين ما دل على التقصير من الأخبار
الآتية إن شاء الله تعالى في الملحقات، لأن أخبار التمام ظاهرها تعين الاتمام ووجوبه
وتلك الأخبار صريحة في جواز التقصير فلا بد في الجمع بينها من حمل أخبار التمام
على التخيير مع أفضلية جمعا بين الجميع.
التاسع عشر - رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (4) قال: " سمعته يقول
تتم الصلاة في أربعة مواطن: في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ومسجد
الكوفة وحرم الحسين عليه السلام ".
العشرون - رواية عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" تتم الصلاة في أربعة مواطن: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ومسجد

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(5) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
445

الكوفة وحرم الحسين عليه السلام ".
الحادي والعشرون - رواية إبراهيم بن أبي البلاد عن رجل من أصحابنا
يقال له حسين عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " تتم الصلاة في ثلاثة مواطن: في
المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وعند قبر الحسين عليه السلام ".
الثاني والعشرون - رواية زياد القندي (2) قال " قال أبو الحسن عليه السلام يا زياد أحب
لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند
قبر الحسين عليه السلام " والتقريب في هذه الأخبار ما تقدم.
الثالث والعشرون - رواية أبي شبل (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
أزور قبر الحسين عليه السلام؟ قال نعم زر الطيب وأتم الصلاة فيه. قلت فإن بعض
أصحابنا يرون التقصير فيه؟ قال إنما يفعل ذلك الضعفة ".
أقول: قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار: أما قوله
" إنما يفعل ذلك الضعفة " فيحتمل أن يكون المراد به الضعيفة في الدين الجاهلين
بالأحكام أو من له ضعف لا يمكنه الاتمام أو يشق عليه فيختار الأسهل وإن كان
مرجوحا، والوجه الأخير يؤيد ما اخترناه وهو أظهر، والأول لا ينافيه إذ
يمكن أن يكون الضعف في الدين باعتبار اختيار المرجوح. انتهى.
أقول: وعلى كل من هذه الاحتمالات لا سيما الأول فهو مناف لما تقدم نقله
من كتاب كامل الزيارات عن أيوب بن نوح من اختياره مع من نقل عنه ثمة
التقصير، وكذا ما تضمنته صحيحة علي بن مهزيار من أمر فقهاء أصحابنا يومئذ
علي بن مهزيار بذلك، وكأن شيخنا المشار إليه غفل عن ذلك وما في توجيهه
المذكور لهذا الخبر من الاشكال في المقام بمخالفة أولئك الأعلام الذين لا يمكن
نسبة هذه الوجوه إليهم كما لا يخفى على ذوي الأفهام، اللهم إلا أن يحمل الخبر المذكور
على من علم بالحكم في هذه المسألة وأن الأفضل التمام ثم مع هذا يصلي قصرا فإنه

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
446

لا يكون إلا عن أحد الوجهين المذكورين، وأما أولئك الأجلاء فإنه بسبب ورود
أخبار التقصير عليهم وترجحها لديهم لم يحصل لهم العلم بالحكم المذكور، ومن ثم ذهب
الصدوق (قدس سره) في المسألة إلى وجوب التقصير أيضا.
الرابع والعشرون - صحيحة معاوية بن وهب (1) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن التقصير في الحرمين والتمام؟ قال لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام.
فقلت إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام؟ فقال إن أصحابك كانوا يدخلون
المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم ويخرجون والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد
للصلاة فأمرتهم بالتمام ".
الخامس والعشرون - رواية محمد بن إبراهيم الحضيني (2) قال: " استأمرت
أبا جعفر عليه السلام في الاتمام والتقصير قال إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم
الصلاة. فقلت له إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة؟ قال إنو مقام
عشرة أيام وأتم الصلاة ".
أقول: لا يخلو ظاهر هذا الخبر من الاشكال حيث إن ظاهره الاتمام بمجرد
نية العشرة وإن علم أنه لا يقيم العشرة. وأجيب عنه بالتزام ذلك وأنه من خصائص هذا المكان كما ذكره الشيخ ومن
تبعه. وبعده ظاهر.
والأظهر عندي في الجواب هو أنه لما كان الاختلاف في التقصير في هذا
المكان يومئذ موجودا كما حققناه آنفا استأمره السائل في ذلك وسأله عن الحكم
المذكور فأمره بالاتمام بعد نية الإقامة فرجع السائل وأخبره وأنه ربما قدم في مدة
لا يمكن فيها الإقامة لضيق الوقت عن الحج، ويظهر من مراجعته أن مراده أن
يرخص له في التمام من غير نية إقامة كما وقع في حديث علي بن حديد الآتي (3) من قوله
" وكان محبتي أن يأمرني بالاتمام " فأجابه عليه السلام بأن الاتمام لا يكون إلا بعد نية الإقامة

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(3) ص 448
447

وحاصله بيان تعليق الاتمام على نية الإقامة لا أن مراده عليه السلام الأمر بالإقامة والاتمام
على تلك الحال كما فهموه. وبالجملة فهذه العبارة مثل قوله عليه السلام في حديث علي بن حديد
" لا يكون الاتمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام " إلا أن هذه مجملة في ذلك
وحملها على ما ذكرناه لا بعد فيه.
السادس والعشرون - صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال: " سألت
الرضا عليه السلام عن الصلاة بمكة والمدينة بتقصير أو اتمام؟ فقال قصر ما لم تعزم على
مقام عشرة ".
السابع والعشرون - رواية علي بن حديد (2) قال: " سألت الرضا عليه السلام فقلت
إن أصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يقصر وبعضهم يتم وأنا ممن يتم، على رواية
قد رواها أصحابنا في التمام؟ وذكرت عبد الله بن جندب وأنه كان يتم قال رحم الله
ابن جندب. ثم قال لي لا يكون الاتمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام وصل النوافل
ما شئت. قال ابن حديد وكان محبتي أن يأمرني بالاتمام ".
الثامن والعشرون - صحيحة معاوية بن عمار (3) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل قدم مكة فأقام على احرامه؟ قال فليقصر الصلاة ما دام محرما ".
التاسع والعشرون - صحيحة معاوية بن وهب المروية في كتاب العلل (4)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام مكة والمدينة كسائر البلدان؟ قال نعم. قلت روى عنك
بعض أصحابنا أنك قلت لهم أتموا بالمدينة لخمس؟ فقال إن أصحابكم هؤلاء كانوا
يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم فلهذا قلته ".
الثلاثون - رواية عمار بن موسى المروية في كتاب كامل الزيارات لابن
قولويه (5) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الحائر قال ليس الصلاة
إلا الفرض بالتقصير ولا تصل النوافل ".

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 25 من صلاة المسافر
(5) الوسائل الباب 26 من صلاة المسافر
448

أقول: هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة، وأنت خبير بأن هذه الأخبار
السبعة الأخيرة من الأدلة الدالة على ما ذهب إليه الصدوق ومن قال بمقالته.
قال (قدس سره) في كتاب الفقيه بعد ذكر الرواية الرابعة ما هذا لفظه:
قال مصنف هذا الكتاب (رحمه الله) يعني بذلك أن يعزم على مقام عشرة أيام في
هذه المواطن حتى يتم، وتصديق ذلك ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع.. ثم ساق
الرواية وهي الخامسة والعشرون (1).
وقال في كتاب الخصال بعد نقل صحيحة حماد بن عيسى وهي الأولى ما لفظه:
يعني أن ينوي الانسان في حرمهم (عليهم السلام) مقام عشرة أيام ويتم ولا ينوى دون
مقام عشرة أيام فيقصر، وليس ما يقوله غير أهل الإستبصار بشئ أنه يتم في هذه
المواضع على كل حال. انتهى.
أقول: قد عرفت من ما حققناه سابقا أن أخبار التقصير إنما خرجت ناصة
على التقصير كما ذهب إليه (قدس سره) وتأويل الأصحاب لها بما قدمنا نقله عنهم
بعيد غاية البعد عن مضامين أكثرها وقرائن أحوالها بل غير مستقيم كما لا يخفى على
من أعطى التأمل حقه في ما قدمناه.
وإنما يبقى الكلام معه في تأويل أخبار التمام بما ذكره، وفيه أولا - أنه لا يخفى
أن الأخبار التي استند إليها في وجوب التقصير موردها إنما هو الحرمان خاصة
فالمعارضة إنما وقعت في أخبار الحرمين ومدعاه وجوب التقصير في المواضع الأربعة
مع أن أخبار التمام التي وردت في الحرمين الآخرين لا معارض لها، ولم نقف في
الأخبار على خبر ناص على التقصير فيهما إلا على خبر عمار وهو الثلاثون من
الأخبار المتقدمة بالنسبة إلى الحائر الحسيني، وهو - مع انحصار دلالته في الحائر
مع بقاء أخبار الكوفة بلا معارض بالكلية، واشتماله على خلاف ما صرح به
الأصحاب واستفاضت به الأخبار كما سيأتي إن شاء الله تعالى من المنع من صلاة

(1) بل هي السادسة والعشرون
449

النوافل - مردود بضعفه وندوره وعدم قيامه بمعارضة تلك الأخبار الصحيحة
الصريحة في الاتمام في الحائر الشريف، مضافا إلى ما عرفته في روايات عمار من
تفرده بالغرائب في أخباره والشواذ كما طعن عليه في الوافي في غير موضع بذلك.
وكيف كان فالكوفة كما عرفت لا معارض لأخبار التمام فيها بالكلية فبأي جهة
يخرج عن أخبار التمام فيها، فإن استند إلى أخبار القصر المطلقة فهو مردود بأن
مقتضى القاعدة تقييد اطلاقها بهذه الأخبار فلا يتم الاستناد إليها كما لا يخفى على
ذوي الأفكار.
وثانيا - أن تأويله هذا وإن أمكن في بعض الأخبار المجملة كالخبرين المذكورين
في كلامه إلا أنه لا يتم في جملة منها كأخبار " يتم ولو صلاة واحدة " (1) وقوله في آخر
" ولو مررت به مارا " (2) ونحوهما من ما قدمنا بيانه وشددنا أركانه. وحينئذ فما ذكره
(قدس سره) لا يصلح لأن يكون حاسما لمادة الاشكال في جميع أخبار المسألة.
وثالثا - ما تقدم من التقريب ذيل الرواية الثانية عشرة والثالثة عشرة
والرابعة عشرة والخامسة عشرة.
وبالجملة فإن الحق الذي لا شك فيه ولا مرية تعتريه أن هذه الأخبار الواردة
في هذه المسألة متصادمة لا يمكن حمل بعضها على بعض لا بما ذكره (قدس سره)
من تأويل روايات التمام بنية إقامة العشرة ولا ما ذكره الأصحاب من تأويل روايات
القصر بكونه أحد فردي المخير.
وتوضيحه زيادة على ما تقدم أن المفهوم من صحيحة علي بن مهزيار ورواية
علي بن حديد أن المراد من القصر في ما ورد به من الأخبار إنما هو ما كان عزيمة كسائر
المواضع إلا مع نية الإقامة، وأن المراد من الاتمام في ما ورد به من الأخبار إنما
هو ما لم يكن عن نية إقامة، إذ لو كان المراد من أخبار القصر إنما هو ما تأولوها به
من الحمل على اختيار أحد فردي الواجب المخير - وأن التخيير حكم مشهور في تلك

(1) ص 440
(2) ص 440
450

المواضع كما يقولون به ومن أخبار التمام التقييد بنية الإقامة كما يقول الصدوق مع أن
ذلك حكم عام في جميع الأماكن - لكان لا معنى للخلاف بين أصحابنا الذين في وقتهم
(عليهم السلام) حتى أن بعضهم يختار القصر وينتهي عن التمام وبعضا بالعكس
ولما ضاق علي بن مهزيار بذلك ولما قال علي بن حديد " وكان محبتي أن يأمرني بالاتمام "
أما على الأول فلأنه مخير واختيار أحد فردي الواجب المخير لا يوجب اختلافا
ولا ينسب صاحبه إلى المخالفة، مع أن الاتمام أفضل وأرجح فكيف يعدل عنه إلى
المفضول والمرجوح؟ وأما على الثاني فلأن الاتمام بنية الإقامة لا ينافي القصر مع
عدم النية المذكورة حتى ينسب من يختار أحدهما إلى مخالفة من يختار الآخر، ولكان
لا معنى لقول علي بن حديد " وكان محبتي أن يأمرني بالاتمام " كما لا يخفى على ذوي
البصائر والأفهام.
وحينئذ فلا بد من النظر في المرجحات لأخبار أحد الطرفين ليكون العمل
عليه في البين، والظاهر أن الترجيح في أخبار الاتمام لوجوه:
الأول - صحيحة علي بن مهزيار بالتقريب الذي تقدم في ذيلها وهو عرض
الاختلاف يومئذ على الإمام عليه السلام وأمره بالاتمام.
فإن قيل: إن رواية علي بن حديد قد تضمنت أيضا عرض القولين على الرضا
عليه السلام ومع ذلك منع من الاتمام إلا مع إقامة عشرة أيام.
قلت: يمكن الجواب عن ذلك بعد الاغماض عن عدم معارضة رواية علي بن
حديد لصحيحة علي بن مهزيار من حيث السند بأن يقال إنه قد ورد عنهم (عليهم
السلام) أنه إذا أتى حديث عن أولهم وحديث عن آخرهم أو عن واحد منهم ثم أتى
عنه بعد ذلك ما ينافيه أنه يؤخذ بالأخير في الموضعين:
روى ذلك ثقة الاسلام في الكافي عن المعلي بن خنيس (1) قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ؟ فقال

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به.
451

خذوا به حتى يبلغكم عن الحي فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله ".
وروى في حديث آخر عنه عليه السلام (1) " أنه قال لبعض أصحابه: أرأيتك لو
حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ؟ قال قلت
كنت آخذ بالأخير. فقال لي رحمك الله ".
ويؤيد ذلك ترحم الرضا عليه السلام على عبد الله بن جندب في رواية علي بن حديد
بعد أن نقل عنه أنه يتم، وفيه أشعار بكونه على الحق في ذلك وأن الأمر بالتقصير
هنا إنما هو لمصلحة.
الثاني - أن أخبار القصر في هذه المواضع أقرب إلى موافقة العامة وأخبار
التخيير لا توافقهم، وذلك لأن التخيير هنا من خواص مذهب الشيعة إذ العامة بين
معين للقصر مطلقا وبين مخير مطلقا مع أفضلية التقصير (2) مع كون المعلوم عندهم
من مذهب الشيعة هو وجوب القصر عزيمة على المسافر، وحينئذ فكل ما ورد من ما
يدل على تحتم القصر وعدم جواز التخيير في هذه الأماكن يتعين حمله على التقية لما
تقرر عنهم (عليهم السلام) من القواعد التي من جملتها عرض الأخبار في مقام
الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه (3) وروايات التمام في هذه المواضع
مخالفة لمذهب العامة فيتحتم الأخذ بها.
الثالث - أنه مع العمل بأخبار التمام كما اخترناه واختاره جمهور أصحابنا يمكن حمل
أخبار التقصير على التقية كما ذكرنا، ولو عملنا على أخبار القصر لزم طرح أخبار
التمام رأسا مع استفاضتها وكثرتها وصحة أكثرها وصراحتها وذلك لعدم قبولها لما
ذكره الصدوق من الحمل المتقدم نقله كما أوضحناه، وفي طرحها - مع ما عرفت مضافا
إلى قول الطائفة بها سلفا وخلفا إلا الشاذ النادر - من الشناعة ما لا يخفى.

(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يجوز يقضي به.
(2) المغني ج 2 ص 267 إلى 270 والأم ج 1 ص 159 والمهذب ج 1 ص 101
وبدائع الصنائع ج 1 ص 91 وبداية المجتهد ج 1 ص 152
(3) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز أن يجوز يقضي به.
452

فإن قيل: إنه يمكن حمل أخبار الاتمام على التقية لقول العامة بالاتمام كما تقدم
قلنا: فيه أنه وإن قال العامة بالاتمام في مطلق السفر في الجملة وإن كان مرجوحا إلا أنه لا يتمشى في أخبار هذه الأماكن:
أما أولا - فلتصريح جملة منها بأن العلة في الاتمام إنما هو تحصيل الثواب بكثرة
الصلاة في هذه الأماكن وأنه من المخزون والمذخور ونحو ذلك من ما يدل على أن
العلة في الاتمام إنما هو شرف هذه البقاع، ولو كانت العلة في الاتمام إنما هي التقية لما
كان لخروج هذا الكلام وجه بالكلية.
وأما ثانيا - فلما عرفت آنفا من أن كثرة الأسئلة عن هذه البقاع بأنه هل يصلي
فيها تماما أو قصرا - مع معلومية وجوب القصر على المسافر ووجوب التمام على ناوي
الإقامة ووجوب العمل بالتقية كيف اقتضته، بل ربما صارت هذه المسائل من
ضروريات مذهب أهل البيت (عليهم السلام) - من ما لا وجه له، وأي وجه اشكال
وخفاء فيه حتى تكثر فيه السؤالات عنه؟ وأي خصوصية لتعلق هذه الأسئلة
بهذه الأماكن وهي كغيرها من ما يجب على المسافر فيه التقصير والاتمام على ناوي
الإقامة والعمل بما اقتضته التقية. وبذلك يظهر أن الأمر بالتمام إنما وقع من حيث
شرف هذه البقاع.
وأما ثالثا - فلما عرفت في صحيحة علي بن مهزيار من عمله على التمام مدة مديدة لما
روي له فيه ثم عدوله إلى التقصير لما أفتوه به ووقوعه بسبب ذلك في الضيق والحيرة
حتى كتب إلى الإمام عليه السلام، وأي حيرة وضيق في الاتمام إذا نوى الإقامة أو اقتضته
التقية؟ بل صريح إشارة الفقهاء عليه بالتقصير يومئذ أن اتمامه لم يكن عن نية إقامة
ولا تقية كما لا يخفى على أدنى ذي فهم. ونحو ذلك ما تضمنته رواية علي بن حديد.
وبالجملة فالحاذق البصير بل من له أدنى روية وفكر يسير لا يخفى عليه أن العلة
في الاتمام في هذه الأخبار إنما هو شرف البقعة والوصول إلى محل الزلفى والرفعة.
فإن قيل: المفهوم من صحيحة معاوية بن وهب وهي الرابعة والعشرون إن
453

الأمر بالاتمام إنما وقع تقية وكذلك صحيحته الأخيرة وهي التاسعة والعشرون.
قلت: لا يخفى أن هاتين الروايتين من جملة الروايات الدالة على وجوب التقصير
حتما كما في سائر المواضع، وقد تقدم البحث فيهما في المقام الأول من الشرط الرابع
من شروط التقصير (1).
وبيانه زيادة على ما تقدم أنه لما أجابه الإمام عليه السلام في الصحيحة الأولى بأنه
لا يتم في الحرمين حتى يجمع على مقام عشرة أيام اعترضه السائل بأن أصحابنا قد
رووا عنك أنك أمرتهم بذلك بالتمام في ذينك الموضعين وإن لم يقيموا عشرة أجاب عليه السلام
بأني لم آمرهم بالتمام في هذه الصورة من حيث شرف البقعة الموجب للتمام في جملة
الأيام وإنما أمرتهم بذلك لمصلحة أخرى وهو دفع الضرر عنهم بما كانوا يفعلونه
يومئذ، حيث إنهم مع عدم إقامة العشرة كانوا يقصرون فيخرجون من المسجد
والناس يستقبلونهم داخلين للصلاة وهذا من ما يوجب الضرر عليهم فأمرتهم
بالاتمام وإن لم يقيموا عشرة لدفع ذلك عنهم. ومنه يعلم أن الاتمام هنا غير الاتمام
المدعى في أصل المسألة لأن هذا خاص بهؤلاء المذكورين لهذه العلة وذلك الاتمام
الذي في أصل المسألة عام.
قال الشيخ (رحمه الله) بعد نقل الخبر الأول من هذين الخبرين وكلام في
البين ما لفظه: ويكون قوله عليه السلام لمن كان يخرج عند الصلاة من المسجد ولا يصلي
مع الناس أمرا على الوجوب ولا يجوز تركه لمن كان هذا سبيله لأن فيه دفعا للتقية
واغراء بالنفس وتشنيعا على المذهب. انتهى. ومرجعه إلى أن الاتمام المأمور به في
أصل المسألة تخييري وأنه أفضل الفردين وهذا الاتمام المذكور في هذين الخبرين
حتمي لا يجوز تركه لما ذكره (قدس سره).
فإن قلت: إن حمل الاتمام على التقية في هذين الخبرين ينافي ما ذكرتم من حمل
التقصير على التقية ومن جملة ما دل على ذلك صدر الخبرين المذكورين.

(1) ص 250
454

قلت: لا مانع من أن تكون العلة في التقصير في هذه المواضع هو التقية وأنه
قد يتبدل الحكم بوجود عارض وأمر آخر كما في هاتين الروايتين من الخروج من
المسجد على هذه الحال، وحينئذ فيكون الاتمام هنا مخصوصا بهؤلاء الذين كانوا
يفعلون ذلك، ومن الظاهر أن التقية هنا أشد لأن خروجهم عند دخول المخالفين
ربما كان موجبا لهم الخروج عن الدين في اعتقاد أولئك المعاندين فلذا أمرهم عليه السلام
بالاتمام الذي هو أقل مفسدة، ولا يخفى أن أجوبتهم (عليهم السلام) تدور مدار المصالح
التي تقتضيها الحال، فلا إشكال في هذا المجال كما لا يخفى على ذوي الكمال.
ثم إن من جملة من رجح ما رجحناه واختار ما اخترناه من حمل أخبار
القصر في هذه المسألة على التقية جملة من مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين:
منهم - شيخنا المجلسي في البحار ونقله فيه أيضا عن الفاضل العلامة المحقق المولى
عبد الله الشوشتري، واختاره أيضا المحدث الكاشاني في الوافي والشيخ محمد بن الحسن
الحر العاملي في الوسائل، ولكن أحدا منهم لم يعط المسألة حقها من التحقيق كما
أوضحناه بحمد الله سبحانه مانح التوفيق، ولا تجد لأمثال هذه التحقيقات ذكرا في
غير كتبنا وزبرنا، ولله سبحانه الحمد والمنة بذلك. والله العالم بحقائق أحكامه
ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
تنبيهات
الأول - في تحقيق المكان الذي يستحب فيه الاتمام من هذه المواضع الأربعة
والكلام هنا يقع في مواضع ثلاثة:
الأول - في الحرمين الشريفين وقد اختلفت كلام الأصحاب هنا في أنه البلد
في كل منهما أو المسجد كذلك أو الحرم؟ المشهور الأول، وذهب ابن إدريس إلى
الثاني فخص الحكم بالمسجدين وهو مختار العلامة في المختلف والشهيدين في اللمعة
وشرحها والروض، وظاهر كلام الشيخ في التهذيب الثالث حيث قال: ويستحب
إتمام الصلاة في الحرمين فإن فيه فضلا كثيرا. ثم قال ومن حصل بعرفات فلا يجوز
455

له الاتمام على حال. انتهى. وبه يظهر ما في كلام بعض مشايخنا المعاصرين من
انكار القول بذلك حيث قال: ولم نظفر على قائل مصرح بالشمول لجميع حرم الله
ورسوله صلى الله عليه وآله فضلا عن غيرهما. والظاهر أنه نشأ من غفلة عن ملاحظة
العبارة المذكورة.
ومن الظاهر أن الأصل في الخلاف المذكور اختلاف الأخبار الواردة في
المقام، فإن جملة من الأخبار المتقدمة منها ما تضمن التعبير عن ذلك بالحرمين
كالرواية الأولى والثانية والثالثة والخامسة والسادسة والثامنة والحادية وعشرة والثانية
عشرة والرابعة عشرة (1) والثانية والعشرين والصحيح منها أربع روايات، ومنها
ما تضمن التعبير بمكة والمدينة كالرواية الرابعة والسابعة والتاسعة والعاشرة والثالثة
عشرة والسابعة عشرة (2) والصحيح منها ثلاث روايات، ومنها ما تضمن التعبير
بالمسجدين كالرواية السادسة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين (3) وكلها ضعيفة السند
وحينئذ فإن عملنا بأخبار الحرمين - وهي أكثر الأخبار كما عرفت وهو ظاهر التهذيب
في ما قدمنا من عبارته - كان محل الاتمام فيهما أعم من البلدين.
وظاهر الأصحاب أنهم حملوا الحرمين في تلك الأخبار على البلدين وهو غير
بعيد، ويؤيده ما ورد عن الصادق عليه السلام (4) أنه قال " مكة حرم الله وحرم رسوله
صلى الله عليه وآله وحرم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والمدينة حرم الله
وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وحرم علي بن أبي طالب (عليه السلام) والكوفة حرم الله
وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وحرم علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وما رواه الشيخ في الأمالي بسند موثق عن عاصم بن عبد الواحد وهو مهمل (5)
قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: مكة حرم الله والمدينة حرم محمد

(1) والخامسة عشرة
(2) والثامنة عشرة وهي الصحيحة الثالثة
(3) والحدية والعشرين
(4) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد.
(5) البحار ج 21 ص 30
456

صلى الله عليه وآله والكوفة حرم علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن عليا حرم من الكوفة
ما حرم إبراهيم من مكة وما حرم محمد صلى الله عليه وآله من المدينة ".
ويعضد ذلك أيضا قوله في آخر صحيحة علي بن مهزيار وهي الرواية الخامسة
" أي شئ تعني بالحرمين؟ فقال مكة والمدينة ".
وقد أفصح عليه السلام هنا بذلك، وبه يظهر قوة القول المشهور وأنه المؤيد المنصور
وقوفا في ما خالف أخبار القصر العامة على القدر المتيقن من هذه الأخبار.
وأما القول بالاقتصار على المسجدين كما ذهب إليه جمع ممن قدمنا ذكره وغيرهم
فعللوه بكون الحكم على خلاف الأصل والخروج عن العهدة بالقصر حاصل اجماعا،
إذ غاية الحكم بالاتمام التخيير فالقصر في البلدين مجزئ اجماعا على التقديرين
بخلاف الاتمام.
قال العلامة في المختلف بعد اختيار قول ابن إدريس: لنا - إن الأصل وجوب
القصر فيصار إلى خلافه في موضع الوفاق.
أقول: فيه مع الاغماض عن المناقشة في بعض هذه المقدمات إنه إن كان
التخصيص بالمسجدين على جهة الأولوية والاحتياط فلا بأس، وإن كان على جهة
الترجيح والاختيار والحكم بعدم اجزاء ما خرج عنهما كما هو صريح كلام ابن إدريس
فإن اللازم اطراح تلك الأخبار الجمة المتكاثرة مع كثرتها وصحة جملة منها وصراحتها
والاعتماد عليها في أصل المسألة وضعف سند ما دل على اعتبار المسجدين باصطلاحهم
كما قدمنا ذكره، مع أن قاعدتهم سيما شيخنا الشهيد الثاني ومن يحذو حذوه رد الأخبار
الموثقة فضلا عن الضعيفة.
وأما ما أجاب به العلامة في المختلف - حيث قال بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه:
احتجوا بما تقدم من الروايات الدالة على الاتمام في الحرمين، والجواب بالحمل على
نفس المسجدين جمعا بين الأدلة -
ففيه أولا - مع الاغماض عن المناقشة ببعد هذا الاطلاق أن المخالفة غير
457

منحصرة في أخبار الحرمين بل مثلها في أخبار البلدين بلفظ مكة والمدينة، واطلاق
هذين اللفظين على المسجدين أبعد.
وثانيا - أن صحيحة علي بن مهزيار تضمنت سؤال الإمام عليه السلام عن الحرمين
الذين أمر بالاتمام فيهما فأجاب بمكة والمدينة ولو كان ما يدعونه حقا لأجاب عليه السلام
بالمسجدين دون البلدين.
وبالجملة فالظاهر أن التخصيص بالمسجدين في تلك الروايات إنما خرجت
لمزيد الشرف وأن الغالب والمتعارف هو الصلاة في المسجد.
ومن ما يؤيد الحمل على البلد زيادة على ما تقدم لكن بالنسبة إلى مكة ما ورد
في بعض أخبار الاعتكاف من أن البلد كلها في حكم المسجد:
مثل ما في صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام (1) قال: " المعتكف
بمكة يصلي في أي بيوتها شاء سواء عليه في المسجد صلى أو في بيوتها ".
وفي بعضها (2) " ولا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه
إلا بمكة فإنه يعتكف بمكة حيث شاء لأنها كلها حرم الله ".
ثم إنه على تقدير قصر الحكم على المسجد فهل المعتبر في المسجد الحرام المسجد
القديم الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله أو هذا المسجد الموجود الآن؟ اشكال قد تقدم
بيانه في مسألة كراهة النوم في المسجد في المقدمة السادسة في المكان (3).
وأما مسجد الرسول صلى الله عليه وآله فالظاهر اختصاص الحكم بما كان في زمنه صلى الله عليه وآله
دون ما زيد فيه لأن الحكم بالتمام هنا وقع على خلاف الأصل فيقتصر فيه على
القدر المتقين.
ويعضد ذلك إضافته إليه صلى الله عليه وآله في الأخبار فيخص بما كان في زمانه إذ

(1) الوسائل الباب 8 من الاعتكاف.
(2) الوسائل الباب 8 من الاعتكاف، وهو حديث عبد الله بطريق الشيخ
(3) ج 7 ص 295
458

لا يضاف إليه ما فعله غيره بعده خصوصا ما أحدثه الثاني من غصب بعض الدور
وجعلها في المسجد كما صرحت به الأخبار (1).
وقد ورد في تحديده من الأخبار صحيحة محمد بن مسلم (2) قال: " سألته
عن حد مسجد الرسول صلى الله عليه وآله قال الأسطوانة التي عند رأس القبر إلى الأسطوانتين
من وراء المنبر عن يمين القبلة، وكان من وراء المنبر طريق تمر فيه الشاة ويمر فيه
الرجل منحرفا، وكان ساحة المسجد من البلاط إلى الصحن " ونحوها صحيحة
أبي بصير المرادي (3).
وثانيها - في الكوفة وقد اختلف أيضا في محل الاتمام هنا هل هو مختص
بالمسجد أو يعم البلد؟ فنقل جمع من متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) عن الشيخ
(قدس سره) أنه قال: إذا ثبت الحكم في الحرمين من غير اختصاص بالمسجد يكون
الحكم كذلك في الكوفة لعدم القائل بالفصل. ونقل الشهيد في الدروس عن المحقق
أنه حكم في كتاب له في السفر بالتخيير في البلدان الأربعة حتى الحائر، ورجح
المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد عموم الاتمام في الكوفة، وصرح جمع من
المتأخرين باختصاص الحكم بالمسجد، قال في المعتبر: ينبغي تنزيل حرم أمير المؤمنين
عليه السلام على مسجد الكوفة خاصة أخذ بالمتيقن. انتهى.
وظاهر الشيخ في المبسوط تعدية الحكم إلى الغري أيضا حيث قال: ويستحب
الاتمام في أربعة مواطن في السفر: بمكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر (على
ساكنه أفضل التحية والسلام) وقد روي الاتمام في حرم الله وحرم الرسول صلى الله عليه وآله
وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين (عليهما السلام) (4) فعلى هذه الرواية يجوز

(1) وفاء الوفاء للسمهودي ج 1 ص 342 إلا أنه لم يذكر الغضب بل إنه كان
بنحو الاشتراء والاسترضاء.
(2) الوسائل الباب 58 من أحكام المساجد
(3) الوسائل الباب 58 من أحكام المساجد
(4) في حديث حماد ص 438
459

الاتمام خارج مسجد الكوفة وبالنجف. انتهى.
وقال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) بعد نقل ذلك عنه: وكأنه نظر إلى أن حرم أمير المؤمنين عليه السلام ما صار محترما بسببه واحترام الغري به أكثر من
غيره. ولا يخلو من وجه ويومئ إليه بعض الأخبار، ثم قال (قدس سره)
والأحوط في غير المسجد القصر. انتهى.
فأما الأخبار الواردة هنا فإن بعضها تضمن التعبير بحرم أمير المؤمنين عليه السلام
وهي الرواية الأولى وبعضا تضمن التعبير بالكوفة وهي الرواية الثانية والعشرون
وبعضا بالمسجد وهي الرواية الرابعة والتاسعة عشرة والعشرون.
وقد طعن بعض المتأخرين في الرواية الواردة بحرم أمير المؤمنين عليه السلام بأن
فيها اجمالا لعدم معلومية الحرم ثمة، ثم نقل عن المعتبر كما أسلفنا تنزيله على المسجد.
وأنت خبير من ما أسلفنا من الروايتين الدالتين على أن الكوفة حرم
أمير المؤمنين عليه السلام ونحوهما غيرهما أنه لا مجال للطعن بهذا الاجمال لتفسير الحرم في
تلك الأخبار بالكوفة.
وحينئذ فيمكن القول بأن موضع الاتمام هو البلد وتحمل رواية الحرم على
ذلك، وتحمل رواية المسجد على ما ذكرنا سابقا من حيث مزيد الشرف واعتياد
العبادة فيه. ويحتمل التخصيص بالمسجد لكثرة الروايات الواردة به وتخصيص
الحرم به كما ذكره في المعتبر. ولعل الأول أقرب وإن كان الثاني أحوط.
ثم إنه على تقدير الصلاة في المسجد خصوصا أو احتياطا فهل يختص الحكم
بالموجود الآن أو المسجد القديم لما دلت عليه جملة من الأخبار من حصول التغيير
فيه عن ما كان عليه سابقا؟ اشكال.
ومن الأخبار الدالة على ما قلناه من نقصان هذا المسجد عن المسجد القديم
ما رواه العياشي في تفسيره عن المفضل بن عمر (1) قال " كنت مع أبي عبد الله عليه السلام

(1) مستدرك الوسائل الباب 35 من أحكام المساجد
460

بالكوفة أيام قدم على أبي العباس فلما انتهينا إلى الكناسة نظر عن يساره ثم قال
يا مفضل ههنا صلب عمي زيد (رحمه الله) ثم مضى حتى أتى طاق الرواسين وهو
آخر السراجين فنزل فقال لي انزل فإن هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأول الذي
خطه آدم عليه السلام وأنا أكره أن أدخله راكبا. فقلت له فمن غيره عن خطته؟ فقال أما
أول ذلك فالطوفان في زمن نوح عليه السلام ثم غيره أصحاب كسرى والنعمان بن المنذر ثم
غيره زياد بن أبي سفيان. فقلت له جعلت فداك وكانت الكوفة ومسجدها في
زمن نوح؟ فقال نعم يا مفضل.. الحديث ".
وما رواه في الكافي بسنده فيه عن أمير المؤمنين عليه السلام (1)، أنه كان يقوم على
باب المسجد ثم يرمي بسهم فيقع في موضع التمارين فيقول ذلك من المسجد وكان
يقول قد نقض من أساس المسجد مثل ما نقص في تربيعه ".
وما رواه شيخنا المجلسي (رحمه الله) في كتاب البحار (2) نقلا من كتاب
المزار الكبير بسنده فيه إلى علي عليه السلام في حديث يتضمن فضل مسجد الكوفة قال
في آخره " ولقد نقص منه اثنا عشر ألف ذراع ".
وما رواه في الكتاب المذكور أيضا (3) عن حذيفة في حديث قال فيه " ولقد
نقص من ذرعه من الأساس الأول اثنا عشر ألف ذراع، وأن البركة منه على اثني
عشر ميلا من أي الجواب جئته ".
وما رواه في الكافي عن وهيب بن حفص عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (4)
قال: " إن القائم إذا قام رد البيت الحرام إلى أساسه ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله إلى أساسه
ومسجد الكوفة إلى أساسه. وقال أبو بصير إلى موضع التمارين من المسجد ".
وحينئذ فعلى تقدير القول بالاقتصار على المسجد هل يكون الحكم في ما
خرج عن المسجد الآن من ما علم دخوله في هذه الحدود المذكورة في هذه الروايات

(1) الوسائل الباب 44 من أحكام المساجد، وهو حديث أبي بصير رقم " 2 "
(2) ج 22 ص 88
(3) ج 22 ص 88
(4) الفروع ج 1 ص 313 باب النوادر
461

حكم هذا المسجد؟ اشكال من دلالة هذه الأخبار على كونه من المسجد، ومن
احتمال بناء حمل اللفظ الوارد عنهم (عليهم السلام) على المعهود المعروف يومئذ
بين كافة الناس، ولو أريد ما زاد على ذلك لكان ينبغي بيان الحال حذرا من
الاجمال الحاصل من تأخير البيان.
ويؤيد ذلك جعل البيوت في زمانه عليه السلام بجنب المسجد الموجود الآن كما هو
الموجود الآن من آثار بيت أمير المؤمنين عليه السلام ومن الظاهر أيضا بيوت الناس في
ذلك الوقت والأسواق ونحوها فإنها كلها واقعة في تلك الحدود المستلزم البتة لوقوع
النكاح فيها والبول والتغوط وإزالة النجاسات ونحو ذلك من ما يجب اجتنابه
في المساجد.
ولم أقف لأحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) على كلام للتفصي عن هذا
الاشكال، وقد نقل لي بعض من أثق به من الإخوان حين تشرفت في الأعوام
السابقة بذلك المكان أن بعض العلماء المعاصرين المجاورين في النجف الأشرف كان
يمنع من ضرب الخلاء في تلك الصحراء من ما يدخل في تلك الحدود، وحكى لي
بعض الإخوان أيضا عن بعض علماء ذلك الزمان تخصيص النقصان من المسجد
بالجهة التي فيها باب الفيل دون سائر الجهات، قال وهو الذي يلي موضع التمارين.
وكيف كان فالأحوط الاقتصار على هذا المسجد الموجود الآن. وقد تقدم
الكلام في هذا المقام أيضا في التذنيب الملحق بالختام الذي في المساجد من آخر
المقدمة السادسة في المكان (1) والله سبحانه العالم.
وثالثها - في الحائر المقدس (على مشرفه أفضل التحية والسلام) وقد اختلف
أيضا فيه كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) وقد تقدم النقل عن المحقق في كتابه
المشار إليه آنفا أنه جعل البلد محلا للتمام، والمشهور بين أصحابنا الاختصاص بالحائر
وأما الروايات الواردة هنا. فمنها ما هو بلفظ الحائر وهي الرواية الرابعة.

(1) ج 7 ص 323 و 324
462

ومنها ما هو بلفظ الحرم وهي الرواية الأولى والتاسعة عشرة والعشرون.
ومنها ما هو بلفظ " عند القبر " وهي الرواية الحادية والعشرون والثانية والعشرون
والثالثة والعشرون.
ونقل عن المحقق في الكتاب المشار إليه آنفا أنه استند في ما ذهب إليه هنا
من الاتمام في مجموع البلد إلى الأخبار الواردة بلفظ حرم الحسين عليه السلام قال: وقدر
بخمسة فراسخ وأربعة فراسخ والكل حرم وإن تفاوتت في الفضيلة. انتهى.
ونفى عنه البعد شيخنا المجلسي (رحمه الله) في البحار (1) ثم نقل شطرا من
الأخبار الواردة في تقدير الحرم وفي بعضها فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر
وفي بعض آخر خمسة فراسخ من أربعة جوانبه، ونقل في جلد المزار من البحار (2)
رواية تتضمن أنه فرسخ من كل جانب، ولكن الكل مشترك في ضعف السند.
ثم إنه (قدس سره) قال: والأحوط إيقاع الصلاة في الحائر وإذا أوقعها في غيره
فيختار القصر.
أقول: والأقرب عندي هو القول المشهور وحمل الحرم في تلك الروايات
على الحائر باعتبار أنه أخص أفراد الحرم وأشرفها، وتؤيده الروايات الدالة على أنه عند القبر، فإن اطلاق العندية على البلد لا يخلو من البعد وأما على الحائر فهو
قريب وإن كان المتبادر من ذلك هو ما كان تحت القبة الشريفة خاصة إلا أن إدخال
الحائر تحت هذا اللفظ في مقام الجمع بين الأخبار غير بعيد ولا مستنكر مثل إدخال البلد
ويؤيده ما ورد في بعض الأخبار عن أبي عبد الله عليه السلام (3) أنه قال " قبر الحسين
عليه السلام عشرون ذراعا في عشرين ذراعا مكسرا روضة من رياض الجنة منه معراج
الملائكة إلى السماء.. الحديث ".
وأظهر في ذلك تأييدا أن وجوب القصر ثابت على المسافر بيقين ولا يرتفع
إلا بدليل ثابت مثله، وذلك في المشهد الشريف وهو الحائر المقدس ثابت بما ذكرنا

(1) ج 18 الصلاة ص 703
(2) البحار ج 22 ص 139 و 141 باب الحائر وفضله
(3) البحار ج 22 ص 139 و 141 باب الحائر وفضله
463

من الأدلة لاجتماع صدق الألفاظ الثلاثة عليه، وأما في غيره من أماكن البلد فلا
لأن المناط حينئذ إنما هو محض احتمال كون المراد بالحرم هنا مطلق حرمه عليه السلام
واحتمال حمل الحائر على ما رواه سور المشهد واحتمال التجوز في " عنده " بما يشمل
البلد، وكل هذه الاحتمالات ولا سيما الأخير في غاية البعد والخروج عن الظاهر
المتبادر، فالخروج عن يقين وجوب القصر بهذه الاحتمالات لا يخلو من مجازفة ظاهرة
وأما تحديد الحائر الشريف فقال ابن إدريس إنه ما دار سور المشهد والمسجد
عليه دون ما دار سور البلد عليه، لأن ذلك هو الحائر حقيقة لأن الحائر في لسان
العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء، وقد ذكر شيخنا الشهيد أن في هذا
الموضع حارا لماء لما أمر المتوكل (لعنه الله) باطلاقه على قبر الحسين عليه السلام ليعفيه
فكان لا يبلغه. انتهى.
وقال شيخنا المجلسي (قدس سره) في كتاب البحار بعد نقل كلام ابن إدريس
المذكور: وأقول ذهب بعضهم إلى أن الحائر مجموع الصحن المقدس وبعضهم إلى أنه القبة السامية وبعضهم إلى أنه الروضة المقدسة وما أحاط بها من العمارات المقدسة
من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها، والأظهر عندي أنه مجموع الصحن القديم
لا ما تجدد منه في الدولة الصفوية (شيد الله أركانهم) والذي ظهر لي من القرائن
وسمعته من مشايخ تلك البلاد الشريفة أنه لم يتغير الصحن من جهة القبلة ولا من
جهة اليمين ولا من جهة الشمال بل إنما زيد من خلاف جهة القبلة، وكل ما انخفض
من الصحن وما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم وما ارتفع منه فهو
خارج عنه، ولعلهم إنما تركوه كذلك ليتمايز القديم من الجديد. والتعليل المنقول
عن ابن إدريس (قدس سره) ينطبق على هذا وفي شموله لحجرات الصحن من
الجهات الثلاثة اشكال. انتهى كلام شيخنا المذكور.
أقول: وقد أخبرني من أثق به من علماء تلك البلد وسكنة ذلك المكان
منذ مدة من الزمان لما تشرفت بتقليل تلك الأعتاب وفاوضته في كلام شيخنا المذكور
464

ونقله التغيير في الصحن في دبر القبلة فقال إن سبب ذلك أن هذا المسجد الجامع
الموجود الآن في ظهر القبة السامية لم يكن قبل وإنما أحدث في ما يقرب من مائتي
سنة ولما أحدثوه أخروا جدار الصحن من تلك الجهة لتتسع مثل باقي جهاته.
ثم إن ما اختاره شيخنا المتقدم ذكره - من تحديد الحائر الشريف وأنه عبارة
عن الصحن لا خصوص القبة السامية أو هي وما اتصل بها من العمارات - يدل عليه
بعض أخبار الزيارات كما في رواية صفوان الطويلة (1) ونحوها من الأخبار الدالة
على سعة ما بين دخول الحائر ووصول القبر بحيث يزيد على الروضة والعمارات
المتصلة بها.
التنبيه الثاني - قد تقدم النقل عن المرتضى وابن الجنيد (رضي الله عنهما)
أنهما ذهبا إلى وجوب التمام في هذه المواضع الأربعة وألحقا بها المشاهد المشرفة.
هكذا نقله الأصحاب عنهما.
والذي وقفت عليه من كلاميهما ما نقله عنهما في المختلف، فنقل عن السيد في
الجمل أنه قال: لا يقصر في مكة ومسجد النبي صلى الله عليه وآله ومشاهد الأئمة القائمين مقامه
(عليهم السلام). ونقل عن ابن الجنيد أنه قال: والمسجد الحرام لا يقصر فيه أحد
لأن الله جعله سواء العاكف فيه والباد (2).
وهاتان العبارتان قاصرتان عن إفادة ما نقل عنهما سيما عبارة ابن الجنيد
المختصة بالمسجد الحرام، اللهم إلا أن يكون قد وقفوا لهما على كلام غير هذا، مع أن المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف نقلا عن السيد القول بالقول المشهور، ويمكن
حمل النهي في كلاميهما هنا على النهي عن تحتمه ردا على مثل الصدوق القائل بتحتم
القصر، فإنهم كثيرا ما يجرون في التعبير على وفق ألفاظ النصوص وإن كانوا
يفهمون أن المراد بها خلاف ظاهرها كما هو في كلام الشيخ والصدوق شائع
وكيف كان فهو على ظاهره مطروح غير معمول عليه. وأما تعدية الحكم إلى سائر

(1) البحار ج 22 ص 158
(2) في قوله تعالى في سورة الحج الآية 25
465

المشاهد المشرفة فقال في الذكرى: إنا لم نقف لهما على مأخذ في ذلك والقياس عندنا باطل
الثالث - ظاهر أصحابنا (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف أن
التخيير في هذه المواضع مخصوص بالصلاة دون الصوم لخلو الأخبار الواردة في
المسألة من التعرض له، بل اشعار بعض الروايات المتقدمة وهي الرواية السادسة
بالعدم، حيث سئل فيها عن اتمام الصلاة والصيام في الحرمين فأجاب عليه السلام عن الصلاة
خاصة وأضرب عن الصيام والظاهر أنه لعدم جريان الحكم فيه. وما ربما يوجد في
بعض النسخ بلفظ ضمير التثنية فالظاهر أنه غلط من النساخ بل الأظهر ما في أكثر
النسخ المعتمدة بضمير الافراد الراجع إلى الصلاة خاصة كما يؤيده قوله عليه السلام:
(ولو صلاة واحدة).
ومن أظهر ما يدل على ذلك صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (1)
قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصيام بمكة والمدينة ونحن في سفر فقال أفريضة؟
فقلت لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة. قال فقال تقول اليوم وغدا؟ فقلت
نعم. فقال لا تصم " والتقريب فيها أن المنع عن التطوع مستلزم للمنع عن الواجب
بطريق أولى.
وما ربما يتوهم من جواز ذلك - استنادا إلى صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " قلت دخلت بلدا أول يوم من شهر رمضان ولست
أريد أن أقيم عشرا؟ قال قصر وأفطر. قلت فإني مكثت كذلك أقول غدا أو بعد
غد فأفطر الشهر كله وأقصر؟ قال نعم هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت
قصرت " وبهذا المضمون روايات أخر تقتضي جواز الصيام مع الاتمام -
فقد أجاب عنه شيخنا المجلسي في البحار بأنه يمكن أن يكون المراد به القصر
على الحتم كما هو الغالب. انتهى. وهو جيد لما عرفت في غير مقام من ما تقدم أن

(1) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم
(2) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر
466

الأحكام المودعة في الأخبار إنما تبنى على الأفراد المتكررة المتكثرة فإنها هي التي
ينصرف إليها الاطلاق وتتبادر إلى الفهم.
ويحتمل أيضا تخصيص الخبر المذكور بغير ما نحن فيه كما وقع تخصيصه في
مواضع أخر أيضا: منها - ما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصيام في من
سافر بعد الظهر بدون تبييت النية على الخلاف الآتي إن شاء الله تعالى، وحينئذ فلا بد
من حمله على أن ذلك من حيث اقتضاء السفر فلا ينافيه ما لو حصل أحيانا التخلف
لعارض ومن جهة أخرى كما نحن فيه، إذ خروج القصر عن كونه عزيمة في هذه
المواطن إنما هو من جهة خصوصية فيها اقتضت ذلك بالأدلة القاطعة. هذا مع أن ما نحن فيه دائر بين كون الصيام أفضل من الافطار وبين كونه حراما بخلاف
الافطار فإنه دائر بين كونه واجبا حتميا أو تخييريا، ومقتضى القواعد العقلية
والنقلية في ما إذا دار الفعل بين الاستحباب والتحريم هو ترك ذلك الفعل، وأما
الافطار هنا فهو موجب للخروج عن العهدة على كل من التقديرين. والله العالم.
الرابع - قد صرح جملة من الأصحاب - منهم الشهيد في الذكرى والمحقق
الأردبيلي في شرح الإرشاد والفاضل الخراساني في الذخيرة وشيخنا المجلسي في البحار
والمحدث الكاشاني في المفاتيح - بجواز فعل النافلة الساقطة في السفر في هذه الأماكن
سواء اختار القصر أو الاتمام للتحريض والترغيب في كثرة الصلاة فيها كما تقدم في
الرواية الخامسة والرواية الثانية عشرة.
ومن ما يدل على ذلك مع اختيار القصر جملة من الأخبار رواها ابن قولويه
في كتاب كامل الزيارات: منها - ما رواه بسنده عن علي بن أبي حمزة (1) قال:
" سألت العبد الصالح عليه السلام عن زيارة قبر الحسين عليه السلام فقال ما أحب لك تركه. فقلت وما
ترى في الصلاة عنده وأنا مقصر؟ قال صل في المسجد الحرام ما شئت قطوعا وفي
مسجد الرسول صلى الله عليه وآله ما شئت تطوعا وعند قبر الحسين عليه السلام فإني أحب ذلك. قال

(1) الوسائل الباب 26 من صلاة المسافر
467

وسألته عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسين عليه السلام ومشاهد النبي صلى الله عليه وآله والحرمين
تطوعا ونحن نقصر؟ فقال نعم ما قدرت عليه ".
وما رواه في الكتاب المذكور بسنده عن ابن أبي عمير عن أبي الحسن عليه السلام (1)
قال: " سألته عن التطوع عند قبر الحسين عليه السلام وبمكة والمدينة وأنا مقصر؟ قال
تطوع عنده وأنت مقصر ما شئت وفي المسجد الحرام وفي مسجد الرسول صلى الله عليه وآله
وفي مشاهد النبي صلى الله عليه وآله فإنه خير ".
وما رواه عن إسحاق بن عمار (2) قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام أتنفل في
الحرمين وعند قبر الحسين عليه السلام وأنا أقصر؟ قال نعم ما قدرت عليه ".
وجه الدلالة أنه إذا جاز التنفل مع القصر فمع الاتمام أولى.
أقول: لقائل أن يقول إنه لا ريب في صراحة الأخبار الدالة على سقوط
النافلة الراتبة النهارية في السفر وهو حكم اتفاقي نصا وفتوى، وهذه الأخبار غاية
ما تدل عليه الحث على التطوع وكثرة الصلاة، وهو وإن كان أعم من الراتبة
وغيرها لكن عارضها في الراتبة ما عرفت فيجب قصرها على غير الراتبة.
وبالجملة فإن الأحوط ترك الراتبة النهارية مع اختيار القصر لعدم صراحة
هذه الأخبار مع غض الطرف عن النظر في أسانيدها في جوازها على التعيين وعدم
تبادرها من حاق ألفاظها على اليقين. ودخولها في مطلق التطوع معارض بما دل
على سقوطها على الخصوص والتعيين مع قصر فرائضها ووجوب تقديم الخاص
في العمل.
نعم مع اختيار الاتمام الظاهر أنه لا إشكال في جواز الاتيان بها، ويشير إلى
ذلك رواية أبي يحيى الحناط (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة النافلة
بالنهار في السفر؟ فقال يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة ".

(1) الوسائل الباب 26 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 26 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 21 من أعداد الفرائض ونوافلها
468

وربما أيد الحمل هنا على غير الراتبة عد مشاهد النبي صلى الله عليه وآله من تلك المواضع
في استحباب كثر التطوع في حال السفر مع الصلاة قصرا مع أنها ليست داخلة في
شئ من المواضع الأربعة.
وبالجملة فدليل سقوطها مع التقصير صحيح صريح متفق عليه فلا يخرج عن
مقتضاه إلا بدليل مثله، سيما أنا لم نعثر على مصرح بهذا الحكم من المتقدمين.
إلا أنه يمكن أن يقال أيضا إن سقوط الراتبة المذكورة إنما ثبت مع تعين
التقصير وتحتمه وحينئذ فمع عدمه تبقى أدلتها الدالة على استحبابها مطلقا وتوظيفها
سالمة من المعارض، وحينئذ فيمكن القول بجوازها اعتمادا على تلك الأدلة دون
هذه، والاحتياط لا يخفى. والله العالم.
الخامس - قد صرح جملة من الأصحاب: منهم - المحقق في المعتبر وغيره
بأنه لا يعتبر في الصلاة الواقعة في هذه الأماكن التعرض لنية القصر والاتمام،
واستحسنه جماعة ممن تأخر عنه: منهم - السيد السند في المدارك وشيخنا المجلسي
في البحار وغيرهما في غيرهما، والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد في الدروس والبيان
وجوب التعرض لذلك في النية، لكن صرح في البيان بأنه لا يخرج بذلك عن التخيير
والمشهور خلافه.
والظاهر أن مرادهم بالتعرض لنية القصر والاتمام أخذ ذلك في قيود النية
المشهور تصويرها في كتبهم بقول المصلي مثلا " أصلي فرض كذا.. إلى آخره " التي
هي عبارة عن الكلام النفسي والتصوير الفكري، وإلا فلا ريب أنه لا بد من
اعتبار ذلك بل لا يمكن بدونه لضرورة عدم انفكاك أفعال العقلاء عند توجه النفس
إلى شئ منها عن القيود المميزة، ولهذا قيل لو كلفنا الله العمل بغير نية لكان
تكليفا بما لا يطاق، وهذه هي النية الحقيقية كما تقدم تحقيقه في غير مقام من
مباحث النية.
والظاهر أن مرادهم أيضا بعدم تعيين أحدهما بالنسبة إليه أنه لو نوى الاتمام
469

مثلا جاز له الرجوع إلى القصر ما لم يتجاوز محل العدول ولا يتعين عليه المضي على
الاتمام، وكذا لو نوى القصر جاز له العدول إلى التمام ما لم يسلم على الركعتين
مستصحبا للنية الأولى، وإلا فلو كان المراد الاتيان بأيهما كيف اتفق كما يفهم من
ظاهر العبارة لأشكل ذلك في ما لو دخل بنية الاتمام ثم سلم على الركعتين ساهيا أو
دخل بنية القصر ثم صلى الركعتين الأخيرتين ساهيا، فإن الحكم بالصحة بناء على أنه مخير في الاتيان بهما وقد أتى بأحدهما مشكل، لأن الظاهر أن المكلف وإن كان
مخيرا بين الفردين إلا أنه باختياره أحدهما وقصده الامتثال به من غير عدول عنه
في محل العدول يتعين في حقه وتترتب عليه أحكامه من الابطال بزيادة ما تكون
زيادته مبطلة ونقصان ما نقصانه مبطل، وإلا لزم الحكم بالصحة بناء على استحباب
التسليم في ما لو صلى بنية التمام ثلاث ركعات ثم سلم على الثالثة ساهيا، فإنه قد
أوجد الصلاة المقصورة في ضمن هذه الثلاث ركعات وإن كانت غير مقصودة
فتكون مجزئة، بل ولو سلم عامدا أو أحدث والحال هذه بعد اتمام الركعتين
الأخيرتين أو فعل ما يبطلهما بعد ذلك فإنه تكون صلاته صحيحة باعتبار اشتمالها
على الصلاة المقصورة في الجملة، والحكم بالصحة في أمثال ذلك خارج عن مقتضى
القواعد والأصول المقررة.
وبذلك يظهر لك ما في كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد حيث
قال: الظاهر أنه لو نوى القصر ثم تممها نسيانا أو عمدا مع النقل تصح الصلاة
وبالعكس. انتهى.
والظاهر أن مراده بالعكس ما لو نوى التمام ثم سلم على الركعتين الأولتين
ساهيا أو أحدث بعد التشهد أو فعل غيره من المبطلات فإنه تكون صلاته صحيحة.
ومرجع كلامه إلى اجزاء الاتيان بأحد الفردين واقعا وإن لم يكن مقصودا ولا مرادا
له حال دخوله في الصلاة إلى الفراغ منها، وبطلانه أظهر من أن يذكر فإن العبادات
تابعة للقصود والنيات ولكل من أفرادها أحكام خاصة مبنية على ذلك كما لا يخفى
470

على من تأمل القواعد المستفادة من الأخبار وكلام الأصحاب في هذا الباب. والله العالم
السادس - قد أورد بعض الأصحاب اشكالا في هذا المقام وما شاكله من
كل موضع حكم فيه بالتخيير بين واجبين مع أرجحية أحدهما، كالحكم بالتخيير بين
التسبيح والفاتحة في الأخيرين مع الحكم بأفضلية التسبيح، والتخيير بين الظهر
والجمعة مع أفضلية الجمعة، والحكم بالتخيير في الاستنجاء بين الماء والأحجار مع
عدم التعدي وأفضلية الماء ونحو ذلك، وقد تقدم الكلام في بيان الاشكال المذكور
والجواب عنه والبحث في ذلك في الفصل الثامن في حكم الأخيرتين من الباب الثاني (1)
وفي بحث النية في الوضوء من كتاب الطهارة وغير هما فليرجع إليه من أحب
الوقوف عليه.
السابع - قد صرح جملة من متأخري المتأخرين: منهم - المحقق الأردبيلي
والفاضل الخراساني وشيخنا المجلسي بأن الظاهر بقاء التخيير في فوائت هذه الأمكنة
فيتخير في قضائها بين الاتمام والقصر وإن وقع القضاء في خارجها لعموم " من فاتته
صلاة فليقضها كما فاتته " (2) ثم احتملوا تعين القصر احتمالا وجعله بعضهم أحوط
أما لو أراد أن يقضي فيها ما فات في خارجها فظاهر هم عدم التخيير للخبر المذكور.
الثامن - قال في المنتهى: من عليه صلاة فائتة هل يستحب له الاتمام في هذه
المواطن؟ الأقرب نعم عملا بالعموم، وكان والدي (قدس سره) يمنع من ذلك
لقوله صلى الله عليه وآله (3) " لا صلاة لمن عليه صلاة " ولأن من عليه فريضة لا يجوز له
فعل النافلة. انتهى.
وقد نقل هذا القول عن والد العلامة جماعة وردوه بالضعف، وهو كذلك
بناء على ما هو المشهور بين المتأخرين من جواز المواسعة في القضاء، وأما على

(1) ج 8 ص 428
(2) تقدم في التعليقة 2 ص 22 والتعليقة 1 ص 26 ما يتعلق بالمقام
(3) مستدرك الوسائل الباب 46 من مواقيت الصلاة
471

كلام جمهور المتقدمين من القول بالمضايقة كما تقدم تحقيقه في محله فإنه لا يشرع له
الاتيان بالحاضرة مطلقا إلا في آخر وقتها في أي مكان كان.
وكيف كان فهذا القول لا يظهر له وجه على كل من القولين، فإن ظاهره
جواز الصلاة قصرا وإنما منع من الركعتين الأخيرتين حيث إنهما نافلة ومستحبة
وهي غير مشروعة لمن عليه فريضة واجبة. وفيه أن عموم الأخبار الدالة على
التخيير دال على الصحة في ما نحن فيه، مع أنا نمنع ما ذكره من الاستحباب بل
هاتان الركعتان باختيار الاتمام يكون من قبيل الواجب. وبالجملة فالظاهر أن كلامه
لا وجه له يعتمد عليه.
التاسع - لو ضاق الوقت إلا عن أربع ركعات فقيل بوجوب القصر لتقع
الصلاتان في الوقت، واستظهره السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في
الذخيرة، وقيل يجوز الاتيان بالعصر تماما في الوقت لاختصاصها بمقدار الأربع
ركعات من آخر الوقت وقضاء الظهر. والظاهر ضعفه فإن اختصاص هذا المقدار
بها إنما يتم لو كانت يتعين الاتيان بها أربعا وليس كذلك. وقيل يجوز الاتمام في
العصر لعموم " من أدرك " (1) يعني أنه يصلي الظهر قصرا أولا ثم يصلي العصر تماما
وإن وقع بعضها خارج الوقت لعموم الخبر المذكور. وضعفه في المدارك بأنه وإن
تحقق بذلك ادراك الصلاة إلا أنه لا يجوز تعمده اختيارا لاقتضائه تأخير الصلاة
عن وقتها المعين لها شرعا. انتهى. والله العالم.
المسألة الرابعة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو دخل
عليه الوقت في الحضر ثم سافر قبل الصلاة حتى تجاوز محل الترخص، فقيل بوجوب
الاتمام عليه مطلقا اعتبارا بحال الوجوب، ونقل ذلك عن جمع من الأصحاب:
منهم - ابن أبي عقيل والصدوق في المقنع واختاره العلامة في جملة من كتبه وشيخنا
الشهيد الثاني في المسالك، ونقل في الروض أن القول بالاتمام في هذه المسألة

(1) الوسائل الباب 30 من مواقيت الصلاة
472

والمسألة الآتية هو المشهور بين المتأخرين، ثم نقل بقية الأقوال التي في المسألتين
معا وقال بعد ذلك: والمسألة من أشكل الأبواب. وظاهره التوقف في الحكم هنا.
وقيل بوجوب التقصير اعتبارا بحال الأداء ونقل عن الشيخ المفيد وابن إدريس والسيد
المرتضى في المصباح والشيخ علي بن الحسين بن بابويه وجمع من الأصحاب: منهم -
المحقق وهو اختيار جمع من أفاضل متأخري المتأخرين، وقيل بالتفصيل بين سعة
الوقت وعدمها فإن وسع التمام وجب وإلا صلى قصرا، ونسب هذا القول إلى الشيخ
في النهاية وموضع من المبسوط وهو اختيار الصدوق في الفقيه، وقيل بالتخيير
ونقل عن الشيخ في الخلاف. هذا ما وقفت عليه من الأقوال في المسألة.
والأصل في اختلاف هذه الأقوال اختلاف أخبار المسألة واختلاف الأفهام
في المقام، وها أنا أسوق لك ما وصل إلى من روايات المسألة مذيلا لكل منها بما
يتعلق به من البحث والكلام لينجلي بذلك عنها غشاوة الابهام فأقول:
الأول - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق
قال يصلي ركعتين، وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا ".
أقول: وهذا الخبر أقوى ما استدل به العلامة في المختلف على القول الأول
إلا أنه قابل للتأويل كما ذكره جملة من المتأخرين من إمكان حمل قوله: " الرجل
يدخل من سفره " على معنى أنه يريد الدخول وحينئذ فصلاة الركعتين إنما هي في
السفر، وقوله: " وإن خرج إلى سفره " أي أراد الخروج إلى سفره وقد دخل
وقت الصلاة فليصل أربعا يعني في الحضر. وهو قريب لأن مثل هذا التجوز شائع
في الآيات والأخبار ومنه قوله عز وجل: " إذا قمتم إلى الصلاة " (2) وقوله: " فإذا
قرأت القرآن.. " (3) ونحو ذلك.

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة المسافر.
(2) سورة المائدة الآية 8
(3) سورة النحل الآية 99
473

الثاني - رواية بشير النبال (1) قال: " خرجت مع أبي عبد الله عليه السلام حتى
أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله عليه السلام يا نبال قلت لبيك قال إنه لم يجب على أحد
من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري وغيرك، وذلك أنه قد دخل وقت الصلاة
قبل أن نخرج ".
أقول: وهذه الرواية ظاهرة الدلالة على القول الأول، وردها المتأخرون
بضعف السند وعدم قوة معارضتها لما يأتي من الأخبار الدالة على التقصير في
الصورة المذكورة. وما ذكره في الوسائل من حملها على أنهما صليا في المدينة بعيد
جدا كما لا يخفى.
الثالث - صحيحة إسماعيل بن جابر (2) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام يدخل
على وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي؟ قال صل وأتم الصلاة
قلت فدخل على وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج؟
فقال فصل وقصر، فإن لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله صلى الله عليه وآله ".
أقول: وهذه الرواية صحيحة ظاهرة الدلالة على القول الثاني وهو وجوب
التقصير والاعتبار بحال الأداء في الموضعين مؤكدا ذلك بالقسم على أن خلاف
ذلك بأي نوع كان خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله ومن ثم قال في المعتبر: وهذه
الرواية أشهر وأظهر في العمل.
الرابع - صحيحة محمد بن مسلم (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام.. إلى أن قال
قلت الرجل يرد السفر فيخرج حين تزول الشمس؟ فقال إذا خرجت فصل ركعتين "
والتقريب فيها كما في سابقتها.
وأيد هذا القول زيادة على دلالة هاتين الصحيحتين أنه في هذا الوقت مسافر
فيتناوله ما دل بعمومه أو اطلاقه على وجوب التقصير على المسافر، ويزيده تأييدا
أيضا الأخبار الدالة على وجوب التقصير على المسافر إذا بلغ محل الترخص، فإن

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 21 من صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 21 من صلاة المسافر
474

اطلاقها شامل لما نحن فيه.
إلا أن هنا شيئا قل من تنبه له وهو أن من قال بوجوب الاتمام في هذه المسألة
يشترط مضي وقت الصلاة كاملة الشرائط في الحضر ليحصل استقرارها في الذمة
فيجب الاتيان بها عليه تماما. وظاهرهم أن محل الخلاف في المسألة مقصور موقوف
على هذه الصورة فلو سافر قبل مضي الوقت المشار إليه لم يكن من محل الخلاف في
شئ بل الواجب هو التقصير، ولهذا أن بعض الأصحاب احتمل في صحيحتي محمد بن
إسماعيل ومحمد بن مسلم المذكورتين حمل الأمر بالتقصير على الخروج من البلد بعد
دخول الوقت وقبل مضي الوقت المشار إليه وجعل هذا وجه جمع بين أخبار القولين
المذكورين، وبه يشكل استدلال القائلين بالقول الثاني بهاتين الروايتين.
الخامس - رواية الوشاء (1) قال: " سمعت الرضا عليه السلام يقول إذا زالت الشمس
وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتم فإذا خرجت بعد الزوال قصر العصر ".
أقول: هذا الخبر يحتمل حمله على أن يكون الاتمام فيه بعد الخروج فيكون
من أدلة القول الأول، ويحتمل أن يكون الاتمام في المصر فلا دلالة فيه. وأما
تقصير العصر فهو في السفر البتة لكن إن كان مع صلاة الظهر في المصر فيمكن أن يستدل
به أيضا للقول الثاني وهو الاعتبار بحال الأداء وإن كان مع صلاة الظهر في السفر
فيشكل ذلك كما لا يخفى، ولعل الأمر بتقصير العصر هنا من ما يعين الحمل على
الاحتمال الثاني. وكيف كان فالظاهر أنه لا يمكن الاستناد إلى هذا الخبر في شئ من
أقوال المسألة لما عرفت من تشابهه واجماله.
السادس - موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (2) قال: " سئل عن
الرجل إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج في سفر؟ قال يبدأ بالزوال فيصليها
ثم يصلي الأولى بتقصير ركعتين لأنه خرج من منزله قبل أن تحضر الأولى. وسئل

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة السافر
(2) الوسائل الباب 23 من أعداد الفرائض ونوافلها.
475

فإن خرج بعد ما حضرت الأولى؟ قال يصلي الأولى أربع ركعات ثم يصلي بعد النوافل
ثماني ركعات لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلى
العصر بتقصير وهي ركعتان لأنه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر ".
أقول: ظاهر هذا الخبر أنه مع الخروج بعد مضي وقت النافلة خاصة وهو
الذارع يبدأ بالنافلة لدخول وقتها في الحضر ويصلي الظهر بتقصير لعدم دخول وقتها
ثمة وإنما دخل بعد السفر، وظاهره أن الوقت الموجب للاتيان بها في السفر تماما
إنما هو وقت الفضيلة فإذا مضى عليه وقت الفضيلة في الحضر حتى سافر صلى تماما دون
وقت النافلة، والمفهوم من كلام الأصحاب في هذا المقام كما تقدمت الإشارة إليه أن
الوقت المذكور إنما هو من الزوال، بمعنى أنه لو زالت الشمس ومضى وقت الصلاة
بشروطها بحيث استقرت في الذمة ثم سافر فهل يصلي في السفر تماما أو قصرا؟
القولان المتقدمان، وأما استحباب النافلة في السفر بعد مضي وقتها في الحضر فقد
ذكره الأصحاب أيضا لكن الظاهر أن المراد مضي وقت النافلة والفريضة معا.
ثم إن ظاهر قوله: " وسئل فإن خرج بعد ما حضرت الأولى.. إلى آخره "
أنه متى خرج بعد مضي وقت النافلة والفريضة معا أنه يبدأ بالفريضة أو لا فيصليها
تماما حيث إن وقتها دخل عليه في الحضر، والأمر باتمام الفريضة هنا دال على القول
الأول وهو اعتبار حال الوجوب فتكون الرواية المذكورة من أدلته. إلا أن الأمر
بتأخير النافلة هنا عن الفريضة لا أعرف له وجها وجيها ولعله من التهافت الذي
يقع في روايات عمار.
واحتمل في الذخيرة الجمع بين روايات القصر والاتمام بهذه الموثقة حيث قال:
ويمكن الجمع بوجه آخر وهو أن يقال إذا خرج بعد دخول وقت الفضيلة يتم وإن كان
بعد دخول وقت الاجزاء يقصر وعلى هذا تحمل صحيحة إسماعيل، فالمراد بالوقت في
أحد الخبرين وقت الفضيلة وفي الآخر وقت الاجزاء ويشهد لهذا التأويل موثقة
476

عمار المذكورة، لكني لا أعرف أحدا من الأصحاب ذكر هذا التفصيل والمسألة
عندي محل اشكال. انتهى.
أقول: بل ظاهر كلامهم كما قدمنا الإشارة إليه إنما هو خلافه، حيث إنهم
جعلوا محل الخلاف في القولين المذكورين إنما هو مضي ما يسع الفريضة بشروطها
من الزوال في الحضر فإذا مضى هذا الوقت وسافر ولم يصل فهل يصلي في السفر
تماما أو قصرا؟ لأن المدار على استقرار الفريضة في الذمة في الحضر وعدمه،
ولا ريب أنه بمضي قدر الأربع الركعات بشروطها من الزوال يستقر الفرض في
الذمة اتفاقا سواء كان ممن يصلي النافلة أم لا.
وبالجملة فإن الاعتماد على هذه الرواية - مع ما عرفت من التهافت فيها كما أوضحناه -
لا يخلو من الاشكال.
السابع - ما نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب جميل عن
زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (1) أنه قال: " في رجل مسافر نسي الظهر والعصر
في السفر حتى دخل أهله؟ قال يصلي أربع ركعات. وقال لمن نسي الظهر والعصر
وهو مقيم حتى يخرج؟ قال يصلي أربع ركعات في سفره. وقال إذا دخل على
الرجل وقت صلاة وهو مقيم ثم سافر صلى تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه وهو
مقيم أربع ركعات في سفره ".
أقول: وهذا الخبر صحيح السند وظاهره الاتمام في الدخول والخروج إلا أنه لا يخلو من نوع اجمال، وتفصيل ما اشتمل عليه أن يقال إنه قد اشتمل على
صور ثلاث: (إحداها) - قوله " في رجل مسافر.. الخ " وهو محتمل لأنه قد
نسي الظهر والعصر حتى خرج وقتهما وأنه يصلي في أهله أربع ركعات قضاء وعلى
هذا يكون خارجا عن ما نحن فيه، ويحتمل ولعله الأقرب أنه نسيهما في السفر مع
بقاء الوقت إلى دخول أهله وأنه يصلي أربعا، وفيه دلالة على ما يأتي في المسألة

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة المسافر
477

الآتية من القول باعتبار الأداء كما دل عليه صدر صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة.
(الثانية) - قوله " وقال لمن نسي الظهر والعصر.. " وفيه الاحتمالان المتقدمان، وعلى
تقدير الثاني منهما وهو أن تكون صلاته الأربع في السفر أداء يكون الخبر دالا على
القول الأول في هذه المسألة وهو الاعتبار بحال الوجوب (الثانية) - قوله " وقال إذا
دخل على الرجل... الخ " والأقرب أنه تعميم بعد تخصيص أو أن الأول على القضاء
كما عرفت وهذا على الأداء، وعلى أيهما كان ففي هذه الصورة دلالة على القول
المذكور وهو الاعتبار بحال الوجوب فيكون الخبر المذكور من أدلته.
الثامن - ما نقله شيخنا المجلسي في كتاب البحار (1) من كتاب محمد بن المثنى
الحضرمي أنه روى فيه عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إذا خرج الرجل مسافرا وقد دخل وقت الصلاة كم يصلي؟ قال
أربعا. قال قلت فإن دخل وقت الصلاة وهو في السفر؟ قال يصلي ركعتين قبل
أن يدخل أهله وإن دخل المصر فليصل أربعا ".
أقول: وصدر هذا الخبر أيضا يدل على القول الأول بظاهره وإن احتمل
تأويله بما تقدم في الخبر الأول من حمل الخروج على إرادة الخروج فتكون صلاة
الأربع في البلد.
التاسع - ما ذكره عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (2) حيث قال: وإن
خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة ولم تصل حتى خرجت فعليك
التقصير، وإن دخل عليك وقت الصلاة وأنت في السفر ولم تصل حتى تدخل
أهلك فعليك التمام.
وظاهر هذه الرواية يساوق صحيحة إسماعيل بن جابر في الدلالة على الاعتبار
بحال الأداء في الموضعين المذكورين، إلا أنها أيضا قابلة للاحتمال الذي قدمناه في
الصحيحة المشار إليها بأن دخل وقت الصلاة قبل مضي وقت يسع الاتيان بها بشرائطها

(1) ج 18 ص 695
(2) ص 16
478

هذا ما حضرني من الروايات المتعلقة بكل من القولين وأما باقي أخبار المسألة
فتأتي في مطاوي البحث في هذه المسألة وفي المسألة الآتية إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن هذه الأخبار التي تلوناها إنما تصادمت في القول
الأول والثاني، وقد عرفت ما في ترجيح أحد القولين على الآخر من الاشكال
لتطرق البحث إلى كل من روايات الطرفين والاحتمال، وبه يشكل الترجيح في هذا
المجال فالاحتياط فيها لازم عندي على كل حال.
وأما القول الثالث فالظاهر أن مستنده الجمع بين الأخبار كما ذكره الشيخ في كتابي
الأخبار، حيث جمع بينها بحمل ما دل على التمام على سعة الوقت والقصر على ضيقه.
واستدل على هذا الجمع بما رواه عن إسحاق بن عمار في الموثق (1) قال:
" سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال إن
كان لا يخاف فوت الوقت فليتم وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر ".
وفيه أولا - أن الجمع بين الأخبار لا ينحصر في ما ذكره لجوازه بوجوه
أخر كما تقدم نقل بعضها.
وثانيا - ما ذكره السيد السند في المدارك حيث قال - بعد نقل ما قدمناه عن
الشيخ من الجمع المذكور واستدلاله عليه بالخبر المشار إليه - ما لفظه: وهذه الرواية
مع ضعف سندها إنما تدل على التفصيل في صورة القدوم من السفر في أثناء الوقت
لا في صورة الخروج إلى السفر.
وثالثا - ما سيأتي إن شاء الله تعالى في المسألة الآتية في معنى الموثقة المذكورة
وأنها ليست على ما فهمه منها وإن لم يهتد إليه (قدس سره) في هذا المقام.
وأما القول الرابع فالظاهر أيضا أن مستنده هو الجمع بين الأخبار، ويرد عليه
ما تقدم من عدم انحصار الجمع في الوجه المذكور.
وما استند إليه في هذا الجمع من صحيحة منصور بن حازم (2) قال: " سمعت

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 21 من صلاة المسافر
479

أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله
فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصر وإن شاء أتم والاتمام أحب إلى ".
وفيه أولا - أن مورد الرواية إنما هو الدخول من السفر فليست من محل
البحث في شئ.
وثانيا - احتمال أن يكون المراد منها أنه إن شاء صلى في السفر قصرا وإن شاء
صبر حتى يدخل أهله ويصلي تماما وهو الأفضل، وحينئذ ففيها دلالة على ترجيح
التأخير إلى دخول المنزل والصلاة تماما.
وثالثا - ما ذكره بعض مشايخنا من احتمال الحمل على التقية. لأنه مذهب
بعض العامة (1).
ورابعا - عدم قبول بعض الأخبار لهذا الحمل مثل صحيحة إسماعيل بن جابر
المشتملة على الحلف بأنه إن لم يفعل ما تضمنته فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله
عليه السلام في رواية النبال " لم يجب " المشعر بوجوب ذلك عليهما، والمتبادر من الوجوب
هو الحتمي كما لا يخفى.
وبذلك يظهر لك بقاء المسألة في قالب الاشكال الموجب للاحتياط على كل
حال. والله العالم.
المسألة الخامسة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو دخل
عليه الوقت في السفر ولم يصل حتى دخل بلده أو بيته، فالمشهور بين المتأخرين أنه

(1) لم نجد الفرع في ما وقفنا عليه من كتبهم والذي حرر في كتبهم السفر بعد دخول
الوقت فقال في المغني ج 2 ص 283: إذا سافر بعد دخول وقت الصلاة فيه روايتان: له
قصرها وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي لأنه سافر قبل خروج وقتها
فأشبه ما لو سافر قبل وجوبها، والرواية الثانية ليس له قصرها لأنها وجبت عليه في الحضر
فلزمه اتمامها. ويمكن استفادة التخيير في صورة الرجوع إلى أهله قبل خروج الوقت من الرواية
الأولى عنه بل من الثانية أيضا بناء على ما هو المشهور عنه من التخيير للمسافر بين القصر
والاتمام مطلقا كما في المغني ج 2 ص 267.
480

يتم في بلده أو منزله اعتبارا بحال الأداء، وقال في المختلف ذهب إليه المفيد (قدس
سره) بناء على أصله من أن الاعتبار بحال الأداء لا حال الوجوب، وهو قول الشيخ
علي بن بابويه بناء على هذا الأصل وكذا ابن إدريس. انتهى. أقول: وهو الظاهر
هنا من الأخبار على وجه لا يعتريه الشك والانكار. وقيل بالتفصيل فيتم مع السعة
ويقصر مع الضيق وهو مذهب الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار، وقيل بالتخيير
ونقل عن الشيخ أيضا وابن الجنيد، وحكى الشهيدان قولا بالتقصير مطلقا.
والذي يدل على القول الأول وهو الذي عليه المعول صحيحة إسماعيل بن
جابر المتقدمة (1) وهي صريحة غير قابلة للتأويل بوجه.
وصحيحة العيص بن القاسم (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم يدخل بيته قبل أن يصليها؟ قال يصليها أربعا
وقال لا يزال يقصر حتى يدخل بيته " وهي صريحة كذلك.
ويدل عليه أيضا ما قدمناه في المسألة السابقة من عبارة كتاب الفقه الرضوي
أيضا وما سيأتي من صحيحة محمد بن مسلم.
واستدل على القول الثاني بموثقة عمار المتقدمة (3) والسيد السند في المدارك في
المسألة السابقة إنما أجاب عنها بضعف السند وعدم دلالتها على ما ادعاه الشيخ في
تلك المسألة. وظاهر كلامه أنه لو صح سندها لتم الاستدلال بها هنا.
وأنت خبير بأن الطعن بضعف السند لا يقوم حجة على الشيخ ونحوه من
المتقدمين ممن لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم كما قدمناه في غير موضع، والأظهر في
الجواب عنها إنما هو ما قدمنا الإشارة إليه من أن المعنى في الموثقة المذكورة ليس
ما ذكره بل الظاهر أن المراد منها إنما هو أن من دخل عليه وقت الصلاة وقت قدومه
من السفر فإن كان لا يخاف فوت الوقت بوصوله إلى منزله تركها حتى يدخل وصلاها
تماما في بلده أو منزله، وإن كان يخاف فوته بذلك صلى قصرا في السفر قبل دخوله.

(1) ص 474 و 475
(2) الوسائل الباب 21 من صلاة المسافر
(3) ص 474 و 475
481

ومن ما هو ظاهر في هذا المعنى صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما
السلام) (1) " في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة؟ فقال إن كان
لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل وليتم وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن
يدخل فليصل وليقصر " وهذه الرواية كما ترى ظاهرة في ما اخترناه كما تقدمت
الإشارة إليه.
ولعل من ذهب إلى التقصير هنا نظر إلى أن الصلاة قد استقرت في الذمة
بهذه الكيفية حال دخول الوقت في السفر. وفيه بعد ما عرفت من النصوص
الدالة على التمام أنه اجتهاد محض في مقابلة النص، على أنه لو فرض دليل يدل على
هذا التعليل العليل لأمكن الجواب بأنه وإن استقر وجوب القصر في تلك الحال
لكن يجوز أن يكون ذلك مراعى بالوصول وعدمه جمعا بين الدليلين.
ومن ما ذكرنا من التحقيق في المقام ظهر قوة ما اخترناه من القول الأول
وأن ما عداه من هذه الأقوال لا معتمد عليه ولا معول.
وكيف كان فقد تلخص من الكلام في هاتين المسألتين وهو من دخل عليه الوقت
حاضرا ثم سافر وبالعكس إن أقوال الأصحاب فيهما خمسة: (أحدها) - الاعتبار
بحال الأداء في الموضعين فيتم في هذه المسألة ويقصر في المسألة الأولى، وهو أقوى
الأقوال في هذه المسألة وكذا في المسألة الأولى لو سلمت صحيحة إسماعيل بن جابر
وما في معناها من ذلك الاحتمال، ومن ثم اختاره جملة من المحققين في الموضعين حيث
لم يخطر لهم هذا الاحتمال بالبال. و (ثانيها) - القول بالتخيير في الموضعين.
و (ثالثها) - القول بالتفصيل بالسعة والضيق كذلك. و (رابعها) - الاعتبار بحال
الوجوب في المسألة الأولى وبحال الأداء في هذه المسألة فيتم في الموضعين وهو مذهب
العلامة. و (خامسها) - عكسه فيقصر في المسألتين. ويأتي بناء على ما ذكرناه - من
الاشكال في الأولى والتوقف وهو ظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة أيضا مع

(1) الوسائل الباب 21 من صلاة المسافر
482

الجزم في هذه المسألة بما قدمنا ذكره - قول سادس.
وأما لو فاتت الفريضة على إحدى هاتين الصورتين فهل يقضي باعتبار حال
الوجوب أو حال الأداء؟ فقد تقدم البحث فيه في المقصد الأول في القضاء من
مقاصد هذا الباب.
المسألة السادسة - لو نوى الإقامة في موضع وصلى تماما ثم خرج إلى ما دون
المسافة مع إرادة الرجوع إلى موضع الإقامة، وهذه المسألة من مشكلات المسائل
وأمهات المقاصد لتعدد الأقوال فيها والاحتمالات وتصادم التأويلات والتخريجات
مع خلو المسألة من الروايات حتى أن شيخنا الشهيد الثاني صنف فيها رسالة مستقلة
ونحن نتكلم فيها ههنا بما يقتضيه الحال من التفصيل دون الاجمال.
فنقول: إعلم أن هذه المسألة وما وقع فيها من الأبحاث والشقوق والاحتمالات
لم تقع في كلام أحد من المتقدمين وإنما وقع البحث فيها بالنحو الذي ذكرناه من
المتأخرين، نعم ذكرها الشيخ في المبسوط في فرض مخصوص على سبيل
التفريع على مسألة من أقام في بلد وصلى فيه تماما فإنه يجب عليه التمام فيه حتى
يقصد المسافة، وهذه مسألة متفق عليها نصا وفتوى، ومن عادته كما أشار إليه في
خطبة الكتاب المذكور التفريع على النصوص لتكثير الفروع الشرعية لتنبيه
المخالفين على أن ابطال القياس لا يوجب قلة فروعنا كما زعموه وشنعوا بذلك على الشيعة
وهو (قدس سره) قد فرضها في الخروج من مكة إلى عرفة فقال: إذا خرج
حاجا إلى مكة وبينه وبينها مسافة تقصر فيها الصلاة ونوى أن يقيم بها عشرا قصر
في الطريق فإذا وصل إليها أتم، وإن خرج إلى عرفة يريد قضاء نسكه لا يريد
المقام عشرة أيام إذا رجع إلى مكة كان عليه القصر لأنه قد نقض مقامه بسفر بينه
وبين بلده يقصر في مثله، وإن كان يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة أيام بمكة أتم
بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فيقصر. هذه عبارته وهي أول ما ذكر
في هذه المسألة ثم تبعه المتأخرون في ذلك وعمموا العبارة وأكثروا فيها الشقوق
483

والتفريعات. وخالفه جماعة في وجوب القصر بالذهاب إلى عرفات في الصورة
المفروضة وهو عدم الإقامة بعد العود إلى محل الإقامة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى
وبذلك يظهر أن المسألة بجميع ما فيها من التفاريع والشقوق والأحكام
الآتية إنما استخرجها المجتهدون بأنظارهم وكل أفتى بما وصل إليه علمه وفهمه، وهي
خالية من النص كما عرفت ومن أجل ذلك فللبحث في تفاصيلها مجال، والجزم
بالفتوى في بعض شقوقها غير خلي من شوب الاشكال.
وتفصيل الحال بما يتضح به هذا الاجمال أن يقال إن الخارج من موضع
الإقامة بعد نية الإقامة والصلاة تماما سواء كان في ضمن العشرة أو بعد تمامها لا يخلو
أمره من أن يكون مريدا للعود إلى موضع الإقامة أم لا، وعلى الأول فأما أن يكون
بعد عوده قاصدا المقام عشرة أيام أم لا، وعلى الثاني من الثاني فأما أن يكون
قاصدا للمفارقة أو ذاهلا أو مترددا، وحينئذ فههنا صور خمس:
الأولى - أن يعزم على المفارقة وعدم العود إلى موضع الإقامة، وظاهر
الأصحاب المتعرضين للبحث في هذه المسألة الاتفاق على التقصير وإنما اختلفوا في أنه
يقصر بمجرد الخروج من البلد وإن لم يتجاوز محل الترخص لصدق السفر عليه والضرب
في الأرض واختصاص توقفه على مجاوزة محل الترخص بموضع الوفاق وهو بلد
المسافر أو يتوقف على محل الترخص ومجاوزة الحدود لصيرورة موضع الإقامة
بالنسبة إليه بعد الإقامة والصلاة تماما في حكم البلد، وكلامهم كما ترى هنا على اطلاقه
غير واضح لدلالة صحيحة أبي ولاد (1) على أنه متى نوى الإقامة وصلى تماما فإنه
لا يقصر حتى يقصد المسافة، والمفروض في المسألة أن المقصود أقل من المسافة
فوجوب التقصير لا وجه له وهو أظهر من أن يحتاج إلى مزيد بيان.
وألحق بعض الأصحاب بهذه الصورة ما لو تردد الخارج على الوجه المذكور
في العود عدمه، وما لو ذهل عن القصد إلى المفارقة أو العود بنية إقامة عشرة
أو لامعها، وهو في الاشكال مثل سابقه لعدم تحقق القصد إلى المسافة في الجميع

(1) ص 415
484

الذي هو شرط العود إلى القصر.
الثانية - أن يعزم على العود إلى موضع إقامة والإقامة عشرة مستأنفة،
وهذا من ما لا خلاف ولا اشكال في كونه يتم ذاهبا وآيبا وفي موضع قصده،
ووجهه أن فرضه التمام سابقا ولم يحصل له ما يوجب الخروج عنه فيجب استصحابه
والعمل عليه إلى أن يتحقق المخرج.
الثالثة - أن يعزم على العود بدون إقامة عشرة بل إما مع إقامة ما دونها
أو بدون إقامة بالمرة.
وقد عرفت من ما تقدم من كلام الشيخ وجوب القصر في خروجه من موضع
الإقامة ويستمر عليه في ذهابه وفي مقصده وعوده ومحل إقامة وبه قال العلامة
وجماعة، وقد تقدم تعليل الشيخ لذلك.
وعلله جماعة بأنه قد خرج من محل الإقامة وليس في نيته إقامة أخرى فيعود
إليه حكم السفر. وهذا الاستدلال كما ترى يقتضي ضم الرجوع إلى ما مضى من الذهاب
ويأتي فيه القولان المتقدمان في التقصير بمجرد الخروج من البلد أو اشتراط
محل الترخص.
وذهب الشيخ وجملة من المتأخرين - كالمحقق الشيخ على والشهيد والظاهر
أنه المشهور وبه صرح جملة من متأخري المتأخرين أيضا - إلى وجوب التمام في
الذهاب والمقصد والقصر في الرجوع.
واحتجوا على الأول بأنه إنما يخرج عن حكم الإقامة ووجوب التمام بالقصد إلى
المسافة وهي منتفية في الذهاب، لأن المفروض الخروج إلى ما دون المسافة. وعلى
الثاني بأنه حال رجوعه قاصد المسافة حيث إنه قاصد إلى بلده في الجملة إما الآن أو
بعد مروره وتوقفه في بلد إقامته أياما دون العشرة والبلد الذي كان مقيما فيه ساوى
غيره بالنسبة إليه.
وأنت خبير بأن وجوب الاتمام في الذهاب كما أدعوه مبني على عدم ضم
485

الذهاب إلى الإياب، وإلا فهذا التعليل آت في الذهاب أيضا لزوال حكم الإقامة
ببلوغ محل الترخص وتحقق قصد المسافة على الوجه السابق، وحينئذ فإن ثبت
ما ادعوه من الاجماع على عدم جواز ضم أحدهما إلى الآخر إلا في قصد الأربعة مع
الرجوع ليومه أو لليلته وإلا فالقول الأول أظهر.
ثم أنت خبير بما في ثبوت الأحكام الشرعية بمثل هذه الاجماعات من
الاشكال وإن كان ما ذكروه من الأمثلة لهذه المسألة لا يخلو من تأييد إلا أنه لا يقطع مادة
الاشكال، ولهذا إن الفاضل الخراساني صاحب الذخيرة والكفاية رجح وجوب
القصر بالخروج عن محل الإقامة كما هو قول العلامة والشيخ.
وقد اضطرب كلام شيخنا الشهيد (قدس سره) في هذه الصورة في ما إذا عزم على
العود إلى موضع الإقامة من غير قصد إقامة جديدة، فقطع في البيان بعوده إلى التقصير
بالخروج كمذهب الشيخ في المبسوط والعلامة، وذهب في الدروس إلى القصر في
العود كما نقلناه عنه، إلا أن عبارته فيه لا تخلو من إشكال، حيث قال في الصورة
المذكورة: إن فيه وجهين أقربهما القصر في الذهاب ومقتضى ذلك التمام بالوصول
إلى المقصد. وظاهره وجوب القصر في المقصد وإن أقام أياما إذ لا يدخل ذلك
في الذهاب الذي أوجب فيه التمام، وهذا يخالف ما ذكره أصحاب هذا القول فإنهم
يخصون القصر بوقت الرجوع وأما موضع القصد فإنه تابع للذهاب في وجوب
الاتمام فيه.
هذا، ولا يخفى عليك ما في كلامهم في هذه الصورة أيضا من أنه لا يخلو من
نوع إجمال حيث رتبوا القصر على عدم قصد الإقامة بقول مطلق، وينبغي تقييده
أيضا بما إذا كان من مبدأ عوده إلى منتهى المقصد مسافة لأن وجوب القصر معلق
على قصد المسافة.
وقيده شيخنا الشهيد الثاني في رسالته أيضا بما إذا كان بلد الإقامة التي يرجع
إليها في سمت منتهى القصد فالعود إليها مستلزم لقصد ذلك المقصد، أما لو كان
486

مخالفا له فالمتجه التمام بناء على أن المسافة المعتبرة في القصر لا تكون ملفقة من
الذهاب والاياب إلا في قصد الأربعة كما تقدم. وفيه ما عرفت آنفا.
والمشهور في كلام الأصحاب الذين وقفت على كلامهم في هذه الصورة هو
ما قدمناه أولا من القولين.
ويظهر من العلامة (قدس سره) في أجوبة مسائل السيد السعيد مهنا بن سنان
المدني اختيار قول ثالث وهو وجوب الاتمام في الذهاب والاياب والمقصد وبلد
الإقامة بعد الرجوع إليها حتى يخرج منها قاصدا للسفر ويصل إلى محل الترخيص
فيجب عليه القصر حينئذ تنزيلا لبلد إقامة منزلة بلد الوطن، فيصير اعتبار قصد
المسافة إنما هو من بلد الإقامة لا ما قبله من الذهاب أو الرجوع. وهو من حيث
الاعتبار لا يخلو من وجه.
الرابعة - أن يعزم على العود ويتردد في إقامة العشرة وعدمها، وقد ذكر المحقق
الشيخ على أن فيه وجهين: أحدهما - الاتمام مطلقا لانتقاء المقتضي للتقصير وهو
عزم المسافة، قال وأصحهما الاتمام في الذهاب والتقصير في العود، لأن حكم الإقامة
يزول بمفارقة البلد وإنما يعود إليها بإقامة أخرى ولم تحصل لمنافاته التردد. انتهى.
وفيه أن النص الصحيح في المسألة دل على أنه بنية الإقامة في بلد والصلاة
تماما يجب استصحاب التمام حتى يقصد المسافة وهذا متردد ليس قاصدا للمسافة.
وما علل به التقصير في العود من أن حكم بلد الإقامة يزول بالمفارقة وارد
عليه في صورة الذهاب الذي أوجب فيه التمام فينبغي أن يجب القصر بناء على
هذا التعليل.
ولا يمكن الجواب هنا بما تقدم من أن الذهاب لا يضم إلى الإياب في حصول
المسافة، لأن وجوبه هنا لم يعلل بقصد المسافة إذ لا قصد للمسافة في الصورة
المذكورة وإنما علل بمفارقة بلد الإقامة ومفارقة البلد حاصلة على كلتا الحالتين، وهو
إنما صار إلى التمام في الذهاب من حيث استصحاب حكم الإقامة السابقة الموجبة للتمام
487

حتى يحصل المقتضي للقصر وهذا بعينه آت في حال العود.
وبالجملة فكلامه (قدس سره) لا أعرف له وجه استقامة يدفع عنه تطرق
الإيراد، وظاهر كلامه جعل هذه الصورة من قبيل الصورة الثالثة في مجئ الوجهين
المتقدمين، والفرق ظاهر فإن قصد المسافة في تلك الصورة ظاهر كما عرفت دون هذه،
والأنسب بالقواعد في هذه الصورة هو الوجه الأول الذي ذكره وهو الاتمام
مطلقا عملا بظاهر النص المشار إليه. والله العالم.
الخامسة - الصورة بحالها وأن يكون ذاهلا عن الإقامة وعدمها بحيث يكون
عادم القصد إلى شئ من الأمور المتقدمة، وحكمها ما ذكرنا في سابقتها من الاتمام
مطلقا، أما لو كان في أول خروجه عزم على وجه من الوجوه وإنما حصل له الذهول
أخيرا عمل على ذلك العزم المتقدم.
وحيث قد اتضح لك ما في المسألة من الشقوق والخلاف وتعليل كل منهم
ما ذهب إليه بما ظهر من الدليل لديه مع ما عرفت من خلو المسألة من النصوص
على العموم والخصوص فالواجب الرجوع إلى الاحتياط في ما بعد تطبيقه على النص
المشار إليه أعني صحيحة أبي ولاد (1) من المواضع التي أشرنا إليها. والله العالم.
فائدة
يستحب جبر المقصورات بالتسبيحات الأربع المشهورة في دبرها لما رواه
سليمان بن حفص المروزي (2) قال: " قال الفقيه العسكري عليه السلام يجب على المسافر
أن يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر (ثلاثين مرة) لتمام الصلاة " ولفظ الوجوب في الخبر محتمل للمبالغة في
الاستحباب أو المعنى اللغوي.
اللهم أجر تقصيرنا بعفوك وإحسانك وعاملنا بجودك ورضوانك. هذا آخر

(1) ص 415
(2) الوسائل الباب 24 من صلاة المسافر
488

الكلام في هذا المجلد وهو المجلد الرابع (1) من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام
العترة الطاهرة وهو آخر كتاب الصلاة، ويتلوه إن شاء الله تعالى المجلد الخامس
في كتاب الزكاة والصوم بتوفيق الله سبحانه وتعالى وإعانته، والحمد لله سبحانه على
توفيقه للاتمام والفوز بسعادة الاختتام، وصلى الله على محمد وآله بدور التمام
ومصابيح الظلام.
وكتب مؤلفه الحقير الجاني بيمناه الداثرة أعطاه الله كتابه بها في الآخرة
الفقير إلى ربه الكريم يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني عفى الله تعالى عنه وعن
والديه في الأرض المقدسة كربلاء المعلى بجواز سيد الشهداء صلى الله عليه وآله بتأريخ اليوم السادس والعشرين من شهر ربيع المولود من سنة 1181 حامدا مصليا مستغفرا (2).

(1) هذا بحسب تقسيمه " قدس سره " وبحسب تقسيما هذا آخر الجزء الحادي
عشر ويتلوه الجزء الثاني عشر. والحمد لله أولا وآخرا.
(2) أوردناه الختام والتأريخ على طبق النسخ الخطية
489