الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ٤
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق وإشراف: محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه وأشرف على طبعه
محمد تقي الإيرواني
الجزء الرابع
مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة)
لجماعة المدرسين بقم المشرفة (إيران)
1

بسم الله الرحمن الرحيم
المقصد الثالث في التكفين
ولا خلاف فيه نصا وفتوى من كافة المسلمين،
وفيه فضل جزيل، فروى في
الكافي في الصحيح عن سعد بن طريف عن الباقر (عليه السلام) (1) قال " من كفن
مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة " ورواه الشيخ والصدوق مثله.
ويستحب
اعداد الانسان كفنه لما رواه في الكافي عن السكوني عن الصادق (عليه السلام) (2)
قال: " إذا أعد الرجل كفنه فهو مأجور كلما نظر إليه " وعن محمد بن سنان عمن أخبره
عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " من كان كفنه معه في بيته لم يكتب من الغافلين
وكان مأجورا كلما نظر إليه " وروى الصدوق في الأمالي عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق
عن آبائه (عليهم السلام) (4) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا أعد
الرجل كفنه كان مأجورا كلما نظر إليه ".
وفي هذا المقصد مسائل: (المسألة الأولى) - المشهور بين الأصحاب أن الكفن
المفروض ثلاثة أثواب: مئزر وقميص وإزار. والمراد بالمئزر عندهم - وهو بكسر الميم ثم
الهمزة الساكنة - ما يستر ما بين السرة والركبة ويجوز كونه إلى القدم بإذن الورثة أو

(1) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب التكفين
(2) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب التكفين
(3) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب التكفين
(4) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب التكفين
2

وصية الميت النافذة، قالوا ويحتمل الاكتفاء فيه بما يستر العورة لأنه موضع ابتداء سترها
ويستحب أن يكون يستر ما بين صدره وقدمه. والمراد عندهم بالقميص ما يصل إلى نصف
الساق لأنه المتعارف ويجوز إلى القدم بمراعاة ما تقدم، ويحتمل جوازه مطلقا. والمراد بالإزار
بكسر الهمزة ثوب شامل لجميع البدن، قالوا ولا بد من زيادته على ذلك بحيث يمكن شده من
قبل رأسه ورجليه، والواجب فيه عرضا أن يشمل البدن ولو بالخياطة، وينبغي زيادته
بحيث يمكن جعل أحد جانبيه على الآخرة كما تشهد به الأخبار. ونقل عن سلار الاكتفاء
بثوب واحد اختيارا.
وأنت خبير بأن ما ذكره الأصحاب من هذه الأثواب الثلاثة المعينة لم يوجد له
مستند ظاهر من الأخبار الواردة في المسألة وإنما الموجود ثوبان وقميص أو ثلاثة أثواب
والمتبادر منها كونها شاملة للبدن كملا، ولهذا صرح جملة من متأخري المتأخرين أن الكفن
المفروض إنما هو هذا وأن ما ذهب إليه الأصحاب من المئزر الذي يربط من السرة أو
الصدر إلى الركبة أو إلى القدم لا مستند له في الأخبار، قال في المدارك بعد البحث في
المسألة: " وأما المئزر فقد ذكره الشيخان وأتباعهما وجعلوه أحد الأثواب الثلاثة المفروضة
ولم أقف في الروايات على ما يقتضي ذلك بل المستفاد منها اعتبار القميص والثوبين الشاملين
للجسد أو الأثواب الثلاثة " وعلى هذه المقالة تبعه من تأخر عنه من محققي متأخري المتأخرين.
وعندي فيه نظر يحتاج بيانه إلى تقديم كلام في المقام لينجلي به غياهب الإبهام،
وهو أن الظاهر أن الإزار شرعا ولغة إنما هو عبارة عما يشد في وسط الانسان وأن
المئزر بمعناه وربما أطلق في اللغة على الشامل للبدن، قال في مجمع البحرين: وقد تكرر في
الحديث ذكر الإزار بالكسر وهو معروف يذكر ويؤنث، ومعقد الإزار من الحقوين...
وفي كلام البعض من أهل اللغة الإزار بالكسر ثوب شامل لجميع البدن... وفي الصحاح
وغيره المئزر والإزار يلتحف به، وفي كتب الفقه يذكرون المئزر مقابل الإزار ويريدون به
غيره، وحينئذ لا بعد في الاشتراك ويعرف المراد بالقرينة، وفي الخبر: إزرة المؤمن إلى نصف
3

الساق ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين " الإزرة بالكسر الحالة والهيئة الاتزار
كالركبة والجلسة انتهى ملخصا. وأما الأخبار الدالة على أن الإزار شرعا عبارة عما
ذكرناه فهي كثيرة وأكثرها في باب الحمام وما ورد من الأمر بالإزار متى دخله،
ومنها - ما رواه في الكافي مسندا إلى الصادق (عليه السلام) (1) قال: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وفي الفقيه مرسلا قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر " وروى في الكافي عن
علي بن الحكم عن رجل من بني هاشم ثم ساق الخبر عن أبي الحسن (عليه السلام) (2)
إلى أن قال: " قلت ما تقول في الحمام؟ قال لا تدخل الحمام إلا بمئزر... الحديث "
وعن حمزة بن أحمد عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) (3) قال: " سألته أو سأله
غيري عن الحمام؟ قال أدخله بمئزر... " وروى في التهذيب عن مسمع عن الصادق عن
أمير المؤمنين (عليهما السلام) (4): " أنه نهى أن يدخل الرجل الماء إلا بمئزر " وعن حماد
ابن عيسى عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (5) قال: " قيل له إن سعيد بن
عبد الملك يدخل مع جواريه الحمام؟ قال وما بأس إذا كان عليه وعليهن الأزر لا
يكونون عراة كالحمير... الحديث " وفي التهذيب والفقيه عن سعدان بن مسلم (6) قال:
" كنت في الحمام في البيت الأوسط فدخل علي أبو الحسن (عليه السلام) وعليه النورة
وعليه إزار فوق النورة.. الحديث " وروى في الكافي في الموثق عن حنان بن سدير
عن أبيه (7) قال: " دخلت أنا وأبي وجدي وعمي حماما بالمدينة فإذا رجل في بيت
المسلخ فقال لنا ممن القوم؟ فقلنا من أهل العراق. فقال وأي العراق؟ فقلنا كوفيون.

(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من آداب الحمام
(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من آداب الحمام
(3) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الماء المضاف
(4) رواه في الوسائل في الباب 10 من آداب الحمام
(5) رواه في الوسائل في الباب 1 من آداب الحمام
(6) رواه في الوسائل في الباب 9 من آداب الحمام
(7) رواه في الوسائل في الباب 9 من آداب الحمام
4

فقال مرحبا بكم يا أهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار، ثم قال ما يمنعكم من الأزر؟
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام. قال: فبعث
إلى أبي كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منا واحدا. ثم ساق الخبر إلى أن قال: سألنا
عن الرجل فإذا هو علي بن الحسين ومعه ابنه محمد بن علي (صلوات الله عليهما) إلى غير
ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع. وبالجملة فالمستفاد من الأخبار على
وجه لا يزاحمه الشك ولا الريب اتحاد الإزار والمئزر وأن المراد من كل منهما هو
ما ذكرناه لا ما شمل البدن، وحينئذ فما اشتهر في كلام متأخري أصحابنا - من الفرق بين
المئزر والإزار وأن الأول عبارة عما يشد في الوسط والثاني ما يكون شاملا لجميع البدن -
لا أعرف له وجها لا من الأخبار ولا من كلام أهل اللغة كما عرفت.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الواجب بمقتضى ما قلناه إنه حيثما وجد المئزر والإزار
في شئ من أخبار الكفن أو كلام متقدمي الأصحاب حمله على ما ذكرناه إلا مع قرينة
صارفة عن معناه الحقيقي، وأما ما لم يشتمل على لفظ الإزار والمئزر وإنما اشتمل على
الثوب فهو ظاهر في الاجمال القابل للاحتمال على ما ذكروه من الشمول للبدن وما ذكرناه
من معنى الإزار، وبالجملة فهو مجمل وقضية الحمل على الروايات المفصلة تساعد ما ذكرناه،
وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من أخبار المسألة مذيلا كلا منها بالبيان الساطع البرهان
والله الموفق الهادي لمن يشاء.
فمنها - ما رواه الكليني والشيخ عن معاوية بن وهب عن الصادق (عليه
السلام) (1) قال: " يكفن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزر عليه وإزار وخرقة
يعصب بها وسطه وبرد يلف فيه وعمامة يعمم بها ويلقى فضلها على صدره ".
أقول: هذا الخبر - كما ترى - واضح الظهور في القول المشهور لا يعتريه نقص
ولا قصور وقد اشتمل على واجب الكفن ومستحبه، فالواجب القميص والإزار الذي

(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
5

يشد في وسطه كما عرفت من الأخبار وكلام أهل اللغة وعليه العرف العام والبرد الذي يلفه
والباقي مستحب.
ومنها - موثقة سماعة (1) قال: " سألته عما يكفن به الميت؟ قال ثلاثة أثواب
وإنما كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين وثوب
حبرة - والصحارية تكون باليمامة - وكفن أبو جعفر (عليه السلام) في ثلاثة أثواب ".
وعن يونس عن بعض رجاله عن الصادق والباقر (عليهما السلام) (2) قالا: "
الكفن فريضته للرجال ثلاثة أثواب، والعمامة والخرقة سنة... الحديث "
وعن زرارة في الموثق عن الباقر (عليه السلام) (3) قال: " كفن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين وثوب يمنة عبري أو أظفار ".
وعن محمد بن سهل عن أبيه (4) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها؟ قال أحب ذلك الكفن يعني قميصا.
قلت يدرج في ثلاثة أثواب؟ قال لا بأس به والقميص أحب إلي ".
وروى في الفقيه (5) قال: " سئل موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل
يموت أيكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟ قال لا بأس بذلك والقميص أحب إلي ".
إلى غير ذلك من الأحاديث المشتملة على لفظ الأثواب الثلاثة أو ثوبين وقميص
وأنت خبير بأنه لا منافاة في حمل الثوب الذي هو أحد هذه الأثواب على الإزار
بالمعنى الذي ذكرناه، ودعوى كون الثوب إنما يطلق على ما يشمل البدن ممنوعة لصدق
الثوب على السراويل وثوبي الاحرام اللذين أحدهما الإزار، ولا ينافي ذلك لفظ الادراج
في بعضها لصدقه في الإزار أيضا بالمعنى المذكور.
ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (6) قال: " قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام) كيف أصنع بالكفن؟ قال تأخذ خرقة فتشد على مقعدته ورجليه. قلت

(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
(4) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
(5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
(6) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
6

فالإزار؟ قال إنها لا تعد شيئا إنما تصنع لتضم ما هناك لئلا يخرج منه شئ وما يصنع
من القطن أفضل منها ثم يخرق القميص إذا غسل وينزع من رجليه، قال ثم الكفن قميص
غير مزرور ولا مكفوف وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على رجليه "
أقول: الظاهر أن لفظ " رجليه " هنا وقع سهوا عن " صدره " وهذا الخبر
ظاهر فيما دل عليه الخبر الأول إلا أنه لم يذكر فيه الثوب الثالث وهو الذي يلف فيه
وإنما اشتمل على الإزار والقميص وكأنه لظهوره استغنى عن ذكره، وقد عرفت معنى
الإزار. بقي الكلام في قوله: " قلت فالإزار؟ قال إنها لا تعد شيئا " والمعنى فيه أن الظاهر
أنه لما أمر (عليه السلام) بالخرقة المذكورة توهم الراوي أنها تغني عن الإزار لحصول ستر
العورة بها فأجابه (عليه السلام) بأنها لا تعد من أجزاء الكفن الواجب وإنما تصنع لهذه
الفائدة والإزار من أجزاء الكفن الواجب لا بد منه فلا تغني هذه عنه.
ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه
السلام) (1) قال: " يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة:
درع ومنطق وخمار ولفافتين ".
أقول: وهذه الرواية أيضا ظاهرة الدلالة على القول المشهور لأنها وإن أجملت
في كفن الرجل ثلاثة أثواب إلا أنها فصلت في كفن المرأة في الأثواب الخمسة، ولا ريب
في تساوي المرأة والرجل في الواجب، والواجب هنا من هذه الخمسة القميص المعبر
عنه بالدرع، والإزار المعبر عنه بالمنطق فإنه بكسر الميم الإزار، ولفافة، والخمار واللفافة
الأخرى مما انفردت به المرأة.
ومنها - ما رواه في الكافي أيضا عن يونس عنهم (عليهم السلام) (2) في
تحنيط الميت وتكفينه قال: " ابسط الحبرة بسطا ثم ابسط عليها الإزار ثم ابسط القميص

1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين
7

عليه وترد مقدم القميص عليه، ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع
سجوده، وامسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه إلى قدمه، وفي رأسه وعنقه ومنكبه
ومرافقه وفي كل مفصل من مفاصله من اليدين والرجلين وفي وسط راحتيه، ثم يحمل
فيوضع على قميصه ويرد مقدم القميص عليه ويكون القميص غير مكفوف ولا مزرور،
وتجعل له قطعتين من جريد النخل رطبا قدر ذراع، تجعل له واحدة بين ركبتيه نصفا مما
يلي الساق ونصفا مما يلي الفخذ وتجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن، ولا تجعل في منخريه
ولا في بصره ولا مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا، ثم يعمم فيؤخذ وسط العمامة
فيثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن
ثم يمد على صدره "
وهذه الأجزاء الثلاثة هي المذكورة في كلام الأصحاب وإن غيروا العبارة فإنه
متى حمل الإزار على المعنى الذي عرفته من كلام أهل اللغة والأخبار فإنه منطبق على
القول المشهور بما هو أوضح واضح في الظهور، ومقتضى ما ذكره أولئك الأفاضل من
المناقشة حمل الإزار في هذه الأخبار المشتملة عليه على الشامل للبدن، وقد عرفت أنه
لا مستند له من الأخبار بل الأخبار كلها متفقة على المعنى الذي ذكرناه، وبعض أهل
اللغة وإن ذكره إلا أن المشهور في كلامهم إنما هو المعنى الذي ذكرناه والعرف العام
مؤيد لما قلناه، ويؤيده تأييدا ما ورد دالا على استحباب التكفين بما أحرم فيه كما رواه
الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " كان
ثوبا رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللذان أحرم فيهما يمانيين عبرى واظفار وفيهما
كفن " ورواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله. وروى في الكافي
عن يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) (2) قال: " سمعته يقول
أني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه. الحديث ".

1) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التكفين
8

أقول: من الظاهر البين الظهور أن ثوبي الاحرام - كما سيأتيك بيانه إن شاء الله تعالى
في كتاب الحج - إزار يتزر به ورداء يتردى به، ومن أخبار الاحرام قوله (عليه
السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان: " والتجرد في إزار ورداء أو عمامة يضعها
على عاتقه لمن لم يكن له رداء " وبذلك يثبت أن أحد أجزاء كفنه (صلى الله عليه وآله)
الإزار، وعلى هذا الخبر يحمل اجمال أخبار تكفينه (صلى الله عليه وآله) في ثلاثة
أثواب بأن يقال إن من جملتها الإزار، ومنه يعلم أنه لا يشترط في الثوب الشمول للبدن
كما توهموه.
ومنها - ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن الصادق (عليه السلام) (1)
في تكفين الميت وتحنيطه بعد ذكر ما تقدم منها في التغسيل قال: " ثم تغسل يديك إلى
المرافق ورجليك إلى الركبتين ثم تكفنه: تبدأ وتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة
وتضم فخديه ضما شديدا وجمر ثيابه بثلاثة أعواد ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا ثم تذر عليها
شيئا من الذريرة ثم الإزار طولا حتى يغطي الصدر والرجلين ثم الخرقة عرضها قدر شبر
ونصف ثم القميص تشد الخرقة على القميص بحيال العورة والفرج حتى لا يظهر منه شئ،
واجعل الكافور في مسامعه وأثر سجوده منه وفيه وأقل من الكافور واجعل على عينيه
قطنا وفيه وأذنيه شيئا قليلا ثم عممه والق على وجهه ذريرة وليكن طرف العمامة متدليا على
جانبه الأيسر قدر شبر ترمي بها على وجهه، وليغتسل الذي غسله، وكل من مس
ميتا فعليه الغسل وإن كان الميت قد غسل، والكفن يكون بردا وإن لم يكن بردا فاجعله
كله قطنا فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا، وقال: تحتاج المرأة من القطن لقبلها
قدر نصف من، وقال: التكفين أن تبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق القميص على ألييه
وفخذيه وعورته وتجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفا وعرضها شبرا ونصفا ثم تشد

1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين
9

الإزار أربعة أذرع ثم اللفافة ثم العمامة وتطرح فضل العمامة على وجهه وتجعل على كل ثوب
شيئا من الكافور وتطرح على كفنه ذريرة. "
أقول: وهذا الخبر قد تضمن ما تضمنته الأخبار المتقدمة من أن أجزاء الكفن
الواجب هي الإزار والقميص واللفافة إلا أن ظاهر كلامه في الإزار لا يخلو من خلل
في المقام نسبته إلى الراوي المذكور أولى من نسبته إلى الإمام (عليه السلام) حيث إن
المعهود من الإزار شرعا ولغة وعرفا هو ما عرفت وهو ما يشد من تحت السرة ومنتهاه
إلى نصف الساق إلى القدم، وهذا الخبر قد اشتمل صدره على أن الإزار يبسط طولا
حتى يغطي الصدر والرجلين مع أن المعروف من شد الإزار إنما هو بالعرض لا بالطول
وفي آخره أن الإزار أربعة أذرع وهذا مما ينافي الكلام الأول لأنه متى كان طوله أربعة
أذرع وبسط طولا فإنه يتجاوز الصدر إلى ما فوق الرأس، وهذا التهافت في المقام مما
يحل عنه كلام الإمام الذي هو إمام الكلام، وقد وقع للراوي المذكور مثله في الخبر
وهو قوله: " وكل من مس ميتا فعليه الغسل وإن كان الميت قد غسل " فإنه مخالف
للاجماع واتفاق الأمة فضلا عن هذه الفرقة الناجية. وبالجملة فإني لا أعرف لما اشتمل عليه
هذا الخبر في هذا المقام وجه استقامة يبنى عليه الكلام.
ومنها ما ذكره مولانا الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه (1) من قوله:
" ثم يكفن بثلاث قطع وخمس وسبع، فأما الثلاث فمئزر وعمامة ولفافة، والخمس مئزر
وقميص وعمامة ولفافتان، إلى أن قال: وروي أنه لا يقرب الميت من الطيب شيئا ولا
البخور، وساق (عليه السلام) جملة من الأحكام بطريق الرواية إلى أن قال: وقال
يأخذ خرقة فيشدها على مقعدته ورجليه. قلت الإزار؟ قال إنها لا تعد شيئا وإنما أمر
بها لكي لا يظهر منه شئ، وذكر أن ما جعل من القطن أفضل وقال: ويكفن بثلاثة
أثواب لفافة وقميص وإزار. إلى آخر كلامه " وظاهر صدر هذا الكلام يشعر بافتائه

1) ص 20
10

بالثلاث أو الخمس أو السبع، ولا يخفى ما فيه من الاجمال، إلا أن ما نقله أخيرا بطريق
الرواية واضح فيما ادعيناه، والظاهر أن هذه الرواية التي ذكرها عن الصادق (عليه
السلام) بقرينة حديث الخرقة التي ذكر أنها لا تعد شيئا فإنه قد تقدم بهذه الصورة في
صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (1)
ومنها - ما رواه في الكافي عن الحلبي (2) قال قال أبو عبد الله (عليه السلام)
في حديث: " أن أبي كتب في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة.
وثوب آخر وقميص... الحديث " والتقريب فيه حمل الثوب الآخر على الإزار لذكره
في تلك الأخبار المتقدمة فيحمل اطلاق هذا الخبر على تلك الأخبار.
نعم ربما دل على ما ذكروه ما رواه الشيخ في الحسن على الظاهر عن حمران بن أعين
عن الصادق (عليه السلام) (3) في حديث قال فيه: " قلت فالكفن؟ قال يأخذ خرقة
فيشد بها سفليه ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك وما يصنع من القطن أفضل ثم يكفن بقميص
ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن " فإن ظاهر لفظ اللفافة الاختصاص بما يشمل البدن
والبرد من حيث إنه يجمع الكفن كما ذكره يجب أن يكون شاملا. والجواب عنه أنه
إذا ثبت بما قدمناه من الأخبار كون الإزار أحد أجزاء الكفن وأن الإزار شرعا ولغة
وعرفا إنما يطلق على ما يشد في الوسط فالواجب تأويل هذه الرواية بما ترجع به إلى تلك
الأخبار وهو بحمل اللفافة على الإزار فإنه يلف ما يقع عليه من أسافل البدن ومثله في تأويل
الأخبار غير عزيز.
أقول: وبما ذكرناه مما أشارت إليه هذه الأخبار صرحت عبائر جملة من متقدمي
علمائنا الأبرار الذين عليهم المعتمد في الإيراد والاصدار: منهم - شيخنا المفيد (عطر
الله مرقده) في المقنعة حيث قال: " ويعد الكفن وهو قميص ومئزر وخرقة يشد بها

1) ص 6
2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين
11

سفله إلى وركيه ولفافة وحبرة وعمامة، إلى أن قال في صفة التكفين: وصار إلى الأكفان
التي كان أعدها له فبسطها على شئ طاهر يضع الحبرة أو اللفافة التي تكون بدلا منها وهي
الظاهرة وينشرها وينثر عليها شيئا من الذريرة التي كان أعدها ثم يضع اللفافة الأخرى
عليها وينثر عليها شيئا من الذريرة ثم يضع الإزار ويضع القميص على الإزار وينثر عليه
شيئا من الذريرة ويكثر منه ثم يرجع إلى الميت فينقله من الموضع الذي غسله فيه حتى
يضعه في قميصه ويأخذ شيئا من القطن فيضع عليه شيئا من الذريرة ويجعله على مخرج النجو
ويضع شيئا من القطن وعليه الذريرة على قبله ويشده بالخرقة التي ذكرناها شدا وثيقا إلى
وركيه لئلا يخرج منه شئ ويأخذ الخرقة التي سميناها مئزرا فيلفها عليه من سرته إلى
حيث تبلغ من ساقيه كما يأتزر الحي فتكون فوق الخرقة التي شدها على القطن " وعلى هذا
النهج كلام الشيخ في النهاية. وقال ابن أبي عقيل: " الفرض إزار وقميص ولفافة، والسنة
ثوبان عمامة وخرقة وجعل الإزار فوق القميص، وقال: السنة في اللفافة أن تكون
حبرة يمانية فإن أعوزهم فثوب بياض " وقال علي بن بابويه في رسالته: " ثم اقطع كفنه
تبدأ بالنمط وتبسطه وتبسط عليه الحبرة وتبسط الإزار على الحبرة وتبسط القميص وتكتب
على قميصه وإزاره وحبرته " وقال الجعفي: " الخمسة لفافتان وقميص وعمامة ومئزر، وقال وقد
روي سبع: مئزر وعمامة وقميصان ولفافتان ويمنية، وليس تعد الخرقة التي تجعل على مخرجه
من الكفن، قال وروي ليس العمامة من الكفن المفروض " وقال أبو الصلاح: " يكفنه
في درع ومئزر ولفافة ونمط ويعممه، قال: والأفضل أن تكون الملاف ثلاثا إحداهن
حبرة يمنية وتجزئ واحدة " وقال الصدوق في الفقيه: " وغاسل الميت يبدأ بكفنه
فيقطعه يبدأ بالنمط فيبسطه ويبسط عليه الحبرة وينثر عليه شيئا من الذريرة ويبسط الإزار
على الحبرة وينثر عليه شيئا من الذريرة ويبسط القميص على الإزار وينثر عليه شيئا من
الذريرة، ثم ساق الكلام إلى أن قال في صفة التكفين ما ملخصه: ثم يضع الميت في
أكفانه، ثم ذكر موضع الجريدتين وقال: ثم يلفه في إزاره وحبرته، إلى أن قال: وقبل أن يلبسه قميصه يأخذ شيئا من القطن وينثر عليه ذريرة ويحشو به دبره ويجعل من القطن
12

شيئا على قبله ويضم رجليه جميعا ويشد فخذيه إلى وركيه بالمئزر شدا جيدا لئلا يخرج منه
شئ فإذا فرغ من تكفينه حنطه، إلى أن قال بعد ذكر جملة من الأحكام: والكفن
المفروض ثلاثة: قميص وإزار ولفافة سوى العمامة والخرقة فلا يعدان من الكفن " انتهى
أقول: وهذا الكلام كله ما ذكرناه وما حذفناه مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي.
فهذه جملة من عبائر المتقدمين متفقة الدلالة على أن الكفن المفروض هو القميص
واللفافة والإزار، وربما عبر بعضهم بالمئزر وهو المطابق لما قدمناه من الأخبار. ثم إنه
بالتأمل فيما نقلناه عن الصدوق هنا يظهر لك بطلان ما توهمه جملة من الأعلام الذاهبين
إلى ما ذهب إليه السيد في هذا المقام من الاستناد إلى كلام الصدوق في الفقيه في التأييد
لما ذهبوا إليه من أن المئزر الذي ذكره الأصحاب من جملة أجزاء الكفن الواجب الذي
لا وجود له في الأخبار، وأن الصدوق قد فسره في الفقه بالخرقة التي يشد بها الفخذان
قال الأمين الاسترآبادي - وهو من جملة تلامذة السيد صاحب المدارك في تعليقاته على
الفقيه - ما صورته: " أقول: وقد وقع من جمع من المتأخرين سهو عظيم حيث زعموا أن
من جملة الكفن الواجب المئزر وفسروه بثوب يكون من السرة إلى الركبة مع أنه لا دلالة
في الأحاديث على ذلك. وكلام المصنف في هذا الباب صريح بخلاف قولهم وصريح بأن
المراد بالمئزر ما يشد به فخذاه، وهو الحق " انتهى. أقول: بل السهو العظيم إنما وقع
منه وممن حذا حذوه في هذا المقام كما لا يخفى على من تأمل ما تلوناه وما سنذكره في
المقام، ونسبة ما زعمه من السهو لجمع من المتأخرين مع أنه من كلام المتقدمين - كما
عرفت وستعرف - سهو آخر منه، وبيان ذلك أنك قد عرفت مما قدمناه ترادف لفظ
المئزر والإزار لغة وشرعا وأن المراد منه ما يشد من الوسط كما عرفته من عبارة الشيخ
المفيد المتقدمة وتعبيره عن ذلك تارة بالإزار وتارة بالمئزر، وكلام الصدوق هنا في صدره
صريح بأن أجزاء الكفن الواجب هو الحبرة والإزار والقميص، أما النمط فالظاهر أنه
ذكره استحبابا كما سيأتي بيان القول فيه إن شاء الله تعالى، وكذا قوله: " يلفه في إزاره
13

وحبرته " فإنه صريح في كون الإزار من أجزاء الكفن، وكلامه الأخير أصرح صريح
في ذلك أيضا كما لا يخفى، وإذا ثبت أن أحد أجزاء الكفن الإزار والإزار - كما عرفت
لغة وشرعا - إنما هو عبارة عما يربط من الوسط فقد ثبت المطلوب، غاية الأمر أن الأصحاب
عبروا عن الإزار الذي ذكره الصدوق هنا بالمئزر وقد عرفت ترادفهما فأي فساد يلزم
من ذلك؟ وكلام الصدوق هنا وإن سمى الخرقة التي يشد بها المقعدة مئزرا فإنه لا دلالة
فيه على أنه المئزر الذي ذكره الأصحاب في أجزاء الكفن، وغاية الشبهة نشأت هنا
من شيئين: (أحدهما) - تعبير الأصحاب بالمئزر. و (ثانيهما) - تعبير الصدوق عن
الخرقة المستحبة لشد المقعدة بالمئزر، وأنت إذا تأملت ما ذكرناه ظهر لك أن المطلوب
والمدعى من كون الكفن عبارة عن اللفافة والإزار والقميص ظاهر من كلام الصدوق
في الفقيه، وبتقريب ما قدمناه - من أن الإزار لغة وشرعا هو ما يشد من الوسط
يظهر انطباق كلام الصدوق والمفيد ونحوهما على كلام متأخري الأصحاب وإن عبروا عن
الإزار الذي ذكره هؤلاء بالمئزر فإنهما مترادفان فلا حرج.
بقي الكلام في تعبير الأصحاب عن اللفافة الشاملة لجميع البدن بالإزار وقد عرفت
ما فيه وكان الأولى تعبيرهم بما عبر به متقدموهم كالشيخين المشار إليهما ونحوهما من الحبرة
أو اللفافة أو نحوهما، وكذا بقي الكلام في تعبير الصدوق عن هذه الخرقة بالمئزر فإنه وإن
كان غريبا إلا أنك قد عرفت أن عبارته هذه وما قبلها وما بعدها إنما أخذت من الفقه
الرضوي، ومع كونها من عنده فإنه لا مشاحة في العبارة بعد ظهور المراد، فعليك بالتأمل
التام فيما حققناه في المقام.
وتمام القول في المقام يتوقف على بيان أمور: (الأول) - لا خلاف بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) في أنه لو تعذرت الأثواب الثلاثة ولم يوجد إلا ثوب واحد فإنه يكفن
فيه، قالوا لأن الضرورة تبيح دفنه بغير كفن فببعضه أولى. أقول: غاية ما يستفاد
من هذا الكلام الجواز ولا ريب فيه، وأما الوجوب فمحل اشكال لأن الواجب إنما
14

هو الثلاثة المتقدمة ومع فقد بعضها فهل يجب ما أمكن من الباقي أم لا؟ وجهان، للأول
مفهوم جملة من الأخبار الدالة على أن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا (1) ونحوها من
الأدلة العامة، وللثاني عدم وجود نص في المسألة. والاحتياط ظاهر.
وأما مع وجود الجميع فقد عرفت أنه لا مخالف في المسألة إلا سلار حيث اكتفى
بثوب واحد اختيارا مستندا - كما نقل عنه - إلى الأصل وما رواه في الكافي في
الصحيح أو الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم (2) قالا: " قلنا لأبي جعفر (عليه السلام)
العمامة للميت من الكفن؟ قال لا إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب وثوب تام لا أقل
منه يواري جسده كله. فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة أثواب. فما زاد فهو مبتدع،
والعمامة سنة. "
أقول: هذا الخبر رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح، وفية " إنما الكفن المفروض
ثلاثة أثواب تام لا أقل منه... إلى آخر الخبر " وذكر جملة من الأصحاب: منهم -
شيخنا البهائي في الحبل المتين أن في بعض نسخ التهذيب كما في الكافي، وظاهر الخبر
على رواية الكليني يعطي أن الكفن أربعة أثواب ولا قائل به، ويحتمل التخيير - بجعل
الواو بمعني " أو " - بين الثلاثة والثوب الواحد وبه يصلح الاستدلال به للقول
المذكور. واحتمل جملة من الأصحاب: منهم - الشهيدان في الذكرى والروض كونه بيانا
لأحد الأثواب الثلاثة فيكون من باب عطف الخاص على العام وأن المراد بذلك الواحد الإزار
بناء على ما فسروه به من أنه الساتر لجميع البدن. واحتمل في الذكرى حمل الخبر المذكور
على التقية فإن معظمهم على الاجتزاء بالثوب الواحد (3) وهذا كله على تقدير رواية الكافي

1) رواها في الوسائل في الباب 50 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
3) في المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 129 " وأقل ما يجزئ من الكفن
ما يستر العورة كالحي، ومن أصحابنا من قال أقله ثوب يعم البدن لأن ما دونه لا يسمى
كفنا والأول أصح، وفي الوجيز للغزالي ج 1 ص 45 " وأقله ثوب واحد ساتر لجميع البدن
والثاني والثالث حق الميت في التركة تنفذ وصيته باسقاطهما " وفي المنهاج للنووي ص 23
" يكفن بماله لبسه حيا وأقله ثوب " وفي بداية المجتهد ج 1 ص 213 " قال مالك لا حد في
الكفن وأنه يجزى ثوب واحد في المرأة والرجل إلا أنه يستحب الوتر " وفي المغني ج 2
ص 464 و 467 " يكفن في ثلاثة أثواب ويجوز التكفين في ثوبين وقال الأوزاعي أقل
ما يجزي ثوب واحد يستر جميعه "
15

وأما على تقدير رواية التهذيب فلا حجة فيها إلا أن الأظهر هو سقوط لفظة الثوب من قلم
الشيخ كما لا يخفى على من له أنس بما وقع له من التحريف والسهو والزيادة والنقصان في متون
الأخبار وأسانيدها. وبالجملة فالأظهر عندي هو طرح هذه الرواية من البين لما هي عليه من
الاحتمالات وبذلك تصير من المتشابهات التي يجب الوقوف فيها. وكيف كان فالقول
المذكور ضعيف لا يلتفت إليه في مقابلة الأخبار المتكاثرة وبها يجب الخروج عن الأصل
الذي استند إليه. وما ذكره بعض متأخري المتأخرين من ضعف الأخبار المشار إليها وأن
المسألة محل اشكال فهو مما لا يلتفت إليه، فإنها مع الاغماض عن المناقشة في هذا الاصطلاح
قد تلقاها أصحابه بالقبول واتفقوا على العمل بها وهو جابر عندهم لضعفها.
(الثاني) - المشهور بين الأصحاب تعين القميص وضمها إلى الإزار واللفافة،
وقيل بالتخيير بينها وبين لفافة ثانية مع أفضلية القميص، وهو مذهب ابن الجنيد ومال
إليه المحقق في المعتبر وجملة من متأخري المتأخرين، وهو الظاهر. ويدل عليه ما تقدم
في رواية محمد بن سهل عن أبيه ومرسلة الفقيه (1)
قال المحقق الشيخ علي " ويراعى في جنس
هذه الأثواب التوسط باعتبار اللائق بحال الميت عرفا فلا يجب الاقتصار على أدون المراتب
وإن ماكس الورثة أو كانوا صغارا حملا لاطلاق اللفظ على المتعارف " واستحسنه في
الروض بعد نقله عنه قال: " لأن العرف هو المحكم في أمثال ذلك مما لم يرد له تقدير
شرعي " انتهى. وهو جيد لأن الخطابات الشرعية إنما تتعلق بالمكلفين باعتبار أحوالهم

1) واطلاق الأثواب الثلاثة في جملة من الأخبار ص 6
16

التي هم عليها من قوة وضعف وعسر ويسر ونحو ذلك فلكل تكليف باعتبار حاله،
ألا ترى أن استطاعة الحج تتفاوت بتفاوت الأحوال والصلاة كيفية وكمية تتفاوت
بتفاوتها أيضا سفرا وحضرا وصحة ومرضا ونحو ذلك.
(الثالث) - قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض: " والمفهوم من خبر زرارة
المتقدم الاكتفاء بمواراة البدن بالثلاثة فلو كان يعضها رقيقا بحيث لا يستر العورة ويحكي
البدن لم يضر مع حصول الستر بالمجموع، والأحوط اعتبار الستر في كل ثوب لأنه المتبادر
وليس في كلامهم ما يدل عليه نفيا ولا اثباتا " انتهى. أقول: الظاهر أن مراده بخبر زرارة
المذكور هو ما تقدم في الأمر الأول (1) وقد عرفت اختلاف روايتي الكافي والتهذيب له والظاهر
عندي من قوله: " يواري جسده " إنما هو باعتبار شمول الثوب البدن واتيانه عليه
بحيث لا يبقى شئ من البدن عاريا لا مواراة البشرة بمعنى أن لا يكون رقيقا حاكيا
للبشرة، ويؤيده التأكيد بقوله " كله " وحينئذ فيكون قوله " يواري جسده " مؤكدا
لقوله " تام لا أقل منه " وإن لم يكن ما ذكرناه أظهر لا أقل أن يكون مساويا لما ذكره وبه
لا يتم الاستدلال، وحينئذ تبقى المسألة عارية عن النص، وأصالة العدم ترجح الجواز مطلقا
و بالجملة فالظاهر أن ما ذكره شيخنا المذكور لا يخلو من البعد، ولو كانت الرواية المذكورة
دالة على الحكم المذكور لما خفي على محدثي أصحابنا المتأخرين ولا سيما بعد الوقوف على
كلامه ولنبهوا على ذلك في تصانيفهم سيما شيخنا البهائي في الحبل المتين وأمثاله ممن
عادتهم تتبع هذه الدقائق والتنبيه عليها. والله العالم.
(الرابع - الظاهر أنه لا خلاف في عدم جواز التكفين بالحرير المحض،
قال في المعتبر: وهذا الحكم ثابت باجماعنا ويدل عليه ما رواه في الكافي عن الحسن
بن راشد (2) قال: " سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز
وقطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال: إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس "

1) ص 15.
2) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب التكفين
17

ورواه في الفقيه مرسلا (1) قال: سئل أبو الحسن الثالث (عليه السلام) عن ثياب تعمل
بالبصرة... الحديث " أقول: ويشير إلى ذلك جملة من الأخبار الدالة على النهي عن التكفين
بكسوة الكعبة فإن الظاهر أنه ليس إلا من حيث كونها حريرا محضا كما استظهره شيخنا
الشهيد في الذكرى وإلا كان الأنسب الاستحباب للتبرك، ومن تلك الأخبار ما رواه في
التهذيب عن الحسين بن عمارة عن الباقر (عليه السلام) (2) قال: سألته عن الرجل اشترى
من كسوة البيت شيئا هل يكفن به الميت؟ قال: لا " ونحوها رواية عبد الملك بن عتبة
الهاشمي (3) وقال في الفقه الرضوي (4): " لا تكفنه في كتان ولا ثوب إبريسم وإذا كان
ثوب معلم فاقطع علمه ولكن كفنه في ثوب قطن ولا بأس في ثوب صوف " انتهى. وقال
في الفقيه: " ولا يجوز أن يكفن الميت في كتان ولا إبريسم ولكن في القطن " والظاهر أنه مأخوذ من هذه العبارة كما عرفت في غير مقام.
والشيخ قد روى عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (5)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعم الكفن الحلة ونعم الأضحية الكبش
الأقرن " ثم حمله على التقية لموافقته لمذهب العامة (6) قال: لأن الكفن لا يجوز أن يكون من

1) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب التكفين
4) ص 18
5) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب التكفين
6) في المحلى لابن حزم ج 5 ص 122 " لا يحل تكفين الرجل بما لا يحل لباسه من
حرير أو مذهب أو معصفر وجائز تكفين المرأة في كل ذلك " وفي المنهاج للنووي على
هامش شرحه تحفة المحتاج ج 1 ص 531 " يكفن الميت بعد غسله بماله لبسه حيا فلا يجوز
الحرير والمزعفر الرجل والخنثى " وفي شرح النووي على صحيح مسلم بهامش ارشاد
الساري ج 4 ص 266 " قال أصحابنا يحرم تكفين الرجل بالحرير ويجوز المرأة فيه مع
الكراهة وكره مالك وعامة العلماء التكفين في الحرير مطلقا، قال ابن المنذر لا أحفظ
خلافه " وفي البحر الرائق ج 2 ص 176 " لا يكفن بما لا يجوز لبسه حال الحياة كالحرير
للرجال " وفي مجمع الأنهر فقه الحنفية ج 1 ص 181 " لا يكفن إلا فيما يجوز له لبسه حال
الحياة فلا يجوز الحرير ونحوه ويجوز للنساء الحرير " وفي نيل المآرب لعبد القادر الشيباني
الحنبلي ج 1 ص 54 " يحرم التكفين بحرير ومذهب للذكر والأنثى والخنثى ويجوز الحرير
عند عدم ثوب واحد يستر جميعه
18

الإبريسم. وقيل عليه أنه لا يعتبر في الحلة أن تكون من الإبريسم فإنها ربما تطلق على البرد
وغيره أيضا وإن لم يكن إبريسما، قال في القاموس: الحلة إزار ورداء بردا وغيره ولا
يكون إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة " فينبغي أن تحمل الحلة على البرد الذي لا يكون
إبريسما. وقيد الحرير بالمحض احترازا عن الممتزج بغيره على وجه لا يستهلكه الحرير
فإنه يجوز التكفين فيه كما يجوز الصلاة فيه. والظاهر أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في
الحكم المذكور، وقال في الذكرى وعليه اتفاقنا، ونقل عن العلامة في النهاية أنه احتمل
كراهته للمرأة للإباحة لها في حال الحياة. والظاهر ضعفه.
وفي جوازه بالجلود تردد لأصالة الجواز وعدم صدق الثوب عليها عرفا فإن المتبادر
منه إنما هو المنسوج، وبه صرح جملة من الأصحاب، وأيدوا ذلك بوجوب نزعه من
الشهيد قالوا فهنا أولى.
أما المتخذ من الشعر والوبر فالظاهر المشهور الجواز لصدق الثوب عليه وانتفاء
المانع كما صرح به في المعتبر، ونقل عن ابن الجنيد المنع منه، وقد تقدم في عبارة كتاب
الفقه نفى البأس عن ثوب الصوف، وجعل في المدارك اجتنابه أولى.
ولا يجوز التكفين بالنجس اجماعا كما في الذكرى ولوجوب إزالة النجاسة العارضة
من الكفن.
وكذا لا يجوز التكفين في المغصوب أيضا اجماعا كما نقله في الكتاب
المشار إليه وللنهي عن اتلاف مال الغير.
هذا كله مع الاختيار أما مع الضرورة فظاهرهم الاتفاق على عدم الجواز بالمغصوب
وأما غيره من الحرير والجلد والنجس فأوجه ثلاثة: المنع لاطلاق النهي، والجواز لئلا
يدفن عاريا مع وجوب ستره ولو بالحجر، ووجوب ستر العورة لا غير حالة الصلاة ثم ينزع
19

(الخامس) - المفهوم من كلام أكثر الأصحاب في كيفية التكفين أنه يبدأ
بخرقة الفخذين فيشدها بعد وضع القطن في دبر الميت وقبل المرأة ثم يؤزره عليها كما يؤزر
الحي ثم يلبسه القميص ثم يلفه في اللفافة ثم الحبرة التي هي مستحبة عندهم، فمن ذلك
عبارة المفيد المتقدمة (1) ومنها عبارة الشيخ في النهاية حيث قال ما هذا ملخصه: فإذا فرغ منه
- يعني من الغسل - عمد إلى القطن، ثم ذكر شد القطن بالخرقة إلى أن قال: فيأخذ الإزار
فيؤزره، ثم ساق الكلام في صفة الإزار ووضع الحنوط إلى أن قال: ثم يرد القميص
عليه، ثم ساق الكلام في العمامة إلى أن قال: ثم يلفه في اللفافة. ونحوه عبارته في المبسوط
وبذلك صرح ابن إدريس في السرائر فقال ما ملخصه: فيأخذ الخرقة التي هي الخامسة،
ثم ذكر شد فخذيه بها إلى أن قال: ثم يؤزره ويلبسه القميص وفوق القميص الإزار وفوق
الإزار الحبرة. ومراده بالإزار الذي فوق القميص هو اللفافة وهي الثوب الثالث من
الكفن الواجب، فإنك قد عرفت أن للفقهاء يطلقون على هذا الثوب الإزار، ومراده
بالحبرة هي المستحبة عندهم. وهكذا عبارة العلامة في المنتهى حيث قال ما ملخصه في كيفية
التكفين من أنه يحشو دبره بالقطن ثم يشده بخرقة الفخذين ثم يؤزره بالمئزر ثم يلبسه القميص
ثم يضعه في الإزار ثم في الحبرة. وعلى هذا النهج عبارة الذكرى والدروس والبيان إلا أنه
في البيان لم يتعرض لذكر الخرقة هنا وإنما ذكرها سابقا قبل ذلك. وبالجملة فالذي حضرني
من عبائرهم كلها على هذه الكيفية إلا عبارة الصدوق فإنها لا تخلو من الاجمال، وعبارة
ابن أبي عقيل المتقدمة فإن ظاهرها البدأة بالقميص وأن يكون الإزار فوقها. وكيف
كان ففي فهم ما ذكره الأصحاب واشتهر بينهم من الأخبار خفاء وغموض. والذي وقفت
عليه من الأخبار المتضمنة لذلك رواية يونس وموثقة عمار وعبارة كتاب الفقه الرضوي وقد
تقدم الجميع (2) فأما رواية يونس فإن ظاهرها أنه يلبسه القميص أولا ثم يؤزره بالإزار
المذكور فيها ثم يلفه بالحبرة المذكورة. ولم يذكر الخرقة هنا وإنما ذكرها في موضع آخر.

1) ص 11.
2) ص 7 و 9 و 10
20

وقد عرفت مما حققناه آنفا أن المراد بالإزار في الأخبار هو الذي يشد على الوسط
وظاهرها أنه يشد فوق القميص، ومخالفتها لما ذكروه ظاهرة، نعم هي موافقة لظاهر عبارة
ابن أبي عقيل. وأما موثقة عمار فإنها قد اشتملت على شد الخرقة فوق القميص ثم الإزار
فوق الخرقة ثم اللفافة، والمخالفة فيها هنا في موضعين: (أحدهما) - شد الخرقة فوق
القميص. و (الثاني) - جعل الإزار فوق القميص والخرقة، مضافا إلى ما عرفت آنفا
من المناقضات الأخر، قال في الذكرى: " وفي خبر عمار عن الصادق (عليه السلام)
" وتبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق القميص ثم تشد المئزر ثم اللفافة ثم العمامة " وهو مخالف
للمشهور من جعل الخرقة تحت المئزر والقميص فوقه، قال الأصحاب ونقل الشيخ فيه
الاجماع " انتهى. وأما عبارة كتاب الفقه فالذي تقدم منها لا دلالة فيه على ما نحن فيه
إلا أنه قال في موضع آخر ما لفظه: " وقبل أن يلبسه القميص يأخذ شيئا من القطن
ويجعل عليه حنوطا يحشو به دبره، إلى أن قال: ويضم رجليه ويشد فخذيه إلى وركيه
بالمئزر شدا جيدا لئلا يخرج منه شئ " وظاهر هذه العبارة هو أنه يلبسه القميص بعد
شد الخرقة، ولم يتعرض هنا لباقي أجزاء الكفن وإن ذكرها في موضع آخر كما تقدم
من أن أجزاء الكفن ثلاثة: لفافة وقميص وإزار، إلا أنها لا يستفاد منها في هذا المقام أزيد
مما قلناه. والجميع - كما ترى - ظاهر المنافاة لما ذكره الأصحاب مما عرفت من عباراتهم المتقدمة
حيث إن ظاهر الجميع البدأة بالقميص. ولم أقف على خبر يدل على ما ذكروه من هذه الكيفية
ولا على كلام لأحد من الأصحاب في هذا الباب يدفع هذا الاشكال والارتياب. والله العالم.
(المسألة الثانية) - في التحنيط والكلام هنا في مقامين: (الأول) - في بيان
المواضع التي يوضع الكافور عليها، فالمشهور بين الأصحاب أنه يوضع على المساجد السبعة
وعن الشيخ في الخلاف دعوى اجماع الفرقة عليه. وأصناف الشيخ المفيد طرف الأنف
الذي يرغم في السجود، وأضاف الصدوق السمع والبصر والفم والمغابن، واحدها مغبن
كمسجد وهي الآباط وأصول الأفخاذ. قال في الفقيه: " ويجعل الكافور على بصره
21

وأنفه وفي مسامعه وفيه ويديه وركبتيه ومفاصله كلها وعلى أثر السجود منه فإن بقي منه
شئ جعل على صدره " ومال في المختلف إلى هذا القول.
والأخبار في المسألة مختلفة، ومنها - ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن
على المشهور عن الحلبي عن الصادق (علية السلام) (1) قال: " إذا أردت أن تحنط
الميت فاعمد إلى الكافور فامسح به آثار السجود منه ومفاصله كلها ورأسه ولحيته وعلى
صدره من الحنوط، وقال: حنوط الرجل والمرأة سواء، وقال: أكره أن يتبع
بمجمرة " وما في رواية يونس المتقدمة (2) من قوله: " ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه
على جبهته موضع سجوده وامسح بالكافور على جميع مفاصله من قرنه إلى قدمه وفي
رأسه وعنقه ومنكبه ومرافقه وفي كل مفصل من مفاصله من اليدين والرجلين وفي
وسط راحتيه، إلى أن قال: ولا تجعل في منخريه ولا في بصره ولا مسامعه ولا على
وجهه قطنا ولا كافورا " وفي موثقة سماعة (3) " وتجعل شيئا من الحنوط على مسامعه
ومساجده وشيئا على ظهر الكفين " وفي موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحنوط للميت؟ فقال اجعله في مساجده "
وفي رواية عثمان النوا المتقدمة (5) " ولا تمس مسامعه بكافور " وفي حسنة حمران
ابن أعين المتقدمة (6) " قلت فالحنوط كيف أصنع به؟ قال يوضع في منخره وفي
موضع سجوده ومفاصله " وفي موثقة عمار المتقدمة (7) " واجعل الكافور في مسامعه
وآثر سجوده منه وفيه وأقل من الكافور " وفي رواية الحسين بن المختار عن الصادق
(عليه السلام) (8) قال: " يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد وعلى اللبة وباطن

1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين
2) ص 7.
3) المروية في الوسائل في الباب 15 من أبواب التكفين
4) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التكفين
5) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التكفين
6) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين
7) ص 9
8) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التكفين
22

القدمين وموضع الشراك من القدمين وعلى الركبتين والراحتين والجبهة واللبة " وفي
صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري عن الصادق (عليه السلام) (1) قال:
" لا تجعل في مسامع الميت حنوطا " وفي صحيحة عبد الله بن سنان (2) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف أصنع بالحنوط؟ قال: تضع في فمه ومسامعه وآثار السجود
من وجهه ويديه وركبتيه " وفي رواية زرارة عن الباقر والصادق (عليهما السلام) (3) قال:
" إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود ومفاصله كلها واجعل في فيه
ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه، وقال: حنوط الرجل والمرأة
سواء " وفي الفقه الرضوي (4) " فإذا فرغت من كفنه حنطته بوزن ثلاثة عشر درهما
وثلث من الكافور، وتبدأ بجبهته وتمسح مفاصله كلها به وتلقي ما بقي منه على صدره وفي
وسط راحتيه، ولا تجعل في فمه ولا منخره ولا في عينيه ولا في مسامعه ولا على وجهه
قطنا ولا كافورا، فإن لم تقدر على هذا المقدار فأربعة دراهم، فإن لم تقدر فمثقال
لا أقل من ذلك لمن وجده ".
أقول: المشهور بين الأصحاب هو الجمع بين هذه الروايات فيما اختلفت فيه
بحمل أخبار النهي على الكراهة، والشيخ جمع بينها بحمل " في " الدالة على الوضع في
سمعه وبصره وفيه على معنى " على " كما في قوله تعالى: " ولأصلبنكم في جذوع النخل " (5)
ومرجعه إلى حمل أخبار النهي على النهي من إدخاله فيها وحمل أخبار الجواز على جعله
فوقها. والأظهر - كما صرح به جملة من متأخري أصحابنا - هو حمل الروايات الدالة على
استحبابه في هذه المواضع على التقية لشهرة الاستحباب عند العامة.
بقي الكلام في بعض المواضع الزائد على المساجد السبعة مما لم يدل على النهي
عنه دليل مثل مفاصله ووسط راحتيه ورأسه ولحيته وصدره وعنقه واللبة وهي النحر وموضع

1) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التكفين
2) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التكفين
3) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التكفين
4) ص 17.
5) سورة طه الآية 74
23

القلادة، والظاهر دخولها تحت الصدر في الرواية الأخرى، وباطن القدمين ونحوها مما
اشتملت عليه الأخبار مما لا معارض له، والظاهر استحبابه لدلالة الأخبار عليه مع
عدم المعارض.
وهل يجب استيعاب كل المسجد بالمسح أو يكفي المسمى؟ وجهان جزم بأولهما
الشهيد الأول في الذكرى وبالثاني الثاني في الروض.
(المقام الثاني) - في مقدار الكافور، قال في المعتبر: " أقل المستحب من
الكافور للحنوط درهم وأفضل منه أربعة دراهم وأكمل منه ثلاثة عشر درهما وثلث، كذا
ذكره الخمسة وأتباعهم ثم لا أعلم للأصحاب فيه خلافا " وقال الصدوق في الفقيه (1)
" والكافور السائغ للميت ووزن ثلاثة عشر درهما وثلث، والعلة في ذلك أن جبرئيل (عليه
السلام) أتى النبي (صلى الله عليه وآله) بأوقية كافور من الجنة - والأوقية أربعون درهما -
فجعلها النبي ثلاثة أثلاث: ثلثا له وثلثا لعلي (عليه السلام) وثلثا لفاطمة، ومن لم يقدر على
وزن ثلاثة عشر درهما وثلث كافورا حنط الميت بأربعة مثاقيل، فإن لم يقدر فمثقالا
لا أقل منه لمن وجده " وأكثر الأصحاب - ومنهم الشهيد في كتبه - نقلوا عن الشيخين أن
الأقل مثقال وأوسطه أربعة دراهم، وفي الذكرى عن الجعفي أن أقله مثقال وثلث قال:
ويخلط بتربة الحسين (عليه السلام) ونقل شيخنا المجلسي (رحمه الله) عن ابن
الجنيد أن أقله مثقال وأوسطه أربعة مثاقيل، وعن ابن البراج أنه قدر الأكثر بثلاثة
عشر درهما ونصف.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم
عن أبيه رفعه (2) قال: " السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث، وقال: إن جبرئيل
نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحنوط وكان وزنه أربعين درهما فقسمها

1) ج 1 ص 91. وفي الوسائل في الباب 3 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التكفين
24

رسول الله ثلاثة أجزاء: جزء له وجزء لعلي وجزء لفاطمة (عليهما السلام) وعن ابن أبي
نجران عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " أقل ما يجزئ من الكافور
للميت مثقال " قال في الكافي بعد نقل هذا الخبر: وفي رواية الكاهلي وحسين بن المختار
عن الصادق (عليه السلام) قال: " القصد من ذلك أربعة مثاقيل " والمراد بالقصد يعني الحد
الوسط بين الأقل والأكثر، والاقتصاد في الأمور سلوك سبيل الوسط. وروى الشيخ في الحسن
عن عبد الله بن يحيى الكاهلي والحسين بن المختار عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " القصد
من الكافور أربعة مثاقيل " وعن عبد الرحمان بن أبي نجران عن بعض رجاله عن الصادق (عليه
السلام) (3) قال قال: " أقل ما يجزئ من الكافور للميت مثقال ونصف " وقد تقدم في
عبارة كتاب الفقه التحنيط بوزن ثلاثة عشر درهما وثلث وإن لم يقدر على هذا المقدار
فأربعة دراهم وإن لم يقدر فمثقال لا أقل من ذلك لمن وجده. إلا أنه قال في موضع
آخر من الكتاب أيضا (4): " إذا فرغت من غسله حنطته بثلاثة عشر درهما وثلث درهم
كافورا تجعل في المفاصل ولا تقرب السمع والبصر وتجعل في موضع سجوده وأدنى
ما يجزئ من الكافور مثقال ونصف ".
إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع: (الأول) - ظاهر هذه الروايات
أن هذه التقديرات قلة وكثرة ووسطا على جهة الوجوب وأنه لا يصار إلى المرتبة الوسطى
إلا مع تعذر العليا ولا إلى الأقل إلا مع تعذر الوسط. والمفهوم من كلام الأصحاب هو الحمل
على الأفضلية. والظاهر من كلام المحقق في المعتبر أن الحامل لهم على الخروج عن ظاهر هذه
الروايات إنما هو ضعف اسنادها، قال في الكتاب المذكور بعد ذكر رواية ابن أبي نجران
المشتملة على المثقال ورواية الحسين بن المختار ومرفوعة علي بن إبراهيم: " وفي الروايات
كلها ضعف لأن سهلا ضعيف والحسين بن المختار واقفي ورواية علي بن إبراهيم مقطوعة
فإذن الواجب الاقتصار على ما يحصل به الامتثال ويحمل ما ذكر على الفضيلة " وقد تبعه

1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التكفين
4) ص 20
25

من تأخر عنه في هذه المقالة، وهو مشكل سيما ورواية الحسين بن المختار مروية عنه وعن
عبد الله بن يحيى الكاهلي الذي لا خلاف بينهم في عد حديثه في الحسن وإن كان هو
إنما نسبها إلى الحسين بن المختار خاصة، ورد الأخبار مع ظهورها في الوجوب وعدم
المعارض لها فيه بمجرد ضعف السند خال عندنا من الدليل والمستند المعتمد. وبالجملة فإن
المشهور عندهم الاكتفاء بالمسمى لما ذكر، والعمل بالأخبار سبيل النجاة كما لا يخفى.
(الثاني) - لا يخفى أن الحد الأوسط في هذه التقديرات إما أربعة مثاقيل كما
وقع في عبارة ابن بابويه وعليه تدل حسنة الكاهلي والحسين بن المختار أو أربعة دراهم
كما يدل عليه كتاب الفقه، وبه يندفع ما أورده بعض أفاضل متأخري المتأخرين على
الشيخين وأتباعهما من أنه لم يعرف للتحديد بالأربعة دراهم دليل، نعم ما ذكره في المعتبر
في الأقل من أنه درهم لم أقف له على دليل، والذي في الأخبار إنما هو مثقال كما في
عبارة كتاب الفقه ومرسلة ابن أبي نجران الأولى، أو مثقال ونصف كما في مرسلته الثانية
وعبارة كتاب الفقه الثانية، وبالمثقال في جانب الأقل عبر الصدوق كما تقدم، وأما
ما نقل عن الجعفي من المثقال وثلث فلم أقف على دليله، وقول ابن الجنيد في الأقل
والوسط موافق لكلام الصدوق وقد عرفت مستنده، وأما قول ابن البراج في تحديد
الأكثر بثلاثة عشر درهما ونصف فخال أيضا من المستند.
(الثالث) نقل عن ابن إدريس أنه فسر المثاقيل الواقعة في الروايات بالدراهم
نظرا إلى قول الأصحاب، وهو ضعيف، ولهذا نقل أن ابن طاووس طالبه بالمستند،
وهو كذلك فإن المتبادر من المثقال حيث يطلق في كلام الشارع إنما هو المثقال الشرعي
الذي هو عبارة عن الدينار وهو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي فالصيرفي مثقال وثلث
من الشرعي.
(الرابع) - المشهور بين الأصحاب أن كافور الغسل خارج عن هذا المقدار
الذي ورد للحنوط، وقيل إنه داخل فيه وإليه مال في الوافي، وظني بعده فإن ظواهر
26

الأخبار المذكورة إنما تساعد على القول المشهور، فإن قوله (عليه السلام) (1): " السنة
في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث " يقتضي تخصيص هذا المقدار بالحنوط، وباقي
الأخبار وإن كانت مطلقة إلا أنه يجب حمل اطلاقها على هذا الخبر المقيد، وأصرح منه
قوله (عليه السلام) في عبارة كتاب الفقه الرضوي الثانية (2): " إذا فرغت من غسله
حنطته بثلاثة عشر درهما وثلث درهم كافورا " وترجيح هذا القول بالاحتياط ظاهر،
والخلاف المذكور في المسألة لم يستند إلى معين وإنما نقلوا عن ابن إدريس أنه حكى عن
بعض الأصحاب المشاركة وقال إن الأظهر عنهم خلافه.
(الخامس) - ينبغي أن يعلم أن ثلاثة عشر درهما وثلثا الذي هو القدر الأعلى
من الحنوط يكون بالمثاقيل الشرعية التي هي عبارة عن الدنانير الرائجة التي لم تتغير
في جاهلية ولا اسلام تسعة مثاقيل وثلث وبالمثاقيل الصيرفية المعروفة بين الناس سبعة
مثاقيل، لما تقدم تحقيقه من أن المثقال الشرعي درهم وثلاثة أسباع درهم والدرهم نصف
المثقال الشرعي وخمسه، فيكون مقدار عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية وبموجب ذلك
تصير الثلاثة عشر درهما وثلث تسعة مثاقيل وثلثا بإضافة الثلث من كل منهما إلى الأصل
وأما كونها بالمثاقيل الصيرفية سبعة فلما عرفت من أن المثقال الصيرفي مثقال وثلث من
الشرعي والمثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي ولا ريب أن سبعة أربعة أثلاث
تسعة وثلث.
(السادس) - قد تعارضت الروايات في جانب الأقل من المثقال ومثقال
ونصف وفي الوسط بين أربعة مثاقيل وأربعة دراهم، والجمع بالحمل على التخيير في كل
من الموضعين.
(السابع) - قال في الوافي: " والحنوط يقال لكل طيب يحنط به الميت إلا أن السنة جرت أن يحنط بالكافور كما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) وهو طيب

1) المروي في الوسائل في الباب 3 من أبواب التكفين
2) ص 20
27

معروف يكون في أجواف شجر بجبال بحر الهند خشبه أبيض هش يظل خلقا كثيرا
وهي أنواع ولونها أحمر وإنما تبيض بالتصعيد، كذا في القاموس. وقال بعض فقهائنا:
الكافور صمغ يقع من شجر فكلما كان جلالا وهو الكبار من قطعه لا حاجة له إلى النار
ويقال له الكافور الخام وما يقع من صغار ذلك الصمغ من الشجر في التراب يؤخذ
بترابه ويطرح في قدر فيها ماء يغلي ويميز من التراب فذلك لا يجزئ في الحنوط. انتهى
كلامه. وما قاله من عدم اجزاء المطبوخ غير واضح بل الظاهر من اطلاق الأخبار
وكلام الأصحاب اجزاؤه. وما يقال إن مطبوخه يطبخ بلبن الخنزير ليشتد بياضه لم
يثبت، وكذا ما قيل إنه لبن دويبة كالسنور تسمى بالزباد " انتهى كلام المحدث المشار إليه
(المسألة الثالثة) - قد عرفت مما تقدم أجزاء الكفن الواجبة وأما المستحبة
فمنها - ما ذكره جمع من المتأخرين من أنه يستحب أن يزاد الرجل حبرة ومع تعذرها
ثوب آخر يقوم مقامها في لف الكفن، والحبرة كعتبة برد يماني، وزاد بعضهم في وصفه
عبرية بكسر العين نسبة إلى بلد في اليمن أو جانب واد، وقال في المختلف: " ويستحب
أن يزاد في أكفان الرجل حبرة بكسر الحاء وفتح الباء ولفافة غيرها وتزاد المرأة لفافة
أخرى ونمطا، قاله الشيخ الطوسي، وقال المفيد يستحب أن تزاد المرأة في الكفن ثوبين وهما
لفافتان أو لفافة ونمط، وقال سلار تزاد لفافتان، وقال ابن إدريس تزاد لفافة أخرى
لشد ثدييها وروى نمط، والصحيح الأول وهو مذهب الشيخ في الإقتصاد، لأن النمط
هو الحبرة وقد زيدت على أكفانها لأن الحبرة مشتقة من التزيين والتحسين، وكذلك
النمط وهو الطريقة وحقيقته الأكسية والفرش ذات الطرائق ومنه سوق الأنماط، ثم استدل
الشيخ في التهذيب على ما قاله المفيد بما رواه عن سهل بن زياد عن بعض أصحابنا رفعه (1)
قال: " سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال كما يكفن الرجل غير أنه يشد على ثدييها خرقة
تضم الثدي إلى الصدر وتشد إلى ظهرها. " وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه

1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
28

السلام) (1) قال: " يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة أثواب:
درع وخمار ومنطق ولفافتين " وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: " تكفن المرأة في خمسة أثواب أحدها الخمار " وليس فيه دلالة على مطلوب
الشيخ هنا. وقول ابن إدريس إن النمط هو الحبرة فيه نظر لأن علي بن بابويه قال في
أعداد الكفن للميت في رسالته: " ثم اقطع كفنه تبدأ بالنمط فتبسطه وتبسط عليه الحبرة
وتنثر عليها شيئا من الذريرة وتبسط الإزار على الحبرة وتنثر عليه شيئا من الذريرة وتبسط
القميص على الإزار " انتهى كلامه في المختلف. وقال الصدوق في الفقيه: " والكفن
المفروض ثلاثة: قميص وإزار ولفافة سوى العمامة والخرقة فلا يعدان من الكفن فمن
أحب أن يزيد ثوبين حتى يبلغ العدد خمسة أثواب فلا بأس " انتهى. وقد تقدم نقل
عبارة الجعفي وأبي الصلاح الدالتين على زيادة لفافتين أيضا. وبالجملة فالظاهر أن المشهور
بين متقدمي الأصحاب استحباب لفافتين زائدتين على الأثواب الثلاثة المفروضة،
والشيخ المفيد خصهما بكفن المرأة وأما الرجل فلفافة واحدة كما قدمناه آنفا من عبارته،
ولم نقف في الأخبار التي وصلت إلينا على ما يدل على ما ذكروه من زيادة لفافتين على
الكفن المشهور سوى عبارة كتاب الفقه.
وجملة من متأخري المتأخرين قد استدلوا لمن ذكر استحباب زيادة الرجل حبرة
أو مع المرأة بالأخبار المشتملة على عد الحبرة من جملة أجزاء الكفن الواجب ثم ردوها
بذلك، إذ غاية ما يفهم من الأخبار كون الحبرة أحد الأثواب الثلاثة لا مستحبة
زائدة عليها.
أقول: قد روى الشيخان الكليني والطوسي بسنديهما عن يونس بن يعقوب عن
أبي الحسن الأول (عليه السلام) (3) قال: " سمعته يقول: إني كفنت أبي في ثوبين شطويين
كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه وعمامة كانت لعلي بن الحسين (عليهما السلام) وفي

1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
29

برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار " وظاهر هذا الخبر
- كما ترى - الدلالة على ما ذكره متأخر والأصحاب من زيادة الحبرة التي أشار إليها هنا بالبرد
على الأثواب الثلاثة الواجبة. إلا أن ظاهر ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (1) - قال " كتب أبي في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب
أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص، فقلت لأبي ولم
تكتب هذا؟ فقال أخاف أن يغلبك الناس فإن قالوا كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل
وعممني بعمامة وليس تعد العمامة من الكفن إنما يعد ما يلف به الجسد " ونحو هذه الرواية
نقل في الفقه الرضوي عن العالم والظاهر أن مراده الصادق (عليه السلام) كما أشرنا
إليه آنفا، قال في الكتاب المذكور (2): " وقال العالم: وكتب أبي في وصيته أن أكفنه
في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة وكان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص
فقلت لأبي لم تكتب هذا؟ فقال إن أخاف أن يغلبك الناس يقولون كفنه بأربعة أثواب
أو خمسة فلا تقبل قولهم. وعصبته بعد بعمامة، وليس تعد العمامة من الكفن إنما يعد
ما يلف به الجسد، وشققنا له القبر شقا من أجل أنه كان رجلا بدينا وأمرني أن أجعل
ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات " انتهى هو أن ما زاد على الثلاثة من الأثواب
الشاملة للبدن إنما خرج مخرج التقية فيجب حمل الخبر المذكور على ذلك (3) ويؤيده

1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
2) ص 20
3) في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 470 " عند الشافعية الكفن للذكر
والأنثى ثلاثة أثواب يستر كل واحد منها جميع بدن الميت إلا رأس المحرم ووجه المحرمة
ونجوز الزيادة على ذلك أن لم يكن في الورثة قاصر أو محجور عليه وإلا حرمت الزيادة
وعند الحنفية كفن السنة قميص وإزار ولفافة ويزاد للمرأة خمار يستر وجهها وخرقة
تربط ثدييها. وعند المالكية الأفضل أن يكفن الرجل في خمسة أشياء: قميص له أكمام وإزار
وعمامة لها عذبة قدر وذراع تطرح على وجهه ولفافتان، وتكفن المرأة في سبعة: إزار وقميص
وخمار وأربعة لفائف. وعند الحنابلة الواجب ثوب يستر جميع البدن للذكر والأنثى
والمسنون للرجل ثلاث لفائف ويكره الزيادة عليها كما تكره العمامة، والأنثى والخنثى
يكفنان في خمسة أثواب بيض: إزار وخمار وقميص ولفافتان "
30

ما تقدم في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم أو حسنتهما (1) من قوله (عليه السلام) بعد
ذكر الثلاثة المفروضة: " وما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة أثواب فما زاد فهو مبتدع والعمامة
سنة " وأما احتمال أن يراد أن ما زاد على الثلاثة المفروضة من اللفائف فهو سنة إلى أن
يبلغ خمسة وأن المراد بالخمسة ما عدا العمامة وخرقة الفخذين فالظاهر بعده بل المراد بالخمسة
إنما هو الثلاثة المفروضة مع العمامة والخرقة ولذا اشتهر تسمية الخرقة بالخامسة،
ومقتضى كلام الصدوق وهو قوله: " ومن أحب أن يزيد ثوبين حتى يبلغ العدد خمسة
أثواب فلا بأس " إمكان حمل الخبر المذكور عليه، ونحوه عبارة الجعفي المتقدمة أيضا وعبارة
ابن البراج في الكامل حيث قال: " تسن لفافتان زيادة على الثلاثة المفروضة إحداهما
حبرة يمنية فإن كان الميت امرأة كانت إحدى اللفافتين نمطا فهذه الخمس هي الكفن
ولا يجوز الزيادة عليها، ويتبع ذلك وإن لم يكن من الكفن خرقة وعمامة وللمرأة خرقة
الثديين " ونحوه قال في التهذيب، ويشير إلى ذلك ما تقدم في عبارة كتاب الفقه
من قوله (عليه السلام) (2): " ويكفن بثلاث قطع وخمس وسبع " فإن الظاهر أن
السبع إنما هو بإضافة اللفافتين إلى الخمسة الحاصلة من الواجب والمستحب، وبالجملة فإن
اطلاق لفظ الخمس على غير العمامة وخرقة الفخذين شائع في كلام كثير منهم. ولا يخفى
أنه مع الحمل على ما دلت عليه هذه العبارات يكون معارضا بما تقدم من صحيحة الحلبي
ورواية كتاب الفقه الرضوي الدالتين على وصية الباقر (عليه السلام) بعدم الزيادة
على الثلاثة المفروضة من تلك الأثواب، وأن مذهب العامة يومئذ زيادتها إلى أن تكون
أربعة أو خمسة. وبالجملة فإنه بالنظر إلى اشتهار هذا الحكم بين المتقدمين كما عرفت ربما
أمكن حمل الخبر المذكور عليه، فإنه من البعيد كل البعد أنهم يذهبون إلى ذلك من غير

1) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
2) ص 20
31

دليل يصل إليهم ولا سيما مثل الشيخ الصدوق الذي هو من أرباب النصوص وأبوه من بينهم
بالخصوص. والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.
ثم إنه على تقدير الخمس المذكورة قد اختلفت عبائرهم في اشتراك المرأة والرجل
فيها كما يظهر من اطلاق جملة من عبائرهم أو اختصاص المرأة بها دون الرجل أو زيادة
المرأة عليها.
ومنها - النمط للمرأة صرح به جمع من الأصحاب، قالوا. وتزاد المرأة نمطا
وهو لغة ضرب من البسط أو ثوب فيه خطط مأخوذ من الأنماط وهي الطريق، وفسره
ابن إدريس بالحبرة لدلالة الاسمين على الزينة، وقد تقدم في كلام المختلف رده،
والمشهور مغايرة النمط للحبرة، واستدلوا على استحبابه للمرأة بقول الباقر (عليه السلام) في
صحيحة محمد بن مسلم (1) " يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في
خمسة: درع ومنطق وخمار ولفافتين " قال في المدارك. " وليس فيها دلالة على المطلوب
بوجه فإن المراد بالدرع القميص والمنطق بكسر الميم ما يشد به الوسط ولعل المراد به هنا
ما يشد به الثديان والخمار القناع لأنه يخمر به الرأس، وليس فيها ذكر للنمط بل ولا دلالة
على استحباب زيادة المرأة لفافة عن كفن الرجل، لما بيناه فيما سبق من أن مفاد الأخبار
اعتبار الدرع واللفافتين أو الثلاث في مطلق الكفن " انتهى. أقول. أما ما
ذكره من عدم دلالة الرواية على ما ادعوه ففيه أن مبنى الاستدلال بالرواية إنما هو على أن الكفن الواجب قميص وإزار ولفافة كما هو المشهور بين المتقدمين والمتأخرين
ولا مخالف فيه إلا هو ومن تبعه، وقد عبر في الرواية عن القميص بالدرع وعن الإزار بالمنطق
كما أوضحناه فيما تقدم، وبه صرح شيخنا الشهيد في الذكرى والشيخ البهائي في الحبل المتين
فإنهما فسرا المنطق في الرواية بعد ذكرهما معناه لغة وعدم مناسبة المعنى اللغوي للمقام
بالإزار، وهو الحق، وإحدى اللفافتين هي أحد أجزاء الكفن الواجب واللفافة الأخرى هي

1) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
32

أحد أجزاء الكفن الواجب واللفافة الأخرى هي النمط وإن لم يعبر عنها بالنمط أو أنها
لفافة أخرى عوض النمط، فإنهم صرحوا بالنسبة إلى الحبرة المستحبة في الكفن بأنه
لو لم يجدها جعل عوضها لفافة فكذا النمط، وبه يتم الاستدلال بالرواية المذكورة.
وأما ما ذكره من حمل المنطق على خرقة الثديين فبعيد غاية البعد كما لا يخفى، قال في
الحبل المتين. " والمنطق كمنبر شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل الأعلى على الأسفل
إلى الركبة والأسفل ينجر على الأرض، قاله صاحب القاموس. ولعل المراد به هنا المئزر
كما قاله شيخنا في الذكرى. وقال بعض الأصحاب لعل المراد ما يشد به الثديان. وهو
كما ترى " انتهى كلام شيخنا المذكور. ولا يخفى أن هذا البعض الذي أشار إليه هو
صاحب المدارك كما نقلناه عنه، والظاهر أن السيد السند لا يخفى عليه بعد هذا المعنى
ولكنه إنما ارتكبه فرارا عما أنكره من وجود الإزار والمئزر في الأخبار مع أنا قد بينا
وجوده في غير هذا الخبر أيضا كما قدمنا بيانه.
بقي الكلام في أن كلام الأصحاب مضطرب في اختصاص زيادة هذا الثوب
بالمرأة أو مشاركة الرجل لها. وأما وجود هذا الثوب للمرأة بلفظ النمط فلم يصل إلينا
في الأخبار وإن ذكره شيخنا المفيد ونحوه كما قدمنا ذكره، إلا أنك قد عرفت من صحيحة
الحلبي أو حسنته ومن رواية كتاب الفقه أن ما زاد على الثلاثة المفروضة فهو من سنن العامة
وبموجبه يجب حمل كل ما تضمن الزيادة على التقية. وبالجملة فالاحتياط في ترك الزيادة على
الثلاثة المفروضة من الأثواب التي يلف فيها البدن. والله العالم.
ومنها - الخرقة التي يشد بها الفخذان وتسمى عند الأصحاب بالخامسة كما ذكره
في الذكرى، وهي للرجال والنساء كما يفهم من الأخبار وما ذكر فيها من التعليل بعدم
خروج شئ منه مع التصريح في بعضها بالقبل، واستحبابها ثابت بالروايات المستفيضة كما
في رواية عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (1) قال " الميت يكفن في ثلاثة

1) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
33

أثواب سوى العمامة والخرقة يشد بها وركيه كيلا يبدو منه شئ " وقد تقدم في رواية عمار (1)
وقال " تحتاج المرأة من القطن لقبلها قدر نصف من، وقال: التكفين أن تبدأ بالقميص
ثم بالخرقة فوق القميص على ألييه وفخذيه وعورته وتجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصفا
وعرضها شبرا ونصفا ثم يشد الإزار. الحديث " وفي رواية يونس المتقدمة (2) في كيفية
الغسل " وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه وضم فخذيه ضما شديدا ولفها في
فخذيه ثم أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن واغرزها في الموضع الذي لففت
فيه الخرقة وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا " وفي رواية
الكاهلي المتقدمة (3) نحوه، ولا منافاة في تقدير العرض بين روايتي عمار ويونس، إذ الظاهر أن المراد إنما هو التقريب في ذلك لا أن يكون حدا شرعيا. قال في المدارك بعد ذكر جملة
من هذه الأخبار: " وهذه الروايات وإن كانت ما بين ضعيف ومرسل إلا أنها مؤيدة بعمل
الأصحاب فلا تقصر عن اثبات حكم مستحب " أقول: لا يخفى ما فيه من الوهن والمجازفة
وذلك فإن الاستحباب حكم شرعي والقول به بغير دليل واضح قول على الله بغير علم كما
في الوجوب ولا فرق بينهما في وجوب الدليل، وحينئذ فإن صلح العمل بالخبر الضعيف
المؤيد بعمل الأصحاب فيجب أن يقف عليه في جميع الأبواب مع أن كلامه في ذلك مضطرب
غاية الاضطراب، على أنا نقول أيضا إنه لا وجه للعمل بالخبر الضعيف المؤيد بعمل الأصحاب
كما يكررونه ويتسترون به عن إلزامهم بالخروج عن اصطلاحهم المشار إليه. فإنه إن كان الخبر
الضعيف دليلا شرعيا وجب العمل عليه مطلقا وإلا وجب رميه والغاؤه مطلقا، فيرجع العمل
فيما ذكروه إلى متابعة الأصحاب من غير دليل في المقام إذ المفروض رمي الضعيف من البين
وعدم الاعتداد به بالكلية، ولا أراه يلتزمه ولا يقول به. ثم قال (قدس سره):
" وقد يظهر من مجموعها أن صورة وضع هذه الخرقة أن تربط أحد طرفيها في وسط الميت إما
بأن يشق رأسها أو يجعل فيها خيط ونحوه ثم تدخل الخرقة من بين فخذيه وتضم بها

1) ص 9.
2) ج 3 ص 439
3) ج 3 ص 438
34

عورته ضما شديدا وتخرجها من تحت الشداد الذي على وسطه ثم تلف حقويه وفخذيه بما
بقي لفا شديدا فإذا انتهت أدخل طرفها تحت الجزء الذي انتهت عنده منها " انتهى.
وهو جيد.
ومنها - العمامة للرجل وتحنيكه بها. والحكمان مجمع عليهما والأخبار بهما كثيرة
قد تقدم بعضها وإنما يبقي الكلام في كيفية ذلك، ففي رواية معاوية بن وهب المتقدمة (1)
" وعمامة يعمم بها ويلقى فضلها على صدره " وفي رواية يونس عنهم (عليهم السلام) (2)
" ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر
والأيسر على الأيمن ثم يمد على صدره " وفي رواية عثمان النوا عن الصادق (عليه
السلام) (3) وإذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي. قلت كيف أصنع؟ قال خذ العمامة
من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها إلى خلفه واطرح طرفيها على صدره " وفي بعض
النسخ " على ظهره " وفي حسنة حمران بن أعين (4) " ثم خذوا عمامة وانشروها مثنية
على رأسه واطرح طرفيها من خلفه وابرز جبهته " وفي صحيحة ابن أبي عمير أو حسنته
عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) (5) " في العمامة للميت قال حنكه " وفي
صحيحة عبد الله بن سنان (6) " وعمامة تعصب بها رأسه وترد فضلها على رجليه " هكذا في
التهذيب والظاهر أنه تحريف وفي الكافي " (7) ويرد فضلها على وجهه " وفي موثقة عمار (8)
" وليكن طرف العمامة متدليا على جانبه الأيسر قدر شبر ترمي بها على وجهه " وفي الفقه الرضوي (9)

1) ص 5
2) ص 7
3) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التكفين
4) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين
5) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين
6) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
7) الموجود في الكافي ج 1 ص 41 " على رجليه " ورواه في الوسائل عنه كذلك
وقال " أقول: هذا تصحيف والصحيح يرد فضلها على وجهه "
8) ص 9.
9) ص 17
35

" ثم تعممه وتحنكه فتثني على رأسه بالتدوير وتلقي فضل الشق الأيمن على الأيسر
والأيسر على الأيمن ثم تمد على صدره ثم تلفه باللفافة، وإياك أن تعممه عمة الأعرابي
وتلقي طرفي العمامة على صدره " وهذه الرواية عين ما في رواية يونس وهي الصورة
المشهورة في كلام الأصحاب. وأما عمة الأعرابي المنهي عنها فالظاهر أنها غير مشتملة
على التحنيك وإنما هي أن يلف وسط العمامة على رأسه ويلقي طرفه الأيمن على جانب
الصدر الأيمن والأيسر على الأيسر من غير أن يمد كل منهما إلى الجهة الثانية كما في
الخبرين المذكورين، قال في المبسوط: " عمة الأعرابي بغير حنك " ويمكن حمل رواية
معاوية بن وهب على ما دلت عليه الروايتان المذكورتان. ولا تقدير لطول العمامة
شرعا فيعتبر فيها ما يؤدي هذه الهيئة وفي العرض ما يطلق معه عليها اسم العمامة كما
صرح به الأصحاب.
ومنها الخمار للمرأة عوض العمامة للرجل، ذكره الأصحاب، ويدل عليه
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) وقوله (عليه السلام) فيها: " وتكفن المرأة إذا كانت
عظيمة في خمسة: درع ومنطق وخمار. الخبر " وسمي به لأنه يخمر الرأس أي يستره.
ومنها خرقة الثديين ويدل عليها ما رواه في الكافي عن سهل بن زياد عن
بعض أصحابه رفعه (2) قال: " سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال كما يكفن الرجل غير أنها
تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر وتشد إلى ظهرها ويوضع لها القطن أكثر
مما يوضع للرجال ويحشى القبل والدبر بالقطن والحنوط ثم تشد عليها الخرقة شدا شديدا "
(المسألة الرابعة) من المستحبات في هذا المقام زيادة على ما تقدم أنه بعد
الفراغ من غسله ينشفه بثوب طاهر وكأنه صونا للكفن عن البلل، ففي خبر يونس
المتقدم (3) " ثم نشفه بثوب طاهر " وفي خبر عمار (4) " ثم تجففه بثوب نظيف " وفي

1) ص 7
2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
3) ج 3 ص 439
4) ج 3 ص 440
36

خبر الحلبي (1) " إذا فرغت من غسله جعلته في ثوب ثم نظيف جففته " وفي كتاب الفقه (2)
فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك والق عليه
ثوبا تنشف به عنه الماء ".
ومنها - ما ذكره الأصحاب من أنه يستحب اغتسال الغاسل قبل تكفينه
أو الوضوء، وممن ذكر ذلك الصدوق في الفقيه فقال بعد ذكر الغسل والتنشيف: " ثم
يغتسل الغاسل يبدأ بالوضوء ثم يغتسل ثم يضع الميت في أكفانه " واعترضهم جملة من
متأخري المتأخرين بعدم المستند في هذا الحكم بل ربما كان الظاهر من الروايات خلافه،
وهو كذلك فإن في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (3) قال: قلت له
: الذي يغمض الميت، إلى أن قال: فالذي يغسله يغتسل؟ قال: نعم. قلت فيغسله ثم
يلبسه أكفانه قبل أن يغتسل؟ قال يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم
يغتسل " وفي صحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة " (4) ثم يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات ثم إذا كفنه اغتسل " وفي حديث عمار عن الصادق
(عليه السلام) (5) " ثم تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين ثم تكفنه "
وقد تقدم في عبارة كتاب الفقه نحو ذلك أيضا وهي كالصريحة في استحباب تقديم التكفين
على الغسل وإنما المأمور به غسل اليدين من العاتق كما اشتمل عليه بعضها أو من المرفق كما
اشتمل عليه الآخر، والأحوط الأول، وكذلك الأحوط أن يكون ثلاثا كما دل عليه صحيح
يعقوب، وظاهر شيخنا في الذكرى حمل هذه الأخبار على خوف تضرر الميت بالتأخير،
قال (قدس سره) بعد ذكر كيفية التكفين: " وليكن ذلك بعد غسل الغاسل من المس أو
بعد وضوئه الذي يجامع الغسل، فإن خيف على الميت فليغسل الغاسل يديه إلى المنكبين كما رواه

1) ج 3 ص 438
2) ص 17
3) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب التكفين
4) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب التكفين
5) ص 9
37

يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليه السلام)، ثم ذكر خبر محمد بن مسلم وقال بعده.
ويمكن حمله على الضرورة " وليت شعري أي معارض لهذه الأخبار في المقام يوجب
تأويلها بما ذكره؟ مع أنهم لم ينقلوا مستندا لما ذكروه وإنما علله العلامة في التذكرة بأن
الغسل من المس واجب فاستحب الفورية به. ولا يخفى ما فيه.
ومنها وضع جريدتين خضراوين، وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب،
والجريدة هي العود الذي يجرد عنه الخوص وما دام الخوص فيه فإنه يسمى سعفا، قال شيخنا
المفيد في المقنعة (1): " والأصل في وضع الجريدة مع الميت أن الله تعالى لما أهبط آدم من
الجنة إلى الأرض استوحش في الأرض فسأل الله تعالى أن ينزل الله شيئا من أشجار الجنة
يأنس به فأنزلت عليه النخلة فلما رآها عرفها وأنس بها وآوى إليها. فلما جمع الله بينه
وبين زوجته حواء وأقام معها ما شاء الله تعالى أن يقيم وأولدها ثم حضرته الوفاة جمع
ولده وقال: يا بني إني كنت قد استوحشت عند نزولي هذه الأرض فآنسني الله تعالى
بهذه النخلة المباركة وأنا أرجو الأنس بها في قبري فإذا قضيت نحبي فخذوا منها جريدة
فشقوها باثنين وضعوها معي في أكفاني، ففعل ذلك ولده بعد موته وفعلته الأنبياء بعده
ثم اندرس أثره في الجاهلية فأحياه النبي (صلى الله عليه وآله) وشرعه ووصى أهل
بيته باستعماله فهو سنة إلى أن تقوم الساعة " انتهى. وقال في التهذيب (2): " سمعت ذلك
مرسلا من الشيوخ ومذاكرة ولم يحضرني الآن اسناده وجملته أن آدم (عليه السلام)
لما أهبطه الله تعالى من الجنة، وساق الكلام المذكور ثم قال: وقد روي أن الله
عز وجل خلق النخلة من فضلة الطينة التي خلق منها آدم (عليه السلام) فلأجل ذلك
تسمى النخلة عمة الانسان " انتهى.
أقول: والأخبار بفضل الجريدتين في هذا المقام مستفيضة من طرق الخاصة

1) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين
2) ج 1 ص 93
38

والعامة، قال الشيخ في التهذيب: " وقد روي من طريق العامة في أصل التخضير شئ كثير " (1)
إلا أن العامة لمزيد تعصبهم على الشيعة والسعي في خلافهم قد عدلوا عن كثير من السنن مراغمة
للشيعة حيث إنهم يواظبون عليها ويؤكدون العمل بها، ومنها هذا الموضع كما سيظهر لك من
الأخبار، ومنها تسطيح القبور عدلوا عنه إلى التسنيم مع اعترافهم بأن السنة إنما هو التسطيح
وإنما صاروا إلى التسنيم مراغمة للشيعة، ومنها التختم باليمين، ومنها ترك الصلاة على الأئمة
المعصومين، ونحو ذلك مما أوضحنا الكلام فيه في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد.
ومن الأخبار الواردة في فضلهما وفيما يتعلق بهما في هذا المقام ما رواه في الفقيه في
الصحيح عن زرارة (2) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أرأيت الميت إذا مات لم
تجعل معه الجريدة؟ فقال يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا، إنما العذاب
والحساب كله في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم، وإنما
جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفها إن شاء الله تعالى "
ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله. وبإسناده عن الحسن بن زياد (3) " أنه
سأل الصادق (عليه السلام) عن الجريدة التي تكون مع الميت فقال تنفع المؤمن

1) في صحيح البخاري باب الجريدتين على القبر وصحيح مسلم باب الدليل على نجاسة
البول ووجوب الاستبراء منه وسنن أبي داود باب الاستبراء من البول وسنن النسائي باب التنزه
عن البول وسنن البيهقي باب التوقي عن البول " عن الأعمش سمعت مجاهدا يحدث عن طاووس
عن ابن عباس مر النبي " ص " على قبرين فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما
فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستنزه عن البول فدعا بعسيب رطب فشقه نصفين
ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا وقال لعله أن يخفف عنهما العذاب ما لم ييبسا "
ونحوه في مجمع الزوائد ج 3 ص 56 عن أمامة وعن ابن عمر وعن أبي هريرة. وفي عمدة
القارئ ج 4 ص 203 " رواية الأكثرين أوصى بريدة الأسلمي بوضع الجريدة في قبره
ورواية المستملي على قبره "
2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين
39

والكافر " وعن يحيى بن عبادة المكي (1) أنه قال: " سمعت سفيان الثوري يسأل
أبا جعفر (عليه السلام) عن التخضير فقال إن رجلا من الأنصار هلك فأؤذن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) بموته فقال لمن يليه من قرابته خضروا صاحبكم فما أقل المخضرين
يوم القيامة. قال وما التخضير؟ قال جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى أصل
الترقوة " قال: " وسئل الصادق (عليه السلام) عن علة الجريدة فقال يتجافى عنه العذاب
ما دامت رطبة (2) " قال في الوافي: " إنما كان المخضرون قلائل يوم القيامة لأن
المخالفين للشيعة لا يخضرون موتاهم وهم الأكثرون مع أنهم رووا في فضله أخبارا كثيرة
كما قاله في التهذيب " وروى في الكافي عن رجل عن يحيى بن عبادة عن الصادق
(عليه السلام) (3) قال: " تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع وتوضع وأشار بيده من
عند ترقوته إلى يده تلف مع ثيابه " وروى الصدوق في معاني الأخبار هذا الخبر في
الصحيح بزيادة في أوله عن يحيى بن عبادة عن الصادق (عليه السلام) (4) قال:
" سمعته يقول إن رجلا مات من الأنصار فشهده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال
خضروه فما أقل المخضرين يوم القيامة. فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام) وأي شئ
التخضير؟ قال تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع وأشار بيده إلى عند ترقوته
تلف مع ثيابه " قال الصدوق بعد ايراده الخبر: " جاء هذا الخبر هكذا والذي يجب استعماله
أن يوضع للميت جريدتان من النخل خضراوان رطبتان طول كل واحدة قدر عظم الذراع
تجعل إحداهما من عند الترقوة تلصق بجلده وعليه القميص والأخرى عند وركه ما بين
القميص والإزار فإن لم يقدر على جريدة من النخل فلا بأس أن يكون من غيره
من بعد أن يكون رطبا " انتهى. وروى في الكافي في الصحيح إلى الحسن بن زياد
الصيقل عن الصادق (عليه السلام) (5) قال: " توضع للميت جريدتان واحدة في اليمين

1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب التكفين
4) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين
5) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين
40

والأخرى في الأيسر، قال وقال: الجريدة تنفع المؤمن والكافر " إلى غير ذلك من
الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى في المقام.
ومما يدل على اشتراط كونهما خضراوين زيادة على ما تقدم فلا تجزئ اليابسة
ما رواه في التهذيب عن محمد بن علي بن عيسى (1) قال: " سألت أبا الحسن الأول عن السعفة
اليابسة إذا قطعها بيده هل يجوز للميت توضع معه في حفرته؟ فقال لا يجوز اليابس ".
وتمام البحث هنا يقع في مواضع: (الأول) الظاهر أنه لا خلاف في استحباب
كون الجريدتين من النخل، إنما الخلاف في بدلهما لو تعذرتا، فقيل كل شجر رطب
ونقل عن ابن بابويه والجعفي والشيخ في الخلاف وابن إدريس واستجوده في الذكرى، وقيل
من الخلاف وإلا فمن السدر وإلا فمن شجر رطب ونسب إلى الشيخ المفيد وسلار، وقيل بتقديم
السدر على الخلاف ذكره المحقق في الشرائع وهو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط وقال
في المدارك وهو المشهور، وزاد الشهيد في الدروس والبيان الرمان بعد الخلاف، وقيل
الشجر الرطب.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي عن العدة عن
سهل عن غير واحد من أصحابنا (2) قالوا: قلنا له جعلنا فداك إن لم نقدر على الجريدة؟
فقال عود السدر. قيل فإن لم نقدر على السدر؟ فقال عود الخلاف " وظاهر هذه
الرواية الدلالة على القول الثالث الذي هو المشهور وروى في الفقيه (3) قال: " كتب
علي بن بلال إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام): الرجل يموت في بلاد ليس فيها
نخل فهل يجوز مكان الجريدة شئ من الشجر غير النخل؟ فإنه قد روي عن آبائكم (عليهم
السلام) أنه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين وأنهما تنفع المؤمن والكافر.
فأجاب (عليه السلام) يجوز من شجر آخر رطب " وهذه الرواية ظاهرة في الدلالة على القول

1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب التكفين
41

الأول، ونحوها روى في الكافي عن علي بن بلال (1): " أنه كتب إليه يسأله عن الجريدة
إذا لم نجد نجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل؟ فكتب: يجوز إذا اعوزت الجريدة
والجريدة أفضل وبه جاءت الرواية " أقول: ومراده (عليه السلام) بالرواية يعني عن
الرسول (صلى الله عليه وآله) قال في الكافي بعد هذه الرواية: وروى علي بن إبراهيم
في رواية أخرى قال: " يجعل بدلها عود الرمان " (2) وظاهر هذا الخبر الأخير أنه مع
فقدها من النخل تبدل بشجر الرمان من غير ترتيب. والظاهر أن ما ذهب إليه الشهيد في
الدروس والبيان ناشئ من الجمع بين هذه الروايات بتقديم الخلاف على الرمان وتقييد
اطلاق روايتي علي بن بلال برواية الرمان فيكون الرمان مقدما على الشجر الرطب، وفي
كتاب الفقه الرضوي (3) " فإن لم تقدر على جريدة من النخل فلا بأس بأن يكون من
غيره بعد أن يكون رطبا " وهي في معنى رواية علي بن بلال. والجمع بين الأخبار
المذكورة بالتخيير جيد.
(الثاني) اختلف الأصحاب في مقدار الجريدة، فالمشهور - وهو مذهب
الشيخين ومن تبعهما وعلي بن بابويه - أنه قدر عظم الذراع، وقال الصدوق في الفقيه:
" طول كل واحدة قدر عظم الذراع وإن كانت قدر ذراع فلا بأس أو شبر فلا بأس "
وقال ابن أبي عقيل: " مقدار كل واحدة أربع أصابع إلى ما فوقها ".
ومنشأ اختلاف هذه الأقوال اختلاف الرواية بذلك، ففي روايتي يحيى بن عبادة
المتقدمتين (4) أنها قدر ذراع، وفي الكافي في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج (5)
قال قال: " إن الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت مما يلي
الجلد والأخرى في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص " وقد تقدم

1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب التكفين
3) ص 17
4) ص 40
5) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب التكفين
42

في رواية يونس (1) الواردة في كيفية التكفين أنها قدر ذراع، وفي الفقه الرضوي (2)
" وروي أن الجريدتين كل واحدة بقدر عظم الذراع " أقول: إن هذه الرواية هي
مستند المشهور فإنا لم نقف في الأخبار المشهورة بين الأصحاب على ما يدل على هذا القول
مع شهرته، والظاهر أن الجماعة تبعوا فيه علي بن الحسين بن بابويه حيث إنه ذكر ذلك
في رسالته كما نقلوه عنه، وقد عرفت وستعرف أن عباراته وجل رسائله مأخوذة من
هذا الكتاب، والصدوق في الفقيه جمع بين الروايات الثلاث بالتخيير كما قدمنا في
عبارته، والعجب أن المتأخرين تلقوا هذا القول بالقبول مع عدم اتيانهم عليه بدليل حتى
قال الشهيد في الذكرى وتبعه من تأخر عنه فيه: " والمشهور قدر عظم الذراع وفي خبر يونس
قدر ذراع وروى الصدوق قدر الذراع أو الشبر وفي خبر جميل بن دراج قدر شبر
وابن أبي عقيل قدر أربع أصابع فما فوقها، والكل جائز لثبوت الشرعية مع عدم
القاطع على قدر معين " وفيه أنه لا ريب وإن كان الشرعية حاصلة بوضع الجريدة بأي
قدر كان لأن الغرض تعلق بدفعها العذاب عنه ما دامت خضراء إلا أن السنة المطهرة
قد حددتها بحد وإن اختلفت الرواية في ذلك الحد، ومقتضى ما تلوناه من أخبار المسألة
أن ذلك دائر بين الشبر والذراع، والواجب - كما هو قضية الاختلاف بين الأخبار - أما
الترجيح بين الخبرين أو التخيير جمعا، ومن ذلك يظهر سقوط القول بعظم الذراع
والقول بأربع أصابع. وقوله: " مع عدم القاطع على قدر معين " لا معنى له بعد
وصول الخبرين المذكورين فإن الحد المعين دائر بين هذين الحدين المذكورين. ومقتضى
قواعدهم واصطلاحهم في الأخبار هو ترجيح رواية جميل لأنها حسنة عندهم وحسنها إنما هو
بإبراهيم بن هاشم الذي لا يقصر حديثه عندهم عن الصحيح بل عده في الصحيح
جمع منهم والأخبار الباقية ضعيفة باصطلاحهم. هذا إن عملوا بمقتضى هذا الاصطلاح وإلا
فالواجب الجمع بالتخيير بين الروايتين وبه يظهر سقوط القولين الآخرين فقوله: " والكل

1) ص 7
2) ص 17
43

جائز لا وجه له كما عرفت، ولو تم هذا الكلام في هذا المقام لانجر إلى غيره من الأحكام
وهم لا يقولون بذلك بل يدورون مدار الأدلة والأخبار ولا سيما متأخري المتأخرين.
وبالجملة فكلامهم هنا لا يخلو من مسامحة وكيف كان فيما أوضحناه من رواية عظم الذراع
فالوجه هو التخيير بين الروايات الثلاث كما صرح به في الفقيه ورد القول بالأربع أصابع
لعدم الوقوف على مستنده، وتعليل شيخنا المشار إليه في قبوله عليل كما عرفت.
(الثالث) اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في محلهما فالمشهور أنه
يجعل إحداهما من الجانب الأيمن من ترقوته يلصقها بجلده والأخرى من الجانب الأيسر
كذلك بين القميص والإزار، ذهب إليه الصدوق في المقنع والشيخان وجمهور المتأخرين
وذهب علي بن بابويه والصدوق في غير المقنع إلى جعل اليمنى مع ترقوته يلصقها بجلده
ويمد عليه قميصه واليسرى عند وركه بين القميص والإزار، وعن الجعفي أن إحداهما
تحت الإبط الأيمن والأخرى نصف مما يلي الساق ونصف مما يلي الفخذ، وعن ابن
أبي عقيل إنها واحدة تحت إبطه الأيمن.
والروايات في ذلك لا تخلو من الاختلاف، ففي صحيحة جميل أو حسنته المتقدمة
قريبا (1) ما يدل على القول المشهور، وفي رواية يونس المتقدمة (2) " تجعل له واحدة بين
ركبتيه نصفا مما يلي الساق ونصفا مما يلي الفخذ وتجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن "
وهذه الرواية دالة على ما ذهب إليه الجعفي، وفي روايتي يحيى بن عبادة المتقدمتين (3) قريبا
" تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع - وأشار بيده من عند ترقوته - تلف مع ثيابه " وظاهرهما
أن الموضوع جريدة واحدة، وقد تقدم كلام الصدوق في معاني الأخبار (4) الدال على إنكار ذلك، ونحو هاتين الروايتين رواية يحيى بن عبادة المكي المتقدمة أيضا (5) وفيها
" جريدة خضراء توضع من أصل اليدين إلى أصل الترقوة " وفي رواية الحسن بن زياد الصيقل
المتقدمة أيضا (6) " واحدة في اليمين والأخرى في الأيسر " وهي مجملة قابلة للانطباق

1) ص 42
2) ص 7
3) ص 40
4) ص 40
5) ص 40
6) ص 40
44

على كل من القولين، ونحوها رواية الفضيل بن يسار عن الصادق (عليه السلام) (1)
قال: " توضع للميت جريدتان واحدة في الأيمن والأخرى في الأيسر " وفي صحيحة
جميل أو حسنته بإبراهيم بن هاشم (2) قال: " سألته عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من
فوقها؟ قال فوق القميص ودون الخاصرة. فسألته من أي جانب؟ قال من الجانب
الأيمن " وهذه الرواية المعتبرة الاسناد قد دلت أيضا على ما دلت عليه الروايات الثلاث
المتقدمة من كون الجريدة واحدة، وقد عين موضعها في هذه الرواية بأنه قرب الخاصرة
فوق القميص من الجانب الأيمن، وفي الروايات المشار إليها آنفا توضع عند الترقوة، وقد
تقدم أن مذهب ابن أبي عقيل إن الموظف هنا جريدة واحدة، فهذه الروايات مما تشهد له
وإن أنكره الصدوق فيما تقدم من كلامه إلا أن المنقول عنه أنه جعل موضعها تحت إبطه
وهذه الروايات قد عينت موضعا آخر واختلفت فيه. وأنت خبير بأنه لم ينقل أحد منهم
دليلا على ما ذهب إليه الصدوقان بل اعترف في المدارك بأنه لم يقف على مأخذهما،
وفي المختلف تكلف الاستدلال على ذلك برواية يونس (3) ولا يخفى ما فيه من عدم
الانطباق بل الرواية المذكورة إنما تنطبق على مذهب الجعفي، والظاهر أن مستنده إنما
هو الفقه الرضوي على الطريقة التي عرفت وستعرف، حيث قال في الكتاب
المذكور (4): " ثم تضعه في أكفانه واجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته تلصقها
بجلده ثم تمد عليه قميصه والأخرى عند وركه، وروي أن الجريدتين كل واحدة بقدر
عظم ذراع تضع واحدة عند ركبتيه تلصق إلى الساق وإلى الفخذين والأخرى تحت
إبطه الأيمن ما بين القميص والإزار " انتهى. أقول: وبصدر هذه العبارة عبر الصدوق
في الفقيه بتغيير ما ومنه يعلم أن مستندهما إنما هو الكتاب المذكور، وأما الكيفية
التي نقلها (عليه السلام) وأسندها إلى الرواية فهي مطابقة لما دلت عليه رواية يونس

1) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب التكفين
2) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب التكفين
3) ص 7
4) ص 17
45

فيكون أيضا مستندا للجعفي فيما قدمنا نقله عنه، قال في المعتبر بعد ذكر الخلاف في
المسألة ونقل رواية جميل الأولى ورواية يحيى بن عبادة المرسلة (1) ما لفظه: " والروايتان
ضعيفتان لأن القائل في الأول مجهول والثانية مقطوعة السند، ومع اختلاف الأقوال
والروايات يجب الجزم بالقدر المشترك بينها وهو استحباب وضعها مع الميت في كفنه
أو في قبره بأي هذه الصور شئت " انتهى. واستحسنه في المدارك. أقول: أما ما ذكره من
الجزم بالقدر المشترك إلى آخره فمرجعه إلى التخيير بين ما دلت عليه هذه الأخبار وهو وجه
حسن في الجمع بينها. ولقد كان يغنيه التعبير بذلك عن الطعن فيها، فإن من جملة الأخبار
المذكورة - كما عرفت - صحيحتي جميل أو حسنتيه (2) اللتين لا يقصر وصفهما بالحسن
عن الالحاق بالصحيح وليس فيهما إلا الاضمار الذي قد صرح هو وغيره من المحققين بأنه
غير مضر ولا موجب للطعن. وبالجملة فالوجه في الجمع بينها هو التخيير. والله العالم.
(الرابع) اطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في استحباب
وضعهما مع الميت بين كونه صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا إقامة للشعار وإن كان ظاهر
التعليل يوهم خلاف ذلك إلا أن علل الشرع - كما أوضحناه في غير مقام - ليست عللا
حقيقية يدور المعلول مدارها وجودا وعدما وإنما هي معرفات. ألا ترى أنه ورد تعليل
وجوب العدة على المطلقة بالاستبراء من الحمل مع أنه لا يطرد ذلك في كل مطلقة
ولا متوفى عنها، وورد في تعليل استحباب غسل الجمعة بأن الأنصار كانت تعمل في
نواضحها فإذا حضروا الصلاة يوم الجمعة تأذى الناس بريح آباطهم فشكوا ذلك إليه
(صلى الله عليه وآله) فأمر بالغسل للجمعة (3) ونحو ذلك، وممن صرح بجواز وضع
الجريدتين مع الصغير والمجنون الشهيد في البيان، وهو جيد.

1) ص 40
2) ص 42 و 45
3) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
46

(الخامس) قد صرح الأصحاب بأنه لو كانت الحال حال تقية وضعها
حيث يمكن، ويدل عليه مرفوعة سهل بن زياد (1) قال: " قيل له جعلت فداك ربما
حضرني من أخافه فلا يمكن وضع الجريدة على ما رويتنا؟ فقال ادخلها حيث ما أمكن "
قال الشيخ في التهذيب: وروى هذا الحديث محمد بن أحمد مرسلا (2) وزاد فيه قال:
" فإن وضعت في القبر فقد أجزأه " وفي مكاتبة أحمد بن القاسم (3) " وأما الجريدة
فليستخف بها ولا يرونه وليجهد في ذلك جهده " وفي الفقه الرضوي (4) " وإن حضرك
قوم مخالفون فاجهد أن تغسله غسل المؤمن واخف عنهم الجريدة " أقول: ويعضده
ما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن الصادق (عليه
السلام) (5) قال: " سألته عن الجريدة توضع في القبر؟ قال: لا بأس " قال في الفقيه
بعد نقل الخبر المذكور مرسلا: " يعني أن لم توجد إلا بعد حمل الميت إلى قبره أو يحضره
من يتقيه فلا يمكنه وضعها على ما روي فيجعلها معه حيث أمكن " ولو نسيها فذكرها
بعد الدفن وضعها على القبر. ويؤيده ما رواه الصدوق مرسلا (6) قال: " مر رسول الله
(صلى الله عليه وآله) على قبر يعذب صاحبه فدعا بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة
عند رأسه والأخرى عند رجليه. قال: وروي أن صاحب القبر كان قيس بن فهد
الأنصاري وروى قيس بن نمير، وأنه قيل له لم وضعتهما؟ فقال إنه يخفف عنه العذاب
ما كانتا خضراوين ".
: (السادس) اطلاق الأخبار عدا الحديث النبوي المتقدم وكذا اطلاق كلام
أكثر الأصحاب يقتضي أن تكون الجريدة غير مشقوقة، وصرح بعض باستحباب
الشق للحديث النبوي، والأظهر الأول، استظهره في المدارك أيضا نظرا إلى التعليل
واستضعافا لرواية الشق.

1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التكفين
3) المروية في الوسائل في الباب 7 من أبواب التكفين
4) ص 17
5) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التكفين
6) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التكفين
47

ثم إنه قد ذكر بعض الأصحاب أيضا استحباب وضع القطن على الجريدتين.
ولم أقف فيه على نص، ولعله لاستبقاء الرطوبة، وفيه أن الخبر المتقدم يدل على أن العذاب
والحساب إنما هو ساعة رجوع المشيعين للميت وجفافهما في هذا الوقت بعيد جدا.
ومنها أن يطوى جانب اللفافة الأيسر على الأيمن والأيمن على الأيسر،
قال في الفقيه في كيفية التكفين: " ثم يلفه في إزاره وحبرته ويبدأ بالشق الأيسر فيمده
على الأيمن ثم يمد الأيمن على الأيسر وإن شاء لم يجعل الحبرة معه حتى يدخله قبره فيلقيه
عليه " وهذه الكيفية مشهورة بين الأصحاب واعترف كثير منهم بعدم النص عليها،
قال في المدارك: " ولعل وجهه التيمن والتبرك " أقول: لا ريب أن الصدوق إنما أخذ
هذا الحكم من الفقه الرضوي على ما عرفت وستعرف إن شاء الله تعالى. وربما كان
أيضا في رسالة أبيه إليه إلا أنه لا يحضرني الآن نقل ذلك عن الرسالة، والظاهر أن
الأصحاب تبعوا الصدوق في ذلك كما ذكرنا مثله في غير موضع، قال (عليه السلام)
في كتاب الفقه (1): " وتلفه في إزاره وحبرته وتبدأ بالشق الأيسر وتمد على الأيمن ثم تمد
الأيمن على الأيسر وإن شئت لم تجعل الحبرة معه حتى تدخله القبر فتلقيه عليه " وعبارة الصدوق
عين هذه العبارة كما ترى. وأما ما ذكره (عليه السلام) هنا من التخيير في تأخير الحبرة
عن التكفين فيها وأن تجعل معه بعد إدخاله القبر فتلقى عليه فقد ورد مثله في صحيحة
عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " البرد لا يلف به ولكن
يطرح عليه طرحا فإذا ادخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه " إلا أن هذه
الصحيحة دلت على أنه يوضع تحت جنبه، قال في الذكرى: " وذهب بعض الأصحاب
إلى أن البرد لا يلف ولكن يطرح عليه طرحا وإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت
جنبه وهو رواية ابن سنان " انتهى. قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين
ولا يبعد القول بالتخيير.

1) ص 17
2) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين
48

ومنها ما رواه أبو كهمس (1): " أن الصادق (عليه السلام) كتب في
حاشية الكفن: إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله " والأصحاب ذكروا استحباب ذلك
على الحبرة واللفافة والقميص والعمامة والجريدتين، وزاد ابن الجنيد " وأن محمدا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) " وزاد الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف وابن
البراج أسماء النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) وظاهره في الخلاف دعوى الاجماع
عليه. وذكروا أن الكتابة بتربة الحسين (عليه السلام) ومع عدمها بطين وماء ومع
عدمه بالإصبع، وفي المسائل الغرية للشيخ المفيد (قدس سره) بالتربة أو غيرها من الطين،
وابن الجنيد بالطين والماء، ولم يعين ابن بابويه ما يكتب به. واشترط جملة من الأصحاب
التأثير في الكتابة لأنه المعهود. أقول: وما ذكروه من زيادة ما يكتب وما يكتب به
وما يكتب عليه وإن كان خاليا من النص على الخصوص إلا أن التيمن والتبرك بأسمائهم
كاف في أمثال ذلك. ومما يستأنس به للكتابة بالتربة الحسينية ما رواه الطبرسي في
الاحتجاج في التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة في أجوبة مسائل الحميري (2)
" أنه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب (عليه
السلام) يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله تعالى. وسأل فقال روي لنا عن
الصادق (عليه السلام) أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه: إسماعيل يشهد أن لا إله إلا
الله. فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أو غيره؟ فأجاب يجوز والحمد لله "
أقول: ومما يستحب أن يكتب على الكفن وإن لم أطلع على من قال به من
الأصحاب دعاء الجوشن الكبير كما نقله الكفعمي في كتاب جنة الأمان رواه عن السجاد
(عليه السلام) (3) والقرآن بتمامه إن أمكن وإلا فيما تيسر منه لما رواه الصدوق في العيون

1) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 12 و 29 من أبواب التكفين
3) وهو ما رواه في الكتاب المذكور عن السجاد زين العابدين عن أبيه عن جده
عن النبي " صلى الله عليه وآله " قال: نزل جبرئيل على النبي " صلى الله عليه وآله " في
بعض غزواته وعليه جوشن ثقيل آلمه ثقله فقال يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك
اخلع هذا الجوشن واقرأ هذا الدعاء فهو أمان لك ولأمتك، وساق الحديث إلى أن قال:
ومن كتبه على كفنه استحى الله أن يعذبه بالنار، وساق الحديث إلى أن قال: قال الحسين
" عليه السلام " أوصاني أبي " عليه السلام " بحفظ هذا الدعاء وتعظيمه وأن أكتبه على
كفنه ثم ذكر دعاء الجوشن الكبير " منه " قدس سره "
49

بسنده عن الحسن بن عبد الله الصيرفي عن أبيه (1) في حديث " أن موسى بن جعفر (عليه السلام)
كفن بكفن فيه حبرة استعملت له بمبلغ ألفين خمسمائة دينار وكان عليها القرآن كله "
ومنها - أن يكون الكفن قطنا وأن يكون أبيض إلا الحبرة، أما استحباب
كونه قطنا ففي المعتبر أنه مذهب العلماء كافة، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن
أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون
به والقطن لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) " ورواه الصدوق مرسلا. وأما ما يدل على
كونه أبيض فأخبار عديدة: منها - ما رواه في الكافي في الموثق عن ابن القداح عن
الصادق (عليه السلام) (3) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألبسوا
البياض فإنه أطيب وأطهر كفنوا فيه موتاكم " وعن جابر عن الباقر (عليه السلام) (4)
قال: " قال النبي (صلى الله عليه وآله) ليس من لباسكم شئ أحسن من البياض فالبسوه
وكفنوا فيه موتاكم " وأما ما يدل على الحبرة وأنها ليست ببياض فروايات عديدة
قد تقدم بعضها، ومنها - ما رواه أبو مريم الأنصاري في الصحيح (5) قال: " سمعت
أبا جعفر (عليه السلام) يقول كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاثة أثواب:

1) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب التكفين
4) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب التكفين
5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
50

برد أحمر حبرة وثوبين أبيضين صحاريين، ثم قال: وقال إن الحسن بن علي (عليهما
السلام) كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة وأن عليا (عليه السلام) كفن سهل بن
حنيف في برد أحمر حبرة " (1)
ومنها - أن يخاط الكفن بخيوط منه، قاله الشيخ في المبسوط والأصحاب
على ما نقله في الذكرى، وقال في المدارك: " ذكره الشيخ وأتباعه ولا أعرف
مستنده " انتهى. وهو كذلك.
ومنها - أن يسحق الكافور بيده ويجعل ما يفضل من مساجده على صدره
كذا ذكره الأصحاب، أما الحكم الأول فقال في المعتبر بعد نقله عن الشيخين:
ولم أتحقق مستنده، قال: وأما وضع ما يفضل من المساجد على صدره فقد ذكره
جماعة من الأصحاب. قال في المدارك: " ويمكن أن يستدل عليه بحسنة الحلبي
عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " إذا أردت أن تحنط الميت فاعمد إلى الكافور
فامسح به آثار السجود منه ومفاصله كلها ورأسه ولحيته وعلى صدره من الحنوط " ثم
قال لكن لا يخفى أن هذه الرواية إنما تضمنت الأمر بوضع شئ من الكافور على
الصدر لا اختصاصه بالفاضل " أقول: ومثل حسنة الحلبي المذكورة رواية زرارة المتقدم
ذكرها (3) في مسألة وضع الحنوط حيث قال فيها: " واجعل في فيه ومسامعه ورأسه
ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه " إلا أن الظاهر أن من قال بهذا الحكم إنما تبع فيه
الصدوق في الفقيه حيث ذكر ذلك، وقد قدمنا عبارته في صدر المسألة الثانية، والصدوق

1) أقول: ما اشتمل عليه هذا الخبر من أن الحسن " عليه السلام " كفن أسامة
ابن زيد لا يخلو من اشكال لما ذكره الذهبي في تأريخه وكذا ابن حجر وغيرهما من أرباب
السير أن أسامة بن زيد مات سنة أربع وخمسين والحسن " عليه السلام " توفي سنة خمسين
أو سبع وأربعين، وعلى هذا فلعل المكفن إنما هو الحسين " عليه السلام " ويكون الحسن
" عليه السلام " دفع الحبرة إلى أسامة قبل موته ليجعلها في كفنه. منه " قدس سره ".
2) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التكفين
3) ص 23
51

إنما أخذه من الفقه الرضوي حيث ذكر (عليه السلام) ذلك وقد تقدمت عبارته في
صدر المسألة المشار إليها (1) ومنه يعلم وجود المستند كما في جملة من الأحكام التي اختص
هذا الكتاب بمستنداتها.
ومنها - أن ينثر على الحبرة واللفافة والقميص ذريرة. قال في المعتبر: " وقد
اتفق العلماء كافة على استحباب تطييب الكفن بالذريرة " أقول: ويدل على ذلك من
الأخبار ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة عن الصادق (عليه السلام) (2) قال "
" إذا كفنت الميت فذر على كل ثوب شيئا من ذريرة وكافور " وقد تقدم في موثقة عمار (3)
" ويطرح على كفنه ذريرة " وأما الذريرة فقد تقدم الكلام في بيان معناها في
مستحبات الغسل.
ومنها - تجويد الكفن لما روي (4) من أنهم يتباهون يوم القيامة بأكفانهم،
قال في المنتهى: ويستحب اتخاذ الكفن من افخر الثياب وأحسنها ثم قال في مسألة
أخرى: ويستحب أن يكون بالجديد بلا خلاف.
أقول: ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن
يعقوب (5) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن أبي أوصاني عند الموت يا جعفر
كفني في ثوب كذا وكذا واشتر لي بردا واحدا وعمامة وأجدهما فإن الموتى يتباهون
بأكفانهم " وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض
أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (6) قال: " أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم "
وعن أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام) (7) قال: " تنوقوا في الأكفان فإنكم
تبعثون بها " وقد تقدم في حديث يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول (8)
" أنه سمعه يقول كفنت أبي في برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة

1) ص 23
2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب التكفين
3) ص 9
4) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التكفين
5) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التكفين
6) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التكفين
7) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التكفين
8) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التكفين
52

دينار " وفي العلل بسنده عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا يرفعه إلى الصادق (عليه
السلام (1) قال: " أجيدوا أكفان موتاكم فإنها زينتهم " وفي كتاب العلل بسنده
عن يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " أوصاني أبي بكفنه فقال لي
يا جعفر اشتر لي بردا وجوده فإن الموتى يتباهون بأكفانهم " ويؤيد ذلك ما تقدم (3)
من الخبر الدال على أن موسى بن جعفر (عليه السلام) كفن في حبرة استعملت
بمبلغ ألفين وخمسمائة دينار وعليها القرآن كله.
ومنها - وضع التربة الحسينية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام والتحية في حنوط
الميت، لما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (4) قال: " كتبت
إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب
(عليه السلام) وقرأت التوقيع ومنه نسخت: يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه
إن شاء الله تعالى " ورواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري
عن أبيه عن صاحب الزمان (عليه السلام). والمراد بالطين هو طين قبر الحسين (عليه
السلام). كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى في باب الدفن.
(المسألة الخامسة) - من المكروهات في هذا المقام أن يكفن بالسواد،
قال في المنتهى: " لا نعرف فيه خلافا " ويدل على ذلك ما رواه الشيخ عن الحسين بن
المختار عن الصادق (عليه السلام) (5) قال: " لا يكفن الميت في السواد " وعن الحسين
ابن المختار (6) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يحرم الرجل في ثوب أسود؟ قال
لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به " وربما عدي الحكم إلى كل صبغ كما يفهم
من الذكرى حيث قال: ويكره في السواد بل وكل صبغ على الأصح، قال: وعليه
تحمل رواية الحسين بن المختار (7) " لا يكفن الميت في السواد " وظاهره حمل السواد

1) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التكفين
3) ص 50
4) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التكفين
5) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التكفين
6) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التكفين
7) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التكفين
53

هنا على ما يعم كل صبغ، والظاهر بعده. ثم إنه (قدس سره) نقل عن ابن البراج أنه
منع من المصبوغ ونقل الكراهة في الأسود وكذا منع الممتزج بالحرير وبما فيه أوله
طراز من حرير ومن القميص المبتدأ للكفن إذا خيط، ثم قال: والأقرب الكراهية
للأصل ولصحة الصلاة ولخبر الحسين بن راشد. انتهى. أشار بخبر الحسين بن راشد
إلى ما قدمناه عنه (1) من سؤاله عن الثياب التي تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني
من قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال: " إذا كان القطن أكثر من
القز فلا بأس ".
ومن ذلك - الكتان أيضا لما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يزيد عن
عدة من أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " لا يكفن الميت في كتان ".
ومنها - الطيب، والمشهور بين الأصحاب كراهته مسكا كان أو غيره وظاهر الصدوق
جوازه بل استحبابه، قال في الفقيه (3) بعد ذكر حديث تكفين النبي (صلى الله عليه وآله)
" وروي أنه حنط بمثقال من مسك سوى الكافور ". وروى في خبر آخر (4) قال:
" سئل أبو الحسن الثالث (عليه السلام) هل يقرب إلى الميت المسك والبخور؟ قال نعم ".
أقول: والأخبار في المقام مختلفة كما سيظهر لك ولكن لما كان استحباب الطيب
للميت مشهورا عند العامة (5) فإنه يجب حمل ما دل على ذلك على التقية، فمما يدل على
ما ذكره الصدوق ما نقله من الروايتين المذكورتين، وما رواه في التهذيب عن مغيرة
مؤذن بني عدي عن الصادق (عليه السلام) (6) قال: " غسل علي بن أبي طالب (عليه

1) ص 17
2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
5) كما في المغني ج 2 ص 468 والبحر الرائق ج 2 ص 173 والبداية لابن رشد
المالكي ج 1 ص 213
6) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التكفين
54

السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدأ بالسدر والثانية بثلاثة مثاقيل من كافور
ومثقال من مسك ودعا بالثالثة قربة مشدودة الرأس فأفاضها عليه ثم أدرجه ".
ومما يدل على القول المشهور ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه
السلام) (1) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم
بالطيب إلا بالكافور فإن الميت بمنزلة المحرم " رواه الصدوق في العلل والخصال عن أبي بصير
ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) مثله. وما رواه الحميري في قرب الإسناد عن
محمد بن عبد الله الجعفري (2) قال: " رأيت جعفر بن محمد (عليهما السلام) ينفض بكمه
المسك على الكفن ويقول ليس هذا من الحنوط في شئ " وما رواه في الكافي عن
يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) قال (3): " لا يسخن
للميت الماء لا يعجل له النار ولا يحنط بمسك " ومما يؤيد ما ذكرناه من حمل الأخبار
الأولة على التقية ما رواه في الكافي عن داود بن سرحان (4) قال: " مات أبو عبيدة
الحذاء وأنا بالمدينة فأرسل إلي أبو عبد الله (عليه السلام) بدينار وقال اشتر بهذا حنوطا
واعلم أن الحنوط هو الكافور ولكن اصنع كما يصنع الناس. قال فلما مضيت اتبعني
بدينار وقال اشتر بهذا كافورا " أقول: الظاهر أن الدينار الأول للحنوط الذي يحنط
به الناس وهو ما يتخذه العامة من الكافور المخلوط بأنواع الطيب والدينار الثاني للكافور
خاصة ليكون جامعا بين السنة والتقية. ويؤكد ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب في
الصحيح عن داود بن سرحان (5) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) في كفن
أبي عبيدة الحذاء إنما الحنوط الكافور ولكن اذهب فاصنع كما يصنع الناس " وقال في
الفقه الرضوي (6): " وروي أنه لا يقرب الميت من الطيب شيئا ولا البخور إلا الكافور
فإن سبيله سبيل المحرم. وروي اطلاق المسك فوق الكفن وعلى الجنازة لأن في ذلك

1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
6) ص 20
55

مكرمة الملائكة فما من مؤمن يقبض روحه إلا تحضر عنده الملائكة. وروي أن
الكافور يجعل في فيه وفي مسامعه وبصره ورأسه ولحيته وكذلك المسك وعلى صدره
وفرجه " أقول: لا يبعد أن يكون اقتصاره (عليه السلام) على نقل الروايات في المقام
من غير أن يفتي بشئ منها خرج أيضا مخرج التقية. قال في الذكرى: وأما المسك ففي
خبرين أرسلهما الصدوق: أحدهما أن النبي (صلى الله عليه وآله) حنط بمثقال من مسك
سوى الكافور، والآخر عن الهادي (عليه السلام) (1) أنه سوغ تقريب المسك والبخور
إلى الميت، ويعارضهما مسند محمد بن مسلم ثم ساق الرواية المتقدمة ثم قال: وخبر غياث
ابن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) أن أباه كان يجمر الميت بالعود " ضعيف
السند. انتهى. أقول: لا حاجة إلى الطعن بضعف السند بل ولو كان صحيح السند
فإن سبيله التقية التي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية، ويؤيد ما ذكرنا تأكيدا
ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن المغيرة عن غير واحد عن
الصادق (عليه السلام) (2) قال: " الكافور هو الحنوط " وبالجملة الظاهر عندي
هو القول المشهور للأخبار المذكورة ونحوها، وما عارضها هنا محمول على التقية. والله العالم
ومنها - التجمير وأصحابنا جميعا عدا الصدوق على الكراهة، قال في المنتهى:
" ذهب أكثر علمائنا إلى كراهية تجمير الأكفان، وقال ابن بابويه يجمر الكفن،
وهو قول الجمهور " أقول: والأخبار هنا أيضا مختلفة ولكن سبيل هذه المسألة سبيل
سابقتها في حمل ما دل على جواز ذلك على التقية (3) فمن الأخبار الدالة على الجواز
ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (4) " أنه
كان يجمر الميت بالعود فيه المسك وربما جعل على النعش الحنوط وربما لم يجعله وكان يكره
أن يتبع الميت بالمجمرة " وعن عبد الله بن سنان في الحسن عن الصادق (عليه السلام) (5)

1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
3) كما في البحر الرائق ج 2 ص 177 والمهذب ج 1 ص 130 والمغني ج 2 ص 464
4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
56

قال: " لا بأس بدخنة كفن الميت وينبغي للمرء المسلم أن يدخن ثيابه إذا كان يقدر " ومما
يدل على النهي عنه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض
أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " لا يجمر الكفن " وما تقدم في سابق
هذه المسألة من رواية محمد بن مسلم (2) وعن السكوني عن الصادق (عليه السلام) (3) "
أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن تتبع جنازة بمجمرة " وبهذا الاسناد عن
الصادق (عليه السلام) (4) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن يوضع على
النعش الحنوط " وفي الصحيح عن أبي حمزة (5) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام):
لا تقربوا موتاكم النار يعني الدخنة " وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (6) قال: " إذا أردت أن تحنط الميت، إلى أن
قال: وقال أكره أن يتبع بمجمرة ".
ومنها - اتخاذ الأكمام للقميص المبتدأ فأما إذا كان لبيسا فلا بأس، ويدل على
ذلك ما رواه الشيخ عن محمد بن سنان عمن أخبره عن الصادق (عليه السلام) (7)
قال: " قلت له الرجل يكون له القميص أيكفن فيه؟ فقال اقطع أزراره. قلت وكمه؟
قال إنما ذاك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كما فأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا تقطع منه
إلا الأزرار " ورواه في الفقيه مرسلا. وروى في التهذيب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل
ابن بزيع (8) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) أن يأمر لي بقميص أعده لكفني
فبعث به إلي فقلت كيف أصنع؟ قال إنزع أزراره " وروى الصدوق مرسلا قال:
(قال الصادق (عليه السلام) ينبغي أن يكون القميص للميت غير مكفوف ولا مزرور "

1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
2) ص 55
3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
4) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب التكفين
5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
6) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
7) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب التكفين
8) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب التكفين
9) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب التكفين
57

وروى الصدوق في العلل بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (1)
في حديث قال: " إن فاطمة بنت أسد أوصت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقبل وصيتها فلما ماتت نزع قميصه وقال كفنوها فيه " وروى في الكتاب المذكور بسنده
فيه عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده (2) في حديث: " أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) دفن فاطمة بنت أسد وكفنها في قميصه ونزل في قبرها وتمرغ في لحدها "
وروى في المجالس بسنده عن عباية بن ربعي عن عبد الله بن عباس في حديث وفاة فاطمة
بنت أسد أم أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) قال: " قال النبي (صلى الله عليه وآله)
لعلي خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها " وربما
دلت هذه الأخبار الثلاثة باطلاقها على جواز الكفن في القميص الملبوس بأزراره حيث لم
يتعرض فيها لذكر قطع الأزرار، ولا يبعد أن يكون لخصوصية من الطرفين، إلا أنه يمكن
أن يقال إن الغرض من سياقها إنما هو بيان تشريفه (صلى الله عليه وآله) لها (رضي الله
عنها) بتكفينها في قميصه لا بيان جواز التكفين في القميص حتى يكون الاخلال بذكر
ذلك موجبا لعدمه من حيث إن المقام مقام البيان، وحينئذ فيكون اطلاقها مقيدا بما مر
من تلك الأخبار.
ومنها - ما ذكره الأصحاب من أنه يكره جعل الحنوط في سمعه وبصره للأخبار
المتقدمة الدالة على النهي عن ذلك، حيث إنهم (رضوان الله عليهم) - كما قدمنا نقله
عنهم - قد جمعوا بين الأخبار الدالة على جواز وضع الحنوط في هذه المواقع والأخبار
الدالة على النهي بالجواز على كراهة، وأما على ما قدمنا ذكره من أن الأظهر حمل أخبار
الجواز على التقية فإنه تبقى أخبار النهي سالمة عن المعارض والنهي حقيقة في التحريم ولا
موجب لاخراجه عن حقيقته. قال في المدارك - بعد قول المصنف: وأن يجعل في سمعه
وبصره شئ من الكافور - ما ملخصه: هذا قول الأكثر ويدل عليه قوله (عليه

1) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب التكفين
58

السلام) في رواية يونس: " ولا تجعل في منخريه. " ثم ذكر تمام الرواية وقد تقدمت (1)
ثم قال وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) قال: " لا تجعل في مسامع الميت
حنوطا " ثم قال وفي الرواية الأولى إرسال وفي الثانية قطع، ثم نقل كلام الصدوق في
الفقيه وقال: ولعل مستنده صحيحة عبد الله بن سنان ثم ساق الرواية كما قدمنا (3) ثم
نقل موضع الاستدلال من موثقة سماعة المتقدمة وخبر عمار (4) الدالين على مذهب
الصدوق ثم قال: وحمل المصنف هذه الروايات في المعتبر على الجواز وتلك على الكراهة
وهو بعيد لأن الأمر ظاهر في الوجوب أو الاستحباب. انتهى. أقول: فيه (أولا) أن
ما طعن به في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله - من أنها مقطوعة حيث نقلها في كتابه
عارية الاسناد إلى الإمام (عليه السلام) - عجيب فإنها في كتب الأخبار مسندة إلى
الصادق (عليه السلام) كما قدمنا ذكره. و (ثانيا) - أن مقتضى القاعدة المنصوصة
في مقام اختلاف الأخبار هو العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه والعامة هنا
متفقون على استحباب وضع الحنوط في هذه المواضع التي اختلفت فيها الأخبار (5) فكيف
يمكن التمسك بالأمر فيها في الدلالة على وجوب أو استحباب؟ ولكنه (قدس سره) إنما
يدور مدار السند فمتى صح سند الرواية جمد عليه ولا ينظر إلى ما في ذلك من العلل الآخر
ولا ما يترتب عليه من الضرر من مخالفة القواعد المأثورة أو علة أخرى في متن
ذلك الخبر.
ومنها - ما ذكره جمع من الأصحاب من أنه يكره أن يكتب على الكفن
بالسواد، قال في المعتبر: " ذكر ذلك الشيخ في المبسوط والنهاية وهو حسن لأن في
ذلك نوع استبشاع وأن وظائف الميت متلقاة من الشارع فتقف على الدلالة ".
ومنها - بل الخيوط التي يخاط بها الكفن بالريق، قال في المعتبر: " ذكره

1) ص 7
2) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب الحنوط
3) ص 23
4) ص 22
5) كما في المغني ج 1 ص 466 والمهذب ج 1 ص 130
59

الشيخ ورأيت الأصحاب يجتنبونه ولا بأس بمتابعتهم لإزالة الاحتمال ووقوفا على موضع
الوفاق " قال في الذكرى: " أما بلها بغير الريق فالظاهر عدم الكراهة للأصل ولاشعار
التخصيص بالريق إباحة غيره " أقول: لا يخفى ما في هذا الكلام من المجازفة الظاهرة،
فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف الحكم به والفتوى على الدليل الواضح، مع أنهما
(قدس سرهما) ولا سيما المحقق كثيرا ما يخرجون عما عليه الأصحاب مع وجود الأدلة
لكلام الأصحاب بزعم أن الرواية التي هي مستند الأصحاب ضعيفة فكيف يوافقونهم
هنا مع اعترافهم بعدم الدليل بالمرة؟ وحينئذ فإن أراد المحقق المذكور بقوله: " ولا بأس
بمتابعتهم " يعني في العمل بذلك بأن لا يبل الخيوط بالريق فلا بأس به وإن أراد في
الحكم بالكراهة والفتوى بها فهو محل الاشكال لما عرفت. وأما قوله في الذكرى:
" ولاشعار التخصيص بالريق إباحة غيره " فإن فيه أن هذا الاشعار إنما يكون حجة لو
كان الدليل المشعر بذلك دليلا شرعيا والأمر هنا ليس كذلك، وقضية الأصل الذي
يتمسكون به في غير مقام هو الإباحة مطلقا إلى أن يقوم الدليل على المنع.
ومنها - ما ذكروه من قطع الكفن بالحديد، ذكر ذلك الشيخان في النهاية
والمبسوط والمقنعة والرسالة الغرية، وقال في التهذيب: " سمعنا ذلك مذاكرة من الشيوخ وكان
عملهم عليه " قال في المعتبر بعد نقل ذلك: " قلت ويستحب متابعتهم تخلصا من الوقوع
فيما يكره " أقول: والكلام في هذه المسألة كما في سابقتها، ثم أقول ونحن في الموضعين
نعمل على مقالتهم ونجري على منوالهم وإن لم نحكم بما حكموا به من الكراهة وخطابنا
غير خطابهم.
خاتمة تشتمل على مسائل:
(الأولى) - لو خرج من الميت نجاسة بعد الغسل فههنا صور: (الأولى) - أن
تلاقي جسده خاصة، والمشهور أنه يجب إزالتها خاصة ولا يجب إعادة الغسل، وذهب ابن
60

أبي عقيل إلى وجوب إعادة الغسل، وهو ضعيف مردود بالأخبار، وقد تقدم القول في
ذلك في آخر المسألة التاسعة في مستحبات الغسل (1)
(الثانية) - أن تلاقي مع ذلك كفنه قبل وضعه في القبر، والمنقول عن
الصدوقين وأكثر الأصحاب وجوب غسلها ما لم يطرح في القبر وقرضها بعده، والمنقول
عن الشيخ وجوب قرضها مطلقا، ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن
عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " إذا
خرج من الميت شئ بعدما يكفن فأصاب الكفن قرض منه " وما رواه الشيخ في الحسن
عن الكاهلي عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " إذا خرج من منخر الميت الدم
أو الشئ بعد ما يغسل فأصاب العمامة أو الكفن قرض منه " ورواه الكليني عن الكاهلي
أيضا مثله (4) وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد عن غير
واحد من أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) (5) قال: " إذا خرج من الميت شئ
بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن " والأصحاب إنما استدلوا هنا
للقول المشهور - كما في المدارك والذخيرة - بأن في القرض اتلافا للمال وهو منهي عنه
فيقتصر في ذلك على محل الاتفاق، قال في المدارك بعد نقل القول بالتفصيل: " وهو
حسن لأن في القرض. إلى آخر ما ذكرناه " واعترضه في الذخيرة (6) بجواز

1) ج 3 ص 466
2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التكفين
5) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التكفين
4) أقول خبر الكاهلي قد نقله الشيخ بطريق صحيح عن الكاهلي وهو أحمد بن محمد
ابن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الكاهلي، ونقله أيضا بطريق آخر عن علي بن محمد عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر وعلي بن محمد هنا مشترك، والمنقول في الأصل هو
السند الصحيح إلى الكاهلي وهو ممدوح منه " قدس سره "
6) حيث قال: احتج الأولون بأن في القرض اتلاف المال وهو منهي عنه
فيقتصر في ذلك على محل الاتفاق، وفيه أن عموم الأخبار الآتية دال على القرض
فيخصص بها ما دل على تحريم اتلاف المال، ثم ذكر أخبار القرض " منه " قدس سره "
61

تخصيص ما دل على تحريم اتلاف المال بعموم الأخبار الدالة على القرض، قال في الذخيرة
بعد ذكر أخبار الغسل في الرد على ابن أبي عقيل في الصورة الأولى وأخبار القرض التي
في هذه الصورة: " ولا يخفي أن الجمع بين هذه الأخبار والأخبار السابقة الدالة على الغسل
ممكن بوجهين: (أحدهما) - تخصيص الأخبار السابقة بصورة لم تصب النجاسة الكفن
حملا للمطلق على المقيد. و (ثانيهما) - الحمل على التخيير. وأما التفصيل بما قبل الدفن
وما بعده فغير مستفاد من الأدلة " أقول: لا يخفى أن المستند فيما ذهب إليه الصدوق في
هذا المقام إنما هو الفقه الرضوي حيث قال (عليه السلام) فيه (1): " فإن خرج منه شئ
بعد الغسل فلا تعد غسله ولكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده
فإن خرج منه شئ في لحده لم تغسل كفنه ولكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي
خرج منه ومددت أحد الثوبين على الآخر " وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه
بتغيير ما. ونقل في المعتبر عن علي بن بابويه القول بذلك في الرسالة إلا أنه لا يحضرني
الآن عبارته (2) والأصحاب قد اقتفوا أثرهما كما عرفت في غير موضع مما نبهنا عليه،
وبذلك يزول الاشكال ويجمع بين أخبار الغسل وأخبار القرض ويظهر ما في كلام
صاحب الذخيرة، إلا أن عذره ظاهر حيث لم يقف على دليل التفضيل. والله الهادي
إلى سواء السبيل.
(الثالثة) - أن تلاقي كفنه بعد وضعه في قبره، وقد عرفت الاتفاق هنا

1) ص 17
2) قال قدس سره: " فإن خرج منه شئ بعد الغسل فلا يعاد غسله ولكن يغسل
ما أصاب الكفن إلى أن يوضع في اللحد فإن خرج منه شئ في اللحد لم يغسل كفنه ولكن
يقرض من كفنه ما أصاب الشئ الذي خرج منه ويمد أحد الثوبين على الآخر انتهى
العبارة بتغيير يسير منه " قدس سره "
62

على القرض من الكفن. بقي الكلام في نجاسة الجسد، والظاهر من كلامهم اغتفارها
في هذه الصورة فإنه من الظاهر أن النجاسة لا تتعدى إلى الكفن حتى ينجس بها الجسد
مع أنهم لم يتعرضوا للكلام فيها، وكذا عبارة الفقه الرضوي التي هي المستند في التفصيل
إنما دلت على قرض الكفن خاصة وأما تطهير جسد الميت في قبره أو اخراجه منه
وتطهيره فلا تعرض فيها له، والروايات الدالة على الغسل كأنها محمولة عندهم على ما قبل
الوضع في القبر كما هو ظاهر سياقها. وبما حققناه في المقام يظهر ما في كلام صاحب
المدارك في هذا المقام من المجازفة التي لا تخفى على ذوي الأفهام، حيث قال بعد نقل حسنة
الكاهلي وردها بعدم توثيق الكاهلي ونقل صحيحة ابن أبي عمير وأحمد بن محمد وطعنه
فيها بالارسال: " ولولا تخيل الاجماع على هذا الحكم لأمكن القول بعدم وجوب
القرض والغسل مطلقا تمسكا بمقتضى الأصل واستضعافا للرواية الواردة بذلك " انتهى.
أقول: لا يخفى أنه قد رد الاجماع في غير موضع مع التصريح به فكيف يستند هنا إلى
مجرد تخيله؟ على أن الروايات المذكورة من أقوى الأدلة وأمتنها، أما رواية الكاهلي
فهي معدودة في الحسن عند أصحاب هذا الاصطلاح والقسم الحسن معمول عليه بينهم
وأما رواية ابن أبي عمير فهي صحيحة وارساله لها غير مناف للصحة عند أرباب هذا
الاصطلاح، ومثلها مرسلته بمشاركة أحمد بن محمد بن أبي نصر الذي قد عد ممن أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصبح عنه، مع أن هذه العبارة وهو قولهما " عن غير واحد " مما
ينادي باستفاضة النقل المذكور وشهرته، هذه العبارة أقوى دلالة على الصحة من التعبير
برجل ثقة، ولهذا أن صاحب الذخيرة الذي من عادته اقتفاء أثره تنظر في كلامه
هنا. والله العالم.
(المسألة الثانية) - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن كفن المرأة على زوجها
بل ادعى عليه الشيخ في الخلاف الاجماع، وعلله العلامة في التذكرة بثبوت الزوجية إلى حين
الوفاة وبأن من وجبت نفقته وكسوته حال الحياة وجب تكفينه كالمملوك فكذا الزوجة.
63

وعلله المحقق في المعتبر بأن الزوجية باقية إلى حين الوفاة ومن ثم حل تغسيلها ورؤيتها وجاز
ميراثها فتجب مؤنتها لأنها من أحكام الزوجية والكفن من جملة ذلك. ولا يخفى
ما في هذه التعليلات العليلة من عدم الصلاح لتأسيس الأحكام الشرعية وإن ادعوها
أدلة عقلية وقدموها على السمعية. ويرد على ما ذكروه هنا من ثبوت الزوجية إلى حين
الوفاة مع عدم دلالة ما قبل الوفاة على ما بعدها، أما المطابقة والتضمن فظاهر، وأما
الالتزام فلعدم الملازمة فيما ذكر لاستلزام الموت عدم كثير من أحكام الزوجية ولهذا
جاز له التزويج أختها والخامسة. وما ذكره في التذكرة - من أن من وجبت نفقته وكسوته
حال الحياة وجب تكفينه منقوض بواجب النفقة من الأقارب فإنه لا يجب تكفينهم
على القريب وإن وجبت نفقتهم حال الحياة، على أنه لو تم لاقتضى اختصاص الحكم
بالزوجة الدائمة الممكنة فلا يجب للمتمتع بها ولا الناشز مع أن ظاهرهم خلافه، فالواجب
الرجوع إلى الأخبار:
ويدل عليه منها ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (1)
" أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: على الزوج كفن امرأته إذا ماتت "
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال (عليه السلام): كفن المرأة على
زوجها إذا ماتت " وصاحب المدارك لما أورد رواية السكوني تنظر فيها من حيث ضعف
السند، ثم قال: والأجود الاستدلال على ذلك بما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن
ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " ثمن الكفن
من جميع المال، وقال كفن المرأة على زوجها إذا ماتت " والظاهر أن قوله " وقال عليه
السلام " إنما هو رواية مرسلة لا تعلق لها بالصحيحة المذكورة كما هي قاعدته في الكتاب
المذكور، ويؤيده أن الكليني رواها في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد

1) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب التكفين
2) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب التكفين
3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب التكفين
64

عن الحسن بن محبوب إلى آخر السند خالية من هذه الزيادة، والشيخ رواها في التهذيب
تارة عن أحمد إلى آخر السند وتارة أخرى عن الحسن بن محبوب إلى آخر السند خالية من
ذلك أيضا، والعجب هنا أنه قد سرى هذا الوهم إلى جملة من المتأخرين كشيخنا البهائي في
الحبل المتين وصاحب الوسائل اغترارا بكلام صاحب المدارك، ولا يخفى على من عرف عادة
الصدوق في الكتاب المذكور أنه إن لم يكن ما ذكرناه أقرب فلا أقل أن يكون مساويا في
الاحتمال وبه لا يتم الاستدلال، ولم أر من تقطن لما ذكرناه إلا الفاضل الخراساني في الذخيرة
مع اقتفائه غالبا أثر صاحب المدارك.
فروع
(الأول) - قد صرح جمع من الأصحاب بوجوب مؤنة التجهيز أيضا على
الزوج كالحنوط والسدر والكافور وماء الغسل وغيره من الواجب، قال في المبسوط:
" يلزم زوجها كفنها وتجهيزها ولا يلزم ذلك في مالها " وبه صرح ابن إدريس والعلامة
في النهاية وغيرهم، وتوقف في هذا الحكم في المدارك، وهو في محله.
(الثاني) - اطلاق الخبر وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في الزوجة بين
الدائم والمستمع بها ولا بين المطيعة والناشز ولا بين الحرة والأمة، واحتمل في المدارك
اختصاصه بالدائم لأنها التي ينصرف إليها الذهن عند الاطلاق، وقال في الذكرى:
" لا فرق بين الحرة والأمة في ذلك وكذا المطلقة الرجعية، أما الناشز فالتعليل بالانفاق
ينفي وجوب الكفن واطلاق الخبر يشمله وكذا المستمع بها ".
(الثالث) - قالوا ولا يلحق بالزوجة غيرها من واجبي النفقة إلا المملوك فإن
كفنه على مولاه للاجماع عليه وإن كان مدبرا أو مكاتبا مشروطا أو مطلقا لم يتحرر منه
شئ أو أم ولد، ولو تحرر منه شئ فبالنسبة.
(الرابع) - ما ذكر من وجوب الكفن أو المؤنة كملا على الزوج مشروط
65

بيساره ولو بإرثه من تركتها فلو أعسر بأن لا يفضل ماله عن قوت يوم وليلة وما يستثنى
في الدين كفنت من تركتها، إن كان لها مال، صرح به العلامة وغيره، ولو أعسر عن
البعض أكمل من تركتها، كل ذلك مع عدم وصيتها به. أما لو أوصت بالكفن الواجب
كانت الوصية من ثلثها وسقط عنه إن نفذت.
(الخامس) - قال في المنتهي: " لو أخذ السيل الميت أو أكله السبع وبقي
الكفن كان للورثة دون غيرهم إلا أن يكون قد تبرع به رجل فإنه يعود إليه " انتهى.
وهو جيد. وإنما الاشكال فيما لو كفن الرجل زوجته ثم ذهبت وبقي الكفن فهل يعود
إلى الزوج أو يكون ميراثا لورثتها؟ اشكال ينشأ من ثبوت استحقاقها له فيرجع إلى
ورثتها ومن عدم الجزم بخروج عن ملك الزوج فيكون له.
(المسألة الثالثة) - قد صرح الأصحاب بأن كفن الرجل يؤخذ من أصل تركته
مقدما على الدين والوصايا، والمستند فيه روايات عديدة: منها - ما تقدم من صحيحة عبد الله
ابن سنان (1) وما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة في الصحيح (2) قال: " سألته عن رجل
مات وعليه ودين بقدر ثمن كفنه؟ قال يجعل ما ترك في ثمن كفنه إلا أن يتجر عليه بعض
الناس فيكفنونه ويقضى ما عليه مما ترك " وعن السكوني عن الصادق (عليه السلام) (3)
قال: " أول شئ يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث ".
ولو لم يكن له مال دفن عاريا ولا يجب على المسلمين بذل الكفن له وإن استحب
كما تقدمت الأخبار الدالة عليه في صدر المقصد، ويجوز تكفينه من الزكاة كما نص
عليه جمع من الأصحاب. ويدل عليه ما رواه الشيخ عن الفضل بن يونس الكاتب
في الموثق (4) قال: " سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) فقلت له ما ترى في رجل

1) ص 64
2) رواه في الوسائل في الباب 27 من الكتاب الوصايا
3) رواه في الوسائل في الباب 28 من كتاب الوصايا
4) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب التكفين
66

من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفن به اشترى له كفنه من الزكاة؟ فقال اعط عياله من
الزكاة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الذين يجهزونه. قلت فإن لم يكن له ولد ولا أحد يقوم
بأمره فأجهزه أنا من الزكاة؟ فقال كان أبي يقول إن حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته
حيا فوار بدنه وعورته وجهزه وكفنه وحنطه واحتسب بذلك من الزكاة وشيع جنازته.
قلت فإن اتجر عليه بعض إخوانه بكفن آخر وكان عليه دين أيكفن بواحد ويقضى دينه
بالآخر؟ قال لا ليس هذا ميراثا تركه إنما هذا شئ صار إليه بعد وفاته فليكفنوه بالذي
اتجر عليه ويكون الآخر لهم يصلحون به شأنهم ".
ويستحب أن يكون الكفن من خالص الأموال وطهورها لما رواه الصدوق في الفقيه
مرسلا وفي العيون مسندا (1) " أن السندي بن شاهك قال لأبي الحسن موسى بن جعفر
(عليه السلام) أحب أن تدعني أن أكفنك؟ فقال إنا أهل بيت حج صرورتنا
ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا " ورواه المفيد في ارشاده (2) وزاد فيه
" وعندي كفني ".
(المقصد الرابع)
في الدفن، قال في المنتهى: " وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط
عن البعض الآخر وإن لم يقم به أحد لحق جميع من علم به الإثم والذم بلا خلاف بين العلماء
في ذلك " انتهى.
والفرض منه مواراته في الأرض على وجه تكتم رائحته عن السماع
وجثته عن السباع على جنبه الأيمن موجها إلى القبلة، قال في المعتبر: " وعليه اجماع
المسلمين ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بذلك ووقف على القبور وفعله،
والكيفية المذكورة ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط والمفيد في الرسالة الغرية وابنا

1) رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب التكفين
2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 26 من أبواب التكفين
67

بابويه ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) دفن كذلك وهو عمل الصحابة والتابعين ".
أقول: أما وجوب الدفن على الوجه الذي ذكرناه فهو مستفيض في الأخبار كما سيمر
بك إن شاء الله تعالى كثير منها، ولأن فائدة الدفن إنما تتم بالوصفين المذكورين والوصفان
متلازمان غالبا، ولو فرض وجود أحدهما دون الآخر وجب مراعاة الآخر كما صرح به
الأصحاب أيضا.
وظاهر الأصحاب تعين الحفر اختيارا فلا يجزئ التابوت والأزج
الكائنان على وجه الأرض تحصيلا للبراءة اليقينية من التكليف الثابت، وبه قطع
في الذكرى لأنه مخالف لما أمر به النبي من الحفر ولأنه (صلى الله عليه وآله) دفن
ودفن كذلك وهو عمل الصحابة والتابعين. انتهى. وهو جيد. ولو تعذر الحفر
لصلابة الأرض أو أكثرية الثلج أو نحو ذلك جاز مواراته بحسب الامكان مراعيا
للوصفين المتقدمين مهما أمكن، قال في الذكرى: " لو تعذر الحفر لصلابة الأرض
أو تحجرها وأمكن نقله إلى ما يمكن حفره وجب، وإن تعذر أجزأ البناء عليه بما يحصل به
الوصفان المذكوران لأنه في معنى الدفن، ولو فعل ذلك اختيارا فالأقرب المنع لأنه
مخالف لما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) من الحفر " انتهى. وهو جيد. ولو دفن
بالتابوت في الأرض جاز إلا أن الشيخ نقل الاجماع في الخلاف على كراهته.
وأما الكيفية المذكورة فلم ينقل فيها خلاف إلا عن ابن حمزة حيث ذهب إلى
الاستحباب لأصالة البراءة.
حجة المشهور على ما ذكره جمع من المتأخرين ومتأخريهم - التأسي بالنبي
(صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) وما رواه معاوية بن عمار في الصحيح
عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " كان البراء بن معرور التميمي الأنصاري بالمدينة
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة وأنه حضره الموت وكان رسول الله
والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس فأوصى البراء إذا دفن أن يجعل وجهه إلى رسول الله

1) رواه في الوسائل في الباب 61 من أبواب الدفن
68

(صلى الله عليه وآله) إلى القبلة فجرت به السنة. وأنه أوصى بثلث ماله فنزل به الكتاب
وجرت به السنة " قال في الذخيرة بعد أن نقل ذلك: " وفي الحجتين تأمل ".
أقول: الظاهر أن الحجة في ذلك أنما هو كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه
السلام) فيه (1): " ثم ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة " والصدوقان قد ذكرا ذلك أخذا
من الكتاب المذكور، ومن تأخر عنهم فقد تبعهما في ذلك كما أشرنا إليه في غير موضع
مما هو من هذا القبيل، ويعضده ما رواه في دعائم الاسلام (2) عن علي (عليه السلام)
" أنه شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة رجل من بني عبد المطلب فلما أنزلوه
في قبره قال أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ولا تكبوه لوجهه
ولا تلقوه لظهره. "
وحيث قد عرفت وجوب الاستقبال بالميت في حال الدفن فإنه يستثني من ذلك
مواضع: (منها) ما لو التبست القبلة. و (منها) - ما لو تعذر ذلك كما لو مات
في بئر ونحوه وتعذر اخراجه وصرفه إلى القبلة. و (منها) - أن يكون امرأة غير
مسلمة حاملة من مسلم فيستدبر بها ليكون وجه الولد إلى القبلة بناء على ما قيل إن وجه
الولد إلى ظهر أمه، والمقصود بالذات دفنه وهي كالتابوت له ولذا دفنت في مقبرة
المسلمين اكراما له، وهذا الحكم مجمع عليه بينهم كما في التذكرة، والأصل فيه الشيخان
وأتباعهما، واستدل عليه وفي التهذيب بما رواه أحمد بن أشيم عن يونس (3) قال: " سألت
الرضا (عليه السلام) عن الرجل تكون له الجارية اليهودية والنصرانية فيواقعها فتحمل
ثم يدعوها إلى أن تسلم فتأبى عليه فدنا ولادتها فماتت وهي تطلق والولد في بطنها ومات
الولد أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الاسلام؟ فكتب يدفن
معها " قال في المعتبر: " ولست أرى في هذا حجة (أما أولا) - فلأن ابن أشيم ضعيف

1) ص 18
2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 51 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب الدفن
69

جدا على ما ذكره النجاشي في كتاب المصنفين والشيخ. و (أما ثانيا) - فلأن دفنه
معها لا يتضمن دفنها في مقبرة المسلمين بل ظاهر اللفظ يدل على دفن الولد معها حيث
تدفن هي ولا اشعار في الرواية بموضع دفنها، والوجه أن الولد لما كان محكوما له بأحكام
المسلمين لم يجز دفنه في مقابر أهل الذمة واخراجه مع موتهما غير جائز فتعين دفنه معها
كما قلناه " انتهى. والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال حيث إنه لا مستند للحكم
المذكور سوى ما يدعى من الاجماع، وما ذكره في المعتبر من التعليل وإن كان لا يخلو
من قرب إلا أنه لا يصلح لتأسيس حكم شرعي نعم يصلح أن يكون وجها للنص لو وجد
و (منها) - راكب البحر إذا مات، فقد قطع الشيخ وأكثر الأصحاب بأنه يغسل
ويحنط ويكفن ويصلى عليه وينقل إلى البر إن أمكن، وإن تعذر لم يتربص به بل يوضع
في خابية ونحوه ويشد رأسها ويلقى في البحر أو يثقل ليرسب في الماء ثم يلقى فيه، قيل
وظاهر المفيد في المقنعة والمحقق في المعتبر جواز ذلك وإن لم يتعذر البر، والظاهر أن
وجه هذه الظاهرية هو أنهما ذكرا الحكم المذكور مطلقا فإنه قال في المعتبر: " إذا
مات في السفينة في البحر غسل وكفن وصلى عليه وثقل ليرسب في الماء أو جعل في خابية
وشد رأسها والقي في البحر " ونحوها عبارة المقنعة. أقول: والأخبار قد وردت
بالأمرين المذكورين، فمما يدل على الوضع في الخابية ما رواه في الكافي والتهذيب في
الصحيح عن أيوب بن الحر (1) قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات
وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال يوضع في خابية ويوكأ رأسها ويطرح في
الماء " وذكره الصدوق مرسلا مقطوعا، وأما ما يدل على التثقيل فهو ما رواه في الكافي
عن أبان عن رجل عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " في الرجل يموت مع القوم في
البحر؟ فقال تغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل ويرمي به في البحر " وعن سهل رفعه عن الصادق
(عليه السلام) (3) قال: " إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط؟ قال

1) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب الدفن
70

يكفن ويحنط في ثوب ويلقى في الماء " وروى الشيخ في التهذيب عن أبي البختري وهب
ابن وهب القرشي عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (1) قال: " قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) إذا مات الميت في البحر غسل وكفن وحنط ثم يوثق في رجليه حجر
ويرمى به في الماء " وفي الفقيه الرضوي (2) " وإن مات في سفينة فاغسله وكفنه وثقل
رجليه وألقه في البحر " والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد جمعوا بين روايات
المسألة بالتخيير، وهو جيد. واطلاق أكثر الأخبار بالنسبة إلى تقديم البر إن أمكن
مقيد بما دلت عليه مرسلة سهل من ذلك والحكم حينئذ مما لا يعتريه الاشكال. وقد
ذكر جملة من الأصحاب أنه ينبغي استقبال القبلة به حال الالقاء، وأوجبه ابن الجنيد
والشهيدان لأنه دفن حيث يحصل به مقصود الدفن، وهو تقييد لاطلاق النص من غير
دليل والتعليل المذكور عليل.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن للدفن آدابا وسننا متقدمة ومقارنة ومتأخرة، وتحقيق
الكلام في المقام يتوقف على بسطه في مطالب ثلاثة:
(الأول) - في الآداب المتقدمة وهي أمور: (الأول) - التشييع، وقد ورد
في استحبابه أجر عظيم وثواب جسيم، فروى في الكافي عن أبي بصير (3) قال: "
سمعت أبا جعفر (عليه السلام) (4) يقول من مشي مع جنازة حتى يصلى عليها ثم رجع
كان له قيراط من الأجر فإذا مشى معها حتى تدفن كان له قيراطان، والقيراط مثل جبل
أحد " وعن جابر عن الباقر وعليه السلام) قال: " من شيع ميتا حتى يصلى عليه كان
له قيراط من الأجر ومن بلغ معه إلى قبره حتى يدفن كان له قيراطان من الأجر، والقيراط مثل
جبل أحد " وعن الأصبغ بن نباتة (5) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من تبع
جنازة كتب الله له أربعة قراريط: قيراط باتباعه إياها وقيراط بالصلاة عليها وقيراط

1) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب الدفن
2) ص 18
3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الدفن
71

بالانتظار حتى يفرغ من دفنها وقيراط بالتعزية " وعن أبي الجارود عن الباقر (عليه
السلام) (1) قال: " كان فيما ناجي به موسى (عليه السلام) ربه أن قال يا رب ما لمن
شيع جنازة؟ قال أوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيعونهم من قبورهم
إلى محشرهم " وعن جابر عن الباقر (عليه السلام) (2) قال: " إذا أدخل المؤمن قبره
نودي ألا إن أول جبائك الجنة ألا وأول حباء من تبعك المغفرة " وعن إسحاق بن عمار
عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " أول ما يتحف به المؤمن في قبره أن يغفر لمن تبع
جنازته " وعن داود الرقي عن رجل من أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (4) قال:
" من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره وكل الله به سبعين ملكا من المشيعين
يشيعونه ويستغفرون له إذا خرج من قبره إلى الموقف " وعن ميسر (5) قال: " سمعت
أبا جعفر (عليه السلام) يقول من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ولم
يقل شيئا إلا قال الملك ولك مثل ذلك " وفي الفقه الرضوي (6): وقد روى أبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن المؤمن إذا أدخل قبره ينادى إلا أن أول حبائك
الجنة وأول حباء من تبعك المغفرة، إلى أن قال ولا تترك تشييع جنازة المؤمن فإن
فيه فضلا كثيرا ".
والمعروف من مذهب الأصحاب - كما صرح به جمع منهم - أن سنة التشييع
هو المشي وراء الجنازة أو إلى أحد جانبيها، ونص المحقق في المعتبر على أن تقدمها ليس
بمكروه بل هو مباح، وحكى الشهيد في الذكرى كراهة المشي أمامها من كثير من
الأصحاب، وقال ابن عقيل: يجب التأخر خلف المعادي لذي القربى لما ورد من
استقبال ملائكة العذاب إياه (7) وقال ابن الجنيد: يمشي صاحب الجنازة بين يديها

1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الدفن
6) ص 18
7) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الدفن
72

والباقون وراءها لما روي من " أن الصادق (عليه السلام) تقدم سرير ابنه إسماعيل
بلا حذاء ولا رداء ". (1)
أقول: والذي وقفت عليه في المسألة من الأخبار ما رواه في الكافي في الموثق
عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " المشي خلف الجنازة أفضل
من المشي بين يديها " ورواه في التهذيب عن محمد بن يعقوب وزاد فيه " ولا بأس بأن
يمشي بين يديها " ورآه في الفقيه مرسلا كذلك. وعن جابر عن الباقر (عليه
السلام) (3) قال: " مشي النبي (صلى الله عليه وآله) خلف جنازة فقيل يا رسول الله
مالك تمشي خلفها؟ فقال إن الملائكة رأيتهم يمشون أمامها ونحن تبع لهم " وعن سدير
عن الباقر (عليه السلام) (4) قال: " من أحب أن يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش
جنبي السرير، وروى الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم
السلام) (5) قال: " سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم
خالفوا أهل الكتاب " وروى في الكافي والفقيه وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) (6) قال: " سألته عن المشي مع الجنازة فقال بين يديها وعن
يمينها وعن شمالها " وعن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) (7) قال: " امش
بين يدي الجنازة وخلفه " وعن السكوني عن الصادق (عليه السلام) (8) قال:
" سئل كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة أمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن
شمالها؟ قال: إن كان مخالفا فلا تمش أمامه فإن ملائكة العذاب يستقبلونه بألوان
العذاب " وروي الشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (9)
مثله. وروى في الكافي عن يونس بن ظبيان عن الصادق (عليه السلام) (10) قال:

1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الدفن
7) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الدفن
8) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الدفن
9) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الدفن
10) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الدفن
73

" امش أمام جنازة المسلم العارف ولا تمش أمام جنازة الجاحد فإن أمام جنازة المسلم
ملائكة يسرعون به إلى الجنة وأن أمام جنازة الكافر ملائكة يسرعون به إلى النار "
وفي الفقه الرضوي (1) " وإذا حضرت جنازة فامش خلفه ولا تمش أمامها وإنما
يؤجر من تبعها لا من تبعته، وقد روى أبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن
المؤمن. الحديث " وقد تقدم (2) ثم قال وقال (عليه السلام): " اتبعوا الجنازة
ولا تتبعكم فإنه من عمل المجوس (3) أو أفضل المشي في اتباع الجنائز ما بين جنبي الجنازة
وهو مشي الكرام الكاتبين " انتهى.
أقول: والمفهوم من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض أن الأفضل في التشييع
هو المشي خلف الجنازة أو إلى أحد جنبيها مع زيادة الأول في الفضل، وأما المشي أمامها
فإن كان مؤمنا فلا بأس به ولا كراهة فيه وإن كان ليس فيه ثواب الفردين الأولين وإن
كان مخالفا فهو مكروه للعلة المذكورة في الأخبار. وجمع بعض بحمل أخبار النهي عن
التقدم بالحمل على ما إذا كان مخالفا. وفيه أن خبر السكوني ورواية كتاب الفقه الدالان
على تعليل النهي بكونه عمل أهل الكتاب والمجوس يدلان على أعم من المؤمن
والمخالف. وأما حديث تقدم الصادق (عليه الاسلام) جنازة ابنه إسماعيل فاحتمال الحمل
على التقية فيه قريب فإن المشهور بينهم أفضلية المشي أمامها وقد نسبوا القول بأفضلية المشي
خلفها إلى أهل البيت (عليهم السلام) قال بعض شراح صحاح مسلم على ما نقله شيخنا

1) ص 18
2) أقول الصدوق في المقنع: إذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش أمامها
فإنما يؤجر من يتبعها لا من تتبعه فإنه روي " اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم فإنه من عمل
المجوس " وروى " إذا كان الميت مؤمنا فلا بأس أن يمشي قدام جنازته فإن الرحمة تستقبله
والكافر لا يتقدم جنازته فإن اللعنة تستقبله " انتهى. وصدر هذا الكلام عين ما في
كتاب الفقه المذكور في الأصل. منه قدس سره
3) أقول: هذا مضمون رواية السكوني أيضا منه " قدس سره "
74

المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار: كون المشي وراء الجنازة أفضل من المشي أمامها
قول علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومذهب الأوزاعي وأبي حنيفة، وقال جمهور
الصحابة والتابعين ومالك والشافعي وجماهير العلماء المشي قدامها أفضل، وقال الثوري
وطائفة هما سواء. (1)
وفي المقام فوائد: (الأولى) - ينبغي للمشيع أن يحضر قلبه ذكر الموت والتفكر
في مآله وما يصير إليه عاقبة حاله ويكره له الضحك واللهو، ففي الكافي عن عجلان أبي صالح (2)
قال: " قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يا أبا صالح إذا أنت حملت جنازة فكن كأنك
أنت المحمول وكأنك سألت ربك الرجوع إلى الدنيا ففعل فانظر ماذا تستأنف، قال ثم قال
عجب لقوم حبس أولهم عن آخرهم ثم نودي فيهم الرحيل وهم يلعبون " قال في الذكرى:
ويكره له الضحك واللهو لما روي " أن النبي (صلى الله عليه وآله) أو عليا (عليه السلام)
شيع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب. الحديث "

1) في المغني لابن قدامة ج 2 ص 474 ما ملخصه " أكثر أهل العلم يرون الفضيلة
في المشي أمام الجنازة، وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي المشي خلفها أفضل " وفي عمدة
القاري للعيني الحنفي ج 2 ص 8 " المشي خلف الجنازة عندنا أفضل ومشهور مذهب المالكية
كمذهبنا وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وإسحاق وأهل الظاهر وإبراهيم النخعي
وسفيان الثوري والأوزاعي وسويد بن غفلة ومسروق وأبو قلابة ويروى ذلك عن علي
ابن أبي طالب (ع) و عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وأبي أمامة وعمرو بن العاص، واستشهد له
بتسع روايات عن النبي " ص " وإن عليا (ع) يحلف بالله أنه سمعه من رسول الله " ص "
وأن أبا بكر وعمر سمعاه أيضا ولكنهما أرادا أن يسهلا على الناس فمشيا أمام الجنازة. وقال
أحمد المشي أمامها أفضل " وفي نيل الأوطار ج 4 ص 62 " عند الزهري ومالك وأحمد
والجمهور وجماعة من الصحابة أم المشي أمامها أفضل، وعند أبي حنيفة وأصحابه وسفيان
الثوري وإسحاق - وحكاه في البحر عن العترة (ع) - أن المشي خلفها أفضل "
2) رواه في الوسائل في الباب 59 من أبواب الدفن
75

أقول: هذا الكلام قد ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) كما نقله السيد الرضي في
كتاب نهج البلاغة (1) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد تبع جنازة فسمع
رجلا يضحك فقال كأن الموت فيها على غيرنا كتب وكأن الحق فيه على غيرنا
وجب. " وساق الكلام ثم قال السيد: ومن الناس من ينسب هذ الكلام إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقول: ورواه الكراجكي في كنز الفوائد عن النبي
(صلى الله عليه وآله). (2)
(الثانية) - قال في المعتبر: " قال علي بن بابويه في الرسالة: وإياك أن تقول
ارفقوا به أو ترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فيحبط أجرك. وبذلك رواية عن
أهل البيت (عليهم السلام) نادرة لكن لا بأس بمتابعته تفصيا من الوقوع في
المكروه " انتهى. أقول: لا ريب أن ما ذكره علي بن بابويه (قدس سره) هنا
مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه السلام) (3): " وإياك أن تقول ارفقوا
به وترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فإنه يحبط أجرك عند المصيبة " والظاهر أن
اختلاف آخر العبارة نشأ من غلط في أحد الطرفين. وأما ما أشار إليه المحقق من الرواية
النادرة فالظاهر أنها ما رواه السكوني عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (4) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما: الذي يمشي
مع الجنازة بغير رداء أو الذي يقول قفوا أو الذي يقول استغفروا له غفر الله لكم "
وروى في الخصال بسنده فيه عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق (عليه السلام) (5)
قال: " ثلاثة لا أدري أيهم أعظم جرما: الذي يمشي خلف جنازة في مصيبة غيره بغير
رداء والذي يضرب يده على فخذه عند المصيبة والذي يقول ارفقوا به ترحموا عليه رحمكم
الله تعالى " أقول: ما دلت عليه هذه الأخبار من النهي عن القول بما تضمنته من الأمر

1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 53 من أبواب الدفن
2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 53 من أبواب الدفن
3) ص 17
4) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب الاحتضار
5) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب الاحتضار
76

بالرفق أو الأمر بالاستغفار لا يحضرني الآن له وجه وجيه ولا وقفت فيه على كلام لأحد
من أصحابنا (رضوان الله عليهم) إلا ما ذكره شيخنا المجلسي في البحار، حيث قال
بعد ذكر خبري عبد الله بن الفضل أولا والسكوني ثانيا: " قوله مع الجنازة أي مع عدم
كونه صاحب المصيبة كما مر في الخبر الأول وهو إما مكروه أو حرام كما سيأتي، وأما قوله
" ارفقوا به " فلتضمنه تحقير الميت وإهانته، وفي التهذيب " أو الذي يقول قفوا " ولعله تصحيف وعلى تقديره الذم لمنافاته لتعجيل التجهيز أو يكون الوقوف لانشاد المراثي
وذكر أحوال الميت كما هو الشايع وهو مناف للتعزي والصبر، والفقرة الثالثة أيضا
لاشعارها بكونه مذنبا وينبغي أن يذكر الموتى بخير. ويمكن أن تحمل الفقرتان على ما إذا
كان غرض القائل التحقير والاشعار بالذنب. ويحتمل أن يكون الضميران في الأخيرتين
راجعين إلى الذي يمشي بغير رداء أي هو بسبب هذا التصنع لا يستحق أن يأمر
بالرفق به ولا الاستغفار له. وقال العلامة في المنتهى: وكره أن يقول قفوا واستغفروا
له غفر الله تعالى لكم لأنه خلاف المنقول بل ينبغي أن يقال ما نقل عن أهل البيت
(عليهم السلام) انتهى كلام شيخنا المشار إليه.
(الثالثة) - قد ذكر جمع من الأصحاب: منهم - المحقق والعلامة وابن أبي عقيل
وابن حمزة أنه يكره للمشيع الجلوس حتى يوضع الميت في قبره لما رواه عبد الله بن سنان
في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " ينبغي لمن شيع جنازة أن لا يجلس
حتى يوضع في لحده فإذا وضع في لحده فلا بأس بالجلوس " وظاهر الشيخ وابن الجنيد انتفاء
الكراهة، قال في المدارك: بعد ذكر الصحيحة المذكورة " وهو ضعيف " وقال في
الذكرى: " اختلف الأصحاب في كراهة جلوس المشيع قبل الوضع في اللحد فجوزه في
الخلاف ونفى عنه البأس ابن الجنيد للأصل ولرواية عبادة بن الصامت (2) " كان

1) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب الدفن
2) كما في سنن البيهقي ج 4 ص 28
77

رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان في جنازة لم يجلس حتى يوضع في اللحد فقال
يهودي إنا لنفعل ذلك فجلس وقال خالفوهم " وكرهه ابن أبي عقيل وابن حمزة والفاضلان
وهو الأقرب لصحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) ثم ساق الخبر، ثم قال:
والحديث حجة لنا لأن " كان " تدل على الدوام والجلوس لمجرد إظهار المخالفة، ولأن الفعل
لا عموم له فجاز وقوع الجلوس تلك المرة خاصة، ولأن القول أقوى من الفعل عند
التعارض، والأصل مخالف للدليل " انتهى كلامه وأجاب شيخنا البهائي عنه بعد نقل
ملخص هذا الكلام بأن لابن الجنيد أن يقول إن احتجاجي ليس بمجرد الفعل بل بقوله
(صلى الله عليه وآله) خالفوهم. انتهى. أقول: يمكن أن يحتج لابن الجنيد أيضا بحسنة داود
ابن النعمان (1) قال: " رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يقول ما شاء الله لا ما شاء
الناس فلما انتهى إلى القبر تنحى فجلس فلما أدخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث
مرات بيده ".
(الرابعة) - قال في الذكرى: نقل الشيخ الاجماع على كراهية الاسراع
بالجنازة لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (2): " عليكم بالقصد في جنائزكم " لما رأى أن جنازة تمخض مخضا، وقال ابن عباس في جنازة ميمونة " ارفقوا بها فإنها أمكم " (3)
ولو خيف على الميت فالأسرع أولى، قال المحقق: أراد الشيخ كراهة ما زاد على المعتاد
وقال الجعفي السعي بها أفضل. وقال ابن الجنيد يمشي بها جنبا. قلت: السعي العدو
والجنب ضرب منه، فهما دالان على السرعة، وروى الصدوق عن الصادق (عليه

1) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الدفن
2) كما في سنن البيهقي ج 4 ص 22 والنص هكذا: " عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم "
3) في سنن البيهقي ج 4 ص 22 " عن عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة
ميمونة زوج النبي " ص " (يسرف) فقال ابن عباس: هذه ميمونة إذا رفعتم نعشها فلا
تزعزعوه ولا تزلزلوه وارفقوا
78

السلام) " أن الميت إذا كان من أهل الجنة نادى عجلوا بي وإن كان من أهل النار
نادى ردوني " انتهى. أقول ما أشار إليه في كلام الشيخ من الحديث النبوي هو
ما رواه ابنه (قدس سره) في المجالس عن أبيه بسنده فيه عن ليث بن أبي بردة عن
أبيه (1) قال: " مروا بجنازة تمخض كما يمخض الزق فقال النبي (صلى إليه عليه وآله)
عليكم بالسكينة عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم ".
(الخامسة) - يكره أن يركب المشيع دابة حال تشييعه ولا بأس بذلك بعد
الرجوع، ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن
أبي عبد الله البصري عن الصادق (عليه السلام) (2) ورواه في الفقيه مرسلا عن
الصادق (عليه السلام) قال: " مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى جنازته يمشي فقال له بعض
أصحابه ألا تركب يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال إني لأكره أن أركب
والملائكة يمشون " وزاد في الكافي " وأبى أن يركب " وروى في الكافي في الصحيح
أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " رأى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوما خلف جنازة ركبانا فقال ما استحى هؤلاء أن
يتبعوا صاحبهم ركبانا وقد أسلموه على هذه الحالة " وروى في التهذيب عن غياث بن
إبراهيم عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (4) " أنه كره أن يركب الرجل
مع الجنازة في بداية إلا من عذر، وقال يركب إذا رجع " قوله: " في بداية " أي حال
الذهاب حين يبدأ بالمشي.
(السادسة) - ويستحب الدعاء بالمأثور عند رؤية الجنازة وحملها فروى في

1) رواه في الوسائل في الباب 64 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب من أبواب الدفن
79

الكافي عن عنبسة بن مصعب عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) من استقبل جنازة أو رآها فقال: " الله أكبر هذا ما وعدنا الله
ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا ايمانا وتسلما الحمد لله الذي تعزر بالقدرة وقهر
العباد بالموت " لم يبق في السماء ملك إلا بكى رحمة لصوته " وروى الشيخ في الموثق عن عمار
الساباطي عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الجنازة إذا حملت كيف يقول
الذي يحملها؟ قال يقول: بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين
والمؤمنات " وعن أبي الحسن النهدي رفعه (3) قال: " كان أبو جعفر (عليه السلام)
إذا رأى جنازة قال: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم " وقد ذكر غير واحد
من الأصحاب أنه يستحب لمن شاهد الجنازة أن يقول: " الحمد لله الذي لم يجعلني من
السواد المخترم " والمستند فيه ما ذكرناه من رواية النهدي وحسنة أبي حمزة (4) قال:
" كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا رأى جنازة قد أقبلت قال: الحمد لله الذي
لم يجعلني من السواد المخترم " قيل والسواد يطلق تارة على الشخص وأخرى على عامة
الناس، وزاد بعض اطلاق السواد على القرية، والمخترم الهالك والمستأصل، والظاهر
هو المعنى الثاني، والمعنى الشكر لله سبحانه أنه لم يجعله من الهالكين فيكون شكرا لنعمة
الحياة. ولا ينافي ذلك حب لقاء لله تعالى فإن معناه حب الموت وعدم الامتناع منه على
تقدير رضاء الله تعالى به فلا ينافي لزوم شكر نعمة الحياة والرضاء بقضاء الله في ذلك،
وقيل إن حب لقاء الله سبحانه إنما يكون عند معاينة منزلته في الجنة كما ورد في الخبر،
أو المراد الهلاك على غير بصيرة فيكون الشكر لله سبحانه على أنه لم يجعله من عامة الناس
الهالكين على غير بصيرة في الدين ولا استعداد للموت، وحينئذ فالشكر يرجع إلى
التوفيق في المعرفة والهداية في الدين، قال في الذكرى بعد نقل حديث علي بن الحسين
(عليه السلام): " قلت السواد الشخص والمخترم الهالك أو المستأصل والمراد به هنا

1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الدفن
80

الجنس، ومنه قولهم السواد الأعظم أي لم يجعلني من هذا القبيل، ولا ينافي هذا حب
لقاء الله تعالى لأنه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحب كما
رويناه عن الصادق (عليه السلام) (1) ورووه في الصحاح عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2)
أنه قال: " من أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه ومن كره لقاء لله سبحانه كره الله لقاءه.
فقيل له إنا لنكره الموت؟ فقال ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان
الله وكرامته فليس شئ أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله تعالى وأحب الله لقاءه، وأن
الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله تعالى فليس شئ أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله
وكره الله لقاءه " إلى أن قال: ويجوز أن يكنى بالمخترم عن الكافر لأنه الهالك على
الاطلاق بخلاف المؤمن، أو المراد بالمخترم من مات دون أربعين سنة " انتهى كلامه.
(السابعة) - روى في الكافي عن البرقي رفعه عن الصادق (عليه السلام) (3)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أميران وليسا بأميرين: ليس لمن تبع جنازة أن
يرجع حتى يدفن أو يؤذن له، ورجل يحج مع امرأة فليس له أن ينفر حتى تقضي نسكها "
ورواه الصدوق في الخصال والمقنع. أقول: ظاهر الخبر أنه ليس لمن شيع الجنازة الرجوع
قبل الدفن إلا بإذن الولي، وبذلك صرح ابن الجنيد على ما نقله عنه في الذكرى
فقال: من صلى على جنازة لم يبرح حتى يدفن أو يأذن أهله بالانصراف إلا من ضرورة
لرواية الكليني، ثم ساق الرواية المذكورة. ثم إنه مع فرض إذن الولي في الرجوع فإنه

1) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الاحتضار
2) رواه النسائي في السنن ج 1 ص 260 طبع مصر عن أبي هريرة وعبادة بن
الصامت وعائشة عن رسول الله " ص " وابن ماجة في سننه ج 2 ص 566 الطبعة الأولى
بالطبعة التازية بمصر عن عائشة. والترمذي في سننه ج 9 ص 189 على هامش شرحه لابن
العربي عمن تقدم في رواية النسائي، وابن حجر في مجمع الزوائد ج 2 320 عن أحمد
والبزار وأبي يعلى عن أنس، والسيوطي في الجامع الصغير ج 2 ص 159 عن عائشة وعبادة
3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الدفن
81

لا يدل على عدم استحباب اتمام التشييع بعد الإذن بل الاستحباب باق، ويدل على ذلك
ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة (1) قال: " حضر أبو جعفر
(عليه السلام) جنازة رجل من قريش وأنا معه وكان فيه عطاء فصرخت صارخة
فقال عطاء لتسكتن أو لنرجعن قال فلم تسكت فرجع عطاء فقلت لأبي جعفر (عليه
السلام) إن عطاء قد رجع، قال ولم؟ قلت صرخت هذه الصارخة فقال لها لتسكتن
أو لنرجعن فلم تسكت فرجع، فقال امض بنا فلو أنا إذا رأينا شيئا من الباطل مع الحق
تركنا له الحق لم نقض حق مسلم، قال: فلما صلى على الجنازة قال وليها لأبي جعفر
(عليه السلام) ارجع مأجورا رحمك الله تعالى فإنك لا تقوى على المشي فأبى أن يرجع،
قال فقلت له: قد أذن لك في الرجوع ولي حاجة أريد أن أسألك عنه فقال امض فليس
بإذنه جئنا ولا بإذنه نرجع وإنما هو فضل وأجر طلبناه فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل
يؤجر على ذلك ".
(الثامنة) - المشهور - وبه صرح الشيخ وجمع من الأصحاب - أنه يكره حمل
ميتين على سرير رجلين كانا أم امرأتين أو رجلا وامرأة، وقال في النهاية لا يجوز
وهو بدعة، وكذا ابن إدريس في سرائره فإنه قال: ولا يجوز حمل ميتين على جنازة
واحدة مع الاختيار لأن ذلك بدعة. وممن صرح بالكراهة أيضا ابن حمزة. وقال
الجعفي لا يحمل ميتان على نعش واحد. وهو محتمل لكل من القولين.
والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن
الصفار (2) قال: " كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أيجوز أن يجعل الميتين على جنازة
واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس، وإن كان الميتان رجلا وامرأة يحملان على سرير
واحد ويصلى عليهما؟ فوقع (عليه السلام) لا يحمل الرجل والمرأة على سرير واحد "

1) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب صلاة الجنازة
2) رواه في الوسائل في الباب 42 من أبواب الدفن
82

واستدل بهذه الرواية للحكم المذكور، ورده جمع من المتأخرين بأنها أخص من المدعى.
وظاهر الخبر المذكور عدم الجواز ولو مع الحاجة. وما ذكره (عليه السلام) في الفقه
الرضوي (1) حيث قال: " ولا تجعل ميتين على جنازة واحدة " وهذه العبارة أوردها
الصدوق في الفقيه نقلا عن أبيه في رسالته إليه، ومنه يعلم أن مستند الأصحاب في هذا
الحكم إنما هو كلام الصدوقين ومستند الصدوقين إنما هو كتاب الفقه المذكور كما عرفت
في غير مقام مما تقدم وستعرف إن شاء الله تعالى. بقي الكلام في العبارة المذكورة مترددا
بين التحريم والكراهة وقضية النهي حقيقة الأول. والله العالم.
(التاسعة) - قال في الذكرى: يكره الاتباع بنار اجماعا وهو مروي عن
النبي (صلى الله عليه وآله) (2) وعن الصادق (عليه السلام) " أن النبي (صلى الله
عليه وآله) نهى أن يتبع بمجمرة " رواه السكوني (3) ورواه الحلبي عن الصادق
(عليه السلام) (4) ولو كان ليلا جاز المصباح لقول الصادق (عليه السلام) (5)
" أن ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخرجت ليلا ومعها مصابيح " أقول:
قد تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته عن الصادق (عليه السلام) (6) " وأكره أن يتبع
بمجمرة وروى الشيخ عن السكوني عن الصادق (عليه السلام) (7) " أن النبي (صلى
الله عليه وآله) نهى أن تتبع جنازة بمجمرة " وعن غياث بن إبراهيم عن الصادق عن
أبيه (عليهما السلام) (8) " أنه كان يكره أن يتبع الميت بالمجمرة " والرواية التي أشار
إليها في اخراج فاطمة (عليها السلام) ليلا بالمصابيح قد رواها الصدوق في الفقيه مرسلة (9)
قال: " سئل الصادق (عليه السلام) عن الجنازة يخرج معها بالنار؟ فقال إن ابنة
رسول الله (صلى الله عليه وآله). الحديث " وروى في العلل عن الصادق (عليه

1) ص 19
2) كما في المغني لابن قدامة ج 2 ص 477
3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
5) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
7) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
8) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين
9) ج 1 ص 100
83

السلام) (1) في حديث طويل يتضمن مرض فاطمة (عليها السلام) ووفاتها إلى أن
قال: " فلما قضت نحبها وهم في جوف الليل أخذ علي (عليه السلام) في جهازها من ساعته
وأشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلا.. " وحينئذ
فيكون الموت ليلا مستثنى من الكراهة. ويفهم من هذين الخبرين أن قبرها (عليها
السلام) ليس في البيت كما هو أحد الأقوال بل ربما أشعرت بكونه في البقيع كما قيل أيضا
(العاشرة) - قال في الذكرى: يكره اتباع النساء الجنازة لقول النبي (صلى الله
عليه وآله): " ارجعن مأزورات غير مأجورات " ولقول أم عطية: " نهينا عن اتباع
الجنازة " ولأنه تبرج. انتهى. أقول: أما الحديث النبوي المشار إليه فهو ما رواه الشيخ
في المجالس عن عباد بن صهيب عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) عن ابن الحنفية عن علي (عليه السلام) (2) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله (خرج فرأى نسوة
قعودا فقال ما أقعدكن ههنا؟ قلن لجنازة: قال أفتحملن مع من يحمل؟ قلن لا. قال:
أفتغسلن مع من يغسل؟ قلن لا. قال أفتدلين في من يدلي؟ قلن لا. قال فارجعن
مأزورات غير مأجورات " وأما حديث أم عطية فالظاهر أنه من روايات العامة كما
يشعر به كلام العلامة في المنتهى فإني لم أقف بعد التتبع عليه في شئ من أصولنا. وفي
المنتهى: ويكره للنساء اتباع الجنائز ذكره الجمهور لأنهن أمرن بترك التبرج والحبس في
البيوت، وروت أم عطية فقالت: " نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا " (3) ومن طريق
الخاصة ما رواه الشيخ عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (4) أنه قال: " ليس
ينبغي للمرأة الشابة أن تخرج إلى الجنازة وتصلي عليها إلا أن تكون امرأة دخلت في

1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 69 من أبواب الدفن
3) كما في المغني ج 2 ص 477
4) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب صلاة الجنازة
84

السن " وفي رواية غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (1) " قال لا صلاة
على جنازة معها امرأة " قال الشيخ: المراد بذلك نفي الفضيلة لأنه يجوز لهن أن يخرجن
ويصلين، فإنه روى يزيد بن خليفة عن الصادق (عليه السلام) (2) " أن زينب بنت
النبي (صلى الله عليه وآله) توفيت وأن فاطمة (عليها السلام) خرجت في نسائها
فصلت على أختها " انتهى. أقول: ومثل حديث يزيد بن خليفة المذكور حديثه الآخر
وهو ما رواه الكليني في الصحيح عن يزيد بن خليفة (3) - وهو ممدوح فيكون حديثه
حسنا - قال: " سأل عيسى بن عبد الله أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر فقال تخرج
النساء إلى الجنازة؟ فقال إن الفاسق آوى عمه المغيرة بن أبي العاص، ثم ذكر حديث
وفاة زوجة عثمان بطوله إلى أن قال: وخرجت فاطمة (عليها السلام) ونساء المؤمنين
والمهاجرين فصلين على الجنازة " أقول: ويفهم من خبري يزيد بن خليفة أن خروجها
(عليها السلام) مع النساء كان مرتين مرة في موت أختها زينب زوجة أبي العاص الأموي
ومرة أخرى في زوجة عثمان. وكيف كان فهذان الخبران ظاهران في الجواز بغير كراهة،
واخلق بهذا القول أن يكون أصله من العامة وتبعهم فيه أصحابنا لرواية الشيخ التي أشار إليها
في الذكرى، وراويها - كما عرفت - عباد بن صهيب وهو بتري عامي لا يبلغ قوة في
معارضة هذه الأخبار، ورواية أم عطية قد عرفت أنها ليست من طرقنا بل الظاهر أنها
من طرقهم، ويشير إلى ما ذكرناه صدر عبارة المنتهى، وأما خبر أبي بصير فليس فيه
أزيد من استثناء الشابة ولعله لخصوص مادة، وأما خبر غياث بن إبراهيم فيحمل على
التقية لكون راويه عاميا بتريا. وبالجملة فعموم أخبار التشييع مضافا إلى خصوص هذه الأخبار أوضح واضح في الجواز من غير كراهة.
(الحادية عشرة) - قال في المنتهى: يكره أن يمشي مع الجنازة بغير رداء

1) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب صلاة الجنازة
2) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب صلاة الجنازة
3) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب صلاة الجنازة
85

لرواية السكوني (1) أما صاحب المصيبة فإنه ينبغي له أن يضع رداءه ليتميز عن غيره
فيقصده الناس للتعزية. روى الشيخ عن الحسين بن عثمان (2) قال: " لما مات إسماعيل
ابن أبي عبد الله (عليه السلام) خرج أبو عبد الله بغير رداء ولا حذاء " أقول: قال
الشيخ في المبسوط يجوز لصاحب المصيبة أن يتميز عن غيره بارسال طرف العمامة وأخذ
مئزر فوقها على الأب والأخ فأما على غيرهما فلا يجوز على حال. وقال ابن إدريس: لم
يذهب إلى هذا سواه والذي تقتضيه أصولنا أنه لا يجوز اعتقاد ذلك وفعله سواء كان
على الأب أو الأخ أو غيرهما، لأن ذلك حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي ولا دليل
عليه، فيجب طرحه لئلا يكون الفاعل له مبدعا لأنه اعتقاد جهل. ورده الفاضلان
بأحاديث الامتياز الآتية في المقام إن شاء الله تعالى. وفيه أن الأحاديث المشار إليها
لا دلالة فيها على ما ذكره الشيخ هنا من هذه الكيفية ولا الاختصاص بالأب والأخ.
نعم ظاهر ابن الجنيد القول بما قاله الشيخ حيث ذكر التميز بطرح بعض زيه بارسال
طرف العمامة أو أخذ مئزر من فوقه على الأب والأخ ولا يجوز على غيرهما، فقول ابن
إدريس - أنه لم يذهب إلى هذا سواه - ليس في محله. وابن حمزة منع هنا مع تجويزه الامتياز
فكأنه يخص التميز في غير الأب الأخ بهذا النوع من الامتياز. وعن أبي الصلاح أنه
يتحفى ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده خاصة.
أقول: والذي وقفت عليه من أخبار المسألة زيادة على رواية الحسين بن عثمان
المتقدمة ما رواه في الكافي أو التهذيب في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض
أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه
حتى يعلم الناس أنه صاحب المصيبة " والمراد بوضع الرداء نزعه إن كان ملبوسا وعدم
لبسه إن كان منزوعا، وهذا مبني على ما هو المتعارف قديما من المداومة على الرداء
كالعباءة ونحوها في زماننا هذا، وحينئذ فلا يبعد أن يستنبط من التعليل تغيير الهيئة في

1) ص 76
2) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الاحتضار
3) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الاحتضار
86

مثل هذه البلدان التي لا يتعارف فيها الرداء بتغيير ما هو قائم مقامه من عباءة ونحوها
مما يلبس فوق الثياب. وما رواه في الكافي مسندا والفقيه معلقا عن أبي بصير عن
الصادق (عليه السلام) (1) قال: " ينبغي لصاحب المصيبة أن لا يلبس رداء وأن يكون
في قميص حتى يعرف " وروى في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال الصادق (عليه السلام)
ملعون ملعون من وضع رداءه في مصيبة غيره " وقد تقدم قريبا في الفائدة الثانية (3)
قوله (عليه السلام) في رواية السكوني: " ثلاثة لا أدري أيهم أعظم جرما. " وعد منهم
الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء. وفي المحاسن (4) عن أبي بصير عن الصادق (عليه
السلام) قال: " ينبغي الصاحب الجنازة أن يلقي رداءه حتى يعرف وينبغي لجيرانه أن
يطعموا عنه ثلاثة أيام) وهذه الأخبار كلها - إنما دلت على التميز بلبس
المشيع للجنازة الرداء وخلع صاحب المصيبة له، وبذلك يظهر ما في الأقوال الخارجة عن
مضمون هذه الأخبار. وأما ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) (5) - " أنه مشى في
جنازة سعد بن معاذ بلا حذاء ولا رداء فسئل عن ذلك فقال إني رأيت الملائكة يمشون
بلا حذاء ولا رداء " - فالظاهر أنه مخصوص بمورده للخصوصية الظاهرة فيه فلا يتأسى به
(الثانية عشرة) - قد صرح جملة من أصحابنا بأنه لا يستحب القيام لمن مرت
به الجنازة إلا أن يكون مبادرا إلى حمله وتشييعها، ويدل عليه ما رواه في الكافي في
الصحيح عن زرارة (6) قال: " كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) وعنده رجل من
الأنصار فمرت به جنازة فقام الأنصاري ولم يقم أبو جعفر (عليه السلام) فقعدت معه
ولم يزل الأنصاري قائما حتى مضوا بها ثم جلس فقال به أبو جعفر (عليه السلام)
ما أقامك؟ قال رأيت الحسين بن علي (عليهما السلام) يفعل ذلك. فقال أبو جعفر

1) رواه في الوسائل في الباب من أبواب الاحتضار
2) رواه في الوسائل في الباب من أبواب الاحتضار
3) ص 76
4) ص 419 وفي الوسائل في الباب 27 من الاحتضار و 67 من الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب من أبواب الاحتضار
6) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب الدفن
87

(عليه السلام) والله ما فعله الحسين (عليه السلام) ولا قام لها أحد منا أهل البيت
قط. فقال الأنصاري شككتني أصلحك الله تعالى قد كنت أظن أني رأيت " وعن
مثنى الخياط عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " كان الحسين بن علي (عليهما
السلام) جالسا فمرت به جنازة فقام الناس حين طلعت الجنازة فقال الحسين (عليه السلام)
مرت جنازة يهودي وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) على طريقه جالسا فكره
أن تعلو رأسه جنازة يهودي فقام لذلك " وروى في قرب الإسناد (2) هذا الخبر عن
مولانا الحسن (عليه السلام (بما هو أوضح الأدلة، قال فيه: " إن الحسن بن علي (عليهما
السلام) كان جالسا ومعه أصحاب له فمر بجنازة فقام بعض القوم ولم يقم الحسن فلما مضوا
بها قال بعضهم ألا قمت عافاك الله تعالى؟ فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يقوم للجنازة إذا مروا بها عليه. فقال الحسن (عليه السلام) إنما قام رسول الله (صلى
الله عليه وآله) مرة واحدة وذلك أنه مر بجنازة يهودي وكان المكان ضيقا فقام
رسول الله (صلى إليه عليه وآله) وكره أن تعلو رأسه " وربما يفهم من الخبرين
المذكورين استحباب القيام لمرور جنازة الكافر بل المخالف الذي هو عندنا من أفراده،
واحتمال الاختصاص به (صلى الله عليه وآله) لمزيد شرفه - ونحوه الأئمة المعصومون
(عليهم السلام) - ممكن إلا أن الاحتياط في القيام بالشرط المذكور في رواية الحميري
من كون الطريق ضيقا فيلزم بالقعود اشرافها على الرأس، وللعامة هنا اختلاف في ذلك
وجوبا أو استحبابا أو لاذا ولاذا (3) وأخبارهم فيه مختلفة أيضا.

1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب الدفن
3) في فتح الباري ج 3 ص 117 باب من قام لجنازة يهودي " اختلف أهل العلم فيه
فذهب الشافعي إلى أنه غير واجب، وذهب جماعة من الشافعية منهم سليم الرازي إلى كراهته
واختار النووي الاستصحاب " وفي المحلى لابن حزم ج 5 ص 153 " نستحب القيام للجنازة
ولو كان كافرا فإن لم يقم فلا حرج ". في المغني ج 2 ص 479 " قال أحمد إن قال لم أعبه وإن
قعد فلا بأس ". في البحر الرائق ج 2 ص 191 " المختار عدم القيام للجنازة إذا مرت عليه "
88

(الثالثة عشرة) - صرح جملة من الأصحاب بأنه يستحب النعش، وهو لغة
سرير الميت إذا كان عليه سمي بذلك لارتفاعه فإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير، ويتأكد
للنساء لسترهم. والأصل فيه الأخبار المروية في عمله لفاطمة (عليها السلام) (1) ومنها - ما رواه
في الكافي في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن
أول من جعل له النعش؟ قال فاطمة (عليها السلام) " وروى في التهذيب عن سليمان بن خالد
عن الصادق (عليه السلام) وفي الفقيه عن الصادق (عليه السلام) قال: " سألته
عن أول من جعل له النعش؟ قال فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) " وعن
أبي عبد الرحمن الحذاء عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " أول نعش أحدث في الاسلام
نعش فاطمة (عليها السلام) أنها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها وقالت لأسماء إني نحلت وذهب
لحمي ألا تجعلين لي شيئا يسترني؟ قالت أسماء إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون
شيئا أفلا أصنع لك فإن أعجبك صنعت لك؟ قالت نعم. فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم
دعت بجرائد فشدته على قوائمه ثم جللته ثوبا فقالت هكذا رأيتهم يصنعون. فقالت
اصنعي لي مثله استريني سترك الله تعالى من النار " وحديث أسماء مروي أيضا من طرق
العامة بروايات عديدة (4) إلا أنه روى الصدوق في العلل عن عمرو بن أبي المقدام
وزياد بن عبيد الله (5) قالا: " أتى رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال يرحمك الله تعالى
هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟ قال:
فتغير لون أبي عبد الله عليه السلام) من ذلك. ثم ساق الحديث - وهو طويل - فيما
جرى بين فاطمة وبين الظالمين الملعونين إلى أن قال: فلما نعي إلى فاطمة نفسها أرسلت
إلى أم أيمن - وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها - فقالت يا أم أيمن أن نفسي نعيت

1) رواه في الوسائل في الباب 52 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 52 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 52 من أبواب الدفن
4) رواه في المغني ج 2 ص 543 والاستيعاب ترجمة فاطمة. عليها السلام،
5) ص 73 وفي الوسائل في الباب 10 من أبواب الدفن
89

إلي فادعي لي عليا. فدعته لها فلما دخل عليها قالت له يا ابن العم أريد أن أوصيك بأشياء
فاحفظها علي. فقال لها قولي ما أحببت قالت به تزوج أمامة تكون لولدي بعدي مثلي
واعمل نعشي رأيت الملائكة قد صورته لي. فقال لها: أريني كيف صورته؟ فأرته
ذلك كما وصف لها وكما أمرت به. ثم قالت فإذا أنا قضيت نحبي فأخرجني من ساعتك
أي ساعة كانت من ليل أو نهار ولا يحضرن من أعداء الله تعالى وأعداء رسوله للصلاة
علي قال علي (عليه السلام) افعل. فلما قضت نحبها (صلى الله عليه) وهم في جوف
الليل أخذ علي في جهازها من ساعته كما أوصته. فلما فرغ من جهازها أخرج علي (عليه السلام)
الجنازة وأشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها
ليلا.. الحديث " ويمكن حمل الخبر الأول على التقية لاشتهار حديث أسماء بين العامة
أو أن الملائكة صورت لها ذلك وفق ما ذكرته أسماء، ولم أقف في الأخبار على ما يتعلق
بذكر النعش غير هذه الأخبار الدالة على أمر فاطمة (عليها السلام) به لنفسها،
والأصحاب قد فهموا منها العموم للرجال والنساء، وبعضهم خصه بالنساء، قال ابن
الجنيد بعد ذكر النعش للنساء: ولا بأس بحمل الصبي على أيدي الرجال والجنازة على
ظهر الدواب. إلا أن الأخبار قد تكاثرت بذكره وأنه هو المعمول عليه والمحمول عليه
كما ستمر بك إن شاء الله تعالى.
(الرابعة عشرة) - لو دعي إلى جنازة ووليمة قدم الجنازة ذكره الأصحاب،
وعليه تدل رواية إسماعيل بن أبي زياد عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (1)
" أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن رجل يدعى إلى وليمة وإلى جنازة فأيهما
أفضل وأيهم يجيب؟ قال: يجيب الجنازة فإنها تذكر الآخرة وليدع الوليمة فإنها
تذكر الدنيا ".
(الخامسة عشرة) يستحب اعلام المؤمنين بذلك لما في الكافي في الصحيح

1) المروية في الوسائل في الباب 34 من أبواب الاحتضار
90

أو الحسن عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " ينبغي لأولياء
الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له
فيكتب لهم الأجر ويكتب للميت الاستغفار ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب
لميتهم من الاستغفار " وعن ذريح عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن
الجنازة يؤذن بها الناس؟ قال نعم " وعن القاسم بن محمد عن بعض أصحابه عن الصادق
(عليه السلام) (3) قال: " إن الجنازة يؤذن بها الناس " أقول: وفي ذلك من الفوائد
الجليلة: ما يترتب من الثواب الجزيل على السنن الموظفة في التشييع من الحمل والتربيع
والصلاة والتعزية. وما في ذلك من الاتعاظ والتذكرة لأمور الآخرة وتنبيه القلب القاسي
وزجر النفس الأمارة، ونحو ذلك، قال الشيخ في الخلاف: لا نص في النداء. وفي
المعتبر والتذكرة لا بأس به. وقال الجعفي: يكره النعي إلا أن يرسل صاحب المصيبة
إلى من يختص به. أقول: الظاهر من أخبار المسألة هو استحباب الاعلام بأي وجه اتفق
لكن لم يعهد فيما مضى عليه السلف من أصحابنا من الصدر الأول النداء بذلك ولو وقع
لنقل ولو كان المراد من هذه الأخبار ذلك لعملوا به، والظاهر حينئذ إنما هو الارسال
إليهم واعلام الناس بعضهم بعضا بذلك والله العالم.
(الأمر الثاني) - التربيع، والواجب الحمل كيف اتفق وأفضله أن يكون
في نعش كما تقدم، وحمل النعش جائز كيف اتفق وليس فيه دنو ولا سقوط مروة كما ربما
يتوهم فقد حمل النبي (صلى الله عليه وآله) جنازة سعد بن معاذ كما رواه الأصحاب
ومعظم الصحابة والتابعون من غير تناكر لما فيه من البر والكرامة للميت، وهو وظيفة
الرجال لا النساء وإن كان الميت امرأة إلا لضرورة، وأفضله التربيع وهو الحمل بأربعة
رجال من جوانبه الأربعة، وأكمله دوران الحامل على الجوانب الأربعة، وفيه فضل

1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب صلاة الجنازة
2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب صلاة الجنازة
3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب صلاة الجنازة
91

عظيم وثواب جسيم، فروي في الكافي في الصحيح عن جابر عن الباقر (عليه السلام) (1)
قال: " من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة " وروى في الفقيه
مرسلا (2) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) من حمل أخاه الميت بجوانب السرير
الأربعة محا الله تعالى عنه أربعين كبيرة من الكبائر " وروى في الكافي مسندا عن سليمان
ابن خالد عن رجل عن الصادق (عليه السلام) وفي الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه
السلام) (3) قال: " من أخذ بقائمة السرير غفر الله تعالى له خمسا وعشرين كبيرة
وإذا ربع خرج من الذنوب " وروى في الفقيه مرسلا (4) قال: قال (عليه السلام)
لإسحاق بن عمار: " إذا حملت جوانب السرير سرير الميت خرجت من الذنوب كما
ولدتك أمك " وروى في الكافي عن جابر عن الباقر (عليه السلام) (5) قال: " السنة
أن يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع ".
بقي الكلام في الكيفية التي هي أفضل صور التربيع، وقد اختلف الأصحاب
في ذلك. فقيل: السنة أن يبدأ بمقدم السرير الأيمن ثم يمر عليه إلى مؤخره ثم بمؤخر
السرير الأيسر ويمر عليه إلى مقدمه دور الرحى، ذكر ذلك الشيخ في النهاية والمبسوط
وادعى عليه الاجماع وهو المشهور بين الأصحاب على ما ذكره جملة من المتأخرين، وقال
في الخلاف: يحمل بميامنه مقدم السرير الأيسر ثم يدور حوله حتى يرجع إلى المقدم.
وأنت خبير بأن المراد بميامن السرير ومياسره إنما هو بالنسبة إلى المشيع والماشي خلفه
فعلى هذا يكون يمين السير مما يلي يسار الميت ويساره مما يلي يمين الميت، فعلى القول
المشهور ينبغي أن يبدأ أولا ويضع مقدم السرير الأيمن الذي يلي يسار الميت على كتفه
الأيسر ثم يدور عليه من خلفه إلى أن يأخذ مقدمه الأيسر الذي عليه يمين الميت على
كتفه الأيمن، وعلى تقدير قول الشيخ في الخلاف بعكس ذلك فيبدأ بمقدم السرير
الأيسر الذي عليه يمين الميت فيأخذه على كتفه الأيمن ثم يدور من خلفه إلى مقدمه الأيمن

1) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الدفن
92

وعبارات الأصحاب لا تخلو هنا من اجمال واضطراب، قال العلامة (قدس
سره) في المنتهى: " التربيع المستحب عندنا أن يبدأ الحامل بمقدم السرير الأيمن ثم
يمر معه ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر فيأخذ رجله اليسرى ويمر معه إلى أن
يرجع إلى المقدم كذلك دور الرحى، وحاصل ما ذكرناه أن يبدأ فيضع قائمة السرير التي
تلي اليد اليمنى للميت فيضعها على كتفه الأيسر ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليمنى
على كتفه الأيسر ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليسرى على كتفه الأيمن ثم ينفتل؟
فيضع القائمة التي تلي يده اليسر عليه كتفه الأيمن " وصدر عبارته (قدس سره)
وإن كان مجملا إلا أن تفصيله ظاهر في مذهب الشيخ في الخلاف ولكن مقتضاه أن يكون الحامل داخلا بين يدي السرير ورجليه لا بارزا عنه، وهو خلاف المفهوم من
كلام الأصحاب، والعجب أن شيخنا الشهيد الثاني في الروض جعل مذهب العلامة في
المنتهي موافقا للقول المشهور والأمر كما ترى. وقال الشهيد في الدروس: " وأفضله
التربيع فيحمل اليد اليمنى بالكتف اليمني ثم الرجل اليمنى كذلك ثم الرجل اليسرى
بالكتف اليسرى ثم اليد اليسرى كذلك " انتهى. وهو - كما ترى - ظاهر في مذهب
الشيخ في الخلاف، والعجب أن شارحه الفاضل الشيخ الجواد الكاظمي ادعى أن هذا
القول هو المشهور وأنه قول الشيخ في النهاية والمبسوط الذي ادعى عليه الاجماع، قال
(قدس سره): أما استحبابه على الوجه الذي ذكره المصنف فهو المشهور بين الأصحاب
وادعى الشيخ عليه الاجماع في النهاية والمبسوط. وظاهر الذخيرة اختيار هذا القول
ودعوى أنه هو المشهور كما ذكره الفاضل المشار إليه بزعم أن كلام الشيخ في النهاية
والمبسوط وكذا من تبعه غير ظاهر فيما فهموه فإن اعتبار اليمنة واليسرة للسرير كما يمكن
باعتبار المشيعين يمكن باعتبار الميت فينبغي أن يحمل عليه حتى يوافق الروايات
ويوافق كلامه في الخلاف.
وكيف كان فالواجب الرجوع إلى النصوص وبيان ما هو المفهوم منها بالعموم
93

أو الخصوص، فمنها - ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن الفضل بن يونس (1) قال:
" سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن تربيع الجنازة؟ قال: إذا كنت في موضع تقية
فابدأ باليد اليمني ثم بالرجل اليمنى ثم ارجع من مكانك إلى ميامن الميت لا تمر خلف رجليه
البتة حتى تستقبل الجنازة فتأخذ يده اليسرى ثم رجله اليسرى ثم ارجع من مكانك لا تمر
خلف الجنازة البتة حتى تستقبلها تفعل كما فعلت أولا، وإن لم تكن تتقي فيه فإن تربيع الجنازة
الذي جرت به السنة أن تبدأ باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى
حتى تدور حولها " وما رواه في الكافي عن العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه السلام) (2)
قال: " تبدأ في حمل السرير من جانبه الأيمن ثم تمر عليه من خلفه إلى الجانب الآخر
ثم تمر حتى ترجع إلى المقدم كذلك دوران الرحى عليه " وما رواه الكليني والشيخ عن علي
ابن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) (3) قال: " سمعته يقول: السنة في حمل
الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكفك الأيمن ثم تمر عليه
إلى الجانب الآخر وتدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ثم تمر عليه إلى الجانب
الرابع مما يلي يسارك " وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن جامع
البزنطي عن ابن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) (4) قال: " السنة أن تستقبل
الجنازة من جانبها الأيمن وهو مما يلي يسارك ثم تصير إلى مؤخره وتدور عليه حتى ترجع
إلى مقدمة " وما في الفقه الرضوي (5) حيث قال (عليه السلام): " وربع الجنازة فإن
من ربع جنازة مؤمن حط الله تعالى عنه خمسا وعشرين كبيرة، فإذا أردت أن تربعها فابدأ
بالشق الأيمن فخذه بيمينك ثم تدور إلى المؤخر فتأخذه بيمينك ثم تدور إلى المؤخر الثاني
فتأخذه بيسارك ثم تدور إلى المقدم الأيسر فتأخذه بيسارك ثم تدور على الجنازة
كدور كفى الرحى ".

1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الدفن 5) ص 18
2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الدفن 5) ص 18
3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الدفن 5) ص 18
4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الدفن 5) ص 18
94

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة، والكلام فيها أما في رواية الفضل بن
يونس فإن الأصحاب قد استدلوا بها على المذهب المشهور، والذي يظهر عندي أنها تدل
على قول الشيخ في الخلاف، وذلك فإن الظاهر من اليد اليمنى واليد اليسرى والرجل
اليمنى والرجل اليسرى إنما هو يد الميت ورجلاه لأن ظاهر الخبر أن الابتداء في حال
التقية وعدم التقية واحد، وهو أن يبدأ بيد الميت اليمنى التي تلي يسار السرير بالتقريب
الذي قدمناه، ولا فرق بينهما إلا أنه بعد حمل ما يلي يد الميت اليمنى ثم رجله اليمنى فإن
كان مقام تقية رجع إلى ميامن الميت ومر من وجه الجنازة ولا يدور من خلفها حتى
يأخذ يد الميت اليسرى التي تلي يمين السرير بيده اليسرى أو على كتفه الأيسر ثم إلى
الرجل اليسرى وإن لم تكن تقية فإنه يمر خلف الميت. والظاهر أن الإشارة بدور الرحى
في الرواية إنما هو للرد على العامة فيما ذكره (عليه السلام) عنهم في هذا الخبر وحينئذ
فلا تأييد فيه للقول المشهور كما ذكره جمع من الأصحاب من أن الرحى إنما تدور من اليمين
إلى اليسار لا بالعكس، فإن الظاهر أن الغرض من التشبيه إنما هو مجرد الدوران وعدم
الرجوع في الأثناء كما تفعله العامة مما نقله (عليه السلام) في الخبر المذكور ومما يؤكد
كون فعل العامة كما نقله (عليه السلام) ما ذكره في كتاب شرح السنة (1) وهو من
كتب العامة المشهورة، قال: " حمل الجنازة من الجوانب الأربع فيبدأ بياسرة السرير
المتقدمة فيضعها على عاتقه الأيمن ثم بياسرته المؤخرة ثم بيامنته المتقدمة فيضعها على عاتقه

1) في المغني لابن قدامة ج 2 ص 478 " السنة في الحمل الجنازة الأخذ بجوانب
السرير الأربع.. وصفته أن يبدأ بقائمه السرير على يده اليمنى ثم يعود إلى القائمة اليمنى من عند رأس
الميت فيضعها على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى اليمنى من عند رجليه، وبهذا قال أبو حنيفة
والشافعي، وعن أحمد أنه يدور فيأخذ بعد ياسرة المؤخر يامنة المؤخر ثم المقدمة
وهو مذهب إسحاق، وروي عن ابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير وأيوب "
95

الأيسر ثم بيامنته المؤخرة " انتهى. وهو عين ما ذكره (عليه السلام) وبذلك يظهر
صحة ما ذكرنا من أن الخبر من أدلة قول الشيخ في الخلاف لا القول المشهور كما هو مما
ذكرنا واضح الظهور. وأما رواية العلاء بن سيابة فهي لا تخلو من اجمال فإن الضمير
في " جانبه) يحتمل رجوعه إلى " السرير " كما هو الظاهر فيكون الخبر ظاهرا في
القول المشهور سيما مع قراءة الأفعال الأربعة على صيغة الخطاب، ويحتمل رجوعه إلى الميت
فيكون موافقا لقول الشيخ في الخلاف إلا أن الظاهر هو الأول. وأما رواية علي بن
يقطين فهي ظاهرة في مذهب الشيخ في الخلاف وحملها على خلافه تعصب واعتساف.
وأما رواية السرائر فهي ظاهرة في القول المشهور لأن جانب الجنازة الأيمن هو الذي
يلي يسار الميت. وقوله: " مما يلي يسارك " يعني في حال الحمل لأن يمين الجنازة يلي
يسار الحمل، والحديث صحيح باصطلاح المتأخرين لأن الكتاب المأخوذ منه من الأصول
المشهورة المأثورة. وصاحبه وكذا المروي عنه وهو ابن أبي يعفور ثقتان جليلان،
وبذلك يظهر ما في كلام السيد السند (قدس سره) في المدارك حيث قال بعد ذكر
الروايات الثلاث الأولة: والروايات كلها قاصرة من حيث السند، مع أن ابن بابويه
روى في الصحيح عن الحسين بن سعيد (1): " أنه كتب إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
يسأله عن سرير الميت يحمل أله جانب يبدأ به في الحمل من جوانبه الأربع أو ما خف
على الرجل من أي الجوانب شاء؟ فكتب من أيها شاء " وروى جابر عن الباقر (عليه
السلام) (2) قال: " السنة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك
من حمل فهو تطوع " انتهى. وفيه زيادة على ما عرفت - وإن كان العذر له ظاهرا في
عدم وقوفه على الخبر المذكور - أنه لا منافاة بين ما دلت عليه هذه الأخبار وما دلت عليه
الصحيحة المذكورة حتى أنه يتمسك بهذه الصحيحة في رد تلك الأخبار لضعفها بزعمه

1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الدفن
96

فإن الظاهر أن السؤال في الصحيحة المذكورة عن جانب يتعين العمل به ولا يجوز العدول
إلى غيره فأجابه (عليه السلام) بأنه ليس كذلك بل تتأدى السنة أي سنة التربيع
بالابتداء بأي جانب، ولا ينافيه كون الأفضل أن يكون على الكيفية التي تضمنتها هذه الأخبار وإن اختلفت فيها، ويدل على ما ذكرناه قوله (عليه السلام) في الخبر الثاني
الذي أورده: " السنة أن يحمل السرير من جوانبه الأربع وما كان بعد ذلك من حمل
فهو تطوع " أي زيادة فضل واستحباب وأما رواية كتاب الفقه فهي ظاهرة أيضا في
مذهب الشيخ في الخلاف بأن يراد بالشق الأيمن يعني يمين الميت وهو يسار السرير كما
ينادي به الحمل بيمينه، فإن الحمل باليمين مع خروج الحامل عن السرير إنما يكون مما يلي
يمين الميت ويسار السرير. وكيف كان فالظاهر التخيير بين الصورتين جمعا بين
الأخبار المذكورة.
وأما ما تكلفه في الذكرى ومثله في الروض - من ارجاع كلام الشيخ في الخلاف
إلى ما في النهاية والمبسوط حيث إنه ادعى الاجماع على ما ذهب إليه في الكتابين المذكورين،
قال في الذكرى - بعد الاستدلال على القول المشهور بروايتي العلاء بن سيابة والفضل بن
يونس - ما صورته: والشيخ في الخلاف عمل على خبر علي بن يقطين، ثم ساق الخبر ثم
قال: ويمكن حمله على التربيع المشهور لأن الشيخ ادعى عليه الاجماع وهو في المبسوط
والنهاية وباقي الأصحاب على التفسير الأول فكيف يخالف دعواه؟ ولأنه قال في الخلاف
يدور دور الرحى كما في الرواية وهو لا يتصور إلا على البدأة بمقدم السرير الأيمن والختم
بمقدمه الأيسر والإضافة هنا قد تتعاكس، والراوندي حكى كلام النهاية والخلاف وقال
معناهما لا يتغير. انتهى. - فلا يخفى ما فيه (أما أولا) فلما أوضحناه من معنى الأخبار
المذكورة وبينا دلالة أكثر روايات المسألة على مذهب الشيخ في الخلاف، وتطبيق أحد
القولين على الآخر اعتساف ظاهر وأي اعتساف. و (أما ثانيا) - فإن كلام العلامة
في المنتهى كما قدمناه وكلامه هو (قدس سره) في الدروس صريحان في مذهب الشيخ
97

في الخلاف. و (أما ثالثا) - فإن الاستناد إلى دوران الرحى في الرواية لا وجه له بعد ما
أوضحناه. و (أما رابعا) - فإن استبعاد مخالفة الشيخ لنفسه سيما فيما يدعي عليه الاجماع
مما يقضى منه العجب من مثل هذين الفاضلين المحققين، وأي مسألة من مسائل الفقه
من أوله إلى آخره لم تختلف أقواله فيه ولا فتاواه حتى يستغرب في هذا المقام؟ وكيف
لا وهذا القائل أعني شيخنا الشهيد الثاني قد صنف رسالة جمع فيها المسائل التي ادعى فيها
الشيخ الاجماع في موضع وادعى الاجماع على عكسه في موضع آخر وهي تبليغ سبعين
مسألة، وكانت الرسالة المذكورة عندي فتلفت في بعض الوقائع التي مرت علي، وبالجملة
فما ذكرناه أشهر من أن ينكر.
(الثالث) - أن يحفر له القبر قدر قامة أو إلى الترقوة، صرح به الشيخان
والصدوق في كتابه وجملة من تأخر عنهم من الأصحاب، والذي وقفت عليه من الأخبار
في المقام ما رواه في الكافي عن السكوني عن الصادق (عليه السلام (1) " أن النبي
(صلى الله عليه وآله) نهى أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع " وما رواه الشيخ في
الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (2) قال:
" حد القبر إلى الترقوة وقال بعضهم إلى الثدي وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمد الثوب
على رأس من في القبر، وأما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس، قال ولما حضرت علي بن
الحسين (عليه السلام) الوفاة أغمي عليه فبقي ساعة ثم رفع عنه الثوب ثم قال: الحمد لله
الذي أورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين. ثم قال احفروا لي حتى تبلغوا
الرشح قال ثم مد الثوب عليه فمات (عليه السلام) " ورواه في الكافي عن سهل (3)
قال روى أصحابنا: " أن حد القبر إلى الترقوة. الحديث " وروى في الفقيه
مرسلا (4) قال: " قال الصادق (عليه السلام) حد القبر إلى الترقوة وقال بعضهم إلى
الثديين وقال بعضهم قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر، وأما اللحد فيوسع

1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الدفن
98

بقدر ما يمكن الجلوس فيه " قال في الذكرى بعد نقل مرسلة ابن أبي عمير: " والظاهر أن هذا من محكي ابن أبي عمير لأن الإمام لا يحكي قول أحد " أقول: يمكن أن يكون قول الإمام ويكون حكاية لأقوال العامة) وإلا فحمل هذين البعضين القائلين على الشيعة
بعيد جدا فإن الشيعة لا يقولون إلا عن الأئمة (عليهم السلام) لأنهم لا يتخذون
مذهبا غير مذهب أئمتهم (عليهم السلام) ثم قال في معنى قول زين العابدين (عليه
السلام): " احفروا لي حتى تبلغوا الرشح ": " يمكن حمله على الثلاثة لأنها قد تبلغ الرشح
في البقيع " أقول: والرشح الندى في أسفل الأرض. أقول: لا يخفى أن النهي عن أن
يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع لا يجامع استحباب القامة الذي ذكروه، فإن الثلاثة أذرع
إنما تصل إلى الترقوة فيكون مرجع حديثي الثلاثة والترقوة إلى أمر واحد، وأما القامة
فإنما وردت في حكاية ابن أبي عمير على ما أشار إليه في الذكرى أو النقل عن العامة كما
احتملناه، فالأولى الاقتصار على الثلاث كما لا يخفى.
ثم إنه قد ذكر جملة من الأصحاب: منهم - المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى
أن اللحد أفضل من الشق في غير الأرض الرخوة، قال في المعتبر: " ويستحب أن
يجعل له لحد ومعناه أن الحافر إذا انتهى إلى أرض القبر حفر مما يلي القبلة حفرا واسعا
قدر ما يجلس فيه الجالس، كذا ذكره الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة وابن بابويه في
كتابه " وقال في الذكرى: اللحد أفضل من الشق عندنا في غير الأرض الرخوة
لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1): " اللحد لنا والشق لغيرنا " واحتج به
أيضا في المعتبر، ثم قال: ومن طريق الأصحاب ما رواه الحلبي ثم ذكر ما رواه
في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (2) " أن النبي

1) رواه الترمذي في سننه على شرحه لابن العربي ج 4 ص 226 والنسائي
في سننه ج 1 ص 283 وأبو داود في سننه ج 3 ص 213
2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الدفن
99

(صلى الله عليه وآله) لحد له أبو طلحة الأنصاري " وهذه الرواية هي دليل الأصحاب
على الأفضلية، وأما الرواية الأولى فالظاهر أنها عامية كما يشير إليه كلام المعتبر إلا أنه
قد ورد أيضا في رواية إسماعيل بن همام عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (1) قال:
" قال أبو جعفر (عليه السلام) حين احتضر إذا أنا مت فاحفروا لي وشقوا لي
شقا فإن قيل لكم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحد له فقد صدقوا " وفي حديث
الحلبي (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) أن أبي كتب في وصيته، إلى أن قال
وشققنا له الأرض من أجل أنه كان بادنا " وقد تقدم (3) في رواية فقه الرضا
نحوه حكاية عنه (عليه السلام) وفي العيون في الصحيح أو الحسن عن أبي الصلت
الهروي عن الرضا (عليه السلام) (4) في حديث أنه قال: سيحفر لي في هذا الموضع
فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل وأن يشق لي ضريحه فإن أبوا إلا أن
يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا فإن الله تعالى سيوسعه ما شاء.. الحديث "
ورواه في الأمالي. وظاهر هذه الأخبار إنما هو أرجحيته الشق على اللحد، وحديث
التلحيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لا ظهور فيه في الأفضلية لأنه لا يدل على
أمره (صلى الله عليه وآله) بذلك ولا أمر أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولعل فعله
إنما هو من حيث كونه أحد الفردين المخير بينهما، وبالجملة فعدول الإمامين (عليهما
السلام) عن ذلك وصيتهما بالشق وجوابهما عن الاحتجاج عليهما فيما اختاراه من الشق
بتلحيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظاهر المنافاة:، وظاهر حديث الرضا (عليه
السلام) يشبر إلى أن اللحد إنما هو من سنن هؤلاء، إلا أن العدول عما عليه اتفاق
ظاهر كلام الأصحاب مشكل، قال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل حديث تعليل الشق
للباقر (عليه السلام) بكونه بدينا: " إنما كان يمنع من اللحد لعدم إمكان توسيع اللحد

1) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الدفن
3) ص 30
4) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الدفن
100

بحيث يسع جثته (عليه السلام) لرخاوة أرض المدينة " أقول: لا يخفى ما فيه فإنه لو كان
كذلك كيف يلحد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس بين قبر الرسول (صلى الله
عليه وآله) وبين البقيع ما يقتضي اختلاف الأرض شدة ورخاوة. وعندي أن هذا
التعليل إنما خرج مسامحة ومجاراة وإلا فالأصل إنما هو أفضلية الشق، ثم قال (قدس سره)
في الكتاب المذكور بعد نقل حديث وصية الرضا (عليه السلام): " لعل اختيار الشق
هنا لأمر يخصه (عليه السلام) أو يخص ذلك المكان كما أن الحفر سبع مراقي كذلك
ويدل على استحباب توسيع اللحد " وأما حديث إسماعيل بن همام فرده في المنتهى بضعف
السند. وصرح المحقق في المعتبر بناء على ما اختاره من أفضلية اللحد بأنه لو كانت الأرض
رخوة لا تحمل اللحد يعمل له شبه اللحد من بناء تحصيلا للأفضلية.
(الرابع) - أن يضع الجنازة على الأرض إذا وصل إلى القبر مما يلي رجليه
والمرأة مما يلي القبلة وإن ينقله في ثلاث دفعات، كذا صرح به الأصحاب.
أقول: أما الحكم الأول فقد نقله في المعتبر عن الشيخ في النهاية والمبسوط
وابن بابويه في كتابه، وقال في المدارك أنه لم يقف فيه على نص، قال: وإنما علل ذلك
بأنه أيسر في فعل ما هو الأولى من إرسال الرجل سابقا برأسه والمرأة عرضا، واختيار
جهة القبلة لشرفها. أقول: ما ذكره من عدم وجود النص في المسألة مسلم بالنسبة إلى المرأة
حيث إني بعد التتبع التام لم أقف على ما يدل على ما ذكروه من وضعها مما يلي القبلة بل ظاهر
النصوص وضع الجنازة رجلا كان أو امرأة مما يلي الرجلين ومن ذلك خبر محمد بن عجلان
الأول ومرسلة محمد بن عطية (1) فإن المراد فيهما بأسفل القبر ما يلي الرجلين، وأوضح
منهما دلالة ما ورد في عدة أخبار (2) " أن لكل بيت بابا وأن باب القبر من قبل
الرجلين " ومنها - موثقة عمار (3) وفيها " لكل شئ باب وباب القبر مما يلي الرجلين
إذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين. الخبر " وهذه الأخبار - كما ترى -

1) ص 103
2) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
101

شاملة باطلاقها للرجل والمرأة، وبذلك يظهر أن ما ذكره في المدارك - من أنه لم يقف على
نص في وضع الرجل مما يلي الرجلين - ليس في محله بل النصوص - كما ترى - ظاهرة
فيه، ويمكن أن يستفاد ما ذكره الأصحاب بالنسبة إلى المرأة أيضا والفرق بينها وبين
الرجل من عبارة الفقه الرضوي حيث قال (عليه السلام) (1): " وإن كانت امرأة
فخذها بالعرض من قبل اللحد وتأخذ الرجل من قبل رجليه تسله سلا " فإن ظاهر العبارة
أن جنازة المرأة توضع من قبل اللحد واللحد إنما يكون في القبلة كما تقدم في عبارة المعتبر
وجنازة الرجل تؤخذ من قبل رجلي القبر، وقضية الأخذ من ذلك المكان كون هذا
المكان المأخوذ منه هو الذي وضعت فيه الجنازة لما وصلت إلى القبر، وبهذه العبارة
عبر الصدوق في الفقيه أيضا، وحينئذ فيجب تخصيص تلك الأخبار بالرجل وبه يدفع
الإيراد على الأصحاب بعدم وجود المستند لما ذكروه من التفصيل، وقد عرفت نظير
ذلك في غير موضع ومثل عبارة كتاب الفقه المذكورة ورواية الأعمش الآتية (2) قريبا
إن شاء الله تعالى، والتقريب فيهما مع واحد.
. وأما الحكم الثاني فقد ذكره الصدوق في الفقيه (3) فقال: " وإذا حمل الميت
إلى قبره فلا يفاجأ به القبر أهوالا عظيمة، ويتعوذ حامله بالله من هول المطلع
ويضعه قرب شفير القبر ويصبر عليه هنيئة ثم يقدمه قليلا ويصبر عليه هنيئة ليأخذ أهبته
ثم يقدمه إلى شفير القبر ويدخله القبر من يأمره ولي الميت إن شاء شفعا وإن شاء وترا،
ويقال عند النظر إلى القبر: اللهم اجعله روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر
النار " انتهى. قال في المدارك بعد نقل الثلاث دفعات عن الصدوق في الفقيه والشيخ في
المبسوط والمحقق في المعتبر: والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الروايات صحيحة
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " ينبغي أن يوضع الميت دون

1) ص 18
2) ص 105
3) ج 1 ص 107
4) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الدفن
102

القبر هنيئة ثم واره " ومرسلة محمد بن عطية (1) قال: " إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا
تفدحه به ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة حتى يأخذ أهبته ثم ضعه في لحده. "
ورواية محمد بن عجلان (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا تفدح ميتك بالقبر لكن
ضعه أسفل منه بذراعين أو ثلاثة ودعه حتى يأخذ أهبته " ولا يخفى انتفاء دلالة هذه
الروايات على ما ذكره الأصحاب بل إنما تدل على استحباب وضعه دون القبر هنيئة ثم
دفنه، وبمضمونها أفتى ابن الجنيد والمصنف في المعتبر في آخر كلامه، وهو المعتمد. انتهى.
أقول: ومن روايات المسألة مما هو من هذا القبيل ما رواه ثقة الاسلام عن يونس (3)
قال: " حديث سمعته عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ما ذكرته وأنا في بيت إلا ضاق
علي، يقول إذا أتيت بالميت إلى شفير القبر فأمهله ساعة فإنه يأخذ أهبته للسؤال " وما رواه
الشيخ عن محمد بن عجلان (4) قال: " سمعت صادقا يصدق على الله تعالى - يعني أبا عبد الله
(عليه السلام) - قال: إذا جئت بالميت إلى قبره فلا تفدحه بقبره ولكن ضعه دون
قبره بذراعين أو ثلاثة أذرع ودعه حتى يتأهب للقبر ولا تفدحه به. الحديث ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما ذكره الصدوق مما قدمنا نقله عنه فإنما أخذه من الفقه
الرضوي على النهج؟ الذي عرفت سابقا وستعرف مثله إن شاء الله تعالى، قال (عليه
السلام) في الكتاب المذكور (5): " وإذا حملت الميت إلى قبره فلا تفاجئ به القبر
فإن للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ بالله من هول المطلع ولكن ضعه دون شفير القبر واصبر
عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه إلى شفير القبر، ويدخله القبر
من يأمره ولي الميت إن شاء شفعا وإن شاء وترا، وقل إذا نظرت إلى القبر: اللهم اجعله
روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار " انتهى. ومنه يعلم أن مستند
الصدوق في هذا الحكم إنما هو الكتاب المذكور ومن تأخر عنه أخذ ذلك منه أو من

1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الدفن
5) ص 18
103

الكتاب المذكور، ومنه يعلم مستند القول المشهور وإن خفي على الأكثر من أصحابنا
المتأخرين والجمهور لعدم وصول الكتاب إليهم. وقال الصدوق في العلل (1) بعد نقل
رواية محمد بن عجلان المتقدمة: " وروى في حديث آخر: إذا أتيت بالميت القبر فلا تفدح
به القبر فإن للقبر أهوالا عظيمة ونعوذ بالله من هول المطلع ولكنه ضعه قرب شفير
القبر واصبر عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته ثم قدمه إلى شفير
القبر " انتهى. والظاهر أن هذه الرواية المرسلة مأخوذة من الكتاب المذكور كما ترى
فإن العبارة واحدة. بقي الكلام في الجمع بين هذه الروايات وبين ما ذكره (عليه السلام)
في الفقه الرضوي، والظاهر حمل كلامه (عليه السلام) على مزيد الفضل والاستحباب
فإنه أبلغ في الأهبة والاستعداد وإن تأدى أصل الحكم بما في تلك الأخبار، قوله
(عليه السلام): " فلا تفجأ به القبر " قال في المصباح المنير: " فجأت الرجل أفجأه مهموز
من باب تعب وفي لغة بفتحتين: جئته بغتة " وحينئذ يكون المعنى هنا لا تأت بميتك القبر
بغتة، وأما على رواية " تفدح به القبر " فقال في القاموس: " فدحه الدين كمنعه أثقله "
ولعل المراد لا تجعل القبر ودخوله ثقيلا على ميتك بادخاله فيه بغتة، وأما هول المطلع
فقال في النهاية: " هول المطلع يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر
الآخرة عقيب الموت فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال " انتهى قوله:
" ويدخله القبر. إلى آخره " فيه دلالة على عدم تعين عدد مخصوص وبه قال
الأصحاب، قال في المنتهى: " لا توقيت في عدة من ينزل القبر وبه قال أحمد، وقال
الشافعي يستحب أن يكون وترا (2) " وفي الخبر المذكور دلالة على أن الاختيار في
ذلك للولي، وهو كذلك من غير خلاف يعرف. والله العالم.

1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الدفن
2) كما في المغني ج 2 ص 502 والبحر الرائق ج 2 ص 193 والمهذب ج 1 ص 131
104

(المطلب الثاني) - في الآداب المقارنة وهي أمور: (منها) - أن يرسل الميت
إلى القبر سابقا برأسه إن كان رجلا والمرأة عرضا، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في
التهذيب عن عبد الصمد بن هارون (1) رفع الحديث قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام):
إذا أدخلت الميت القبر إن كان رجلا يسل سلا والمرأة تؤخذ عرضا فإنه أستر " وعن
عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (2) قال: " يسل الرجل
سلا وتستقبل المرأة استقبالا ويكون أولى الناس بالمرأة في مؤخرها " وما رواه الصدوق
في الخصال بسنده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3) في حديث شرائع
الدين قال: " والميت يسل من قبل رجليه سلا والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد
والقبور تربع ولا تسم " وما ذكره (عليه السلام) في الفقه الرضوي (4) حيث قال:
" وإن كانت امرأة فخذها بالعرض من قبل اللحد وتأخذ الرجل من قبل رجليه تسله
سلا " هذا، وجملة من الأخبار قد تضمنت السل مطلقا: منها - صحيحة الحلبي أو حسنته
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه فإذا
وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي. الحديث " ورواية محمد بن مسلم قال: سألت
أحدهما (عليهما السلام) عن الميت؟ فقال نسله من قبل الرجلين وتلزق القبر بالأرض إلا قدر
أربع أصابع مفرجات وتربع قبره " ونحوهما غيرهما أيضا من الأخبار الآتية، وقد ظهر من
هذه الأخبار مضافا إلى ما قدمناه قريبا أن السنة في الرجل هو وضع جنازته من جهة رجلي
القبر وأنه ينقل في دفعات ثلاث وأنه يسل سلا ويبدأ برأسه، وأما المرأة فإن موضع جنازتها
مما يلي القبلة وتؤخذ عرضا وتوضع دفعة، وبذلك صرح الأصحاب أيضا كما عرفت، وطريق
الجمع حمل اطلاق هذه الأخبار السابقة حمل المطلق على المقيد فلا منافاة.

1) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
4) ص 18
5) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
105

ومنها - ما اشتملت عليه هذه الأخبار التي أنا ذاكرها ثم افصل ما اشتملت عليه
ذيلها إن شاء الله تعالى: منها - ما رواه في الكافي عن ابن أبي يعفور عن الصادق
(عليه السلام) (1) قال " لا ينبغي لأحد أن يدخل القبر في نعلين ولا خفين ولا
عمامة ولا رداء ولا قلنسوة " وعن علي بن يقطين في الصحيح أو الحسن (2) قال: " سمعت
أبا الحسن (عليه السلام) يقول لا تنزل في القبر وعليك العمامة والقلنسوة ولا الحذاء
ولا الطيلسان وحل أزرارك وبذلك سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) جرت، وليتعوذ
بالله من الشيطان الرجيم وليقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية
الكرسي، وإن قدر أن يحسر عن خذه ويلصقه بالأرض فليفعل وليشهد وليذكر
ما يعلم حتى ينتهي إلى صاحبه " وعن أبي بكر الحضرمي عن الصادق (عليه السلام) (3)
قال: " لا تنزل القبر وعليك العمامة ولا القلنسوة ولا رداء ولا حذاء وحل أزرارك.
قال: قالت والخف؟ قال لا بأس بالخف في وقت الضرورة والتقية " ورواه في التهذيب (4)
وزاد " وليجهد في ذلك جهده " وما رواه في التهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (5)
قال: " رأيت أبا الحسن (عليه السلام) دخل القبر ولم يحل أزراره " وعن سيف بن عميرة
عن الصادق (عليه السلام) (6) قال: " لا تدخل القبر وعليك نعل ولا قلنسوة ولا رداء
ولا عمامة. قلت فالخف؟ قال: لا بأس بالخف فإن في خلع الخف شناعة " وما رواه
في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (7) قال: " إذا
أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه فإذا وضعته في القبر فاقرأ آية الكرسي وقل:
بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله اللهم افسح له في قبره وألحقه بنبيه
(صلى الله عليه وآله) وقل كما قلت في الصلاة عليه مرة واحدة من عند " اللهم إن كان محسنا
فزد في احسانه وإن كان مسيئا فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه " استغفر له ما استطعت

1) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب الدفن
7) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن
106

قال وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا ادخل الميت القبر قال: اللهم جاف
الأرض عن جنبيه وصاعد عمله ولقه منك رضوانا " وعن أبي بصير عن الصادق (عليه
السلام) (19 قال: " إذا سللت الميت فقل: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (صلى
الله عليه وآله) اللهم إلى رحمتك لا إلى عذابك. فإذا وضعته في اللحد فضع يدك على
أذنه وقل: الله ربك والإسلام دينك ومحمد (صلى الله عليه وآله) نبيك والقرآن
كتابك وعلي (عليه السلام) أمامك " ورواه في التهذيب أيضا (2) وفيه " فضع فمك على
أذنه " كما في الأخبار الآتية. وعن محمد بن عجلان عن الصادق (عليه السلام) (3)
قال: " سله سلا رفيقا فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس مما يلي رأسه، وليذكر
اسم الله تعالى ويصل عليه النبي (صلى الله عليه وآله) ويتعوذ من الشيطان، وليقرأ
فاتحة الكتاب والمعوذتين وقل هو الله أحد وآية الكرسي، وإن قدر أن يحسر عن
خده ويلزقه بالأرض فعل، وليشهد ويذكر ما يعلم حتى ينتهي إلى صاحبه " وما رواه
في التهذيب عن محمد بن عجلان (4) قال: " سمعت صادقا يصدق على الله - يعني أبا عبد الله (عليه
السلام) - قال إذا أدخلته إلى قبره فليكن أولى الناس به عند رأسه وليحسر عن خده وليلصق
خده بالأرض. وليذكر اسم الله تعالى وليتعوذ من الشيطان وليقرأ فاتحة الكتاب وقل هو
الله أحد المعوذتين وآية الكرسي ثم ليقل ما يعلم، ويسمعه تلقينه: شهادة أن لا إله الله
وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويذكر له ما يعلم واحدا واحدا " وعن
محفوظ الإسكاف عن الصادق (عليه السلام) (5) قال: " إذا أردت بأن تدفن الميت
فليكن أعقل من ينزل في قبره عند رأسه وليكشف عن خده الأيمن حتى يفضي به إلى
الأرض ويدني فمه إلى سمعه ويقول أسمع أفهم (ثلاث مرات) الله ربك ومحمد نبيك (صلى
الله عليه وآله) والإسلام دينك وفلان إمامك اسمع وافهم، وأعدها عليه ثلاث مرات هذا
التلقين " ورواه في الكافي. وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح في الأول والموثق في

1) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب الدفن
107

الثاني عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " إذا وضع الميت في لحده
فقل: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله عبدك وابن عبدك نزل بك وأنت
خير منزول به اللهم افسح له في قبره وألحقه بنبيه اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا
وأنت أعلم به منا. فإذا وضعت عليه اللبن فقل: اللهم صل وحدته وآنس وحشته
واسكن إليه من رحمتك تغنيه بها عن رحمة من سواك. فإذا خرجت من قبره
فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم ارفع درجته في أعلى عليين
واخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا رب العالمين " وما رواه في الكافي في
الموثق عن سماعة عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) ما أقول إذا أدخلت الميت منا قبره؟ قال قال: اللهم هذا عبدك فلان وابن عبدك
قد نزل بك وأنت خير منزول به وقد احتاج إلى رحمتك اللهم ولا نعلم منه إلا خيرا وأنت
أعلم بسريرته ونحن الشهداء بعلانيته اللهم فجاف الأرض عن جنبيه ولقنه حجته واجعل
هذا اليوم خير يوم أتى عليه واجعل هذا القبر خير بيت نزل فيه وصيره إلى خير مما كان
فيه ووسع له في مدخله وآنس وحشته واغفر ذنبه ولا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده "
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح والموثق عن ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا
عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " يشق الكفن من عند رأس الميت إذا أدخل قبره "
وعن أبي حمزة (4) قال: " قلت لأحدهما (عليهما السلام) يحل كفن الميت؟ قال: نعم
ويبرز وجهه " وعن أبي بصير (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عقد كفن
الميت. قال إذا أدخلته القبر فحلها؟ وعن إسحاق بن عمار (6) قال: " سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول إذا نزلت في قبر فقل بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (صلى
الله عليه وآله) ثم تسل الميت سلا، فإذا وضعته في قبره فحل عقدته وقل: اللهم يا رب

1) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن
108

عبدك ابن عبدك نزل بك وأنت خير منزول به اللهم إن كان محسنا فزد في احسانه وإن
كان مسيئا فتجاوز عنه وألحقه بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) وصالح شيعته واهدنا
وإياه إلى صراط مستقيم اللهم عفوك عفوك. ثم تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر
وتحركه تحريكا شديدا ثم تقول: يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل الله ربي ومحمد نبيي
والإسلام ديني والقرآن كتابي وعلي إمامي حتى تستوفي الأئمة (عليهم السلام) ثم تعيد
عليه القول ثم تقول أفهمت يا فلان؟ قال فإنه يجيب ويقول نعم، ثم تقول ثبتك الله بالقول
الثابت هداك الله إلى صراط مستقيم عرف الله بينك وبين أوليائك في مستقر من رحمته ثم
تقول: اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد بروحه إليك ولقه منك برهانا اللهم عفوك
عفوك. ثم تضع الطين اللبن فما دمت تضع اللبن والطين تقول: اللهم صل وحدته وآنس
وحشته وآمن روعته واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك فإنما
رحمتك للظالمين. ثم تخرج من القبر وتقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم ارفع درجته
في أعلى عليين واخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا رب العالمين " وروى في الكافي
عن زرارة (1) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن القبر كم يدخله؟ قال ذاك إلى
الولي إن شاء أدخل وترا وإن شاء شفعا " وفي الفقه الرضوي (2) قال (عليه السلام)
" وقل إذا نظرت إلى القبر: اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر
النيران. فإذا دخلت القبر فاقرأ أم الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي، فإذا توسطت
المقبرة فاقرأ إلهكم التكاثر واقرأ: " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة
أخرى " (3) إذا تناولت الميت فقل بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ثم ضعه في لحده على يمينه مستقبل القبلة وحل عقد كفنه وضع خده
على التراب وقل: اللهم جاف الأرض عن جنبيه وصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا.

1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الدفن
2) ص 18
3) سورة طه الآية 56
109

ثم تدخل يدك اليمنى تحت منكبه الأيمن وتضع يدك اليسرى على منكبه الأيسر وتحركه
تحريكا شديدا وتقول: يا فلان بن فلان الله ربك ومحمد نبيك والإسلام دينك وعلي
وليك وإمامك، وتسمي الأئمة واحدا واحدا إلى آخرهم (عليهم السلام) ثم تعيد
عليه التلقين مرة أخرى، فإذا وضعت عليه اللبن فقل: اللهم آنس وحشته
وصل وحدته برحمتك اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك نزل بساحتك وأنت خير
منزول به اللهم إن كان محسنا فزد في احسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له
إنك أنت الغفور الرحيم " وهذه العبارة نقلها في الفقيه متفرقة فبعض منها نقله عن أبيه
في رسالته إليه وبعض منها ذكره هو مفتيا به كما عرفت من عادته وعادة أبيه في غير موضع.
أقول: يستفاد من هذه الأخبار عدة أحكام: (منها) - أنه يستحب للملحد
وهو الولي أو من يأذن له شفعا أو وترا - كما تقدم الدليل عليه - أن يكون مكشوف
الرأس محلول الأزرار حافيا إلا لضرورة أو تقية، وابن الجنيد أطلق نفي البأس عن
الخفين، والأظهر تقييده كما دلت عليه هذه الأخبار، داعيا هو وغيره من المشيعين عند
معاينة القبر بقوله: اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة كما تقدم من كتاب الفقه، وعند
تناول الميت: بسم الله وبالله إلى آخر ما في رواية أبي بصير المتقدمة (1) أو بسم الله
وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في كتاب الفقه، (2) وعند وضعه في اللحد: بسم الله وبالله إلى آخر ما في رواية الحلبي أو ما تضمنته رواية
محمد بن مسلم أو موثقة سماعة (3) قارئا بعد وضعه في اللحد السور المذكورة في الأخبار
وآية الكرسي، كاشفا عن وجهه مفضيا بخده الأيمن إلى الأرض، والأولى حل عقد
الكفن كما اشتملت عليه روايات أبي حمزة وأبي بصير وإسحاق بن عمار وعبارة كتاب
الفقه (1) دون شقه كما اشتملت عليه مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة (5) ومثلها ما رواه

1) ص 107
2) ص 109
3) ص 106 و 108
4) ص 108 و 109
5) ص 108
110

في التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري عن الصادق (عليه السلام) (1) قال:
" يشق الكفن إذا أدخل الميت في قبره من عند رأسه " قال في المعتبر بعد ذكر هذه
الرواية: " وهذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب ولأن ذلك افساد للمال على وجه غير
مشروع، إلى أن قال: والصواب الاقتصار على حل عقده " قال في الذكرى بعد نقل
كلام المعتبر: " قلت: يمكن أن يراد بالشق الفتح ليبدو وجهه فإن الكفن كان منضما
فلا مخالفة ولا افساد " انتهى. وهو في مقام الجمع غير بعيد. ملقنا له الشهادتين وأسماء
الأئمة (عليهم السلام) إلى أن يبلغ إلى صاحب العصر (عليه السلام). وما ذكره في كتاب
الفقه الرضوي - من أنه يدخل يده اليمنى تحت منكب الميت الأيمن. الخ - غريب
لم يوجد في غيره، نعم ذكره في الفقيه والظاهر أنه مأخوذ من الكتاب المذكور إلا أنه
ذكره في كلام طويل في ذيل رواية سالم بن مكرم الآتية، وقد توهم جمع أنه من
الرواية المذكورة والظاهر بعده وهذا التلقين هو التلقين الثاني وبعضهم جعله ثالثا
باعتبار استحباب التلقين عند التكفين. ولم أقف على مستنده.
ومنها - أن يجعل له وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدرة وشبهها لئلا يستلقي
رواه الصدوق في الفقيه (2) عن سالم بن مكرم عن الصادق (عليه السلام) قال: " يجعل
له وسادة من تراب ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقي " وللصدوق في الفقيه بعد
هذه الرواية كلام طويل أكثره مأخوذ من الفقه الرضوي، وصاحب الوافي وكذا صاحب
الوسائل أضافاه إلى الرواية المذكورة، والظاهر عدمه كما استظهره أيضا شيخنا المجلسي
(قدس سره) في البحار.
ومنها - وضع التربة الحسينية على مشرفها أفضل الصلاة والسلام والتحية معه، وهذا
الحكم مشهور في كلام المتقدمين ولكن مستنده خفي على المتأخرين ومتأخريهم، قال في
المدارك وقبله الشهيد في الذكرى والعلامة وغيرهما: " ذكر ذلك الشيخان ولم نقف لهما على مأخذ

1) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الدفن
111

سوى التبرك بها ولعله كاف في ذلك، واختلف قولهما في موضع جعلها فقال المفيد في
المقنعة توضع تحت خده، وقال الشيخ تلقاء وجهه، وقيل في كفنه، قال في المختلف:
والكل عندي جائز لأن التبرك موجود في الجميع، ونقل " أن امرأة قذفها القبر مرارا
لأنها كانت تزني وتحرق أولادها وأن أمها أخبرت الصادق (عليه السلام) بذلك فقال إنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله تعالى اجعلوا معها شيئا من تربة الحسين (عليه
السلام) فاستقرت (1) " قال الشيخ نجيب الدين في درسه: يصلح أن يكون هذا متمسكا.
حكاه في الذكرى ولا يخفى ما فيه " انتهى ما ذكره في المدارك، وبنحوه صرح
من تقدمه.
أقول: العجب من استمرار الغفلة عن دليل هذه المسألة من المتأخرين حتى من مثل
السيد المشار إليه وإنما استندوا في ذلك إلى هذه الحكاية أو إلى قضية التبرك مع أنه قد
روى الشيخ في أبواب المزار من التهذيب في الصحيح عن محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري (2) قال: " كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره
هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: يوضع مع الميت في قبره
ويخلط بحنوطه إن شاء الله تعالى " ورواه في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله عن أبيه عن
صاحب الزمان (عليه السلام) وروى الشيخ في المصباح عن جعفر بن عيسى (3)
" أنه سمع أبا الحسن (عليه السلام) يقول ما على أحدكم إذا دفن الميت ووسده التراب
أن يضع مقابل وجهه لبنة من الطين؟ ولا يضعها تحت رأسه " والمراد بالطين في الخبرين
هو تربة الحسين (عليه السلام) ولعل اختيار هذه العبارة المجملة لنوع من التقية أو لشيوع
هذا الاطلاق يومئذ ومعلومية المراد منه، والشيخ قد فهم من الرواية الأخيرة ذلك فنظمها
في جملة أخبار تربة الحسين (عليه السلام) التي ذكرها في الكتاب المشار إليه. وفي
الفقه الرضوي (4) " ويجعل معه في أكفانه شئ من طين القبر وتربة الحسين (عليه السلام) "

1) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب الدفن
4) ص 20
112

والعطف فيها تفسيري كما لا يخفى. وأنت خبير بأن رواية المصباح قد تضمنت تعيين
موضع التربة بأنه مقابل وجهه وهو دليل ما تقدم نقله عن الشيخ، والأفضل مع ذلك أن تخلط بحنوطه كما دلت عليه الرواية الأولى وأن تجعل في أكفانه كما في كتاب الفقه،
وبذلك يصدق الوضع معه في قبره كما دلت عليه الرواية الأولى.
ومنها - أنه إن كان الميت امرأة فالأفضل نزول الزوج في قبرها أو المحارم
وإن كان رجلا فالأفضل الأجانب، ذكر ذلك شيخنا الشهيد في الذكرى.
أما الحكم الأول فيدل عليه ما رواه في الكافي عن السكوني عن الصادق (عليه
السلام) (1) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) مضت السنة من رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أن المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في حياتها " وعن
إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " الزوج أحق بامرأته حتى يضعها
في قبرها " وقال في الفقه الرضوي (3): " فإذا أدخلت المرأة القير وقف زوجها
من موضع ينال وركها " وفي حديث زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه
السلام) (4) قال: " يكون أولى الناس بالمرأة في مؤخرها " قال في الذكرى: الزوج
أولى من المحرم بالمرأة لما تقدم في الصلاة ولو تعذر فامرأة صالحة ثم أجنبي صالح وإن
كان شيخنا فهو أولى، قاله في التذكرة.
وأما الحكم الثاني فالروايات لا تساعد عليه على اطلاقه، والذي وقفت عليه
من الأخبار في المسألة ما رواه في الكافي عن عبد الله بن راشد عن الصادق
(عليه السلام) (5) قال: " الرجل ينزل في قبر والده ولا ينزل الوالد في قبر
ولده " وفي الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري وغيره عن الصادق (عليه
السلام) (6) قال: " يكره للرجل أن ينزل في قبر ولده " وما رواه في التهذيب

1) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب الدفن
3) ص 18
5) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب الدفن
113

عن عبد الله بن محمد بن خالد الصادق (عليه السلام) (1) قال: " الوالد لا ينزل في
قبر ولده والوالد ينزل في قبر والده " ونحو ذلك في خبرين آخرين عن عبد الله بن راشد (2)
ومورد هذه الأخبار كلها إنما هو كراهة نزول الأب في قبر ابنه دون العكس، ولعل
السر فيه أنه لا يؤمن على الأب أن يجزع على ابنه حين يكشف عن وجهه ويوضع خده
على التراب بخلاف الابن فإنه ليس بهذه المثابة، وحينئذ فتعدية الحكم إلى غير الأب
مشكل. نعم قد ورد في الدفن وإهالة التراب عليه - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - ما يدل
على الكراهية من ذي الرحم مطلقا وهو مشعر بالكراهة فيما نحن فيه، إلا أن ظاهر الأصحاب
الاتفاق على الحكم المذكور، وتأولوا الروايات المذكورة بزيادة الكراهة في جانب الأب
في دخول قبر ابنه وإن كان العكس أيضا مكروها.
ومنها - تغطية قبر المرأة حال الدفن، وقيل بذلك في الرجل أيضا، وبالأول صرح
المفيد وابن الجنيد وإليه مال في المعتبر، وبالثاني قال الشيخ في الخلاف وجمع ممن تأخر عنه
بل الظاهر أنه المشهور، قال في المختلف: " قال الشيخ في الخلاف إذا أنزل الميت القبر
يستحب أن يغطى بثوب، واستدل بالاجماع على جوازه وبالاحتياط على استعماله.
وقال ابن إدريس ما وقفت لأحد من أصحابنا في هذه المسألة على مسطور فأحكيه عنه، والأصل
براءة الذمة من واجب أو ندب، وهذا مذهب الشافعي ولا حاجة بنا إلى موافقته على
ما لا دليل عليه، قال وقد يوجد في بعض نسخ أحكام النساء للشيخ المفيد أن المرأة
يجلل قبرها عند دفنها بثوب والرجل لا يمد عليه ثوب فإن كان ورد ذلك فلا نعديه إلى
قبر الرجل فليلحظ ذلك. وقال ابن الجنيد وإن كانت امرأة مد على القبر ثوبا ولم
يرفعه إلى أن يغيبها باللبن. وكل من القولين عندي جائز وإن كان الستر في قبر المرأة
أولى لما فيه من الستر لها ولما رواه جعفر بن سويد من بني جعفر بن كلاب (3) قال:

1) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 50 من أبواب الدفن
114

" سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول يغشى قبر المرأة بثوب ولا يغشى قبر
الرجل، وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب والنبي (صلى الله عليه وآله) شاهد ولم ينكر
ذلك " فانكار ابن إدريس لا معنى له، ولأنه يخشى حدوث أمر من الميت من تغير
بعض أعضائه أو أمر منكر فاستحب الستر لقبره عند دفنه طلبا لاخفاء حاله " انتهى.
أقول: قوله " وقد مد على قبر سعد بن معاذ ثوب. إلى آخر الخبر " يحتمل أن يكون من
أصل الخبر كما نقله المحدثان في الوافي والوسائل، ولا يبعد أن يكون ذلك من كلام
الشيخ في التهذيب فأضافه المحدثان المذكوران إلى أصل الخبر فإن هذه العبارة بكلام
الشيخ أنسب. ونقل في الذكرى الاحتجاج على ما ذهب إليه المفيد وابن الجنيد قال:
ولما روي (1) " أن عليا (عليه السلام) مر بقوم دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب
فجذبه وقال إنما يصنع هذا بالنساء " ولم أقف عليه فيما حضرني من كتب الأخبار
وكيف كان فالظاهر الاقتصار في هذا الحكم على النساء للخبرين المذكورين.
ومنها - الوضوء للملحد، قال في الذكرى: " قال الفاضلان يستحب أن يكون
متطهرا لقول الصادق (عليه السلام): " توضأ إذا أدخلت الميت القبر " أقول هذه
الرواية قد رواها الشيخ في الموثق عن عبيد الله الحلبي ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليه
السلام) (2) في حديث قال: " توضأ إذا أدخلت الميت القبر " وفي الفقه الرضوي (3)
قال: تتوضأ إذا أدخلت الميت القبر " إلا أنه روى في الكافي في الصحيح عن محمد
ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " قلت: الرجل يغمض عين الميت عليه
غسل؟ قال إذا مسه بحرارته فلا ولكن إذا مسه بعدما يبرد فليغتسل، وساق الحديث

1) رواه في كنز العمال ص 119 رقم الحديث 2212 واستشهد به ابن قدامة
في المغني ج 2 ص 501
2) رواه في الوسائل في الباب 53 من أبواب الدفن
3) ص 20
4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب غسل مس الميت
115

إلى أن قال: قلت له فمن حمله عليه غسل؟ قال: لا. قلت فمن أدخله القبر عليه وضوء؟
قال: لا إلا أن يتوضأ من تراب القبر إن شاء " قال شيخنا المجلسي (قدس سره)
في البحار في شرح الفقه الرضوي: قوله (عليه السلام): " يتوضأ " لعل المراد
بالتوضؤ غسل اليد كما روى الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم ثم ذكر الرواية كما
ذكرناه، ثم قال: فإن الظاهر منه أيضا أن المراد أنه يغسل يده مما أصابها من تراب القبر
وأما الحمل على التيمم بتراب القبر فلا يخلو من بعد إذ اطلاق الوضوء على التيمم غير
مأنوس، وأيضا فلا ثمرة للتخصيص بتراب القبر.
أقول: هنا شيئان: (أحدهما) الوضوء لأجل إدخال الميت قبره بمعنى أنه
يستحب أن يكون الملحد على طهارة كما نقل عن الفاضلين المذكورين، وحينئذ فالمراد
بقوله (عليه السلام) في موثقة الحلبي ومحمد بن مسلم: " توضأ إذا أدخلت الميت القبر "
أي إذا أردت إدخاله، وكذا قوله (عليه السلام) في كتاب الفقه، وهذا التجوز في التعبير
شائع في الكتاب العزيز والسنة النبوية كقوله عز وجل: " إذا قمتم إلى الصلاة
فاغسلوا. الآية " (1) وقوله: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان. " (2)
و (ثانيهما) الوضوء بمعنى الغسل عما يلاقيه من بدن الميت أو ثيابه أو نحو ذلك، وهذا هو
المسؤول عنه في صحيحة محمد بن مسلم على الظاهر فإن السؤالات المذكورة فيها عن الغسل
في تلك المواضع المذكورة فيها مبنية على توهم تعدي نجاسة الميت في تلك الصورة فنفى
(عليه السلام) فيها ما نفى وأثبت ما أثبت ومن جملتها السؤال عمن أدخله القبر هل
عليه الوضوء - يعني غسل يده بسبب إدخاله القبر - أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بأنه
لا يوجب وضوء يعني غسلا إلا أن يريد أن يغسل يده من تراب القبر للتنظيف إن شاء.
وبذلك يظهر أن تأويل شيخنا المشار إليه لرواية كتاب الفقه بالحمل على الغسل استنادا
إلى ما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم - وكذلك جمع صاحب الوسائل بين موثقة الحلبي

1) سورة المائدة الآية 8
2) سورة النحس. الآية 99
116

ومحمد بن مسلم وبين صحيحة محمد بن مسلم بحمل الوضوء في الموثقة المذكورة على
الاستحباب ونفيه في الصحيحة المشار إليها على نفي الوجوب بقرينة قوله " عليه " وهو
لا ينافي الاستحباب - ليس في محله، فإن مورد إحداهما غير مورد الأخرى كما أوضحناه
والعجب من شيخنا المشار إليه في ارتكابه التأويل في عبارة كتاب الفقه مع وجود
القائل باستحباب الوضوء ووجود الرواية الدالة عليه كما عرفت، وكأنه لم يخطر بباله ذلك
يومئذ. والله العالم.
ومنها - فرش القبر بالساج مع الضرورة والكراهة مع عدمها، ويدل عليه
ما رواه في الكافي عن علي بن محمد القاساني (1) قال: " كتب علي بن بلال إلى
أبي الحسن (عليه السلام): أنه ربما مات الميت عندنا وتكون الأرض ندية فيفرش
القبر بالساج أو يطبق عليه فهل يجوز ذلك؟ فكتب: ذلك جائز " وروى في الفقيه
مرسلا (2) قال: " وقد روى عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) اطلاق في أن يفرش
القبر بالساج ويطبق على الميت الساج " والشيخ قد روى الحديث (3) مضمرا ولم
يصرح بأبي الحسن (عليه السلام) ومن ثم قال في الذكرى بعد نقل الرواية من طريق
الشيخ: " والظاهر أن المسؤول الإمام مع الاعتضاد بفتوى الأصحاب " وكأنه غفل عن
الرواية بطريق الشيخين الآخرين فإنهما صرحا - كما ترى - به. قيل: وتطبيق الساج.
عليه جعله حواليه كأنه وضع في تابوت. أقول: والساج خشب معروف والطيلسان
الأخضر كما في الصحاح وغيره والمراد هنا الأول، قال في الوافي بعد نقل رواية الصدوق:
وأريد بالاطلاق الجواز فلا ينافي تقييد الحديث بالأرض الندية مع أن هذا القيد ليس
إلا في السؤال. قال في الذكرى: أما وضع الفرش عليه والمخدرة فلا نص فيه، نعم روى
ابن عباس من طريقهم (4) أنه جعل في قبر النبي (صلى الله عليه وآله) قطيفة حمراء،

1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الدفن
4) كما في الصحيح مسلم ج 1 ص 356 وسنن البيهقي ج 3 ص 408
117

والترك أولى لأنه اتلاف للمال فيتوقف على إذن الشارع ولم يثبت، ثم نقل عن ابن
الجنيد أنه لا بأس بالوطء في القبر واطباق اللحد بالساج. أقول أما رواية وضع القطيفة
في قبره (صلى الله عليه وآله) فقد ذكرها في الكافي ورواها بسنده عن يحيى بن
أبي العلاء عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " ألقى شقران مولى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) في قبره القطيفة " وبذلك يظهر أنها غير مختصة برواياتهم كما
ذكره، وقد تقدم أيضا في صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (2)
قال: " البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه طرحا فإذا أدخل القبر وضع تحت خده
وتحت جنبه " وهو مؤيد لحديث القطيفة، والحمل على ضرورة نداوة الأرض ونحوها
بعيد، على أن قيد كون الأرض ندية في مكاتبة علي بن بلال إنما هو في كلام السائل
هو لا يوجب تقييد عموم الجواب، وكيف كان فالظاهر حمل ذلك على الجواز وإن
كان الأفضل الافضاء به إلى الأرض لأنه أبلغ في التذلل والخضوع ورجاء الرحمة
والمغفرة في تلك الحال الضيقة المجال، إلا أن صاحب دعائم الاسلام روى عن علي
(عليه السلام) (3) " أنه فرش في لحد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قطيفة لأن
الموضع كان نديا سبخا " وفيه تأييد لمن قيد ذلك بالنداوة.
ومنها - الخروج من قبل رجلي القبر، فروى في الكافي عن السكوني عن الصادق
(عليه السلام) (4) قال: " من دخل القبر فلا يخرج إلا من قبل الرجلين " وعن
سهل رفعه (5) قال: قال " يدخل الرجل القبر من حيث شاء ولا يخرج إلا من قبل
رجليه " قال في الكافي: وفي رواية أخرى (6) " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)

1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
118

أن لكل بيت بابا وأن باب القبر من قبل الرجلين " وروى في التهذيب عن جبير بن
نقير الحضرمي (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن لكل بيت بابا وباب
القبر من قبل الرجلين " وعن عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: لكل
شئ باب وباب القبر مما يلي الرجلين فإذا وضعت الجنازة فضعها مما يلي الرجلين ويخرج
الميت مما يلي الرجلين. " وفرق ابن الجنيد بين الرجل والمرأة فوافق في الرجل وقال في
المرأة يخرج من عند رأسها لانزالها عرضا وللبعد عن العورة. والأخبار - كما ترى -
مطلقة. أقول: ظاهر هذه الأخبار باعتبار ضم بعضها إلى بعض أن الداخل للقبر يدخل
من أي جهة شاء وأن الخروج لا يكون إلا من قبل الرجلين، ظاهر العلامة في المنتهى
استحباب الدخول أيضا من قبل الرجلين حيث قال: يستحب له أن يخرج من قبل
الرجلين لأنه قد استحب الدخول منه فكذا الخروج، ولقوله (عليه السلام) (3)
" باب القبر من جهة الرجلين " ولم أقف على ذلك في كلام غيره، ولعله لم يطلع على
خبر السكوني ومرفوعة سهل المتقدمين أو غفل عنهما يومئذ وإلا فالثاني منهما صريح
والأول ظاهر أن الدخول من أي جهة شاء.
ومنها - تشريح اللحد باللبن والطين وهو بناؤه وتنضيده على وجه يمنع دخول التراب
إليه، والدعاء في تلك الحال، روى الصدوق في العلل بسنده عن عبد الله بن سنان
عن الصادق (عليه السلام) (4) قال: " أتى رسول الله (صلى إليه عليه وآله) فقيل له
أن سعد بن معاذ قد مات فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقام أصحابه معه فأمر
بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب فلما أن حنط وكفن وحمل على سريره تبعه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا حذاء ولا رداء ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة
ويسرة السرير مرة حتى انتهى به إلى القبر فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى

1) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 60 من أبواب الدفن
119

لحده وسوى اللبن عليه وجعل يقول ناولني حجرا ناولني ترابا رطبا، يسد به ما بين اللبن
فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني
لأعلم أنه سيبلي ويصل إليه البلى ولكن الله عز وجل يحب عبدا إذا عمل عملا
فأحكمه. الحديث " وفي الكافي في الصحيح عن أبان بن تغلب (1) قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول جعل علي (عليه السلام) على قبر رسول الله (صلى الله
عليه وآله) طينا فقلت أرأيت أن جعل الرجل آجرا هل يضر الميت؟ قال: لا " وقد
تقدم في رواية إسحاق بن عمار (2) " ثم تضع الطين واللبن فما دمت تضع اللبن والطين
تقول اللهم صل وحدته. الدعاء " وقد تقدم (3) في عبارة كتاب الفقه " فإذا وضعت
عليه اللبن فقل: اللهم آنس وحشته. الدعاء " وقد تقدم قال في المنتهى: " إذا
وضعه في اللحد شرج عليه اللبن لئلا يصل التراب إليه ولا نعلم فيه خلافا، ويقوم مقام
اللبن مساويه في المنع من تعدي التراب إليه كالحجر والقصب والخشب إلا أن اللبن
أولى من ذلك كله لأنه المنقول عن السلف والمعروف في الاستعمال، وينبغي أن يسد
الخلل بالطين لأنه أبلغ في المنع وروى ما يقاربه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن
عمار " (4) انتهى.
ومنها - أن يهال عليه التراب ويطم القبر إذا فرغ من تشريج اللبن ولا يطرح
فيه من تراب غيره داعيا بالمأثور، روى في الكافي في الصحيح عن داود بن النعمان (5)
قال: " رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: " ما شاء الله لا ما شاء الناس " فلما
انتهى إلى القبر تنحى فجلس فلما أدخل الميت لحده قام فحثا عليه التراب ثلاث مرات
بيده " وعن عمر بن أذينة في الصحيح (6) قال: " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام)

1) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن
3) ص 110
4) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الدفن
120

يطرح التراب على الميت فيمسكه ساعة في يده ثم يطرحه ولا يزيد على ثلاثة أكف،
قال فسألته عن ذلك فقال يا عمر كنت أقول: " ايمانا بك وتصديقا ببعثك هذا
ما وعدنا الله ورسوله. إلى قوله وتسليما " هكذا كان يفعل رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وبه جرت السنة " وعن السكوني عن الصادق (عليه السلام) (1) قال:
" إذا حثوت التراب على الميت فقل " ايمانا بك وتصديقا ببعثك هذا ما وعدنا الله ورسوله "
قال وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول
من حثا على ميت وقال هذا القول أعطاه الله تعالى بكل ذرة حسنة " وعن محمد بن
مسلم (2) قال: " كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) في جنازة رجل من أصحابنا فلما
أن دفنوه قام إلى قبره فحثا عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفه ثم بسط كفه على القبر ثم قال:
اللهم جاف الأرض عن جنبيه واصعد إليك روحه ولقه منك رضوانا واسكن قبره
من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك. ثم مضى " وروى الشيخ عن محمد بن الأصبغ
عن بعض أصحابنا (3) قال: " رأيت أبا الحسن (عليه السلام) وهو في جنازة فحثا
التراب على القبر بظهر كفيه " وفي الفقه الرضوي (4) " ثم احث التراب عليه بظهر
كفيك ثلاث مرات وقل: " اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعدنا الله ورسوله
وصدق الله ورسوله " فإنه من فعل ذلك وقال هذه الكلمة كتب الله له بكل ذرة
حسنة " ويستفاد من الخبرين الأخيرين كون الإهالة بظهر الكفين وبه صرح جملة من
الأصحاب أيضا، وظاهر الأخبار الأخر كونها ببطن الكفين ولا سيما صحيحة عمر بن
أذينة المتضمنة لأنه (عليه السلام) كان يمسكه في يده ساعة، والظاهر التخيير جمعا. ثم إن
ظاهر الأخبار المذكورة أن الثلاث أقل المراتب المستحبة.
وأما ما يدل على كراهية الدفن بغير تراب القبر فهو ما رواه في الفقيه مرسلا (5)

1) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب الدفن
4) ص 18
5) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الدفن
121

قال: " قال الصادق (عليه السلام) كل ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل
على الميت " وعن السكوني عن الصادق (عليه السلام (1) " أن النبي (صلى الله عليه وآله)
نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه " وعن ابن الجنيد لا يزاد من غير ترابه وقت
الدفن ولا بأس بذلك بعد الدفن.
ويكره إهالة ذي الرحم لما في الكافي في الموثق عن عبيد بن زرارة (2) قال:
" مات لبعض أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) ولد فحضر أبو عبد الله فلما ألحد تقدم أبوه
فطرح عليه التراب فأخذ أبو عبد الله (عليه السلام) بكفيه وقال لا تطرح عليه التراب
ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب، فقلنا يا ابن رسول الله (صل الله
عليه وآله) أتنهانا عن هذا وحده؟ فقال أنهاكم من أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم
فإن ذلك يورث القسوة في القلب ومن قسا قلبه بعد من ربه " قال في الوافي: " عن هذا
وحده أي عن هذا الميت وحده أن نطرح عليه التراب أو عن طرح التراب وحده دون
سائر ما يتعلق بالتجهيز فأجاب (عليه السلام) بالتعميم في الأول والتخصيص في الثاني
فصار جوابا لكلا السؤالين أراد السائل ما أراد " انتهى.
(المطلب الثالث) - في الآداب المتأخرة، ومنها أن يكون القبر مربعا
مسطحا، وأن يرفع عن الأرض قدر أربع أصابع مفرجات كما في بعض الأخبار
أو مضمومات كما في آخر، وفي بعضها قدر شبر وهو يؤيد الأول، ومن ذلك اختلفت
كلمة الأصحاب أيضا فالمفيد (قدس سره) أربع أصابع مفرجات لا أزيد من ذلك، وابن
أبي عقيل مضمومات، وابن زهرة وابن البراج خيرا بين أربع أصابع مفرجات وبين
شبر، وأن يرشه بالماء.

1) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الدفن
122

ومما يدل عليه استحباب التربيع ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم (1) قال:
" سألت أحدهما (عليهما السلام) عن الميت؟ فقال يسل من قبل الرجلين ويلزق القبر
بالأرض إلا قدر أربع أصابع مفرجات ويربع قبره " إلا أن في الكافي روى هذه
الرواية (2) وفيه أبعد قوله " مفرجات " " ترفع قبره " وما تقدم في خبر الأعمش (3)
من قوله (عليه السلام): ". القبور تربع ولا تسنم " وما رواه في العلل عن الحسين بن
الوليد عمن ذكره عن الصادق (عليه السلام) (4) قال: " قلت لأي علة يربع القبر؟
قال لعلة البيت لأنه نزل مربعا ".
وأما التسطيح فقال في الذكرى: " وليكن مسطحا باجماعنا نقله الشيخ، لأن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) سطح قبر ابنه إبراهيم (5) وقال القاسم بن محمد:
" رأيت قبر النبي (صلى الله عليه وآله) والقبرين عنده مسطحة لا مشرفة ولا لاطئة
مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء " (6) ولأن التربيع يدل على التسطيح، ولأن قبور
المهاجرين والأنصار بالمدينة مسطحة (7) وهو يدل على أنه أمر متعارف، واحتج الشيخ أيضا
في الخلاف بما رواه أبو الهياج (8) قال: " قال علي (عليه السلام) أبعثك على ما بعثني عليه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا ترى قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته " وفيه أيضا دلالة على عدم رفعه كثيرا، وفي خبر زرارة وجابر عن الباقر (عليه السلام) (9)
" وسوى قبره) " وسوى عليه " دليل على التسطيح " انتهى. أقول: الظاهر أن

1) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن
5) كما في الأم للشافعي ج 1 ص 242.
6) كما في سنن أبي داود ج 3 ص 215
7) كما في الأم للشافعي ج 1 ص 242.
8) كما في صحيح مسلم ج 1 ص 357 وسنن أبي داود ج 3 ص 215 رقم 3218
9) الأول جملة من خبر زرارة والثاني من خبر جابر، وقد روي الأول في الوسائل
في الباب 33 والثاني في الباب 35 من أبواب الدفن
123

التسطيح لما كان مجمعا عليه بين الإمامية (نور الله تعالى مراقدهم) حتى أن جمعا من العامة
صرحوا بنسبته إليهم وعدلوا عنه مراغمة لهم كما في المنتهى (1) وأوضحناه بما لا مزيد
عليه في سلاسل الحديد، والشيخ ومن تبعه لم يقفوا عليه في نصوص أهل البيت
(عليهم السلام) تكلفوا به بهذه الأدلة التي لفقها شيخنا المشار إليه هنا، والأصل فيها
بعد الاجماع المذكور إنما هو ما ذكره (عليه السلام) في الفقه الرضوي حيث قال
" والسنة أن القبر يرفع أربع أصابع مفرجة من الأرض وإن كان أكثر فلا بأس
ويكون مسطحا لا مسنما " انتهى. والظاهر أن علي بن بابويه ذكر ذلك في الرسالة على
الطريقة المعهودة آنفا وتبعه الجماعة في ذلك كما عرفت في غير موضع مما تقدم ويأتي إن شاء
الله تعالى، والظاهر أن المراد من قوله (عليه السلام): " وإن كان أكثر " أي إلى
شبر كما ورد مما سيأتي ذكره في المقام إن شاء الله تعالى.
وأما رفعه عن الأرض بالقدر المذكور من الاختلاف فيه فالذي وقفت عليه من
الأخبار المتعلقة بذلك ما في رواية محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال (2): ". ويرفع
القبر فوق الأرض أربع أصابع " وموثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) (3) قال:

1) في الوجيز للغزالي ج 1 ص 47 " التسنيمم أفضل من التسطيح مخالفة لشعار
الروافض " وفي كتاب رحمة الأمة على هامش الميزان للشعراني ج 1 ص 88 " أن السنة
تسطيح القبور ولما صار شعار الرافضة كان الأولى مخافتهم إلى التسنيم " وفي المهذب
للشيرازي ج 1 ص 27 " قال أب على الطبراني في زماننا يسنم القبر لأن التسطيح من شعار
الرافضة. ولا يصح لأن السنة قد صحت فيه فلا يعفر بموافقة الرافضة " وفي المنهاج
للنوى ص 25 " الصحيح أن تسطيح القبر أولى من تسنيمه " وفي الأم للشافعي ج 1
ص 242 " ويسطح القبر فإن النبي " ص " سطح قبر ابنه إبراهيم وكانت مقبرة المهاجرين
والأنصار مسطها قبورها ووضع الحصباء عليها ولا تثبت الحصباء الأعلى قبر مسطح "
وفي مسند الشافعي على هامش الأم ج 1 ص 266 وشرح المنهاج لابن حجر ج 1
ص 560 مثله.
2) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن
3) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن
124

". ويرفع قبره من الأرض أربع أصابع مضمومة وينضح عليه الماء ويخلى عنه " ورواية
إبراهيم بن علي عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (1) " أن قبر رسول الله (صلى الله عليه
وآله) رفع شبرا من الأرض وأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر برش القبور " ورواية
محمد بن مسلم المتقدمة وفيها " أربع أصابع مفرجات " ورواية عقبة بن بشير عن مولانا
الباقر (عليه السلام) (2) قال: " قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي: يا علي ادفني
في هذا المكان وارفع قبري من الأرض أربع أصابع ورش عليه الماء " وصحيحة حماد
ابن عثمان أو حسنته عن الصادق (عليه السلام) (3) قال لا " إن أبي قال لي ذات يوم
في مرضه إذا أنا مت فغسلني وكفني وارفع قبري أربع أصابع ورشه بالماء. " ورواية
الحلبي (4) في حديث قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن أبي أمرني أن أرفع
القبر من الأرض أربع أصابع مفرجات وذكر أن رش القبر بالماء حسن " وصحيحة الحلبي
ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) (5) قال: " أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره
أربع أصابع مفرجات وذكر أن الرش بالماء حسن. حديث " وقد تقدمت عبارة كتاب
الفقه وفيها " أربع أصابع مفرجة " وحمل في الذكرى اختلاف الأخبار على التخيير، وهو
جيد، ثم قال ولما كان المقصود من رفع القبران يعرف ليزار ويحترم كان مسمى الرفع كافيا.
وأما الرش فقد عرفته مما دلت عليه الأخبار المذكورة، بقي الكلام في كيفيته
والأفضل فيها ما ورد في رواية موسى بن أكيل - بضم الهمزة وفتح الكاف - النميري
عن الصادق (عليه السلام) (6) قال: " السنة في رش الماء على القبر أن يستقبل القبلة
ويبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل ثم يدور على القبر من الجانب الآخر ثم يرش على
وسط القبر فكذلك السنة " وقال مولانا الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (7)
" فإذا استوى قبره فصب عليه ماء وتجعل القبر أمامك وأنت مستقبل القبلة وتبدأ

1) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن
2) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن
3) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن
4) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن
5) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب الدفن
7) ص 18
125

بصب الماء من عند رأسه وتدور به على القبر من أربع جوانب القبر حتى ترجع إلى الرأس من
غير أن تقطع الماء فإن فضل من الماء شئ فصبه على وسط القبر " وبهذه العبارة عبر الصدوق
في الفقيه من غير اسناد إلى أحد. وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير
عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (1) " في رش الماء على القبر؟ قال
يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في التراب ".
ومنها - أن يضع يده على القبر بعد ذلك مستقبل القبلة داعيا بالمأثور، روى
في الكافي في الصحيح عن زرارة (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام) (3) إذا فرغت
من القبر فانضحه ثم ضع يدك عند رأسه وتغمز كفك عليه بعد النضح " وقد تقدم في
رواية محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال: " ثم بسط كفه على القبر ثم
قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه. إلى آخر الدعاء " وفي كتاب الفقه الرضوي (4)
على أثر العبارة المتقدمة في الرش " ثم ضع يدك على القبر وأنت مستقبل القبلة وقل:
اللهم ارحم غربته وصل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته وأفض عليه من رحمتك
واسكن إليه من برد عفوك وسعة غفرانك ورحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك
واحشره مع من كان يتولاه. ومتى ما زرت قبره فادع له بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة
ويداك على القبر " وروى في التهذيب عن إسحاق بن عمار (5) قال: " قلت لأبي
الحسن الأول (عليه السلام) إن أصحابنا يصنعون شيئا: إذا حضروا الجنازة ودفن الميت
لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر أفسنة ذلك أم بدعة؟ فقال ذلك واجب على
من لم يحضر الصلاة عليه " وعن محمد بن إسحاق (6) قال: " قلت لأبي الحسن الرضا
(عليه السلام) شئ يصنعه الناس عندنا: يضعون أيديهم علي القبر إذا دفن الميت؟
قال إنما ذلك لمن لم يدرك الصلاة عليه فأما من أدرك الصلاة عليه فلا " وفي الكافي

1) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب الدفن
3) ص 121
4) ص 18
5) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب الدفن
126

في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) (1) قال: " كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين
كان إذا صلى الهاشمي ونضح قبره بالماء وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كفه على القبر حتى ترى أصابعه في الطين فكان الغريب يقدم أو المسافر من أهل
المدينة فيرى القبر الجديد عليه أثر كف رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول من
مات من آل محمد؟ " وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) قال: " سألته عن وضع
الرجل يده على القبر ما هو ولم يصنع؟ فقال صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
على ابنه بعد النضح. قال وسألته كيف أضع يدي على قبور المسلمين. فأشار بيده إلى
الأرض ووضعها عليها ثم رفعها وهو مقابل القبلة " قال شيخنا في الذكرى بعد ايراد
خبر زرارة الثاني ومحمد بن إسحاق: " وليس في هاتين مخالفة للأول لأن الوجوب على
من لم يحضر الصلاة لا ينافي الاستحباب لغيره، والمراد به أنه ينسحب مؤكدا لغير
الحاضر للصلاة عليه ولهذا لم يذكر الوجوب في الخبر الآخر فهو وإن كان مستحبا
للحاضر لكنه غير مؤكد. واخبار الراوي عن عمل الأصحاب حجة في نفسه وتقرير
الإمام (عليه السلام) يؤكده، وفعل النبي (صلى الله عليه وآله) حجة فليتأس به
وتخصيص بني هاشم لكرامتهم عليه " انتهى. وهو جيد. إلا أنه نقل شيخنا المجلسي في
البحار عن العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم قال: " إن النبي (صلى الله عليه
وآله) كان إذا مات رجل من أهل بيته يرش قبره ويضع يده عليه قبره ليعرف أنه قبر العلوية
وبني هاشم من آل محمد فصارت بدعة في الناس كلهم ولا يجوز ذلك " وهو
غريب، والعجب أن شيخنا المشار إليه نقله ولم ينبه على ما فيه، والظاهر أن حكمه بالبدعية
لما يفعله الناس وعدم جواز ذلك ناشي عن فهمه من الخبر الاختصاص وغفل عن ملاحظة
باقي أخبار المسألة الدالة على العموم كما لا يخفى.

1) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب الدفن
127

أقول: والمستفاد من هذه الأخبار أن السنة تتأدى بمجرد وضع اليد على القبر وأن
الدعاء مع ذلك أبلغ في الفضل وكذلك استقبال القبل، وسنن الوضع المذكور لم تجتمع في
خبر من هذه الأخبار إلا خبر كتاب الفقه، والظاهر أنه هو مستند المتقدمين فيما
ذكروه من هذه السنن الثلاث حسبما ذكرنا في أمثال هذا المقام.
ومنها - التلقين وهو التلقين الثالث ولا خلاف فيه بين أصحابنا، وأنكره
الفقهاء الأربعة مع وروده في رواياتهم (1) والأصل فيه عندنا ما رواه المشايخ الثلاثة
(عطر الله مراقدهم) عن يحيى بن عبد الله (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول ما على أهل الميت منكم أن يدرأوا عن ميتهم لقاء منكر ونكير؟ قلت كيف
يصنع؟ قال إذا أفرد الميت فليتخلف عنده أولى الناس به فيضع فمه عند رأسه ثم ينادي
بأعلى صوته: يا فلان بن فلان أو يا فلانة بن فلان هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه
من شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله سيد النبيين
وأن عليا أمير المؤمنين وسيد الوصيين وأن ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) حق
وأن الموت حق وأن البعث حق وأن الله يبعث من في القبور؟ قال فيقول منكر لنكير
انصرف بنا عن هذا فقد لقن حجته " وروى في التهذيب عن جابر عن الباقر (عليه
السلام) (3) قال: " ما على أحدكم إذا دفن ميته وسوى عليه وانصرف عن قبره أن
يتخلف عند قبره ثم يقول: يا فلان بن فلان أنت على العهد الذي عهدناك به من شهادة
أن لا إله ألا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن عليا أمير المؤمنين
(عليه السلام) إمامك وفلان وفلان حتى يأتي على آخرهم (عليهم السلام)؟ فإنه
إذا فعل ذلك قال أحد الملكين لصاحبه قد كفينا الوصول إليه ومسألتنا إياه فإنه قد

1) كما في كنز العمال ج 8 ص 120 رقم 2231 ومجمع الزوائد لابن حجر ج 3
ص 45 ومنتقى الأخبار متن الأوطار ج 3 ص 77 والمغني لابن قدامة ج 2 ص 506
2) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب الدفن
128

لقن حجته فينصرفان عنه ولا يدخلان عليه " وفي الفقه الرضوي (1) " ويستحب أن يتخلف
عند رأسه أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه ويقبض على التراب بكفيه ويلقنه برفيع
صوته فإنه إذا فعل ذلك كفى المسألة في قبره " وقد روى هذه العبارة بأدنى تغيير الصدوق
في العلل بسنده عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه إلى الصادق (عليه السلام) (2)
قال: " ينبغي أن يتخلف عند قبر الميت أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه ويقبض
على التراب بكفيه ويلقنه ويرفع صوته فإذا فعل ذلك كفى الميت المسألة في قبره ".
فوائد: " الأولى) - قال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل هذا الخبر الأخير:
" لا يبعد أن يكون اشتراط انصراف الناس ووضع الفم عند الرأس - كما ورد في أخبار
أخر - للتقية، والأولى مراعاة ذلك كله "
(الثانية) - ظاهر الأخبار المذكورة اختصاص التلقين بالولي، وقد عرفت
معناه فيما تقدم من أنه أولى الناس بميراثه كما هو المشهور، وظاهر كلام الأصحاب أنه
الولي أو من يأذن له الولي، وحينئذ فتجوز الاستنابة فيه، وادعى في الذكرى الاجماع عليه
وهل يعتبر إذن الولي في ذلك؟ ظاهر العلامة في المنتهى العدم، وكأنه يحمل التخصيص
في الأخبار على الأولوية، والظاهر بعده كما تقدمت الإشارة إليه. وقال ابن البراج إنه
مع التقية يقول ذلك سرا. وهو جيد.
(الثالثة) - لم يتعرض الشيخان ولا الفاضلان لكيفية وقوف الملقن، وقال
ابن إدريس إنه يستقبل القبلة والقبر، وقال أبو الصلاح وابن البراج والشيخ يحيى بن
سعيد يستدبر القبلة والقبر أمامه. ولم أقف فيما وصلا إلينا من الأخبار على ما يقتضي شيئا
مما ذكره هؤلاء فضلاء من الأمرين المذكورين، وقال في الذكرى: " وكلاهما جائز
لاطلاق الخبر الشامل لذلك ولمطلق النداء عند الرأس على أي وضع كان المنادي "
وهو جيد.

1) ص 18
2) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب الدفن
129

(الرابعة) - هل يستحب تلقين الأطفال ونحوهم؟ ظاهر شيخنا الشهيد الثاني
في الروض ذلك حيث قال: " ولا فرق في هذا الحكم بين الصغير والكبير كما في
الجريدتين لاطلاق الخبر، ولا ينافيه التعليل بدفع العذاب كما في عموم كراهة المشمس
وإن كان ضرره إنما يتولد على وجه مخصوص، وإقامة لشعائر الايمان " انتهى.
أقول: مرجع كلامه (قدس سره) إلى أن علل الشرع ليست عللا حقيقية يدور
المعلول مدارها وجودا وعدما وإنما هي أسباب معرفات أو لبيان وجه المصلحة والحكمة
فلا يجب اطرادها. وهو جيد كما أوضحناه في غير موضع مما تقدم. وقال في الذكرى: "
وأما الطفل فالتعليل يشعر بعدم تلقينه، ويمكن أن يقال يلقن إقامة للشعار وخصوصا
المميز كما في الجريدتين "
. ومنها - أنه قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة تجصيص القبور والبناء عليها
بل ظاهر التذكرة دعوى الاجماع عليه، قال الشيخ في النهاية: يكره تجصيص القبور
وتظليلها. وفي المبسوط تجصيص القبر والبناء عليه في المواضع المباحة مكروه اجماعا. وقال
ابن الجنيد: ولا أحب أن يقصص ولا يجصص لأن ذلك زينة ولا بأس بالبناء عليه
وضرب الفسطاط لصونه ومن يزوره. وظاهره تخصيص الكراهة بالتجصيص دون
البناء، والأصل في هذا الحكم ما رواه في التهذيب في الموثق عن علي بن جعفر (1)
قال: " سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن البناء على القبر والجلوس عليه هل
يصلح؟ قال لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه " وعن جراح
المدائني عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " لا تبنوا على القبور ولا تصوروا
سقوف البيوت فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كره ذلك " وعن يونس بن ظبيان
عن الصادق (عليه السلام) قال (3): " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن
يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه " ورواه الصدوق في المقنع مرسلا. وفي حديث

1) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب الدفن
130

المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (1) " ونهى أن تجصص القبور " وروى في معاني
الأخبار بسند رفعه في آخره إلى النبي (صلى الله عليه وآله) (2) " أنه نهى عن تقصيص
القبور " قال وهو التجصيص. وما دلت عليه هذه الأخبار من النهي عن البناء
والتجصيص ظاهر في رد ما ذكره ابن الجنيد من تخصيص الكراهة بالتخصيص وأن البناء
عليه لا بأس به.
وهل كراهة التجصيص مخصوص بما بعد الاندراس أو ما هو أعم من الابتداء
وبعد الاندراس؟ قال في المدارك: واطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق
في كراهة التجصيص بين وقوعه ابتداء أو بعد الاندراس، وقال الشيخ لا بأس
بالتجصيص ابتداء وإنما المكروه إعادتها بعد اندراسها لما روي (3) من " أن الكاظم
(عليه السلام) أمر بعض مواليه بتجصيص قبر ابنة له ماتت بفيد وهو قاصد إلى المدينة
وكتابة اسمها على لوح وجعله في القبر ".
أقول: ما ذكره من الجمع بين الأخبار - من الجواز ابتداء عملا بهذه الرواية
وحمل الأخبار المتقدمة على ما بعد الاندراس - ليس ببعيد في مقام الجمع. واحتمل
بعض مشايخنا من متأخري المتأخرين حمل تلك الأخبار على تجصيص بطن القبر وهذه
على ظاهره. وجمع في المعتبر بين الأخبار بحمل الرواية المذكورة على الجواز والروايات
الأخر على الكراهة مطلقا. وفي المنتهى حمل رواية الكاظم (عليه السلام) على التطيين
دون التجصيص بناء على جواز التطيين التفاتا إلى اشعار رواية السكوني عن الصادق
(عليه السلام) (4) قال: " لا تطينوا القبر من غير طينه " فإن فيه اشعارا بالرخصة
في التطيين. ويمكن أن يقال باختصاصهم (عليهم السلام) وأولادهم بجواز التجصيص

1) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الدفن
131

والبناء على القبور كما قال في المدارك.
والمراد بالبناء على القبر المنهي عنه في هذه الأخبار هو أن يتخذ عليه بيت
أو قبة كما ذكره في المنتهى، قال لأن في ذلك تضييقا على الناس ومنعا لهم عن الدفن،
ثم قال: وهذا مختص بالمواضع المباحة المسبلة أما الأملاك فلا.
وكيف كان فيستثنى من ذلك قبور الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) لاطباق
الناس عليه البناء على قبورهم (عليهم السلام) من غير نكير واستفاضة الروايات بالترغيب
في ذلك بل لا يبعد استثناء قبور العلماء والصلحاء أيضا استضعافا لخبر المنع والتفاتا إلى أن في ذلك تعظيما لشعائر الاسلام وتحصيلا لكثير من المصالح الدينية كما لا يخفى،
صرح بذلك السيد في المدارك، وهو جيد.
تنبيه
روى الشيخ في التهذيب بسنده عن الأصبغ بن نباتة (1) قال: قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) وفي الفقيه مرسلا قال: " قال أمير المؤمنين من جدد قبرا أو مثل مثالا
فقد خرج من الاسلام " قال في الفقيه: " اختلف مشايخنا في هذا الحديث فقال محمد بن
الحسن الصفار هو " جدد " بالجيم لا غير. وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد
(رضي الله عنه) يحكى عنه أنه قال لا يجوز بجديد القبر وتطيين جميعه بعد مرور الأيام
عليه وبعد ما طين في الأول ولكن إذا مات ميت وطين قبره فجائز أن يرم سائر
القبور من غير أن تجدد. وذكر عن سعد بن عبد الله (رحمه الله) أنه كأن يقول إنما
هو " من حدد قبرا " بالحاء المهملة غير المعجمة يعني به من سنم قبرا. وذكر عن أحمد بن
أبي عبد الله البرقي أنه قال إنما هو " من جدث قبرا " وتفسير الجدث القبر فلا يدرى
ما عنى به. والذي أذهب إليه أنه " جدد " بالجيم ومعناه نبش قبرا لأن من نبش قبرا فقد

1) رواه في الوسائل في الباب 42 من أبواب الدفن
132

جدده وأحوج إلى تجديده وقد جعله جدثا محفورا، وأقول إن التجديد على المعنى الذي
ذهب إليه محمد بن الحسن الصفار والتحديد بالحاء غير المعجمة الذي ذهب إليه سعد بن
عبد الله والذي قاله البرقي من أنه جدث كله داخل في معنى الحديث وأن من خالف
الإمام في التجديد والتسنيم والنبش واستحل شيئا من ذلك فقد خرج من الاسلام.
والذي أقوله في قوله (عليه السلام): " من مثل مثالا " أنه يعني به من أبدع بدعة ودعا
إليها أو وضع دينا فقد خرج من الاسلام، وقولي في ذلك قول أئمتي (عليهم السلام)
فإن أصبت فمن الله على ألسنتهم وإن أخطأت فمن عند نفسي " انتهى كلامه.
وقال الشيخ (رحمه الله) في التهذيب بعد ذكر هذا الاختلاف في معنى قول
البرقي: " ويمكن أن يكون المعنى في هذه الرواية - يعني رواية " الجدث " - أن يجعل القبر
دفعة أخرى قبرا لإنسان آخر لأن الجدث هو القبر فيجوز أن يكون الفعل مأخوذا منه
قال وكان شيخنا محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله) يقول إن الخبر بالخاء والدالين
وذلك مأخوذ من قوله تعالى " قتل أصحاب الأخدود " (1) والخد هو الشق يقال
خددت الأرض خدا أي شققتها شقا، وعلى هذه الرواية يكون النهي يتناول شق
القبر أما ليدفن فيه أو على جهة النبش على ما ذهب إليه محمد بن علي يعني الصدوق،
قال وكل ما ذكرناه من الروايات والمعاني محتمل والله أعلم بالمراد والذي صدر عنه الخبر ".
قال في المدارك بعد نقل ملخص كلام الصدوق: هذا كلامه (رحمه الله) وفيه
نظر من وجوه، ولقد أحسن المصنف في المعتبر حيث قال: " وهذا الخبر قد رواه
محمد بن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ عن نباتة عن علي (عليه السلام) ومحمد بن
سنان ضعيف وكذا أبو الجارود فإذن الرواية ساقطة فلا ضرورة إلى التشاغل بتحقيق
متنها " انتهى ما ذكره في المعتبر.
وقد اعترضه في الذكرى بأن اشتغال هؤلاء الأفاضل بتحقيق هذه اللفظة مؤذن

1) سورة البروج. الآية 4
133

بصحة الحديث عندهم وإن كان طريقه ضعيفا كما في أحاديث كثيرة اشتهرت وعلم موردها
وإن ضعف سندها، فلا يرد ما ذكره في المعتبر من ضعف محمد بن سنان وأبي الجارود،
على أنه ورد نحوه من طريق أبي الهياج وقد نقله الشيخ في الخلاف وهو من صحاح العامة،
وهو يعطي صحة الرواية بالحاء المهملة لدلالة الاشراف والتسوية عليه، ويعطي أن المثال
هنا هو التمثال هناك، وقد ورد في النهي عن التصوير وإزالة التصاوير أخبار مشهورة،
أما الخروج من الاسلام بهذين فأما على طريقة المبالغة زجرا عن الاقتحام على ذلك وأما
لأنه فعل ذلك مخالفة للإمام (عليه السلام) انتهى.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل كلام الذكرى: " ولا يخفى أن
مجرد بحث هؤلاء العلماء عن تحقيق لفظ الخبر لا يدل على قبولهم إياه وتصحيحهم
له لجواز أن كل واحد منهم يذكر ما وصل إليه من الطريق الذي ينسب إليه وإن
كان في الطريق خلل، نعم فيه اشعار ما بذلك لكن مجرد ذلك لا يكفي في صحة
الاستدلال به " انتهى.
وفيه نظر، وذلك (أما أولا) فإن تضعيف الحديث بهذا الاصطلاح المحدث في
تنويع الأخبار إلى الأربعة المشهورة إنما حدث من عصر المحقق ومن تأخر عنه وإلا
فالأخبار عند المتقدمين كلها محكوم عليها بالصحة إلا ما نبهوا عليه وظهر لهم ضعفه من جهة
أخرى. و (أما ثانيا) فإن ما ذكره من أن اشتغالهم بتحقيق هذا اللفظ لا يدل على قبول
الخبر ضعيف، لأنه لو لم يكن كذلك كان جاريا مجرى العبث الذي لا فائدة فيه بالمرة
وينجر الأمر إلى أمثال ذلك مما بحثوا فيه من الأخبار واختلفوا فيه من الآثار وهو مما
لا يلتزمه محصل، وبالجملة فكلام شيخنا الشهيد هو الأقرب.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور بين الأصحاب - كما عرفت - كراهة التجديد
بعد الاندراس وقد استدلوا بهذا الخبر على ذلك وهو غير بعيد وإن أشعر ظاهره بالتحريم
فإنه لا يخفى على من له أنس بالأخبار أنهم (عليهم السلام) كثيرا ما يردفون المكروهات
134

بما يكاد يلحقها بالمحرمات تأكيدا في الزجر عنه والمستحبات بما يكاد يدخلها في حيز
الواجبات حثا على القيام بها، والظاهر أن الحامل للصدوق بعد اختياره رواية التجديد
بالجيم على تفسيره بالنبش هو ترتب الخروج من الاسلام عليه ذلك مع عدم حرمة التجديد
بالمعنى المتبادر فلا يصح ترتب الخروج من الاسلام عليه. وفيه ما عرفت.
ثم لا يخفى أن كلامه (قدس سره) في هذا المقام لا يخلو من نظر من وجوه:
(منها) - أن تفسيره التجديد بالنبش بعيد غاية أبعد من ظاهر اللفظ ولا قرينة تؤذن
بالحمل عليه في المقام فإرادته من هذا اللفظ إنما هو من قبيل المعميات والألغاز.
و (منها) - أن استلزام النبش للتجديد لا يتم كليا بل قد يكون للتخريب. و (منها) - أن
كلامه هذا مبني على تحريم النبش وهو محل كلام كما سيأتي بأنه إن شاء الله تعالى قريبا.
و (منها) - أن حكمه بالخروج من الاسلام في مخالفة الإمام في التجديد والنبش والتسنيم
غير مستقيم، فإنه (عليه السلام) إنما رتب الخروج من الاسلام على أمر واحد لكن
هؤلاء الأجلاء قد اختلفوا فيه باعتبار اختلافهم في رواية الخبر، فالمرتب عليه أمر واحد
لكنه باعتبار هذا الاختلاف غير معلوم على التعيين بل هو دائر بين هذه الأفراد
المذكورة فكيف يصح ترتبه على الجميع؟ اللهم إلا أن يريد باعتبار ثبوت تحريم هذه
الأشياء بأدلة من خارج. وفيه مع الاغماض عن المناقشة في هذه الدعوى أنه لا خصوصية
لهذه الأشياء المعدودة تستوجب الافراد بالذكر، إذ كل من فعل فعلا غير مشروع
واعتقد استحلاله فإنه مشرع مبدع. وكيف كان فاختلاف هؤلاء الأجلاء في هذه اللفظة
مما يضعف الاعتماد على الخبر بأي معنى اعتبر. (منها) - قوله في " من مثل مثالا "
بعد تفسيره له بما ذكره: إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي. فإن فيه أنه قد
روى في معاني الأخبار عنهم (عليهم السلام) تفسير هذا اللفظ في حديث آخر بما
ذكره هنا حيث إنه روى في الكتاب المذكور بسنده فيه عن النهيكي باسناد رفعه إلى
135

الصادق (عليه السلام) (1) قال: " من مثل مثالا أو اقتنى كلبا فقد خرج من الاسلام
فقلت هلك إذا كثير من الناس؟ فقال إنما عنيت بقولي من مثل مثالا من نصب دينا
غير دين الله تعالى ودعا الناس إليه، وبقولي من اقتنى كلبا مبغضا لأهل البيت (عليهم
السلام) اقتناه فأطعمه وأسقاه، من فعل ذلك فقد خرج عن الاسلام " وحينئذ فلا وجه
لهذا الترديد هنا بين كون تفسيره صوابا أو خطأ. اللهم إلا أن يكون مراده بالنسبة
إلى هذا الحديث، وفيه ما فيه فإنه متى ورد تفسير هذا اللفظ عنهم (عليهم السلام)
بمعنى من المعاني فإنه يجب الحمل على ذلك حيثما وجد ذلك اللفظ متى كان المقام لا يأباه
كما هو القاعدة الجارية في سائر الألفاظ، نعم يمكن حمله على الغفلة عن الخبر المذكور.
ولم أقف لمن تعرض للكلام على كلامه (قدس سره) في المقام سوى ما أشار إليه
السيد في المدارك من قوله: " وفيه نظر من وجوه " ولم يبين شيئا من تلك الوجوه.
بقي هنا شئ ينبغي التنبيه عليه وهو أن الظاهر أن مراده بقوله: " قولي في ذلك
قول أئمتي. الخ " إني لا أقول بالرأي في ذلك وإنما قولي فيه قول أئمتي (عليهم السلام)
بناء على ما فهمته من كلامهم وأدى إليه نظري، فإن طابق فهمي ما هو مرادهم - وهو
الحكم الواقعي الذي هو الحق والصواب - فهو من توفيق الله عز وجل لي بواسطتهم
حيث إني ناقل عنهم وتابع لهم، وإن أخطأت ولم يطابق فهمي مرادهم فالخطأ مني لا منهم
(عليهم السلام) فإنهم قالوا ما هو الحق ولكن لم يصل فهمي إليه فالخطأ من عند نفسي.
وما ذكره في هذا المقام مشترك بينه وبين جملة العلماء الأعلام في استنباط الأحكام من
أخبارهم (عليهم السلام) لا كما زعمه بعض المحققين من كون هذا فرقا بين المجتهدين
والأخباريين إشارة منه إلى أن المجتهدين إنما يقولون بالرأي، فإنه مما لا ينبغي أن يلتفت
إليه ولا يعول في مقام التحقيق عليه لاستلزامه الطعن في أجلة العلماء الأعلام بل تفسيقهم كما
لا يخفى على ذوي الأفهام. نعم يبقى الكلام في أنه هل يعاقب على مثل هذا الخطأ أم لا؟

1) ص 56 باب 159
136

ظاهر كلامه (قدس سره) - وهو الذي حققناه في جملة من زبرنا ولا سيما كتاب الدرر
النجفية - هو العدم، وربما يفهم من بعضهم العقاب كما هو ظاهر المحدث الاسترآبادي في الفوائد
المدنية أو استحقاقه ولكن يتجاوز الله تعالى عنه لاضطراره، والأظهر هو ما ذكرناه
وذلك فإن الفقيه الجامع للشرائط إذا بذل وسعه في استنباط الحكم الشرعي بعد تحصيل
جميع أدلته والاطلاع على جميع ما يتعلق به من الكتاب والسنة وأدى فهمه إلى حكم فهو
الواجب عليه في حقه وحق مقلده وإن فرضناه خطأ، لأنه أقصى تكليفه، والسر في
ذلك أن العقول والأفهام المفاضة من الملك العلام متفاوتة زيادة ونقصانا كما هو مشاهد
بالوجدان بين العلماء الأعيان، فمنهم من فهمه وادراكه كالبرق الخاطف ومنهم كالماء
الراكد الواقف وبينهما مراتب لا تخفى على الفطن العارف، ويؤكده ما ورد في الأخبار
" بأن الله سبحانه إنما يداق العباد على حسب ما أفاض عليهم من العقول " (1) ومن
أراد تحقيق الحال زيادة على ما ذكرناه فليرجع إلى الدرر النجفية.
ومنها - أنه يستحب وضع الحصباء وهي صغار الحصى على القبر وواحدها
حصبة؟ كفصبة؟، وقد روى في الكافي عن أبان عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه
السلام) (2) قال: " قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) محصب حصباء حمراء "
ونقل في الذكرى أنه روي " أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعله بقبر إبراهيم ولده " (3)
ونقل في المنتهى من طريق الجمهور في حديث القاسم بن محمد (4) " أن قبر رسول الله
(صلى الله عليه وآله) وصاحبيه مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ".

1) هذا مضمون حديث أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام المروي في أصول
الكافي ج 1 ص 11
2) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب الدفن
3) كما في الأم للشافعي ج 1 ص 242
4) كما في سنن أبي داود ج 3 ص 215
137

ومنها - ما ذكره الأصحاب من أنه يستحب أن يوضع عند رأسه لبنة أو لوح
يعلم به. واستدلوا على ذلك بما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب (1) قال: " لما رجع
أبو الحسن موسى (عليه السلام) من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت ابنة له بفيد فدفنها
وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر " أقول: ويعضده ما رواه الصدوق في كتاب اكمال الدين بإسناده عن أبي علي الخيراني عن جارية
لأبي محمد (عليه السلام) (2) " أن أم المهدي ماتت في حياة أبي محمد (عليه السلام)
وعلى قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر أم محمد (عليه السلام) " وروى في المنتهى
من طريق الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3): " لما دفن عثمان بن مظعون أمر
رجلا أن يأتيه بصخرة فلم يستطع حملاها فقام إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وحسر عن ذراعيه ثم حملها فوضعها عند رأسه وقال اعلم بها أخي وادفن إليه من مات
من أهلي " قال في الذكرى: يستحب أن يوضع عند رأسه حجرا أو خشبة علامة ليزار
ويترحم عليه كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله) حيث أمر رجلا بحمل صخرة ليعلم بها
قبر عثمان بن مظعون ثم ساق تمام الحديث. أقول: هذا الحديث قد نقله في دعائم
الاسلام عن علي (عليه السلام) (4) قال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما دفن
عثمان بن مظعون دعا بحجر فوضعه عند رأس القبر وقال يكون علما ليدفن إليه قرابتي "
والكتاب وإن لم يصلح للاعتماد والاستدلال إلا أنه يصلح للتأييد في أمثال هذا المجال.
ومنها - ما صرح به جملة من الأصحاب من كراهة الجلوس على القبر والمشي
عليه والصلاة عليه وإليه والاستناد إليه، أما الجلوس عليه فادعى عليه في الخلاف الاجماع

1) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب الدفن
3) رواه أبو داود في سننه ج 3 ص 212
4) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 35 من أبواب الدفن
138

واستدل بقوله (صلى الله عليه وآله) (1): " لأن يجلس أحدكم على جمر فيحرق ثيابه
فتصل النار إلى بدنه أحب إلي من أن يجلس على قبر " وبقول الكاظم (عليه السلام) فيما
قدمناه من موثقة علي بن جعفر (2): " لا يصلح البناء على القبر ولا الجلوس " أقول: إن
الرواية الأولى عامية كما نبه عليه أيضا بعض متأخري أصحابنا ولكن الثانية ظاهرة
الدلالة على ذلك ونحوها رواية يونس بن ظبيان المتقدمة (3) حيث تضمنت النهي عن القعود
عليه، إلا أنه قد روى الصدوق في الفقيه عن الكاظم (عليه السلام) (4) " إذا دخلت
المقابر فطأ القبور فمن كان مؤمنا استروح إلى ذلك ومن كان منافقا وجد ألمه " ويمكن
حمله على القاصد زيارتهم بحيث لا يتوصل إلى قبر إلا بالمشي على آخر كما ذكره في الذكرى
أو يقال تختص الكراهة بالقعود لما فيه من اللبث المنافي للتعظيم، ولعله الأقرب. وأما
الاستناد إليه والمشي عليه فقد صرح الشيخ بكراهتهما مدعيا في الخلاف الاجماع على ذلك
في الأول، ولم أقف في الأخبار على ما يدل على ما ذكره بل دلت مرسلة الفقيه على
عدم كراهة المشي وأن تأولها في الذكرى بما قدمنا ذكره، وأما الصلاة عليه فقد تقدم
في رواية يونس بن ظبيان (5) ما يدل على ذلك، وأما الصلاة إليه فلما سيأتي إن شاء
الله تعالى في بحث المكان من كتاب الصلاة
تتمة مهمة تشتمل على مسائل:
(الأولى) - قال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد ذكر جملة من الأخبار الدالة
على أن البناء على القبور القعود عليها والتجصيص والصلاة عليها مكروه: وروى الصدوق
عن سماعة (6) " أنه سأله عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها فقال زيارة القبور لا بأس بها
ولا يبنى عندها مساجد " قال الصدوق: " وقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا تتخذوا

1) رواه أبو داود في سننه ج 3 ص 217 وابن ماجة في سننه ج 1 ص 474
2) ص 130
3) ص 130
4) رواه في الوسائل في الباب 62 من أبواب الدفن
5) ص 130
6) رواه في الوسائل في الباب 65 من أبواب الدفن
139

قبري قبلة ولا مسجدا فإن الله تعالى لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (1)
قلت: هذه الأخبار رواها الشيخان والصدوقان وجماعة المتأخرين في كتبهم ولم يستثنوا
قبرا، ولا ريب أن الإمامية مطبقة على مخالفة قضيتين من هذه إحداهما البناء والأخرى
الصلاة في المشاهد المقدسة، فيمكن القدح في هذه الأخبار بأنها آحاد وبعضها ضعيف
الاسناد وقد عارضها أخبار أخر أشهر منها، وقال ابن الجنيد لا بأس بالبناء عليه
وضرب الفسطاط لصونه ومن يزوره، أو تخصص هذه العمومات باجماعهم في عهود
كانت الأئمة (عليهم السلام) ظاهرة فيهم وبعدهم من غير نكير وبالأخبار الدالة على
تعظيم قبورهم وعمارتها وأفضلية الصلاة عندها وهي كثيرة، ثم ساق بعض الأخبار
الدالة على ذلك.
أقول: والحق أن أكثر هذه الأخبار المذكورة فيها هذه الأحكام لا ظهور لها في التعلق
بهم (عليهم السلام) وإنما ذكر ذلك في القليل منها وهو الذي يحتاج إلى تأويل لمعارضته بما هو
أشهر وأظهر مثل خبر الصدوق عنه (صلى الله عليه وآله) بالنهي عن اتخاذ قبره قبله ومسجدا،
فأما الأحاديث الأولة التي أجملنا النقل فيها فقد عرفت الكلام فيها في الدلالة على
ما استدل بها عليه، وأما حديث سماعة المتضمن للنهي عن بناء المساجد في المقابر فالوجه
فيه أنه لا خلاف بين الأصحاب في أن الأراضي المحبوسة على المنافع العامة كالشوارع
والمشارع والمساجد والمقابر والرباطات والمدارس والأسواق لا يجوز لأحد التصرف
فيها على وجه يمنع الانتفاع بها فيما هي متخذة له وبذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني
في المسالك حيث قال: بقاع الأرض أما مملكة أو محبوسة على الحقوق العامة كالشوارع
والمساجد والمقابر والرباطات أو منفكة عن الحقوق الخاصة والعامة وهي الموات.
إلى آخر كلامه، ثم ساق الكلام في المحبوس على المنافر العامة وبين عدم جواز
الانتفاع بها والتصرف فيها على وجه يمنع من تحصيل الغرض المطلوب منه، وهذا
لا خبر صريح في ذلك باعتبار بعض هذه الأراضي وهي المقابر حيث منع من بناء المساجد

1) رواه في الوسائل في الباب 65 من أبواب الدفن
140

فيها، إذا من المعلوم منع ذلك من الدفن الذي هو الغرض المترتب عليه كما صرح به
الأصحاب في نظائرها وحينئذ فيكون النهي للتحريم، وأما مجرد الصلاة في المقابر فحيث
أنها توجب منعا من التصرف فهي صحيحة وإن كانت مكروهة من حيثية أخرى.
ثم لا يخفى أن المراد بهذه الأراضي المذكورة ما هو أعم من أن تكون موقوفة على تلك
الجهة الخاصة أو أنها وجدت في تصرف المسلمين كذلك وإن لم يعلم أصله ولا كيفية
أمرها، فإن تصرف المسلمين واستمرار يدهم عليها موجب لكونها ملكا لهم من هذه
الجهة فلا يجوز التصرف فيها بما ينافي الغرض المطلوب المترتب عليها، أما لو كانت
الأرض معلومة بأنها موات مباحة أو مملوكة قد أباحها المالك للمسلمين يتصرفون فيها بما
أرادوا أو وقفها عليهم كذلك أو نحو ذلك فإنه خارج عن محل البحث.
وأما ما يدل على جواز البناء بل استحبابه عليه قبور الأئمة (عليهم السلام)
وجواز الصلاة بل استحبابها عند قبورهم فهي كثيرة مذكورة في كتاب المزار من كتاب
البحار، وعسى أن نبسط الكلام في ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.
(الثانية) - المشهور بين الأصحاب كراهية دفن اثنين في قبر واحد ابتداء،
واحتج عليه في المبسوط بقولهم (عليهم السلام): " لا يدفن في قبر واحد اثنان "
ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) أفرد كل واحد بقبر (1) قالوا ومع الضرورة تزول
الكراهة بأن يكثر الموتى ويعسر الافراد، لما روي (2) " أن النبي (صلى الله عليه
وآله) قال الأنصار يوم أحد: حفروا ووسعوا وعمقوا واجعلوا الاثنين والثلاثة في
القبر الواحد وقدموا أكثرهم قرآنا " هذا كله في الابتداء كما قدمنا ذكره.
وأما لو دفن ميت في قبر فهل يجوز نبشه ودفن آخر معه؟ ظاهرهم التحريم،
قالوا لأن القبر صار حقا للأول فدفنه فيه، ولاستلزام النبش والهتك المحرمين، قال في

1) كما في المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 136
2) رواه أبو داود في السنن ج 3 ص 214 رقم 3215
141

الذكرى: وعلى التحريم اجماع المسلمين قال: وقول الشيخ في المبسوط " يكره " الظاهر أنه
أراد التحريم لأنه قال بعده " ولو حفر فوجد عظاما رد التراب ولم يدفن فيه شيئا "
وناقش في هذا الحكم جملة من أفاضل متأخري المتأخرين منهم السيد السند ((قدس سره)
في المدارك مجيبا عما احتجوا به من تحريم النبش بأن الكلام في إباحة الدفن نفسه
لا النبش وأحدهما غير الآخر. وزاد في الذخيرة أن الظاهر أن مستند تحريم النبش
الاجماع واجراؤه في محل النزاع مما لا وجه له. وأجاب في المدارك ومثله في الذخيرة
عن الدليل الآخر بالمنع من ثبوت حقية الأول بالدفن فيه على وجه يوجب منع دفن
آخر، ثم قال في المدارك بعد المناقشة المذكورة: هذا كله في غير السرداب أما فيه فيجوز
مطلقا اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق.
أقول: وعندي في هذه المسألة بجميع شقوقها توقف إذ لم أقف على حديث يتعلق
بشئ من ذلك، وما نقلوه من الأخبار لم أقف عليه وفي كتب الأخبار الواصلة إلينا،
والشيخ (رضوان الله عليه) وكذا الجماعة كثيرا ما يستندون في كتب الفروع إلى
الأخبار العامية ويبنون عليها، وظاهر المحدث الشيخ محمد الحر في الوسائل التشبث هنا
في حكم دفن ميتين في قبر واحد بحديث الأصبغ المتقدم (1) بناء على بعض الاحتمالات
المتقدمة فيه، وقد عرفت ما في الخبر المذكور من الاشكال وتعدد الاحتمال الموجب
لسقوطه عن درجة الاستدلال، نعم ربما يستنبط من الدليل المتقدم (2) الدال على النهي
عن حمل ميتين على سرير واحد المنع أيضا من جعل ميتين في قبر واحد بل ربما كان
هذا أولى لطول المقام في ذلك المكان، ويؤيد ذلك باستمرار الأعصار من زمنه
(صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا بالوحدة ابتداء واستدامة إلا إذا صار الميت رميما
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.
ثم إن جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم): منهم - الشهيدان في الذكرى

1) ص 132
2) ص 82
142

والروض تبعا للشيخ قد فرعوا على قوله في حديث أهل أحد: " وقدموا أكثرهم قرآنا "
فروعا لا فائدة في التطويل بذكرها مع عدم ثبوت أصل الحديث كما أشرنا إليه.
(الثالثة) - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
تحريم النبش، وقد ادعى على ذلك الاجماع جمع منهم كالمحقق في المعتبر والعلامة في
المنتهى والتذكرة والشهيد في الذكرى وقد استدل في كتاب الوسائل على تحريم النبش
بالأخبار الواردة بقطع يد النباش (1) وفيه أن الظاهر من تلك الأخبار بحمل مطلقها على
مقيدها أن القطع إنما هو من حيث سرقة الكفن لا من حيث النبش، ومنها - ما رواه
في الكافي عن عبد الله بن محمد الجعفي (3) قال: " كنت عند أبي جعفر (عليه السلام)
وجاءه كتاب هشام بن عبد الملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثم نكحها فإن الناس
قد اختلفوا علينا فطائفة قالوا اقتلوه وطائفة قالوا احرقوه؟ فكتب إليه أبو جعفر
(عليه السلام): أن حرمة الميت كحرمة الحي تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ويقام عليه
الحد في الزنا: إن أحصن رجم وإن لم يكن أحصن جلد مائة " وفي رواية أبي الجارود
عن الباقر (عليه السلام) (3) قال: " قال أمير المؤمنين ((عليه السلام) يقطع سارق
الموتى كما يقطع سارق الأحياء " ونحوهما غيرهما، وعليهما يحمل ما أطلق مثل صحيحة حفص
ابن البختري (4) قال " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حد النباش حد السارق "
وفي رواية إسحاق بن عمار (5) " أن عليا (عليه السلام) قطع نباش القبر فقيل له
أتقطع في الموتى؟ فقال إنا لنقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا " وهو ظاهر في كون القطع
إنما هو للسرقة. وبالجملة فإني لا أعترف لذلك غير ما يدعي من الاجماع.
ثم إن الأصحاب قد استثنوا هنا صورا منها ما اتفق عليه ومنها ما اختلف فيه:
(الأولى) - إذا وقع في القبر ما له قيمة فإنهم صرحوا بجواز النبش للنهي
عن إضاعة المال، قالوا ولا يجب على مالكه قبول القيمة، ولا فرق في ذلك بين القليل

1) المروية في الوسائل في الباب 19 من أبواب حد السرقة
2) المروية في الوسائل في الباب 19 من أبواب حد السرقة
3) المروية في الوسائل في الباب 19 من أبواب حد السرقة
4) المروية في الوسائل في الباب 19 من أبواب حد السرقة
5) المروية في الوسائل في الباب 19 من أبواب حد السرقة
143

والكثير وإن كره النبش لأجل القليل، قال في الذكرى: وروي " أن المغيرة بن
شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم طلبه ففتح موضع منه فأخذه
فكأن يقول إنا آخركم عهدا برسول الله (صلى الله عليه وآله) أقول: لا ريب
أن هذه الرواية عامية (1) وقد ورد في بعض الأخبار التي لا يحضرني الآن موضعها عن
علي (عليه السلام) تكذيبه في دعواه ذلك، وهو الصواب فإن المغيرة بن شعبة وأمثاله
من المنافقين في السقيفة يومئذ وأين هم من حضور دفنه (صلى الله عليه وآله)؟ ولكن
أصحابنا (رضوان الله عليهم) يستلقون أمثال هذه الأخبار في مثل هذه الأحكام العارية
عن نصوصهم (عليهم السلام).
(الثانية) - إذا دفن في الأرض المغصوبة أو المشتركة بغير إذن الشريك،
قالوا فإن للمالك والشريك قلعه لتحريم شغل مال الغير وإن أدى إلى هتك الحرمة لأن
حق الحي أولى وإن كان الأفضل للمالك تركه خصوصا القرابة، ولو دفن بإذن المالك
جاز له الرجوع ما لم يطم لا بعده.
(الثالثة) - إذا كفن في ثوب مغصوب جاز نبشه لتخليص المغصوب مع
طلب المالك، ولا يجب عليه أخذ القيمة. وفرق في المنتهى بين الأرض والكفن فقال
بعد أن ذكر جواز النبش في الأرض المغصوبة: " أما لو غصب كفنا فكفن به ودفن
لم يكن لصاحب الكفن قلعه وأخذ كفنه بل يرجع إلى القيمة، والفرق بينهما بتعذر

1) كما في المهذب ج 1 ص 138 وفي السيرة الحلبية ج 3 ص 403 " وقيل آخر من
طلع من قبره " ص " المغيرة بن شعبة لأنه ألقى خاتمة في القبر الشريف وقال لعلي (ع)
يا أبا الحسن خاتمي وإنما طرحته عمدا لأمس رسول الله " ص " وأكون آخر الناس عهدا به
قال انزل فخذه. وقيل ألقى الفأس في القبر. ويقال إن عليا (ع) لما قال له المغيرة ذلك
نزل وناوله الخاتم أو الفأس أو أمر من نزل ذلك وقال له إنما فعلت لتقول أنا
آخر الناس برسول الله " ص " عهدا. واعترض بأن المغيرة لم يكن حاضرا الدفن
144

تقويم موضع الدفن وحصول الضرر به بخلاف الكفن " انتهى. ورده في الذكرى
بضعف هذا الفرق قال: لامكانه بإجازة البقعة زمانا يعلم بلى الميت فيه، قال وأضعف منه
الفرق باشراف الثوب على الهلاك بالتكفين بخلاف الأرض لأن الفرض قيام الثوب.
ثم احتمل في الذكرى في كل من الأرض والكفن تحريم النبش إذا أدى إلى هتك الميت
وظهور ما ينفر منه لما روي (1) " أن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، ولو كفن في
حرير قيل هو كالمغصوب، وقيل إن الأولى هنا المنع لأن حق الله تعالى أوسع
من حق الآدمي.
(الرابعة) - إذا بلي الميت وصار رميما قالوا فإنه يجوز نبشه لدفن غيره أو لمصلحة
المالك المعير، ويختلف ذلك باختلاف الترب والأهوية فلو ظنه رميما فنبش فوجد عظاما
دفنها وجوبا، قالوا ومتى علم صيرورته رميما لم يجز تصويره بصورة المقابر في الأرض
المسبلة لأنه يمنع من الهجوم على الدفن فيها.
(الخامسة) - نبشه للشهادة على عينه واثبات الأمور المترتبة على موته من
اعتداد زوجته وقسمة تركته وحلول ديونه التي عليه، قال في الذكرى، وهذا يتم إذا
كان محصلا للعين ولو علم تغير الصورة حرم.
(السادسة) - إذا دفن بغير كفن أو صلاة أو غسل أو إلى غير القبلة، وقطع الشيخ
في الخلاف بعدم النبش لأجل الغسل قال لأنه مثلة، ورحجه في المعتبر قال لأن النبش
مثلة فلا يستدرك الغسل بالمثلة، ومال العلامة في التذكرة إلى نبشه إذا لم يؤد إلى فساد
لأن الغسل واجب فلا يسقط بذلك وكذا في الدفن إلى غير القبلة، وإلى ما اختاره
العلامة من النبش في الصورتين المذكورتين مال الفاضل الخراساني في الذخيرة، وظاهرهم
الاتفاق على عدم النبش في الكفن والصلاة، قالوا لأن الصلاة تستدرك بالصلاة على
قبره والكفن أغنى عنه الدفن لحصول الستر به.

1) رواه في الوسائل في الباب 51 من أبواب الدفن
145

(السابعة) - إذا دفن في أرض ثم بيعت قال في المبسوط جاز للمشتري نقل
الميت منها والأفضل تركه. ورده الفاضلان بتحريم النبش إلا أن تكون الأرض
مغصوبة فيبيعها المالك. واعترضهما الفاضل الخراساني في الذخيرة بأن التعويل في تحريم
النبش إنما هو الاجماع وهو لا يتم في محل النزاع. أقول: لقائل أن يقول إن خلاف
معلوم النسب لا يقدح في الاجماع كما هو مذكور في قواعدهم. والمسألة بجميع شقوقها
وفروعها لا تخلو عندي من الاشكال لعدم الواضح من أخبارهم (عليهم
السلام) والله العالم.
(الرابعة) - قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه يحرم نقل الميت بعد دفنه
إلى موضع آخر، لتحريم النبش واستدعائه الهتك ولو إلى أحد المشاهد المشرفة، ونقل
العلامة في التذكرة جوازه إليها عن بعض علمائنا، قال الشيخ (قدس سره) في النهاية
" وإذا دفن في موضع فلا يجوز تحويله من موضعه، وقد وردت رواية بجواز نقله إلى
بعض مشاهد الأئمة (عليهم السلام) سمعناها مذاكرة والأصل ما قدمناه " وقال ابن
إدريس أنه بدعة في شريعة الاسلام سواء كان النقل إلى مشهد أو إلى غيره، وعن ابن
حمزة القول بالكراهة، ونقل بعض مشايخنا المتأخرين عن الشيخ وجماعة أنهم جوزوا
نقله إلى المشاهد المشرفة. أقول: وبذلك يشعر كلامه في المبسوط حيث قال بعد
الإشارة إلى ورود الرواية كما ذكره في النهاية: " والأول أفضل " فإن ظاهره الجواز
وإن كان خلاف الأفضل كما يدل عليه قول ابن حمزة، وقال ابن الجنيد أنه لا بأس
بتحويل الموتى من الأرض المغصوبة ولصلاح يراد بالميت. وظاهره الجواز من غير
كراهة في الصورتين المذكورتين.
أقول: والظاهر عندي هو الجواز (أما أولا) فإن مستند التحريم إنما هو
الاجماع على تحريم النبش وهو غير ثابت في محل النزاع. و (أما ثانيا) فلما رواه الصدوق
146

في الفقيه (1) قال: " قال الصادق (عليه السلام) إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى
ابن عمران (عليه السلام) أن اخرج عظام يوسف (عليه السلام) من مصر ووعده
طلوع القمر فأبطأ طلوع القمر عليه فسأل عمن يعلم موضعه فقيل له هنا عجوز تعلم علمه
فبعث إليها فأتي بعجوز مقعدة عمياء فقال تعرفين قبر يوسف (عليه السلام)؟ قالت:
نعم. قال فأخبريني بموضعه قالت لا أفعل حتى تعطيني خصالا: تطلق رجلي وتعيد إلي
بصري وترد إلي شبابي وتجعلني معك في الجنة. فكبر ذلك على موسى (عليه السلام)
فأوحى الله عز وجل إليه إنما تعطي علي فاعطها ما سألت ففعل فدلته على قبر يوسف
فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر فلما أخرجه طلع القمر فحمله إلى الشام
فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام " ومثله الأخبار الواردة في نقل نوح
لعظام آدم (عليهما السلام) في تابوت إلى الغري ودفنه فيه (2) والتقريب فيها أن
الظاهر من نقلهم ذلك لشيعتهم وتقريرهم عليه جواز ذلك كما وقع في مواضع، مثل
حديث " ذكرى حسن عليه كل حال " المروي عن موسى (عليه السلام) (3) ومنها
جعل المهر إجارة الزوج نفسه مدة كما حكاه الله تعالى عن موسى (عليه السلام) في
تزويجه ابنة شعيب، فإن أكثر الأصحاب على القول بذلك للآية الشريفة (4) ونحو
ذلك مما يقف عليه المتتبع، وبذلك يظهر ما في قول بعض أفاضل متأخري المتأخرين
من أن وقوع ذلك في شرع من قبلنا لا يدل على جوازه في شرعنا، وبما ذكرناه
أيضا صرح الفاضل المولى محمد تقي المجلسي في شرحه على الفقيه حيث قال: " والظاهر

1) ج 1 ص 123 ورواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب الدفن
2) روى ذلك السيد ابن طاووس في فرحة الغري ص 59 طبع المطبعة الحيدرية في
النجف ورواه ابن قولويه في كامل الزيارة ص 38
3) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب أحكام الخلوة
4) سورة القصص. الآية 27
147

أن الغرض من نقل هذا الخبر جواز نقل الميت إلى المشاهد المشرفة بل استحبابه كما
ذهب إليه الأصحاب وعليه عملهم من زمان الأئمة إلى زماننا هذا " انتهى. وإن كانت
العبارة لا تخلو من سهو تساهل في التعبير فإن جواز النقل واستحبابه الذي ذهب إليه
الأصحاب إنما هو قبل الدفن كما سيأتي بيانه أن شاء الله تعالى لا بعد الدفن لما عرفت
من أن المشهور بينهم هو التحريم، ومورد الخبر إنما النقل بعد الدفن، ولهذا أن بعضهم
أنكر الاستدلال بالخبر المذكور وجعله مقصورا على شرع من قبلنا كما عرفت
و (أما ثالثا) فلما نقل عن جملة من علمائنا من أنهم دفنوا ثم نقلوا مثل الشيخ المفيد فإنه
دفن في داره مدة ثم نقل إلى جوار الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) والسيد المرتضى
فإنه دفن في داره ثم نقل إلى جوار الحسين (عليه السلام) ونقل أيضا أن شيخنا البهائي
دفن بأصبهان ثم نقل إلى المشهد الرضوي على مشرفه السلام، ومن الظاهر أن وقوع
ذلك في تلك الأوقات المملوءة بالفضلاء لا يكون إلا بتجويزهم. و (أما رابعا) فإن
الأصل هنا الجواز بل الاستحباب، وبه يجب التمسك إلى أن يقوم دليل المنع، وليس
إلا الاجماع المدعى على تحريم النبش وهو غير جار فيما نحن فيه.
هذا كله فيما لو كان بعد الدفن أما قبله فالظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا
(رضوان الله عليهم) في كراهة نقل الميت إلى غير بلده إلا إلى المشاهد المشرفة،
قال في المعتبر: " يكره نقل الميت إلى غير بلد موته وعليه العلماء أجمع، وقال علماؤنا
خاصة يجوز نقله إلى مشاهد الأئمة (عليهم السلام) بل يستحب، أما الأول فلقول النبي
(صلى الله عليه وآله) (1) ". عجلوهم إلى مضاجعهم. " وهو دليل على الاقتصار
على المواضع القريبة المعهودة بالدفن، وأما الثاني فعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة
(عليهم السلام) إلى الآن وهو مشهور بينهم لا يتناكرونه، ولأنه يقصد بذلك التمسك
بمن له أهلية الشفاعة وهو حسن بين الأحباء توصلا إلى فوائد الدنيا فالتوصل إلى فوائد

1) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب الاحتضار
148

الآخرة أولى " انتهى. وعليه اقتصر في المدارك في الاستدلال على الحكم المذكور
ونحوه في الذكرى أيضا وغيره في غيرها. أقول: وظاهر كلماتهم في هذا المقام يدل على
عدم وقوفهم على دليل من الأخبار وإلا لنقلوه ولو تأييدا لهذه الأدلة العقلية باصطلاحهم
كما هم عادتهم في جميع الأحكام.
والذي وقفت عليه مما يدل على النقل إلى المواضع الشريفة للتبرك والتيمن
لشرفها روايات: منها - ما رواه في الكافي بسنده عن علي بن سليمان (1) قال: " كتبت
إليه أسأله عن الميت يموت بعرفات يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم أيهما أفضل؟ فكتب
يحمل إلى الحرم ويدفن فهو أفضل " وما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن سليمان (2)
قال: " كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن الميت يموت بمنى أو بعرفات
(الوهم مني). " ثم ذكر مثل الأول. وما رواه الديلمي في ارشاد القلوب (3) والسيد
عبد الكريم بن السيد أحمد بن طاووس في كتاب فرحة الغري من حديث اليماني الذي
قدم بأبيه على ناقة إلى الغري، قال في الخبر: " إنه كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا
أراد الخلوة بنفسه ذهب إلى طرف الغري فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف
فإذا رجل قد أقبل من اليمن راكبا على ناقة قدامه جنازة فحين رأى عليا (عليه السلام)
قصده حتى وصل إليه وسلم عليه فرد عليه وقال من أين؟ قال من اليمن. قال وما هذه
الجنازة التي معك؟ قال جنازة أبي لأدفنه في هذه الأرض. فقال له علي (عليه السلام)
لم لا دفنته في أرضكم؟ قال أوصى بذلك وقال إنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته
مثل ربيعة ومضر. فقال (عليه السلام) أتعرف ذلك الرجل؟ قال: لا. قال: أنا
والله ذلك الرجل (ثلاثا) فادفن فقام فدفنه " وفي مجمع البيان عن محمد بن مسلم عن
الباقر (عليه السلام) (4) في حديث قال: " لما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى

1) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب مقدمات الطواف
2) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب مقدمات الطواف
3) ص 255
4) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب الدفن
149

أرض الشام فدفنه في بيت المقدس " ورواه الراوندي في كتاب قصص الأنبياء
باسناده إلى الصدوق بسنده الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) مثله (1)
ويعضده ما تقدم من حديثي نقل آدم ويوسف فإنه متى جاز بعد الدفن فقبله بطريق أولى.
وقال في الذكرى: ولو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء استحب النقل
إليها أيضا لتناله بركتهم. وهو حسن. أقول: ويؤيده ما رواه الكشي في كتاب
اختيار الرجال (2) عن العياشي قال: " سمعت علي بن الحسن يقول مات يونس بن
يعقوب بالمدينة فبعث إليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج
إليه وأمر مواليه وموالي أبيه وجده أن يحضروا جنازته وقال لهم هذا مولى لأبي عبد الله
(عليه السلام) كان يسكن العراق، وقال لهم احفروا له في البقيع فإن قال لكم أهل
المدينة أنه عراقي ولا ندفنه في البقيع فقولوا لهم هذا مولى لأبي عبد الله (عليه السلام)
وكان يسكن العراق فإن منعتمونا أن ندفنه في البقيع منعناكم أن تدفنوا مواليكم في البقيع
فدفن في البقيع. ".
وأما ما رواه في دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) (3) - " أنه رفع إليه أن
رجلا مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة فأنهكهم عقوبة وقال ادفنوا الأجساد في مصارعها
ولا تفعلوا كفعل اليهود تنقل موتاهم إلى بيت المقدس، وقال إنه لما كان يوم أحد
أقبلت الأنصار لتحمل قتلاها إلى دورها فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مناديا
فنادى ادفنوا الأجساد في مصارعها " - فأول ما فيه أن الكتاب المذكور غير معتمد
ولا مشهور، قال شيخنا المجلسي في البحار: " كتاب دعائم الاسلام قد كان أكثر أهل
عصرنا يتوهمون أنه تأليف الصدوق وقد ظهر لنا أنه تأليف أبي حنيفة النعمان بن محمد بن
منصور قاضي مصر في أيام الدولة الإسماعيلية وكان مالكيا أولا ثم اهتدى وصار إماميا

1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 13 من أبواب الدفن
2) ص 245
3) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 13 من أبواب الدفن
150

وأخبار هذا الكتاب أكثرها موافق لما في كتبنا المشهورة لكن لم يروعن الأئمة بعد
الصادق (عليه السلام) خوفا من الخلفاء الإسماعيلية، وتحت سر التقية أظهر الحق لمن
نظر فيه متعمقا، وأخباره تصلح للتأييد والتأكيد. إلى آخر كلامه " و (ثانيا) - أنه يمكن
حمله على حصول النقل من مسافة يوجب تغير الميت وانفجاره، فقد صرح الشهيد الثاني
بأنه يجب تقييد الحكم المذكور بما إذا لم يخف هتك الميت بانفجاره ونحوه لبعد المسافة
أو غيرها. وهو جيد. ويمكن أن يقال إن الكوفة من حيث هي ليست من الأماكن
التي يستحب النقل إليها مع منافاته للتعجيل المأمور به. وكيف كان فهذا الخبر ليس له
قوة المعارضة لما ذكرناه. وأما ما تضمنه من نهي الرسول (صلى الله عليه وآله) عن
نقل قتلى أحد فهو مما صرح به الأصحاب أيضا فإنهم استثنوا من هذا الحكم الشهداء
كما صرح به شيخنا المشار إليه وغيره، قالوا فإن الأولى دفنه حيث قتل لقوله (صلى الله
عليه وآله) (1): " ادفنوا القتلى في مصارعهم " وهذا الحديث أيضا شاهد به.
(الخامسة) - قد صرح جملة من الأصحاب بتحريم شق الثوب إلا على الأب
الأخ فإنه جائز، وظاهر اطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق بين الرجال والنساء، وقيل
بجواز ذلك للنساء مطلقا، قال في الذكرى: وفي نهاية الفاضل يجوز شق النساء الثوب
مطلقا وفي الخبر إيماء إليه. وأراد بالخبر ما يأتي من شق الفاطميات على الحسين (عليه
السلام) وذهب ابن إدريس إلى التحريم مطلقا ولم يستثن أحدا، قال في المدارك:
" وفي رواية الحسن الصيقل (2) " لا ينبغي الصراخ على الميت ولا شق الثياب " وهو
ظاهر في الكراهة ومقتضى الأصل الجواز أن لم يثبت النهي عن إضاعة المال على وجه
العموم " انتهى. وربما اشعر هذا الكلام بأنه لا دليل على التحريم من النصوص في
خصوص هذا المقام إلا أن يثبت دليل على إضاعة المال على وجه العموم.

1) رواه السيوطي في الجامع الصغير ج 1 ص 14
2) المروية في الوسائل في الباب 84 من أبواب الدفن
151

والذي وقفت عليه من النصوص المتعلقة بهذا المقام بالخصوص منها ما تقدم نقله
عن المدارك من رواية الحسن الصيقل رواها في الكافي وفي الذكرى رواها عن الحسن
الصفار والظاهر أنه سهو من قلمه. ومنها - ما رواه في التهذيب قال: وذكر أحمد بن
محمد بن داود القمي في نوادره قال روى محمد بن عيسى عن أخيه جعفر بن عيسى عن
خالد بن سدير أخي حنان بن سدير (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه أو على أخيه أو على قريب له؟ قال لا بأس بشق
الجيوب فقد شق موسى بن عمران على أخيه هارون (عليهما السلام) ولا يشق الوالد
على والده ولا زوج على امرأته وتشق المرأة على زوجها، وإذا شق الزوج على امرأته
أو والد على والده فكفارته حنث يمين ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا من ذلك،
وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا وفي الخدش إذا دميت وفي النتف كفارة حنث
يمين، ولا شئ في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة، ولقد شققن الجيوب
ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام) وعلى مثله تلطم الخدود
وتشق الجيوب " ومنها - ما رواه في الكافي بسنده عن جماعة من بني هاشم منهم
الحسن بن الحسن بن الحسن الأفطس (2) " أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد باب
أبي الحسن (عليه السلام) يعزونه، إلى أن قال إذ نظر إلى الحسن بن علي (عليهما
السلام) قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه. الحديث " وقال الصدوق (3)
" لما قبض علي بن محمد العسكري رؤي الحسن بن علي (عليهما السلام) قد خرج من
الدار وقد شق قميصه من خلف ومن قدام) وروى الوزير السعيد علي بن عيسى
الأربلي في كتاب كشف الغمة من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري

1) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب الكفارات
2) رواه في الوسائل في الباب 84 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 84 من أبواب الدفن
152

عن أبي هاشم الجعفري (1) قال: " خرج أبو محمد في جنازة أبي الحسن (عليهما السلام)
وقميصه مشقوق فكتب إليه ابن عون من رأيت أو بلغك من الأئمة (عليهم السلام)
شق قميصه في مثل هذا؟ فكتب إليه أبو محمد (عليه السلام): يا أحمق وما يدريك
ما هذا؟ قد شق موسى بن عمران على هارون " وروى مثل ذلك الكشي في كتاب
الرجال (2) إلا أن فيه " فكتب إليه أبو عون الأبرش ".
أقول: لا يخفى أن الظاهر من قوله (عليه السلام) في رواية الحسن الصيقل:
" لا ينبغي " بمعونة ما نقلناه عن التهذيب إنما هو التحريم (أما أولا) فلأن استعمال
هذا اللفظ في التحريم شائع في الأخبار كما عرفت في غير موضع من هذا الكتاب.
و (أما ثانيا) فلأن الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب أن الصراخ محرم وإنما الجائز
النوح بالصوت المعتدل والقول بحق، فكذا يجب القول في الشق وإلا لزم استعمال
اللفظ المشترك في معنييه ا وحقيقته ومجازه وهم لا يقولون به، ويخرج خبر خالد بن سدير
المتضمن لايجاب الكفارة على الزوج في الشق على زوجته والوالد على والده شاهدا على
ذلك، وبه يظهر صحة ما ذكره الأصحاب من الحكم المذكور وأن حمله في المدارك
الرواية المشار إليها على الكراهة من حيث إن لفظ " لا ينبغي " في عرف الناس بمعنى
الكراهة ليس بجيد. نعم قد دلت رواية خالد بن سدير على استثناء شق المرأة على
زوجها زيادة على ما ذكره الأصحاب من الشق على الأب والأخ فيجب القول به.
وأما ما يدل على الشق على الأب والأخ فهو فعل الإمام الحسن العسكري على أبيه وأخيه
(عليهم السلام) وفعل موسى بن عمران على أخيه هارون (عليهما السلام) وفي استدلاله
(عليه السلام) واحتجاجه على من لامه في الشق بشق موسى على أخيه هارون ما يؤيد
ما قدمناه من أن ما يحكونه عن الأنبياء السابقين يكون حجة ودليلا للحكم في شريعتنا
ما لم يعلم الاختصاص، ومثله حديث خالد بن سدير واستدلال الصادق (عليه السلام)

1) رواه في الوسائل في الباب 84 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 84 من أبواب الدفن
153

بشق موسى بن عمران على أخيه هارون. والله العالم.
(المقصد الخامس)
في التعزية وما يتبعها، والعزاء ممدودا: الصبر، والتعزية تفعلة من العزاء،
وعزيته تعزية قلت له أحسن الله تعالى عزاءك أي رزقك الصبر الجميل، والمراد بها طلب
التسلي عن المصيبة باسناد الأمر إلى قضاء الله وقدره وذكر ما وعد الله تعالى على ذلك
من الأجر والثواب، وأقل مراتبها أن يراه صاحب المصيبة لما رواه في الفقيه مرسلا (1)
قال: وقال (عليه السلام) " كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة ".
والبحث في هذا القصد يقع في مقامات: (الأول) - قد استفاضت الأخبار
باستحباب التعزية، فروى في الكافي عن وهب بن وهب عن الصادق (عليه السلام) (2)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عزى مصابا كان له مثل أجره من
غير أن ينتقص من أجر المصاب شئ " وعن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) (3)
قال: " كان فيما ناجى به موسى ربه قال يا رب ما لمن عزى الثكلى؟ قال أظله في ظلي
يوم لا ظل إلا ظلي " وعن علي بن عيسى بن عبد الله العمري عن أبيه عن جده عن أبيه (4)
قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من عزى الثكلى أظله الله في ظل عرشه يوم
لا ظل إلا ظله " وعن إسماعيل الجزري عن الصادق (عليه السلام) (5) قال: " قال
رسول الله (صلى إليه عليه وآله) من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبى بها "
وعن السكوني عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (6) قال: " قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله) من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها " وروى هذين

1) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب الدفن
154

الخبرين الأخيرين الصدوق في الفقيه (1) مرسلين قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله) إلى آخرهما " وروى الصدوق في المجالس والعيون بسنده عن محمد بن علي عن
أبيه الرضا عن موسى بن جعفر (عليهم السلام) (2) قال: " رأى الصادق (عليه السلام)
رجلا قد اشتد جزعه على ولده فقال يا هذا جزعت للمصيبة الصغرى وغفلت عن المصيبة
الكبرى لو كنت لما صار إليه ولدك مستعدا لما اشتد عليه جزعك فمصابك بتركك
الاستعداد له أعظم من مصابك بولدك " وروى المشايخ الثلاثة في أصولهم والصدوق
في ثواب الأعمال عن رفاعة بن موسى النخاس عن الصادق (عليه السلام) (3) " أنه
عزى رجلا بابن له فقال له الله خير لابنك منك وثواب الله خير لك منه فلما بلغه جزعه
عليه عاد إليه فقال له قد مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) فما لك به أسوة؟ فقال إنه كان مراهقا فقال إن أمامه ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله ورحمة الله وشفاعة
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلن تفوته واحدة منهن إن شاء الله تعالى " قال شيخنا
المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار: قوله (عليه السلام): " الله خير لابنك منك "
أقول: لما كان الغالب أن الحزن على الأولاد يكون لتوهم أمرين باطلين: (أحدهما) أنه
على تقدير وجود الولد يصل النفع من الوالد إليه وأن هذه النشأة خير له من النشأة
الأخرى والحياة خير له من الموت فأزال (عليه السلام) وهمه بأن الله سبحانه ورحمته
خير لابنك منك وما تتوهمه من نفع توصله إليه على تقدير الحياة والموت مع رحمة الله
خير من الحياة. و (ثانيهما) - توقع النفع منه مع حياته أو الاستئناس به فأبطل (عليه
السلام) ذلك بأن ما عوضك الله تعالى من الثواب على فقده خير لك من كل نفع توهمته
أو قدرته في حياته. قوله: " فعاد إليه " يفهم منه استحباب المعاودة وتكرار التعزية

1) ج 1 ص 110 وفي الوسائل في الباب 46 من أبواب الدفن
2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 68 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 49 من أبواب الدفن
155

مع بقاء الجزع. قوله: " إنه كان مراهقا " في بعض النسخ كما في الكافي " مرهقا "
فهو علي بناء المجهول من باب التفعيل أو من الأفعال، قال في النهاية: الرهق: السفه وغشيان
المحارم وفيه فلان مرهق أي متهم بسوء وسفه. وفي القاموس الرهق محركة: السفه والنوك
والخفة وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم، والمرهق كمكرم: من أدرك، وكمعظم:
الموصوف بالرهق أو من يظن به السوء. انتهى. والمراد أن حزني ليس بسبب فقده
بل بسبب أنه كان يغشى المحارم. انتهى ملخصا. وروى في الكافي عن علي بن
مهزيار (1) قال: " كتب أبو جعفر (عليه السلام) إلى رجل ذكرت مصيبتك بعلي ابنك
وذكرت أنه كان أحب ولدك إليك وكذلك الله إنما يأخذ من الولد وغيره أزكى ما عند
أهله ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة فأعظم الله تعالى أجرك وأحسن عزاءك وربط على
قلبك إنه قدير وعجل الله تعالى عليك بالخلف وأرجو أن يكون الله تعالى قد فعل إن شاء
الله تعالى " وروى في الفقيه مرسلا (2) قال: " أتى أبو عبد الله (عليه السلام) قوما
قد أصيبوا بمصيبة فقال: جبر الله وهنكم وأحسن عزاءكم ورحم متوفاكم ثم انصرف "
وفي المقام فوائد: (الأولى) - قد عرفت معنى التعزية فيما تقدم وهي جائزة
قبل الدفن وبعده لما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن هشام بن الحكم (3) قال:
" رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) يعزي قبل الدفن وبعده " ويحتمل أنه (عليه
السلام) جمع بين الأمرين في مصيبة واحدة. والأفضل كونها بعد الدفن كما هو المشهور
لما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق
(عليه السلام) (4) قال: " التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن " وعن أحمد بن محمد
بن خالد عن أبيه عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) قال (5): " التعزية

1) رواه في الوسائل في الباب 49 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 49 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الدفن
156

الواجبة بعد الدفن " أقول: الوجوب هنا إما بالمعنى اللغوي أو لتأكيد الاستحباب.
وروى
في الفقيه مرسلا (1) قال: " قال (عليه السلام) (2) التعزية الواجبة بعد الدفن، وقال كفاك
من التعزية أن يراك صاحب المصيبة " وروى في الكافي عن إسحاق بن عمار عن الصادق
(عليه السلام) قال: " ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون لا يحدث في الميت
حدث فيسمعون الصوت " قال في الوافي في ذيل هذا الخبر: " يعني أن التعزية تحصل
بالاجتماع الذي يقع عند القبر فينبغي للناس بعد ما فرغوا من الدفن أن يعجلوا في الانصراف
ولا يلبثوا هناك للتعزية لئلا يحدث في الميت حدث في قبره من عذاب أو صيحة فيسمعوا
الصوت ويفزعوا من ذلك ويكرهوه " انتهى.
(الثانية) - هل لها حد معين أم لا؟ قال في المبسوط: الجلوس للتعزية يومين
أو ثلاثة أيام مكروها اجماعا. وأنكر هذا القول ابن إدريس فقال بعد نقل كلام الشيخ
المذكور: " قال محمد بن إدريس لم يذهب أحد من أصحابنا المصنفين إلى ذلك ولا وصفه
في كتابه وإنما هذا من فروع المخالفين وتخريجاتهم، وأي كراهة في جلوس الانسان في
داره للقاء إخوانه والدعاء لهم والتسليم عليهم واستجلاب الثواب لهم في لقائه وعزائه " انتهى
وانتصر في المعتبر للشيخ فقال بعد نقل ملخص كلام ابن إدريس: " والجواب أن
الاجتماع والتزاور من حيث هو مستحب أما لو جعل لهذا الوجه واعتقد شرعيته فإنه
يفتقر إلى الدلالة، والشيخ استدل بالاجماع على كراهيته إذ لم ينقل عن أحد من
الصحابة والأئمة (عليهم السلام) الجلوس لذلك فاتخاذه مخالفة لسنة السلف لكن لا يبلغ
أن يكون حراما " انتهى. وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى الانتصار لابن إدريس
حيث قال: ولا حد لزمانها عملا بالعموم نعم لو أدت التعزية إلى تجديد حزن قد نسي
كان تركها أولى، ويمكن القول بثلاثة أيام لنقل الصدوق عن الباقر (عليه السلام) (3)

1) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
157

" يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات " ونقل عن الصادق (عليه السلام) (1)
" أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر فاطمة (عليها السلام) أن تأتي أسماء بنت
عميس ونساؤها وأن تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام فجرت بذلك السنة " قال وقال الصادق
(عليه السلام) (2) " ليس لأحد أن يحد أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها حتى
تقضي عدتها " قال (3): " وأوصى أبو جعفر (عليه السلام) بثمانمائة درهم لمأتمه
وكان يرى ذلك من السنة لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر باتخاذ الطعام لآل
جعفر " وفي كل هذا إيماء إلى ذلك. والشيخ أبو الصلاح قال: من السنة تعزية أهله
ثلاثة أيام وحمل الطعام إليهم. ثم نقل كلام الشيخ في المبسوط وملخص كلام ابن إدريس
عليه وكلام المعتبر على ابن إدريس، ثم قال في الرد على كلام المعتبر: قلت الأخبار
المذكورة مشعرة به فلا معنى لاعتراضه حجة التزاور وشهادة الاثبات مقدمة، إلا أن
يقال لا يلزم من عمل المأتم الجلوس للتعزية بل هو مقصور على الاهتمام بأمور أهل الميت
لاشتغالهم بحزنهم، لكن اللغة والعرف بخلافه، قال الجوهري: " المأتم: النساء يجتمعن
قال وعند العامة المصيبة " وقال غيره " المأتم: المناحة " وهما مشعران بالاجتماع. انتهى
ما ذكره في الذكرى في هذا المقام. وهو جيد. وإلى هذا القول مال جملة من متأخري
المتأخرين بل الظاهر أنه هو المشهور.
(الثالثة) - قال في المنتهى: " ويستحب التعزية لجميع أهل المصيبة كبيرهم
وصغيرهم ذكرهم وأنثاهم عملا بالعموم، وينبغي أن يخص أهل العلم والفضل والخير
والمنظور إليهم من بينهم يميز به ليتأسى به غيره والضعيف عن تحمل المصيبة لحاجته إليها،
ولا ينبغي أن يعزي النساء الأجانب خصوصا الشواب بل تعزيهم نساء مثلهم " انتهى.

1) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 82 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 68 من أبواب الدفن
158

أقول: وفي الفقه الرضوي (1) قال: " وعز وليه فإنه روي عن الصادق (عليه السلام)
أنه قال: من عزى أخاه المؤمن كسي في الموقف حلة، إلى أن قال (عليه السلام) وإن
كان المعزى يتيما فامسح يدك على رأسه فقد روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال من
مسح يده على رأس يتيم ترحما كتب الله له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة. وإن
وجدته باكيا فسكته بلطف ورفق فإني أروي عن العالم (عليه السلام) أنه قال إذا بكى
اليتيم اهتز له العرش فيقول الله تبارك وتعالى من ذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه
في صغره وعزتي وجلالي وارتفاعي في مكاني لا يسكته عبد مؤمن إلا وجبت له الجنة ".
(الرابعة) - الأفضل في التعزية ما هو المأثور عن أهل العصمة (عليهم السلام)
مما تقدم في رواية رفاعة بن موسى ورواية علي بن مهزيار ومرسلة الفقيه (2) وروى
شيخنا الشهيد الثاني في كتاب مسكن الفؤاد عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عن أبيه
عن جده (عليهم السلام) (3) قال: " لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاء
جبرئيل والنبي مسجى وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) قال
السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم
القيامة. الآية (4) " ألا إن في الله عز وجل عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل
هالك ودركا لما فات فبالله عز وجل فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب
وهذا آخر وطئي من الدنيا " وعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) (5) قال: " لما
توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عزتهم الملائكة يسمعون الحس ولا يرون
الشخص فقالوا السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته إن في الله عزاء من كل
مصيبة وخلفا عن كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا وإنما المحروم من حرم الثواب والسلام

1) ص 18.
2) ص 155 و 156
3) رواه في البحار ج 18 ص 213
4) سورة آل عمران. الآية 182
5) رواه في البحار ج 18 ص 213
159

عليكم ورحمة الله وبركاته " وروي الخبر الأول في الكافي عن الحسين بن المختار عنه
(عليه السلام) (1) والخبر الثاني عن زيد الشحام عنه (عليه السلام) (2)
(المقام الثاني) - لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في استحباب
الاطعام عن أصحاب المصيبة ثلاثة أيام، وعلى ذلك دلت جملة من الأخبار: منها - ما رواه
في الكافي في الصحيح أو الحسن عن هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) (3)
قال: " لما قتل جعفر بن أبي طالب أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة أن
تتخذ طعاما لأسماء بيت عميس ثلاثة أيام وتأتيها ونساؤها وتقيم عندها ثلاثة أيام فجرت
بذلك السنة أن يصنع لأهل المصيبة طعام ثلاثا " ورواه الصدوق مرسلا (4) إلى قوله
" فجرت بذلك السنة " وفي الصحيح أو الحسن عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) (5)
قال: " يصنع لأهل الميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات " ورواه البرقي في المحاسن في
الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) (6) وفي متنه قال: " نصنع للميت الطعام
للمأتم ثلاثة أيام بيوم مات فيه " وعن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (7) قال:
" ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا الطعام عنه ثلاثة أيام " ورواه الصدوق
بإسناده عن أبي بصير مثله (8) وروى البرقي في المحاسن في الصحيح عن مرازم (9)
قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لما قتل جعفر بن أبي طالب دخل رسول الله
(صلى الله عليه وآله) على أسماء بيت عميس، إلى أن قال فقال اجعلوا لأهل جعفر طعاما
فجرت السنة إلى اليوم " وعن العباس بن موسى بن جعفر عن أبيه (عليه السلام) (10)
" أنه سأله عن المأتم فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال ابعثوا إلى أهل جعفر
طعاما فجرت السنة إلى اليوم " وعن عمر بن علي بن الحسين (عليه السلام) (11) قال:

1) ص 60
2) ص 60
3) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
7) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
8) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
9) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
10) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
11) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
160

" لما قتل الحسين (عليه السلام) لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح وكن لا يشتكين من
حر ولا برد وكان علي بن الحسين (عليهما السلام) يعمل لهن الطعام للمأتم " أقول: الظاهر أن
ذلك بعد رجوعه (عليه السلام) إلى المدينة. وفي الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز
أو غيره (1) قال: أوصى أبو جعفر (عليه السلام) والفقيه مرسلا قال: " أوصى أبو جعفر بثمانمائة
درهم لمأتمه وكان يرى ذلك من السنة لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال اتخذوا
لآل جعفر طعاما فقد شغلوا " قال في الذكرى: " لو أوصى الميت بذلك نفذت وصيته
لأنه نوع من البر ويلحقه ثوابه بعد موته ولكن لو فوض إلى غير أهله لكان أنسب
لاشتغالهم بمصابهم عن ذلك " أقول: يمكن أن يكون (عليه السلام) في وصيته بهذا المبلغ
قد وكل مؤنته إلى غيرهم لئلا يزاحم اشتغالهم.
فروع
(الأول) - يكره الأكل من طعام أهل المصيبة لما رواه الصدوق في الفقيه
مرسلا (2) قال: " وقال الصادق (عليه السلام) الأكل عند أهل المصيبة من عمل
أهل الجاهلية والسنة البعث إليهم بالطعام كما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) في آل
جعفر بن أبي طالب لما جاء نعيه " وقيده بعضهم بما كان من عندهم لا ما يهدى إليهم من
الأقرباء والجيران على السنة المذكورة. وهو حسن.
(الثاني) - قال في المنتهى: " لا يستحب لأهل الميت أن يصنعوا طعاما ويجمعوا الناس عليه لأنهم مشغولون بمصابهم، ولأن في ذلك تشبها بأهل الجاهلية على ما
قال الصادق (عليه السلام) " أقول: أشار بما قاله الصادق (عليه السلام) إلى ما تقدم
من مرسلة الفقيه.

1) رواه في الوسائل في الباب 68 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن
161

(الثالث) - قال في الكتاب المذكور أيضا: " لو دعت الحاجة إلى ذلك
جاز كما لو حضرهم أهل القرى والأماكن البعيدة واحتاجوا إلى المبيت عندهم فإنه ينبغي
ضيافتهم " وهو جيد.
(الرابع) - الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب أن الأمر بالاطعام في
الثلاثة يتوجه لجريان الميت وأقربائه، والظاهر تقييده بما إذا لم يوص الميت بما يصرف
لذلك من ماله وإلا سقط الحكم المذكور، إلا أنه ينبغي للوصي - كما تقدمت الإشارة إليه -
أن يفوض ذلك إلى غير أهل المصيبة لاشتغالهم بالحزن وبالناس القادمين عليهم عن ذلك.
(المقام الثالث) - الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في جواز البكاء على الميت
قبل الدفن وبعده، ويدل على ذلك الأخبار المستفيضة، ومنها - ما رواه الصدوق في الخصال
والمجالس بسنديه فيهما إلى محمد بن سهل البحراني يرفعه إلى الصادق (عليه السلام) (1)
قال: " البكاءون خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وعلي بن الحسين، أما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب
فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له: ". تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون
حرضا أو تكون من الهالكين " (2) وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل
السجن فقالوا إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل
فصالحهم على واحد منهما، وأما فاطمة فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى
تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك، وكانت تخرج إلى المقابر مقابر
الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين فبكي على الحسين
عشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قاله له مولى له إني
أخاف عليك أن تكون من الهالكين. قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله

1) رواه في الوسائل في الباب 87 من أبواب الدفن
2) سورة يوسف. الآية 85
162

ما لا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة (عليهما السلام) (1) إلا خنقتني لذلك عبرة "
وروى في الكافي عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال: " لما ماتت
رقية بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحقي
بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه، قال وفاطمة (عليها السلام) على شفير القبر
تنحدر دموعها في القبر. الحديث " وعن محمد بن منصور الصيقل عن أبيه (2) قال:
" شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) وجدا وجدته على ابن لي هلك حتى خفت
على عقلي فقال إذا أصابك من هذا شئ فأفض من دموعك فإنه يسكن عنك " وعن
ابن القداح عن الصادق (عليه السلام) (3) في حديث قال: " لما مات إبراهيم بن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) هملت عين رسول الله بالدموع ثم قال النبي (صلى الله
عليه وآله) تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم
لمحزونون. " وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (4) قال: " قال الصادق (عليه السلام) لما
مات إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال رسول الله حزنا عليك يا إبراهيم
وإنا لصابرون، يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما يسخط الرب. قال وقال (عليه
السلام) من خاف على نفسه من وجد بمصيبة فليفض من دموعه فإنه يسكن عنه. قال وقال إن النبي (صلى الله عليه وآله) حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة كان إذا
دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا ويقول كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعا " وفي
التهذيب بسنده إلى محمد بن الحسن الواسطي عن الصادق (عليه السلام) (5) " أن إبراهيم
خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته " والأخبار في هذا الباب كثيرة
بل ورد بكاء الملائكة وبقاع الأرض على المؤمن كما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن

1) رواه في الوسائل في الباب 87 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 87 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 87 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 87 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 70 من أبواب الدفن
163

عن علي بن رئاب (1) قال: " سمعت أبا الحسن الأول (عليه السلام) يقول إذا مات
المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبد الله تعالى عليها وأبواب السماء التي
كان يصعد أعماله فيها. وثلم ثلمة في الاسلام لا يسدها شئ لأن المؤمنين حصون الاسلام
كحصون سور المدينة لها " وأما رواية الحسن بن الشيخ الطوسي في أماليه عن معاوية بن
وهب عن الصادق (عليه السلام) (2) في حديث قال: " كل الجزع والبكاء مكروه
ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام) فالظاهر أن المراد بالكراهة
هنا عدم ترتب الثواب والأجر عليه مجازا لا الكراهة الموجبة للذم، وذلك فإنه ليس
في شئ من أفراد البكاء ما يوجب الثواب الجزيل والأجر الجميل مثل البكاء عليه والبكاء
على آبائه وأبنائه (عليهم السلام) وقصارى البكاء على غيرهم أن سبيله سبيل المباحات. وأما
ما روي من أن الميت يعذب ببكاء أهله فهو من روايات العامة، قال شيخنا في الذكرى:
الثالثة - لا يعذب الميت بالبكاء عليه سواء كان بكاء مباحا أو محرما كالمشتمل على المحرم،
لقوله تعالى: ". ولا تزر وازرة وزر أخرى. " (3) وما في البخاري ومسلم (4) في
خبر عبد الله بن عمر - " أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله "
ويروى (5) " أن حفصة بكت على عمر فقال مهلا يا بنية ألم تعلمي أن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) قال إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه؟ " - مأول، قيل وأحسنه أن

1) رواه في الوسائل في الباب 88 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 87 من أبواب الدفن
3) سورة الأنعام. الآية 164
4) في البخاري ج 1 ص 195 وفي صحيح مسلم ج 1 ص 342 و 344
5) رواه مسلم في صحيحه ج 1 ص 341، وروى ص 344 عن هشام بن عروة
عن أبيه " أنه ذكر لعائشة قول ابن عمر: " أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فقالت رحم الله
أبا عبد الرحمان سمع شيئا فلم يحفظ إنما مرت على رسول الله " ص " جنازة يهودي وهم
يبكون عليه فقال أنتم تبكون وإنه ليعذب "
164

الجاهلية، ثم أطال في بيان أجوبة ذكروها وقد أوضح فسادها ولا حاجة بنا إلى التطويل
بنقلها. وبالجملة فإنه لا اشكال ولا خلاف عندنا في جواز البكاء كما صرح به الأصحاب
إنما الخلاف نصا وفتوى في جواز النوح فالمشهور بين الأصحاب جوازه ما لم
يستلزم محرما من كذب أو صراخ عال أو لطم الوجوه وخمشها ونحو ذلك، وفي الذكرى
عن المبسوط وابن حمزة التحريم وأن الشيخ ادعى عليه الاجماع.
وأما الأخبار فمنها ما دل على الجواز ومن ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح
عن يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " قال لي أبي يا جعفر
أوقف لي من مالي كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى " قال في
الذكرى بعد ذكر الخبر: والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله واظهارها ليقتدي بها
ويعلم ما كان عليه أهل هذا البيت ليقتفي آثارهم لزوال التقية بعد الموت. ومنها - ما رواه
في الكافي والتهذيب عن الثماني عن الباقر (عليه السلام) (2) قال: " مات الوليد بن
المغيرة فقالت أم سلمة للنبي (صلى الله عليه وآله) أن آل المغيرة أقاموا مناحة فاذهب
إليهم؟ فأذن لها فلبست ثيابها وتهيأت، وكانت من حسنها كأنها جان وكانت إذا قامت
وأرخت شعرها جلل جسدها وعقدت طرفيه بخلخالها، فندبت ابن عمها بين يدي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت:
أنعى الوليد بن الوليد * أبا الوليد فتى العشيرة
حامي الحقيقة ماجدا * يسمو إلى طلب الوتيرة
قد كان عيث في السنين * وجعفرا غدقا وميرة
فما عاب عليها النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك ولا قال شيئا " ومنها - ما رواه
الشيخان المذكوران عن حنان بن سدير (3) قال: " كانت امرأة معنا في الحي ولها
جارية نائحة فجاءت إلى أبي فقالت يا عم أنت تعلم أن معيشتي من الله عز وجل ثم من

1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب ما يكتسب به
2) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب ما يكتسب به
3) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب ما يكتسب به
165

هذه الجارية النائحة وقد أجبت أن تسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فإن كان
حلالا وإلا بعتها وأكلت من ثمنها حتى يأتي الله تعالى بالفرج. فقال لها أبي والله إني
لأعظم أبا عبد الله أن أسأله عن هذه المسألة قال فلما قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك فقال
(عليه السلام) أتشارط؟ قلت والله ما أدري تشارط أم لا. فقال قل لها لا تشارط
وتقبل كل ما أعطيت " وما رواه في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن أبي بصير (1) قال
" قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا بأس بآجر النائحة التي تنوح على الميت " وفي الفقيه
مرسلا (2) قال: " سئل (عليه السلام) عن أجر النائحة قال لا بأس به قد نيح على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) " ثم قال روي: " أنه لا بأس بكسب النائحة إذا قالت
صدقا " وفي خبر آخر " تستحله بضرب إحدى يديها على الأخرى " وروى في الكافي
عن عذافر (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن كسب النائحة فقال تستحله
بضرب أحدي يديها على الأخرى " قال بعض مشايخنا المحدثين بعد ذكر هذا الخبر:
لعل المراد أنها تعمل أعمالا شاقة فيها تستحق الأجرة، وإشارة إلى أنه لا ينبغي أن تأخذ
الأجرة على النياحة بل على ما يضم إليها من الأعمال. وقيل هو كناية عن عدم اشتراط
الأجرة. ولا يخفى ما فيه. انتهى. وروى في اكمال الدين بسند صحيح إلى الحسين بن
زيد (4) قال: " ماتت ابنة لأبي عبد الله عليه السلام) فناح عليها سنة ثم مات له ولد
آخر فناح عليه سنة ثم مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح، فقيل
لأبي عبد الله (عليه السلام) أيناح في دارك؟ فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال لما مات حمزة لكن حمزة لا بواكي عليه " وروى الشهيد الثاني في مسكن الفؤاد (5)
" أن فاطمة ناحت على أبيها وأنه أمر بالنوح على حمزة " وروى في الكافي بسنده عن

1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب ما يكتسب به
2) ج 1 ص 116 وفي الوسائل في الباب 71 من أبواب الدفن و 17 من أبواب
ما يكتسب به
3) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب ما يكتسب به
4) رواه في الوسائل في الباب 70 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 70 من أبواب الدفن
166

خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) (1) في حديث
طويل: " أنها قالت سمعت عمي محمد بن علي يقول إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح
لتسيل دمعتها ولا ينبغي لها أن تقول هجرا فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح "
وقال الصدوق في الفقيه (2): " لما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من وقعة
أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا ولم يسمع من دار عمه حمزة
فقال (صلى الله عليه وآله) لكن حمزة لا بواكي عليه فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا
على ميت ولا يبكوه حتى يبدأوا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه فهم إلى اليوم على ذلك "
فهذه جملة من الأخبار ظاهرة في الجواز.
وأما ما يدل على القول الآخر فجملة من الأخبار أيضا: منها - ما رواه في الكافي
عن جابر (3) عن الباقر (عليه السلام) قال: " قلت له ما الجزع؟ فقال: أشد الجزع
الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر من النواصي، ومن أقام
النواحة فقد ترك الصبر وأخذ في غير طريقه. الحديث " وقال الصدوق (4): من ألفاظ
رسول الله (صلى الله عليه وآله) الموجزة التي لم يسبق إليها " النياحة من عمل الجاهلية "
وروى في حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه عن الحسين بن زيد عن الصادق
(عليه السلام) (5) قال: " ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الرنة عند المصيبة
ونهى عن النياحة والاستماع إليها " وروى في معاني الأخبار بسنده عن عمرو بن
أبي المقدام (6) قال: " سمعت أبا الحسن وأبا جعفر (عليهما السلام) يقول في قول الله
عز وجل " ولا يعصينك في معروف " قال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
لفاطمة إذا أنا مت فلا تخمشي علي وجها ولا ترخي علي شعرا ولا تنادي بالويل ولا

1) رواه في الوسائل في الباب 71 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 88 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 83 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 83 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 83 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 83 من أبواب الدفن
167

تقيمن علي نائحة، قال ثم قال هذا المعروف الذي قال الله عز وجل: ولا يعصينك في
معروف " وروى علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه السلام) (1)
قال: " سألته عن النوح على الميت أيصلح؟ قال يكره " وفي الخصال بسنده عن عبد الله
ابن الحسين بن زيد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) (2) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة: الفخر
بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة، وأن النائحة إذا لم تتب
قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من حرب ".
وظاهر كلام أكثر الأصحاب الاعراض عن هذه الأخبار وتأويلها بل تأويل كلام
الشيخ أيضا بالحمل على النوح المشتمل على شئ من المناهي كما هو ظاهر سياق الحديث
الأول، قال في الذكرى بعد نقل القول بالتحريم عن الشيخ وابن حمزة: والظاهر أنهما أرادا النوح بالباطل أو المشتمل على المحرم كما قيده في النهاية، ثم نقل جملة من أخبار النهي،
وقال: وجوابه الحمل على ما ذكرناه جمعا بين الأخبار، ولأن نياحة الجاهلية كانت كذلك
غالبا، ولأن أخبارنا خاصة والخاص مقدم. أقول: من المحتمل قريبا حمل الأخبار الأخيرة
على التقية فإن القول بالتحريم قد نقله في المعتبر عن كثير من أصحاب الحديث من
الجمهور (3) ونقل جملة من رواياتهم المطابقة لما روى عندنا ومنه تفسير آية ". ولا يعصينك
في معروف. " (4) بالنوح، قال في المنتهى: النياحة بالباطل محرمة اجماعا أما بالحق
فجائزة اجماعا، وروى الجمهور عن فاطمة (عليها السلام) (5) أنها قالت:

1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب ما يكتسب به.
2) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب ما يكتسب به.
3) كما في الفتاوى الفقهية لابن حجر ج 2 ص 18 وفي عمدة القارئ للعيني ج 4
ص 94 و ج 9 ص 209 وفي فتح الباري ج 8 ص 450.
4) سورة ممتحنة. الآية 12.
5) كما في المغني لابن قدامة ج 2 ص 547
168

يا أبتاه من ربه ما أدناه * يا أبتاه إلى جبرئيل أنعاه * يا أبتاه أجاب ربا دعاه.
وعن علي (عليه السلام) (1) أن فاطمة أخذت قبضة من تراب قبر النبي
(صلى الله عليه وآله) فوضعتها على عينها فقالت شعرا:
ماذا على من شم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الدهور غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا
ومن طريق الخاصة ما رواه الصدوق، ثم نقل بعضا من الأخبار التي قدمناها في
جواز النياحة. وقد صرح جملة من الأصحاب: منهم - صاحب المنتهى والذكرى بجواز
الوقف على النوح لخبر يونس بن يعقوب المتقدم، قالوا ولأنه فعل مباح فجاز صرف
المال إليه. وبالجملة فالظاهر هو القول بالجواز ما لم يستلزم أمرا آخر مما قدمنا ذكره.
(المقام الرابع) - في زيارة القبور، وهي مستحبة اجماعا نصا وفتوى إلا أن
المحقق في المعتبر وجمعا ممن تأخر عنه خصوا ذلك بالرجال وكرهوه للنساء، وسيأتي ما فيه
في المقام أن شاء الله تعالى، روى الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) أنه قال:
" كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت " ومن طريق الخاصة
ما رواه الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) الموتى نزورهم؟ قال نعم. قلت فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ قال إي والله إنهم ليعلمون
بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم " وما رواه ثقة الاسلام في الصحيح والحسن عن جميل
ابن دراج عن الصادق (عليه السلام) (4) " في زيارة القبور قال: إنهم يأنسون بكم
فإذا غبتم عنهم استوحشوا " وعن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) (5)
قال: " قلت له المؤمن يعلم من يزور قبره؟ قال نعم لا يزال مستأنسا به ما زال عند

1) كما في المغني لابن قدامة ج 2 ص 547
2) رواه أبو داود في السنن ج 3 ص 218 وابن ماجة في السنن ج 1 ص 476
3) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الدفن
169

قبره فإذا قام وانصرف من قبره دخله من انصرافه عن قبره وحشة " وعن مفضل بن
عمر عن الصادق وعن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر
أبيه وعند قبر أمة بما يدعو لهما " وما رواه الصدوق بإسناده عن صفوان بن يحيى (2) قال:
" قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) بلغني أن المؤمن إذا أتاه الزائر أنس به فإذا
انصرف عنه استوحش؟ فقال لا يستوحش " أقول: يمكن الجمع بين هذا الخبر وما
تقدمه بالفرق بين ما إذا كان الزائر من أهل الميت وأقاربه ودعمه فتحمل الأخبار
المتقدمة على الأول وهذا على الثاني.
ويتأكد ذلك يوم الاثنين وعشية الخميس وغداة السبت، فروى ثقة الاسلام
في الصحيح أو الحسن عن هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " سمعته
يقول عاشت فاطمة (عليها السلام) بعد أبيها خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا
ضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين والخميس فتقول: ههنا كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ههنا كان المشركون " أقول: المراد بالجمعة الأسبوع
كما هو أحد اطلاقاته في الأخبار. وما رواه الشيخ عن يونس عن الصادق (عليه
السلام) (4) قال: " إن فاطمة (عليها السلام) كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة
سبت فتأتي قبر حمزة وتترحم عليه وتستغفر له " قال في الوافي بعد ذكر هذا الخبر:
" لعل هذا كان في حياة أبيها (صلى الله عليه وآله) وما تقدمه بعد وفاته فلا تنافي "
وهو جيد. وروى ابن قولويه في المزار عن صفوان الجمال (5) قال: " سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخرج في ملأ من الناس
من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المدنيين فيقول السلام عليكم يا أهل الديار (ثلاثا)

1) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 55 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 55 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 55 من أبواب الدفن
170

رحمكم الله (ثلاثا). الحديث ".
ويستحب وضع الزائر يده على القبر مستقبل القبلة وقراءة القدر سبعا والدعاء
بالمأثور، فروى في الكافي عن محمد بن أحمد (1) قال: " كنت بفيد فمشيت مع علي
ابن بلال إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع فقال لي علي بن بلال قال لي صاحب
هذا القبر عن الرضا (عليه السلام) قال من أتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرأ
إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر أو يوم الفزع " ورواه
الكشي في كتاب الرجال نقلا من كتاب محمد بن الحسين بن بندار بخطه (2) قال حدثني
محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى قال: " كنت بفيد، وذكر نحوه إلى أن قال:
أخبرني صاحب هذا القبر - يعني محمد بن إسماعيل بن بزيع - أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام)
يقول من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره واستقبل القبلة ووضع يده على القبر
فقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر بسبع مرات أمن من الفرع الأكبر " ورواه النجاشي في
كتاب الرجال مثله (3) إلا أن فيه " أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول من زار
قبر أخيه المؤمن ووضع يده عليه وقرأ إنا أنزلناه. الحديث " وروى في التهذيب عن
عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) كيف
أضع يدي على قبور المسلمين؟ فأشار بيده إلى الأرض فوضعه عليها وهو مقابل القبلة "
وروى الصدوق مرسلا (5) قال: " قال الرضا (عليه السلام) ما من عبد زار قبر
مؤمن فقرأ عليه إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات إلا غفر الله تعالى له ولصاحب
القبر " وقد تقدم في بحث الدفن نقلا عن الفقه الرضوي (6) قوله: " ثم ضع يدك على
القبر وأنت مستقبل القبلة وقل اللهم ارحم غربته.. الدعاء كما تقدم إلى أن قال (عليه
السلام) ومتى ما زرت قبره فادع له بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة ويداك على القبر "

1) رواه في الوسائل في الباب 57 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 57 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 57 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 57 من أبواب الدفن
6) ص 18
171

وروى الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام) الموتى نزورهم؟ فقال نعم. " وقد تقدم في صدر هذا المقام إلى أن قال: " فأي
شئ نقول إذا أتيناهم؟ قال قل: اللهم جاف الأرض عن جنوبهم وصاعد إليك أرواحهم
ولقهم منك رضوانا واسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم وتؤنس به وحشتهم إنك
على كل شئ قدير " وقى الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن سنان (2) قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف التسليم على أهل القبور؟ فقال نعم تقول
السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين أنتم لنا فرط ونحن إن شاء الله بكم لاحقون
وعن منصور بن حازم في الصحيح (3) قال: " تقول: السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين
وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون " وقال في الفقيه (4): " كان رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إذا مر على القبور قال السلام عليكم. الحديث " وفي الكافي والفقيه عن
جراح المدائني (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) كيف التسليم على أهل القبور؟
قال تقول: السلام على أهل الديار من المسلمين والمؤمنين رحم الله المستقدمين.
منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون " أقول: مورد هذه الأخبار الأخيرة
زيارة المقبرة والدعاء لمن فيها من المؤمنين والسلام عليهم ومورد الأخبار الأولة زيارة
قبر المؤمن وحده وقراءة السورة المذكورة والدعاء المذكور عنده. وفي كتاب تنبيه الخاطر
لورام (6) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا قرأ المؤمن آية الكرسي
وجعل ثواب قراءته لأهل القبور جعل الله تعالى له من كل حرف ملكا يسبح له إلى
يوم القيامة ".
فروع: (الأول) - الظاهر من كلام المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى

1) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب الدفن
172

تخصيص استحباب الزيارة بالرجال وكراهتها للنساء، قال في المعتبر: " وأما الكراهة
لهن فلأن الستر والصيانة أولى بهن " وفيه ما عرفت من الأخبار الدالة على زيارة فاطمة
(عليها السلام) لقبور الشهداء، قال في الذكرى بعد نقل كلام المعتبر وتعليله الكراهة:
" وهو حسن إلا مع الأمن والصون لفعل فاطمة (عليها السلام) وهو جيد، وحينئذ
فالكراهة بالنسبة إلى النساء إنما هو باعتبار أمر آخر لا من حيث الزيارة كما أطلقه في المعتبر،
إذ ليس مجرد الزيارة مستلزما لهتك الستر والصيانة وإلا لاستلزم كراهة خروجهن من
البيوت مطلقا ولا قائل به.
(الثاني) - المفهوم من خبر محمد بن أحمد الأول وكذا من عبارة كتاب الفقه
أن المستحب وضع اليدين معا ولا أعلم به قائلا، وأكثر الروايات إنما هي بذكر اليد
مفردة وهو الظاهر من عبارات الأصحاب كما لا يخفى على من ارجعها، والظاهر أنها
اليمين لأنها هي المعدة للسنن والمستحبات لشرفها كما بين في غير موضع.
(الثالث) - المفهوم من الأخبار المتقدمة تأكد الاستحباب في الأيام
الثلاثة المتقدمة وإن جازت في سائر الأيام، وقال في المنتهى: ويستحب تكرار ذلك
في كل وقت، ثم استدل بما رواه ابن بابويه عن إسحاق بن عمار (1) قال: " سألت
أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن المؤمن يزور أهل؟ فقال نعم فقال في كم؟ " فقال على
قدر فضائلهم: منهم من يزور في كل يوم. " أقول: لا يخفى أن الخبر وإن أوهم ما ذكره
إلا أن تتمة الخبر صريحة في أن مورده إنما هي زيارة الأرواح لأهلها بعد الموت لا زيارة
الأحياء للقبور، وهذا تتمة الخبر المذكور " ومنهم من يزور في كل يومين ومنهم من
يزور في كل ثلاثة أيام، قال ثم رأيت في مجرى كلامه أنه يقول: أدناهم منزلة يزور كل
جمعة: قال قالت في أي ساعة قال عند زوال الشمس أو قبيل ذلك " ورواه في الكافي (2)
وزاد فيه: " قال قلت في أي صورة؟ قال في صورة العصفور أو أصغر من ذلك " ثم

1) الفقيه ج 1 ص 115
2) ج 1 ص 60
173

اشترك الكتابان في قوله: " فيبعث الله تعالى معه ملكا فيريه ما يسره ويستر عنه
ما يكره فيرى ما يسره ويرجع إلى قرة عين " فالاستدلال به غفلة ظاهرة كما لا يخفى.
(الرابع) - قال في المنتهى: " ويستحب خلع النعال إذا دخل المقابر ولو لم
يفعله لم يكن مكروها لأن النبي (صلى الله عليه وآله) روي عنه أنه قال: " إذا وضع
الميت في قبره وتولى عنه أصحابه أنه يسمع قرع نعالهم " (1) ولا ريب أن خلع النعال
أقرب إلى الخشوع وأبعد من الخيلاء، ولو كان هناك مانع من خلع النعلين لم يستحب
خلعهما " وقال في الذكرى: " لا يستحب لمن دخل المقبرة خلع نعليه للأصل وعدم ثبت
قالوا: " رأى النبي (صلى الله عليه وآله) ورجلا يمشي في المقبرة وعليه نعلان فقال
يا صاحب السبتيتين الق سبتيتيك فرمى بهما " (2) قلنا حكاية حال فلعله لما في هذا النوع
من الخيلاء لأنه لباس أهل التنعم لا لأجل المقيرة " أقول: الذي يلوح من هذا الكلام
أن القائل بالاستحباب إنما هو من العامة كما ينادي به الاستدلال بهذا الخبر الذي
لا أثر له في أصولنا فيما أعلم، ولا يبعد أن العلامة في المنتهى قد تبع القوم في ذلك،
وكيف كان فلم أقف على مستند لهذا الحكم الذي ادعاه في المنتهى وكلام الذكرى
هنا هو الأقوى.
(الخامس) - ظاهر أكثر الأخبار الأولة أنه يستحب في زيارة قبر المؤمن
قراءة القدر سبع مرات خاصة، وظاهر عبارة الفقه استحباب الدعاء المذكور خاصة،
والجمع بين الأخبار بالتخيير ممكن والجمع بين السورة المذكورة والدعاء أفضل:
(السادس) - يكره الضحك بين القبور لما رواه الصدوق في المناهي المذكورة
في آخر الكتاب عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) قال: " إن الله تعالى كره لأمتي

1) رواه أبو داود في السنن ج 3 ص 217
2) رواه أبو داود في السنن ج 3 ص 217
3) رواه في الوسائل في الباب 63 من أبواب الدفن
174

الضحك بين القبور والتطلع في الدور، قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إن الله تعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي:
العبث في الصلاة والرفث في الصوم والمن بعد الصدقة واتيان المساجد جنبا والتطلع في
الدور والضحك بين القبور " ونحوه روي في المجالس (1) ومثله في الخصال (2) وفي
بعضها أربعا وعشرين خصلة وعد منها الضحك بين القبور والتطلع في الدور.
(السابع) - قال في المنتهى: " يكره المشي على القبور قاله الشيخ " أقول:
قد قدمنا الكلام في ذلك وبينا إنا لم نقف له على دليل من أخبارنا بل ظاهر بعضها خلافه.
(المقام الخامس) - قد استفاضت الأخبار باستحباب احتساب موت الأولاد
والصبر على ذلك وما فيه من الأجر في الآخرة، ففي الكافي عن أبي إسماعيل السراج
عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " ولد يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولدا
يخلفهم بعده كلهم قد ركبوا الخيل وجاهدوا في سبيل الله تعالى " وعن ابن مهزيار في
الصحيح (4) قال: " كتب رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) يشكو إليه مصابه بولده
وشدة ما دخله فكتب إليه: أما علمت أن الله تعالى يختار من مال المؤمن ومن ولده أنفسه
ليأجره على ذلك؟ " وعن جابر عن الباقر (عليه السلام) (5) قال: " دخل رسول الله
(صلى الله عليه وآله) على خديجة حيث مات القاسم ابنها وهي تبكي فقال لها ما يبكيك؟
فقالت درت دريرة فبكيت. فقال يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيئي
إلى باب الجنة وهو قائم فيأخذ بيدك ويدخلك الجنة وينزلك أفضلها؟ وذلك لكل
مؤمن، إن الله عز وجل أحكم وأكرم من أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم يعذبه بعدها
أبدا " وعن أبي بصير (6) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن
الله تعالى إذا أحب عبدا قبض أحب ولده إليه " وعن ابن بكير في الموثق عن الصادق

1) رواه في الوسائل في الباب 63 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 63 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
175

(عليه السلام) (1) قال: " ثواب المؤمن من ولده إذا مات الجنة صبر أو لم يصبر "
ورواه الصدوق مرسلا (2) وعن السكوني عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا قبض ولد المؤمن - والله تعالى أعلم بما قال العبد -
قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد فلان المؤمن؟ فيقولون نعم ربنا. فيقول ماذا قال
عبدي؟ قالوا حمدك واسترجع. فيقول الله لملائكته أخذتم ثمرة قلبه وقرة عينه فحمدني
واسترجع ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد " وعن جابر عن الباقر (عليه السلام) (4)
قال: " مات طاهر ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنهى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) خديجة عن البكاء فقالت بلى يا رسول الله ولكن درت علي دريرة فبكيت
فقال أما ترضين أن تجديه قائما على باب الجنة فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك الجنة أطهرها
مكانا وأطيبها؟ فقالت وإن ذلك كذلك؟ قال الله أعز وأكرم من أن يسلب عبدا ثمرة
قلبه فيصبر ويحسب ويحمد الله عز وجل ثم يعذبه " عز وجل ثم يعذبه " قولها (رضي الله عنها): " درت علي
دريرة " كناية عن سيلان الدموع. وبالإسناد عن جابر عن الباقر (عليه السلام) (5)
قال: " من قدم من المسلمين ولدين يحتسبهما عند الله تعالى حجباه من النار بإذن الله تعالى " وروى الصدوق مرسلا (6) قال: " قال الصادق (عليه السلام) من قدم
ولدا كان خيرا له من سبعين يخلفهم بعده كلهم قد ركب الخيل وقاتل في سبيل الله تعالى "
وروى في ثواب الأعمال عن ميسر عن الصادق (عليه السلام) (7) قال: " ولد
واحد يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولدا يبقون بعده يدركون القائم (عليه السلام) "
وفي المجالس بسنده عن أنس بن مالك (8) قال: " توفي ولد لعثمان بن مظعون فقال
له رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن للجنة ثمانية أبواب وللنار سبعة أبواب أفلا
يسرك أن لا تأتي بابا منها إلا وجدت ابنك إلى جنبك أخذ بحجزتك يشفع لك إلى ربك؟

1) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
2) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
3) رواه في الوسائل في الباب 73 من أبواب الدفن
4) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
5) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
6) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
7) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
8) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن
176

فقال بلى. فقال المسلمون: ولنا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فرطنا ما لعثمان؟
قال نعم لمن صبر ومنكم واحتسب. الحديث ".
أقول: ينبغي أن يعلم أنه لا منافاة بين هذه الأخبار وما دلت عليه من استحباب
احتساب الولد والصبر على مصيبة فقده وبين ما تقدم من جواز البكاء، فإن البكاء، لا ينافي
الصبر والتسليم لله عز وجل وإنما هو رحمة ورقة بشرية جبلية لا يملك الانسان منعها كما
تقدم ذكره في بعض الأخبار المتقدمة والإشارة إليه في آخر، وأما منعه (صلى الله عليه
وآله) خديجة من البكاء هنا فلعله لغرض أخبارها بالفائدة المذكورة في الخبر أو أن النهي
عن اكثاره، ويؤيد ما ذكرناه ما رواه في الكافي عن جابر عن الباقر (عليه السلام) (1)
في حديث قال: " من صبر واسترجع وحمد الله عز وجل فقد رضي بما صنع الله تعالى
ووقع أجره على الله، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم وأحبط الله تعالى
أجره " وبالجملة فإنه لما ثبت جواز البكاء كما تقدم ووقع ذلك من النبي وفاطمة والأئمة
من بعده (صلوات الله عليهم) فلا بد من الجمع بينه وبين هذه الأخبار ولا وجه في
الجمع إلا ما ذكرناه.
(المقام السادس) - قد تكاثرت الأخبار بما يلحق الميت بعد موته من الثواب
وتخفيف العقاب بما قدمه من بعض الأعمال وما يهدي إليه من الأهل والإخوان، قال
في المنتهى: كل قربة تفعل ويجعل ثوابها للميت المؤمن فإنها تنفعه، ولا خلاف في
الدعاء والصدقة والاستغفار وأداء الواجب التي يدخلها النيابة، قال الله تعالى: " والذين
جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان.. " (2) وقال:
".. واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات.. " (3) أقول: ومن الأخبار التي أشرنا إليها ما

1) رواه في الوسائل في الباب 73 من أبواب الدفن
2) سورة الحشر. الآية 10
3) سورة محمد. الآية 16
177

رواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) (1) قال:
" ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي
تجري بعد موته، وسنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته، وولد صالح يدعو له "
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن الصادق عليه السلام) (2) قال: " ليس يتبع
الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد
موته وصدقة مقبولة لا تورث، أو سنة هدى يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له "
قال المحدث الكاشاني في الوافي: " لعل المراد بالصدقة الجارية ما يعم نفعه عامة الناس
كبناء المساجد والرباطات واحداث الآبار والقنوات في الطرق ونحوها، وبالصدقة المقبولة
التي لا تورث تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة على طائفة مخصوصة، ولعل المراد بقبولها
أن لا يشترط فيها ما يخالف الشرع والمروة، ولما اشتركتا في كونهما صدقة جعلتا خصلة
واحدة " انتهى. وعن معاوية بن عمار في الصحيح (3) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) ما يلحق الرجل بعد موته؟ قال سنة يسنها يعمل بها بعد موته فيكون
له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شئ، والصدقة الجارية تجري
بعد موته، والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما ويحج ويتصدق ويعتق عنهما ويصلي
ويصوم عنهما. فقلت أشركهما في حجي؟ قال نعم " أقول: المراد بالحجج المستحب كما
صرح به غير هذا الخبر. وعن أبي كهمس عن الصادق (عليه السلام) (4) قال: " ستة
تلحق الميت بعد وفاته: ولد يستغفر له ومصحف يخلفه وغرس يغرسه وقليب يحفره
وصدقة يجريها وسنة يؤخذ بها من بعده " ورواه مرة أخرى مرسلا وفيه " وصدقة
ماء يجريه " وروى في الفقيه عن عمر بن يزيد (5) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أيصلي عن الميت؟ قال نعم حتى أنه ليكون في ضيق فيوسع الله تعالى عليه ذلك الضيق

1) رواه في الوسائل في الباب 87 من كتاب الوقوف
2) رواه في الوسائل في الباب 87 من كتاب الوقوف
3) رواه في الوسائل في الباب 87 من كتاب الوقوف
4) رواه في الوسائل في الباب 87 من كتاب الوقوف
5) رواه في الوسائل في الباب من أبواب الاحتضار
178

ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك. قال فقلت له فأشرك
بين رجلين في ركعتين؟ قال نعم، فقال (عليه السلام) إن الميت ليفرح بالترحم عليه
والاستغفار له كما يفرح الحي بالهدية تهدى إليه " وفي الفقيه مرسلا (1) قال: " قال (عليه
السلام) يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ويكتب
أجره للذي يفعله وللميت " وفي التهذيب عن عمر بن يزيد (2) قال: " كان أبو عبد الله (عليه
السلام) يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين وعن والديه في كل يوم ركعتين. قلت له جعلت
فداك كيف صار للولد الليل؟ قال لأن الفراش للولد. قال وكان يقرأ فيهما أنا أنزلناه في
ليلة القدر وأنا أعطيناك الكوثر، أقول: الظاهر أن المراد بالسنة التي سنها في حياته وعمل
بها بعد موته بعض الأعمال الصالحة المستحبة المهجورة بين الناس فيفعلها هو ويقتدي به
فيها بعد موته، وذلك فإن أصل تسنين السنن وتشريعها إنما هو للنبي والأئمة (صلوات
الله عليهم) والمراد بالصلاة والصوم ونحوهما الذي يعمل له ما هو أعم من أن يأتي بذلك
الفعل نيابة عنه أو أنه يهديه له أو يهبه بعد أن يأتي به لا على طريقة النيابة، وكل منهما
مما دلت عليه الأخبار. والله العالم.
المطلب الثاني في الأغسال المسنونة
روى الشيخ في التهذيب في الموثق عن سماعة (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) غن غسل الجمعة؟ فقال واجب في السفر والحضر إلا أنه رخص للنساء في السفر لقلة الماء،
وقال غسل الجنابة واجب وغسل الحائض إذا طهرت واجب وغسل الاستحاضة واجب
إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر غسل
فإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة، وغسل

1) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الاحتضار
2) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الاحتضار
3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
179

النفساء واجب وغسل المولود واجب وغسل الميت واجب وغسل من غسل ميتا واجب
وغسل المحرم واجب وغسل يوم عرفة واجب وغسل الزيارة واجب إلا من علة وغسل
دخول البيت واجب وغسل دخول الحرم يستحب أن لا يدخله إلا بغسل وغسل المباهلة
واجب وغسل الاستسقاء واجب وغسل أول ليلة من شهر رمضان يستحب وغسل ليلة
إحدى وعشرين سنة وغسل ليلة ثلاث وعشرين سنة لا تتركها لأنه يرجى في إحداهما
ليلة القدر وغسل يوم الفطر وغسل يوم الأضحى سنة لا أحب تركها وغسل الاستخارة
مستحب " ورواه الصدوق بإسناده عن سماعة بن مهران نحوه (1) إلا أنه قال: " وغسل
دخول الحرم واجب يستحب أن لا يدخله إلا بغسل " ورواه الكليني أيضا (2) إلا أنه
أسقط غسل من مس ميتا وغسل المحرم وغسل يوم عرفة وغسل دخول الحرم وغسل المباهلة.
وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (3 (قال: " الغسل
في سبعة عشر موطنا: ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وهي ليلة التقى الجمعان، وليلة
تسع عشرة وفيها يكتب الوفد وفد السنة، وليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي أصيب
فيها أوصياء الأنبياء وفيها رفع عيسى بن مريم وقبض موسى، وليلة ثلاث وعشرين
يرجى فيها ليلة القدر، ويومي العيدين وإذا دخلت الحرمين ويوم تحرم ويوم الزيارة
ويوم تدخل المبيت ويوم التروية ويوم عرفة وإذا غسلت ميتا وكفنته أو مسسته بعد
ما يبرد ويوم الجمعة، وغسل الجنابة فريضة. وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله
فاغتسل " وروى ثقة الاسلام في الصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه
السلام) (4) قال: " سمعته يقول الغسل من الجنابة ويوم الجمعة والعيدين وحين تحرم
وحين تدخل مكة والمدينة ويوم عرفة ويوم تزور البيت وحين تدخل الكعبة وفي ليلة
تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين من شهر رمضان ومن غسل ميتا "
وروى في التهذيب عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) (5) قال: " الغسل

1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
5) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
180

من الجنابة وغسل الجمعة والعيدين ويوم عرفة وثلاث ليال في شهر رمضان وحين تدخل
الحرم وإذا أردت دخول البيت الحرام وإذا أردت دخول مسجد الرسول (صلى الله عليه
وآله) ومن غسل الميت " وفي الفقه الرضوي (1) " والغسل ثلاثة وعشرون: من الجنابة
والاحرام وغسل الميت ومن غسل الميت وغسل الجمعة وغسل دخول المدينة وغسل دخول
الحرم وغسل دخول مكة وغسل زيارة البيت ويوم عرفة، وخمس ليال من شهر رمضان:
أول ليلة منه وليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث
وعشرين، ودخول البيت والعيدين وليلة النصف من شعبان وغسل الزيارات وغسل
الاستخارة وغسل طلب الحوائج من الله تعالى وغسل يوم غدير خم، الفرض من ذلك
غسل الجنابة والواجب غسل الميت وغسل الاحرام والباقي سنة، وقد روي أن الغسل
أربعة عشر وجها:
ثلاث منها واجب مفروض متى ما نسيه ثم ذكره بعد الوقت اغتسل
فإن لم يجد الماء تيمم ثم إن وجدت الماء فعليك الإعادة، واحد عشر غسلا سنة: غسل
العيدين والجمعة وغسل الاحرام ويوم عرفة ودخول مكة ودخول المدينة وزيارة البيت
وثلاث ليال في شهر رمضان: ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث
وعشرين، ومتى ما نسي بعضها أو اضطر أو به علة تمنعه من الغسل فلا إعادة عليه.
وأدنى ما يكفيك ويجزيك من الماء ما تبل به جسدك مثل الدهن. وروي أنه يستحب
غسل ليلة إحدى وعشرين لأنها الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم ودفن أمير المؤمنين
علي (عليه السلام) وهي عندهم ليلة القدر، وليلة ثلاث وعشرين هي التي ترجى فيها
وكان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول إذا صام الرجل ثلاثة وعشرين من شهر رمضان
جاز له أن يذهب ويجئ في أسفاره، وليلة تسع عشرة من شهر رمضان هي التي ضرب
فيها جدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) ويستحب فيها الغسل " انتهى كلامه.
أقول: والكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع: (الأول) - لا ريب أن

1) ص 4
181

الواجب من الأغسال على الأشهر الأظهر إنما هي الستة التي تقدم البحث عنها وأما ما عداها
فهو مستحب، وحينئذ فما دل عليه جملة من هذه الأخبار من الوجوب فيما وقع
الاتفاق من الأصحاب على استحبابه فهو محمول عندهم على تأكد الاستحباب، والتعبير
بذلك مجاز شائع في الأخبار، وقد وقع في موثقة سماعة التعبير في بعض بالوجوب وفي
بعض بالسنة وفي بعض بالاستحباب والمرجع أمر واحد، إلا أن الظاهر أن الوجه في
تغيير التعبير هو آكدية بعض على بعض فما عبر فيه بالوجوب فهو الآكد ودونه
السنة ودونه الاستحباب. وقد تطلق السنة في مقابلة الفرض وهو ما كان دليل وجوبه
الكتاب فيراد بها حينئذ ما كان وجوبه بالسنة. وما دل عليه أكثر هذه الأخبار من
عدم عد غسل الحيض والاستحاضة والنفاس فلعله محمول على ذكر الأغسال بالنسبة
إلى الرجال.
(الثاني) - قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم: " وإذا غسلت ميتا
وكفنته أو مسسته " وكذا قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار: " ومن
غسل الميت " يحتمل حمله على غسل المس فيكون بعد التغسيل والتكفين في الرواية
الأولى أو بعد التغسيل كما في الرواية الثانية، ويحتمل حمله على استحباب الغسل لأجل
تغسيل الميت بتقدير الإرادة فيكون قبل التغسيل، قال شيخنا المجلسي في البحار بعد
ذكر الرواية الأولى من كتاب الخصال - وفيها عطف التكفين على التغسيل بأو
لا بالواو كما في هذه الرواية - ما لفظه: " وقوله (عليه السلام) " أو كفنته " قيل المراد
إرادة التكفين أي يستحب ايقاع غسل المس قبل التكفين، وقيل باستحباب الغسل
لتغسيل الميت وتكفينه قلبهما وإن لم يمسه " وقال بعد نقل خبر فيه هكذا " وغسل
من مس الميت بعد ما يبرد وغسل من غسل الميت " ما صورته: " وغسل من غسل
الميت تخصيص بعد التعميم أن حملناه على الغسل بعده، ويتحمل أن يكون المراد استحباب
الغسل لتغسيل الميت قبله كما عرفت بل هو الظاهر للمقابلة " انتهى. وهو مشعر بتقويته
182

للقول باستحباب الغسل للتغسيل، وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في مستحبات التغسيل
(الثالث) - الظاهر من غسل الزيارة في هذه الروايات زيارة البيت كما صرح
به (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار وفي عبارة كتاب الفقه، وظاهر الأصحاب
تعميمه لما يشمل غسل زيارة النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) وظني أنه لا حاجة إلى
ذلك لأن هذه الأخبار لم تستوف الأغسال المستحبة كملا كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى
مع وجود روايات على حدة بأغسال زياراتهم كما اشتملت عليه أخبار زياراتهم.
(الرابع) - لا يخفى أن هذه الأخبار لم تستكمل الأغسال المسنونة وإنما
اشتملت على ما هو المهم منها، وتفصيل القول في هذا المقام بما لم يسبق إليه سابق من
علمائنا الأعلام أن يقال إن ما اشتملت عليه هذه الأخبار من الأغسال هو آكدها
وأفضلها وإلا فهي كثيرة زائدة على هذه الأعداد المذكورة في هذه الأخبار، ولنفصلها
في المقام واحدا واحدا فنقول:
أما الأغسال المتعلقة بالحج فمنها - غسل الاحرام وأوجبه ابن أبي عقيل ونقله
المرتضى عن كثير من الأصحاب، والمشهور الاستحباب حتى قال المفيد على ما نقل عنه
في المختلف غسل الاحرام للحج سنة أيضا بلا خلاف وكذا غسل احرام العمرة. وقال
في التهذيب أنه سنة بغير خلاف. واستدل في المدارك على الاستحباب بما رواه معاوية
ابن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " إذا انتهيت إلى العتيق
من قبل العراق أو إلى وقت من هذه المواقيت وأنت تريد الاحرام إن شاء الله تعالى
فانتف إبطيك وقلم أظفارك واطل عانتك وخذ من شاربك، إلى أن قال استك واغتسل
والبس ثوبيك: قال: والظاهر أن الغسل للاستحباب كما تشعر به الأوامر المتقدمة عليه
فإنها للندب بغير خلاف. أقول: فيه أن الاستدلال بذلك لا يخلو من اشكال فإن مجرد
عدة في قرن المستحبات لا يوجب كونه كذلك لخروج ما عداه بدليل من خارج فيبقى

1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الاحرام
183

ما لم يدل عليه دليل على أصل مقتضى الأمر وهو الوجوب، نعم هو ظاهر في التأييد كما
لا يخفى. قال في المعتبر: " ولعل القائل بالوجوب استند إلى ما رواه محمد بن عيسى
عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال " الغسل في سبعة
عشر موطنا، الفرض ثلاثة: الجنابة وغسل من غسل ميتا والغسل للاحرام " ومحمد بن
عيسى ضعيف وما يرويه عن يونس لا يعمل به ابن الوليد كما ذكره ابن بابويه مع أنه
مرسل فيسقط الاحتجاج به " انتهى. وفيه نظر فإن ضعف الخبر عنده لا يوجب ضعفه
عند من تقدمه، وما نقله عن ابن الوليد قد رده جملة من أفاضل محدثي متأخري المتأخرين
وهو الظاهر، ونظير هذا الخبر ما تقدم في عبارة الفقه الرضوي حيث قال (2) " والغسل
ثلاثة وعشرون، ثم عدها كما قدمناه إلى أن قال: والفرض من ذلك غسل الجنابة
والواجب غسل الميت وغسل الاحرام والباقي سنة " وهذان الخبران ظاهران في الوجوب
كما ترى، والتأويل وإن أمكن ولو على بعد إلا أنه فرع وجود المعارض وليس إلا
الرواية المتقدمة وقد عرفت ما فيها، وأما ما في موثقة سماعة (3) من قولة: " وغسل المحرم
واجب " فلا دلالة فيه كما سيأتي تحقيقه في غسل الجمعة، وبالجملة فالقول بالوجوب لا يخلو
من قوة والاحتياط يقتضي المحافظة عليه.
ومنها - الغسل لدخول الحرم والغسل لدخول مكة والغسل لدخول المسجد
والغسل لدخول البيت وهو غسل الزيارة وغسل يوم عرفة ويوم التروية، وسيأتي
الكلام في هذه الأغسال في كتاب الحج إن شاء الله تعالى ونقل الأخبار المتعلقة بها،
فهذه سبعة من الأغسال المستحبة.
ومنها - غسل دخول المدينة كما دل عليه صحيح معاوية بن عمار وصحيح محمد
بن مسلم المتقدمان (4) وغسل دخول مسجد النبي (صل الله عليه وآله) كما تضمنته رواية

1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الجنابة
2) ص 4
3) ص 179
4) ص 180
184

محمد بن مسلم المتقدمة وغسل زيارته (صلى الله عليه وآله) والظاهر التداخل والاكتفاء
بغسل دخول المدينة ما لم يحدث مع احتمال الاجتزاء وإن أحدث كما سيأتي تحقيقه
إن شاء الله تعالى في كتاب الحج، وهذه ثلاثة أغسال للمدينة مضافا إلى ما قدمناه في
مكة فتكون عشرة.
ومنها - غسل يومي العيدين ويدل عليه - زيادة على ما تقدم في موثقة سماعة
من أنه سنة وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة معاوية بن عمار وكتاب الفقه - ما رواه
الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (1) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الغسل في يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال سنة وليس بفريضة " وعن علي بن
أبي حمزة (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) غن غسل العيدين أواجب هو؟
فقال هو سنة. قلت: فالجمعة؟ قال: هو سنة " قال في الذكرى: " الظاهر أن غسل العيدين
ممتد بامتداد اليوم عملا باطلاق اللفظ ويتخرج من تعليل الجمعة أنه إلى الصلاة أو إلى الزوال
الذي هو وقت صلاة العيد وهو ظاهر الأصحاب " أقول: لا يخفى ضعف هذا التخريج
إلا أنه يمكن أن يؤيد ما نسبه إلى ظاهر الأصحاب بما رواه الشيخ في الموثق عن عمار
الساباطي (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد
حتى يصلي؟ قال إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة وإن مضى الوقت فقد
جازت صلاته " أقول: ويستفاد من هذا الخبر أن الغسل إنما هو للصلاة لا لليوم كما
اشتهر بينهم وأن وقته يمتد بامتداد وقتها فيكون الحكم فيه كغسل الجمعة، إلا أن في
امتداد وقت صلاة العيد إلى الزوال ما سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى في باب صلاة
العيد. ومن هذا الخبر أيضا يستفاد استحباب الإعادة بنسيان الغسل كما ذكره الشيخ
حيث حمل الخبر على ذلك. ووقت هذا الغسل بعد الفجر لما رواه عبد الله بن جعفر

1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب الأغسال المسنونة
185

الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى
بن جعفر (عليه السلام) (1) قال: " سألته هل يجزئه أن يغتسل قبل طلوع الفجر هل
يجزئه ذلك من غسل العيدين؟ قال إن اغتسل يوم الفطر والأضحى قبل الفجر لم يجزئه
وإن اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه ".
ومنها - أغسال شهر رمضان، والمشهور في الأخبار وكلام الأصحاب هو
الغسل في الليالي الثلاث المشهورة، روى في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح عن
أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " الغسل في ثلاث ليال من شهر رمضان: في تسع
عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين. قال والغسل في أول الليل وهو يجزئ إلى
آخره " وعن سليمان بن خالد في الصحيح (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
كم اغتسل في شهر رمضان ليلة؟ قال ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث
وعشرين. " ويستحب في ليلة ثلاث وعشرين مرتين في أول الليل وآخره، رواه
الشيخ عن بريد (4) قال: " رأيته اغتسل في ليلة ثلاث وعشرين مرتين مرة من أول
الليل ومرة من آخر الليل " ورواه ابن طاووس في كتاب الاقبال باسناده إلى بريد بن
معاوية مثله (5) " وفيه ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان " ونحوهما رواية محمد بن
مسلم وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمتان في الباب (6) وهو محمول على الأغسال المؤكدة
ودونه في الفضل غسل أول ليلة من شهر رمضان كما تقدم في موثقة سماعة، وليلة سبع
عشرة منه كما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم، وقد جمع غسل هذه الخمس الليالي في كتاب
الفقه كما تقدم في عبارته من قوله: " وخمس ليال من شهر رمضان. إلى آخره ".

1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الأغسال المسنونة
4) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الأغسال المسنونة
5) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الأغسال المسنونة
6) ص 180
186

ودون هذه الأغسال الخمسة في الفضل أغسال أخر ذكرها السيد العابد الزاهد
المجاهد رضي الدين بن طاووس في الاقبال، قال: روى ابن أبي قرة في كتاب عمل
شهر رمضان باسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام (19 قال: " يستحب الغسل في
أول ليلة من شهر رمضان وليلة النصف منه " قال وقد ذكره جماعة من أصحابنا الماضين.
أقول: قد ذكر الغسل في ليلة النصف من شهر رمضان جملة لا من المتأخرين تبعا لما وجدوه
في كلام من تقدمهم ولم يقفوا على نص فيه، قال في المعتبر بعد أن نقل القول بذلك
ونسبه إلى الثلاثة: " ولعله لشرف تلك الليلة واقترانها بالطهر حسن " ثم قال السيد
(رضي الله عنه) على أثر الكلام المتقدم: وقد روي أن الغسل أول الليل وروي بين
العشاءين وروينا ذلك عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) (2) ورأيت في كتاب
اعتقد أنه تأليف أبي محمد جعفر بن أحمد القمي عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: "
من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصب على رأسه ثلاثين كفا من
الماء طهر إلى شهر رمضان من قابل " قال ومن الكتاب المشار إليه عن الصادق (عليه
السلام) (4) " من أحب أن لا تكون به الحكة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان
فلا تكون به الحكة إلى شهر رمضان من قابل " قال ومن كتاب الأغسال لأحمد بن
محمد بن عياش الجوهري بإسناده عن علي (عليه السلام) (5) " أن النبي (صلى الله
عليه وآله) كان إذا دخل العشر من شهر رمضان شمر وشد المئزر وبرز من بيته
واعتكف وأحيى الليل كله وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشاءين " قال وروينا
باسنادنا إلى سعد بن عبد الله عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن
الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (6) قال " من اغتسل أول يوم من السنة في ماء
جار وصب على رأسه ثلاثين غرفة كان دواء السنة، وأن أول كل سنة أول يوم من
شهر رمضان " قال ومن كتاب جعفر بن سليمان عن الصادق (عليه السلام) (7) قال:

1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
4) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
5) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
6) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
7) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
187

" من ضرب وجهه بكف من ماء ورد أمن ذلك اليوم من الذلة والفقر، ومن وضع على رأسه
ماء ورد أمن تلك السنة من البرسام. " قال وروينا عن الشيخ المفيد في المقنعة في رواية
عن الصادق (عليه السلام) (1) " أنه يستحب الغسل ليلة النصف من شهر رمضان "
قال وروينا باسنادنا إلى محمد بن أبي عمير من كتاب علي بن عبد الواحد النهدي عن بعض
أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يغتسل في شهر رمضان في العشر الأواخر في كل ليلة " قال وروى علي بن عبد الواحد
في كتابه باسناده إلى عيسى بن راشد عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " سألته
عن الغسل في شهر رمضان؟ فقال كان أبي يغتسل في ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين
وثلاث وعشرين وخمس وعشرين " قال ومن الكتاب المذكور بإسناده عن ابن
أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) (4) قال: " سألته عن الغسل في شهر رمضان؟
فقال اغتسل ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وسبع وعشرين
وتسع وعشرين ".
أقول: وقد ظهر من مجموع هذه الأخبار بضم بعضها إلى بعض أن الأغسال
في شهر رمضان في الليلة الأول وليلة النصف وليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة
والعشرة الأخيرة وإن ترتبت في الفضل كما أشرنا إليه آنفا، فهذه أربعة عشر
غسلا في شهر رمضان. وأما ما ذكره بعض الأصحاب من الاستحباب في فرادى شهر
رمضان فلم أقف فيه على نص زيادة على ما أوردته إلا أن ابن طاووس قال في سياق أعمال
الليلة الثالثة وفيها يستحب الغسل على مقتضى الرواية التي تضمنت أن كل ليلة مفردة
من جميع الشهر يستحب فيها الغسل فإنه يؤذن بوصول الرواية إليه بذلك.
ومنها - غسل الزيارة للنبي (صلى الله عليه وآله) وقد تقدم ولزيارة أمير المؤمنين
والحسين والرضا (عليهم السلام) والأخبار به في زيارتهم كثيرة وظاهر الأصحاب

1) رآه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رآه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رآه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
4) رآه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الأغسال المسنونة
188

طرده في زيارة جميع الأئمة (عليهم السلام) قال شيخنا صاحب رياض المسائل: " لم نقف
عليه عموما نعم ورد بخصوص بعض المواد كزيارة علي والحسين والرضا (عليهم
السلام) أحاديث كثيرة وعسى الله تعالى أن يمن بدليل على التعميم أو التنصيص في
زيارة كل واحد من الأئمة إن شاء الله تعالى " أقول: ومما يدل على التعميم
ما رواه الشيخ في التهذيب عن العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه السلام) (1)
" في قوله تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد (2) قال الغسل عند لقاء كل إمام "
وهو دال بعمومه على استحباب الغسل للدخول عليهم أحياء وأمواتا. وعلى التخصيص
ما رواه ابن قولويه في كامل الزيارة في زيارة الكاظم والجواد (عليهما السلام) عن
محمد بن عيسى بن عبيد عمن ذكره عن أبي الحسن (عليه السلام) (3) وفيه قال: "
إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمد بن علي (عليهما السلام) فاغتسل وتنظف
والبس ثوبيك الطاهرين. الحديث " وما رواه أيضا في الكتاب المذكور في زيارة
أبي الحسن وأبي محمد (عليهما السلام) (4) قال: " روي عن بعضهم (عليهم السلام) أنه قال إذا
أردت زيارة قبر أبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) تقول بعد
الغسل إن وصلت إلى قبريهما وإلا أومأت بالسلام من عند الباب الذي على الشارع.
الحديث " وأمثال ذلك يقف عليه والمتتبع ولكنه لعدم الشهرة لم يصل إلى نظر شيخنا
المشار إليه (قدس سره).
ومنها - غسل المولود حين الولادة لما تقدم في موثقة سماعة من (5) قوله:
" وغسل المولود واجب " وذهب شذوذ من أصحابنا إلى القول بالوجوب لظاهر الخبر
المذكور، والمشهور الاستحباب وحمل الوجوب على مزيد التأكيد كما في غيره (فإن

1) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب المزار
2) سورة الأعراف. الآية 31
3) ص 301
4) ص 313
5) ص 179
189

قيل): إن الخبر المذكور لا معارض له يوجب تأويله واخراج اللفظ عن ظاهره (قلت):
الذي حققناه في غير موضع من زبرنا أن لفظ الوجوب عند أهل الأصول وإن كان
حقيقة فيما لا يجوز تركه إلا أنه في الأخبار ليس كذلك فإنه كما ورد استعماله في هذا
المعنى ورد أيضا استعماله في تأكيد الاستحباب وبالمعنى اللغوي مما لا يحصى كثرة، فهذا
اللفظ عندنا من الألفاظ المشتركة لا يحمل على معنى من هذه المعاني إلا مع القرينة، وحينئذ
فلا ينهض الخبر المذكور حجة في الوجوب سيما مع تكرر التعبير بالوجوب في هذه الرواية
في جملة من الأغسال التي لا خلاف في استحبابها، وحينئذ فالاستحباب هو الأظهر. ولا بد
فيه من النية، وقصد القربة كما في العبادات، وليس المراد به غسل النجاسة كما توهمه بعض
الأصحاب. واستدل صاحب الوسائل على هذا الغسل أيضا بما رواه الصدوق في العلل
بسنده فيه عن أبي بصير عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (1) قال:
اغسلوا صبيانكم من الغمر فإن الشيطان يشم الغمرة فيفزع الصبي في رقاده ويتأذى به
الكاتبان " وهذا من جملة غفلاته فإن الغمر هنا بمعنى دسومة اللحم ومورد الخبر إنما
هو استحباب غسل الدسومة عن الصبي إذا أكل شيئا فيه دسومة وكذا الرجل أيضا بقرينة
قوله: " يتأذى به الكاتبان " وأين هذا من غسل المولود؟
ومنها - غسل المباهلة كما تضمنته موثقة سماعة أيضا، والظاهر من كلام الأصحاب
أن المراد هو الغسل يوم المباهلة وهو اليوم الرابع والعشرون من ذي الحجة أو الخامس
والعشرون منه على الخلاف، ورأيت في بعض الحواشي المنسوبة إلى المولى محمد تقي
المجلسي مكتوبا على الحديث المشار إليه ما صورته: " ليس المراد بالمباهلة اليوم المشهور
وهو الرابع والعشرون أو الخامس والعشرون من ذي الحجة حيث بأهل النبي (صلى
الله عليه وآله) مع نصارى نجران بل المراد به اغتسال لايقاع المباهلة مع الخصوم في
كل حين كما في الاستخارة، وقد وردت به رواية صحيحة في الكافي وكان ذلك

1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب الأغسال المسنونة
190

مشتهرا بين القدماء على ما لا يخفى " انتهى. أقول: وما ذكره وإن كان خلاف ما هو
المفهوم من كلام الأصحاب كما أشرنا إليه إلا أن الخبر - كما عرفت - مجمل لا تخصيص فيه
باليوم كما ذكروه بل ظاهره إنما هو ما ذكره الفاضل المشار إليه، وما ذكروه يحتاج إلى
تقدير في اللفظ والأصل عدمه، وفهم الأصحاب منه ذلك ليس بحجة. وأما الحديث
الذي أشار إليه بأنه في الكافي وأنه مشتمل على الغسل فهو ما رواه فيه (1) عن
أبي مسروق عن الصادق (عليه السلام) ثم ساق الخبر إلى أن قال: " فقال لي إذا
كان ذلك فادعهم إلى المباهلة. قلت وكيف أصنع؟ قال أصلح نفسك ثلاثا، وأظنه قال
وصم واغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبان فشبك أصابعك من يدك اليمنى في
أصابعه.. الحديث " ويظهر ذلك أيضا من كلام الشيخ المفيد الآتي نقله إن شاء الله تعالى
في المقام. وكيف كان فالأحوط العمل بما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).
منها - غسل الاستسقاء كما تضمنته الموثقة المشار إليها.
ومنها - غسل ليلة الفطر لما رواه في الكافي عن الحسن بن راشد (2) قال:
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن الناس يقولون إن المغفرة تنزل على من صام شهر
رمضان ليلة القدر؟ فقال يا حسن إن القاريجار (3) إنما يعطى أجرته عند فراغه وذلك ليلة
العيد. قلت فما ينبغي لنا أن نعمل فيها؟ فقال إذا غربت الشمس فاغتسل. الحديث "
ومنها - غسل التوبة بما رواه في الكافي عن مسعدة بن زياد (4) قال: " كنت
عند أبي عبد الله (عليه الاسلام) فقال له رجل إني أدخل كنيفا ولي جيران وعندهم جوار
يتغنين ويضربن بالعود فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن؟ فقال (عليه السلام)

1) الأصول ج 2 ص 513
2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الأغسال المسنونة
3) معرب (كارگر) وهو العامل
4) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب الأغسال المسنونة
191

لا تفعل. فقال الرجل والله ما أتيتهن وإنما هو سماع أسمعه بأذني؟ فقال بالله أنت
ما سمعت الله يقول: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا؟ (1) فقال
الرجل بلى والله كأني لم أسمع بهذه الآية من عربي ولا عجمي لا جرم أني لا أعود إن شاء
الله تعالى وأني أستغفر الله تعالى. فقال له قم فاغتسل وصل ما بدا لك فإنك كنت
مقيما على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك، احمد الله واسأله التوبة من
كل ما يكره فإنه لا يكره إلا كل قبيح والقبيح دعه لأهله فإن لكل أهلا " ونقل في
الذكرى عن الشيخ المفيد (قدس سره) أنه قيده بالتوبة عن الكبائر. أقول: لعله
(قدس سره) وقف في ذلك على حديث آخر زيادة على هذا الخبر.
وظاهر كلا صاحب المعتبر الاعتماد في هذا الحكم على فتوى الأصحاب دون الخبر
المذكور لضعفه عنده، قال بعد ذكر هذه الرواية نقلا عن التهذيب - أنه قال: " روي
عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لمن ذكر أنه سميع الغناء من جوار يتغنين: قم فاغتسل
وصل ما بدا لك واستغفر الله تعالى واسأله التوبة " - ما صورته: وهذه مرسلة وهي
متناولة صورة معينة فلا تتناول غيرها، والعمدة فتوى الأصحاب منضما إلى أن الغسل
خير فيكون مرادا، ولأنه تفاءل بغسل الذنب والخروج من دنسه. انتهى. والعجب
من صاحب المدارك هنا حيث تبعه على هذا الاستدلال واعتضد بما ذكره في هذا المجال
من هذا الكلام المزيف الظاهر الاختلال.
وفيه (أولا) - ما عرفت من أن الخبر المذكور وإن رواه الشيخ كما ذكره إلا أنه رواه في الكافي كما نقلناه عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن
زياد، وهو - كما ترى - في أعلى مراتب الصحة، أما علي بن إبراهيم فحاله في الوثاقة
ظاهرة، وأما هارون بن مسلم فقال النجاشي إنه ثقة وجه، وأما مسعدة بن زياد فقال
فيه أيضا أنه ثقة عين، وحينئذ فالرواية في أعلى مراتب الصحة.

1) سورة بني إسرائيل. الآية 36
192

و (ثانيا) - أن ما ذكره - من أنها متناولة صورة معينة فلا تتناول غيرها -
مردود بأنه لا يخفى أن مورد الرواية وإن كان استماع الغناء إلا أن استدلال الإمام
بالآية وسايق الرواية مشعران بالعموم لكل معصية حصل الاصرار عليها، على أنه لو تم ما ذكره من قصر الأحكام على موضع السؤال في الأخبار لضاق المجال
في استنباط الأحكام ولزم خلو أكثرها من الدليل، وظاهر الأصحاب هو التعدية
إلى ما عدا موضع السؤال من باب تنقيح المناط القطعي بما لم يعلم الاختصاص بموضع
السؤال وهو المستند في أكثر الأحكام في كل مقام، ومن أجل ما ذكرناه حكم الأصحاب
هنا بالعموم في هذا الخبر ولم يخالف فيه إلا هو ومن تبعه.
و (ثالثا) - أن ما ذكره من أن العمدة فتوى الأصحاب ففيه أن فتوى
الأصحاب متى كان لا عن دليل فالمتابعة فيه سيما من مثله من المحققين غير جائز ولا
واضح السبيل، فإنه مأخوذ على الفقيه أن لا يفتي ولا يعتمد إلا على الدليل الشرعي
والبرهان القطعي في وجوب أو استحباب أو غيرهما لا على الفتاوى العارية عن الدليل
كما عليه العلماء جيلا بعد جيل، ومن الظاهر أن فتوى الأصحاب بهذا الحكم إنما هو
عن هذه الرواية المذكورة، وضعفها عنده لا يوجب ضعفها عندهم لأنهم لا يرون العمل
بهذا الاصطلاح المحدث، وحينئذ فالعمل بفتواهم عمل بالرواية البتة، فالتستر بالعمل
بفتواهم كما ذكره مع صراحة الرواية لا معنى له بالكلية.
و (رابعا) - أن ما ذكره من أن الغسل خير. الخ فيه أنه لا ريب أيضا
أنه قد ورد (1) " أن الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر " إلا أنه
لو صلى المكلف نافلة في وقت مخصوص أو مكان مخصوص أو على هيئة مخصوصة: معتقدا
شرعية تلك الخصوصيات واستحبابها من غير دليل في المقام فإنه تشريع محرم وعبادته باطلة
بل موجبة للعقاب فضلا عن عدم الثواب، ومن ثم خرجت الأخبار ناعية على المخالفين

1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 10 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها
193

بدعية صلاة الضحى (1) باعتبار اعتقاد الاستحباب في هذا الوقت من غير نص ولا دليل
على ذلك، وكذلك جملة من الأذكار التي تعملها الصوفية وإن كان أصل الصلاة وأصل
الذكر مستحبا، والحكم في هذا الغسل كذلك مع عدم قيام الدليل على استحبابه
ومشروعيته. وبالجملة فإن ما ذكره (قدس سره) كلام شعري مزيف لا ينبغي أن
يعمل عليه وإن تابعه في المدارك عليه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الأصحاب قد صرحوا بأن التوبة التي يستحب معها
الغسل أعم من أن تكون توبة عن فسق أو عن كفر وإن كان ارتدادا. وعلله في المنتهى
بأن الكفر أعظم من الفسق وقد ثبت استحباب الغسل للفاسق فالكافر أولى، ولأن
تعليله (عليه السلام) أمره بالاغتسال يدل عليه من حيث المفهوم، ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر قيس بن عاصم لما أسلم بالاغتسال بماء وسدر وأنت خبير بما في هذه
الأدلة من الوهن، والتعليلان الأولان لا يخرجان عن القياس، والثالث موقوف على
ثبوت الرواية والظاهر أنها ليست من طرقنا، مع هذا فقد أجيب عنها بأنه يجوز أن يكون أمره (صلى الله عليه وآله) بالغسل إنما هو لحدث الجنابة في حال الكفر إذ قل
ما يخلو الانسان منه؟ والجواب الحق منع ثبوت الخبر لما قدمناه في بحث غسل الجنابة
من أن الكافر غير مخاطب بالفروع حال كفره وإن كان خلاف المشهور عندهم. وظاهر
الأكثر أنه للتوبة عن الذنب مطلقا وقيده الشيخ المفيد بالكبائر وظاهر الخبر يساعده
وقول المحقق الثاني في شرح القواعد - أن ظهر الخبر يدفع التقييد بالكبيرة - غير
ظاهر، فإن ظاهر الخبر أن الرجل كان مصرا على الذنب وإن كان صغيرة و " لا صغيرة
مع الاصرار " ويشهد به قوله (عليه السلام): " كنت مقيما على أمر عظيم ما كان

1) رواها رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها
2) رواه أحمد في مسند ج 5 ص 61 وابن حجر في مجمع الزوائد ج 7 ص 404
3) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب جهاد النفس
194

أسوأ حالك لو مت على ذلك ".
ومنها - غسل من قتل وزغا لما رواه في الكافي عن عبد الله بن طلحة (1) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوزغ؟ فقال هو رجس وهو مسخ كله فإذا
قتلته فاغتسل " ورواه الصفار في بصائر الدرجات (2) وروى الصدوق مرسلا (3)
قال: " روي أن من قتل وزغا فعليه الغسل " وظاهره الوجوب إلا أنه محمول على
الاستحباب عند الأصحاب، قال في الفقيه: " وقال بعض مشايخنا إن العلة في ذلك أنه
يخرج من ذنوبه فيغتسل منها " أقول: يعني أنه كما كانت التوبة سببا للخروج من
الذنوب كذلك قتل الوزغ سبب للخروج منها فيغتسل من قتله كما يغتسل للتوبة.
ثم إنه لا يخفى أن حديث عبد الله بن طلحة المذكور مقتطع من حديث طويل نقله في
الكافي (4) في ذكر أحوال بني أمية قال في تتمة الخبر المذكور: " وقال (عليه السلام)
إن أبي كان قاعدا في الحجر ومعه رجل يحدثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه فقال أبي للرجل
أتدري ما يقول هذا الوزغ؟ قال لا علم لي بما يقول. قال فإنه يقول والله لئن ذكرتم
عثمان بشتيمة لأشتمن عليا (عليه السلام) حتى يقوم من ههنا، قال: وقال أبي ليس يموت
من بني أمية ميت إلا مسخ وزغا، قال وقال إن عبد الملك بن مروان لما نزل به الموت
مسخ وزغا فذهب من بين يدي من كان عنده وكان عنده ولده فلما أن فقدوه عظم ذلك
عليهم فلم يدروا كيف يصنعون ثم اجتمع أمرهم على أن يأخذوا جذعا فيضعوه كهيئة الرجل
قال ففعلوا ذلك والبسوا الجذع درع حديد ثم لفوه في الأكفان فلم يطلع عليه أحد من
الناس إلا أنا وولده " أقول: ومما أوردناه من تتمة الخبر يعلم ما تضمنه صدره من أن
الوزغ رجس وهو مسخ كله وما ذكره ذلك البعض الذي نقل عنه الصدوق من العلة
المذكورة في الغسل من قتله. وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5) قال:

1) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الأغسال المسنونة
4) الروضة طبع سنة 1377 ص 332
5) رواه في الوافي ج 2 ص 54
195

" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من
حجرته ومروان وأبوه يستمعان إلى حديثه فقال له الوزغ ابن الوزغ، قال أبو عبد الله
(عليه السلام) فمن يومئذ يرون أن الوزغ يستمع الحديث " وروى فيه عن زرارة (1)
قال: " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول لما ولد مروان عرضوا به لرسول الله
(صلى الله عليه وآله) أن يدعو له فأرسلوا به إلى عائشة فلما قربته منه قال اخرجوا عني الوزغ
ابن الوزغ، قال زرارة ولا أعلم إلا أنه قال ولعنه " أقول: نقل بعض مشايخنا (رضوان
الله عليهم) ورود مثل هذه الأخبار من طرق العامة أيضا كما في كتاب حياة الحيوان (2)
وفي مستدرك الحاكم (3) عن عبد الرحمان بن عوف أنه قال: " كان لا يولد لأحد مولود
إلا أتي به النبي (صلى الله عليه وآله) فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال هو
الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون ".

1) رواه في الوافي ج 2 ص 54
2) رواه في مادة " وزغ " عن المستدرك
3) ج 4 ص 479 ثم قال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. وفي الفائق
للزمخشري ج 3 ص 159 طبعة مصر ونهاية ابن الأثير ج 4 ص 221 " طبعة مصر وتاج
العروس ج 6 ص 35 ولسان العرب ج 8 ص 524 مادة " وزغ " " أن الحكم بن أبي العاص
كان يحكي مشية النبي " ص " استهزاء به فالتفت إليه رسول الله " ص " وقال: اللهم اجعل
به وزغا. فرجف مكانه فلم تفارقه الرجفة والرعشة " وفي الإصابة ترجمة الحكم " أنه كان
يغمز النبي " ص " بإصبعه مستهزئا به فالتفت إليه وقال: اللهم اجعله وزغا فرجف مكانه.
وفي تهذيب الأسماء للنووي ج 2 ص 87 " كان يفشي سر رسول الله " ص " فطرده
إلى الطائف " وفي أنساب النبي فخرج إليه " ص " بعنزة وقال من عذيري من هذه
الوزغة؟ وكان يفشي أحاديثه فلعنه وسيره إلى الطائف " وفي ص 126 " استأذن الحكم على
رسول الله " ص " فقال ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين
وقليل ما هم ".
196

وقال في المعتبر بعد نقل مرسلة الصدوق دليلا على الحكم المذكور والتعليل الذي
نقله عن بعض مشايخه ما صورته: " وعندي إنما ذكره ابن بابويه ليس حجة وما ذكره
المعلل ليس طائلا لأنه له صحت علته لما اختص الوزغة " انتهى. وفيه أن المعتمد في
الاستدلال إنما هو الرواية المسندة في الكافي وإن كانت هذه المرسلة أيضا صالحة للدلالة
لأن إرسال الصدوق لا يقصر عن مثل ابن أبي عمير وغيره ممن عملوا على مراسيلهم،
وما ذكره من المناقشة في التعليل المذكور ففيه أن العلل الشرعية ليس سبيلها سبيل
العلل العقلية التي يجب دوران المعلول مدارها وجودا وعدما ليرد ما ذكره بل
الغرض منها أمور أخر، والمراد من العلة هنا هو بيان نكتة مناسبة كما في جملة منها في
غير هذا الموضع.
ومنها - السعي إلى رؤية مصلوب ليراه عامدا وقيده بعضهم بكونه بعد ثلاثة
أيام، الأصل في ذلك ما رواه في الفقيه مرسلا (1) قال: " روي أن من قصد إلى
مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة " ونقل عن أبي الصلاح أنه حكم بوجوب هذا
الغسل نظرا إلى ظاهر الخبر المذكور أن مجرد السعي غير كاف
بل لا بد من الرؤية مع ذلك، وقيده جملة من الأصحاب بكونه بعد الثلاثة من صلبه
أو موته، والخبر - كما ترى - مطلق، قالوا ولا فرق بين المصلوب الشرعي وغيره
ولا بين كونه على الهيئة المعتبرة شرعا وعدمه، كل ذلك لاطلاق الدليل، وهو كذلك
وأول وقته الرؤية.
والمحقق في المعتبر ومثله في المدارك ردا روايتي غسل المولود وغسل رؤية المصلوب
بضعفهما سندا عن اثبات الوجوب وأثبتا بهما الاستحباب.
وفيه أن الاستحباب حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل وإلا كان قولا على
الله تعالى بغير دليل وهو منهي عنه آية ورواية، فإن كانت الروايات الضعيفة باصطلاحهم

1) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب الأغسال المسنونة
197

أدلة شرعية ثبت بها ما دلت عليه من وجوب أو استحباب وإلا فلا يثبت بها حكم
شرعي مطلقا.
والقول بأن أدلة الاستحباب مما يتسامح فيها ضعيف، وبذلك صرح في المدارك
أيضا حيث قال في أول الكتاب في شرح قول المصنف بعد عد أسباب الوضوء الموجبة
له: " والندب ما عداه " فذكر في هذا المقام جملة الوضوءات المستحبة المستفادة
من الأخبار وطعن في جملة منها بأن في كثير منها قصورا من حيث السند، قال: " وما
قيل من أن أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها فمنظور فيه لأن الاستحباب
حكم شرعي فيتوقف على الدليل الشرعي كسائر الأحكام " هذا كلامه ثمة وإن خالفه
في جملة من المواضع كهذا الموضع وغيره وكل ذلك ناشئ من ضيق الخناق في هذا
الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح.
أقول: لا يخفى أنه قد وقع لنا تحقيق نفيس في هذه المسألة لا يحسن أن يخلو عنه
كتابنا هذا، وهو أنه قد صرح جملة من الأصحاب في الاعتذار عن جواز العمل بالأخبار
الضعيفة في السنن بأن العمل في الحقيقة ليس بذلك الخبر الضعيف وإنما هو بالأخبار
الكثيرة التي فيها الصحيح وغيره الدالة على أن من بلغه شئ من الثواب على عمل فعمله
ابتغاء ذلك الثواب كان له وإن لم يكن كما بلغه، ومن الأخبار الواردة بذلك ما رواه
في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن هشام بن سالم عن الصادق
(عليه السلام) (1) قال: " من سمع شيئا من الثواب على شئ من العمل فصنعه كان
له وإن لم يكن على ما بلغه " وفي بعضها (2) " من بلغه شئ من الثواب على شئ من الخير
فعمله كان له أجر ذلك وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقله " إلى غير
ذلك من الأخبار الكثيرة المذكورة في مظانها.
وقد اعترضهم في هذا المقام بعض فضلاء متأخري المتأخرين فقال بعد ذكر جملة

1) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات
2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات
198

من تلك الأخبار والاستدلال بها على جواز العمل بالخبر الضعيف - ما صورته: " قد
اعتمد هذا الاستدلال الشهيد الثاني وجماعة من المعاصرين، وعندي فيه نظر إذ
الأحاديث المذكورة إنما تضمنت ترتب الثواب على العمل وذلك لا يقتضي طلب
الشارع له لا وجوبا ولا استحبابا، ولو اقتضى ذلك لاستندوا في وجوب ما تضمن
الحديث الضعيف وجوبه إلى هذه الأخبار كاستنادهم إليها في استحباب ما تضمن الخبر
الضعيف استحبابه، وإذا كان الحال كذلك فلقائل أن يقول لا بد من شرعية ذلك العمل
وخيريته بطريق صحيح ودليل مسلم صرح جمعا بين هذه الأخبار وبين ما دل على
اشتراط العدالة في الراوي، وأيضا الآية الدالة على رد خبر الفاسق وهي قوله تعالى:
".. إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.. " (1) أخص من هذه الأخبار إذا الآية مقتضية
لرد خبر الفاسق سواء كان مما يتعلق بالسنن أو غيره وهذه الأخبار تقتضي ترتب الثواب
على العمل الوارد بطريق عن المعصوم (عليه السلام) سواء كان المخبر عدلا أو غير
عدل طابق الواقع أم لا. ولا ريب أن الأول أخص من الثاني فيجب تخصيص هذه الأخبار بالآية جريا على القاعدة من العمل بالخاص في مورده وبالعام فيما عدا مورد
الخاص، فيجب العمل بمقتضى الآية وهو رد خبر الفاسق سواء كان على عمل يتضمن
الثواب أو غيره ويكون معنى قوله (عليه السلام): " وإن لم يكن كما بلغه " ونحوه
إشارة إلى أن خبر العدل قد يكذب إذ الكذب والخطأ جائزان على غير المعصوم
والخبر الصحيح ليس بمعلوم الصدق. انتهى كلامه.
وأورد عليه بعض مشايخنا المعاصرين حيث أورد أولا جملة الأخبار الدالة على أن من بلغه شئ من الثواب على عمل فعمله كان له ذلك وإن لم يكن كما بلغه، ثم أورد
اعتراض هذا الفاضل ثم قال: وأنت خبير بما فيه (أما الأول) - فقد ظهر بما حررناه
ضعفه، على أن الحكم بترتب الثواب على عمل يساوق رجحانه جزما إذ لا ثواب على

1) سورة الحجرات. الآية 6
199

غير الواجب والمستحب كما لا يخفى. (وأما الثاني) فمرجعه بعد التحرير إلى أن الثواب
كما يكون للمستحب كذلك يكون للواجب فلم خصوا الحكم بالمستحب؟ كذا قرر
السؤال بعض مشايخنا المعاصرين. وجوابه أن غرضهم (قدس الله أرواحهم) أن
تلك الأحاديث إنما تثبت ترتب الثواب على فعل ورد فيه خبر يدل على ترتب الثواب
لا أنه يعاقب على تركه وإن صرح به في الخبر الضعيف، لقصوره في حد ذاته عن اثبات
ذلك الحكم وتلك الأحاديث لا تدل عليه، فالحكم الثابت لنا من هذا الخبر بانضمام
تلك الأخبار ليس إلا الحكم الاستحبابي. أقول: قد يقال إن اللازم مما حررناه كون
الحكم الثابت بانضمام تلك الأخبار هو مطلق الرجحان الشامل للوجوب والندب
لا الحكم الاستحبابي بخصوصه، إذ كما أن قيد العقاب على تركه مما لا تدل عليه تلك
الأخبار فكذلك جواز تركه لا إلى بدل لا تدل عليه أيضا ولا سيما مع تصريح الخبر الضعيف
بضده أعني العقاب على تركه، نعم قد يخص الحكم الاستحبابي باعتبار ضميمة أصالة
عدم الوجوب وأصالة براءة الذمة منه، فتأمل. ولو لم يحرر السؤال الثاني على الوجه
الذي قررناه كان بطلانه أظهر وفساده أبين كما لا يخفى. و (أما السؤال الثالث) -
ففيه (أولا) - أن التحقيق أن بين تلك الروايات وبين ما دل على عدم العمل بقول
الفاسق من الآية المذكورة ونحوها عموما من وجه، فلو قرر السؤال - على حد ما حرره
بعض المحققين - هكذا: لما كان بينهما عموم من وجه كما أشرنا إليه فلا ترجيح لتخصيص
الثاني بالأول بل ربما رجح العكس لقطيعة سنده وتأيده بالأصل إذ الأصل عدم التكليف
وبراءة الذمة، كان أقرب إلى الاعتبار والاتجاه، مع ما فيه من النظر والكلام إذ يمكن
أن يقال إن الآية الكريمة إنما تدل على عدم العمل بقول الفاسق بدون التثبت، والعمل
به فيما نحن فيه بعد ورود الروايات المعتبرة المستفيضة ليس عملا بلا تثبت كما ظنه السائل
فلم تتخصص الآية الكريمة بالأخبار بل بسبب ورودها خرجت تلك الأخبار الضعيفة
عن عنوان الحكم المثبت في الآية الكريمة، فتأمل. انتهى كلامه.
200

أقول: لا يخفى ما في جواب شيخنا المشار إليه من التكلف والشطط والخروج عن
حاق كلام ذلك الفاضل الموجب للوقوع في مهاوي الغلط، وعندي أن جميع ما أطال به هو
ومن أشار إليه إنما هو تطويل بغير طائل وخروج عن صريح مقتضى كلام ذلك الفاضل،
وذلك فإن ذلك الفاضل ادعى أن غاية ما تضمنته تلك الأخبار هو ترتب الثواب على العمل
ومجرد هذا لا يستلزم أمر الشارع وطلبه لذلك العمل، فلا بد أن يكون هناك دليل آخر على
طلب العفل والأمر به لترتب عليه الثواب بهذه الأخبار وإن لم يكن موافقا للواقع ونفس
الأمر، وهذا الكلام جيد وجيه لا مجال لإنكاره، وحينئذ فقول المجيب - إن ترتب
الثواب على عمل يساوق رجحانه. الخ - كلام شعري لا معنى له عند التأمل الصادق،
فإن العبادات توقيفية من الشارع واجبة كانت أو مستحبة فلا بد لها من دليل صريح
ونص صحيح يدل على مشروعيتها، وهذه الأخبار لا دلالة فيها على الثبوت والأمر
بذلك وإنما غايتها ما ذكرناه. وأما قول ذلك الفاضل: ولو اقتضى ذلك لاستندوا. الخ
فمعناه - كما هو ظاهر سياق كلامه - أنه لو اقتضى ترتب الثواب في هذه الأخبار طلب الشارع
لذلك الفعل وجوبا أو استحبابا لكان الواجب عليهم الاستناد إلى هذه الأخبار في
وجوب ما تضمن الخبر الضعيف وجوبه كما جروا عليه بالنسبة إلى ما تضمن الخبر الضعيف
استحبابه مع أنهم لم يجروا هذا الكلام في الواجب. وحاصل الكلام الالزام لهم بأنه
لا يخلو أما أن يقولوا إن ترتب الثواب في هذه الأخبار يقتضي الطلب والأمر بالفعل
أم لا، فعلى الأول يلزمهم ذلك في جانب الوجوب كما التزموه في جانب الاستحباب مع أنهم لا يلتزمونه، وعلى الثاني فلا بد من دليل آخر يقتضي ذلك ويدل عليه، وإلى هذا
أشار تفريعا على هذا الكلام بقوله: فلقائل أن يقول. الخ، وبذلك يتبين لك ما في
تطويل شيخنا المشار إليه ومن نقل عنه واعتمد عليه من الخروج عن كلام هذا الفاضل
إلى مقام آخر لا تعلق له بما ذكره وهو تطويل بغير طائل. وأما دعوى ذلك الفاضل
أن الآية أخص مطلقا فصحيح لا أن بينها وبين تلك الأخبار عموما من وجه، فإن
201

الأخبار دلت على ترتب الثواب على العمل الوارد بطريق عن المعصوم (عليه السلام)
سواء كان المخبر عدلا أم لا طابق خبره الواقع أم لا من الواجبات كان أم من المستحبات
ومورد الآية رد خبر الفاسق تعلق بالسنن أو بغيرها، ولا ريب أن هذا العموم أخص
من ذلك العموم مطلقا لا من وجه، ومن العجب قول المجيب بناء على زعمه العموم
والخصوص من وجه وتقريبه السؤال بما ذكره: " وحينئذ فالجواب أن يقال إن الآية الكريمة
إنما تدل. الخ " فإن فيه خروجا عن كلام ذلك الفاضل لأن هذه الأخبار لا تدل عنده
على مشروعية العمل وإنما تدل على مجرد ترتب الثواب بعد ثبوت المشروعية بدليل
آخر، فكيف يحصل التثبت بها في العمل وهل هذا إلا أول المسألة ومحل النزاع؟
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الظاهر أن الكلام في هذه المسألة سؤالا وجوابا
ونقصا وإبراما إنما ابتنى على هذا الاصطلاح المحدث الذي جعلوا فيه بعض الأخبار
وإن كانت مروية في الأصول المعتمدة المعتضدة بالقرائن المتعددة - ضعيفة ورموا بها
من البين، وصاروا مع الحاجة إليها لضيق الخناق في هذا الاصطلاح يتسترون تارة بأنها
مجبورة بالشهرة وتارة بما ذكروه في هذه المسألة من أن العمل في الحقيقة إنما هو بهذه الأخبار وأمثال ذلك مما أوضحناه، وإلا فمتى قلنا بصحة الأخبار المروية في أصولنا
المعتبرة وأنه معتبرة معتمدة في ثبوت الأحكام كما عليه متقدمو علمائنا الأعلام وجم غفير
من متأخريهم فإنه لا مجال لهذا البحث بالكلية، إذ العامل إنما عمل على ذلك الخبر
لكونه معتبرا معتمدا، وهذا هو الأنسب بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية، فإن
الاستحباب والكراهة أحكام شرعية كالوجوب والتحريم لا تثبت إلا بالدليل الواضح
والمنار اللائح، ومتى كان الحديث الضعيف ليس بدليل شرعي كما زعموه فلا يثبت به
الاستحباب لا في محل النزاع ولا غيره، والتستر بأن ثبوت الاستحباب إنما حصل بانضمام
هذه الأخبار كما ادعوه يؤدي إلى ثبوت الاستحباب بمجرد رؤية حديث يدل على ترتب
الثواب على عمل ولو في ظهر كتاب أو في ورقة ملقاة أو بخبر عامي لصدق البلوغ بكل
202

من هذه الأمور كما دلت عليه تلك الأخبار، والتزام ذلك لا يخلو من مجازفة. هذا.
وقد نقل بعض مشايخنا عن بعض الأصحاب نظم أخبار المخالفين في هذا السلك فجوز الرجوع
إليها في المندوبات، ثم قال (قدس سره): " ولا ريب أن الأخبار المذكورة تشملهم إلا أنه
قد ورد النهي في كثير من الأخبار عن الرجوع إليهم والعمل بأخبارهم، وحينئذ فيشكل
الحكم بالرجوع إليها لا سيما إذا كان ما ورد في أخبارهم هيئة مخترعة وصورة مبتدعة لم
يعهد مثلها في الأخبار " انتهى. وهو مؤيد لما ذكرناه. وبالجملة فالقدر المعلوم المقطوع
به من هذه الأخبار هو مجرد ترتب الثواب على عمل قد ثبت مشروعيته ووردت النصوص
به سواء كان الخبر الوارد به مطابقا للواقع أم لا. والله سبحانه أعلم بحقائق أحكامه.
ومنها - الغسل عند صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة، قيل وليس المراد أي
صلاة أوقعها المكلف لأحد هذين الأمرين بل المراد بذلك صلاة مخصوصة ورد النص
باستحباب الغسل قبلها أو بعدها وهي مذكورة في مظانها.
والذي وقفت عليه من الأخبار بذلك ما رواه في الكافي عن عبد الرحيم القصير (1)
قال: " دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) قلت جعلت فداك أني اخترعت دعاء،
فقال دعني من اختراعك إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وصل ركعتين، تهديهما إلى رسول الله.
قلت كيف أصنع؟ قال تغتسل وتصلي ركعتين، ثم ساق الخبر مشتملا على كيفية العمل إلى أن قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) فإنا
الضامن على الله تعالى أن لا يبرح حتى تقضي حاجته " وعن مقاتل بن مقاتل (2) قال:
" قلت للرضا (عليه السلام) جعلت فداك علمني دعاء لقضاء الحوائج، فقال إذا كانت
لك حاجة إلى الله تعالى مهمة فاغتسل والبس أنظف ثيابك وشم شيئا من الطيب ثم أبرز
تحت السماء فصل ركعتين. الحديث " وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن
الصادق (عليه السلام) (3) قال: " في الأمر يطلبه الطالب من ربه؟ قال تصدق

1) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الصلوات المندوبة
2) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الصلوات المندوبة
3) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الصلوات المندوبة
203

في يومك على ستين مسكينا على كل مسكين صاع بصاع النبي (صلى الله عليه وآله)
فإذا كان الليل اغتسلت في الثلث الباقي ولبست أدنى ما يلبس من تعول من الثياب،
إلى أن قال ثم إذا وضعت رأسك للسجدة الثانية استخرت الله تعالى مائة مرة تقول اللهم إني
أستخيرك، ثم تدعو الله تعالى بما شئت. الحديث " وروى الصدوق في الفقيه عن مرازم
عن العبد الصالح موسى بن جعفر (عليه السلام) (1) قال: " إذا فدحك أمر عظيم فتصدق
في نهارك على ستين مسكينا على كل مسكين نصف صاع بصاع النبي (صلى الله عليه وآله)
من تمر أو بر أو شعير فإذا كان الليل اغتسلت في ثلث الليل الأخير ثم لبست أدنى
ما يلبس من تعول من الثياب إلا أن عليك في تلك الثياب إزار ثم تصلي ركعتين، إلى أن قال فإذا وضعت جبينك في السجدة الثانية استخرتم الله مائة مرة تقول: اللهم إني
أستخيرك بعلمك، ثم تدعو الله تعالى بما شئت. الحديث " وما رواه في الكافي عن
جميل بن دراج (2) قال: " كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخلت عليه امرأة
وذكرت أنها تركت ابنها وقد قالت بالملحفة على وجهه ميتا، فقال لها لعله لم يمت فقومي
فاذهبي إلى بيتك فاغتسلي وصلي ركعتين وادعي وقولي: يا من وهبه لي ولم يك شيئا
جدد هبته لي، ثم حركيه ولا تخبري بذلك أحدا. قال ففعلت فحركته فإذا هو قد بكى
وما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن صفوان بن يحيى ومحمد بن سهل
عن أشياخهما عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " إذا حضرت لك حاجة مهمة إلى
الله عز وجل فصم ثلاثة أيام متوالية الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا كان يوم الجمعة
إن شاء الله تعالى فاغتسل والبس ثوبا جديدا ثم اصعد إلى أعلى بيت في دارك وصل ركعتين
وارفع يديك إلى السماء ثم قل. الحديث ".
أقول: المستفاد من الأخبار الكثيرة الواردة في صلاة الحوائج أنهم (عليهم

1) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الصلوات المندوبة
2) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الصلوات المندوبة
204

السلام) ربما أمروا بالصلاة والدعاء خاصة وربما أمروا مع ذلك بالغسل في أوقات
مخصوصة وربما أمروا بالصوم أيضا، والمفهوم من ذلك من استحباب هذه الأشياء لكل
حاجة أراد المكلف طلبها إلى الله عز وجل، وتتفاوت هذه الأعمال قلة وكثرة بتفاوت
الحوائج بضروريتها وعدمها وشدة الحاجة إليها وعدمها فما ذكره بعضهم - من اختصاص
الاغتسال بصلاة مخصوصة كما تقدمت الإشارة إليه - الظاهر أنه لا وجه له، ويؤيد ما
ذكرناه قوله (عليه السلام) في عبارة كتاب الفقه المتقدمة (1): " وغسل طلب الحوائج من
الله تعالى " وأما ما ورد بالنسبة إلى صلاة الاستخارة فما تقدم في موثقة سماعة (2) من
قوله (عليه السلام): " وغسل الاستخارة مستحب " وجملة من الأصحاب قد استدلوا
على استحباب الغسل لصلاة الاستخارة بصحيحة زرارة المتقدمة لقوله في آخرها: " ثم إذا
وضعت رأسك للسجدة الثانية استخرت الله تعالى مائة مرة " ونحوها رواية مرازم.
وأنت خبير بأن سياق الروايتين المذكورتين إنما هو في طلب الحاجة والصلاة إنما هي لها.
والمراد بالاستخارة في آخر الروايتين المذكورتين إنما هو طلب أن يجعل الله تعالى له
الخيرة في الأمر الذي يطلبه وأن يختاره له فإنه أحد معاني الاستخارة لا بمعنى
المشاورة كما هو المتبادر من لفظ الاستخارة، وظاهر كلامهم أن الغسل لصلاة الاستخارة
وظاهر موثقة سماعة أن الغسل للاستخارة وإن كانت بغير صلاة والمتبادر من الاستخارة
إنما هو معنى المشاورة، ولكن لم أقف في أخبار الاستخارة على ما يدل على وجوب
الغسل في شئ من أفرادها، وحينئذ فيمكن أن يقال باستحباب الغسل للاستخارة
مطلقا بهذا الخبر أو يخص بصلاة الاستخارة كما هو المشهور فيقال باستحباب الغسل
للصلاة المروية في الاستخارة بهذا الخبر، وكيف كان فالظاهر أن الاستدلال لذلك بصحيحة
زرارة المشار إليها ونحوها رواية مرازم ليس في محله لما عرفت.
ومنها - غسل يوم الغدير، قال في التهذيب: " الغسل في هذا اليوم مستحب

1) ص 181
2) ص 179
205

مندوب إليه وعليه اجماع الفرقة " أقول: ويدل عليه قوله (عليه السلام) في عبارة
كتاب الفقه المتقدمة (1): " وغسل يوم غدير خم " وما نقله ابن طاووس في الاقبال
قال من كتاب محمد بن علي الطرازي قال روينا باسنادنا إلى عبد الله بن جعفر الحميري
عن هارون بن مسلم عن أبي الحسن المثنى عن الصادق (عليه السلام) (2) في حديث
طويل ذكر فيه فضل يوم الغدير، إلى أن قال: " فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب
الغسل في صدر نهاره. الحديث " وما رواه الشيخ عن علي بن الحسين العبدي (3)
قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر
الدنيا، إلى أن قال ومن صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول
مقدار نصف ساعة. الحديث ".
ومنها - غسل ليلة النصف من شعبان، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في
التهذيب عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (4) قال: " صوموا شعبان واغتسلوا
ليلة النصف منه. الحديث " وما رواه في المصباح عن سالم مولى أبي حذيفة عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) (5) قال: " من تطهر ليلة النصف من شعبان فأحسن الطهر، وساق
الحديث إلى قوله: قضى الله تعالى له ثلاث حوائج. ثم إن سأل الله أن يراني في ليلته
رآني " أقول: الظاهر أن هذا الخبر من طريق الجمهور ذكره الشيخ هنا تأكيدا.
ومنها - غسل ليلة النصف من رجب ويوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون
منه، وقد ذكرهما الشيخ في المصباح والجمل والمبسوط، وقال الشهيد في الذكرى أنه لم يصل
إلينا خبر فيهما. وقال المحقق في المعتبر: ربما كان لشرف الوقتين والغسل مستحب

1) ص 181
2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 3 من أبواب الصلوات المندوبة
4) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب الأغسال المسنونة
5) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الصلوات المندوبة
206

مطلقا ولا بأس بالمتابعة فيه. أقول: ما ذكره في المعتبر محل تأمل فإن استحباب الغسل
مطلقا لا دليل عليه بل هو عبادة موقوفة على التشريع وورود الأمر بها من الشارع،
والعجب منه في قوله: " ولا بأس بالمتابعة فيه " مع خروجه عما عليه الأصحاب في جملة
من المواضع التي قامت فيها الأدلة على ما ذهبوا إليه بزعم أنها ضعيفة السند فكيف
يوافقهم هنا من غير دليل؟ أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار مما يتعلق بهذا المقام
ما في الاقبال قال وجدت في كتب العبادات عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) أنه قال: " من أدركه شهر رجب فاغتسل في أوله ووسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم
ولدته أمه ".
ومنها - الغسل لقضاء صلاة الكسوف مع تركها عمدا واحتراق القرص، صرح
به الشيخ وابن إدريس وابن البراج وأكثر الأصحاب، وذهب المرتضى في المسائل
المصرية الثالثة وأبو الصلاح وسلار إلى وجوبه في الصورة المذكورة، وعن الشيخ في
النهاية القول بالوجوب أيضا، وعن المفيد والمرتضى في المصباح القول بالاستحباب
والاقتصار على تركها متعمدا من غير اشتراط لاستيعاب الاحتراق، قال في المختلف:
" وللشيخ قولان كالمذهبين ففي النهاية والجمل والخلاف يجب القضاء مع الغسل وفي
موضع من الخلاف أنه مستحب، ولم يتعرض في المبسوط لوجوبه بل قال يقضيها مع
الغسل وكذلك قال ابن بابويه، ولم يتعرض ابن أبي عقيل لهذا الغسل بوجوب ولا
استحباب " انتهى. أقول: لا يخفى أن الشيخ في المبسوط صرح بالاستحباب في ضمن
تعداد الأغسال المستحبة قال: " وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا احترق القرص كله
وتركها متعمدا " ولكن العلامة غفل عنه وقت التصنيف ولم يراجعه، هذا ما حضرني
من الأقوال في المسألة.
وأما الأخبار المتعلقة بالمسألة المذكورة فقال في المدارك: " والذي وقفت عليه

1) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب الأغسال المسنونة
207

من الأخبار في هذه المسألة روايتان، روى إحداهما حريز عمن أخبره عن الصادق (عليه
السلام) (1) قال: " إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يصل فليغتسل من غد
وليقض الصلاة، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل "
والثانية رواها محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (2) وهي طويلة
قال في آخرها: " وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاغتسل " وليس في هذه
الرواية اشعار بكون الغسل للقضاء بل المستفاد من ظاهرها أن الغسل للأداء، والرواية
الأولى قاصرة من حيث السند وخالية من قيد الاستيعاب ولكن سيجئ إن شاء الله
أن القضاء إنما يثبت مع ذلك والأحوط الغسل للقضاء مع تعمد الترك آخذا بظاهر
الرواية المتقدمة وإن ضعف سندها، أما الغسل للأداء مع استيعاب الاحتراق فلا ريب
في استحبابه والأولى أن يترك بحال لصحة مستنده وتضمنه الأمر بالغسل مع انتفاء
ما يقتضي الحمل على استحباب " انتهى. وهو ظاهر في عدم وقوفه على دليل يقتضي
الدلالة على القول المشهور، وقد تبعه في ذلك الفاضل الخراساني في الذخيرة فأورد
الروايتين المذكورتين لكنه لم يطعن في الأولى بضعف السند بل زيف لها وجوها تجبر
ضعفها واختار العمل بظاهرها إلا أنه حمل الأمر فيها على الاستحباب كما سيأتي إن شاء
الله تعالى نقل كلامه في المقام، وأما الرواية الثانية فإنه اعترف أيضا بما ذكره في المدارك
من أن ظاهرها وجوب الغسل في الأداء مع الاحتراق إلا أنه عدل عنه، قال: لأنه غير
معمول عليه بين الأصحاب فينبغي حمله على الاستحباب. والمحقق الخوانساري في شرح
الدروس قد نقل زيادة على الروايتين المذكورتين ما رواه في الفقيه مرسلا عن الباقر
(عليه السلام) (3) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) الغسل في سبعة عشر موضعا
إلى أن قال في آخرها: وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل

1) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
208

فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة. " ثم أطال الكلام في المقام بما لا يخلو من التردد
وعدم الانسجام.
أقول: والذي يظهر لي من النظر في روايات المسألة والتأمل فيها أن صحيحة
محمد بن مسلم التي قدمنا ذكرها في صدر المطلب برواية الشيخ في التهذيب (1) هي بعينها
ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا عن الباقر (عليه السلام) (2) من قوله: " الغسل
في سبعة عشر موضعا. إلى آخره " والصدوق وإن رواها في الفقيه مرسلة إلا أنه
رواها في الخصال مسندة عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن
حريز عن محمد عن الباقر (عليه السلام) (3) قال: " الغسل في سبعة عشر موضعا،
ثم ساق الخبر إلى أن قال: وغسل الكسوف إذا احترق القرض كله فاستيقظت ولم
تصل فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة " وهي - كما ترى - صحيحة صريحة في القول
المشهور ولكنه في المدارك وكذا في الذخيرة لما لم يقفا إلا على ذينك الخبرين المجملين
توقفا فيما ذكراه، ومن الظاهر الذي لا يكاد يختلجه الشكان هذه الرواية هي الرواية التي
نقلها الشيخ في التهذيب لكنه أسقط منها هذه العبارة سهوا وزاد عوضها قوله " فاغتسل "
والرواية كما ذكرناه من الزبادة موجودة في كتب الصدوق: الفقيه والخصال والهداية،
والظاهر أن هذه الزيادة سقطت من قلم الشيخ كما لا يخفى على من له أنس بطريقته سيما
في التهذيب وما وقع له فيه من التحريف والتصحيف والزيادة والنقصان في الأسانيد
والمتون بحيث إنه قلما يخلو حديث من ذلك في متنه أو سنده كما هو ظاهر للممارس،
وبذلك يظهر ضعف الاستناد إلى روايته في المسألة وضعف ما استنبطه في المدارك منها
بناء على نقله لها مع صحة سندها من الغسل للأداء.
بقي الكلام في مرسلة حريز من حيث إنها مطلقة في الكسوف من غير تقييد
بالاحتراق، ولكن الظاهر تقييدها بصحيحة محمد بن مسلم التي ذكرناها واعتمدناها وبه

1) ص 180
2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
209

تجتمع الأخبار في الدلالة على القول المشهور. ومما يؤيد ما ذكرناه من حمل الرواية
المذكورة على الاحتراق قوله (عليه السلام) في آخرها: " وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف
القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل " فإنه لو حمل على ظاهره للزم منه وجوب القضاء
في صورة عدم العلم مطلقا احترق أو لم يحترق مع أن الأخبار وكلام الأصحاب على
تخصيص ذلك بصورة الاحتراق وأما مع عدم الاحتراق فلا قضاء. وأما ما ذكره الفاضل
الخراساني في الذخيرة - حيث قال يعد ذكر مرسلة حريز: " فإن قلت: ظاهر هذه الرواية
وهو القضاء في صورة عدم العلم مطلقا غير معمول عليه بين أكثر الأصحاب وتنفيه الأخبار
المعتمدة الآتية في محله فينبغي أن يخص بصورة احتراق الجميع، قلت: الذي يستفاد
من الروايات عدم وجوب القضاء إلا في الصورة المذكورة لا عدم الاستحباب، نعم لو
ثبت الاجماع على عدم الاستحباب تعين المصير إلى تخصيص الخبر بصورة احتراق الجميع
لكن الاجماع غير ثابت ولا ادعاه أحد " انتهى - ففيه أن الاستحباب أيضا حكم شرعي
يتوقف على الدليل والحال أنه لم يقل به هنا أحد ولم يدل عليه دليلا، فحمل الرواية عليه
مع إمكان حملها وتقييدها بصورة الاحتراق - كما هو القاعدة المطردة من حمل المطلق على
المقيد - ترجيح من غير مرجح بل الترجيح في جانب ما ذكرناه لما عرفت.
إلا أنه يبقى الكلام في أن ظاهر الأخبار المذكورة هو الوجوب كما هو قول
جماعة من فضلاء الأصحاب على ما قدمناه ولا أعرف عنه صارفا إلا مجرد مناقشات لا يخفى
وهنها على المنصف، قال في المختلف بعد نقل الخلاف في المسألة: " والحق الاستحباب،
لنا - الأصل براءة الذمة وقوله (عليه السلام) (1): " (من فاتته صلاة فليقضها كما
فاتته " وكما لا يجب في الأداء الغسل بل هو مستحب فكذلك القضاء، ولحديث سعد عن
الصادق (عليه السلام) وقد تقدم " انتهى. أقول: أما ما ذكره من الأصل فإنه يجب
الخروج عنه بالدليل وهو واضح فيما ذكرناه من الأخبار لقوله (عليه السلام) في مرسلة

1) المروي في الوسائل في الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات
210

حريز " فليغتسل " وهو أمر والأصل فيه الوجوب، وقوله (عليه السلام) في صحيحة
محمد بن مسلم التي في كتب الصدوق " فعليك أن تغتسل " وظهوره في الوجوب
لا ينكر، وقوله (عليه السلام) فيها برواية الشيخ " فاغتسل " والأمر فيه كما في الأول
وأما ما ذكره من حديث " من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته " فإنما هو بمعنى الكيفية التي
عليها الصلاة مما هو داخل في حقيقتها لا باعتبار ما كان خارجا عنها، وأما حديث سعد
المشار إليه - وهو ما قدمه من حديث سعد بن أبي خلف عن الصادق (عليه السلام) (1)
" أن الأغسال أربعة عشر واحد فريضة والباقي سنة " - ففيه أن لفظ السنة لا ظهور له في
الاستحباب لاستعماله فيما وجب بالسنة كما لا يخفى على من له أنس بالأخبار، على أنه متى
أريد به هنا الاستحباب فلا بد من تقييده البتة لظهور وجوب جملة من الأغسال اتفاقا،
والحق أن المراد بالسنة ما هو أعم من المعنيين المذكورين وإن منع استعماله كذلك
أصحاب الأصول لتصريحهم بعدم جواز استعمال اللفظ في معنييه اشتراكا أو حقيقة
ومجازا إلا أن ما منعوه موجود في الأخبار كثيرا كهذا الموضع وغيره. وأما ما تمسك
به الفاضل الخراساني في الذخيرة من عدم دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب فقد
عرفت فساده فيما تقدم.
وأما ما ذكره جملة من الأصحاب في هذا المقام - من أن ظاهر أخبار المسألة
الاختصاص بالقمر حتى لجأ بعضهم في الاستدلال على الشمس إلى عدم القائل بالفصل
فينسحب الحكم فيها - ففيه أن ذلك وإن لم يذكر في هذه الأخبار المشهورة لكنه
مذكور في الفقه الرضوي الذي قد عرفت وستعرف أنه معتمد المتقدمين حيث قال
(عليه السلام) (2): " وإن انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك أن تصليها
إذا علمت، فإن تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصل وإن لم يحترق القرص فاقضها

1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الجنابة
2) ص 12
211

ولا تغتسل " وسيأتي مزيد كلام في هذه العبارة إن شاء الله تعالى في كتاب الصلاة.
والله العالم.
ومنها - الغسل لأخذ التربة، روى ذلك في البحار (1) عن مؤلف كتاب
المزار الكبير بإسناده عن جابر الجعفي قال: " دخلت على مولانا أبي جعفر محمد بن علي
الباقر (عليه السلام) فشكوت إليه علتين متضادتين إذا داويت إحداهما انتقضت
الأخرى وكان بي وجع الظهر ووجع الجوف فقال لي عليك بتربة الحسين بن علي
(عليهما السلام) فقلت كثيرا ما استعملها ولا تنجع في؟ قال جابر فتبينت في وجه
سيدي ومولاي الغضب فقلت يا مولاي أعوذ بالله من سخطك، فقام فدخل الدار
وهو مغضب فأتى بوزن حبة في كفه فناولني إياها ثم قال لي استعمل هذه يا جابر
فاستعملتها فعوفيت لوقتي، فقلت يا مولاي ما هذه التي استعملتها فعوفيت لوقتي؟ قال
هذه التي ذكرت أنها لم تنجع فيك شيئا. فقلت والله يا مولاي ما كذبت فيها ولكن
قلت لعل عندك علما فأتعلمه منك يكون أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، فقال لي إذا
أردت أن تأخذ من التربة فتعمد لها آخر الليل واغتسل لها بماء القراح والبس أطهر
أطمارك وتطيب بسعد وادخل فقف عند الرأس فصل أربع ركعات تقرأ، ثم ساق الخبر
في بيان الصلاة وكيفيتها والإذن في أخذ التربة إلى أن قال: وتأخذ بثلاث أصابع
ثلاث مرات وتدعها في خرقة نظيفة أو قارورة من زجاج وتختمها بخاتم عقيق عليه
" ما شاء الله لا قوة إلا بالله أستغفر الله " فإذا علم الله تعالى منك صدق النية لم يصعد
معك في الثلاث قبضات إلا سبعة مثاقيل وترفعها لكل علة فإنها تكون مثل ما رأيت "
ومنها - الغسل يوم النيروز لما رواه الشيخ في المصباح عن المعلي بن خنيس
عن الصادق (عليه السلام) قال (2): " إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف
ثيابك. الحديث ".

1) ج 22 ص 147
2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الغسال المسنونة
212

تتمة
قال الفاضل ابن فهد في المهذب: " تنبيه: يوم النيروز يوم جليل القدر وتعيينه
من السنة غامض مع أن معرفته أمر مهم من حيث إنه تتعلق به عبادة مطلوبة للشارع
والامتثال موقوف على معرفته، ولم يتعرض لتفسيره أحد من علمائنا سوى ما قاله
الفاضل محمد ابن إدريس، وحكايته: والذي حققه بعض محصلي أهل الحساب وعلماء
الهيئة وأهل هذه الصنعة في كتاب له أن يوم النيروز يوم العاشر من آيار. وقال الشهيد
وفسر بأول سنة الفرس أو حلول الشمس برج الحمل أو عاشر آيار. فالثالث إشارة إلى
قول ابن إدريس والأول إشارة إلى ما هو مشهور عند فقهاء العجم في بدلهم فإنهم يجعلونه
عند نزول الشمس الجدي وهو قريب مما قاله صاحب الأنواء، وحكايته: اليوم السابع
عشر من كانون الأول هو صوم اليهود وفيه ترجع الشمس مصعدة إلى الشمال ويأخذ
النهار من الليل ثلاث عشرة ساعة وهو مقدار ما يأخذ في كل يوم وتنزل الشمس برج
الجدي قبله بيومين، وبعض العلماء جعله رأس السنة وهو النيروز، فجعله حكاية عن بعض
العلماء وقال بعد ذلك: اليوم التاسع من شباط وهو يوم النيروز ويستحب فيه الغسل
وصلاة أربع ركعات لما رواه المعلي بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) ثم ذكر الخبر
فاختار التفسير الأخير وجزم به. والأقرب من هذه التفاسير أنه نزول الشمس برج
الحمل لوجوه: (الأول) أنه أعرف بين الناس وأظهر في استعمالهم، وانصراف
الخطاب المطلق الشامل لكل مكلف إلى معلوم في العرف وظاهر في الاستعمال أولى من انصرافه إلى ما كان على الضد من ذلك، ولأنه المعلوم من عادة الشرع وحكمته، ألا
ترى كيف علق أوقات الصلوات بسير الشمس الظاهر وصوم رمضان برؤية الهلال وكذا
أشهر الحج؟ وهي أمور ظاهرة يعرفها عامة الناس بل الحيوانات؟ فإن قلت: استعماله
في نزول الشمس برج الحمل غير ظاهر الاستعمال في بلاد العجم حتى أنهم لا يعرفونه
213

وينكرونه على معتقده فلم خصصت ترجيح العرف الظاهر في بعض البلاد دون
بعض؟ وأيضا فإن ما ذكرته حادث ويسمى النيروز السلطاني والأول أقدم حتى قيل إنه
منذ زمان نوح (عليه السلام)، فالجواب عن الأول أن العرف إذا تعدد انصرف إلى
العرف الشرعي فإن لم يكن فإلى أقرب البلاد واللغات إلى الشرع فينصرف إلى لغة
العرب وبلادها لأنها أقرب إلى الشرع، وعن الثاني بأن التفسيرين معا متقدمان على
الاسلام (الثاني) - أنه مناسب لما ذكره صاحب الأنواء من أن الشمس خلقت
في الشرطين وهما أول الحمل، فيناسب ذلك إعظام هذا اليوم الذي عادت فيه إلى مبدأ
كونها (الثالث) - أنه مناسب لما ذكره السيد رضي الدين بن طاووس (قدس سره)
أن ابتداء العالم وخلق الدنيا كان في شهر نيسان ولا شك أن نيسان يدخل والشمس
في الحمل، وإذ كان ابتداء العالم في هذا اليوم يناسب أن يكون يوم عيد وسرور،
ولهذا ورد استحباب التطيب فيه بأطيب الطيب ولبس أنظف الثياب ومقابلته بالدعاء
والشكر والتأهب لذلك بالغسل وتكميله بالصوم والصلاة المرسومة له حيث كان فيه ابتداء
النعمة الكبرى وهي الاخراج من حيز العدم إلى الوجود ثم تعريض الخلق لثوابه الدائم
ولهذا أمرنا بتعظيم يوم المبعث والغدير حيث كان فيهما ابتداء منصب النبوة والإمامة
وكذا المولدين. (فإن قلت): نسبته إلى الفرس تؤيد الأول فإنهم واضعوه والثاني
وضعه قوم مخصوصون ولم يوافقهم الباقون (قلنا): يكفي في نسبته إليهم أن يقول به
طائفة منهم وإن قصروا في العدد عمن لم يقل به، ألا ترى إلى قوله تعالى: " وقالت
اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله.. " (1) وليس القائل بذلك كل
اليهود ولا كل النصارى، ومثل قوله: " والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل
إليك.. " (2) وليس الإشارة إلى أهل الكتاب بأجمعهم بل إلى عبد الله بن سلام
وأصحابه (زيادة) ومما ورد في فضله ويعضد ما قلناه ما حدثني المولى السيد المرتضى

1) سورة البقرة. الآية 30
2) سورة الرعد. الآية 36
214

العلامة بهاء الدين علي بن عبد الحميد النسابة دامت فضائله رواه باسناده إلى المعلي بن خنيس
عن الصادق (عليه السلام) (1) " أن يوم النيروز هو اليوم الذي أخذ فيه النبي (صلى
الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) العهد بغدير خم فأقروا له بالولاية فطوبى
لمن ثبت عليها والويل لمن نكثها، وهو اليوم الذي وجه فيه رسول الله (صلى الله عليه
وآله) عليا (عليه السلام) إلى وادي الجن فأخذ عليهم العهود والمواثيق، وهو اليوم
الذي ظفر فيه بأهل النهروان وقتل ذا الثدية، وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل
البيت وولاة الأمر ويظفره الله تعالى بالدجال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم
نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا حفظه الفرس وضيعتموه، ثم إن نبيا من أنبياء
بني إسرائيل سأل ربه أن يحيى القوم " الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر
الموت " (2) فأماتهم الله تعالى فأوحى الله تعالى إليه أن صب عليهم الماء في مضاجعهم فصب
عليهم الماء في هذا اليوم فعاشوا وهم ثلاثون ألفا فصار صب الماء في يوم النيروز سنة
ماضية لا يعرف سببها إلا الراسخون في العلم، وهو أول يوم من سنة الفرس، قال
المعلى: وأملي علي ذلك فكتبته من إملائه " وعن المعلى أيضا قال: " دخلت على
أبي عبد الله (عليه السلام) في صبيحة يوم النيروز فقال يا معلى أتعرف هذا اليوم؟
قال: قلت لا ولكنه يوم تعظمه العجم وتتبارك فيه، قال كلا والبيت العتيق الذي ببطن
مكة ما هذا اليوم إلا لأمر قديم أفسره لك حتى تعلمه. قلت تعلمي هذا من عندك
أحب إلى من أن تعيش أترابي ويهلك الله عدوكم، قال يا معلى يوم النيروز هو اليوم
الذي أخذ الله تعالى فيه ميثاق العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وأن يدينوا برسله
وحججه وأوليائه، وهو أول يوم طلعت فيه الشمس وهبت فيه الرياح اللواقح وخلقت
فيه زهرة الأرض وهو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح (عليه السلام) على الجودي

1) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الصلوات المندوبة
2) سورة البقرة. الآية 244
3) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الصلوات المندوبة
215

وهو اليوم الذي أحيى الله تعالى فيه القوم " الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت
فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " (1) وهو اليوم الذي هبط فيه جبرئيل (عليه السلام)
على النبي (صلى الله عليه وآله) وهو اليوم الذي كسر فيه إبراهيم (عليه السلام) أصنام
قومه، وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه
السلام) على منكبه حتى رمى أصنام قريش من فوق البيت الحرام وهشمها. الخبر
بطوله " والشاهد في هذين الحديثين من وجوه: (الأول) قوله (عليه السلام)
" هو اليوم الذي أخذ الله تعالى فيه العهد بغدير خم " وهذا تأريخ وكان ذلك سنة
عشر من الهجرة وحسب فوافق نزول الشمس الحمل في التاسع عشر من ذي الحجة على
حساب التقويم ولم يكن الهلال رؤي في مكة ليلة الثلاثين فكان الثامن عشر على الرؤية
(الثاني) - كون صب الماء في ذلك اليوم سنة شائعة، والظاهر أن مثل هذه السنة العامة
الشاملة لعامة المكلفين إنما يكون صب الماء في وقت لا ينفر منه الطبع ويأباه ولا يتصور
ذلك مع كون الشمس في الجدي لأنه في غاية القر في غالب البلاد الاسلامية
(الثالث) - قوله (عليه السلام) في الحديث الثاني: " وهو أول يوم طلعت فيه
الشمس " وهو مناسب لما قيل إن الشمس خلقت في الشرطين (الرابع) - قوله:
" وخلقت فيه زهرة الأرض وهذا إنما يكون في الحمل دون الجدي وهو ظاهر " انتهى
ما ذكره في المهذب.
ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه فإن اثبات الأحكام الشرعية بأمثال هذه الوجوه
التخريجية الوهمية لا يخلو من مجازفة سيما مع ما فيها من الاختلال الذي لا يخفى على من
خاض بحار الاستدلال وليس في التعرض لنقضها كثير فائدة مع ظهور الحال فيما ذكرناه
ولا أعرف لذلك دليلا شرعيا ولا مستندا مرعيا غير مجرد اتفاق الناس على ذلك وقد
أطال شيخنا المجلسي في البحار في بيان ما في جملة هذه الأقوال من الاختلال واعترض

1) سورة البقرة. الآية 244
216

كلام المهذب أيضا بوجوه ليس هذا موضع ذكرها. والعلم عند الله سبحانه.
ومنها - غسل الجمعة، وقد اختلف فيه الأصحاب (رضوان الله عليهم) فالمشهور
استحبابه، وقال الصدوق في الفقيه: غسل يوم الجمعة واجب على الرجال والنساء في
السفر والحضر، ثم قال وغسل يوم الجمعة سنة واجبة. وقال في الكافي: باب وجوب
الغسل يوم الجمعة، ثم أورد الأخبار المتضمنة للوجوب، وبذلك نسب إليهما القول بالوجوب
وفيه ما سيأتي بيانه في المقام إن شاء الله تعالى، وإلى هذا القول مال شيخنا البهائي
في الحبل المتين ونقل القول بالوجوب أيضا عن والد الصدوق، وإلى هذا القول ذهب
شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني وأيده ونصره وصنف فيه رسالة.
ومنشأ هذا الخلاف اختلاف الأخبار ظاهرا، وها نحن نبدأ أولا بذكر أخبار
المسألة كملا كما هي قاعدتنا في الكتاب ثم نعطف الكلام إن شاء الله تعالى على تحقيق
القول فيما يستفاد منها وما تجتمع عليه بوجه لا يزاحمه الاشكال ولا يتطرق إليه إن شاء
الله تعالى الاختلال.
فمنها - ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن محمد بن عبد الله بن
المغيرة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن الغسل يوم الجمعة
فقال واجب على كل ذكر وأنثى من عبد أو حر " ورواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن
عن عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) مثله (2) وما رواه ثقة الاسلام
عن منصور بن حازم في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " الغسل يوم
الجمعة على الرجال والنساء في الحضر وعلى الرجال في السفر " ورواه في موضع آخر
كذلك (4) وزاد عليه " وليس على النساء في السفر " وقال (5): وفي رواية أخرى
" ورخص للنساء في السفر لقلة الماء " وعن زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) (6)

1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
6) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الأغسال المسنونة
217

في حديث قال: " الغسل واجب يوم الجمعة " ورواه الصدوق في الخصال في الصحيح
عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) (1) قال: " الغسل في يوم الجمعة واجب. إلى تمام
الخبر " وروى الصدوق في العلل في الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى رفعه (2) قال:
" غسل الجمعة واجب على الرجال والنساء في السفر والحضر إلا أنه رخص للنساء في
السفر لقلة الماء " وما رواه الكليني عن حريز في الحسن أو الصحيح عن بعض أصحابنا
عن الباقر (عليه السلام) (3) قال: " لا بد من الغسل يوم الجمعة في السفر والحضر ومن
نسي فليعد من الغد " قال " وروي فيه رخصة للعليل " وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في
الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " اغتسل يوم الجمعة إلا أن تكون
مريضا أو تخاف على نفسك " وعن علي بن يقطين في الصحيح (5) قال: " سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن النساء أعليهن غسل الجمعة؟ قال نعم " وما رواه الشيخ
والصدوق عن سماعة بن مهران في الموثق (6) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن غسل الجمعة فقال واجب في السفر والحضر إلا أنه رخص للنساء في السفر لقلة الماء "
وهذه الأخبار هي أدلة القول بالوجوب كما ينادي به ظاهرها، ومنها - ما رواه الشيخ
عن علي بن يقطين في الصحيح (7) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الغسل
في يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال سنة وليس بفريضة " وعن زرارة في الصحيح عن
الصادق (عليه السلام) (8) قال: " سألته عن غسل يوم الجمعة؟ قال هو سنة في السفر
والحضر إلا أن يخاف المسافر على نفسه القر " وعن علي (9) - والظاهر أنه ابن

1) رواه في المستدرك الوسائل في الباب 3 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة
4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
6) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة
7) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
8) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
9) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
218

أبي حمزة - قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل العيدين أواجب هو؟ قال:
هو سنة. قلت فالجمعة؟ قال هو سنة " وروى المفيد (رحمه الله) في المقنعة مرسلا (1) قال:
" روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: غسل الجمعة والفطر سنة في السفر والحضر ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن من ذهب من أصحابنا إلى الوجوب أخذ بظاهر الأخبار
الأولة وأجاب عن الأخبار الأخيرة بحمل السنة فيها على ما ثبت وجوبه بالسنة، قال شيخنا
البهائي في الحبل المتين حيث اختار هذا القول: " وأنت خبير بأن الجمع بينها بحمل السنة على
ما ثبت وجوبه بالسنة والفريضة على ما ثبت وجوبه بالكتاب غير بعيد، وهو اصطلاح
الصدوق في الفقيه كما يشعر به قوله: " الغسل كله سنة ما خلا غسل الجنابة " وهذا الذي اصطلح
عليه ليس من مخترعاته بل ورد في كثير من الأخبار عن أئمتنا (عليهم السلام) كما رواه
في التهذيب عن الرضا (عليه السلام) (2) بطرق عديدة " أن الغسل من الجنابة
فريضة وغسل الميت سنة " قال الشيخ يريد أن فرضه عرف من جهة السنة لأن القرآن
لا يدل على فرض غسل الميت، وكما رواه عن سعد بن أبي خلف (3) قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الغسل في أربعة عشر موطنا واحد فريضة والباقي
سنة " قال العلامة في المختلف: المراد بالسنة ما ثبت من جهة السنة لا من طريق القرآن.
والحاصل أن اطلاق السنة على ذلك المعنى غير عزيز وحمل السنة عليه ليس بأبعد من حمل
الوجوب في قوله (عليه السلام): " الغسل واجب يوم الجمعة " وقوله (عليه السلام)
" إنه واجب على كل ذكر وأنثى من عبد أو حر " على المبالغة في الاستحباب، ومنع
كون الوجوب حقيقة شرعية في المعنى المصطلح عليه بين الفقهاء يأتي مثله في السنة، بهذا
يظهر أن قول الصدوقين غير بعيد عن الصواب " انتهى. وأما من ذهب إلى القول

1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الجنابة
219

بالاستحباب كما هو المشهور عملا بظاهر الأخبار الأخيرة من حمل السنة على معنى المستحب فإنه
حمل الوجوب في الأخبار التي استند إليها الخصم على المعنى اللغوي أو تأكد الاستحباب
لعدم ثبوت كون الوجوب عندهم (عليهم السلام) حقيقة في المعنى الاصطلاحي، قال
المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في المنتقي - بعد أن نقل عن الشيخ حمل لفظ الوجوب
في الأخبار على تأكد الاستحباب - ما صورته: " وكثيرا ما يذكر الشيخ هذا الكلام
في تضاعيف ما يستعمل فيه هذا اللفظ وهو مطابق لمقتضى أصل الوضع وإن كان المتبادر
في العرف الآن خلافه، فإن العرف المقدم على اللغة هو موجود في زمن الخطاب باللفظ
ولا دليل على أن المعنى العرفي لهذا اللفظ كان متحققا في ذلك الوقت فيحمل على المعنى
اللغوي. ويبقى الكلام في الخبر المتضمن للأمر باغتسال يوم الجمعة ولو قلنا بأن الأمر
في مثله يفيد الوجوب لاقتضت رعاية الجمع بينه وبين ما تضمن كون الغسل سنة أن
يحمل على الندب " انتهى.
أقول: لا يخفى أن ما ذكره شيخنا البهائي في الحبل المتين استعمال السنة فيما ثبت
وجوبه بالسنة أكثر كثير في الأخبار، ومنه - زيادة على ما ذكره من الخبرين - ما ورد في
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " إن الله عز وجل فرض الركوع
والسجود والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد صلاته ومن نسي القراءة فقد تمت
صلاته " ورواية الحسين بن النضر الأرمني الواردة في اجتماع الميت مع الجنب في
السفر (2) وفيها قال: " يغتسل الجنب ويترك الميت لأن هذا فريضة وهذا سنة "
ورواية التفليسي الواردة في ذلك أيضا حيث قال فيها " إذا اجتمعت سنة وفريضة
بدئ بالفرض " مرسلة محمد بن عيسى الواردة في ذلك أيضا (3) وفيها " لأن الغسل
من الجنابة فريضة وغسل الميت سنة " وكذا ما ذكره المحقق المشار إليه من أن الوجوب

1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب القراءة
2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
220

في عرفهم (عليهم السلام) كما استفاضت به أخبارهم أعم من هذا المعنى الاصطلاحي
فإنه حق لا ريب فيه. وقد تقدم في الأخبار المذكورة في صدر المطلب عد جملة من
تلك الأغسال المتفق على استحبابها بلفظ الوجوب، وبالجملة فإن المتدرب في الأخبار
لا يخفى عليه صحة الأمرين المذكورين. والحق الحقيق بالاتباع - كما حققناه في جملة من
المواضع - أن هذين اللفظين من الألفاظ المتشابهة في الأخبار ولا يجوز الحمل على أحد المعنيين
فيها إلا مع القرينة، ومدعى دلالة لفظ الوجوب في أخبارهم (عليهم السلام) على الوجوب
بهذا المعنى الاصطلاحي وهكذا لفظ السنة بمعنى المستحب خاصة مكابر مباهت، وبذلك
يظهر سقوط استدلال كل من هذين القائلين بهذه الأخبار في البين بل الواجب على من
يدعي الوجوب تحصيل دليل آخر غير هذه الأخبار المتقدمة وكذا من يدعي الاستحباب
تحصيل دليل آخر غير ما ذكر.
وأنت خبير بأن مع القاء هذين الدليلين من البين فإن الذي يظهر من الأخبار
هو الاستحباب وذلك من وجوه:
(الأول) - أصالة البراءة من الوجوب حتى يقوم دليلا يوجب الخروج عنها
وليس فليس، وهو أقوى دليل في المقام إذ الأخبار الواردة التي استند إليها الخصم لا دلالة
فيها على ما ادعاه، لما عرفت من أن الوجوب في كلامهم (عليهم السلام) أعم من هذا المعنى
المصطلح عليه وهو الذي لا يجوز تركه فلا تنهض حجة في الخروج عن هذا الأصل.
(الثاني) - رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة فإنه لا مجال لحمل السنة فيها على
ما ثبت وجوبه بالسنة كما ادعاه الخصم، لأن أصل السؤال تردد بين كونه واجبا أو سنة
والسنة متى قوبلت بالواجب تعين حملها على معنى المستحب وإنما يحصل الشك فيما إذا
قوبلت بالفرض أو أطلقت، وأصل السؤال وإن كان عن غسل العيدين لكن قضية
العطف اجراؤه في المعطوف عليه أيضا.
(الثالث) - صحيحة علي بن يقطين المتقدمة أيضا حيث عد غسل الجمعة فيها
221

في قرن غسل الأضحى والفطر فأجاب (عليه السلام) عن الجميع بأنه سنة، ومن المتفق
عليه عند الخصم أن غسل العيدين مستحب فيكون غسل الجمعة أيضا كذلك وإلا لزم
استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه أو المشترك في معنييه وهم لا يقولون به.
(الرابع) - ما نقله شيخنا المجلسي في البحار عن كتاب جمال الأسبوع لابن
طاووس في حديث رواه فيه بسنده عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده
عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) " أنه قال لعلي (عليه السلام) في وصيته يا علي
على الناس في كل يوم من سبعة أيام الغسل فاغتسل في كل جمعة، ولو أنك تشتري الماء
بقوت يومك وتطويه فإنه ليس شئ من التطوع بأعظم منه " وهو صريح الدلالة كما ترى
(الخامس) - رواية الحسين بن خالد الصيرفي (2) قالة " سألت أبا الحسن
الأول (عليه السلام) كيف صار غسل الجمعة واجبا؟ فقال إن الله تبارك وتعالى أتم
صلاة، الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة وأتم وضوء الفريضة بغسل
الجمعة ما كان في ذلك من سهو أو تقصير أو نسيان " والتقريب فيها ظاهر من النظائر
المذكورة، وحينئذ فالوجوب في صدر الرواية مراد به المعنى اللغوي.
ويؤيد ذلك عده في قرن المستحبات في جملة من الأخبار كقول الصادق (عليه
السلام) في صحيحة هشام بن الحكم (3): " ليتزين أحدكم يوم الجمعة يغتسل ويتطيب
ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه " وكقول الباقر (عليه السلام) في صحيحة زرارة (4)
" لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة وشم الطيب والبس صالح ثيابك. الحديث " وقول
الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه (5) " وعليكم بالسنن يوم الجمعة وهي سبعة:
اتيان النساء وغسل الرأس واللحية بالخطمي وأخذ الشارب وتقليم الأظافير وتغيير

1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الأغسال المسنونة
2) المروية في الوسائل في الباب 47 من أبواب صلاة الجمعة
5) ص 11
222

الثياب ومس الطيب، فمن أتى بواحدة من هذه السنن نابت عنهن وهي الغسل، وأفضل
أوقاته قبل الزوال ولا تدع في سفر ولا حضر، وإن كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم
الجمعة اغتسل يوم الخميس فإن فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من
أيام الجمعة، وإنما سن الغسل يوم الجمعة تتميما لما يلحق الطهور في سائر الأيام من النقصان "
انتهى كلامه. وفي قوله (عليه السلام): " وإنما سن الغسل. الخ " إشارة إلى
ما تضمنته رواية الحسن بن خالد المذكورة. ويؤيده أيضا الرخصة في تركه للنساء في
السفر كما تقدم في صحيحة منصور بن حازم، إذ لا شئ من الأغسال بل الأفعال الواجبة
كذلك بل ورد جواز تركها له في الحضر كما رواه الصدوق في الخصال عن جابر الجعفي عن
الباقر (عليه السلام) (1) قال: " ليس على المرأة غسل الجمعة في السفر ويجوز لها تركه
في الحضر " وهو أظهر ظاهر في الاستحباب.
هذا وعندي في اسناد القول بالوجوب إلى الصدوق في الفقيه بمجرد الكلام
المتقدم نظر: (أما أولا) - فلما علم من عادة المتقدمين - كما صرح به أيضا غير واحد من
أصحابنا المتأخرين - أنهم يعبرون غالبا بمتون الأخبار، والوجوب في الأخبار كما يحتمل
المعنى المشهور كذلك يحتمل المعنى اللغوي أو تأكيد الاستحباب فعين ما يقال في الأخبار
يقال في كلامهم، ولم يثبت كون الواجب عندهم حقيقة في المعنى المصطلح حتى يجب حمل
كلامهم عليه، وعلى هذا يحمل أيضا كلام ثقة الاسلام في الكافي حيث عنون
الباب بلفظ الوجوب.
(وأما ثانيا) - فلما ذكره في الفقيه (2) في الباب المذكور من قوله: " وروي
أن الله تعالى أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة وأتم الوضوء
بغسل يوم الجمعة " وهو مضمون رواية الحسين بن خالد المتقدمة الظاهرة كما عرفت في

1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 3 من أبواب الأغسال المسنونة
2) ج 2 ص 62 وفي الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
223

الاستحباب وما وقع له في هذا المقام وقع مثله في الفقه الرضوي أيضا حيث قال:
(عليه السلام) أولا: " واعلم أن غسل الجمعة سنة واجبة لا تدعه في السفر ولا في الحضر "
ثم قال (عليه السلام) في الكلام المتقدم نفله قريبا " وإنما سن الغسل يوم الجمعة
تتميما لما يلحق الطهور في سائر الأيام من النقصان ".
وأما ما ذكره شيخنا المشار إليه آنفا - من حمل أخبار الاستحباب على التقية لأنه
مذهب أكثر الجمهور - (1) ففيه أن الحمل على التقية فرع تعارض الأخبار صريحا
والأخبار هنا - كما عرفت مما حققناه في الأخبار التي هي مناط الاستدلال من الطرفين - متشابهة لما ذكره من معنى الوجوب والسنة وأنه لا يمكن الحمل على معنى مخصوص بل
الأخبار المذكورة قابلة للانطباق على كل من القولين، ولو كان الوجوب ظاهرا في
المعنى المصطلح والسنة ظاهرة في معنى الاستحباب لأمكن الحمل على التقية لظهور التقابل
بين المعنيين وعدم إمكان حمل أحدهما على الآخر لكن الأمر ليس كذلك لما عرفت،
فالواجب حينئذ - كما قدمنا ذكره - هو اغماض النظر عن هذه الأخبار وعدم الاستدلال
بها في البين والنظر في تحصيل دليل آخر، وقد عرفت بما ذكرناه من الوجوه المتقدمة
أن الظاهر هو الاستحباب، وحينئذ فيجب حمل تلك الأخبار المتشابهة عليه وكذا
حمل ما ورد بالأمر بالغسل. ويؤيده زيادة على ما قدمناه شهرة القول به بل ادعى الاجماع
عليه في الخلاف، وقد عرفت أن الخلاف في هذه المسألة غير واضح لما قدمنا ذكره.
وكيف كان فإنه وإن كان الظاهر هو الاستحباب إلا أن الاحتياط في الدين
والخروج من العهدة بيقين الموجب للدخول في زمرة المتقين يقتضي المحافظة على الاتيان
به وعدم التهاون به، لما في جملة من الأخبار من مزيد التأكيد فيه على وجه يكاد أن
يلحقه بالواجبات كما في جملة من السنن المؤكدة، فمنها - ما يدل على إعادة الصلاة في

1) كما في بدائع الصنائع ج 1 ص 269 والمغني ج 2 ص 345
224

الوقت بترك كما ورد في موثقة عمار (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتى صلى؟ قال: إن كان في وقت فعليه أن يغتسل
ويعيد الصلاة وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته " وروى الشيخ في الموثق عن سهل بن
اليسع (2) " أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يدع غسل الجمعة ناسيا
أو غير ذلك؟ قال إن كان ناسيا فقد تمت صلاته وإن كان متعمدا فالغسل أحب
إلي وإن هو فعل فليستغفر الله ولا يعد " وروى أبو بصير (3) " أنه سأل الصادق
(عليه السلام) عن الرجل يدع غسل يوم الجمعة ناسيا أو متعمدا؟ فقال إن كان ناسيا فقد
تمت صلاته وإن كان متعمدا فليستغفر الله تعالى ولا يعد " وظواهر هذه الأخبار - كما ترى -
دالة على أن تركه يوجب نقصا وخللا في الصلاة ولو في نقصان ثوابها ونقصا في الدين
والأمر بالاستغفار الذي لا يترتب إلا على الذنب، فالاحتياط في الدين يقتضي المحافظة
على الاتيان به، هذا مع ما فيه من مزيد الطهارة كما رواه في الكافي والتهذيب عن
الأصبغ (4) قال: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا أراد أن يوبخ الرجل يقول
والله لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة فإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى "
وروى الشيخ عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: " من اغتسل يوم الجمعة فقال:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله اللهم صل على محمد
وآل محمد واجعلني من المتطهرين، كان له طهرا من الجمعة إلى الجمعة ".
تنبيهات
(الأول) - قد صرح الأصحاب بأن وقت الغسل المذكور ما بين الفجر إلى الزوال
وأنه كلما قرب إلى الزوال كان أفضل، وعن الشيخ في الخلاف إلى أن يصلي الجمعة

1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الأغسال المسنونة
4) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب الأغسال المسنونة
5) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب الأغسال المسنونة
225

أقول: أما أن وقته من طلوع الفجر فيدل عليه أن الغسل وقع مضافا إلى اليوم ولا ريب
أن مبدأ اليوم هو طلوع الفجر شرعا ولغة وعرفا فلا يجزئ قبله، وما رواه في الكافي
عن زرارة والفضيل في الحسن (1) قالا: " قلنا له أيجزئ إذا اغتسلت بعد الفجر
للجمعة؟ فقال: نعم " ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز
ابن عبد الله عن الفضيل وزرارة عن الباقر (عليه السلام) مثله (2) وحينئذ فيندفع عنه
غشاوة الاضمار وإن كان الاضمار مثل هذين العمدتين غير ضائر لأنه من المعلوم أنهما وأمثالهما
لا يعتمدون على غير الإمام (عليه السلام) وفي الفقه الرضوي " ويجزيك إذا
اغتسلت بعد طلوع الفجر وكلما قرب من الزوال فهو أفضل " وفي رواية زرارة عن
أحدهما (عليهما السلام) (3) " إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة
والجمعة. الحديث " والظاهر أن الحكم اجماعي.
وأما أن آخر وقته الزوال فقال في المعتبر أن عليه اجماع الناس، وهو يؤذن بدعوى
الاتفاق عليه من الخاصة والعامة، ويدل عليه حسنة زرارة عن الباقر (عليه السلام) (4)
قال: " لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة، وقد تقدم إلى أن قال: وليكن فراغك
من الغسل قبل الزوال فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار. الحديث " وقد تقدم
في عبارة كتاب الفقه الرضوي " وأفضل أوقاته قبل الزوال " ويؤيده أيضا ما رواه
الشيخ عن محمد بن عبد الله عن الصادق (عليه السلام) (5) قال: " كانت الأنصار
تعمل في نواضحها وأموالها فإذا كان يوم الجمعة جاءوا فتأذى الناس بأرواح آباطهم
وأجسادهم فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالغسل يوم الجمعة فجرت بذلك

1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الأغسال المسنونة
4) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب الأغسال المسنونة
5) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
226

السنة " ورواه في الفقيه أيضا في باب غسل يوم الجمعة، ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ
عن سماعة بن مهران عن الصادق (عليه السلام) (1) " في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة
في أول النهار؟ قال يقضيه في آخر النهار فإن لم يجد فليقضه يوم السبت " والمتبادر من
القضاء هو فعل الشئ الموقت خارج وقته، واحتمال مجرد الفعل وإن أمكن إلا أن الظاهر
بعده إذ الظاهر أن لفظ القضاء في الموضعين بمعنى واحد، واللازم من هذا الاحتمال
جعل الأول بمعنى مجرد الفعل والثاني مع التخصيص بخارج الوقت ولا يخلو من منافرة،
وبهذا الخبر استدل في المعتبر على ذلك بعد عبارته المتقدمة وهو مبني على ما ذكرناه،
وبذلك يظهر أن ما ذكره بعض فضلاء متأخري المتأخرين - من أنه لولا الاجماع على
الحكم لأمكن القول بامتداده إلى الليل لاطلاق اليوم في الروايات وجواز حمل الأمر
في رواية زرارة على الأفضلية - بعيد عن ظاهر هذه الأخبار فإنها بضم بعضها إلى بعض
ظاهرة الدلالة على الامتداد إلى الزوال خاصة وبها تقيد أخبار اليوم التي ادعى اطلاقها،
نعم روى شيخنا المجلسي في البحار عن قرب الإسناد أنه روى فيه عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام) (2) قال: " كان أبي
يغتسل الجمعة عند الزواج، وهو ظاهر في اغتساله آخر النهار لأنه معنى الرواح لغة،
وقال شيخنا المشار إليه بعد نقل الخبر المذكور: " الرواح العشي أو من الزوال إلى الليل
ذكره الفيروزآبادي " ولم يتعرض للجواب عن الخبر المذكور بشئ وهو مشكل.
وأما ما نقل عن الشيخ من أن غايته صلاة الجمعة فاستحسنه في المدارك قال
: " وقال الشيخ في الخلاف يمتد إلى أن تصلى الجمعة. وهو حسن تمسكا بمقتضى الاطلاق،
والتفاتا إلى أن ذلك محصل للغرض المطلوب من الغسل، وحملا للأمر بايقاعه قبل الزوال
في الرواية السابقة على تأكد الاستحباب " انتهى.

1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
227

أقول: فيه (أولا) - أن مقتضى الاطلاق المذكور الامتداد إلى آخر النهار
لا إلى هذا الحد بخصوصه، وهو لا يقول به.
و (ثانيا) - أن هذا الاطلاق يجب تقييده بما ذكرناه من الأخبار ولا سيما
حسنة زرارة المذكورة الدالة صريحا على الأمر بايقاعه قبل الزوال، وتأويل الرواية
المذكورة سيما مع وجود المعاضد لها بما ذكره فرع وجود المعارض وليس إلا اطلاق تلك
الأخبار، وقضية حمل المطلق على المقيد توجب الوقوف على ظهر الحسنة المذكورة،
على أنك قد عرفت أن العمل بذلك الاطلاق لا قائل به، والقول به في هذه الصورة
المخصوصة تخصيص بلا مخصص.
و (ثالثا) - أن صريح الحسنة المشار إليها كون الغاية الزوال، وحينئذ فالقول
بأن غايته الصلاة إن أريد به وقتها فهو أول الزوال كما دلت عليه صحاح الأخبار
وصراحها فيجب أن يكون الغسل قبله، وإن أريد به وقوعها بالفعل فإنه يلزم على هذا
أنه لو لم تصل الجمعة لم يكن غسل، وهو مما لا يقول به أحد مع ظهور الأخبار في خلافه،
وبه يظهر أن الواجب حمل كلام الشيخ على ما يوافق المشهور بجعل صلاة الجمعة كناية
عن وقتها وهو الزوال.
وأما أنه كلما قرب من الزوال كان أفضل فقد اعترف جملة من أفاضل متأخري
المتأخرين بعدم الوقوف على مستنده، هو كذلك فإني لم أقف عليه إلا في كلامه
(عليه السلام) في كتاب الفقه كما أسلفنا نقله في عبارته، وهذا من جملة خصوصيات
الكتاب المذكور، والمتقدمون قد ذكروا هذا الحكم والظاهر أن المستند فيه هو الكتاب
المذكور ولكن خفي ذلك على المتأخرين لعدم وصول الكتاب إليهم، وبعبارة الكتاب
المتقدمة عبر الصدوق في الفقيه، والظاهر أن أباه في الرسالة كذلك أيضا وإن لم تحضرني
الآن عبارته. والله العالم.
(الثاني) المشهور بين الأصحاب أنه لو فاته الغسل قبل الزوال قضاه بعد
228

الزوال أو في يوم السبت عمدا كان أو نسيانا لعذر أو لا لعذر، وظاهر الصدوق في الفقيه
اشتراطه بالنسيان أو العذر قال: " ومن نسي الغسل أو فاته لعلة فليغتسل بعد العصر أو
يوم السبت " ويدل على ما ذكره مرسلة حريز عن بعض أصحابنا عن الباقر (عليه
السلام) (1) قال: " لا بد من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر فمن نسي فليعد من
الغد " ويدل على القول المشهور موثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) (2) " في الرجل
لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار؟ قال يقضيه في آخر النهار فإن لم يجد فليقضه يوم
السبت " وموثقة ابن بكير عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن رجل
فاته الغسل يوم الجمعة؟ قال يغتسل ما بينه وبين الليل فإن فاته اغتسل يوم السبت "
وفي الفقه الرضوي (4) " وإن نسيت الغسل ثم ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل
ثم قال (عليه السلام) بعد كلام في البين: وأفضل أوقاته قبل الزوال، إلى أن قال:
وإن فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة " وظاهره - كما
ترى - جواز القضاء في أيام الأسبوع، فإن المراد بالجمعة هنا الأسبوع كما وقع الاطلاق
بذلك في جملة من الأخبار، ولم أقف على من قال بذلك ولا على خبر غيره يدل عليه،
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور.
وأما ما رواه ذريح عن الصادق (عليه السلام) (5) " في الرجل هل يقضي
غسل الجمعة؟ قال لا " فإن الظاهر حمله على نفي الوجوب جمعا، قال في المدارك: بعد
ذكر موثقتي سماعة وابن بكير دليلا للقول المشهور: " ومقتضى الروايات استحباب
قضائه من وقت فوات الأداء إلى آخر السبت فلا وجه لاخلال المصنف بذلك. ويمكن
المناقشة في هذا الحكم بضعف مستنده وبأنه معارض بما رواه في التهذيب عن سعد بن
عبد الله عن محمد بن الحسين عن معاوية بن حكيم عن عبد الله بن المغيرة عن ذريح عن

1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة
3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة
4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة
5) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الأغسال المسنونة
229

أبي عبد الله (عليه السلام) ثم أورد الرواية المذكورة قال: ومقتضاه عدم مشروعية
القضاء وهو أوضح سندا من الخبرين السابقين إلا أن عمل الأصحاب عليهما " انتهى.
أقول: أما ما ذكره من أن مقتضى الروايات استحباب قضائه من وقت فوات الأداء
إلى آخر السبت فإنه يعطي بظاهره أن الأخبار دلت على القضاء ليلة السبت أيضا مع أنه ليس كذلك، فإن المستفاد من صريحها تخصيص القضاء بما بعد الزوال إلى آخر النهار
ويوم السبت، وحينئذ فما يشعر به كلامه من ادعاء القضاء ليلة السبت محل نظر، وقد
صرح بذلك جملة من الأصحاب فاعترفوا بعد وجود النص على القضاء فيها، قال
شيخنا المجلسي في البحار: " وظاهر الأكثر استحباب القضاء ليلة السبت أيضا والأخبار
خالية عنه وإن أمكن أن يراد بيوم السبت ما يشتمل الليل لكن لا يمكن الاستدلال به،
والأولوية ممنوعة لاحتمال اشتراط المماثلة " انتهى وإلى ذلك أشار أيضا في الذخيرة
فقال: " وهل يلحق بما ذكر ليلة السبت؟ قيل نعم وهو خروج عن النصوص " وأما
ما ذكره من قوله: " ويمكن المناقشة. الخ " ففيه أيضا أن الظاهر أن هذا من جملة
المناقشات الواهية (أما أولا) - فلأن معاوية بن حكيم الذي في سند هذا الخبر وإن
وثقه النجاشي إلا أن الكشي قد صرح بكونه فطحيا في موضعين أحدهما في ترجمته
وثانيهما في ترجمة محمد بن الوليد عده مع جماعة من الفطحية وإن وصفهم بالعدالة فحديثه
لا يخرج عن الموثق الذي لا يزال يعده في الضعيف، وترجيحه على عبد الله بن بكير
والحسن بن علي بن فضال الذين قد ورد في حقهما من المدح ما هو مذكور في محله مما
لا يخفى ما فيه، وفي سند هذا الخبر أيضا ذريح المحاربي وهو ليس بموثق والأخبار
متعارضة في مدحه وذمه كما لا يخفى على من لاحظ كتب الرجال وإن كان لمدحه نوع
رجحان، وبالجملة فإن ترجيحها على ما ذكره من الأخبار فضلا عما نقلناه ممنوع أتم المنع.
و (ثانيا) - أن كافة الأصحاب من أصحاب هذا الاصطلاح وغيرهم قد أعرضوا عن
هذه الرواية كما اعترف به وهو أظهر ظاهر في سقوطها وإن سلمنا صحة سندها واعتباره
230

كما ادعاه، وهو دليل على ضعف اصطلاحه الذي لا يزال يحامي دونه. وبالجملة فالأظهر
كما عرفت هو حمل الخبر المذكور على ما قدمنا ذكره، وربما حمل على عدم العذر بناء على
ما ذكره الصدوق من تخصيص القضاء بصورة النسيان والعذر فمع عدمهما لا قضاء. وهو
جيد لو ثبت ما ادعاه وإلا فالحمل عليه بعيد. والله العالم.
(الثالث) - لا خلاف بين الأصحاب في جواز تعجيله يوم الخميس لمن خاف
عوز الماء يوم الجمعة، والأصل فيه ما رواه الشيخ عن محمد بن الحسين عن بعض أصحابه
عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " قال لأصحابه إنكم تأتون غدا منزلا ليس فيه ماء
فاغتسلوا اليوم لغد، فاغتسلنا يوم الخميس للجمعة " وما رواه أيضا عن الحسين بن موسى
بن جعفر عن أمه وأم أحمد بن موسى بن جعفر (عليه السلام) (2) قالتا: " كنا مع
أبي الحسن (عليه السلام) بالبداية ونحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس: اغتسلا اليوم لغد
يوم الجمعة فإن الماء غدا بها قليل، فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة " وقد تقدم في عبارة
كتاب الفقه " وإن كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة اغتسلت يوم
الخميس. الحديث " وجوز الشيخ وجماعة: منهم - الشهيد الثاني التقديم مع خوف
الفوات مطلقا ومورد الخبرين التقديم لخوف اعواز الماء خاصة لا التعذر مطلقا، قال في
المدارك: " والظاهر أن ليلة الجمعة كيوم الخميس فلا يجوز تقديمه فيها إلا إذا خاف عوز
الماء وبه قطع في الخلاف مدعيا الاجماع " أقول: وهذا من قبيل ما تقدم له من
قوله بالقضاء ليلة السبت مع عدم الدليل عليه بل ظهور الدليل في عدمه، وليت شعري
من أين حصلت له هذه الظاهرية مع اختصاص موارد النصوص بيوم الخميس والتعدي
عنه يحتاج إلى دليل؟ ولو تمكن من قدمه يوم الخميس من الماء يوم الجمعة فقد صرح جملة
من الأصحاب: منهم - الصدوق باستحباب الإعادة، ولم أقف فيه على نص ولعل المستند
فيه عموم الأدلة، ويمكن أن يقال إن جواز التقديم على خلاف الأصل فيقتصر فيه على

1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة
231

مورده من عدم الماء ومع وجود الماء يرجع إلى أصل الحكم في المسألة وعموم الأدلة
الدالة على استحباب الغسل يوم الجمعة أو وجوبه.
فائدة
قال الصدوق في الفقيه: " ويجزئ الغسل للجمعة كما يكون للزواج والوضوء فيه قبل
الغسل " أقول: قد اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الكلمة أعني قوله " للزواج "
ففي بعضها بالزاي المعجمة والجيم ويؤيده ما حكاه الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني قال:
قال بعض الأعلام سمعت الشيخ العالم الصالح الشيخ علي بن سليمان البحراني أنه كانت عند
شيخنا العلامة البهائي نسخة قديمة مصححة وفيها " للزواج " بالزاي والجيم وهو الذي
ضبطه الفاضل المحدث الكاشاني في المحجة البيضاء، ويؤيد ذلك أيضا ما ذكره المحقق
العماد مير محمد باقر الداماد في تعليقاته على الكتاب، قال: الصواب ضبط هذه اللفظة
بالزاي قبل الواو والجيم بعد الألف وهو الذي سمعناه من الشيوخ ورأيناه في
النسخ. انتهى. وظاهر هذا الكلام انكار ما عدا هذه النسخة. وفي بعض النسخ بالراء
والحاء المهملتين، وارتضاه بعض المحققين وقال إن هذه هي النسخة المعتبرة، قال لأن
الرواح على ما في القاموس من الزوال إلى الليل أو إلى العشي، فمراده حينئذ أن الغسل
يجزئ للجمعة من طلوع الفجر كما يجزئ من الزوال. قيل وفيه رد على مالك حيث
ذهب إلى أنه لا يعتد بالغسل إلا أن يتصل بالرواح إلى صلاة الجمعة مستدلا بقول النبي
(صلى الله عليه وآله) " من جاء بالجمعة فليغتسل (1) " ولا يخفى أنه ليس فيه دلالة على
اتصال الغسل بصلاة الجمعة. قيل وحينئذ فاللام بناء على هذه النسخة لام التوقيت

1) كما في المدونة لمالك ج 1 ص 136 وفتح الباري لابن حجر ج 2 ص 243.
وروى الحديث صاحب الوسائل في الباب 6 من الأغسال المسنونة والبخاري باب فضل
الغسل يوم الجمعة والنسائي ج 1 ص 204 ومسلم ج 1 ص 3131 وابن ماجة ج 1 ص 338
والترمذي في السنن على شرحه لابن العربي ج 2 ص 278 على اختلاف بسيط في لفظ الحديث
232

والمقارنة كما يقال كتبته لخمس خلون لا لام العاقبة كما ظن. وكيف كان فإنه لا يخفى ما في
توجيه هذه النسخة من البعد بل السخافة وركاكة النظم والأسلوب، وأما على تقدير النسخة
الأولى فقيل إن المعنى أن غسل الجمعة يجزئ عن غسل الجنابة وهو الذي جزم به المحدث
الكاشاني في المحجة البيضاء حيث قال: أما قوله: " ويجزئ الغسل للجمعة كما يكون للزواج
" فمعناه أنه يجزئ لهما غسل واحد، وهذا حق فإن الصحيح تداخل بعضها بعضا إذا اجتمعت
أسبابها كالوضوء، ويدل على ذلك الروايات الصحيحة عن أهل البيت (عليهم السلام) انتهى
وقيل إن المعنى أن الغسل من الجنابة كما يكون للجنابة على قصد رفع الحدث ونية الوجوب
أو مطلقا يكون بعينه مجزئا عن الغسل للجمعة ومسقطا للجنابة على أسبغ الوجوه، لما
روي صحيحا عن الصادق (عليه السلام) (1) أنه قال: " إذا اجتمعت لله عليك
حقوق أجزأك عنها غسل واحد " ولا ينعكس أي لا يكون الغسل للجمعة بما هو غسل
للجمعة مجزئا عن الغسل للجنابة ومسقطا للتكليف به على قصد نية الوجوب وقصد رفع
الحدث أو استباحة العبادة المشروطة به. وإلى هذا ذهب بعض المحققين في تعليقاته على
الكتاب. ولا يخفى بعده. أقول: هذا كله بناء على قطع جملة قوله: " والوضوء فيه
قبل الغسل " عن هذا الكلام وجعلها جملة مستأنفة في بيان وجوب الوضوء مع غسل
الجمعة كما هو المشهور من وجوب الوضوء في جميع الأغسال ما عدا غسل الجنابة، وأما
مع ارتباط هذه الجملة بهذا الكلام كما فهمه المحقق خليفة سلطان في حواشيه على الكتاب
فالوجه فيه ما ذكره (قدس سره) حيث قال: كذا في أكثر النسخ والظاهر أن المراد أنه
يجزئ الغسل للجمعة بكيفية غسل الجنابة فالمراد بالزواج الجنابة والغرض من التشبيه بيان
كيفية غسل الجمعة وأعماله بأنه مثل الجنابة إلا أن فيه الوضوء قبل الغسل. وقيل إن المراد أنه
يجزئ نية غسل الجنابة عن غسل الجمعة ويترتب أثره عليه. وفي بعض النسخ بالراء المهملة والحاء
والمراد منه ما بعد الزوال مقابل الصباح، وغاية توجيهه أن يكون المراد أنه يجزئ الغسل في يوم

1) رواه في الوسائل في الباب 43 من أبواب الجنابة
233

السبت للجمعة كما يكون في رواح يوم الجمعة للجمعة. انتهى. أقول: وأقرب هذه
الوجوه المذكورة عندي ما ذكره هذا المحقق من أن الغرض من هذا الكلام بيان كيفية
غسل الجمعة وأنه مثل غسل الجنابة إلا أن فيه الوضوء قبل الغسل، وما عداه من الوجوه
فإنه يحتاج إلى مزيد تكلف وإن كان بعضها أقل من بعض. هذا، وقد روى الحميري
في قرب الإسناد عن أحمد بن محمد عن البزنطي عن الرضا (عليه السلام) (1) قال:
" كان أبي يغتسل يوم الجمعة عند الرواح " وفي القاموس " الرواح العشي أو من الزوال
إلى الليل " ولعل المراد من الخبر المذكور إنما هو الرواح إلى صلاة الجمعة ولعله يكون
قبيل الزوال فيكون فيه دلالة على ما تقدم من أن أفضله ما قرب من الزوال. والله العالم
ختام يحصل به الاكمال لأبحاث هذا المطلب والاتمام، وفيه مسائل:
(الأولى) - المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء في جميع هذه الأغسال ما عدا
غسل الجنابة متى ما أراد الدخول في مشروط بالطهارة كالصلاة ونحوها، وقد تقدم البحث
في هذه المسألة مستوفى في المقصد الخامس من مقاصد فصل غسل الجنابة (2)
(الثانية) - اختلف الأصحاب في التداخل وعدمه بين هذه الأغسال وقد
تقدم تحقيق القول في هذه المسألة مستوفى في بحث نية الوضوء. (3)
(الثالثة " - قد قسم الأصحاب ما ذكروه من الأغسال في هذا المقام إلى
ما يكون للزمان وما يكون للفعل وما يكون للمكان إلا أنهم لم يستوفوا الأغسال التي
ذكرناها، والذي يكون للزمان مما ذكرناه أغسال شهر رمضان وهي أربعة عشر غسلا
وغسل يوم الجمعة وغسل ليلة الفطر وغسل يومه وغسل عيد الأضحى وغسل ليلة النصف
من شعبان ويوم النيروز ويوم الغدير ويوم المباهلة بناء على القول المشهور وثلاثة أغسال
في رجب كما تقدم وغسل يوم عرفة ويوم التروية، فهذه سبعة وعشرون غسلا الزمان،

1) رواه في الوسائل في الباب 6 و 11 من أبواب الأغسال المسنونة
2) ج 2 ص 118
3) ج 2 ص 196
234

وقد تقدم في غسل العيدين أن ظاهر موثقة عمار الساباطي أن الغسل إنما هو للصلاة،
فعلى هذا يكون هذا الغسل من الأغسال للفعل. وأما الغسل للفعل فغسل الاحرام
وغسل الزيارة بجميع أنواع الزيارات التي روي فيها الغسل من زيارة النبي (صلى الله
عليه وآله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) وغسل قضاء صلاة الكسوف وغسل التوبة
وغسل صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة وغسل السعي إلى رؤية المصلوب وغسل قتل
الوزغ وغسل أخذ التربة وغسل المولود وغسل الاستسقاء، فهذه أحد عشر غسلا للفعل. وأما
الغسل للمكان فالغسل لدخول الحرم والغسل لدخول مكة ولدخول المسجد ولدخول
البيت ودخول المدينة ودخول المسجد النبي (صلى الله عليه وآله) فهذه ستة أغسال
للمكان يكون مجموع هذه الأغسال أربعة وأربعين غسلا. وزاد في الدروس الغسل
يوم دحو الأرض، وقال في الذكرى: وذكر الأصحاب لدحو الأرض الخامس
والعشرين من ذي القعدة. انتهى. وهو مؤذن بعدم النص عليه، قال الفاضل
الخوانساري في شرح الدروس بعد نقل ذلك عن الذكرى " ولا بأس به " أقول:
بل البأس أظهر ظاهر فإنها عبادة تتوقف مشروعيتها على دليل من الشارع إلا أن يجعل
مجرد ذكر الأصحاب دليلا شرعيا، ولا أراه يلتزمه. وذكر أيضا يوم المبعث وهو اليوم
السابع والعشرون من رجب وذكره غيره أيضا، وقد اعترف جملة من الأصحاب بعدم
الوقوف فيه على نص، وقال في الذكرى: وليلة نصف رجب والمبعث مشهوران ولم يصل
إلينا نص فيهما. وقال في المعتبر بعد نقله عنهم الغسل ليلة النصف من رجب ويوم المبعث:
وربما كان لشرف الوقتين والغسل مستحب مطلقا فلا بأس بالمتابعة فيه. انتهى. وفيه إنا لم
نقف على ما ادعاه من استحباب الغسل مطلقا ليتم له التقريب في هذا المقام وأمثاله، نعم
ذلك في الوضوء خاصة، والذي وصل إلينا من الأغسال في رجب ما قدمناه وإن ضعف
سنده باصطلاحهم وليلة النصف من جملته. وذلك في الدروس يوم مولد النبي (صلى الله
عليه وآله) والأمر فيه كما في هذه المذكورات من عدم الوقوف على مستنده. وذكر
235

أيضا الطواف ورمي الجمار، والأمر فيه كذلك فإني لم أقف له على مستند إلا أنه قد
ورد في رواية علي بن حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) (1) قال: " قال لي إن
اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك " وربما أشعر بكون الغسل للطواف
إلا أنه يمكن حمله على طواف الزيارة فإنه بالدخول للطواف تحصل زيارة البيت، وقد
ورد استحباب الغسل لزيارة البيت كما تقدم والغسل لدخول المسجد، والظاهر أن غسل
دخول المسجد هو غسل زيارة البيت، وأما غسل دخول البيت فهو زائد عليهما. وقال
ابن الجنيد يستحب لكل مشهد أو مكان شريف أو يوم وليلة شريفة وعند ظهور
الآثار في السماء وعند كل فعل يتقرب فيه إلى الله تعالى ويلجأ فيه إليه. وقال المفيد في
الغرية يستحب الغسل لرمي الجمار، والعلامة للإفاقة من الجنون لما قيل إنه يمني، قال في
الذكرى بعد نقل ذلك عنه: والحكم لا نعرفه والتعليل لا نثبته، نعم روى العامة (2)
" أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يغمى عليه في مرض موته فيغتسل " فيكون الجنون
بطريق أولى، وظاهر ضعف هذا التمسك، ولو صح الأول كان غسلا وينوي به رفع الجنابة
وخصوصا عنده لاشتراطه في نية الطهارة كما ينوي في غسل واجدي المني على الفراش
المشترك. انتهى. وذهب في التهذيب إلى استحباب الغسل لمن مس ميتا بعد الغسل لخبر
عمار عن الصادق (عليه السلام) (3) واستحب فيه الغسل لمن مات جنبا مقدما
على غسل الميت لخبر العيص عن الصادق (عليه السلام) (4) واستحبه ابن زهرة لصلاة
الشكر، والمفيد في الاشراف لمن أهرق عليه ماء غالب النجاسة، والشيخ الحر في الوسائل

1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب مقدمات الطواف
2) رواه ابن تيمية في منتقى الأخبار على هامش نيل الأوطار ج 1 ص 212
3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب غسل الميت
4) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب غسل الميت
236

لطيب المرأة لغير زوجها مستندا إلى ما رواه الكليني عن سعد بن عمر الجلاب (1) قال:
" قال أبو عبد الله (عليه السلام) أيما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق لم تقبل
منها صلاة حتى يرضى عنها، وأيما امرأة تطيبت لغير زوجها لم يقبل الله منها صلاة حتى
تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها " أقول: الظاهر أن المراد بالاغتسال في الخبر إنما
هو غسل الطيب وإزالته عن بدنها بأن تبالغ فيه كما تبالغ في غسلها من جنابتها بايصال الماء
إلى جميع بدنها وشعرها. والله العالم.
(الرابعة) - قال في الذكرى: وروى بكير بن أعين عنه (عليه السلام)
قضاء غسل ليالي الأفراد بعد الفجر لمن فاته ليلا. وقال في الدروس ويقضي غسل ليالي
الأفراد الثلاث بعد الفجر لرواية بكير عن الصادق (عليه السلام). والظاهر أنه أشار
بالرواية المذكورة إلى ما رواه الشيخ في التهذيب عنه (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) في أي الليالي أغتسل في شهر رمضان؟ قال في تسع عشرة وفي إحدى وعشرين
وفي ثلاث وعشرين، والغسل في أول الليل. قلت فإن نام بعد الغسل؟ قال هو مثل
غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك " وأنت خبير بأن هذا الخبر لا دلالة فيه على
ما ذكره بوجه فإن معناه الظاهر لكل ناظر إنما هو أن الغسل من أول الليل يجزئ إلى
آخره وإن نام بعده كما أن غسل الجمعة مجزئ متى اغتسل بعد الفجر وإن نام أو أحدث
بعد ذلك، ولم نقف على رواية في الباب غير هذه، فما ذكره من دعوى قضاء غسل
هذه الليالي لا أعرف له وجها، على أنما قدمنا نقله من الرواية التي أشار إليه (عليه
السلام) في كتاب الفقه ظاهرة في عدم القضاء، حيث قال: " وروي أن الغسل أربعة
عشر وجها، إلى أن قال: واحد عشر سنة، ثم عدها وعد منها ليلة تسع عشرة
وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين، ثم قال: ومت ما نسي بعضها أو

1) رواه في الوسائل في الباب 80 من أبواب مقدمات النكاح
2) رواه في الوسائل في الباب 1 و 11 من أبواب من أبواب الأغسال المسنونة
3) ص 4
237

اضطر أو به علة تمنعه من الغسل فلا إعادة عليه " وروى في قرب الإسناد الخبر المذكور
عن محمد بن الوليد عن ابن بكير (1): " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغسل
في شهر رمضان، إلى أن قال والغسل أول الليل. قلت فإن نام بعد الغسل؟ قال فقال
أليس هو مثل غسل يوم الجمعة إذا اغتسلت بعد الفجر كفاك. " وهو ظاهر في المعنى
الذي ذكرناه.
(الخامسة) - قال في الذكرى: كل غسل لزمان فهو طرفه ولمكان أو فعل
فقبله إلا غسل التوبة والمصلوب، وفي التقديم لخائف الاعواز والقضاء لمن فاته نظر،
ولعلهما أقرب، وقد نبه عليه في غسل الاحرام وفي رواية بكير السالفة، وذكر المفيد
قضاء غسل عرفة. انتهى. أقول: أما ما ذكره من أن الغسل الزماني ظرفه ذلك الزمان
فلا اشكال فيه، وعلى هذا فمتى أتى به فيه فقد خلت العهدة من الخطاب باستحبابه
وإن أحدث أو نام بعده، وقد تقدم في رواية بكير ما يدل على ذلك بالتقريب
الذي أشرنا إليه، ومثلها أيضا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2 أنه قال: " الغسل في ثلاث ليال من شهر رمضان: في تسع عشرة وإحدى وعشرين
وثلاث وعشرين، وقال والغسل في أول الليل وهو يجزئ إلى آخره " وهو في معنى رواية
بكير المتقدمة بالنسبة إلى الليالي الثلاث المذكورة، وحاصلها أنه متى اغتسل في أول
الليل فإنه مجزئ في أداء سنة الغسل في هذه الليلة إلى آخرها وإن نام أو أحدث بعد
ذلك. وأما ما ذكره من أن الغسل للمكان والفعل قبله إلا ما استثناه فهو جيد أيضا،
لأن المقصود من الغسل هو الاتيان بالأفعال المذكورة أو دخول تلك الأمكنة الراجع
إلى الأفعال في الحقيقة بطهارة الغسل وأن يكون متطهرا لمزيد احترامها وفضلها،
ومقتضاه حينئذ أنه لو أحدث أو نام بعد الغسل وقبل تلك الغاية فإنه يستحب له الإعادة

1) رواه في الوسائل في الباب 1 و 11 من أبواب الأغسال المسنونة
2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب الأغسال المسنونة
238

وبذلك صرح شيخنا المشار إليه في الذكرى أيضا فقال: الأقرب إعادة غسل الفعل
بتخلل الحدث، وقد ذكر في دخول مكة وفي النوم في الاحرام، ولو أحدث في الأثناء
فالإعادة أولى. انتهى. وأما ما أشار به إلى ما ورد في دخول مكة فالظاهر أنه ما رواه
عبد الرحمان بن الحجاج في الصحيح (1) قال: " سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن
الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل أن يدخل أيجزيه ذلك أو يعيد؟ قال
لا يجزيه لأنه إنما دخل بوضوء " ونحوها غيرها مما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحج
ونحو ذلك ما ورد في غسل الاحرام وانتفاضة بالنوم كما أشار إليه من صحيحة النضر بن
سويد عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل يغتسل للاحرام ثم
ينام قبل أن يحرم؟ قال عليه إعادة الغسل " وأما ما روي في جملة من الأخبار من أن
من اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل (3) وكذا
ما ورد من أن غسل يومه يجزيه لليلته وغسل ليلته يجزيه ليومه (4) فالظاهر تقييده
بعدم تخلل الحدث لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) (5)
قال: " سألته عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد؟ قال يجزيه أن
لم يحدث فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله " وروى في الكافي عن إسحاق بن
عمار في الموثق عن أبي الحسن (عليه السلام) مثله (6) إلا أنه قال: " يغتسل الرجل
بالليل ويزور بالليل إلى أن قال في آخر الخبر: فليعد غسله بالليل " وبما ذكرناه من إعادة
الغسل بتخلل الحدث مطلقا صرح الشهيدان إلا أنهما جعلا ما عدا النوم ملحقا به مع
دلالة روايتي إسحاق بن عمار على مطلق الحدث كما ترى، والمشهور في كلام الأصحاب
الاكتفاء بالغسل الأول وإن أحدث بعده، وسيأتي في كتاب الحج إن شاء الله تعالى

1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب مقدمات الطواف
2) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الاحرام
3) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الاحرام
4) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الاحرام
5) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب زيارة البيت
6) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب زيارة البيت
239

ما يفي بتحقيق المقام. وأما ما استثناه في الكلام المتقدم بالنسبة إلى تقديم الغسل من
غسل التوبة والمصلوب فالظاهر أن الوجه فيه هو أن ما عدا موضع الاستثناء قد جعل في
الأخبار غاية للغسل بمعنى أنه يستحب أن يوقعه عن غسل فهو يقتضي تقديم الغسل البتة،
ولهذا تستحب الإعادة لو أحدث قبل ايقاعه كما تقدم، وأما موضع الاستثناء فالظاهر
منها أنه سبب في الغسل وقضية السببية تأخير الغسل عنه، إلا أنه يدخل في ذلك أيضا
قتل الوزغ فإنه سبب في استحباب الغسل فكان الواجب ذكره.
بقي هنا شئ وهو أن استثناء غسل التوبة من الضابطة المذكورة مبني على كون
التوبة سببا في الغسل لوجوب الفورية فيها، ومن المحتمل قريبا أن الغسل إنما هو لصلاة
التوبة كما هو ظاهر الخبر المتقدم، وعلى هذا فيكون الغسل متقدما وداخلا في الضابطة
المذكورة، ويأتي مثله أيضا في غسل الكسوف فإنه يحتمل أن يكون لقضاء صلاة
الكسوف فيدخل في الضابطة المذكورة، ويحتمل أن يكون لتركه الصلاة وهو الأقرب
إلى ظاهر النص، وعلى هذا فيحتاج إلى الاستثناء كهذه المستثنيات، ومقتضى ذلك
أما ذكره مع غسل التوبة في الاستثناء أو عدم استثناء غسل التوبة من الضابطة، فإن
الحال في المقامين واحد كما شرحناه. وأما ما قربه من التقديم لخائف الاعواز والقضاء
لمن فاته فالظاهر بعده لأن الغسل عبادة شرعية يتوقف فعله على ما رسمه صاحب الشريعة
من الزمان والمكان ونحوهما من الخصوصيات ووروده في موضع لا يستلزم اطراده، والذي
ورد في الأخبار قضاء غسل الجمعة وجواز تقديمه لخوف الاعواز وغسل الاحرام، وما
عداهما فلم نقف له على مستند، وما أشار إليه من خبر بكير بالنسبة إلى قضاء غسل
فرادى شهر رمضان الثلاث فقد عرفت ما فيه. والله العالم.
الباب الرابع في التيمم
ولنبدأ هنا بتحقيق قد سبق لنا في معنى الآية الشريفة التي هي الأصل في فرض
240

التيمم أعني قوله عز وجل: " إن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من
الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم
منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم
تشكرون (1) " أقول: صدر هذه الآية هكذا: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الصلاة
فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن
كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى. إلى آخر ما تقدم " ولما قدم سبحانه بيان حكم
واجد الماء في الطهارتين من الحدث الأصغر والأكبر عطف عليه بيان حكم من لم
يجد ماء أو لم يتمكن من استعماله بالنسبة إليهما أيضا فقال: " وإن كنتم مرضى " - أي
مرضا يضر معه استعمال الماء أو يوجب العجز عن السعي إليه، قال في مجمع البيان: وهو
المروي عن السيدين الباقر والصادق (عليهما السلام) وقيل إنه لا حاجة إلى التقييد لأن
قوله تعالى: " فلم تجدوا ماء " متعلق بالجمل الأربع وهو يشمل عدم التمكن من استعماله
لأن الممنوع منه كالمفقود - " أو على سفر " أي متلبسين به إذ الغالب فقدان الماء في
أكثر الصحارى - " أو جاء أحد منكم من الغائط " وهو كناية عن الحدث إذ الغائط لغة
المكان المنخفض من الأرض وكانوا يقصدونه لقضاء الحاجة لتغيب فيه أشخاصهم عن
أعين الناظرين كما هو السنة في ذلك فكنى سبحانه عن الحدث بالمجئ من مكانه، قيل
و " أو " هنا بمعنى الواو كقوله تعالى: " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " (2)
والمراد أو كنتم مسافرين وجاء أحد منكم من الغائط، وبه يحصل الجواب عن الاشكال
المشهور الذي أورد على ظاهر الآية وهو أنه سبحانه جمع بين هذه الأشياء في الشرط
المترتب عليه جزاء واحد هو الأمر بالتيمم مع أن المجئ من الغائط ليس من قبيل
المرض والسفر حتى يصح عطفه عليهما بأو المقتضية لاستقلال كل منهما في ترتب الجزاء
عليه، فإن كلا من المرض والسفر سبب لإباحة التيمم والرخصة فيه والمجئ من الغائط

1) سورة المائدة. الآية 6
2) سورة الصافات. الآية 147
241

وما عطف عليه سبب لوجوب الطهارة، ومتى لم يجتمع أحد الآخرين مع واحد من الأولين
لم يترتب الجزاء وهو وجوب التيمم. وأجيب عن هذا الاشكال بوجوه أخر في تفسيري
البيضاوي والكشاف - " أو لا مسم النساء " والمراد جماعهن كما ورد في الأخبار ففي
الكافي والعياشي عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " هو الجماع ولكن الله ستير
يحب الستر ولم يسم كما يسمون " وعن الباقر (عليه السلام) (2) ".. وما يعني بهذا " أو
لامستم النساء " إلا المواقعة في الفرج " ونظير هذه الآية قوله تعالى: " وإن طلقتموهن
من قبل أن تمسوهن " (3) والمس واللمس بمعنى واحد كما صرح به أهل اللغة، فلا يلتفت
إلى تفسير جملة من المخالفين بمطلق المس لغير محرم كما هو منقول عن الشافعي، وقيل إنه
مذهب عمر، وخصه مالك بما كان عن شهوة (4) - " فلم تجدوا ماء " راجع إلى المرضى
والمسافرين جميعا: مسافر لا يجد الماء ومريض لا يجد من يوضئه أو يخاف الضرر من استعماله
لأن وجدانه مع عدم التمكن من استعماله لخوف الضرر في حكم العدم، ولو كان المراد
من وجدانه ما أعم من ذلك بحيث يصدق على من يتضرر به أنه واجد للماء للزم
مثله في من وجد الماء في بئر يتعذر وصوله إليه أو يباع ولكن لا يقدر على شرائه أنه
واجد للماء مع أنه ليس كذلك اجماعا، فالمراد بوجدانه في الحقيقة ما هو عبارة عن
إمكان استعماله، والوجه في هذا الاطلاق أن حال المرض يغلب فيها خوف الضرر من
استعمال الماء وحال السفر يغلب فيها عدم وجدان الماء، وقيل إن المراد من الآية - كما هو
ظاهرها الذي لا يحتاج إلى ارتكاب تجوز ولا تأويل - إنما هو كون المكلف غير واجد
للماء بأن يكون في موضع لا ماء فيه، فيكون ترخيص من وجد الماء ولم يتمكن من استعماله في

1) رواه في عنهما المحدث الكاشاني في الصافي في التفسير آي التيمم 43 في سورة النساء
2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء
3) سورة البقرة. الآية 238
4) كما في المغني ج 1 ص 192 و ص 193 و ص 194
242

التيمم لمرض ونحوه مستفادا من السنة المطهرة، ويكون المرضى ونحوهم غير داخلين في
خطاب " فلم تجدوا " لأنهم يتيممون وإن وجدوا الماء، والظاهر أنها الأقرب كما لا يخفى.
بقي الكلام في أنه لو وجد الماء إلا أنه لا يكفي الطهارة الواجبة غسلا كانت أو وضوء،
والمفهوم من كلام جمهور أصحابنا (رضوان الله عليهم) هو وجوب التيمم لأن الطهارة
لا تتبعض، قالوا فإن الظاهر من الآية عدم وجدان الماء الذي يكفي لكمال الطهارة،
وأيدوا ذلك بقوله عز وجل في كفارة اليمين " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام " (1) أي
من لم يجد اطعام عشرة مساكين ففرضه الصيام، وقد اتفقوا على أنه لو وجد اطعام أقل
من عشرة لم يجب عليه ذلك وانتقل فرضه إلى الصوم. وعن بعض العامة القول
بالتبعيض (2) ونقله شيخنا الشهيد الثاني عن الشيخ في بعض أقواله، وعن شيخنا البهائي
أنه قال وللبحث فيه مجال. وأنت خبير بأن الآية في هذا المقام لا تخلو من الاجمال
الموجب لتعدد الاحتمال إلا أن المفهوم من الأخبار الواردة في الجنب يكون معه من الماء
بقدر ما يتوضأ به وأنه يتيمم مما يؤيد القول المشهور، إذ لو كان التبعيض واجبا لأمروا
به (عليهم السلام) - " فتيمموا " أي اقصدوا وتحروا وتعمدوا، والتيمم لغة القصد
ومنه قوله تعالى: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " (3) أي لا تقصدوا الردي من المال
تنفقون منه، وشرعا قصد الصعيد لمسح الوجه واليدين على الكيفية الواردة في النصوص
قال في المدارك: والطهارة الترابية التيمم وهو لغة القصد قال عز وجل " فتيمموا صعيدا
طيبا " أي اقصدوا، ونقل في الشرع إلى الضرب على الأرض والمسح بالوجه واليدين
على وجه القربة، وهو ثابت بالكتاب والسنة والاجماع قال الله تعالى: " وإن كنتم

1) سورة المائدة. الآية 89
2) حكاه في المغني ج 1 ص 237 عن أحمد وعبده بن أبي لبابة ومعمر وعطاه
والشافعي في أحد قوليه وفي ص 258 حكاه عن الشافعي
3) سورة البقرة. الآية 267
243

مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء. الآية " انتهى.
أقول: لا يخفى أن الآية الأولى التي استدل بها على المعنى اللغوي هي عين الآية الثانية التي
استدل بها على المعنى الشرعي إلا أن إحداهما في سورة النساء والأخرى في سورة المائدة
وصورتهما معا هكذا: وإن كنتم مرضى إلى قوله وأيديكم ففي إحداهما بعد ذلك " إن
الله كان عفوا غفورا " وفي الأخرى التي ذكرناها هنا " منه ما يريد الله. إلى آخرها "
ولا ريب أن لفظ التيمم في الآيتين إنما أريد به المعنى الشرعي لا اللغوي وحمله إحداهما
على المعنى اللغوي والأخرى على الشرعي لا أعرف له وجها مع أن تتمة الآية في الموضعين
أعني قوله عز وجل فيهما معا " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم " ينادي على صحة ما ذكرنا
وحينئذ فالمراد في الآيتين معا اقصدوا صعيدا لمسح الوجه واليدين، فالمعنى اللغوي
للتيمم هو القصد مطلقا والشرعي هو القصد للصعيد لاستعماله في مسح الوجه واليدين على
الكيفية المخصوصة وظاهر كلامه في المدارك أن المعنى الشرعي إنما هو الضرب على الأرض
ومسح الوجه واليدين على الوجه المعلوم شرعا، والأظهر ما قلناه وهو الذي صرح به
أمين الاسلام الطبرسي في مجمع البيان، وعلى ما ذكرنا فالتيمم في الآيتين إنما أريد به
المعنى الشرعي لا اللغوي كما ذكره. وأما الصعيد فقد اختلف كلام أهل اللغة فيه،
فبعضهم كالجوهري قال هو التراب ووافقه ابن فارس في المجمل، ونقل ابن دريد في
الجمهرة عن أبي عبيدة أنه التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل، وعلى هذه
الأقوال اعتماد المرتضى حيث خص التيمم بالتراب الخالص بناء على تفسير الصعيد به
في كلام هؤلاء، إلا أن المفهوم من كلام الأكثر لا يساعد عليه، فنقل في مجمع البيان
عن الزجاج أنه قال: لا أعلم خلافا بين أهل اللغة في أن الصعيد وجه الأرض. ثم قال:
وهذا يوافق مذهب أصحابنا في أن التيمم يجوز بالحجر سواء كان عليه تراب أو لم يكن.
وقال في المصباح المنير: الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره، ثم قال ويقال الصعيد
في كلام العرب يطلق على وجوه: على التراب الذي على وجه الأرض وعلى وجه
244

الأرض وعلى الطريق. وفيه - كما ترى - دلالة على أن الأصل هو المعنى الأول، وفي
الأساس وعليك بالصعيد أي اجلس على الأرض وصعيد الأرض وجهها. وقال المطرزي
في المغرب الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو غيره. وفي القاموس الصعيد التراب أو
وجه الأرض. ومثل ذلك نقله في المعتبر عن الخليل ونقله ثعلب عن ابن الأعرابي،
ويؤيد ذلك قوله عز وجل ". فتصبح صعيدا زلقا " (1) أي أرضا ملساء تزلق عليها
باستئصال شجرها ونباتها، وقوله (صلى الله عليه وآله) (2) " يحشر الناس يوم القيامة حفاة
عراة على صعيد واحد " أي أرض واحدة، وبذلك يظهر ما في الاستناد إلى الآية
في هذا المقام من الاشكال ولا سيما وقد ورد الخبر بتفسير الصعيد في الآية بالمكان
المرتفع من الأرض كما رواه الصدوق في معاني الأخبار عن الصادق (عليه السلام) (3)
قال: " الصعيد الموضع المرتفع الطيب الموضع الذي ينحدر عنه الماء " ومثله في الفقه الرضوي
حيث قال (عليه السلام) (4): " قال الله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا، والصعيد الموضع
المرتفع عن الأرض والطيب الذي ينحدر عنه الماء " وحينئذ فالأظهر الرجوع إلى الأخبار
كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في موضعه - " طيبا " اختلف المفسرون في المراد
بالطيب هنا، فبعضهم على أنه الطاهر وهو مختار مفسري أصحابنا، وقيل هو الحلال
وقيل إنه الذي ينبت دون ما لا ينبت كالسبخة وأيدوه بقوله سبحانه: " والبلد الطيب
يخرج نباته بإذن ربه.. " (5) وقد عرفت تفسيره بما في الخبرين المتقدمين، إلا أن الظاهر

1) سورة الكهف. الآية 40
2) في معالم الزلفى ص 145 باب 22 في صف ة المحشر عن الباقر (ع) " قال: إذا
كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأولين والآخرين عراة حفاة.. "
وفي تاريخ بغداد ج 11 ص 131 و ج 14 ص 195 عن النبي " ص " " يحشر الناس يوم
القيامة حفاة عراة عزلا " وليس في أحاديث أهل السنة كلمة " صعيد واحد "
3) رواه عنه المحدث الكاشاني في الصافي في تفسير آية التيمم 43 سورة النساء
4) ص 5
5) سورة الأعراف. الآية 58
245

أنه محمول على الفرد الأكمل منهما ولهذا صرح أصحابنا باستحباب التيمم من الربى والعوالي
- " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم " الباء للتبعيض هنا كما سيأتيك التصريح به إن شاء الله
تعالى في صحيحة زرارة الآتية، وحينئذ فتدل الآية على أن الواجب المسح ببعض
الوجه وبعض اليدين كما هو القول كما هو القول المشهور المعتضد بالأخبار الكثيرة، خلافا لمن أوجب
مسح الجميع كعلي بن بابويه أو خير بين الاستيعاب وبين التبعيض كما ذهب إليه في المعتبر
وتبعه صاحب المدارك أو استحباب الاستيعاب كما مال إليه في المنتهى، فإن الجميع - كما
ترى - مخالف لظاهر الآية، والقول بالاستيعاب وإن دل عليه بعض الأخبار ولهذا
اضطربوا في الجمع بينها وبين أخبار القول المشهور إلا أنه قد تقرر في القواعد المروية عنهم
(عليهم السلام) عرض الأخبار المختلفة على الكتاب العزيز والأخذ بما وافقه وطرح
ما خالفه، وهذه الأخبار الدالة على الاستيعاب مخالفة للآية فيجب طرحها، وبذلك
يظهر لك بطلان هذه الأقوال المتفرعة عليها - " منه " اختلفوا في معنى " من " هنا فقيل إنها
لابتداء الغاية والضمير عائد إلى الصعيد والمعنى أن المسح يبتدئ من الصعيد أو من
الضرب عليه، وقيل إنه للسببية وضمين " منه " للحدث المفهوم من الكلام السابق كما يقال
تيممت من الجنابة وكقوله سبحانه " مما خطيئاتهم أغرقوا.. " (1) وقول الشاعر " وذلك
من نبأ جاءني " وقول الفرزدق " يغشي حياء ويغضي من مهابته " وقيل إنه للتبعيض
والضمير للصعيد كما يقال أخذت من الدراهم وأكلت من الطعام، وهذا هو المنصوص
في صحيحة زرارة الآتية، وقيل إنها للبدلية كما في قوله تعالى: " أرضيتم بالحياة الدنيا
من الآخرة " (2) وقوله سبحانه: ".. لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون " (3)
وحينئذ فالضمير يرجع إلى الماء والمعنى فلم تجدوا ماء فتيمموا بالصعيد بدل الماء، وهذا
المعنى لا يخلو من بعد، والمعتمد منها ما ورد به النص الصحيح عنهم (عليهم السلام)

1) سورة نوح. الآية 25
2) سورة التوبة. الآية 38
3) سورة الزخرف. الآية 60
246

فإن القرآن نزل عليهم ومعانيه منهم تؤخذ - " ما يريد الله " بفرض الطهارات وايجابها
" ليجعل عليكم من حرج " ضيق " ولكن يريد ليطهركم " من الأحداث والذنوب
فإن الطهارة كما أنها رافعة للأحداث فهي أيضا مكفرة للذنوب " وليتم نعمته عليكم "
بهذا التطهير وإباحته لكم التيمم وتصييره الصعيد الطيب طهورا لكم رخصة مع سوابغ
نعمه التي أنعمها عليكم (لعلكم تشكرون " نعمته بإطاعتكم إياه فيما يأمركم به وينهاكم عنه
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تحقيق الكلام في هذا الباب يقتضي بيان الأسباب
المسوغة للتيمم من الأعذار المانعة من استعمال الماء وما يجوز به التيمم وما لا يجوز وبيان
كيفية التيمم ووقته وبيان أحكامه المتعلقة به وحينئذ فههنا مطالب خمسة:
(المطلب الأول) - فيما يسوغ معه التيمم من الأسباب الموجبة لذلك،
وأنهاها في المنتهى إلى ثمانية وهي فقد الماء والخوف من استعماله والاحتياج إليه للعطش
والمرض والجرح وفقد الآلة التي يتوصل بها إلى الماء والضعف عن الحركة وخوف الزحام
يوم الجمعة أو يوم عرفة وضيق الوقت عن استعمال الماء، ويمكن ارجاع هذه الثمانية إلى
ثلاثة كما اقتصر عليه في الشرائع وهي عدم الماء وعدم الوصلة إليه والخوف، بل يمكن
ارجاع الجميع إلى أمر واحد كما ذكره في الذكرى وهو العجز عن الماء، وله أسباب
يتوقف تفصيلها على رسم مسائل:
(الأولى) - في عدم وجوده، ويدل عليه مضافا إلى الآية المتقدمة الأخبار
المستفيضة، ومنها - ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن محمد بن حمران وجميل بن
دراج (1) قالا: " قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام) إمام قوم أصابته جنابة في السفر
وليس معه ماء يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال لا ولكن يتيمم الجنب
ويصلي بهم فإن الله تعالى قد جعل التراب طهورا " وزاد في التهذيب (2) " كما جعل

1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم
247

الماء طهورا " وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال لا هو بمنزلة
الماء " وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصل فإذا وجد ماء
فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى " وما رواه في الكافي عن أبي عبيدة الحذاء (3) قال
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الحائض ترى الطهر وهي في السفر وليس معها
من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة؟ قال إذا كان معها بقدر ما تغسل به
فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي. الحديث " إلى غير ذلك من الأخبار الآتية إن شاء
الله تعالى في مطاوي الأبحاث الآتية. وفي المدارك عن بعض العامة أن الصحيح الحاضر
إذا عدم الماء كالمحبوس ومن أنقطع عنه الماء يترك التيمم والصلاة لأن التيمم مشروط
بالسفر كما يدل عليه قوله تعالى: " وإن كنتم مرضى أو على سفر.. " (4) ثم قال: وبطلانه
ظاهر لأن ذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب لأن عدم الماء في الحضر نادر، وإذا
خرج الوصف مخرج الغالب انتفت دلالته على نفي الحكم عما عدا محل الوصف كما حقق
في محله. انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب - كما نقله غير واحد منهم - في أنه لا يشرع التيمم إلا بعد طلب الماء، قال في المنتهى: " ويجب الطلب عند اعواز الماء
فلو أخل به مع التمكن لم يعتد بتيممه، وهو مذهب علمائنا أجمع " أقول: ويشير إليه

1) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل 21 من أبواب الحيض
4) ذكر ابن قدامة في المغني ج 1 ص 234 أنه قول أبي حنيفة في رواية عنه وأنه
روي عن أحمد إجابته بعدم التيمم عندما سئل عن مثل ذلك
248

قوله عز وجل: " فلم تجدوا ماء " وعدم الوجدان لا يتحقق إلا بعد المطلب لامكان
قرب الماء منه ولا يعلمه، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن أحدهما
(عليهما السلام) (2) قال: " إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف
أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ
لما يستقبل " وعن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم السلام)
قال: " يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة وإن كانت سهولة فغلوتين لا
يطلب أكثر من ذلك " ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ عن داود الرقي (3) قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) أكون في السفر وتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال إن
الماء قريب منا فأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا؟ فقال لا تطلب الماء ولكن تيمم فإني
أخاف عليه التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع " وعن يعقوب بن سالم (4)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين
الطريق أو يساره غلوتين أو نحو ذلك؟ قال لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص
أو سبع " وعن علي بن سالم عن الصادق (عليه السلام) (5) في حديث قال: " فقال
له داود الرقي أفأطلب الماء يمينا وشمالا؟ فقال لا تطلب الماء يمينا ولا شمالا ولا في بئر، إن
وجدته على الطريق فتوضأ وإن لم تجده فامض " فإنها محمولة على الخوف كما هو ظاهر
الخبرين الأولين واطلاق الأولين واطلاق الثالث محمول على قيد الخوف المذكور فيهما.
وقد اختلف الأصحاب في حد الطلب، فقال الشيخ في المبسوط: والطلب واجب
قبل تضيق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر جوانبه رمية سهم أو سهمين إذا لم
يكن هناك خوف. وقال في النهاية: ولا يجوز له التيمم في آخر الوقت إلا بعد طلب الماء

1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التيمم
249

في رحله وعن يمينه وعن يساره بقدر رمية أو رميتين إذا لم يكن هناك خوف. ولم يفرق في
الأرض بين السهلة والحزنة، وقال المفيد: ومن فقد الماء فلا يتيمم حتى يدخل وقت
الصلاة ثم يطلب أمامه وعن يمينه وعن شماله رمية سهمين من كل جهة إن كانت الأرض
سهلة وإن كانت حزنة طلبه في كل جهة مقدار رمية سهم. وقال ابن زهرة: ولا يجوز
فعله إلا بعد طلب الماء رمية سهم في الأرض الحزنة وفي الأرض السهلة رمية سهمين
يمينا وشمالا وإماما ووراء باجماعنا. وقال ابن إدريس وحده ما وردت به الروايات
وتواتر به النقل في طلبه إذا كانت الأرض سهلة غلوة سهمين وإذا كانت حزنة فغلوة
سهم واحد. وقال في المنتهى بعد أن نقل طرفا من عبائر الأصحاب: ولم يقدره المرتضى
في الجمل ولا الشيخ في الخلاف والجمل بقدر وقال المحقق في المعتبر: والتقدير بالغلوة والغلوتين
رواية السكوني وهو ضعيف غير أن الجماعة عملوا بها، والوجه أن يطلب من كل جهة يرجو فيها
الإصابة ولا يكلف التباعد بما يشق، ورواية زرارة تدل على أنه يطلب دائما ما دام في
الوقت حتى يخشى الفوات، وهو حسن، والرواية واضحة السند والمعنى. انتهى.
وقال في المدارك بعد نقله ذلك: وهو في محله لكن سيأتي إن شاء الله تعالى أن مقتضى
كثير من الروايات جواز التيمم مع السعة فيمكن حمل ما تضمنته رواية زرارة من الأمر
بالطلب إلى أن يتضيق الوقت على الاستحباب، والمعتمد اعتبار الطلب من كل جهة
يرجو فيها الإصابة بحيث يتحقق عرفا عدم وجدان الماء. انتهى. أقول: لا شك أن
رواية السكوني وإن كانت ضعيفة السند باصطلاحهم إلا أن ضعفها مجبور بعمل الأصحاب
قديما وحديثا بها، إذ لا راد لها سوى المحقق وبعض من تبعه، والرد بضعف السند قد
عرفت أنه خال من المستند سوى هذا الاصطلاح الغير المرضى ولا المعتمد، وعلى تقدير
تسليمه فيكفي في صحتها عمل الطائفة بها كما عرفت، وحينئذ فالمعارضة بينها وبين حسنة
زرارة المتقدمة ظاهرة، ويمكن الجمع بينهما بحمل الطلب إلى أن يتضيق الوقت في الحسنة
المذكورة على رجاء الحصول كما يشعر به سياقها وحمل الاقتصار على الغلوة والغلوتين - كما
250

في رواية السكوني - على عدم الرجاء مع تجويز الحصول. وأما حمل حسنة زرارة كما ذكره
في المدارك على الاستحباب - كما هي قاعدتهم في جميع الموارد والأبواب - فقد بينا ما فيه
في غير موضع من الكتاب، بل الوجه عندي في الجمع بينهما هو ما ذكرناه وإليه يشير
كلامه في المدارك وكذا في المعتبر من اعتبار رجاء الإصابة في الطلب سواء كان في جميع
الوقت أو بعضه (فإن قلت): ما الفرق بين رجاء الإصابة الذي حملت عليه الحسنة المذكورة
وتجويز الحصول الذي حملت عليه رواية السكوني؟ (قلت): الفرق بينهما هو حصول الظن
بالحصول في جانب الرجاء وعدمه في مجرد التجويز، فمتى ظن الحصول وجب عليه الطلب
إلى أن يتضيق الوقت ولو لم يظنه بل جوز الحصول وعدمه على وجه يتساويان عنده فليس
عليه إلا طلب الغلوة والغلوتين باعتبار السهولة والحزونة كما في رواية السكوني؟ وهو وجه
حسن في الجمع بينهما وبه يزول الاشكال في هذا المجال. وأما قوله في المدارك - إشارة
إلى الطعن في حسنة زرارة وما دلت عليه ومن وجوب التأخير إلى آخر الوقت - أن
مقتضى كثير من الروايات جواز التيمم مع السعة حتى أنه اضطر بسبب ذلك إلى حملها
على الاستحباب جمعا بينها وبين تلك الأخبار - ففيه أن القول بوجوب التأخير إلى آخر
الوقت مدلول جملة من الأخبار كما سيأتي بيانه إن شاء الله في محله فبعين ما يقال
في الجواب عن تلك الأخبار يجاب عن هذه الحسنة المذكورة، وليس الدلالة على هذا
القول مخصوصا بهذه الرواية كما يشير إليه كلامه وسيصرح به أيضا فيما يأتي حتى أنه يحملها
على الاستحباب ينسد الكرم في هذا الباب.
بقي الكلام في أن الأصحاب ذكروا وجوب الطلب بالغلوة والغلوتين كما هو
المذكور في رواية السكوني من الجهات الأربع والرواية خالية من ذلك، ولعل الوجه
في تقييدهم اطلاق الرواية بالأربع الجهات أنه مع التجويز في الجهات الأربع يجب
الطلب في الأربع، إذ الموجب للطلب هو تجويز الوجود ولهذا لو علم وتيقن انتفاء
الوجود في جهة أو جهتين مثلا سقط وجوب الطلب فيهما اتفاقا.
251

فروع
(الأول) - قال في المدارك: قال في المنتهى لو طلب قبل الوقت لم يعتد به
ووجب إعادته لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم فلم يسقط فرضه، ثم اعترف بأن ذلك أنما
هو إذا أمكن تجدد الماء في موضع الطلب وإلا لم يجب عليه الطلب ثانيا. وهو جيد أن
قلنا إن الطلب إنما هو في الغلوات كما رواه السكوني أما على رواية زرارة فيجب الطلب
ما أمل الإصابة في الوقت سواء كان قد طلب قبل الوقت أم لا. انتهى. أقول: لا ريب
أن عمل الأصحاب في هذا الباب إنما هو على خبر السكوني المذكور وجميع ما يذكرونه
من فروع هذه المسألة إنما هو على تقديره ولم يذكر أحد منهم حسنة زرارة في المقام
سوى صاحب المعتبر ومثله السيد المذكور، ولهذا قال العلامة في المنتهى بعد نقل
الأقوال في حد الطلب مع اقتفائه كلام المعتبر غالبا: ولم نقف في ذلك إلا على حديث
واحد وفي سنده قول ويمكن العمل به لاعتضاده بالشهرة. إلى آخر كلامه.
(الثاني) - قد صرح جملة من الأصحاب بأنه إنما يجب الطلب مطلقا أو في
الجهات الأربع مع احتمال الظفر فلو تيقن عدم الإصابة في جهة من الجهات أو مطلقا فلا
طلب لانتفاء الفائدة، والظاهر أنه لا خلاف فيه بين أصحابنا (رضوان الله عليهم)
حتى من القائلين بوجوب التأخير في التيمم كالشيخ وأتباعه، فإن وجوب التأخير عندهم
لدليل اقتضاه ودل عليه لا لرجاء الحصول، ولهذا أنهم أوجبوا التأخير مطلقا وإن قطع
بعدم الماء كما سيجئ بيانه إن شاء الله تعالى في موضعه. ونقل عن بعض العامة القول
بوجوب الطلب وإن قطع بعدم الماء (1) ورد بأن الطلب مع تيقن عدم الإصابة عبث لا يقع

1) لم نعثر على التصريح بذلك نعم ربما يظهر من البحر الرائق ج 1 ص 161 نسبة
ذلك إلى الشافعي حيث حكى عنه القول بوجوب الطلب مطلقا وقال في ضمن رده: " المسافر
يجب عليه طلب الماء أم ظن قربه وإن لم يظن قربه لا يجب عليه بل يستحب " وكذا يظهر
ذلك من المبسوط ج 1 ص 108 حيث قال في مقام رده: " الطلب إنما يلزمه إذا كان
على طمع من الوجوه وإذا لم يكن على طمع من الوجود فلا فائدة في الطلب "
252

الأمر به من الشارع. وهو جيد. ولو غلب على ظنه العدم فهل يكون حكمه حكم اليقين
في عدم وجوب الطلب أم لا؟ قولان، نقل الأول منهما عن ابن الجنيد واختاره بعض
أفاضل متأخري المتأخرين، نظرا إلى قيام الظن مقام العلم في الشرعيات، ولعدم تناول
أدلة وجوب الطلب لظان العدم، وقيل بالثاني وبه صرح في المنتهى واختاره في المدارك
وعللوه بجواز كذب الظن. وهو الأظهر. وما احتج به الفاضل المتقدم ذكره - من قيام
الظن مقام العلم في الشرعيات - على اطلاقه ممنوع بل هو موقوف على الدليل، وما
ادعاه من عدم تناول أدلة الطلب لظان العدم أشد منعا، وكيف لا وهي مطلقة كما عرفت
من حسنة زرارة ورواية السكوني، خرج من ذلك تيقن عدم وجود الماء لاستلزامه
العبث كما عرفت وبقي الباقي.
(الثالث) - لو تيقن وجود الماء لزمه السعي إليه ما دام الوقت والمكنة
حاصلة سواء قريبا أو بعيدا، وهل يجوز الاستنابة في الطلب اختيارا؟ ظاهر
شيخنا في الروض ذلك لكنه اشترط عدالة النائب، وعندي فيه اشكال لأن ظاهر
الأخبار توجه الخطاب إلى فاقد الماء نفسه فقيام غيره مقامه في ذلك يتوقف على الدليل
نعم لو كان المراد من النيابة نقله وحمله إليه فلا اشكال في جوازه لأنه من قبيل طلب الماء
في منزله من خادمه أو زوجته وحينئذ فلا وجه لاشتراط العدالة كما ذكره، وأما لو كان المراد
إنما هو الاعتماد عليه والوثوق به في وجود الماء وعدمه حتى أنه يقبل قوله في عدم الماء
فالطاهر هو ما ذكرناه، ويأتي ما ذكره مع تعذر الطلب بنفسه فإنه لا بأس بالاستنابة بل
يجب ذلك، وفي اشتراط عدالة النائب وجهان أظهرهما ذلك مع الامكان، ويحسب لهما على
التقديرين لو قلنا به في الأول. ولو فات بالطلب غرض مطلوب يضر بحاله كالحطاب والصائد
ففي وجوب الطلب عليه لقدرته على الماء أو سقوطه والانتقال إلى التيمم دفعا للضرر
وجهان، اختار أولهما في المدارك وثانيهما في المعتبر، وظاهر الروض التوقف وهو
253

كذلك لعدم النص في المسألة، هذا كله فيما إذا كان يمكن حصول الماء قبل ذهاب
الوقت وإلا سقط الطلب قولا واحدا لعدم الفائدة. وهل يقوم الظن هنا مقام اليقين فيجب
الطلب مع ظنه؟ قيل نعم والظاهر أن وجهه ما تقدم في سابق هذا الموضع، والظاهر
العدم بناء على رواية السكوني التي عليها مدار كلام الأصحاب في هذه المسألة وفروعها
كما أشرنا إليه آنفا لتخصيصها الطلب بالغلوة والغلوتين فيما إذا ظن الماء أو جوزه، وإن
خصصناها بالتجويز بناء على ما قدمناه آنفا فهو أظهر، وأما مع تيقن وجود الماء فإنه
خارج عن مورد الرواية لدخوله تحت الواجد للماء، وأما على تقدير حسنة زرارة فالأمر
ظاهر لايجابها الطلب في الوقت مطلقا.
(الرابع) - لو خاف على نفسه أو ماله بمفارقة رحله لم يجب عليه الطلب دفعا
للحرج اللازم من وجوب الطلب والحال هذه، وعلى ذلك يدل ما تقدم من روايتي
داود الرقي ويعقوب بن سالم، ويؤيده ما رواه الحلبي في الصحيح (1) " أنه سأل
الصادق (عليه السلام) عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو. قال ليس عليه أن يدخل
الركية لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم ".
(الخامس) - المشهور بين الأصحاب أنه لو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت
ثم تيمم وصلى فإنه قد أخطأ وصح تيممه وصلاته، أما الخطأ فطاهر لاخلاله بما وجب
عليه من الطلب، وأما صحة تيممه وصلاته فالوجه أن الطلب يسقط مع ضيق الوقت
ويجب على المكلف في تلك الحال التيمم لأنه غير واجد للماء كما هو المفروض وأداء
الصلاة بتلك الطهارة وقد فعل وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء. وعن المبسوط والخلاف
عدم صحة تيممه والحال هذه قال في المعتبر: قال الشيخ لو أخل بالطلب لم يصح تيممه
ويلزم على قوله لو تيمم وصلى أن يعيد وفيه اشكال لأن مع ضيق الوقت يسقط الطلب
ويتحتم التيمم فيكون مجزئا وإن أخل بالطلب وقت السعة لأنه يكون مؤديا فرضه بطهارة

1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التيمم
254

صحيحة وصلاة مأمور بها، وأبلغ منه من كان معه ماء فوهبه أو أراقه. انتهى.
أقول: ممن تبع الشيخ في هذه المقالة الشهيد في الدروس حيث قال: ولو وهب الماء أو
أراقه في الوقت أو ترك الطلب وصلى أعاد. لكن لا يخفى أن كلام الشيخ المتقدم ذكره
وكذا كلام الدروس لا تقييد فيهما بالضيق وإن كان اطلاقهما يقتضي الشمول لذلك إلا أنه مع الحمل عليه يشكل بما ذكره في المعتبر فإنه جيد وجيه، ولو حمل ذلك على السعة
توجه ما ذكروه من الإعادة لأنه مأمور بالطلب مع السعة فلو تيمم وصلى والحال هذه
كان ما أتى به باطلا ووجب عليه الإعادة بعد الطلب إن كان في الوقت سعة وإلا تيمم
وصلى مرة أخرى، قال في المدارك بعد نقل كلام المعتبر المذكور: ويمكن أن يحمل كلام
الشيخ على ما إذا أخل بالطلب وتيمم مع السعة فإن تيممه لا يصح قطعا. انتهى.
وأما ما ذكره في الدروس من أنه لو وهب الماء أو أراقه في الوقت وصلى أعاد فلعل
الوجه فيه أن الصلاة قد وجبت عليه واستقرت في ذمته بطهارة مائية لوجود الماء معه في
الوقت وتمكنه من استعماله وتفويت الواجب من قبل نفسه لا يكون عذرا مسوغا للتيمم
فيجب الإعادة في الوقت وخارجه. إلا أنه على اطلاقه مشكل بل الظاهر أن الحكم فيه
يصير كفاقد الماء من جواز التيمم في السعة بعد الطلب أو وجوب التأخير إلى ضيق
الوقت. وأولى بعدم الإعادة ما لو تيمم وصلى آخر الوقت فإنه مأمور بالصلاة والطهارة
وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء، وأما مع السعة فيحتمل القول فيما إذا وجد الماء بعد
أن صلى بتيممه في السعة بأنه يجب عليه الإعادة لتوجه الخطاب إليه في أول الأمر بالصلاة
بطهارة مائية والحال أنه قد وجد الماء في الوقت أما مع الضيق فإنه لا يتجه هذا الاحتمال
ونقل في المدارك عن المنتهى أنه لو كان بقرب المكلف ماء وتمكن من استعماله وأهمل
حتى ضاق الوقت فصار لو مشى إليه ضاق الوقت فإنه يتيمم وفي الإعادة قولان أقربهما
الوجوب، ثم اعترضه بأنه يتوجه عليه ما سبق وأشار به إلى ما قدمه في مسألة المخل
بالطلب حتى ضاق الوقت حيث اختار فيه ما ذكره المحقق. وهو جيد. بقي الكلام
255

في أنه يأثم بإراقته الماء أو هبته في الوقت مع علمه بعدم الماء وإن فرضه ينتقل إلى
التيمم؟ ظاهر الأصحاب ذلك وهو كذلك كمن أخل بالطلب مع كونه مأمورا به وهذا قد
أخل بالطهارة بالماء مع كونه مأمورا بذلك، وكيف كان فحيث إن الحكم غير منصوص
وإن كان القول المشهور أوفق بالقواعد الشرعية فلا ينبغي ترك الاحتياط في المسألة.
(السادس) - لو أخل بالطلب وضاق الوقت فتيمم وصلى ثم وجد الماء في محل
الطلب من الغلوات أو مع أصحابه الباذلين له أو في رحله فهل يحكم بصحة ما فعل من التيمم
والصلاة أو يجب عليه القضاء؟ قولان أحدهما العدم وهو اختيار السيد في المدارك وقبله
المحقق الأردبيلي، ووجهه ظاهر مما تقدم في سابق هذه المسألة فإنها من جزئياتها، والمشهور
وجوب القضاء استنادا إلى ما رواه الشيخ عن أبي بصير (1) قال: " سألته عن رجل
كان في سفر وكان معه ماء فنسيه وتيمم وصلى ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج
الوقت؟ قال عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة " وأنت خبير بأن ظاهر الخبر المذكور
(أولا) - إنما هو النسيان وهو أخص من المدعى. و (ثانيا) - أن تيممه وقع في السعة
وهو خلاف المفروض في كلامهم، والعجب أن شيخنا الشهيد الثاني في الروض حيث قيد
اطلاق عبارة المصنف بضيق الوقت قال وإنما قيدنا المسألة بالضيق تبعا للرواية وفتوى
الأصحاب. والرواية - كما ترى - صريحة في السعة وليس غيرها في المسألة. و (ثالثا) - أنه
قد صرح بأنه لو تيمم في الصورة المذكورة حال السعة بطل تيممه وصلاته وإن لم يجد الماء
بعد ذلك، قال لمخالفته الأمر وإن جوزنا التيمم مع سعة الوقت بعد الطلب. انتهى.
ولا ريب أن هذا مدلول الخبر المذكور كما عرفت. ثم قال: واعلم أن الأصل يقتضي عدم
وجوب إعادة الصلاة مع مراعاة التضيق وإن أساء بترك الطلب لايجابه الانتقال
إلى طهارة الضرورة، لكن لا سبيل إلى رد الحديث المشهور ومخالفة الأصحاب، وفيه

1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
256

ما عرفت من أن الخبر ظاهر بل صريح في السعة، وبه يظهر أن الأظهر هو القول بعدم
الإعادة في المسألة المذكورة، وما ادعاه أيضا من التقييد في كلام الأصحاب محل نظر
لما عرفت في عبارة الشيخ من الاطلاق وكذا عبارة العلامة التي ارتكب التقييد
فيها. والله العالم.
(السابع) - قال في المعتبر: لو نسي الماء في رحله وصلى بالتيمم أجزأه وهو
اختيار علم الهدى. وقال الشيخ إن اجتهد وطلب لم يعد وإلا أعاد، لنا - أنه صلى بتيمم
مشروع فلا يلزمه الإعادة، ولأن النسيان لا طريق إلى إزالته فصار كعدم الوصلة، إلى أن
قال: وفي رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (1) " يتوضأ ويعيد " وفي سندها
عثمان بن عيسى وهو ضعيف فهي إذن ساقطة. انتهى. وقال في الذكرى: ولو نسي
الماء أجزأ عند المرتضى لعموم " رفع عن أمتي الخطأ " (2) والشيخ يعيد أن لم يطلب،
لهذا الخبر، وضعف بعثمان بن عيسى. وقول الشيخ أقرب للتفريط. والشهرة تدفع
ضعف السند. انتهى. أقول: التحقيق عندي أن ظاهر الخبر المشار إليه هو الإعادة في
صورة النسيان مع سعة الوقت مطلقا طلب أو لم يطلب، والواجب العمل به وضعفه
باصطلاحهم مجبور بالشهرة كما ذكره في الذكرى وأخبار الطلب يجب تخصيصها بالخبر
المذكور، وبه يظهر ضعف ما اختاره في الذكرى أيضا كما ضعف ما اختاره في المعتبر،
نعم لو كان الذكر حال الضيق فالمتجه الاجتزاء بما فعل كما تقدم وهو خارج عن مورد
الخبر كما عرفت. وأما قوله في المعتبر: لنا - أنه صلى بتيمم مشروع، فإن أراد ولو في
حال السعة فهو مجرد مصادرة، وإن أراد فحال الضيق فهو صحيح لما سلف.
(الثامن) - لو كان معه ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء فلم يتطهر قبل الوقت
والحال أنه لا ماء ثمة تيمم وصلى ولا إعادة عليه اجماعا كما في المنتهى، ولو كان ذلك

1) ص 256
2) رواه في الوسائل في الباب 30 من الخلل في الصلاة و 56 من جهاد النفس
257

بعد دخول الوقت فقد عرفت مما تقدم أنه كذلك وإن علم باستمرار الفقدان، لأنه صلى
صلاة مأمورا بها بتيمم مشروع وقضية امتثال الأمر الاجزاء، والمحقق في المعتبر ذكر
الحكم المذكور ولم ينقل الخلاف فيه إلا عن العامة (1) وهو مؤذن بدعوى الاجماع
عليه، وقطع الشهيد في الدروس والبيان بوجوب الإعادة هنا للتفريط وقد سبق نقل عبارته
من الدروس، واحتمال ذلك في التذكرة.
(التاسع) - اختلف الأصحاب فيما لو كان الماء موجودا عنده فأخل باستعماله
حتى ضاق الوقت عن استعماله فهل ينتقل إلى التيمم ويؤدي أو يتطهر بالماء ويقضي؟
قولان، اختار أولهما العلامة في المنتهى لقوله (عليه السلام) في صحيحة حماد بن عثمان (2)
" هو بمنزلة الماء " وإنما يكون بمنزلته لو ساواه في أحكامه، ولا ريب في أنه لو وجد
الماء وتمكن من استعماله وجب عليه الأداء فكذا ما لو وجد ما ساواه، قال في المدارك
بعد نقل ذلك: قلت ويدل عليه فحوى قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي (3):
" أن رب الماء هو رب الأرض " وفي صحيحة جميل (4) " إن الله جعل التراب طهورا
كما جعل الماء طهورا " وهذا القول لا يخلو من رجحان، ولا ريب أن التيمم والأداء
ثم القضاء بالطهارة المائية أحوط. انتهى. واختار ثانيهما المحقق في المعتبر حيث قال: من كان
الماء قريبا منه وتحصيله ممكن لكن مع فوات الوقت أو كان عنده وباستعماله يفوت لم يجز
التيمم وسعي إليه لأنه واجد. انتهى. وهو اختيار السيد في المدارك حيث قال بعد فرض
المسألة: فهل يتطهر ويقضي أو يتيمم ويؤدي؟ قولان، أظهرها الأول وهو خيرة المصنف
في المعتبر لأن الصلاة مشروطة بالطهارة والتيمم إنما يسوغ مع العجز عن استعمال الماء والحال
أن المكلف واجد للماء متمكن من استعماله غاية الأمر أن الوقت لا يتسع لذلك ولم
يثبت كون ذلك مسوغا للتيمم. انتهى. قال في الروض: وفرق المحقق الشيخ علي بين

1) نقل الخلاف في المغني ج 1 ص 241 عن الأوزاعي
2) ص 248
3) ص 254
4) ص 247
258

ما لو كان الماء موجودا عنده بحيث يخرج الوقت لو استعمله وبين من كان الماء بعيدا
عنه بحيث لو سعى إليه لخرج الوقت فأوجب الطهارة المائية على الأول دون الثاني،
مستندا إلى انتفاء شرط التيمم وهو عدم وجدان الماء في الأول وعدم صدق الوجدان
في الثاني، ثم اعترضه فقال: وأنت خبير بأن المراد بوجدان الماء في باب التيمم وفي الآية
فعلا أو قوة، ولهذا يجب على الفاقد الطلب والشراء لصدق الوجدان، ولو كان المراد
الوجدان بالفعل لم يجب عليه ذلك لأنه تعالى شرط في جواز التيمم عدم الوجدان، فلا
يتم حينئذ ما ذكره من الفرق لصدق الوجدان في الصورتين بالمعنى المعتبر شرعا، فلا بد
من الحكم باتفاقهما أما بالتيمم كما ذكره المصنف أو بالطهارة كما ذكره المحقق. انتهى
كلامه. وهو جيد وجيه.
أقول: والتحقيق عندي في هذه المسألة هو ما ذهب إليه العلامة من وجوب
التيمم والأداء فإنه هو الأقرب إلى الانطباق على القواعد الشرعية (أما أولا) - فلظواهر
الأخبار التي احتج بها العلامة ولهذا قال في المدارك بعد أن أيدها بما ذكره: وهذا القول
لا يخلو من رجحان. و (أما ثانيا) - فلأنه لا يخفى أن المكلف مأمور بالصلاة في وقتها
آية ورواية، غاية الأمر أنها مشروطة بالطهارة المائية إن أمكنت وإلا فبالترابية لما
دلت عليه الآية والأخبار المستفيضة، وحيث إنه لم يتمكن من المائية هنا لاستلزام استعمالها
خروج الوقت تعينت الترابية، كما لو وجد ماء يستلزم السعي إليه خروج الوقت فإنه
يتيمم اتفاقا كما تقدم. و (وأما ثالثا) - فلأنه لا ريب أن مشروعية التيمم إنما هو
للمحافظة على ايقاع الصلاة في وقتها وإلا كان الواجب مع فقد الماء أو تعذر استعماله تأخير
الصلاة عن وقتها إلى أن يتمكن من استعماله فيقضي الصلاة كما هو مقتضى كلام هذا
القائل والمعلوم من الشرع خلافه، وحينئذ فمجرد وجود الماء في الصور المفروضة
مع استلزام استعماله خروج الوقت في حكم العدم، وبذلك يظهر أن قوله في المدارك أنه لم
يثبت كون عدم اتساع الوقت مسوغا للتيمم ليس في محله، وكيف لا ونظر الشارع أولا
259

وبالذات إنما هو إلى الصلاة والاتيان بها في وقتها ونظره إلى الطهارة بالماء إنما هو ثان
وبالعرض حيث إنها شرط لها فكيف يقدم ما هو بالعرض على ما هو بالذات مع أن
الشارع قد جعل له عوضا عنه تأكيدا للمحافظة عليها في وقتها؟ وكيف لا يكون عدم اتساع
الوقت مسوغا للتيمم والعلة في مشروعيته إنما هو المحافظة على الاتيان بالصلاة في وقتها
كما عرفت؟ ولعله لهذا الوجه لم يعد في المسوغات فإنه حيث كان هو الأصل في مشروعية
التيمم اكتفى بذلك عن عده في المسوغات، وكيف كان فإنه وإن كان ما اخترناه هو
الأنسب بالقواعد الشرعية المؤيدة بما تقدم من تلك الأخبار المروية إلا أنه حيث كانت
المسألة عارية عن النصوص على الخصوص فالأحوط بعد الصلاة بالتيمم أداء إعادة الصلاة
بالطهارة المائية قضاء.
ثم إنه لا يخفى عليك أن هذا البحث كما يجري في هذه المسألة يجري أيضا في مسألة
عدم اتساع الوقت لإزالة النجاسة عن الساتر الذي لا يجد غيره. وكذا تحصيل الساتر
إذا توقف على زمان يفوت به الوقت، فهل يصلي بالنجاسة في الأولى وعاريا في الثانية
في الوقت أداء أو يقدم إزالة النجاسة أولا وكذا تحصيل الساتر ثم يصلي قضاء؟ القولان
المتقدمان، وأما ما ذكره المحقق الثاني من التفصيل فقد عرفت بما قدمنا نقله عن الروض
أنه غير واضح السبيل.
(العاشر) - لو وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته فالظاهر أنه في حكم العدم
وضوء كان أو غسلا، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه ونحوه
في التذكرة، ولم ينقل الخلاف في المعتبر والمنتهى والتذكرة في هذه المسألة إلا عن العامة (1)
وقال في الروض: وربما حكي عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض؟ وهو مذهب العامة.
وقطع العلامة في النهاية بأن المحدث لو وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته لم يجب عليه
استعماله بل يتيمم، واحتمل في الجنب مساواته للمحدث ووجوب صرف الماء إلى بعض

1) راجع التعليقة 2 ص 243
260

أعضائه لجواز وجود ما تكمل به الطهارة، قال والموالاة ساقطة هنا بخلاف المحدث
واحتمل ذلك شيخنا البهائي في الحبل المتين أيضا.
أقول: والظاهر هو القول المشهور للأخبار المتكاثرة، واستدل على ذلك أيضا بقوله
عز وجل " فلم تجدوا " وقد تقدم الكلام في ذلك في صدر الباب في تفسير الآية المذكورة،
والأظهر الرجوع في ذلك إلى الأخبار فإنها صريحة الدلالة في المدعى، ومنها - ما رواه الشيخ
في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) " في رجل أجنب في سفر
ومعه ماء قدر ما يتوضأ به؟ قال يتيمم ولا يتوضأ " وما رواه في الفقيه في الصحيح عن
عبيد الله بن علي الحلبي (2) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب ومعه
قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال لا بل يتيمم ألا ترى أنه
إنما جعل عليه نصف الوضوء " وعن محمد بن حمران وجميل بن دراج في الصحيح (3)
" أنهما سألا أبا عبد الله (عليه السلام) عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه
من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ فقال لا ولكن يتيمم الجنب
ويصلي بهم فإن الله عز وجل جعل التراب طهورا " ورواه الشيخ في الصحيح مثله (4) إلا أنه ترك " بعضهم " وهو أظهر في الاستدلال، وما رواه الشيخ عن الحسين بن
أبي العلاء (5) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب ومعه من الماء
بقدر ما يكفيه لوضوء الصلاة أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال يتيمم ألا ترى أنه جعل عليه
نصف الطهور " وربما لاح من خبري الحلبي والحسين بن أبي العلاء أن من أحدث
بالأصغر بعد تيممه عن الجنابة فإن الواجب عليه هو التيمم بدلا عن الجنابة كما هو المشهور
لا عن الأصغر كما هو قول المرتضى، إلا أنه يمكن تخصيص الخبرين المذكورين بكون
السؤال فيهما عن هذا الحكم بعد الجنابة كما يؤنس به التعليل المذكور من قوله (عليه
السلام) " ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف الوضوء " كما في الأولى أو " الطهور " كما

1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم
261

في الثانية، فإن الظاهر أن منشأ هذا السؤال أن السائل توهم أفضلية الوضوء على التيمم
لكونه طهارة مائية مقدورة للجنب سابغة على الأعضاء فيحصل بها استباحة ما يحصل
بالتيمم الذي هو مخصوص بعدم وجود الماء أو عدم إمكان استعماله، فأجابه (عليه
السلام) بأن الواجب عليه شرعا لرفع حدث الجنابة في الحال المذكورة إنما هو التيمم
لأنه سبحانه بعد تعذر الماء للغسل وجودا أو استعمالا نقله إلى التيمم لطفا به وكرما كما
دلت عليه آية التيمم المتقدمة وقوله تعالى: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج. الآية "
ألا ترى أنه لمزيد لطفه وعنايته إنما جعل عليه نصف الوضوء يعني مسح المغسول منها وهي
ثلاثة دون الممسوح منها وهي الثلاثة الأخرى والوضوء مركب من أعضاء ثلاثة مغسولة
وأعضاء ثلاثة ممسوحة. وأنت خبير بأن ما ذكرنا من الكلام في هذه المسألة متجه فيما
إذا كان مكلفا بطهارة واحدة فلو كان مكلفا بطهارتين كالوضوء والغسل بناء على المشهور
في غسل الحيض والنفاس ونحوهما من وجوب الوضوء معه فإنها لو وجدت ما يكفي
للوضوء دون الغسل توضأت عن الأصغر وتيممت بدلا من الغسل، وبذلك صرح
جملة من الأصحاب، ولو وجدت ما يكفي للغسل خاصة قدمته وتيممت عن الحدث
الأصغر، ويحتمل التخيير هنا لأنهما فرضان مستقلان إلا أن الأحوط الأول. ثم إنه
لا يخفى أيضا أن هذا الحكم آت فيما لو تضرر بعض أعضائه بالغسل أو كان بعض
أعضائه نجسا ولا يقدر على طهارته بالماء فإنه يتيمم ولا يجزئه تيمم بعض وغسل بعض،
لأن الطهارة عبادة شرعية موقوفة على التوظيف من الشارع والذي علم منه أما الماء في
الجميع أو التراب في الجميع ولم يرد عنه التبعيض، ونقل في المعتبر عن الشيخ في المبسوط
والخلاف أنه قال: ولو غسلها وتيمم كان أحوط. وهو ضعيف لما عرفت.
(الحادي عشر) - اختلف الأصحاب في من وجد من الماء ما لا يكفيه
للطهارة إلا بمزجه بالمضاف على وجه لا يسلبه الاطلاق فهل يجب المزج والطهارة به أم
يجوز له ترك المزج والانتقال إلى التيمم؟ فذهب جمع من المتأخرين: منهم - العلامة
262

وأتباعه إلى الأول، ونقل عن جمع من المتقدمين كالشيخ وأتباعه الميل إلى الثاني، وربما
بني الخلاف هنا على الخلاف المتقدم في معنى الآية، فإن فسرنا عدم وجود الماء بالقول
الثاني المتقدم وهو كون المكلف غير واجد للماء بأن يكون في مكان لا ماء فيه فالمتجه
قول الشيخ بالانتقال إلى التيمم، فإنه يصدق على هذا من حيث إن الماء لا يكفيه
للطهارة أنه غير واجد للماء فيصير فرضه التيمم، وإن قلنا إن المراد بعدم وجدان الماء إنما
هو عدم التمكن منه كما تقدم في القول الأول فالمتجه ما ذكره العلامة لصدق التمكن
بالمزج كصدقه بالسعي والطلب وبعض المحققين بني القولين المذكورين على أن الطهارة
بالماء في الصورة المفروضة هل هو من قبيل الواجب المطلق فيجب المزج إذ ما لا يتم
الواجب المطلق إلا به وهو مقدور فهو واجب أو أنها واجب مشروط بوجود الماء
وتحصيل مقدمة الواجب المشروط غير واجب؟ وقد تقدم البحث في هذه المسألة
مستوفى في باب الماء المضاف وبيان ما هو الحق المختار من القولين المذكورين.
(الثاني عشر) - قد صرح الأصحاب بأنه لو كان على بدن المصلي أو ثوبه
نجاسة ومعه من الماء ما لا يكفيه إلا لإزالة النجاسة أو الطهارة فإنه يجب تقديم إزالة النجاسة
والظاهر أن الحكم بذلك اتفاقي عندهم كما صرح به في المعتبر والمنتهى والتذكرة،
وعلل بأن الطهارة المائية لها بدل وهو التيمم بخلاف إزالة النجاسة فيجب صرفه إليها
والتيمم جمعا بين الحقين. وأنت خبير بأن لقائل أن يقول إن الشارع قد قيد جواز
التيمم بعدم وجدان الماء والماء في الصورة المفروضة موجود، وزعم البدلية على اطلاقه
ممنوع إذ غاية ما يفهم من الأخبار ثبوت البدلية مع فقد الماء بالكلية أو التضرر باستعماله
وكل منهما مفقود في محل النزاع، على أن دعوى البدلية معارض بتجويز الشارع الصلاة
في النجاسة مع تعذر إزالتها أو عاريا على الخلاف في المسألة. وتقديم أحدهما في استعمال
هذا الماء الموجود على الآخر يحتاج إلى دليل، ولا أعلم لهم دليلا وراء الاجماع المدعى
والاعتماد عليه لا يخلو من مجازفة كما قدمنا القول فيه في مقدمات الكتاب، وهؤلاء
263

المدعون له قد طعنوا فيه في غير موضع من كتبهم الاستدلالية وإن استسلقوه في أمثال
هذه المقامات، نعم لو علم دخول أقوال متقدمي الأصحاب من أرباب النصوص في هذا
الاجماع لم يبعد الاعتماد عليه. وبالجملة فالمسألة لعدم النص لا تخلو من اشكال والاحتياط
فيها واجب عندي على كل حال بأن يتطهر بالماء ويصلي بالنجاسة ثم يعيد في الوقت
أو خارجه بعد التمكن من الماء لإزالة النجاسة. ثم إنهم قد صرحوا أيضا بأن ما ذكر
من الحكم المذكور وهو وجوب تقديم إزالة النجاسة والتيمم مخصوص بوجود ما يتيمم
به وإلا وجب الوضوء بذلك الماء والصلاة بالنجاسة. وهو مما لا اشكال فيه على القول
المذكور. وصرحوا أيضا بتقييد الحكم بالنجاسة الغير المعفو عنها وبكون الثوب لو كانت
النجاسة فيه مما يضطر إلى لبسه. والجميع مما لا اشكال فيه. والله العالم.
(المسألة الثانية) - في عدم الوصلة إليه والتمكن منه والبحث هنا يقع في
مواضع ثلاثة:
(الأول) - قد صرح الأصحاب بأن من عدم الثمن فهو كمن عدم الماء،
وكذا إن وجده بثمن يضر بحاله بمعنى أنه ليس للمكلف مال يقوم بذلك من غير تطرق
ضرر إليه ونقصان في ماله، وقيل إن المراد ضرره في الحال يعني حال الشراء وإن لم
يضر به في المآل، وأما لو لم يترتب عليه الضرر بأي المعنيين اعتبر فإنه يجب الشراء
عندهم وإن زاد على قيمة المثل أضعاف إذ المناط إنما هو الضرر وعدمه كما عرفت.
ونقل عن ابن الجنيد الانتقال إلى التيمم هنا وعدم وجوب الشراء متى كان غاليا وأنه يصلي
بتيممه ثم يعيد يعد وجود الماء.
أقول: (أما الأول) من هذه المذكورات فلا اشكال فيه إذ صدق عدم
الوجدان فيه ظاهر. و
(أما الثاني) فأسنده في المعتبر إلى فتوى الأصحاب، واستدل
عليه بأن من خشي من لص أخذ ما يجحف به لم يجب عليه السعي وتعريض المال للتلف
264

وإذا ساغ التيمم هناك دفعا للضرر ساغ له هنا، وبرواية يعقوب بن سالم (1) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق
ويساره غلوتين أو نحوهما؟ قال لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع " قال
في المدارك بعد نقل ذلك: وهو حسن ويؤيده عموم قوله تعالى: " وما جعل عليكم في
الدين من حرج " (2) وقوله عز وجل: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " (3)
و (أما الثالث) فاستدلوا عليه بصحيحة صفوان (4) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة
درهم أو بألف درهم وهو واجد لها يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال لا بل يشتري قد
أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت وما يشتري بذلك مال كثير " ورواه في الفقيه
مرسلا عن الرضا (عليه السلام) (5) أقول: والذي وقفت عليه زيادة على هذا الخبر
ما رواه العياشي في تفسيره عن الحسين بن أبي طلحة (6) قال: " سألت عبدا صالحا عن
قول الله عز وجل: " أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " (7) ما حد
ذلك فإن لم تجدوا بشراء أو بغير شراء إن وجد قدر وضوء بمائة ألف أو ألف وكم بلغ؟
قال: ذلك على قدر جدته " وما في دعائم الاسلام (8) حيث قال: " وقالوا (عليهم
السلام) في المسافر إذا لم يجد الماء إلا بموضع يخاف على نفسه إن مضى في طلبه من لصوص
أو سباع أو ما يخاف منه التلف والهلاك يتيمم ويصلي. وقالوا (عليهم السلام) في المسافر
يجد الماء بثمن غال أن يشتريه إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده إلا أن يكون في دفعه الثمن

1) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب التيمم
2) سورة الحج. الآية 77
3) سورة البقرة. الآية 581
4) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب التيمم
6) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب التيمم
7) سورة النساء الآية 43 وسورة المائدة. الآية 6
8) رواه في المستدرك الوسائل في الباب 1 و 20 من أبواب التيمم
265

ما يخاف منه على نفسه التلف إن عدمه والعطب فلا يشتريه ويتيمم بالصعيد ويصلي ".
أقول: لا يخفى أن ما استدل به المحقق على القسم الثاني لا يخلو من نظر وإن
استحسنه في المدارك، أما قوله: " من خشي من لص أخذ ما يجحف به. الخ " فهو
مع كونه لا دليل عليه لا يخرج عن القياس، فإن ورود ذلك على تقدير تسليمه في السعي
إلى تحصيل الماء لا يوجب انسحابه إلى الشراء سيما مع عموم الصحيحة المنقولة في كلامهم
والخبرين اللذين أردفناهما بها، وأما الاستناد إلى الرواية فكذلك أيضا، لأن موردها
طلب الماء في الغلوات وهو خارج عن محل المسألة وحمل ما نحن فيه على ذلك لا يخرج
عن القياس، وبالجملة فإن الأخبار التي نقلناها في المسألة عامة للصورة الثانية والثالثة،
حيث إن ظاهرها وجوب الشراء ما وجد الثمن قليلا كان أو كثيرا، والظاهر أنه إلى
ما ذكرنا ذهب المرتضى على ما نقله في المعتبر حيث قال: " إذا لم يوجد إلا ابتياعا
وجب مع القدرة وإن كثر الثمن، كذا قال علم الهدى، وقيل ما لم يتضرر به في الحال
وهو أشبه " ثم استدل على الأول بأنه واجد للماء ضرورة قدرته عليه بالثمن الموجود، ثم
أورد رواية صفوان إلى أن قال: وأما الثاني وهو اشتراط عدم الضرر الحالي فهو اختيار
الشيخ، ثم نقل قول ابن الجنيد الآتي إلى أن قال: وقال الشيخ في كتبه كلها لا يجب
شراؤه إذا كان مضرا في الحال وهو فتوى فضلائنا وفتوى فقهاء الجمهور، وإنما قلنا إنه أشبه
لأن من خشي. إلى آخر ما قدمناه من نقل دليله. وأنت خبير بأن ظاهر اطلاق
المرتضى هو ما ذكرناه، وتقييدهم بالضرر المذكور في مقابلة اطلاقه شاهد لما ندعيه. وهذا
الضرر الذي قيدوا به لا يخلو من اجمال، نعم يمكن التقييد بما دلت عليه رواية الدعائم
من أنه متى استلزم دفع المال خوف التلف على نفسه والعطب فإنه يجب الانتقال إلى
التيمم، ويؤيده ما دل على نفي الحرج في الدين وإرادة اليسر دون العسر وسعة الحنيفية (1)

1) أما ما دل على الحرج والعسر فالآيتان المتقدمتان ص 265 وأما ما دل على
سعة الحنيفية فروى السيوطي في الجامع الصغير ج ص 109 قوله صلى الله عليه وآله: " بعثت بالحنيفية السمحة.. " ورواه الخطيب في تاريخ بغداد ج 7 ص 209 وروى الكليني
في فروع الكافي ج 2 ص 56 من حديث قوله " ص ": لم يرسلني الله بالرهبانية ولكن
بعثني بالحنيفية السهلة السمحة "
266

ونحو ذلك، وحينئذ فإن أريد بالضرر المذكور في كلامهم هو ما ذكرناه فالحق ما ذكره
في المعتبر ونقله عن الشيخ وأتباعه، وإن أراد غير ذلك فالحق ما ذكره المرتضى. وبالجملة
فإن هذا الضرر المذكور في كلامهم الذي سوغوا معه التيمم دون الشراء غير منقح ولا
مبين، فربما ظهر من بعض العبارات أنه عبارة عن خوف قلة المال خصوصا عند من يقيد
بالحال الحاضرة، قال في الذكرى بعد الإشارة إلى مضمون صحيحة صفوان: هذا مع
عدم الضرر الحالي أو المتوقع في زمان لا يتجدد له مال عادة أما معه فلا، وكذا لو
أجحف بماله للحرج. وظاهر اطلاق جملة من العبارات يقتضي عدم الفرق بين المجحف
وغيره فإنه ينتقل إلى الشراء، وقيده في الذكرى كما سمعت ومثله العلامة في التذكرة
بعدم الاجحاف بالمال وإن كان مقدورا للحرج. وفيه منع فإن ظواهر الأخبار المتقدمة
ترده، وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لعموم النصوص المتقدمة وغاية ما يمكن
استثناؤه منها بالأدلة العامة من خارج هو الصورة التي ذكرناها ودل عليها الخبر المتقدم.
وأما ما نقل عن ابن الجنيد من الانتقال إلى التيمم في الصورة الثانية وعدم
الشراء فقيل في الاحتجاج له: إن خوف فوات المال اليسير بالسعي إلى الماء مجوز للتيمم
فكيف يجب بذل الكثير على هذا الوجه فيه ولتساوي الحكم في تضييع المال
القليل والكثير وكفر مستحله وفسق غاصبه وجواز الدفع عنه؟ وأجيب عن ذلك
بالفرق بين جميع ما ذكر وموضع النزاع بالنص، وبالمنع من مساواة ما يبذله المكلف
باختياره وبين ما ينهب منه قهرا لما في الثاني من لزوم الغضاضة والإهانة الموجبة
للضرر بخلاف الأول لأن الفرض انتفاء الضرر فيه. وربما أجيب بالفرق بين الأمرين
بالعوض والثواب بمعنى أن اللازم من الفرع إنما هو الثواب لأنه عبادة اختيارية مطلوبة
267

للشارع وهو أضعاف ما دفع واللازم في الأصل إنما هو العوض وهو مساو لما أخذ منه
فلا يتم القياس واستضعفه في الذكرى استنادا إلى أنه إذا ترك المال لابتغاء الماء
دخل في حيز الثواب، وزاد عليه في الروض بعد استحسانه بأنه يجمع له حينئذ بين
العوض والثواب وهو أعظم من الثواب وحده. وبالجملة فالأولى هو الاستناد في الفرق
إلى النص مع قطع النظر عن الطعن فيما ذكره بأنه لا يخرج عن القياس كما قدمنا ذكره
في الكلام على كلام المعتبر.
(الموضع الثاني) - فقد الآلة التي يتوصل بها إلى الماء كما إذا مر ببئر أو شفير
نهر ولم يتمكن من الوصول إلى الماء إلا بمشقة أو تغرير بنفسه ولا آلة معه للاغتراف فإنه
يتيمم، قال في المنتهى: وهو قول علمائنا أجمع. أقول: ويدل عليه مضافا إلى الاجماع
المذكور المؤيد أيضا بنفي الحرج في الدين (1) ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسين
ابن سعيد عن عبيد الله بن علي الحلبي (2): " أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل
يمر بالركية وليس معه دلو؟ قال ليس عليه أن يدخل الركية لأن رب الماء هو رب الأرض
فليتيمم " وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب
جميعا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد
دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد فإن رب الماء هو رب الصعيد ولا تقع في البئر
ولا تفسد على القوم ماءهم " وما رواه ثقة الاسلام في الحسن عن الحسين بن أبي العلاء (4)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو؟ قال
ليس عليه أن ينزل الركية أن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم ".
(الموضع الثالث) - قد صرح الشيخ بأن من منعه الزحام يوم الجمعة أو يوم
عرفة عن الخروج للوضوء تيمم وصلى ثم أعاد، والأصل في الحكم المذكور ما رواه

1) راجع التعليقة 1 ص 266
2) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التيمم
268

الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (1) " أنه سئل عن رجل
يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة
الناس؟ قال يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف " وعن سماعة في الموثق عن الصادق
عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (2) " أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم
الجمعة أو يوم عرفة فأحدث أو ذكر أنه على غير وضوء ولا يستطيع الخروج من كثرة
الزحام؟ قال يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف " والحكم بالانتقال إلى التيمم في
الصورة المذكورة مما لا خلاف فيه فيما أعلم وإنما الكلام في الإعادة وظاهر كلام
الشيخ ومن تبعه وجوبها وكذا نقل عن ابن الجنيد، وقد استشكله جملة من محققي
المتأخرين ومتأخريهم بأن الأمر يقتضي الاجزاء وقد أدى الصلاة بتيمم صحيح حسبما
أمر فلا تتعقبه الإعادة، ومن أجل ذلك حملوا الأمر بالإعادة على الاستحباب كما هي
القاعدة المطردة عندهم في جميع الأبواب،
أقول: والتحقيق عندي في هذه المسألة هو أن يقال لا ريب أن الجمعات
والجماعات في وقتهم (عليهم السلام) إنما كانت للمخالفين والصلاة المذكورة في الخبرين
إنما هي معهم وذلك المحدث لا يمكنه الخروج للزحام ولا ترك الصلاة معهم للتقية فلذا
يعيد حينئذ والوقت غير مضيق، وذلك لأن هذا الزحام المانع إنما هو باجتماعهم في
الجامع فمتى فرغوا من الصلاة وتفرقوا وخرج هو معهم أعاد صلاته، وهذا لا اشكال
فيه. وأما ما ذكره في المعتبر - حيث قال: من أحدث في الجامع يوم الجمعة ومنعه الزحام
عن الخروج تيمم وصلى لأن وقت الجمعة ضيق والتقدير تقدير عدم التمكن من الخروج
ومن الماء فيجزيه التيمم، وهل يعيد؟ الوجه لا، لأنه صلى صلاة مأمورا بها مستجمعة
الشرائط حال أدائها فتكون مجزئة، وقال الشيخ يعيد وكذا قال ابن الجنيد، وربما

1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب التيمم
269

كان تعويله على رواية السكوني، ثم ساق الرواية وردها بضعف السند - ففيه أن الروايتين
اللتين هما المستند في هذه المسألة قد اشتملتا على يوم الجمعة ويوم عرفة، وفرضه المسألة
على ما قرره من ضيق وقت يوم الجمعة وإن تم له في يوم الجمعة إلا أنه لا يتم له في يوم
عرفة لأن المراد بالزحام يوم عرفة يعني في صلاة الظهرين في مسجد عرفة ووقت الظهرين
غير مضيق فلا يتمشى ما ذكره فيه، على أن الحق - كما عرفت - أن الصلاة إنما هي مع
جماعة المخالفين الذين هم أرباب الجمعات والجماعات في الصدر السابق سيما في المواضع الظاهرة
المكشوفة كعرفات ونحوها، ولا ريب أن المقتدي بهم من الشيعة لا يصليها جمعة وإنما
يصليها ظهرا، فلا يتم التقريب الذي ذكره من أن وقت الجمعة ضيق، وبالجملة فإنه على
ما ذكرنا لا اشكال بحمد الملك المتعال (فإن قيل): إن مقتضى ما ذكرتم من الصلاة
تقية مع سعة الوقت هو عدم صحة الصلاة فلماذا أمر (عليه السلام) بالتيمم والحال أن
الصلاة غير صحيحة ويجب إعادتها بعد خروجهم وتفرقهم؟ (قلنا) يمكن أن يكون لوجه
في هذا التيمم ما رواه الصدوق عن مسعدة بن صدقة (1) " أن قائلا قال لجعفر بن محمد
(عليه السلام) إني أمر بقوم ناصبية قد أقيمت لهم الصلاة وأنا على غير وضوء فإن لم
أدخل معهم قالوا ما شاءوا أن يقولوا فأصلي معهم ثم أتوضأ إذا انصرفت؟ قال سبحان
الله أما يخاف من يصلي على غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا " والتقريب فيها أنه
(عليه السلام) منع من الاتيان بصورة الصلاة وإن كانت باطلة باعتقاد صاحبها ومريدا
للإعادة لها بغير طهارة، والحال في الصورتين واحدة، والوضوء هنا متعذر فلا بد
من الانتقال إلى التيمم، فالأمر بالتيمم إنما هو لما دل عليه هذا الخبر كما عرفت (فإن
قيل: يمكن أن يكون مراده (عليه السلام) من الخبر المذكور إنما هو الأمر بالوضوء
والصلاة معهم على حسب الصلاة خلف المخالفين فتكون صلاة صحيحة، فيكون المنع
والتهديد المذكور إنما تعلق بالصلاة الصحيحة (قلنا): هذا المعنى بعيد عن ظاهر الخبر

1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب التيمم
270

بمراحل فإن السائل إنما سأل عن الصلاة معهم بما هو صورة الصلاة من مجرد الاتيان
بهذه الأفعال من غير أن يقصدها صلاة ويعتد بها والجواب إنما وقع بإزاء السؤال
المذكور، وظاهر السؤال المذكور أن الرجل غير متمكن من الوضوء في تلك الحال
والصلاة معهم ليدفع عن نفسه خوف الشنعة منهم، وحينئذ فحاصل جوابه (عليه السلام)
إنك لا تأتي بالصلاة وإن كنت لا تعتقدها صلاة بغير وضوء بل إن أمكنك الوضوء
والصلاة معهم فافعل وإلا فامض ولا تصل.
ويجب التنبيه هنا على فوائد: (الأولى) - قال المولى محمد تقي المجلسي في شرحه
على الفقيه بعد ذكر صحيحة صفوان: " الظاهر من الخبر لزوم الشراء ولو كان بأضعاف
ثمن المثل، وقيل يجب ما لم يجحف، والقول بالوجوب مشكل لأن استعمال الوجوب في
الاستحباب المؤكد شائع والقرينة " قد أصابني فاشتريت " والترغيب، فإنه يكون غالبا
في المستحبات والترهيب في الواجبات " انتهى. أقول لا يخفى ما فيه من الغفلة فإن
استعمال لفظ الوجوب في الاستحباب المؤكد إنما هو فيما إذا ورد في الخبر التعبير بلفظ
الوجوب فإنه غير صريح في المعنى الأصولي المشهور كما عرفت في غير موضع بل كما
يستعمل في المعنى المشهور يستعمل أيضا في الاستحباب المؤكد، لا ما إذا ورد الخبر
بلفط الأمر الدال على الوجوب أو بعبارة أخرى من الألفاظ الدالة على الوجوب فإنه
يجب الحمل على الوجوب البتة عملا باستعمال اللفظ في حقيقته، والخبر المذكور هنا لم
يشتمل على لفظ الوجوب حتى يتم تأويله المذكور وإنما اشتمل على النهي عن التيمم
والأمر باشتراء الماء والنهي حقيقة في التحريم والأمر حقيقة في الوجوب، ولا يجوز
العدول عن الحمل على الحقيقة إلا مع وجود الصارف عن ذلك. وليس فليس، ومجرد
استبعاده ذلك لا يكفي في رد الحكم الصريح من هذا الخبر وأمثاله كما عرفت، واستناده
إلى ما ذكره ضعيف لا يعول عليه.
(الثانية) - قد اختلفت نسخ الحديث في قوله في آخر صحيحة صفوان
271

" وما يشترى به مال كثير " ففي بعضها كما ذكرنا، وعلى هذا تكون " ما " حينئذ
موصولة و " يشترى " بحوز قراءته بالبناء للفاعل والبناء للمفعول، والمعنى أن الماء الذي
يشترى للوضوء بتلك الدراهم مال كثير لما يترتب عليه من الثواب العظيم والأجر الجسيم وربما
تقرأ بالمد " ماء " والمعنى يرجع إلى ما ذكر، وفي بعضها " يسوءني " من المساءة ضد المسرة
وعليه فيحتمل أن تكون " ما " نافية " أي ما يسوءني بذلك الماء اعطاء مال كثير في
الثمن، ويحتمل أن تكون استفهامية، وعلى هذا يكون " مال كثير " خبر مبتدأ محذوف
أي الذي اشترى به مال كثير، وفي بعضها " ما يسرني " من المسرة ضد المساءة،
وعلى هذا تكون " ما " موصولة والمال الكثير كناية عن الثواب. والمعنى أن الذي
يوجب لي السرور بهذا الشراء هو الثواب العظيم المترتب عليه، وأكثر المحدثين اعتمدوا
على نقل الحديث بما ذكرنا.
(الثالثة) - ما تقدم من البحث بالنسبة إلى الماء يأتي مثله بالنسبة إلى آلة
تحصيله من الدلو والرشاء حيث يتوقف تحصيله عليهما فيجب الشراء على التفصيل المتقدم
في شراء الماء، فمتى تمكن وانتفى الضرر على الخلاف المتقدم وجب لوجوب تحصيل
شرط الواجب المطلق بحسب الامكان، والقادر على شد الثياب بعضها ببعض والتوصل
إلى الماء بها ولو بشق بعضها وإن نقصت أثمانها متمكن مع عدم التضرر بذلك الداخل
تحت الحرج المنفي آية ورواية. (1)
(الرابعة) - قد أشرنا سابقا إلى اختلافهم في الحال المعتبرة في الضرر بدفع
الثمن الموجب للانتقال إلى التيمم هل هي عبارة عن الحال الحاضرة التي هي عبارة عن
وقت الشراء، وهذا هو صريح عبارة المعتبر المتقدمة، وعلى هذا لا عبرة بخوف
ضرره في المآل لامكان تجدد ما يندفع به الضرر ولعدم التضرر بذلك كحينئذ، أو أنها
عبارة عن حال المكلف؟ وهو صريح عبارة الذكرى المتقدمة، وهو الظاهر من كلام

1) راجع التعليقة 1 ص 266 و ج 1 ص 151
272

الشهيد الثاني في الروض فيعم الضرر الحالي والمتوقع حيث يحتاج إلى المال المبذول في مستقبل الزمان
الذي لا يتجدد له فيه مال عادة، فمتى لم يضره بذل الثمن في الحال والمال على الوجه
المذكور وجب الشراء. وأنت خبير بأن الأخبار المتقدمة وهي أخبار المسألة مطلقة في
هذا الحكم؟ كما ذكرناه آنفا، وتقييدها بالضرر المستفاد من الأدلة العامة يقتضي
الاقتصار على الحال الحاضرة لإناطة الحكم بها وصدق عدم الضرر يومئذ وامكان تجدد
ما يندفع به الضرر في المآل، ومنه يظهر قوة ما ذهب إليه في المعتبر.
(الخامسة) - لو بذل له الماء بثمن إلى أجل يقدر عليه عند الحلول فقد صرح
العلامة وجملة من الأصحاب بوجوب الشراء لأن له سبيلا إلى تحصيل الماء، واستشكل
بعض في ذلك بأن شغل الذمة بالدين الموجب للذلة - مع عدم الوثوق بالوفاء وقت الحلول
وتعريض نفسه لضرر المطالبة وامكان عروض الموت وهو مشغول الذمة - ضرر عظيم،
وفي حكمه الاقتراض للشراء. أقول: والمسألة لعدم النص محل توقف.
(السادسة) - لو وهبه الماء وأعاره الآلة فطاهر الأصحاب وجوب القبول هنا
بخلاف ما إذا وهبه الثمن، وعللوا الأول بأنه لا منة في هبة الماء ولا إعارة الآلة فلا يسوغ
له التيمم لأنه قادر على استعمال الماء بقبول ذلك فيكون كواجده، وهذا بخلاف هبة الثمن
فإنها لاشتمالها على المنة عادة الموجبة للغضاضة والامتهان لا يجب تحملها ولا قبولها وإن
قل الثمن، هذا هو المشهور، ونقل عن الشيخ أنه أوجب القبول لوجوب تحصيل شرط
الواجب المطلق، وكذا يجرئ الكلام في هبة الآلة أيضا، ويأتي على ما ذكره الشيخ
هنا أيضا وجوب القبول، وظاهر المدارك الميل إلى ما ذكره الشيخ (قدس سره) حيث
قال بعد نقل قول الشيخ: " استشكله المصنف في المعتبر بأن فيه منة بالعادة ولا يجب
تحمل المنة. وهو ضعيف لجواز انتفاء المنة ومنع عدم وجوب تحملها إذا توقف الواجب
عليه. ولو امتنع من قبول الهبة لم يصح تيممه ما دام الماء أو الثمن باقيا في يد المالك
المقيم على البذل " انتهى كلامه (رحمه الله) وهو جيد، ويؤيده أنهم صرحوا أيضا في
273

كتاب الحج بعدم حصول الاستطاعة بما يهبه له لعدم وجوب قبول الهبة لاشتمالها على المنة،
مع أن ظواهر الأخبار - كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى - دالة على وجوب القبول،
وبالجملة فالظاهر هو ما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) سيما مع موافقته الاحتياط المطلوب
في المقام، حيث إن المسألة عارية عن النص فيجب الوقوف فيها على جادة الاحتياط.
(المسألة الثالثة) - في الخوف والمراد به ما هو أعم من خوف لص أو سبع
أو نحو ذلك أو خوف المرض وحدوثه أو زيادته أو خوف العطش، فههنا مقامات ثلاثة:
(الأول) - في خوف السبع واللص ونحوهما، وقد صرح الأصحاب بأنه
لا فرق في جواز التيمم بين أن يخاف لصا أو سبعا على نفسه أو ماله، قال العلامة في المنتهى:
السبب الثاني أن يخاف على نفسه أو ماله لصا أو سبعا أو عدوا أو حريقا أو التخلف
عن الرفقة وما أشبهه فهو كالعدم، لا نعرف فيه خلافا لأنه غير واجد إذ المراد
بالوجدان أن يمكن الاستعمال لاستحالة الأمر بما لا يطاق، ثم استدل على ذلك برواية
يعقوب بن سالم ورواية داود الرقي. أقول: والروايتان قد قدمناهما في صدر المسألة
الأولى، وظاهرهما بل صريحهما تخصيص العذر بالخوف على النفس، وأما الخوف على
المال فلم أقف فيه على مستند إلا أنه اتفاقي بينهم. وصريح الروض - وهو ظاهر غيره
أيضا - أنه لا فرق في المال بين كونه له أو لغيره، وهو أشد. اشكالا. وأما ما في المسالك
- حيث قال بعد ذكر العموم في الخوف للنفس والمال: " ولا فرق بين كثير المال
وقليله، والفارق بينه وبين الأمر ببذل المال الكثير لشراء الماء النص لا كون الحاصل
في مقابلة المال في الأول هو الثواب لبذله في عبادة اختيارا وفي الثاني العوض وهو
منقطع، لأن تارك المال للص وغيره طلبا للماء داخل في موجب الثواب أيضا " انتهى
- ففيه أنا لم نقف على نص يدل على وجوب الانتقال إلى التيمم للخوف على المال
سوى الروايتين المشار إليهما، وظاهرهما بل صريحهما ينادي بأن المراد إنما هو الخوف
على النفس كما عرفت لقوله في الأول " لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع "
274

ومن الظاهر أن التغرير بالنفس إنما هو عبارة عن تعريضها لما يوجب الهلاك، وفي الثانية
" فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع " (1) وهي ظاهرة أيضا
فيما ذكرناه. نعم قد ورد النص ببذل المال الكثير في الشراء كما تقدم من صحيحة
صفوان وبالجملة فإني لا أعرف لهم دليلا على وجوب الانتقال إلى التيمم لخوف ضياع
المال إلا ما في المدارك من دعوى عموم ما يدل على رفع الحرج والعسر، قال: ولا
ريب أن تعريض المال للصوص حرج عظيم ومهانة على النفس بخلاف بذل المال اختيارا
فإنه لا غضاضة فيه على أهل المروة بوجه، قال ولعل ذلك هو الفرق بين الموضعين. انتهى
وزاد بعضهم الاستناد إلى ما دل على وجوب حفظ المال وصيانته. أقول: وفيه أنه
معارض بما دل على وجوب الوضوء والغسل من الآية والروايات المستفيضة وهو أصرح
واضح فيجب تقديم العمل به وارجاع ما خالفه إليه بالحمل على غير الصورة المذكورة
على أن دعوى لزوم الحرج بتعريض المال للصوص ووجوب الحفظ وصيانة المال في هذه
الحالة ممنوعة سيما الثاني فإنه مصادرة ظاهرة، ومع التسليم فنقول عامان تعارضا وتقييد
ما ذكرناه من العموم ليس أولى من تقييد ما ذكروه وبذلك لا يتم الاستدلال، وعلى
كل تقدير فهذه الأدلة مع تسليمها لا تشمل مال الغير ومدعاهم كما تقدم حفظ المال مطلقا
له ولغيره وهو أظهر فسادا، وهذا بحمد الله سبحانه واضح لمن عرف الرجال بالحق
لا الحق بالرجال.
وألحق الأصحاب بالخوف على النفس والمال الموجب للانتقال إلى التيمم الخوف
أيضا على العرض والبضع والخوف من الفاحشة سواء في ذلك الرجل والمرأة، وكذا
لو خاف على أهله إن مضى إلى الماء لصا أو سبعا. وجزم في المعتبر بأن الخوف الحاصل
بسبب الجبن كذلك، وتنظر فيه العلامة في المنتهى مع أن المنقول عنه في غيره القول
بالأول وهو المشهور بينهم، وأيده بعضهم بأنه ربما أدى الجبن إلى ذهاب العقل الذي

1) تقدمتا ص 249
2) ص 265
275

هو أقوى من كثير مما يسوغ التيمم لأجله.
(المقام الثاني) - في خوف المرض الشديد باستعمال الماء إما بخوف حدوثه
أو زيادته أو بطؤ برئه سواء كان عاما لجميع البدن أو مختصا بعضو، ويدل على ذلك
من الآيات عموما قوله عز وجل: " وما جعل عليكم في الدين من حرج " (1) " ما يريد
الله ليجعل عليكم من حرج " (2) " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " (3)
" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " (4) والوسع دون الطاقة، روى العياشي في تفسير
هذه الآية عن أحدهما (عليهما السلام) (5) " لا يكلف الله نفسا فيما افترض عليها إلا
وسعها أي إلا ما يسعه قدرتها فضلا ورحمة " وقوله تعالى: " ولا تقتلوا أنفسكم " (6)
" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (7) وخصوصا قوله عز وجل فيما تقدم من الآية التي في
صدر الباب " وإن كنتم مرضى. " وقد تقدم تفسيره عنهم (عليهم السلام) أي مرضا
يضر معه استعمال الماء أو يوجب العجز عن السعي إليه، ومن الأخبار عموما قوله
(صلى الله عليه وآله) (8): " بعثت بالحنيفية السمحة " وقوله (صلى الله عليه وآله) (9)
" لا ضرر ولا ضرار " وقولهم (عليهم السلام) (10): " إن دين محمد أوسع مما بين
السماء والأرض أن الخوارج ضيقوا على أنفسهم وأن الدين أوسع من ذلك " وخصوصا
الأخبار المستفيضة، ومنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (11) قال:

1) سورة الحج. الآية 77
2) سورة المائدة الآية 6
3) سورة البقرة. الآية 581
4) سورة البقرة. الآية 286
5) رواه الكاشاني في الصافي في تفسير الآية
6) سورة النساء الآية 29
7) سورة البقرة. الآية 591
8) راجع التعليقة 1 ص 266
9) رواه في الوسائل في الباب 5 من الشفعة و 12 من احياء الموات
10) ورد قوله " أن الخوارج. الخ " في صحيحة البزنطي المتقدمة ج 1 ص 69
11) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم
276

" سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجنب تكون به القروح؟ قال لا بأس بأن
لا يغتسل يتيمم " وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح عن الرضا (عليه
السلام (1)) " في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يخاف على نفسه من
البرد؟ قال لا يغتسل يتيمم " وفي الكافي عن محمد بن سكين وغيره عن الصادق
(عليه السلام) (2) قال: " قيل له إن فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات؟
فقال قتلوه ألا سألوا ألا يمموه إن شفاء العي السؤال " قال (3): " وروي ذلك في
الكسير والمبطون يتيمم ولا يغتسل " ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من
كتاب محمد بن علي بن محبوب عن ابن أبي عمير (4) مثله إلا أنه قال: " قيل يا رسول الله
(صلى الله عليه وآله. " وذكر الحديث، ورواه الصدوق مرسلا عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) (5) وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (6) قال: " سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات؟ فقال قتلوه ألا
سألوا فإن دواء العي السؤال " وعن جعفر بن إبراهيم الجعفري عن الصادق (عليه
السلام) (7) قال: " إن النبي (صلى الله عليه وآله) ذكر له أن رجلا أصابته جنابة
على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قتلوه قتلهم الله تعالى إنما كان دواء العي السؤال " وروى الصدوق في الصحيح عن محمد
ابن مسلم (8) " أنه سأل الباقر (عليه السلام) عن الرجل يكون به القروح والجراحات
فيجنب؟ قال لا بأس بأن يتيمم ولا يغتسل " قال (9) " وقال الصادق (عليه السلام)
المبطون والكسير يؤممان ولا يغسلان ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم الفرق
في تجويز التيمم بين متعمد الجنابة وغيره، وأسند المحقق في المعتبر إلى الشيخين أن من

1) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم
6) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم
7) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم
8) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم
9) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب التيمم
277

أجنب نفسه مختارا لم يجز له التيمم وإن خاف التلف أو الزيادة في المرض. أقول: لا ريب
أن عبارة المفيد على ما في المختلف صريحة في ذلك حيث قال: من أجنب مختار أوجب عليه الغسل
وإن خاف منه على نفسه ولم يجزه التيمم، بهذا جاء الأثر عن أئمة آل محمد (عليهم السلام).
وفي المختلف عن ابن الجنيد أيضا أنه قال: ولا أختار لأحد أن يتلذذ بالجماع اتكالا على التيمم
من غير جنابة أصابته فإن احتلم أجزأه. وأما الشيخ فالذي نقله عنه في المختلف أن
خائف التلف على نفسه يتيمم ويصلي ويعيد الصلاة إذا وجد الماء واغتسل، وهذا القول
منقول عنه في النهاية والمبسوط وأما في التهذيب فإنه جعل الأولى أن يغتسل على كل حال
وظاهر المعتبر أن القول الذي نقله عنه موافقا لمذهب المفيد هو قوله في الخلاف، وحينئذ
فيختص خلافه في المسألة بقوله في الخلاف. ثم لا يخفى أن الصدوق في الفقيه قال (1):
" وسئل الصادق (عليه السلام) عن مجدور أصابته جنابة فقال إن كان أجنب هو
فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم " وظاهر نقله الرواية والجمود عليها أنه يفتي بمضمونها
بناء على قاعدته في أول الكتاب التي بنوا عليها مذاهبه فيه، ولم أعثر على من نسب
ذلك إليه مع أن الأمر كما ترى، إلا أنه قال بعد هذه الرواية المذكورة: " والجنب
إذا خاف على نفسه من البرد يتيمم " وهذه الزيادة محتملة لأن تكون من كلامه وأن
تكون من الخبر، ويؤيد الأول أن هذا الخبر الذي نقله عين مرفوعة علي بن أحمد
الآتية وهي عارية عن هذه الزيادة، وكيف كان فإنه لا يخفى مدافعة هذه الزيادة للخبر
الذي ذكره وإن كان التأويل ولو بتمحل ممكنا، وإلى هذا القول ذهب في الوسائل.
وها أنا أذكر جملة ما وقفت عليه من أدلة القول المذكور وأبين - بحمد الله
سبحانه - ما فيها من الضعف والقصور ومنه يظهر قوة القول المشهور وأنه هو المؤيد
المنصور، فمن ذلك ما رواه ثقة الاسلام عن عدة من أصحابنا عن علي بن أحمد رفعه
عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن مجدور أصابته جنابة؟ قال إن أجنب

1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب التيمم
278

هو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم " وعن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه (1) قال:
إن أجنب نفسه فعليه أن يغتسل على ما كان منه وإن احتلم فليتيمم " وصحيحة
محمد بن مسلم (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تصيبه الجنابة في أرض
باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامدا؟ فقال يغتسل على ما كان حدثه رجل
أنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد فقال اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل.
وذكر الصادق (عليه السلام) أنه اضطر إليه وهو مريض فأتوه به مسخنا وقال لا بد من
الغسل " وصحيحة سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام) (3) " أنه سئل عن رجل
كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع؟ قال يغتسل
وإن أصابه ما أصابه، قال وذكر أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان
بارد وكانت ليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم احملوني فاغسلوني فقالوا إنا
نخاف عليك فقلت لهم ليس بد فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني ".
هذا ما وقفت عليه من أدلة القول المذكور وتطرق الطعن إليها ظاهر من وجوه
(أحدها) - أن ظاهر المرفوعتين المتقدمتين - هو أيضا ظاهر عبارتي شيخنا المفيد
وابن الجنيد - أن الجماع في حال عدم الماء أو التضرر به الموجب للتيمم غير جائز ولا
مشروع، ومن ثم وجب على من تعمد ذلك في الحال المذكورة الغسل وإن أصابه
ما أصابه عقوبة له بخلاف ما لو احتلم فإنه يجزئه التيمم لعدم التعمد والتقصير، والقول
بذلك مع كونه مخالفا للاجماع كما نقله في المعتبر مردود بما رواه الإسكافي في الصحيح
أو الموثق عن إسحاق بن عمار (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أيأتي أهله؟ قال ما أحب أن يفعل إلا أن يخاف على
نفسه. قال قلت طلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء؟ قال إن الشبق يخاف على

1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 50 من مقدمات النكاح
279

نفسه. قلت طلب بذلك اللذة؟ قال هو حلال. قلت: فإنه يروى عن النبي (صلى الله
عليه وآله) أن أبا ذر سأله عن هذا فقال: ائت أهلك تؤجر. فقال يا رسول الله (صلى الله
عليه وآله) آتيهم وأؤجر؟ فقال رسول الله كما أنك إذا أتيت الحرام وزرت فكذلك إذا أتيت
الحلال أجرت. فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال
أجر؟ " وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب
عن إسحاق بن عمار (1) قال: " سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يكون مع
أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله؟ فقال ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن يكون
شبقا أو يخاف على نفسه، قلت يطلب بذلك اللذة؟ قال هو حلال قلت فإنه روي
عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأن أبا ذر سأله عن هذا فقال ائت أهلك تؤجر.
فقال يا رسول الله وأؤجر؟ فقال كما أنك إذا أتيت الحرام وزرت فكذلك إذا أتيت
الحلال أجرت، فقال ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أجر؟ " وهذان الخبران
مع صحتهما ظاهران في المراد عاريان عن وصمة الإيراد. وما رواه في التهذيب عن
السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن أبي ذر والصدوق في الفقيه
عن أبي ذر (رضي الله عنه) (2) " أنه أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله
هلكت جامعت على غير ماء. قال فأمر النبي (صل الله عليه وآله) بمحمل فاستترت به
وبماء فاغتسلت أنا وهي، ثم قال يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين " والتقريب فيه
أن النبي (صلى الله عليه وآله) أقره على ما فعل ولم ينكر عليه، ومقتضى المرفوعتين
المذكورتين وكلام الفاضلين المذكورين لو صح ما ذكروه تغريره لفعله أمرا محرما،
ونحوها صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن رجل

1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 9 و 28 من أبواب التيمم
280

أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا؟ فقال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا
أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه " والتقريب فيها أن الجنابة فيها أعم
من الاحتلام وقد أمره بالتيمم والحال هذه ولم ينكر عليه ذلك.
و (ثانيها) - ما عرفت من استفاضة الآيات والروايات بعدم تكليفه سبحانه
بما يؤدي إلى الحرج والضرر، وقد استفاضت الأخبار عنهم (عليهم السلام) بأن
ما خالف كتاب الله يضرب به عرض الحائط وأنه زخرف (1) ولا ريب في مخالفة هذه الأخبار لظاهر الكتاب والسنة المستفيضة فيجب الاعراض عنها وارجاعها إلى قائلها.
و (ثالثها) - أنه لا يخفى على من نظر في التكاليف الشرعية بعين التحقيق
وتأمل فيها بالفكر الصائب الدقيق أنه يعلم منها علما جاز ما لا يخالجه الريب ولا يتطرق
إليه العيب أن اعتناء الشارع بالأبدان ورعايته لها مقدمة على رعاية الأديان، وأنه
لا يكلف العبد إلا ما يدخل قدرته ووسعه بل دون ذلك، ألا ترى أنه أوجب
على المسافر القصر رعاية لمشقة السفر وأوجب على المتضرر بالماء الانتقال إلى التيمم
وأوجب على المتضرر بالقيام في الصلاة العقود وبالقعود الاضطجاع وعلى المتضرر بالصيام
الافطار، إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبع، وكل ذلك منه عز شأنه
رعاية للبدن ومحافظة عليه من الضرر، وجميع هذه الحالات التي نقلهم إليها ربما يطيقون
القيام بالحالات التي قبلها إلا أنه لما فيها من المشقة والعسر نقلهم عنها إلى ما لا مشقة فيه
أو ما هو أهون مشقة لطفا بهم وعناية لهم، ويعضد ما ذكرناه من هذه المقالة جملة من
الأخبار الواضحة المنار الساطعة الأنوار، ومنها - موثقة محمد بن علي الحلبي المروية في
كتاب التوحيد عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " ما أمر العباد إلا بدون سعتهم
وكل شئ أمر الناس بأخذه فهم متسعون له وما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم ولكن

1) رواها في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به
2) في الباب 55 وهو باب الاستطاعة
281

الناس لا خير فيهم " وهو صريح في المقام، وما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن حمزة بن
الطيار عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " قال لي كتب فأملى علي أن من قولنا إن الله يحتج
على العباد بما آتاهم، ثم ساق الخبر إلى أن قال: ولا أقول إنهم ما شاؤوا صنعوا، ثم قال ما أمروا
إلا بدون سعتهم وكل شئ أمر الناس به فهم متسعون له وكل شئ لا يتسعون له فهو موضوع
عنهم ولكن الناس لا خير فيهم " وما رواه الصدوق في كتاب الاعتقادات عن الصادق
(عليه السلام) مرسلا (2) قال: " والله ما كلف الله تعالى العباد إلا دون ما يطيقون
لأنه كلفهم في كل يوم وليلة خمس صلوات وكلفهم في السنة صوم ثلاثين يوما وكلفهم في
كل مائتي درهم خمسة دراهم وكلفهم في العمر حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك " وما في
المحاسن في الصحيح عن هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " إن الله
تعالى أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون. " وعن هشام بن سالم في الصحيح عن
الصادق (عليه السلام) (4) قال: " ما كلف الله تعالى العباد إلا ما يطيقون، إنما كلفهم في
اليوم والليلة خمس صلوات وكلفهم من كل مائتي درهم خمسة دراهم وكلفهم صيام شهر رمضان
في السنة وكلفهم حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك وإنما كلفهم دون ما يطيقون "
أقول: فانظر إلى صراحة هذه الأخبار وتطابقها فيما ذكرناه مع تأيدها بالدليل العقلي
المجمع عليه بين كافة العقلاء من وجوب دفع الضرر عن النفس وعدم جواز التغرير بها.
و (رابعها) - الأخبار الدالة على خلاف ما دلت عليه أخبار الخصم في الصورة
المذكورة، ومنها - صحيحة عبد الله بن سنان المروية في الفقيه " أنه سأل الصادق
(عليه السلام) عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف أن
اغتسل؟ قال يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل أعاد الصلاة " وما رواه الشيخ عن

1) رواه في باب حجج الله على خلقه من كتاب التوحيد
2) في الباب 3
3) ص 296
4) ص 296
5) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب التيمم
282

جعفر بن بشير عمن رواه عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن رجل
أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل؟ قال يتيمم ويصلي فإذا
أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة " ورواية محمد بن سكين وقد تقدمت في صدر المقام (2)
ونحوها من الروايات المتقدمة مما دل باطلاقه على أن مناصبته جنابة تتضرر بالغسل
يتيمم أعم من أن تكون الجنابة من احتلام أو تعمد، وما في الوسائل - من تقييد هذا
الأخبار بالأخبار التي استند إليها وهي التي قدمناها - مردود بأن تلك الأخبار قد أسقطناها
لمخالفتها الكتاب العزيز والسنة المطهرة المستفيضة المعتضدة بأدلة العقل، إذ ذلك قضية
العرض على كتاب الله تعالى كما استفاضت به الأخبار عنهم (عليهم السلام) وإلا لزم
طرح أخبار العرض مع استفاضتها واجماع الطائفة على العمل بها وفيه من الشناعة ما لا يلتزمه
محصل، وقد روى هذا القائل في كتابه المشار إليه من أخبار العرض ما يكاد يبلغ التواتر
المعنوي، وقد عضد الجميع في ذلك الأخبار التي ذكرناها في المقام الثالث مضافا إلى ما سنبينه
إن شاء الله تعالى من الطعن في مضامينها وحينئذ فلم يبق لها وجود بالكلية فضلا أن
يرتكب بها التخصيص لما ذكرناه من الأخبار.
و (خامسها) - توجه الطعن إلى الروايات المذكورة، أما المرفوعتان فلا
صراحة فيهما بل ولا ظاهرية سيما الأولى بحصول ضرر بالغسل يوجب الانتقال إلى التيمم
وحينئذ فلا تنطبقان على محل النزاع، ويمكن حملهما على أن وجه الفرق فيهما بين الجماع
عن تعمد فيجب عليه الغسل والاحتلام فيتيمم أن ذلك المريض لم يتعمد الجنابة إلا حيث
كان قادرا على الاغتسال من غير ضرر ولا مشقة شديدة فأوجب عليه الغسل حينئذ
وأما الاحتلام فليس كذلك، وحاصله أن المرض المذكور موجب للتيمم صاحبه
متى جامع متعمدا فهو قرينة على قدرته على الاغتسال، وهذا الوجه كاف في قبول
الخبرين وانطباقهما على الأخبار وعدم خروجهما عن موافقة الكتاب والسنة، ولعل في

1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب التيمم
2) ص 277
283

قول الصدوق في الفقيه بعد نقل مضمون مرفوعة علي بن أحمد: " والجنب إذا خاف
على نفسه من البرد يتيمم " ما يشير إلى ما ذكرناه، فإن الظاهر أنه فهم من الخبر عدم
التضرر بالغسل فأردفه بهذا الكلام لدفع ما فيه من الاجمال وبيان أنه من تضرر بالغسل
انتقل إلى التيمم، وبه يزول ما أوردناه عليه آنفا من الاشكال ويرتفع عن كلامه
الاختلال. وأما الخبران الآخران فليس فيهما تصريح بالفرق بين كون الجنابة عمدا
أو احتلاما بل ظاهرهما وجوب الغسل مطلقا فلا يقومان حجة على التفصيل المدعى
في المسألة. وبالجملة فما فيه تفصيل ليس فيه تصريح بالضرر وما فيه تصريح بالضرر فليس
فيه تفصيل. ولو قيل إن صحيحة سليمان بن خالد دلت على كونه (عليه السلام) قد
أصابته جنابة فتحمل ذلك الضرر العظيم في الغسل وجنابته (عليه السلام) لا يجوز أن
تكون من احتلام لعدم جوازه على المعصوم. قلنا نعم الأمر كذلك ولكن الحمل أيضا
على تعمد الجنابة في تلك الحال المحكية في الخبر لا يقصر في البعد عن الأول، فإن
ظاهر الخبر أنه (عليه السلام) كان في سفر وأنه وجع وجعا شديدا يمنعه من الحركة
والمشي وصب الماء على نفسه فاحتمال أنه يجامع على هذه الحال ويتحمل هذه المشقة الشديدة
لا يكاد يتصور في عقل عاقل ولا يدخل في فهم فاهم، واحتمال عروض هذه الحال بعد
الجنابة يرده سياق الخبر، والتعلق بمثل هذا الخبر على ما فيه من التهافت والخروج عن
مقتضى العقول السليمة في مقابلة تلك الأخبار المعتضدة بما عرفت لا يخلو من مجازفة.
وفيما ذكرناه في المقام كفاية واضحة لذوي الأفهام. والله العالم.
وتمام الكلام في المقام يتوقف على رسم فوائد: (الأولى) - المشهور بين الأصحاب
القائلين بالتيمم في هذه الصورة عدم وجوب الإعادة بعد وجود الماء، وذهب الشيخ
في النهاية والمبسوط إلى الوجوب كما تقدم نقله عنه، والذي يدل علي المشهور روايات
مستفيضة سيأتي ذكرها في الباب، واستدل في التهذيب على ما ذهب إليه برواية جعفر
ابن بشير المتقدمة في الوجه الرابع من وجوه الطعن ومثلها صحيحة عبد الله بن سنان
284

المروية في الفقيه، والأصحاب قد أجابوا عنهما بالحمل على الاستحباب، وسيأتي تحقيق
المسألة المذكورة إن شاء الله تعالى في المواضع المشار إليه.
(الثانية) - لا يخفى أنه قد دلت هذه الأخبار التي قدمناها في صدر هذا
المقام على أن من به القروح والجروح ينتقل فرضه إلى التيمم مع أنه قد تقدم في المسألة
الحادية عشرة من المسائل الملحقة بالوضوء جملة من الروايات الدالة على وجوب الوضوء
وغسل ما حول القرح والجرح إذا لم يكن عليه جبيرة وإلا فغسل الجبيرة أو المسح عليها
على التفصيل المتقدم في تلك المسألة، وقد ذكرنا ثمة وجه الجمع بين أخبار المسألتين بما
يرفع عنها التنافي والتدافع في البين.
بقي الكلام هنا في الرمد الذي يتضرر صاحبه
بغسل عينيه كلتيهما أو إحداهما هل يكون من قبيل مسألة القروح والجروح الموجبة
للوضوء بأن يغسل ما حول العين إن لم يكن عليها دواء وإلا فيمسح على الدواء الذي
عليها أو أنه ينتقل فرضه إلى التيمم؟ وجهان، للأول المشاركة في المعنى للقرح المختص
بموضع مخصوص مخصوص من الجسد، وللثاني الاقتصار على مورد النصوص مما يسمى قرحا ووجع
العين مرضها لا يسمى قرحا لغة ولا عرفا ولا شرعا، ولم أقف على كلام لأصحابنا
(رضوان الله عليهم) في هذا المسألة، والذي يقرب عندي في ذلك هو أنه إن كان
يتضرر بغسل وجهه فإنه ينتقل إلى التيمم وإن كان لا يتضرر بغسل ما عدا العين فالواجب
الوضوء والغسل وغسل ما حول العين ولو بنحو الدهن، وبالجملة فحكمها حكم القروح
والجروح وذكر القروح والجروح في بعض الأخبار إنما وقع في كلام السائلين فالاعتبار
بعموم الجواب وفي بعض يحمل على مجرد التمثيل، ويزيده تأكيدا أن الواجب شرعا
هو الوضوء ولا يجوز الانتقال عنه إلى بدله إلا بدليل واضح، ومجرد تضرر العين خاصة
لم يثبت كونه ناقلا شرعيا سيما مع وجود النصوص في نظائره من القرح والجرح وأن
الحكم فيها هو الوضوء وعدم جواز الانتقال عنه وأن الحكم في ذلك الموضع الذي
يتضرر بالماء هو تركه بغير غسل إن كان مكشوفا أو المسح على الدواء إن لم يكن
285

كذلك على التفصيل المتقدم في المسألة، ويؤيده أيضا وجه الجمع الذي قدمناه في المسألة
المشار إليها من مسائل توابع الوضوء من أن التيمم مخصوص بالبدلية عن الغسل باعتبار
ما على البدن من القروح والجروح التي يتضرر بكشفها إلى الهواء وبملاقاتها البرودة
أو الوضوء إذا حصل التضرر على الوجه المذكور وإلا فالوضوء أو الغسل دون التيمم
والعمل في موضع القرح بما تقدم من التفصيل.
(الثالثة) - الظاهر أن المراد بالمرض الموجب للتيمم هو ما يشق معه استعمال
الماء بخوف حدوثه أو زيادته أو بطؤ برئه ويصعب على وجه لا يتحمل عادة، لأن
التكليف - كما عرفت من الروايات المتقدمة - إنما تعلق بالوسع دون الطاقة بمعنى أنه
وإن أطاقه وأمكن الاتيان به بمشقة فإنه لا يكلف به وإنما يكلف بوسعه يعني ما لا مشقة
فيه وإن كان فيه نوع أذى مثل وجع الرأس في الجملة أو الضرس أو نحو ذلك فإنه
لا يوجب الانتقال إلى التيمم، وليس له حد شرعي بل الانسان على نفسه بصيرة،
وفي موثقة زرارة (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ما حد المرض الذي
يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام؟ فقال بل الانسان على نفسه بصيرة هو أعلم بما
يطيقه " قال في المعتبر: يستبيح المريض التيمم مع خوف التلف ولا يستبيحه مع خوف
المرض اليسير كوجع الرأس والضرس، وهل يستبيحه بخوف الزيادة في العلة أو بطؤها
أو الشين؟ مذهبنا نعم، ثم نقل الخلاف من العامة (2) وفي الشرائع قال لو خشي المرض

1) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب القيام في الصلاة
2) في بدائع الصنائع ج 1 ص 48 " إذا كان به جراحة أو جدري أو مرض
يضره استعمال الماء فيخاف زيادة المرض باستعمال الماء يتيمم عندنا، وقال الشافعي لا يجوز
التيمم حتى يخاف التلف " وفي المغني ج 1 ص 258 " اختلف في الخوف المبيح للتيمم
فروى عن أحمد واحد قول الشافعي إنه لا يبيحه إلا خوف التلف وظاهر المذهب يبيح
التيمم إذا خاف زيادة المرض أو تباطؤ إلى أن قال وعليه أبو حنيفة والقول الثاني الشافعي "
286

الشديد أو الشين باستعمال الماء جاز له التيمم. وبذلك صرح العلامة في جملة من كتبه،
وظاهر كلامه في النهاية وكذا في الإرشاد تعليق الجواز على مطلق المرض، وهو ظاهر
الذكرى حيث قال: أما الضرر اليسير كصداع أو وجع ضرس فغير مانع، قاله الفاضلان
لأنه واجد للماء. ويشكل بالعسر والحرج وبقول النبي (صلى الله عليه وآله) " لا ضرر
ولا ضرار " (1) مع تجويزهما التيمم للشين، ونقل عن الشيخ علي أنه قواه وزاد في الاحتجاج
أنه لا وثوق في المرض بالوقوف على الحد اليسير، قال في الذخيرة " وربما كان
الخلاف مرتفعا في المعنى، فإنه مع الضرر والمشقة الشديدة يجوز التيمم عند الجميع لأن
المرض والحال هذه لا يكون يسيرا ومع انتفاء المشقة وسهولة المرض لا يسوغ التيمم
عند الجميع أيضا وهو غير ثابت " انتهى. أقول: قد عرفت مما قدمناه أن الأظهر هو
ما ذكره الفاضلان، ويؤيده أيضا أن الظاهر من أخبار التضرر بالصيام الموجب للافطار
والتضرر بالصلاة قائما الموجب للجلوس وهكذا بالنسبة إلى الاضطجاع ونحو ذلك هو
الضرر الذي لا يتحمل مثله عادة بأن يحصل له مشقة في تحمل ذلك لا مجرد الضرر
وحصول الوجع مثلا الذي يمكن تحمله والصبر عليه، ويدل عليه ما تقدم في موثقة زرارة
" هو أعلم بما يطيقه " يعني بما يتمكن من الاتيان به ولا ريب أن التمكن حاصل مع
الضرر اليسير. وأما جعله في الذخيرة النزاع هنا لفظيا ففيه أن كلام الفاضلين صريح في أن اليسير من الوجع كوجع الرأس والضرس لا يستبيح به التيمم، وصريح كلام الذكرى
فيما طويناه من نقل عبارته (2) الاستشكال فيما ذكراه هنا ودعوى لزوم الحرج والعسر
بذلك وأنه ضرر منفي بقوله (صلى الله عليه وآله): " لا ضرر ولا ضرار " (3) فكيف
يكون النزاع لفظيا والحال كما عرفت
(الرابعة) - قد صرح العلامة وغيره من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأن المرجع في معرفة الضرر باستعمال الماء إلى الوجدان الحاصل بالتجربة أو غيرها أو

1) رواه في الوسائل في الباب 5 من الشفعة و 12 من احياء الموات
2) أدرجت عبارة الذكرى في هذه الطبعة تبعا للطبعة القديمة
3) رواه في الوسائل في الباب 5 من الشفعة و 12 من احياء الموات
287

أخبار عدل، ولو حصل الظن بأخبار فاسق أو صبي أو امرأة أو مخالف غير متهم في
دينه قال في التذكرة الأقرب القبول لأنه يجري مجرى العلامات كما يقبل قول القصاب
الفاسق في التذكية، وبذلك أيضا صرح جملة ممن تأخر عنه. وأيده بعضهم بأن غاية
ما تفيده الآية الشريفة اعتبار ظن الضرر فيكفي حصوله بأي وجه اتفق، وظاهره
في المنتهى أنه لا يقبل هنا قول الذمي وإن كان عارفا وقصر الحكم على قول العارف
المسلم والعارف الفاسق أو المراهق لحصول الظن بالضرر. وفيه أنه خلاف ما صرحوا
به في غير هذا الموضع من الرجوع إلى قول الكافر متى أفاد الظن إذ المراد إنما هو على
حصوله بأي نوع اتفق.
(الخامسة) - لو كان الحكم هو التيمم وخالف المكلف فتوضأ أو اغتسل
والحال أنه لم يجز له شرعا فهل يجزئ؟ قيل فيه نظر، من امتثال أمر الوضوء أو الغسل
ومن عدم الاتيان بالمأمور به الآن فيبقى في عهدة التكليف، والنهي عن استعماله في الطهارة
المقتضي للفساد في العبادة. أقول: لا ريب أن الوجه هو الثاني، والأول ضعيف فإنه
غير مكلف في هذه الحال بالوضوء أو الغسل حتى يستند إلى امتثال الأمر.
(السادسة) - إذا أمكن تسخين الماء للمتضرر بالبرودة واستعماله على وجه
يأمن من الضرر وجب ولم يجز له التيمم، ولو احتاج إلى شراء حطب أو استيجار من
يسخنه وجب مع المكنة، ولو احتاج تحصيل الماء إلى حركة عنيفة لا يمكن تحملها عادة
لكبر أو مرض جاز له التيمم، ولو وجد من يناوله الماء بأجرة وجب مع المكنة،
وأدلة الجميع ظاهرة.
(السابعة) - الظاهر أنه لا فرق في الجبائر والقروح التي يجب معها الوضوء
بين أن تكون في موضع يسير أو في أكثر العضو، فإنه يغسل الباقي ويعمل في موضع الجبر
أو الجراحة ما تقدم في حكم الجبائر، بخلاف ما إذا استوعبت العضو المغسول أو الممسوح
فإنه ينتقل إلى التيمم، مع احتمال غسل الأعضاء الصحيحة أو مسحها والعمل في هذا
288

العضو كملا بما هو حكم الجبائر والقروح على التفصيل المتقدم في تلك المسألة، ولم أقف
على من تعرض لهذه المسألة، والاحتياط فيها عندي بالعمل بالكيفية المذكورة والتيممم بعد
ذلك لعدم النص الظاهر، وإن أمكن اندراجها في عموم أخبار القروح والجروح المشتملة
على الوضوء.
(المقام الثالث) - في خوف العطش، الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) في الانتقال إلى التيمم لو لم يكن معه من الماء إلا ما يضطر إليه
لشربه ويخاف العطش إن استعمله في طهارته، قال في المعتبر: وهو مذهب أهل العلم
كافة. أقول: ويدل عليه مضافا إلى الاجماع المذكور جملة من الأخبار: منها - ما رواه
الشيخ في الصحيح عن محمد الحلبي (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الجنب
يكون معه الماء القليل فإن هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم؟ قال بل يتيمم
وكذلك إذا أراد الوضوء " وعن سماعة في الموثق (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته؟ قال يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء فإن
الله عز وجل جعلهما طهورا: الماء والصعيد " وعن ابن سنان - والظاهر أنه عبد الله -
في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) (3) " أنه قال في رجل أصابته جنابة في السفر وليس
معه إلا ماء قليل يخاف إن هو اغتسل أن يعطش؟ قال: إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة
وليتيمم بالصعيد فإن الصعيد أحب إلي " ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن ابن سنان
مثله (4) وما رواه في الكافي في الحسن عن ابن أبي يعفور (5) قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يجنب ومعه من الماء قدر ما يكفيه لشرابه أيتيمم أو يتوضأ؟
قال يتيمم أفضل ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف الطهور " والأخبار المذكورة ظاهرة
في المراد مؤيدة بما تقدم قريبا من دلالة الأخبار في جملة من الأحكام على أن عنايته سبحانه
بالأبدان أشد من الأديان، ولا ينافي ذلك لفظ " أحب إلي " ولفظ " أفضل " فإن

1) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 25 من أبواب التيمم
289

الواجب أحب إليه (عليه السلام) وهو الذي فيه الفضل، وأفعل التفضيل ليس على بابه هنا
كما هو شائع في الأخبار وغيرها.
بقي الكلام هنا في مواضع: (الأول) - لو خشي العطش على رفيقه أو على
دوابه فالذي صرح به جملة من الأصحاب: منهم - المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى
أنه يجب التيمم أيضا، مستندين في الأول إلى أن حرمة أخيه المسلم كحرمته وأن حرمة
المسلم آكد من حرمة الصلاة، وفي الثاني إلى أن الخوف على الدواب خوف على المال
ومعه يجوز التيمم. أقول: أما ما علل به الأول فجيد، ويؤيده جواز قطع الصلاة لحفظ
المسلم من الغرق أو الحرق وإن كان في ضيق الوقت، وأن حرمة المسلم عند الله أعظم
من حرمة الكعبة إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة الدالة بعمومها على هذا
الحكم. وأما الثاني فمحل نظر، وما استند إليه من جواز التيمم للخوف على المال ممنوع
لعدم الدليل عليه بل هي بالدلالة على خلافه أشبه كما تقدم بيانه، على أن مطلق ذهاب
المال غير مسوغ للتيمم ولهذا وجب صرف المال الكثير في شراء الماء كما تقدم ذكره،
مع أنه يمكن ذبح الدابة أو بيعها أو إتلافها، وبالجملة فإن صدق الوجدان بالنسبة إليه حاصل
وعدم الاضطرار إليه ظاهر فجواز التيمم والحال كما عرفت غير جيد، نعم ينبغي أن يستثنى
من ذلك ما لو كان محتاجا إلى الدابة بحيث يضره فوتها كما إذا كان في سفر لا يمكن
قطعه إلا بها أو يحتاج إليها لنقل أثقاله وأحماله فإنه يجوز أن يرف الماء إليها لما عرفت
(الثاني) - لو كان معه ماءان طاهر ونجس وخشي العطش فالذي صرح به
في المعتبر أنه يتيمم ويستبقى الطاهر لشربه، لأنه قادر على شرب الطاهر فلا يستبيح
النجس فجرى وجود النجس مجرى عدمه، قال: ويستوي الحكم بذلك في الوقت وقبله
لما ذكرناه. لا يقال بعد دخول وقت الصلاة يصير استعمال الماء مستحقا للطهارة، لأنا
نمنع الاستحقاق وإنما نسلمه لو استغنى عن شربه وليس مستغنيا بالنجس لتحقق
التحريم في شربه مع وجود الطاهر. انتهى. قال في المدارك بعد نقل ملخص ذلك:
290

" وهو جيد إن ثبت تحريم شرب النجس مطلقا " وهو مؤذن بالمناقشة في تحريم
المأكولات والمشروبات النجسة.
أقول: وحيث كان الحكم بتحريم المأكولات والمشروبات النجسة مجمعا عليه
بين الأصحاب كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم في كتاب الأطعمة والأشربة وظاهر
السيد السند (قدس سره) المناقشة في ذلك فلا بأس بذكر ما وقفت عليه من الدليل
على صحة ما أجمعوا عليه وإن كان خارجا عن محل البحث، فمن ذلك ما ورد في تحريم
الأكل من أواني الكفار التي علم تنجيسهم لها كما رواه الصدوق في الصحيح عن سعيد
الأعرج (1) " أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن سؤر اليهودي والنصراني أيؤكل
ويشرب؟ قال: لا " وعن زرارة في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) (2) " أنه قال في آنية المجوس إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء " وما رواه ثقة الاسلام في الصحيح
عن محمد بن مسلم (3) قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن آنية أهل الذمة
والمجوس؟ فقال لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي
يشربون فيها الخمر " وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما
السلام) (4) قال: " سألته عن آنية أهل الكتاب فقال لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا
يأكلون فيه الميتة والدم ولحم الخنزير " وعن زرارة عن الصادق (عليه السلام) (5)
" في آنية المجوس؟ فقال إذا اضطررتم إليها فاغسلوا بالماء " إلى غير ذلك من الأخبار التي
من هذا الباب، ولا يخفى أنه لا وجه للنهي فيها الذي هو حقيقة في التحريم إلا تحريم شرب
المتنجس وأكله، ومن ذلك ما ورد في تحريم السمن والزيت ونحوهما إذا ماتت فيه
الفأرة وكان مائعا وهي أخبار كثيرة (6) ومن ذلك الأخبار المستفيضة الواردة بإراقة

1) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة
2) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة
3) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة
4) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة
5) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة وهذه رواية المحاسن والمتقدمة
برقم (2) رواية الفقيه.
6) رواه في الوسائل في الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة
291

الركوة؟ والتور؟ إذا وقعت فيهما الإصبع القدرة (1) ولو جاز شرب الماء لما كان للأمر
بالإراقة وجه، وما ورد من إراقة مرق اللحم إذا وجدت في القدر فأرة ميتة وأكل
اللحم بعد غسله (2) إلى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبع للأحكام، ومن
الظاهر أنه لا خصوصية لهذه المعدودات وأمثالها تقتضي قصر الحكم عليها بل الحكم
بهذه الأخبار وأمثالها جار في كل نجس كما في غير هذا المقام من الأحكام الشرعية،
إذ الأحكام الشرعية لم ترد بقواعد كلية وإنما تستفاد القواعد بها بتتبع الجزئيات
كالقواعد النحوية، وبالجملة فالظاهر أن هذه المناقشة إنما وقعت غفلة عن ملاحظة
الأدلة وإلا فهي بعد المراجعة في الدلالة على المراد كالشمس المشرقة على جميع
البلاد. والله العالم.
(الثالث) - قد تكرر في عبارات الأصحاب عد خوف حدوث الشين من أسباب
الخوف الموجبة للانتقال إلى التيمم، قال في المنتهى: " لو خاف الشين باستعماله
الماء جاز له التيمم قاله علماؤنا أجمع " وهو ظاهر في دعوى الاجماع على ذلك، ولم أجد
له في أخبار التيمم مع كثرة نصوصه وأخباره ذكرا ولا أثرا، والشين - على ما ذكره
في الروض - ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة وربما بلغت تشقق الجلد وخروج
الدم، ونقل عن العلامة في النهاية أنه قد صرح بأنه لا فرق بين شدته وضعفه، وهو
ظاهر الروض أيضا حيث قال: " ولا فرق في الشين بين شدته ضعفه للاطلاق وصرح
به المصنف (قدس سره) في النهاية وقيده في المنتهى بكونه فاحشا لقلة ضرر ما سواه "
وأنت خبير بأنه حيث لا نص على الشين بخصوصه في الأخبار. فلا معنى لجعله سببا مستقلا
بل الظاهر كونه كسائر الأمراض، فإن بلغ الأمر فيه إلى أن يكون مرضا لا يتحمل

1) تقدمت في ضمن الأخبار الدالة على نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة
ج 1 ص 281
2) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة
292

مثله عادة كما في سائر الأمراض فالحكم فيه هو الانتقال إلى التيمم والحاقه بالأمراض التي
يشق تحملها لدخوله أدلتها وإلا فلا، ودعوى شيخنا فيما تقدم من عبارته الاطلاق بعدم
الفرق بين شدته وضعفه مع عدم وجود النص عليه بخصوصه لا أعرف له وجها، ويؤيد ما ذكرنا
ما نقل عن الشيخ في الخلاف من أنه قال: إذا لم يخف التلف ولا الزيادة في المرض غير أنه يشينه استعمال الماء ويؤثر في خلقته ويغير شيئا منه ويشوه به يجوز له التيمم لأن الآية
عامة في كل خوف وكذلك الأخبار، وللشافعي فيه قولان، فأما إذا لم يشوه خلقته ولا
يزيد في علته ولا يخاف التلف وإن أثر قليلا فلا خلاف أنه لا يجوز له التيمم. انتهى.
والله العالم.
(المطلب الثاني) - فيما يجوز به التيمم وما لا يجوز، وقد اختلف الأصحاب
(رضوان الله عليهم) في هذا المقام في مواضع: (الأول) - هل يكفي مجرد ما صدق
عليه اسم الأرض أو يشترط خصوص التراب؟ قولان، فقال الشيخ لا يجوز إلا بما يقع
عليه اسم الأرض اطلاقا سواء كان عليه تراب أو كان حجرا أو حصى أو غير ذلك،
وبذلك صرح في المبسوط والجمل والخلاف، كذا نقله عنه في المعتبر، وهو مذهب ابن
الجنيد والمرتضى في المصباح واختاره المحقق والعلامة، وهو المشهور بين المتأخرين،
وعن المرتضى في شرح الرسالة أنه قال لا يجزئ في التيمم إلا التراب الخالص أي الصافي
من مخالطة ما لا يقع عليه اسم الأرض كالزرنيخ والكحل وأنواع المعادن، كذا نقله
عنه في المعتبر أيضا، والظاهر أن قوله: " أي الصافي " من كلام المحقق تفسيرا لعبارة
السيد (قدس سره) ونقل هذا القول عن أبي الصلاح وظاهر المفيد، ومنشأ الخلاف
في هذا المقام هو الخلاف بين أهل اللغة في تفسير الصعيد في الآية وقد تقدم ذكره في
صدر الباب، فالمرتضى ((رضي الله عنه) ومن قال بمقالته تمسكوا بأحد القولين والآخرون
تمسكوا بالقول الآخر، وقد قدمنا أن الحق في هذا المقام هو عدم الرجوع إلى الآية في
ذلك (أما أولا) فلاختلاف أهل اللغة كما عرفت وإن كان كلام الأكثر هو الموافق
293

للقول المشهور. (وثانيهما) وهو المعتمد أنه قد ورد تفسير الصعيد في الخبرين المتقدمين
بأنه الموضع المرتفع من الأرض، وحينئذ فإذا كان مراده سبحانه من هذا اللفظ إنما هو
هذا المعنى كما ورد عن نوابه (عليهم السلام) وحملة كتابه الذين يجب اتباعهم فيما به
أخبروا وعنه عبروا فلا ينبغي العدول عنه إلى كلام أهل اللغة وإن اتفقوا ولا غيرهم لأنهم
(صلوات الله عليهم) أعرف الناس بما فيه وما يراد بباطنه وخافيه وحينئذ فالواجب
الرجوع في هذا المقام إلى الأخبار الواردة في هذا المضمار:
ومما يدل على القول المشهور جملة من الأخبار، ومنها قول الصادق (عليه السلام)
في صحيحة ابن سنان (1) " إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض
وليصل. " وقوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي (2) " إن رب الماء هو رب الأرض
فليتيمم " وقوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم (3) " فإن فاتك الماء لم تفتك
الأرض " فإنه لو لم يرتب الحكم على الأرض بقول مطلق لما رتب عليها في هذه الأخبار
وكذا في الأخبار الواردة في كيفية التيمم كما ستمر بك إن شاء الله تعالى، فقد عبر عما
يتيمم به بلفظ الأرض في عدة منها، ويؤيده أيضا تفسير أهل اللغة الصعيد بالأرض في غير
هذه الآية وهو قوله سبحانه: " فتصبح صعيدا زلقا " (4) أي أرضا ملساء يزلق عليها
باستئصال شجرها ونباتها، وقوله (صلى الله عليه وآله) (5): " يحشر الناس يوم القيامة
حفاة عراة على صعيد واحد " أي على أرض واحدة.
إلا أنه يمكن معارضة هذه الأخبار بما ورد من هذا القبيل بلفظ التراب كما في

1) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
4) سرة الكهف، الآية 38
5) راجع التعليقة 2 ص 245
294

صحيحة جميل بن دراج عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " إن الله عز وجل
جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " وقوله (عليه السلام) في صحيحة رفاعة (2)
" إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه. "
وقوله (عليه السلام) في صحيحة عبد الله بن المغيرة (3) قال: " إذا كانت الأرض
مبتلة وليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم من غباره أو شئ
مغبر. " وفي رواية علي بن مطر عن الرضا (عليه السلام) (4) قال: " سألته عن الرجل
لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمم بالطين؟ قال نعم. الحديث " وفي رواية معاوية بن
ميسرة (5) " يمضي على صلاته فإن رب الماء هو رب التراب ".
وبالجملة فالروايات في هذا الباب قد اشتمل بعضها على الأرض وبعضها على التراب
وبعضها على الصعيد المحتمل لكل منهما، والأقرب حمل الأرض على التراب توسعا في
الاطلاق حيث إنه هو الفرد الأكمل الأكثر دورانا، ويؤيده ما في التيمم بسائر أفراد
الأرض غير التراب مثل الحجر وما فيه من الخلاف والاشكال كما سيأتي في مسألة
اشتراط العلوق، وكذا الأرض السبخة وأرض الجص والنورة والغبار ونحو ذلك من
أقسام الأرض الذي لا ينتقل إليه إلا مع فقد التراب، فهو في المرتبة الثانية عن التراب
فلا ينصرف إليه اطلاق الأرض في هذه الأخبار، وهذا واضح بحمد الله سبحانه.
وعن المرتضى الاحتجاج بعد الآية بقوله (صلى الله عليه وآله) (6) " جعلت
لي الأرض مسجدا وترابها طهورا " قال: ولو كانت الأرض طهورا وإن لم تكن ترابا
لكان لفظ ترابها لغوا. وأجاب عنها في المعتبر بأن التمسك بها تمسك بدلالة الخطاب

1) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
4) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
5) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
6) المروي في الوسائل في الباب 7 من أبواب التيمم
295

وهي متروكة في معرض النص اجماعا. وقيل عليه أن قوله (صلى الله عليه وآله):
" جلعت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا " لا ريب أنه مذكور في معرض التسهيل
والتخفيف وبيان امتنان الله سبحانه على هذه الأمة المرحومة وهو من قبيل قوله (صلى
الله عليه وآله) (1) " بعثت بالحنيفية السمحة السهلة " وظاهر أنه لو كان غير التراب
من أجزاء الأرض طهورا أيضا لكان ذكر التراب لغوا صريحا وتوسيطه في البين مخلا
بانطباق الكلام على ما يقتضيه المقام وكان مقتضى الحال أن يقول: " جعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا " فإنه أدخل في الامتنان، وليس هذا استدلالا بمفهوم الخطاب
بل أمر آخر وهو لزوم خروج الكلام النبوي عن قانون البلاغة على ذلك التقدير،
على أن دلالة الخطاب إذا اعتضدت بالقرائن الحالية أو المقالية فلا كلام في اعتبارها
ولذلك يعزر من قال لخصمه أنا لست زانيا، وبهذا يظهر أن كلام السيد في أعلى مراتب
السداد. انتهى. وهو جيد. والجواب الحق إنما هو أن ما نقله السيد من لفظ
الحديث بقوله " وترابها " وإن تناقلوه في كتب الفروع كذلك إلا أن متن الحديث
في كتب الأخبار خال من هذه الزيادة، وقد نقل في الوسائل أربع روايات واحدة
من الكافي والثانية من الفقيه واثنتان من الخصال والجميع خال من هذه الزيادة،
وبذلك يظهر قوة القول المشهور وضعف المعارض المذكور، إلا أنه سيجئ إن شاء الله
تعالى في مسألة اشتراط العلوق وعدمه ما يوضح الحال زيادة على ما ذكرناه
في هذا المجال.
(الثاني) - ذهب ابن عقيل - كما تكاثر النقل عنه بذلك في كتب
الأصحاب - إلى جواز التيمم بالأرض وبكل ما كان من جنسها كالكحل والزرنيخ
لأنه يخرج من الأرض، وهو مذهب أبي حنيفة (2) كما ذكره في المعتبر، والمشهور العدم

1) راجع التعليقة 1 ص 266
2) في المغني ج 1 ص 247 حكاه عنه وعن مالك
296

وهو المستفاد من الأخبار لتصريحها بالأرض فيكون الحكم تابعا لما صدق عليه اطلاق
الأرض وهذه الأشياء لا تسمى أرضا، وما علله به من أنه يخرج من الأرض لا يجدي
طائلا إذ مورد النصوص هو ما يسمى أرضا لا ما يخرج منها وإن لم يسم بذلك، وربما
يستدل له بما رواه الراوندي في نوادره بسنده فيه عن علي (عليه السلام) (1) قال:
" يجوز التيمم بالجص والنورة ولا يجوز بالرماد لأنه لم يخرج من الأرض. فقيل له
أيتيمم بالصفا البالية على وجه الأرض؟ قال: نعم " ومثلها رواية السكوني (2) كما
سيأتي إن شاء الله تعالى، والمنافاة منهما غير ظاهرة لأن محل توهم المنافاة هو قوله (عليه
السلام) " لأنه لم يخرج من الأرض " بدعوى أن فيه إشارة إلى أن ما خرج من الأرض
وإن لم يصدق عليه اسم الأرض يجوز التيمم به، ومن الجائز والمحتمل قريبا أن مراده
(عليه السلام) إنما هو بيان أن الرماد لا تعلق له بالأرض بالكلية، ويؤيده قوله في
رواية السكوني بعد هذا الكلام: " وإنما يخرج من الشجر " والمراد المبالغة في نفي
الأرضية عنه بالكلية، فكيف يجوز التيمم به مع دلالة الأخبار المستفيضة على الاختصاص
بالأرض؟ وكيف كان فالخروج بهما عن صراحة تلك الصحاح المستفيضة مما لا يتجشمه
من له أدنى معرفة.
(الثالث) - الحجر الخالي من الغبار، وقد اختلف فيه كلامهم، فقيل بجواز
التيمم به مطلقا وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف، وقيل بالعدم مطلقا وهو منقول عن
ظاهر ابن الجنيد حيث قال: ولا يجوز من السبخ ولا مما أحيل عن معنى الأرض المخلوقة
بالطبخ والتحجير خاصة. وهذا القول لازم للمرتضى ومن يقول بمقالته من التخصيص
بالتراب أيضا كما لا يخفى وإن لم أعثر على من نسب ذلك إليه، وقيل بالتفصيل بين حالي
الاختيار والضرورة فيمتنع على الأول ويجوز على الثاني، قال الشيخ في النهاية: ولا بأس

1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 6 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب التيمم
297

بالتيمم بالأحجار وأرض النورة وأرض الجص إذا لم يكن يقدر على التراب. ويقرب
منه كلام المفيد في المقنعة حيث قال: وإن كان في أرض صخر وأحجار ليس عليها تراب
وضع يديه عليها ومسح بهما وجهه وكفيه كما ذكرنا في تيممه بالتراب وليس عليه حرج
في الصلاة بذلك لموضع الاضطرار. وقال ابن إدريس ولا يعدل إلى الحجر والمدر إلا إذا فقد
التراب. وحجة القول المشهور واضحة لصدق الأرض على الحجر فيدخل تحت الأخبار
المتقدمة. وأما القول بالتفصيل فقد رده جملة من الأصحاب بأنه مع كونه لا دليل عليه
لا وجه له فإن الحجر إن صدق عليه اسم الأرض جاز التيمم به مع وجود التراب وعدمه
وإن لم يصدق عليه امتنع كذلك كما صرح به ابن الجنيد فلا وجه للتفصيل المذكور.
وأما ما ذكره بعض أفاضل متأخري المتأخرين في الجواب عن ذلك - حيث قال: وفيه
نظر إذ يجوز أن يكون التيمم عند فقد التراب للاجماع عليه لا لدخوله في الصعيد كما جاز
التيمم بالوحل وإن لم يكن داخلا في الصعيد اجماعا لنص خاص دل عليه - ففيه أن الاجماع
عليه إنما هو من حيث دخوله تحت اسم الأرض لما نقله العلامة من الاجماع على أن التيمم
لا يقع إلا بالتراب أو الأرض فالايراد بحاله، وأما تعلقه بجواز التيمم بالوحل وإن لم
يكن داخلا في الصعيد فهو مردد بأن الأخبار قد صرحت بدخوله في الصعيد، ففي رواية
زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: " قلت رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء
وفيها طين ما يصنع؟ قال يتيمم فإنه الصعيد. الحديث " ومرسلة علي بن مطر عن
بعض أصحابنا (2) قال: " سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل لا يصيب الماء
ولا التراب أيتيمم بالطين؟ قال نعم صعيد طيب وماء طهور " دل الخبران على أن
الطين داخل في الصعيد الذي تضمنته الآية، ويؤيد ما ذكرناه أن المحقق في المعتبر استدل
على جواز التيمم بالوحل بعد فقد الصعيد والغبار فقال: " لنا - إنه بممازجة الماء لا يخرج
عن كونه أرضا وصعيدا " ومع الاغماض عن ذلك فإن الفرق بين ما نحن فيه وبين

1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
298

التيمم بالوحل ظاهر فإن النص لما دل على جواز التيمم بالوحل وإن لم يكن صعيدا صار
مستثنى بالنص، وما ادعاه من استثناء التيمم بالحجر بالاجماع ممنوع (أولا) - بما عرفت
من قول ابن الجنيد بالمنع من ذلك مطلقا وقول المرتضى من التخصيص بالتراب ومثله
قول أبي الصلاح كما تقدم. و (ثانيا) - أنه إنما يتم لو كان الاجماع على صحة التيمم به
في الصورة المذكورة وإن لم يكن أرضا، وهو غير مسلم لدعوى العلامة الاجماع على عدم
التيمم إلا بالتراب أو الأرض، وحينئذ فالقول بالتيمم به إنما هو من حيث كونه أرضا
فلا يجدي ما أجاب به. ويمكن أن يقال في الجواب إن ظاهر كلام المفصلين أن مذهبهم
في هذه المسألة هو وجوب التيمم بالتراب كما ذهب إليه المرتضى إلا أنهم يجعلون
بعده مرتبة ثانية مع فقده وهو الأرض التي من جملتها الحجر، ولعل وجهه الجمع بين
الآية بناء على تفسير الصعيد فيها بالتراب كما هوا حد قولي اللغويين والأخبار الدالة على
التيمم بالأرض كما قدمناها فيحملون الأخبار على فقد التراب ويخصونها بالآية، وهو
وجه وجيه. وأما المعارضة بقول جملة من اللغويين أيضا بأن الصعيد هو الأرض فلا يرد
عليهم لأنهم ربما ترجح عندهم المعنى الذي اختاروه بوجوه لم ندركها. وبالجملة فهذا الوجه
في حد ذاته لا يخلو من حسن وقوة سيما مع أوفقيته بالاحتياط المطلوب في الدين.
بقي هنا شئ وهو أن صحيحة زرارة الآتية إن شاء الله تعالى في بيان كيفية
التيمم قد دلت على اشتراط العلوق وهو مما يمنع من جواز التيمم بالحجر الخالي من التراب
وهو لازم لكل من اشترط العلوق، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله تعالى.
والله العالم.
(الرابع) - المشهور بين الأصحاب جواز التيمم بأرض الجص والنورة قبل
الاحراق، ومنع ابن إدريس من ذلك مدعيا أنها معدن، واعتبر الشيخ في النهاية في
جواز التيمم بها فقد التراب كما تقدم في الحجر، وردهما الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بالضعف لصدق الأرضية ومنع المعدنية، وردوا تفصيله في النهاية هنا بما ردوه به في الحجر
299

وقد عرفت بما حققناه ثمة إمكان الجواب عما أوردوه عليه وأنه لا يخلو من وجه وجيه
وأما بعد الاحراق فذهب الشيخان إلى المنع من التيمم بهما والظاهر أنه المشهور لخروجهما
بالاحراق عن اسم الأرض، وعن المرتضى في المصباح وسلار (رضي الله عنهما)
الجواز، قال في المعتبر: وما ذكره علم الهدى هو رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن
علي (عليهم السلام) (1) " أنه سئل عن التيمم بالجص؟ فقال نعم. فقيل بالنورة؟ فقال
نعم. فقيل بالرماد. فقال لا إنه لا يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر " وهذا السكوني
ضعيف لكن روايته حسنة لأنه أرض فلا يخرج باللون والخاصية عن اسم الأرض كما
لا تخرج الأرض الصفراء والحمراء. قال في المدارك بعد نقله: والأولى اعتبار الاسم كما
اختاره في المنتهى. أقول: قد تلخص أن في المسألة أقوالا ثلاثة: (ثالثها) - ما اختاره
في المدارك ونقله عن المنتهى ومرجعه إلى التوقف في الحكم لأن حاصل كلامه أنه إن صدق
عليه اسم الأرض جاز التيمم به وإلا فلا، وهو مؤذن بعدم معلومية الصدق وعدمه عنده
وهذا الكلام بظاهره مناف لما يأتي منه في كتاب الصلاة في السجود على الخزف حيث
قال ثمة: " ويمكن أن يستدل على الجواز بما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح
عن الحسن بن محبوب عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) " أنه سأله عن الجص يوقد
عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه: أن
الماء والنار قد طهراه " وجه الدلالة أنها تدل بظاهرها على جواز السجود على الجص،
والخزف في معناه " وهو - كما ترى - ظاهر في قوله بجواز السجود على الجص بعد
الاحراق، ومسألتا السجود والتيمم من باب واحد لاشتراط الأرضية فيهما وإن
كانت دائرة السجود أوسع بالنسبة إلى الكاغد وما أنبتت الأرض. وقد ظهر مما حققناه
أن الأظهر هو الجواز لهذه الصحيحة المذكورة بالتقريب الذي ذكرناه ولرواية السكوني

1) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 81 من النجاسات و 10 مما يسجد عليه
300

ومثلها رواية الراوندي المتقدمة في الموضع الثاني، وإلى القول بالجواز مال الشهيد في
الذكرى أيضا. والله العالم.
(الخامس) - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في التيمم بالخزف،
فعن ابن الجنيد أنه لا يجوز التيمم به وبذلك قال في المعتبر لخروجه بالطبخ عن اسم
الأرض، وقيل بالجواز للشك في خروجه بالطبخ عن اسم الأرض، ولأن الأرض
المحترقة يقع عليها اسم الأرض حقيقة، كذا ذكره في المدارك. أقول: قد قطع جملة
من الأصحاب بجواز السجود عليه من غير نقل خلاف حتى أن العلامة في التذكرة استدل
على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز السجود عليه، وهو مؤذن بكون السجود
عليه أمرا متفقا عليه ومسلما بينهم، وقد عرفت أن الأمر في التيمم والسجود واحد،
ومنه يظهر أن المشهور هو جواز التيمم به والسجود عليه، ومن الظاهر أن تجويزهم ذلك أنما هو من حيث عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرضية.
وهذه المسألة عندي محل توقف واشكال لعدم النص والشك عندي في الخروج
وعدمه فتدخل بذلك في الشبهات " حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك " (1)
والحكم فيها عندي وجوب الاحتياط، والتعليلان المتقدمان للقول بالجواز عليلان، أما
الشك في خروجه بالطبخ عن اسم الأرض فهو بالدلالة على المنع أولى منه بالدلالة على
الجواز، لأن جعله دليلا على الجواز مبني على القول بالاستصحاب، وهو باطل عندنا
كما حققناه في مقدمات الكتاب بل عند هذا القائل أيضا كما صرح به في غير موضع
من كتابه، وجواز التيمم والسجود متوقف على صدق الأرضية ومعلوميته وهو هنا غير
معلوم للشك المذكور، وأما أن الأرض المحترقة يصدق عليها اسم الأرض حقيقة ففيه
أن الظاهر المتبادر من الاحتراق بالنار هو الاستحالة بها إلى الفحم أو الرماد، وصدق

1) ورد هذا التثليث في مقبولة عمر بن حنظلة المروية في الوسائل في الباب 9 من
صفات القاضي وما يقضي به
301

الاحتراق على الأجسام الصلبة التي لا تكون كذلك ممنوع، ومع صدق الاحتراق
وحصوله بأن تصير رمادا فصدق الأرضية ممنوع.
ثم إن العجب هنا من المحقق حيث قال في المعتبر بعد أن قطر بخروج الخزف
بالطبخ عن اسم الأرض كما قدمنا نقله عنه: " ولا يعارض بجواز السجود عليه لأنه
قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغد " فإن فيه أن الكاغذ قد خرج بالنص
عن قاعدة السجود فوجب استثناؤه وأما الخزف فلم يرد نص بجواز السجود عليه، ومتى
اعترف بخروجه بالطبخ عن اسم الأرض مع قوله - كما هو مقتضى النصوص الصحيحة
الصريحة - بأنه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت مما ليس بمأكول ولا
ملبوس فإنه يلزمه المنع من السجود عليه حتى يقوم على الجواز دليل، وخروج الكاغذ
من هذه القاعدة بنص خاص لا يوجب الحاق الخزف به فإنه مجرد قياس، وبذلك يظهر
أيضا ما في قول صاحب المدارك في سابق هذا الموضع في ذيل صحيحة الحسن بن محبوب
المتضمنة لجواز السجود على الجص: " والخزف في معناه " فإنه محض قياس لا يوافق أصولنا
كما لا يخفى. والله العالم.
(السادس) - رتب الشيخ في النهاية للتيمم مراتب، فأولها التراب فإن فقده
فالحجر فإن قده تيمم بغبار عرف دابته أو لبد سرجه فإن لم تكن معه دابة تيمم بغبار
ثوبه فإن لم يكن معه شئ من ذلك تيمم بالوحل. وقال المفيد إذا حصل في أرض وحلة
وهو محتاج إلى التيمم ولم يجد ترابا فلينفض ثوبه أو عرف دابته إن كان راكبا أو لبد
سرجه أو رحله، فإن خرج من شئ من ذلك غبرة تيمم بها وإن لم تخرج منه غبرة
فليضع يديه على الوحل ثم يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتى لا يبقى فيهما نداوة
وليمسح بهما وجهه وظاهر كفيه. قال في المختلف بعد نقل هذين الكلامين: فقد وقع
الخلاف بين الشيخين في هذا المقام في موضعين: (الأول) - أن المفيد (رحمه الله)
خير بين الثوب وعرف الدابة والطوسي رتب بينهما (الثاني) - أن المفيد شرط خروج
302

غبار من الثوب أو العرف والطوسي أطلق. وقال المرتضى يجوز التيمم بالتراب وغبار
الثوب وما أشبهه إذا كان الغبار من التراب وأطلق، وظاهره كون الغبار والتراب في
مرتبة واحدة وأنه لا ترتيب بينهما. وقال ابن إدريس ولا يعدل إلى الحجر والمدر إلا إذا فقد
التراب ولا يعدل إلى غبار ثوبه إلا إذا فقد الحجر والمدر ولا يعدل عن غبار ثوبه إلى
عرف دابته ولبد سرجه إلا بعد فقدان غبار ثوبه ولا يعدل إلى الوحل إلا بعد فقدان
ذلك. وقال ابن الجنيد كل غبار علا جسما من الأجسام غير النجسة وغير الحيوان
أو كان ذلك كامنا فيه فاستخرج منه عدم وجوده مفردا جاز التيمم منه. وقال سلار
إذا وجد الثلج والوحل والحجر نفض ثوبه وسرجه ورحله فإن خرج منه تراب تيمم منه إذا
لم يمكنه التوضؤ من الثلج فإن لم يكن في ثيابه ورحله تراب ضرب بيده على الوحل أو الثلج
أو الحجر وتيمم منه. وقال المحقق في المعتبر إذا فقد الصعيد تيمم بغبار الثوب أو عرف الدابة
أو لبد السرج أو غير ذلك مما فيه غبار وهو مذهب علمائنا، إلى أن قال مسألة: إذا فقد
الصعيد والغبار ووجد وحلا أطبق فقهاؤنا على جواز التيمم به. ونحو ذلك في الشرائع.
وبالجملة فإن ظاهر عباراتهم الاتفاق على تقديم الغبار على الوحل.
والروايات في المسألة لا تخلو من تصادم وربما دل بعضها على خلاف ذلك،
وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه من الأخبار في المقام، فمنها - صحيحة زرارة (1)
قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف
يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال يتيمم من لبد سرجه أو عرف دابته فإن فيها غبارا
ويصلي " ورواه في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز مثله (2) أقول: المواقف
كمقاتل لفظا ومعنى، وظاهر الخبر المذكور أنه لا يجد إلا الغبار في الحال المذكورة
ولا ريب في صحة التيمم به، وصحيحة رفاعة عن الصادق (عليه السلام) (3) قال:
" فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شئ مغبر وإن كان في حال

1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
303

لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه " وموثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
قال: " إن كان الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شئ معه وإن كان
في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه " وموثقته الأخرى عن الباقر (عليه
السلام) (2) قال: " إذا كنت في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن تتيمم به "
وما رواه في الكافي عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " إذا كنت
في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به فإن الله تعالى أولى بالعذر إذا لم يكن معك
ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم به " قال (4): وفي رواية أخرى " صعيد
طيب وماء طهور " دلت صحيحة رفاعة وموثقة زرارة على أنه إذا لم يجد إلا الثلج
والغبار مقدم على الثلج، وهو من المقطوع به في كلام الأصحاب والأخبار،
ودل الجميع على أنه إذا لم يجد إلا الطين وهو الوحل المذكور في عبارات الأصحاب فإنه
يتيمم به، وهو طاهر فيما ذكره الأصحاب من تقديم الغبار عليه، فإن المراد من هذا
الاطلاق أنه إذا لم يجد ماء ولا ترابا ولا غبارا مما هو من المراتب السابقة فإنه يتيمم به
ويكشف عن ذلك قوله (عليه السلام) في صحيحة أبي بصير: " إذا لم يكن معك ثوب
جاف. الخ " ومنها - ورواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (5) قال: " قلت
رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال يتيمم فإنه الصعيد. قلت فإنه
راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء؟ قال إن خاف على نفسه من
سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد أو على البرذعة
ويتيمم ويصلي " ورواية علي بن مطر عن بعض أصحابه (6) قال: " سألت الرضا
(عليه السلام) عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمم بالطين؟ قال نعم صعيد
طيب وماء طهور " وظاهر الخبرين المذكورين تقديم الطين على الغبار، والتقريب فيهما
من وجهين: (الأول) - دلالتهما على أن الطين صعيد فيكون مقدما على الغبار الذي قد

1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
6) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
304

اعترفوا بأنه غير داخل في الصعيد (الثاني) - تصريح رواية زرارة بالأمر بالطين أولا
وأنه إنما أمره بالتيمم بالغبار مع تعذر النزول عليه وعدم إمكان التيمم بالطين، وهو ظاهر
الرواية الثانية حيث إنه أمره بالطين مع فقد الماء والتراب الشامل باطلاقه لوجود الغبار
يومئذ وهو الأوفق بالتعليل المذكور فيها. وأجاب في المنتهى عن رواية زرارة المذكورة
بضعف السند ثم قال: ومع ذلك فهي غير منافية لما قلناه لأنه لم يتعرض لنفي التراب بل
لنفي الماء وهو لا يستلزم ذلك ولا قوله " وفيها طين " أيضا. ولا يخفى ما فيه من البعد
والتمحل الظاهر. وبالجملة فالروايتان ظاهرتان فيما ذكرنا ولا يحضرني الآن وجه للجمع بينهما
وبين الأخبار المتقدمة. والله العالم.
تنبيهات
(الأول) اختلف كلام الأصحاب في كيفية التيمم بالوحل، وقد تقدم في
عبارة المفيد أنه يضع يديه على الوحل ثم يرفعها فيمسح إحداهما بالأخرى حتى لا يبقى
فيهما نداوة وليمسح بهما وجهه وظاهر كفيه. وقال الشيخ يضع يديه على الوحل ثم يفركهما
ويتيمم به. ونقل في المعتبر بعد نقل قول الشيخ أنه قال آخر: يضع يديه على الوحل ويتربص
فإذا يبس تيمم به، ثم قال والوجه ما ذكره الشيخ عملا بظاهر الروايات. أقول:
لا ريب أن ما ذكره الشيخ يرجع إلى ما ذكره المفيد، وأما القول الآخر فاستوجهه
العلامة في التذكرة، وحكى عن ابن عباس أنه قال: يطلى بالطين فإذا جف تيمم به. وقال
في المنتهى لو لم يجد إلا الوحل تيمم به وهو مذهب علمائنا إلا أنه إذا تمكن من أخذ
شئ من الوحل يلطخ به جسده حتى يجف وجب عليه ذلك ليت يمم بتراب وإن لم
يتمكن لضيق الوقت أو لغيره وجب عليه التيمم به. أقول: وهذا التفصيل قول ثالث
في المسألة، وأنت خبير بأن ظواهر الأخبار المتقدمة إنما هو التيمم بالطين يعني الوحل
المركب من الماء والطين، والتقييد بالتخفيف كما ذكروه لا أثر له في شئ منها، ولو كان
305

الحكم فيه ذلك لوقع التنبيه عليه ولو في بعضها لأن المقام مقام البيان، ويعضد ما قلناه
قوله (عليه السلام) في مرسلة علي بن مطر: " صعيد طيب وماء طهور " واستبعاد ذلك
من حيث الخروج عن قاعدة التيمم مدفوع باستثناء الموضع المذكور كما سيأتي نظيره في
الثلج إن شاء الله تعالى.
(الثاني) - قد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الترتيب
في مواضع الغبار وعدمه، فظاهر الأكثر التخيير بين المواضع التي يوجد فيها من ثوب
أو لبد أو بساط أو نحوها، وهو ظاهر كلام المفيد كما نبه عليه في المختلف فيما قدمناه من
نقل كلامه، وقد تقدم في عبارة الشيخ تقديم غبار عرف الدابة أو لبد السرج ثم مع
فقده غبار ثوبه، وعكس ابن إدريس كما تقدم في عبارته حيث قدم غبار الثوب وأنه
لا يعدل عنه إلى غبار عرف دابته ولبد سرجه إلا مع عدمه، والمستفاد من الأخبار
المتقدمة هو القول المشهور كقوله (عليه السلام) في صحيحة رفاعة: " فلينظر لبد سرجه
فليتيمم من غباره أو شئ مغبر " وقوله (عليه السلام) في موثقة زرارة: " فلينظر
لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شئ معه " ورواية أبي بصير " إذا لم يكن معك
ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم به ".
(الثالث) - هل يجب نفض الثوب ونحوه ليخرج الغبار على وجهه ثم يتيمم
منه بعد ذلك أم يضرب عليه كما هو؟ صريح عبارة المفيد المتقدمة الأول وبه صرح سلار
أيضا وهو ظاهر عبارة ابن الجنيد المتقدمة، وتدل عليه صحيحة أبي بصير المتقدمة،
وعبارات أكثر الأصحاب مطلقة حيث قالوا يتيمم بغبار ثوبه ونحو ذلك، وأكثر
النصوص مطلقة أيضا ويمكن تقييدها بالصحيحة المذكورة.
(الرابع) - قد عرفت أن المشهور بل ادعي عليه الاجماع - كما تقدمت الإشارة
إليه - أنه لا يجوز الانتقال إلى الغبار إلا مع فقد الصعيد، وتقدم أن ظاهر كلام المرتضى
جوازه مع وجود التراب، والأظهر القول المشهور لرواية أبي بصير المتقدمة وأمثالها
306

من الأخبار المتقدمة، وقال في المدارك بعد نقل قول المرتضى: " وهو بعيد جدا لأنه
لا يسمى صعيدا بل يمكن المناقشة في جواز التيمم به مع إمكان التيمم بالطين لضعف
الرواية الأولى واختصاص الرواية الثانية بالمواقف الذي لا يمكنه النزول إلى الأرض
والثالثة بحالة الثلج المانعة من الوصول إلى الأرض إلا أن الأصحاب قاطعون بتقديم الغبار
على الوحل وظاهرهم الاتفاق عليه " انتهى. أقول: أراد بالرواية الأولى رواية أبي بصير
وبالثانية صحيحة زرارة وبالثالثة صحيحة رفاعة.
(الخامس) يشترط في الغبار أن يكون مما يتيمم به من تراب ونحوه، وهو ظاهر
كلام السيد المتقدم ذكره حيث قيد الغبار بكونه من التراب، ونقل ذلك عن ابن إدريس
أيضا واستوجهه العلامة، وهو الظاهر حملا لاطلاق الأخبار على ما هو الغالب فلا يجوز
التيمم بغبار الأشنان والدقيق ونحوها.
(السادس) - المشهور في كلام الأصحاب تقديم الحجر على الغبار كما تقدم
لأنه من الأرض الواجب تقديمها على الغبار، وقال سلار إذا وجد الثلج والوحل والحجر
نفض ثوبه وسرجه ورحله فإن خرج منه تراب تيمم منه إذا لم يمكنه التوضؤ من الثلج
فإن لم يكن في ثيابه ورحله تراب ضرب بيده على الوحل والثلج والحجر وتيمم به.
والظاهر ضعفه لما ذكرناه.
(الموضع السابع) - اختلف الأصحاب فيما لو لم يوجد إلا الثلج فقيل بسقوط
فرض الصلاة ونقله في المدارك عن أكثر الأصحاب، وقيل بالتيمم به وهو ظاهر المرتضى
وابن الجنيد وسلار، وقيل بالوضوء أو الغسل به وهو مذهب الشيخين واختاره العلامة
في المختلف والتحرير، وظاهره في القواعد وجوب تقديم الثلج على التراب إن حصل منه
من الماء ما يسمى به غاسلا وإلا تيمم به مع فقد التراب وما في معناه، وهو راجع إلى قول
المرتضى، وذهب الشيخ في كتابي الأخبار إلى تقديم الثلج على التراب وإن كان الحاصل
منه كالدهن استنادا إلى صحيحة علي بن جعفر الآتية.
307

ولا بأس بذكر بعض عباراتهم في المقام، فنقول قال في المختلف: " لو لم يوجد
إلا الثلج وتعذر عليه كسره واسخانه قال الشيخان وضع يديه عليه باعتماد حتى تتنديا ثم
يتوضأ بتلك الرطوبة بأن يمسح يده على وجهه بالنداوة وكذا بقية أعضائه، وكذا في الغسل،
فإن خشي من ذلك أخر الصلاة حتى يتمكن من الطهارة المائية أو الترابية. وقال المرتضى:
إذا لم يجد إلا الثلج ضرب بيده وتيمم بنداوة وكذا قال سلار. ومنع ابن إدريس
من التيمم به والوضوء أو الغسل منه وحكم بتأخير الصلاة إلى أن يجد الماء أو التراب.
والوجه ما قاله الشيخان، لنا - أن المغتسل أو المتوضئ يجب عليه مماسة أعضاء الطهارة
بالماء واجراؤه عليها فإذا تعذر الثاني وجب الأول إذ لا يلزم سقوط أحد الواجبين
لعذر سقوط الآخر ".
أقول: والأصل في الاختلاف هنا هو اختلاف ظواهر الأخبار الواردة في المقام
وها أنا أتلوها عليك مذيلا لها إن شاء الله تعالى بما يقشع عنها غشاوة الإبهام، فأقول:
من الأخبار المشار إليها ما قدمناه من صحيحة رفاعة وموثقة زرارة، ومدلولها أنه لا يجوز
استعمال الثلج مع وجود الغبار، وهو وإن كان كذلك في ظاهر كلام أكثر الأصحاب
بل ظاهرهم الاتفاق عليه إلا أنه سيأتي ما فيه، ومنها - صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق
(عليه السلام) (1) قال: " سألته عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء
جامدا؟ قال هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعيد إلى هذه الأرض التي توبق
دينه " وقوله في هذه الرواية " ولم يجد إلا الثلج " يحتمل أن يراد به أنه لم يجد ماء
ولا ترابا إلا الثلج وحينئذ فيكون دليلا لما نقل عن المرتضى وسلار وابن الجنيد،
والظاهر أنه لما ذكرناه احتج بها لهم في المختلف، ويحتمل أن يكون المراد ولم يجد ماء
وحينئذ فيكون التيمم المأمور به بالتراب، وبهذا الاحتمال أجاب في المختلف عن الرواية
المذكورة، واحتمل أيضا التجوز باطلاق اسم التيمم على مسح الأعضاء جميعها بالثلج

1) المروية في الوسائل في الباب 9 و 28 من أبواب التيمم
308

والظاهر بعده، بقي الكلام في الاحتمالين الباقيين والظاهر أن الأول أقرب فتكون
هذه الرواية حجة للمرتضى ومن قال بمقالته.
ومنها - رواية محمد بن مسلم (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج؟ قال يغتسل بالثلج أو ماء النهر " وهذا الخبر
يدل بظاهره على ما ذهب إليه الشيخان من الوضوء أو الغسل بالثلج، وبه استدل في المختلف
على ما ذهب إليه الشيخان حيث اختاره كما عرفت، ثم قال: (لا يقال) لا دلالة في
هذا الحديث على مطلوبكم وهو الاجتزاء بالمماسة لأن مفهوم الاغتسال اجراء الماء الجاري
على الأعضاء لا نفس المماسة (لأنا نقوله نمنع أولا دخول الجريان في مفهوم الاغتسال،
سلمنا لكن الاغتسال إذا علق بشئ اقتضى جريان ذلك الشئ على العضو أما حقيقة
الماء فنمنع ذلك، ونحن نقول هنا بموجبه فإن الثلج يجب اجراؤه هنا على الأعضاء
لتحصل الرطوبة عليها أو يعتمد على الثلج بيده كما قاله الشيخان. انتهى. ويحتمل حمل
الخبر المذكور على إذابة الثلج ولعل في التخيير بينه وبين ماء النهر ما يؤنس بذلك فإن
السائل ذكر أنه لا يجد إلا الثلج ووقع الجواب بالتخيير له بين الثلج وماء النهر وأنهما
سواء، ويمكن أن يكون التخيير ليس باعتبار وجودهما معا بل باعتبار البدلية يعني الثلج
إن لم يكن إلا الثلج وماء النهر الجامد مثلا إن لم يكن إلا هو وكل منهما يحمل الاغتسال
به على الذوبان، ومنها - رواية معاوية بن شريح (2) قال: " سأل رجل أبا عبد الله
(عليه السلام) وأنا عنده قال يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماء جامدا
فكيف أتوضأ أدلك به جلدي؟ قال نعم " وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه
السلام) (3) قال: " سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب
ثلجا وصعيدا أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال الثلج إذا بل رأسه وجسده
أفضل وإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم " وروايته الأخرى المروية في قرب

1) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب التيمم
309

الاسناد عن أخيه (عليه السلام) (1) في من تصيبه الجنابة فلا يقدر على الماء في خبر
ساقه إلى أن قال: " قلت أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بثلج وجهه وجسده ورأسه؟ قال
الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل وإن لم يقدر على أن يغتسل يتيمم ".
وعلى هذه الأخبار عمل الشيخ في كتابي الأخبار فذهب إلى تقديم الثلج على
التراب وإن كان الحاصل منه كالدهن كما قدمنا نقله عنه، ولا تنافيه الروايات المتقدمة
الدالة على أنه مع حصول الثلج والغبار كما في صحيحة رفاعة وموثقة زرارة أو الثلج والتراب
كما في صحيحة محمد بن مسلم على أحد الاحتمالين يقدم التيمم على استعمال الثلج، لامكان
حمل اطلاقها على ما فصلته هذه الأخبار فإنها دلت على أنه مع إمكان الغسل بالثلج
أو الوضوء فهو الواجب المتعين ومع عدمه يتيمم فتحمل تلك الأخبار على عدم الامكان
جمعا، وعلى هذا فيقدم استعمال الثلج على التيمم بتراب كان أو بغبار وإن لم يحصل منه
الجريان بل يكفي الدلك على وجه تحصل منه النداوة ومع تعذر ذلك ينتقل منه إلى التيمم
وإن خالف ذلك مقتضى ظاهر اتفاقهم المتقدم ذكره.
وما ربما يقال - من أن الغسل مأخوذ في معناه الجريان فلا يصدق إلا به كما هو
ظاهر المعتبر والمدرك وغيرهما في هذا المقام - فالجواب عنه (أولا) - أنه مسلم لكنه
مخصوص عندنا بحال الاختيار والامكان دون الضرورة. و (ثانيا) - أن الروايات
الثلاث التي استندنا إليها في الحكم صريحة في الاكتفاء بمجرد البلل الذي هو النداوة
وفيها الصحيح باصطلاحهم فلا وجه لردها، وأما دعوى دلالة صحيحة علي بن جعفر على
التمكن من الاغتسال بحيث يصدق على الماء اسم الجريان على العضو كما أجاب به في
المختلف فعجيب كيف والرواية إنما تضمنت البلل الذي هو عبارة عن مجرد مماسة الماء
ورطوبة الجسد به وأين هذا من الجريان؟ وهو ظاهر. و (ثالثا) - ما استفاض في أخبار
الدهن من الدلالة على الاكتفاء بمجرد البلل مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة

1) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب التيمم
310

زرارة (1): " إذا مس جلدك الماء فحسبك " وفي أخرى (2): " كل شئ أمسسته الماء
فقد أنقيته " وقوله (عليه السلام) في بعضها (3): " يجزيك ما بللت يدك " وحملها على
أقل الجريان كما تأولوها به بعيد عن مناطيقها كما قدمنا الكلام في ذلك مفصلا في باب
الوضوء، وقد وافق على ذلك في المدارك في باب الوضوء فإنه قد اختار ثمة ابقاء الأخبار
المذكورة على ظاهرها وإن ناقض نفسه هنا وهو ظاهر في تأييد ما قلناه ههنا، وقد قدمنا
ثمة أن بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) حمل أخبار الدهن على الضرورة، وهو جيد
ومؤيد لما ذكرناه في هذه المسألة أيضا من اختصاص الحكم هنا بالضرورة.
وبالجملة فالأظهر عندي هو مذهب الشيخ في كتابي الأخبار عملا بهذه الروايات
الظاهرة في ذلك وحملا لما نافاها ظاهرا على ما قلناه، ومما حققناه في المقام يظهر أنه
لا وجه للقول بالتيمم بالثلج كما ذهب إليه المرتضى (رضي الله عنه) وغيره، ويؤيده
زيادة على ما ذكرناه أن التيمم لا يكون إلا بالتراب أو الأرض والثلج لا يدخل في شئ
منهما فالواجب أما الغسل به أو الوضوء إن أمكن وإلا فوجوده كعدمه. والله العالم.
وتمام البحث في هذا المطلب يتوقف على بيان أمور: (الأول) - قد صرح
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا يجوز التيمم بالنجس، قال في المنتهى ولا نعرف
فيه خلافا، واستدل عليه بقوله تعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا " (4) والطيب الطاهر،
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: " وهو جيد إن ثبت كون الطيب هو الطاهر بالمعنى
الشرعي لكن يبقى الكلام في اثبات ذلك ". انتهى.
أقول: الأظهر عندي هو الاستدلال بما ورد في جملة من الأخبار " جعلت لي

1) المروية في الوسائل في الباب 52 من أبواب الوضوء
2) رواها في الوسائل في الباب 26 من أبواب الجنابة
3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الجنابة
4) سورة النساء. الآية 43
311

الأرض مسجدا وطهورا " وهو مروي في عدة أخبار: منها - ما رواه في الكافي في
الصحيح عن أبان بن عثمان عمن ذكره عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " إن الله تعالى
أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، إلى أن قال:
وجعل له الأرض مسجدا وطهورا. " وروى في الفقيه مرسلا (2) قال: " قال النبي
(صلى الله عليه وآله) أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا ونصرت بالرعب وأحل لي المغنم وأعطيت جوامع الكلم وأعطيت الشفاعة "
وروى الصدوق في الخصال بسنده فيه عن أبي أمامة (3) قال: " قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فضلت بأربع: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأيما رجل من أمتي أراد
الصلاة فلم يجد ماء ووجد الأرض فقد جعلت له مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب
مسيرة شهر وأحلت لأمتي الغنائم وأرسلت إلى الناس كافة " وما رواه فيه في الصحيح عن
محمد بن سنان عن زياد بن المنذر أبي الجارود عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (4) قال:
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب وأحل لي المغنم وأعطيت جوامع الكلم
وأعطيت الشفاعة " وما رواه في المحاسن عن أبي إسحاق الثقفي عن محمد بن مروان
عن الصادق (عليه السلام) (5) قال: " إن الله أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله)
شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، إلى أن قال وجعل له الأرض مسجدا وطهورا "
والتقريب فيها أن الطهور لغة كما حققناه في صدر باب المياه هو الطاهر المطهر،
ومن ذلك يعلم أن كل موضع دل النص على التطهير بالأرض من حدث كان أو خبث
يجب أن تكون طاهرة حسبما يقال في الماء أيضا كما دلت عليه الآيات لاشتراك الجميع
في الوصف بالطهورية. وأما ما ذكره في الذخيرة - حيث قال في هذا المقام بعد أن
جرى على ما ذكره في المدارك كما هي عادته غالبا " وقد يستدل بقوله (صلى الله عليه

1) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التيمم
312

وآله) " وترابها طهورا " والنجس لا يعقل كونه مطهرا لغيره. وفيه أيضا مناقشة " -
فهو من جملة مناقشاته الواهية اللهم إلا أن يريد المناقشة في ثبوت الخبر بذلك حيث إنه
تبع صاحب المدارك أيضا في تضعيف الخبر المذكور بناء على نقله في كتب الفروع بقوله
" وترابها طهورا " والخبر - كما عرفت - موجود في جملة من الأصول المعتمدة ومتكرر
فيها وهو خال من لفظ " وترابها " كما استدل به المرتضى (رضي الله عنه) كما قدمنا
ذكره في تلك المسألة. والله العالم.
(الثاني) - قد صرحوا أيضا بأنه لا يصح التيمم بالمغصوب للنهي عنه المقتضي
للفساد في العبادة، قالوا: والمراد بالمغصوب ما ليس بمملوك ولا مأذون فيه صريحا أو ضمنا
كالمأذون في التصرف فيه أو فحوى كالمأذون في دخوله وجلوسه ونحوهما عموما أو خصوصا
أو بشاهد الحال كالصحارى المملوكة حيث لا ضرر على المالك، ومثله جدار الغير من
خارج حيث لا ضرر يتوجه عليه، نعم لو ظن الكراهة أو صرح بها المالك امتنع.
أقول: لا يخفى أن ما عللوا به عدم صحة التيمم بالمغصوب من النهي المقتضي للفساد
وإن كان هو المشهور بينهم بل ربما ادعي الاتفاق عليه إلا أنه سيأتي الكلام في هذه
المسألة في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى ونقل خلاف الفضل بن شاذان في ذلك وبيان
حجج الطرفين وذكر ما سنح لنا من التحقيق في البين. وأما العمل على هذه الدلالات
المذكورة بأنواعها فينبغي تقييده بإفادتها العلم برضا المالك ولا يكفي مجرد الظن كما يعطيه
ظاهر كلامهم. قالوا ولو حبس المكلف في مكان مغصوب ولم يجد ماء مباحا أو وجد
ولزم من استعماله اضرار بالمالك فهل يجوز التيمم بترابه الظاهر مع عدم وجود غيره كما
جازت له الصلاة فيه لخروجه بالاكراه عن النهي فصارت الأكوان مباحة له لامتناع
التكليف بما لا يطاق أم لا يجوز لافتقاره إلى التصرف في المغصوب زائدا على أصل الكون؟
وجهان، ورجح بعض أفاضل متأخري المتأخرين الأول لما ذكر، استبعد الثاني لمنع عدم
جواز ذلك التصرف، قالوا وهذا بخلاف الطهارة بالماء المغصوب لما فيه من الاتلاف
313

فكان غير جائز قطعا. أقول: والمسألة عندي محل توقف.
(الثالث) - صرح الأصحاب بجواز التيمم بالسبخة والرمل على كراهة،
والمراد بالسبخة الأرض المالحة النشاشة، أما الحكم بالجواز في السبخة فهو المشهور بينهم
وعن ابن الجنيد المنع من السبخ حكى ذلك عنه المحقق في المعتبر والشهيد في البيان،
ويدل على الجواز فيهما صدق اسم الأرض عليهما فإن الرمل أجزاء أرضية اكتسبت حرارة
أوجبت لها التشتت والسبخة أرض اكتسبت حرارة أوجبت لها تغييرا في الكيفية
لا تخرج به عن حقيقة الأرضية، ومتى ثبت صدق الأرضية عليهما جاز التيمم بهما تمسكا
بظاهر الآية والنصوص المتقدمة، وأما ما ذكروه من الكراهة فلم أقف له على دليل،
قيل وربما كان الوجه فيها التفصي؟ من احتمال خروجهما بتلك الحرارة المكتسبة عن
الحقيقة الأرضية أو الخروج من خلاف ابن الجنيد في السبخ وخلاف بعض العامة
في الرمل. أقول: ويمكن تأييد الوجه الأول بما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن
الحسين (1) " أن بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (عليه السلام) يسأله عن
الصلاة على الزجاج قال فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت هو مما أنبتت الأرض وما كان لي
أن أسأله عنه فكتب إلي: لا تصل على الزجاج إن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض
ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان " قال بعض مشايخنا المحدثين يعني حولت
صورتهما ولم يبقيا على صرافتهما. وأما الوجه الثاني فهو ضعيف.
أقول: ومما يكره التيمم به تراب الطريق والتراب الذي يوطأ عليه كما رواه في الكافي
عن غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " قال أمير المؤمنين
(عليه السلام) لا وضوء من موطأ " قال النوفلي يعني ما تطأ عليه برجلك. وعن غياث
ابن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) (3) قال: " نهى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن

1) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب ما يسجد عليه
2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب التيمم
314

يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق " والأصحاب قد ذكروا في هذا المقام أنه يستحب
التيمم من ربى الأرض وعواليها واستدلوا بهذين الخبرين، والأظهر في الاستدلال على
ما ذكروه إنما هو بالخبرين المتقدمين (1) في تفسير الآية من كتاب معاني الأخبار والفقه
الرضوي حيث إنهما قد فسروا الصعيد في الآية بأنه المرتفع من الأرض والطيب الذي
ينحدر عنه الماء.
(الرابع) - يجوز التيمم بالأرض المبتلة وليتخير أخفها بللا كما رواه الشيخ
في الصحيح عن رفاعة عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " إذا كانت الأرض
مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فيتمم منه فإن ذلك توسيع من
الله عز وجل. " أقول: قوله (عليه السلام): " ليس فيها تراب " يعني جاف، وقوله
" فإن ذلك توسيع " أي التيمم بالمبتل مع تعذر الجاف توسيع، ويمكن أن يستفاد منه
أنه مع وجود الجاف لا يجوز الانتقال منه إلى الرطب وإن ذلك مخصوص بحال الضرورة
إلا أن ظاهر المحقق في المعتبر خلافه حيث قال: يجوز التيمم بالأرض الندية كما يجوز بالتراب
لما ذكرناه من الحجة ولما رواه رفاعة، ثم ساق الخبر، وأشار بما ذكره من الحجة إلى صدق
الصعيد عليه. وهو جيد إلا أنه يبقى قوله في الخبر " فإن ذلك توسيع " عاريا عن الفائدة
وإن أمكن أن يتكلف لوجهه.
وقد ذكر الأصحاب هنا أنه يجوز التيمم بتراب القبر سواء كان منبوشا أو غير
منبوش إلا أن يعلم أن فيه نجاسة لتناول اسم الصعيد له وعدم تحقق المانع، ولا أعرف
لخصوصية ذكر هذا الفرد وجها يوجب ذكره دون غيره من أنواع التراب، وكأن
الوجه فيه مباشرة الميت فربما يتوهم عدم الجواز لذلك، وفي المعتبر يجوز وإن تكرر
نبشه لأنه عندنا طاهر، نعم لو كان الميت نجسا منع.
قالوا: ويجوز التيمم بالتراب المستعمل، وفسر المستعمل بالممسوح به أو

1) ص 245
2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
315

المتساقط عن محل الضرب لا المضروب عليه فإنه ليس بمستعمل اجماعا لأنه كالإناء
يغترف منه.
وإذا امتزج التراب بشئ من المعادن أو غيرها اعتبار الاسم فإن صدق اسم
التراب لاستهلاكه الخليط واضمحلال الخليط فيه صح التيمم به لصدق التراب عرفا ولغة
وشرعا، وعن الشيخ في الخلاف أنه قال لا يجوز التيمم به سواء غلب على الخليط أو لم يغلب.
ووجهه غير ظاهر مع أنه قال في المبسوط يجوز إذا كان مستهلكا.
(الخامس) - لا خلاف بين الأصحاب رضوان الله عليهم) في عدم جواز
التيمم بالرماد كما حكاه في المنتهى، والظاهر أنه لا فرق بين رماد التراب وغيره،
واستقرب العلامة في النهاية جواز التيمم بالرماد المتخذ من التراب، وقال في التذكرة
لو احترق التراب حتى صار رمادا فإن كان خرج عن اسم الأرض لم يصح التيمم به.
وظاهره الشك في الخروج وعدمه، قال في المدارك بعد نقل العبارة: وهذا أولى إذ
المعتبر ما يقع عليه اسم الأرض. وظاهره أيضا التوقف كما في عبارة التذكرة أقول: لا يخفى
أن الرماد الحاصل من احتراق الشجر ونحوه لا يصير رمادا ولا يصدق عليه هذا الاسم
إلا باعتبار اعدام النار للحقيقة الأولية واضمحلالها وانقلابها إلى النوع المسمى بالرماد،
ولهذا جعلت النار من جملة المطهرات من حيث الإحالة من الحقائق الأولية إلى حقيقة
الرماد أو الدخان، فقد حصل التغيير في الحقيقة والتسمية، وحينئذ فإن كان النار
باحراقها التراب قد عملت فيه مثل ما تعمل في تلك الأجسام من اذهاب الحقيقة الأولية
إلى حقيقة أخرى بحيث إنه إنما يسمى في العرف رمادا فلا ريب في أن حكمه حكم الرماد
الحاصل من غير الأرض في عدم صدق التراب عليه، وإن لم تعمل فيه النار على هذا
الوجه المذكور وإن غيرت لونه فإنه لا يسمى رمادا بل هو تراب وإن تغير لونه، وحينئذ
ففرضه في التذكرة وكذا في المدارك أيضا أنه احترق حتى صار رمادا ثم الشك في خروجه
بذلك عن اسم الأرض لا أعرف له وجها وجيها، فإنه متى صار رمادا بأن عملت فيه
316

النار كما عملت في غيره من الأجسام التي أحالتها فلا ريب في خروجه عن اسم الأرضية
وهو ليس بموضع شك كما في نظائره المذكورة، وإن لم يسم رمادا فهو باق على ما كان
عليه، وبذلك يظهر أيضا أنه لا وجه لما استقر به في النهاية من جواز التيمم برماد التراب
وبالجملة فإنه متى صدق عليه اسم الرماد فقد خرج عن اسم الأرض كما خرج نظائره مما
أحالته النار عن حقيقته الأولى إلى حقيقة الرمادية. والله العالم.
(السادس) - ولو فقد هذه الأشياء التي يجوز التيمم بها لقيد أو حبس في مكان
نجس أو نحو ذلك فقد اختلف أصحابنا في حكمه، فقيل إنه يجب الصلاة أداء وقضاء،
وهذا القول لم نظفر بقائله صريحا وإنما نقله في الشرائع، قال في المدارك: ولعله أشار
بذلك إلى ما في المبسوط من تخييره بين تأخير الصلاة أو الصلاة والإعادة، قال وهو مع
ضعفه لا يدل على تعين الأداء، وعن المفيد (قدس سره) في رسالته إلى ولده أنه قال:
وعليه أن يذكر الله تعالى في أوقات الصلاة ولم يتعرض للقضاء، وما ذكره من الأمر
بالذكر لم نقف له على مستند، وقيل بسقوط الأداء والقضاء وهو اختيار المحقق في الشرائع
والمعتبر ونقل عن المفيد في أحد قوليه وهو قول العلامة أيضا في كتبه، واحتج عليه في
المعتبر بأنها صلاة سقطت بحدث لا يمكن إزالته فلا يجب قضاؤها كصلاة الحائض، وبأن
القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة ولا دلالة. وقيل بوجوب القضاء وهو اختيار
المفيد في المقنعة والمرتضى في المسائل الناصرية وابن إدريس واختاره في المدارك وهو
المشهور بين المتأخرين. وقيل بالتخيير بين الصلاة والإعادة والتأخير كما تقدم نقله عن
عبارة المبسوط. احتج القائلون بوجوب القضاء بعموم ما دل على وجوب قضاء الفوائت
كقول الباقر (عليه السلام) في صحيحة زرارة (1) " ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها "
وفي صحيحة أخرى لزرارة (2) " أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك

1) المروية في الوسائل في الباب 63 من أبواب التيمم
2) رواها في الوسائل في الباب 2 من أبواب قضاة الصلوات
317

فذكرتها أديتها.. الحديث ".
أقول - وبالله سبحانه الثقة لبلوغ المأمول -: الظاهر أنه لا ريب في سقوط
الأداء لأن الطهارة شرط في الصلاة مطلقا لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة (1)
" لا صلاة إلا بطهور. " وقد تعذر الطهور فيسقط التكليف به ويلزم من سقوط التكليف
به سقوط التكليف بالمشروط وإلا فإن بقي الاشتراط لزم التكليف بما لا يطاق وإن انتفى
خروج المشروط المطلق عن كونه مشروطا وهو باطل. إلا أن في المقام اشكالا
يجب التنبيه عليه وهو أن ظاهرهم الاتفاق على أن الطهارة من شروط الصحة كالقبلة
وستر العورة وطهارة الستار ونحوها لا من شروط الوجوب وإنما شرط الوجوب فيها
الوقت خاصة، وقد قرروا في شروط الصحة أن وجوبها إنما هو مع الامكان وأن الصلاة
تصح بدونها مع التعذر، ولذا قال المحدث السيد نعمة الله الجزائري في رسالة التحفة
ما صورته: " والأولى أن لم ينعقد الاجماع على خلافه وجوب الصلاة أداء من غير
إعادة لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة لا في وجوبها فهي كغيرها من الساتر والقبلة،
وباقي شروط الصحة إنما تجب مع إمكانها وإلا لكانت الصلاة من قبيل الواجب المقيد
كالحج والأصوليون على خلافه " انتهى. وهو جيد. إلا أنه يمكن أن يقال إن الطهارة
وإن كانت من شروط الصحة كما ذكروا إلا أن تعميم الحكم في شروط الصحة بما ذكروه
- من عدم وجوبها إلا مع الامكان الموجب لعدم شرطيتها مع عدم إمكانها فتجوز
الصلاة بدونها - محل نظر، وقيام الدليل فيما عدا الطهارة من تلك الشروط لا يستلزم اجراءه
فيها من غير دليل سيما وظاهر الصحيحة المتقدمة عدم صحة الصلاة إلا بطهور فهي بدونه باطلة
مطلقا أمكنت الطهارة أم لا والباطل يمتنع التكليف به. وأما القضاء فقد عرفت أنه هو
المشهور بين المتأخرين لعموم الأخبار المتقدمة، ويمكن تطرق القدح إليه بما أشرنا إليه
في غير موضع وبه صرح جملة من المحققين من أن الأحكام المودعة في الأخبار إنما

1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب التيمم
318

تنصرف إلى الأفراد المتكررة الكثيرة الدوران فهي التي يتبادر إليها الاطلاق
دون الفروض النادرة التي ربما لا توجد بالكلية في زمان من الأزمان، فشمول
الأخبار المذكورة لهذا الفرد الذي هو محل البحث لا يخلو من بعد وبذلك يتأيد مذهب
المحقق ومن تبعه. وكيف كان فحيث كانت المسألة عارية عن النص بالخصوص سيما مع تدافع
هذه الأدلة فالأحوط الصلاة أداء وقضاء بعد وجود الطهارة مائية أو ترابية. والله العالم.
(المطلب الثالث) - في بيان كيفية التيمم المشتملة على النية والضرب
باليدين على الأرض ومسح الجبهة وظاهر الكفين الترتيب وما يلحق به فالكلام
هنا يقع في مقامات خمسة، إلا أنه ينبغي أولا تقديم الأخبار الواردة في كيفية التيمم ثم
عطف الكلام على البحث في هذه المقامات الخمسة واستعلام أحكامها من الأخبار
المذكورة فنقول:
(الأول) - من الأخبار المشار إليها ما رواه في الكافي في الصحيح عن
أبي أيوب الخزاز عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن التيمم؟ فقال إن
عمار بن ياسر أصابته جنابة فتمعك كما تتمعك الدابة فقال له رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة؟ فقلت له كيف التيمم؟ فوضع يده على المسح ثم
رفعها فمسح وجهه ثم مسح فوق الكف قليلا ".
(الثاني) - ما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن النعمان (2) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التيمم؟ قال إن عمارا أصابته جنابة فتمعك كما
تتمعك الدابة فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يهزأ به: يا عمار تمعكت
كما تتمعك الدابة؟ فقلنا له فكيف التيمم؟ فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه
ويديه فوق الكف قليلا " قوله: " وهو يهزأ به " أي يمزح معه فإن حمل الهزء على
معناه الذي هو السخرية غير مناسب في حقه (صلى الله عليه وآله) خصوصا بمثل عمار

1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم
319

الجليل المنزلة عنده والمقدار لقوله عز وجل كناية عن بني إسرائيل في قولهم لموسى
(عليه السلام): ". أتتخذنا هزوا ": " قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين " (1)
(الثالث) - ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (2) " قال سمعت
أبا جعفر (عليه السلام) يقول وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع أبو جعفر (عليه السلام)
كفيه على الأرض ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشئ ".
(الرابع) - ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة (3) قال: " قال
أبو جعفر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم لعمار في سفر له يا عمار
بلغنا أنك أجنبت فكيف صنعت؟ قال تمرغت يا رسول الله في التراب. قال فقال له
كذلك يتمرغ الحمار أفلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد
ثم مسح جبينه بأصابعه وكفيه إحداهما بالأخرى ثم لم يعد ذلك ".
(الخامس) - ما رواه في الكافي في الحسن عن الكاهلي (4) قال: " سألته
عن التيمم؟ قال فضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه ثم مسح كفيه إحداهما على
ظهر الأخرى ".
(السادس) - ما رواه في التهذيب في الموثق عن زرارة (5) قال: " سألت
أبا جعفر (عليه السلام) عن التيمم؟ فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم
مسح بهما جبهته وكفيه مرة واحدة " هكذا نقله في الوافي عن الكتابين والموجود
في الكافي " جبينه " عوض لفظ " جبهته " وكذا رواه الشيخ في التهذيب في موضع
آخر من طريق محمد بن يعقوب بلفظ الجبين دون الجبهة.
(السابع) - ما رواه في التهذيب في الحسن عن عمرو بن أبي المقدام عن
الصادق (عليه السلام) (6) " أنه وصف التيمم فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما

1) سورة البقرة، الآية 65
2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم
6) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم
320

فنفضهما ثم مسح على جبينيه وكفيه ومرة واحدة ".
(الثامن) - ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) (1)
" في التيمم؟ قال: تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك ".
(التاسع) - ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا
(عليه السلام) (2) قال: " التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين ".
(العاشر) - ما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) (3) قال: " سألته عن التيمم؟ فقال مرتين مرتين للوجه واليدين ".
(الحادي عشر) - ما رواه في التهذيب في الصحيح عن زرارة عن الباقر
(عليه السلام) (4) قال: " قلت له كيف التيمم؟ قال هو ضرب واحد للوضوء والغسل
من الجنابة: تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين، ومتى أصبت
الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا والوضوء إن لم تكن جنبا ".
(الثاني عشر) - ما رواه في التهذيب والفقيه في الموثق عن عمار عن الصادق
(عليه السلام) (5) قال: " سألته عن التيمم من الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض
للنساء سواء؟ فقال نعم ".
(الثالث عشر) - ما رواه في الكافي في الموثق عن أبي بصير (6) قال:
" سألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماء؟ فقال نعم ".
(الرابع عشر) - ما رواه في الكافي والتهذيب عن حماد بن عيسى في الصحيح
أو الحسن عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) (7) " أنه سئل عن التيمم فتلا
هذه الآية: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما (8) " وقال: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم

1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم
6) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم
7) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب التيمم
8) سورة المائدة والآية 38
321

إلى المرافق " (1) قال فامسح على كفيك من حيث موضع القطع وقال: وما كان ربك نسيا (2) "
(الخامس عشر) - ما رواه في التهذيب عن ليث المرادي عن الصادق
(عليه السلام) (3) " في التيمم؟ قال تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما
وتمسح بهما وجهك وذراعيك ".
(السادس عشر) - ما رواه في التهذيب في الموثق عن سماعة (4) قال:
" سألته كيف التيمم؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين ".
(السابع عشر) - ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التيمم؟ فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما
وجهه ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها
وواحدة على بطنها ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه، ثم قال هذا
التيمم على ما كان فيه الغسل وفي الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين وألقى ما كان عليه
مسح الرأس والقدمين فلا يؤمم بالصعيد ".
(الثامن عشر) - ما نقله ابن إدريس في آخر كتاب السرائر من كتاب
نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن الباقر (عليه
السلام (6) قال: " أتى عمار بن ياسر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله
إني أجنبت الليلة ولم يكن معي ماء؟ قال: كيف صنعت؟ قال طرحت ثيابي وقمت على
الصعيد فتمعكت فيه. فقال هكذا يصنع الحمار إنما قال الله عز وجل " فتيمموا صعيدا
طيبا " (7) فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحداهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه

1) سورة المائدة. الآية 6.
2) سورة مريم. الآية 65
3) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم
6) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب التيمم
7) سورة المائدة. الآية 6.
322

ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى مسح لليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى "
(التاسع عشر) - ما في الفقيه الرضوي (1) حيث قال (عليه السلام):
" وصفة التيمم للوضوء والجنابة وسائر أبواب الغسل واحد وهو أن تضرب بيديك على
الأرض ضربة واحدة ثم تمسح بهما وجهك (موضع السجود) من حد الجانبين إلى الذقن، وروي أنه موضع
السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف، ثم تضرب بهما آخر فتمسح بهما اليمنى إلى
حد الزند وروي من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى وباليمنى اليسرى على هذه
الصفة، وروي؟ إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة ثم تضع
إحدى يديك على الأخرى ثم تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك وبقي
ما بقي ثم تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكف
ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف ثم تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى
فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة، فهذا هو التيمم وهو
الوضوء التام الكامل في وقت الضرورة ".
أقول: هذا ما حضرني من روايات المسألة وسيأتي الكلام إن شاء الله
فيها في كل حكم مما يتعلق به في موضعه، فلنرجع إلى ما وعدنا من الكرم في المقامات
الخمسة فنقول:
(المقام الأول) - في النية وهي وإن كانت عندنا غنية عن البيان كما سلف لك
تحقيقه في غير مكان ولا سيما في بحث نية الوضوء وما أودعناه فيه من التحقيق الساطع
البرهان، وقد عرفت فيما سبق في باب الوضوء بعد تحقيق الكلام في النية الكلام في
قيودها التي ذكروها وما الذي يجب منها وما لا يجب، إلا أنه بقي الكلام هنا في مواضع
لم يتقدم لها ذكر فيما سبق:
(الأول) - أن المشهور في كلامهم بناء على وجوب نية الرفع أو الاستباحة

1) ص 5
323

في الطهارة أنه لا يجوز نية الرفع في التيمم وإنما ينوي فيه الاستباحة خاصة، وذلك
للفرق بينهما فإن الاستباحة عبارة عن رفع المنع ورفع الحدث عبارة عن رفع المانع، فعلى
هذا يمتنع نية الرفع من التيمم ودائم الحدث لاستمرار المانع وعدم إمكان رفعه ولهذا
وجب على دائم الحدث تجديد الوضوء لكل صلاة والمتيمم فإنه ينتقض تيممه برؤية
الماء مع أنه ليس بحدث، وإنما ينويان الاستباحة لأنهما بالطهارتين المذكورتين أبيح لهما
الدخول في العبادة وإن كان الحدث باقيا.
وتفصيل هذه الجملة ببيان البسط أن يقال يجب أن يعلم أن الحدث لفظ مشترك
يطلق على معنيين: (أحدهما) نفس الخارج الناقض للطهارة و (الثاني) أثره وهو المانع
من الدخول في العبادة المتوقف رفعه على الطهارة، والمعنى الأخير هو محل البحث في
المسألة لا الأول لامتناع رفع الواقع فإنه قد وقع والواقع لا يرتفع، وإنما المراد رفع المانع
أي الأثر الحاصل بسبب الخارج على ما عرفت، فنية الرفع يقصد بها إزالة المانع المستلزم
لإزالة المنع كما في طهارة المختار، ولهذا أن الرفع والاستباحة بالنسبة إليه متلازمان، ونية
الاستباحة يقصد بها إزالة المنع وهو أعم من رفع المانع إذ قد يرتفع المنع ولا يرتفع المانع
بالكلية، كما في المتيمم فإنه يستبيح الصلاة مع عدم ارتفاع حدثه ومن ثم يجب عليه
الطهارة المائية عند التمكن منها، ولو كان الحدث مرتفعا بالتيمم لم تجب الطهارة المائية بذلك
الحدث السابق فهو دليل على عدم زوال المانع، وكما في دائم الحدث فإن الإباحة تحصل له
بوضوئه للصلاة الواحدة مع بقاء أثر الحدث المتأخر عن الطهارة والمقارن فلم يحصل فيه
سوى زوال المنع، فإن المانع مقارن للطهارة وإنما حصل له بالطهارة إباحة الصلاة خاصة
وبذلك يظهر الفرق بينهما بالنسبة إلى الطهارة الاضطرارية ودائم الحدث.
قال في المعتبر: التيمم لا يرفع الحدث وهو مذهب العلماء كافة، ثم احتج عليه
بأن المتيمم يجب عليه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق فلو لم يكن الحدث
السابق باقيا لكان وجوب الطهارة بوجود الماء إذ لا وجه غيره، ووجود الماء ليس
324

حدثا بالاجماع، ولأنه لو كان حدثا لوجوب استواء المتيممين في موجبه ضرورة استوائهم
فيه، لكن هذا باطل لأن المحدث لا يغتسل والجنب لا يتوضأ، ثم أورد خبرا من
طرق العامة يتضمن تسمية النبي (صلى الله عليه وآله) لمن تيمم عن الغسل وصلى
جنبا (1) ثم قال: فرع: لو تيمم ونوى رفع الحدث لم يستبح به الصلاة لأن النية تابعة
للمشروع وحيث لا مشروعية فلا نية. انتهى.
وذهب جمع من محققي متأخري المتأخرين - وهو الحق الحقيق بالاتباع - إلى عدم
الفرق بين الرفع والاستباحة بل هما بمعنى واحد مطلقا، وذلك فإن الحدث بالمعنى الثاني
المتقدم وهو الذي يمكن رفعه لا يعقل له معنى في الشرع سوى الحالة التي لا يسوغ
للمكلف الدخول في العبادة بها، ومتى جوز الشارع له الدخول بوجه من الوجوه
وسبب من الأسباب فإنه يجب القطع بزوال تلك الحالة وهو معنى الرفع، غاية الأمر
أن زوالها يتفاوت بتفاوت أحوال المكلفين فقد يحصل زوالها مطلقا كما في الطهارة الاختيارية
لغير دائم الحدث وقد يحصل إلى غاية كما في المتيمم ودائم الحدث، وهذا القدر لا يوجب
تخصيص كل قسم باسم بحيث لا ينصرف إلى غيره، ونقل هذا القول عن الشهيد
(قدس سره) في قواعده ومال إليه الشهيد الثاني في شرح الألفية مع زيادة تصلبه في
العمل بالقول المشهور في الروض، قال في شرح الألفية بعد الكلام في المسألة:
وذهب المصنف (رضي الله عنه) في بعض تحقيقاته إلى الاكتفاء بنية رفع الحدث
بناء على أن المراد منه هو المانع ولولا ارتفاعه لما أبيحت الصلاة أو بحمله على الحدث

1) وهو حديث عمرو بن العاص وقد رواه أحمد في مسنده ج 2 ص 205 هكذا:
أن عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل احتلم فأجنب والليلة شديدة البرد فخاف الهلاك
إذا اغتسل فتيمم وصلى بأصحابه صلاة الصبح ولما حكى ذلك لرسول الله " ص " قال:
يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فذكر له خوفه من الهلاك وأن الله يقول " لا تقتلوا
أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " فضحك رسول الله " ص " ولم يقل شيئا
325

السابق، والمتأخر من الحدث معفو عنه وإن لم ينو إباحته بل لا يكاد يعقل نية الإباحة
منه قبل وقوعه وإنما هو عفو من الله، وهذا القول ليس بعيدا عن الصواب فإنا لا نعقل
من الحدث إلا الحالة لا يصح معها الدخول في الصلاة، فمتى أبيحت الصلاة زالت
تلك الحالة فارتفع الحدث بالنسبة إلى هذه الصلاة بمعنى زوال المانع وإن بقي في غيرها،
وأيضا فإن النية إنما تؤثر في الإباحة من الحدث السابق عليها كما قلناه لا المتأخر إذ لم
يعهد ذلك شرعا، والمتأخر مغتفر في هذه الصلاة والسابق لا مانع من رفعه بالنية.
إلى آخر كلامه.
ويمكن أن يقال في المقام أنه لا يخفي؟ على المتأمل في كلامهم بالنظر الدقيق والناظر
فيه بعين التحقيق أنه لا منافاة بين القولين المذكورين، وذلك بأن يحمل ما ادعى عليه
المحقق الاجماع من أن التيمم لا يرفع الحدث وأنه لو تيمم ونوى رفع الحدث لم يستبح
الصلاة على معنى أنه لا يرفعه على نحو ما يرفعه الماء من رفعه مطلقا وإزالته بالكلية حتى أنه لا يؤثر في بطلانه إلا الحدث كما في الطهارة المائية التي لا ينقضها إلا الحدث وأن
التمكن من الماء لا يؤثر في بطلانه ونقضه، ومن الظاهر أنه بهذا المعنى مجمع عليه إذ
لا قائل بأنه يرفع الحدث كرفع الماء وأنه لا ينتقض بالتمكن من الماء، فما ادعاه من
الاجماع صحيح لا شك فيه، وأما كونه يرفع الحدث إلى وقت التمكن من الماء أو طرو
أحد النواقض - كما صرح به الشهيد في قواعده وقال به أصحاب القول الثاني - فلا مانع
منه بالتقريب المتقدم، إلا أنه ربما أشكل بأن المتبادر من معنى الرفع إنما هو زوال ذلك
المانع بكليته فلا يعود إلا بسبب موجب له كما في الطهارة المائية الرافعة فإنه لا يعود
الحدث إلا بسبب آخر، وأما في التيمم فإنه ليس كذلك إذ لو كان رافعا للحدث على
الوجه المذكور لما انتقض بالتمكن من الماء لأن التمكن من الماء ليس حدثا اجماعا كما
سمعت من كلام المحقق. قولكم: إنه أرفع إلى غاية هي وجود التمكن من الماء أو حصول
الحدث. قلنا: لا ريب أنه بالتمكن من الماء أو طرو حدث يعود الأول بعينه حتى كأنه
326

لم يزل لا أنه يحصل به سبب آخر يوجب التيمم، فهو ظاهر في أنه إنما ارتفع المنع المترتب
على ذلك المانع لا أصل المانع فإنه باق على حاله في جميع الحالات إلى أن يتطهر بالماء،
وبالجملة فإنه متى أحدث ولم يكن ثمة ماء فإنه تحصل له تلك الحالة المانعة من الصلاة المسماة
بالحدث وهذه الحالة ثابتة معه إلى أن يزيلها بالماء خاصة، والتيمم إنما أفاده جواز
الدخول في المشروط بالطهارة ورفع المنع عنه، ولهذا لو تيمم بدلا من الجنابة فإن الجنابة
باقية إلى أن يزيلها بالغسل وإن ارتفع المنع عنه في الدخول فيما يشترط بالطهارة بالتيمم.
وكيف كان فالمسألة على المشهور من وجوب نية هذه القيود لا تخلو من الاشكال
لما عرفت من عدم النص وتدافع هذه الأقوال والعلل العقلية لا تنتهي إلى ساحل ولو
طويت لها المراحل، وأما عندنا فحيث لم يثبت عندنا دليل على وجوب هذه القيود سوى
القربة فلا اشكال، هذا.
وأما ما ذكره في شرح الألفية من أن النية إنما تؤثر في الحدث السابق. الخ
فإن أريد به بالنسبة إلى دائم الحدث فالوجه فيما ذكره ظاهر لأن حدثه مستمر كما هو
المفروض فإن النية إنما تؤثر في السابق دون المقارن للنية والمتأخر عنها وحينئذ يكون ذلك
عفوا منه سبحانه، وأما بالنسبة إلى المتيمم فلا يخلو من اشكال إذ الظاهر أنه بتيممه
ترتفع عنه تلك الحالة التي هي عبارة عن المانع ويصح منه كل ما يتوقف على الطهارة
غاية الأمر أن ذلك إلى غاية مخصوصة، اللهم إلا أن يقال إن المراد أن ذلك المانع بالنسبة
إلى ما تقدم على التيمم قد ارتفع بالتيمم مطلقا وزال بالكلية وبالنسبة إلى ما تأخر يرتفع
إلى الغاية المذكورة، إلا أن هذا المعنى بعيد عن سوق العبارة المذكورة بالنسبة إلى
التيمم. والله العالم.
(الثاني) - اختلف الأصحاب في وجوب نية البدلية في التيمم وعدمه، فقيل
بالوجوب ونقل عن الشيخ في الخلاف كما سيأتي من نقل كلامه في ذلك، حيث إنه يقع أحيانا
بدلا من الغسل وأحيانا بدلا من الوضوء مع اختلاف حقيقتهما فاعتبر في النية التعرض
327

للبدلية ليتميز أحدهما عن الآخر. ويشكل بأن الاحتياج إلى التمييز إنما يكون في موضع
اجتماعهما معا والخطاب بهما كذلك أما لو كان المخاطب به إنما هو التيمم عن أحدهما فلا
ضرورة إلى التمييز. وما ذكره بعض فضلاء متأخري المتأخرين في الجواب - من أن
التمييز يعتبر بالنسبة إلى ما يصح وقوع التيمم عنه مطلقا من غير التفاوت ما في الذمة -
مجرد دعوى عارية عن الدليل بل هو نوع مصادرة كما لا يخفى. وقيل بالعدم مطلقا
والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين كما ذكره بعض الأفاضل. وقيل بالتفضيل وهو وجوب
نية البدلية إن قلنا باختلاف صورتي التيمم بدلا عن الحدث الأصغر وعن الأكبر يعني
وجوب الضربة في البدل عن الأصغر والضربتين فيما هو بدل عن الأكبر، وإن قلنا
باتحاد صورتي التيمم بالضربة فيهما أو الضربتين فلا، وهو مذهب الشهيد في الذكرى
حيث قال: الأقرب اشتراط نية البدلية عن الأكبر أو الأصغر لاختلاف حقيقتهما
فيتميزان بالنية وبه صرح الشيخ في الخلاف، وعليه بنى ما لو نسي الجنابة فتيمم للحدث أنه
لا يجزئ لعدم شرطه، وهذا بناء على اختلاف الهيئتين ولو اجتزأنا بالضربة فيهما
أو قلنا فيهما بالضربتين أمكن الاجزاء وبه أفتى في المعتبر مع أن الشيخ في الخلاف قال في
المسألة: فإن قلنا إنه متى نوى بتيممه استباحة الصلاة من حدث جاز له الدخول في الصلاة
كان قويا قال والأحوط الأول يعني عدم الاجزاء، وذكر أن لا نص للأصحاب فيها أي في
مسألة النسيان. انتهى ما ذكره في الذكرى. أقول: عبارة المعتبر في هذا المقام هكذا:
" لو نسي الجنابة فتيمم للحدث فإن قلنا بالضربة الواحدة فيهما أجزأ لأن الطهارتين واحدة
وإن قلنا بالتفصيل لم يجزئه، وقال الشيخ في الخلاف والذي يقتضيه المذهب أنه لا يجوز لأنه
يشترط أن ينويه بدلا من الوضوء أو بدلا من الجنابة ولم ينو ذلك " انتهى. وأنت
خبير بأن غاية ما تدل عليه هذه العبارة هو أن عدم الاجزاء على القول بالتفصيل إنما
هو من حيث إن الواجب في بدل الجنابة الضربتان وهو لم يأت إلا بواحدة حيث إنه إنما
تيمم بقصد البدلية عن الوضوء لا أن عدم الاجزاء من حيث الاخلال بنية البدلية،
328

وبذلك يظهر أنه لا دلالة في عبارة المعتبر على ما ادعاه من التفصيل. وكيف كان
فالظاهر هو القول بالعدم مطلقا كما هو المشهور لعدم الدليل وصدق الامتثال بما أتى
به لأنه الذي تعلق به الخطاب.
ومما ينبغي التنبيه له أنه يجب أن يستثنى من وجوب نية البدلية على القول به مطلقا
أو على التفصيل المتقدم تيمم الصلاة على الجنازة والتيمم للنوم، لأن كلا منهما جائز بدون
الطهارة ولأن التيمم فيهما جائز مع وجود الماء، وكذلك التيمم للخروج من المسجدين بناء
على مذهب من يجعل غايته الخروج من المسجدين وإن أمكن الغسل فإنه لا وجه لنية البدلية
بل صرحوا بأنه لا يجوز النية كذلك، وأما على القول الآخر من أن التيمم إنما يشرع
مع عدم إمكان الغسل فيكون كغيره مما تقدم.
(الثالث) - أنه قد اختلف الأصحاب في محل النية في التيمم، فالمشهور أن
محلها عند الضرب على الأرض لأنه أول التيمم وبه قطع في المنتهى، قالوا فعلى هذا يجب
مقارنة النية الضرب على الأرض حيث إنه أول أفعاله كما في غيره من العبادات
التي يجب مقارنة النية لأول أفعالها، ولو تأخرت عن ذلك إلى مسح الوجه بطل التيمم
لخلو بعض أفعاله عن النية، وقطع العلامة في النهاية بالاجزاء بتأخيرها إلى مسح الجبهة
وجعل الضرب خارجا عن حقيقة التيمم ونزله منزلة أخذ الماء في الطهارة المائية حيث
لا تحتم النية عنده لعدم كونه أول الأفعال الواجبة بل تؤخر عنه إلى غسل الوجه.
واعترضه في الذكرى بوجهين: (أحدهما) - أن تنزيله منزلة أخذ الماء للطهارة المائية فيه
منع ظاهر لأن الأخذ غير معتبر بنفسه ولهذا لو غمس الأعضاء في الماء أجزأ بخلاف
الضرب. و (ثانيهما) - أنه لو أحدث بعد أخذ الماء لم يضر بخلاف الحدث بعد الضرب
أقول: وتوضيحه أن الواجب في الوضوء غسل الأعضاء كيف اتفق من غير تقييد بنحو
خاص بخلاف التيمم فإن الواجب فيه الضرب بنفسه كما دلت عليه الأخبار حتى لو تعرض
لهبوب الريح أو وضع جبهته على الأرض ناويا لم يجزئه اتفاقا، وتخلل الحدث بين أخذ الماء
329

وغسل الوجه غير مضر بخلاف تخلله بين الضرب ومسح الجبهة. وقيل عليه أما على الوجه
الأول فإن عدم اجزاء وضع الجبهة على الأرض لا يقدح فيما ذهب إليه العلامة بل هو قائل
بموجبه إلا أنه يجعل نقل التراب على الوجه المخصوص شرطا لصحة التيمم فكأنه واجب
خارج. وأما الثاني فبأن العلامة في النهاية قائل بذلك ومصرح بالتزامه حيث قال:
ولو أحدث بعد أخذ التراب لم يبطل ما فعل كما لو أحدث بعد أخذ الماء في كفه.
أقول: والتحقيق بناء على ما ذكروه ضعف ما ذهب إليه العلامة في النهاية لاستفاضة
الروايات - كما مرت بك - بالأمر بالضرب ثم المسح، وهي ظاهرة في أن الضرب أحد
واجبات التيمم التي تعلق بها الأمر في تلك الأخبار كمسح الجبهة واليدين، ومنه يظهر
أن التزام العلامة (قدس سره) بعدم بطلان التيمم بالحدث بعد الضرب ليس بجيد سيما وقد
صرح في الكتاب المذكور - على ما نقله عنه جملة من الأصحاب - بأن أول أفعال التيمم
المفروضة الضرب باليدين على الأرض وهو تدافع ظاهر بين الكلامين.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن جميع هذا الكلام يدور مدار النية المشهورة التي قدمنا
نقلها عنهم في غير موضع التي هي عبارة عن التصوير الفكري والحديث النفسي الذي
يترجمه قول القائل: أتيمم بدلا من الغسل أو الوضوء لرفع الحدث أو استباحة الصلاة قربة
إلى الله تعالى، وقد عرفت مما حققناه في بحث نية الوضوء أن هذا ليس من النية في
شئ وأن الأمر فيها أوسع من ذلك وأن جميع هذا الكلام لا وجه له ولا حاجة إليه
في المقام. والله العالم.
(الرابع) - أنه يجب استدامة حكمها حتى الفراغ بمعنى أنه لا ينوي نية تنافي
النية الأولى، وقد تقدم تحقيق البحث في هذه المسألة مستوفى في باب نية الوضوء والكلام
في المقامين واحد.
(المقام الثاني) - في الضرب باليدين على الأرض، وقد أجمع الأصحاب على
وجوبه وشرطيته في التيمم، فلو استقبل العواصف حتى لصق صعيدها بوجهه ويديه لم
330

يجزئه ذلك، لأن العبادات الشرعية مبنية على التوقيف والتوظيف من الشارع ولم يرد
عنه ما يدل على صحة التيمم بذلك فيكون فعله تشريعا محرما وإنما استفاضت الأخبار
بما ذكرناه. بقي الكلام في الاكتفاء بمجرد الوضع أو لا بد من الضرب الذي هو عبارة
عن الوضع المشتمل على اعتماد؟ قال في الذكرى: " معظم الروايات وكلام الأصحاب
بعبارة الضرب وفي بعضها الوضع والشيخ في النهاية والمبسوط عبر بالأمرين، وتظهر
الفائدة في وجوب مسمى الضرب باعتماد، والظاهر أنه غير شرط لأن الغرض قصد
الصعيد وهو حاصل بالوضع " انتهى. وما اختاره هنا من الاكتفاء بمجرد الوضع قد
صرح به في الدروس أيضا، وحاصل استدلاله الاستناد إلى اطلاق الآية وهو قوله تعالى
" فتيمموا صعيدا طيبا " (1) أي اقصدوا وهو حاصل بالوضع. وفيه أن الآية يمكن
تقييدها بالأخبار الكثيرة الدالة على الضرب الذي هو - كما عرفت - عبارة عن الوضع
المشتمل على الاعتماد، وحينئذ فيجب حمل القصد الذي في الآية على هذا القصد المخصوص
جمعا بين الآية والأخبار، وكذا يجب تقييد بعض الأخبار الدالة على مجرد الوضع
بهذه الأخبار أيضا، وبه يظهر أن الأظهر اعتبار الضرب سيما مع أوفقيته بالاحتياط،
والظاهر أن من قال بالوضع حمل جملة أخبار الضرب على الاستحباب كما هي قواعدهم
التي بنوا عليها في كثير من الأحكام في الجمع بين المطلق والمقيد، والأظهر ما قلناه وإن
احتمل الجمع بينهما بالتخيير إلا أن الظاهر هو الأول مع أوفقيته بالاحتياط كما عرفت.
وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على رسم مسائل:
(الأولى) - يعتبر
في الضرب أن يكون بباطن الكفين لأنه المعهود المعروف فينصرف إليه الاطلاق كما
في سائر الأحكام، ويعضده أنه المعلوم من صاحب الشرع فيكون خلافه تشريعا محرما
نعم لو تعذر الضرب بالباطن لعذر فالظاهر الجواز بالظاهر، وربما دل عليه عموم بعض
أدلة المسألة.

1) سورة النساء. الآية 43 وسورة المائدة. الآية 6
331

(الثانية) - ينبغي أن يعلم أنه لا يعتبر فيما يضرب عليه كونه على الأرض،
فلو كان التراب على بدنه أو ثوبه أو بدن غيره أو ثوبه وضرب عليه أجزأ كل
ذلك لاطلاق الأخبار وتخرج الأخبار المتقدمة في التيمم من لبد سرجه وثوبه ونحو ذلك
شاهدة وإن كان موردها أخص مما نحن فيه، قال في المدارك: ولو كان على وجهه تراب
صالح للضرب فضرب عليه ففي الاجزاء تردد أقربه العدم لتوقف الطهارة على النقل
والمنقول خلافه. وقال في الذخيرة: لا يبعد أن يكون مجزئا في الضرب لحصول الامتثال
ثم قال وربما يقال بعدم الاجزاء لأن ذلك غير المعهود من صاحب الشرع. أقول:
الظاهر أنه إن كان المراد من هذه العبارة أنه يضرب على هذا التراب الذي في موضع
المسح ويجتزئ بذلك فالظاهر أنه غير مجزئ والحق فيما ذكره في المدارك، وإن كان
المراد أنه يضرب يده عليه ثم يرفع يده ويمسح به فالظاهر أنه لا مانع منه كما في سائر
البدن إذا أراد التيمم من التراب الذي عليه فالحق فيما ذكره في الذخيرة، وبما ذكرنا
صرح شيخنا الشهيد في الذكرى فقال: لو كان على وجهه تراب صالح للضرب وضرب عليه
أجزأ في الضرب لا في مسح الوجه فيمسح بعد الضرب.
(الثالثة) - ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب أنه يشترط في وضع اليدين أن يكون دفعة فلو ضرب بإحدى يديه ثم أتبعها بالأخرى لم يجزئ ففي صحيحة زرارة (1)
" ثم أهوى بيديه فوضعها على الصعيد " وفي حسنة الكاهلي (2) " فضرب بيديه على
البساط " وفي صحيحة أخرى لزرارة (3) " فوضع أبو جعفر (عليه السلام) كفيه على
الأرض " وفي موثقة له أيضا (4) قال: " تضرب بكفيك الأرض " إلى غير ذلك
من الأخبار التي مرت بك قريبا.
(الرابعة) - المشهور بين الأصحاب أنه لا يجب علوق شئ من التراب باليدين بل
يضرب بهما ويمسح وإن لم يعلق بهما شئ، وعن ظاهر ابن الجنيد وجوب المسح بالتراب المرتفع على

1) ص 320
2) ص 320
3) ص 320
4) ص 321
332

اليدين وهو مؤذن بالقول بوجوب العلوق، وإلى هذا القول مال جملة من أفاضل متأخري
المتأخرين: منهم - شيخنا البهائي في الحبل المتين ونقله فيه عن والده أيضا والمحدث
الكاشاني وشيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني، وهو المختار عندي كما سيظهر
لك إن شاء الله تعالى.
واستدل في المدارك على القول المشهور - حيث مال إليه - بوجوه: (الأول) - عدم
الدليل على العلوق (الثاني) - اجماع علمائنا على استحباب نفض اليدين بعد الضرب
وورود الأخبار الصحيحة به، ولو كان العلوق معتبرا لما أمر الشارع بفعل ما كان
عرضة لزواله (الثالث) - أن الصعيد وجه الأرض لا التراب فسقط اعتباره جملة
(الرابع) - أن الضربة الواحدة كافية مطلقا على ما سنبينه ولو كان المسح بالتراب
معتبرا لما حصل الاكتفاء بها إذ الغالب عدم بقاء الغبار من الضربة الواحدة في اليدين.
أقول: أما الجواب عن الأول فبأن الدليل على ما ندعيه من اعتبار العلوق هو
صحيحة زرارة (1) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ألا تخبرني من أين علمت
وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك ثم قال يا زرارة قاله رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ونزل به الكتاب من الله لأن الله عز وجل يقول: فاغسلوا
وجوهكم، إلى أن قال ثم قال: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم (2)
فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال: " بوجوهكم "
ثم وصل بها " وأيديكم منه " أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لا يجزئ على
الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها " والتقريب في الخبر
المذكور أن المراد بالتيمم المفسر به الضمير هو المتيمم به، لأن حاصل معنى الخبر أنه
سبحانه إنما أثبت بعض الغسل مسحا ولم يوجب مسح الجميع، لأنه لما علم أن ذلك الصعيد

1) المروية في الوسائل في الباب 23 من الوضوء و 13 من التيمم
2) سورة النساء. الآية 43 وسورة المائدة. الآية 8
333

لا يأتي على الوجه كله من جهة أنه يعلق ببعض الكف ولا يعلق بالبعض الآخر قال
سبحانه " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " وحينئذ فقوله: " لأنه علم أن ذلك أجمع
لا يجري على الوجه " أي علم أن ذلك الصعيد المضروب عليه وهو المدلول عليه في الرواية
بالتيمم بمعنى المتيمم به، ولا يخفى ما فيه من الاشعار بالعلوق بل الدلالة الصريحة حيث
جعل العلوق بالبعض دون البعض علة للعلم بأن ذلك لا يجزي بأجمعه على الوجه، وهذا
الوجه الذي ذكرناه مبني على كون " من " في الآية للتبعيض وأن قوله (عليه السلام)
" لأنه علم أن ذلك أجمع. الخ " تعليل لقوله: " أثبت بعض الغسل مسحا " كما
اختاره شيخنا البهائي في الحبل المتين أي جعل بعض المغسول ممسوحا حيث أتى بالباء التبعيضية
لأنه تعالى علم أن ذلك الصعيد العالق بالكف لا يجزي على الوجه كله لأنه يعلق ببعض
الكف ولا يعلق ببعضها، وبذلك يظهر لك دلالة الرواية على اشتراط العلوق، ومنه يعلم
أيضا عدم جواز التيمم بالحجر الخالي كما هو مذهب ابن الجنيد أيضا، والقائلون بالقول
المشهور من عدم اشتراط العلوق وجواز التيمم بالحجر يحملون " من " في الآية على ابتداء
الغاية والضمير راجع إلى التيمم بالمعنى المصدري كما هو المعبر به في الرواية أو إلى الصعيد
المضروب عليه كما تقدم، ولهذا أجاب العلامة في المنتهى وكذا الشهيد في الذكرى عن
الاستدلال بالرواية بأن لفظ " من " في الآية مشترك بين التبعيض وابتداء الغاية فلا
أولوية في الاحتجاج بها. ولا يخفى أن ظاهر التعليل لا يساعده إذ الإشارة في قوله:
" لأنه علم أن ذلك أجمع لا يجزئ على الوجه " إنما هي إلى التيمم بمعنى المتيمم به لا بالمعنى
المصدري ولا الصعيد المضروب عليه كما ذكروه. وبالجملة فإن ظاهرية كون " من " في الآية
للتبعيض بالنظر إلى ما ذكرناه مما لا يتجشم انكاره إلا مع عدم اعطاء النظر حقه من
التأمل في المقام، ولهذا أن صاحب الكشاف مع كون حنفي المذهب ومذهب أبي حنيفة
عدم اشتراط العلوق خالف الحنيفة في ذلك واختار في تفسيره هذا الوجه، وقال (1)

1) ج 1 ص 270 وقد نسب فيه إلى أبي حنفية عدم اشتراط العلوق
334

إنه ألحق بل ادعى أنه لا يفهم أحد من العرب من قول القائل " مسحت برأسي من الدهن أو
من الماء أو من التراب " إلا معنى التبعيض وحكم بأن القول بأنها لابتداء الغاية تعسف.
وأما الجواب عن الثاني فهو ما ذكره جملة من القائلين بهذا القول في المسألة،
والظاهر أن أولهم في ذلك شيخنا المحقق المدقق الشيخ حسين بن عبد الصمد والد شيخنا
البهائي كما نقله عنه في الحبل المتين، حيث قال: " وأقوى ما استدل به الأصحاب على عدم
اشتراط العلوق هو استحباب نفض اليدين بعد الضرب كما نطقت به الأخبار، ولو كان
العلوق معتبرا لما أمر الشارع بفعل ما هو عرضة لزواله. وأجاب عن ذلك والدي (قدس
سره) في شرح الرسالة بأن الأخبار الدالة على استحباب النفض لا دلالة فيها على عدم
اعتبار العلوق بل ربما دلت على اعتباره كما لا يخفى، ومنافاة بينهما لأن الأجزاء
الصغيرة الغبارية اللاصقة لا تتخلص بأجمعها من اليدين بمجرد حصول مسمى النفض، وليس
في الأخبار ما يدل على المبالغة فيه بحيث لا يبقي شئ من تلك الأجزاء لاصقا بشئ
من اليدين البتة، ولعل النفض لتقليل ما عسى أن يصير موجبا لتشويه الوجه من الأجزاء
الترابية الكثيرة اللاصقة باليدين، قال: وبالجملة فالاستدلال باستحباب النفض على عدم
اشتراط العلوق محل نظر، وأما الاستدلال عليه بمنافاته لجواز التيمم بالحجر ففيه أن ابن
الجنيد وكل من يشترط العلوق لا يجوزون التيمم بالحجر. انتهى كلامه. وهو كلام سديد
ومن تأمل الآية والحديث حق التأمل وأصغى إلى ما تلوناه لا يرتاب في كون القول
باشتراط العلوق أوضح دليلا وأحوط سبيلا " انتهى كلام شيخنا البهائي، وهو مع كلام
والده جيد متين وجوهر ثمين.
وأما الجواب عن الثالث فقد علم مما ذكرناه في الجواب عن الثاني، فإنه لما دلت
الآية بمعونة الصحيحة المذكورة على اعتبار العلوق وجب القول به وتخصيص ما دل من
الأخبار على مطلق الأرض بذلك، وأما الآية فقد عرفت مما قدمنا اختلاف اللغويين
في تفسير الصعيد فيها وقد عرفت ما ورد في تفسيرها عن أهل البيت (عليهم
335

السلام) وقد قدمنا أنه لا وجه للتعلق بها في المقام، على أن الأخبار فيها ما هو بلفظ
الأرض وفيها ما هو بلفظ التراب وفيها ما هو بلفظ الصعيد وقضية حمل مطلقها على مقيدها
هو التخصيص بالتراب.
وأما الجواب عن الرابع فبالمنع مما ادعاه من أن الضربة الواحدة لا يبقى منها غبار
يمسح به الوجه واليدين كما هو ظاهر. والله العالم.
(الخامسة) - ينبغي أن يعلم أن وجوب الضرب باليدين معا إنما هو مع
الامكان، فلو قطعت إحداهما بحيث لم يبق من محل الفرض شئ سقط الضرب بها واقتصر
على الضرب بالأخرى ومسح الوجه بها، ولو بقي من محل الفرض شئ ضرب به، ولو
قطعتا معا فإن بقي من محل الفرض شئ فهو كما تقدم وإن لم يبق شئ بالكلية سقط
الضرب بهما، والمفهوم من كلام الأصحاب أن الواجب حينئذ هو مسح الجبهة بالتراب
لأن السقوط أحد الواجبين لعذر لا يستلزم سقوط ما لا عذر فيه، وظاهر المبسوط سقوط التيمم
والصلاة في الصورة المفروضة، قال في المختلف: قال الشيخ في المبسوط: إذا كان مقطوع
اليدين من الذراعين سقط عنه فرض التيمم. وهذا على اطلاقه ليس بجيد، فإنه إن أراد
سقوط فرض التيمم على اليدين أو سقوط جملة التيمم من حيث هو فهو حق، وإن عنى
به سقوط جميع أجزائه فليس بجيد لأنه يجب عليه مسح الجبهة لأنه متمكن من مسحها
فيجب لوجود المقتضي وانتفاء المانع. احتج الشيخ بأن الدخول في الصلاة إنما يسوغ مع
الطهارة المائية فإن تعذرت فمع مسح الوجه والكفين لقوله تعالى: " فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم منه " وإذا كان المنع إنما يزول بفعل المجموع ولم يتحقق بفعل البعض لم يزل
المنع. والجواب أن التكليف بالصلاة غير ساقط عنه هنا وإلا سقط مع الطهارة المائية
إذا قطع أحد الأعضاء وليس كذلك اجماعا، وإذا كان التكليف ثابتا وجب فعل الطهارة
ولا يمكن استيفاء الأعضاء وليس البعض شرطا في الآخر فيجب الاتيان بما يتمكن
منه، والظاهر أن مراد الشيخ ما قصدناه. انتهى. أقول: الظاهر أن هذه الحجة إنما هي
336

من كلامه (قدس سره) لا من كلام الشيخ، لعدم انطباقها على الترديد بين الاحتمالين
الذي ذكره في عبارة الشيخ. ولقوله أخيرا: والظاهر أن مراد الشيخ ما قصدناه. وبالجملة
فإن تعليله ينافي ترديده وتأويله الذي حمل كلام الشيخ عليه.
وربما استدل على وجوب التيمم بما بقي والصلاة في الصورة المذكورة بما روي
من قوله (عليه السلام) (1): " الميسور لا يسقط بالمعسور " وقوله (صلى الله عليه
وآله) (2): " إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " وفيه خدش فإن هذين الخبرين
وإن تناقلهما الأصحاب في كتب الاستدلال إلا أني لم أقف عليهما في شئ من الأصول.
وبالجملة فالمسألة عندي هنا لا تخلو من شوب الاشكال لعدم النص الواضح في هذا
المجال، وكذا في الوضوء لو قطعت يداه في فوق المرفقين بحيث لم يبق من محل الغسل
شئ، أما لو بقي شئ ولو طرف العضد الذي هو أحد جزئي المرفق فإن صحيحة علي بن
جعفر (3) قد دلت على الاكتفاء بما بقي في عضده، ومثل ذلك ما لو كان في كفه
قروح أو جروح تمنع من الضرب أو كان كفه نجسا بنجاسة تتعدى إلى التراب متى
ضرب عليه، ومع تعذر الإزالة ينتقل إلى الضرب بظهر الكف إن لم يكن كذلك
وإلا اقتصر على مسح الجبهة. والاحتياط في أمثال هذه المواضع مما لا ينبغي الاخلال به
(السادسة) - اختلف الأصحاب في عدد الضربات في التيمم، فقال
الشيخان في الفقيه والنهاية والمبسوط ضربة للوضوء وضربتان للغسل، وهو اختيار
الصدوق في الفقيه وسلار وأبي الصلاح وابن إدريس وأكثر المتأخرين. وقال السيد المرتضى
في شرح الرسالة الواجب ضربة واحدة في الجميع، وهو اختيار ابن الجنيد وابن أبي عقيل

1) رواه في النراقي في العوائد ص 88 ومير فتاح في العناوين ص 146 عن عوالي
اللئالي عن علي (ع)
2) رواه مسلم في صحيحه ج 1 ص 513 والنسائي ج 2 ص 1 وابن حزم في
المحلى ج 1 ص 64 باسناد متصل إلى أبي هريرة.
3) ج 2 ص 245
337

والمفيد في المسائل الغرية، واختاره جمع من متأخري المتأخرين: منهم - السيد في المدارك
وهو الظاهر. ونقل عن المفيد في الأركان الضربتان في الجميع، وحكاه المحقق في المعتبر
والعلامة في المنتهى والمختلف عن علي بن بابويه، ومقتضى كلامه في الرسالة على ما نقل عنه في
الذكرى اعتبار ثلاث ضربات، فإنه قال: إذا أردت ذلك فاضرب بيديك على الأرض
مرة واحدة وانفضهما وامسح بهما وجهك ثم اضرب بيسارك الأرض فامسح بها يمينك
من المرفق إلى أطراف الأصابع ثم اضرب بيمينك الأرض فامسح بها يسارك من المرفق
إلى أطراف الأصابع. ولم يفرق بين الوضوء والغسل، ونقل في المعتبر القول بالثلاث
عن قوم منا بعد أن نقل عن علي بن بابويه المرتين في الجميع. ورجح المحقق الشيخ حسن
في المنتقي القول بالمرتين ونقل أنه مذهب جماعة من قدماء الأصحاب.
والأصل في الاختلاف بين هذه الأقوال اختلاف الروايات كما عرفت، فمنها ما تضمن
المرة ومنها ما تضمن المرتين ومنها ما تضمن الثلاث، والظاهر أن مستند القول المشهور هو
الجمع بين أخبار المرة والمرتين بحمل ما دل على المرة على الوضوء وما دل على المرتين على
الغسل، وبذلك جمع الشيخ في كتابيه بين الأخبار وتبعه الأصحاب كما هي عادتهم في أكثر
الأبواب واحتجوا على هذا التفصيل بالخبر العاشر (1) ولا يخفى أن الخبر المذكور محتمل
لمعنيين: (إحداهما) - أن المراد بقوله: " ضرب واحد للوضوء والغسل " أي نوع
واحد للطهارتين المذكورتين كما يقال الطهارة على ضربين مائية وترابية ثم بين أن
الضرب على الأرض مرتين، وعلى هذا يكون الخبر من الأخبار الدالة على المرتين
مطلقا. و (ثانيهما) - أن يكون الضرب بمعنى الضربة وقوله: " والغسل من الجنابة "
مبدأ كلام آخر، وحاصله أن ضربة واحدة للوضوء والغسل له ضربتان وعلى هذا
الاحتمال يتم الاستدلال، إلا أنه باعتبار قيام الاحتمال الأول ومساواته لما ذكر فالحمل

1) لا يخفى أن رقم الأخبار المذكور هنا وفي الصفحة 339 و 340 خطأ فيما وقفنا
عليه من النسخ ويلزم إضافة عدد واحد إليه فالصحيح هنا (الحادي عشر)
338

على أحدهما ترجيح من غير مرجح، وقد تقرر في قواعدهم أيضا أنه إذا قام الاحتمال
بطل استدلال. واستدل العلامة في المنتهى على ذلك أيضا بعد هذا الخبر قال: وروى
- يعني الشيخ - في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) (1) " أن التيمم
من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مرتان " ولا يخفى أن هذا الخبر مما لم نقف له على
وجود في كتب الأخبار ولا نقله ناقل غيره ومن تبعه كالشهيدين في كتب الاستدلال
بل هو وهم محض كما نبه عليه المحققان السيد السند في المدارك والشيخ حسن في المنتقى
وبذلك يظهر لك أنه لا مستند لهذا القول مع أن ظواهر جملة من روايات الغسل (2)
ترده ولا سيما رواية عمار المشتملة على تعليمه التيمم بدلا من الغسل فإنها إنما اشتملت على
الضربة، وأظهر من ذلك دلالة الحديث الحادي عشر على أن تيمم الوضوء والجنابة
والحيض سواء، وبالجملة فضعف هذا القول مما لا ينبغي أن يستراب فيه. وأما ما يدل
على القول بالضربة الواحدة فالخبر الأول من الأخبار المتقدمة والثاني والثالث والرابع
والخامس والسادس والسابع (3). وأما ما يدل على القول بالضربتين فالثامن والتاسع
والرابع عشر والثامن عشر. وأما ما يدل على الثلاث فالسادس عشر. وأنت خبير بأنه
لا ريب في ضعف القول بالثلاث لندرته وإن صح مستنده بهذا الاصطلاح فإنه محمول على
التقية (4) كما صرح به جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) فهو قول مرغوب عنه.
وإنما يبقى الكلام في الجمع بين روايات المرة وروايات المرتين ولا يخلو من أحد
وجوه: (الأول) - ما هو المشهور من الجمع بالتفصيل، وقد عرفت ما فيه (الثاني) - ما ذهب
إليه في المنتقى حيث اختار العمل بأخبار التثنية من حمل أخبار المرة على إرادة بيان
كيفية المسح دفعا لتوهم شموله لأعضاء الطهارة التي ينوب عنها التيمم كما وقع لعمار.

1) تعرض له في الوسائل في الباب 12 من أبواب التيمم
2) الظاهر " التيمم "
3) والثامن، ويضاف إلى كل من الرقم المتقدم س 9 والأرقام الآتية عدد واحد
4) حكاه في البحر الرائق ج 1 ص 145 عن ابن سيرين ومن تبعه
339

والظاهر بعده لكثرة الأخبار الواردة بذلك وتعددها في موارد وقلة ما يدل على هذا
القول الذي اختاره، والمتبادر منها إنما هو قصد التعليم وإرادة بيان كيفية التيمم كما في
أخبار الوضوء البياني (الثالث) - ما ذهب إليه المرتضى ومن تبعه من متأخري المتأخرين
من حمل أخبار التثنية على الاستحباب. وفيه ما عرفت مما قدمناه في غير باب
(الرابع) - وهو الأظهر عندي ما ذكره شيخنا المجلسي في البحار من حمل أخبار
المرتين على التقية، قال (قدس سره): " والأقرب عندي حمل أخبار المرتين على التقية
لأنه قال الطيبي في شرح المشكاة في شرح حديث عمار: أن في الخبر فوائد: منها - أن
في التيمم تكفي ضربة واحدة للوجه والكفين وهو مذهب علي (عليه السلام) وابن
عباس وعمار وجمع من التابعين، وذهب عبد الله بن عمر وجابر من التابعين والأكثرون
من فقهاء الأمصار إلى أن التيمم ضربتان (1) انتهى. فظهر من هذا أن القول المشهور بين
المخالفين الضربتان وأن الضربة مشهورة عندهم من مذهب أمير المؤمنين (عليه السلام)
وعمار التابع له في جميع الأحكام وابن عباس الموافق لهما في أكثرها، فتبين أن أخبار
الضربة أقوى وأخبار الضربتين حملها على التقية أولى وإن كان الأحوط الجمع بينهما
فيهما " انتهى كلامه زيد مقامه، وهو المختار، ومنه يعلم الوجه في الخبر الخامس عشر (2)
الذي يدل على مذهب علي بن بابويه فإنه لا محمل له إلا التقية ولا سيما مع اشتماله على مسح الوجه
كملا واليدين من المرفقين المخالف للقرآن كما سيتضح لك إن شاء الله تعالى بأوضح بيان.
تنبيه
قال في الذكرى: " ظاهر الأصحاب أن الأغسال سواء في كيفية التيمم، قال في
المقنعة بعد ذكر تيمم الجنب وكذلك تصنع الحائض والنفساء والمستحاضة بدلا من الغسل،
وروى أبو بصير ثم ساق الخبر الثاني عشر من الأخبار المتقدمة ثم أشار إلى الخبر الحادي

1) حكاه في البداية المجتهد ج 1 ص 64 عن مالك وأبي حنيفة والشافعي
2) الرقم خطأ كما تقدم ويضاف إليه عدد واحد وكذا في السطر الأخير من هذه الصفحة
340

عشر بأنه مثله، ثم قال وخرج بعض الأصحاب وجوب تيممين على غير الجنب بناء
على وجوب الوضوء هنالك ولا بأس به والخبران غير ما نعين منه لجواز التسوية في
الكيفية دون الكمية " انتهى. قال في المدارك: " وما ذكره أحوط وإن كان الأظهر
الاكتفاء بالتيمم الواحد بناء على ما اخترناه من اتحاد الكيفية وعدم اعتبار نية البدلية
فيكون جاريا مجرى أسباب الوضوء أو الغسل المختلفة، ولو قلنا بأجزاء الغسل مطلقا
عن الوضوء كما ذهب إليه المرتضى (رضي الله عنه) ثبت التساوي مطلقا من غير
اشكال " انتهى. أقول: لا ريب أنه على تقدير القول بوجوب الوضوء مع كل غسل
عدا الجنابة فإن الأوفق بقواعدهم وما قرروه في غير مقام من أن تعدد الأسباب يقتضي
تعدد المسببات أن الواجب في التيمم بدلا من الغسل غير الجنابة هو التعدد فيتيمم
بدلا من الوضوء وآخر بدلا من الغسل، فقولهم بمساواة الأغسال إن أريد به في الكمية
بمعنى الاكتفاء بتيمم واحد فهو خروج عن مقتضى أصولهم وقواعدهم إلا أن كلامهم
غير صريح في ذلك، وإن أريد في الكيفية فلا منافاة إذ المراد أن كيفية التيمم عن
سائر الأغسال مثل كيفية التيمم عن غسل الجنابة وإن وجب تيمم آخر عن الوضوء،
وأما على تقدير مذهب المرتضى - وهو الأظهر كما تقدم تحقيقه في باب غسل الجنابة -
فلا اشكال في اجزاء تيمم واحد. وأما ما ذكره في المدارك بناء على القول المشهور
من وجوب الوضوء مع الأغسال - من أنه يكفي تيمم واحد بناء على القول باتحاد
الكيفية وعدم اعتبار نية البدلية - فظني عدم استقامة لأن وجوب التعدد على القول
المذكور إنما استند إلى تعدد الأسباب، فإن سبب الوضوء هو الحدث الأصغر وسبب
الغسل هو الحدث الأكبر وهكذا في بدليهما يجب تعددهما لذلك، والقول باتحاد الكيفية
على هذا التقدير لا مدخل له في ذلك بل يجب الاتيان بتيممين بمقتضى السببين المتعددين
وإن كانا على كيفية واحدة، اللهم إلا أن يريد الاكتفاء بتيمم واحد على تقدير القول
بالتداخل. وفيه أن قيام الدليل على التداخل في الأغسال لا يقتضي انسحابه هنا من غير
341

دليل. وأما عدم اعتبار نية البدلية فهو هنا غير مسلم، إذ محل البحث المتقدم في اعتبارها
وعدمه إنما هو في غير هذه الصورة مما لا يحتاج إلى التمييز مما لا اشتراك فيه، وأما هنا
فقد استقر في ذمته تيمم بدلا عن الوضوء وآخر بدلا عن الغسل فلا ينصرف واحد
منهما إلى البدلية عما هو بدل عنه إلا بنية البدلية عما هو بدل عنه بعين ما صرحوا به فيما
إذا اشتغلت الذمة بفروض واجبة متعددة أداء وقضاء، فإنه يجب الاتيان بنية الأداء
مع قصد الأداء والقضاء مع قصد القضاء كما لا يخفى والله العالم.
(المقام الثالث) - في مسح الجبهة، وقد اختلف الأصحاب في هذا المقام أيضا
فالمشهور بين الأصحاب أن يجب مسح الجبهة من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف
الأعلى وهو العرنين لا الأعلى باعتبار النتو كما ربما يتوهمه من لا تحصيل له، وقال
الصدوق في الفقيه: " وإذا تيمم الرجل للوضوء ضرب يديه على الأرض مرة واحدة ثم
نفضهما ومسح بهما جبينيه وحاجبيه ومسح على ظهر كفيه. إلى آخره " ونقل عن علي
بن بابويه مسح الوجه بأجمعه كما تقدم في عبارته، والصدوق في المجالس اختار مذهب
أبيه ونسب مذهبه في الفقيه إلى الرواية، وظاهر كلام جملة من الأصحاب: منهم -
صاحب المدارك وغيره في نقل مذهب الصدوق أنه أضاف الجبينين الحاجبين إلى الجبهة
وعبارة في الفقيه - كما ترى - ظاهرة في اختصاص المسح بالموضعين المذكورين ولا
أدري من أي موضع نقلوا عنه هذا المقول؟ ولعل الوجه في هذا النقل هو أنه حيث
كان المسح على الجبهة متفقا عليه وإنما الخلاف فيما زاد عليها حملوا كلامه على ذلك، وقال
في المدارك بعد نقل الخلاف في المسألة: والمعتمد وجوب مسح الجبهة والجبينين
والحاجبين خاصة، ثم أورد الآية وساق جملة من الأخبار المشتمل بعضها على الجبين
وبعضها على الجبهة وأكثرها على الوجه، إلى أن قال: وبهذه الروايات أخذ علي بن بابويه
(قدس سره) ويمكن الجواب عنها بالحمل على الاستحباب أو على أن المراد بمسح الوجه
مسح بعضه، قال في المعتبر: والجواب الحق العمل بالخبرين فيكون مخيرا بين مسح الوجه
342

وبعضه لكن لا يقتصر على أقل من الجبهة. وهو حسن. أما مسح الحاجبين بخصوصهما
فلم أقف على مستنده. انتهى كلامه.
أقول: وأنت خبير بأن الأخبار في هذا المقام لا تخلوا من اشتباه واشكال، فإن
جملة منها قد تضمنت لفظ الوجه كالخبر الأول والثاني والثالث والخامس والثامن والتاسع
والعاشر والحادي عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر والتاسع عشر
وجملة منها قد تضمنت لفظ الجبين مفردا وهو الخبر الرابع والسابع والثامن عشر إلا أن
فيه بلفظ التثنية، ومنه أما تضمن لفظ الجبهة وهو الخبر السادس على إحدى روايتي
الشيخ في التهذيب وأما في رواية الكافي ورواية الشيخ الأخرى التي نقلها بطريق
صاحب الكافي أنما هو " جبينه " مفردا، ومن هنا ينقدح الاشكال في أنه لا دليل على
القول المشهور من وجوب مسح الجبهة إلا على رواية واحدة على تقدير إحدى روايتي
الشيخ لها، وأما على تقدير الروايتين الأخريين فلا دليل بالكلية على القول المذكور
وتكون هذه الرواية من قبيل الروايات المتضمنة للجبين، والظاهر في الجمع بين هذه الأخبار هو رد أخبار الوجه والجبين إلى الجبهة وإن عبر عنها بهذين اللفظين توسعا وتجوزا
فإن باب المجاز واسع، وإلا لاضطربت الأخبار ولزم خلو القول بالجبهة الذي هو
المشهور بل المجمع عليه ظاهرا من دليل أو ضعف دليله وندرته بل دلالة الأخبار
الكثيرة على خلافه.
وتفصيل هذه الجملة على وجه أبسط أن يقال إن لفظ الجبين الواقع في هذه الأخبار لا يخلو من أحد معان ثلاثة: (الأول) أن يراد معناه لغة وعرفا وهو ما اكتنف
الجبهة من جانبيها مرتفعا عن الحاجبين إلى قصاص الشعر، وحينئذ فوروده في مقام
البيان في جملة من الأخبار - كما عرفت - يقتضي الاقتصار عليه دون الجبهة، وفيه من البعد
ما لا يخفى سيما مع استلزامه ترك الجبهة المتفق على تخصيصها بالمسح. و (ثانيها) أن يراد
به ما يشمل الجبهة والجبين معا مجازا. وفيه أنه خلاف ما عليه الأصحاب من التخصيص
343

بالجبهة ويوجب أن يكون ما ذهب إليه الأصحاب من التخصيص خاليا من المستند أو
نادر المستند بناء على ما عرفت آنفا، وهذا الوجه وإن كان أقل اشكالا من الأول إلا أنه بعيد أيضا غاية البعد. و (ثالثها) وهو الظاهر أن يراد به الجبهة خاصة لمجاز المجاورة
ويؤيده ورود الجبين في الأخبار بلفظ الافراد، وعلى هذا الوجه يتم كلام الأصحاب
والظاهر أنه هو الذي فهموه من الأخبار المشار إليها واتفقوا على القول به، وبذلك يظهر
أنه لا وجه لضم الجبينين إلى الجبهة وجوبا أو استحبابا إذ لا دليل عليه، ويؤيد هذا
الوجه أيضا اطلاق لفظ الجبين على الجبهة في أخبار السجود كما في حسنة عبد الله بن
المغيرة وموثقة عمار الدالتين على أنه " لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه " (1)
وعلى هذا أيضا تحمل أخبار الوجه فإنه إنما أريد منها الجبهة خاصة، كما وقع نظيره من
أخبار السجود أيضا المختص نصا وفتوى، كما في صحيحة أبي بصير وحسين بن
حماد الدالتين على استواء موضع السجود وموضع القيام، حيث قال في الأولى (2):
" إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي " وفي الثانية (3): " في من سجد على موضع
مرتفع قال: جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه ".
وبالجملة فالمراد في جميع هذه الأخبار إنما هو الجبهة خاصة وإن اختلفت عباراتها
توسعا باعتبار ظهور الحال ومعلومية الحكم يومئذ، فعبر في بعض بلفظ الجبهة وفي آخر بلفظ
الجبين وفي ثالث بلفظ الوجه نظير ما عرفت في باب السجود، ويوضح ما ذكرناه كلامه
(عليه السلام) في الفقه الرضوي مما قدمنا نقله من الخبر التاسع عشر وقوله: " تمسح
بهما؟ وجهك موضع السجود " فعبر بالوجه وأبدل منه موضع السجود وهو الجبهة.
وعلى هذا تجتمع الأخبار في الانطباق على كلام الأصحاب (رضوان الله

1) رواهما في الوسائل في الباب 4 من أبواب السجود
2) رواها في الوسائل في الباب 10 من أبواب السجود
3) رواها في الوسائل في الباب 8 من أبواب السجود
344

عليهم) ويسقط القول بضم الجبينين وجوبا أو استحبابا كما ذكره السيد في المدارك ومن
تبعه، والظاهر أن الحامل له على هذا القول هو أنه قد ذكر في الاستدلال على ما قدمنا نقله
عنه الخبر الرابع المشتمل على الجبين ثم عقبه بالسادس الدال على الجبهة بإحدى روايتي الشيخ
ثم نقل جملة من أخبار الوجه، فحمل روايات الوجه على مذهب الشيخ علي بن بابويه يعني
مسح الوجه كملا وجمع بينها وبين ما اختاره بالحمل على الاستحباب فبقي عنده التعارض بين
خبري الجبهة والجبين فجمع بينهما بوجوب مسح الجميع.
وفيه (أولا) - أن موثقة زرارة - وهي الخبر السادس - المشتملة على مسح الجبهة
قد عرفت أنها بعينها قد رواها في الكافي بلفظ الجبين والشيخ قد رواها عنه أيضا في
موضع آخر بلفظ الجبين، ولا ريب أن الترجيح للروايتين بلفظ الجبين لتعددها من
الشيخين في الكتابين، مضافا إلى ما قدمنا في غير موضع من التنبيه على ما وقع للشيخ
في الكتاب المذكور من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان في الأخبار متونها
وأسانيدها كما هو ظاهر لمن تتبع أخباره، وبالجملة فالموثقة المذكورة باعتبار اختلاف
روايتها لا بد في الاستدلال بها من النظر في الراجح من النقلين ليكون العمل عليه في
البين، ولا ريب في ترجيح نقل صاحب الكافي المتأيد بنقل الشيخ لها كذلك دون
ما انفرد هو بنقله لما عرفت من احتمال تطرق السهو إليه، ولكنه (قدس سره) معذور
حيث إنه لم يراجع الكافي ولم يطلع على رواية الشيخ لها في ذلك الموضع الآخر.
و (ثانيا) - أن ما ادعاه من أن روايات الوجه التي تقلها هي مستند الشيخ علي
ابن بابويه فالظاهر أنه ليس كذلك، فإنها وإن تضمنت ذكر الوجه إلا أنها قد تضمنت
مسح الكفين خاصة كما هو القول المشهور وابن بابويه قال بمسح الذراعين، بل دل
بعضها وهو الخبر الثالث مما قدمناه من الأخبار بعد ذكر مسح الوجه على أنه مسح
كفيه ولم يمسح الذراعين بشئ، والعجب أنه قد ذكر هذا الخبر في جملة ما أورد ومع
هذا يزعم أنه مستند ابن بابويه. والتحقيق أن الوجه في هذه الأخبار إنما هو حمل الوجه على
345

الجبهة كما قدمنا تحقيقه، وأخبار علي بن بابويه إنما هي الخبر الخامس عشر والسادس عشر
والسابع عشر المشتملة على مسح الوجه كملا والذراعين من المرفقين لا هذه الأخبار
التي توهمها، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.
و (ثالثا) - أن ما نقله عن المعتبر في كلامه المتقدم من التخيير بين مسح الوجه
وبعضه واستحسنه فهو بعيد من الحسن بمراتب كما لا يخفى على ذي الفهم الصائب،
ومثله ما وقع له في مسح اليدين من المرفقين كما دلت عليه أخبار علي بن بابويه المشار إليها
فإنه جوز ذلك جمعا بين الأخبار وهو من الفساد بوجه لا يخفى على ذوي الأفكار،
وذلك فإنه قد تقدم في صحيحة زرارة الواردة في تفسير الآية (1) التنصيص بالنص الصريح
الذي ليس عنه محيص في الآية والخبر المذكور على التبعيض في الوجه واليدين، وقد
استفاض في الأخبار أن ما خالف كتاب الله فهو زخرف وأنه يضرب به عرض
الحائط (2) والأخبار المذكورة محمولة عند محققي أصحابنا على التقية (3) التي هي في
اختلاف الأخبار أصل كل بلية فلا ينبغي أن يلتفت إليه أو لا يعرج عليها.
و (رابعا) - أن قوله أيضا: " وما مسح الحاجبين خاصة فلم أقف على
مستنده " موجب للطعن عليه في ذكره له بالخصوص دون سائر أجزاء الوجه بقوله:
" والمعتمد وجوب؟ مسح الجبهة والجبينين والحاجبين " بقي الكلام في ذكر الصدوق له في عبارته
التي قدمنا نقلها عنه في الفقيه والظاهر أن كلامه هذا مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي
فإني لم أعثر عليه في غيره، حيث إنه (عليه السلام) بعد أن ذكر ما قدمنا نقله عنه قال
في آخر البحث " وقد روي أنه يمسح الرجل على جبينيه وحاجبيه ويمسح على ظهر كفيه "
أو أن هذه الرواية التي ذكرها (عليه السلام) وصلت إلى الصدوق (قدس سره) ولم

1) ص 332
2) رواه في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي وما يقضي به
3) ذكر الشيرازي الشافعي في المهذب ج 1 ص 32 في بيان كيفية التيمم مسح
الوجه أجمع واليدين إلى المرفقين وكذا في المغني ج 1 ص 254 وبدائع الصنائع والبحر الرائق
346

تصل إلينا، وعبارة الصدوق المتقدمة عين هذه العبارة وظاهرها هو تخصيص المسح
بهذين الموضعين دون الجبهة. وكيف كان فالأحوط ضم الجبينين والحاجبين إلى مسح
الجبهة لهذه الرواية سيما مع عمل الصدوق بها.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض بعد ذكر مسح الجبهة وتحديدها: وهذا القدر
متفق عليه وزاد الصدوق مسح الحاجبين أيضا وفي الذكرى لا بأس به، وزاد بعضهم
مسح الجبينين وهما المحيطان بالجبهة يتصلان بالصدغين لوجوده في بعض الأخبار والزيادة غير
المنافية مقبولة، ولا بأس به. ولا يجب استيعاب الوجه على المشهور لدلالة أكثر الأخبار على
مسح الجبهة ونقل المرتضى (رضي الله عنه) في المسائل الناصرية اجماع الأصحاب (رضوان الله
عليهم) عليه، ويدل عليه الباء في قوله تعالى: " وامسحوا برؤوسكم " لما تقرر من أنها
إذا دخلت على المتعدي تبعضه كما اختاره جماعة من الأصوليين وأهل العربية وقد نص
على ذلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) في حديث زرارة المتقدم في
الوضوء (1) ثم ذكر مذهب علي بن بابويه وطعن في أخباره بضعف السند، ثم قال ويمكن
حملها على الاستحباب.
أقول: لا يخفى ما في كلماتهم هنا من البعد عن ساحة الأخبار الواردة في المسألة
كما عرفت مما قدمنا ذكره ومما في كلامه هنا (أولا) نسبته إلى الصدوق مسح الحاجبين
مع أنه ذكر الحاجبين والجبينين مخصصا للمسح بهما لا زائدا لهما على الجبهة. و (ثانيا) ما ادعاه
من دلالة أكثر الأخبار على مسح الجبهة مع أنه لا وجود له كما عرفت إلا في رواية
واحدة على تقدير أحد الطريقين وإلا فلا وجود لها بالكلية. و (ثالثا) ما ادعاه من
حمل روايات علي بن الحسين على الاستحباب الذي اتخذوه ذريعة في جميع الأبواب
ولا دليل عليه من سنة ولا كتاب مع مخالفته هنا لنص القرآن العزيز والخبر الصحيح
الصريح في الباب.

1) ص 333
347

فروع: (الأول) - المشهور بين الأصحاب وجوب الابتداء في المسح بالأعلى
وعلله في الذكرى أما لمساواة الوضوء وأما تبعا للتيمم البياني. ورده في المدارك بأن
ضعفهما ظاهر. أقول: أما التعليل الأول فلا ريب في ضعفه لأنه لا يخرج عن مجرد
القياس، وأما الثاني فهو جيد لو ثبت ذلك في التيمم البياني كما ذكره إلا أنه لا
وجود له في شئ منها على تعددها وكثرتها كما عرفت مما قدمنا وهو أخبار المسألة
كملا لم يشذ منه شاذ، وإنما تضمنت الأمر أو الأخبار بمسح الوجه أو الجبين أو الجبهة
كيف اتفق من غير تعرض لبيان الكيفية بالكلية، ولو دلت على ما ذكره كلا أو
بعضا لكان القول بذلك جيدا كما حققناه في مسألة الابتداء بالأعلى في غسل الوجه.
وحيث إن صاحب المدارك ممن ناقش ثمة في وجوب الابتداء بالأعلى مع اشتمال الوضوء
البياني عليه نسب القول بذلك هنا بناء على وجود ذلك في التيمم البياني إلى الضعف،
وهو غير جيد لما عرفت ثمة وكان الطريق الأليق له هنا في المناقشة إنما هو منع وجود
ذلك في التيمم البياني كما ذكرنا، نعم قد ورد ذلك في عبارة الفقه الرضوي كما قدمناه
ولعلها هي المستند في الحكم المذكور عند المتقدمين كما عرفت في غير موضع وإن غفل
عنه المتأخرون لعدم ظهور الكتاب المذكور عندهم.
(الثاني) - المشهور بين الأصحاب وجوب المسح بالكفين معا دفعة فلو مسح
بإحداهما لم يجزئ، ونقل عن ابن الجنيد أنه اجتزأ باليد اليمنى لصدق المسح، وهو ضعيف
مردود بالأخبار المتقدمة لاشتمالها فعلا وقولا على المسح بهما معا.
(الثالث) - الظاهر أن المراد من المسح باليدين أو بالكفين هو الاكتفاء
بجزء من كل من اليدين بحيث يمره على الممسوح وأن يستوعب الممسوح بالمسح بهما،
وأما استيعاب الماسح فالظاهر عدمه لعدم إمكانه كما لا يخفى، ويشير إلى ما ذكرنا قوله
(عليه السلام) في الحديث الرابع حكاية عن الرسول (صلى الله عليه وآله): " ثم مسح
جبينه بأصابعه " وأما ما ذكره في المدارك بعد ذكر الرواية المذكورة - من أن الأولى المسح
348

بمجموع الكفين عملا بجميع الأخبار - فلا أعرف له وجها، فإنه إن أراد استيعاب الماسح
حال المسح كما هو ظاهر كلامه فهو متعذر، إذ لا يخفى أن الجبهة لا يزيد قدرها على
مقدار إصبعين أو ثلاث أصابع مضمومة فكيف ينطبق على هذا المقدار مجموع الكفين
مع ما هما عليه من السعة والانتشار عرضا وطولا؟ نعم لو كان الممسوح مجموع الوجه لربما
أمكن ذلك أما في الجبهة فهو غير ممكن، وإن أراد بمجموع الكفين يعني بجزء من كل
منهما بحيث يحصل استيعاب الجبهة بهما معا فهو ما نقوله وهو الذي دل عليه الخبر فلا
معنى لهذه الأولوية بعد ذكر الخبر الدال على ذلك، والظاهر أنه تبع في ذلك ما ذكره
في الذكرى بقوله: " الأقرب وجوب ملاقاة بطن الكفين للجبهة " وفيه ما عرفت.
وبالجملة فإن غاية ما يفهم من الأخبار المتقدمة أنه يمسح بيديه جبهته أو جبينه مع انطباق
الماسح على الممسوح أعم من أن يكون كلا أو بعضا، وحينئذ فيحمل اطلاقها على ما دلت
عليه الصحيحة المذكورة من الاكتفاء بجزء من كل منهما لا المجموع، مع أنهم قد صرحوا
في مسألة السجود على الكفين بالاكتفاء بالمسمى بل نقل في المدارك ثمة أنه لا يعرف
خلافا في ذلك، وسؤال الفرق متجه إذ لا مستند للجميع إلا الاطلاق، هذا مع إمكان
الانطباق كما ذكرناه، وأما مع مدعمه كما عرفت فالأمر أهون من ذلك.
(المقام الرابع) - في مسح الكفين وهو المشهور بين الأصحاب وحدهما
من الزند إلى أطراف الأصابع، والزند مفصل الكف والذراع ويسمى الرسغ بضم
الراء ثم السين المهملة ثم الغين المعجمة، وفي المسألة قولان آخران: (الأول) قول علي
ابن بابويه وابنه في المجالس بمسح اليدين من المرفقين إلى رؤوس الأصابع. و (الثاني) - ما نقله
ابن إدريس عن بعض الأصحاب أن المسح على اليدين من أصول الأصابع إلى رؤوسها.
ويدل على القول المشهور - وهو المؤيد المنصور - الأخبار الكثيرة المؤيدة بظاهر
الآية، ثم لا يخفى أن الأخبار المذكورة أكثرها قد صرح بالكفين وبعض بلفظ اليدين
وقضية حمل المطلق على المقيد التخصيص بالكفين، وهي ظاهرة في رد القولين الآخرين
349

للتخصيص بالكفين كما عرفت ولا سيما الخبر الثالث وقوله (عليه السلام): " ولم
يمسح الذراعين بشئ " فإنه صريح في رد ما ذهب إليه ابن بابويه، وقوله (عليه السلام)
في الخبر الأول والثاني: " ومسح يديه فوق الكف قليلا " إشارة إلى إدخال جزء
من الذراع من باب المقدمة فإنه صريح في رد القول الثاني.
ومما يدل على مذهب ابن بابويه الخبر الخامس عشر والسادس عشر والسابع
عشر، وهي - كما عرفت - مطروحة عندنا مردودة إلى قائلها لمخالفتها لظاهر القرآن
المأمور بعرض الأخبار عليه والأخذ بما وافقه ورد ما خالفه، وقد عرفت مما أوضحناه
في سابق هذا المقام مخالفتها لظاهر الآية المفسرة في الرواية الصحيحة بالتبعيض في كل من الوجه
واليدين فلا مسح على اليدين كملا لا تخييرا ولا استحبابا كما صار إليه أصحابنا (رضوان الله
عليهم) جمعا بين أخبار المسألة، والعجب منهم كيف ألغوا هذه القواعد الشرعية التي استفاضت
أخبار أئمتهم (عليهم السلام) بها ونبذوها وراء ظهورهم، فليت شعري لمن ألقيت هذه
القواعد ومن خوطب بها سواهم؟ وهم قد ألغوها في جميع أبواب الفقه وعكفوا على الجمع
بين الأخبار بالكراهة والاستحباب مع ظهور الحمل على التقية في مواضع ومخالفة القرآن
في مواضع كما حققناه في أبواب هذا الكتاب وسنشير إليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى
في غير هذا الباب، ما هذا إلا عجب عجاب.
وأما القول الثاني فيدل عليه الحديث الرابع عشر، وهو مع ضعفه وشذوذه لا يبلغ
قوة المعارضة لما عرفت من الأخبار المجمع على العمل بها قديما وحديثا بين الطائفة المحقة
فيجب اطراحه وارجاعه إلى قائله (عليه السلام) والظاهر أنه إلى هذه الرواية أشار مولانا
الرضا (عليه السلام) في الفقه الرضوي بقوله: " وروي من أصول الأصابع. الخ ".
واعلم أنه قد استدل في المدارك على القول المشهور بعد نقل الأقوال المتقدمة
واختياره المشهور هنا فقال: لنا قوله تعالى " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم " الباء للتبعيض
كما بيناه، وأيضا فإن اليد هي الكف إلى الرسغ يدل عليه قوله تعالى: " والسارق
350

والسارقة فاقطعوا أيديهما " (1) والاجماع منا ومن العامة منعقد على أنها لا تقطع من فوق
الرسغ وما ذاك إلا لعدم تناول اليد له حقيقة، ثم قال: ويدل عليه أيضا الأخبار المستفيضة..
أقول: لا يخفى ما في كلامه هنا من النظر الظاهر (أما أولا) - فإن الآية إنما
تنفي مذهب ابن بابويه خاصة دون القول بالمسح من أصول الأصابع إلى رؤوسها لصدق
البعضية هنا، فلا يتم استدلاله مطلقا على المدعى. و (أما ثانيا) - فإن ما ذكره من أن
اليد هي الكف إلى الرسغ على اطلاقه ممنوع، فإن اليد لها اطلاقات ومعان عديدة:
منها - يد السارق وهي من أصول الأصابع. ومنها - يد المتيمم وهي من الزند على
الأشهر الأظهر رواية وفتوى، ومنها - يد المتوضي وهي من المرفقين، ومنها اليد عرفا
وهي من الكتف، و (أما ثالثا) - وهو أعجبها وأغربها، فإن استدلاله على ما ادعاه
- من كون اليد من الرسغ بآية " والسارق والسارقة. الآية " مع أن يد السارق كما
عرفت اتفاقا وبه اعترف في آخر كلامه وبحثه بقوله: وموضع القطع من أصول الأصابع
عند الأصحاب - عجيب غريب من مثل هذا المحقق الأريب. وبالجملة فكلامه هنا
مختبط لا أعرف له وجها وجيها، والأظهر هو الرجوع فيما ادعاه إلى الأخبار خاصة كما
ذكره بقوله: ويدل عليه الأخبار المستفيضة. الخ.
فروع: (الأول) - المشهور وجوب الابتداء بالمسح من الزند إلى رؤوس
الأصابع فلو نكس بطل، ولم أقف لهم على دليل إلا ما ذكره بعضهم من المساواة للوضوء
وهي لا تنهض بالدلالة. والمسألة محل اشكال والاحتياط يقتضي ما قالوه سيما مع ترجحه
بظاهر الرواية المنقولة في كتاب الفقه وقوله (عليه السلام): " ثم تضع أصابعك اليسرى
على أصابعك اليمنى من أصول الأصابع من فوق الكف ثم تمرها على مقدمها على ظهر
الكف " فإنه ظاهر في الابتداء من الزند، وقوله: " من فوق الكف " بدل من قوله
" من أصول الأصابع ".

1) سورة المائدة. الآية 38
351

(الثاني) - المشهور أن محل المسح في الكفين ظهورهما لا بطونهما. بل ظاهر
كلامهم أن هذا الحكم مجمع عليه بين القائلين بتخصيص المسح بالكف، وأكثر الأخبار
المتقدمة وإن كانت مطلقة في الحكم المذكور إلا أن الخبر الخامس والثامن عشر قد
صرحا بأن الممسوح عليه ظهر الكف لا بطنها وعليهما يحمل اطلاق غيرهما من الأخبار.
(الثالث) - يجب تقديم اليمنى على اليسرى، وربما علل بأنه بدل مما يجب
فيه التقديم. وهو ضعيف. والروايات المتقدمة أكثرها مطلق إلا أن خبر السرائر
وهو الثامن عشر قد تضمن أنه مسح اليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى، والظاهر أنه وإن كان العطف فيه بالواو التي لا تفيد الترتيب وإنما تفيد لغة مجرد الجمع إلا أن
المراد هو الترتيب بينهما، فإنه كثيرا ما يقع العطف بها كذلك في مقام الترتيب توسعا
واعتمادا على ظهور الحكم، ألا ترى أنه مع وجوب تقديم المسح على الجبهة على مسح
الكفين فجملة من الأخبار إنما اشتملت على العطف بينهما بالواو، وكل ذلك توسعا
لظهور الحكم وشهرته، وأمثال ذلك مواضع لا تحصى يقف عليها التتبع، وأصرح منها
في ذلك قوله (عليه السلام) في الفقه الرضوي: " ثم تضرب بهما أخرى فتمسح بها اليمنى "
فإن عطف المسح بالفاء على الضرب تقتضي تقديم اليمنى، والظاهر أن لفظ " بها " في
العبارة غلط من الناسخ، وقوله في الرواية التي نقلها " ثم تضع أصابعك اليسرى على
أصابعك اليمنى من أصول الأصابع من فوق الكف ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف
ثم تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى
على يدك اليمنى مرة واحدة " فإنه ظاهر بل صريح في الترتيب وتقديم اليمنى، وبالجملة
فالعمل على وجوب تقديم اليمنى على اليسرى كما عليه الأصحاب وإن كانت أبواب
المناقشة مفتوحة إلا أنها عند التأمل والانصاف غير متجهة.
(الرابع) - الظاهر وجوب المسح بباطن الكف دون ظاهرها لأنه هو المتبادر
352

والمتكرر الذي ينصرف إليه الاطلاق، إلا أن يحصل العذر من المسح به فيجوز بالظهر
مع احتمال التولية.
(الخامس) - لو كان له يد زائدة فالكلام فيها كما تقدم في الوضوء.
(السادس) - لو كان على بعض أعضائه جبائر من الوجه أو اليدين مسح على
الجبائر كما تقدم في الوضوء إذا لم يتمكن من حلها، والنصوص وإن كانت خالية من خصوص
ذكر هذا الفرع إلا أن المفهوم من عمومها الدلالة على أن الجبيرة قائمة مقام الجسد عند
تعذر حلها فيجب الغسل فيها في موضع الغسل والمسح في موضعه مع تعذره وكذا المسح
في التيمم، ولأن اللازم من عدم المسح عليها ترك الصلاة وسقوطها في الصورة المذكورة
إذ لا تصح بدون طهارة، ومن المعلوم بطلانه، فليس إلا ما قلناه، والظاهر أنه لا خلاف
فيه. ولو كانت مكشوفة مسح عليها.
(السابع) - لو كانت مواضع المسح نجسة يتعذر تطهيرها فالظاهر وجوب المسح
عليها، إذ اشتراط طهارتها مخصوص بصورة الامكان ومع التعذر يسقط، ويدل عليه
اطلاق الأخبار المتقدمة، والظاهر أنه لا خلاف فيه فيما أعلم. وكذا لو كانت النجاسة
في الأعضاء الماسحة فإنه يضرب بها على الأرض ويمسح إلا أن تكون نجاستها متعدية
فتتعدى إلى التراب المضروب عليه وينجس بذلك فيشكل الحكم لما عرفت سابقا من
اشتراط طهارة التراب الذي يمسح به، والظاهر هنا سقوط الفرض ويدخل تحت مسألة
فاقد الطهورين وقد تتقدم الكلام فيها، ويحتمل التولية.
(الثامن) - يجب استيعاب الممسوح من الجبهة وظهر الكفين بالمسح بلا خلاف
يعرف بل في المنتهى أنه قول علمائنا وأكثر العامة ثم علله بأن الاخلال بمسح البعض
اخلال بالكيفية المنقولة فلا يكون الآتي بذلك آتيا بالتيمم المشروع، واطلاق
كلامهم يقتضي عدم الفرق بين أن يكون الاخلال بمسح البعض عمدا أو نسيانا ولا في
البعض بين القليل والكثير وبذلك صرح في المعتبر، وهو كذلك لصدق الاخلال
353

بالكيفية الشرعية فيبطل، وأما الماسح فلا، أما الأول فلظواهر الأخبار المتقدمة بأنه
يمسح جبهته وظهر كفيه والمتبادر استيعابها، وأما الثاني فلصدق المسح المأمور به بدون
ذلك وتخرج صحيحة زرارة الدالة على مسح النبي (صلى الله عليه وآله) جبينه بأصابعه
شاهدة على ذلك.
(المقام الخامس) في بيان جملة من الواجبات: (الأول) - الترتيب، والظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أنه يجب الضرب أولا ثم مسح الجبهة ثم ظهر الكف
الأيمن ثم ظهر الأيسر، وقد صرح بالاجماع على الحكم المذكور في المنتهى
والتذكرة، واحتج عليه في التذكرة بقوله تعالى: " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم " فإن
الواو للترتيب عند الفراء، وبأن التقديم لفظا يستدعي سببا لاستحالة الترجيح من غير
مرجح ولا سبب إلا التقديم وجوبا، وبأنه (عليه السلام) رتب في مقابلة الامتثال
فيكون واجبا. ولا يخفى ما في الجميع من القصور وعدم الصلوح لتأسيس حكم شرعي.
وقال المرتضى (رضي الله عنه): كل من أوجب الترتيب في المائية أوجبه هنا والتفرقة
منفية بالاجماع وقد ثبت وجوبه هناك فيثبت هنا. وفيه ما في سابقه. أقول: أما وجوب
الضرب أولا ثم مسح الجبهة ثانيا ثم اليدين ثالثا فإنه مدلول جملة من الأخبار المتقدمة
كالأول والخامس والثامن عشر والتاسع عشر وعليها يحمل ما أطلق من باقي الأخبار،
وإنما يبقى الكلام في اليد اليمنى واليسرى وترتب إحداهما على الأخرى، وقد تقدم
الكلام فيه في الفرع الثالث من الفروع المتقدمة.
(الثاني) - المباشرة بنفسه، ويدل عليه مضافا إلى اجماع الأصحاب على ذلك
قوله عز وجل " فتيمموا " فإن الخطاب فيه للمكلفين المأمورين بالتيمم والصلاة، وحقيقة
الأمر طلب الفعل من المأمور. نعم لو تعذر ذلك منه لمرض ونحوه فالظاهر جواز
التولية، لكن هل يضرب المتولي بيدي العليل على الأرض ثم يرفعهما ويمسح بهما
وجهه ويديه أو أن المتولي يضرب بيدي نفسه ويمسح بهما وجه العليل ويديه؟ لم أقف
354

في ذلك على نص، ويحتمل أن يقال إنه إن أمكن الوجه الأول فهو الأولى بالتقديم
وإلا فالثاني، والأمر بالتولية في التيمم في الجملة مع العذر قد ورد في جملة من الأخبار
لكن كونها على أي من الوجهين المتقدمين لم أقف على نص يدل عليه.
(الثالث) - أوجب الأصحاب هنا أيضا الموالاة وأسنده في المنتهى إلى علمائنا
مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، واحتج عليه بقوله تعالى: " فتيمموا " أوجب علينا التيمم
عقيب إرادة القيام إلى الصلاة ولا يتحقق إلا بمجموع أجزائه فيجب فعلها عقيب
الإرادة بقدر الامكان. ورده في المدارك بأنه غير جيد إذ من المعلوم أن المراد بالتيمم
هنا المعنى اللغوي وهو القصد لا التيمم بالمعنى الشرعي. أقول: فيه ما تقدم في صدر
الباب في تفسير الآية المذكورة من أن التيمم فيها إنما أريد به المعنى الشرعي وهو القصد
إلى التراب للمسح على الوجه واليدين على الوجه المأمور به شرعا، ولا ريب أن مراده
عز وجل هنا بقرينة ما قبل هذه الكلمة وما بعدها ليس مجرد القصد وإنما هو القصد
المخصوص وهو عبارة عن قصد الصعيد والمسح به كما ذكر عز شأنه، وبه يتم الاستدلال
الذي ذكره العلامة (قدس سره) من أنه وأوجب علينا التيمم الذي هو القصد المخصوص
عقيب إرادة القيام إلى الصلاة. إلى آخر ما ذكره. ثم نقتل في المدارك عن الذكرى أنه استدل
عليه أيضا بأن التيمم البياني عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته توبع فيه فيجب
للتأسي، ثم اعترض عليه بأن فيه نظرا إذ التأسي إنما يجب فيما يعلم وجوبه وهو منتف هنا إذ
من الجائز أن تكون المتابعة إنما وقعت اتفاقا لا لاعتبارها بخصوصها. أقول: التحقيق أن هنا
شيئين: (الأول) - أن يفعل النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) فعلا
لبيان ما أمر الله سبحانه من الأوامر المجملة المطلقة المحتملة الوقوع على أنحاء متعددة ووجوه
متكثرة وفي هذه الحال يجب أن يقيد بفعله (عليه السلام) اطلاق تلك الأوامر ويحكم به على
مجملها ويكون موضحا لها ومبينا فيجب العمل عليه كما أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه
في باب الوضوء في مسألة الابتداء بغسل الوجه من الأعلى (الثاني) - أن يفعله (عليه السلام)
355

اتفاقا كسائر أفعاله لا بخصوص ما تقدم، وهذا هو الذي يتجه فيه المناقشة بما ذكره
(قدس سره) وإن كان قد خالف نفسه فيه في غرر موضع من شرحه كما أوضحنا ذلك
في شرحنا على الكتاب حيث استدل بالتأسي على الوجوب في مواضع عديدة، إلا أن
الحق أنه لا دلالة فيه، وما ذكره شيخنا الشهيد هنا إنما هو من قبيل الأول لأن التيمم
الذي أمر الله به سبحانه مجمل وبيانهم (عليهم السلام) كمية وكيفية موجب لتفسير
ذلك الاجمال ورافع لتعدد الاحتمال في ذلك المجال فيجب الأخذ به بغير اشكال.
(الرابع) - ذكر جمع من الأصحاب أيضا أن من الواجب هنا طهارة مواضع
المسح من النجاسة، واستدل عليه في الذكرى بأن التراب ينجس بملاقاة النجاسة فلا
يكون طيبا، وبمساواته أعضاء الطهارة المائية. واعترضه في المدارك بأن الدليل الأول أخص
من المدعى، والثاني قياس محض، وأن مقتضى الأصل عدم الاشتراط والمصرح باعتبار
ذلك قليل من الأصحاب. أقول: وهو جيد، ويؤيده عموم الأدلة أو اطلاقها لعدم
التصريح أو الإشارة في شئ منها إلى هذا الشرط. ثم ذكر أن الاحتياط يقتضي المصير
إلى ما ذكروه. وهو كذلك. والله العالم.
(المطلب الرابع) - في بيان وقته، اتفق الأصحاب على أنه لا يصح التيمم
للفريضة قبل الوقت وأنه يصح مع تضيقه، وإنما الخلاف في أنه يصح مع السعة أم لا؟
فقيل بالصحة مطلقا وهو مذهب الصدوق وقواه في المنتهى والتحرير ونقله الشهيد عن
ظاهر الجعفي واستقر به في البيان، وقيل إنه لا يجوز إلا في آخر الوقت ذهب إليه الشيخ
في أكثر كتبه والمرتضى وأبو الصلاح وسلار وابن إدريس وهو ظاهر المفيد، وهو المشهور
كما نقله في المختلف حيث قال: المشهور أن تضيق الوقت شرط في صحة التيمم فلو تيمم
في أول الوقت لم يصح تيممه وإن كان آيسا من الماء في آخر الوقت. وقيل بالتفصيل بأنه
إن علم أو ظن عدم وجود الماء إلى آخر الوقت جاز التقديم وإلا فلا، ونقل عن ابن
الجنيد حيث قال على ما نقله عنه في المختلف: طلب الماء قبل التيمم مع الطمع في وجوده والرجاء
356

للسلامة واجب على كل أحد إلى آخر الوقت مقدار رمية سهم في الحزونة وفي الأرض
المستوية رمية سهمين، فإن وقع اليقين بفوته إلى آخر الوقت أو غلب الظن كان تيممه
وصلاته في أول الوقت أحب إلي. وإلى هذا القول ذهب العلامة في جملة من كتبه
استجوده المحقق في المعتبر، وعليه تجتمع الأخبار كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
ويدل على القول الأول الأخبار المستفيضة الدالة على أن من تيمم وصلى ثم وجد
الماء والوقت باق فإنه لا إعادة عليه، وكثير منها يدل باطلاقه ومنها ما يدل بصريحه، ومن
الصريح في ذلك رواية علي بن سالم عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " قالت له أتيمم
وأصلي ثم أجد الماء وقد بقي علي وقت؟ فقال لا تعد الصلاة فإن رب الماء هو رب الصعيد. "
ورواية معاوية بن ميسرة (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل في السفر لا
يجد الماء تيمم وصلى ثم أتى الماء وعليه شئ من الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضأ ويعيد
الصلاة؟ قال: يمضي على صلاته فإن رب الماء هو رب التراب " وموثقة علي بن أسباط عن عمه
عن الصادق (عليه السلام) (3) " في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء وهو في وقت؟ قال
قد مضت صلاته وليتطهر " وموثقة أبي بصير (4) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت؟ فقال ليس عليه إعادة الصلاة " ورواية
يعقوب بن سالم عن الصادق (عليه السلام) (5) " في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء
وهو في وقت؟ قال قد مضت صلاته وليتطهر " وصحيحة زرارة (6) قال: " قلت
لأبي جعفر (عليه السلام) فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت؟ قال تمت
صلاته ولا إعادة عليه " وأجاب الشيخ عن صحيحة زرارة وما في معناها بحمل قوله:
" وهو في وقت " على أنه صلى في وقت لا على إصابة الماء. ولا يخفى ما فيه من البعد
الظاهر لكل ناظر، وموثقة أبي بصير صريحة فيما ادعيناه غير قابلة لتأويله بوجه. وأجيب

1) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
4) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
5) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
6) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
357

عنها أيضا بالحمل على ما إذا ظن المكلف الضيق وانكشف فساد ظنه. وهو بعيد أيضا غاية
البعد. وصحيحة العيص (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يأتي
الماء وهو جنب وقد صلى؟ قال يغتسل ولا يعيد الصلاة " وهذه الرواية مما تدل باطلاقها
على ذلك وإن لم تكن صريحة كما قبلها، ونحوها صحيحة محمد بن مسلم (2) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء؟ فقال
لا يعيد أن رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين " وصحيحة عبيد الله بن علي
الحلبي (3) " أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء؟ قال
يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة " وحسنة الحلبي (4) قال:
" سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح
من الأرض ويصلي فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى " وفي معناها
صحيحة عبد الله بن سنان (5).
والتقريب في الروايات المذكورة أن بعضها قد رتب فيه التيمم على عدم وجود
الماء فلا يتقيد بغيره إلا بدليل، وبعضها ظاهر كالصريح في أنه لو تيمم في السعة
وصلى ثم وجد الماء والوقت باق فلا إعادة عليه، وتأويل الشيخ قد عرفت ما فيه،
وبعضها دل باطلاقه على ذلك أيضا.
وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن يقطين (6) - قال: " سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل تيمم وصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد
الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد فإن مضى
الوقت فلا إعادة عليه " وموثقة منصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام) (7)
" في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء؟ قال أما أنا فكنت فاعلا إني كنت أتوضأ وأعيد " -

1) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
4) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
5) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
6) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
7) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
358

فقد حملها الأصحاب على الاستحباب، والثاني منهما ظاهر في ذلك فإن تخصيصه ((عليه
السلام) الإعادة بنفسه مشعر بذلك ولو كان حكما كليا عاما لما حسن هذا التخصيص
كما لا يخفى، وسيأتي إن شاء الله تعالى في المطلب الخامس مزيد بيان في هذه المسألة.
واستدل جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) لهذا القول بالآية وهي قوله
عز وجل: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا. إلى أن قال: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا
طيبا " (1) فإنه سبحانه أوجب التيمم على المكلف عند إرادة القيام إلى الصلاة إذا لم
يجد الماء فلا يتقيد بضيق الوقت وأجاب المرتضى في الإنتصار بأن الاستدلال بها يتوقف
على اثبات أن للمكلف أن يريد الصلاة في أول الوقت ونحن نخالفه فيه ونقول ليس
ذلك له. وأجيب عنه بأنه مع تسليم تحريم الإرادة في أول الوقت عند العلم بالحكم فإنه
لا يلزم منه عدم وجودها فإذا وجدت وجب المشروط وهو ايجاب التيمم، وأيضا ليس
المراد الإرادة المتصلة بفعل الصلاة لشرعية الطهارة في أول الوقت لمن أراد الصلاة في
آخره فإذا أراد الصلاة المتأخرة عن زمان الإرادة والحال أنه لا مانع من ذلك فقد تحقق
الشرط. أقول: والأظهر هو الرجوع إلى ما قدمناه من الأخبار فإنها مكشوفة القناع
لا يداخله الجدال والنزاع.
ويدل على القول الثاني جملة من الأخبار: منها - صحيحة محمد بن مسلم (2)
قال: " سمعته يقول إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت فإن فاتك
الماء لم تفتك الأرض " وحسنة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (3) قال: " إذا لم
يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في
آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل " وموثقة ابن بكير عن الصادق
(عليه السلام) (4) في حديث قال فيه: " فإذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت فإن

1) سورة المائدة. الآية 8.
2) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
4) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
359

فاته الماء فلن تفوته الأرض " ورواية محمد بن حمران (1) وقوله (عليه السلام) في
آخرها: " واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت " وموثقة ابن بكير
المروية في قرب الإسناد (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب
فلم يصب الماء أيتيمم ويصلي؟ قال لا حتى آخر الوقت أنه إن فاته الماء لم تفته الأرض " وقوله
(عليه السلام) في الفقه الرضوي (3): " وليس للمتيمم أن يتيمم إلا في آخر الوقت
أو إلى أن يتخوف خروج وقت الصلاة ".
ولا يخفى على المتأمل ما في دلالة هذه الأخبار على القول المذكور من الصراحة
والظهور، فإنها قد اشتملت على الأمر بالتأخير في بعض والأمر حقيقة في الوجوب
والنهي عن التقديم في بعض وهو حقيقة في التحريم. وأما ما ذكره في المدارك - من
المناقشة في أن لفظ " لا ينبغي " ظاهر في الكراهة - فهو مبني على العرف الجاري بين
الناس وإلا فهي في الأخبار قد استفاض ورودها بمعنى التحريم، وقد عرفت في غير
موضع مما قدمنا أن لفظ " ينبغي ولا ينبغي " في الأخبار من جملة الألفاظ المتشابهة
لاستعمالها في الأخبار في الوجوب والتحريم تارة ولعله الأكثر كما لا يخفى على المتدبر،
وفي الاستحباب والكراهة أخرى، فلا يحملان على أحد المعنيين إلا مع القرينة،
والقرينة هنا في حمله على التحريم الروايات المذكورة مع هذا الخبر بالتقريب المتقدم.
وأما المناقشة في حسنة زرارة - بأنها متروكة الظاهر إذ لا يعلم قائلا بوجوب الطلب
في مجموع الوقت سوى المحقق في المعتبر - فهو مردود (أولا) - بأنه لا مانع من
العمل بالخبر إذا دل على الحكم وإن لم يكن به قائل ومن ثم قد عمل المحقق بذلك
كما نقله عنه. و (ثانيا) - أنه لا يلزم من رد الخبر من هذه الجهة لعدم القائل به رده
في الحكم الآخر وهو وجوب التأخير مع: وجود القائل به ودلالة النصوص عليه.
و (ثالثا) - أنه قد صرح هو وغيره بحمل الأمر بالطلب في الخبر على الاستحباب حيث

1) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
3) ص 5
360

إنه لا قائل بالوجوب وهو كاف في قبول الخبر وعدم رده، وحينئذ فيجب التأخير إلى
آخر الوقت طلب أو لم يطلب أو إن كان الأفضل له الطلب، فلا منافاة في الرواية
للقول المذكور.
بقي الكلام في أن المفهوم من كلام القائلين بالمضايقة وجوب التأخير وإن علم
بعدم حصوله إلى آخر الوقت والمفهوم من هذه الأخبار لا يساعد عليه بل ربما أشعرت
برجاء الحصول كما يشير إليه قوله (عليه السلام) في جملة منها: " فإن فاته الماء لم يفته
الصعيد " ولأنه مع العلم بعدم وجود الماء يصير التأخير عبثا محضا ومن الظاهر أن الشارع
لا يكلف بذلك.
قال في الروض: " وعلى كل حال فالقول باعتبار التضيق مطلقا أقوى للنص
والاجماع والشهرة والاحتياط، وما ورد من الأخبار التي استدل بها لجواز التقديم لم يدل
نصا على جواز التقديم بل علم إمكان وقوعه ونحن نقول به، فإن المعتبر في الضيق
الظن فلو انكشف خلافه أجزأ للامتثال ولمفهوم الأخبار المذكورة، وحملها على ما إذا
علم أو ظن عدم الماء إنما يتم لو دلت على جواز التقديم نصا والتقدير عدمه بخلاف أخبار
التضيق، وقد تقرر في الأصول أن ما دل نصا مرجح على غيره مع التعارض وعلى ما حققناه
لا تعارض، ومنه يظهر ضعف حمل أخبار التضيق على الاستحباب ترجيحا لجانب التوسعة
والقول بالتفصيل بالعلم وعدمه متوجه لعدم الفائدة في التأخير على تقديره لكن قوة
الدليل النقلي لا تساعد عليه " انتهى.
أقول: فيه (أولا) - إن عدوى الاجماع والشهرة والاحتياط مما لا يسمن
ولا يغني من جوع، أما الاجماع فهو وإن نقل هنا عن الشيخ والمرتضى إلا أن شيخنا
المشار إليه في مسالكه وغيره من محققي الأصحاب المتأخرين قد طعنوا فيه بما لا يسع
المقام ذكره كما لا يخفى على من وقف على كتبهم، بل الشيخ والمرتضى اللذان هما الأصل
في الاجماع قد كفيانا مؤنة القدح فيه بمناقضتهما في اجماعاتهما في المسألة الواحدة إما بأن
361

يدعى أحدهما الاجماع ولا قائل به سواه أو يدعيه ويناقض نفسه في موضع آخر بدعوى
الاجماع على خلافه في ذلك الحكم كما هو ظاهر للمتتبع البصير ولا ينبئك مثل خبير، وأما
الاحتياط فهو عندهم ليس بدليل شرعي، نعم بقي النص المذكور إلا أنك قد عرفت أن
الظاهر من تلك النصوص هو الاشعار بأن التأخير إنما هو لرجاء حصول الماء وبذلك لا يتم
ما ذكروه كليا ولا ينطبق على ما ادعوه جليا، وبه ترجع هذه النصوص إلى القول بالتفصيل
كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وبذلك يظهر لك ما في قوله أخيرا: " إن قوة الدليل
النقلي لا تساعد عليه " وكيف لا تساعد عليه والظاهر منها إنما هو ذلك كما عرفت من
قوله (عليه السلام) في جملة من تلك الأخبار: " فإن فاته الماء لم تفته الأرض " فإن مرمى
هذه العبارة أظهر ظاهر فيما قلناه، إذ المراد منها كما هو الظاهر من سياقها أنه يؤخر
التيمم إلى آخر الوقت لعله يحصل له الماء فإن اتفق عدم حصوله فالأرض قائمة مقامه
فدلالتها على الرجاء أظهر، نعم لو اشتملت على مجرد الأمر بالتأخير من غير هذا
التعليل تم ما ذكره، وحينئذ فلو كان الماء مقطوعا بعدمه لم يكن لذكر هذه العبارة معنى
بالكلية كما لا يخفى على ذي الذوق الصائب والفهم الثاقب.
و (ثانيا) - أن حمله الأخبار الدالة على التوسعة على ظن الضيق ثم انكشاف
خلافه بعيد غاية البعد عن سايقها، إذ لا اشعار في شئ منها بذلك فضلا عن الظاهرية
بل ربما أشعر بعضها بخلافه مثل موثقة أبي بصير (1) وقوله فيها: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت؟. " فإن عطف
بلوغ الماء المقيد بقبلية خروج الوقت على التيمم والصلاة مشعر بكونه قد تيمم في السعة
وظن الضيق لا يجامع هذا العطف ب‍ " ثم " الدال باطلاقه على تراخي مسافة وزمان
بين الأمرين، فإن ظهور السعة في مقام ظن الضيق إنما يكون سعة يسيرة ربما لا تسع
الطهارة والصلة كما لا يخفى على المتأمل، وبه يظهر أن حمله أخبار السعة على ما ترجع

1) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
362

به إلى أخبار التضيق تعسف محض لا تقبله ظواهر ألفاظها ولا نظام سياقها.
و (ثالثا) - أن ما ذكره - من منع حمل أخبار السعة على ما إذا علم أو ظن
عدم الماء مستندا إلى أن ذلك أنما يتم لو دلت على جواز التقديم نصا - ممنوع فإنها وإن
لم تدل نصا لكن تدل عليه ظاهرا فإنه هو الظاهر منها وما تكلفه من حملها على ما ذكره
بعيد غاية البعد كما ذكرنا، وحينئذ فلا طريق إلى الجمع بينها وبين أخبار التضيق إلا
حملها على ذلك وحمل أخبار التضيق على ظن حصول الماء، وما ادعاه - من دلالة أخبار
التضيق على ذلك نصا فلا يعارضها دلالة أخبار السعة على ذلك - مردود بما عرفت من أن مدعاهم هو وجوب التأخير وإن علم عدم الماء إلى آخر الوقت والنصوص المذكورة
إنما تدل على التأخير مع الرجاء كما عرفت، وحينئذ فلا دلالة لها على ما ادعوه بل ترجع
بذلك إلى القول بالتفصيل كما سيأتي بيانه، ومنه يظهر عدم الدليل على القول المشهور
كما صرح به السيد السند في المدارك أيضا، ويجمع بين أخبار الطرفين بما ذكرنا.
وأما القول الثالث فلم نقف فيه على خبر صريح يدل عليه إلا أن ظواهر الأخبار المتقدمة
في أدلة القول المشهور تساعده، فإن قوله (عليه السلام) في حسنة زرارة: " فليطلب ما دام
في الوقت " مما يؤذن بامكان حصول الماء ورجاء الظفر به وإلا لكان عبثا محضا، وكذلك
قوله (عليه السلام) في جملة منها " فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض " مما يؤذن بالشك في
الفوات وأن اليأس من حصول الماء غير متحقق، وبه يجمع بين أخبار القولين المتقدمين بحمل
الأخبار الدالة على عدم وجوب الإعادة بعد وجود الماء في الوقت على اليأس من حصول الماء
في الوقت ثم تيقن حصوله في الوقت فإنه لا إعادة عليه لأن تيممه مع السعة وقع صحيحا،
والأخبار الدالة على وجوب التأخير إلى آخر الوقت على رجاء حصوله كما يشير إليه التعليل
ب‍ " إن فاتك الماء لم يفتك الصعيد " وبما ذكرنا يظهر أن هذا القول هو الأظهر في المسألة وإن
كان القول الأول لا يخلو من قوة أيضا. والله العالم.
وتنقيح البحث في هذا المطلب يتوقف على رسم مسائل: (الأولى) - لو دخل
363

وقت الصلاة وهو متيمم فهل يجوز له أن يصلي في سعة الوقت بناء على القول بالمضايقة؟
الظاهر نعم وفاقا للشيخ في المبسوط حيث قال: " لو تيمم لنافلة في غير وقت فريضة أو
لقضاء فريضة في غير وقت حاضرة جاز ذلك فإذا دخل وقت الفريضة جاز أن يصلي
بذلك التيمم " انتهى، مع أن مذهبه القول بالمضايقة، وما ذكره (قدس سره) قد
مال إليه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين لأن الظاهر من الأخبار المتقدمة الدالة على
التأخير إلى آخر الوقت اختصاصها بالمحدث فلا تتناول المتيمم في الصورة المفروضة
فيجوز له الصلاة في الأول الوقت عملا بالعمومات الدالة على الجواز في أول الوقت بل
الأفضلية لعدم معلومية المعارض، ويزيد ذلك تأييدا صحيحة زرارة (1) قال " قلت
لأبي جعفر (عليه السلام) يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ قال: نعم
ما لم يحدث أو يصب ماء. " وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
" في رجل تيمم؟ قال يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء " وقيل بوجوب التأخير لأن المقتضي
للتأخير إمكان وجود الماء في الوقت وهو متحقق. ونقله في الروض عن ظاهر العلامة
والمحقق. أقول: بل هو صريح كلام العلامة في المختلف وقد أطال الكلام في ذلك
إلا أن ظاهره في آخر كلامه الاستشكال في ذلك حيث لم يجد فيها نصا عن الأئمة (عليهم
السلام) وأن قول الجماعة يصلي بالتيمم الواحد صلوات الليل والنهار لا يعطي مطلوب الشيخ
وضعفه ظاهر مما قدمناه، ويزيده تأكيدا صحيحة حماد بن عثمان (3) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ قال لا هو بمنزلة
الماء " ورواية السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (4)
قال: " لا بأس أن يصلي الرجل صلاة الليل والنهار بتيمم واحد ما لم يحدث أو يصب
الماء " ويؤيده أيضا ما ورد من قوله (صلى الله عليه وآله) (5 لأبي ذر " يكفيك

1) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
4) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
5) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
364

الصعيد عشر سنين " وقول الصادق (عليه السلام) (1) " هو بمنزلة الماء " و " أن الله
تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " (2) وأولى بالصحة ما لو تيمم لصلاة
فريضة فإنه يجوز له الدخول في الأخرى بذلك التيمم والظاهر أنه لا خلاف فيه،
وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي همام عن الرضا (عليه السلام) (3) قال:
" يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء " وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم
السلام) (4) قال: " لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها " فقد حملهما الشيخ في
التهذيب بعد الطعن بما لا وجه له على استحباب التجديد أو على ما إذا قدر على الماء بين
الصلاتين. والتحقيق أن الخبر الأول لا صراحة فيه في المنافاة بل الظاهر أن مراده إنما
هو أنه يتيمم لكل صلاة دخل وقتها وهو محدث حتى يجد الماء، وهو نظير قوله (صلى
الله عليه وآله) (5) " يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين " وأما الثاني فهو محمول على
التقية لموافقته لمذهب العامة (6) وكون الراوي منهم.
(الثانية) - ظاهر الأصحاب القائلين بوجوب التأخير إلى آخر الوقت كما هو
المشهور القول بذلك أعم من أن يكون السبب في التيمم عدم وجود الماء أو عذر المرض
ونحوه، وهو مشكل لأن ظاهر أخبار المضايقة وقوله (عليه السلام) في جملة منها كما
عرفت " فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض (7) " وهو التخصيص بالأول، وكذا قوله
(عليه السلام) (8) في حسنة زرارة " فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته
الوقت فليتيمم " وقوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم (9) " إذا لم تجد ماء
فأخر التيمم إلى آخر الوقت " واطلاق رواية محمد بن حمران (10) وكذا عبارة كتاب

1) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 23 و 24 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
4) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
5) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
6) كما في المغني ج 1 ص 263 و ص 264
7) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
8) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
9) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
10) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
365

الفقه يجب حمله على هذه الروايات المصرحة بذلك، وبالجملة فإن مورد أخبار المسألة مما دل على
السعة أو الضيق إنما هو عدم وجود الماء وأما عذر المرض ونحوه فلا تعرض له في شئ منها
فيبقى عموم أخبار التيمم - من قوله (صلى الله عليه وآله) (1) " يكفيك الصعيد عشر سنين "
وقوله (عليه السلام) (2): " إن رب الماء هو رب الصعيد " وقوله (عليه السلام) (3):
" هو بمنزلة الماء " وقوله (عليه السلام) (4): " إن الله جعل التراب طهورا كما جعل
الماء طهورا " ونحو ذلك - سالما من المعارض في الدلالة على جواز التيمم في السعة بعذر
المرض ونحوه، وكذا الأخبار الدالة على أفضلية الوقت وهي كافية في الدلالة على الجواز
مع السعة بل أفضليته، والظاهر أنه لا مستند لهم فيما نقلنا عنهم إلا الاجماع، قال في
الروض: " فإن قيل ما ذكرتم من النصوص إنما دلت على وجوب التأخير لفاقد الماء فلا
دلالة لها على وجوب تأخير غيره من ذوي الأعذار فيرجع إلى الأدلة الأخرى خصوصا
مع عدم رجاء زوال العذر فلم قلتم بوجوب التأخير مطلقا؟ قلنا الاجماع منعقد على عدم
التفصيل بالتأخير للفاقد دون المريض خائف الضرر بل إما الجواز مطلقا أو وجوب التأخير
مطلقا مع الرجاء أو بدونه فأقول بالتفصيل على هذا الوجه احداث قول مبطل لما حصل
لنا الاجماع عليه، وتحقيق المسألة في الأصول " انتهى. وفيه ما لا يخفى فإنه قد طعن في هذه
الاجماعات في شرحه على الشرائع في غير موضع فاستسلاقه هنا والاعتماد عليه
مجازفة محضة.
(الثالثة) - قد صرح جمع من فضلاء الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن
من عليه فائتة فالأوقات كلها صالحة لتيممه لعموم قوله (عليه السلام) (5): " ومتى
ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها " أقول: ويؤيده أيضا أن الظاهر من روايات المضايقة

1) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
2) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
3) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
4) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
5) المروي في الوسائل في الباب 63 من أوقات الصلوات
366

والتأخير إلى آخر الوقت الاختصاص بالتيمم لصاحبة الوقت كقوله (عليه السلام) (1)
في بعضها: " إذا لم تجد ماء فأخر التيمم إلى آخر الوقت فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض "
ونحوها غيرها، ولا عموم فيها على وجه يتناول محل البحث، وبالجملة فإن أصل الخلاف
في مسألة الوقت ضيقا وسعة فتوى ورواية إنما ينطبق على اليومية المؤداة في الوقت فإنه
قد اختلف الأصحاب والأخبار في أن وقت التيمم لها هل هو في أول وقتها أو آخره؟
وأما الصلاة المقضية فلا تدخل في هذا المقام بالكلية، وحينئذ فيجب التيمم لها في أي وقت
أراد ايقاعها فيه بالأخبار الدالة على بدلية التراب من الماء وقيامه مقامه عند تعذره أو تعذر
استعماله، ولا سيما على القول بالمضايقة في القضاء كما هو المشهور المنصور فإنه يجب المسارعة
إليه متى ذكره وفي أي ساعة ذكره يتيمم له ويأتي به، ومثل الصلوات المقضية فيما ذكرنا من
عدم الدخول تحت هذا المقام لا في أخباره ولا في كلام الأصحاب سائر الصلوات الواجبة
كالآيات والعيدين والجمعة والنذر فإنه يتيمم لكل منها في حال ايقاعها ويأتي بها، والظاهر
أنه ليس محل خلاف ولا اشكال، ومتى تيمم لإحداها وأتى بها صح دخوله بذلك التيمم في
الصلاة اليومية بعد دخول وقتها حسبما تقدم بيانه في المسألة الأولى لعموم الأدلة الدالة على
البدلية كما تقدم، إذ الظاهر منها أنه يثبت له أحكام الماء إلا ما خرج بدليل. وظاهر
الذكرى التوقف في الدخول بتيمم الصلاة المقضية حيث قال بعد ذكر صحة التيمم للقضاء:
فإذا دخل الوقت ربما بني على السعة والضيق في التيمم. والأظهر ما ذكرناه لما عرفت.
(الرابعة) - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) منهم - المحقق
في المعتبر والشهيد في الذكرى وغيرهما ممن تأخر عنهما بأنه يجوز التيمم لصلاة النافلة الراتبة
بدخول وقتها كصلاة الليل وكذا المبتدأة عند إرادة فعلها، وتردد في المعتبر في جواز التيمم
للنافلة المبتدأة ثم قال: والجواز أشبه لعدم التوقيت والمراد بها تعجيل الأجر في كل وقت
وفواته بالتأخير متحقق. قال في الذخيرة بعد نقل ذلك عنه: " وهو حسن لعموم

1) المروي في الوسائل في الباب 22 من أبواب التيمم
367

الأدلة " وظاهرهم الجواز وإن كان في الأوقات المكروهة، وبعضهم فصل بين الأوقات
المكروهة وغيرها فقطع بعدم جواز التيمم في أوقات النهي وبه صرح في المعتبر والتذكرة
ورده في المدارك بأن الكراهة بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء لا تنافي الانعقاد ثم قال
ويصح الدخول به في الفرائض لما قدمناه. أقول ويمكن تأييد أصل الحكم بأن الظاهر
من الأخبار المانعة من التيمم إلا في آخر الوقت الاختصاص بالفريضة وعدم الشمول
للنافلة، واطلاق الأخبار الدالة على استحباب الاتيان بها مع اطلاق أخبار البدلية المتقدمة
كاف في صحة التيمم لها لعدم المعارض. إلا أن يقال إنه متى دلت الأخبار على المنع
من الفريضة إلا في آخر الوقت مع ما استفاض من أفضلية أول الوقت على آخره فكيف
تشرع النافلة؟ وفيه أن مرجع ما ذكر إلى الاستدلال بطريق الأولوية وهي غير معتبرة
عندنا في الأحكام الشرعية إلا في نادر الصور كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب
وإنما العمل عندنا على الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة. والله العالم.
(الخامسة) - لو ظن ضيق الوقت لأمارة فتيمم وصلى ثم انكشف فساد ظنه
فهل تجب الإعادة أم لا؟ قولان والأول منهما ظهر الشيخ في كتب الأخبار وبالثاني
صرح المحقق والشهيد، قال في المعتبر بعد أن نقل القول الأول عن الشيخ في كتبه
الأخبارية: " ويقوى عندي أنه لا إعادة لأنه تطهر طهارة شرعية وصلى صلاة مأمورا
بها فتكون مجزئة. لا يقال شرط التيمم التضيق، لأنا نقول لا نسلم بل لم لا يكون شرطه ظن
الضيق؟ وظاهر أنه كذلك لأن الشرع لما لم يجعل على الضيق دلالة دل على إحالته على
الظن، ويمكن أن يستدل على ذلك برواية زرارة ومعاوية بن ميسرة ويعقوب بن سالم
عن الباقر والصادق (عليهما السلام) (1) " في رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل خروج
الوقت؟ فقال ليس عليه إعادة أن رب الماء ورب التراب واحد " ولا وجه له على القول

1) الأولى عن الباقر والثانية والثالثة عن الصادق " عليهما السلام " وقد رواها في
الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
368

بالتضيق إلا ما ذكرناه، وما تأولها به الشيخ (قدس سره) في التهذيب بعيد عن الظاهر "
انتهى كلامه. أقول: ظاهر كلامه (قدس سره) أن الكلام في هذه المسألة مبني على أن ضيق
الوقت المعتبر في صحة التيمم على تقدير القول بالمضايقة هل هو عبارة عن ظنه أو العلم به، فإن
جعل عبارة عن العلم به فالمتجه هو ما ذكره الشيخ (قدس سره) من وجوب الإعادة، لتبين
وقوع الصلاة في غير وقتها ولأن انكشاف السعة بعد الصلاة دليل عدم حصول العلم
بالضيق. والقول هنا بأنه صلى صلاة مأمورا بها فتكون مجزئة مسلم مع استمرار الاشتباه
أما مع ظهور الحال وانكشاف وقوعها قبل وقتها فهو ممنوع، وإن جعل عبارة عن ظن
الضيق فالمتجه ما ذكره في المعتبر لأنه تعبد بظنه، والقول بأنه صلى صلاة مأمورا بها متجه
لأنه مكلف بالبناء على ظنه وقد فعل فيقتضي الاجزاء. والمسألة محل توقف لعدم النص
الواضع في ذلك. وأما ما استدل به في المعتبر من الروايات الثلاث التي عدها رواية واحدة
فالظاهر أنها ليست من محل البحث في شئ، فإن هذه الروايات وأمثالها إنما وردت في
التيمم في سعة الوقت ثم يجد الماء بعد ذلك وهي من أدلة جواز التيمم في السعة كما قدمنا
ذكره، وحملها على التيمم في ضيق الوقت كما ذكره تعسف محض كما لا يخفى على من تأمل
مضامينه. وما أطال به في الذخيرة فالظاهر أنه لا طائل تحته.
(السادسة) - قال في الذكرى: " يتيمم للآية كالكسوف بحصولها،
وللجنازة بحضورها لأنه وقت الخطاب بالصلاة، ويمكن دخول وقتها بتغسيله لإباحتها
حينئذ وإن لم يهيأ للصلاة بل يمكن دخول وقتها بموته لأنه الموجب للصلاة وغيرها من
أحكام الميت، وللاستسقاء باجتماع الناس في المصلى ولا يتوقف على اصطفافهم، والأقرب
جوازه بإرادة الخروج إلى الصحراء لأنه كالشروع في المقدمات بل يمكن بطلوع الشمس
في اليوم الثالث لأن السبب الاستسقاء وهذا وقت الخروج فيه، أما النوافل الرواتب
فلأوقاتها وغير الرواتب فلإرادة فعلها فلو تيمم قبل هذه الأسباب لم يعتد به لعدم الحاجة
إليه " انتهى. وفي أكثره توقف والأقرب أما بالنسبة إلى صلاة الآيات فهو ما ذكره
369

وأما بالنسبة إلى صلاة الجنازة فحضورها كما هو المستفاد من أخبار التيمم لها وإن كان
مع وجود الماء، وأما بالنسبة إلى صلاة الاستسقاء فعند إرادة فعلها، وأما النوافل راتبة
أو مبتدأة فقد تقدم الكلام فيه.
(السابعة) - لو تيمم لمس المصحف أو قراءة القرآن أو نحوهما فالظاهر استباحة
ما يتوقف على الطهارة صحة أو كمالا حتى الدخول في الصلاة قال في المنتهى: " لو نوى
استباحة دخول المساجد وكان جنبا أو قراءة العزائم أو مس الكتاب أو الطواف
فالأقرب أنه يصح له الدخول في الصلاة لأنه نوى الطهارة لتوقف هذه الأفعال عليها
فيجب حصولها فساغت له الصلاة، وكذا أو نوى نفل الطواف استباح فرضه وبالعكس "
أقول: وقد تقدم في المقام العاشر من مقامات البحث في نية الوضوء ما فيه مزيد بيان
لهذا المقام. والله العالم.
(المطلب الخامس) - في الأحكام وفيه مسائل: (الأولى) - المشهور بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف أن التيمم مبيح لما تبيحه الطهارة
المائية مطلقا من الصلاة والطواف ومس كتابة القرآن ونحو ذلك مما الطهارة شرط في حصوله
أو كماله، ويدل عليه عموم الأخبار من قوله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر (1)
" يكفيك الصعيد عشر سنين " وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة حماد (2)
" هو بمنزلة الماء " وفي صحيحة جميل (3) " فإن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء
طهورا " وفي صحيحة محمد بن مسلم وغيرها (4) " أن رب الماء هو رب الصعيد " كما في
بعض " أو رب الأرض " كما في آخر (5) وقوله (عليه السلام) في كتاب الفقه (6) " أن
التيمم غسل المضطر ووضوؤه وهو نصف الوضوء في غير ضرورة إذا لم يوجد الماء "
ونحو ذلك مما يدل على قيامه مقام الماء في كل موضع تعذر استعماله.

1) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
2) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
3) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 3 و 14 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 3 و 14 من أبواب التيمم
6) ص 4
370

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين: (الأول) - ما نقل عن فخر المحققين ابن
العلامة (طاب ثراهما) من أنه منع من استباحة اللبث بالتيمم في المساجد لقوله تعالى:
" إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " (1) حيث جعل نهاية التحريم الغسل فلا يستباح
بغيره وإلا لم تكن الغاية غاية، وألحق به مس كتابة القرآن لعدم فرق الأمة بينهما، ويلزم
على كلامه تحريم الطواف على الجنب لاستلزامه دخول المسجد وإن لم يقل به. وأجاب
في المدارك عن الآية - بعد الاستدلال على أصل المسألة ببعض الأخبار التي قدمناها -
بالمنع من دلالتها على ما ذكره، قال: لأن إرادة المساجد من الصلاة مجاز لا يصار إليه
إلا مع القرينة، مع احتمالها لغير ذلك المعنى احتمالا ظاهرا وهو أن يكون متعلق النهي
الصلاة في أحوال الجنابة إلا في حال السفر لجواز تأديتها حينئذ بالتيمم، وأيضا فإن ذلك
لا ينافي حصول الإباحة بدليل من خارج وهو ثابت كما بيناه. انتهى. أقول: لا يخفى
أنه قد ذكر المفسرون لهذه الآية معنيين (أحدهما) - أن المراد لا تقربوا الصلاة وأنتم
جنب إلا أن تكونوا مسافرين فيجوز لك أداؤها بالتيمم، وعلى هذا المعنى بناء كلام
المدارك ومرجعه إلى النهي عن الصلاة حال الجنابة، وحينئذ فتكون الصلة هنا مرادا
بها معناها الشرعي والمراد بقوله سبحانه " عابري سبيل " يعني مسافرين كما ذكره.
و (ثانيهما) - أن المراد لا تقربوا مواضع الصلاة من المساجد وأنتم جنب حتى تغتسلوا إلا
بقصد المرور فيها والعبور، وعلى هذا المعنى بناء الاستدلال بالآية، وهذا المعنى هو الذي
دلت عليه الأخبار المتضمنة لتفسير الآية، فروى الصدوق في العلل في الصحيح عن
زرارة وحمد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) (2) قالا: " قلنا له الحائض
والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ قال الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين
إن الله تبارك وتعالى يقول: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا. الحديث "

1) سورة المائدة. الآية 42
2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الجنابة
371

ونحوه روى العياشي في تفسيره عنه (عليه السلام) (1) وعلي بن إبراهيم في تفسيره
عن الصادق (عليه السلام) (2) ونقله في مجمع البيان عن الباقر (عليه السلام) (3) وهو
الذي رجحه واختاره في تفسيره أيضا بعد ذكره المعنى الأول، قال (قدس سره): " وهذا
القول الأخير أقوى لأنه سبحانه بين حكم الجنب في آخر الآية إذا عدم الماء فلو حملناه
على ذلك لكان تكرارا، وإنما أراد سبحانه أن يبين حكم الجنب في دخول المساجد في
أول الآية وبين حكمه في الصلاة عند عدم الماء في آخر الآية " انتهى. أقول: واستعمال
الصلاة هنا في مواضعها جرى على طريق الاستخدام كما ذكره بعض البارعين في علم البلاغة
من علمائنا الأعلام في كتاب ألفه في الصناعات البديعية عند ذكر الاستخدام بعد أن عرفه
بأنه عبارة عن أن يأتي المتكلم بلفظة مشتركة بين معنيين مقرونة بقرينتين يستخدم كل
قرينة منهما معنى من معاني تلك اللفظة، قال: وفي الآية الكريمة استخدام لفظ الصلاة
لمعنيين: أحدهما إقامة الصلاة بقرينة قوله عز وجل " حتى تعلموا ما تقولون " والآخر
مواضع الصلة بقرينة قوله عز وجل: " ولا جنبا إلا عابري سبيل " انتهى. وهذا هو
الحق الموافق لما ذكرناه من الأخبار، وبذلك يتبين لك ما في كلام المدارك من النظر
الظاهر لبنائه على ما في تفاسير العامة وغفلته عن أخبار أهل البيت (عليهم السلام) التي هي
المرجع في مفاد معاني القرآن وصحة استدلال فخر المحققين (طاب ثراه) بالآية، وحينئذ
فالجواب عما ذكره القائل المشار إليه إنه وإن كان معنى الآية ما ذكره إلا أنه مخصوصة بالأخبار
المتقدمة، وإليه يشير آخر كلام السيد في المدارك بقوله " وأيضا فإن ذلك لا ينافي. الخ ".
(الثاني) - ما ذكره السيد في المدارك حيث أورد على ما ذكره الأصحاب - مما
ظاهرهم الاتفاق عليه من أن التيمم يبيح كل ما تبيحه الطهارة المائية وبعبارة أخرى أن
التيمم يجب لما تجب له الطهارتان - بأن ذلك مشكل لانتفاء الدليل عليه، قال: والأظهر

1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 7 من أبواب الجنابة
2) ص 127
3) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الجنابة
372

أن التيمم يبيح كل ما تبيحه الطهارة المائية لقوله (عليه السلام) في صحيحة جميل (1)
" إن الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " وفي صحيحة حماد (2)
" هو بمنزلة الماء " وفي صحيحة محمد بن مسلم (3) " قد فعل أحد الطهورين " فما ثبت
توقفه على مطلق الطهارة من العبادات يجب له التيمم وما ثبت توقفه على نوع خاص
منها كالغسل في صوم الجنب فالأظهر عدم وجوب التيمم له مع تعذره إذ لا ملازمة
بينهما فتأمل. انتهى.
أقول: وتوضيح كلامه أن غاية ما يستفاد من الأخبار أن التيمم مبيح لما تبيحه
الطهارة المائية بمعنى إنما ورد في الشرع أن لا يباح بدون الطهارة أو لا يفعله بدون
الطهارة أو أنه مشروط بها كالصلاة مثلا ومس كتابة القرآن واللبث في المساجد من
حيث تحريمها على المحدث وأنها لا تباح إلا بالطهارة فالتيمم مبيح لها لكونه طهارة
كما دلت عليه الأخبار التي ذكرها، وأما ما ورد في الشرع بأنه لا يباح إلا بالوضوء مثلا
أو الغسل مثلا أو مشروط بأحدهما أو نحو ذلك من العبارات فإباحة التيمم له غير ثابتة
إلا إذا دل دليل خاص من خبر أو اجماع أو نحوهما كالغسل من الجنابة للصوم مثلا
لتوقف صحة الصوم عليه على المشهور وكذا غسل الحيض والنفاس والاستحاضة بناء على
القول بوجوبها للصوم، فقيام التيمم في ذلك مقام الغسل يحتاج إلى دليل.
أقول: وإلى ذلك أيضا يشير كلام الشهيد في الألفية حيث نسب التيمم بدلا
من الغسل للصوم إلى الأولى، قال الشهيد الثاني في الشرح: ووجه عدم الوجوب أصالة
عدمه إذ لا دليل عليه ظاهرا فإن الآية في سياق الصلاة ولا نزاع في وجوب التيمم بدلا
من الغسل لها. انتهى، والظاهر هو القول المشهور لعموم الأخبار التي قدمناها في صدر
المسألة فإنها مكشوفة الدلالة واضحة المقالة في قيامه مقام الماء في كل موضع مشروط به
سواء كان بلفظ الطهارة أو بلفظ الوضوء أو الغسل. والله العالم.

1) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
373

(المسألة الثانية) - المشهور في كلام الأصحاب بل ادعي عليه الاجماع أن
من تيمم تيمما صحيحا وصلى به فإنه لا يجب عليه الإعادة لو وجد الماء بعد خروج الوقت
قال في المعتبر: كل موضع حكمنا فيه بصحة التيمم والصلة لا نوجب فضاءها مع وجود
الماء، قال الشيخ وهو مذهب جميع الفقهاء إلا طاووس. (1) وقال في المنتهى: قال علماؤنا
إذا تيمم وصلى ثم خرج الوقت لم يجب عليه الإعادة وعليه اجماع أهل العلم، ثم نقل
الخلاف عن طاووس خاصة بأنه يعيد ما صلى بالتيمم لأن التيمم بدل فإذا وجد الأصل
نقض حكم البدل.
أقول: ويدل على ما ذكروه (رضوان الله عليهم) جملة من الأخبار، ومنها -
صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي (2) " أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل إذا
أجنب ولم يجد الماء؟ قال يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة " وحسنة
زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) (3) قال قال: " إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب
ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد
الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل " وحسنة الحلبي (4) قال: " سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض ويصل
فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى " ومثلها صحيحة عبد الله بن
سنان (5) وصحيحة العيص (6) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يأتي الماء وهو جنب وقد صلى؟ قال يغتسل ولا يعيد الصلاة " وصحيحة محمد بن
مسلم (7) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد

1) حكاه في المغني ج 1 ص 243 عن عطاء وطاووس والقاسم بن محمد ومكحول
وابن سيرين والزهري وربيعة
2) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
4) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
5) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
6) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
7) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
374

وصلى ثم وجد الماء؟ قال لا يعيد أن رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد الطهورين "
وصحيحة زرارة (1) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) فإن أصاب الماء وقد صلى
بتيمم وهو في وقت؟ قال تمت صلاته ولا إعادة عليه " وموثقة علي بن أسباط عن عمه
عن الصادق (عليه السلام) (2) " في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء وهو في وقت؟
قال قد مضت صلاته وليتطهر ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد وقع الخلاف هنا في مواضع: (الأول) - أنه على تقدير
المشهور من جواز التيمم مع السعة فلو تيمم وصلى فإنه لا يعيد، وهو المشهور وعليه دلت
الأخبار المتقدمة، وعن ابن أبي عقيل وابن الجنيد القول هنا بوجوب الإعادة وربما كان
مستندهما صحيحة يعقوب بن يقطين (3) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
رجل تيمم وصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد الصلاة أم يجوز صلاته؟ قال إذا
وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه " وموثقة
منصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام) (4): " في رجل تيمم وصلى ثم أصاب
الماء؟ قال أما أنا فكنت فاعلا أني كنت أتوضأ وأعيد ".
(الثاني) ما نقل عن المرتضى (رضي الله عنه) في شرح الرسالة أن الحاضر
إذا تيمم لفقد الماء وجب عليه الإعادة إذا وجده، ولم نقف له على دليل وبذلك اعترف
أيضا جملة من الأصحاب، ولعله استند إلى الخبرين المذكورين، وهو بعيد.
(الثالث) - ما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) من أن من تعمد الجنابة
وخشي على نفسه من استعمال الماء تيمم وصلى ثم يعيد إذا وجد الماء، واحتج على ذلك
بما رواه عن جعفر بن بشير عمن رواه عن الصادق (عليه السلام) (5) قال: " سألته
عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل؟ قال يتيمم فإذا أمن
البرد اغتسل وأعاد الصلاة ".

1) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
3) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
4) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
5) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
375

(الرابع) - ما ذهب إليه الشيخ في النهاية والمبسوط من أن من منعه الزحام في الجمعة
عن الخروج فإنه يتيمم ويصلي ثم يعيد لما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) (1) " أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة
لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس؟ قال يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا
انصرف " ومثلها وموثقة سماعة، وقد قدمنا ذكر هذه المسألة (2).
(الخامس) - إذا لم يكن معه إلا ثوب واحد نجس ولم يتمكن من نزعه قال
الشيخ أنه يصلي فيه فإذا تمكن من الماء نزعه وغسله وأعاد الصلاة استنادا إلى ما رواه في
الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) (3) " أنه سئل عن رجل ليس عليه
إلا ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال يتيمم ويصلي فإذا
أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة ".
(السادس) - ما ذهب إليه ابن الجنيد من أن من فقد الماء ولم يجده إلا
بثمن غال فإنه يتيمم ويعيد، ولم نقف له على دليل.
(السابع) - ما تقدم من أن من أخل بالطلب حتى ضاق الوقت فتيمم وصلى
ثم وجد الماء في محل الطلب فالمشهور أنه يجب عليه الإعادة استنادا إلى رواية أبي بصير (4)
قال: سألته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه فتيمم وصلى ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت؟ قال عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة " وقد تقدم البحث في هذه
المسألة (5) وجمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد حملوا الأمر بالإعادة فيما عدا
الصورة الأخيرة على الاستحباب، لمعارضتها بما تقدم من الأخبار، ولأن الأمر بالأداء
والقضاء معا خارج عن مقتضى الأصول المقررة فإنه متى كان مأمورا بالتيمم والصلاة

1) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب التيمم
2) ص 268
3) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب التيمم
4) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب التيمم
5) ص 256
376

فلا ريب أن قضية الأمر الاجزاء فلا يتعقبه القضاء وإلا فلا وجه للتيمم والصلاة أداء
قال في المعتبر في الموضع الثالث: والوجه عندي أنه لا إعادة لأن التيمم عند الخوف على
النفس إما أن يكون مبيحا للصلاة أم لا يكون، فإن كان مبيحا سقط القضاء لأنه أتى
بصلاة مستكملة للشرائط، وإن لم يكن مبيحا لم يجب الأداء، فالقول بوجوب الأداء
مع وجوب القضاء مما لا يجتمعان لكن الأداء كان واجبا فالقضاء غير واجب. انتهى.
وبالجملة فإن الوجه هو العمل على الأخبار المتقدمة. بقي الكلام في محل هذه الأخبار على
الاستحباب كما هي القاعدة المطردة في كلام الأصحاب في جميع الأبواب، فإن فيه ما عرفت
مما قدمناه في غير موضع، وهو وإن أمكن في بعض لما يلوح من القرائن على ذلك إلا أنه يمكن
حمل ما عداه على التقية التي هي في اختلاف الأحكام أصل كل بلية وإلا فارجاعها إلى قائلها
لضعفها عن النهوض بمعارضة ما قابلها. والله العالم.
(المسألة الثالثة) - لوجود المتيمم الماء وتمكن من استعماله فله صور:
(الأولى) - أن يجده قبل دخوله في الصلاة، والظاهر أنه لا خلاف في انتقاض تيممه
ووجوب استعمال الماء حتى أنه لو فقده بعد التمكن من ذلك أعاد التيمم، قال في المعتبر:
وهو اجماع أهل العلم؟ قال في المدارك: " واطلاق كلامهم يقتضي أنه لا فرق في ذلك
بين أن يبقى من الوقت مقدار ما يسع الطهارة والصلاة وعدمه، وهو مؤيد لما ذكرناه فيما
سبق من أن من أخل باستعمال الماء حتى ضاق الوقت يجب عليه الطهارة المائية والقضاء
لا التيمم والأداء " انتهى. أقول: فيه أن الظاهر أنه لا ريب في أن المتبادر من كلامهم
وكذا من أخبار المسألة أن التقسيم إلى الأقسام المذكورة في هذه المسألة إنما هو في الوقت
خاصة والبحث ومحل الخلاف إنما هو في وجوب المضي في الصلاة بعد وجود الماء مطلقا
أو الرجوع ما لم يركع، وأما كون ذلك يؤدي إلى فوات الوقت أم لا وأنه هل يشترط
مضي زمان يسع الطهارة أم لا؟ فهاتان مسألتان على حدة وكل من قال بقول في تينك
المسألتين فرع عليه ما اندرج تحته من هذه المسألة أو غيرها، ولا يخفى أن من قال في
377

تلك المسألة التي أشار إليها بأنه مع ضيق الوقت عن استعمال الماء يتيمم ويصلي أداء لا يوافق
هنا على التمكن من استعمال الماء، لأن استعماله على وجه يؤدي إلى فوات الوقت
والصلاة قضاء غير جائز عنده فوجود الماء في هذه الصورة عنده في حكم العدم كما
تقدم تحقيقه.
(الثانية) - أن يجده بعد الفراغ من الصلاة، والمشهور أنه لا إعادة عليه ولكن
ينتقض تيممه، قال في المعتبر: وهو موضع وفاق أيضا. وقد تقدم في سابق هذه
المسألة ما في ذلك من الخلاف لذهاب ابن أبي عقيل وابن الجنيد إلى وجوب الإعادة.
(الثالثة) - أن يجده بعد الدخول في الصلاة، وقد اختلف في هذه الصورة كلام
الأصحاب، فقال الشيخ (قدس سره) في النهاية أنه يرجع ما لم يركع، وهو اختيار
ابن أبي عقيل وأبي جعفر بن بابويه والمرتضى في شرح الرسالة، وللشيخ قول آخر في
المبسوط والخلاف وهو أنه متى كبر للافتتاح لم يجز له الرجوع ومضى في صلاته بتيممه
وهو اختيار المفيد والمرتضى في مسائل الخلاف وقواه ابن البراج واختاره ابن إدريس
والمحقق في المعتبر والسيد في المدارك والعلامة في جملة من كتبه والظاهر أنه المشهور،
وقال سلار يرجع إلا أن يقرأ، وقال ابن الجنيد: إن وجد الماء بعد دخوله في الصلاة
قطع ما لم يركع الركعة الثانية فإن ركعها مضى في صلاته، فإن وجده بعد الركعة الأولى
وخاف من ضيق الوقت أن يخرج إن قطع رجوت أن يجزئه أن لا يقطع صلاته، فأما
قبله فلا بد من قطعها مع وجود الماء. انتهى. ونقل في الذكرى عن حمزة في الوسيلة
قولا غريبا وهو وجوب القطع بعد الشروع مطلقا إذا غلب على ظنه سعة الوقت بقدر
الطهارة والصلاة وعدم وجوب القطع إن لم يمكنه ذلك واستحباب القطع ما لم يركع، فهذه
خمسة أقوال في المسألة.
أقول: والأصل في الخلاف في هذه المسألة اختلاف الأخبار فيها فها أنا أسوق
ما وقفت عليه من الأخبار في المقام وأبين ما ظهر لي من ذلك بتوفيق الملك العلام بما
378

ينكشف عنه نقاب الإبهام ويصير ظاهرا لجملة الأفهام.
فمنها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (1) في حديث قال: " قلت
لأبي جعفر (عليه السلام) إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة؟ قال فلينصرف
وليتوضأ ما لم يركع فإن كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين "
ورواه الكليني بسندين أحدهما في الصحيح والثاني في الحسن على المشهور بإبراهيم بن
هاشم والصحيح عندي (2).
وما رواه الشيخ عن عبد الله بن عاصم (3) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام وقال هو ذا الماء؟ فقال إن
كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وإن كان قدر ركع فليمض في صلاته " ورواه ابن
إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب مثله (4) ورواه
الكليني مثله (5).
وما رواه الشيخ عن محمد بن حمران عن الصادق (عليه السلام) (6) قال:
" قلت له رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء
حين يدخل في الصلاة؟ قال يمضي في الصلاة، واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا
في آخر الوقت ".
وما رواه أيضا في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (7) قال: " قلت في رجل
لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو
يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال لا ولكنه يمضي في صلاته فيتمها ولا ينقضها لمكان أنه
دخلها وهو على طهور بتيمم. الحديث ".
وعن زرارة عن الباقر (عليه السلام) (8) قال: " سألته عن رجل صلى ركعة

1) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم
6) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم
7) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم
8) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم
379

على تيمم ثم جاء رجل ومعه قربتان من ماء؟ قال بقطع الصلاة ويتوضأ ثم يبني على واحدة "
ورواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب.
وعن الحسن الصيقل قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل تيمم
ثم قام يصلي فمر به نهر وقد صلى ركعة؟ قال فليغتسل وليستقبل الصلاة. قلت إنه قد
صلى صلاته كلها؟ قال لا يعيد ".
وفي الفقه الرضوي " فإذا كبرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح وأوتيت بالماء
فلا تقطر الصلاة ولا تنقض تيممك وامض في صلاتك ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يدل على القول الأول من هذه الأخبار صحيحة
زرارة ورواية عبد الله بن عاصم، والذي يدل على الثاني رواية محمد بن حمران وعبارة
كتاب الفقه، ولعل مستند ابن الجنيد هو رواية زرارة وهي الأخيرة إلا أن في دلالتها
على ما ذكره من التفصيل اشكالا. وبالجملة فهذه روايات المسألة التي وصلت إلينا ومنها
يعلم عدم الدليل على ما عدا القولين الأولين المشهورين.
وأجاب العلامة في المنتهى عن روايتي زرارة و عبد الله بن عاصم بالحمل على
الاستحباب أو على أن المراد بالدخول في الصلاة الشروع في مقدماتها كالأذان وبقوله:
" ما لم يركع " ما لم يتلبس بالصلاة وبقوله: " وإن كان قد ركع " دخوله فيها اطلاقا
لاسم الجزء على الكل. والأول من محامله وهو الحمل على الاستحباب قد اختاره جملة
ممن تأخر عنه، وأما الحمل الثاني فردوه بالبعد غاية البعد عن الظاهر وبذلك اعترف
في الذكرى والمدارك، وأما الحمل على استحباب فسيأتي ما فيه إن شاء الله تعالى.
وقال المحقق في المعتبر بعد الاحتجاج برواية محمد بن حمران على ما اختاره: فإن احتج
الشيخ بالروايات الدالة لا على الرجوع ما لم يركع فالجواب عنها أن أصلها عبد الله بن عاصم
فهي في التحقيق رواية واحدة وتعارضها روايتنا وهي أرجح من وجوه: (أحدها) - أن

1) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب التيمم
3) ص 5
380

محمد بن حمران أشهر في العدالة والعلم من عبد الله بن عاصم والأعدل مقدم. (الثاني) - أنها
أخف وأيسر واليسر مراد الله تعالى (الثالث) - مع العمل بروايتنا يمكن العمل بروايته أيضا
بأن ننزلها على الاستحباب ومع العمل بروايته لا يمكن العمل بروياتنا. قال السيد في المدارك
بعد نقل ذلك عنه: قلت ويؤيده أيضا مطابقته لمقتضى الأصل والعمومات الدالة على
تحريم قطع الصلاة، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم قال: " قلت
في رجل لم يصب الماء. الرواية كما قدمناه " ثم قال: فإن التعليل يقتضي وجوب المضي
في الصلاة مع الدخول فيها ولو بتكبيرة الاحرام. انتهى. أقول: ظاهر كلام السيد السند
(قدس سره) الموافقة للمحقق فيما ذكره من الوجوه المذكورة المرجحة لرواية محمد بن
حمران حيث قد زاده تأييدا بالوجوه التي ذكرها.
والجميع منظور فيه من وجوه: (الأول) - ما ادعاه في المعتبر من الأشهرية
في العلم والعدالة لمحمد بن حمران المؤذن من حيث صيغة التفضيل بعدالة عبد الله بن عاصم
ولو في الجملة مع أنا لا نعرف لذلك وجها في واحد منهما، أما محمد بن حمران فهو في
كتب الرجال مشترك بين النهدي وهو الثقة وغيره ولا قرينة هنا تعين كونه النهدي
الثقة ولم يدع هو أيضا أنه النهدي دون غيره، وهذا مما يوجب ضعف الحديث عند
أصحاب هذا الفن بغير خلاف، وأما عبد الله بن عاصم فهو غير مذكور في كتب الرجال
بالكلية. والجواب - بأنه لعل المحقق استفاد توثيقهما من محل آخر وإن لم يتعرض له
علماء الرجال حتى أنه ربما توهم بعض الحكم بوثاقة عبد الله بن عاصم من هذا الكلام -
مجازفة لا ينبغي الالتفات إليها فإن المعتمد في ذلك أنما هو على علماء هذا الفن
المتصدين لتحقيقه.
(الثاني) - أن ما رواه عبد الله بن عاصم فقد رواه زرارة في الصحيح ولا
ريب في أرجحية زرارة في العدالة والوثاقة وشهرته بذلك على محمد بن حمران لو ثبت
أنه النهدي الثقة فبطل هذا الوجه من أصله. وهذا الوجه الثاني وإن أمكن عدم وروده
381

على المحقق حيث إنه لم يورد صحيحة زرارة في هذا المقام ولعله الاطلاع عليها
حينئذ لكن يرد على السيد الذي قد أوردها في شرحه دليلا للقول المذكور ومع هذا
جمد على كلام المحقق هنا.
(الثالث) - أن الأخفية والأيسرية ليست من الأدلة الشرعية التي تصلح
لتأسيس الأحكام سيما في مقابلة النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام) وإنما هي وجوه
تصلح للتأييد أو بيان وجه الحكمة بعد ورود النص بما اقتضته وإلا لانتقض ذلك بكثير
من الأحكام المشتملة على الأحكام الشاقة كصوم الهجير والحج في الأوقات الشديدة
والجهاد ونحو ذلك، وبالجملة فالأمر فيما ذكرناه أظهر من أن يحتاج إلى مزيد بيان
فبطل هذا الوجه أيضا من أصله.
(الرابع) - أن دعواه أنه لا يكون لرواية محمد بن حمران محمل تحمل عليه لو
عملنا على رواية عبد الله بن عاصم مدفون بامكان الجمع بين الأخبار بحمل مطلقها على
مقيدها، فإن رواية محمد بن حمران مطلقة في المضي وصحيحة زرارة ورواية عبد الله بن
عاصم قد خصتا المضي بالركوع فيرجع قبله، وبهذا يحصل الجمع بين الأخبار وهو أحد
قواعدهم التي يجمعون بها بين الأخبار، على أن التحقيق عندي أن ظاهر خبر محمد بن
حمران - كما صرح به في آخره - هو أن التيمم إنما وقع في آخر الوقت وهذه الرواية إحدى
روايات القول بالتضيق كما هو أحد الأقوال في المسألة كما أوضحناه سابقا، ولا ريب أنه
على هذا القول يجب المضي في الصلاة وعدم قطعها لأن المفروض على هذا التقدير أنه لم
يبق من الوقت إلا بقدر الصلاة فلو قطعها وتوضأ أو اغتسل ثم صلى لزم وقوعها أو وقوع
جزء منها خارج الوقت، وحينئذ ففي الخبر المذكور تأييد لما قدمناه في صدر المسألة من
الكلام على كلام السيد المشار إليه فيما تقدم.
(الخامس) - أن ما ذكره السيد في وجوه تأييده من التأييد بمطابقة الأصل فإن فيه
أنه يجب الخروج عنه بالدليل متى قام على خلافه كما صرح به هو وغيره وهو هنا موجود
382

كما عرفت، والرواية الدالة عليه صحيحة باصطلاحه صريحة الدلالة لا مجال للقدح
في متنها ولا سندها.
(السادس) - أن ما ذكره من العمومات الدالة على تحريم قطع الصلاة لم نقف
عليها في خبر من الأخبار ولا نقلها ناقل، وهو من جملة من صرح بذلك في كتاب الصلاة
فقال إنه لم يقف على رواية تدل بمنطوقها على ذلك، ثم قال - بعد أن نقل عن جده (قدس
سره) تقسيم قطع الصلاة إلى الأقسام الخمسة، ما صورته: " ويمكن المناقشة في جواز القطع
في بعض هذه الصور لانتفاء الدليل عليه إلا أنه يمكن المصير إليه لما أشرنا إليه من انتفاء
دليل التحريم " انتهى وحينئذ فكيف يستند هنا إلى الأدلة الدالة على تحريم قطع الصلاة مع
تصريحه بعدمها؟ ثم العجب كل العجب أنهم يستدلون هنا بتحريم قطع الصلة وظاهرهم - كما
سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصلاة - الاجماع على تحريم قطعها ومع هذا يحملون صحيحة
زرارة ونحوها على الاستحباب وهذا من أوضح المناقضات عند ذوي الألباب.
(السابع) - قوله: " فإن التعليل يقتضي وجوب المضي في الصلاة مع الدخول
فيها ولو بتكبيرة الاحرام " فإن فيه أن صحيحة زرارة أيضا قد اشتملت على مثل هذا التعليل
وهو قوله في آخرها: " فإن التيمم أحد الطهورين " مع أنه (عليه السلام) صرح في صدرها
بأنه يرجع ما لم يركع، ومنه يعلم أن التعليل في حد ذاته وإن كان ظاهره العموم إلا أنه
إنما وقع تعليلا للنهي بعد الركوع كما في صحيحة زرارة أو بعد الركعتين كما في الصحيحة
التي ذكرها فهو مخصوص بما وقع تعليلا له وإن كان ظاهرة في حد ذاته العموم فإن رواية
زرارة الأخيرة ورواية الصيقل قد دلتا على الرجوع بعد صلاة ركعة، وبذلك يتبين
لك قوة القول الأول وأن كلماتهم هنا وتعليلاتهم لا تخلو من مجازفة وضعف.
والعجب من السيد المشار إليه - كما لا يخفى على من مارس كتابه وعرف طريقته
فيه - أنه مع زيادة مبالغته في التمسك بهذا الاصطلاح المحدث لا يعمل إلا بالخبر الصحيح
ويرد في مقابله الأخبار الموثقة بل الحسنة فضلا عن الضعيفة ويخالف الأصحاب في كثير
383

مما ظاهرهم الاتفاق عليه تمسكا بهذا الاصطلاح وأنه لا يجمع بين الأخبار إلا مع التكافؤ
في صحة السند وإلا فتراه يطرح المرجوح، فكيف خرج عن مقتضى قواعده في هذا
المقام بعد نقله لصحيحة زرارة المذكورة وجمد على كلام صاحب المعتبر الذي يفهم من
ظاهره أنه لم يقف على الصحيحة المشار إليها؟ وإلا فالظاهر أنه لو وقف عليها لم يتفوه
بشئ من هذه الوجوه الضئيلة والتعليلات العليلة. والله العالم.
تنبيهات
(الأول) - قد عرفت أنه يجب اتمام الصلاة بعد وجود الماء في أثنائها إما
لكونه قد تجاوز محل القطع أو قلنا بالاكتفاء بمجرد الدخول فيها وأن تيممه ذلك
لا ينتقض في الحال المذكورة، وإنما الكلام في انتقاضه بالنسبة إلى غير هذه الصلاة،
فالمنقول عن الشيخ في المبسوط أنه ينتقض تيممه بالنسبة إلى غيرها، وقواه العلامة في
المنتهى والتذكرة لأنه متمكن عقلا من استعمال الماء، قال: والمنع الشرعي لا يرفع
القدرة لأنها صفة حقيقية والحكم معلق عليها. وثانيهما منقول عن المحقق حيث قال في
المعتبر بعد نقله عن الشيخ أنه ينتقض تيممه بالنسبة إلى الصلاة المستأنفة: " ولو قيل لا يبطل
تيممه لكان قويا لأن وجدان الماء لا يبطل التيمم ما لم يتمكن من استعماله والاستعمال
هنا ممنوع منه شرعا ضرورة وجوب المضي في صلاته لأنا نتكلم على هذا التقدير فلا
يكون الاستعمال ممكنا فلا ينتقض التيمم ". انتهى.
وأنت خبير بأن حاصل تعليل القائل بالانتقاض هو صدق التمكن من استعمال
الماء عقلا ومنع الشرع من الابطال لا يخرجه عن التمكن فإنه صفة حقيقية لا يتغير
بالأمر الشرعي أو النهي، وعدم فساده بالنسبة إلى الصلاة التي كان فيها للإذن في اتمامها
حذرا من ابطال العمل أما غيرها فلا مانع من بطلانه بالنسبة إليه. وضعفه ظاهر فإن
الإذن في اتمامها إنما هو من حيث صحة التيمم وعدم انتقاضه وبقاء الإباحة به ولا يجوز
384

اجتماع الفساد والصحة في طهارة واحدة، والمنع الشرعي كاف في عدم النقض كالمرض
فهو بمنزلة المنع الحسي بل أقوى، ولأن التيمم لم ينتقض بوجود الماء فبعد فقده أولى
كذا أفاده شيخنا الشهيد الثاني في الروض. وهو جيد متين، ومنه يظهر أن ظاهره اختيار
القول المذكور، ومثله سبطه في المدارك، وهو المشهور بين المتأخرين وعليه العلامة في باقي
كتبه، وهو الأظهر لما سيأتي من أن الانتقاض بوجود الماء إنما يتحقق فيما إذا تمكن
من استعمال الماء بمعنى أن لا يمنع منه مانع حسي ولا شرعي، وبالجملة فإن ايجاب الشارع
اتمام الصلاة والحال أن الماء موجود دليل ظاهر على صحة التيمم وإلا لأوجب إعادتها
وبعد الفراغ منه لم يكن ثمة ماء كما هو المفروض فأي موجب هنا للنقض؟ وقد تقدم أن
موجب النقض إما الحدث أو التمكن من استعمال الماء وشئ منهما بعد الفراغ من الصلاة
غير موجود.
(الثاني) - قيل إنه يتفرع على مذهب الشيخ في المبسوط - من انتقاض التيمم
بالنسبة إلى ما عدا هذه الصلاة - أنه لا يجوز العدول عن هذه الصلاة إلى فائتة سابقة
لانتقاض التيمم بالنسبة إلى كل صلاة غير هذه. ورد بأن العدول إن كان واجبا فالمعدول
إليه بدل مما هو فيه بجعل الشارع فلا موجب للبطلان، وإن كان مستحبا كما في الحاضرة
المعدول عنها إلى الفائتة على القول بعدم الترتيب بين الفوائت والحواضر فهو أيضا انتقال
من واجب إلى واجب غايته أن الانتقال غير واجب متعين، وبالجملة أن قول الشيخ
إنما هو بالنسبة إلى الصلوات المستقبلة المحكوم عليها بالصحة من نوع تلك الصلاة التي شرع
فيها لا شخصها بعينه.
(الثالث) - اطلاق الصلاة في الأخبار المتقدمة يقتضي شمول الحكم المتقدم
للنافلة فلو وجد الماء بعد دخوله فيها جرى فيه الخلاف المتقدم فيه ولم ينتقض تيممه بوجود
الماء، وبه جزم الشهيدان في البيان والمسالك، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهما: ويحتمل
قويا انتقاض تيممه بوجود الماء لجواز قطع النافلة اختيارا فينتفي المانع من استعماله عقلا
385

وشرعا. والمسألة عندي محل توقف.
(الرابع) - لو وجد الماء في أثناء صلاة يجب قضاؤها بعد وجود الماء كالصلوات
المذكورة في المسألة الثانية عند من قال بذلك فالظاهر انتقاض التيمم وانقطاع الصلاة
وبه صرح الشهيد في الدروس، لأنه يجب عليه الإعادة عند وجود الماء عند القائل
المذكور وإن كان قد فرغ منها فمع وجود في أثنائها أولى. قيل ويحتمل المنع نظرا إلى
عموم المنع عن ابطال العمل. وهو ضعيف (أما أولا) - فلأنا لم نقف على هذا الدليل
الذي يكررونه في كلامهم من عموم النهي عن ابطال العمل كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله
تعالى في محل أليق. و (أما ثانيا) - فلأن النهي عن ابطال العمل على تقدير تسليمه
إنما يتبادر إلى العمل الصحيح وهو غير معلوم في صورة النزاع. والظاهر أن الوجهين
آتيان فيما لو قلنا باستحباب القطع قبل الركوع. فإنه يحتمل عدم الانتقاض لاستمرار
الإباحة إلى الفراغ واستظهره في المدارك، ويحتمل الانتقاض كما هو قول الشيخ لانتفاء
المانع من الاستعمال عقلا وشرعا.
(الخامس) - تفرد العلامة (قدس سره) بجواز العدول إلى النفل مع سعة الوقت
جمعا بين عدم ابطال الفريضة وبين أدائها بأكمل الطهارتين قياسا على من أراد تحصيل فضيلة
الجماعة. وفيه نظر لعدم الدليل على ما ذكره من النقل، وجواز العدول في بعض المواضع لدليل
اقتضاه لا يقتضي الجواز مطلقا بل هو قياس محض، على أن العدول إلى النفل في معنى القطع
ولو جاز العدول إلى النفل لجاز الابطال بغير واسطة هو لا يقول به، وبالجملة فإن
المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب هو تحريم الرجوع بعد فوات محله سواء قلنا إن
محله هو الدخول في الصلاة أو الركوع أو غيرهما، فما ذهب إليه (قدس سره) - مع
كونه كما عرفت بمحل من الضعف - مخالف لظاهر الأخبار وكلام الأصحاب.
(المسألة الرابعة) - لو أحدث المتيمم في أثناء الصلاة سهوا ووجد الماء فمذهب
الشيخين (قدس سره) أنه يتطهر ويبني وقيل بالابطال، وتفصيل الكلام في المسألة
386

بوجه أبسط - وإن كان البحث الكامل فيها كما هو حقه موكول إلي ذكرها في محلها إن شاء
الله تعالى - أن يقال اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الحدث سهوا في الصلاة
فالمشهور الابطال به مطلقا وأنه لا فرق بين العمد والسهو وعليه يدل اطلاق جملة من
الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى عند ذكر المسألة، وقيل بعدم الابطال وأنه يتطهر ويبني
وعليه تدل أيضا جملة من الأخبار الصحيحة الصريحة، وحملت على محامل عديدة أقر بها
التقية، وقيل إنه إن كان سبقه الحدث في الصلاة وهو متيمم تطهر وبنى وإلا وجب عليه
الإعادة، ذهب إليه الشيخان في المقنعة والنهاية والمبسوط وابن أبي عقيل إلا أنه لم يشترط
النسيان، وظاهر الصدوق في الفقيه القول بذلك أيضا حيث نقل فيه صحيحة زرارة
الآتية ومن ثم أسنده إليه في الذكرى، وإلى هذا القول مال جملة من محققي المتأخرين
ومتأخريهم: منهم - المحقق في المعتبر والسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في
الذخيرة وهو الأظهر، إلا أنه لما انتهت النوبة إلى الأمين الاسترآبادي جرد لسان
التشنيع على الشيخ المفيد في الفوائد المدنية بذهابه إلى ذلك وحمله الرواية المذكورة عليه
ونسب خلافه في هذه المسألة إلى الاستنباطات الظنية، قال - بعد التشنيع عليه بذهابه
إلى جواز التمسك بالاستصحاب - ما صورته: وذهابه إلى أن من دخل في الصلاة
بتيمم ثم سبقه الحدث فأصاب ماء يتوضأ ويبني بخلاف من دخل في الصلاة بوضوء وسبقه
الحدث فإنه يتوضأ ويستأنف الصلاة مع أنه تواترت الأخبار بأن الحدث في أثناء الصلاة
ينقضها، والباعث له على ذلك أنه كان في بعض الأحاديث لفظ " أحدث " فسبق ذهنه
إلى حمله على وقوع الحدث من المصلي وغفل عن احتمال أن يكون أمطر السماء بل هذا
الاحتمال أظهر معنى كما حققناه في بعض كتبنا، إلى أن قال هذا كله بعد التنزل عن حمله
على التقية والصواب حمله على التقية لأن أبا حنيفة ذهب إلى ذلك ولكن ما خص الحكم
بالتيمم " (1) انتهى. واقتفاه في الحمل على هذا المعنى الكاشاني في الوافي في ذيل

1) في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 220 " لا يفسد لصلاة لو
سبقة الحدث فيها من غير تعمد فيها من غير تعمد فإنه يتوضأ ويبنى في صلاته "
387

خبر زرارة الآتي: " ثم أحدث فأصاب ماء " على النبأ للمفعول أي أحدث حدث ووجد
سبب وسنح أمر من أمطار السماء ونحوه من أسباب وجدان الماء، والكناية عن مثله
بالحدث شائعة في كلامهم، وهذا المعنى أقرب مما فهمه الأكثرون من حمل الحدث على
معناه المتعارف إذ لا رابطة بين الحدث بهذا المعنى وإصابة الماء المتفرع عليه. انتهى.
أقول: أما ما ذكره المحدث الأمين فقيه (أولا) أن دعواه تواتر الأخبار بأن
الحدث في أثناء الصلاة ينقضها مجازفة ظاهرة، نعم ورد ذلك في جملة من الأخبار إلا أن بإزائها من الأخبار أيضا ما هو أصح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة مما يدل على
عدم النقض وأنه يتطهر ويبني كما سيأتيك بيانه إن شاء الله تعالى في محله، وباختلاف
الأخبار في هذا المضمار اختلفت كلمة علمائنا الأبرار فذهب إلى القول بكل منها قائل
وبذلك يظهر لك ما في كلامه من الاجمال بل الاهمال.
و (ثانيا) - أن ما فهمه الشيخ المفيد (قدس سره) من الخبر المذكور هو
الذي فهمه كل من وقف على الخبر المذكور من عصر الأئمة (عليهم السلام) إلى الآن
ممن قال به أو لم يقل أخباري أو مجتهد ما عداه وعدا المحدث المشار إليه حيث تبعه
واقتفاه، وقد وافق الشيخ المشار إليه على القول بمضمون الخبر المذكور جملة من الأصحاب
المتقدم ذكرهم ومن جملتهم - كما عرفت - أستاذه صاحب المدارك، وحينئذ فالتشنيع
الذي ذكره لا يختص بالشيخ المفيد بل بجملة العلماء الأعلام وكفى به شناعة في المقام.
و (ثالثا) - أن ما فهمه الشيخ المذكور وجملة الأصحاب (رضوان الله
عليهم) ليس من قبيل الاستنباطات الظنية كما زعمه وإنما هو المعنى المتبادر من اللفظ
عند اطلاقه، والتبادر أمارة الحقيقة كما صرحوا به، ولو كان حمل اللفظ على
معناه المتبادر منه من قبيل الاستنباطات الظنية لكان هو أيضا من جملة القائلين بتلك
الاستنباطات، اللهم إلا أن يدعى في ذلك إلهاما روحانيا، كما يعطيه بعض تلك المنامات
388

التي أوردها في ذلك الكتاب بل الخرافات التي لا تليق بمثله من العلماء الأطياب، نعم
إن ذلك أنما يتوجه إليه في استنباطه هذا المعنى الذي اختص به وذهب إليه واعتمد في المقام
عليه بل هو في الحقيقة أشبه شئ بالألغاز الذي هو بمراحل عن الحقيقة فضلا عن المجاز.
و (رابعا) - أنه من الجائز خروج هذا الخبر مخرج التقية كما صرح به في
آخر كلامه واستصوبه، ومن الظاهر أن لا يتم ذلك إلا بحمل الحدث على المعنى الذي
فهمه الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولا ريب أن الخبر الخارج مخرج التقية مما قد
رخصوا في العمل به حال التقية ومطلقا بالنسبة إلى من لا يعلم بالتقية حتى يظهر وجه التقية فيه
فلم لا حمل كلام الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) على هذا الحمل الصحيح العاري عن
الريب وكف لسان قلمه عن الطعن عليه والعيب؟ ولكنه قد أولع في هذا الكتاب
بتجريد لسان الطعن على العلماء الأعلام، ومن أراد الوقوف على ما وقع لنا معه في
مثل هذا المقام من الجواب عن جملة من متفرداته ولا سيما مطاعنه في جملة من فضلائنا
الكرام فليرجع إلى كتابنا الدرر النجفية وحواشينا على كتابه.
وأما ما ذكره المحدث الكاشاني ففيه زيادة على ما عرفت أنه قد اعترف بأن
ما حمل عليه الأصحاب الخبر هو المعنى المتعارف، ولا ريب أن الواجب هو الحمل عليه
لأنه المتبادر إلى الفهم أو المعنى بالحمل عليه صحيح لا غبار عليه والحمل على خلافه يحتاج
إلى قرينة صارفة عنه. قوله - أنه لا رابطة بين الحدث بهذا المعنى وإصابة الماء المتفرع
عليه - فيه أن القائل بذلك لا يجعل الفاء هنا للتفريع بل هي كالفاء في الحديث الآخر
في قوله: " فصلى ركعة فأحدث " فإنه لا ارتباط أيضا بين الصلاة ركعة والحدث بأي
المعنيين اعتبر، بل حاصل المعنى هو السؤال عن رجل اتفقت له هذه الأمور وهو أنه
لما صلى اتفق له سبق حدث من هو اتفق وجود ماء في تلك الحالة، والسؤالات المبنية على
الفروض في الأخبار من هذا القبيل غير عزيز.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الدليل الذي استند إليه الشيخان في هذه المسألة هو
389

ما رواه الشيخ في تتمة صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة في صدر المسألة الثالثة (1)
قال: " قال زرارة فقلت له دخلها وهو متيمم فصلى ركعة فأحدث فأصاب ماء؟ قال
يخرج ويتوضأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم " وما رواه الشيخ في
الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: " قلت له رجل
دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء؟ قال يخرج ويتوضأ ويبني
على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم ".
قال المحقق في المعتبر: " من صلى بتيمم ثم أحدث في أثناء الصلاة ووجد الماء
روى محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) " أنه يخرج ثم يتوضأ ويبني ما مضى
من صلاته التي صلى بالتيمم " وهذه الرواية متكررة في الكتب بأسانيد مختلفة وأصلها
محمد بن مسلم وفيها اشكال من حيث إن المحدث يبطل الطهارة وتبطل ببطلانها الصلاة
اضطر الشيخان بعد تسليمها إلى تنزيلها على المحدث سهوا، والذي قالاه حسن لأن
الاجماع على أن الحدث عمدا يبطل الصلاة فيخرج من اطلاق الرواية فيتعين حملها على
غير صورة العمد لأن الاجماع لا تصادمه الرواية. ولا بأس بالعمل بها على الوجه الذي
ذكره الشيخان فإنها رواية مشهورة، ويؤيدها أن الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء
الحدث فلا يبطل بزوال الاستباحة كصلاة المبطون إذا فجاءه الحدث، ولا يلزم مثل
ذلك في المصلي بطهارة مائية لأن حدثه مرتفع فالحدث المتجدد رافع لطهارته فتبطل الزوال
الطهارة " قال في المدارك بعد نقله ملخصا: هذا كلامه (قدس سره) وقوته ظاهرة.
وأنكر ابن إدريس هذا القول وأوجب الإعادة سواء كان حدثه عمدا أو سهوا
قال في المختلف: وهو الأقوى عندي، لنا - أن صحة الصلاة مشروطة بدوام الطهارة
وقد زال الشرط فيزول المشروط، ولأن الاجماع واقع على أن ناقض الطهارة مبطل للصلاة
ولأن الصلاة لو فعلت بطهارة مائية انتقضت بالحدث فكذا الترابية لأنها أحد الطهورين، ولأن

1) رواه في الوسائل في الباب 1 من قواطع الصلاة
2) رواه في الوسائل في الباب 1 من قواطع الصلاة
390

الاجماع واقع على أن الفعل الكثير مبطل للصلاة وهو حاصل هنا بالطهارة الواقعة في
أثناء الصلاة. احتج الثلاثة بما رواه زرارة ومحمد بن مسلم، ثم أورد الخبر المتقدم ثم
عقبه بخبر زرارة المتقدم أيضا ثم أردفهما برواية زرارة المتقدمة في المسألة الثالثة المتضمنة
للقربتين حيث أمر فيها بالقطع والبناء أيضا ثم قال: والجواب عن الحديث الأول
أنا نحمل الركعة على الصلاة كما تقدم اطلاقا لاسم الجزء على الكل، وقوله " يخرج
ويتوضأ ثم يبنى على ما مضى من صلاته " إشارة إلى الاجتزاء بتلك الصلوات السابقة على
وجدان الماء، وعن الثاني بذلك أيضا، ويحتمل أنه يرجع استحبابا إذا صلى ركعة واحدة
وقوله: " ويبني على ما مضي من صلاته " لا يشير به إلى تلك الركعة السابقة بل إلى الصلوات
السابقة على التيمم، وعن الثالث بالمنع من صحة السند، على أن الأحاديث لا تدل على
التفصيل الذي ذكره الشيخان من وجوب الوضوء والاتمام مع النسيان والاستئناف مع
العمد فالذي ذهبا إليه لم تدل الأحاديث عليه. انتهى.
والشهيد في الذكرى نقل عن ابن إدريس أنه رد الرواية للتسوية بين نواقض
الطهارتين وأن التروك متى كانت من النواقض لم يفرق بين العامد فيها والساهي، ثم نقل
عنه أنه قال: وإنما ورد هذا الخبر فأوله بعض أصحابنا بصلاة المتيمم، ثم اعترضه فقال
قلت: الأول محل النزاع والرواية مصرحة بالمتيمم فكيف يجعل تأويلا؟ ثم إنه في الذكرى
نقل عن المختلف رد الرواية لاشتراط صحة الصلاة بدوام الطهارة ولما قاله ابن إدريس
وقال الطهارة المتخللة فعل كثير، ثم اعترضه بأن كل ذلك مصادرة، ثم نقل عن المختلف
أنه أول الرواية بحمل الركعة على الصلاة تسمية للكل باسم الجزء، وبأن المراد مما مضى
من صلاته ما سبق من الصلوات السابقة على وجدان الماء، ثم رده فقال: قلت لفظ الرواية
" يبني على ما بقي من صلاته " وليس فيها " ما مضى " فيضعف التأويل مع أنه خلاف
منطوق الرواية صريحا. انتهى. أقول: كلام شيخنا المذكور بأن لفظ الرواية " يبني
على ما بقي من صلاته " لعله كان هو الموجود في نسخ الكتاب الذي عنده وإلا فإن
391

الموجود فيما وصل إلينا من كتب الأخبار والمنقول في كتب الفروع أيضا إنما هو " ما مضى
من صلاته " كما ذكره العلامة. وكيف كان فإنه قد علم بما ذكره شيخنا المشار إليه الجواب
عما ذكره العلامة في المختلف إلا أنه مع وجود الخبر كما ذكره العلامة (قدس سره) فتأويله
بما ذكره في غاية البعد. وأشد بعدا حمل الركعة على الصلاة كملا.
وللمحقق الشيخ حسن في المنتقى هنا كلام جيد لا بأس بنقله وإن طال به زمام
الكلام لما يترتب عليه من النفع في غير مقام، قال بعد نقل كلمات القوم التي ذكرناها
في هذه المسألة: والتحقيق عندي في هذا المقام أن الخبرين الصحيحين ليسا بصريحين في
إفادة الحكم المتنازع فيه بل هما محتملان لإرادة البناء على الصلاة التي صلاها تامة بالتيمم
وقوله (عليه السلام) في آخر الكلام " التي صلى بالتيمم " قرينة قوية على إرادة هذا
المعنى فيكون مفاد الخبرين حينئذ عدم وجوب إعادة الصلاة الواقعة بالتيمم بعد وجدان
الماء، وهو معنى صحيح وارد في أخبار كثيرة مضى بعضها وسيأتي سائرها، وإذ قد
عرفت اعترافهم بالمضايقة في المعنى الذي وقع فيه النزاع باعتبار مخالفته لما هو المعهود في
قواطع الصلاة فلا بد في المصير إليه من صراحة اللفظ فيه، وقول العلامة أن الأحاديث
لا تدل على التفصيل ليس بجيد لأنها بتقدير دلالتها على أصل الحكم لا تخلو من ظهور
في الاختصاص بحالة عدم العمد، وحمله الركعة على الصلاة تعسف زائد لا حاجة له إليه،
وقول الشهيد إن لفظ الرواية " يبني على ما بقي " عجيب فإن الرواية مذكورة في التهذيب
مرتين كما بيناه وفي الفقيه وكلها متفقة مع تعدد النسخ على لفظ " ما مضى " وحكاها كذلك أيضا
الشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر حتى أن الشهيد (قدس سره) نقلها في مسألة من وجد
الماء في أثناء الصلاة في حمله كلام الشيخ في الخلاف بهذه الصورة، وفي عبارات القدماء شهادة
بهذا أيضا لوقوفهم في التأدية مع ألفاظ النصوص غالبا. وقد اتفق لوالدي (قدس سره)
في شرح الإرشاد مناقشة العلامة بنحو ما قاله الشهيد (قدس سره) حتى انتهى إلى هذا
الموضع فذكره بصورة ما في الذكرى اعتمادا على تحقيق الشهيد وحسن ظنه به وهو أعجب
392

من صنع الشهيد (قدس سره) لكن المعلوم من طريقة والدي في هذا الشرح مشاركة
جماعة المتأخرين في تخفيف المراجعة والاتكال على حكايات السلف وقد عدل عن
ذلك فيما بعد حيث انكشف له حقيقة الحال؟ هذا مع أن الفرق بين اللفظين هنا والتفاوت
بين مفاديهما قليل عند التأمل وأن الجمع بين كلمة " يبني " وبين كلمة " ما بقي " باقيتين
على ظاهرهما غير متصور، وليس التجوز في " يبني " حرصا على نفي الاحتمال بأولى من
حمل " ما بقي " على إرادة ما سلم من الحدث المبطل وقوفا مع المعهود واقتصارا على
اثبات الأحكام الشرعية على ما يتضح إليه السبيل وينتفي فيه الاحتمال القادح في دلالة
الدليل. انتهى كلامه.
أقول: وما ذكره من الاحتمال المذكور وما ذيله به جيد وجيه كما لا يخفى على
الفطن النبيه، وبه تنطبق الروايتان المذكورتان على القواعد الشرعية من غير حاجة إلى
تخصيصهما باستثناء الصورة التي جعلوها محل النزاع بناء على ما فهموه من الروايتين
المذكورتين، هذا، واحتمال التقية فيهما أقرب قريب كما تقدمت الإشارة إليه. والله العالم.
(المسألة الخامسة) - إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب وكان من الماء ما يكفي
أحدهم خاصة، فإن كان ملكا لأحدهم اختص به ولم يجز له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله
ووجوب صرفه في طهارته، ولو كان مباحا حازه من سبق إليه من المحدث والجنب
ولو توافيا عليه دفعة اشتركا، وإن كان ملكا لهم أو لمالك يسمح به فلا ريب أن
لمالكه الخيرة في تخصيص من شاء به، إنما يبقي الكلام في الأولى من الثلاثة وكذا لو
كان منذورا أو موصى به للأحوج، فقال الشيخ في النهاية: إذا اجتمع ميت ومحدث
وجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم فليغتسل به الجنب وليتيمم المحدث ويدفن الميت
بعد أن يؤمم. وقال في الخلاف إن كان الماء لأحدهم فهو أحق به وإن لم يكن لواحد بعينه
تخيروا في التخصيص، لأنها فروض اجتمعت وليس بعضها أولى من بعض فتعين التخيير
ولأن الروايات قد اختلفت على وجه لا ترجيح فتحمل على التخيير. وقال ابن إدريس
393

إن كان ملكا اختص بالمالك وإن كان مباحا فلمن حازه، وإن تعين عليهما تغسيل الميت
ولم يتعين أداء الصلاة لخوف فوات وقتها فعليهما أن يغسلاه بالماء لا موجود، فإن خافا فوات
الصلاة فإنهما يستعملان الماء ولا يغسلان به الميت. ونقل المحقق في الشرائع قولا باختصاص
الميت به، قال في المدارك: ولم أعرف قائله، وبذلك ظهر أن في المسألة أقوالا أربعة.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الصدوق في الصحيح
عن عبد الرحمن بن أبي نجران (1) " أنه سأل أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن ثلاثة
نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة
ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء وكيف يصنعون؟ قال يغتسل الجنب
ويدفن الميت بتيمم ويتيمم الذي هو على غير وضوء، لأن الغسل من الجنابة فريضة
وغسل الميت سنة والتيمم للآخر جائز " ورواه الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن
أبي نجران عن رجل حدثه قال: سألت الرضا (عليه السلام) وذكر نحوه (2) إلا أن
الذي فيه " ويدفن الميت " من غير قوله " بتيمم ".
وما رواه في التهذيب عن الحسن التفليسي (3) قال: " سألت أبا الحسن (عليه
السلام) عن ميت وجنب اجتمعا ومعهما ما يكفي أحدهما أيهما يغتسل؟ قال إذا اجتمعت
سنة وفريضة بدئ بالفرض ".
وعن الحسين بن النضر الأرمني (4) قال: " سألت أبا الحسن الرضا (عليه
السلام) عن القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميت ومعهم جنب ومعهم ماء قليل
قدر ما يكفي أحدهما أيهما يبدأ به؟ قال يغتسل الجنب ويترك الميت لأن هذا فريضة وهذا
سنة " ورواه الصدوق في العلل والعيون بسنده عن الحسين بن النضر مثله (5).
وعن علي بن محمد عن محمد بن علي عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) (6)

1) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
3) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
4) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
5) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
6) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
394

قال: " قلت له الميت والجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلا بقدر ما يكتفي به
أحدهما أيهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال يتيمم الجنب ويغسل الميت بالماء ".
وعن أبي بصير (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم كانوا
في سفر فأصاب بعضهم جنابة وليس معهم من الماء إلا ما يكفي الجنب لغسله يتوضأون هم
هو أفضل أو يعطون الجنب فيغتسل وهم لا يتوضأون؟ قال يتوضأون هم ويتيمم الجنب ".
إذا عرفت هذا فاعلم أن جملة من الأصحاب: منهم - السيد السند في المدارك
رجحوا العمل بصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران لصحة سندها وضعف ما عارضها من
مرسلة محمد بن علي وتأيدها بروايتي التفليسي والأرمني. واستدلوا للقول بتقديم الميت
بأن الجنب يستدرك طهارته والميت لا استدراك لطهارته، وبرواية محمد بن علي المذكورة
ورد الأول بأن الاعتبار لا يعارض النص مع أنه معارض بتعبد الجنب بطهارته بخلاف
الميت فإنه قد خرج عن التكليف بالموت، وبأن للجنب غايتين استباحة الصلاة وطهارة
بدنه من الحدث وللميت الثانية لا غير. والثاني بالطعن في الرواية بضعف السند وبالارسال
والاضمار فلا تصلح لمعارضة الخبر الصحيح.
أقول: والحق أنه مع العمل بهذا الاصطلاح المحدث فلا ريب في قوة ما ذكروه،
وأما مع عدم ذلك كما هو الحق الذي عليه متقدموا الأصحاب (رضوان الله عليهم)
فالوجه أن يقال بما ذهب إليه الشيخ من التخيير مع أولوية الجنب، وهذا هو الظاهر
من كلام المحقق في المعتبر حيث إنه بعد فرض المسألة قال: فالأشهر من الروايتين
اختصاص الجنب به، ثم نقل عبارة الخلاف الدالة على التخيير ونقل رواية التفليسي
وعدها مع رواية الأرميني رواية واحدة ثم أردفها بمراسلة محمد بن علي ثم رجح رواية
التفليسي بأنه متصلة الاسناد وأن العامل بها من الأصحاب كثير والأخرى مقطوعة،
ثم قال: والذي ذكره الشيخ ليس موضع البحث فإنا لا نخالف في أن لهم الخيرة لكن

1) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم
395

البحث في من الأولى أولوية لا تبلغ اللزوم ولا تنافي التخيير. انتهى. وهو ظاهر في أن
المراد بقوله أولا: " إن الأشهر من الروايتين اختصاص الجنب به " إنما هو اختصاص
أولوية وبهذا جمع بين الخبرين المذكورين في كلامه، والظاهر أنه لم تحضره صحيحة
عبد الرحمن المذكورة يومئذ وإلا لذكرها، هذا فيما إذا كان الماء لباذل أجنبي أو مشترك
بين الجميع مع فرض أن حصة كل واحد منهم لا تفي بحاجته فإنه يستجب له بذلها للأحوج
مع عدم رجاء ما يحصل به الاكمال، وأما لو كان منذورا به للأحوج أو موصي به كذلك
فالتخيير غير متجه في المقام بل يحتاج إلى النظر في الراجح من الأخبار الواردة في المسألة
ولا ريب في حصوله في جانب القول بتقديم الجنب للصحيحة المذكورة المعتضدة بالروايتين
الأخريين سيما مع تضمنها للعلة المذكورة المصرح بها في غير موضع أيضا. وأما ما ذهب
إليه ابن إدريس من التفصيل المتقدم نقله عنه فإنه مبني على طرح روايات المسألة كما لا يخفى،
وضعفه لذلك أظهر ظاهر.
وينبغي التنبيه على فوائد: (الأولى) - لو أمكن الجمع بأن يتوضأ المحدث ثم
يجمع الماء ويغتسل به الجنب الخالي بدنه من النجاسة ثم يجمع ماؤه ويغسل به الميت وجب
بناء على القول بأن المستعمل في الحدث الأكبر يكون مطهرا. قيل: ولو جامعهم ذات دم
أو ماس ميت فاشكال والتخيير حسن واستعمال القرعة أولى، أما العطشان فهو أولى
من الجميع قطعا.
(الثانية) - قال في الذكرى بعد الإشارة إلى خبر عبد الرحمن بن أبي نجران:
" وفيه إشارة إلى عدم طهورية المستعمل وإلا لأمر بجمعه " أورد عليه بأن جمعه لا يلزم
منه أن يجتمع منه ما يكفي واحدا فإنه أعم من ذلك ولا دلالة للعام على الخاص وجائز
أن يعلم (عليه السلام) منه عدم اجتماع ما يرفع حدثا آخر. وفيه أنه يمكن أن يكون مبنى
كلام شيخنا المشار إليه على عدم الاستفصال المفيد عندهم للعموم في المقال، لأنهم قد
صرحوا في غير مقام بأن ترك الاستفصال يفيد العموم في المقال. نعم يمكن أن يقال إن
396

الرواية محمولة على ما هو الغالب من عدم إمكان هذا الجمع في مثل هذا الماء القليل الذي
لا يكفي إلا لأحدهم كما هو المفروض في أصل المسألة.
(الثالثة) - لو كان الماء مباحا وجب على كل من الحيين المبادرة إليه فإن
سبق أحدهما إلى حيازته ملكه وإن اتفقا جميعا اشتركا، ولو تغلب أحدهما على الآخر
في حيازته بعد استوائهما في السبق إليه فلا خلاف ولا ريب في أنه يأثم، وهل يملك
أم لا؟ فالمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة على الأول لأن الوصول إلى المباحات لا يفيد
الملك لافتقار تملك المباحات إلى الحيازة مع النية ولم يحصل الشرطان إلا للمتغلب
واستشكله الشهيد في الذكرى بإزالة أولوية غيره وهي في معنى الملك، قال: وهو مطرد
في كل أولوية كالتحجير. وفيه ما عرفت من عدم حصول شرطي الحيازة إلا للمتغلب
فيملك وإن أثم، هذا ما تقتضيه الجري على قواعدهم وإلا فالمسألة لعدم النص
لا تخلو من توقف.
(الرابعة) - قال المحقق في المعتبر: هل يجوز لمالك الماء أن يبذله لغيره مع وجوب
الصلاة؟ الوجه لا لأن الطهارة تعينت عليه وهو متمكن من الماء والعدول إلى التيمم
مشروط بالتعذر والتقدير عدمه، ويؤيد ذلك رواية وهب بن حفص عن أبي بصير عن
الصادق (عليه السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه، وقال: وذكر النجاشي أن وهب بن
حفص كان واقفيا لكنه ثقة. انتهى. واعترضه في الذكرى بأنه ليس في الخبر تخصيص
باختصاصهم بملكه ولعلهم مشتركون ولكن الجنب لا يكتفي بنصيبه. أقول: الظاهر أن استناد المحقق إلى الرواية لا يتوقف على اختصاصهم بالملك بل يكفيه تحقق اشتراكهم
فيه، فإن ظاهر سياق الخبر أن الماء مشترك بين القوم كملا إلا أن حصة الجنب لا تكفيه
لغسله وحصة كل منهم تكفي لوضوئه فسأل أنه هل يجوز لهم أو يجب عليهم أن يدفعوا
حصصهم من الماء إلى الجنب ليغتسل به كملا ويتيممون هم أو يتوضأ كل واحد بنصيبه
ويتيمم الجنب؟ فأجاب (عليه السلام) بما يدل على ما ذكره المحقق (قدس سره)
397

من أن مالك الماء الذي يجزئه لطهارته لا يجوز له أن يعطيه غيره بل يتوضأ به والجنب
لعدم وفاء حصته بالغسل ينتقل إلى التيمم، وهذا معنى صحيح لا غبار عليه.
(المسألة السادسة) - الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في أنه متى وجد الماء وتمكن
من استعماله انتقض تيممه فلو فقده بعد ذلك وجب عليه إعادة التيمم، وقد نقل الاجماع
على ذلك المحقق في المعتبر، والمراد من التمكن من استعماله أن لا يكون له مانع حسي
من تغلب على الماء أو كونه في بئر ولا وسيلة إليه أو كونه في يد من لا يبذله أو يتوقف
بثمن لا يمكنه ونحو ذلك، ولا شرعي من مرض وخوف عطش ونحو ذلك مما قد تقدم
ومما يدل على أصل الحكم من الأخبار قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) وقد سأله: " يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل
والنهار؟ فقال نعم ما لم يحدث أو يصب ماء. قلت فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماء
آخر وظن أنه يقدر عليه فلما أراده تعسر ذلك عليه. قال ينتقض تيممه وعليه أن
يعيد التيمم ".
وفي رواية السكوني " (2) لا بأس بأن يصلي صلاة الليل والنهار بتيمم واحد
ما لم يحدث أو يصب الماء ".
وروى الشيخ عن الحسين العامري (3) عن من " سأله عن رجل أجنب فلم يقدر
على الماء وحضر الصلاة فتيمم بالصعيد ثم مر بالماء ولم يغتسل فانتظر ماء آخر وراء
ذلك فدخل وقت الصلاة الأخرى ولم ينته إلى الماء وخاف فوت الصلاة؟ قال يتيمم
ويصلي فإن تيممه الأول انتقض حين مر بالماء ولم يغتسل ".
وروى العياشي في تفسيره عن أبي أيوب عن الصادق (عليه السلام) (4) قال: "
التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضأ من غدير ماء، أليس الله تعالى يقول:

1) المروي في الوسائل في الباب 19 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب التيمم
3) المروي في الوسائل في الباب 19 من أبواب التيمم
4) المروي في الوسائل في الباب 19 من أبواب التيمم
398

فتيمموا صعيدا طيبا. قال: قلت فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت؟ قال فقال: قد
مضت صلاته. قال قلت فيصلي بالتيمم صلاة أخرى؟ قال إذا رأى الماء وكان يقدر
عليه انتقض التيمم ".
وقال (عليه السلام) في الفقه الرضوي (1): " وإن مر بماء فلم يتوضأ وقد كان
تيمم وصلى في آخر الوقت وهو يريد ماء آخر فلم يبلغ الماء حتى حضرت الصلاة الأخرى
فعليه أن يعيد التيمم لأن ممره بالماء نقض تيممه ".
وبالجملة فإن أصل المسألة مما لا خلاف فيه ولا اشكال وإنما الاشكال في أنه بعد
وجود الماء هل يعتبر في انتقاض التيمم مضي زمان يتمكن فيه من فعل الطهارة المائية
أم لا؟ وجهان بل قولان: أحدهما نعم لامتناع التكليف بعبادة في وقت لا يسعها فإذا
تلف الماء مثلا قبل مضي زمان يتمكن فيه من فعل الطهارة تبين عدم التكليف باستعمال
الماء فيلزم بقاء التيمم لأن النقض إنما يتحقق مع تمكنه من البدل. وإليه مال في المدارك
وهو أيضا ظاهر المنتهى، وثانيهما أنه لا يعتبر لصدق التمكن من استعمال الماء
بحسب الظاهر.
أقول: الحق أن الحكم في المسألة المذكورة لا يخلو من اشكال وذلك فإنه بالنظر
إلى ظواهر الأخبار مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: " أو يصب ماء "
وقوله فيها: " فإن أصاب ماء " وفي رواية السكوني " أو يصب الماء " يترجح القول
الثاني لأنه رتب النقض على مجرد الإصابة أعم من أن يمضي زمان يتمكن فيه من الاتيان
بالطهارة أم لا، وإلى هذا القول يميل كلام الصدوق في الفقيه حيث قال: " ومتى أصاب
المتيمم الماء ورجا أن يقدر على ماء آخر أو ظن أنه يقدر عليه كلما أراد فعسر عليه ذلك
فإن نظره إلى الماء ينقض تيممه " انتهى. وهو أيضا ظاهر شيخنا البهائي في الحبل المتين.
وربما استدل عليه أيضا بأن الخطاب متوجه إلى المكلف بالطهارة المائية وتوجه

1) ص 5
399

التكليف بالطهارة المائية ينافي بقاء التيمم. وأجيب عنه بأن المراد بتوجه الخطاب بالطهارة
المائية إن كان بفعلها في نفس الأمر فممنوع، وإن كان توجه الخطاب بالاشتغال بها
فمسلم لكن الكبري ممنوعة.
وعندي في هذا الاستدلال والجواب على الاطلاق نظر، والتحقيق في ذلك أن
يقال إن كان وجدان الماء بعد التيمم في الوقت وقبل الصلاة فلا ريب أنه مكلف
باستعمال الماء والخطاب متوجه إليه بغير اشكال، وايجاب الشارع الطهارة المائية عليه في
تلك الحال لا يجامع بقاء التيمم البتة. وقول المجيب هنا على هذا التقدير - إنه إن كان
مكلفا بالطهارة في نفس الأمر. الخ يعني أن التكليف بالطهارة كاملة لا يجوز تعلقه
بالواقع ونفس الأمر لتبين خلافه كما هو المفروض - فيه أنه يكفي في تعلق التكليف
ظن بقاء الماء المدة المذكورة استصحابا للحال فيكون مجرد وجوده ناقضا وإن طرأ عليه
بعد ذلك التلف قبل مضي المدة المذكورة، وإن كان وجدان الماء في غير وقت الصلاة
كما هو ظاهر اطلاق الأخبار المتقدمة وغيرها من أخبار المسألة فلا معنى لهذا الاستدلال
من أصله، لأنه لا يتوجه إليه الخطاب بالكلية، هذا بالنظر إلى ظواهر الأخبار.
وبالنظر إلى أنه يلزم من القول بذلك التكليف بعبادة في وقت لا يسعها وهو
ممنوع عقلا وشرعا يترجح القول الأول، فإن تلف الماء قبل مضي زمان يتمكن فيه
من فعل الطهارة كاشف عن عدم التكليف باستعماله فيلزم بقاء التيمم لأن النقض لا يتحقق
إلا بالتمكن من البدل كما تقدم.
وتنظر فيه شيخنا البهائي (قدس سره) في الحبل المتين بأنه لا ملازمة بين عدم
تكليف المتيمم باستعمال الماء وبين بقاء تيممه من غير ايجاب تيمم آخر عليه. قال: بل
الظاهر أن يكون نفس وجود الماء المظنون بقاؤه ذلك المقدار استصحابا للحال ناقضا
فيجب به تيمم آخر إذا لم يبق ذلك القدار بطرو انعدام عليه أو سبق آخر إليه مثلا،
والتزام القول بأنه يجوز للمتيمم لفقد الماء بعد وجوده فعل مشروط بالطهارة كابتداء
400

الصلاة ومس خط المصحف مثلا إلى أن يمضي ذلك المقدار لا يخلو من اشكال. انتهى.
وهو جيد. والمراد بقوله (قدس سره) والتزام القول. الخ هو إلزام القائلين بالقول
الأول بأنه يلزم منه إذا كان لا ينتقض التيمم إلا بمضي هذا المقدار من الزمان أنه بعد
وجود الماء وقبل مضي المدة المذكورة يجوز له مس خط المصحف والدخول في الصلاة بتيممه
ذلك لأنه طهارة صحيحة لم تنتقض فإذا مضى ذلك المقدار حرم عليه تلك الأشياء، وهو
مشكل فإن ظواهر الأخبار تمنعه، وإنما قيد الصلاة بالابتداء احترازا عن وجدان الماء
في أثنائها كما تقدم فإنه لا اشكال في وجوب مضيه في الصلاة على التفصيل المتقدم، وهذا
الالزام ظاهر متوجه والتزام القول بصحة الدخول في الصلاة بهذا التيمم حال وجود
الماء لا يخلو من شناعة.
ونظير هذه المسألة ما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحج في من استطاع
للحج فبادر في عام الاستطاعة ومات بعد الاحرام أو قبله وقبل دخول الحرم، فإن
ظواهر الأخبار دلت على وجوب القضاء عنه وأكثر الأصحاب حملوها على من استقر
الحج في ذمته قبل هذا العام للعلة المتقدمة، ونقل عن الشيخين وجوب القضاء عنه عملا
بظاهر الأخبار، ورجحه الشيخ علي بن سليمان البحراني في حاشيته على المختصر، وهو
مؤيد للقول الثاني في هذه المسألة. والله العالم.
(المسألة السابعة) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) - بل ادعي
عليه الاجماع - أن المحتلم في أحد المسجدين المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله
عليه وآله) لا يجوز له المرور فيه والخروج منه إلا متيمما ولا بأس بأن يمر في غيرهما
من المساجد.
والأصل في هذا الحكم صحيحة أبي حمزة (1) قال: " قال أبو جعفر (عليه
السلام) إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام ومسجد الرسول وصلى الله عليه وآله)

1) المروية في الوسائل في الباب 15 من أبواب الجنابة
401

فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا متيمما ولا بأس بأن يمر في سائر
المساجد ولا يجلس في شئ منها ".
ومرفوعة أبي حمزة (1) قال: " إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد
الرسول (صلى الله عليه وآله) فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا
متيمما حتى يخرج منه ثم يغتسل، وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك، ولا بأس
أن يمرا في سائر المساجد ولا يجلسان فيها.
وفي الفقه الرضوي (2): " وإذا احتلمت في مسجد من المساجد فاخرج منه
واغتسل إلا أن تكون احتلمت في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)
فإنك إذا احتلمت في أحد هذين المسجدين فتيمم ثم أخرج ولا تمر بهما مجتازا إلا وأنت
متيمم " انتهى.
وعن ابن حمزة القول باستحباب التيمم في الصورة المذكورة، وهو ضعيف.
وبالجملة فإن أصل الحكم لا اشكال فيه ولا كلام لما عرفت من الأخبار.
وإنما يبقى الكلام في مواضع: (الأول) - أنه قد اختلف الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في وجوب الغسل في الصورة المذكورة وعدمه لو وجد الماء في أحد المسجدين
فقيل بأن الواجب هو التيمم مطلقا وقوفا على ظاهر النص، وقيل بأنه إن أمكن الغسل
وساوى زمانه زمان التيمم أو نقص عنه وحصل الأمن من تعدي النجاسة إلى المسجد
وآلاته وجب وكان مقدما على التيمم وإليه ذهب جملة من المتأخرين، واحتمل في الذكرى
تقديم الغسل مطلقا حيث قال: وإنما قيد جواز الغسل مع إمكانه بمساواة زمانه لزمان
التيمم أو قصوره عنه مع أن الدليل يقتضي تقديمه مطلقا مع إمكانه لعدم العلم بالقائل
بتقديمه مطلقا وإن كان القول به متجها. ويظهر من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الميل
إليه. والوجه في القول الأول ما عرفته من الوقوف على ظاهر النص. وأما القول الثاني

1) المروية في الوسائل في الباب 15 من أبواب الجنابة
2) ص 4
402

فالجمع بين الأخبار الدالة على وجوب استعمال الماء وعدم مشروعية التيمم وبين هذه الأخبار بحمل أخبار التيمم على ما إذا زاد زمان الغسل عن زمانه أو أوجب التلوث
بالنجاسة. وأما الثالث فهو تخصيص أخبار التيمم بعدم وجود الماء.
ويمكن ترجيح القول الثاني بما أشرنا إليه في غير موضع وصرح به غير واحد
من محققي الأصحاب من أن الأحكام المودعة في الأخبار إنما تبنى على الأفراد الشائعة
المتكررة الوقوع دون الفروض النادرة التي ربما لا توجد، وحيث كان وجود الماء في
المسجدين على الوجه المذكور بالشروط المذكورة من الفروض النادرة التي ربما لا تتفق
بالكلية وإنما هو فرض عقلي واحتمال فرضي خرجت الأخبار بالتيمم بناء على ما هو
المتعارف المعتاد، وحينئذ فلا مانع من العمل بتلك الأخبار المستفيضة في صورة وجود
الماء وامكان استعماله بالشروط المذكورة.
قال السيد (قدس سره) في المدارك بعد ذكر صحيحة أبي حمزة المذكورة:
" واطلاق الخبر يقتضي وجوب التيمم مطلقا وإن أمكن الغسل في المسجد وساوى زمانه
زمان التيمم أو نقص عنه، وبه قطر المحقق الشيخ على في حاشية الكتاب، ورجح
جماعة: منهم. جدي (قدس سره) في جملة من كتبه وجوب الغسل مع مساواة زمانه
لزمان التيمم أو نقصه عنه وعدم استلزامه تنجيس شئ من المسجد وآلاته، واستدل
عليه في الروض بأن فيه جمعا بين ما دل على الأمر بالتيمم مطلقا وهي صحيحة أبي حمزة
السابقة وبين ما دل على اشتراط عدم الماء في جواز التيمم، قال وإنما قيدنا جواز الغسل
في المسجد مع إمكانه بمساواة زمانه لزمان التيمم أو قصوره عنه مع أن الدليل يقتضي
تقديمه مطلقا مع إمكانه لعدم القائل بتقديمه مطلقا وإلا لكان القول به متوجها. وفيه
نظر فإنا لم نقف على ما يقتضي اشتراط عدم الماء في جواز التيمم لغير الصلاة، وأيضا
قد ثبت بالنصوص الصحيحة تحريم الكون للجنب في المساجد مطلقا وغاية ما علم استثناؤه
من ذلك حالة التيمم بالنص السابق فيبقى غيره مندرجا تحت العموم، والأظهر الاقتصار
403

على التيمم وقوفا مع ظاهر الخبر، وكما جاز أن يكون الأمر بالتيمم مبنيا على الغالب من
تعذر الغسل في المسجدين فيجوز أن يكون وجهه اقتضاء الغسل فيهما إزالة النجاسة فإن
مورد الخبر المحتلم وهو ملازم للنجاسة، وقد أطلق جملة من الأصحاب تحريم إزالتها في المساجد
وصرح بعضهم بعموم المنع وإن كانت الإزالة في الكثير " انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: ما ذكره من النظر منظور فيه أيضا من وجوه: (الأول) - قوله: " إنا
لم نقف على ما يقتضي اشتراط عدم الماء في جواز التيمم لغير الصلاة " فإن فيه
(أولا) - أنه مردود بالأخبار المتقدمة الدالة على عموم البدلية مثل قوله (عليه السلام) (1)
" إن الله تعالى جعل طهورا كما جعل الماء طهورا " وقوله (عليه السلام) (2):
" هو بمنزلة الماء " ونحو ذلك من الأخبار المتقدمة مما يقتضي وجوب التيمم مع فقد الماء
عند وجوب ما لا يستباح إلا به، وعليه الأصحاب من غير خلاف يعرف كما تقدم في
المسألة الأولى من مسائل هذا المطلب إلا منه ومن فخر المحققين كما تقدم بيانه.
و (ثانيا) - أنه قد صرح هو نفسه في كتاب الحج في الطواف أنه يستباح بالطهارة
الترابية كما يستباح بالطهارة المائية عملا بالأخبار المشار إليها ورد على من زعم خلاف
ذلك والحال في المسألتين واحدة، قال (قدس سره) في الموضع المشار إليه: " واعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب استباحة الطواف بالطهارة الترابية كما يستباح بالمائية
ويدل عليه عموم قوله (عليه السلام) (3) في صحيحة جميل " إن الله تعالى جعل التراب
طهورا كما جعل الماء طهورا " وفي صحيحة محمد بن مسلم (4) " هو بمنزلة الماء " وذهب
فخر المحققين إلى أن التيمم لا يبيح للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث فيما عداهما
من المساجد ومقتضاه عدم استباحة الطواف به أيضا وهو ضعيف " انتهى. ومدافعته

1) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
2) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
3) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
4) لم نقف على رواية لمحمد بن مسلم تتضمن هذا اللفظ ورد في صحيحة حماد
ابن عثمان المتقدمة ص 373
404

(قدس سره) لكلامه في هذه المسألة أظهر من أن يخفى.
(الثاني) - أن قوله: " وأيضا قد ثبت بالنصوص الصحيحة. الخ " مردود
بأنا متى حملنا الخبر على ما ذكرناه آنفا من الخروج مخرج الغالب كما اعترف به أخيرا
لا أنه حكم كلي فلنا أن نعمل بتلك الأخبار المستفيضة في حكم التيمم وأنه لا يسوغ
التيمم إلا مع العذر كفقد الماء، ونقول حينئذ هنا لا ريب في تحريم اللبث كما ذكره إلا أن الخبر لما دل على جواز اللبث بقدر التيمم لعدم الماء كما حملنا عليه الخبر فلنا أن نجوز
اللبث ذلك المقدار أو أقل منه كما هو المفروض مع وجود الماء للغسل، وبالجملة فإنا لا نسلم
العمل بالخبر المذكور إلا مع عدم وجود الماء أو لزوم أحد الأشياء المذكورة وإلا فالواجب
هو الغسل بالشرطين المذكورين، فاستثناء هذا المقدار من الزمان مما لا نزاع فيه وإنما
النزاع في أن الواجب في هذا المقدار هو التيمم مطلقا كما يدعيه أو الغسل على الوجه المذكور
(الثالث) - أن قوله: " وكما جاز أن يكون الأمر بالتيمم مبنيا على
الغالب. " - قاصدا بذلك الجواب عما قدمنا ذكره من حمل الخبر على الخروج مخرج
الغالب فلا يكون الحكم كليا - فيه (أولا) - أن تحريم إزالة النجاسة في المسجد مما لم
يقم عليه دليل كما صرح به هو وغيره، وتصريح الأصحاب به مع عدم الدليل عليه
لا ينهض حجة، وإليه يشير أيضا كلامه هنا بقوله: " وقد أطلق جملة من الأصحاب. "
و (ثانيا) - أنه مع تسليمه فإن كان من حيث التعدي إلى المسجد أو آلاته فهو لا
يلزمنا لأنا قد استثنيناه وإلا فهو مبني على تحريم إدخال النجاسة المسجد مطلقا وإن لم
تتعد، وهو (قدس سره) ممن نازع في ذلك ورد على الأصحاب في بحث النجاسات
من الكتاب فكيف يحتج هنا بما نازع فيه وأبطله ورده؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة. وبما
حققناه في المقام يظهر لك قوة القول المذكور وأنه عار عن وصمة القصور. والله العالم.
(الثاني) - ظاهر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه صرح
405

آخرون أيضا أنه لا فرق في هذا الحكم بين المحتلم وبين من أجنب في المسجد أو دخله
جنبا لاشتراك الجميع في العلة وهو تحريم مقطع شئ من المسجد جنبا مع إمكان الطهارة وعدم
تعقل الفرق بين المحتلم وغيره. ويرد عليه أن مقتضى الأخبار تحريم لبث الجنب في المسجد
خرج منه المحتلم بالنصوص المتقدمة وبقي ما عداه مندرجا تحت عموم الأخبار المذكورة،
وما ذكر من العلة ليس من قبيل العلة المنصوصة أو مفهوم الموافقة حتى يجب انسحاب
الحكم إلى ما ذكروه بناء على القول بذلك فيكون من باب القياس حينئذ، وعدم تعقل
الفرق كما ذكره لا يدل على العدم واقعا، ولو أمكن التيمم في أثناء الخروج من غير
استلزام لزيادة الكون قيل لا يبعد وجوبه لقطع بقية الطريق. وفيه تأمل.
(الثالث) - هل تلحق بالجنب الحائض في هذا الحكم؟ الظاهر نعم وفاقا لجملة
من الأصحاب لمرفوعة أبي حمزة المتقدمة، وأنكر ذلك المحقق في المعتبر لقطع الرواية
ولأنه لا سبيل لها إلى الطهارة بخلاف الجنب، ثم حكم بالاستحباب. واعترضه في الذكرى
بأنه اجتهاد في مقابلة النص وبالمعارضة بالاستحباب. وأجاب عنه في الروض بأن
المحقق طعن في الرواية بالقطع فلا حجة فيها فيرجع إلى الاجتهاد ويصح استناد الاستحباب
إلى الرواية للتسامح في دلائل السنن.
أقول: ومرجع هذا الاعتذار إلى أن الرواية وإن ضعف بالقطع عن الدلالة
على الوجوب إلا أنه تصلح دليلا للاستحباب للتسامح في أدلة السنن. وهذه القاعدة وإن
اشتهرت في كلامهم إلا أنها لا تخلو من المجازفة في أحكامه سبحانه، لما علم من أن الاستحباب
حكم شرعي كالوجوب والتحريم فيتوقف على الدليل الواضح وإلا كان من قبيل القول
على الله سبحانه بغير علم، وقد استفاضت الآيات القرآنية والأخبار المعصومية بالمنع عنه
وحينئذ فالخبر الضعيف إن كان دليلا شرعيا وجب القول بما دل عليه من وجوب
أو استحباب وإلا وجب طرحه والاعراض عنه في جميع الأبواب، وقد تقدم في بحث
الأغسال المستحبة من هذا الباب ما فيه زيادة تذكرة لأولي الباب.
406

(الرابع) - الأشهر الأظهر أنه لا يلحق بالمسجدين غيرهما من المساجد في شرعية
التيمم للخروج، لعدم النص وتوقف العبادة على التوقيف، وقرب شيخنا الشهيد في الذكرى
استحباب التيمم فيها لما فيه من القرب من الطهارة وعدم زيادة الكون فيها له على الكون
له في المسجدين، قال في المدارك: " وهو ضعيف ودليله مزيف " أقول: والظاهر أن
وجه الضعف فيه هو أن التيمم إنما شرع في المسجدين لعدم جواز المرور فيهما جنبا فأمر
بالتيمم ليكون على طهارة حال خروجه وأما سائر المساجد فإنه يجوز المرور فيها جنبا مع
تحريم اللبث فيها، وأما ما ذكره من الدليل ففيه أنه لا وجه لارتكاب أمر محرم لأجل
الاتيان بأمر مستحب لما ثبت من تحريم اللبث فارتكابه لأجل حصول القرب من الطهارة
الذي هو أمر مندوب إليه مما لا يكاد يعقل، وعدم زيادة الكون فيها على الكون له
في المسجدين غير مجد نفعا في المقام لثبوت الترحيم مطلقا خرج منه مورد النص في المسجدين
وبقي ما عداه داخلا تحت الاطلاق.
(الخامس) مقتضى الأخبار الواردة في هذه المسألة وكذا كلام الأصحاب
أنه لا ينوي بهذا التيمم البدلية عن الغسل وإنما ينوي به استباحة المرور في المسجد خاصة
وعلى هذا فلا يكون مبيحا للصلاة ونحوها، وعلل ذلك أيضا بأنه يجب عليه الخروج عقيبه
بغير فصل متحريا أقرب الطرق.
ولشيخنا الشهيد الثاني هنا في الروض تفصيل حسن قال: " والتحقيق أن يقال
إن كان الغسل ممكنا في المسجد ولم نقل بتقديمه على التيمم فلا اشكال في عدم إباحة هذا
التيمم للاجماع على عدم إباحة الصلاة بالتيمم مع إمكان الغسل، وإن لم يمكن في المسجد
فلا يخلو أما أن يكون الغسل ممكنا خارجه كما لو كان الماء موجودا ولا مانع لهذا المتيمم
من الغسل من مرض ولا غيره، وهنا أيضا يتوجه عدم إباحة الصلاة لأن وقوعها في المسجد
ممتنع لوجوب المبادرة إلى الخروج وبعد الخروج يتمكن من الغسل فيفسد التيمم، وإنما شرع
التيمم هنا مع إمكان الغسل خارجا لتحريم المرور في المسجدين من دون الغسل أو التيمم
407

فإذا تعذر الغسل داخله فالتيمم قائم مقامه في إباحة قطع مسافته، وإن كان الغسل
متعذرا خارج المسجد فالوجه كون هذا المتيمم مبيحا لعدم المانع فإن التيمم مع تعذر الطهارة يبيح
ما تبيحه إلا على قول ولد المصنف من عدم إباحة دخول المساجد مطلقا بالتيمم وسيأتي
بطلانه، ونمنع حينئذ وجوب المبادرة إلى الخروج وتحرى أقرب الطرق لأن ذلك
مشروط بامكان الغسل خارج المسجد جمعا بين قولهم هنا كذلك وقولهم في باب التيمم
أنه يبيح ما تبيحه المائية ومن جملة ما تبيحه المائية اللبث في المسجدين وغيرهما فيصح
حينئذ اللبث والصلاة " انتهى. وهو جيد.
والظاهر أن مبنى الأخبار وكذا كلام الأصحاب فيما قدمنا نقله عنهما على ما هو الغالب
من وجود الماء خارج المسجد، وحينئذ فلا يستبيح بتيممه هذا بعد الخروج من المسجد
الصلاة ولا غيرها، وأما مع تقدير هذا الفرض النادر الوقوع فالظاهر أن الحكم فيه
هو ما ذكره شيخنا المشار إليه لخروجه عن مقتضى الأخبار المذكورة واندراج ذلك في
جزئيات مسائل باب التيمم.
(المسألة الثامنة) المشهور سيما بين المتأخرين هو تحريم الطهارة وضوء أو غسلا
أو تيمما في المكان المغصوب بل نقل بعض الأفاضل الاجماع عليه حسبما؟ يظهر من اتفاقهم
على ذلك في الصلاة، وممن صرح بالحكم المذكور شيخنا الشهيد في الألفية والذكرى
والعلامة في التذكرة والنهاية والشهيد الثاني في الروض حتى عدوا الحكم في غير
الصلاة والطهارة إلى سائر العبادات الواجبة المشتملة على فعل، قال في الروض - بعد
ذكر تحريم الصلاة في المكان المغصوب مع العلم بالغصب - ما صورته: " ولا فرق في
الصلاة هنا بين الفريضة والنافلة، وكما تبطل الصلاة فيه فكذا ما أشبهها من الأفعال
التي من ضرورته المكان وإن لم يشترط فيها الاستقرار كالطهارة وأداء الزكاة
والخمس والكفارة وقراءة المنذور، أما الصوم في المكان المغصوب فقد قطع
الفاضل بجوازه لعدم كونه فعلا فلا مدخل للكون فيه. ويمكن الاشكال فيه باعتبار النية
408

فإنها فعل فيتوقف على المكان كالقراءة وإن افترقا بكون أحدهما فعل القلب والآخر
فعل اللسان " انتهى.
وجزم في المدارك وقبله المحقق في المعتبر وتبعهما جملة من أفاضل متأخري المتأخرين
بالصحة في الطهارة ونحوها مع جزمهم بالبطلان في الصلاة، قال في المدارك - في باب
التيمم في مسألة التيمم بالتراب المغصوب - ما لفظه " ولو تيمم في المكان المغصوب فالأصح
أنه لا يبطل تيممه إذا كان التراب المغصوب عليه مباحا لتوجه النهي إلى أمر خارج عن
العبادة فإن الكون ليس من أفعال التيمم وإنما هو من ضروريات الجسم " انتهى.
وقال في المعتبر بعد أن ذكر أنه لا تصح الصلاة في مكان مغصوب مع العلم
بالغصب اختيارا ثم علل ذلك بأنها صلاة منهي عنها والنهي يدل على فساد المنهي عنه،
ثم قال: (لا يقال): هذا باطل بالوضوء في المكان المغصوب وبإزالة عين النجاسة بالماء
المغصوب، وبأن النهي يدل على الفساد حيث يكون متناولا لنفس العبادة وليس في
صورة النزاع كذلك بل النهي متناول لعارض خارج عن ماهية الصلاة فلا يكون مبطلا
(لأنا نقول): الفرق بين الوضوء في المكان والصلاة فيه أن الكون بالمكان ليس جزء
من الوضوء ولا شرطا فيه وليس كذلك الصلاة فإن القايم جزء من الصلاة وهو منهي
عنه لأنه استقلال في المكان المنهي عن الاستقلال فيه وكذا السجود، وإذا بطل القيام
والسجود وهما ركنان بطلت الصلاة، وإزالة عين النجاسة ليست بعبادة إلا مع نية التقرب
وإذا جاز أن تقع غير عبادة أمكن إزالة النجاسة وإن كان المزيل عاصيا بالإزالة كما
يصح إزالة عين النجاسة من الكافر الطفل، أما الصلاة فإنها لا تقع إلا عبادة فلا تقع
صحيحة مع النهي عنها، وقوله النهي لم يتناول العبادة قلنا النهي يتناول العبادة بطريق
اللزوم لأنه يتناول القيام والسجود ويلزم من بطلانها بطلان الصلاة. وجرى على منواله
في المنتهي كما هي عادته غالبا من اقتفائه أثر المعتبر إلا فيما شذ وندر.
واعترضه الشهيدان في الذكرى وشرح الألفية بأن الأفعال المخصوصة من ضرورتها
409

المكان فالأمر بها أمر بالكون مع أنه منهي عنه.
أقول: مرجع هذا الإيراد إلى ما استدلوا به على بطلان الصلاة في المكان المغصوب
كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصلاة من أن الحكم بصحة الصلاة يوجب اجتماع
الأمر والنهي في شئ واحد وهو محال قطعا وما استلزم المحال باطل كما اعترف به في
المدارك، حيث قال: لأن الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها
كما هو المفروض فلا تكون مأمورا بها ضرورة استحالة كون الشئ الواحد مأمورا به
ومنهيا عنه. وهذا الدليل بعينه آت في الطهارة في المكان المغصوب كما ذكره الشهيدان،
فإن الكون في المكان لما كان من ضروريات الجسم وأفعاله فالأمر بتلك الأفعال أمر
بالكون مع أنه منهي عنه فيلزم من القول بصحة الطهارة اجتماع الأمر والنهي في شئ
واحد. وظاهرهما موافقة المعتبر في صحة ما استدل به وفرق به بين الطهارة والصلاة
وإنما أوردا عليه من طريق آخر وهو جريان الدليل الذي أبطلوا به الصلاة في المكان
المغصوب في الطهارة أيضا.
وقال شيخنا المجلسي (قدس سره) في البحار - بعد نقل الفرق بين الطهارة
والصلاة عن المعتبر والمنتهى - ما لفظه: " والفرق بين الطهارة والصلاة في ذلك مشكل،
إذ الكون كما أنه مأخوذ في مفهوم السكون مأخوذ في مفهوم الحركة وليس الوضوء والغسل
إلا حركات مخصوصة، وليس المكان منحصرا فيما يعتمد عليه الجسم فقط فإن الملك
والأحكام الشرعية لا تتعلق به خاصة بل يعم الفراغ الموهوم أو الموجود فكل منهما
عبارة عن الكون أو مشتمل عليه " ومحصله أن الصلاة كما أنه عبارة عن حركات
مخصوصة من قيام وقعود وركوع وسجود وانتقالات من حال إلى أخرى فكذلك
الوضوء والغسل عبارة عن حركات مخصوصة وإن كانت هذه الحركات إنما هي في المكان
الذي هو عبارة عن الفراغ الذي يشغله الانسان دون ما يعتمد عليه واطلاق المكان
والكون شامل لكل منهما، فعين ما قالاه في الصلاة - من أن القيام والسجود ونحوهما
410

منهي عنها والنهي يقتضي الفساد - يقال في حركات الوضوء والغسل من رفع اليد
ووضعها وامرارها على الجسد وقيامه ونحو ذلك أنه منهي عنها لأنها تصرف في المكان
المغصوب، وهي وإن لم تكن جزء من الطهارة إلا أنه شرط فيها ولازم لها لا تتم بدونه
والنهي عنها موجب لبطلان الطهارة البتة، فيكون الحكم في الطهارة والصلاة واحدا ولا
يظهر لهذا الفرق الذي ذكراه معنى محصل.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام القول في هذه المسألة في كتاب الصلاة عند تحقيق
القول في حكم الصلاة في المغصوب وما وقع من الخلاف في المقام وما اشتمل عليه من
النقض والابرام وبيان ما هو المختار عندي في كل من المسألتين. والله العالم.
(المسألة التاسعة) - الظاهر أنه لا خلاف في استحباب التيمم للنوم ولو مع
وجود الماء، ويدل عليه ما رواه الصدوق والشيخ عن الصادق (عليه السلام) قال (1): "
من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده فإن ذكره أنه على غير وضوء فليتيمم
من دثاره كائنا ما كان فإن فعل ذلك لم يزل في صلاة ما ذكر الله تعالى ".
والمشهور بين الأصحاب - بل ادعى عليه الشيخ الاجماع - جوازه كذلك للجنازة
واحتج عليه بموثقة سماعة (2) قال: " سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير طهر
كيف يصنع؟ قال يضرب بيديه على حائط اللبن فيتيمم به " وقيده ابن الجنيد بخوف فوت
الصلاة، وقال في المعتبر بعد نقل قول الشيخ: " وفيما ذكره الشيخ اشكال، أما الاجماع
فلا نعلمه كما علمه، وأما الرواية فضعيفة من وجهين: (أحدهما) - أن زرعة وسماعة
واقفيان. و (الثاني) - أن المسؤول في الرواية مجهول، فأذن التمسك باشتراط عدم الماء
في جواز التيمم أصل، ولأن الرواية ليست صريحة في الجواز مع وجود الماء، لكن
لو قيل إذا فاجأته الجنازة وخشي فوتها مع الطهارة تيمم لها كان حسنا لأن الطهارة لما لم

1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الوضوء
2) المروية في الوسائل في الباب 21 من أبواب صلاد الجنازة
411

تكن شرطا وكان التيمم أحد الطهورين فمع خوف الفوت لا بأس بالتيمم لأن حال
المتيمم أقرب إلى شبه المتطهرين من الخالي منه " انتهى. وهو راجع إلى مذهب ابن
الجنيد في المسألة، وأجاب عنه الشهيدان في الذكرى والروض أنه مردود بحجية الاجماع
المنقول بخبر الواحد، وضعف الرواية مجبور بعمل الأصحاب بها وهي ظاهرة في المراد.
ومن أخبار المسألة أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1)
قال: " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فإن
ذهب يتوضأ فاتته الصلاة؟ قال يتيمم ويصلي " ويمكن الاستدلال بهذه الرواية لابن
الجنيد إلا أن التقييد بخوف الفوت إنما وقع في كلام السائل.
وبالجملة فإنه لا ريب في الاستحباب في الموضعين المذكورين للأخبار المتقدمة،
وإنما الكلام في أنه هل يستحب في كل موضع يستحب فيه الوضوء أو الغسل مطلقا
أم لا؟ قد صرح جملة من الأصحاب: منهم - الشهيدان والمحقق الشيخ علي بأنه لا اشكال
في استحبابه إذا كان المبدل رافعا إنما الاشكال فيما عدا ذلك، قال في الروض بعد
حكمه بالبدلية عن الرافع: وهل يستحب بدلا عن غير الرافع كنوم الجنب وذكر الحائض؟
يحتمله لحلوله محل الرافع فغيره أولى، والعدم لعدم النص. ويستحب أيضا بدلا عن غسل
الاحرام مع تعذره، وهل يستحب بدلا عن غيره؟ وجهان أرجحهما العدم لعدم النص،
وعلى القول برفع الغسل المندوب الحدث كما ذهب إليه المرتضى لا اشكال في الاستحباب
ويكون مبيحا للصلاة. انتهى. وقال في المدارك: هل يستحب التيمم بدلا عن الغسل
المستحب مع تعذره؟ فيه وجهان أظهرهما العدم وإن قلنا إنه رافع لعدم النص، وجزم
جدي (قدس سره) بالاستحباب على هذا التقدير، وهو مشكل. انتهى.
أقول: الظاهر من كلامهم - كما أشرنا إليه - أنه لا اشكال في البدلية عن الرافع
غسلا كان أو وضوء استنادا إلى اطلاق النصوص الدالة على البدلية، فإن الظاهر - من

1) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب صلاة الجنازة
412

قوله (عليه السلام) في بعضها (1) " إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا "
وفي آخر (2) " هو بمنزلة الماء " وفي ثالث (3) " هو أحد الطهورين " ونحو ذلك - هو
أنه في كل موضع تكون الطهارة المائية رافعة مبيحة للصلاة فإن التيمم يقع بدلا عنها
فحيثما ثبتت الطهارة المائية ثبتت البدلية، إنما الاشكال فيما لو لم يكن كذلك كوضوء
الحائض للذكر ونوم الجنب والأغسال المستحبة على المشهور من عدم كونها رافعة،
وحينئذ فتوقفه في المدرك في البدلية عن الغسل المستحب على تقدير كونه رافعا لعدم
النص لا وجه له، لأنه وإن لم يرد بذلك نص على الخصوص إلا أنه داخل تحت اطلاق
الأخبار المذكورة وهو كاف في الاستدلال. وظاهر كلام شيخنا في الروض ورود
النص ببدلية التيمم عن غسل الاحرام خاصة من بين الأغسال المستحبة، ولم أقف عليه
فيما حضرني من كتب الأخبار.
وممن ناقش في هذا الحكم على اطلاقه أيضا الفاضل الخوانساري في شرحه على
الدروس حيث قال - بعد قول المصنف: ويستحب التيمم بدلا من الوضوء المستحب
الرافع - ما هذا لفظه: " في هذا الحكم على اطلاقه نظر بل استحباب التيمم إنما
يكون فيما فيه نص أو اجماع أو شهرة وليس كذلك كل ما يستحب فيه الوضوء الرافع
كما هو الظاهر، نعم ما ورد فيه الأمر الاستحبابي بالطهارة مطلقا كما ورد في دخول
المساجد لم يبعد أيضا الحكم باستحباب التيمم حال فقدان الماء لأنه طهور أيضا " انتهى.
وملخصه أنه ينبغي ملاحظة الدليل في جزئيات الأحكام فإن دل على أنه مما يستحب
فيه الطهارة فلا اشكال في استحباب التيمم بدلا عنه الظهار قوله سبحانه: " ولكن يريد

1) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
2) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب التيمم
3) ورد في صحيحة زرارة المروية في الوسائل في الباب 21 من التيمم " أن التيمم
أحد الطهورين " وفي صحيحة محمد بن مسلم المروية في الوسائل في الباب 14 و 23 من التيمم
" قد فعل أحد الطهورين "
413

ليطهركم " (1) واطلاق الأخبار المتقدمة بالتقريب المذكور ذيلها، وإن دل على أنه مما
يستحب فيه الوضوء أو الغسل فإن التيمم لا يستحب بدلا عنه إلا بدليل، لعدم الملازمة
بين خصوصية هذين الفردين وبين التيمم بخلاف الأول لاشتراكهما في كلية الطهارة
وما يترائى من حديث أبي ذر (2) وقوله (صلى الله عليه وآله): " يجزيك التراب
عشر سنين " ونحوه فهو مقصور على مورده من الطهارة للصلاة.
وهذا الكلام وإن كان بحسب الظاهر وبادي الرأي مما يترائى قوته إلا أنه
بالتأمل فيه بعين التحقيق لا يخلو من نظر لتطرق المناقشة إليه، وذلك فإن الظاهر من
أخبار هذه الأفراد التي وردت الأخبار باستحباب الوضوء أو الغسل لها إنما هو من حيث
إرادة ايقاعها على الوجه الأكمل بالطهارة الموجبة لزوال الحالة الحدثية، وهذا المعنى
لا يتفاوت فيه التعبير بلفظ الطهارة أو لفظ الوضوء إذ المرجع إلى أمر واحد كما عرفت
وهو إزالة تلك الحالة وايقاع الفعل أو الكون على تلك الحالة الكاملة، ولهذا عبر في
أخبار تلك الموارد بلفظ الطهارة في بعض ولفظ الوضوء في بعض، ففي رواية مرازم
ابن حكيم (3) المروية في المجالس بالنسبة إلى استحباب الوضوء لدخول المساجد قال:
" ومن أتاها متطهرا طهره الله من ذنوبه " وفي مرسلة الفقيه (4) " طوبى لعبد تطهر
في بيته ثم زارني في بيتي " ورواية محمد بن الفضيل (5) المروية في قرب الإسناد بالنسبة
إلى قراءة القرآن قال: " لا حتى تتوضأ للصلاة " وفي حديث الأربع مائة (6) " لا يقرأ
العبد القرآن إذا كان على غير طهر حتى يتطهر " وفي رواية محمد بن كردوس (7) بالنسبة

1) سورة المائدة. الآية 6
2) رواه في الوسائل في الباب 14 و 23 من أبواب التيمم واللفظ الوارد " يكفيك الصعيد "
3) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب الوضوء
4) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب الوضوء
5) المروية في الوسائل في الباب 13 من أبواب قراءة القرآن
6) المروية في الوسائل في الباب 13 من أبواب قراءة القرآن
7) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب الوضوء
414

إلى النوم " من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده " وفي رواية محمد بن
مسلم (1) المروية في الخصال والعلل " لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور
فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد فإن روح المؤمن تصعد إلى الله تعالى فيلقاها ويبارك
عليها. الحديث " وهو - كما ترى - صريح في استحباب التيمم بدلا عن الغسل
المستحب، إلى غير ذلك من الأخبار الواردة باستحباب الوضوء في تلك المواضع المذكورة
في كلام الأصحاب المشتملة على العبير بلفظ الطهارة أو الوضوء. وينبغي القول بذلك
أيضا فيما كان من الأغسال - بناء على كونها رافعة كما هو الأظهر - مقصودا به الرفع
كالأغسال الفعلية بالتقريب المتقدم، ونحوها الأغسال المكانية، وفي دخول الأغسال
الزمانية بناء على القول المذكور كما يقول الأصحاب احتمال. وبالجملة فإنه حيث إن هذه
الثلاثة أعني الوضوء والغسل والتيمم قد اشتركت في عنوان الطهارة وأن المقصود منها
ذلك سواء عبر عن ذلك في كل منها بهذا العنوان أو بخصوصية ذلك الفرد فحيثما تعذرا
كان قائما مقامهما وبدلا منها، وتخرج الأخبار المتقدمة ونحوها شاهدا على ذلك من خبر
أبي ذر ونحوه، فإن المعنى المتبادر من قوله (صلى الله عليه وآله) (2): " يجز بك الصعيد
عشر سنين " إنما هو في كل موضع توقف على الطهارة وجوبا أو استحبابا، ومن ذلك
يظهر قوة القول المشهور. نعم ما ذكروه من التفصيل والمناقشة جيدة بالنسبة إلى ما يجب
له الوضوء أو الغسل كما أشار إليه السيد السند في المدارك وإن كان كلامه هنا لا يخلو
من خلل وقصور كما أوضحناه في شرحنا على الكتاب المذكور. والله العالم.
المسألة العاشرة) - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وبه صرح
الشيخ في الخلاف أنه إذا تيمم الجنب بدلا من الغسل ثم أحدث أعاد التيمم بدلا من
الغسل سواء كان حدثا أصغر أو أكبر، للاجماع المدعى من الشيخ والمحقق في المعتبر
على أن التيمم لا يرفع الحدث ولهذا إنما ينوي به الاستباحة دون الرفع، وقد تقدم

1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب الوضوء
2) ص 414
415

الكلام في هذه المسألة في المقام الأول من المطلب الثالث، وحينئذ فمتى أحدث زالت
الاستباحة وعاد حكم الحدث الأول فيجب بدلا من الغسل وجد ماء للوضوء أو لم
يجد، ويدل على بقاء الجنابة وعدم ارتفاعها إلا بالغسل قول أبي جعفر (عليه السلام)
في صحيحة زرارة (1) " ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا والوضوء إن
لم تكن جنبا " استدل في المختلف لهذا القول بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما
السلام) (2) " في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به؟ قال يتيمم ولا
يتوضأ " وفيه ما أوضحناه في الفرع العاشر من الفروع المذكورة في المطلب الأول (3)
وعن المرتضى في شرح الرسالة أن الجنب إذا تيمم ثم أحدث حدثا أصغر فوجد
ما يكفيه للوضوء توضأ به فإن حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى وقد
وجد من الماء ما يكفي لها فيجب عليه استعماله ولا يجزئه تيممه. انتهى. ومقتضاه أنه
لو لم يجد الماء تيمم بدلا من الصغرى خاصة. ورد هذا القول بناء على المشهور بدعوى
الاجماع - كما أشرنا إليه آنفا - على عدم رفع التيمم الحدث، فقوله إن الحدث الأول قد
ارتفع باطل. واعتذر عنه في الذكرى بأنه يمكن أن يريد بارتفاع حدثه استباحة الصلاة
وأن الجنابة لم تبق مانعة فلا ينسب إلى مخالفة الاجماع. واعترضه في الروض بعد تضعيفه
لمذهب المرتضى بمخالفته الاجماع بأن هذه الإرادة لا تدفع الضعف لأن الاستباحة إذا
لم تستلزم الرفع فبطلانها بالحدث يوجب تعلق حكم الحدث الأول. وهو جيد فإن مقتضى
كلام المرتضى أن حكم هذا الحدث في هذا الموضع حكمه بعد الطهارة المائية في كونه
موجبا للصغرى لا أنه موجب لعود الحدث الأول كما يقولون به، وهذا لا يتم إلا على تقدير
كون التيمم قد رفع الحدث الأول وأزاله لا على أنه إنما حصلت به الاستباحة وإن كان

1) المروية في الوسائل في الباب 19 من أبواب التيمم
2) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب التيمم
3) ص 260
416

الحدث باقيا وأي وجه للوضوء في كلامه مع بقاء حدث الجنابة؟ وبالجملة فحمل الرفع في
كلامه على الاستباحة غير جيد.
والسيد السند في المدارك - بناء على ما اختاره من القول بترادف الرفع والاستباحة
وأنه لا مانع من نية الرفع بالتيمم بأن يراد الرفع إلى غاية وجود الماء كما هو القول
الآخر في المسألة المتقدمة في الموضع المشار إليه آنفا وحمل الرفع في عبارة المرتضى على هذا
المعنى - أجاب عن كلام السيد (قدس سره) فقال: وجوابه المنع من ارتفاع الحدث
السابق إلى أن يتمكن من الغسل بل القدر المتحقق ارتفاعه إلى أن يحصل أحد الأمرين
أما التمكن من الغسل أو الحدث ومع حصول أحدهما ينتهي الرفع ويظهر أثر الحدث
السابق انتهى.
أقول: لقائل أن يقول بناء على ما اختاره من كون التيمم رافعا إلى غاية لا ريب
أنه قد قام الدليل على أن وجود الماء موجب لنقض التيمم وعود الحدث السابق كما تدل
عليه صحيحة زرارة المذكورة وحينئذ فالتيمم يكون رافعا إلى غاية وجود الماء، وأما الحدث
الأصغر فلم يقم دليل على أنه بهذه المثابة وإنما القدر المتحقق هو نقضه للتيمم على حسب
نقضه للطهارة المائية ورفعها وايجاب مسببه لا عود الحدث الأول حتى كأن لم يكن ثمة
طهارة كما هو المفروض في نقض وجود الماء للتيمم، ومن ثم أوجب المرتضى هنا الوضوء
إذا وجد الماء لأن حدث الجنابة عنده قد ارتفع بالتيمم إلى وجود الماء، وبالجملة فدعوى
أن الحدث حكمه هنا حكم الماء في عود الحدث الأول بعروضه تحتاج إلى دليل وليس
فليس، وبذلك يظهر قوة ما ذهب إليه المرتضى (رضي الله عنه) إلا أنه لما كانت المسألة
عارية عن النص الواضح فالاحتياط فيها مما لا ينبغي تركه بحال، وإلى ما ذكرناه من تقوية
قول المرتضى (رضي الله عنه) يميل كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة.
وبالجملة فالظاهر أن الخلاف في هذه المسألة متفرع على الخلاف في المسألة التي قدمناها
417

في الموضع المشار إليه آنفا والقول المشهور في هذه المسألة جار على القول المشهور ثمة، فإن حكمهم
بإعادة التيمم بدلا من الغسل متى أحدث إنما هو من حيث إن التيمم إنما أفاد رفع المنع
خاصة وإباحة الدخول في العبادة وإن كان الحدث باقيا وما ذهب إليه المرتضى جار على
القول الآخر من الرفع بالتيمم وإن كان الرفع إنما هو إلى غاية وجود الماء. وكلام
السيد (قدس سره) وإن كان مطلقا إلا أنه يجب تقييده بما ذكرنا صونا له عن الخروج عن
مقتضى النص الصحيح المتقدم، وحينئذ فالتيمم عنده رافع إلى وجد الماء. وأما الحدث
الأصغر بعد التيمم فقد عرفت أن الحكم فيه عنده حكمه مع طروه على الطهارة المائية.
والمحدث الكاشاني في المفاتيح - بعد أن صرح بأن القول المشهور مبني على كون
التيمم إنما يحصل به الإباحة دون الرفع - قال: " على أنه لو قيل إن التيمم إنما يفيد
الإباحة دون الرفع فالإباحة بالتيمم الأول ثابتة فيستصحب حكمها حتى يعلم رفعها والمعلوم
قطعا مانعية الأصغر لا عود الأكبر " انتهى. وهو جيد بناء على القول بحجية
الاستصحاب كما عليه جمهور الأصحاب، وأما من لا يراه دليلا شرعيا كما حققناه في
مقدمات الكتاب فلا يتجه عنده هذا الكلام إلا أنه صالح للالزام. والله العالم.
(تم الجزء الرابع من كتاب الحدائق الناضرة، ويتلوه الجزء الخامس في الطهارة
من النجاسات وما يتبعها من ذكر النجاسات وأحكامها وأحكام الأواني والجلود. والحمد
لله أولا وآخرا).
418