الكتاب: رياض المسائل
المؤلف: السيد علي الطباطبائي
الجزء: ٩
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: رمضان ١٤١٩
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٤٧٠-٠٤٦-٥
ملاحظات:

رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد علي الطباطبائي
المتوفى سنة 1231 ه‍.
الجزء التاسع
تحقيق
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

شابك 5 - 046 - 470 - 964
رياض المسائل
في بيان
أحكام الشرع بالدلائل
(ج 9)
المؤلف: الفقيه المدقق السيد علي الطباطبائي
الموضوع: الفقه
تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
المطبوع: 1000 نسخة
التاريخ: شهر رمضان 1419 ه‍. ق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم خدمة للقارئ الكريم ننقل متن كتاب " المختصر النافع " للمحقق
الحلي (قدس سره) - وهي النسخة المطبوعة المتداولة - بقدر ما جاء في هذا
الجزء من " رياض المسائل " لآية الله السيد علي الطباطبائي (رحمه الله)، ولا
يخفى أن بين النسخة المذكورة والنسخ المتعددة من الرياض
اختلافات لم نذكر مواردها بل تركناها للقارئ العزيز.
كتاب الصلح
وهو مشروع لقطع المنازعة.
ويجوز مع الإقرار والإنكار إلا ما حرم حلالا أو حلل حراما.
ويصح مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه، ومع جهالتهما دينا
تنازعا أو عينا. وهو لازم من طرفيه، ويبطل بالتقايل.
ولو اصطلح الشريكان على أن الخسران على أحدهما والربح له
وللآخر رأس ماله صح.
ولو كان بيد اثنين درهمان فقال أحدهما: هما لي، وقال الآخر: هما
بيني وبينك فللمدعي الكل درهم ونصف، وللآخر ما بقي.
وكذا لو أودعه إنسان درهمين وآخر درهما فامتزجت لا عن تفريط
وتلف واحد فلصاحب الاثنين درهم ونصف، وللآخر ما بقي.
ولو كان لواحد ثوب بعشرين درهما وللآخر ثوب بثلاثين فاشتبها،
فإن خير أحدهما صاحبه فقد أنصفه وإلا بيعا وقسم الثمن بينهما أخماسا.
وإذا ظهر استحقاق أحد العوضين بطل الصلح.
3

كتاب الشركة
وهي اجتماع حق مالكين فصاعدا في الشئ على سبيل الشياع.
وتصح مع امتزاج المالين المتجانسين على وجه لا يمتاز أحدهما عن
الآخر.
ولا تنعقد بالأبدان والأعمال، ولو اشتركا كذلك كان لكل واحد أجرة
عمله.
ولا أصل لشركة الوجوه والمفاوضة.
وإذا تساوى المالان في القدر فالربح بينهما سواء، ولو تفاوتا فالربح
كذلك، وكذا الخسران بالنسبة.
ولو شرط أحدهما في الربح زيادة فالأشبه: أن الشرط لا يلزم.
ومع الامتزاج ليس لأحد الشركاء التصرف إلا مع الإذن من الباقين.
ويقتصر في التصرف على تناوله الإذن، ولو كان الإذن مطلقا صح.
ولو شرط الاجتماع لزم.
4

وهي جائزة من الطرفين، وكذا الإذن في التصرف. وليس لأحد
الشركاء الامتناع من القسمة عند المطالبة إلا أن يتضمن ضررا.
ولا يلزم أحد الشريكين إقامة رأس المال، ولا ضمان على أحد
الشركاء ما لم يكن بتعد أو تفريط.
ولا تصح مؤجلة، وتبطل بالموت.
وتكره مشاركة الذمي وإبضاعه وإيداعه.
5

كتاب المضاربة
وهي أن يدفع الانسان إلى غيره مالا ليعمل فيه بحصة من ربحه.
ولكل منهما الرجوع سواء كان المال ناضا أو مشتغلا.
ولا يلزم فيها اشتراط الأجل، ويقتصر على ما تعين له من التصرف.
ولو أطلق تصرف في الاستثمار كيف شاء، ويشترط كون الربح
مشتركا.
ويثبت للعامل ما شرط له من الربح ما لم يستغرقه.
وقيل: للعامل أجرة المثل.
وينفق العامل في السفر من الأصل كمال النفقة، ما لم يشترطه ولا
يشتري العامل إلا بعين المال.
ولو اشترى في الذمة وقع الشراء له، والربح له.
ولو أمر بالسفر إلى جهة فقصد غيرها ضمن، ولو ربح كان الربح
بينهما بمقتضى الشرط.
6

وكذا لو أمره بابتياع شئ فعدل إلى غيره.
وموت كل واحد منهما يبطل المضاربة.
ويشترط في مال المضاربة أن يكون عينا: دنانير أو دراهم، ولا
تصلح بالعروض.
ولو قوم عروضا وشرط للعامل حصة من ربحه كان الربح للمالك،
وللعامل الأجرة.
ولا يكفي مشاهدة رأس مال المضاربة ما لم يكن معلوم القدر، وفيه
قول بالجواز.
ولو اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل مع يمينه.
ويملك العامل نصيبه من الربح بظهوره وإن لم ينض.
ولا خسران على العامل إلا عن تعد أو تفريط.
وقوله مقبول في التلف. ولا يقبل في الرد إلا ببينة على الأشبه.
ولو اشترى العامل أباه فظهر فيه ربح عتق نصيب العامل من الربح
وسعى العبد في باقي ثمنه.
ومتى فسخ المالك المضاربة صح وكان للعامل أجرته إلى ذلك الوقت.
ولو ضمن صاحب المال العامل صار الربح له.
ولا يطأ المضارب جارية القراض ولو كان المالك أذن له، وفيه رواية
بالجواز متروكة.
ولا يصح المضاربة بالدين حتى يقبض.
ولو كان في يده مضاربة فمات، فإن عينها لواحد بعينه أو عرفت
منفردة وإلا تحاص فيها الغرماء.
7

كتاب المزارعة والمساقاة
أما المزارعة
فهي معاملة على الأرض بحصة من حاصلها، وتلزم المتعاقدين. لكن
لو تقايلا صح، ولا تبطل بالموت.
وشروطها ثلاثة:
(1) أن يكون النماء مشاعا، تساويا فيه أو تفاضلا.
(2) وأن تقدر لها مدة معلومة.
(3) وأن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها.
وله أن يزرع الأرض بنفسه وبغيره، ومع غيره إلا أن يشترط عليه
زرعها بنفسه، وأن يزرع ما شاء إلا أن يعين له.
وخراج الأرض على صاحبها إلا أن يشترط على الزارع. وكذا لو
زاد السلطان زيادة.
ولصاحب الأرض أن يخرص على الزارع، والزارع بالخيار في القبول،
8

فإن قبل كان استقراره مشروطا بسلامة الزرع.
وتثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه المزارعة.
وتكره إجارة الأرض للزراعة بالحنطة والشعير.
وأن يؤجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث فيها حدثا، أو
يؤجرها بغير الجنس الذي استأجرها به.
وأما المساقاة
فهي معاملة على الأصول بحصة من ثمرها. ويلزم المتعاقدين
كالإجارة.
وتصح قبل ظهور الثمرة وبعدها إذا بقي للعامل عمل فيه المستزاد.
ولا تبطل بموت أحدهما على الأشبه إلا أن يشترط تعيين العامل.
وتصح كل على أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه.
ويشترط فيها المدة المعلومة التي يمكن حصول الثمرة فيها غالبا.
ويلزم العامل من العمل ما فيه مستزاد الثمرة.
وعلى المالك بناء الجدران وعمل النواضح وخراج الأرض إلا أن
يشترط على العامل.
ولا بد أن تكون الفائدة مشاعة، فلو اختص بها أحدهما لم يصح،
وتملك بالظهور.
وإذا اختل أحد شروط المساقاة كانت الفائدة للمالك، وللعامل
الأجرة.
ويكره أن يشترط المالك مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة، ويجب
الوفاء به لو شرط ما لم تتلف الثمرة.
9

كتاب الوديعة والعارية
أما الوديعة
فهي استنابة في الاحتفاظ، وتفتقر إلى القبول قولا كان أو فعلا.
ويشترط فيهما الاختيار، وتحفظ كل وديعة بما جرت به العادة.
ولو عين المالك حرزا اقتصر عليه، ولو نقلها إلى أدون أو أحرز
ضمن، إلا مع الخوف.
وهي جائزة من الطرفين، وتبطل بموت كل واحد منهما.
ولو كانت دابة وجب علفها وسقيها، ويرجع به على المالك.
والوديعة أمانة لا يضمنها المستودع إلا مع التفريط أو العدوان.
ولو تصرف فيها باكتساب ضمن، وكان الربح للمالك، ولا يبرأ بردها
إلى الحرز.
وكذا لو تلفت في يده بتعد أو تفريط فرد مثلها إلى الحرز، بل لا يبرأ
إلا بالتسليم إلى المالك أو من يقوم مقامه.
10

ولا يضمنها لو قهره عليها ظالم، لكن إن أمكنه الدفع وجب.
ولو أحلفه أنها ليست عنده حلف موريا، وتجب إعادتها إلى المالك
مع المطالبة، ولو كانت غصبا منعه وتوصل في وصولها إلى المستحق.
ولو جهله عرفها كاللقطة حولا، فإن وجده وإلا تصدق بها عن
المالك إن شاء، ويضمن إن لم يرض.
ولو كانت مختلطة بمال المودع ردها عليه إن لم يتميز.
وإذا ادعى المالك التفريط فالقول قول المستودع مع يمينه.
ولو اختلفا في مال هل هو وديعة أو دين؟ فالقول قول المالك مع يمينه
أنه لم يودع إذا تعذر الرد أو تلف العين.
ولو اختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه.
وقيل: قول المستودع وهو أشبه.
ولو اختلفا في الرد فالقول قول المستودع.
ولو مات المودع وكان الوارث جماعة دفعها إليهم أو إلى من
يرتضونه، ولو دفعها إلى البعض ضمن حصص الباقين.
وأما العارية
فهي الإذن في الانتفاع بالعين تبرعا، وليست لازمة لأحد المتعاقدين.
ويشترط في المعير كمال العقل وجواز التصرف.
وللمستعير الانتفاع بما جرت به العادة، ولا يضمن التلف ولا
النقصان لو اتفق بالانتفاع، بل لا يضمن إلا مع تفريط أو عدوان أو
اشتراط، إلا أن تكون العين ذهبا أو فضة، فالضمان يلزم وإن لم يشترط.
11

ولو استعار من الغاصب مع العلم ضمن.
وكذا لو كان جاهلا لكن يرجع على المعير بما يغترم.
وكل ما يصح الانتفاع به مع بقائه تصح إعارته، ويقتصر المستعير
على ما يؤذن له.
ولو اختلفا في التفريط فالقول قول المستعير مع يمينه.
ولو اختلفا في الرد فالقول قول المعير.
ولو اختلفا في القيمة فقولان، أشبههما: قول الغارم مع يمينه.
ولو استعار ورهن من غير إذن المالك انتزع المالك العين ويرجع
المرتهن بماله على الراهن.
12

كتاب الإجارة
وهي تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم، ويلزم من الطرفين وتنفسخ
بالتقايل، ولا تبطل بالبيع ولا بالعتق.
وهل تبطل بالموت؟ قال الشيخان: نعم. وقال المرتضى (رحمه الله): لا تبطل،
وهو أشبه.
وكل ما تصح إعارته تصح إجارته.
وإجارة المشاع جائزة، والعين أمانة لا يضمنها المستأجر، ولا ما
ينقص منها، إلا مع تعد أو تفريط.
وشرائطها خمسة:
(1) أن يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرف.
(2) وأن تكون الأجرة معلومة، كيلا أو وزنا.
وقيل: تكفي المشاهدة ولو كان مما يكال أو يوزن.
وتملك الأجرة بنفس العقد معجلة مع الإطلاق أو اشتراط التعجيل،
13

ويصح تأجيلها نجوما، أو إلى أجل واحد.
ولو استأجر من يحمل له متاعا إلى موضع في وقت معين بأجرة
معينة، فإن لم يفعل نقص من أجرته شيئا معينا صح، ما لم يحط بالأجرة.
(3) وأن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر أو لمن يؤجر عنه، وللمستأجر
أن يؤجر إلا أن يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه.
(4) وأن تكون المنفعة مقدرة بنفسها كخياطة الثوب المعين، أو بالمدة
المعينة كسكنى الدار، وتملك المنفعة بالعقد.
وإذا مضت مدة يمكن استيفاء المنفعة والعين في يد المستأجر استقرت
الأجرة ولو لم ينتفع.
وإذا عين جهة الانتفاع لم يتعدها المستأجر، ويضمن مع التعدي.
ولو تلفت العين قبل القبض أو امتنع المؤجر من التسليم مدة الإجارة
بطلت الإجارة. ولو منعه الظالم بعد القبض لم تبطل، وكان الدرك على
الظالم.
ولو انهدم المسكن تخير المستأجر في الفسخ، وله إلزام المالك
بإصلاحه.
ولا يسقط مال الإجارة لو كان الهدم بفعل المستأجر.
(5) وأن تكون المنفعة مباحة، فلو آجره ليحمل خمرا أو ليعلمه الغناء
لم تنعقد.
ولا تصح إجارة الآبق.
ولا يضمن صاحب الحمام الثياب إلا أن يودع فيفرط.
14

ولو تنازعا في الاستئجار فالقول قول المنكر مع يمينه.
ولو اختلفا في رد العين فالقول قول المالك مع يمينه.
وكذا لو كان في قدر الشئ المستأجر.
ولو اختلفا في قدر الأجرة فالقول قول المستأجر مع يمينه.
وكذا لو ادعى عليه التفريط.
وتثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه الإجارة.
ولو تعدى بالدابة المسافة المشترطة ضمن، ولزمه في الزائد أجرة
المثل.
وإن اختلفا في قيمة الدابة أو أرش نقصها فالقول قول الغارم. وفي
رواية: القول قول المالك.
ويستحب أن يقاطع من يستعمله على الأجرة، ويجب إيفاؤه عند
فراغه، ولا يعمل أجير الخاص لغير المستأجر.
15

كتاب الوكالة
وهي تستدعي فصولا:
الأول: الوكالة
عبارة عن الإيجاب والقبول الدالين على الاستنابة في التصرف. ولا
حكم لوكالة المتبرع.
ومن شرطها أن تقع منجزة، فلا تصح معلقة على شرط، ولا صفة،
ويجوز تنجيزها وتأخير التصرف إلى مدة، وليست لازمة لأحدهما.
ولا ينعزل ما لم يعلم العزل وإن أشهد بالعزل على الأصح. وتصرفه
قبل العلم ماض على الموكل.
وتبطل بالموت والجنون والإغماء وتلف ما يتعلق به.
ولو باع الوكيل بثمن فأنكر الموكل الإذن بذلك القدر فالقول قول
الموكل مع يمينه.
ثم تستعاد العين إن كانت موجودة، ومثلها إن كانت مفقودة، أو
16

قيمتها إن لم يكن لها مثل. وكذا لو تعذر استعادتها.
الثاني: ما تصح فيه الوكالة
وهو كل فعل لا يتعلق غرض الشارع فيه بمباشر معين، كالبيع،
والنكاح.
وتصح الوكالة في الطلاق للغائب والحاضر على الأصح، ويقتصر
الوكيل على ما عينه الموكل.
ولو عمم الوكالة صح إلا ما يقتضيه الإقرار.
الثالث: الموكل
ويشترط كونه مكلفا جائز التصرف، ولا يوكل العبد إلا بإذن مولاه،
ولا الوكيل إلا أن يؤذن له.
وللحاكم أن يوكل عن السفهاء والبله.
ويكره لذوي المروءات أن يتولوا المنازعة بنفوسهم.
الرابع: الوكيل
ويشترط فيه كمال العقل، ويجوز أن تلي المرأة عقد النكاح لنفسها
ولغيرها. والمسلم يتوكل للمسلم على المسلم والذمي، وللذمي على الذمي.
وفي وكالته له على المسلم تردد. والذمي يتوكل على الذمي للمسلم
والذمي، ولا يتوكل على مسلم.
والوكيل أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط.
17

الخامس: في الأحكام
وهي مسائل:
الأولى: لو أمره بالبيع حالا فباع مؤجلا ولو بزيادة لم تصح ووقف
على الإجازة.
وكذا لو أمره ببيعه مؤجلا بثمن فباع بأقل حالا، ولو باع بمثله أو
أكثر صح إلا أن يتعلق بالأجل غرض، ولو أمره بالبيع في موضع فباع في
غيره بذلك الثمن صح، ولا كذا لو أمره ببيعه من إنسان فباع من غيره فإنه
يقف على الإجازة ولو باع بأزيد.
الثانية: إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول المنكر مع يمينه.
ولو اختلفا في العزل أو في الإعلام أو في التفريط فالقول قول الوكيل.
ولو اختلفا في العزل أو في الإعلام أو في التفريط فالقول قول الوكيل.
وكذا لو اختلفا في التلف.
ولو اختلفا في الرد فقولان، أحدهما: القول قول الموكل مع يمينه،
والثاني: القول قول الوكيل ما لم يكن بجعل وهو أشبه.
الثالثة: إذا زوجه مدعيا وكالته فأنكر الموكل فالقول قول المنكر مع
يمينه، وعلى الوكيل مهرها.
وروى نصف مهرها لأنه ضيع حقها، وعلى الزوج أن يطلقها سرا
إن كان وكل.
18

كتاب الوقوف والصدقات والهبات
أما الوقف
فهو تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة.
ولفظه الصريح " وقفت " وما عداه يفتقر إلى القرينة الدالة على التأبيد.
ويعتبر فيه القبض.
ولو كان مصلحة كالقناطر أو موضع عبادة كالمساجد قبضه الناظر
فيها.
ولو كان على طفل قبضه الولي كالأب والجد للأب أو الوصي.
ولو وقف عليه الأب أو الجد صح، لأنه مقبوض بيده.
والنظر إما في الشروط أو اللواحق.
والشروط أربعة أقسام:
الأول في الوقف: ويشترط فيه التنجيز، والدوام، والإقباض وإخراجه
عن نفسه. فلو كان إلى أمد كان حبسا.
ولو جعله لمن ينقرض غالبا صح، ويرجع بعد موت الموقوف عليه
19

إلى ورثة الواقف طلقا.
وقيل: ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه، والأول مروي.
ولو شرط عوده عند الحاجة فقولان، أشبههما: البطلان.
الثاني في الموقوف: ويشترط أن يكون عينا مملوكة ينتفع بها مع
بقائها انتفاعا محللا، ويصح إقباضها، مشاعة كانت أو مقسومة.
الثالث في الواقف: ويشترط فيه البلوغ وكمال العقل وجواز التصرف.
وفي وقف من بلغ عشرا تردد، المروي: جواز صدقته، والأولى: المنع.
ويجوز أن يجعل الواقف النظر لنفسه على الأشبه، وإن أطلق فالنظر
لأرباب الوقف.
الرابع في الموقوف عليه: ويشترط وجوده وتعيينه، وأن يكون ممن
يملك، وأن لا يكون الوقف عليه محرما.
فلو وقف على من سيوجد لم يصح.
ولو وقف على موجود وبعده على من يوجد صح.
والوقف على البر يصرف إلى الفقراء ووجه القرب.
ولا يصح وقف المسلم على البيع والكنائس.
ولو وقف على ذلك الكافر صح، وفيه وجه آخر.
ولا يقف المسلم على الحربي ولو كان رحما، ويقف على الذمي ولو
كان أجنبيا.
ولو وقف المسلم على الفقراء انصرف إلى فقراء المسلمين.
ولو كان كافرا انصرف إلى فقراء نحلته.
والمسلمون من صلى إلى القبلة.
20

والمؤمنون: الاثنا عشرية وهم الإمامية. وقيل: مجتنبو الكبائر خاصة.
والشيعة: الإمامية والجارودية.
والزيدية: من قال بإمامة زيد.
والفطحية: من قال بالأفطح.
والإسماعيلية: من قال بإسماعيل بن جعفر (عليه السلام).
والناووسية: من وقف على جعفر بن محمد (عليهما السلام).
والواقفية: من وقف على موسى بن جعفر (عليهما السلام).
والكيسانية: من قال بإمامة محمد بن الحنفية.
ولو وصفهم بنسبة إلى عالم كان لمن دان بمقالته كالحنفية.
ولو نسبهم إلى أب كان لمن انتسب إليه بالأبناء دون البنات على
الخلاف، كالعلوية والهاشمية، ويتساوى فيه الذكور والإناث.
وقومه أهل لغته، وعشيرته الأدنون في نسبه.
ويرجع في الجيران إلى العرف، وقيل: هو من يلي داره إلى أربعين
ذراعا. وقيل: إلى أربعين دارا. وهو مطرح.
ولو وقف على مصلحة فبطلت قيل: يصرف إلى البر.
وإذا شرط إدخال من يوجد مع الموجود صح.
ولو أطلق الوقف وأقبض لم يصح إدخال غيرهم معهم، أولادا كانوا
أو أجانب.
وهل له ذلك مع أصاغر ولده؟ فيه خلاف، والجواز مروي، أما النقل
عنهم فغير جائز.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: إذا وقف في سبيل الله انصرف إلى القرب كالحج والجهاد
21

والعمرة وبناء المساجد.
الثانية: إذا وقف على مواليه دخل الأعلون والأدنون.
الثالثة: إذا وقف على أولاده (أولاد أولاده خ ل) اشترك أولاده البنون
والبنات، الذكور والإناث بالسوية.
الرابعة: إذا وقف على الفقراء انصرف إلى فقراء البلد ومن يحضره،
وكذا كل قبيل متبدد كالعلوية والهاشمية والتميمية، ولا يجب تتبع من لم
يحضره.
الخامسة: لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه، ولا بيعه إلا أن يقع
خلف يؤدي إلى فساده، على تردد.
السادسة: إطلاق الوقف يقتضي التسوية، فإن فضل لزم.
السابعة: إذا وقف على الفقراء وكان منهم جاز أن يشركهم.
ومن اللواحق مسائل السكنى والعمرى:
وهي تفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض.
وفائدتهما التسليط على استيفاء المنفعة تبرعا مع بقاء الملك للمالك.
وتلزم لو عين المدة وإن مات المالك.
وكذا لو قال له: عمرك، لم تبطل بموت المالك، وتبطل بموت الساكن.
ولو قال: حياة المالك، لم تبطل بموت الساكن وانتقل ما كان له إلى
ورثته.
وإن أطلق ولم يعين مدة ولا عمرا تخير المالك في إخراجه مطلقا.
ولو مات المالك - والحال هذه - كان المسكن ميراثا لورثته وبطلت
السكنى.
22

ويسكن الساكن معه من جرت العادة به كالولد والزوجة والخادم،
وليس له أن يسكن معه غيره إلا بإذن المالك.
ولو باع المالك الأصل لم تبطل السكنى إن وقتت بأمد أو عمر.
ويجوز حبس الفرس والبعير في سبيل الله، والغلام والجارية في خدمة
بيوت العبادة، ويلزم ذلك ما دامت العين باقية.
وأما الصدقة
فهي التطوع بتمليك العين بغير عوض، ولا حكم لها ما لم تقبض
بإذن المالك، وتلزم بعد القبض وإن لم يعوض عنها.
ومفروضها محرم على " بني هاشم " إلا صدقة أمثالهم أو مع الضرورة،
ولا بأس بالمندوبة.
والصدقة سرا أفضل منها جهرا إلا أن يتهم.
وأما الهبة
فهي تمليك العين تبرعا مجردا عن القربة.
ولا بد فيها من الإيجاب والقبول والقبض، ويشترط إذن الواهب في
القبض، ولو وهب الأب أو الجد للولد الصغير لزم، لأنه مقبوض بيد الولي.
وهبة المشاع جائزة كالمقسوم.
ولا يرجع في الهبة لأحد الوالدين بعد القبض، وفي غيرهما من ذوي
الرحم على الخلاف.
ولو وهب أحد الزوجين الآخر ففي الرجوع تردد، أشبهه: الكراهية.
ويرجع في هبة الأجنبي ما دامت العين باقية ما لم يعوض عنها.
وفي الرجوع مع التصرف قولان، أشبههما: الجواز.
23

كتاب السبق والرماية
ومستندهما قوله (عليه السلام): لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر.
ويدخل تحت النصل السهام والحراب والسيف، وتحت الخف الإبل،
وتحت الحافر الخيل والبغال والحمير، ولا يصح في غيرها.
ويفتقر انعقادها إلى إيجاب وقبول.
وفي لزومها تردد، أشبهه: اللزوم.
ويصح أن يكون السبق عينا أو دينا.
ولو بذل السبق غير المتسابقين جاز.
وكذا لو بذل أحدهما، أو بذل من بيت المال.
ولا يشترط المحلل عندنا.
ويجوز جعل السبق للسابق منهما، وللمحلل إن سبق، وتفتقر المسابقة
إلى تقدير المسافة والخطر وتعيين ما يسابق عليه. وتساوى ما به السباق
في احتمال السبق.
24

وفي اشتراط التساوي في الموقف تردد.
ويتحقق السبق بتقدم الهادي.
وتفتقر المراماة إلى شروط تقدير الرشق وعدد الإصابة وصفتها وقدر
المسافة والغرض والسبق.
وفي اشتراط المبادرة والمحاطة تردد، ولا يشترط تعيين السهم ولا
القوس.
ويجوز المناضلة على الإصابة وعلى التباعد، ولو فضل أحدهما الآخر
فقال: اطرح الفضل بكذا لم تصح لأنه مناف للغرض من النضال.
25

كتاب الوصايا
وهي تستدعي فصولا:
الأول
الوصية تمليك عين أو منفعة، أو تسليط على تصرف بعد الوفاة.
ويفتقر إلى الإيجاب والقبول، وتكفي الإشارة الدالة على القصد، ولا
تكفي الكتابة، ما لم تنضم القرينة الدالة على الإرادة، ولا يجب العمل بما
يوجد بخط الميت.
وقيل: إن عمل الورثة ببعضها لزمهم العمل بجميعها، وهو ضعيف.
ولا تصح الوصية بمعصية كمساعدة الظالم.
وكذا وصية المسلم للبيعة والكنيسة.
الثاني: في الموصي
ويعتبر فيه كمال العقل والحرية.
26

وفي وصية من بلغ عشرا في البر تردد، والمروي: الجواز.
ولو جرح نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى لم تقبل. ولو أوصى ثم جرح
قبلت.
للموصي الرجوع في الوصية متى شاء.
الثالث: في الموصى له
ويشترط وجوده، فلا تصح لمعدوم، ولا لمن ظن بقاؤه وقت الوصية
فبان ميتا.
وتصح الوصية للوارث كما تصح للأجنبي، وللحمل بشرط وقوعه
حيا.
وللذمي ولو كان أجنبيا وفيه أقوال.
ولا تصح للحربي، ولا لمملوك غير الموصي ولو كان مدبرا أو أم ولد.
نعم لو أوصى لمكاتب قد تحرر بعضه مضت الوصية في قدر نصيبه من
الحرية.
وتصح لعبد الموصي ومدبره ومكاتبه وأم ولده.
ويعتبر ما يوصي به لمملوكه بعد خروجه من الثلث، فإن كان بقدر
قيمته أعتق، وكان الموصى به للورثة، وإن زاد أعطى العبد الزائد، وإن
نقص عن قيمته سعى في الباقي.
وقيل: إن كانت قيمته ضعف الوصية بطلت، وفي المستند ضعف.
ولو أعتقه عند موته وليس غيره وعليه دين، فإن كانت قيمته بقدر
27

الدين مرتين صح العتق، وإلا بطل، وفيه وجه آخر ضعيف.
ولو أوصى لأم ولده صح، وهل تعتق من الوصية أو من نصيب
الولد؟ قولان، فإن أعتقت من نصيب الولد كان لها الوصية.
وفي رواية أخرى: تعتق من الثلث ولها الوصية.
وإطلاق الوصية تقتضي التسوية ما لم ينص على التفضيل.
وفي الوصية لأخواله وأعمامه رواية بالتفضيل كالميراث، والأشبه:
التسوية.
وإذا أوصى لقرابته فهم المعروفون بنسبه.
وقيل: لمن يتقرب إليه بآخر أب في الاسلام.
ولو أوصى لأهل بيته دخل الأولاد والآباء.
والقول في العشيرة والجيران والسبيل والبر والفقراء كما مر في الوقف.
وإذا مات الموصى له قبل الموصي انتقل ما كان إلى ورثته، ما لم يرجع
الموصي على الأشهر.
ولو لم يخلف وارثا رجعت إلى ورثة الموصي.
وإذا قال: أعطوا فلانا دفع إليه يصنع به ما شاء.
ويستحب الوصية لذوي القرابة، وارثا كان أو غيره.
الرابع: في الأوصياء
ويعتبر التكليف والإسلام.
وفي اعتبار العدالة تردد، أشبهه: أنها لا تعتبر. أما لو أوصى إلى عدل
ففسق بطلت وصيته.
28

ولا يوصي إلى المملوك إلا بإذن مولاه.
ويصح إلى الصبي منضما إلى كامل لا منفردا، ويتصرف الكامل حتى
يبلغ الصبي، ثم يشتركان.
وليس له نقض ما أنفذه الكامل بعد بلوغه.
ولا تصح الوصية من المسلم إلى الكافر، وتصح من مثله.
وتصح الوصية إلى المرأة.
ولو أوصى إلى اثنين وأطلق، أو شرط الاجتماع، فليس لأحدهما
الانفراد.
ولو تشاحا لم يمض إلا ما لا بد منه كمؤونة اليتيم.
وللحاكم جبرهما على الاجتماع، فإن تعذر جاز الاستبدال.
ولو التمسا القسمة لم يجز، ولو عجز أحدهما ضم إليه.
أما لو شرط لهم الانفراد تصرف كل واحد منهما وإن انفرد، ويجوز أن
يقتسما.
وللموصي تغيير الأوصياء، وللموصى إليه رد الوصية، وتصح إن بلغ
الرد.
ولو مات الموصي قبل بلوغه لزمت الوصية.
وإذا ظهر من الوصي خيانة استبدل به.
والوصي أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط.
ويجوز أن يستوفى دينه مما في يده.
وأن يقوم مال اليتيم على نفسه، وأن يقترضه إذا كان مليئا.
وتختص ولاية الوصي بما عين له الموصى، عموما كان أو خصوصا
29

ويأخذ الوصي أجرة المثل، وقيل: قدر الكفاية، هذا مع الحاجة.
وإذا أذن له في الوصية جاز، ولو لم يأذن فقولان: أشبههما: أنه لا
يصح.
ومن لا وصي له فالحاكم وصي تركته.
الخامس: في الموصى به
وفيه أطراف:
(الأول) في متعلق الوصية: ويعتبر فيه الملك، فلا تصح بالخمر ولا
بآلات اللهو. ويوصي بالثلث فما نقص.
ولو أوصى بزيادة عن الثلث صح في الثلث وبطل الزائد، فإن أجاز
الورثة بعد الوفاة صح. وإن أجاز بعض صح في حصته.
وإن أجازوا قبل الوفاة ففي لزومه قولان، المروي: اللزوم.
ويملك الموصى به بعد الموت.
وتصح الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر.
ولو أوصى بواجب وغيره أخرج الواجب من الأصل والباقي من
الثلث، ولو حصر الجميع في الثلث بدئ بالواجب، ولو أوصى بأشياء
تطوعا، فإن رتبه بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث، وبطل ما زاد،
وإن جمع أخرجت من الثلث ووزع النقص، وإذا أوصى بعتق مماليكه
دخل في ذلك المنفرد والمشترك.
(الثاني) في المبهمة: من أوصى بجزء من ماله كان العشر، وفي رواية:
السبع، وفي أخرى: سبع الثلث.
30

ولو أوصى بسهم كان ثمنا ولو كان بشئ كان سدسا.
ولو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها صرف في البر، وقيل:
يرجع ميراثا.
ولو أوصى بسيف وهو في جفن وعليه حلية دخل الجميع في الوصية
على رواية، يجبر ضعفها الشهرة.
وكذا لو أوصى بصندوق وفيه مال دخل المال في الوصية.
وكذا قيل: لو أوصى بسفينة وفيها طعام استنادا إلى فحوى رواية.
ولا يجوز إخراج الولد من الإرث ولو أوصى الأب، وفيه رواية
مطرحة.
(الطرف الثالث) في أحكام الوصية، وفيه مسائل:
الأولى: إذا أوصى بوصية ثم عقبها بمضادة لها عمل بالأخيرة ولو لم
يضادها عمل بالجميع، فإن قصر الثلث بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى
الثلث.
الثانية: تثبت الوصية بالمال بشهادة رجلين أو بشهادة أربع نساء،
وبشهادة الواحدة في الربع.
وفي ثبوتها بشاهد ويمين تردد، وأما الولاية فلا تثبت إلا بشهادة
رجلين.
الثالثة: لو أشهد عبدين له على أن حمل المملوكة منه ثم ورثهما غير
الحمل فأعتقهما فشهدا للحمل بالبنوة صح وحكم له، ويكره له تملكهما.
الرابعة: لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصي فيه، وتقبل للموصى في
غير ذلك.
31

الخامسة: إذا أوصى بعتق عبده أو أعتقه عند الوفاة وليس له سواه
انعتق ثلثه. ولو أعتق ثلثه عند الوفاة وله مال أعتق الباقي من ثلثه. ولو
أعتق مماليكه عند الوفاة أو أوصى بعتقهم ولا مال سواهم أعتق ثلثهم
بالقرعة، ولو رتبهم أعتق الأول فالأول حتى يستوفى الثلث، وبطل ما
زاد.
السادسة: إذا أوصى بعتق رقبة أجزأ الذكر والأنثى والصغير والكبير،
ولو قال: مؤمنة لزم. فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب، ولو ظنها
مؤمنة فأعتقها ثم بانت بخلافه أجزأت.
السابعة: إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معين، فإن لم يجد توقع، وإن وجد
بأقل أعتقها ودفع إليها الفاضل.
الثامنة: تصرفات المريض إن كانت مشروطة بالوفاة فهي من الثلث.
وإن كانت منجزة وكان فيها محاباة أو عطية محضة فقولان، أشبههما: أنها
من الثلث.
وأما الإقرار للأجنبي، فإن كان متهما على الورثة فهو من الثلث. وإلا
فهو من الأصل، وللوارث من الثلث على التقديرين.
ومنهم من سوى بين القسمين.
التاسعة: أرش الجراح ودية النفس يتعلق بهما الديون والوصايا
كسائر أموال الميت.
32

رياض المسائل
كتاب الصلح
33

* (كتاب الصلح) *
* (وهو مشروع) * في الأصل * (لقطع المنازعة) * السابقة أو المتوقعة.
وهو في الجملة مجمع عليه بين الأمة، كما عن السرائر (1) والتذكرة (2)
والآيات به - كالسنة - متظافرة.
قال سبحانه: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح
عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير " (3).
وقال عز شأنه: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا
بينهما " (4).
وفي الصحيح: الصلح جائز بين المسلمين (5). ونحوه المرسل الخاصي
المروي في الفقيه (6)، والعامي (7)، بزيادة فيهما من الاستثناء الآتي.
هذا، والنصوص من الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الواردة في
موارد مخصوصة به مستفيضة، سيأتي إلى جملة منها الإشارة.

(1) السرائر 2: 64.
(2) التذكرة 2: 176 س 42.
(3) النساء: 128.
(4) الحجرات: 9.
(5) الوسائل 13: 164، الباب 3 من أبواب أحكام الصلح الحديث 1.
(6) الفقيه 3: 32، الحديث 3267.
(7) سنن البيهقي 6: 65.
35

ومقتضاها - كإطلاق السابقة، مضافا إلى إجماع الإمامية، المحكي في
كلام جماعة بعنوان الاستفاضة - عدم اشتراطه بسبق خصومه، كما عليه
بعض العامة (1).
نعم ربما يشعر لفظة " الصلح " بتحقق منازعة، ولكن لا يتعين كونها
سابقة، بل يصح إطلاقه بالإضافة إلى رفع منازعة متوقعة محتملة وإن لم
تكن سابقة، كما تفصح عنه الآية الأولى.
فاشتراط السبق في مفهومه باعتبار اللفظة غفلة واضحة.
نعم لا تساعد الأخبار المتقدمة على الدلالة على مشروعيته، حيث لا
منازعة سابقة ولا متوقعة.
ولكن يمكن الذب عنه بعدم القائل بالفرق بين الأمة، فكل من قال
بالمشروعية لدفع منازعة متوقعة - وإن لم تكن سابقة، كما دل عليها إطلاق
الأخبار المذكورة - قال بها في الصورة المزبورة، التي لم تكن المنازعة فيها
سابقة ولا متوقعة.
هذا، مضافا إلى عموم أدلة لزوم الوفاء بالعقود الشاملة لمفروض
المسألة، فلو وقع ابتداء على عين بعوض معلوم صح، وأفاد نقل كل من
العوضين، كما في البيع.
ولا يلزم من كون أصل المشروعية لقطعها ثبوتها في كل فرد فرد من
أفراده، خصوصا مع وجود الأدلة الشاملة بعمومها أو إطلاقها لما لا خصومة
فيه، كما في نظائره، كالعدة فقد شرعت لاستبراء الرحم، مع الاتفاق نصا
وفتوى على وجوبها في مواضع يقطع ببراءته فيها.
(ويجوز مع الإقرار) من المدعى عليه بالدين (والإنكار) له بلا

(1) راجع فتح العزيز بهامش المجموع 10: 296.
36

خلاف بيننا، كما في الروضة (1) وغيرها، بل في المسالك (2) والغنية (3) وعن
التذكرة (4) عليه إجماع الإمامية، للعمومات.
ثم إن كان المدعي محقا استباح ما دفع إليه المنكر صلحا، وإلا فهو حرام
باطنا، عينا كان، أم دينا، حتى لو صالح عن العين بمال فهي بأجمعها حرام.
ولا يستثنى له منها مقدار ما دفع إليه من العوض، لفساد المعاوضة في
نفس الأمر، لأنه إنما صالح المحق المبطل دفعا لدعواه الكاذبة.
وقد يكون استدفع بالصلح ضررا عن نفسه أو ماله، ومثل هذا لا يعد
تراضيا يبيح أكل مال الغير.
ويدل على الأول: المعتبرة:
منها الصحيح: إذا كان للرجل على رجل دين فمطله حتى مات، ثم
صالح ورثته على شئ منه، فالذي أخذته الورثة لهم، وما بقي فهو للميت
يستوفيه في الآخرة، وإن هو لم يصالحهم على شئ حتى مات ولم يقبض
منه فهو كله للميت يأخذه به (5).
قيل: نعم لو استندت الدعوى إلى قرينة - كما لو وجد بخط مورثه أن له
حقا على أحد فأنكر وصالحه على إسقاطها بمال - فالمتجه صحة الصلح،
ومثله ما لو توجهت الدعوى بالتهمة، لأن اليمين حق يصح الصلح على
إسقاطه (6).
(إلا ما حرم حلالا أو حلل حراما) ولا خلاف في صورتي
الاستثناء، ويدل عليه بعده الخبران المتقدمان وغيرهما.

(1) الروضة 4: 173، وفيه: عندنا.
(2) المسالك 4: 261.
(3) الغنية: 254.
(4) التذكرة 2: 179 س 24.
(5) الوسائل 13: 166، الباب 5 من أبواب أحكام الصلح الحديث 4، وفيه اختلاف يسير.
(6) القائل الشهيد الثاني في الروضة 4: 173.
37

وفسر الأول: بالصلح على أن لا يطأ أحدهما حليلته، أو لا ينتفع بماله
ونحوه.
والثاني: بالصلح على استرقاق حر، أو استباحة بضع، ولا سبب لإباحته
غيره، أو ليشرب الخمر ونحوه.
فالصلح على مثل هذه باطل باطنا وظاهرا.
وعليه يكون الاستثناء متصلا.
وربما فسر بصلح المنكر على بعض المدعى أو منفعته أو بدله، مع كون
أحدهما عالما بفساد الدعوى. لكنه هنا صحيح ظاهرا وإن فسد باطنا،
كما مضى.
وعليه يكون الاستثناء منقطعا، وهو صالح للأمرين معا، لأنه محلل
للحرام بالنسبة إلى الكاذب، ومحلل للحلال بالنسبة إلى المحق.
* (ويصح) * الصلح * (مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه، ومع
جهالتهما) * به مطلقا * (دينا) * كان ما * (تنازعا) * فيه * (أو عينا) * إرثا كان،
أو غيره، بلا خلاف فيه في الجملة، بل عليه في المسالك (1) وعن التذكرة (2)
إجماع الإمامية. وهو الحجة، مضافا إلى العمومات، وخصوص المعتبرة في
الصورة الثانية.
منها الصحيحان: في رجلين كان لكل منهما طعام عند صاحبه ولا
يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك
ما عندك ولي ما عندي، فقال: لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت به أنفسهما.
ونحوهما الموثق (3).

(1) المسالك 4: 263 وفيه: عندنا.
(2) التذكرة 2: 178 س 30.
(3) راجع الوسائل 13: 165 و 166، الباب 5 من أبواب أحكام الصلح الحديث 1 وذيله.
38

وإطلاقها - كالعبارة وغيرها من عبائر الجماعة، ومنها عبارة التذكرة (1)،
المحكي فيها إجماع الإمامية - يشمل صورة كون المتنازع فيه مما يتعذر
معرفتهما له مطلقا، أو لا، أمكن معرفته في الحال، أم لا، لعدم مكيال أو
ميزان ونحوهما من أسباب المعرفة.
ولا خلاف في الأولى، لاتفاق الأدلة عليها فتوى ونصا، مضافا إلى أن
إبراء الذمة أمر مطلوب، والحاجة إليه ماسة، ولا طريق إليه إلا الصلح، فلا
إشكال فيها.
وكذا في الثالثة عند جماعة، كالشهيدين (2) والفاضل المقداد (3)، لتعذر
العلم به في الحال، مع اقتضاء الضرورة ومساس الحاجة لوقوعه، والضرر
بتأخيره، وانحصار الطريق في نقله فيه، مع تناول الأدلة السابقة له. ومن هذا
القبيل أيضا الصلح على نصيب من ميراث أو عين يتعذر العلم بقدره في
الحال، مع إمكان الرجوع في وقت آخر إلى عالم به، مع مسيس الحاجة إلى
نقله في الحال.
ويشكل في الثانية، من عموم الأدلة بالجواز المعتضدة بإطلاقات عبائر
كثير من الأصحاب، ومن حصول الجهل والغرر فيها، الموجبين للضرر
بالزيادة والنقيصة، مع إمكان التحرز عنهما.
ولذا قيد في المسالك (4) والفاضل في التنقيح (5) إطلاق العبارة بصورة
تعذر تحصيل العلم بالحق والمعرفة بالكلية.
وهو حسن، إما لترجيح عموم أدلة النهي عن الغرر، أو لتعارضها مع
عموم أدلة جواز الصلح، مع عدم مرجح للثانية.

(1) التذكرة 2: 178 س 30.
(2) الدروس 3: 330، والمسالك 4: 264.
(3) التنقيح 2: 201.
(4) المسالك 4: 263.
(5) التنقيح 2: 201.
39

فلا بد من المصير حينئذ إلى حكم الأصل، وهو الفساد، وعدم الصحة،
مضافا إلى إمكان ترجيح أدلة النهي عن الغرر، باعتضادها بالاعتبار،
ورجحانها عند الأصحاب على أدلة الصحة في كثير من المعاملات
المختلفة، كالبيع والإجارة ونحوهما من المعاملات المعروفة.
ولو اختص الجهل بأحدهما، فإن كان المستحق لم يصح الصلح في
نفس الأمر - كما مر - إلا أن يعلمه الآخر بالقدر، أو كان المصطلح به بقدر
الحق، مع كونه غير متعين، للخبر المعتبر، المنجبر ضعف سنده بتضمنه ابن
أبي عمير، المجمع على تصحيح رواياته، مضافا إلى مشاركة الراوي له في
الإجماع على تصحيح رواياته، كما حكي (1).
وفيه: رجل يهودي أو نصراني كانت له عندي أربعة آلاف درهم فمات
أيجوز لي أن أصالح ورثته ولا أعلمهم كم كان؟ قال: لا يجوز حتى
تخبرهم (2).
وعليه يحمل إطلاق الأدلة.
والصحيح: في الرجل يكون عليه الشئ فيصالح عليه، فقال: إذا كان
بطيبة نفس من صاحبه فلا بأس (3).
وإطلاق الخبر وإن شمل صورتي وقوع الصلح بمقدار الحق وعدمه، إلا
أنه مقيد بالصورة الثانية وكون المصالح به أقل، التفاتا إلى أنه الغالب دون
المساوي والزائد. فيرجع فيهما إلى عموم أدلة جواز الصلح.
ويقتصر في تخصيصها بالخبر على الغالب المتيقن منه، دون النادر.
ويختص فساد الصلح فيه بالباطن دون الظاهر لصحته - كما مر - لعدم

(1) عدة الأصول 1: 381.
(2) الوسائل 13: 166، الباب 5 من أبواب أحكام الصلح الحديث 2.
(3) الوسائل 13: 166، الباب 5 من أبواب أحكام الصلح الحديث 3.
40

العلم بكون من عليه الحق مبطلا خادعا في صلحه، واحتمال كونه محقا،
فيكون حاله مشتبها. فلا يكون صلحه باطلا في الظاهر وإن كان على
مجهول.
نعم لو انكشف أمره ظاهرا بعد الصلح - بحيث علم مقدار الحق وزيادته
على ما صالح عليه بالبينة، أو اعتراف من عليه الحق بذلك - اتجه بطلان
الصلح ظاهرا وباطنا. هذا إذا لم يكن من له الحق قد رضي باطنا بالصلح
بالأقل.
أما لو رضي به باطنا كان الصلح صحيحا في نفس الأمر أيضا، وفاقا
للتذكرة (1) والمسالك (2) وجماعة. فلا يجوز للمستحق حينئذ أخذ ما زاد عن
مال الصلح وإن علم الزيادة، لحصول الرضا عنه بذلك الأقل عوضا عن حقه
وإن كثر. فيكون العبرة في إباحة الباقي بالرضا في الباطن لا بالصلح.
ويمكن الاستدلال عليه بإطلاق الصحيحة المتقدمة.
ولو انعكس الفرض، بأن كان المستحق عالما بقدر الحق والغريم
جاهلا ويريد التخلص منه، فإن كان بقدر الحق أو دونه جاز إجماعا، وكذا
إذا كان زائدا عليه مع رضى الغريم به باطنا، لما مضى من أن العبرة حينئذ
في إباحة ذلك الزائد بالرضا الباطن به لا بالصلح، وأما مع عدمه فلا يصح في
الباطن، كما في المسالك (3) وغيره.
* (وهو) * عقد * (لازم من طرفيه) * مستقل بنفسه مطلقا على الأقوى، وفاقا
لأكثر أصحابنا، بل عليه كافة المتأخرين منا، بل عن التذكرة (4) والسرائر (5)

(1) التذكرة 2: 178 السطر الأخير.
(2) المسالك 4: 264.
(3) المسالك 4: 264.
(4) التذكرة 2: 177 س 6: وليس فيها عقد لازم من طرفين.
(5) كذا في النسخ، ولم نعثر على التصريح به في السرائر 2: 65، والظاهر أنه مصحف " التحرير "
وادعاء الإجماع موجود فيه، راجع التحرير 1: 229 س 15.
41

عليه إجماعنا. وهو الحجة، مضافا إلى أدلة لزوم الوفاء بالعقود كتابا وسنة.
خلافا للطوسي، فجعله تارة بيعا مطلقا (1).
ويدفعه عدم اشتراطه بشرائطه، التي منها معلومية المبيع، وليست هنا
بمشترطة اتفاقا فتوى ورواية، كما مضى.
وأخرى فرعا له إذا أفاد نقل العين بعوض معلوم، وللإجارة إذا وقع على
منفعة معلومة بعوض معلوم، وللعارية إذا تضمن منفعة بغير عوض، وللهبة إذا
تضمن ملك العين بغير عوض، وللابراء إذا تضمن إسقاط دين، استنادا إلى
إفادته فائدتها حيث يقع على ذلك الوجه، وحينئذ، فيلحقه حكم ما لحق به (2).
وفيه أن إفادة عقد فائدة الآخر لا يقتضي الاتحاد، كما لا يقتضي القسمة
والهبة بعوض معين فائدة البيع.
* (و) * حيث صح لا * (تبطل) * إلا * (ب‍) * الفسخ، و * (التقايل) * فتنفسح
به بلا خلاف، بل عليه في شرح الإرشاد الإجماع (3). وهو الحجة، مضافا
إلى أدلة استحباب الإقالة، مع تضمنها أكل مال بطيبة نفس، وتجارة عن تراض.
* (ولو اصطلح الشريكان على أن) * يكون * (الخسران على أحدهما
والربح له وللآخر رأس ماله) * خاصة * (صح) * بلا خلاف إذا كان ذلك بعد
انقضاء الشركة وإرادة فسخها، ليكون الزيادة مع من هي معه بمنزلة الهبة،
والخسران على من هو عليه بمنزلة الإبراء، لعموم الأدلة، وللمعتبرة، وفيها
الصحيح وغيره: في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه ربحا وكان من المال
دين وعين فقال أحدهما لصاحبه: أعطني رأس مالي ولك الربح وعليك
التوى، فقال: لا بأس إذا اشترطا (4).

(1) لم نعثر عليه.
(2) المبسوط 2: 288.
(3) مجمع الفائدة 9: 340.
(4) الوسائل 13: 165، الباب 4 من أبواب أحكام الصلح الحديث 1.
42

وليس فيها - كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة - عموم الحكم
بالصحة، لصورة اشتراط ذلك في عقد الشركة، أو بعده وإن لم يرد القسمة،
لظهور سياق الرواية فيما قيدنا به العبارة من تعقب القول: بأن الربح
والخسران لأحدهما ورأس المال للآخر للشركة. وحصوله بعدها وبعد إرادة
القسمة، لقوله: " فربحا ربحا " و " أعطني رأس المال ".
وليس في قوله: " إذا اشترطا " منافاة لذلك، لاحتمال أن يكون المراد منه
إذا تراضيا رضا يتعقب اللزوم بوقوعه في عقد لازم، كعقد الصلح أو نحوه.
وليس المراد " إذا اشترطا " في عقد الشركة - كما توهم - لاختصاصه
حينئذ بنفي البأس في صورة وقوع الشركة فيه، بل ودلالته بمفهوم الشرط
على ثبوته مع وقوعه في غيره، ولا قائل بهما. فيتعين كون المراد ما ذكرنا.
ووجه اشتراطه (عليه السلام) ذلك خلو السؤال عن بيان رضى الآخر، وإنما
غايته الدلالة على صدور القول من أحدهما. ونحوها العبارة في عدم العموم
للصورة المذكورة، لأن اشتراط ذلك فيها لا يسمى صلحا، بل اشتراطا.
بقي الكلام في صحته حيث حصل، قيل: نعم، كما عن الشيخ
وجماعة (1)، زعما منهم عموم الرواية لمثله، مضافا إلى عموم " المؤمنون
عند شروطهم ".
ويضعف الأول: بما مر.
والثاني: بمخالفة مثل هذا الشرط لمقتضى الشركة، من تبعية الربح لرأس
المال، كالخسارة، فيكون مخالفا للكتاب والسنة، فيكون فاسدا بالإجماع،
والمعتبرة.
وليس مثل هذا الشرط - كاشتراط الخيار في عقد البيع ونحوه - في

(1) حكاه عنهم في الروضة 4: 177.
43

المنافاة لمقتضى العقد، لأنه اللزوم، واشتراطه يوجب التزلزل المنافي له،
فينتقض به، لصحته إجماعا، وذلك لأن مقتضى عقد البيع إنما هو الانتقال
خاصة، وإنما اللزوم من صفاته وكيفياته الخارجة.
فاشتراط الخيار ليس بمناف لمقتضاه البتة، ولا كذلك عقد الشركة، فإنه
ليس له مقتضى سوى ما مر.
وحيث اشترط خلافه لم يبق للشركة معنى بالكلية، ويكون بمنزلة العقد
للشئ بشرط عدمه، كما أن البيع المشترط فيه عدم الانتقال كذلك، لمنافاة
الشرط لمقتضاه البتة.
فإذا القول بعدم الصحة في غاية القوة، وفاقا للدروس (1) والمحقق
الثاني (2) والروضة (3)، وهو أيضا مختار المصنف، كما يأتي إليه الإشارة.
وهو شاهد آخر على اختصاص العبارة بما قدمناه من الصورة الخاصة، دون
الصورتين الأخيرتين، المتجه فيهما عدم الصحة.
وأما ما ربما يقال في توجيه الصحة: من أن غاية منافاة هذا الشرط
لمقتضى العقد بطلان الشركة وهو غير ملازم لبطلان الشرط، فقد يكون ذكره
في عقدها كناية عن إرادة الاقراض دونها فالمناقشة فيه واضحة.
أما أولا: فلعدم قصدهما إلى الاقراض بالبديهة.
وأما ثانيا: فلأن الاقراض يستعقب عدم جواز الرجوع إلى عين المال
مطلقا ولو قبل المزج اتفاقا، ومقتضى عقد الشركة جواز الرجوع حيث أنه
من العقود الجائزة، كما سيأتي إليه الإشارة.
وكل من قال بصحة هذا الشرط يلتزم بهذا المقتضي.

(1) الدروس 3: 333، الدرس 266.
(2) جامع المقاصد 5: 413.
(3) الروضة 4: 177.
44

فصرف العقد عن هذا المقتضي إلى غيره - مما لا يقتضيه ولم يقل به
أحد، ولم يقصده المتعاقدان بهذا الشرط - لا وجه له بالمرة.
وحيث كان الصلح مشروعا لقطع التنازع بين المتخاصمين بحسب أصله
- وإن صار بعد ذلك أصلا مستقلا بنفسه لا يتوقف على سبق خصومة -
اعتاد المصنفون أن يذكروا أحكاما من التنازع في الكتاب. وأشار الماتن إلى
بعضها بقوله:
* (ولو كان بيد اثنين درهمان فقال أحدهما: هما لي، وقال الآخر: هما
بيني وبينك) * ولا بينة لأحدهما * (فلمدعي الكل درهم ونصف وللآخر
ما بقي) *.
للمعتبرين - كالصحيحين، بالشهرة، وبتضمن سنديهما ابن أبي عمير
وعبد الله بن المغيرة، المدعى على تصحيح رواياتهما إجماع أصحابنا، فلا
يضر إرسالهما، مع كونه في أحدهما عن غير واحد، الملحق بالصحيح على
الأقوى -: في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال
الآخر: هما بيني وبينك فقال (عليه السلام): أما الذي قال: هما بيني وبينك فقد أقر
بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شئ وأنه لصاحبه، ويقسم الدرهم الثاني
بينهما نصفين. وقريب منه الثاني (1).
وإطلاقهما - كالعبارة وغيرها من عبائر الجماعة - يشمل صورتي
دعوى الثاني للدرهم معينا أو مشاعا. وكذا وقوع القسمة بعد حلف كل
منهما على استحقاقه النصف الذي يأخذه، أو قبله.
خلافا للدروس (2) والتنقيح (3) في الأول، فخصا الحكم بتنصيف الدرهم

(1) الوسائل 13: 169، الباب 9 من أبواب أحكام الصلح ذيل الحديث 1.
(2) الدروس 3: 333، الدرس 266.
(3) التنقيح 2: 203.
45

الثاني خاصة دون الأول، بصورة دعوى الثاني له معينا، واستقربا في صورة
الدعوى له إشاعة قسمة الدرهمين بنصفين ويحلف الثاني للأول، التفاتا
إلى القاعدة، نظرا إلى أن النصف في الحقيقة بيد الأول والنصف بيد
الثاني، فمدعي التمام خارج بالنسبة إلى الثاني، فيكون اليمين عليه والبينة
على الأول.
وللتذكرة (1) وجماعة في الثاني، فذكروا أن القسمة بعد الحلف، وأن
من نكل منهما قضى به للآخر. ولو نكلا معا أو حلفا معا قسم الدرهم
المتنازع فيه بينهما نصفين، رجوعا إلى قاعدة التنازع، وجمعا بينهما
وبين الخبرين هنا.
ولعله - كالأول - غير بعيد وإن كان في تعيينهما نظر.
فالأول: بظهور الخبرين وكلمة الأصحاب في الدعوى مشاعا لا معينا،
فيكون بالإضافة إلى القاعدة خاصا، فليقدم.
والثاني: بعدم تمامية احلاف كل منهما في صورة دعوى الثاني الدرهم
مشاعا، لاختصاص الحلف حينئذ بالثاني، وتوجه البينة إلى الأول، ومع ذلك
يستحق بعد الحلف تمام الدرهم لا النصف، كما مر. فتأمل.
ثم إن كل ذا إذا كان الدرهمان بيدهما معا، دون ما إذا كانا بيد
أحدهما أو ثالث، لخروجهما عن الرواية وفتوى الجماعة، فلا بد فيهما من
الرجوع إلى القاعدة، فيحكم بهما لذي اليد مع الحلف على عدم استحقاق
الآخر شيئا.
فإن كان مدعي الدرهمين كانا له مع حلفه للآخر على عدم استحقاقه
شيئا، وكذا إن كان مدعي الدرهم، لكن يرد درهما ويحلف على عدم

(1) التذكرة 2: 195 س 33.
46

استحقاق الآخر الدرهم الثاني. وإن كان ثالثا فكهما إن كذبهما، فيحلف لهما،
ويقر في يده الدرهمان، وكأحدهما إن أقر له وصدقه.
* (وكذا لو أودعه انسان درهمين) * وإنسان * (آخر درهما فامتزجت
لا عن تفريط) * من الودعي * (وتلف واحد) * من الدراهم ولم يعلم من أيهما
ببينة ولا إقرار * (فلصاحب الاثنين درهم ونصف وللآخر ما بقي) * على
المشهور بين الأصحاب، للخبر: في رجل استودع رجلا دينارين واستودعه
آخر دينارا فضاع دينار منهما، فقال: يعطي صاحب الدينارين دينارا
ويقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين (1).
ويشكل هنا - مع ضعف السند - بأن التالف غير محتمل كونه لهما، بل
من أحدهما خاصة، لامتناع الإشاعة هنا فكيف يقسم الدرهم بينهما، مع أنه
مختص بأحدهما قطعا.
والذي يقتضيه النظر ويشهد له الأصول الشرعية القول بالقرعة في أحد
الدرهمين، ومال إليه الشهيدان (2) ولكنهما لم يجرءا على مخالفة الأصحاب.
وهو في محله، لجبر السند والمخالفة للقواعد بعملهم، مع كون الراوي
ممن حكى الطوسي إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه (3)، وقال
بثقته جماعة.
والقول في اليمين، كما مر من عدم تعرض الأصحاب له، فجاز أن يكون
الصلح فيهما قهريا، وجاز أن يكون اختياريا، فإن امتنعا عنه فاليمين. وربما
امتنع هنا إذا لم يعلم الحالف عين حقه.

(1) الوسائل 13: 171، الباب 12 من أبواب أحكام الصلح الحديث 1.
(2) الدروس 3: 334، والمسالك 4: 266.
(3) لم نعثر إلا على ما حكاه من عمل الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح
بن دراج والسكوني وغيرهم، انظر عدة الأصول 1: 380.
47

واحترز بالمزج لا عن تفريط عما لو كان بتفريط، فإن الودعي يضمن
التالف، فيضم إليهما ويقتسمانهما من غير نقص. وقد يقع مع ذلك التعاسر
على العين، فيتجه القرعة.
ولو كان بدل الدرهم مالا يمتزج أجزاؤه بحيث لا يتميز وهما متساويان
كالحنطة والشعير وكان لأحدهما قفيزان مثلا وللآخر قفيز وتلف قفيز بعد
امتزاجهما بغير تفريط فالتالف على نسبة المالين، وكذا الباقي، فيكون
لصاحب القفيزين قفيز وثلث وللآخر ثلثا قفيز.
والفرق أن الذاهب هنا عليهما معا، بخلاف الدرهم، لأنه مختص
بأحدهما قطعا.
* (ولو كان لواحد ثوب) * اشتراه * (بعشرين درهما وللآخر ثوب) *
اشتراه * (بثلاثين درهما فاشتبها، فإن خير أحدهما صاحبه فقد أنصفه) *
كما في النص * (وإلا) * تخير، بل تعاسرا * (بيعا، وقسم الثمن بينهما أخماسا) *
ويعطي صاحب الثلاثين ثلاثة والآخر اثنين، وفاقا للمعظم، كما في
الدروس (1)، ونسبه في المسالك (2) وشرح الإرشاد للفاضل الأردبيلي (3)
إلى المشهور.
للخبر المروي في التهذيب (4) والفقيه (5): عن الحسين بن أبي العلا عن
إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين
درهما في ثوب وآخر عشرين درهما في ثوب فيبعث الثوبين فلم يعرف
هذا ثوبه ولا هذا ثوبه، قال: يباع الثوبان فيعطي صاحب الثلاثين ثلاث
أخماس الثمن والآخر خمسي الثمن، قال: قلت: فإن صاحب العشرين قال

(1) الدروس 3: 332.
(2) المسالك 4: 267.
(3) مجمع الفائدة 9: 345.
(4) التهذيب 6: 208، الحديث 482.
(5) الفقيه 3: 36، الحديث 3277.
48

لصاحب الثلاثين اختر أيهما شئت، قال: قد أنصفه.
خلافا للحلي، فالقرعة فإنها لكل أمر مشكل (1)، واستحسنها في
المسالك (2). ولعله لعموم أدلتها، والتأمل في سند الرواية بالقطع في التهذيب،
والضعف في الفقيه.
ويضعف بالإنجبار بالشهرة المحكية في الدروس وغيره وكلامه. مع
احتمال صحة طريق الصدوق إلى الراوي، كما يظهر من الفهرست (3) وإن
ضعف في الفقيه بسعدان بن مسلم وغيره، كما في الروضة (4). ويحتمل
الصحة أيضا في طريق الشيخ، كما يظهر من كتابه المشار إليه، بناء على
الاكتفاء فيها بالظنون الاجتهادية، فتكون الرواية حسنة، فلا شبهة معها
توجب القرعة.
وللتذكرة، ففصل بين ما لو بيعا مجتمعين فالأول، للشركة الإجبارية كما
لو امتزج الطعامان، وإن بيعا منفردين متساويين فلكل واحد منهما ثمن
ثوب، وإن تفاوتا فالأكثر لصاحبه، بناء على الغالب (5).
وهو اجتهاد في مقابلة النص المعتبر، مع تطرق الإشكال إليه بعدم دليل
على اعتبار الغلبة، التي غايتها إيراث المظنة خاصة في نحو المسألة، التي
هي من قبيل الموضوعات دون الأحكام الشرعية، فلا يكتفي فيها بالمظنة،
إلا إذا قامت عليه الأدلة.
هذا، ولقد احتمل الفاضل المقداد في شرح الكتاب حمل الخبر على
امتزاج المالين قبل الشراء (6)، ووقوع الشراء للثوبين على سبيل الشركة،

(1) السرائر 2: 69.
(2) المسالك 4: 268.
(3) فهرست الشيخ الطوسي: 79 رقم 205.
(4) روضة المتقين 14: 98، وفيه: عن موسى بن سعدان، وكذا في الفقيه 4: 433.
(5) التذكرة 2: 196 س 4.
(6) التنقيح 2: 206.
49

وأنه اشتريا لهما بعنوان الإشاعة.
وعليه يكون القول بالقرعة في غاية القوة، لخروج الرواية على هذا
الحمل عن موضوع المسألة، ولكن فيه بعد عن سياق الرواية. وما فهمه منها
الجماعة، فالمصير إليها أقوى، لما مضى.
وعليه يكون الصلح في المقام قهريا، كسابقيه.
ولا يتعدى إلى غير موردها من الثياب المتعددة والأثمان والأمتعة،
ويحتمل التعدية لتساوي الطريق. والأول أجود.
وعليه يتعين القرعة، لعموم الأدلة فيها، وسلامتها عما يصلح للمعارضة.
* (وإذا ظهر استحقاق أحد العوضين) * للغير أو عدم صحة تملكه،
كالحر ونحوه * (بطل الصلح) * إذا كان معينا في العقد بلا خلاف ولا إشكال
فيه، وفي الصحة إذا كان مطلقا، فيرجع إلى بدله، كالبيع.
ولو ظهر فيه عيب فله الفسخ دفعا للضرر. وفي تخيره بينه وبين الأرش
إشكال، والأصل يقتضي العدم.
ولو ظهر غبن لا يتسامح بمثله ففي ثبوت الخيار وجهان، أجودهما
ذلك، وفاقا للشهيدين (1) دفعا للضرر، كما قلناه في البيع.
z z z

(1) الدروس 3: 331، والمسالك 4: 268.
50

كتاب الشركة
51

* (كتاب الشركة) *
بكسر الشين وإسكان الراء وفتحها فكسرها.
* (وهي) * تطلق على معنيين:
أحدهما: * (اجتماع حق مالكين فصاعدا في الشئ) * الواحد * (على
سبيل الشياع) * واجتماع الحقوق بمنزلة الجنس الشامل، لاجتماعهما على
وجه التميز وغيره.
والمراد بالوحدة الوحدة الشخصية، لا الجنسية، ولا النوعية، ولا
الصنفية، لعدم تحقق الشركة فيها مع تعدد الشخص.
وبالواحد الواحد فيما هو متعلق للشركة، فلا ينافيه التعدد، لصدق
الاجتماع بالمعنى المذكور في كل فرد من أفراد المتعدد.
وبقوله: " على سبيل الشياع " خرج اجتماع حقوقهم في الشئ الواحد
المركب من أجزاء متعددة كل جزء يستحقه واحد.
وثانيهما: عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشئ الواحد على سبيل
الشياع. وهذا هو الذي به تندرج الشركة في جملة العقود، ويلحقها الحكم
بالصحة والبطلان، دون الأول. ولا خلاف في المعنيين.
53

وإنكار بعض المتأخرين (1) للثاني - بناء على عدم الدليل على كونها
عقدا، مع مخالفته الإجماع في الظاهر - مضعف، بدلالة ثمرته من جواز
التصرف المطلق أو المعين المشترط على ذلك، بناء على مخالفتها بقسميها
- سيما الثاني - الأصل، لحرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.
فيقتصر فيها على القدر المتيقن، وهو ما دل عليها صريحا من الجانبين،
كما نبه عليه في التذكرة (2). وعليه يصح إطلاق العقد عليه.
وأما الاكتفاء فيها بمجرد القرائن الدالة عليها أو الألفاظ الغير الصريحة
فيها فلا دليل عليه.
وعلى فرض وجوده - كما يدعى من ظاهر النصوص مع عدم دلالتها
عليه أصلا - فلا ريب في مغايرة هذا المعنى للأول أيضا، لحصول الأول
بامتزاج المالين قهرا من دون رضا المتشاركين، وهو غير الامتزاج مع الرضا
به وبالتصرف في المالين مطلقا، أو مقيدا على حسب ما يشترطانه.
فإنكاره رأسا فاسد جدا.
ولا ينافي التغاير دخول الثاني في الأول دخول الخاص في العام، وأنه
من أفراده، لمغايرتهما في الجملة قطعا، وهو كاف في أفراد الخاص عن العام
في الإطلاق.
ثم إنها بالمعنى الأول قد تكون في عين، وهو ظاهر، ومنفعة، كدار
استأجرها أو عبد أوصى بخدمته لهما، وحق كشفعة وخيار ورهن. وسببها
قد يكون إرثا وعقدا، وهما يجريان في الثلاثة، فتحصل بإرثهما مالا
أو منفعة دار مثلا استأجرها مورثهم أو حق شفعة أو خيار، وبشرائهما دارا

(1) قال السيد العاملي: إن أراد ب‍ " بعض المتأخرين " مولانا المقدس الأردبيلي فقد عرفت أنه
لم ينكر ذلك رأسا، راجع مفتاح الكرامة 7: 389، مجمع الفائدة 10: 189.
(2) التذكرة 2: 224، س 38.
54

بعقد واحد وبشراء كل واحد منهما جزءا مشاعا منها ولو على التعاقب،
وبإستئجارهما إياها وبشرائهما بخيار لهما، وحيازة لبعض المباحات دفعة،
بأن يشتركا في نصب حبالة ورمي سهم مثبت، فيشتركان في ملك الصيد،
ومزجا لأحد ماليهما بالآخر بحيث لا يتميز، ولا يجريان إلا في العين.
ويمكن فرض الأخير في المنفعة، بأن يستأجر كل منهما دراهم للتزيين
بها حيث يجوزه متميزة ثم امتزجت بحيث لا يتميز.
* (و) * لا * (تصح) * الشركة في الأموال، إلا * (مع امتزاج المالين
المتجانسين على وجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر) * بأن يتفقا في الوصف
زيادة عن الاتفاق في الجنسية، بلا خلاف فيه عندنا، بل عليه في الغنية (1)
وعن الخلاف (2) والسرائر (3) والتذكرة (4) إجماعنا.
فلو لم يمتزجا أو امتزجا بحيث يمكن التمييز وإن عسر كالحنطة
بالشعير أو الحمراء من الحنطة بغيرها، أو الكبيرة الحب بالصغيرة ونحو ذلك،
فلا اشتراك.
ولا فرق في الامتزاج بين وقوعه اختيارا أو اتفاقا، وفي المالين بين
كونهما من الأثمان أو العروض، إجماعا من الأمة في الأثمان، ومن
الأصحاب في العروض، كما في التذكرة (5).
وظاهره الإجماع على عدم الفرق في الأعراض بين ذوات القيم والأمثال،
وحصول الشركة فيهما بالمزج بالشرط المتقدم، مع أن الماتن في الشرائع
صار إلى الفرق بينهما، فمنع عن تحقق الشركة بالمزج في ذوات القيم (6)

(1) الغنية: 263.
(2) الخلاف 3: 328، المسألة 2.
(3) السرائر 2: 399.
(4) التذكرة 2: 222 س 10.
(5) التذكرة 2: 221 س 37.
(6) الشرائع 2: 129.
55

وفاقا للمبسوط (1) والإسكافي (2)، إلا أنه أطلق. ولكنه معلوم النسب،
فلا يقدح خروجه بالإجماع.
ومع ذلك يضعف بتحقق المزج على الوجه المتقدم في كثير منها،
كالثياب المتعددة المتقاربة الأوصاف والخشب كذلك ونحوهما، فيتحقق
الشركة، فإن ضابطها حصول المزج مع عدم الامتياز، ولا خصوصية للقيمي
والمثلي في ذلك وقد حصل.
ومتى تحققت الشركة فيها، فإن علم قيمة ما لكل واحد منهما كان
الاشتراك على نسبة القيمة، وإلا ففي الحكم بالتساوي كما في التذكرة (3)
اتكالا على الأصل، أو الرجوع إلى الصلح، كما في المسالك (4) وغيره،
قولان، أجودهما الثاني، إلا مع التعاسر، وعدم الرضا بالصلح، فيمكن الأول.
ولو قلنا بمنع الشركة في القيمي بالمزج، فطريق التخلص من المنع
والحيلة لتحصيل الشركة فيه: أن يبيع كل منهما حصته مما في يده بحصته
مما في يد الآخر، أو يتواهبا الحصص، أو يبيع حصته بثمن معين من الآخر
ويشتري حصة الآخر بذلك الثمن، وغير ذلك من الحيل. ويجري في المثلي
أيضا، حيث لا يقبل الشركة بالمزج بتغاير الجنس أو الوصف.
واعلم أن المستفاد من كلمة الأصحاب في المقام - سيما كلام الفاضل
في التذكرة في دعواه الإجماع (5) على حصول الشركة بمزج العروض
والأثمان مزجا لا يتميز معه المالان - عدم اشتراط عدم التميز في نفس
الأمر، بل يكتفي بعدمه في الظاهر وإن حصل في نفس الأمر.
وهو مناف لما ذكروه في التعريف من أنها اجتماع الحقوق على

(1) المبسوط 2: 344.
(2) كما في المختلف 6: 238.
(3) التذكرة 2: 222 س 9.
(4) المسالك 4: 306.
(5) كلامه بلفظ " عندنا " راجع التذكرة 2: 221 س 38.
56

الإشاعة، فإن الظاهر حينئذ منها حيث تطلق أن لا يفرض جزء إلا وفيه حق
لهما، وبه صرح الفاضل المقداد في شرح الكتاب، بل صرح فيه بعدم حصول
الشركة بمزج الحنطة والذرة والدخن والسمسم ونحوها بمثلها، بل حصرها
في مزج مثل الأدقة والأدهان بمثلها (1).
ولكن الظاهر عدم استقامة ما ذكره على طريقة الأصحاب، لاتفاقهم
في الظاهر - وبه صرح الفاضل كما مر - على عدم اشتراط عدم تميز
النفس الأمري، مع أن اشتراطه في نحو الأثمان مخالف لطريقة المسلمين
في الأعصار والأمصار، لأنهم لا يزالون يتشاركون فيها من زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
إلى زماننا هذا، من غير نكير في صقع من الأصقاع أو عصر من الأعصار،
فكان إجماعا وقد نبه عليه في التذكرة (2).
بقي الكلام في التوفيق بين التعريف وما هنا، والخطب سهل بعد
الإجماع على ما هنا، لعدم الدليل على ما في التعريف من اعتبار الإشاعة
بالمعنى المتقدم، مع احتمال إرادتهم منها هنا عدم التميز المطلق.
وكيف كان، فهذه الشركة - حيث كانت على جهة الاختيار وقصد
التجارة - هي الشركة العنانية، وهي مجمع عليها بين المسلمين كافة، كما في
الغنية وعن التذكرة (3)، وبه صرح جماعة، والنصوص بها مع ذلك مستفيضة.
منها الصحيح: عن الرجل يشارك في السلعة، قال: إن ربح فله، وإن وضع
فعليه (4).
والموثق: عن الرجل يشتري الدابة وليس عنده نقدها فأتى رجلا من
أصحابه فقال: يا فلان انقد عني ثمن هذه الدابة والربح بيني وبينك فنقد

(1) التنقيح 2: 208.
(2) التذكرة 2: 221 س 37.
(3) لم نجد التصريح بالعبارة المذكورة فيهما، راجع الغنية: 263، والتذكرة 2: 220 س 7.
(4) الوسائل 13: 174، الباب 1 من أبواب أحكام الشركة الحديث 1.
57

عنه فنفقت الدابة، قال: ثمنها عليهما، لأنه لو كان ربح لكان بينهما
وبمعناه غيره (1).
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.
* (ولا ينعقد) * الشركة * (بالأبدان والأعمال) * بأن يتعاقدا على أن يعمل
كل منهما بنفسه ويشتركا في الحاصل، سواء اتفق عملهما قدرا، أو نوعا، أم
اختلف فيهما، أو في أحدها وسواء عملا في مال مملوك أم في تحصيل
مباح، لأن كل واحد متميز ببدنه وعمله، فيختص بفوائده، كما لو اشتركا في
مالين متمايزين.
* (ولو اشتركا كذلك) * فحصلا * (كان لكل واحد) * ما حصل، وهو * (أجرة
عمله) * إن تميز أحد المحصولين عن الآخر، وإلا فالحاصل لهما يصطلحان.
* (و) * كذا * (لا أصل لشركة الوجوه) * وهي أن يشترك اثنان وجيهان
لا مال لهما بعقد لفظي ليبتاعا في الذمة على أن ما يبتاعه كل منهما يكون
بينهما فيبيعان ويؤديان الأثمان وما فضل فهو بينهما، أو أن يبتاع وجيه في
الذمة ويفوض بيعه إلى خامل على أن يكون الربح بينهما، أو أن يشترك
وجيه لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل
ويكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه والربح بينهما، أو أن يبيع الوجيه
مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعضه له.
* (و) * لا * (المفاوضة) * وهي أن يشترك شخصان فصاعدا بعقد لفظي
على أن يكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ويلتزمان من غرم وتحصل لهما
من غنم، فيلتزم كل منهما للآخر مثل ما يلتزمه من أرش جناية وضمان
غصب وقيمة متلف وغرامة ضمان وكفالة، ويقاسمه فيما يحصل له من

(1) الوسائل 13: 174، الباب 1 من أبواب أحكام الشركة الحديث 2 و 3.
58

ميراث أو يجده من لقطة وركاز ويكتسبه في تجارة ونحو ذلك،
ولا يستثنيان من ذلك إلا قوت يوم وثياب بدن وجارية يتسرى بها.
وهذه الثلاثة بمعانيها باطلة بإجماعنا، كما في الغنية (1) والانتصار (2)
والمختلف (3) والتذكرة (4) والتنقيح (5) والمهذب (6) والمسالك (7) والروضة (8)
وغيرها من كتب الجماعة. وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، وحديث نفي
الضرر والضرار (9)، مع عدم دليل على الصحة من كتاب أو سنة، سوى الأمر
بالوفاء بالعقود والشروط، وهو ليس على ظاهره في الشركة، لأنها من العقود
الجائزة، كما سيأتي إليه الإشارة.
ومجرد التراضي لا يوجب مخالفة الأصل، ولزوم انتقال فائدة كل واحد
استحقها لعمله أو ماله إلى الآخر، سيما مع تفاوت فائدتهما بالزيادة
والنقيصة، إذ لا دليل على اللزوم بمجرد التراضي، بل غايته الإباحة وليست
بثمرة الشركة.
مع أن حصولها بمجرده مع جهل المتعاقدين بالفساد محل مناقشة، سيما
مع ندامتهما أو أحدهما عما فعله والتزمه، فإن الإباحة حينئذ بمجرد
التراضي السابق غير معلومة، لابتنائه على توهمهما الصحة. ولذا صرح
الأصحاب بعدم إفادة العقود الفاسدة الإباحة مع حصول رضا الطرفين بها،
نظرا منهم إلى ابتنائه على توهم الصحة، فلعلهما لو علما بالبطلان لم يرضيا،
ومثل هذا الرضا ليس برضاء مبيح لأكل مال الغير بالبديهة.

(1) الغنية: 263.
(2) الإنتصار: 230.
(3) المختلف 6: 230.
(4) التذكرة 2: 220 س 7 و 26.
(5) التنقيح 2: 210.
(6) المهذب البارع 2: 545.
(7) المسالك 4: 307 و 309، وقال في شركة المفاوضة: وهي باطلة إلا عند أبي حنيفة ومن شد،
ولم يذكر الاجماع.
(8) الروضة 4: 200.
(9) الوسائل 17: 341، الباب 12 من أبواب احياء الموات الحديث 3.
59

فمناقشة بعض متأخري متأخرينا في المسألة واحتماله الصحة (1) - تبعا
للعامة في الثلاثة والإسكافي في أولها خاصة - عجيبة.
نعم لو علما بالفساد وتشاركا جاز بلا إشكال، إلا أن لهما الرجوع
ما دامت العين باقية، ومع ذلك خارج عن مفروض المسألة، فإن ذلك
استحلال بالإباحة دون عقد الشركة.
* (وإذا) * تشاركا شركة العنان و * (تساوى المالان في القدر فالربح بينهما
سواء، ولو تفاوتا) * فيه * (فالربح كذلك) * أي متفاوت بحسب تفاوت
المالين، فالزائد منه لرب الزائد منهما * (وكذا الخسران) * يوزع على
المتشاركين * (بالنسبة) * إلى المالين، فيتساويان مع التساوي، وبالنسبة مع
التفاوت، بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك فتوى ونصا.
وإطلاق العبارة وغيرها في تفاوت المالين يشمل صورتي مساواتهما
في العمل وعدمها.
وظاهر المسالك أن عليه اتفاقنا، وحكى في الأولى الخلاف عن بعض
العامة، حيث منع من الشركة، مع عدم استواء المالين في القدر، مع اتفاقهما
في العمل. وضعفه بأن المعتبر في الربح المال، والعمل تابع، فلا يضر اختلافه،
كما يجوز مع تساويهما في المال عند الكل، وإن عمل أحدهما أكثر (2).
* (ولو شرط أحدهما في الربح زيادة) * عما يستحقه بنسبة ماله
* (فالأشبه) * وفاقا للمبسوط (3) والخلاف (4) والقاضي (5) والحلي (6) وابن
زهرة العلوي مدعيا فيه الإجماع (7)، ونسبة سابقه إلى الأكثر * (أن الشرط

(1) الظاهر هو صاحب الحدائق 21: 161.
(2) المسالك 4: 311.
(3) المبسوط 2: 349.
(4) الخلاف 3: 332، المسألة 9.
(5) جواهر الفقه: 73، المسألة 274.
(6) السرائر 2: 400.
(7) الغنية: 264.
60

لا يلزم) * لأن الزيادة الحاصلة في الربح لأحدهما ليس في مقابلها عوض،
ولا وقع اشتراطها في عقد معاوضة لتضم إلى أحد العوضين، ولا اقتضى
تملكها عقد هبة، والأسباب المثمرة للملك معدودة، وليس هذا أحدها
فيبطل الشرط.
هذا، مضافا إلى الأصل، والإجماع المحكي، المعتضد بالشهرة المحكية
في كلام الحلي.
خلافا للفاضل ووالده (1) وولده (2) فحكموا باللزوم، تبعا للمرتضى
مدعيا الإجماع عليه (3). وهو الحجة عندهم، مضافا إلى عمومي الأمر بالوفاء
بالعقود، ولزوم الشروط، وقوله سبحانه: " إلا أن تكون تجارة عن
تراض " (4).
وفي الجميع نظر، لاندفاع الإجماع بالإجماع المتقدم الذي هو أقوى
منه، لاعتضاده بفتوى الأكثر، كما مر. والعمومين بعدم بقائهما على ظاهرهما
من الوجوب في الشركة، لكونها - كما مر وسيأتي - من العقود الجائزة
المستعقبة بجواز الفسخ والرجوع بلا ريبة، وهما ينافيان اللزوم بلا شبهة.
والآية بمنع كون هذا الشرط تجارة، لعدم تضمنه معاوضة، كما مر.
ومجرد التراضي غير كاف في اللزوم، بل غايته الإباحة، ولا كلام في
الجواز بها، ولكنه غير مفروض المسألة، لعدم استناده إلى عقد الشركة. ومع
ذلك الإباحة في صورة جهلهما بفساد الشرط محل مناقشة، تقدم إليها
الإشارة.
ثم ظاهر العبارة وغيرها وصريح المحكي عن القاضي (5) بطلان الشرط

(1) المختلف 6: 231.
(2) الايضاح 2: 301.
(3) الإنتصار: 228.
(4) النساء: 29.
(5) لم نعثر عليه.
61

خاصة، والأجود - وفاقا لجماعة - أنه يتبعه بطلان الشركة (1)، بمعنى الإذن
في التصرف، لابتنائه من كل منهما على صحة الشرط، فلا إذن حقيقة بدونها،
فإن عملا كذلك به فالربح تابع للمال وإن خالف الشرط، ويكون لكل منهما
أجرة عمله بعد وضع ما قابل عمله في ماله. هذا إذا اشتركا في العمل
وتساويا فيه.
وأما لو كان العامل أحدهما وشرطا الزيادة له صح بلا خلاف فيه. وفي
الصحة أيضا لو كان لصاحب الزيادة زيادة عمل، كما حكاه جماعة (2).
ولكن الأول بالقراض أشبه، لاعتبار العمل من الجانبين في الشركة.
* (ومع الامتزاج ليس لأحد الشركاء التصرف) * في المال المشترك
* (إلا مع إذن الباقين) * لقبح التصرف في مال الغير بدون إذنه عقلا وشرعا.
وهذا الحكم جار في مطلق الشركة، حتى بالمعنى الأول، وسواء كان سببها
المزج، أو غيره، باختيارهما كانت، أم بدونه، فإن الإذن في التصرف أمر
زائد على مفهوم الشركة بهذا المعنى.
ومن هنا يظهر ما في تخصيص العبارة الحكم بصورة الامتزاج خاصة.
* (و) * يجب أن * (يقتصر) * المأذون * (في التصرف على ما يتناوله
الإذن) * عموما أو خصوصا، فلا يجوز له التعدي، ويضمن معه إجماعا.
* (ولو كان الإذن) * له في التصرف في التجارة * (مطلقا) * غير مقيد
بنوع خاص منه * (صح) * تصرفه كذلك، بأي نوع شاء من أنواع التجارة، وما
فيه مصلحة الشركة من البيع والشراء مرابحة ومساومة وتولية ومواضعة،
حيث يقتضيها المصلحة، وقبض الثمن وإقباض المثمن والحوالة والاحتيال
والرد بالعيب ونحو ذلك، كما في الوكيل المطلق.

(1) المبسوط 2: 349، والسرائر 2: 400.
(2) الحدائق 21: 164، وكفاية الأحكام: 119 س 6.
62

ولا يجوز له إقراض شئ من المال، إلا مع المصلحة، ولا المحاباة
في البيع، ولا المضاربة عليه، لأن ذلك ليس من توابع التجارة، ولا يتناوله
الإطلاق.
* (ولو شرط) * الإذن في التصرف * (الاجتماع) * فيه، أي اجتماعه
أو غيره أو هما معا مع المأذون * (لزم) * اقتصارا فيما خالف الأصل على
مورد الإذن.
* (وهي) * أي الشركة بالمعنى الأول * (جائزة من الطرفين) * فلا يلزم
بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الغنية (1) وعن التذكرة (2). وهو الحجة،
مضافا إلى الأصل، وعدم دليل على أنه يجب على الانسان مخالطة غيره
في ماله، مع أن الناس مسلطون على أموالهم، ومن جملة أفراد السلطنة
إفراده من غيره.
* (وكذا) * الشركة بالمعنى الثاني الممتاز عن الأول، مع اشتراكه له في
الأصل بتضمنه * (الإذن في التصرف) * للتجارة جائزة أيضا، للإجماع
المتقدم، المعتضد بعدم الخلاف في أنها في معنى الوكالة، وهي جائزة،
فتكون هي أيضا جائزة.
وبهذه الأدلة تخص أدلة الأمر بالوفاء بالعقود من الكتاب والسنة، فلكل
منهما فسخها بمعنييها ومطالبة القسمة، والمنع عن التصرف الذي أذن به
للآخر بالكلية أو في الجملة.
* (وليس لأحد الشركاء الامتناع من القسمة عند المطالبة) * أي مطالبة
الآخر إياها، بل تجب عليه، ومع امتناعه فللحاكم إجباره عليها بلا خلاف،
كما في المسالك (3). وهو الحجة، مضافا إلى استلزام الامتناع الضرر على

(1) الغنية: 265.
(2) التذكرة 2: 224 س 28.
(3) المسالك 4: 319.
63

الغير، وأقله سلب تسلطه على ماله الثابت له شرعا، مع استلزامه الضرر له
بوجوه أخر في بعض الصور، وهو منفي عقلا وشرعا.
فيجب عليه الإقدام إليها * (إلا أن يتضمن) * القسمة * (ضررا) * على
الممتنع أو عليهما، فلا يجبر في المقامين مطلقا، إلا إذا حصل للطالب ضرر
من غير جهة القسمة، فيجبر حينئذ إذا كان ضرره أقوى، ويقرع مع التساوي،
ولا خلاف في شئ من ذلك على الظاهر.
والأصل في المقام الأول: حديث نفي الضرر (1).
وفي الثاني: تضمنه السفه أو الإسراف المنهي عنهما.
ويلحق بالضرر الدافع للجبر اشتمال القسمة على الرد، لأنه معاوضة
محضة يستدعي التراضي من الطرفين، وتسمى قسمة تراض، وما فيه الجبر
قسمة إجبار.
وهل يتحقق الضرر الدافع له بنقصان القيمة مطلقا، أو مع التفاحش،
أو بعدم الانتفاع مطلقا، أو الذي كان مع الشركة؟ أقوال أربعة. أقواها الأول،
وفاقا لجماعة (2).
* (ولا يلزم أحد الشريكين إقامة رأس المال) * وانضاضه، بل له
المطالبة بالقسمة قبله مطلقا، طلبها الآخر منه، أم لا، بلا خلاف يظهر،
للأصل، وفقد المانع.
* (ولا ضمان على أحد الشركاء ما لم يكن) * التلف * (بتعد) * وهو فعل
ما لا يجوز فعله في المال * (أو تفريط) * وهو التقصير في حفظه وما يتم به
صلاحه، لأنه أمين، والقول في التلف قوله مع يمينه، بلا خلاف في شئ من

(1) الوسائل 17: 341، الباب 12 من أبواب احياء الموات الحديث 3.
(2) المسالك 4: 319، ومجمع الفائدة 10: 213.
64

ذلك، بل عليه الإجماع في الغنية (1) والروضة (2). وهو الحجة، مضافا إلى
الاجماع على أن الشركة في معنى الوكالة، والحكم فيها ذلك بإجماع العلماء
كافة، كما حكاه بعض الأجلة (3).
ولو ادعى شراء شئ لنفسه أو لهما حلف وقبل يمينه، لأن مرجع ذلك
إلى قصده، وهو أعلم به. والاشتراك لا يعين التصرف بدون القصد، وإنما لزم
الحلف، مع أن القصد من الأمور الباطنة التي لا يعلم إلا من قبله، لإمكان
الاطلاع عليه بإقراره.
* (ولا تصح مؤجلة) * إجماعا، كما في الغنية (4)، إلا أنه قال بدل
" لا يصح ": " لا يلزم ".
قيل: المراد بصحة التأجيل المنفية ترتب أثرها بحيث تكون الشركة إلى
الأجل لازمة، وإنما لم تصح، لأنها عقد جائز، كما مر، فلا يؤثر التأجيل فيها،
بل لكل منهما فسخها قبل الأجل. نعم يترتب على الشرط عدم جواز
تصرفهما بعده إلا بإذن مستأنف، لعدم تناول الإذن له فلشرط الأجل أثر في
الجملة (5) انتهى.
وظاهره بقاء الشركة، بمعنى جواز التصرف بالإذن إلى المدة المضروبة،
لا أنها فاسدة بالكلية.
وهو حسن، لكنه مناف بظاهر العبارة وما ضاهاها والمحكي عن
الشيخين (6).

(1) الغنية: 265.
(2) لم نجد التصريح به في الروضة 4: 203، وذكر صاحب مفتاح الكرامة: أنه ليس في الروضة له
ذكر، وإجماع الغنية قد يتناوله على بعد شديد 7: 407، فراجع.
(3) لم نعثر عليه.
(4) الغنية: 265.
(5) القائل الشهيد في المسالك 4: 316.
(6) المقنعة: 633، والنهاية 2: 236.
65

ويحتمل حملها على ما إذا اشترطا لزومها إلى المدة، فيتوجه عليه
حينئذ فساد الشركة لفساد الشرط، بمنافاته لمقتضاها فتفسد هي أيضا، لأن
الإذن منهما في التصرف مبني على اشتراطهما اللزوم وتوهمهما صحة
الشرط، وحيث فسد فسد المبني عليه.
نعم لو ظهر أن مرادهما من الاشتراط تحديد الإذن إلى المدة خاصة كان
ما ذكر موجها، ولعله مراده وإن كانت العبارة مطلقة.
* (وتبطل) * الشركة بالمعنى الثاني * (بالموت) * إجماعا، كما في
الغنية (1)، لأنها في معنى الوكالة، وتبطل بذلك إجماعا، فتبطل هي أيضا،
قالوا: وفي معناه الجنون والإغماء والحجر للسفه أو الفلس.
ولعل الوجه فيه انقطاع الإذن بالأمور المذكورة، فعوده بارتفاعها
مخالف للأصل، فيحتاج إلى دلالة، وهي هنا وفي الوكالة مفقودة.
ومنه يظهر حجة أخرى لانفساخ الشركة بالأول، لانحصار الإذن من الإذن
للميت خاصة حال الحياة، وانتقاله إلى الوارث خلاف الأصل، فيندفع به.
وليس التصرف بالإذن حقا يستأرث. نعم القسمة حق له إذا لم يكن
هناك دين ولا وصية، وإلا بنى على الانتقال إليه وعدمه.
* (وتكره مشاركة الذمي) * بل مطلق الكافر، كما قالوه، ونفى عنه
الخلاف في الغنية (2) * (وإبضاعه) * وهو أن يدفع إليه مالا يتجر فيه لصاحب
المال خاصة * (وإيداعه) * للمعتبرين.
أحدهما الصحيح: لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي، ولا يبضعه
بضاعة، ولا يودعه وديعة، ولا يصافيه المودة (3).
z z z

(1) الغنية: 265.
(2) الغنية: 265.
(3) الوسائل 13: 176، الباب 2 من أبواب أحكام الشركة الحديث 1.
66

كتاب المضاربة
67

* (كتاب المضاربة) *
مأخوذة من الضرب في الأرض، لأن العامل يضرب فيها للسعي على
التجارة وابتغاء الربح بطلب صاحب المال، فكان الضرب مسبب عنهما،
فتحققت المفاعلة لذلك، أو من ضرب كل منهما في الربح بسهم، أو لما فيه
من الضرب بالمال وتغليبه، وهذه لغة أهل العراق.
وأهل الحجاز يعبرون عنها بالقراض من القرض، وهو القطع كأن
صاحب المال اقتطع منه قطعة وسلمها إلى العامل واقتطع له قطعة من الربح
في مقابلة عمله، أو من المقارضة، وهي المساواة، ومنه قول أبي الدرداء:
قارض الناس ما قارضوك، فإن تركتهم لم يتركوك (1).
ووجه التساوي هنا أن المال من جهة والعمل من أخرى والربح في
مقابلهما (2) فقد تساويا في قوام العقد، أو أصل استحقاق الربح وإن اختلفا
في كميته.
* (وهي) * على ما ظهر من وجه التسمية * (أن يدفع الانسان إلى غيره
مالا) * مخصوصا * (ليعمل فيه بحصة) * معينة * (من ربحه) * من نصف أو
ثلث أو نحو ذلك، بحسب ما يشترطانه.

(1) لسان العرب 7: 217.
(2) في المطبوع: من مقابلهما.
69

ولو اشترط جميعه للمالك فهو بضاعة، ولو انعكس فاشترط جميعه
للعامل فقرض ومداينة، وإن لم يشترطا شيئا أو فسد العقد بفساد بعض
شروطه فالربح كله للمالك وللعامل أجرة المثل، كذا ذكره في المسالك (1)
تبعا للتذكرة (2).
ولعل المراد أن اشتراط الربح لهما معا إنما يكون في القراض، واشتراطه
للعامل خاصة إنما يكون في القرض، وللمالك خاصة إنما يكون في
البضاعة.
وهذا لا يدل على حصول القراض، بمجرد هذا الاشتراط، كما توهمه
ظاهر كلامهما. ولا على حصول القرض بذلك.
فاندفع ما يرد عليهما من عدم حصول كل من القرض والقراض بمجرد
الدفع واشتراط ما يناسبهما، بل يشترط فيهما صيغ مخصوصة، مع أنه
يحتمل الاكتفاء به في الأول، للمعتبرة المستفيضة.
وفيها الصحيح والموثق وغيرهما: من ضمن تاجرا فليس له إلا رأس
ماله، وليس له من الربح شئ (3).
لظهورها في أنه بمجرد تضمين المالك للمضارب يصير المال قرضا
ويخرج عن المضاربة وإن لم يتقدم هناك عقد القرض، وهو في معنى
اشتراط الربح للعامل، فإن الأمرين من لوازم القرض. فتأمل.
نعم يتوجه عليهما في حكمهما بلزوم الأجرة في الصورة الأخيرة، أنه
لا دليل عليه، مع كون الأصل عدمه. ومرجعه إلى قيام احتمال التبرع
ولا أجرة معه.

(1) المسالك 4: 343 و 344.
(2) التذكرة 2: 229 س 12.
(3) الوسائل 13: 186، الباب 4 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1 و 2.
70

ويمكن دفعه بتخصيص ما ذكراه بصورة جريان عقد القراض.
ووجه الدفع حينئذ: بأن صدور عقده منهما اقدام منهما على عدم خلو
عمل العامل عن الأجر، وسلب التبرع عنه، غاية الأمر أنهما لم يشترطا،
أو اشترطا شيئا معينا، وهو لا يوجب كون العمل تبرعا.
وحيث انتفى احتماله وجب أجرة المثل بلا خلاف في الظاهر.
ووجهه أن الحكم بعدم وجوبها يستلزم الضرر على العامل الناشئ عن
إغراء المالك له بتبرعيته إلى العمل، تحصيلا لما بإزائه من الأجرة المطلق
أو المعين.
وحيث بطل تعين المثل، ولذا حكم الأصحاب بوجوب مثل ذلك لمن
عمل لآخر عملا يحكم العرف بعدم كونه تبرعا، كأن يكون دلالا
أو سمسارا، وظاهر عبارتهما - كباقي الأصحاب - عدم لزومه للعامل في
البضاعة.
وهو حسن إن لم يكن هناك قرينة من عرف أو عادة بلزومه، وإلا
فالمتجه لزومه، ولذا فصل الفاضل المقداد في شرحه على الكتاب.
فقال فيها: إن قال مع ذلك: ولا أجرة لك، فهو توكيل في الاسترباح من
غير رجوع عليه بأجرة، وإن قال لك أجرة كذا، فإن كان عين عملا مضبوطا
بالمدة أو العمل فذاك إجارة، وإن لم يعين فجعالة، وإن سكت وكان ذلك
الفعل له أجرة عرفا فله أجرة مثله (1).
ولنعم ما فصل، وينبغي تنزيل كلمة الأصحاب عليه.
* (و) * يجوز * (لكل منهما الرجوع) * وفسخ العقد * (سواء كان المال
ناضا) * منقودا دراهم ودنانير * (أو مشتغلا) * بالعروض غير منضوض، بناء

(1) التنقيح 2: 213.
71

على جوازها من الجانبين، بلا خلاف يظهر، وبه صرح في المسالك (1)
وغيره. وهو الحجة، مضافا إلى التأيد بالأصل، وأنها وكالة في الابتداء ثم قد
تصير شركة، وكلتاهما جائزتان، فلتكن كذلك.
ثم إن كان الفاسخ العامل ولم يظهر ربح فلا شئ له وإن كان المالك
ضمن للعامل أجرة المثل إلى ذلك الوقت صونا للعمل المحترم عن الخلو من
الأجر.
ويحتمل العدم، للأصل، وإقدام العامل عليه، لمعرفته جواز العقد،
واحتمال الانفساخ قبل ظهور الربح، بل وبعده، مع تحقق الوضيعة المستغرقة
له، لكونه وقاية لرأس المال بلا خلاف يظهر.
ولو ظهر ربح في الصورتين فهو على الشرط لا غير. قيل: ومن لوازم
جوازها وقوع العقد بكل لفظ يدل عليه (2).
وفي اشتراط وقوع قبوله لفظيا، أو جوازه بالفعل أيضا، قولان، قوى
ثانيهما في الروضة (3) تبعا للتذكرة (4)، ويظهر منها عدم الخلاف بيننا فيه
وفي الاكتفاء في طرفي الإيجاب والقبول بكل لفظ.
فإن تم، وإلا فالأولى خلافهما، اقتصارا فيما خالف الأصل، الدال على
أن الربح تابع للمال وللعامل أجرة المثل، المنطبق مع المضاربة تارة،
والمتخلف عنها أخرى على المتيقن. ولعله لهذا اعتبر فيها التواصل بين
الإيجاب والقبول، والتنجيز، وعدم التعليق على شرط أو صفة.
وهو حسن على ما حققناه، ولكن على ما ذكره من الاكتفاء بالفعل في
طرف القبول وبكل لفظ في طرف الإيجاب - بناء على جواز العقد - مشكل.

(1) المسالك 4: 344.
(2) القائل الشهيد الثاني في الروضة 4: 212.
(3) الروضة 4: 212.
(4) التذكرة 2: 229 س 39.
72

وسؤال الفرق بينه وبين اعتباره إياهما متجه.
* (ولا يلزم فيها اشتراط الأجل) *.
هذه العبارة تحتمل معنيين:
أحدهما: أنه لا يجب أن يشترط فيها الأجل، ولا ضربها إليه، بل يجوز
مطلقا، للأصل، والعمومات.
والثاني: أن الأجل المشترط فيها حيث كان غير لازم، بل جائز يجوز
لكل منهما الرجوع فيه، لجواز أصله بلا خلاف، كما مضى، فلا يكون الشرط
المثبت فيه جائزا بطريق أولى.
ولعل هذا هو المراد وإن صح إرادة الأول أيضا.
وفي التعبير بعدم اللزوم حيث يراد من العبارة المعنى الثاني إشارة إلى
ثبوت الصحة.
والوجه فيه أنه يثمر المنع من التصرف بعد الأجل إلا بإذن جديد، لأن
التصرف تابع للإذن، ولا إذن بعده. وكذا لو أجل بعض التصرفات، كالبيع
والشراء خاصة، أو نوعا خاصا من التجارة.
ولا كذلك اشتراط لزومها إلى أجل أو مطلقا، فإنه باطل ومبطل على
الأشهر الأقوى، إما لمنافاته لمقتضى العقد، أو لعدم دليل على لزومه، سوى
الأمر بالوفاء بالعقود (1) ولزوم الوفاء بالشروط (2)، وليس على ظاهره هنا
على الوجوب بلا خلاف، كما مضى.
فإذا فسد الشرط تبعه العقد في الفساد، بخلاف شرط الأجل، فإن
مرجعه إلى تقييد التصرف بوقت خاص، وهو غير مناف ولا موجب لفساد

(1) المائدة: 1.
(2) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
73

العقد، لعدم توقفه عليه، كما في الأول.
* (و) * يجب على العامل أن * (يقتصر) * في التجارة * (على ما يعين له) *
المالك * (من التصرف) * بحسب نوعها ومكانها وزمانها ومن يشتري منه
ويبيع عليه وغير ذلك، لأن جواز التصرف تابع لإذن المالك، ولا إذن مع
المخالفة، ولا خلاف فيه وفي صحة المضاربة المشتملة على التعيين بمثل
ذلك وإن ضاقت بسببه التجارة، بل صريح المسالك (1) وظاهر الغنية (2) أن
عليه إجماع الإمامية. وهو الحجة، مضافا إلى ظواهر النصوص الآتية.
* (ولو أطلق) * له الإذن * (تصرف في الاستنماء) * والاسترباح * (كيف
شاء) * من وجوه التصرفات ولو بغير نقد البلد وثمن المثل بشرط المصلحة،
وفاقا لجماعة.
خلافا للطوسي في المبسوط (3) والخلاف (4)، فاشترطهما.
ولا وجه له إذا اقتضت المصلحة غيرهما وإن كان فرضها في الأخير نادرا.
ويمكن حمل كلامه على ما يلائم المختار بصرفه إلى الغالب، نظرا إلى
أنه الذي يتضمن المصلحة دون غيره. والصرف إلى الغالب هو الأصل في
حمل إطلاق الإذن على المصلحة، لعدم انصرافه إلى غيرها، إلا أن يصرح
بغيره، فيجوز مطلقا قولا واحدا.
ولا إشكال فيه جدا لو لم يتضمن الإذن بذلك سفاهة، وإلا فيشكل أصل
المضاربة من جهتها، بل الظاهر حينئذ عدم صحتها.
واعلم أنه لما كانت المضاربة معاملة على المال لتحصيل الربح كان
إطلاق العقد مقتضيا للترخيص فيما اعتيد تولي المالك له بنفسه، من عرض

(1) المسالك 4: 345.
(2) الغنية: 266.
(3) المبسوط 3: 174.
(4) الخلاف 3: 462، المسألة 8.
74

القماش على المشتري ونشره وطيه وإحرازه وبيعه وشرائه وقبض ثمنه
وإيداعه الصندوق ونحو ذلك، وهذا النوع لو استأجر عليه فلا أجرة له، عملا
بالمعتاد، مضافا إلى الأصل.
وما جرت العادة بالاستيجار عليه - كالدلالة والحمل والكيل والوزن
ونقل الأمتعة الثقيلة، التي لم تجر عادة التجار بمباشرتها بأنفسهم بحسب
حال تلك التجارة من مثل ذلك التاجر - جاز له الاستيجار عليه.
ولو عمل بنفسه لم يستحق أجرة بحسب ما يقتضيه إطلاق كلامهم. لكن
لو قصد بالعمل الأجرة - كما يأخذ غيره أو أقل وقلنا بجواز أن يستأجر
الوكيل في الاستئجار نفسه - لم يبعد القول باستحقاقه الأجرة، سيما في
الأقل، للأولوية.
* (ويشترط في) * صحة المضاربة * (كون الربح مشتركا) * بينهما
بلا خلاف فيه فتوى ونصا مستفيضا.
ففي الموثق: عن مال المضاربة، قال: الربح بينهما، والوضيعة على
المال (1). ونحوه النصوص الآتية.
مع أنه لو اختص الربح بأحدهما كان بضاعة أو قرضا ومداينة، كما
مضى إليه الإشارة. لكن ذلك إذا لم يكن الدفع بصيغة المضاربة، وإلا
فيحتملهما وعدمهما.
وعليه يكون الربح كله للمالك وللعامل أجرة المثل، كما تقدم. وكذا على
الأول في صورة البضاعة، لكن لا أجرة للعامل، إما مطلقا، كما يقتضيه إطلاق
عبائر الجماعة، أو على التفصيل الذي قدمنا إليه الإشارة.
وعليه في الصورة الثانية يكون الربح كله للعامل، وللمالك رأس المال
بلا خلاف.

(1) الوسائل 13: 186، الباب 3 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 5.
75

* (ويثبت للعامل ما شرط له) * المالك * (من الربح) * من النصف أو
الثلث أو نحوهما * (ما لم يستغرقه) * على الأشهر الأظهر، بل عليه عامة من
تأخر، وفي المسالك (1) بل غيره أيضا إجماع المسلمين عليه، إلا شواذ منا،
لا يقدح خروجهم في الإجماع جدا.
والأصل فيه المعتبرة المستفيضة، الحاكمة في الربح بالشركة، وقد تقدم
جملة منها، وسيأتي إلى باقيها الإشارة.
وأما ما ربما يتخيل في دلالتها بأن الشركة فيه أعم من الاستحقاق منه
بحسب الشرط فلعلها بحسب ما يستحقه من الأجرة، والإضافة تكفي فيها
أدنى ملابسة.
فالمناقشة فيه واضحة، لأن استحقاق الأجرة إنما هو على المالك
لا على الربح، فإضافتها إليه لا وجه لها بالكلية.
هذا، مع منافاة ذلك لسياقها وما هو المتبادر منها جملة، مع وقوع
التصريح في بعضها بأن الربح بينهما على حسب ما شرط، وليس إلا
ما يحصل من الربح بقدر نصيبه دون أجرة المثل، فهو ضعيف جدا.
كالاستدلال للحكم بعمومي الأمر بالوفاء بالعقد (2) والالتزام
بالشرط (3)، لإفادتهما الوجوب من حينهما، ولم يقل به أحد أصلا.
* (وقيل) * كما عن النهاية (4) والمفيد (5) والقاضي (6) والتقي (7): * (للعامل

(1) المسالك 4: 363.
(2) المائدة: 1.
(3) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
(4) النهاية 2: 237.
(5) المقنعة: 633.
(6) نسبه إليه العلامة في المختلف 6: 240.
(7) الكافي في الفقه: 347، هذه عبارته: وإمضاء شرطها أفضل، فإن تنازعا فللمضارب
أجر مثله.
76

أجرة المثل) * والربح كله للمالك، لأن النماء تابع للمال، وفي إطلاقه منع.
ولجهالة العوض الموجبة لفساد المعاملة، وهو منتقض بكثير من العقود،
كالمزارعة.
ومرجعه إلى منع إفادة الجهالة فساد المعاملة على الإطلاق، وسنده مع
عموم دليل الإفادة ما قدمناه من الأدلة.
وما ذكروه اجتهادات في مقابلتها غير مسموعة، مع أن مرجعها - بل
صريح بعضها - إلى الحكم بفساد هذه المعاملة. والنصوص بخلافه - زيادة
على ما مر - مستفيضة من طرق الخاصة والعامة، وقد استعملها الصحابة،
فروي ذلك عن علي وابن مسعود وحكيم بن حزام وأبي موسى
الأشعري (1)، ولا مخالف لهم فيه.
* (و) * يجوز أن * (ينفق العامل في السفر) * الذي يعمل فيه للتجارة * (من
الأصل كمال النفقة) * وجميع ما يحتاج إليه فيه من مأكول وملبوس
ومشروب ومركوب وآلات ذلك، كالقربة والجواليق ونحوها، وأجرة
المسكن ونحو ذلك، على الأشهر الأظهر، وعليه عامة من تأخر، وعن
الخلاف الإجماع عليه (2). وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرين:
أحدهما الصحيح: في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال،
وإذا قدم بلده فما أنفق فهو من نصيبه. ونحوه الثاني القوي (3).
وقيل: بل الزائد عن نفقة الحضر خاصة، لأنه الحاصل بالسفر، وأما غيره
فليس السفر علة له (4).
وقيل: بل نفقة السفر كلها على نفسه كنفقة الحضر، لأن الأصل عدم

(1) المجموع 14: 360.
(2) الخلاف 3: 462، المسألة 6.
(3) الوسائل 13: 187، الباب 6 من أبواب أحكام المضاربة، الحديث 1 وذيله.
(4) القائل الشيخ في المبسوط 3: 172.
77

جواز التصرف إلا بما دل عليه الإذن، ولم يدل إلا على الحصة المعينة (1).
وكلاهما اجتهاد في مقابلة النص المعتبر، إلا أن يحمل ما في " ما أنفق "
على ما خص بالسفر، وهو خلاف الظاهر.
وحيث قلنا بجواز الإنفاق وجب عليه أن يراعي فيها ما يليق به عادة
مقتصدا، فإن أسرف حسب عليه، وإن أقتر لم يحسب له.
وإذا عاد من السفر فما بقي من أعيانها ولو من الزاد يجب رده إلى
التجارة، أو تركه إلى أن يسافر إن كان ممن يعود إليه قبل فساده. ثم إن كل ذا
* (ما لم يشترط) *.
ولو شرط عدمها لزم ولو أذن بعده فهو تبرع محض، ولو شرطها فهو
تأكيد، إلا أن يزيد المشترط على ماله إنفاقه. ويشترط حينئذ تعيينها، لئلا
يتجهل الشرط، بخلاف ما يثبت بأصل الشرع.
ولا يعتبر في ثبوتها حصول الربح، بل ينفق ولو من الأصل، لإطلاق
الفتوى والنص، ومقتضاهما إنفاقها من الأصل ولو مع حصول الربح، ولكن
ذكر جماعة إنفاقها منه دون الأصل.
وعليه، فليقدم على حصة العامل ومؤنة المرض في السفر، وكذا المدة
التي لم يشتغل فيها بالتجارة على العامل، وكذا سفر لم يؤذن فيه وإن استحق
الحصة.
والمراد بالسفر العرفي لا الشرعي، لانصراف الإطلاق إليه دون الأخير،
فإرادته منه مخالف للإطلاق، فيقتصر فيه على مورد الدليل، وليس هنا لا من
نص ولا فتوى، فينفق من الأصل وإن كان قصيرا أو أتم الصلاة، إلا أن
يخرج عن اسم المسافر، أو يزيد عما يحتاج التجارة إليه، فينفق من ماله

(1) القائل الشيخ في المبسوط 3: 172.
78

إلى أن يصدق الوصف.
ولو كان لنفسه أو لغيره غير هذا المال فالوجه التقسيط.
وقيل: إنه لا نفقة على مال المضاربة هنا (1). وهو أحوط وأولى.
وعلى الأول فهل هو على نسبة المالين، أو العملين؟ فيه وجهان.
* (و) * اعلم أنه لما كان المقصود من العقد أن يكون ربح المال بينهما
وجب أن * (لا يشتري العامل إلا بعين المال) * فإن ذلك لا يحصل إلا به،
لأن الحاصل بالشراء في الذمة ليس ربح هذا المال، مضافا إلى أن في الشراء
كذلك احتمال الضرر على المالك، إذ ربما يتلف رأس المال فيبقى عهدة الثمن
متعلقة بالمالك، وقد لا يقدر عليه، أو لا يكون له غرض في غير ما دفع.
* (و) * يتفرع عليه أنه * (لو اشترى في الذمة وقع الشراء له والربح له) *
ظاهرا وباطنا إن عين ذمته، أو أطلق ولم يعين ذمة، وللمالك إن عين ذمته
لفظا مع إذنه سابقا أو لاحقا، وبدونه يبطل.
ولو عينه قصدا لا لفظا حكم بالشراء له ظاهرا، ووقع للمالك باطنا
بشرط الإذن ولولا حقا، وإلا بطل بالإضافة إليه، كما تقدم.
ولا خلاف في شئ من ذلك على الظاهر، ولا إشكال أيضا، إلا في
صورة الشراء في ذمة المالك، أو الذمة مطلقا. فيحتمل الحكم بالشراء للمالك
ظاهرا وباطنا مطلقا وإن لم يأذن للعامل بالشراء كذلك صريحا، لما مر من
اقتضاء إطلاق الإذن تولي العامل ما يتولاه المالك، كعرض القماش ونحوه،
ومنه الشراء كذلك، بناء على غلبة تحققه منه ومن العامل، بل ومطلق
التجار (2)، فينصرف الإطلاق إليه أيضا.
ولم أر من تنبه لهذا الإشكال، إلا المقدس الأردبيلي (رحمه الله) في شرح

(1) ذكره صاحب الإيضاح 2: 319.
(2) في " ش ": التجارة.
79

الإرشاد (1)، وخالي العلامة دام ظله في حواشيه على الكفاية ورسالته
الفارسية في التجارة.
ويمكن تنزيل إطلاق كلمة الأصحاب عليه بصرفه إلى غير صورة غلبة
ذلك، ويكون مقصودهم بيان ما يقتضيه الإذن الحاصل من نفس العقد، دون
الحاصل به مع ضميمة أمر آخر من عادة أو غيرها، فإن ذلك أمر آخر.
ولكن على هذا يتجه سؤال الفرق بين جعلهم جواز تولي العامل ما
يتولاه المالك من مقتضيات العقد، معللين باقتضاء العرف ذلك، فيحمل
إطلاق الإذن عليه، وحكمهم هنا بوجوب الشراء بالعين، معللين باقتضاء
العقد ذلك، مع أن هذا مشارك للأول في اقتضاء العرف بالشراء في الذمة، كما
مر إليه الإشارة.
اللهم إلا أن يجعل وجه الفرق الاطمئنان بقضائه ثمة، وعدم اختلاف
العرف فيه، دون المسألة، للشك فيه، أو لاختلاف العرف، فلا يمكن جعل
الشراء في الذمة من مقتضى العقد على الإطلاق، بل يناط الأمر فيه بالعرف
حيث حصل.
فلا سبيل إلى جعل ذلك قاعدة كلية، بل القاعدة في مثله - كما يقتضيه
النظر والرجوع إلى حكم الأصل - هو الذي أسسوه من وجوب الشراء بالعين،
إلا مع إذن المالك به في الذمة، فيتبع حينئذ بما يستعقبه من تعلق عهدة الثمن
بذمته، ووجوب أدائه عليه دون العامل، بقي مال المضاربة، أم لا.
وعليه يكون المبيع مالا للمضاربة إن أدى ثمنها من مالها، وفاقا
للشيخ (2) وغيره، وتبعه الفاضل المقداد، قال: وحكى فيه هنا أقوالا غير

(1) مجمع الفائدة 10: 245.
(2) راجع النهاية 2: 238.
80

محصلة لا فائدة في ذكرها (1).
وبما ذكرناه من وجه الفرق تفطن الفاضل المقدس فقال - بعد
الاستشكال بنحو ما ذكرنا -: فتأمل، إذ قد لا يفهم - يعني الإذن بالشراء في
الذمة - ويتلف قبل الأداء لمانع غير اختياري (2).
* (ولو أمره) * المالك * (بالسفر إلى جهة) * معينة * (فقصد غيرها
ضمن) * مع التلف بلا خلاف، بل عليه الإجماع في السرائر (3) والغنية (4).
وهو الحجة، مضافا إلى الأصول، والنصوص المستفيضة.
منها - زيادة على ما يأتي إليه الإشارة - الصحيح: في الرجل يعمل المال
مضاربة، قال: له الربح، وليس عليه من الوضيعة شئ، إلا أن يخالف عن
شئ مما أمر به صاحب المال (5). ونحوه الموثق وغيره (6).
* (و) * يستفاد منها - بناء على الأقوى من رجوع الاستثناء المتعقب
للجمل المتعاطفة إلى الأخيرة خاصة - أنه * (لو ربح كان الربح بينهما
بمقتضى الشرط) * الذي وقع بينهما من نصف أو ثلث أو غيرهما، مضافا إلى
خصوص المعتبرة المستفيضة.
منها الصحيحان: في أحدهما: عن الرجل يعطي المال مضاربة وينهى أن
يخرج به فخرج، قال: يضمن المال والربح بينهما. ونحوه الثاني (7) والموثق،
والخبر القريب من الصحيح (8)، بل عد منه عند جماعة من المحققين.

(1) التنقيح 2: 220.
(2) مجمع الفائدة 10: 245.
(3) السرائر 2: 407.
(4) الغنية: 266.
(4) الغنية: 266.
(5) الوسائل 13: 181، الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 3.
(6) الوسائل 13: 181، الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 4 و 7.
(7) الوسائل 13: 181، الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1 و 5.
(8) المصدر السابق: 182، الحديث 6 و 10.
81

* (وكذا لو أمره بابتياع شئ) * معين * (فعدل إلى غيره) * ضمن مع
التلف، لعين ما تقدم من الأدلة، حتى الإجماع المنقول في السرائر والغنية.
ولو ربح كان بينهما للموثق - بل الصحيح، كما قيل - (1): في رجل دفع
إلى رجل مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة فذهب فاشترى به غير
الذي أمره، قال: هو ضامن والربح بينهما على ما شرط (2).
مضافا إلى عموم الصحيح: في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة
فيخالف ما شرط عليه، قال: هو ضامن والربح بينهما (3).
وهذه النصوص - مع اعتبار أسانيدها واستفاضتها واعتضادها بعمل
الأصحاب من غير خلاف يعرف، بل ظاهر المسالك الإجماع عليه (4) -
خالية عن المعارض، إلا ما يقتضيه القاعدة من فساد المضاربة، ووقوع
المعاملة فضوليا تقف على الإجازة تصح معها، والربح كله للمالك، وليس
للعامل شئ، وتبطل بدونها، ولكن لا مندوحة عن تخصيصها بها، لما مضى.
وربما وجهت بما تلتئم به معها، فقيل: وكان السبب في ذلك أن الغرض
الذاتي في هذه المعاملة هو الربح، وباقي التخصيصات عرضية، لا تؤثر في
فساد المعاوضة المخالفة، لحصول المقصود بالذات (5).
وهو كما ترى، ولذا صرح الموجه في محل آخر باختصاص الحكم
بموارد النصوص.
فقال: أما لو تجاوز بالعين والمثل والنقد - من وجوه التصرف حيث
تعينت - وقف على الإجازة، فإن لم يجز بطل (6).

(1) قاله صاحب مجمع الفائدة 10: 236.
(2) الوسائل 13: 182، الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة، الحديث 9.
(3) المصدر السابق: 181، الحديث 5.
(4) المسالك 4: 353.
(5) المسالك 4: 352 و 353.
(6) الروضة 4: 218.
82

وهو كما ترى في غاية الجودة، من حيث الدلالة على فساد التوجيه
المتقدم إليه الإشارة. ومحل مناقشة، من حيث تخصيصه الحكم بموارد
الأخبار المذكورة، لقوة احتمال التعدية إلى ما ذكره من الأمثلة، لدلالتها
عليها بالأولوية.
فإن الحكم فيها بصحة المضاربة مع المخالفة لما شرط عليه صريحا
يستلزم الحكم بصحتها مع المخالفة لما دل عليه عقد المضاربة التزاما -
كالأمثلة المذكورة - بطريق أولى. هذا إن أراد بالأمثلة ما يستفاد منها ضمن
العقد التزاما.
أما لو أراد بها ما شرط منها في ضمنه كان التعدية بالنص أيضا واضحة،
لعموم الصحيحين فيما شرط عليه، الشامل لاشتراط ما ذكره من الأمثلة.
ومرجع المناقشة على هذا إلى فساد دعوى أخصية الموارد، بل لا مورد
خاصا إلا في بعضها، كما لا يخفى.
* (وموت كل واحد منهما يبطل المضاربة) * بلا خلاف، لانتقال المال
إلى الوارث في موت المالك، فلا أثر لإذنه السابق في ملك الغير. واختصاص
الإذن في التصرف بالعامل، فلا يتعدى إلى وارثه بعد موته، مع أنها في معنى
الوكالة، والحكم فيها ذلك إجماعا. ولذا يلحق بالموت الخروج من أهلية
التصرف بنحو من الجنون والإغماء والحجر عليه لسفه. ويظهر وجهه مما
قدمناه في بطلان الشركة بذلك.
ثم إن كان الميت المالك وكان المال ناضا لا ربح فيه أخذه الوارث،
وإن حصل فيه ربح اقتسما بالشرط، ويقدم حصة العامل على جميع الغرماء،
لملكه لها بالظهور فكان شريكا للمالك، ولتعلق حقه بعين المال دون الذمة،
فليقدم.
83

وإن كان المال عرضا فللعامل بيعه مع رجاء الربح، وإلا فلا، كذا في
المسالك (1). وتأمل فيه صاحب الكفاية (2).
ولعله في محله، لانتقال المال إلى الوارث فليس له التصرف فيه
إلا بإذنه.
ومجرد رجاء الربح غير مجوز لذلك، وقال فيه: وللوارث إلزامه
بالانضاض إن شاء مطلقا (3). وتأمل فيه أيضا في الكفاية (4).
ولعل وجهه الأصل، وعدم موجب لتسلط الوارث عليه.
إلا أن يقال: إنه حق للمورث فينتقل إليه. فتأمل.
وإن كان الميت العامل، فإن كان المال ناضا ولا ربح أخذه المالك، وإن
كان فيه ربح دفع إلى الورثة حصتهم منه.
ولو كان هناك متاع واحتيج إلى البيع والتنضيض، فإن أذن المالك
للوارث فيه جاز، وإلا نصب له الحاكم أمينا يبيعه، فإن ظهر فيه ربح أوصل
حصة الوارث إليه، وإلا سلم الثمن إلى المالك.
وحيث حكم ببطلان المضاربة بالموت وأريد تجديدها مع وارث
أحدهما اشترط في الثانية شروط الأولى، من إنضاض المال، والصيغة،
وغيرهما. والوجه فيه واضح.
* (ويشترط في مال المضاربة أن يكون عينا) * لا دينا إجماعا، كما
يأتي * (دنانير أو دراهم) * إجماعا، كما في الروضة (5) [والمسالك] (6) وعن
التذكرة (7). وهو الحجة، مضافا إلى مخالفة المضاربة، للأصل الدال على

(1) المسالك 4: 353.
(2) كفاية الأحكام: 120 س 20.
(3) المسالك 4: 353.
(4) كفاية الأحكام: 120 س 21.
(5) الروضة 4: 219.
(6) لم يرد في المخطوطات.
(7) التذكرة 2: 230 س 37.
84

تبعية الربح للمال، واستحقاق العامل الأجرة مطلقا، أو في الجملة، حيث
يحكم فيها باشتراكهما في الربح على حسب الشرط. ولا دليل على صحتها
ولزوم الوفاء بمقتضاها، سوى عمومات الأمر بالوفاء بالعقود والشروط، ومر
الجواب عنه غير مرة، وإطلاقات أخبار المضاربة، وفي شمولها لمفروض
المسألة وما ضاهاه مما وقع فيه الخلاف والمشاجرة محل مناقشة، لعدم ما
يدل فيها على العموم سوى الإطلاق.
ويشترط في انصرافه إليه عدم ذكره لبيان أمر آخر غير محل الإطلاق،
وهذا الشرط فيها مفقود، لوضوح ورودها لبيان أحكام خاصة فيه دون بيان
جواز المضاربة على الإطلاق. وهذا واضح لمن تدبرها.
فينبغي الاقتصار في مثلها على المتيقن من النص والفتوى، وليس إلا
النقدين جدا.
* (و) * عليه، ف‍ * (لا يصح المضاربة بالعروض) * ولا الفلوس وغيرهما،
حتى النقرة بلا تردد وإن حصل من الماتن فيها في الشرائع (1). وليس في
محله، سيما مع صراحة الإجماعات المحكية في اشتراط النقدية والنقش
بسكة المعاملة. ومع ذلك صرح في المسالك (2) بمخالفة تأمله الإجماع،
وعدم موافق له فيه.
* (ولو قوم عرضا وشرط للعامل حصة من الربح) * فسد المضاربة،
لفقد الشرط، و * (كان الربح للمالك وللعامل الأجرة) * كما هو الحكم في كل
مضاربة فاسدة، وتقدم إلى وجهه الإشارة.
* (و) * الأظهر الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر أنه لا بد أن يكون
معلوم القدر، و * (لا يكفي مشاهدة رأس مال المضاربة ما لم يكن معلوم

(1) الشرائع 2: 139.
(2) المسالك 4: 355.
85

القدر) * إما للجهالة، أو للاقتصار فيما خالف الأصل المتقدم على المجمع
عليه المتيقن.
* (وفيه قول بالجواز) * للمبسوط (1)، وربما يعزى إلى المرتضى، لزوال
معظم الغرر بها (2). وهو ضعيف.
وأضعف منه الاكتفاء بالجزاف وإن لم يشاهد، كما حكاه في المختلف
عن الطوسي، وقواه، لعموم المؤمنون عند شروطهم (3).
وهو كما ترى، يظهر وجه النظر فيه مما مضى مرارا.
* (ولو اختلفا في قدر رأس المال) * فادعى العامل النقصان والمالك
الزيادة ولا بينة له * (فالقول قول العامل مع يمينه) * لأنه منكر والأصل معه.
وكذا يقبل قوله في قدر الربح، لأنه أمين فيقبل قوله فيه.
ولا خلاف فيهما، إلا من المحقق الثاني (4) والشهيد الثاني (5) في الأول،
فقيداه بصورة عدم ظهور الربح، وحكما فيه بأن القول قول المالك، لرجوع
الاختلاف حينئذ إلى الاختلاف في مقدار حصة العامل، والقول فيه قول
المالك على الأظهر الأشهر، لتبعية النماء للملك، فجميعه له، إلا ما أقر به
للعامل.
وهو حسن، إلا أن في إطلاق الحكم بذلك مع ظهور الربح إشكالا، لعدم
التلازم بين الاختلافين، فقد يختلفان في قدر رأس المال، ويتفقان مع ذلك
على كون الحاصل من الربح مقدارا معينا.
نعم لو اختلفا في مجموع ما في يد العامل فادعى المالك أن ثلاثة

(1) المبسوط 3: 199.
(2) قال: في كشف الرموز 2: 15، هذا القول حكى شيخنا عن المرتضى في الدرس وما وقفت
عليه.
(3) المختلف 6: 253.
(4) جامع المقاصد 8: 168.
(5) المسالك 4: 361.
86

أرباعه مثلا رأس المال والباقي ربح والعامل أن نصفه مثلا رأس المال
والباقي ربح اتجه ما ذكراه. ولعل هذا هو محط نظرهما وإن ادعيا التلازم بين
الاختلافين مطلقا.
* (ويملك العامل نصيبه من الربح بظهوره وإن لم ينص) * على المشهور
بين الأصحاب، بل لا يكاد يتحقق مخالف فيه منا، كما في المسالك (1)، ويفهم
من التذكرة (2). وهو الحجة، مضافا إلى النصوص المستفيضة المتقدمة
وغيرها، الدالة بإطلاقها على أن الربح بينهما، وهو يتحقق بمجرد ظهوره لغة
وعرفا.
وخصوص الصحيح: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى
أباه وهو لا يعلم، قال: يقوم، فإن زاد درهما واحدا انعتق واستسعى في مال
الرجل (3).
وهو كما ترى ظاهر في غاية الظهور، إذ لو لم يكن مالكا لحصته بمجرد
الظهور لم ينعتق عليه أبوه، مع أنه (عليه السلام) حكم بالانعتاق بمجرد زيادة القيمة
على رأس المال. ولا وجه له سوى دخوله في ملكه بنصيبه من الزيادة
فيسري العتق في الباقي، كما هو القاعدة في العتق.
وحكى فخر الإسلام عن والده: أن في المسألة أقوالا أخر ثلاثة: بين
حاكم بتوقف التملك على الانضاض، نظرا إلى عدم وجود الربح في الخارج،
بل هو مقدر موهوم، والمملوك لا بد أن يكون محقق الوجود فيكون الظهور
موجبا لاستحقاق الملك بعد التحقق. وقائل بتوقفه على القسمة، لاستلزام
التملك قبلها شيوع النقصان الحادث بعد ذلك في المال، كسائر الأموال

(1) المسالك 4: 371.
(2) التذكرة 2: 242 س 41.
(3) الوسائل 13: 188، الباب 8 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1.
87

المشتركة، والتالي باطل، لانحصاره في الربح، ولأنه لو ملك لاختص بربحه،
ولأن المضاربة معاملة جائزة والعمل فيها غير مضبوط، فلا يستحق العوض
فيها إلا بتمامه، كمال الجعالة. ووافقه ثالث في اعتبار القسمة، إلا أنه جعلها
كاشفة عن الملك لا مملكة، لأن القسمة ليست من الأسباب المملكة،
لانحصار المقتضي للملك في العمل خاصة، وهي دالة على تمامه الموجب
للملكية (1).
وهذه الأقوال - مع كونها اجتهادات صرفة في مقابلة النصوص
المعتبرة - غير معروفة القائل بين الخاصة والعامة - إلا الأول خاصة فقد
جعله في التذكرة للشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين (2)،
ووافقا في الباقي على الأول - مضعفة.
فالأول: أولا: بمنع عدم وجود الربح قبل الانضاض، لعدم انحصار المال
في النقد، فإذا ارتفعت قيمة العروض فرأس المال منه ما قابل رأس المال
والزائد ربح، وهو محقق الوجود.
وثانيا: بعدم تسليم أن غير متحقق الوجود غير مملوك، فإن الدين
مملوك، وهو في الخارج غير موجود.
والثاني: بعدم الملازمة بين الملك وضمان الحادث على الشياع. ويجوز
أن يكون مالكا، ويكون ما يملكه وقاية لرأس المال، فيكون الملك متزلزلا
واستقراره مشروطا بالسلامة.
ومنه يظهر وجه عدم المنافاة بين ملك الحصة وعدم ملك ربحها بسبب
تزلزل الملك، ولأنه لو اختص بربح نصيبه لاستحق من الربح أكثر مما شرط
له، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه، ولأن القسمة ليست من العمل في

(1) الإيضاح 2: 322، نقلا بالمضمون.
(2) التذكرة 2: 242 س 39.
88

شئ. فلا معنى لجعلها تمام السبب في الملك. فلا وجه لإلحاقها بالجعالة.
ومنه يظهر الوجه في ضعف الثالث وبعض وجوه الضعف وإن كان لا
يخلو عن نظر، إلا أن الخطب فيه بعد استناد الضعف حقيقة إلى ما قدمناه
سهل، ومع ذلك ما ذكر أيضا معاضد.
وعلى المختار ليس الملك تاما ولا على قرار، لأن الربح وقاية لرأس
المال، فلا بد للاستقرار من انضاض جميع المال وقدر رأس المال مع الفسخ،
أو القسمة، أو لا معهما على قول، وبدونه يجبر ما يقع في التجارة من تلف أو
خسران.
وهو محل وفاق - كما في المسالك (1) - وهو الحجة، مضافا إلى أن
معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال زمن العقد، فإذا لم يفضل شئ
فلا ربح.
ولا فرق في ذلك بين كون الربح والخسران في مرة واحدة أو مرتين،
وفي صفقة أم اثنتين، وفي سفرة أو سفرات، لعموم الحجتين.
* (ولا خسران على العامل) * وكذا لا تلف * (إلا) * أن يكون كل منهما
* (عن تعد أو تفريط) * منه في المال بلا خلاف، وبه صرحت النصوص
المستفيضة المتقدمة، القائلة أن له الربح ولا شئ عليه من الوضيعة، إلا أن
يخالف أمر صاحب المال (2).
* (وقوله مقبول في) * دعوى * (التلف) * مطلقا، بأمر ظاهر كان كالحرق،
أو خفي كالسرق، أمكنه إقامة البينة عليه، أم لا، لأنه أمين بلا خلاف فيه،
وفي قبول قوله في دعوى عدم التفريط والخسارة ورأس المال، كما مر.

(1) المسالك 4: 373.
(2) الوسائل 13: 181 و 182، الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 3 و 4 و 7.
89

* (ولا يقبل) * قوله في نصيبه من الربح على الأظهر الأشهر، كما مر، ولا
* (في الرد) * أي رد المال * (إلا ببينة على الأشبه) * الأشهر، بل لعله عليه
عامة من تأخر، لأصالة العدم، ولأن المالك منكر، فيكون القول قوله بيمينه
والعامل مدع فعليه البينة، كما هو القاعدة المطردة فتوى ورواية.
خلافا للمبسوط، فيقبل قوله بلا بينة، لأنه أمين كالمستودع (1).
وكلية الكبرى ممنوعة، وقياسه على المستودع مع فساده في الشريعة
قياس مع الفارق بلا شبهة، لكون قبض المستودع لنفع المالك، فهو محسن
محض، فلا سبيل عليه ببينة أو غيرها، ولا كذلك قبض العامل، فإنه لنفسه،
فلا إحسان يوجب نفي السبيل عنه والعدول به عن الأصل. فالاستدلال به
ضعيف.
كالاستدلال باستلزام عدم تقديم قبول قوله، الضرر المنفي، لجواز أن
يكون صادقا، فتكليفه بالرد ثانيا تكليف بما لا يطاق، لجريانه بعينه في عدم
تقديم قول المالك، لاستلزامه الضرر عليه، لجواز أن يكون المدعي كاذبا في
دعواه والمالك صادقا في إنكاره، وتكليفه برفع اليد عما دفعه فيه ما ادعى
في سابقه، ومع ذلك مطرد في كل مدع، مع أن الأدلة القاطعة فتوى ورواية
قد نهضت على فساده.
وهو على تقدير تماميته وسلامته عن النقضين استبعاد محض واجتهاد
صرف، غير ملتفت إليه في مقابلة تلك الأدلة.
* (ولو اشترى العامل أباه فظهر فيه ربح عتق نصيب العامل من الربح
وسعى العبد) * المعتق * (في باقي ثمنه) * للمالك بلا خلاف فيه في الجملة، بل
مطلقا، كما صرح به الفاضل الأردبيلي في شرح الإرشاد (2) ويفهم من

(1) المبسوط 3: 174، وفيه كالوكيل.
(2) مجمع الفائدة 10: 259.
90

المسالك أيضا (1) وعليه الإجماع في الغنية والسرائر (2). وهو الحجة، مضافا
إلى الصحيحة المتقدمة في بحث تملك العامل حصته من الربح بمجرد
ظهوره وإطلاقها، كالفتاوى، والإجماع في العامل يشمل صورتي يساره
وإعساره، وفي الربح صورتي ظهوره حال الشراء وبعده، بل النص عام لترك
الاستفصال فيه المقتضي له.
وقيل: باختصاص الحكم بالاستسعاء، وعدم السراية بإعسار العامل،
والحكم بها عليه مع يساره، لاختياره السبب الموجب لها، كما يأتي في بابه،
وحملت الرواية عليه، جمعا بين الأدلة (3).
وربما فرق بين ظهور الربح حالة الشراء وتجدده، فيسري في الأول،
دون الثاني.
قيل: ويمكن حمل الرواية عليه (4).
وهما اجتهاد في مقابلة النص الصحيح، المعتضد بعدم ظهور الخلاف،
والإجماع المحكي، مع ابتنائهما على القول بالسراية في العتق القهري.
وهي مع أن الأشهر على خلافها - كما حكي - مخالف للأصل القطعي،
مع أن القائل بهما غير معروف وإن حكى الأول في الروضة قولا (5)، ولكنه
في المسالك جعله كالثاني وجها (6)، وذكر فيهما ثالثا، وهو بطلان البيع
مطلقا، لأنه مناف لمقصود القراض، إذ الغرض منه هو السعي للتجارة، التي
تقبل التقليب للاسترباح، والشراء المتعقب للعتق ينافيه (7).

(1) انظر المسالك 4: 380.
(2) لم نجد فيهما الإجماع في خصوص المسألة، راجع الغنية: 267، والسرائر 2: 408.
(3) المسالك 4: 381.
(4) ذكره الشهيد الثاني في الروضة 4: 224.
(5) الروضة 4: 224.
(6) المسالك 4: 381.
(7) المسالك 4: 381، والروضة 4: 225.
91

لأنه ربما يعجز عن السعي والعامل عن أداء القيمة، وكلما كان فيه خطر
على المال أو كان مما لا مصلحة فيه لا يجوز للعامل فعله.
وهو كسابقه في الضعف، والمخالفة لإطلاق النص والفتاوى والإجماع
المحكي.
نعم له وجه في صورة علم العامل بالنسب، وعدم إذن المالك له في
شرائه، لاختصاص النص بصورة الجهل، إلا أن الحجة في انسحاب الحكم
فيها ليست بمنحصرة فيه، لما عرفت من إطلاق الفتاوى والإجماع المحكي.
ولكن الخروج بمجرده عن الدليل القطعي وجعله خاصا بالإضافة إليه
ليس على ما ينبغي، لاشتراط الصراحة أو ما يقرب منها في الخاص، حيث
يراد تقديمه على العام، سيما القطعي، ولا ريب في فقدهما.
فالأخذ بالعام هنا لعله أقوى، وفاقا للمحكي في بعض الحواشي عن
المحقق الشيخ علي (1).
* (ومتى فسخ المالك المضاربة) * قبل العمل، أو بعده، مطلقا كان المال
ناضا، أم لا، حصل فيه ربح، أم لا * (صح) * إجماعا، بناء على جواز العقد.
وليس للعامل شئ مع عدم عمل بلا خلاف.
* (و) * معه * (كان للعامل أجرته إلى ذلك الوقت) * الذي فسخ فيه إن لم
يكن ظهر ربح، وإلا فله حصة منه بلا خلاف في شئ من ذلك.
إلا من الشهيد الثاني (2) وتبعه المحقق الأردبيلي وغيره، فاستشكل في
الحكم بالأجرة على تقدير عدم الربح بأن مقتضى العقد استحقاق الحصة
خاصة إن حصلت لا غيرها، وتسلط المالك على الفسخ من مقتضياتها،
فالعامل قادم على ذلك، فلا شئ له سوى ما عين (3).

(1) لم نعثر عليه.
(2) المسالك 4: 383.
(3) مجمع الفائدة 10: 267.
92

ولعله في محله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، ومر ما يزيد في
تقريبه.
وظاهر العبارة وغيرها وصريح جماعة اختصاص ثبوت الأجرة بصورة
فسخ المالك خاصة، فلو فسخ العامل خاصة أو مع المالك، أو حصل الفسخ
لعارض من موت أو جنون أو غيرهما لم يكن له أجرة.
وهو كذلك، للأصل، وعدم جريان تعليل ثبوتها في الصورة الأولى من
تفويت المالك على العامل ما شرط له، فيستحق الأجرة على تقدير تمامه
هنا، سيما في صورة استناد الفسخ إلى العامل خاصة أو في الجملة، لحصول
التفويت من جهته.
خلافا للتذكرة، فأثبت له الأجرة كالصورة السابقة (1). ولا وجه له
بالكلية.
هذا على تقدير ثبوتها في تلك الصورة، وإلا فعدمها هنا ثابت
بطريق أولى.
* (ولو ضمن صاحب المال العامل) * أي جعله ضامنا لمال المضاربة
متى تلف انفسخت و * (صار الربح له) * للمعتبرة.
وفيها الصحيح وغيره: من ضمن تاجرا فليس له إلا رأس ماله، وليس له
من الربح شئ (2).
وإطلاقها - كالعبارة - يشمل صورتي قصدهما القرض أم المضاربة.
وربما يستشكل في كلتا الصورتين، فالأولى: بعدم اشتمال العقد على
ما يدل على القرض من العبائر المعتبرة في عقده، كأقرضتك ونحوه، إذ

(1) التذكرة 2: 246 س 26.
(2) الوسائل 13: 186 الباب 4 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1 و 2.
93

المفروض وقوع العقد بلفظ القراض، وأنه إنما ذكر فيه تضمين التاجر
خاصة. والثانية: بأن العقود تابعة للقصود، وهما قد قصدا المضاربة - كما هو
المفروض - فكيف يجعل قرضا بمجرد التضمين؟! مع عدم دلالته عليه
صريحا، بل ولا ظاهرا.
ومنافاته لمقتضى العقد لا يستلزم صيرورته قرضا، فليكن قراضا فاسدا
يكون المال للمالك وللعامل أجرة المثل، كما هو الضابط في كل قراض
فاسد. ولكن العدول بذلك عن المعتبرة السليمة عما يصلح للمعارضة عدا
القاعدة إشكال.
اللهم إلا أن تحمل على صورة وقوع القراض بغير لفظه، بل بنحو قوله:
خذه واتجر به وضمانه عليك، فإنه يكون حينئذ قرضا إجماعا، كما في
المهذب، قال معللا: نظرا إلى المعنى، وصونا للعقد عن الفساد، وللفظ المسلم
عن الهذر (1).
وهو حسن إن اقتصر في العبارة على ما مر، وإلا فلو زاد الشركة في
الربح لم يجر فيه أكثر ما ذكره من التعليلات، بل كلها، لتصادمها من طرفي
القرض والقراض.
هذا، وحمل المعتبرة على ذلك بعيد غايته، بل الظاهر أنه لا مندوحة عن
العمل بها مطلقا، كما في العبارة، وتبعه جماعة.
* (ولا يطأ المضارب) * بكسر الراء، وهو العامل * (جارية) * اشتريت
بمال * (القراض) * إجماعا إذا لم يكن المالك قد أذن له في وطئها.
* (و) * كذا * (لو كان المالك أذن له) * فيه مطلقا، أذن له سابقا على
الشراء، أو لاحقا، مع ظهور الربح على الأشهر.

(1) المهذب 2: 561.
94

استنادا في المنع في الصورة الأولى: إلى أن الإذن فيها لا أثر له، لأن
التحليل إما تمليك أو عقد، وكلاهما لا يصلحان قبل الشراء، فلا يتناوله
الحصر في قوله تعالى: " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " (1).
وفي الثانية: إلى الأدلة المانعة عن تحليل أحد الشريكين للآخر حصته
من الجارية المشتركة.
* (وفيه) * أي في وطئها بالإذن السابق * (رواية بالجواز) * رواها في
التهذيب عن الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد عن عبد الله بن
يحيى الكاهلي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قلت: رجل سألني أن أسألك أن
رجلا أعطاه مالا مضاربة يشتري له ما يرى من شئ فقال: اشتر جارية
تكون معك، والجارية إنما هي لصاحب المال، إن كان فيها وضيعة فعليه، وإن
كان ربح فله، للمضارب أن يطأها؟ قال: نعم (2).
وهي مع قصور سندها - بعدم صحة طريق الشيخ إلى الحسن، لتضمنه
واقفيا كهو وإن كانا ثقتين واشتراك محمد بن زياد وعدم توثيق عبد الله وإن
عد من الحسن - لا دخل لها بالمقام، لظهورها في عدم كون الجارية من مال
المضاربة.
ومع ذلك * (متروكة) * لتضمنها جواز الوطء بمجرد إذن المالك في
شرائها وكونها معه، وهو أعم من تحليله الوطء.
ولا دلالة للعام على الخاص بالبديهة، مع عدم فتوى إحديهما، سوى
الشيخ في النهاية (3)، ولم يوافقه من بعده، بل ولا قبله أحد من الطائفة.
فلا يخصص بها ما قدمناه من الأدلة على الحرمة وإن كانت بحسب

(1) المؤمنون: 6.
(2) التهذيب 7: 191، الحديث 845.
(3) النهاية 2: 242.
95

السند معتبرة في الجملة، لعدم الضعف بالحسن ومن قبله، لكونهما موثقين،
والموثق حجة، ولا بالكاهلي، لحسنه، وهو - كالسابقين - حجة.
واشتراك ابن زياد غير مضر، لظهوره في ابن أبي عمير، لغلبة التعبير به
عنه، وذهب جماعة إلى الجواز في الصورة الثانية، قدحا منهم في تلك الأدلة
المانعة. ولا يخلو عن قوة، كما سيأتي في بحث النكاح إليه الإشارة.
وهنا صورة أخرى ثالثة: هي الإذن في الوطء بعد الشراء، مع عدم ظهور
ربح أصلا، وحكمها الجواز عند جماعة مطلقا.
وينبغي القطع به مع القطع بعدم ظهور ربح، ويشكل مع عدم القطع به
واحتمال ظهوره إن قلنا بالمنع في صورته، لاحتمال حصول الشركة
الموجبة للمنع في نفس الأمر، فيجب الترك من باب المقدمة.
ويحتمل الجواز مطلقا، كما قالوه، لأصالة عدم الظهور.
ولا ريب أن الأحوط تركه.
* (ولا تصح المضاربة بالدين حتى يقبض) * بلا خلاف، بل عليه
الإجماع عن التذكرة (1). وهو الحجة، مضافا إلى بعض المعتبرة، كالقوي
المرتضوي: في رجل له على رجل مال فتقاضاه ولا يكون عنده ما يقضيه
فيقول: هو عندك مضاربة، قال: لا يصح حتى يقبضه (2).
ومثله ما لو أذن للعامل في قبضه من الغريم، فإنه لا يخرج بذلك عن
وقوع المضاربة بالدين، إلا أن يجدد عقدها بعد القبض.
* (ولو كان في يده) * أموال * (مضاربة) * لمتعددين * (فمات) * وعلم
بقاؤها في تركته * (فإن) * كان * (عينها لواحد) * منهم * (بعينه أو عرفت

(1) التذكرة 2: 231 س 29.
(2) الوسائل 13: 187، الباب 5 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1.
96

منفردة) * بالقرائن المفيدة للعلم فلا بحث * (وإلا تحاص فيه) * أي في
المجتمع من أموال المضاربة * (الغرماء) * وأرباب الأموال على نسبة
أموالهم، للخبر: من يموت وعنده مال مضاربة، فإن سماه بعينه قبل موته
فقال: هذا لفلان فهو له، وإن مات ولم يذكر فهو أسوة الغرماء (1). هذا إذا
كانت أموالهم مجتمعة في يده على حدة.
وأما إذا كانت ممتزجة مع جملة ماله مع العلم بكونه موجودا فالغرماء
بالنسبة إلى جميع التركة كالشريك، إن وسعت التركة أموالهم أخذوها، وإن
قصرت تحاصوا، كذا قيل (2).
والوجه في حرمان الورثة مع قصور التركة عن مالهم أو مساواتها له مع
فرض وجود مال للمورث غير واضح، إلا مع ثبوت موجب ضمان التالف
من أموالهم من تعد أو تفريط، لثبوت أمانته، وعدم ضمانه للتالف، إلا مع
أحد الأمرين، كما مر.
والاكتفاء في الضمان باحتمال أحدهما مدفوع بالأصل. وعموم " على
اليد ما أخذت حتى تؤدي " (3) مخصص بما دل على أمانته.
فالوجه ضرب الورثة مع الغرماء في التحاص وأخذهم جميع ما
لمورثهم مع العلم بعدم تلف شئ منه، ومع احتماله يتحاصون معهم بنسبة
مالهم.
ويمكن حمل كلام القائل عليه بتعميم الغرماء في كلامه للورثة بضرب
من التغليب.
ولكن يشكل بتوقف ذلك على معرفة مقدار مال الميت ومعلومية نسبته

(1) الوسائل 13: 191، الباب 13 من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1.
(2) قاله الشهيد في المسالك 4: 397.
(3) سنن البيهقي 6: 95.
97

بالإضافة إلى أموالهم، ولو جهل أشكل الحكم في ضربهم معهم في التحاص.
ثم كل ذا مع العلم ببقاء أموال المضاربة.
وأما مع الجهل به واحتمال تلفها يحكم بكون التركة ميراثا، عملا
بظاهر اليد.
ولكن مع ذلك هل يحكم بضمانه للمضاربة من حيث أصالة بقائه إلى أن
يعلم تلفه بغير تفريط ولعموم " على اليد ما أخذت حتى تؤدي "، أم لا،
لأصالة براءة الذمة وكونه أمانة غير مضمونة، وأصالة بقائه لا يقتضي ثبوته
في ذمته مع كونه أمانة؟ وجهان، أجودهما الأخير، يظهر وجهه مما مر عن
قريب.
z z z
98

كتاب
المزارعة والمساقاة
99

* (كتاب المزارعة والمساقاة) *
* (أما المزارعة) *
* (فهي) * لغة مفاعلة من الزرع، وهي تقتضي وقوعه منهما.
لكنها في الشرع صارت * (معاملة على الأرض بحصة) * معينة * (من
حاصلها) * سواء كان كل من البذر والعوامل للمالك، أو العامل، أو مشتركا،
وسواء كان كل من الأرض والعمل مختصا بأحدهما، أو مشتركا بينهما،
ونسب الفعل إليهما بفعل أحدهما مع طلب الآخر، فكأنه لذلك فاعل،
كالمضاربة.
وخرج بالمعاملة على الأرض المساقاة، فإنها بالذات على الأصول.
وبالحصة إجارة الأرض للزراعة أو الأعم، إذ لا تصح إلا بأجرة معلومة
لا بحصة من الحاصل.
هذا بحسب الاصطلاح، وإلا ففي الأخبار ربما تطلق المزارعة على ما
يشمل المساقاة، وربما تطلق على ما يشملهما وإجارة الأرض أيضا،
كالقبالة.
والثلاثة ثابتة بإجماعنا المستفيض النقل في عبائر جماعة من أصحابنا،
101

كالغنية (1) والتذكرة (2) والمهذب (3) والمسالك (4) وغيرها من كتب الجماعة،
ونصوصنا بها مع ذلك مستفيضة، معتضدة ببعض الأخبار العامية.
ففي الصحيح: عن المزارعة، قال: النفقة منك والأرض لصاحبها، فما
أخرج الله عز وجل منها من شئ قسم على الشرط، وكذلك أعطى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيبر حين أتوه فأعطاهم إياها أن يعمروها ولهم النصف مما
أخرجت (5). ونحوه غيره (6).
وهو مما يشمل المساقاة.
وعن الرجل يعطي الرجل أرضه وفيها الرمان والنخل والفاكهة ويقول:
اسق هذا من الماء واعمره ولك النصف مما خرج، قال: لا بأس (7).
وهو المساقاة.
وفي الصحيح: عن الرجل يتقبل الأرض بالدنانير أو بالدراهم، قال:
لا بأس (8).
وهو إجارة الأرض.
واستدل الأكثر بالصحيح السابق ونحوه على جواز المزارعة والمساقاة
بصيغة الأمر.
وفيه نظر، لقصور الدلالة أولا: بأن غايته نفي البأس، وهو لا يدل على
اللزوم المطلوب إثباته بالصيغة.

(1) الغنية: 290.
(2) التذكرة 2: 336 س 35.
(3) المهذب البارع 2: 566.
(4) المسالك 5: 7.
(5) الوسائل 13: 203، الباب 10 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 2.
(6) الوسائل 13: 200، الباب 8 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 8.
(7) الوسائل 13: 202، الباب 9 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 2.
(8) الوسائل 13: 209، الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 4.
102

وثانيا: بعدم تضمنه القبول ولو فعلا، وهو كاشف عن أن المراد من ذكر
ذلك بيان ما يصح مساقاته، لا صيغتها حتى يستدل به على ذلك.
فإذا الأحوط بل الأجود - وفاقا للشهيد الثاني - اعتبار الماضوية
والقبول اللفظي وسائر ما يعتبر في العقود اللازمة هنا أيضا (1)، اقتصارا فيما
خالف الأصل، الدال على عدم اللزوم على القدر المجمع عليه والمتيقن كونه
عقدا. وليس ما يتضمن الإيجاب بنحو من الأمر والقبول فعلا بمتيقن كونه
عقدا عرفا، حتى يدخل في حيز ما دل على لزومه. فافهم.
* (وتلزم المتعاقدين) * إجماعا، كما في المسالك (2) وغيره، لعموم الأمر
بالوفاء بالعقود (3)، إلا ما أخرجه الدليل، وليس هذا منه إجماعا، كما في
الروضة (4).
و * (لكن لو تقايلا) * وتفاسخا العقد * (صح) * الفسخ بلا خلاف يعرف، بل
قيل: كأنه الإجماع (5). وهو الحجة، مضافا إلى عموم أدلة استحباب الإقالة.
* (ولا تبطل بالموت) * ولا البيع بلا خلاف، للأصل وأن ذلك مقتضى
اللزوم، فإن مات المالك أتم العامل العمل، وإن مات العامل قام وارثه مقامه،
وإلا استأجر الحاكم من ماله أو مما يخرج من حصته من يقوم به، إلا إذا
شرط على العامل أن يعمل بنفسه ومات قبل ظهور الثمرة فيبطل بموته،
دون ما إذا مات بعده، لسبق ملكه.
وربما قيل: بالبطلان بموته في هذه الصورة (6) مطلقا ولو بعد ظهور
الثمرة.
ويستشكل بأنه قد ملك بظهورها الحصة.

(1) المسالك 5: 8.
(2) المسالك 5: 10.
(3) المائدة: 1.
(4) الروضة 4: 276.
(5) القائل صاحب مجمع الفائدة 10: 99.
(6) قاله صاحب كفاية الأحكام: 121 س 28.
103

ويمكن الجواب بنحو ما مر في المضاربة، من تزلزل الملكية، وعدم
استقرارها إلا بتمام العمل هنا، فلو مات قبله انتفى ملكه لها، فتأمل.
* (وشروطها ثلاثة) *.
أحدها: * (أن يكون النماء مشاعا) * بينهما * (تساويا فيه أو تفاضلا) *
فيه بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الغنية (1) وغيرها. وهو الحجة، مضافا
إلى كون عقد المزارعة والمساقاة على خلاف الأصل، لتضمنه جهالة
العوض، فيقتصر فيه على موضع الإجماع والنقل، وليس إلا مع إشاعة النماء.
ففي المعتبرة المستفيضة - وفيها الصحيح وغيره -: لا بأس بالمزارعة
بالثلث والربع والخمس (2).
وخصوص الصحيح: لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، ولكن بالنصف
والثلث والربع والخمس لا بأس به (3).
وعليه، فلو شرط لأحدهما شئ معين وإن كان البذر وللآخر الباقي
أولهما بطل، سواء كان الغالب أن يخرج منها ما يزيد على المشروط،
وعدمه.
خلافا للمحكي عن الشيخ (4) وجماعة، فجوزوا استثناء البذر من جملة
الحاصل، وفي المختلف جواز استثناء شئ مطلقا (5)، ورجحه في الكفاية،
استنادا إلى قوله سبحانه: " إلا أن تكون تجارة " الآية (6).
وهو كما ترى، إذ ليس المستفاد منه إلا الجواز مع المراضاة، وهو

(1) الغنية: 290.
(2) الوسائل 13: 200، الباب 8 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 7.
(3) الوسائل 13: 209، الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 1.
(4) النهاية 2: 268.
(5) المختلف 6: 192.
(6) كفاية الأحكام: 121 س 33.
104

لا يستلزم اللزوم مع فقدها ولو بعدها، كما هو المدعى، مع أنه مخصص بما
مضى، مضافا إلى ما دل على النهي عن التجارة المتضمنة للغرر والجهالة،
ومنها مفروض المسألة، كما مر إليه الإشارة، وبه صرح في الغنية.
فقال - بعد الاستناد إلى الإجماع -: ولأنه قد لا يسلم إلا ما عينه فيبقى
رب الأرض والنخل بلا شئ، وقد لا يعطب إلا غلة ما عينه فيبقى العامل
بغير شئ (1).
ولو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه مضافا إلى الحصة من ذهب
أو فضة صح على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وظاهر
المسالك (2) والمفلح الصيمري (3) عدم الخلاف فيه، حيث ذكرا جهالة القائل
بالبطلان، وأنه إنما حكاه الماتن (4) والعلامة (5).
وهو مع التمامية يصلح للحجية، مضافا إلى عموم الأدلة بلزوم الوفاء
بالعقود والشروط، السليمة عن المعارض من نحو ما قدمناه، من الغرر،
والجهالة، ولزوم كون النماء على الإشاعة، لخروجه عنه بالبديهة.
وفي المفاتيح: وفي بعض الأخبار عليه دلالة (6). ولعله ما أشار إليه في
الكفاية (7) من بعض المعتبرة: عن الرجل يزرع له الحراث الزعفران ويضمن
له أن يعطيه في كل جريب أرض يمسح عليه وزن كذا وكذا درهما فربما
نقص وغرم وربما استفضل وزاد، قال: لا بأس به إذا تراضيا (8).
وحيث صح يكون قراره مشروطا بالسلامة، كاستثناء أرطال معلومة

(1) الغنية: 290 و 291.
(2) المسالك 5: 12.
(3) غاية المرام: 88 س 4 (مخطوط).
(4) الشرائع 2: 150.
(5) المختلف 6: 193.
(6) مفاتيح الشرائع 3: 96، مفتاح 955.
(7) كفاية الأحكام: 121 س 34.
(8) الوسائل 13: 206، الباب 14 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 1.
105

من الثمرة في المبايعة.
ولو تلف البعض سقط من الشرط بحسابه، لأنه كالشريك وإن كانت
ولو تلف البعض سقط من الشرط بحسابه، لأنه كالشريك وإن كانت
حصة معينة.
ويحتمل قويا أن لا يسقط شئ بذلك، عملا بإطلاق الشرط، إلا أن
يكون هناك عرف يوجب الصرف إلى الأول فيتبع.
* (و) * ثانيها: * (أن يقدر لها مدة معلومة) * يدرك فيها الزرع علما أو
ظنا، وفاقا لشيخنا الشهيد الثاني (1) وجماعة، فلو لم يعين مدة أو عين أقل
من ذلك بطل، لأن مقتضى العقد اللازم ضبط أجله، والأجل الناقص خلاف
وضع القبالة، وتفويت للغرض منها.
خلافا لظاهر اطلاق العبارة هنا وفي الشرائع (2) والإرشاد (3) في الثاني،
فجوزوا الاقتصار على المدة الناقصة. قيل: لجواز التراضي بعدها (4).
ويضعف: بعدم لزومه، فلا يعلق عليه شرط اللازم.
ولبعض متأخري الأصحاب في الأول إذا عين المزروع مدعيا على
خلافه الوفاق (5)، وجعله في الشرائع وغيره وجها ولم يذكروه قولا (6).
وفيه نوع إشعار بالوفاق كما ادعاه، فإن تم كان هو الحجة، وإلا فما
اختاره من عدم اعتبار ذكر المدة في تلك الصورة لا يخلو عن قوة، إقامة
للعادة مقام ذكر المدة وإن كان ما ذكره الأصحاب أحوط البتة، سيما مع عدم
الخلاف وقوة احتمال انعقاد الإجماع.

(1) المسالك 5: 15.
(2) الشرائع 2: 150.
(3) الإرشاد 1: 426.
(4) قاله صاحب مفاتيح الشرائع 3: 97، مفتاح 956.
(5) قال السيد العاملي: المراد به صاحب المسالك، راجع مفتاح الكرامة 7: 308 س 16.
(6) الشرائع 2: 150.
106

وحيث عينت ومضت والزرع باق لم يدرك لفساد الظن كان للمالك
إزالته على الأشهر الأظهر، لانقضاء المدة التي يستحق فيها التبقية، والأصل
تسلط المالك على ملكه كيف شاء.
وفيه قول بالعدم مطلقا، وآخر به مع عدم الأرش، وأما معه فالأول، وهو
أحوط. وأحوط منه العدم المطلق.
وعليه، ففي استحقاق المالك الأجرة كما عن التذكرة (1)، أو لا كما عن
القواعد (2) - وليس كذلك، لاختياره الأول - قولان: أجودها الأول.
أما لو اتفقا على التبقية جاز بعوض وغيره، إلا أنها مع العوض يفتقر في
لزومها إلى تعيين مدة زائدة، كالإجارة.
ولو ترك المزارعة حتى انقضت المدة لزمته أجرة المثل، مع تمكين
المالك له منها، كالإجارة، لتفويت منفعتها عليه.
ولا فرق في ذلك عند الأكثر بين الترك اختيارا، أو غيره. وقيل:
بالاختصاص بالأول (3). ولا يبعد.
* (و) * ثالثها: * (أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها) * في الزراعة
المقصودة منها، أو في نوع منها مع الإطلاق، بأن يكون لها ماء من نهر أو بئر
أو مصنع، أو تسقيها الغيوث غالبا، أو الزيادة كالنيل.
والضابط: إمكان الانتفاع بزرعها المقصود عادة، فإن لم يكن بطلت
المزارعة وإن رضي العامل.
فالوجه في اشتراطه ظاهر، لمنافاة عدم الإمكان بها للعقد، لانصرافه إلى
ما يمكن حصول المقصود من المزارعة منه، إذ مع غيره تكون لغوا.

(1) لم نعثر عليه في التذكرة.
(2) القواعد 1: 237 س 20.
(3) قاله الشهيد الثاني في المسالك 5: 18.
107

هذا، مضافا إلى مخالفة أصل هذا العقد من حيث تضمنه جهالة العوض
للأصل، فيقتصر فيه على المتيقن من النص والإجماع، وليس إلا مع إمكان
الانتفاع.
مع أنه لا خلاف في اشتراطه في الجملة وإن اختلفوا في متعلقه هل هو
الصحة مطلقا كما هو ظاهر العبارة فيبطل العقد مع عدمه مطلقا ولو مع العلم
بفقده ابتداء أو عدمه بعد وجوده، أو في صورة الجهل بعدمه حين العقد
خاصة كما هو ظاهر الفاضل في الإرشاد حيث حكم بالبطلان بعدمه إلا مع
العلم به (1). أو اللزوم في صورة الجهل خاصة فللعالم الخيار فيها بعد العلم.
وأما صورة العلم ابتداء بعدمه حين العقد فليس بشرط أصلا، بل يلزم فيها،
كما هو صريح القواعد (2). ووجهه كالسابق غير واضح بعد ما قررناه،
سيما هذا.
وحمل على محامل مع بعدها لا ينطبق شئ منها مع ما قدمناه من
الأدلة. وقريب منهما في الضعف ما ذكره الفاضلان (3) وتبعهما الشهيدان في
الروضتين (4) من أن مع انقطاع الماء في الأثناء يتخير العامل بين الفسخ
والإمضاء.
قيل: لطرو العيب، ولا يبطل العقد، لسبق الحكم بصحته فيستصحب،
والضرر يندفع بالخيار (5). وفيه نظر.
قالوا: فإن فسخ فعليه من الأجرة بنسبة ما سلف من المدة، لانتفاعه
بأرض الغير بعوض لم يسلم له، وزواله باختياره الفسخ.

(1) الإرشاد 1: 427.
(2) القواعد 1: 238 س 1.
(3) الشرائع 2: 151، والقواعد 1: 238 س 3.
(4) اللمعة والروضة 4: 279.
(5) قاله الشهيد الثاني في الروضة 4: 279.
108

ويشكل بأن فسخه لعدم إمكان الإكمال، وعمله الماضي مشروط
بالحصة لا بالأجرة، فإذا فاتت بالانقطاع ينبغي أن لا يلزمه شئ آخر. نعم
لو كان قد استأجرها للزراعة توجه.
وبالجملة: لزوم الأجرة عليه - لما سلف - من أحكام الإجارة دون
المزارعة إذ لا شئ عليه فيها سوى الحصة، وقد فاتت.
وحيث استفيد من حقيقة المزارعة أن المعقود عليه هو الأرض ينبغي
أن تكون مملوكة ولو منفعة، وصرح جماعة من المحققين بكفاية الأولوية
الحاصلة في الأرض الخراجية وبالإحياء إن لم نقل بكونه مفيدا للملك، وفي
النصوص ما يدل على جواز تقبيل الأرض الخراجية للزراعة.
ففي الصحيح: عن مزارعة أهل الخراج بالربع والثلث والنصف، فقال:
لا بأس (1).
وفي آخر: عن الرجل يكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى
الرجل أن يعمرها ويؤدي خراجها وما كان من فضل فهو بينهما، قال:
لا بأس (2). إلى غير ذلك من النصوص.
خلافا للمسالك (3)، فمنع عن مزارعتها إلا مع الحيل التي فيه ذكرها.
والمعتبرة حجة عليه كما ترى. وحملها على صورة الحيل بعيد جدا.
* (وله) * أي للعامل * (أن يزرع الأرض بنفسه وبغيره ومع غيره) * وإن
لم يأذن المالك، سواء كان ذلك بعنوان التوكيل والاستنابة، أو نقل بعض
الحصة بعنوان الشركة والمزارعة الثانية.

(1) الوسائل 13: 200، الباب 8 من أبواب أحكام المزارعة الحديث 8.
(2) الوسائل 13: 203، الباب 10 من أبواب أحكام المزارعة الحديث 2.
(3) المسالك 5: 9.
109

قالوا: لنقل منفعة الأرض إليه بالعقد اللازم، والناس مسلطون على
أموالهم. وقيل: لا يجوز له تسليم الأرض إلا بإذن المالك كما في الإجارة.
وقيل: إنما يجوز مزارعة غيره أو مشاركته له إذا كان البذر منه، ليكون
تمليك الحصة منوطا به، ولأن الأصل أن لا يتسلط على البذر إلا المالك
أو من أذن له. وأما المساقاة فليس للعامل فيها أن يساقيه، لأنه لا يملك
منها سوى الحصة من الثمرة بعد ظهورها، والأصل فيها للمالك، وهو فيها
كالبذر في المزارعة، فيعامل عليه من يملكه، وهو للعامل مقصود بالعرض
كالأرض للمزارع (1).
وهو أحوط في الجملة وإن كان القول بعدم اشتراط كون البذر منه في
الجواز لا يخلو عن قوة، مع كونه الأشهر بين الطائفة، بل عليه الإجماع في
ظاهر الغنية (2) * (إلا أن يشترط عليه زرعها بنفسه) * فلا يجوز التعدي
إجماعا، لأن المؤمنين عند شروطهم.
* (و) * كذا له مع إطلاق المزارعة * (أن يزرع ما شاء) * على الأظهر
الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي ظاهر الغنية الإجماع عليه (3). وهو
الحجة، مضافا إلى ما قيل من دلالة المطلق على الماهية من حيث هي، وكل
فرد من أفراد الزرع يصلح المطلق أن يوجد في ضمنه (4).
وهو حسن إن تساوت أفراد الماهية في التبادر والغلبة، وإلا فما ذكره
محل مناقشة، بل الظاهر تعين الراجح بأحد الأمرين، كما قالوا بمثله في
مواضع عديدة.
فلولا إجماع الغنية المعتضدة بالشهرة لكان المصير إلى ما ذكرناه في

(1) قاله صاحب مفاتيح الشرائع 3: 98، مفتاح 959.
(2) الغنية: 292.
(3) الغنية: 291.
(4) قاله الشهيد الثاني في الروضة 4: 280.
110

غاية القوة، وبه صرح بعض الأفاضل.
فقال: والحق أن الإطلاق إن اقتضى بالنظر إلى ذلك الأرض وذلك الوقت
تعيين نوع من الزرع تعين، وإلا فالأولى مراعاة مصلحة المتعاملين أو
المالك، كما في إطلاق الوكالة وغيرها من العقود (1). انتهى.
نعم لو عمم الإذن اتجه ما ذكروه، لدلالته على كل فرد فرد.
وكيف كان، فتعين نوع الزرع بالخصوص غير لازم، لكون كل من
العموم والإطلاق المتساوي الأفراد في حكم التعيين، من حيث دخول جميع
الأفراد فيهما، عموما في الأول، وإطلاقا في الثاني، فيكون المالك بهما قادما
على آخر الأنواع.
وكذا المطلق الغير المتساوي الأفراد إذا كان الآخر من الأفراد الراجحة،
ويكون غير الآخر داخلا بالأولوية. ولو انعكس فكان الآخر من الأفراد
المرجوحة، فإن قلنا بتعين الراجح كان عن الإطلاق خارجا، ويكون صرفه
إلى الراجح من قبيل تعيينه، وإن قلنا بعدم تعينه ولزوم الصرف إلى جميع
أفراده - نظرا إلى ما قدمناه من الدليل - كان كذلك، لكون الدليل كالرجحان
الموجب للتعيين.
فعلى أي تقدير تعيين النوع بالخصوص غير محتاج إليه.
فما عن التذكرة من لزومه لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس
المزروعات فيلزم بتركه الغرر (2) غير ملتفت إليه، فإن ما ذكرناه بجميع
تقاديره في حكم التعيين، فلا غرر يلزم بتركه.
فلا ريب في صحة العقد وتخير العامل في زرع ما شاء مع العموم

(1) لم نقف على من صرح به غير السيد العاملي في مفتاح الكرامة 7: 321.
(2) التذكرة 2: 340 س 5، وفيه اختلاف يسير.
111

أو الإطلاق مطلقا، أو في الجملة * (إلا أن يعين له) * المالك شيئا من الزرع
فلا يجوز التعدي عما عين له، سواء كان المعين شخصيا كهذا الحب، أو
صنفيا كالحنطة الفلانية، أم نوعيا، أم غيره بلا خلاف، بل عليه الإجماع
ظاهرا، وصرح به في الغنية (1). وهو الحجة، مضافا إلى عموم أدلة لزوم
الوفاء بالعقود والشروط.
فلو خالف وزرع الآخر ففي بطلان المزارعة مع انقضاء المدة ولزوم
أجرة المثل عما زرعه، أو تخير المالك بين الفسخ فله الأجرة والإبقاء فله
المسمى والأرش، قولان:
من أن مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفى بزيادة في ضمن زرع
الآخر، فيتخير بين الفسخ لذلك، فيأخذ الأجرة لما زرع، لوقوعه أجمع بغير
إذنه، لأنه غير المعقود عليه، وبين أخذ المسمى في مقابلة مقدار المنفعة
المعينة مع أخذ الأرش في مقابلة الزائد الموجب للضرر.
ومن أن الحصة المسماة إنما وقعت في مقابلة الزرع المعين ولم يحصل،
والمزروع لم يتناوله العقد ولا الإذن، فلا وجه لاستحقاق المالك فيه الحصة.
ولعل هذا هو الأجود، وفاقا للشهيد الثاني (2) وغيره، خلافا للماتن في
الشرائع (3) وغيره، فالأول.
ومن وجه المختار يظهر وجه الإشكال فيما ذكره جماعة من الأصحاب،
من أن للعامل زرع ما هو أقل ضررا، فيستحق ما سماه من الحصة ولا أرش
ولا خيار، لعدم الضرر، وذلك لأنه غير معقود عليه أيضا فكيف يستحق فيه
شيئا؟ مع أنه نماء بذر العامل الذي لا دليل على انتقاله عن ملكه.

(1) الغنية: 291.
(2) الروضة 4: 282.
(3) الشرائع 2: 151.
112

والاعتذار بأن الرضا بزرع الآخر بالنسبة إلى الأرض يقتضي الرضا
بالأقل ضررا، مضعف بأن غرض المالك ليس منحصرا فيما يتعلق بمصلحة
الأرض، بل القصد الذاتي إنما هو الانتفاع بالزرع ومصلحة الأرض تابعة،
وليست بالذات مقصودة.
ولا شك أن الأغراض مختلف في أنواع المزروع، فربما كان غرضه في
الأشد ضررا من حيث نفعه أو الحاجة إليه وإن حصل للأرض ضرر، ولا
يتعلق غرضه بالأخف وإن انتفعت الأرض به.
نعم مثل هذا يجري في إجارة الأرض لزرع نوع معين فإن عدول
المستأجر إلى زرع الأخف متجه، لأن الغرض في الإجارة للمالك تحصيل
الأجرة خاصة، وهي على التقديرين حاصلة، ويبقى معه زيادة تخفيف
الضرر عن أرضه.
* (وخراج الأرض) * وأجرتها * (على صاحبها) * بلا خلاف، كما يستفاد
من النصوص، لأنه موضوع عليها * (إلا أن يشترطه على الزارع) * كلا أو
بعضا فيجب عليه مع تعيينه، عملا بمقتضى الشرط.
* (وكذا لو زاد السلطان) * فيه * (زيادة) * وطلبها من الزرع وجب على
صاحب الأرض دفعها إليهم، كما في الخبر.
وفيه قصور من حيث السند، ومخالفة المتن للقاعدة، فإن المظلوم من
ظلم، والغرامة على الظالم، ولذا أن الراوي قال بعد الحكم: أنا لم أظلمهم ولم
أزد عليهم، قال: إنهم إنما زادوا على أرضك (1).
ويستفاد من التعليل انسحاب الحكم في كل موضع يشابه مورده،
كما يتفق كثيرا في أمثال بلادنا من الظلم على سكنة الدور بمال يكتب
عليها لا عليهم.

(1) الوسائل 13: 211، الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 10.
113

فمقتضى الأصل والقاعدة براءة ذمة أربابها، وصرف الغرامة إلى السكنة،
فإن المظلوم من ظلم.
إلا أن التعليل في الخبر - كما ترى - يقتضي خلافه، وصرف الغرامة إلى
أرباب الدور، لوضع الغرامة عليها دون ساكنيها.
ولكن الحال في السند كما ترى، ولا أجد له جابرا، فيشكل الحكم به
هنا أيضا.
ولو شرط عليه الخراج كملا فزاد السلطان فيه زيادة فهي على صاحب
الأرض، كما في المسالك (1)، لأن الشرط لم يتناولها، ولم تكن معلومة، فلا
يمكن اشتراطها.
واستشكله من متأخري المتأخرين جماعة (2)، نظرا إلى كثير من
المعتبرة الدالة على اغتفار مثل هذه الجهالة، فيجوز اشتراط تلك الزيادة وإن
لم تكن معلومة.
ففي الصحيح: الرجل يكون له الأرض عليها خراج معلوم ربما زاد
وربما نقص فيدفعها إلى الرجل على أن يكفيه خراجها ويعطيه مائتي درهم
في السنة، قال: لا بأس (3). ونحوه غيره.
وفي الدلالة ضعف، فإن غايته نفي البأس الغير الملازم للزوم الذي هو
المطلوب، لأعميته منه، فقد يجامع جواز الرجوع ويكون المطلوب من نفي
البأس حينئذ بيان الجواز مع حصول التراضي.
ألا ترى إلى الصحيح: عن القوم يدفعون أرضهم إلى رجل فيقولون:

(1) المسالك 5: 34.
(2) الحدائق 21: 337، وكفاية الأحكام: 122 س 23.
(3) الوسائل 13: 212، الباب 17 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 1.
114

كلها وأد خراجها، قال: لا بأس به إذا شاؤوا أن يأخذوها أخذوها (1).
قد حكم فيه بنفي البأس عن نحو ذلك، مع تصريحه بجواز الرجوع.
فظهر أن المراد من نفي البأس حيث يطلق إنما هو بيان الجواز المطلق
لا اللزوم.
إلا أن يقال: بأن المقصود من التمسك بنفي البأس إنما هو إثبات الجواز
دفعا لما يتوهم من النهي عنه، الناشئ من الجهالة. وحيث ثبت الجواز ثبت
اللزوم حيث يذكر في العقد اللازم، عملا بما دل على لزومه.
وهذا هو السر في تمسك الأصحاب في القول بلزوم كثير من الشروط
في العقود اللازمة بالنصوص، التي غايتها نفي البأس عنها، لا الحكم بلزومها.
ولكن هذا إنما يتم لو دلت النصوص على نفي البأس عنها وإن ذكرت
في العقد اللازم، وإلا فالتمسك بها لذلك محل إشكال.
والمناط في نفي البأس حيث يذكر في غير العقود اللازمة هو حصول
المراضاة، والغرر والجهالة لعلهما مغتفران معها فيما عداها، لجواز الرجوع
بعد ظهور الغرر دونها، لعدم جوازه فيها للزومها، ولعله لهذا نهى عنها.
ونصوص المسألة لعلها من هذا القبيل، إذ لم يذكر فيها وقوع اشتراط
ذلك في ضمن عقد لازم، فكيف يستدل بها على الجواز ولو ذكر فيه؟ إلا أن
يتمسك بإطلاق نفي البأس، الشامل لصورتي وقوع الشرط في ضمن العقد
اللازم وغيره.
إلا أن في الخروج بمثله عن (2) عموم ما دل على النهي عن الغرر
والجهالة إشكالا.

(1) الوسائل 13: 212، الباب 17 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 3.
(2) في المطبوع و " ه‍ ": من.
115

ونحو الخراج المؤنة التي يتوقف عليها العمل ولا يتعلق بنفس العمل
والتنمية، كاصلاح النهر والحائط وإقامة الدولاب، وبالجملة: ما لا يتكرر كل
سنة، لأنها من متممات الأرض، دون ما فيه صلاح الزرع وبقاؤه مما يتكرر
كل سنة كالحرث والسقي وآلاتهما وتنقية النهر وحفظ الزرع وحصاده، فإن
ذلك كله على العامل، لأنه من جملة العمل.
ولو شرط من عليه المؤنة إياها على الآخر كلا أو بعضا لزم، عملا
بمقتضى الشرط.
* (و) * يجوز * (لصاحب الأرض) * وكذا الأصول * (أن يخرص على
الزارع) * بعد انعقاد الحب وظهور الثمرة بأن يقدر ما يخصه من الحصة
تخمينا ويقبله به بحب ولو منه بما خرصه به.
* (والزارع بالخيار في القبول) * ولا يلزمه بلا خلاف، للأصل * (فإن
قبل) * لزم، ولكن * (كان) * في المشهور، بل قيل: لا يكاد يتحقق فيه
خلاف (1) * (استقراره مشروطا بسلامة الزرع) * والثمرة من الآفة الإلهية،
فلو تلف أجمع فلا شئ على الزارع، ولو تلف البعض سقط منه بالنسبة.
ولا نص فيه، ولا قاعدة تقتضيه، فإن كان إجماع، وإلا ففيه كلام مضى،
كسائر ما يتعلق بالمقام من النصوص، وخلاف الحلي (2) في أصل الحكم في
باب بيع الثمار.
وأما لو أتلفه متلف ضامن لم يتغير المعاملة قولا واحدا، وطالب المتقبل
المتلف بالعوض.
ولو زاد فالزائد للمتقبل، ولو نقص بسبب الخرص لم يسقط بسببه شئ
بلا خلاف، للأصل في المقامين، مضافا إلى الخبرين.

(1) قاله صاحب مجمع الفائدة 10: 116.
(2) السرائر 2: 450.
116

أحدهما الموثق: عن الرجل يمضي ما خرص عليه في النخل، قال:
نعم، قلت: أرأيت إن كان أفضل مما خرص عليه الخارص أيجزئه ذلك؟
قال: نعم (1).
وثانيهما المرسل: إن لنا أكرة فنزارعهم فيقولون لنا قد حزرنا هذا الزرع
بكذا وكذا فأعطوناه ونحن نضمن لكم أن نعطيكم حصته على هذا الحزر،
قال: وقد بلغ، قلت: نعم، قال: لا بأس بهذا، قلت: فإنه يجئ بعد ذلك فيقول
لنا أن الحزر لم يجئ كما حزرت قد نقص، قال: فإذا زاد يرد عليكم، قلت:
لا، قال: فلكم أن تأخذوه بتمام الحزر، كما أنه إذا زاد كان له كذلك إذا
نقص (2).
ويستفاد منه - مضافا إلى الاتفاق، كما حكى - اشتراط الخرص ببلوغ الزرع،
وهو مقتضى الأصل الدال على فساد هذه المعاملة، كما تقدم في كلام الحلي،
فيقتصر فيها على مورد الإجماع والنص، وليس إلا الخرص بعد البلوغ.
ففي الصحيح الوارد في تقبيل الخيبر: فلما بلغت الثمرة أمر عبد الله بن
رواحة فخرص عليهم، الحديث (3).
* (وتثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه المزارعة) * لصاحب
الأرض إن كان البذر من الزارع، والحاصل له إن كان البذر منه، وعليه أجرة
مثل العامل والعوامل والآلات.
ولو كان البذر منهما فالحاصل بينهما على نسبته، ولكل منهما على
الآخر أجرة مثل ما يخصه على نسبة ما للآخر من الحصة، فلو كان البذر
بينهما بالنصف مثلا رجع المالك بنصف أجرة أرضه والعامل بنصف أجرة

(1) الوسائل 13: 206، الباب 14 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 3.
(2) الوسائل 13: 206، الباب 14 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 4.
(3) الوسائل 13: 19، الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 3.
117

عمله وعوامله وآلاته. وعلى هذا القياس باقي الأقسام.
ولو كان البذر من ثالث فالحاصل له وعليه أجرة مثل الأرض، وباقي
الأعمال وآلاتها لصاحبها بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، ويظهر وجهه
مما ذكرناه في المضاربة الفاسدة.
وإطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في ثبوت الأجرة، لمن
ليس له البذر على الآخر في مقابلة أرضه أو عمله بين أن يكون هناك
حاصل، أم لا.
* (وتكره إجارة الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير) * مطلقا منها كانا،
أو من غيرها، زرعت بجنسهما، أم بغيرهما استنادا في الجواز إلى الأصل
والعمومات، وفي الكراهة إلى شبهة الخلاف واحتمال التحريم فتوى ورواية.
خلافا للأشهر فيما إذا كانا منها، فقالوا فيه بالحرمة إذا اشترط، بل نفى
عنه الخلاف بعض الأجلة (1).
قالوا: لأن خروج ذلك القدر منها غير معلوم، فربما لا يخرج منه شئ
أو يخرج بغير ذلك الوصف، ومن ثم لم يجز السلف في حنطة من قراح
معين، لذلك، وللخبرين عن إجارة الأرض بالطعام، فقال: إن كان من طعامها
فلا خير فيه (2).
ويضعف الأول: بمنعه على إطلاقه، إذ ربما كانت الأرض واسعة
لا تحبس بذلك القدر عادة، فلا يتم إطلاق المنع.
والخبران بقصور السند والدلالة، فإن نفي الخبر أعم من الحرمة، بل ربما
أشعر بالكراهة.

(1) الحدائق 21: 291.
(2) الوسائل 13: 210 و 211، الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 5 و 9.
118

ويمكن الذب عن الأول: بتتميم الإطلاق بعدم القائل بالفرق.
وعن الثاني: بانجبار قصور السند بالشهرة المحكية في كلام جماعة، مع
أن سند أحدهما صحيح إلى صفوان، وجهالة من بعده مجبورة بكونه ممن
اجتمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة. والدلالة بورود النهي الظاهر في
الحرمة عن إجارة الأرض بالطعام في كثير من المعتبرة.
وفيها الموثق كالصحيح وغيره: لا تؤاجر الأرض بالحنطة والشعير ولا
بالتمر ولا بالأربعاء ولا بالنطاف، ولكن بالذهب والفضة، لأن الذهب والفضة
مضمون وهذا ليس بمضمون (1).
وأظهر منها الصحيح: كان لي أخ فهلك وترك في حجري بنتا ولي أخ
يلي ضيعة لنا وهو يبيع العصير ممن يصنعه خمرا ويؤاجر الأرض بالطعام
فأما ما يصيبني فقد تنزهت، فكيف أصنع بنصيب اليتيم؟ فقال: أما إجارة
الأرض بالطعام فلا تأخذ منه نصيب اليتيم، الحديث (2).
فإن حمله على الكراهة - مضافا إلى مخالفته لظاهر النهي - في غاية
البعد. وهو كالمعتبرة السابقة وإن اقتضت إطلاق المنع ولو كانت الحنطة أو
الشعير اللذين استوجرت الأرض بهما من غيرها، إلا أن اللازم تقيدهما بما
إذا كانا منها، لعدم القائل بالحرمة كذلك.
فإن القائل بحرمة إجارتها بهما ولو من غيرهما - وهو القاضي (3) -
يشترط اتحاد الجنس بينهما وبين ما تزرع الأرض به، فلو آجرها بحنطة
مثلا وزرع فيها شعيرا لم يحرم عنده، والنصوص المذكورة خالية عن هذا
الشرط وإن احتملت التقييد به، كالخبرين الأولين، بأن يراد من قوله: " إن

(1) الوسائل 13: 209 و 210، الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 2 و 6.
(2) الوسائل 13: 210، الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 7.
(3) المهذب 2: 10.
119

كان من طعامها " أي من جنسه ولو كان من غيرها.
وربما أيده المروي في العلل عن الصادقين (عليهما السلام): أنهما سئلا ما العلة
التي من أجلها لا يجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام وتؤاجر بالذهب والفضة؟
قال: العلة في ذلك أن الذي يخرج حنطة وشعير، ولا يجوز إجارة حنطة
بحنطة ولا شعير بشعير (1).
إلا أن التقييد بما ذكره الأكثر من الشرط دون هذا، وحمل الخبرين على
ظاهرهما أولى.
لاعتضاد هذا الجمع بالشهرة، وما تقدم من تعليل المنع في تلك المعتبرة
من أنهما ليسا بمضمونين دون النقدين، فإن ذلك إنما يتجه فيما إذا كان مال
الإجارة من حاصل تلك الأرض، فإنه يجوز أن لا يخرج منها شئ، بخلاف
النقدين الثابتين في الذمة بمجرد العقد والحنطة والشعير الخارجان عن
الحاصل في حكمهما في صحة المضمونية.
وبالحسن: عن رجل اشترى من رجل أرضا جربانا معلومة بمائة كر
على أن يعطيه من الأرض، قال: حرام، فقلت له: فما تقول جعلني الله فداك
أن اشتري منه الأرض بكيل معلوم من حنطة من غيرها؟ قال: لا بأس (2).
بناء على ظهور اتحاد البيع والإجارة فيما الظاهر أنه هو وجه المنع عن
الأول فيه من عدم معلومية حصول العوض وكميته كيلا أو وزنا، وقد عرفت
أن ما كان من الأرض غير مضمون ولا ثابت في الذمة ولا هو معلوم
الحصول، فلا يجوز البيع به، ولا الإجارة.
وفيه زيادة على الشهادة على الجمع تقوية لدلالة الأخبار المتقدمة

(1) علل الشرائع 1: 518.
(2) الوسائل 13: 23، الباب 12 من أبواب بيع الثمار الحديث 2.
120

المتضمنة للنهي ونفي الخبر على الحرمة، لتصريحه بها كما ترى.
ورواية العلل وإن شهدت بالجمع الآخر، إلا أن فيها قصورا من حيث
السند والمقاومة لما مر من الوجوه، لصحة الجمع الأول وإن اعتضدت
بالصحيح: " لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة " (1)، لاحتماله
التقييد بكون الحنطة المستأجرة بها الأرض منها لا مطلقا. ويؤيده ملاحظة
المعتبرة المتقدمة الناهية عن إجارة الأرض بالطعام على الاطلاق له، معللة
له بما يقتضي تقييده بهذا القيد، كما مر إليه الإشارة.
ومما حررنا ظهر عدم الخلاف في جواز إجارة الأرض بالطعام من
غيرها مع تغايره لجنس ما تزرع به على كراهة، ولعل وجهها إطلاق المعتبرة
بالنهي عن مؤاجرتها به مطلقا، المحتمل شموله للصورة وإن تضمنت ما
يقتضي التقييد بغيرهما، كما مضى، للمسامحة في الكراهة، والاكتفاء به في
إثباتها بالاحتمال مطلقا وإن ضعف على الأشهر الأقوى.
وعدم الخلاف في حرمتها به منها، إلا من ظاهر العبارة، حيث أطلقت
الحكم بالكراهة بحيث شملت الصورة.
ووجهه غير ظاهر بعد ما عرفت من الأدلة على الحرمة فيها، مضافا إلى
عدم القائل بذلك من الطائفة، كما يظهر من تتبع كتب الجماعة، وأن الأشهر
الأقوى الحرمة في هذه الصورة، والكراهة في الصورة الأولى ولو مع اتحاد
الجنس.
خلافا للقاضي في الصورتين (2)، فظاهره الجواز مع التغاير جنسا مطلقا،
والحرمة مع الاتحاد كذلك.

(1) الوسائل 13: 209، الباب 16 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 3.
(2) المهذب 2: 10.
121

ولا ريب أن الحرمة فيما عدا محل الاتفاق على الجواز أحوط وأولى.
* (و) * يكره أيضا * (أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها به، إلا أن يحدث
فيها حدثا) * ولو لم يقابل الزيادة، كما تدل عليه إطلاق المعتبرة الآتية * (أو
يؤجرها بغير الجنس الذي استأجرها به) * بلا خلاف في الجواز مع
الاستثناءين، فتوى فيهما، ونصا في الأول خاصة دون الثاني، لظهوره في
المنع فيه بحسب الإطلاق أيضا، حيث حصر المجوز في الاستثناء الأول.
فإن كان إجماع على الجواز بالثاني، كما هو الظاهر، وبه صرح في
الإنتصار (1)، وإلا فهو محل مناقشة.
وأما الحكم بالكراهة بدونها دون الحرمة فهو الأشهر بين متأخري
الطائفة، بل عن التذكرة أن عليه أكثر علمائنا الإمامية (2).
وهو كما ترى ظاهر في الشهرة المطلقة، وفاقا للحلي (3) وأحد قولي
الديلمي (4) والقاضي (5)، ولعله عليه عامتهم.
استنادا في الكراهة إلى شبهة الخلاف الآتي فتوى ورواية. وفي الجواز
إلى الأصل والعمومات كتابا وسنة، وصريح كثير من المعتبرة المستفيضة في
ثلاث: منها - وأحدها الصحيح وباقيها قريب منه لاشتمال السند على
الحسن بن محبوب وابن فضال، المجمع على تصحيح ما يصح عنهما،
ووجود سهل في بعضه قبل الأخير (6)، بناء على سهولة ضعفه، أو وثاقته
سهل -: في الرجل يستأجر الأرض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها، قال:
لا بأس، إن هذا ليس كالحانوت ولا كالأجير، فإن فضل الحانوت والأجير

(1) الإنتصار: 231.
(2) التذكرة 2: 290، السطر الأخير.
(3) السرائر 2: 446.
(4) لم نجد في المراسم: 195.
(5) المهذب 2: 11.
(6) في " ق، ه‍ ": الآخر.
122

حرام، كذا في الأول. وبدل " الحانوت " ب‍ " البيت " في الباقي (1).
وفي موثقين منها: إذا تقبلت أرضا بذهب أو فضة لا تقبلها بأكثر مما
تقبلتها به وإن تقبلتها بالنصف والثلث فلك أن تقبلها بأكثر مما تقبلتها به، لأن
الذهب والفضة مضمونان، كذا في أحدهما (2). وقريب منه في الثاني (3).
ولا يقدح في الاستدلال بهما تضمنهما للنهي عن التقبيل بزيادة في
النقدين، لاحتمال أن يكون المراد منه المزارعة، أي لا تستأجره بهما
فتزارع بأكثر منهما.
ويكون الوجه حينئذ في النهي ما مر من اشتراط كون المزارعة بحصة
مشاعة من الحاصل، فلا يجوز بالنقدين وما في معناهما.
وليس الوجه فيه المنع عن خصوص الزيادة، وإنما ذكرت تبعا للعادة،
من عدم وقوع المزارعة مرة ثانية، إلا معها.
ولو لم تحمل الروايتان على ذلك للحقتا بالشواذ، لعدم قائل بها كذلك،
وهو الفرق بين النقدين وغيرهما، فجواز الزيادة في الثاني، دون الأول.
فتأمل.
خلافا للمقنع والإسكافي والشيخين والمرتضى والحلبي (4)، والقول
الآخر للديلمي (5) والقاضي (6)، فاختاروا الحرمة، وهو خيرة الغنية، مدعيا
عليها إجماع الإمامية (7).

(1) الوسائل 13: 260، الباب 20 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 4 و 5.
(2) الوسائل 13: 261، الباب 21 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2.
(3) الوسائل 13: 262، الباب 21 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 6.
(4) في وحدة جهة خلافهم نظر، راجع المقنع: 390، المختلف 6: 145، المقنعة: 640، النهاية 2:
267، الإنتصار: 231، الكافي في الفقه: 346، المراسم: 195، المهذب 2: 12، الغنية: 286.
(5) المراسم: 195.
(6) المهذب 2: 12.
(7) الغنية: 286.
123

فإن تم كان هو الحجة، دون الرواية: عن رجل استأجر من أرض
الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ثم آجرها وشرط لمن يزرعها أن
يقاسمه النصف أو أقل أو أكثر وله في الأرض بعد ذلك فضل أيصلح له ذلك؟
قال: نعم إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك (1).
لقصور السند بجهالة الراوي، والشهرة القديمة تصلح جابرة حيث
لا يعارضها الشهرة المتأخرة وقد عارضتها في المسألة. فالترجيح فيها
للثانية، لكثرة أدلتها من الأصول والنصوص المستفيضة.
هذا، مع احتمالها القصور في الدلالة، فإن غايتها أنه لا يصلح، وهو أعم
من الحرمة، بل مشعر بالكراهة عند جماعة ومنهم شيخ الطائفة، القائل هنا
بالحرمة، بل جعله دليلا للكراهة (2)، وصريحا فيها في مواضع عديدة.
وإجماع الغنية (3) [مع وهنه] (4) بمخالفة معظم الطائفة وإن كانوا بعده
موهون، فلا يصلح للحجية، سيما إذا عارضته الشهرة المحكية على الجواز
في التذكرة (5)، كما عرفته.
وأما ما في رواية أخرى: لا بأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو
السفينة ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح شيئا (6).
فيجاب عنه - مضافا إلى قصور سندها كالسابقة - بقصور الدلالة، فإن
غايتها ثبوت البأس في محل المنع، وهو أعم من الحرمة.
وحمله عليها - لإضافته إلى الدار، وهو للحرمة، كما دلت عليه بعض
الأخبار السابقة - إنما يتم لو لم يمكن استعماله في الأعم منها ومن الكراهة،

(1) الوسائل 13: 261، الباب 21 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 3 و 4.
(2) راجع الاستبصار 3: 129 و 131.
(3) الغنية: 287.
(4) لا يوجد في المخطوطات.
(5) التذكرة 2: 290، السطر الأخير.
(6) الوسائل 13: 263، الباب 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2.
124

والسياق إنما يدل على التعيين لو لم يدل دليل على الكراهة في الأرض، وقد
مر ما يدل عليها من المعتبرة.
فمقتضى الجمع رفع اليد عن السياق وإبقاء البأس على عمومه، وإرادة
الحرمة منه بالإضافة إلى الدار والكراهة بالإضافة إلى الأرض.
هذا على تقدير تسليم ثبوت الحرمة بالإضافة إلى الدار، كما دلت عليه
تلك المعتبرة، وقال بما فيها الماتن في الشرائع (1)، وحكاه عن الشيخ في
التذكرة (2). وإلا - كما هو ظاهر المتأخرين - فلا سياق يشهد بذلك بالبديهة.
وأما الاحتجاج للمنع بقضية لزوم الربا فأوضح حالا للفساد من الحجة
السابقة، فإنه إنما يتحقق في معاوضة أحد المثلين بالآخر مع الزيادة والكيل
والوزن، مضافا إلى الصحيح الدال على عدمه هنا.
وفيه: لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم وسكن بيتا منها وآجر بيتا
منها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، ولا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها، إلا أن
يحدث فيها شيئا (3).
ولو ثبت في الثاني لثبت الربا في الأول.
ثم إن ظاهر الفريقين - حتى الشيخ، كما في المختلف (4) وغيره - عدم
الفرق في الحكم كراهة أو تحريما بين الأرض وغيرها من الأعيان
المستأجرة.
فإن كان إجماعا كان القول بالكراهة مطلقا متعينا، وعليها تحمل النصوص
الدالة على الحرمة في الثلاثة المتقدمة في تلك المعتبرة، لصراحتها في
الجواز في غيرها، دون لفظ الحرمة فيها، لظهوره فيها. والظاهر يدفع بالنص،

(1) الشرائع 2: 181.
(2) التذكرة 2: 291 س 8.
(3) الوسائل 13: 263، الباب 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 3.
(4) المختلف 6: 148.
125

حيث لا يمكن الجمع بينهما، كما هو الفرض، للإجماع على عدم الفرق.
والاختلاف في شدة الكراهة وضعفها كاف لوجه الفرق بين الأرض
وغيرها والثلاثة في المعتبرة، كما لا يخفى.
وإن لم يكن إجماعا - كما هو الظاهر - كان الفرق في الحكم بينهما -
كراهة في الأول وحرمة في الثاني - متجها، كما في الشرائع (1)، عملا بظاهر
المعتبرة، مع عدم داع فيها إلى الجمع الذي قدمناه، مضافا إلى تأيدها بمعتبرة
أخر. منها الصحيح المتقدم في الدار.
وقريب منه الآخر: في الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما
استأجرها، قال: لا يصلح ذلك، إلا أن يحدث فيها شيئا (2).
ونفي الصلاحية وإن كان أعم من الحرمة، إلا أن التصريح بها في تلك
المعتبرة نفى عنه احتمال الكراهة.
ومنها في الأجير الصحيحان: عن الرجل يتقبل العمل فلا يعمل فيه
ويدفعه إلى آخر فيربح فيه، قال: لا، إلا أن يكون قد عمل فيه شيئا (3).
والخبر: لا يصلح ذلك، إلا أن تعالج معهم فيه، قلت: فإني أذيبه لهم، قال:
فقال: ذلك عمل فلا بأس (4).
وفي آخر: عن الرجل الخياط يتقبل العمل فيقطعه ويعطيه من يخيطه
ويستفضل، قال: لا بأس قد عمل فيه (5). ونحوه غيره (6).

(1) الشرائع 2: 150 و 181.
(2) الوسائل 13: 263، الباب 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 4.
(3) الوسائل 13: 265، الباب 23 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1 و 4.
(4) الوسائل 13: 266، الباب 23 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 7.
(5) الوسائل 13: 266، الباب 23 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 5.
(6) الوسائل 13: 265، الباب 23 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2.
126

والمستفاد منها ما قدمناه من الاكتفاء في مقابل الزيادة بعمل ما ولو لم
يواز الزيادة، وهو خلاف ما ذكره الماتن في الشرائع، وحكاه عن الشيخ في
التذكرة مما ظاهره اشتراط كون العمل مقابلا للزيادة.
وربما الحق بالثلاثة الرحا، للخبر: إني لأكره أن أستأجر رحا ثم
أو أجرها بأكثر مما استأجرتها به، إلا أن يحدث فيها حدثا، أو يغرم
غرامة (1).
والسفينة، للرواية المتقدمة (2)، وقصور سندهما - كالدلالة - يمنع من
أخذهما دليلا للحرمة، سيما في مقابلة أدلة الإباحة مع أشعار الأولى
بالكراهة.

(1) الوسائل 13: 263، الباب 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 5.
(2) الوسائل 13: 262، الباب 22 من أبواب أحكام الإجارة، الحديث 2.
127

* (وأما المساقاة) *
* (فهي) * لغة مفاعلة من السقي، واشتق منه دون باقي أعمالها، لأنه
أنفعها وأظهرها في أصل الشريعة (1)، وهو نخل الحجاز، الذي يسقى من
الآبار مع كثرة مؤنته.
وشرعا * (معاملة على الأصول) * الثابتة، كالنخل والرمان * (بحصة من
ثمرها) *.
والمراد بالثمرة معناها المتعارف، للتردد في صحة هذه المعاملة على ما
يقصد ورقه وورده كالحناء، لمخالفتها - كالمزارعة - لما مر فيها من
الاشتمال على الغرر والجهالة، للأصول القطعية.
فيقتصر فيها على مورد الإجماع والمعتبرة، وليس منه مفروض المسألة،
ولو لوحظ إدخاله أريد بالثمرة نماء الشجرة، ليدخل فيه الورق المقصود
والورد.
والأصل في مشروعيتها عندنا هو الإجماع عليه في الظاهر، وصرح به
في الغنية (2) والتذكرة (3)، والنصوص المعتبرة به مستفيضة، منها الصحيحة

(1) في بعض النسخ: الشرعية.
(2) الغنية: 290.
(3) التذكرة 2: 341 س 36.
128

المتقدمة في صدر المزارعة.
* (وتلزم المتعاقدين، كالإجارة) * بلا خلاف بيننا، كما في المسالك (1)
وغيره، لعين ما مر في المزارعة، فلا تنفسخ إلا بالتقايل.
* (وتصح) * المساقاة * (قبل ظهور الثمرة) * إجماعا، كما هنا وعن
التذكرة (2) وفي المسالك (3) وشرح الشرائع للمفلح الصيمري (4) وغيرها من
كتب الجماعة. وهو الحجة، مضافا إلى أدلة مشروعية هذه المعاملة، إذ لا فرد
لها أظهر من مفروض المسألة.
* (و) * كذا * (بعدها إذا بقي للعامل عمل فيه المستزاد) * في الثمرة على
الأشهر الأظهر بين الطائفة، بل لعله عليه عامتهم، لجهالة القائل بعدم الصحة
- وإن اشتهر حكايته في كتب الجماعة - فغير بعيد كونه إجماعا، كالأول.
فيمكن أخذه حجة، مضافا إلى الأصل، وعموم النصوص الدالة على
المشروعية، وفحوى ما دل على الصحة في الصورة السابقة، فإن المعاملة
حينئذ أبعد عن الغرر للوثوق بالثمرة، فتكون أولى مما لو كانت معدومة.
ووجه عدم الصحة أن الثمرة إذا ظهرت فقد حصل المقصود، فصار
بمنزلة المضاربة بعد ظهور الربح، وأن المقصود من المساقاة ظهور الثمرة
بعمله.
وفيهما منع ظاهر.
ولو كان العمل بحيث لولاه لاختل حال الثمرة، لكن لا يحصل به زيادة
- كحفظها من فساد الوحش والآفة - فمقتضى القاعدة المتقدم إليها الإشارة
غير مرة هنا وفي المزارعة فساد المعاملة.

(1) المسالك 5: 39.
(2) التذكرة 2: 343 س 23.
(3) المسالك 5: 39.
(4) غاية المرام: 88 س 11 " مخطوط ".
129

والمراد بما فيه مستزاد الثمرة نحو الحرث والسقي ورفع أغصان الكرم
على الخشب وتأبير ثمرة النخل، دون نحو الجذاذ والحفظ والنقل وقطع
الحطب الذي يعمل به الدبس من الأعمال التي لا تستزاد بها الثمرة، فإن
المساقاة لا تصح بها إجماعا، كما عن التذكرة (1) وفي المسالك (2) والروضة (3)
وغيرها من كتب الجماعة. وهو الحجة، مضافا إلى ما مر من القاعدة.
وحيث لا تصح صحت الإجارة على بقية الأعمال بجزء من الثمرة
والصلح والجعالة بلا إشكال، لعموم أدلتها السليمة عما تصلح للمعارضة.
* (ولا تبطل) * بموتهما، ولا * (بموت أحدهما على الأشبه) * الأشهر، بل
لعله عليه عامة من تأخر، لما مر في المزارعة.
خلافا للمبسوط (4) فقال: يبطل عندنا. وهو شاذ.
والإجماع المستفاد من ظاهر كلامه بمصير كافة المتأخرين إلى خلافه
مع عدم عثور على موافق له موهون.
فالمصير إليه ضعيف * (إلا أن يشترط) * المالك * (تعيين العامل) *
فتنفسخ بموته بلا خلاف ولا إشكال. وأما الأحكام المترتبة على موت كل
منهما فبيانها في المزارعة قد مضى.
* (و) * إنما * (تصح) * المساقاة * (على كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها
مع بقائه) * فتصح على النخل والكرم وشجر الفواكه بلا خلاف فيها وفي
عدم الصحة في نحو الشجر الغير الثابت، والودي - بالدال المهملة بعد الواو
المفتوحة والياء المشددة أخيرا، وهو صغار النخل، كما في المسالك (5) -

(1) التذكرة 2: 343 س 24.
(2) المسالك 5: 39.
(3) الروضة 4: 311.
(4) المبسوط 3: 216.
(5) المسالك 5: 43.
130

بل عليه الإجماع في التذكرة في نحو البطيخ والباذنجان وقصب السكر
والبقول (1).
وهما الحجة فيهما بعد القاعدة المقتضية لفساد هذه المعاملة في الثاني
وفيما لا ثمرة له إذا كان له ورق ينتفع به، كالتوت الذكر الذي يقصد منه
الورق دون الثمر، والحناء.
وفيه وجه للصحة عند جماعة، بناء على أن الورق المقصود منه كالثمرة
في المعنى، فيكون مقصود المساقاة حاصلا به، وفي المسالك وفي بعض
الأخبار ما يقتضي دخوله (2).
فإن كان وصح الاعتماد عليه باعتبار السند، وإلا فالأجود المنع، وفاقا
لظاهر العبارة وغيرها، من حيث ظهور الثمرة فيها في المعنى الخاص، وقوفا
على ظاهر القاعدة، المتفق عليها بين الجماعة.
اللهم إلا أن يكون هنا تنقيح مناط وعلة، وليس، إذ ليس المنقح إلا
الإجماع، وهو مفقود، لقضية الخلاف. والعقل، وغايته المظنة، وليست
بمنقحة حتى تبلغ درجة القطع، وليست هنا ببالغة إليها بالضرورة.
قالوا: لو ساقاه على ودي مغروس إلى مدة يحمل مثله فيها غالبا صح
ولو لم يحمل فيها، وإن قصرت المدة المشترطة عن ذلك غالبا أو كان
الاحتمال على السواء لم يصح.
وعلل الصحة في الصورة الأولى بأن مرجع المساقاة إلى تجويز ظهور
الثمرة وظنه بحسب العادة، فإذا حصل المقتضي صح مطلقا وإن تخلف، كما
لو ساقاه على شجرة كبيرة واتفق عدم الثمرة في المدة.
ومنه يظهر وجه عدمها في الثانية.

(1) التذكرة 2: 342 س 28.
(2) المسالك 5: 42.
131

وفي الأولى: لا أجرة له على جميع العمل، لقدومه على ذلك، والمعتبر
في صحة المساقاة ظن ثمرة ولو في آخر المدة، كما لو ساقاه عشر سنين
وكانت الثمرة لا تتوقع إلا في العاشرة.
وحينئذ، فتكون الثمرة في مقابلة جميع العمل. ولا يقدح خلو باقي
السنين، فإن المعتبر حصول الثمرة ظنا في مجموع المدة، لا في جميع
أجزائها.
وفي الثانية: له أجرة المثل مع جهله بالفساد، كما قالوه في هذه المعاملة،
حيث ما خرجت فاسدة.
* (ويشترط فيها) * ذكر * (المدة المعلومة، التي يمكن حصول الثمرة فيها
غالبا) * ولو بالمظنة، كما مر إليه الإشارة، وعليه في الجملة الإجماع في
المسالك (1). وهو الحجة، مضافا إلى لزوم هذه المعاملة، ولا معنى لوجوب
الوفاء بها دائما، ولا إلى مدة غير معلومة، ولا سنة واحدة، لاستحالة الترجيح
من غير مرجح.
وفي اشتراط تعيينها بما لا يحتمل الزيادة والنقيصة من دون غيره كقدوم
الحاج وإدراك الغلة وإن كانت هي الغلة المعامل عليها، أم الاكتفاء بتقديرها
بالثمرة المساقي عليها، قولان.
والأول: أشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر - إلا من ندر ممن تأخر -
وقوفا فيما خالف الأصل واحتمل الجهالة والغرر، على موضع اليقين من
الإجماع والنص.
وعلى الثاني: الإسكافي نظرا إلى أنه بالنسبة إلى ثبوته عادة كالمعلوم،
وأن المقصود منها هو العمل إلى إكمالها، وأن العقد مبني على الغرر والجهالة،

(1) المسالك 5: 45.
132

فلا يقدحان فيه (1).
وللصحيح: عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمان والنخل والفاكهة
فيقول: اسق هذا واعمره ولك نصف ما خرج، قال: لا بأس (2).
وله وجه للدليل الأول دون الباقي، لضعفها، سيما الأخير، لما مر في
المزارعة. ولكنه شاذ. فالمصير إليه ضعيف.
* (ويلزم العامل من العمل) * مع إطلاق العقد ما دل عليه العرف والعادة
م‍ * (- ما فيه مستزاد الثمرة) * خاصة - كما عن الإسكافي (3)، ويشعر به ظاهر
العبارة - أو إصلاحها أيضا، كما عليه أكثر متأخري الطائفة.
وضابطه - كما ذكره الأصحاب -: ما يتكرر كل سنة، كإصلاح
الأجاجين، وإزالة الحشيش المضر بالأصول، وقطع ما يحتاج إلى القطع من
أغصان الشجر والنخل، وإصلاح الأرض بالحرث والحفر حسب ما يحتاج
إليه، والسقي والتلقيح والعمل بالناضح، وتعديل الثمرة بإزالة ما يضر بها من
الأغصان والأوراق، لإيصال الهواء إليها وما يحتاج إليه من الشمس، ولقاط
الثمرة بمجرى العادة وحفظها، إلى غير ذلك.
* (وعلى المالك) * القيام بما يقتضي العرف والعادة قيامه به.
وضابطه - كما ذكروه -: ما لا يتكرر كل سنة وإن عرض له في بعض
الأحوال التكرر مما يتعلق نفعه بالأصول بالذات.
وإن حصل منه النفع للثمرة بالعرض فإنه على المالك دون العامل،

(1) نقله عنه الشهيد في المسالك 5: 45.
(2) الوسائل 13: 202، الباب 9 من أبواب المزارعة والمساقاة الحديث 2، وراجع التهذيب 7:
198، 876.
(3) كما في المختلف 6: 198. وفيه: وقال ابن الجنيد: وكل حال يصلح بها الثمرة والزرع، فعلى
المساقي عملها.
133

ك‍ * (بناء الجدران، وعمل النواضح) * وحفر الأنهار والآبار وما يسقى بها
من دالية أو دولاب أو نحو ذلك.
والأكثر - كما في المسالك (1) وغيره - على أن الكش للتلقيح على
المالك.
خلافا للحلي، فعلى العامل (2). وفي التذكرة: أن شراء الزبل وأجرة نقله
على رب المال (3).
والأقوى في ذلك كله الرجوع إلى المتعارف في كل بلد أو قرية، فإنه
الأصل في أمثال هذه المسائل.
وكذا * (خراج الأرض) * على المالك، لعين ما مر في المزارعة * (إلا أن
يشترط) * شئ من ذلك * (على العامل) * فيلزمه بعد أن يكون معلوما.
ولا فرق بين أن يكون المشترط عليه جميعه أو بعضه بلا خلاف، إلا من
الإسكافي في اشتراط المالك على العامل إحداث أصل جديد من حفر بئر
أو غرس يأتي به لا يكون للمساقي في ثمرته حق (4). وهو شاذ.
والمصير إلى الأول متعين، لعموم ما دل على لزوم الوفاء بالشروط.
ومنه يظهر الوجه في لزوم الشرط في صورة العكس، وهي اشتراط العامل
ما عليه على المالك، لكن فيها يفرق بين صورتي اشتراط الجميع والبعض
فيبطل في الأولى، لمنافاته لمقتضى العقد، ولا خلاف فيه وفي أصل الاشتراط
مطلقا، كان المشروط أقل، أو أكثر، بل في ظاهر المسالك الإجماع عليه (5).
إلا من المبسوط كما في المختلف فيما إذا ساقاه بالنصف على أن يعمل
رب المال معه فأبطل به المساقاة، بناء على أن وضعها على أن من رب

(1) المسالك 5: 49.
(2) السرائر 2: 451.
(3) التذكرة 2: 346 س 30.
(4) كما في المختلف 6: 199.
(5) المسالك 5: 50.
134

المال المال ومن العامل العمل، كما في القراض (1).
وفيه على إطلاقه منع، مع أنه منقوض بتسويغه اشتراط العامل على
المالك أن يعمل معه غلامه، وأن يكون على المالك بعض العمل، فليكن هذا
مثل ذلك، لأنه من قبيله، بل قيل: إنه نفسه (2).
ومنه أيضا فيما إذا ساقاه على أن أجرة الأجراء الذين يعملون معه
ويستعان بهم من الثمرة، فأفسد به المساقاة، لاستلزامه كون المال والعمل
معا من رب المال، وهو مناف لوضعها، كما مر.
وهو حسن إن لم يبق للعامل عمل يستزاد به الثمرة، وإلا فهو محل
مناقشة، بل ظاهر المختلف (3) وصريح المهذب الاكتفاء في الصحة بمجرد
العمل وإن لم يكن فيه مستزاد للثمرة، كالحفظ والتشميس والكيس في
الظروف ونحو ذلك (4). ولا ريب في ضعفه.
* (ولا بد أن تكون الفائدة مشاعة) * كما في المزارعة بلا خلاف، لعين
ما مر فيها من الأدلة.
* (فلو اختص بها أحدهما لم تصح) * المساقاة، لفقد شرطها، لكن
يختلف الحكم في ذلك بين ما لو كان المشروط له جميعا للعامل، أو المالك.
فإن كان الأول: كان الثمرة كلها للمالك وللعامل أجرة المثل مع جهله
بالفساد، كما هو الحكم في كل مساقاة باطلة، وسيأتي إليه وإلى وجهه
الإشارة.
وإن كان الثاني: فالأقوى أنه لا أجرة له، لدخوله في العمل على وجه
التبرع، فلا أجرة له ولا حصة، كما في البضاعة. وفيه احتمال ضعيف بثبوت
الأجرة.

(1) المبسوط 3: 211.
(2) قاله في المختلف 6: 196.
(3) المختلف 6: 198.
(4) المهذب البارع 2: 574.
135

ونحو اختصاص أحدهما بالفائدة في بطلان المعاملة ما لو شرط لنفسه
شيئا معينا وما زاد بينهما، أو قدر لنفسه أرطالا، أو ثمرة نخلة معينة.
ووجه البطلان فيهما بالخصوص مر في المزارعة فيما حكيناه من كلام
ابن زهرة.
ويجوز اختلاف الحصة في الأنواع، كالنصف من العنب والثلث من
الرطب، أو النوع الفلاني إذا علما الأنواع، حذرا من وقوع أقل الجزءين
لأكثر الجنسين مع الجهل بها (1)، فيحصل الغرر.
ولو ساقاه بالنصف إن سقى بالناضح وبالثلث إن سقى بالسائح بطلت
على الأشهر الأظهر، لأن الحصة لم تتعين وإن هي حينئذ إلا كالبيع بثمنين
إلى أجلين مختلفين.
والمعتمد فيه البطلان، كما مر في بحثه.
ويحتمل الصحة إن قيل بها ثمة، وكان مستندها منع الجهالة دون الرواية
خاصة، وإن كانت هي الحجة خاصة فيها ثمة كان الصحة هنا ممتنعة،
للجهالة، مع عدم وجود مخصص لحكمها من إجماع أو رواية.
وإلحاقها بالبيع قياس فاسد في الشريعة.
* (وتملك) * الفائدة * (بالظهور) * من دون توقف على بدو الصلاح
بلا خلاف بيننا، كما في المسالك، وفيه عن التذكرة الإجماع عليه (2). وهو
الحجة، مضافا إلى ما مر في المضاربة.
ولذا تجب الزكاة على كل من المالك والعامل إذا بلغ نصيبه الزكاة،
لوجود شرط الوجوب، وهو تعلق الوجوب بها على ملكه.
خلافا للغنية، فأسقطها من العامل، محتجا بأن حصته كالأجرة (3).

(1) في المخطوطات: بهما.
(2) المسالك 5: 68، التذكرة 2: 359، س 10.
(3) الغنية: 291.
136

وهو ضعيف غايته، بل انعقد الإجماع ممن بعده على فساد ما ذكره، لأن
الأجرة إذا كانت ثمرة أو زرعا قبل تعلق الوجوب وجبت الزكاة على
الأجير، كما لو ملكها كذلك بأي وجه كان، وإن أراد كالأجرة بعد ذلك فليس
محل النزاع، إلا أن يذهب إلى أن الحصة لا يملكها العامل بالظهور، بل بعد
بدو الصلاح وتعلق الزكاة، لكنه خلاف الإجماع.
ومع ذلك لا يتم التعليل بالأجرة، لاجتماعها مع وجوب الزكاة فيها، كما
عرفت، بل اللازم التعليل بتأخر ملكه عن الوجوب.
ولو كان المساقاة بعد تعلق الزكاة وجوزناها بأن بقي من العمل ما فيه
مستزاد الثمرة حيث جوزناها مع ذلك اتجه ما ذكره من وجوب الزكاة في
حصة العامل على المالك، لتعلق الوجوب بها على ملكه.
* (وإذا اختل أحد شروط المساقاة) * المعتبرة في صحتها * (كانت الفائدة
للمالك) * لأنها تابعة لأصلها، ولا ناقل سوى العقد، وقد بطل بحكم الفرض.
* (وللعامل الأجرة) * أجرة المثل إذا لم يكن عالما بالفساد ولم يكن
الفساد بشرط عدم الحصة للعامل، لأنه لم يتبرع بعمله، ولم يحصل له
العوض المشروط له، فيرجع إلى الأجرة. ولا كذلك مع أحد الأمرين، لقدومه
حينئذ على أن لا شئ له.
ولا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك، إلا في استحقاقه الأجرة حيث
يستحقها لو زادت عن الحصة، فاحتمل في المسالك الاكتفاء بها عن الأجرة،
لقدومه على أن لا يكون له سواها في مقابلة عمله، حتى لو كانت في مقابلة
عشر العمل لكان مسقطا للزائد. فيكون متبرعا للزائد على هذا التقدير، كما
لو تبرع به على تقدير اشتراط جميع الثمرة للمالك، وعلى تقدير عمله
بالفساد (1).

(1) المسالك 5: 57.
137

وفيه أولا: أن ذلك لو صلح دليلا للاكتفاء بالحصة عن الأجرة الزائدة
لصلح دليلا لنفي الأجرة بالمرة، حيث لا تحصل فائدة بالكلية، لقدومه على
أن لا شئ له لو فسدت الثمرة، ولم تكن هناك فائدة. وليت شعري كيف لم
يستدل به على ذلك مع كونه أوفق بالأصل؟!
وثانيا: بأن الحصة إنما وجبت بحيث لا تجوز الزيادة ولا النقيصة من
حيث اشتراطها في العقد اللازم على تقدير الصحة، وصار الحكم في المسألة
مبتنيا على قاعدة أخرى من كونه عملا موجبا للأجرة، وأن الداخل فيه إنما
دخل بذلك، ولكن لا تسلم له، لظهور فساد المعاملة، فلا بد لعمله من أجرة.
ورضى العامل بتلك الحصة على تقدير صحة المعاملة لا مدخل له في
مفروض المسألة، لمغايرتهما. ورضاه بالأقل ثمة لا يوجب الحكم به عليه
هنا، إلا أن يتجدد رضا آخر منه بذلك، والمفروض عدمه، وإلا فلا كلام معه.
وثالثا: بما ذكره في الكتاب المشار إليه من أنه لم يقدم على التبرع
بعمله أصلا، بل كما يحتمل أن تكون الحصة قاصرة عن مقابلة العمل يحتمل
مساواتها له وزيادتها عليه أضعافا مضاعفة، فهو قادم على عمل محتمل
للزيادة والنقيصة، فليس متبرعا به بالكلية وإن احتمل قصورها في بعض
الأزمنة، بخلاف العالم وشرط جميع الحصة للمالك فإنه في ابتداء الأمر قادم
على التبرع المحض على أي تقدير.
* (ويكره أن يشترط المالك) * على العامل * (شيئا من ذهب أو فضة،
و) * لكن * (يجب الوفاء به لو شرط) * عملا بما دل على لزومه من الكتاب
والسنة * (ما لم يتلف الثمرة) * ويخرج منها شئ. ولو تلفت أو عدمت لم يجب
الوفاء به بلا خلاف في شئ من ذلك، حتى الكراهة، كما في المسالك (1).
وعللت مع ذلك في المهذب وغيره بجواز كون الخارج بقدر الشرط

(1) المسالك 5: 55.
138

أو أقل، فيكون عمله ضائعا (1) موجبا للضرر المنفي عقلا وشرعا، مع
احتمال خروج العامل بذلك عن الرشد ودخوله في السفهاء. وفيه نظر.
ووجه في المسالك وغيره سقوط المشروط مع تلف الثمرة أو عدمها
بأجمعها أنه لولاه لكان أكل مال بالباطل، فإن العامل قد عمل ولم يحصل له
عوض، فلا أقل من خروجه رأسا برأس.
نعم لو كان الشرط للعامل على المالك اتجه عدم سقوطه، لأن العوض
من قبل العامل وهو العمل قد حصل، والشرط بالعقد قد وجب، فلا وجه
لسقوطه (2).
وربما قيل: بمساواته الأول. وهو ضعيف.
ولو كان التالف في الصورة الأولى البعض خاصة فهل يسقط من
المشروط بالنسبة لمقابلة الأجزاء حيث قوبلت الجملة بالجملة، أو لا
لأصالة العدم وأن المعتبر حصول عوض عن العمل ولا اعتبار بكثرته وقلته
ومن ثم لا يسقط من العمل شئ بتلف بعض الثمرة، أو أكثرها؟ قولان،
أجودهما الثاني، وفاقا للشهيد الثاني (3).
خلافا للمحكي في بعض الحواشي عن المحقق الثاني.
ولا يخلو عن قوة، حيث لا يكون الباقي من الثمرة يوازي العمل، لقلته،
بناء على انسحاب علة السقوط في صورة تلف الثمرة بأجمعها هنا. إلا أنها
لما لا يخلو عن شئ من أصلها وكان الإجماع هو العمدة في علة السقوط
في تلك الصورة كان عدمه هنا أقوى، عملا بالأصل الدال على لزوم الوفاء.
وهل يلحق باشتراط الذهب والفضة في الجواز مع الكراهة اشتراط
حصة من الأصول الثابتة؟ قولان، لعموم دليل الجواز في الملحق به، وأن

(1) المهذب البارع 2: 575.
(2) المسالك 5: 55.
(3) المسالك 5: 55.
139

مقتضى المساقاة جعل الحصة من الفائدة، وأن الحصة من الأصول يدخل في
ملكه، فلا يكون العمل المبذول في مقابلة الحصة واقعا في ملك المالك، ولا
واجبا بالعقد، إذ لا يعقل أن يشترط العمل في ملك نفسه.
ومنه يظهر الوجه في الفرق بينه وبين اشتراط النقدين.
وحاصله: أنه فرق بين أن يكون الشرط من غير المال الذي يعمل به،
وبين أن يكون منه، لأن جعل العوض الحاصل للعامل وهو الحصة من النماء
وبين أن يكون منه، لأن جعل العوض الحاصل للعامل وهو الحصة من النماء
إنما هو في مقابلة العمل بجميع المال المعقود عليه، وإذا صار له جزء من
الأصل لم يحصل العمل بجميع المال المملوك للمالك، فلم يستحق مجموع
الحصة المشترطة، لإخلاله بالشرط، وهو العمل بالجميع، فيبطل العقد.
وفيه نظر، لاحتمال أن يكون اشتراط الحصة من الأصل، كالاستثناء من
العمل بجميع المال المملوك وبيانا، لأن ما يستحقه من الحصة من الثمرة
بعضها في مقابلة العمل بما يخص المالك من الأصول الثابتة، والباقي بتبعيته
للملك الحاصل له بالشرط في العقد اللازم.
ومع هذا فالمنع أوجه، وفاقا للأكثر، كالطوسي (1) والحلي (2)
وفخر الدين (3) والمسالك (4) والمفلح الصيمري (5)، بل لم أقف على مخالف
صريحا، بل ولا ظاهرا، عدا الماتن في الشرائع (6)، حيث تردد، ونحوه
الفاضل في القواعد (7) بعد جزمهما بالمنع، اقتصارا في هذه المعاملة المخالفة
للأصول على المجمع عليه المتيقن.
z z z

(1) المبسوط 3: 218.
(2) السرائر 2: 455.
(3) الإيضاح 2: 294.
(4) المسالك 5: 54.
(5) غاية المرام: 89 س 12 " مخطوط ".
(6) الشرائع 2: 157.
(7) القواعد 1: 240 س 22.
140

كتاب
الوديعة والعارية
141

* (كتاب الوديعة والعارية) *
* (أما الوديعة) *
* (فهي استنابة في الاحتفاظ) * خاصة، فخرج نحو الوكالة والمضاربة
والإجارة، لأنها استنابة فيه مع شئ زائد، وهو التصرف، بل هو المقصود
بالذات منها دون الاستنابة، بعكس الوديعة، لكونها المقصود بالذات فيها
دون أمر آخر.
والأصل فيها - بعد إجماع الأمة المحكي في كلام جماعة كالغنية (1)
والمهذب (2) والتذكرة (3) - الكتاب والسنة المتواترة الخاصية والعامية.
قال الله سبحانه: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " (4).
وفي النبوي العامي: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك (5).
ونحوه الخاصية المتواترة، التي سيأتي إلى جملة منها الإشارة.
* (وتفتقر إلى الإيجاب والقبول، قولا كان) * كل منهما * (أو فعلا) *.

(1) الغنية: 283.
(2) المهذب البارع 3: 7.
(3) التذكرة 2: 196 س 21.
(4) النساء: 58.
(5) المستدرك 14: 7، الباب 1 من أبواب الوديعة الحديث 12.
143

ولا يشترط في القول حيث إنها من العقود الجائزة الصراحة، بل يكتفى
فيه بنحو من التلويح والإشارة إذا كانت لمعناهما مفهمة.
ووجه الاكتفاء بالقبول الفعلي أنه ربما كان أقوى من القولي باعتبار
التزامه، ودخولها حينئذ في ضمانه مع التقصير، لعموم على اليد ما أخذت
حتى تؤدي (1).
وقيل: إن كان الإيجاب بلفظ أودعتك وشبهه وجب القبول لفظا، وإن
قال: احفظه ونحوه لم يفتقر إلى اللفظ (2).
ووجهه غير واضح، كما صرح به من متأخري متأخري الأصحاب
جماعة.
وكيف كان، فلا يجب المقارنة بين الإيجاب والقبول بلا خلاف يظهر،
وبه صرح في المفاتيح (3).
ولا ريب فيه ولا شبهة حيث يكون القبول فعليا. ولو كان قوليا ففيه نوع
مناقشة، لولا حكاية عدم الخلاف، التي هي حجة عامة مؤيدة بإطلاقات
أخبار الوديعة (4).
ولو طرحه عنده من غير ما يدل على الإيداع من قرينة ولو حالية ولم
يحصل القبول فعلا لم يلزم الحفظ مطلقا بلا خلاف يظهر، إلا من الكفاية،
حيث أثبت الوديعة لو حصل ثمة قبول لفظي، مدعيا كون مجرد الطرح دالا
على الوديعة (5).
وفيه مناقشة، حيث لم تنضم إليه قرينة من عرف أو عادة.

(1) عوالي اللئالئ 3: 246، الحديث 2.
(2) قاله الشهيد في المسالك 5: 79.
(3) مفاتيح الشرائع 3: 162، مفتاح 1051.
(4) الوسائل 13: 218، الباب 1 من أبواب الوديعة.
(5) في نسبة ذلك إلى الكفاية تأمل، راجع كفاية الأحكام: 132 س 8.
144

وحيث لم تثبت لو ذهب المستودع وتركه فلا ضمان عليه، للأصل. لكن
قيل: يأثم إن كان ذهابه بعد غيبة المالك، لوجوب الحفظ من باب الإعانة
على البر، ومعاونة المحتاج على الكفاية (1).
وفي كونه فسخا للوديعة حيث ثبت قول، جزم به في التذكرة (2). وهو
حسن إن قرنه ما يدل عليه، وإلا فهو محل مناقشة، سيما إذا كان القبول فعلا،
لأصالة بقاء حكم الوديعة، وعموم الرواية المتقدمة.
ولو حصل ذلك بعد غيبة المالك ضمن قولا واحدا، ولا ريب فيه حيث
يكون تفريطا، ولعله مراد الجماعة.
* (ويشترط فيهما الاختيار) * بلا خلاف ولا إشكال.
فلو أكره المودع في الإيداع لم يؤثر، لعدم الإذن في الاستنابة حقيقة.
وكذا لو أكره المستودع على القبض لم يضمن مطلقا، إلا مع الإتلاف، أو
وضع يده عليه بعد ذلك مختارا فيضمن حينئذ جدا، لعموم الخبر المتقدم.
وهل تصير بذلك حينئذ وديعة لا يجب ردها إلا مع طلب المالك أو من
يقوم مقامه، أو أمانة شرعية يجب إيصالها إلى المستحق فورا وبدونه يضمن
مطلقا؟ وجهان.
وربما يفرق بين وضع اليد عليها اختيارا بنية الاستيداع وعدمه، فيضمن
على الثاني مع الإخلال بما يجب عليه، دون الأول، اعطاء لكل واحد حكمه
الأصلي.
ولا يخلو من وجه، وإن كان الثاني أوجه، لكونه الموافق للأصل الدال
على عدم جواز التصرف في ملك الغير، ووجوب إيصاله إليه فورا، خرج منه

(1) قاله صاحب كفاية الأحكام: 132 س 10.
(2) التذكرة 2: 197 س 11.
145

الوديعة المعلومة إجماعا فتوى ونصا، وبقي ما عداها ولو ما يشك كونه
وديعة، كما هو الفرض للشك في تأثير الإذن السابق في ثبوتها داخلا
تحته جدا.
مع أنه أحوط وأولى.
ومما حققناه ظهر وجه الفرق بين الأمانتين.
وضابطه: أنه مع وضع اليد بإذن المالك أو من في حكمه يكون وديعة،
وبدونه مع عدم الغصب أمانة شرعية.
ووجه الضمان فيها مع الإخلال بما يجب عليه من الرد فورا بعد
الإجماع الخبر المتقدم، وهو وإن عم صورة عدم الإخلال بذلك أيضا، إلا
أنها مخصصة بالإجماع، المتأيد بالأصل والاعتبار جدا.
* (و) * يجب على المستودع أن * (يحفظ كل وديعة) * قبلها لفظا، أو فعلا،
بلا خلاف ولا إشكال في الثاني، لعموم الخبر المتقدم، وكذا في الأول مطلقا.
ولو فسخ عقدها وخرج عن الاستيداع فيجب إلى أن يردها إلى مالكها،
لاستلزام تركه إضاعة المال، المنهي عنها في الشريعة، مع استلزامها الضرر
على المالك، بتغريره له بقبولها، وهو منفي قطعا فتوى ورواية، مضافا إلى
إطلاق الأدلة من الكتاب (1) والسنة (2) برد الأمانة، الشامل لمفروض
المسألة، ولا يتم إلا بالحفظ، فيجب ولو من باب المقدمة.
فمنها - زيادة على ما مر إليه الإشارة - المستفيضة، منها: أدوا الأمانات
إلى أهلها وإن كانوا مجوسا (3).

(1) النساء: 58.
(2) الوسائل 13: 221، الباب 2 من أبواب الوديعة.
(3) الوسائل 13: 222، الباب 2 من أبواب الوديعة الحديث 5.
146

وفي آخر: ولو إلى قاتل أولاد الأنبياء (عليهم السلام) (1).
ومنها: لو أن قاتل علي (عليه السلام) ائتمنني على أمانة لأديتها إليه (2). وبمعناه
غيره (3)، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.
وأسانيدها وإن كانت ما بين ضعيفة وقاصرة عن الصحة، إلا أنها
بالإجماع وظاهر الكتاب المؤيد بما قدمناه منجبرة، مع قوة احتمال كونها
متواترة، فترتفع المناقشة في السند من أصلها بالمرة.
هذا، مضافا إلى ما سيأتي من المعتبرة الدالة على الضمان مع مخالفة أمر
المالك في المحافظة.
وبالجملة: لا شبهة في المسألة.
وينبغي أن يكون الحفظ * (بما جرت به العادة) * من مكان الوديعة
وزمانها، لعدم التعيين من قبل الشارع، فيرجع إليها فيحرز نحو الثوب والنقد
في الصندوق المقفل أو الموضوع في بيت محرز عمن يخاف منه عليه عادة،
لا عن الغير مطلقا، كما في المسالك (4) والروضة (5) وعن التذكرة (6)، لعدم
اعتبار مثله في الحفظ عادة، بل يعد الحفظ بما ذكرناه حفظا ولو لم يحرز
عمن لا يخاف منه عليه كالأهل والشريك جدا.
فاعتبار الحرز عن الغير مطلقا - كما في الكتب المشار إليها - غير سديد
قطعا، والدابة في الإصطبل المضبوط بالغلق والشاة في المراح كذلك، أو
المحفوظ بنظر المستودع، وهذه الثلاثة مما جرت العادة بكونها حرزا لما ذكر.

(1) الوسائل 13: 223، الباب 2 من أبواب الوديعة الحديث 6.
(2) الوسائل 13: 223، الباب 2 من أبواب الوديعة الحديث 8.
(3) الوسائل 13: 223، الباب 2 من أبواب الوديعة.
(4) المسالك 5: 87.
(5) الروضة 4: 239.
(6) التذكرة لم نقف على التصريح به فيها، راجعها 2: 20، س 4.
147

وقد يفتقر إلى أمر آخر، ككون الصندوق المذكور كبيرا أو موضوعا في
محل لا يعتاد سرقته منه أو يقوم غيرها مقامها عادة كوضع الدابة في بيت
السكنى أو الشاة في داره المضبوطة.
وبالجملة: الضابط ما يعد به في العرف حافظا غير مقصر في الحفظ
أصلا، وهو يختلف باختلاف الأحوال والعادات جدا. وإنما ذكرت الأمثلة
ونحوها في عبارات الأصحاب توضيحا.
ولا فرق في وجوب الحرز على المستودع بين من يملكه وغيره، ولا
بين من يعلم المودع أنه لا حرز له وغيره، فلو أودعه دابة مع علمه أنه
لا إصطبل له، أو مالا مع علمه بأنه لا صندوق له لم يكن عذرا، فيضمن مع
عدم الحفظ. ثم إن كل ذا إذا لم يعين المالك حرزا.
* (ولو عين المالك حرزا اقتصر عليه) * وجوبا بلا خلاف فيه في الجملة.
* (ولو نقلها إلى أدون أو أحرز ضمن) * إجماعا في الأول، كما في
الغنية (1) والمسالك (2)، وفاقا للمحكي عن الحلي (3) والمحقق الثاني (4)
والمسالك (5) والروضة (6) في الثاني، عملا بمقتضى التعيين، واختلاف
الأغراض في ذلك. وبه يظهر حكم النقل إلى المساوي بفحوى الخطاب.
خلافا للشيخ رحمه الله فيه (7)، وهو قياس باطل، إلا أن يكون هناك
قرينة حال أو مقال دالة على أن المراد من التعيين نفس الحفظ دون
خصوصية المحل، ولعله غير محل النزاع.

(1) الغنية: 283.
(2) المسالك 5: 90.
(3) الموجود في السرائر خلاف ما حكى عنه فراجعها 2: 435.
(4) جامع المقاصد 6: 28 و 29.
(5) المسالك 5: 91.
(6) الروضة 4: 237.
(7) المبسوط 4: 140.
148

وللأكثر ومنهم الحلي (1) - كما يظهر من عبارته المحكية (2)، بل
ادعى عليه الإجماع في الأحرز - فجوزوا النقل إليه. وهو أظهر، لدلالة
العرف عليه.
واختلاف الأغراض مع الجهل بأن المقصود من التعيين هو الخصوصية
غير قادح، كيف لا! ومراعاته في عدم الأخذ بالأولوية في مفروض المسألة
يوجب انسداد باب إثبات الأحكام الشرعية بها بطريق أولى بالضرورة، ولم
يقل به هؤلاء الجماعة.
نعم لو علم قصد الخصوصية بالنهي عن النقل إليه ونحوه اتجه المنع، ولا
خلاف فيه، بل في التنقيح (3) والمسالك (4) الإجماع عليه. وهو الحجة،
مضافا إلى الأدلة المتقدمة فيضمن حينئذ.
* (إلا مع الخوف) * ببقائها فيه من التلف ونحوه علما أو ظنا متاخما له
أو مطلقا، لا مع الشك، وأولى منه دونه، فيجوز النقل في الأولين. ولا ضمان
بلا خلاف ولو قال: ولو تلفت، لأنه محسن، و " ما على المحسنين من
سبيل " (5)، بل الظاهر الوجوب، كما قالوه، لوجوب الحفظ عليه، ولا يتم إلا
بذلك، ولا دليل على سقوطه بنهي المالك عنه مطلقا، فإن غايته إيجاب شئ
آخر عليه، وهو المحل.
وسقوطه بتعذره لمكان الخوف لا يوجب سقوط الواجب الآخر الذي
أمر به الشارع، مع احتمال الوجوب فيما لو قال: ولو تلفت من وجه آخر،
وهو ثبوت نوع سفاهة للمودع بقوله ذلك، فيجب الحفظ عليه لذلك، كمال
الطفل والمجنون إذا وقع في يده.

(1) لم نجد في كتابه التصريح بالإجماع فراجع السرائر 2: 440.
(2) في " ق، ش " توجد زيادة: لي.
(3) التنقيح 2: 238.
(4) المسالك 5: 92.
(5) التوبة: 91.
149

نعم قالوا: لا ضمان عليه بعدم النقل حينئذ وإن أثم، لإسقاط المالك ذلك
عنه، مضافا إلى الأصل. وبهما يخصص عموم على اليد. ولعل مرادهم صورة
لم تستلزم سفاهة المودع.
ولا كذلك لو لم ينهه، لانصراف التعيين إلى غير صورة الخوف من التلف
بالبقاء في المعين، فلا إسقاط من المالك للضمان. بخلاف ما لو نهى عن
النقل، وسيما لو قال: ولو تلفت، لاستلزامه - سيما الثاني - الإسقاط، مع
احتمال العدم في الأول، لعدم الصراحة في الإسقاط، فيؤخذ حينئذ بعموم
على اليد.
ثم إن جواز النقل إلى الغير مع الخوف في صورة النهي يستلزمه في
غيرها، حيث يمنع فيه بدونه بطريق أولى، ولا ضمان، للإذن من الشارع، مع
عموم نفي السبيل، ولا خلاف فيه، إلا من الفاضل، فأثبت الضمان (1)، ولعله
لعموم على اليد، وهو معارض بالعموم المتقدم، المتأيد بالأصل، والاعتبار.
وفيه قول بالتفصيل ضعيف كالآخر.
ولو احتاج النقل حيث جاز إلى الأجرة ففي الرجوع بها على المالك مع
نيته كما في المسالك (2)، أولا مطلقا كما عن التذكرة (3)، وجهان، من الأصل،
ونفي الضرر، ولعله أوجه وأحوط للمالك وإن كان العدم للمستودع أحوط.
وفي اشتراط كون المنقول إليه أحرز أو مساويا مع إمكانهما بالترتيب
ثم الأدون، أم لا، بل يجوز إلى الأخيرين مطلقا، الأحوط الأول، وبتعينه
صرح في المسالك (4)، اقتصارا في انتفاء الضمان عنه - مع لزومه عليه لعموم
النص - على المتيقن.

(1) راجع التحرير 1: 267 س 2.
(2) المسالك 5: 92.
(3) التذكرة 2: 204 س 5.
(4) المسالك 5: 91.
150

خلافا لظاهر إطلاق العبارة وكثير من عبائر الجماعة، رجوعا إلى حكم
الوديعة بعد تعذر المعين، وإن هو حينئذ إلا كما لو لم يعين، والحكم فيه ذلك
بلا خلاف.
ويمكن الفرق بين ما لو كان المقصود من التعيين الأحرزية فالأول وإلا
فالثاني، ولعله مراد القائل بالأول وإن أطلق، لاحتمال الإطلاق الحمل على
الشق الأول، بناء على أنه المقصود من التعيين غالبا. وهذا أوجه وإن كان
الأول على إطلاقه أحوط.
* (وهي جائزة من الطرفين) * بلا خلاف، كما في المسالك (1) وغيره.
وهو الحجة المخصصة لأدلة لزوم الوفاء بالعقود إن قلنا بكونها منها، كما هو
المشهور، وإن قلنا بكونها إذنا فقط ارتفع الإشكال من أصله، ولا احتياج إلى
تخصيص.
وكيف كان، فللمودع مطالبتها متى شاء، وللمستودع ردها كذلك.
لكن مع وجود المالك أو وكيله لا يبرأ إلا بردها عليه دون الحاكم، إذ
لا ولاية له على الحاضر الرشيد، ومع فقدهما يجوز دفعها إلى الحاكم مع
العذر، كالعجز عن حفظها أو الخوف عليها من السرق أو الحرق أو نحو ذلك
من الأعذار، لأن له ولاية على الغائب على هذا الوجه لا بدونه، لالتزامه
بالحفظ بنفسه، فلا يبرأ إلا بدفعها إلى المالك أو وكيله، مع أن المالك لم
يرض بيد غيره، ولا ضرورة له إلى إخراجها من يده، فليحفظها إلى أن
يجدهما، أو يتجدد له عذر.
ولا خلاف في شئ من ذلك بيننا وبين جماعة من العامة، وكذا في
جواز إيداعها من ثقة، فإنه مع تعذر الحاكم، أما مع القدرة عليه فلا، حكاه

(1) المسالك 5: 84.
151

في المسالك (1) وغيره، بل عن التذكرة الإجماع عليه (2). وهو الحجة، مضافا
إلى ما مر من الأدلة.
وفي الأول عن بعض العامة جواز الدفع إلى الحاكم عند تعذر المالك
مطلقا، لأنه بمنزلة الوكيل، ونفى عنه البعد فيه. وليس بوجه، سيما مع دعواه
عدم الخلاف في خلافه.
فيجب المصير إليه، مع أنه أحوط.
وفي وجوب قبول الحاكم إياها حيث جاز ردها إليه، أم العدم، وجهان،
أحوطهما الأول، ويأتيان مع الاحتياط فيما لو حمل المديون الدين إليه مع
غيبة المدين أو الغاصب المغصوب أو بدله عند تلفه، وغير ذلك من الأمانات
التي يليها الحاكم.
ويجوز السفر بها بعد ذلك كله لا مطلقا، إلا أن يخاف عليه مع الإيداع،
فيقدم السفر عليه هنا، وفي التذكرة الإجماع عليه (3).
وحيث جاز السفر أو وجب يشترط فيه عدم ظهور أمارة الخوف فيه،
وأما معه فلا يجوز مطلقا وإن خيف عليها في الحضر بلا خلاف يظهر،
لتعارض الخطرين، فيرجح الحضر، لأن السفر بنفسه خطر، فإذا انضم إليه
أمارة الخوف زاد خطر على خطر.
ومنه يظهر عدم جواز السفر بها من دون ضرورة، وبه - مع الاجماع
عليه - صرح في التذكرة، معللا بالتزامه الحفظ، فليؤخر السفر، أو يلتزم خطر
الضمان (4).
ومن التعليل يظهر انسحاب المنع عنه في صورة التمكن من دفعها إلى

(1) المسالك 5: 114.
(2) التذكرة 2: 200 س 23.
(3) التذكرة 2: 200 س 28.
(4) التذكرة 2: 200 س 31.
152

الحاكم أو الثقة أيضا، لالتزامه الحفظ بنفسه، فلا يجوز من دون ضرورة.
إلا أن ظاهره الجواز في هذه الصورة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كانت عنده ودائع
فلما أراد الهجرة سلمها إلى أم أيمن، وأمر عليا (عليه السلام) أن يردها (1).
وفي السند والدلالة نظر، فإن كان إجماع، وإلا فالأول أظهر وأحوط.
* (و) * كما تبطل بالفسخ كذا * (تبطل بموت كل واحد منهما) * أو ما
يوجب الخروج عن أهلية التصرف، كالجنون والإغماء بلا خلاف، لأن ذلك
من أحكام العقود الجائزة والوديعة منها كما مضى.
وحيث بطلت تصير أمانة شرعية، يجب المبادرة إلى ردها على الفور
إلى أهله، ولا يقبل قول من هي في يده في ردها إلى المالك ولو مع يمينه،
بخلاف الوديعة.
ومن هنا يظهر بطريق أولى ما ذكروه: من أنه لا يصح وديعة الطفل
والمجنون، لعدم أهليتهما فيضمن القابض، ولا يبرأ بردها إليهما، بل إلى
وليهما أو الحاكم.
ولو علم تلفها في أيديهما إن لم يقبض فقبضها بنية الحسبة في الحفظ لم
يضمن، لأنه محسن، و " ما على المحسنين من سبيل " لكن يجب مراجعة
الولي في ذلك مع الإمكان.
ولو استودعا لم يضمنا بالإهمال، لأن المودع لهما متلف ماله، والضمان
بالإهمال إنما يثبت حيث يجب الحفظ، والوجوب لا يتعلق بهما، لأنه من
خطاب الشرع المختص بالمكلفين.
ولا يعارضه حديث على اليد (2)، لظهور " على " في وجوب الدفع

(1) رواها الماوردي في الحاوي الكبير 8: 360.
(2) سنن ابن ماجة 2: 802، الحديث 2400.
153

والتكليف بالرد، فيكون مختصا بالمكلف.
نعم لو تعديا فيه فتلف فهل يضمنان، أم المميز خاصة، أم لا مطلقا؟
وجوه. وكذا القول في كل ما يتلفانه من مال الغير، واختار الأول في
المسالك، معللا بأن الإتلاف لمال الغير سبب في ضمانه إذا وقع بغير إذنه.
والأسباب من باب خطاب الوضع يشترك فيها الصغير والكبير (1).
وهو حسن مع وجود ما يدل على السببية على الإطلاق، ولم أقف إلا
على الحديث المتقدم المختص - كما عرفت واعترف به - بالمكلف، فإن
وجد ما يدل عليها كذلك، وإلا فعدم الضمان مطلقا أقوى، وفاقا للتذكرة، كما
حكي عنه في كتاب الحجر (2)، عملا بأصالة براءة الذمة.
* (ولو كانت) * الوديعة * (دابة) * أو مملوكا أو شجرا أو نحو ذلك مما
يحتاج بقاءه إلى إنفاق * (وجب) * على المستودع * (علفها وسقيها) * وجميع
ما يحتاج إليه حفظها إن لم يتكفلها المودع بلا خلاف، لوجوب حفظها عليه،
ولا يتم إلا بذلك، فيجب عليه.
والمعتبر فيه ما يعتاد لأمثالها، فالنقصان عنه تفريط، فيضمنها حينئذ وإن
ماتت بغيره. ولا يعود حكم الوديعة لو عاد إلى الإنفاق، إلا مع حصول
الإيداع بإذن جديد، كما قالوه في كل تعد أو تفريط.
ولا فرق في ذلك بين أن يأمره المالك بالإنفاق أو يطلق أو ينهاه،
لوجوب حفظ المال عن التلف، فيضمن في الصور على قول، ولا في
الأخيرة على آخر، لأن حفظ المال بالذات إنما يجب على مالكه لا على
غيره، ووجوب حفظ الوديعة على المستودع إنما هو بالعرض يثبت حيث
لا ينهاه المالك، ويرتفع مع نهيه.

(1) المسالك 5: 93.
(2) التذكرة 2: 78 س 35.
154

نعم يجب في الحيوان مطلقا اتفاقا، لأنه ذو روح، لكن لا يضمن بتركه
كغيره من الشجر ونحوه، لقدوم المالك بنهيه على سقوطه عنه، كذا قيل (1).
وهو حسن حيث يثبت حكم الوديعة في هذه الصورة بعدم تضمنها على
المالك سفاهة، وإلا فهو محل مناقشة، فإن مقتضى القواعد كونها حينئذ أمانة
شرعية يجب حفظها، والمبادرة بردها إلى متوليها عن مالكها. ويأتي وجه
المناقشة فيما ذكروه من الحكم المزبور فيما يشابه مفروض المسألة، وقد
تقدم إلى بعضه الإشارة.
إلا أن الظاهر إرادتهم ثبوت الحكم حيث لا يتضمن إيداع المالك
سفاهة، كما يستفاد من قواعدهم الكلية.
واعلم أن كثيرا من الأصحاب ذكروا أن مستودع الحيوان إن أمره المالك
بالإنفاق أنفق ورجع عليه بما غرم، وإن أطلق توصل إلى استئذانه، فإن تعذر
رفع أمره إلى الحاكم ليأمره به أو يستدين عليه أو يبيع بعضه للنفقة أو ينصب
أمينا، فإن تعذر أنفق هو وأشهد عليه * (ويرجع به على المالك) * ولو تعذر
الإشهاد اقتصر على نية الرجوع. وكذا القول مع نهي المالك له عنه.
ولا إشكال في شئ من ذلك، حتى الرجوع بما أنفق على المالك حيث
أثبتوه له، لاستلزام عدمه الضرر المنفي، مع أنه محسن وليس عليه سبيل، إلا
أن في اشتراط الإشهاد نظرا، لعدم الدليل عليه.
ويحتمل أن يكون ذكره إرشادا لا اشتراطا. فتأمل جدا.
* (والوديعة أمانة، لا يضمنها المستودع إلا مع التفريط أو العدوان) *
إجماعا، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
ففي الصحيح: صاحب البضاعة والوديعة مؤتمنان. (2)

(1) الظاهر قائله الشهيد في المسالك 5: 90.
(2) الوسائل 13: 227، الباب 4 من أبواب الوديعة الحديث 1.
155

وفي آخر: رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرق، قال: هو
مؤتمن (1).
وفي ثالث: عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه
ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا (2).
وفي رابع: عن وديعة الذهب والفضة، فقال: كل ما كان من وديعة لم
تكن مضمونة فلا يلزم (3).
وفي الموثق: رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت، فقال الرجل:
كانت عندي وديعة، وقال الآخر: إنها كانت قرضا عليك، فقال: المال لازم له،
إلا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة (4). إلى غير ذلك من النصوص.
وعمومها وإن اقتضى نفي الضمان عن المتعدي والمفرط، إلا أنه مع بعد
انصرافه إليهما مخصص بالإجماع والصحيح:
رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت هل يجب
عليه إذا خالف أمره وأخرجها عن ملكه؟ فوقع (عليه السلام): هو ضامن لها إن شاء
الله تعالى (5).
ثم إن التفريط هو ترك ما يجب فعله، كما إذا أخر الإحراز زيادة على
المعتاد، أو أطرحها فيما ليس بحرز وذهب عنها، أو كان المحل غير صالح
للحرز أصلا، أو ترك نشر الثوب المحتاج إليه، أو لبسه حيث يحتاج إليه،
أو ترك سقي الدابة وعلفها ونحوهما مما يحتاج إليه بحسب العادة كما مضى،
أو يودعها من غير ضرورة ولا إذن، أو يسافر بها كذلك مطلقا ولو كان

(1) الوسائل 13: 227، الباب 4 من أبواب الوديعة الحديث 2.
(2) الوسائل 13: 228، الباب 4 من أبواب الوديعة الحديث 4، 5.
(3) الوسائل 13: 228، الباب 4 من أبواب الوديعة الحديث 4، 5.
(4) الوسائل 13: 232، الباب 7 من أبواب الوديعة الحديث 1.
(5) الوسائل 13: 229، الباب 5 من أبواب الوديعة الحديث 1.
156

الطريق أمنا، أو نحو ذلك وضابطه: ما يعد به تفريطا في الحفظ.
والتعدي عكسه، مثل أن يلبس الثوب أو يركب الدابة أو يجحد مع
مطالبة المالك أو مطلقا على قول، أو يخالطها بمال آخر مطلقا ولو من
المالك بحيث لا يتميز، أو يفتح الختم الذي ختمه المالك، أو هو بأمره لا
مطلقا، أو ينسخ من الكتاب أو نحو ذلك بدون إذنه. وضابطه ما يعد به خائنا.
ولا خلاف في الضمان بكل ما مر، إلا أن يكون لشئ منه مدخل في
الحفظ فلا ضمان، لوجوبه، وقد ادعى الإجماع على الضمان بكثير من
الأمور المتقدمة الفاضل في التذكرة (1) وغيره.
إلا أن المحكي عن المقنع في الرهن - الذي هو في حكم الوديعة من
حيث الأمانة - عدم الضمان بترك نشره ولو احتاج إليه (2).
وعبارته المحكية عن إفادته قاصرة، كالنصوص المستدل له بها على
ذلك.
منها الصحيح: عن رجل رهن عنده ثيابا تركها مطوية لم يتعهدها ولم
ينشرها حتى هلكت، قال: هذا نحو واحد يكون حقه عليه (3). ونحوه عبارة
المقنع (4).
ولا دلالة فيهما على نفي الضمان، بل غايتهما الدلالة على بقاء الدين،
وهو لا يستلزم إلا على تقدير ثبوت التقاص قهرا، وهو خلاف الأصل، مع
أنه لا دليل عليه.
* (ولو تصرف) * المستودع * (فيها باكتساب) * بأن دفعها عن عين

(1) التذكرة 2: 198، س 10.
(2) ليس في المقنع: " ولو احتاج إليه " فراجع: 384.
(3) الوسائل 13: 128، الباب 6 من أبواب الرهن الحديث 1.
(4) المقنع: 383 - 384.
157

مبتاعة للاسترباح * (ضمن وكان الربح للمالك) * بلا خلاف، بل عليه الإجماع
في الغنية (1). وهو الحجة، مضافا إلى بعض المعتبرة المنجبرة، المنجبر قصور
بعض رواتها بوجود ابن محبوب في سنده، وقد حكي إجماع العصابة على
تصحيح ما يصح عنه (2).
وفيه: إني كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه وحلف لي عليه، ثم إنه
جاءني بعد ذلك بسنتين بالمال الذي كنت استودعته إياه قال: فهذا مالك
فخذه وهذه أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك فهي لك مع مالك واجعلني
في حل فأخذت منه المال وأبيت أن آخذ الربح منه وأوقفته المال الذي
كنت استودعته وأتيت حتى أستطلع رأيك فما ترى؟ قال: فقال: خذ نصف
الربح وأعطه النصف وحله إن هذا رجل تائب، والله يحب التوابين (3).
والأمر بإعطاء النصف للاستحباب، كما ينادي به التعليل.
وإطلاقه كالعبارة يقتضي عدم الفرق في استحقاق المالك الربح بين أن
يأذن للودعي في التجارة بشرط الضمان، أم لا، وهو ظاهر المحكي عن
الشيخين (4) والديلمي (5) والقاضي (6) والحلبي (7).
خلافا للإسكافي في الأول (8) فجعله حينئذ للودعي، ونفى عنه البأس
في المختلف (9)، معللا بأن التضمين يقتضي انقلاب الوديعة قرضا ومداينة،
وله شواهد من المعتبرة المتقدمة في المضاربة.
ويمكن تنزيل الإطلاقات عليه، إلا أنه لا يخلو عن شائبة ريبة،

(1) الغنية: 283.
(2) رجال الكشي: 556، رقم 1050.
(3) الوسائل 13: 235، الباب 10 من أبواب الوديعة الحديث 1، وفيه اختلاف يسير.
(4) المقنعة: 626، والنهاية 2: 260.
(5) المراسم: 193.
(6) كما في المختلف 6: 64.
(7) الكافي في الفقه: 230.
(8) كما في المختلف 6: 65.
(9) المختلف 6: 65.
158

لاختصاص المعتبرة بالمضاربة، وعدم وجود شئ فيها يوجب التعدية، فلا
يمكن الخروج عن مقتضى القواعد الدالة على تبعية الربح للمال، حيث يقع
الاكتساب بعين الوديعة، وتجعل بعينها أحد عوضي المعاملة.
وليس في العبارة وما ضاهاها تقييد الحكم بهذا القيد، إلا أن مقتضى
قواعدهم التقييد به، وبإجازة المالك أيضا، وإلا فالمعاملة باطلة، وبه صرح
في التنقيح (1).
ولكن الإطلاق محتمل، لإطلاق النص، المؤيد بإطلاق النصوص الواردة
في التجارة بمال اليتيم بغير وجه شرعي، الحاكمة بأن الربح لليتيم والضمان
على المتجر (2) كما في المسألة.
وتنزيلهما - ككلمة الأصحاب - في المقامين على القيدين - سيما الثاني
في مال اليتيم - بعيد في الغاية.
فالقول بالإطلاق لا يخلو عن قوة.
ولعل الوجه فيه كون الانتقال من باب التقاص القهري، لأن البائع أخذ
المال وتصرف فيه وذهب، ولا يكاد يتيسر الاسترداد منه، كما هو الغالب، مع
أن حبس المال عنه مدة ضرر عليه منفي.
ولكن اللازم على هذا التقدير تقييد الحكم بعدم إمكان استرداد العين،
كما هو الغالب.
ويمكن تنزيل الإطلاقات عليه، لذلك. ثم كل ذا إذا اشترى بالعين، أو في
ذمة مالكها، أو في الذمة مطلقا.
ولو اشترى في ذمته وعوضها عما تعلق بها ففي صحة المعاملة إشكال،

(1) التنقيح 2: 241.
(2) الوسائل 12: 190، الباب 75 من أبواب التجارة.
159

ولكن مقتضى القواعد الصحة، سيما وأن يكون البائع ممن لا يبالي بأخذ
العوض كيف كان من حلال أو حرام.
وكيف كان، فما ذكرناه من التوجيه من التقاص القهري والضرر المنفي
يقتضي كون المبيع والربح كله للمالك، حيث لا يمكن استرداد العين من
البائع.
وما ذكرناه من التحقيق غير مختص بالمقام، بل جار حيثما العلتان فيه
تجريان.
* (و) * حيث صارت الوديعة مضمونة على المستودع بأحد أسباب
الضمان من إخراجها من الحرز أو غير ذلك مما هو * (لا يبرأ) * الودعي عن
الضمان * (بردها إلى الحرز) * حيث كان الإخراج منه سببا، وفي حكمه ترك
الخيانة والسبب الموجب كائنا ما كان، وإنما ذكر الرد إلى الحرز مثلا.
* (وكذا لو تلفت) * الوديعة * (في يده بتعد أو تفريط فرد مثلها إلى
الحرز) * لا يبرأ بلا خلاف، بل عليه الإجماع عن التذكرة (1). وهو الحجة،
مضافا إلى عموم على اليد، وما قالوه من أنه صار بمنزلة الغاصب بتعديه،
فيستصحب الزمان إلى أن يحصل من المالك ما يقتضي زواله.
* (بل لا يبرأ إلا بالتسليم إلى المالك أو من يقوم مقامه) * ممن تقدم،
فيبرأ حينئذ ولو جدد المالك له الاستيمان بعد الرد إجماعا، كما في
التذكرة (2) وغيره.
وفي الحصر إشعار بعدم زوال الضمان، مع عدم الرد مطلقا ولو استأمنه
المالك ثانيا أو أسقط عنه الضمان، وهو أحد القولين في المسألة. والأشهر
السقوط، ولا يبعد.

(1) التذكرة 2: 198 س 38.
(2) التذكرة 2: 198 س 43.
160

* (ولا يضمنها لو قهره عليها ظالم) * بلا خلاف، لأمانته.
وينبغي تقييده بما إذا لم يكن سببا في الأخذ القهري بأن يسعى بها إليه
أو أظهره فوصل إليه خبرها مع مظنته، ومثله ما لو أخبر بمكانها اللص
فسرقها.
ولا فرق بين أخذ القاهر لها بيده ولو من يده، وأمره له بدفعها إليه كرها
على الأشهر الأقوى، لانتفاء التفريط فيهما، فينحصر الرجوع بالغرامة على
الظالم.
خلافا للحلبي (1) والتذكرة (2) في الثاني، فجوز له الرجوع على
المستودع وإن استقر الضمان على الظالم. وهو شاذ.
والأصل مع نفي السبيل عن المحسن يدفعه * (لكن إن أمكنه الدفع) *
عنها بما يوجب سلامتها * (وجب) * بلا خلاف، لوجوب الحفظ عليه، ولا
يتم إلا به، فيجب ولو مقدمة، ما لم يؤد إلى تحمل الضرر الكثير كالجرح
وأخذ المال، فيجوز تسليمها حينئذ وإن قدر على تحمله بلا خلاف، لأنه
ضرر منفي.
والمرجع في الكثرة والقلة إلى حال الودعي، فقد تعد الكلمة اليسيرة من
الأذى كثيرة في حقه، لكونه جليلا لا يليق نحو ذلك بحاله، ومنهم من لا يعتد
بمثله.
وأما أخذ المال فإن كان من مال المستودع، قيل: لم يجب بذله مطلقا (3)
ولو لم يستوعبها، إذ لا ضرر ولا ضرار.
وفيه نظر، لوجوب الحفظ، ولا يتم إلا به فيجب، والضرر يندفع بالرجوع
على المالك بعد نيته.

(1) الكافي في الفقه: 230.
(2) التذكرة 2: 205 س 17.
(3) قائله الشهيد الثاني في الروضة 4: 234.
161

وإن كان من الوديعة، فإن لم يستوعبها وجب دفعه إليه من باب المقدمة
مع المكنة، فلو ترك مع القدرة وأخذ الجميع ضمن ما يمكن فيه السلامة
لا الجميع، لذهاب قدر المدفوع على التقديرين ويحتمله، التفاتا إلى التفريط
الموجب له، مع ظهور الفرق في الذهاب بين التقديرين بكونه بأمر الشارع
على الأول، وبدونه على الثاني، وهو فرق واضح وإن هي حينئذ إلا كما
لو فرط فيها فتلف بغيره، وقالوا فيها بضمانها، مع أنها ذاهبة على التقديرين.
فتأمل.
وإن لم يمكن الدفع عنها إلا بأخذها أجمع فلا تقصير.
* (ولو أحلفه) * الظالم على * (أنها ليست عنده حلف موريا) * بما
يخرجه عن الكذب بأن يحلف ما استودع من فلان ويخصه بوقت أو جنس
أو مكان أو نحوها مغايرا لما استودعه.
وإنما يجب التورية عليه مع علمه بها وتمكنه منها، وإلا سقطت، لأنه
كذب مستثنى للضرورة اتفاقا فتوى ورواية، ترجيحا لأخف القبيحين حيث
تعارضا إن قلنا بقبحه في نحو المقام أيضا، وإلا ارتفع الإشكال من أصله،
لفقد التعارض.
* (وتجب) * على المستودع * (إعادتها إلى المالك) * بمعنى رفع يده عنها
والتخلية بين المالك وبينها * (مع المطالبة) * بلا خلاف، بل عليه الإجماع.
وهو الحجة، مضافا إلى الكتاب والسنة.
فمنها - زيادة على ما مضى - بعض المعتبرة: عن رجل استودع رجلا
من مواليك مالا له قيمة والرجل الذي عليه المال رجل من العرب يقدر أن
لا يعطيه شيئا والمودع رجل خارجي شيطان فلم أدع شيئا، فقال: قل له
يرده عليه، فإنه ائتمنه عليه بأمانة الله تعالى (1).

(1) الوسائل 13: 223، الباب 2 من أبواب الوديعة الحديث 9.
162

ومقتضى صريحه كغيره، وإطلاق العبارة كغيرها من النص والفتوى عدم
الفرق في المودع بين المسلم والكافر.
خلافا للحلبي في الحربي، حيث أوجب الرد في وديعته إلى سلطان
الإسلام (1). وهو شاذ، وربما انعقد بعده على خلافه الإجماع.
قالوا: ويجب الرد فورا مع الإمكان (2).
ولعل الوجه فيه مع عدم اقتضاء الأمر الفورية هو وجوب الاقتصار في
وضع اليد على مال الغير على القدر المتحقق مع إذنه.
ومطالبة الرد تقتضي انقطاعه، فلا يجوز له التصرف زيادة على ما يتحقق
به الرد.
فلا وجه لتأمل بعض من عاصرناه (3) في الفور.
نعم له وجه حيث ينضم إلى المطالبة من عرف أو عادة ما يدل على
التوسعة وبقاء الإذن إلى حين الرد متى اتفق، ولكن الظاهر خروجه عن
مفروض الجماعة.
وفي جواز التأخير للإشهاد مطلقا، أو لا كذلك، أو التفصيل بين الإيداع
بالإشهاد فالأول، وإلا فالثاني، أقوال ثلاثة، أولها لا يخلو عن قوة، دفعا
للضرر والتهمة، لكن يجب المبادرة إلى الإشهاد.
* (ولو كانت) * الوديعة * (غصبا منعه) * أو وارثه من أخذها * (وتوصل
في وصولها إلى المستحق) * لها إن عرف * (ولو جهله عرفها - كاللقطة -
حولا، فإن وجدها، وإلا تصدق بها عن المالك إن شاء ويضمن إن
لم يرض) * على المشهور، للخبر - المنجبر ضعفه بعمل الأكثر -: عن رجل

(1) الكافي في الفقه: 231.
(2) والتنقيح 2: 242 والروضة 4: 240، والمسالك 5: 97، وكفاية الأحكام: 133 س 1.
(3) الحدائق 21: 427.
163

من المسلمين أودعه رجل من اللصوص مالا أو متاعا واللص مسلم هل يرد
عليه؟ قال: لا يرده فإن أمكنه أن يرده على صاحبه فعل، وإلا كان في يده
بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه، وإلا
تصدق بها، فإن جاء بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر فله،
وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له (1).
خلافا للحلبي (2) والحلي (3)، فأوجبا ردها إلى إمام المسلمين، ومع
التعذر يبقى أمانة ثم يوصي بها إلى عدل آخر إلى حين التمكن من
المستحق، وقواه في المختلف، معللا بأنه أحوط (4)، والتفاتا إلى ضعف
الخبر، وفي الثاني ما مر، وفي الأول نظر.
وللمفيد (5)، والديلمي (6)، فأوجبا إخراج الخمس قبل التصدق، ولم
يذكر التعريف.
وللفاضل في الإرشاد (7) وتبعه الشهيد الثاني (8)، فخيرا بين الصدقة بها
بعد اليأس والتعريف مع الضمان، وإبقاؤها أمانة، وله وجه لولا ما مر من
الخبر المنجبر بعمل الأكثر، كما في كل مال مجهول المالك، فقد دلت الأخبار
بأن حكمها ذلك، لكنها خالية عن الضمان، بل ظاهرها عدمه.
ثم الضمان على تقديره هل هو بمعنى أنه لو وجد صاحبه يجب رده
عليه فقط، أو لا بل ضمان مثل سائر الديون حتى يجب عليه الإيصال ثم
على الورثة كذلك؟ فيه وجهان، والأول بالأصل أنسب.

(1) الوسائل 17: 369، الباب 18 من أبواب اللقطة الحديث 1.
(2) الكافي في الفقه: 231.
(3) السرائر 2: 435.
(4) المختلف 6: 60.
(5) المقنعة: 627.
(6) المراسم: 194.
(7) الإرشاد 1: 438.
(8) المسالك 5: 99.
164

ثم إن ظاهر التشبيه باللقطة في الرواية يقتضي جواز التملك بعد
التعريف، ولم يذكره أحد في المسألة، وإنما يجب منع الغاصب مع إمكانه،
وإلا سلمها إليه. وفي الضمان إشكال، والأقرب العدم.
* (ولو كانت) * الوديعة المغصوبة * (مختلطة بمال المودع ردها عليه إن
لم يتميز) * إجماعا، كما في الغنية (1) وعن الحلي (2)، ونسبه فخر الدين إلى
الأصحاب كافة (3)، ولولاه لكان الحكم على إطلاقه محل ريبة، لاستلزام
الرد تسليط الغاصب على مال غيره بغير حق، وهو غير جائز أيضا.
والأوفق بالقواعد هو ما ذكره في المسالك من أن الأقوى رده على
الحاكم مع إمكانه، ليقسمه ويرد على الغاصب ماله (4)، ومع تعذره يحتمل
قويا جواز تولي الودعي القسمة إن كان مثليا وقدر حق الغاصب معلوما،
جمعا بين الحقين.
والقسمة هنا إجبارية، للضرورة تنزيلا للودعي منزلة المالك حيث قد
تعلق بضمانه، وللحسبة.
ولو امتزج على وجه لا يعلم القدر أصلا ففيه إشكال. وحينئذ يتوجه ما
أطلقه الأصحاب إن لم يمكن مدافعة الغاصب على وجه يمكن معه الاطلاع
على الحق.
ويحتمل عدم جواز الرد مطلقا مع إمكانه إلى أن يعترف الغاصب بقدر
معين أو يقاسم، لاستحالة ترجيح حقه على حق المغصوب منه، مع تعلق
الودعي بالحقين.
* (وإذا) * اختلفا فادعى الودعي التلف وأنكره المالك، أو اتفقا عليه،

(1) الغنية: 284.
(2) السرائر 2: 436.
(3) الإيضاح 2: 122.
(4) المسالك 5: 100.
165

ولكن * (ادعى المالك التفريط فالقول قول المستودع مع يمينه) * بلا خلاف
في الأخير، إلا من حيث لزوم اليمين، فيأتي فيه خلاف من أنكره في الأول،
لعموم دليله. ولكن المشهور خلافه، لعموم البينة على المدعي واليمين على
من أنكر، وعلى الأشهر الأظهر في الأول مطلقا، أطلق التلف، أو ادعاه، بأمر
خفي، أو ظاهر، بل عن التذكرة الإجماع عليه وعلى لزوم اليمين (1).
خلافا للمبسوط في دعوى التلف بأمر ظاهر فلم يقبل قوله حينئذ إلا
ببينة، لإمكان إقامتها (2).
وهو شاذ، ومستنده غير واضح، وعموم البينة على المدعي وإن ساعده،
إلا أنه لا اختصاص له بالفرد الذي ذكره، بل يجري في الفردين اللذين
تقدما، والحال أنه لم يلتزمه.
وللمقنع، فقدم قوله مطلقا من دون يمين كذلك (3)، لما رواه مرسلا عن
مولانا الصادق (عليه السلام): أنه سئل عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟
قال: نعم، ولا يمين عليه (4)، ونسبه في الفقيه إلى مشائخه (5).
وهو مشعر بشهرة ذلك في الزمن الأول، وربما اعتضد بالنصوص الناهية
عن اتهام المستأمن، ولا ينفك الإحلاف عنه، مضافا إلى الأصل النافي
للزومه.
لكن الإجماع المتقدم - الذي هو في حكم خبر صحيح معتضد بالشهرة
المتأخرة التي كادت تكون إجماعا - أوهن المصير إليه، مع عدم وضوح سند
الأحاديث الدالة عليه، ومعارضتها بمفهوم المرسلة المروية في الغنية.

(1) التذكرة 2: 206 س 23.
(2) المبسوط 4: 141.
(3) لم نعثر عليه في المقنع، نقله عنه العلامة في المختلف 6: 61.
(4) الوسائل 13: 228، الباب 4 من أبواب الوديعة الحديث 7.
(5) الفقيه 3: 305، ذيل الحديث 4092.
166

قال - بعد الحكم بما في العبارة في الصورة الثانية -: وروي: أنه لا يمين
عليه إن كان ثقة غير مرتاب (1)، وبمضمونها في المسألة أفتى الإسكافي (2)
والحلبي (3)، كما حكي.
لكنها في ضعف السند، كما مر، فليس عليه المعتمد والمعول، بل العمل
على الأول، فإنه أظهر وأحوط.
* (ولو اختلفا في مال) * هو في يد المستودع ولو بإقراره أنه * (هل هو
وديعة) * عنده * (أو دين) * عليه؟ * (فالقول قول المالك بيمينه) * على * (أنه
لم يودع) * بلا خلاف، عملا بعموم على اليد (4)، الموجب لضمان ما أخذته،
خرجت عنه الأمانة، حيث تكون معلومة بالإجماع فتوى ورواية، وبقي
الباقي يشمله عموم الرواية، والموثق كالصحيح: عن رجل استودع رجلا
ألف درهم فضاعت فقال الرجل: كانت عندي وديعة، وقال الآخر: إنما كانت
عليك قرضا، فقال: المال لازم، إلا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة (5).
والرواية - كما ترى - صريحة، إلا أنها كالعبارة مطلقة غير مقيدة بثبوت
وقوع المال في يد المستودع، إلا أن الإطلاق منصرف إليه بالتبادر والغلبة،
فإن الوديعة لا تكون إلا به غالبا في العادة، وما عداه يرجع فيه إلى أصالة
براءة الذمة.
وبما ذكرناه من التقييد صرح الحلي (6)، وقال بعده: والمسألة غامضة.
وأمارة الغموض بعد التقييد بذلك غير واضحة، لتظافر الأدلة من الاعتبار
والسنة بوضوح المسألة. ولعله لهذا رده الفاضل في المختلف (7) وتبعه

(1) الغنية: 284.
(2) كما في المختلف 6: 61.
(3) الكافي في الفقه: 231.
(4) سنن ابن ماجة 2: 802، الحديث 2400.
(5) الوسائل 13: 232، الباب 7 من أبواب الوديعة الحديث 1.
(6) السرائر 2: 437.
(7) المختلف 6: 63.
167

المقداد في التنقيح (1)، أو لدعواه التقييد المتقدم.
وبيانه: الفرق بين دعوى الوديعة مع الإقرار بوقوعها في يده فما ذكر،
وبدونه كأن قال: ما عندي وديعة، فالقول قوله، للأصل، وعدم المخرج عنه،
فإن الإقرار بالوديعة أعم من الإقرار بالأخذ باليد الموجب للضمان المسقط
لدعواه.
ووجه الرد حينئذ ما تقدم من النص المطلق، مضافا إلى ظهور لفظة
عندي في الإقرار بتسليط اليد، بناء على الغالب، كما مر، فيحكم به بالإقرار
باليد على الظاهر، ولا بأس به، وفاقا لظاهر إطلاق الأكثر، كالإسكافي (2)
والطوسي (3).
ويفهم من قوله: * (إذا تعذر الرد أو تلف العين) * أن مع عدم التعذر،
القول قول الودعي. ولا ريب فيه، لأصالة عدم القرض، فله رد نفس العين،
والخبر المتقدم صريح في التلف، فلا يعم غيره.
* (ولو اختلفا في القيمة) * بعد الاتفاق على التلف بالتفريط * (فالقول
قول المالك مع يمينه) * كما عن الشيخين (4)، وفي الغنية (5)، لخروجه
بالتفريط عن الأمانة.
ويضعف: بأنه ليس مأخذ القبول حتى يقال: أنه خرج عن الأمانة،
بل لأنه منكر للزيادة، فيشمله عموم الرواية: البينة على المدعي واليمين
على من أنكر (6).

(1) التنقيح 2: 245 و 246.
(2) كما في المختلف 6: 62.
(3) النهاية 2: 257.
(4) المقنعة: 626، والنهاية 2: 259.
(5) الغنية: 284.
(6) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
168

* (و) * لذا * (قيل) * كما عن الحلبي (1) والحلي (2) وابن حمزة (3): أن
* (القول قول المستودع، وهو أشبه) * وأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر.
والرواية المدعاة على الأول مرسلة خارجة بذلك - مع عدم جابر لها بالمرة -
عن الحجية.
* (ولو اختلفا في الرد) * فأنكره المالك * (فالقول قول المستودع) * وإن
كان مدعيا بكل وجه على المشهور، بل المختلف في كتاب الوكالة حكى
عن الحلي الإجماع عليه (4)، ونسبه المفلح الصيمري إلى الجميع، مؤذنا
بدعوى الإجماع عليه وعلى اعتبار اليمين هنا.
قال - بعد الحكم -: وعليه فتوى الجميع وإن استشكله بعضهم بعد
الفتوى، لاحتمال أن يكون القول قول المالك، لأنه منكر، وقد قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): البينة على المدعي واليمين على من أنكر، ولم أجد قائلا
بهذا الاحتمال، بل الفتاوى متطابقة على أن القول قول الودعي، لأنه أمين
قبض المال لمصلحة المالك، فيكون قوله مقبولا بالرد، وهو المعتمد (5)،
انتهى.
ويعضد الإجماع الذي ادعاه، ما مر في المضاربة، من جواب المشهور
عمن يدعي قبول قول العامل بالرد قياسا على المقام، بأنه مع الفارق، لكونه
فيه قبض المال لنفع المالك والإحسان إليه، فلا سبيل عليه، دون العامل،
لعدم قبضه إياه كذلك، بل لنفع نفسه، فلا إحسان بالإضافة إليه.
فلولا الإجماع لأشير ولو في كلام بعضهم بمنع المقيس عليه، ولم يشر

(1) الكافي في الفقه: 231.
(2) السرائر 2: 436.
(3) الوسيلة: 275.
(4) السرائر 2: 87.
(5) غاية المرام: 90 س 6 " مخطوط ".
169

إليه في كلام أصلا، بل ظاهر الاستدلال يقتضي الوفاق على الحكم هنا، مع
أن بالإجماع على قبول دعوى الرد ممن قبل الأمانة لمجرد الإحسان
بالمالك، صرح به في المهذب في كتاب الوكالة (1)، وسننقل كلامه المصرح
به ثمة.
ومن بيان الفارق ثمة يظهر حجة أخرى في المسألة، مضافا إلى حكاية
الإجماع المتقدمة، مع أن ظاهرهم الاتفاق على تقديم قوله في التلف ولو في
الجملة، استنادا إلى مجرد الأمانة، وهي جارية في المقام بلا شبهة، فكما
يخصص بها الأصل وعموم الرواية المتقدمة بالإضافة إلى تلك المسألة،
فليخصصا بها هنا لا محالة.
هذا، مضافا إلى التأيد بالنصوص المتقدم إليها الإشارة، الناهية عن رمي
الأمين بالتهمة، وتكليفه بالبينة على الرد يلزمه، لكن فيه مناقشة.
وكيف كان، فلا مذهب عن هذا القول ولا مندوحة. هذا إذا ادعى ردها
على من ائتمنه.
أما لو ادعاه على غيره كالوارث فكغيره من الأمناء يكلف بالبينة،
لأصالة عدمه، وهو لم يأتمنه، فلا يكلف تصديقه بلا خلاف فيه، وفي أن
دعوى ردها على الوكيل كدعوى رده على الموكل، لأن يده كيده.
* (ولو مات المودع) * سلمها المستودع إلى وارثه إن اتحد، أو إلى من
يقوم مقامه من وكيل أو ولي.
* (و) * إذا * (كان الوارث جماعة دفعها إليهم) * إن اتفقوا في الأهلية، وإلا
فإلى الأهل وولي الناقص * (أو إلى من يرتضونه) *.

(1) المهذب البارع 3: 39.
170

* (ولو دفعها إلى البعض) * بغير إذن * (ضمن حصص الباقين) * لتعديه
فيها بدفعها إلى غير المالك.
وتجب المبادرة إلى ردها إليهم علم الوارث بها، أم لا، بلا خلاف بيننا،
إلا من التذكرة، ففرق بين صورتي الجهل بها فكذلك والعلم فلا (1)، بل يجوز
التأخير إلى المطالبة حينئذ، واستوجهه في المسالك، لكنه قال: إلا أنه لم
يتحقق به قائل منا. وهو ظاهر في الإجماع.
وأظهر منه قوله قبل ذلك: " عندنا " بعد الحكم بعدم الفرق، إلا أنه قال
بعد ما يعرب عن خلاف هذا الظاهر (2).
والأصل في وجوب المبادرة صيرورتها بالموت أمانة شرعية،
لاختصاص الإذن في التصرف بالمالك، وقد انتقل المال منه إلى المالك
الثاني وهو الوارث وهو غير آذن، فالتصرف في ملكه بغير إذنه غير جائز،
يجب المبادرة إلى رده.

(1) التذكرة 2: 207 س 6.
(2) المسالك 5: 127 - 128.
171

* (وأما العارية) *
بتشديد الياء، كما عن الصحاح (1) وغيره (2)، وقد تخفف - كما عن بعض
أهل اللغة (3) - نسبة إلى العار، لأن طلبها عار، أو إلى العارة مصدر ثان
لأعرته إعارة، كالجابة للإجابة، أو من عار إذا جاء وذهب لتحولها من يد إلى
أخرى، أو من التعاور، وهو التداول.
* (فهي) * شرعا * (الإذن في الانتفاع بالعين تبرعا) *.
والأصل فيها - بعد الإجماع من الأمة، كما عن التذكرة (4) وفي
المهذب (5) وغيرهما من كتب الجماعة (6) - الكتاب والسنة.
قال الله سبحانه: " وتعاونوا على البر والتقوى " (7).
وقال: " الذين هم يراءون * ويمنعون الماعون " (8).
وهو - كما عن مجمع البحرين - اسم جامع لمنافع البيت، كالقدر والدلو

(1) الصحاح 2: 761.
(2) نهاية ابن الأثير 3: 320، وتاج العروس 13: 162.
(3) أقرب الموارد 2: 846.
(4) التذكرة 2: 209 س 14.
(5) المهذب البارع 3: 10.
(6) منهم الشيخ في المبسوط 3: 49.
(7) المائدة: 2.
(8) الماعون: 6 و 7.
172

والملح والماء والسراج والخمرة ونحو ذلك مما جرت العادة بعاريته (1).
وفي الخبرين: هو القرض يقرضه، والمعروف يصنعه، ومتاع البيت
يعيره (2).
وفي المرسل: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يمنع أحد الماعون جاره، وقال:
من منع الماعون جاره منعه الله سبحانه خيره يوم القيامة، ووكله إلى نفسه،
ومن وكل إلى نفسه فما أسوأ حاله (3).
ويستفاد منه ومن الآيتين وجوبها، لكن ضعفه سندا وقصورهما عن
إفادة الوجوب صريحا، مع الإجماع على عدمه ظاهرا، واختصاص الجميع
بالماعون - المفسر فيما مر بالأخص - يوجب الحمل على تأكد الاستحباب.
وأما السنة - فزيادة على ما مر - مستفيضة من طرق الخاصة والعامة،
كادت تكون متواترة، بل متواترة، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.
* (وليست لازمة لأحد المتعاقدين) * فلكل منهما فسخها متى شاء
إجماعا، كما في المسالك (4) وغيره، سواء أطلق، أو جعل لها مدة.
إلا إذا أعاره للرهن فرهن، كما تقدم. أو لدفن المسلم ومن بحكمه فدفن
فيه بلا خلاف فيه، بل عليه الإجماع عن التذكرة (5)، لاستلزامه النبش
المحرم وهتك الحرمة، إلا إذا صار رميما.
ولو رجع قبل الدفن جاز وإن كان الميت قد وضع على الأقوى، للأصل،
واختصاص دليل المنع من الاعتبار والإجماع بغير الفرض.
ومؤنة الحفر لازمة لولي الميت، لقدومه على ذلك، إلا أن يتعذر عليه

(1) مجمع البحرين 6: 316.
(2) الوسائل 6: 28 و 31، الباب 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 3 و 11.
(3) الوسائل 6: 31، الباب 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 12.
(4) المسالك 5: 134.
(5) التذكرة 2: 211 س 27.
173

غيره مما لا يزيد عنه عوضه، فيقوى كونه من مال الميت، لعدم التقصير،
وفاقا للمسالك (1) والروضة (2).
خلافا للمحكي عن التذكرة (3) فأطلق الغرامة على الحفر. ولا يلزم وليه
طمه، للإذن فيه من المعير.
أو حصل بالرجوع ضرر على المستعير لا يستدرك، كما لو أعار لوحا
ليرقع به السفينة فرقع ثم لجج في البحر، ولم يمكن الخروج بها إلى
الشاطئ، ولا الإصلاح مع النزع من غير ضرر.
خلافا للشهيد الثاني، فجوزه، وقال: بثبوت المثل أو القيمة مع تعذره،
لما في ذلك من الجمع بين المصلحتين (4). وهو قوي إن لم يكن إجبار
رب السفينة على بذل البدل يوجب الضرر عليه، وإلا فعدم الرجوع لعله
حينئذ أقرب.
إلا أن يقال: بجوازه، وعدم وجوب تعجيل التسليم حينئذ إلى أن يزول
الضرر. ولا بأس به.
وتظهر الفائدة في وجوب المبادرة بالرد بعد زوال الضرر من غير مطالبة
جديدة، ولا كذلك لو لم يرجع، فإنه لا يجب المبادرة به إلا بعد المطالبة.
أو أعار حائطا ليضع أطراف خشبه عليه وكان طرف الآخر في ملكه
عند الطوسي (5) لأدائه إلى قلع جذوعه جبرا من ملكه.
أو أرضا للزرع ولم يدرك بعد، عنده وعند الحلي (6)، لإقدامه أو لا على
إبقائه المدة.

(1) المسالك 5: 134.
(2) الروضة 4: 258.
(3) التذكرة 2: 211 س 28.
(4) المسالك 5: 134.
(5) المبسوط 3: 56.
(6) السرائر 2: 433.
174

أو للبناء والغرس مدة معلومة عند الإسكافي (1).
وأكثر المتأخرين بل لعله عليه عامتهم على جواز مطالبة المعير بالإزالة
وأكثر المتأخرين بل لعله عليه عامتهم على جواز مطالبة المعير بالإزالة
في هذه الثلاثة مع الأرش، وهو تفاوت ما بين كونه منزوعا وثابتا.
وهو قوي، لبناء العارية على الجواز، إلا ما خرج بدليل، وهو في الفرض
مفقود.
وحديث نفي الضرر (2) بين المعير والمستعير مشترك، فيسقط اعتباره،
للتعارض، ويرجع إلى الأصل الدال على ثبوت السلطنة لكل مالك على
ملكه، مع إمكان الجمع بين الحقين بدفع المعير الأرش الموجب لرفع الضرر.
وليس له الإزالة حيث جازت له بنفسه، لاستلزامه التصرف في ملك
الغير بغير إذنه. ولا قبل دفع الأرش، لاحتمال الضرر بتعذر الرجوع عليه
بافلاس ونحوه، فيضيع حق المستعير.
* (ويشترط) * فيها ما يدل على الإيجاب والقبول وإن لم يكن لفظا، كما
لو فرش لضيفه فراشا فجلس عليه وكأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها،
وفاقا لجماعة، لجريان العادة بمثله.
ومنهم من اشترط لفظا، كما في نظائره، وهو أوفق بالأصل الدال على
حرمة التصرف في مال الغير بغير القطع بإذنه، حيث لا يحصل من جهة
الفعل، إلا أن العادة في نحو الأمثلة المذكورة ربما أفاد القطع به، ولا شبهة مع
الإفادة.
ولا دليل على اعتبار اللفظ في هذه الصورة بعد أن العارية من العقود
الجائزة، ومع عدمها فمحل إشكال وإن أفادت المظنة، حيث لا دليل على
اعتبارها، وتخصيص الأصل بها في نحو المسألة.

(1) كما في المختلف 6: 78.
(2) سنن ابن ماجة 2: 784 الحديث 2340.
175

ومن هنا ينقدح وجه القدح فيما حكي عن التذكرة (1)، من الاكتفاء
بحسن الظن بالصديق في جواز الانتفاع بمتاعه إن لم يقيد بكون منفعته مما
يتناوله الإذن، الوارد في الآية (2) بجواز الأكل من بيته بمفهوم الموافقة، ولا
كذلك لو قيد به، لاستناد الرخصة في المقيد حقيقة إلى الآية، لا إلى نفس
حسن المظنة.
ومنه يظهر جواز تعدية الجواز إلى الأرحام الذين تناولتهم الآية في
الصورة المذكورة.
و * (في المعير) * المالكية ولو للمنفعة خاصة، فلا يجوز للغاصب الإعارة،
وفي معناه المستأجر الذي اشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه، فلا تجوز
له (3) كالأول، إلا مع إذن المالك فيجوز حينئذ بلا شبهة.
و * (كمال العقل) * بالبلوغ وعدم الجنون * (وجواز التصرف) * في المال
برفع الحجر عنه فيه، فلا يجوز إعارة فاقدي الشرائط - كالصبي والمجنون
والسفيه ونحوهم - إلا بإذن الولي بالإعارة لمالهم أو ماله، لأن المعتبر إذن
الولي، وهو المعير في الحقيقة، حيث حصل منه الرخصة، ولا كذلك الحكم
في إذنه للمجنون والصبي في إيقاع نحو البيع مما يشترط فيه الألفاظ
المعتبرة. ولا يكتفى فيه بإذن الولي خاصة، لعدم الاعتبار بعبارتهما وإن
كانت بإذن الولي مقرونة.
وبالجملة: الضابط في تحقق البيع ونحوه من العقود اللازمة: هو
العبارات المعتبرة، دون الإذن خاصة، ولا كذلك العارية، فإن الضابط في
تحققها مجرد الإذن بها. ولو خلي عن العبارة بالكلية - كما مر إليه الإشارة -

(1) التذكرة 2: 211، س 5.
(2) النور: 61.
(3) هذه الكلمة أثبتناها من المخطوطات.
176

فحيث حصل ممن له الأهلية بنحو من المالكية أو الولاية، تحققت بلا شبهة.
فمناقشة البعض في الفرق (1) واهية.
هذا إذا علم المستعير بإذن الولي، وإلا لم يقبل قول الصبي في حقه، إلا
أن تنضم إليه قرينة، هي للظن المتاخم للعلم به مفيدة، كما إذا طالبها من
الولي فجاء بها الصبي مثلا وأخبر أنه أرسله بها ونحو ذلك، كما يقبل قوله
في الهدية والإذن في دخول الدار بالقرينة.
ولا بد مع إذن الولي لهما في إعارة مالهما من وجود المصلحة، بأن تكون
يد المستعير أحفظ من يد الولي في ذلك الوقت، أو لانتفاع الصبي بالمستعير
بما يزيد عن منفعة ماله، أو تكون العين ينفعها الاستعمال ويضرها الإهمال،
ونحو ذلك.
* (وللمستعير الانتفاع) * بالعين المعارة حيث يطلق له * (بما جرت به
العادة) * نوعا وقدرا ومكانا وزمانا. ولا يجوز التعدي عن شئ من ذلك بعد
ثبوته فيها، للأصل، وانصراف الإذن، الذي هو الأصل في حل الانتفاع إلى ما
تعارف فيها، كالفرش في البساط، والتغطي في اللحاف، ونحو ذلك.
وهذا مع وحدة الوجه في الانتفاع المتعارف في العين المعارة واضح.
وكذا مع التعدد وتعيين المعير وجها منها، مع النهي عن غيره.
فلا يجوز التعدي إليه مطلقا بلا خلاف. وكذا مع عدم النهي إذا كان
المتعدي إليه أضر.
وأما إلى المساوي والأقل ضررا فقولان. وسيأتي تمام الكلام.
* (ولا يضمن التلف) * المستعير * (ولا النقصان لو اتفق) * كل منهما
* (بالانتفاع) * المأذون فيه، لاستناده إلى السبب المأذون فيه.

(1) الحدائق 21: 486.
177

وقيل: بضمان المتلف كما عن التقي (1)، لعدم تناول الإذن للاستعمال
المتلف عرفا.
ولا ريب فيه مع عدم تحقق التناول، وأما مع التحقق فالأول أجود،
ولعله محل الفرض، كما يظهر من التعليل المتقدم، ولكنه لم يثبت إلا بلفظ
صريح.
وفي ثبوته بالإطلاق إشكال، لعدم الانصراف إلا إلى غير المتلف، إلا مع
القرينة المصرحة من عرف أو عادة فلا يضمن، كما لو أذن له باستعماله
باللفظ الصريح.
* (بل لا يضمن) * مطلقا ولو تلف بدون الاستعمال * (إلا مع تفريط، أو
عدوان، أو اشتراط) * للضمان مع التلف ولو بدونهما، بلا خلاف في شئ
من ذلك، إلا من الإسكافي في الحيوان، فحكم على الإطلاق بالضمان (2).
والأصل في عدم الضمان حيث لم يكن فيه شئ من المستثنيات - بعد
الإجماع الدال على أمانته، كما في المهذب (3) والمسالك (4) وغيرهما -
الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
منها - زيادة على ما يأتي إليه الإشارة - الصحاح.
في أحدها: ليس على مستعير عارية ضمان، وصاحب العارية والوديعة
مؤتمن (5).
وفي الثاني: لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمونا (6).
وفي الثالث: عن العارية يستعيرها الانسان فتهلك أو تسرق، قال: فقال:

(1) الكافي في الفقه: 329.
(2) كما في المختلف 6: 71.
(3) المهذب البارع 3: 11.
(4) المسالك 5: 153.
(5) الوسائل 13: 237، الباب 1 من أبواب العارية الحديث 6.
(6) الوسائل 13: 236، الباب 1 من أبواب العارية الحديث 3.
178

إذا كان أمينا فلا غرم (1).
والخبر (2) الوارد بخلافها في الحيوان مع قصور سنده شاذ وإن قال به
الإسكافي.
والتقييد بأحد المستثنيات محتمل.
وبخصوص الصحيح المرتضوي -: قضى علي (عليه السلام) في رجل أعار
جارية فهلكت من عنده ولم يبغها غائلة أن لا يغرمها المعار الخبر (3) -
معارض.
وفي الضمان مع أحد الأولين الإجماع في الغنية (4) والتنقيح (5) وحديث
على اليد (6)، ومفهوم النصوص المتقدمة المشترطة في انتفاء الغرامة عنه
الأمانة. وهي مع أحدهما منتفية، لكونه خيانة بلا شبهة فيه.
وفيه مع الثالث الإجماع في الغنية (7) والمسالك (8) وغيرهما، والمعتبرة
المستفيضة، منها الصحاح:
في أحدها: إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنها، إلا أن يكون قد
اشترط عليه (9). ونحوه الثاني (10).
وفي الثالث: جميع ما استعرت فاشترط عليك يلزمك، والذهب والفضة

(1) الوسائل 13: 237، الباب 1 من أبواب العارية الحديث 7.
(2) الوسائل 13: 238، الباب 1 من أبواب العارية الحديث 11.
(3) الوسائل 13: 237، الباب 1 من أبواب العارية الحديث 9.
(4) الغنية: 276.
(5) التنقيح 2: 249.
(6) سنن البيهقي 6: 95.
(7) الغنية: 276.
(8) المسالك 5: 153.
(9) الوسائل 13: 236، الباب 1 من أبواب العارية الحديث 1.
(10) الوسائل 13: 239، الباب 3 من أبواب العارية الحديث 1.
179

لازم لك وإن لم يشترط عليك (1).
وقوله: * (إلا أن تكون العين) * المعارة استثناء من قوله: " لا يضمن "،
أي لو كانت * (ذهبا أو فضة فالضمان يلزم) * على أي حال * (وإن لم
يشترط) * الضمان، بل أطلق، ولم يتعد فيهما، ولم يفرط بلا خلاف فيهما في
الجملة، بل عليه الإجماع في المسالك والغنية (2). وهو الحجة، مضافا إلى
المعتبرة المستفيضة.
منها - زيادة على ما مر - الصحيح: لا يضمن العارية إلا أن يكون (3)
اشترط فيها ضمانا، إلا الدنانير، فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا.
والحسن كالصحيح: ليس على صاحب العارية ضمان، إلا أن يشترط
صاحبها، إلا الدراهم، فإنها مضمونة اشترط صاحبها، أو لم يشترط (4).
والخبر: العارية ليس على مستعيرها ضمان، إلا ما كان من ذهب أو
فضة، فإنهما مضمونان اشترطا، أو لم يشترطا (5).
وإطلاقه - كالعبارة ونحوها - يقتضي انسحاب الضمان في مطلقهما ولو
كانا مصوغين لا نقدين، وبه أفتى جماعة.
خلافا لآخرين، فخصوه بالنقدين. ولعله أظهر، للأصل، وظهور الحصر
فيهما من الخبرين الأولين، المعتضدين بإطلاق الأخبار المتقدمة، النافية
للضمان عن مطلق العارية.
ولا يعارضهما الخبر الأخير، ونحوه الصحيح المتقدم المتضمن لمطلق

(1) الوسائل 13: 239، الباب 3 من أبواب العارية الحديث 2.
(2) المسالك 5: 155، الغنية 276.
(3) الوسائل 13: 239، الباب 3 من أبواب العارية الحديث 1.
(4) الوسائل 13: 240، الباب 3 من أبواب العارية الحديث 3.
(5) الوسائل 13: 240، الباب 3 من أبواب العارية الحديث 4.
180

الذهب والفضة، لضعفهما عن المقاومة لهما بحسب السند والاعتضاد بما مر،
مضافا إلى الأصل، والنصوص الدالة على انتفاء الضمان عن اليد حيث كانت
مؤتمنة بعنوان الكلية.
فالإعراض عنهما أجدر، مع إمكان الجمع بينهما وبين الأولين
بتقييدهما بهما وإن أمكن العكس، لكون التعارض بينهما تعارض العموم من
وجه، كما ذكره بعض الأصحاب.
فقال: وقع التعارض بين المستثنى منه في الدنانير والدراهم، وحاصله:
لا ضمان في غير الدراهم والدنانير وبين المستثنى في خبر الذهب والفضة،
والنسبة بين الموضوعين عموم من وجه، يمكن تخصيص كل منهما بالآخر،
فإن خص الأول بالثاني كان الحاصل لا ضمان في غير الدراهم والدنانير إلا
أن يكون ذهبا أو فضة، وإن خصص الثاني بالأول كان الحاصل كل من
الذهب والفضة مضمونان إلا أن يكون غير الدراهم والدنانير (1). انتهى.
وحينئذ، فالأمر المشترك بين الحكمين ثابت، وهو حصول الضمان في
الدنانير والدراهم، فلا بد من استثناء هذا الحكم من عموم النصوص الدالة
على عدم الضمان في مطلق العارية، وتبقى في غير النقدين عن المعارض
سليمة.
فإذا المتجه عدم الضمان فيما عداهما من مطلق الذهب والفضة.
ثم إن ضمانهما يسقط باشتراط سقوطه بلا خلاف، للصحيح: جميع ما
استعرته فتوى فلا يلزمك تواه، إلا الذهب والفضة فإنهما يلزمان، إلا أن
يشترط أنه متى توى لم يلزمك تواه، الخبر (2).

(1) كفاية الأحكام: 135 س 30.
(2) الوسائل 13: 239، الباب 3 من أبواب العارية الحديث 2.
181

* (ولو استعار من الغاصب مع العلم) * بالغصب * (ضمن) * كلا من
المنفعة والعين مع التلف مطلقا ولو لم تكن عاريتها عارية مضمونة.
* (وكذا لو كان جاهلا، لكن) * استقرار الضمان هنا على الغاصب، إلا إذا
كانت مضمونة فيضمن العين خاصة.
وللمالك في المقامين إلزام أيهما شاء بالعين التالفة وما استوفاه من
المنفعة.
فإن ألزم المستعير كان له أن * (يرجع) * هو * (على المعير بما يغترم) * مع
جهله، لأنه أذن في استيفائها بغير عوض عنها وعن العين لو تلفت. ولا
كذلك مع علمه، لاستقرار الضمان عليه بسببه، فليس له الرجوع بما غرمه.
وإن ألزم الغاصب لم يرجع على المستعير، إلا مع علمه، أو كون العين
مضمونة، فيرجع عليه فيهما، لاستقرار الضمان عليه في الأول، وإقدامه في
الثاني على الضمان مع صحة العارية، فكذا عليه الضمان مع الفساد، للقاعدة
الكلية: أن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.
لكن هذا لا يوجب إلا ضمان العين دون المنفعة، فإنها ليست بمضمونة
بالكلية ولو في الذهب والفضة، بل المضمون فيهما هو العين خاصة.
ولا خلاف في شئ من ذلك فيما أجده، إلا من الماتن في الشرائع (1)
والفاضل في القواعد (2)، فلم يجوزا رجوع المالك إلى المستعير مع جهله،
لضعف مباشرته بغروره، والسبب الغار أقوى. والمشهور الأول، لما تقرر في
كلامهم: من أن كل من ترتب يده على المغصوب فإن يده يد ضمان، عالما
كان، أو جاهلا. ولعله لعموم " على اليد " (3). وهو أقوى.

(1) الشرائع 2: 172.
(2) القواعد 1: 193 س 12.
(3) سنن البيهقي 6: 95.
182

وفي الموثق والمرسل: إذا استعرت عارية بغير إذن صاحبها فهلكت
فالمستعير ضامن (1).
وهما على إطلاقهما شاذان إن نزلا على مفروض المسألة، وإن حملا
على ظاهرهما من كون المستعير هو الغاصب فلا كلام فيهما.
ومن نادر (2) وإطلاق العبارة هنا وفي الشرائع في عدم رجوع المستعير
على المعير بما غرم مع الجهل إذا كانت العارية مضمونة، فجوزوه هنا أيضا،
بناء على أن استحقاق العين أوجب فساد العارية، فلا تكون عليه مضمونة.
ويضعف: بأن غروره في الغصب لا مدخل له هنا في الضمان، لأنه ليس
من حيث الغصب، بل من حيث كونها عارية مضمونة ودخوله على ذلك،
فإذا تبين فسادها لحقها حكم الفاسد بالصحيح كما سلف من القاعدة.
* (و) * اعلم أن ضابط العين المعارة: هو * (كل ما يصح الانتفاع به مع
بقائه) * كالعقارات والدواب والثياب والأقمشة والأمتعة والصفر والحلي
ونحو ذلك، فإنه الذي * (يصح إعارته) *.
دون غيره مما لا يتم الانتفاع به، إلا بإتلاف عينه كالأطعمة والأشربة،
فإنه لا يجوز إعارتها، لأن المنفعة المطلوبة لا تحصل إلا بإتلافها، والإباحة
لم تقع على الإتلاف. وكذا ما لا يجوز الانتفاع به شرعا، فإنه لا يصح إعارته،
كأواني الذهب والفضة للأكل والشرب فيها. وكذا كلب الصيد إن استعير للهو
والطرب، والجواري للاستمتاع، لاستلزام الأول الإعانة على الإثم المحرمة
بالكتاب والسنة، والثاني مورد نص وإجماع، كما يأتي في النكاح.
ولا خلاف في شئ من ذلك ولا إشكال، إلا في المقصود بقولهم:

(1) الوسائل 13: 240، الباب 4 من أبواب العارية الحديث 1 وذيله.
(2) عطف على قوله: " إلا من الماتن... ".
183

لا يجوز إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا بإتلافه، فإنه غير واضح إن ظهر من
المعير الرضا باتلاف العين بقوله: أعرتكه مع القرينة.
فإن المعيار في جوازه هو رضاه به وقد حصل في محل الفرض، وإن
هو حينئذ إلا كالهبة والإباحة وإن عبر عنهما بلفظ العارية ولا مدخل للفظ
الفاسد معناه في اللغة والعرف. نعم حيث لا يعلم الرضا بالاتلاف إلا به اتجه
ما ذكروه، لاشتراط استفادته منه بدلالته عليه ولو بالالتزام.
ودلالة لفظ العارية بمجرده على الإتلاف فاسدة، لعدم استنادها إلى
عرف أو لغة، لأن وضع العارية فيهما بحكم الوضع والتبادر إنما هو لما يتم
الانتفاع به مع بقاء عينه. ولعل هذا مراد الأصحاب.
ويستثنى من مورد المنع حيث يثبت المنحة، بالكسر، وهي الشاة
المعارة للانتفاع بها بلبنها، وقد أجمعوا عليه، كما في المسالك (1) والتذكرة (2)
وغيرهما من كتب الجماعة. وهو الحجة، دون الرواية (3)، لضعفها.
ثم منهم من حمل على المجمع عليه، ومنهم من عدى الحكم إلى غير
الشاة من الأنعام، وإلى غير اللبن من الصوف والشعر. والأول أظهر ولعله
مختار الأكثر، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن.
* (و) * يجب أن * (يقتصر المستعير) * في الانتفاع * (على ما يؤذن له) *
منه، فلو عين له جهة لم يتجاوزها ولو إلى المساوي والأدون عند جماعة،
عملا بمقتضى التعيين، واقتصارا على المأذون.
خلافا لآخرين، فجوزوا التخطي إليهما، وظاهر التذكرة القائل به عدم

(1) المسالك 5: 145.
(2) لم نعثر عليه في نسخة التذكرة، المتوفرة بين أيدينا، والظاهر أنه يوجد سقط، ونقله بتمامه
صاحب الحدائق 21: 495.
(3) النهاية لابن الأثير 4: 364.
184

الخلاف فيه، كما حكي (1).
فإن تم إجماعا، وإلا فلا ريب في ضعفه في المساوي لضعف دليله، إذ
ليس إلا القياس، وهو باطل.
نعم لا يبعد المصير إليه في الثاني، لما مر في الوديعة.
وما يقال عليه: من منع الأولوية لاختلاف الغرض في ذلك مر جوابه
ثمة.
نعم لو علم إرادة الخصوصية من التعيين توجه المنع، كما لو نهاه عن غير
المعين مطلقا بلا خلاف.
وحيث يتعين المعين فتعدى إلى غيره ضمن العين ولزمه الأجرة
لمجموع ما فعل، من غير أن يسقط عنه ما قابل المأذون على الأصح، لكونه
تصرفا بغير إذن المالك، فيوجب الأجرة، والقدر المأذون فيه لم يفعله، فلا
معنى لإسقاط قدره.
نعم لو كان المأذون فيه داخلا في ضمن المنهي عنه - كما لو أذن له في
تحميل الدابة قدرا معينا فتجاوزه، أو في ركوبه بنفسه فأردف غيره - تعين
إسقاط قدر المأذون، لأنه بعض ما استوفى من المنفعة وإن ضمن الدابة
أجمع، لتعديه.
* (ولو اختلفا في) * التلف أو * (التفريط فالقول) * فيهما * (قول المستعير
مع يمينه) * بلا خلاف في أصل القبول في الأول، لأنه أمين فيقبل قوله فيه
كغيره، سواء ادعاه بأمر ظاهر، أو خفي. وكذا في الثاني، وفاقا للطوسي (2)
والتقي (3) وابن حمزة (4) والقاضي (5) والحلي (6) وعامة المتأخرين، بل في

(1) الحاكي صاحب الحدائق 21: 493.
(2) النهاية 2: 263.
(3) الكافي في الفقه: 329.
(4) الوسيلة: 276.
(5) نقله عنه في المختلف 6: 72.
(6) السرائر 2: 430.
185

ظاهر الغنية الإجماع عليه (1). وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، فإنه منكر
فعليه اليمين مع عدم البينة.
خلافا للمفيد (2) والديلمي (3)، فقول المالك. ولا وجه له.
* (ولو اختلفا في الرد) * فادعاه المستعير * (فالقول قول المعير) * بلا
خلاف فيما أعلم، لأصالة العدم، وقد قبضه لمصلحة نفسه، فلا يقبل قوله فيه،
بخلاف الودعي، لأنه قبضه لمصلحة المالك والإحسان إليه خاصة، كما مر
في الوديعة.
ومعنى عدم قبول قوله فيه الحكم بضمانه المثل أو القيمة حيث يتعذر
العين، لا الحكم بالعين مطلقا، للزومه إيداعه الحبس مخلدا.
* (ولو اختلفا في القيمة) * بعد اتفاقهما على التلف بالتفريط * (فقولان) *
* (ولو اختلفا في القيمة) * بعد اتفاقهما على التلف بالتفريط * (فقولان) *
يستندان إلى ما مر في الوديعة * (أشبههما) * ما مضى ثمة من أن القول
* (قول) * المستعير * (الغارم مع يمينه) * وفاقا للحلي (4) وأكثر المتأخرين.
خلافا لآخرين، كالشيخين (5) والتقي (6) والقاضي (7) وابني حمزة (8)
وزهرة في الغنية (9) مدعيا فيها هنا إجماع الإمامية.
فإن تم، وإلا - كما هو الظاهر، بل كاد أن يكون على خلافه الإجماع
الآن - كان المصير إلى الأول متعينا.
واعلم أن اعتبار اليمين هنا بأقسامه هو المشهور، بل لا خلاف فيه فيما
أعلم، ويأتي احتمال الخلاف فيه مما في الوديعة قد تقدم.

(1) الغنية: 276.
(2) المقنعة: 630.
(3) المراسم: 194.
(4) السرائر 2: 431.
(5) المقنعة: 630، والنهاية 2: 262.
(6) الكافي في الفقه: 329.
(7) نقله عنه في المختلف 6: 73.
(8) الوسيلة: 276.
(9) الغنية: 276.
186

* (ولو استعار) * للانتفاع * (ورهن) * المستعار * (من غير إذن المالك) *
بالرهن * (انتزع المالك العين) * لتسلطه على ماله، مع عدم صدور شئ منه
يوجب رفع سلطنته سوى الإعارة للانتفاع، وهي غير الإذن بالرهانة
* (ويرجع المرتهن بماله على الراهن) * حيث أخذت منه العين، بل مطلقا،
لعدم الاستيثاق بما لمالكه الرجوع فيه متى شاء.
هذا، مضافا إلى الخبرين.
أحدهما: الموثق كالصحيح - بل الصحيح كما قيل -: في رجل استعار
ثوبا ثم عمد إليه فرهنه فجاء أهل المتاع إلى متاعهم، فقال: يأخذون
متاعهم (1).

(1) الوسائل 13: 241، الباب 5 من أبواب العارية الحديث 1.
187

كتاب
الإجارة
189

* (كتاب الإجارة) *
* (وهي) * لغة الأجرة، وهي كرى الأجير لا مصدر " آجر يوجر " فإنه
الإيجار.
وشرعا * (تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم) * وقيل: عقد ثمرته
ذلك (1). ومنشأ الخلاف تقدم في البيع.
وكيف كان هو أو التمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر العقود.
وخرج بتعلقه بالمنفعة البيع والصلح المتعلق بالأعيان. وبالعوض الوصية
بالمنفعة. وبالمعلوم إصداقها، إذ ليس في مقابلها عوض معلوم سوى البضع
وليس بمعلوم.
وينتقض في طرده بالصلح على المنفعة بعوض معلوم، فإنه ليس إجارة،
بناء على جعله أصلا مستقلا، كما هو الأشهر الأقوى.
والأصل فيه - بعد إجماع المسلمين، كما في المهذب (2) وظاهر
الغنية (3) وغيرهما من كتب الجماعة - الكتاب والسنة المتواترة الخاصية
والعامية.

(1) القائل صاحب كفاية الأحكام: 124 س 5.
(2) المهذب البارع 3: 19.
(3) الغنية: 285.
191

قال سبحانه: " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " (1).
وقال: " لو شئت لا تخذت عليه أجرا " (2). ونحوهما آيات أخر (3).
وأما السنة فسيتلى عليك جملة منها في تضاعيف المباحث الآتية.
ويشترط فيها بعد أهلية المتعاقدين ما يدل على الإيجاب والقبول
كآجرتك أو أكريتك أو ملكتك منفعتها سنة فيقول: قبلت أو استأجرت أو
نحوهما بلا خلاف.
وأما اشتراط العربية والماضوية ونحوهما من الأمور المختلف في
اعتبارها في العقود اللازمة يظهر الكلام فيه نفيا وإثباتا من الرجوع إلى ما
قدمناه في البيع، فإنها - كسائر العقود اللازمة - من باب واحد.
* (و) * حيث انعقدت بشرائطها المعتبرة * (تلزم من الطرفين) * المؤجر
والمستأجر بلا خلاف، بل عليه الوفاق كما في المسالك (4) وغيره، لعموم
الأمر بالوفاء (5)، وصريح المستفيضة:
منها الصحيحان وغيرهما: عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو
السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقل، فقال: الكراء لازم له إلى الوقت الذي
تكارى إليه، والخيار في أخذ الكري إلى ربها إن شاء أخذ وإن شاء ترك (6).
ومنها: رجل دفع ابنه إلى رجل وسلمه منه سنة بأجرة معلومة ليخيط له
ثم جاء رجل فقال: سلم ابنك مني سنة بزيادة هل له الخيار في ذلك؟ وهل
يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأول، أم لا؟ فكتب (عليه السلام): يجب عليه الوفاء
للأول ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف (7).

(1) الطلاق: 6.
(2) الكهف: 77.
(3) القصص: 26 و 27.
(4) المسالك 5: 174.
(5) المائدة: 1.
(6) الوسائل 13: 249، الباب 7 من أبواب الإجارة الحديث 1 وذيله.
(7) الوسائل 13: 254، الباب 15 من أبواب الإجارة الحديث 1.
192

* (وتنفسخ بالتقايل) * بلا خلاف، لعموم أدلة استحبابه، كما مضى في
البيع وغيره، وسيأتي بعض النصوص الدالة عليه، وكذا بكل واحد من
الأسباب المقتضية له مما يأتي.
* (ولا تبطل بالبيع) * بلا خلاف في الظاهر، وعليه الإجماع في
الغنية (1)، للأصل، وعدم المنافاة، فإن الإجارة تتعلق بالمنافع والبيع بالعين
وإن تبعتها المنافع حيث يمكن، وللنصوص المستفيضة.
ففي الصحيح: رجل استأجر ضيعة من رجل فباع المؤجر تلك الضيعة
بحضرة المستأجر ولم ينكر المستأجر البيع وكان حاضرا له شاهدا فمات
المشتري وله ورثة هل يرجع ذلك الشئ في ميراث الميت، أو يثبت في يد
المستأجر إلى أن ينقضي إجارته؟ فكتب (عليه السلام): يثبت في يد المستأجر إلى أن
ينقضي إجارته. وقريب منه غيره (2).
وفي الصحيح: لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى، ولكن يبيعه على أن
الذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى ينقضي السكنى على ما شرط
والإجارة، قلت: فإن رد على المستأجر ما له وجميع ما لزمه من النفقة
والعمارة فيما استأجره، قال: إن كان على طيبة النفس ورضا المستأجر
بذلك لا بأس (3).
وفي الخبر: له أن يبيع إذا اشترط على المشتري أن للمتقبل من السنين
ماله (4).
وظاهرهما توقف جواز البيع على الاشتراط المذكور فيهما، وبه أفتى

(1) الغنية: 288.
(2) الوسائل 13: 267، الباب 24 من أبواب الإجارة الحديث 1 و 3.
(3) الوسائل 13: 267، الباب 24 من أبواب الإجارة الحديث 3.
(4) الوسائل 13: 267، الباب 24 من أبواب الإجارة الحديث 4.
193

شيخ الصدوق على ما حكاه عنه في الفقيه (1)، ولعل الوجه في النهي من البيع
بدونه وجوب الاخبار بعيب المبيع حيث كان وقت البيع.
وقيل: باستحبابه (2). وعليه يصرف النهي إلى الإرشاد، أو الكراهة.
ووجه العيب في المسألة واضح، للتعيب بنقص المنفعة المستوفاة بعقد
الإجارة، فإن كان المشتري عالما به صبر إلى انقضاء المدة، وإلا تخير بين
فسخ العقد وإمضائه مجانا.
وإطلاق العبارة كغيرها وصريح جماعة عدم الفرق في الحكم بعدم
البطلان به بين كونه من المستأجر وغيره.
ولا خلاف ولا إشكال في الثاني، وكذلك في الأول على قول قوي،
لبعض ما مر، مع أنه بين المتأخرين أشهر. خلافا لمن ندر.
وتظهر ثمرة الخلاف في استحقاق المؤجر الأجرة لباقي المدة، فيتوجه
على المختار ولا على غيره.
* (و) * كما لا تبطل به كذا * (لا) * تبطل * (بالعتق) * لعين ما مر من الدليل
سوى الأحاديث.
* (وهل تبطل بالموت؟ قال الشيخان: نعم) * (3) وتبعهما القاضي (4)
والديلمي (5) وابن حمزة (6) وابن زهرة مدعيا في الغنية عليه إجماع
الإمامية (7)، تبعا لشيخ الطائفة في الخلاف (8)، وكذا في المبسوط (9)، حيث

(1) حكاه عن شيخه محمد بن الحسن (رضي الله عنه)، راجع الفقيه 3: 253، ذيل الحديث 3914.
(2) قال في الحدائق: فهو محتمل للعمل على وجوب الإخبار أو استحبابه 21: 538.
(3) المقنعة: 640، والنهاية 2: 277.
(4) المهذب 1: 501.
(5) المراسم: 196.
(6) الوسيلة: 267.
(7) الغنية: 287.
(8) الخلاف 3: 491، المسألة 7.
(9) المبسوط 3: 224.
194

ادعى فيه ذلك في الظاهر، لكن على التفصيل بين المؤجر والمستأجر
بالبطلان بموت الثاني دون الأول، وجعله الأصحاب قولا ثالثا في المسألة،
ونسبه القاضي إلى أكثر الإمامية (1).
وحجتهم عليه مطلقا أو في الجملة غير واضحة، عدا ما نسب إليهم
وصرح به في الغنية من تعذر استيفاء المنفعة في موت الأول، والأجرة في
موت الثاني.
فالأول: لأن المستأجر استحق استيفائها على ملك المؤجر فبالموت
ينتقل إلى الوارث وتحدث المنافع على ملكهم، فلا يجوز استيفاء ما ليس
بمملوك للمؤجر.
والثاني: لأنه استحق من مال المؤجر وبالموت تنتقل التركة إلى الورثة.
وأنه ربما كان غرض المالك تخصيص المستأجر، لتفاوت الأغراض
بتفاوت المستأجرين، وقد تعذر ذلك بالموت، فتبطل الإجارة.
وفيه بعد النقض بتزويج الأمة المنتقلة بموت مالكها إلى الورثة، وبنفس
الإجارة - حيث لا تبطل بالبيع والعتق، كما مرت إليه الإشارة، مع اقتضاء
هذه التعليلات بطلانها بهما أيضا، كما ادعوه في المسألة - أن دعوى انتقال
كل من المنفعة والأجرة بالموت إلى الورثة فلا يستحقهما عليهم الطرف
الآخر ممنوعة.
كيف لا! وهي مصادرة محضة، وشبهة جوابها واضح، فإن المنتقل إليهم
في موت المؤجر العين المسلوبة المنافع مدة الإجارة وفي موت الآخر
التركة مستثنى منها الأجرة اللازمة بالإجارة السابقة، وإن هي حينئذ إلا
كالديون اللازمة في التركة بأحد موجباتها المتقدمة على الموت.

(1) المهذب 1: 501.
195

فلم يبق ما يؤيد به مذهب الجماعة إلا حكاية الإجماعات المتقدمة،
وهي بعد معارضتها بأقوى منها - كما سيأتي إليه الإشارة - موهونة.
أولا: بمصير عامة المتأخرين وكثير من القدماء إلى الخلاف.
وثانيا: بتعارض أحدهما مع الآخر، فإن إجماع الخلاف (1) والغنية (2)
مدعى على البطلان بالموت على الإطلاق، وإجماع المبسوط على عدمه
كذلك واختصاص البطلان بموت الثاني (3).
نعم هما متفقان على دعواه على البطلان بموته، لكن يقتصر في الجواب
عنه حينئذ على الأولين وإن اعتضد بدعوى الماتن في الشرائع عليه
الشهرة (4)، كدعوى القاضي (5) الأكثرية، مع اختلافهما وتعارضهما في
الإطلاق وعدمه، كحكاية الإجماعين المتقدمين.
* (وقال المرتضى) * (6) والحلبي (7) والحلي (8): * (لا تبطل) * مطلقا
* (وهو أشبه) * وأشهر بين من تأخر، بل عليه عامتهم، بحيث كاد أن يكون
ذلك إجماعا منهم، وبه صرح في المسالك (9). ولعله كذلك.
فيمكن أخذها حجة، مضافا إلى اعتضادها بالشهرة القديمة، كما يظهر
من السرائر (10) في بحث المزارعة، وإطلاق المستفيضة المتقدمة بلزوم
الإجارة إلى المدة المضروبة، واستصحاب الحالة السابقة، السليمين عما
يصلح للمعارضة، كما مر إليه الإشارة.

(1) الخلاف 3: 492، المسألة 7.
(2) الغنية: 287.
(3) كذا في النسخ، والعبارة مع تشويشها لا يطابق مع ما في المبسوط 3: 224.
(4) الشرائع 2: 179.
(5) المهذب 1: 501.
(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 260، المسألة 200.
(7) الكافي في الفقه: 348.
(8) السرائر 2: 449.
(9) المسالك 5: 175.
(10) السرائر 2: 449.
196

وفي الخبر: عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطي الإجارة
في كل سنة عند انقضائها لا يقدم لها شئ من الإجارة ما لم يمض الوقت
فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى
الوقت، أم تكون الإجارة منتقضة بموت المرأة؟ فكتب (عليه السلام): إن كان لها وقت
مسمى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة، فإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت
ثلثه أو نصفه أو شيئا منه فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء
الله تعالى (1).
وفي آخر: رجل استأجر ضيعة من رجل فباع المؤجر تلك الضيعة التي
آجرها بحضرة المستأجر ولم ينكر البيع وكان حاضرا شاهدا عليه،
الخبر (2). وقد مر.
وفي الاستدلال بهما على عدم البطلان - مع قطع النظر عن قصور سند
الأول - نظر إن لم يكن الأول على الدلالة على خلافه أظهر، مع اختصاصهما
بموت المؤجر ومن في حكمه، فليس فيهما حجه على المفصل بينه وبين
غيره.
ثم كل ذا إذا لم يشترط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه، وإلا
بطلت بموته، عملا بالشرط، كما تبطل عند جماعة بموت المؤجر، حيث
تكون العين المستأجرة موقوفة عليه وعلى من بعده من البطون فيوجرها
مدة ويتفق موته قبل انقضائها، لانتقال الحق إلى غيره، وليس له التصرف إلا
زمن استحقاقه، ولهذا لا يملك نقلها ولا إتلافها.
والفرق بينه وبين غير الوقف تلقي الطبقة الثانية العين الموقوفة عن

(1) الوسائل 13: 268، الباب 25 من أبواب الإجارة الحديث 1.
(2) أو سائل 13: 268، الباب 24 من أبواب الإجارة الحديث 5.
197

الواقف دون المؤجر، بخلاف الوارث فإنه يتلقى الملك فيه عن الميت. فتدبر.
قالوا: نعم لو كان ناظرا وآجرها لمصلحة البطون لم تبطل بموته، لكن
الصحة حينئذ ليست من حيث إنه موقوف عليه، بل من حيث إنه ناظر ومثله
الموصى له بمنفعتها مدة حياته فيوجرها كذلك.
* (وكل ما تصح إعارته) * شرعا من الأعيان المنتفع بها مع بقائها
* (تصح إجارته) * بلا خلاف في الظاهر، وبه صرح في السرائر (1) والغنية (2).
وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، والعمومات كتابا وسنة.
دون ما ليس كذلك مطلقا ولو في نحو المنحة إجماعا هنا، كما عن
التذكرة (3). وهو الحجة، مضافا إلى مخالفته الأصل، إذ ليس الإجارة في
العرف واللغة عبارة إلا عما كانت العارية فيه حقيقة، لكن مع العوض.
ويفترقان بلزومه خاصة، وثبوت المخالفة له في العارية في نحو المنحة
بعد قيام الدليل عليه من الإجماع.
والرواية غير موجب لإلحاق الإجارة بها فيها، إذ ليس إلا قياسا فاسدا
في الشريعة، مع كونه مع الفارق، بناء على لزوم الإجارة وجواز العارية،
فيغتفر فيها ما لا يغتفر في العقود اللازمة.
* (وإجارة المشاع جائزة) * مطلقا استأجره من شريكه أو غيره عندنا،
كما في المسالك (4) والروضة (5). وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، والعمومات
كتابا وسنة، ولا مانع منه باعتبار عدم القسمة، لإمكان استيفاء المنفعة
بموافقة الشريك، ولكن لا يسلم العين المشتركة إلا بإذنه. ولو أبى رفع الأمر

(1) السرائر 2: 456.
(2) الغنية: 285.
(3) في مفتاح الكرامة 7: 82، س 21: وقد تتبعنا التذكرة فرأينا قد ذكر في عدة مواضع أنه لا
يجوز استيجار الشاة للحلب من دون حكاية اجماع صريح ولا ظاهر...
(4) المسالك 5: 176.
(5) الروضة 4: 331.
198

إلى الحاكم، كما إذا نازع الشريكان.
ثم إنه إذا كان المستأجر عالما بالحال، وإلا فله الفسخ دفعا للضرر.
* (والعين) * المستأجرة * (أمانة لا يضمنها المستأجر ولا ما ينقص
منها، إلا مع تعد أو تفريط) * بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في
الغنية (1). وهو الحجة، مضافا إلى النصوص المستفيضة.
ففي الصحيح: عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت فما عليه؟
قال: إن كان اشترط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، وإن لم يسم فليس
عليه شئ (2)
وفيه: في المتعدي أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني؟ قال:
نعم، قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر، فقال: عليك قيمة ما بين
الصحة والعيب يوم ترده عليه (3).
وفي الخبر فيه أيضا: وإن عطب الحمار فهو ضامن (4).
وفي آخر: إن كان جاز الشرط فهو ضامن، وإن دخل واديا لم يوثقها
فهو ضامن، وإن سقطت في بئر فهو له ضامن، لأنه لم يستوثق منها (5).
هذا، مضافا إلى بعض النصوص المتقدمة في العارية، المعلل عدم
ضمانها بالأمانة التي هي بعينها في المقام موجودة. ونحوه النصوص
المستفيضة الواردة في عدم ضمان الأجير لما يتلف في يده إذا كان أمينا (6).

(1) الغنية: 288.
(2) الوسائل 13: 255، الباب 16 من أبواب الإجارة الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 255، الباب 16 من أبواب الإجارة الحديث 1.
(3) الوسائل 13: 255، الباب 17 من أبواب الإجارة الحديث 1.
(4) الوسائل 13: 257، الباب 17 من أبواب الإجارة الحديث 2 و 3.
(5) الوسائل 13: 281، الباب 22 من أبواب الإجارة.
(6) الوسائل 13: 270، الباب 28 من أبواب الإجارة، الحديث 1.
199

وكذلك الأجير إذا هلك صغيرا كان أو كبيرا حرا أو عبدا، لبعض ما مر من
التعليل، وعليه إجماع المسلمين، كما في المفاتيح (1) وغيره.
ثم إن إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة وصريح آخرين وربما
نسب إلى الشهرة عدم الفرق في الحكمين بين التلف في المدة أو بعدها، ولا
خلاف فيه في الحكم الثاني مطلقا، وكذا في الأول في الصورة الأولى.
والوجه في الجميع واضح. وأما ثبوته في الثانية، فلأصالتي البراءة
واستصحاب الحالة السابقة، السليمتين عما يصلح للمعارضة، عدا توهم
استلزام انقضاء المدة صيرورة العين أمانة شرعية تضمن لو أخل بردها فورا.
ويضعف بمنع وجوب الرد، وإنما يجب بعد المطالبة تمكينه منها
والتخلية بينه وبينها كسائر الأمانات، للأصلين المتقدمين. نعم لو حبسه مع
الطلب بعد انقضاء المدة ضمن.
فخلاف الإسكافي (2) والطوسي (3) - حيث أطلقا الضمان بعد المدة مع
الإخلال بالفورية، نظرا إلى أنه غير مأذون فيه فيضمنها مطلقا، ويجب عليه
مؤنة الرد - ضعيف غايته.
وفي جواز اشتراط الضمان حيث لم يثبت بأصل العقد لعموم الوفاء
بالشروط، أم العدم لمنافاته لمقتضاه فيفسد، قولان، والثاني أشهر، والأول
أظهر، لما مر، مع ضعف المعارض، لمنع المنافاة على إطلاقه، بل هو حيث
لم يكن هناك شرط.
وفي الخبر: عن رجل استأجر سفينة من ملاح فحملها طعاما واشترط
عليه إن نقص الطعام فعليه، فقال: جائز، قلت: إنه ربما زاد الطعام، قال: فقال:

(1) مفاتيح الشرائع 3: 112، المفتاح 978.
(2) حكاه عنه الشهيد في المسالك 5: 176.
(3) المبسوط 3: 249.
200

يدعي الملاح أنه زاد فيه شيئا، قلت: لا، قال: لصاحب الطعام الزيادة وعليه
النقصان إذا كان قد شرط عليه ذلك (1).
وعلى الثاني: ففي فساد العقد بفساد الشرط، أم لا، قولان، الأشهر الأول.
* (وشروطها) * أي الإجارة * (خمسة) * بل ستة:
أحدها: * (أن يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرف) * بلا خلاف،
بل في الغنية عليه الإجماع (2)، لعموم أدلة الحجر على غيرهما، فلا تصح
إجارة الصبي مطلقا وإن كان مميزا وأذن له الولي على الأقوى، ولا المجنون
مطلقا، ولا المحجور عليه بدون إذن الولي أو من في حكمه لا مطلقا.
* (و) * ثانيها: * (أن تكون الأجرة معلومة كيلا أو وزنا) * أو عدا إن
كانت مما يعتبر بها في البيع أو مشاهدة إن لم تكن كذلك.
* (وقيل) * كما عن المبسوط (3) والمرتضى (4): أنه * (تكفي المشاهدة) *
فيها عن اعتبارها بأحد الأمور الثلاثة إن كانت مما يعتبر بها، لأصالة الصحة،
وانتفاء الغرر بالمشاهدة، والأصح الأول، وفاقا للنهاية (5) والحلي (6) وكافة
المتأخرين، لأن الإجارة كالمبايعة معاوضة لازمة مبنية على المغابنة، فلا بد
فيها من انتفاء الغرر والجهالة عن العوضين المنفيين في الشريعة.
وما ربما يقال: من اختصاص المنع عنهما بالبيع ولا دليل على التعدي
عدا القياس المحرم، غريب.
لتوجه النظر إليه أولا: بعدم الخلاف في المنع عنهما مطلقا، بل هو مجمع
عليه بين كافة العلماء، والشاهد عليه سند المخالف، حيث جعله ارتفاع

(1) الوسائل 13: 277، الباب 30 من أبواب الإجارة الحديث 5.
(2) الغنية: 285.
(3) المبسوط 3: 223.
(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 253، المسألة 175.
(5) النهاية 2: 276.
(6) السرائر 2: 459.
201

الغرر، لاختصاص المنع عنه بالبيع، مضافا إلى استنادهم عليه في جميع
موارد الفقه، حتى أن القائل هو بنفسه أيضا كذلك.
وثانيا: بدعوى الإجماع على المنع عنهما وإفسادهما الإجارة في
المختلف (1) وشرح الشرائع للمفلح الصيمري (2).
وثالثا: بدعوى الغنية الإجماع على اشتراط المعلومية (3)، والمتبادر منها
ما لم يكن فيه غرر ولا جهالة بالكلية.
وبالجملة: لا شبهة في اشتراط عدمهما، ولا نزاع فيه بالمرة، وإنما هو
في ارتفاعهما بالمشاهدة، وهو أمر آخر.
والحق فيه مع الجماعة، لأن دعوى الارتفاع بها فاسدة بلا شبهة. ومع
التنزل فصحتها غير معلومة، والجهالة ممكنة كعدمها. وبالتردد بينهما يشك
في تحقق شرط الصحة، فيشك لأجله في صحة الإجارة، والأصل فسادها
بالضرورة. والعمومات بما دل على اشتراط المعلومية من الإجماع
مخصصة، فلا معنى لأصالة الصحة.
* (و) * اعلم أن مورد الخلاف إنما هو فيما * (لو كان الأجرة مما يكال أو
يوزن) * أو يعد. وأما لو كانت مما يكفي في بيعها المشاهدة كالعقار ونحوها
من الأمتعة كفت فيها قولا واحدا.
* (وتملك الأجرة بنفس العقد) * بلا خلاف، بل عليه الإجماع في
الغنية (4) وعن التذكرة (5). وهو الحجة، مضافا إلى اقتضاء صحة المعاوضة
انتقال كل من العوضين إلى الآخر.

(1) المختلف 6: 141.
(2) غاية المرام: 93 س 22 (مخطوط).
(3) الغنية: 285.
(4) الغنية: 286.
(5) التذكرة 2: 292 س 6.
202

قالوا: لكن لا يجب تسليمها إلا بتسليم العين المستأجرة أو العمل إن
وقعت عليه الإجارة، وفي شرح الإرشاد الإجماع عليه (1)، وخصه في
الكفاية بما إذا كان ذلك مقتضى العادة (2).
ولعل الوجه في العموم - بعد الإجماع المتقدم - الأصل، مع احتمال
الضرر على المستأجر بتعجيل الدفع، لاحتمال عدم إمكان استيفاء المنفعة
بالموت وشبهه، وهو منفي، فللمستأجر التأخير إلى التسليم، إلا أن يكون
هناك عادة تقضي بالتعجيل فيجب، كاشتراطه لإقدامه فيهما على الضرر.
وفائدة الملكية مع عدم وجوب التسليم تبعية النماء متصلا أو منفصلا
لها إن وقع العقد عليها بعينها.
وأما مع تسليمها فيجب تسليمها * (معجلة) * بعده * (مع الإطلاق) *
وعدم تقييد بتأجيلها * (أو اشتراط التعجيل) * بلا خلاف، لأن تسليم أحد
العوضين يسلط على المطالبة بالأخرى، بمقتضى المعاوضة الموجبة للملك،
مضافا إلى استلزام عدمه الضرر على المالك حيث يتساهل المستأجر
بالتسليم، ولم يمكن إلزامه عليه بمقتضى الفرض وتعيين وقت دون آخر
ترجيح من غير مرجح، وللنصوص.
منها الصحيح: في الجمال والأجير، قال: لا يجف عرقه حتى تعطيه
أجرته (3). ونحوه غيره.
وفيهما نوع إشعار بما مر من عدم وجوب تسليم الأجرة قبل العمل.
ثم إنه ليس في اشتراط التعجيل بعد استفادته من نفس العقد فائدة إلا
التأكيد وتسلط المؤجر على الفسخ مع الإخلال به على قول. وفي آخر

(1) مجمع الفائدة 10: 16 و 7.
(2) كفاية الأحكام: 124 س 34.
(3) الوسائل 13: 246، الباب 4 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1 و 2.
203

اختصاص الفائدة بالأول، والذب عن الثاني بمخالفته الأصل، واندفاع الضرر
المتوهم منه السببية للتسلط برفع الأمر إلى الحاكم ليجبره على القيام
بالشرط.
ونحوه الكلام في اشتراطه قبل الوجوب في التسلط على الفسخ مع
الاخلال. وكذا في لزوم الوفاء به، كما مر، لعموم الخبر بلزوم الإيفاء
بالشرط (1).
* (و) * منه يظهر الوجه في أنه * (يصح تأجيلها) * بالشرط * (نجوما) *
وأشهرا معينة، بأن يجعل لكل منهما شئ من الأجرة لا يستحق المؤجر
مطالبته قبل مجيئه * (أو) * كذا * (إلى أجل واحد) *.
ولا فرق بين الإجارة الواردة على عين معينة والواردة على ما في الذمة
بلا خلاف عندنا في شئ من ذلك، كما في المسالك (2) وغيره، ومر من
الأخبار ما يتعلق بالمقام في بحث عدم البطلان بالموت. فتدبر.
وفي توقف استحقاق المطالبة بالأجرة بعد العمل على تسليم عين
المعمول فيها مطلقا كما عليه ثاني المحققين (3) وثاني الشهيدين (4)، أم العدم
كذلك كما عليه الفاضلان (5) وغيرهما، أم الفرق بين ما إذا كان العمل في
ملك الأجير فالأول أو ملك المستأجر فالثاني، كما حكي قولا في
الشرائع (6)، أقوال، خيرها أوسطها، لأدلة وجوب التسليم المتقدمة، سيما
إطلاق النصوص المصرحة بالحكم في الأجير، السليمة عما يصلح
للمعارضة.

(1) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.
(2) المسالك 5: 180.
(3) جامع المقاصد 7: 111.
(4) المسالك 5: 179.
(5) الشرائع 2: 181، والإرشاد 1: 424.
(6) الشرائع 2: 181.
204

* (ولو استأجر من يحمل له متاعا) * مثلا * (إلى موضع) * معين * (في
وقت معين بأجرة معينة، فإن لم يفعل) * أي شرط عليه أنه إن لم يفعل ولم
يبلغه في ذلك الوقت * (نقص من أجرته شيئا معينا) * يتراضيان عليه
* (صح) * كل من العقد والشرط، وفاقا للإسكافي (1) والنهاية (2) والخلاف (3)
والقاضي (4) والفاضلين (5) وغيرهما، وفي المسالك (6) والروضة (7) وشرح
القواعد للمحقق الثاني أنه مذهب الأكثر (8)، وفي شرح الشرائع للصيمري
أنه المشهور بين الأصحاب (9)، للأصل، والعمومات بلزوم الوفاء بالعقود (10)
والشروط (11).
وصريح الموثق: إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعا إلى بعض
المعادن واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأنها سوق
أتخوف أن يفوتني، فإن احتبست عن ذلك حططت من الكري عن كل يوم
احتبست كذا وكذا، وأنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوما، فقال (عليه السلام):
هذا شرط جائر ما لم تحط بجميع كراه (12).
خلافا للحلي، فأبطل الشرط دون العقد (13)، لعدم تعيين الأجرة
باختلافها على التقديرين، كما لو باعه بثمنين عليهما.

(1) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 154.
(2) النهاية 2: 284.
(3) الخلاف 3: 509، المسألة 39.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 154.
(5) الشرائع 2: 181، والقواعد 1: 225 س 24.
(6) المسالك 5: 181.
(7) لم نعثر عليه صريحا راجع الروضة 4: 335 و 336.
(8) جامع المقاصد 7: 107.
(9) غاية المرام: 93 س 2 " مخطوط ".
(10) المائدة: 1.
(11) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
(12) الوسائل 13: 253، الباب 13 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2.
(13) السرائر 2: 469.
205

وهو حسن لولا النص المعتبر المنجبر قصور سنده أو ضعفه - لو كان -
بالشهرة الظاهرة والمحكية، مع اعتضاده بظاهر الصحيح - وإن لم يكن من
مورد المسألة -: عن الرجل يكتري الدابة فيقول: اكتريتها منك إلى مكان كذا
وكذا فإن جاوزته فلك كذا وكذا وزيادة وسمى ذلك، قال: لا بأس به كله (1).
فلا وجه لبطلان الشرط. وقال جماعة: ببطلانهما معا. وهو أضعف من
سابقه جدا.
فإذن القول الأول أقوى * (ما لم يحط بالأجرة) * ويفسد مع الإحاطة،
لمنافاته لمقتضى العقد، ولمفهوم الموثقة المزبورة، ويتبعه فساد العقد، فيثبت
حينئذ أجرة المثل بلا خلاف.
إلا من الإسكافي، فأوجب المصالحة (2). وهو شاذ.
ومن الشهيد في اللمعة (3)، فنفى الأجرة بالكلية، التفاتا منه إلى منع
منافاة هذا الشرط لمقتضى العقد، لأن قضية كل إجارة المنع عن نقيضها،
فيكون قد شرط قضية العقد، فلم تبطل الإجارة.
غاية ما في الباب أنه إذا أخل بالمشروط وهو النقل في اليوم المعين
يكون البطلان منسوبا إلى الأجير، حيث فوت الزمان المعين، ولم يفعل فيه
ما شرط عليه، فلا يستحق شيئا، لأنه لم يفعل ما استؤجر عليه، ولا يكون
البطلان حاصلا من جهة العقد.
فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير وإثبات أجرة المثل،
بل اللازم عدم ثبوت شئ وإن نقل المتاع إلى المكان المعين لكن في غير
الزمان، لأنه فعل ما لم يؤمر به ولا استؤجر عليه.

(1) الوسائل 13: 249، الباب 8 من أبواب الإجارة الحديث 1.
(2) كما في المختلف 6: 154.
(3) اللمعة: 94.
206

ويضعف بأن هذا إنما يتم إذا فرض كون مورد الإجارة هو الفعل في
الزمن الأول وما خرج عنه خارجا عن الإجارة، وأما إذا كان موردها كلا
القسمين فلا، وظاهر الرواية وكلام الأصحاب هو الثاني، ولذا حكموا - حتى
هو نفسه - بصحة الإجارة مع إثبات الأجرة على التقديرين، نظرا إلى حصول
المقتضي وهو الإجارة المعينة، المشتملة على الأجرة المعينة وإن تعددت
واختلفت بالترديد، لانحصارها وتعينها، وبطلانها على التقدير الآخر.
ولو فرض كون مورد الإجارة هو القسم الأول خاصة وهو النقل في
الزمن المعين لكان الحكم بالبطلان على تقدير فرض أجرة مع نقله في غيره
أولى، لأنه خلاف قضية الإجارة، كما ذكره، فإن مقتضاها أن لا يكون
للمؤجر أجرة لو خالف ما استؤجر عليه، كما في محل الفرض، لأنه فيه
ليس إلا النقل في الزمن المعين وقد خالفه بالنقل في غيره، فيكون اشتراط
الأجرة للمخالفة فاسدا، لمنافاته لمقتضى العقد فيفسد بفساده، فكان أولى
بثبوت أجرة المثل، والحال أنه وسائر الأصحاب حكموا بتلك الأجرة
الناقصة، وليس ذلك إلا من حيث فرض المسألة في كون مورد الإجارة كلا
القسمين لا الأول خاصة.
والذب عن هذا بجعل القسمين متعلق الإجارة على تقدير ذكر الأجرة
والقسم الأول خاصة على تقدير عدمه في القسم الثاني، مع كونه خلاف
الظاهر موجب لاختلاف الفرض.
ويمكن الفرق بين ذكر الأجرة في القسمين وإسقاطها في القسم الثاني،
بكون تعيين الأجرة على التقديرين قرينة جعلهما مورد الإجارة حيث أتى
بلازمها، وهو الأجرة فيهما، وإسقاطها في التقدير الآخر قرينة عدم جعله
موردا من حيث نفي اللازم الدال على نفي الملزوم.
207

وحينئذ، فتنزيل شرط عدم الأجرة على التقدير الآخر على شرط ما
يقتضيه عقد الإجارة والحكم بصحتها - كما حكم هو به - أولى من جعله
أجنبيا مفسدا للعقد، بتخلله بين الإيجاب والقبول، كذا قيل (1). وهو حسن
لولا مخالفة إطلاق كلام الأصحاب والنص المتقدم.
* (و) * ثالثها: * (أن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر أو لمن يوجر عنه) *
كالوكيل والوصي والولي والحاكم بلا خلاف، فلو آجر غير المالك وقفت
على الإجازة على الأشهر. وقيل: يبطل (2). والأول أظهر، لعين ما قلناه في
البيع.
وعليه فيكون هذا الشرط معتبرا للزوم دون الصحة، بخلاف باقي
الشرائط.
ولا فرق بين أن تكون مملوكة تبعا للعين، أو منفردة * (و) * لذا يجوز
* (للمستأجر أن يوجر) * العين المستأجرة إجماعا منا، كما في ظاهر
الغنية (3)، وعن صريح التذكرة (4). وهو الحجة، مضافا إلى إطلاق النصوص
المستفيضة المتقدمة في بحث كراهة إجارة الأرض بأكثر مما استؤجرت به
في بحث المزارعة وتدل عليه صريحا الصحيحة الآتية.
فلا شبهة في المسألة * (إلا أن يشترط المؤجر عليه استيفاء المنفعة
بنفسه) * فلا تصح له حينئذ أن يوجر إجماعا، كما في الغنية (5)، عملا
بمقتضى الشرط، وصريح الصحيحة (6) المزبورة إلا أن يشترط المستأجر
الأول على الثاني استيفاء المنفعة له بنفسه فيصح أن يوجر أيضا، لعدم

(1) القائل الشهيد الثاني في الروضة 4: 335 - 339.
(2) ذكره المحقق في الشرائع 2: 182، ولم يسم قائله.
(3) الغنية: 287.
(4) التذكرة 2: 290 س 29.
(5) الغنية: 287.
(6) الوسائل 13: 259، الباب 19 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
208

منافاتها لشرط المؤجر الأول، فإن استيفاء المنفعة بنفسه أعم من استيفائها
لنفسه، إلا أن ينهاه عن نفس الإجارة من الغير بالشرط فلا يصح كالأول وإن
استوفى هو المنفعة.
وحيث جاز له الإجارة من غيره هل يتوقف تسليم العين على إذن
مالكها؟
قيل: نعم، إذ لا يلزم من استحقاقه المنفعة والإذن له في التسليم جواز
تسليمها للغير، فيضمن لو سلمها بغير إذن (1).
وقيل: لا، بل يجوز تسليمها من غير ضمان، لأن القبض من ضرورات
الإجارة للعين، وقد حكم الشارع بجوازها والإذن في الشئ إذن في
لوازمه، وهو خيرة الشهيدين (2) وغيرهما. وهو الأصح، لتصريح الصحيح:
عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت، فقال: إن كان شرط أن لا
يركبها غيره فهو ضامن، وإن لم يسم فليس عليه شئ (3).
قيل: ولا فرق في جواز إيجار المستأجر للعين بين أن تكون الإجارة
الثانية أكثر من الأولى، أم لا (4).
خلافا للأكثر، فمنعوا عن إجارة المسكن والخان والأجير بأكثر، إلا أن
يوجر بغير جنس الأجرة، أو يحدث ما يقابل التفاوت. وقد مر تمام التحقيق
في المزارعة في البحث المتقدم إليه الإشارة بما لا مزيد عليه.
* (و) * رابعها: * (أن تكون المنفعة مقدرة) * إما * (في نفسها كخياطة
الثوب المعين) * وركوب الدابة إلى موضع معين * (أو بالمدة المعينة كسكنى

(1) القواعد 1: 226 س 21.
(2) الروضة 4: 340، ونقله عن الشهيد الأول في بعض حواشيه.
(3) الوسائل 13: 255، الباب 16 من أبواب الإجارة الحديث 1.
(4) لم نقف على قائله.
209

الدار) * سنة وخياطة الثوب شهرا مثلا بلا خلاف، بل عليه الإجماع في
الغنية (1)، لاستلزام عدم التقدير الغرر والجهالة، واحتمال أن يؤول الأمر إلى
المنازعة، وجميع ذلك ضرر منفي في الشريعة.
فلا بد من حسم مادته بتقدير المنفعة بما يتقدر بها، فإن اتحد كسكنى
الدار والإرضاع الغير المقدرين إلا بالزمان لزم التقدير به، وإن تعدد تخير بين
التقدير بأيهما شاء كالخياطة وركوب الدابة، ونحوهما المقدرين تارة
بالزمان كفعلهما في شهر مثلا، وأخرى بإضافتهما إلى معين، كما مر في
العبارة.
والضابط هو العلم بالمنفعة على أحد الوجهين.
ولو قدرت بالعمل والمدة معا، كأن يخيط هذا الثوب في هذا اليوم مثلا،
فالأكثر على البطلان إن قصد التطبيق، وفاقا للطوسي (2) والحلي (3)، لأنه
ربما فرغ قبل انتهاء المدة فيبقى بعضها مستحقة بلا عمل، وربما لا يفرغ
فيها فيحتاج إلى مدة أخرى فيحصل جهالة المدة والعمل، وهو غير جائز.
وتردد الماتن في الشرائع لذلك (4)، ولأن العقد قد وقع على العمل،
والمدة ذكرت للتعجيل، ووافقه على الاحتمال الثاني الفاضل في المختلف (5)
كما حكي، واستشكله آخرون كالشرائع. ولعله ليس في محله، بل الأول
أجود، وعلة الصحة خارجة عن محل الفرض، لوقوعه في وقوع العقد على
التطابق دون العمل فقط.
نعم لو أراد الظرفية المطلقة وأمكن وقوع الفعل فيها جاز بلا شبهة.

(1) الغنية: 285.
(2) المبسوط 3: 221.
(3) السرائر 2: 457.
(3) السرائر 2: 457.
(4) الشرائع 2: 182.
(5) لم نعثر عليه في المختلف وإن نقله عنه الشهيد في المسالك 5: 188، كما نبه به صاحب الجواهر
27: 263.
210

* (ويملك) * المستأجر * (المنفعة) * المعقود عليها * (بالعقد) * بلا خلاف، لما
مر في تملك المؤجر الأجرة. ولا فرق بينهما إلا من حيث إن تسليم الأجرة
يتوقف على تمام العمل أو دفع العين المستأجرة، ولا كذلك المنفعة، فإنه
يجب تسليمها مع المطالبة بتسليم العمل أو العين التي وقع عليها الإجارة.
ووقت تسليمها في المقدر بالمدة عند الفراغ من العقد مع إطلاقه،
وابتداء الزمان المشترط مع تقييده به، متصلا كان، أم منفصلا.
وتصح الإجارة فيه بقسميه، وكذا في الأول على الأشهر الأظهر.
خلافا للطوسي في المبسوط (1) والخلاف (2) في الأول، فأبطلها به،
واشترط في صحتها فيه تعيين المدة، وله فيهما في القسم الثاني من الثاني،
وتبعه فيه الحلي فأبطلها أيضا (3).
وعمومات الأدلة من الكتاب والسنة وفحوى النصوص الواردة في
المتعة - الدال جملة منها على الصحة مع الإطلاق، وآخر منها عليها مع
اشتراط الانفصال (4)، وهي مع كثرتها منجبرة أو معتضدة بالشهرة ثمة، كما
سيأتي إليه الإشارة - حجة عليهما.
نعم ينبغي تقييد الصحة في صورة الإطلاق بصورة دلالة العرف على
الاتصال، وإلا كانت باطلة، للجهالة.
ولا ينافيه إطلاق تلك النصوص وعبائر كثير من الجماعة الحاكمين
بالصحة في هذه الصورة كالقاضي (5) والحلي (6)، لوروده مورد الغالب، فإن
عدم انصراف الإطلاق إلى الاتصال كاد أن يلحق بالنادر، وأي نادر.

(1) المبسوط 3: 230.
(2) الخلاف 3: 496، المسألة 13.
(3) السرائر 2: 461.
(4) لم نقف في روايات المتعة على ما يدل عليه.
(5) المهذب 1: 473.
(6) السرائر 2: 461.
211

ولعله لذا أن الفاضل في الإرشاد (1) والماتن في الشرائع (2) ادعيا
انصراف الإطلاق مطلقا إلى ذلك، ولعله كذلك.
وفي المقدر بغير المدة (3) عند المطالبة.
وقيل: عند الفراغ من العقد مطلقا كالسابق، لانصراف الإطلاق إلى
التعجيل. ولم يثبت في مثله، إلا إذا كان ثمة قرينة من عرف أو عادة،
ولا كلام معها (4).
* (ولو مضت مدة يمكن استيفاء المنفعة) * المعقود عليها بنفسه * (و) *
كانت * (العين في يد المستأجر) * والمدة ما تعينت شرعا للاستيفاء إما بالتعيين
أو ما في حكمه، كما إذا عينت المنفعة بالعمل، فإن مدتها هي الزمان الذي
يسعها عادة * (استقرت الأجرة) * على المستأجر مطلقا * (ولو لم ينتفع) * بها
بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الغنية (5). وهو الحجة، مضافا إلى العمومات
الحاكمة بلزومها بمجرد العقد.
وإنما لم يجب تسليمها به، بل بعد تسليم العين أو العمل، لمصلحة
المستأجر، وترتب الضرر عليه بتكليفه عليه قبله، وهو هنا قد أقدم على
الضرر بتركه الانتفاع، ولا تقصير من جهة المؤجر.
وفي الخبر القريب: من الموثق: رجل استأجر من رجل أرضا فقال:
آجرتها بكذا وكذا إن زرعتها أو لم أزرعها فأعطيك ذلك فلم يزرعها، قال:
له أن يأخذ، إن شاء تركه، وإن شاء لم يتركه (6).
ولا فرق في ثبوت الأجرة عليه بالتسليم بين كون الإجارة صحيحة أو

(1) الإرشاد 1: 422.
(2) الشرائع 2: 183.
(3) عطف على قوله: ووقت تسليمها في المقدر بالمدة.
(4) راجع مجمع الفائدة 10: 28.
(5) الغنية: 286.
(6) الوسائل 13: 258، الباب 18 من أبواب الإجارة الحديث 1.
212

فاسدة، فإن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده بمقتضى القاعدة الكلية
المتفق عليها، لكن مع الفساد يلزم أجرة المثل عما فات من المنافع في يده.
وفي حكم التسليم ما لو بذل العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت
المدة أو مضت مدة يمكنه الاستيفاء فتستقر الأجرة هنا أيضا. لكن قيل: لا بد
فيه من تقييده بالصحيحة (1).
* (وإذا عين) * المؤجر حين العقد * (جهة الانتفاع) * فيما يتعدد فيه
* (لم يتعدها المستأجر) * بلا إشكال، عملا بمقتضى العقد والشرط، اللازم
الوفاء بهما.
* (ويضمن مع التعدي) * لعموم على اليد (2)، وخصوص ما مر من النصوص.
* (ولو تلفت العين) * المعين في العقد استيفاء المنفعة منها * (قبل
القبض) * أو بعده بلا فصل * (أو امتنع المؤجر عن التسليم مدة الإجارة بطلت
الإجارة) * بلا خلاف في الأولين في الظاهر، وبه صرح في التنقيح (3).
قيل: لفوات المتعلق، فيكون كتلف المبيع قبل قبضه. واستيفاء المنفعة
هنا بتمامها قائم مقام القبض في المبيع، كما أن استيفاء بعضه كقبض بعضه.
ولولا الاتفاق على هذا الحكم لأمكن المناقشة فيه على إطلاقه، بل
مطلقا، لمخالفته الأصل الدال على لزوم الأجرة، وانتقال المنفعة إلى ملك
المستأجر بمجرد العقد.
فرجوع كل منهما إلى مالكهما الأول مخالف للأصل، ولا دليل عليه
سوى القياس على البيع، وهو فاسد بعد اختصاص الدليل به.

(1) القائل صاحب الحدائق 21: 584.
(2) سنن ابن ماجة 2: 802، الحديث 2400.
(3) صرح بعدم الخلاف في الصورة الأولى فقط، راجع التنقيح 2: 271.
213

نعم لو كان التلف من قبل المؤجر أمكن ثبوت الحكم هنا، لتفويته
المنفعة على مالكها فيضمن.
لكن البطلان فيه أيضا محل إشكال، وغاية الإتلاف يقتضي الرجوع إلى
تضمين المتلف أجرة المثل لا المسمى.
وفي حكم تلف الجميع تلف البعض، إلا أن البطلان هنا يختص بالتالف،
ويتخير في الباقي بين الفسخ، لتبعض الصفقة، وإمساك الحصة بقسطها
من الأجرة.
وطريق التقسيط في العين المتساوية الأجزاء ظاهر، وفي غيرها بأن
تقوم أجرة مثل جميع المدة، ثم تقوم الأجزاء السابقة على التلف وينسب إلى
المجموع فيؤخذ من المسمى بتلك النسبة.
وعلى إشكال في الأخير: من أن التسليم شرط للاستحقاق بالاتفاق،
فليس لأحد على الآخر شئ، وينفسخ العقد بنفسه، لأنه بمنزلة تلف المبيع
والعين قبل التسليم.
ومن أن المنفعة مملوكة له وقد منعه عنها، وهي مضمونة كالأعيان، كما
إذا غصب العين غاصب فللمستأجر الخيار في الفسخ والإلزام بالتسليم، وله
أجرة المثل مع عدم الفسخ والمسمى معه، وبه أفتى الماتن في الشرائع (1)
والفاضل في الإرشاد (2) والشهيدان في اللمعتين (3) والمقداد في التنقيح (4).
وهو الوجه.
واشتراط التسليم للاستحقاق مطلقا ممنوع، بل هو مختص بالموجر،
وعدم استحقاقه الأجرة مع الامتناع عنه مسلم، إلا أنه لا ينفي استحقاق

(1) الشرائع 2: 186.
(2) الإرشاد 1: 424.
(3) اللمعة والروضة 4: 352.
(4) التنقيح 2: 271.
214

المستأجر للمنفعة، بل له المطالبة بها أو ببدلها.
ولا فرق فيه كالسابق بين الامتناع من تسليم الجميع أو البعض، فله
الفسخ، لتبعض الصفقة.
خلافا للقاضي، فحكم باللزوم (1). وهو ضعيف.
* (و) * ذكر جماعة من الأصحاب من غير خلاف أجده: أن المستأجر
* (لو منعه الظالم) * عن الانتفاع بالعين المستأجرة * (بعد القبض) * لها * (لم
تبطل) * الإجارة، لاستقرار العقد بالقبض وبراءة المؤجر، والحال أن العين
موجودة، فيمكن تحصيل المنفعة منها، وإنما المانع عارض.
* (وكان الدرك) * أي درك المنفعة * (على الظالم) * فيرجع المستأجر عليه
بأجرة مثل المنفعة الفائتة في يده. ولا فرق بين وقوع الغصب في ابتداء المدة
وخلالها.
ولو كان المنع قبل القبض لم تبطل أيضا، إلا أن للمستأجر الخيار بين
الفسخ، لأن العين قبل القبض مضمونة على المؤجر، فللمستأجر الفسخ عند
تعذرها ومطالبة المؤجر بالمسمى لفوات المنفعة، والرضا بالإجارة وانتظار
زوال المانع، أو مطالبة المانع بأجرة المثل.
قيل: بل يحتمل مطالبة المؤجر بها أيضا، لكون العين مضمونة عليه
حتى تقبض، ولا يسقط التخيير بزوال المانع في أثناء المدة، لأصالة البقاء (2).
وكثير من هذه الأحكام منظور فيه إن لم ينعقد الإجماع عليه، ولكن
عدم ظهور الخلاف لعله كاف في إثباته، إلا أن ظاهر العبارة مفهوما البطلان
مع المنع قبل القبض، إلا أن وجهه لمخالفة الأصل غير واضح، مع أن الأكثر
على خلافه.

(1) نقله عنه صاحب التنقيح 2: 271.
(2) القائل الشهيد الثاني في الروضة 4: 352.
215

* (ولو انهدم المسكن) * المستأجر * (تخير المستأجر في الفسخ) * وإن كان
بعد استيفاء شئ من المنفعة، ولا يمنع من ذلك كون التصرف مسقطا للخيار،
لأن المعتبر منه ما وقع في العوض المعيب الذي تعلقت به المعاوضة، وهو
هنا المنفعة، وهي تتجدد شيئا فشيئا، وما لم يستوفه منها لا يتحقق فيه
التصرف المسقط، وإطلاق العبارة يقتضي ثبوت الخيار مطلقا.
ولو خرج المسكن بالانهدام عن إمكان الانتفاع به أصلا، أو أمكن
إعادته بحيث لا يفوت عليه شئ معتد به، والأول: لا ينطبق على ما ذكروه،
من أن تلف العين يبطل الإجارة، وللثاني: وجه، من حيث ثبوت الخيار
بالانهدام فيستصحب، وبه أفتى الشهيد الثاني (1) والمفلح الصيمري (2).
خلافا لبعض المتأخرين (3)، فلم يثبت له الخيار، وحكم بلزوم العقد.
ولعله للأصل، وانتفاء الضرر الموجب للفسخ، مع التزام المالك بالإعادة
بالنهج المتقدم.
وهو أوجه، إلا أن يثبت أن ثبوت الخيار بنفس الانهدام من حيث هو
هو، فيتجه حينئذ العمل بالاستصحاب.
ولكنه غير معلوم، لعدم وضوح دليله، إذ ليس إلا نفي الضرر، وجوابه قد
مر، أو الإجماع، وضعفه أظهر، لمكان الخلاف، وعدم العلم به من وجه آخر.
* (و) * حيث لم يفسخ كان * (له إلزام المالك بإصلاحه) * توصلا إلى حقه
اللازم على المالك أداءه بدفع ما يحصل به.
ويحتمل قويا العدم، وفاقا للفاضل في الإرشاد (4)، للأصل، وعدم دليل
صالح على الوجوب، إذ اللازم عليه إنما هو تسليم العين المستأجرة، وما

(1) المسالك 5: 218.
(2) غاية المرام: 95 س 12 " مخطوط ".
(3) مفاتيح الشرائع 3: 102، مفتاح 965.
(4) الإرشاد 1: 424.
216

يتوقف عليه الانتفاع من الأبواب والمفاتيح.
وأما التعمير بعد الخراب فلا، إذ ليس متعلق العقد بالكلية.
* (ولا يسقط) * من * (مال الإجارة) * شئ * (لو كان الهدم بفعل
المستأجر) * مطلقا كان على جهة الانتفاع أو غيرها، ما لم يكن فيه من طرف
المؤجر تعد أو تفريط، ومع أحدهما يتقاصان إذا كان ثمة شرائط التقاص،
وإلا فعلى المالك الأجرة للمستأجر وعليه بدل التالف للمالك.
* (و) * خامسها: * (أن تكون المنفعة مباحة) * في الشريعة.
* (فلو آجره) * دابة أو مسكنا مثلا * (ليحمل) * أو يحرز فيه * (الخمر) *
المتخذة للشرب أو دكانا ليبيع فيه آلات محرمة أو أجيرا ليحمل مسكرا
* (أو ليعلمه الغناء) * ونحوه من الأمور المحرمة * (لم تنعقد) * الإجارة على
الأظهر الأشهر، بل لا يكاد يوجد فيه من الأصحاب مخالف وإن حكي
الصحة - لكن بشرط أن يعمل غير ذلك - قولا في الشرائع (1). ولم أظفر على
قائله منا.
نعم حكاه في نهج الحق عن أبي حنيفة، مدعيا على خلافه وعدم الجواز
إجماع الإمامية (2).
ودعواه الإجماع على البطلان ظاهرة، بقرينة المقابلة، وبه صرح في
الغنية (3).
وهو الحجة، مضافا إلى استلزام الصحة إما جواز استيفاء تلك المنفعة
المحرمة، وهو مع عدم وجود قائل به فاسد بالبديهة. أو تبديل تلك المنفعة
بالمنفعة المحللة، كما قاله أبو حنيفة (4). وهو أظهر فسادا من الأول، فإنه (5)

(1) الشرائع 2: 186.
(2) نهج الحق: 508.
(3) الغنية: 285.
(4) راجع المبسوط للسرخسي 16: 38.
(5) في المخطوطات: فإنها.
217

غير ما وقع عليه العقد بلا شبهة.
هذا، مع ما في بعض المعتبرة - المنجبرة، بل المعتضدة بالشهرة، بل
عدت صحيحة -: الرجل يؤاجر البيت فيباع فيه الخمر، قال: حرام أجرته (1).
وحرمة الأجرة لعلها ظاهرة في بطلان الإجارة، أولا: لفهم الطائفة،
وثانيا: للاستقراء الموجب لذلك ولو على سبيل المظنة، لغلبة ذكر حرمة
الأجرة في بيان بطلان المعاملة في مواضع كثيرة، يحصل بملاحظتها ظن
بانسحاب ذلك في نحو المسألة.
وأما الصحيح: رجل يؤاجر سفينة أو دابة ممن يحمل فيها أو عليها
الخمر والخنازير، قال: لا بأس (2).
فمع كونه مكاتبة محتملة للتقية عن رأي أبي حنيفة، محمول على
الجاهل بأن المستأجر يفعل فيها ذلك، أو على أن الحمل يجوز أن يكون
للتخليل ونحوه.
ثم إن الخلاف لو كان فإنما هو في البطلان، وأما التحريم فثابت قولا
واحدا فيما إذا أوجر ليعمل الحرام، وأما لو أوجر ممن يعمل ذلك فجائز
كذلك، مع عدم العلم بالحال، وأما معه فإشكال مضى وجهه في البيع.
ولكن الوجه هنا القطع بالمنع، لاستلزام الجواز الإعانة على الإثم
المحرمة كتابا وسنة، واختصاص النصوص المجوزة على تقدير سلامتها من
الطعن بالبيع خاصة. ولا وجه للتعدية غير القياس المحرم في الشريعة.
وهنا شرط سادس لم يذكره الماتن صريحا، لكنه أشار إليه بقوله: * (ولا
تصح إجارة) * العبد * (الآبق) * أو الجمل الشارد الذي لا يتمكن من تسليمه

(1) الوسائل 12: 125، الباب 39 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
(2) الوسائل 12: 126، الباب 39 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
218

وتسلمه، أو المغصوب الذي لا يملك المؤجر التصرف فيه بلا خلاف، لعدم
إمكان القدرة على التسليم في شئ من ذلك، مع كونه شرطا بالإجماع، كما
في الغنية (1) وشرح الإرشاد للفاضل الأردبيلي (2). وهو الحجة، مضافا إلى
استلزام الصحة مع عدمها الغرر والسفاهة، المانعين عن صحة المعاملة.
اللهم إلا أن يكون هناك ضميمة هي بالذات من الإجارة مقصودة فتصح
حينئذ كالبيع، وقد مضى التحقيق في وجهها ثمة.
بل قيل: بالصحة معها في العبد مطلقا ولو لم تكن بالذات مقصودة،
إلحاقا لها بالبيع، لا بالقياس، بل لدخولها في الحكم بالأولوية، لاحتمالها من
الغرر ما لا يحتمله (3).
والوجه المنع، لقوة دليله، وفقد النص المجوز هنا، فيقتصر فيه على
مورده، وهو البيع خاصة.
والأولوية ممنوعة لقيام الفارق، وهو احتمال استناد الصحة في البيع إلى
إمكان الانتفاع بالآبق بالعتق ونحوه، ولا كذلك المسألة، لعدم إمكان الانتفاع
بمثل ذلك وغيره بالكلية، وبه أفتى الفاضل في الإرشاد (4) وشيخنا في
المسالك (5) والروضة (6) وإن تردد فيه الماتن في الشرائع (7) والفاضل في
التحرير (8) والتذكرة (9).
وعلى الجواز هل يعتبر في الضميمة إمكان إفرادها بالإجارة، أم بالبيع،
أم يكفي كل واحد منهما في كل واحد منهما؟ أوجه، من حصول المعنى

(1) الغنية: 285.
(2) مجمع الفائدة 10: 58.
(3) القائل الشهيد الثاني في الروضة 4: 350.
(4) الإرشاد 1: 424.
(5) المسالك 5: 217.
(6) الروضة 4: 351.
(7) الشرائع 2: 186.
(8) التحرير 1: 248 س 4.
(9) التذكرة 2: 296 س 21.
219

وهو إفراد الضميمة بالمعاوضة في كل منهما، ومن أن الظاهر ضميمة كل
شئ إلى جنسه، وقوى الشهيد - كما حكي - الثاني (1). ثم كل ذا إذا لم يقدر
كل منهما على تسليم العين وتسلمها.
ولو آجره بمن يقدر على تحصيله صح من غير ضميمة، للأصل،
والعمومات، وفقد الدليل المانع هنا.
* (ولا يضمن صاحب الحمام الثياب) * وإن شاهدها عند النزع وقيل له:
احفظها وسكت * (إلا أن يودع) * ويقبل * (فيفرط) * في الحفظ، فيضمن
حينئذ بلا خلاف في شئ من ذلك بيننا، وعليه ادعى في السرائر إجماعنا (2)
لأنه مع الإيداع منه أمين، فلا يضمن إلا مع التفريط، ومع عدمه فالأصل
براءة ذمته من وجوب حفظ مال الغير مع عدم التزامه به، مضافا إلى النصوص.
منها: لا ضمان على صاحب الحمام فيما ذهب من الثياب، لأنه إنما أخذ
الجعل على الحمام ولم يأخذ على الثياب (3). ونحوه بدون التعليل مروي
عن قرب الإسناد (4).
ومنها المرتضوي: أتي بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم
يضمنه، وقال: إنما هو أمين (5).
ويستفاد منه من حيث الحكم بأمانته على الإطلاق ضمانه مع التفريط
وإن لم يودع، وفيه إشكال، وفي السند قصور.
فالرجوع إلى ما قدمناه من الأصل لازم.
* (ولو تنازعا في) * أصل * (الاستئجار) * فادعاه أحدهما وأنكره الآخر

(1) الروضة 4: 351.
(2) السرائر 2: 470، وليس فيه الاجماع صريحا.
(3) الوسائل 13: 271، الباب 28 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 3.
(4) قرب الإسناد: 71.
(5) الوسائل 13: 270، الباب 28 من أبواب الإجارة الحديث 1.
220

ولا بينة * (فالقول قول المنكر مع يمينه) * بلا خلاف، لأصالة عدمها. ولا فرق
بين كون المنكر المالك أم الآخر.
ثم إن كان النزاع قبل استيفاء شئ من المنافع رجع كل مال إلى صاحبه
وإن كان بعد استيفاء شئ منها أو الجميع، الذي يزعم من يدعي وقوع
الإجارة أنه متعلق العقد، وكان المنكر المالك، فإن أنكر مع ذلك الإذن في
التصرف وحلف استحق أجرة المثل وإن زادت عن المسمى بزعم الآخر، ولو
كان المتصرف يزعم تعيينها في مال مخصوص وكان من جنس النقد الغالب
لزم المالك قبضه عن أجرة المثل.
ولا تسلط له على إلزامه بأخذ النادر، للأصل، مع عدم الضرر، فإن
ساواها أخذه، وإن نقص وجب على المتصرف الإكمال، وإن زاد صار الباقي
مجهول المالك، لزعم المتصرف استحقاق المالك له وهو ينكر، وإن كان
مغايرا له ولم يرض المالك به وجب عليه الدفع من الغالب.
ولا يجوز له إلزام المالك بأخذ النادر، لما يترتب عليه من الضرر، ويبقى
ذلك بأجمعه مجهولا، ويضمن العين بإنكار الإذن. ولو اعترف به فلا ضمان.
وإن كان المنكر المتصرف (1) وحلف وجب عليه أجرة المثل، فإن كانت
أزيد من المسمى بزعم المالك لم يكن له المطالبة به إن كان دفعه، لاعترافه
باستحقاق المالك له ووجب عليه دفعه إن لم يكن دفعه. وليس للمالك قبضه،
لاعترافه بأنه لا يستحق أزيد من المسمى.
وإن زاد المسمى عن أجرة المثل كان للمنكر المطالبة بالزائد إن كان
دفعه، وسقط إن لم يكن. والعين ليست بمضمونة عليه هنا، لاعتراف المالك
بكونها أمانة بالإجارة.

(1) عطف على قوله: وكان المنكر المالك.
221

* (ولو اختلفا في رد العين) * المستأجرة فادعاه المستأجر ولا بينة
* (فالقول قول المالك مع يمينه) * بلا خلاف في الظاهر ولا إشكال، لأصالة
العدم، السليمة عن المعارض من نحو ما قيل في الوديعة من الإحسان
المحض، النافي للسبيل عليه بمطالبة البينة، لقبضه هنا لمصلحة نفسه، فلا
إحسان منه يوجب قبول قوله فيه بلا بينة، مع مخالفته للأصل.
* (وكذا) * القول قول المالك مع يمينه * (لو كان) * الاختلاف * (في قدر
الشئ المستأجر) * بفتح الجيم، وهو العين المستأجرة بأن قال: آجرتك
البيت بمائة فقال: بل الدار أجمع بها.
ولا بينة على المشهور بين المتأخرين، وفاقا للحلي (1)، لأصالة عدم
وقوع الإجارة على ما زاد عما اتفقا عليه.
وقيل: يتحالفان وتبطل الإجارة، لأن كلا منهما مدع ومنكر (2).
ويضعف بأن ضابطة التحالف عندهم أن لا يتفقا على شئ، كما لو قال:
آجرتك البيت الفلاني فقال: بل الفلاني. وليس المقام كذلك، لاتفاقهما على
وقوع الإجارة على البيت وعلى استحقاق الأجرة المعينة، وإنما الاختلاف
في الزائد، فيقدم قول منكره.
* (و) * كذا * (لو اختلفا في قدر الأجرة) * بعد اتفاقهما على العين والمدة
فادعى المالك الزيادة والآخر النقصان * (فالقول قول المستأجر مع يمينه) *
وفاقا لمن تقدم، لما مر.
خلافا للخلاف (3) والغنية (4)، فالرجوع إلى القرعة، فمن خرج اسمه
حلف وحكم له، للإجماع على أنها لكل أمر مشكل.

(1) السرائر 2: 465.
(2) لم نعثر عليه كما نبه عليه في مفتاح الكرامة 7: 287.
(3) الخلاف 3: 521، المسألة 10.
(4) الغنية: 289.
222

وفيه نظر، إذ لا إشكال، لاتفاقهما على مطلق الإجارة، وإنما اختلفا في
قدر الأجرة والمؤجر يدعي الزيادة وينكرها المستأجر فيكون على المدعي
البينة فإن عجز حلف المستأجر وبرأ من تلك الزيادة.
وللإسكافي (1) والمبسوط، فالتحالف إن كان الاختلاف قبل مضي المدة،
وإلا فالقول قول المستأجر، قال: وهذا هو الذي يقتضيه مذهبنا (2).
وللقاضي، فالتحالف إن حلفا، وإلا فقول أحدهما مع يمينه إن نكل
صاحبه، وإن نكلا أو حلفا جميعا انفسخ العقد في المستقبل، وكان القول قول
المالك مع يمينه في الماضي، فإن لم يحلف كان له أجرة المثل (3)، ومرجعهما
إلى التحالف، فيضعف بما مر في المسألة السابقة، ومع ذلك هما كسابقهما
شاذان لم أر من المتأخرين مفتيا بهما وإن استوجه الفاضل في المختلف (4)
القول بالتحالف بعد رده. ثم ذا كله إذا لم يكن بينة.
فلو كانت لأحدهما قيل: حكم له بها مطلقا (5).
ولو أقامها كل منهما ففي تقديم قول المدعي لأن القول قول المنكر فلا
حكم لبينته، أو التحالف لأن كلا منهما مدع باعتبار ومنكر بآخر، أو القرعة
لحصول الإشكال مع البينة، احتمالات، أوجهها الأول.
* (وكذا) * يقدم قول المستأجر مع يمينه وعدم البينة * (لو ادعى) *
المؤجر * (عليه التفريط) * فأنكره، للأصل، مضافا إلى أمانته الموجبة لذلك
بمقتضى النصوص المستفيضة (6).
* (وتثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه الإجارة) * مع استيفاء

(1) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 149.
(2) المبسوط 3: 265.
(3) المهذب 1: 474.
(4) المختلف 6: 150.
(5) القائل صاحب التنقيح 2: 274.
(6) الوسائل 13: 271 و 276، الباب 29 و 30 من أبواب الإجارة.
223

المنفعة أو بعضها مطلقا، زادت عن المسمى، أم نقصت عنه، لاقتضاء البطلان
رجوع كل عوض إلى مالكه، ومع استيفاء المنفعة يمتنع ردها، فيرجع إلى
بدلها، وهو أجرة المثل.
قيل: إلا أن يكون البطلان باشتراط عدم الأجرة، أو عدم ذكرها في العقد
بالمرة، لدخول المؤجر على ذلك (1).
واستحسنه في المسالك (2).
وهو كذلك في القسم الأول، للأصل، ورجوعه إلى العارية وإن عبر عنها
بلفظ " الإجارة "، الظاهر في عدم التبرع ولزوم الأجرة، فإن التصريح بعدمها
بعده أقوى من الظهور المستفاد منها قبله، فالظاهر يدفع بالنص، سيما مع
اعتضاده بالأصل، فيرجع إلى العارية، بناء على عدم اشتراط لفظ فيها، وأنه
يكتفي فيها بما دل على التبرع بالمنفعة، وقد تحقق في فرض المسألة.
ويشكل في الثاني، لاندفاع الأصل بظهور لفظ الإجارة في لزوم الأجرة،
وعدم التبرع، ولا معارض له يصرفه عن ذلك الظهور من نص أو غيره، فإن
عدم ذكر الأجرة لا يدل على التبرع بالمنفعة بإحدى الدلالات الثلاث،
لاحتمال استناده إلى نحو النسيان والغفلة.
فالأخذ بالظاهر متعين إلى تحقق الصارف عنه إلى العارية، كما تحقق
في الشق الأول.
وأصالة البراءة عن الأجرة بعد ظهور لفظ الإجارة في لزومها وعدم
التبرع غير كافية.
واشتراط الصراحة بلزوم الأجرة لا يلائم ما ذكروه من لزومها بمجرد

(1) القائل الشهيد الأول في حواشيه، كما نقله عنه الشهيد في المسالك 5: 184.
(2) المسالك 5: 184.
224

انتصاب الأجير للعمل بالأجر، كالسمسار والدلال، بل الحكم بلزومها ثمة
يوجب الحكم به هنا بطريق أولى، كما لا يخفى.
فإذا الحكم بلزوم أجرة المثل هنا أولى.
ثم إن كل ذا مع جهلهما بالفساد. وأما مع علمهما به فلا يستحق المؤجر
شيئا، لأن علمه به يصير دفعه المنفعة في حكم التبرع والبذل من دون
عوض وأجرة، فيصير كالعارية.
ولا يجب على المستأجر دفع الأجرة، فلو دفعها مع العلم بالفساد كان
بمنزلة الهبة، له الرجوع فيها ما دامت العين باقية، والمدفوع إليه غير ذي
رحم، ولو اختص بالجهل كان له الرجوع مطلقا.
ولو كانت تالفة أو كان المدفوع إليه ذا رحم فإن الدفع هنا ليس بمنزلة
الهبة، بل في مقابلة العمل المتوهم - للجهل بالفساد - لزوم المدفوع بسببه.
وحيث ظهر الفساد وعدم السببية كان له الرجوع بما دفعه والعمل لا
يوجب شيئا، لعلم صاحبه بالفساد، وكونه به متبرعا.
ولو انعكس فاختص المؤجر بالجهل استحق أجرة المثل، كما إذا شاركه
الآخر في الجهل والعين مضمونة في يد المستأجر مطلقا، كما نسب إلى
المفهوم من كلمات الأصحاب، ولعله لعموم الخبر بضمان ما أخذته اليد (1).
وربما يستشكل فيه في صورة جهله بالفساد، لإناطة التكليف بالعلم
وارتفاعه مع الجهل.
وهو كما ترى، فإن التلف في اليد من جملة الأسباب لا يختلف فيه
صورتا العلم والجهل حين السبب، والتكليف برد البدل ليس حين الجهل، بل
بعد العلم بالسبب.

(1) سنن ابن ماجة 2: 802، الحديث 2400.
225

نعم ربما يشكل الحكم في هذه الصورة بل مطلقا لو كان المؤجر عالما
بالفساد، لكون ترتب اليد على العين حينئذ بإذن المالك، فلا ينصرف إلى هذه
الصورة إطلاق الخبر المتقدم، مضافا إلى ما عرفت من رجوع الإجارة في
هذه الصورة إلى العارية، والحكم فيها عدم ضمان المستعير، كما تقدم.
ولا كذلك لو كان جاهلا به، لضمان المستأجر فيه ولو حصل الدفع فيه
بالإذن أيضا فإنه كعدمه، لابتنائه على توهم الصحة، فيكون كالإذن
المشروط بها، فإذا ظهر الفساد لم يكن ثمة إذن بالمرة.
ولعل مراد الأصحاب غير هذه الصورة.
* (ولو تعدى بالدابة) * بل مطلق العين المستأجرة فسار بها زيادة عن
* (المسافة المشترطة) * في إجارتها * (ضمن) * قيمتها مع التلف والأرش مع
النقص * (ولزمه في الزائد أجرة المثل) * له، مضافا إلى المسمى مطلقا ولو
مع الأمرين.
وفاقا للمبسوط (1) والمختلف (2) والتنقيح (3)، للصحيح: عليك مثل كرى
البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ومثل كرى البغل راكبا من النيل إلى بغداد
ومثل كرى البغل من بغداد إلى الكوفة توفيه إياه، فقلت: أرأيت لو عطب
البغل أو نفق أو ليس كان يلزمني؟ قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فإن
أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر؟ فقال: عليك قيمة ما بين الصحيح والمعيب
يوم ترده، الخبر (4). وهو طويل مشهور.
خلافا للقاضي، فقال: يلزم مع التلف القيمة لا غير، ومع النقص إما

(1) المبسوط 3: 225.
(2) المختلف 6: 177.
(3) التنقيح 2: 274.
(4) الوسائل 13: 255، الباب 17 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
226

الأجرة أو قيمة الناقص (1).
وهو شاذ محجوج بالصحيح المزبور، وأصالة عدم التداخل، بناء على
أن كلا منهم ثبت بسبب، فالنقص بالخيانة والأجرة باستيفاء المنفعة
المملوكة.
وما ذكره هو فتوى أبي حنيفة، وقد خطأه (عليه السلام) في صدر الصحيحة،
فقال: في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض
بركتها.
ثم إن ظاهرها - كما ترى - أن المعتبر في القيمة قيمة يوم التفريط،
وعليه الأكثر هنا لها، ولأنه يوم تعلقه بذمته، كما أن الغاصب يضمن القيمة
يوم الغصب.
إلا أن الظاهر من قوله يوم ترده خلافه، مضافا إلى عدم صراحة سابقه
فيه. وقد قدمنا التحقيق في ضعف دلالتها عليه في كتاب البيع.
ولعله لذا قيل: إن الأقرب ضمان قيمتها يوم التلف، لأنه يوم الانتقال إلى
القيمة لا قبله وإن حكم بالضمان قبل التلف بسبب التفريط السابق عليه، لأن
المفروض بقاء العين، فلا تنتقل إلى القيمة (2).
وفيه مناقشة ما ذكرت في بعض المباحث المذكورة ثمة.
وقيل: يضمن أعلى القيم من حين العدوان إلى حين التلف (3).
وهو أوفق بالأصل الدال على لزوم تحصيل البراءة اليقينية، مع كونه
أحوط في الجملة.

(1) المهذب 1: 483.
(2) القائل الشهيد الثاني في الروضة 4: 356، وفيه اختلاف يسير.
(3) القائل الشيخ في المبسوط 3: 70، والخلاف 3: 403، المسألة 14.
227

وكيف كان موضع الخلاف ما إذا كان الاختلاف بتفاوت القيمة، أما لو
كان بسبب نقص في العين، فلا شبهة في ضمان الناقص.
* (فإن اختلفا في قيمة الدابة أو أرش نقصها، فالقول قول الغارم) * وفاقا
للحلي (1) وأكثر المتأخرين كالفاضلين (2) والشهيدين (3) والتنقيح (4) والمفلح
الصيمري (5) وغيرهم، بل لعله عليه عامتهم، لأصالة عدم الزيادة، ولأنه
منكر، فيكون القول قوله.
* (وفي رواية) * عمل بها النهاية (6): أن * (القول قول المالك) * وهي
الصحيحة المتقدمة، فإن في آخرها: قلت: فمن يعرف ذلك؟ قال: أنت، وهو
إما أن يحلف هو على القيمة فتلزمك، وإن رد اليمين عليك فحلفت على
القيمة فيلزمك ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود أن قيمة البغل حين كرى
كذا وكذا فيلزمك، الحديث (7).
ولولا إطباق متأخري الأصحاب على العمل بالأصل العام وإطراح
الرواية لكان المصير إليها، لصحتها في غاية القوة. لكن لا مندوحة عما
ذكروه، لقوة الأصل بعملهم، فيرجح عليها وإن كانت خاصة، لفقد التكافؤ،
ولمخالفتها الأصل اقتصر في النهاية (8) على موردها، وهي الدابة، ووافق
الأصحاب فيما عداها من الأعيان المستأجرة.
* (ويستحب أن يقاطع من يستعمله على الأجرة) * قبل العمل، للأمر به

(1) السرائر 2: 465.
(2) المختلف 6: 150 والشرائع 2: 187.
(3) اللمعة: 95، والمسالك 5: 221 - 222.
(4) التنقيح 2: 275.
(5) غاية المرام: 95 س 16 (مخطوط).
(6) النهاية 2: 281.
(7) الوسائل 13: 256، الباب 17 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
(8) النهاية 2: 281.
228

في المعتبرة، المنزل عليه بلا خلاف.
فعن الصادق (عليه السلام): من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعملن أجيرا
حتى يعلمه ما أجره (1).
وعن الرضا (عليه السلام): أنه ضرب غلمانه حيث استعملوا رجلا بغير مقاطعة،
وقال: إنه ما من أحد يعمل لك شيئا بغير مقاطعة ثم زدته لذلك الشئ ثلاثة
أضعافه على أجرته إلا ظن أنك قد نقصته أجرته، وإذا قاطعته ثم
أعطيته أجرته حمدك على الوفاء، فإن زدته حبة عرف ذلك لك ورأي أنك
قد زدته (2).
* (ويجب) * على المستأجر * (إيفاؤه) * أجرته * (عند فراغه) * من العمل
اللازم عليه، للنصوص المتقدمة، المتضمن بعضها: لا يجف عرقه حتى تعطيه
أجرته (3)، وغيره: أعطهم أجورهم قبل أن يجف عرقهم (4).
وظاهرها الوجوب، كما في العبارة.
خلافا للمعة والروضة (5)، فالاستحباب. ولا وجه له، مع اعتبار
النصوص واعتضادها بالقاعدة المتقدم بيانها في تحقيق الأمانة الشرعية.
* (ولا يعمل الأجير الخاص) * وهو الذي يستأجر للعمل بنفسه مدة
معينة حقيقة أو حكما، كما إذا استؤجر لعمل معين أول زمانه اليوم المعين
بحيث لا يتوانى فيه بعده * (لغير المستأجر) * إلا بإذنه بلا خلاف.
قيل: للموثق (6): عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيجعله في
ضيعته فيعطيه رجل آخر دراهم ويقول: اشتر بها كذا وكذا وما ربحت بيني

(1) الوسائل 13: 245، الباب 3 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1، 2.
(2) الوسائل 13: 245، الباب 3 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1، 2.
(3) الوسائل 13: 246، الباب 4 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 13: 246، الباب 4 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1، 2.
(5) الروضة 4: 354.
(6) ملاذ الأخيار 11: 402، الحديث 17.
229

وبينك، فقال: إذا أذن الذي استأجره فليس به بأس (1).
وفيه نظر، لأعمية الأجير فيه من الخاص كالبأس المفهوم منه من
التحريم، إلا أن يخصا بهما بمعونة الإجماع، لكن الحجة حينئذ هو دون
نفس الرواية. فتأمل.
والأصل بعده انحصار المنفعة المستحقة للمستأجر فيه بالنسبة إلى
الوقت الذي جرت عادته بالعمل فيه كالنهار، فلا يجوز التصرف فيها بغير
إذنه، أما غيره كالليل فيجوز العمل فيه لغيره إذا لم يؤد إلى ضعف في العمل
المستأجر عليه بلا خلاف ولا إشكال، لعدم المنافاة.
ومنه يظهر الوجه في جواز عمله لغيره في المعين عملا لا ينافي حقه
كإيقاع عقد في حال اشتغاله بحقه في أصح الوجهين، والآخر العدم،
لاستلزامه التصرف في ملك الغير.
وفيه نظر وإن جعله في المسالك (2) والروضة (3) وجها مقاوما للأول،
فإن ملك الغير ليس إلا خصوص العمل المختص بالزمن المعين، وقد حصل
من دون أن يدخل فيه التصرف الآخر ويتخلل.
واحترز بالخاص عن المطلق، وهو الذي يستأجر لعمل مجرد عن
المباشرة مع تعيين المدة، كتحصيل الخياطة يوما، أو عن المدة مع تعيين
المباشرة، كأن يخيط له ثوبا بنفسه من غير تعرض إلى وقت، أو مجردا
عنهما، كخياطة ثوب مجردا عن تعيين الزمان.
فإنه بأقسامه يجوز أن يعمل لغير المستأجر ويوجر نفسه من غيره
استيجارا لا ينافي الاستيجار الأول بلا خلاف، أما الاستيجار المنافي، كأن

(1) الوسائل 13: 250، الباب 9 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
(2) المسالك 5: 189.
(3) الروضة 4: 344.
230

يوجر نفسه مدة حياته مع تعيين المباشرة، فلا يجوز للمنافاة بينه وبين عمل
ما استؤجر عليه للأول، وهو في معنى الخاص بالإضافة إلى قدر المدة
للعمل الأول.
ثم الخاص مطلقا إن عمل لغيره في الوقت المختص فلا يخلو إما أن
يكون بعقد إجارة أو جعالة أو تبرعا.
ففي الأول قيل: يتخير المستأجر الأول بين فسخ عقد نفسه لفوات
المنافع التي وقع عليها العقد أو بعضها، وبين إبقائه.
فإن اختار الفسخ وكان ذلك قبل أن يعمل له الأجير شيئا فلا شئ عليه
للأجير، وإن كان بعده تبعضت الإجارة ولزمه للأجير من المسمى بالنسبة،
وإن بقي على الإجارة تخير في فسخ العقد الطارئ وإجازته، إذ المنفعة
مملوكة له، فالعاقد عليها فضولي، فإن فسخه رجع إلى أجرة المثل عن المدة
الفائتة، لأنها قيمة العمل المستحق له بعقد الإجارة وقد أتلف عليه، ويتخير
في الرجوع على الأجير، لمباشرته الإتلاف أو المستأجر، لأنه المستوفي.
وإن أجازه ثبت له المسمى في الاستئجار الثاني، فإن كان قبل تسلم
الأجير للمسمى فالمطالب به المستأجر، لأن الأجير هنا بمنزلة فضولي باع
ملك غيره فأجاز المالك فإن الفضولي لا يطالب بالثمن بل المشتري وإن كان
بعد تسلمه وكانت الأجرة معينة في العقد فالمطالب بها من هي في يده، وإن
كانت مطلقة، فإن أجاز القبض والتسلم أيضا فالمطالب الأجير، وإلا
المستأجر ثم هو يرجع على الأجير بما تسلم مع جهله أو علمه وبقاء العين،
بل مطلقا في وجه قوي.
وإن كان عمله بجعالة تخير مع عدم فسخ إجارته بين إجازته فيأخذ
المسمى منه، أو من الجاعل بالتقريب المتقدم وعدمه فيرجع بأجرة المثل.
231

وإن عمل تبرعا وكان العمل مما له أجرة في العادة تخير بين مطالبة من
شاء منهما بأجرة المثل إن لم يفسخ (1) عقد نفسه، وإلا فلا شئ إذا كان قبل
أن يعمل الأجير له شيئا. ولو عمل عملا فحكمه ما سبق في إجارته، وفي
معناه عمله لنفسه.
ولو حاز شيئا من المباحات بنية التملك ملكه، وكان حكم الزمان
المصروف في ذلك ما مر.

(1) في " مش ": ينفسخ.
232

كتاب
الوكالة
233

* (كتاب الوكالة) *
* (وهي) * ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين كافة، كما في
المهذب (1) وعن السرائر (2) والتذكرة (3).
قال سبحانه: " فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى
طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف " (4).
وقال أيضا: " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي " (5). والآيات
بمعناها متظافرة، كما أن السنة الخاصية والعامية به مستفيضة، بل متواترة،
سيأتي إلى جملة منها الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.
والكلام فيه * (يستدعي فصولا:) *.
* (الأول) *
* (الوكالة) *
بفتح الواو وكسرها * (عبارة عن الإيجاب والقبول الدالين على الاستنابة
في التصرف) *.

(1) المهذب 3: 30.
(2) السرائر 2: 81.
(3) التذكرة 2: 113 س 39.
(4) الكهف: 19.
(5) يوسف: 93.
235

وعرفها بعضهم بأنها عقد يفيد نيابة الغير في شئ للموجب أن يتولاه
بنفسه وبغيره، ليدخل في متعلقه الأفعال والأقوال، بخلاف الأول،
لاختصاصه بالأفعال، لأنها المتبادر من متعلق التصرف فيه. وتقييد الشئ
العام للأمرين بماله أن يتولاه يخرج الفاسد منهما، وبتقييده بغيره ما لا يجوز
أن يتولاه به كالواجبات العينية والنذور والأيمان ونحوهما (1).
ولكن ينتقض طردا بالقراض والمزارعة والمساقاة، ولذا قيده بعضهم
بقوله: بالذات (2).
وكيف كان يكفي في كل من الإيجاب والقبول هنا ما يدل عليهما ولو
بالإشارة المفهمة في الأول، والفعل الدال على الرضا في الثاني بلا خلاف
أجده، وبه صرح في المفاتيح (3)، وحكي عن التذكرة (4).
ولا يشترط في القبول الفورية، بل يجوز تراخيه عن الايجاب ولو
طالت المدة إجماعا منا، كما عن التذكرة (5)، وحكاه في المسالك (6)
والروضة (7) على جواز توكيل الغائب والقبول فيه متأخر، ونحوه السرائر (8)،
بل جعله إجماع المسلمين. ويدل عليه بالخصوص أخبار معتبرة.
كالصحيح: عن رجل أمر رجلا أن يزوجه امرأة بالمدينة وسماها له
والذي أمره بالعراق فخرج المأمور فزوجها إياه، الحديث (9). فتأمل.
والموثق: عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول: ابتع لي ثوبا فيطلب له في
السوق، الخبر (10).

(1) انظر التنقيح 2: 279.
(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 4: 367.
(3) مفاتيح الشرائع 3: 189، مفتاح 1087.
(4) حكاه عنه الشهيد في المسالك 5: 238.
(5) التذكرة 2: 114 س 15.
(6) المسالك 5: 239.
(7) الروضة 4: 368.
(8) السرائر 2: 88.
(9) الوسائل 14: 230، الباب 28 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث 1.
(10) الوسائل 12: 289، الباب 5 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
236

والخبر: في رجل بعث إليه أبو الحسن الرضا (عليه السلام) بثلاثمائة دينار إلى
رحيمة امرأة كانت له وأمره أن يطلقها عنه ويمتعها بهذا المال (1).
مضافا إلى الأصل، والعمومات.
ومنهما يظهر عدم اشتراط عدم الرد، وفاقا لجماعة.
خلافا للقواعد (2) والتذكرة (3)، فاشترطه، ولا وجه له.
إلا أن يقال: بأن المقصود من الوكالة هو إباحة التصرف بإذن المالك،
وهو مشكوك فيه بعد الرد، فلعل المالك لم يرض بتصرفه بعده، وأصالة بقاء
الإذن معارض بأصالة بقاء حرمة التصرف، وهو لا يتم إلا مع علم الإذن
بالرد، وحصول الشك في بقاء الإذن بعده. والوجه فيه ما ذكره، دون ما إذا لم
يعلم به، أو قطع ببقاء إذنه.
* (ولا حكم لوكالة المتبرع) * بقبولها بعدم اشتراطه جعلا أو أجرة على
عمله الذي ليس له أجرة في العرف والعادة كبرئه القلم، فلا يستحق أجرة
مطلقا ولو نواها لتبرعه بالعمل لفظا، مع أن الأصل عدمها.
ويحتمل العبارة معنى آخر، مبني على إرادة التوكيل من الوكالة، أي لا
حكم لتوكيل المتبرع بتوكيله، بأن وكل أحدا في التصرف في مال غيره
فضوليا، وهو مع توقفه على البناء المتقدم المخالف للظاهر - لكون الوكالة
وصفا قائما بالوكيل دون الموكل - لا ينطبق على القول بصحة الفضولي في
الوكالة، كما قال بها الماتن، إلا بتأويل الحكم في العبارة باللزوم دون
الصحة، وهو أيضا خلاف الظاهر، لكن هذا المعنى أنسب بالمقام مما قلنا.
* (ومن شرطها أن تقع منجزة، فلا تصح معلقة على شرط) * متوقع

(1) الوسائل 15: 334، الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 6.
(2) القواعد 1: 252 س 13.
(3) التذكرة 2: 114 س 9.
237

كقدوم الحاج * (ولا صفة) * مترقبة كطلوع الشمس * (ويجوز تنجيزها
وتأخير التصرف إلى مدة) * بأن يقول: وكلتك الآن في كذا ولكن لا تتصرف
إلا بعد شهر مثلا، بلا خلاف في المقامين على الظاهر، وصرح به المفلح
الصيمري في شرح الشرائع (1)، بل في المسالك (2) وعن التذكرة (3) الإجماع
عليهما.
وهو الحجة فيهما، مضافا إلى الأصل، وإطلاق (4) الأدلة من الكتاب
والسنة في الثاني، مع اعتضاد الحكم فيه بأنه بمعنى اشتراط أمر سائغ زائد
على أصلها الجامع لشرائطها، التي من جملتها التنجيز، وهو وإن كان في
معنى التعليق، إلا أنه لا دليل على المنع عنه على الإطلاق، لاختصاص
الإجماع المانع عنه بالنوع الأول فلا يتعدى إلى غيره، مضافا إلى الإجماع
على الصحة فيه.
وفي صحة التصرف حيث فسدت بالتعليق بعد حصول المعلق عليه من
أحد الأمرين بالإذن الضمني، قولان:
من أن الفاسد بمثل ذلك إنما هو العقد، أما الإذن الذي هو مجرد إباحة
تصرف فلا، كما لو شرط في الوكالة عوضا مجهولا فقال: بع كذا على أن لك
العشر من ثمنه، فتفسد الوكالة دون الإذن، وأن الوكالة أخص من مطلق
الإذن، وعدم الأخص أعم من عدم الأعم.
ومن أن الوكالة ليست أمرا زائدا على الإذن، وما يزيد عنه من مثل
الجعل أمر زائد عليها، لصحتها بدونه، فلا يعقل فسادها - المدعى عليه
الإجماع - مع صحته، وهو أوجه.

(1) غاية المرام: 95 س 28 " مخطوط ".
(2) المسالك 5: 240.
(3) التذكرة 2: 114 س 30.
(4) في " ق، ش، ه‍ ": وعمومات.
238

إلا أن يدعى اختصاص الإجماع على الفساد بصورة تضمنها الجعل،
ويشهد له مصير ناقله الذي هو الفاضل في التذكرة (1) فيها وفي المختلف (2)
إلى القول بصحة التصرف بالإذن الضمني، كما هو فرض المسألة، واحتمله
في القواعد (3) أيضا، كناقله الآخر في الروضة (4).
فإذا تحقق عدم الإجماع على الفساد في المسألة تعين المصير فيها إلى
الصحة، آخذا بأدلتها من إطلاقات الكتاب والسنة، لكنها بعد لا تخلو عن
شوب المناقشة.
فالاحتياط فيها لازم البتة، سيما إذا كانت التصرفات تصرفات ناقلة
بنحو من العقود اللازمة، لمخالفتها الأصل، واختصاص المخالف له الدال
على اللزوم من نحو " أوفوا بالعقود " بمالك التصرفات بالأصالة، دون مالكها
بالنيابة.
وكفاية مثل هذا الإذن المشكوك في تأثيره في صرف أوامر الوفاء إلى
مالكها بالأصالة غير معلوم في الحكم بالصحة وصرفها إليه البتة. فتأمل.
* (وليست) * الوكالة * (لازمة لأحدهما) * بلا خلاف، كما عن التذكرة (5)،
وعليه الإجماع في ظاهر الغنية (6)، فلكل منهما إبطالها في حضور الآخر
وغيبته، لكن إن عزل الوكيل نفسه بطلت مطلقا. ويأتي في صحة التصرف
بالإذن الضمني ما مضى من احتمالها مطلقا، وعدمها كذلك.
وربما فرق هنا بين إعلام الموكل بالعزل فالثاني، وإلا فالأول، والثاني
أشهر، بل ظاهر الغنية الإجماع عليه (7)، والأول أوجه لولاه، ومال إليه في

(1) التذكرة 2: 114 س 33.
(2) المختلف 6: 32.
(3) القواعد 1: 252 س 16.
(4) الروضة 4: 368.
(5) التذكرة 2: 114 س 8، ولم يذكر " بلا خلاف ".
(6) الغنية: 269.
(7) الغنية: 269.
239

المسالك (1)، مع تردده فيه ثمة.
قال: لأن الإذن صحيح جامع للشرائط، بخلاف السابق فإنه معلق، وفي
صحته ما قد عرفت، ومن ثم جزم في القواعد ببقاء صحته هنا، وجعل
الصحة هناك احتمالا (2).
* (ولا ينعزل) * الوكيل بعزل الموكل * (ما لم يعلم العزل، وإن أشهد بالعزل
على الأصح) * الأشهر بين عامة من تأخر، وفاقا للخلاف (3) والإسكافي (4)،
للمعتبرة الواردة عن أهل العصمة صلوات الله عليهم أجمعين.
منها الصحيح في الفقيه: رجل وكل آخر على وكالة في امضاء أمر من
الأمور وأشهد له بذلك فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر فقال: اشهدوا أني قد
عزلت فلانا عن الوكالة، فقال: إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكل فيه قبل
العزل عن الوكالة فإن الأمر واقع ماض على إمضاء الوكيل كره الموكل، أم
رضي، قلت: فإن الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم بالعزل أو يبلغه أنه قد
عزله عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه؟ قال: نعم، قلت: فإن بلغه العزل قبل
أن يمضي الأمر ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشئ؟ قال: نعم إن
الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا، والوكالة ثابتة حتى
يبلغه العزل عن الوكالة بثقة، أو يشافه العزل عن الوكالة (5).
والصحيح فيه: من وكل رجلا على امضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة
أبدا حتى يعلمه بالخروج منها، كما أعلمه بالدخول فيها (6).
والخبر القريب من الصحة - بتضمن سنده على جملة ممن اجتمعت
على تصحيح ما يصح عنهم العصابة -: رجل وكل رجلا بطلاق امرأته إذا

(1) المسالك 5: 243.
(2) المسالك 5: 244.
(3) الخلاف 3: 342 و 343، المسألة 3.
(4) كما في المختلف 6: 26.
(5) الفقيه 3: 86، الحديث 3385.
(6) الفقيه 3: 83، الحديث 3381.
240

حاضت وطهرت وخرج الرجل فبدا له فأشهد أنه قد أبطل ما كان أمره به
وأنه قد بدا له في ذلك، قال: فليعلم أهله وليعلم الوكيل (1). ونحوه آخر، وهو
طويل تضمن حكم الأمير (عليه السلام) بذلك مع الإشهاد وعدم الإعلام (2).
وقصور سندهما منجبر بالشهرة العظيمة المتأخرة، مضافا إلى الاعتضاد
بالأخبار والأدلة الصحيحة، فلا شبهة في المسألة.
خلافا للفاضل في القواعد (3) خاصة، فحكم بالعزل مطلقا.
وللنهاية (4) والحلي (5) والقاضي (6) والحلبي (7) وابني زهرة (8) وحمزة (9)،
فالتفصيل بين الإشهاد فالثاني، وإلا فالأول، وعليه ادعى في الغنية إجماع
الإمامية.
وغايته أنه رواية صحيحة واحدة لا تقابل ما قدمناه من النصوص
المستفيضة المعتضدة بالشهرة، فليس فيها حجة، كسائر ما علل به الأول من
أن العزل رفع عقد لا يفتقر إلى رضى صاحبه، فلا يفتقر إلى علمه كالطلاق
والعتق، وأن الوكالة من العقود الجائزة فللموكل الفسخ وإن لم يعلم الوكيل،
وإلا كانت حينئذ لازمة.
فقد يضعف الأول: بمنع المساواة بين العتق والمقام، فإن العتق فك ملك،
وليس متعلقا بغير العاقد، وليس كذلك العزل في الوكالة لتعلقه بثالث.
والثاني: بتسليم جواز الفسخ، لكن يحتمل أن يكون ترتب أثره عليه
مشروطا بالإعلام المفقود في المقام.

(1) الفقيه 3: 83، الحديث 3382.
(2) الفقيه 3: 84، الحديث 3383.
(3) القواعد 1: 258 س 18.
(4) النهاية 2: 42.
(5) السرائر 2: 93.
(6) نقله العلامة في المختلف 6: 26.
(7) هذه الكلمة لا توجد في " ه‍ "، الكافي في الفقه: 338.
(8) الغنية: 269.
(9) الوسيلة: 283.
241

قوله: وإلا كانت لازمة.
قلنا: نعم في هذه الصورة، وهو لا ينافي جوازها من أصلها، فكم من
عقود جائزة تصير لازمة بالعوارض الخارجية، كشروع العامل في العمل في
الجعالة فإنها تكون لازمة للجاعل، إلا مع بذل مقابل ما عمل مع إعلامه،
ونظائره في الشرع كثيرة، كحضور المسافر مسجد الجمعة، وشروع الانسان
في الحج المندوب.
وهذا مع كونه اجتهادا في مقابلة النص الصحيح، فلا يعتبر.
وأما ما ربما يستدل بعده للمختار من استلزام الانعزال بالعزل قبل
الإعلام الضرر على الوكيل، فقد يتصرف تصرفات يتطرق الضرر إليه
ببطلانها، كما لو باع الجارية فيطأها المشتري والطعام فيأكله، وأن النهي
لا يتعلق به حكم في حق المنهي إلا بعد علمه كنواهي الشرع. فضعيف غايته.
فالأول: بانتقاضه بتصرفاته بعد موت الموكل مثلا ولم يعلم، ولا خلاف
في بطلانها حينئذ، كما في شرح الإرشاد (1) وغيره، مع اندفاع الضرر
بالرجوع إلى العوض.
والثاني: بذلك، وبأن غاية الجهل إنما هو رفع حكم النهي الذي هو الإثم
والمؤاخذة، لا إثبات الصحة في معاملة لم يصادف إذن المالك بالكلية، وإن
هي حينئذ إلا كصلاة واقعة في حالة النسيان من غير طهارة، ومعاملة على
مال الغير بمظنة أنه ماله.
* (و) * يتفرع على المختار أن * (تصرفه قبل العلم) * بالعزل * (ماض على
الموكل) * ليس له رده. ولو أشهد عليه فالأنسب تفريعه عليه بالفاء.
ثم المستفاد من هذه العبارة - كسابقها وغيرها مما اعتبر فيه العلم

(1) مجمع الفائدة 9: 540.
242

بالعزل - عدم اعتبار الظن به، وهو كذلك، إلا في الظن المستفاد من أخبار
الثقة، للصحيحة الأولى من الأخبار المتقدمة، وبه صرح جماعة (1).
ويمكن أن ينزل عليه العبارة بحمل العلم فيها على ما يعم الظن، القائم
مقامه شرعا.
* (وتبطل) * الوكالة حيث إنها من العقود الجائزة * (بالموت والجنون) *
مطبقا كان، أو أدوارا * (والإغماء) * قليلا كان، أو كثيرا، من كل منهما كان
هذه الثلاثة بلا خلاف في الظاهر، وبه في الأول صرح في الغنية (2)، وفي
الأخيرين بإطلاقهما في المسالك (3)، وفي الثلاثة في الجملة محكي عن
التذكرة (4).
وهو الحجة، مضافا إلى الاعتبار في الأول: من اختصاص الإذن
بالوكيل، فلا يعم وارثه لو مات هو، ولو مات الموكل انتقل ما وكل فيه إن
كان ماله إلى الورثة. فالمعتبر حينئذ إذنهم لا إذنه.
ولو كان غير مال كعقد نكاح أو غيره لم يكن بعد الموت قابلا له.
وفي الأخيرين أيضا: من إيجابهما فساد تصرفات كل من الوكيل
والموكل إذا حصلا فيهما، فلأن يوجبا فساد تصرف الوكيل أولى، إذ لو
حصلا فيه منعاه من التصرف لنفسه، فما ظنك بتصرفه لغيره، ولو حصلا في
الموكل منعاه عن استبداده بالتصرف بنفسه، فكيف لا يمنعان تصرف من هو
في حكمه!
ولو تصرف والحال هذه لم يصح، للأصل، وعدم مصادفته للإذن
المصحح له، لانقطاعه بأحد الثلاثة.

(1) منهم المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 3: 189، المفتاح 1087.
(2) الغنية: 269.
(3) المسالك 5: 247.
(4) التذكرة 2: 133 س 22.
243

هذا، مضافا إلى وقوع التصريح به في المرسل كالموثق: في رجل أرسل
يخطب عليه امرأة وهو غائب فأنكحوا الغائب وفرضوا الصداق ثم جاء
خبره بعد أنه توفي بعد ما سبق الصداق، فقال: إن كان أملك بعد ما توفي
فليس لها صداق ولا ميراث، وإن كان أملك قبل أن يتوفى فلها نصف
الصداق، وهي وارثة، وعليها العدة (1).
قيل: ويجئ على جواز تصرفه مع رده، ومع بطلان الوكالة بتعليقها على
شرط، جواز تصرفه هنا بعد زوال المانع بالإذن العام (2).
وفيه نظر، لقوة احتمال عدم الجواز هنا استصحابا له إلى بعد زوال
المانع، ولا كذلك ثمة، لعدم وجود مثله هناك.
فالقول بالمنع هنا لا يخلو عن قوة وإن أيد الجواز - مضافا إلى ما مر في
ذينك الموضعين - بمؤيدات قياسية، كدخول الصيد الغائب في ملك المحرم
بعد زوال الإحرام، وأن من وكل محلا فصار محرما لم يحتج إلى تجديد
الوكالة بعد تحلله من الإحرام ونحو ذلك.
* (و) * كذا تبطل ب‍ * (تلف ما يتعلق به) * يعني ما دل عليه لفظها مطابقة
كموت العبد الموكل في بيعه والمرأة الموكل بطلاقها، أو تضمنا كتلف الدينار
الموكل في الشراء به.
ولا فرق بين أن ينص على الشراء بعينه أو يطلق، بأن يقول اشتر به،
لاقتضائه دفعه ثمنا، فلا يتناول بدله لو كان تلفه موجبا لضمانه.
وفي حكم التلف انتقاله عن ملكه، كما لو أعتق العبد الموكل في بيعه،
أو باع العبد الموكل في عتقه.

(1) الوسائل 14: 230، الباب 28 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث 2.
(2) القائل الشهيد في المسالك 5: 247.
244

والوجه في الجميع ظاهر مع عدم الخلاف فيه، وبه صرح في الغنية في
الملحق بالتلف (1)، وهو جار فيه أيضا بالأولوية.
وكذا تبطل بالحجر على الموكل فيما وكل فيه بالسفه والفلس، لأن منعه
من مباشرة الفعل يقتضي منعه من التوكيل فيه. وفي حكم الحجر طرو الرق
على الموكل بأن كان حربيا فاسترق، ولو كان وكيلا صار بمنزلة توكيل
عبد الغير.
ولا تبطل بالنوم وإن تطاول، للأصل، وبقاء أهلية التصرف ما لم يؤد إلى
الإغماء، فتبطل من جهته لا من جهة النوم.
وحيث فسدت الوكالة لم تبطل الأمانة، فلو تلفت العين الموكل فيها في
يده بغير تفريط لم يضمن. وكذا لو كان وكيلا في قبض حق فقبضه بعد
الموت قبل العلم به وتلف في يده بغير تفريط.
لكن يجب عليه المبادرة إلى إيصال العين إلى الوارث، فإن أخر ضمن،
كمطلق الأمانة الشرعية.
* (ولو باع الوكيل بثمن فأنكر الموكل الإذن بذلك القدر، فالقول قول
الموكل مع يمينه) * بلا خلاف في الظاهر، للأصل، ورجوع الدعوى حينئذ إلى
أصل الوكالة، بذلك المقدار الذي ينكره المالك.
فلا يرد أن دعوى الموكل حينئذ يستلزم جعل الوكيل خائنا لتصرفه
على غير الوجه المأمور به، فيكون القول قوله لأمانته، والأصل عدم خيانته،
كما سيأتي، فإنه إنما يتم لو كان تصرفه بالوكالة، والخيانة المدعاة في بعض
متعلقاتها، كما لو ادعى الموكل عليه - بعد تلف الثمن الذي باع به بمقتضى
الوكالة - تأخر قبضه عن تقبض المبيع، أو التعدي فيه بوجه، وهنا ليس

(1) الغنية: 269.
245

كذلك، لما عرفت من رجوع الدعوى إلى أصل الوكالة على الوجه الذي
يدعيه الوكيل، فيكون القول فيها قول المالك.
* (ثم) * لو حلف المالك بطل البيع، لبطلان التصرف، و * (تستعاد العين) *
* (ثم) * لو حلف المالك بطل البيع، لبطلان التصرف، و * (تستعاد العين) *
المبيعة ممن هي في يده * (إن كانت) * هي * (موجودة، ومثلها إن كانت
مفقودة، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل) * بأن كانت قيمية * (وكذا) * يستعاد
مثلها أو قيمتها * (لو تعذر استعادتها) * بغير تلف كتغلب أو غيبة.
كل ذا على المشهور، بل لعله عليه عامة المتأخرين، وفاقا للمبسوط (1).
خلافا للنهاية، فقال: إن على الوكيل إتمام ما حلف عليه المالك (2).
ووجهه غير واضح.
وحمله في المختلف على صورة تعذر استعادة العين من المشتري
ومساواة القيمة لما يدعيه المالك (3). ولا بأس به وإن بعد، صونا لقوله عما
يرد عليه من الفساد، وعدم وضوح وجهه.
* (الثاني) *
في بيان * (ما تصح فيه الوكالة) *
* (وهو كل فعل) * يتكامل فيه شروط ثلاثة:
أحدها: أن يكون مملوكا للموكل، بمعنى كون مباشرته له ممكنة بحسب
العقل والشرع، فلا يجوز الوكالة في الأمور المستحيلة عقلا والممنوعة شرعا،
فلا يجوز في المعاصي كالغصب والسرقة والقتل، وأحكامها تلزم المباشر.

(1) لم نقف على حكمه بالاستعادة وما يتفرع عليه، نعم صرح في المسألة بأن القول قول الموكل
مع يمينه، راجع المبسوط 2: 383.
(2) لم نعثر عليه في النهاية، كما تنبه إليه صاحب مفتاح الكرامة 7: 637 س 7، حيث قال: ولم
نجد ذلك في نسختين من نسخ النهاية نقل عنها في المختلف 6: 38 - 39.
(3) المختلف 6: 39.
246

وهل يعتبر الإمكان المزبور من حين الوكالة إلى وقت التصرف؟ ظاهر
المشهور ذلك، بل ظاهر المحكي عن التذكرة إجماعنا عليه (1)، وبه صرح
المحقق الثاني، فقال: الظاهر إن ذلك متفق عليه عندنا (2)، فلا يجوز طلاق
زوجة سينكحها ولا عتق عبد سيشتريه.
قيل: لكن يشكل إطلاق القول بذلك، لتجويزهم في الظاهر الوكالة في
الطلاق في طهر المواقعة والحيض وفي تزويج امرأة وطلاقها وشراء عبد
وعتقه (3).
قال في التذكرة: لو وكله في شراء عبد وعتقه وفي تزويج امرأة وطلاقها
واستدانة دين وقضائه صح ذلك كله (4)، انتهى.
وفيه نظر، لاحتمال الفرق بين ما وقع التوكيل فيه مستقلا كالأمثلة التي
منعوا عن الصحة فيها، وما وقع التوكيل فيه تبعا لما يجوز التوكيل فيه اتفاقا
كالأمثلة التي أوردها، فيبطل في الأول، ويصح في الثاني، ويشير إليه جمعه
في التذكرة بين الأمرين، مردفا كلا منهما بحكمه. ولولا ما ذكرناه لكان
متناقضا.
هذا، ونظيره في الشرع كثير، كالوقف فإنه لا يجوز على من سيوجد
أصالة، ويجوز عليه تبعا اتفاقا. فتأمل.
وثانيها: أن * (لا يتعلق غرض الشارع فيه ب‍) * وقوعه من * (مباشر
معين) * كالعتق فإن غرضه فك الرقبة سواء أحدثه المالك أم غيره، والطلاق
فإن غرضه منه رفع الزوجية كذلك * (و) * مثله * (البيع والنكاح) * وغيرهما
من العقود والإيقاعات، ولا يجوز فيما يتعلق غرضه بإيقاعه من مباشر بعينه،

(1) لم نعثر عليه في التذكرة، كما تنبه إليه صاحب مفتاح الكرامة 7: 552 س 1، فراجع.
(2) جامع المقاصد 8: 207.
(3) القائل صاحب الكفاية: 129 س 20.
(4) التذكرة 2: 117 س 25.
247

ولا خلاف في شئ من ذلك في الظاهر.
والوجه فيه أيضا بقسميه واضح، وإنما الخفاء في مرجع معرفة غرضه
في ذلك وعدمه، فقيل: هو النقل (1)، وهو كذلك، إذ لا قاعدة له لا تنخرم، وقد
علم تعلق غرضه بجملة من العبادات، لأن الغرض منها امتثال المكلف ما
أمر به وانقياده وتذلله بفعل المأمور به، ولا يحصل ذلك بدون المباشرة،
كالطهارة والصلاة الواجبة في حال الحياة.
فلا يستناب فيهما مطلقا، إلا ما استثني منها من نحو الطواف الواجب
بشرط ذكر في محله، وركعتي الطواف، حيث يجوز استنابة الحي في الحج
الواجب والمندوب وأداء الزكاة، وكالأيمان والعهود والقسمة بين الأزواج
والشهادات، إلا على سبيل قيام الشهادة على الشهادة والظهار واللعان
والجناية.
وفي صحة التوكيل باثبات اليد على المباحات كالاصطياد والاحتطاب
والاحتشاش، قولان. وفي التوكيل في الإقرار إشكال. والظاهر أن ذلك ليس
بإقرار.
وثالثها: أن يكون معلوما، فلا تصح على المبهم والمجهول بلا خلاف
فيما أعلم. قيل: لئلا يعظم الغرر (2).
* (وتصح الوكالة في الطلاق للغائب) * إجماعا على الظاهر المصرح به في
كلام جماعة منهم الماتن في الشرائع (3). وهو الحجة، مضافا إلى
النصوص الآتية * (والحاضر على الأصح) * الأشهر بين عامة من تأخر، وفاقا

(1) القائل الشهيد الثاني في الروضة 4: 372.
(2) القائل العلامة في التذكرة 2: 119 س 16، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 8: 221.
(3) الشرائع 2: 197.
248

للمبسوط (1) والحلي (2)، نافيا الخلاف فيه بين المسلمين، سواء وكل
أمره إلى الوكيل من غير عزم منه عليه، أو كان عازما عليه ووكله في الإتيان
بالصيغة، للعمومات.
وخصوص الصحيح الصريح في الأول: رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل
فقال: اشهدوا أني قد جعلت أمر فلانة إلى فلان فليطلقها أيجوز ذلك؟ قال:
نعم (3). ونحوه الموثق (4).
والخبر القريب منه الصريح في الثاني: رجل وكل رجلا بطلاق امرأته إذا
حاضت وطهرت وخرج الرجل فبدا له وأشهد أنه قد أبطل ما كان أمره به
وأنه قد بدا له في ذلك، قال: فليعلم أهله وليعلم الوكيل (5).
وأظهر منه الخبر المتقدم في أول الكتاب المتضمن بعث أبي الحسن (عليه السلام)
بثلاثمائة دينار إلى رجل أن يطلق امرأته.
وإطلاق الأولين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال يشمل
صورتي الحضور والغيبة.
خلافا للطوسي (6) والقاضي (7) والتقي (8)، فمنعوا عنه في الحاضر،
للخبر: لا تجوز الوكالة في الطلاق (9)، بحمله عليه، جمعا بينه وبين ما مر
وغيره بحمله على الجواز في الغائب.
وهو بعيد، لعدم التعرض في شئ من الأخبار لغيبة ولا حضور وإن

(1) المبسوط 2: 364.
(2) السرائر 2: 83.
(3) الوسائل 15: 333، الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1.
(4) الوسائل 15: 333، الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 2.
(5) الوسائل 15: 333، الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 3.
(6) النهاية 2: 44.
(7) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 19.
(8) الكافي في الفقه: 337.
(9) الوسائل 15: 334، الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 5.
249

صرح بعضها بالجواز في الغائب، فإن إثباته فيه لا ينفيه عما عداه، مضافا إلى
قصور السند فيه وفي سابقه من وجوه.
فلا يقاومان شيئا مما مر، مع مخالفة إطلاق الأول الإجماع وإن حكي
عن ابن سماعة القول به (1)، وليس منا.
ونحوه في الضعف بل وأمر الاستدلال له بعموم الطلاق بيد من أخذ
بالساق (2)، فإن المراد به أن له التصرف فيه، وهو أعم من أن يكون
بالمباشرة أو النيابة، والإجماع على جوازها مع الغيبة أوضح شاهد على
عدم إرادة تعين المباشرة من الرواية.
قيل: وعلى قول الشيخ يتحقق الغيبة بمفارقة مجلس الطلاق وإن كان
في بلد التوكيل، كما ذكره الشهيد الثاني (3).
وفيه نظر، فإن كلامه ومستنده صريحان في اشتراط عدم الحضور في
البلد، وعدم كفاية عدم حضور المجلس.
* (و) * يجب أن * (يقتصر الوكيل) * في تصرفاته * (على ما عينه الموكل) *
أو ما يشهد العادة بالإذن مع اطرادها أو دلالة القرائن، كما لو أذن بالبيع بقدر
نسية فباع نقدا به أو بأزيد، إلا أن يكون له غرض في التعيين ولو على
الاحتمال.
ولا يجوز التعدي حينئذ إلا أن يكون احتمالا نادرا بلا خلاف في شئ
من ذلك ولا إشكال، إلا فيما حكموا به من صحة المعاملة مع المخالفة،
حيث جازت له بدلالة القرائن أو اطراد العادة مع ضمان العين لو عين لها

(1) حكاه عنه الشيخ في الاستبصار 3: 279، ذيل الحديث 991.
(2) سنن ابن ماجة 1: 672، الحديث 2081.
(3) المسالك 9: 28.
250

محلا تباع فيه فعدل إلى آخر فباعها فيه، فإن صحة المعاملة حينئذ مع
الضمان مما لا يجتمعان، فإن المخالفة لو أثرت في الضمان من حيث عدم
الإذن لأثرت في فساد المعاملة أيضا، لاتحاد الحيثية.
والإذن المفهوم من العادة لو صححت المعاملة من حيث الإذن لأثرت
في نفي الضمان البتة، لاتحاد الحيثية، كذا قيل.
ويمكن الذب عنه بأن الإذن المفهوم غايته الدلالة على صحة المعاملة
خاصة دون نقل العين عن مواردها المعينة، ولا تلازم بينهما بالبديهة، فإن
الإذن المفهوم ليس إلا من حيث الأولوية، ولا تحصل إلا حين جريان
المعاملة لا قبله، إذ منشأ الأولوية ليس إلا زيادة الثمن عما عينه، وهي قبل
المعاملة غير حاصلة. وحينئذ فتكون اليد عادية عليها ضمان ما أخذته (1)،
بمقتضى الرواية.
وبما ذكرنا يظهر عدم الفرق في الحكمين بين كون محل المعين سوقا
فعدل إلى سوق آخر، أو بلدة معينة عدل عنها إلى أخرى، فالحكم بالضمان
في الثاني دون الأول - كما عن التذكرة - (2) حجته غير واضحة، لاشتراكهما
في مقتضى الضمان وإن زاد سببه في الثاني دون الأول، لما فيه من تعريض
المال للتلف بالسفر، الذي هو مظنة الآفة غالبا، وهذا الفرق لا يؤثر في نفي
الضمان عن الأول، بل فائدته تأكيد وجه الضمان في الثاني.
ومما ذكرنا يظهر وجه الدفع عما أورد على التذكرة (3) من عدم الفرق
بين المقامين اللذين فرق بينهما بالكلية. فإن طريق الفرق - كما عرفت -
واضحة، فلا وجه للإيراد بما ذكره، بل الذي ينبغي إيراده عليه هو ما قدمنا
إليه الإشارة.

(1) سنن ابن ماجة 2: 802، الحديث 2400.
(2) التذكرة 2: 125 س 23.
(3) الظاهر أنه صاحب جامع المقاصد 8: 238، فراجع.
251

* (ولو عمم الوكالة صح) * إذا خصها من وجه - مال أو غيره - بلا خلاف
في الظاهر، وبه صرح في التنقيح (1)، وكذا إذا لم يخصه بوجه، كما إذا وكله
في كل قليل وكثير مما له فعله على الأقوى، وفاقا للنهاية (2) والمفيد (3)
والحلي (4) والقاضي (5) والديلمي (6) وعامة المتأخرين، عدا قليل منهم يأتي
ذكره، لأن كل فعل من الأفعال التي تدخله النيابة يصح التوكيل فيه
بالنصوصية والاندراج تحت أشخاص معينة، فجاز أن يندرج تحت العموم،
لتناوله الجزئيات على السوية.
خلافا للخلاف (7) والمبسوط (8)، وتبعه الماتن في الشرائع (9) وفخر
المحققين (10)، كما حكي، لأن فيه غررا عظيما، لأنه ربما ألزمه بالعقود ما لا
يمكنه الوفاء، وما يؤدي إلى ذهاب ماله كأن يزوجه بأربع حرائر ثم يطلقهن
قبل الدخول فيلزمه نصف مهورهن ثم يزوجه بأربع حرائر أخر وهكذا، أو
يشتري له من الأرضين والعقارات وغيرها ما لا يحتاج إليه، وهو غرر
عظيم، فما يؤدي إليه باطل.
ويندفع ذلك بالاتفاق على إناطة تصرفات الوكيل بالمصلحة، كان
الموكل فيه خاصا، أم عاما من وجه، أم مطلقا، فيمضي تصرفاته معها * (إلا
ما يقتضيه الإقرار) * بمال أو ما يوجب حدا أو تعزيرا فلا وكالة فيه، وفاقا
للأكثر، كالشيخين (11) والتقي (12) وابني حمزة (13) وزهرة (14) والفاضل

(1) في التنقيح الرائع 2: 289.
(2) النهاية 2: 41.
(3) المقنعة: 816.
(4) السرائر 2: 89.
(5) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 22.
(6) المراسم: 201.
(7) الخلاف 3: 350، المسألة 14.
(8) المبسوط 2: 391.
(9) الشرائع 2: 196.
(10) الإيضاح 2: 341.
(11) المقنعة: 816، والنهاية 2: 41.
(12) الكافي في الفقه: 337.
(13) الوسيلة: 282.
(14) الغنية: 268.
252

المقداد في التنقيح.
قال: إما لأنه لا تدخله النيابة، لاختصاص حكمه بالمتكلم، إذ أنبأ عن
نفسه، كما قال (صلى الله عليه وآله): " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " وعلى غيرهم لا، أو
لأنه خلاف المصلحة المشترطة في تعميم الوكالة. هذا كله إذا لم يصرح له
بالإقرار عنه، أما مع التصريح به فقال في الخلاف: يصح إقراره ويلزم الموكل
بالمقر به إذا كان معلوما وبتفسيره إذا كان مجهولا، محتجا بعدم المانع منه،
والأصل جوازه، مضافا إلى عموم المؤمنون عند شروطهم، وهذا شرط أنه
يلتزم ما يقر به الوكيل (1).
وفي الجميع نظر، سيما الأصل، لعدم الدليل عليه، مع معارضته بأصالة
البراءة. وكذا عموم لزوم الوفاء بالشرط، لاختصاصه على تقدير كون المقام
منه بالشرط المذكور ضمن العقد اللازم بالإجماع، كما حكاه بعض
الأصحاب، مضافا إلى استلزام عدم تخصيصه به، إما حمله على الاستحباب،
أو طرحه من حيث الإجماع على عدم بقائه على عمومه، وخروج أكثر
أفراده الموهن للتمسك به، كما حقق في محله.
واستشكله الفاضل في القواعد (2) من أنه إخبار عن حق على الموكل،
ولا يلزم الغير خبر الغير إلا على وجه الشهادة، فهذا كما لو قال: رضيت بما
يشهد به على فلان، فإنه لا يلزمه وأن الوكالة في الإنشاء لا في الإخبار.
ومن أنه قول يلزم به الحق صدر بإذنه فأشبه الشراء وسائر الأقوال.
وهو في محله، فينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل، وهو براءة ذمة
الموكل، مع اعتضاده بقوة دليل منعه.
ومنه يظهر الوجه في عدم إلزام الموكل بما وكل في الإقرار به بمجرد

(1) التنقيح 2: 290، 291.
(2) القواعد 1: 254 س 19.
253

التوكيل، للأصل، وعدم كونه إقرارا عرفا. وقيل: نعم (1). ولعله ضعيف.
فتأمل جدا.
* (الثالث) *
في * (الموكل) *
* (ويشترط كونه مكلفا) * كاملا بالبلوغ والعقل، فلا يصح وكالة الصبي
والمجنون مطلقا، بإذن الولي كان، أم لا، بلا خلاف، إلا في المميز البالغ عشرا،
فجوز جماعة توكله وتوكيله في نحو الصدقة والوصية والطلاق، مما دلت
الروايات بجواز مثلها منه (2). وهو حسن إن صح الاعتماد عليها، وإلا فلا.
* (جائز التصرف) * فيما يوكل فيه برفع الحجر عنه فيه، فلا تصح وكالة
السفيه والمفلس فيما حجر عليهما فيه، وتصح في غيره بلا خلاف ولا
إشكال في شئ من ذلك. ولقد كان في ذكر هذا الشرط غنى عن الأول.
* (و) * كذا * (لا يوكل العبد) * القن أحدا فيما ليس له التصرف فيه * (إلا
بإذن مولاه) * بلا خلاف، للحجر عليه في تصرفاته إن قلنا بمالكيته، وإلا
- كما هو الأقوى - فلا إشكال في الحكم من أصله، لظهور فساد توكيل
الأجنبي في مال غيره بغير إذنه، ويصح له التوكيل في طلاق زوجته إن لم
تكن أمة مولاه على الأشهر الأقوى، بناءا على أن له المباشرة فيه.
خلافا لجماعة، فمنعوا عنه أيضا بزعمهم كون الطلاق بيد المولى مطلقا.
وهو ضعيف، كما يأتي في بحث الطلاق إن شاء الله تعالى.
ثم المراد بالإذن ما يعم الصريح وما في حكمه، فلو كان مأذونا في
التجارة جاز أن يوكل فيما جرت العادة فيه بالوكالة.

(1) راجع الإيضاح 2: 340.
(2) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات.
254

* (و) * كذا * (لا) * يجوز أن يوكل * (الوكيل) * فيما وكل فيه * (إلا أن
يؤذن له) * بالتوكيل صريحا ولو بالتعميم كاصنع ما شئت، أو فحوى كاتساع
متعلقها، بحيث تدل القرائن على الإذن له فيه، كالزراعة في أماكن متباعدة لا
تقوم إلا بمساعد، ومثله عجزه عن مباشرته وإن لم يكن متسعا مع علم
الموكل به، وكترفع الوكيل عما وكل فيه عادة، فإن توكله حينئذ دال بفحواه
على الإذن له فيه مع علم الموكل بترفعه عن مثله، وإلا لم يجز، لأنه مستفاد
من القرائن، وتنتفي مع جهل الموكل بحاله.
وحيث أذن له في التوكيل، فإن صرح بكون وكيله وكيلا عنه أو عن
الموكل لزمه حكم من وكله، فينعزل في الأول بانعزاله، لأنه فرعه، وبعزل
كل منهما، وفي الثاني لا ينعزل إلا بعزل الموكل أو بما أبطل توكيله من
جنون أو إغماء أو نحوهما.
وإن أطلق ففي كونه وكيلا عنه، أو عن الموكل، أو تخيير الوكيل في
توكيله عن أيهما شاء، أوجه. وكذا مع استفادته من الفحوى، إلا أن كونه هنا
وكيلا عن الوكيل أقوى. فتأمل جدا.
واعلم أن لفظة " يوكل " في العبارة في المقامين ربما قرأت بفتح الكاف،
فمعناها حينئذ لا يجوز للإنسان أن يوكل عبد غيره ولا وكيل غيره إلا بإذنه،
وهذا مع عدم مناسبته لسياق الكلام، بناء على وروده لبيان شرط الموكل لا
الموكل غير تام الحكم فيه في المقام الثاني على إطلاقه، إذ لا مانع عن
توكيل وكيل الغير بدون إذنه، إلا أن يكون وكيلا خاصا له بجعل ونحوه.
ويجوز للأب والجد له ووصيهما أن يوكلوا عمن لهم الولاية عليهم
بلا خلاف فيه *
(و) * في أن * (للحاكم) * الشرعي أيضا * (أن يوكل عن
السفهاء والبله) * والمجانين والصبيان، الذين لا ولي لهم غيره من يتولى
255

الحكومة عنهم ويستوفي حقوقهم ويبيع عنهم ويشتري لهم.
وعن التذكرة بعد الحكم بذلك لا نعلم فيه خلافا (1)، وظاهره الإجماع
عليه، كالمحقق الأردبيلي (رحمه الله) في شرح الإرشاد (2). وهو الحجة، مضافا إلى
الأصل، وإطلاقات الأدلة، السليمة عن المعارض بالكلية، فإن لكل منهم
المباشرة بأنفسهم، فكذلك بغيرهم.
نعم يشترط في الوصي أن لا يمنعه الموصى من التوكيل. ومعه لا يجوز
له التوكيل، لقوله سبحانه: " فمن بدله بعد ما سمعه " الآية (3)، وبه صرح في
التذكرة (4).
* (ويكره لذوي المروءات) * وهم أهل الشرف والرفعة والمروة * (أن
يتولوا المنازعة بنفوسهم) * بل يستحب لهم التوكيل فيها بلا خلاف في ظاهر
الأصحاب.
قالوا: لما يتضمن من الامتهان والوقوع فيما يكره، ورووا في كتبهم
الاستدلالية: أن عليا (عليه السلام) وكل عقيلا في خصومة، وقال: إن للخصومة قحما
وإن الشيطان ليحضرها، وإني لأكره أن أحضرها (5).
والقحم - بالضم - المهلكة، والمراد أنها تقحم بصاحبها إلى ما لا يريده.
وظاهر التعليل يقتضي عموم الحكم لغير ذوي المروءات أيضا، لكن
قصور السند واختصاص المورد بسيد الأشراف في مخالفة الكراهة بالأصل
يقتضي الاختصاص بذوي المروءات.
هذا، وقد تأمل بعض في الحكم فيهم أيضا (6)، لتحاكم النبي (صلى الله عليه وآله) مع

(1) التذكرة 2: 116 س 29.
(2) مجمع الفائدة 9: 504.
(3) البقرة: 181.
(4) التذكرة 2: 116 س 28.
(5) منهم صاحب مجمع الفائدة 9: 504، وصاحب الحدائق الناضرة 22: 57.
(6) الظاهر أنه المحدث البحراني في حدائقه 22: 57.
256

صاحب الناقة إلى رجل من قريش، ثم إلى (1) علي (عليه السلام)، وتحاكم علي (عليه السلام)
مع من رأى درع طلحة عنده، فقال: إنها درع طلحة أخذت غلولا يوم
البصرة فأنكره فدعاه المنكر إلى شريح القاضي فحاكمه إليه (2)، والقضية
مشهورة، وتحاكم علي بن الحسين (عليهما السلام) مع زوجته الشيبانية لما طلقها
وادعت عليه المهر (3)، وهم سلام الله عليهم سادات الأشراف، فكيف تولوا
المنازعة مع كراهتها؟!
وهو حسن، إلا أن احتمال الدواعي والضرورات في مباشرتهم قائم،
ومع ذلك المقام مقام كراهة يتسامح في أدلتها بما لا يتسامح في غيرها،
فيكتفي فيها بمثل تلك الرواية، سيما مع اعتضادها بالمقبولية عند الأصحاب
كافة. ولا يبعد لهذا انسحاب الكراهة في غير ذوي المروة، لمكان التعليل
المذكور في الرواية.
* (الرابع) *
في * (الوكيل) *
* (ويشترط فيه كمال العقل) * بالبلوغ ورفع الحجر عنه بالجنون، فلا
يصح وكالة الصبي ولا المجنون.
وفي اقتصاره على هذا الشرط دون الآخر - الذي في الموكل قد مر -
دلالة على جواز كون المحجور بغير نقص العقل في الجملة وكيلا لغيره فيما
حجر عليه فيه من التصرف، كالمفلس والسفيه مطلقا ولو لم يأذن لهما الولي

(1) الوسائل 18: 200، الباب 18 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث 1.
(2) الوسائل 18: 194، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث 6.
(3) الوسائل 16: 117، الباب 2 من أبواب الإيمان الحديث 1، وفيه بدل " الشيبانية " " من بني
حنيفة ".
257

والعبد لكن بإذن سيده.
* (ويجوز أن تلي المرأة عقد النكاح لنفسها ولغيرها) * وكذا طلاق غيرها
بلا خلاف بيننا، بل عن ظاهر التذكرة (1) عليه إجماعنا. وهو الحجة، مضافا
إلى الأصل والإطلاقات كتابا وسنة.
أما طلاق نفسها فعن الطوسي (2) والحلي (3) لا، واختار الفاضل (4)
وغيره الجواز، لأنه فعل يدخله النيابة فتصح فيه الوكالة مطلقا، لإطلاق ما
مر من الأدلة. ولكن الأول أحوط في الجملة.
* (و) * يجوز * (للمسلم) * أن * (يتوكل للمسلم على المسلم و) * على
* (الذمي، وللذمي على الذمي) * بلا خلاف، بل عليه الإجماع في التنقيح (5)
والمهذب (6) وشرح الشرائع للصيمري (7)، من دون كراهة، كما يفهم من
المحكي عن التذكرة (8)، للأصل، والعمومات كتابا وسنة.
* (وفي) * جواز * (وكالته له) * أي المسلم للذمي * (على المسلم تردد) *.
ينشأ من أصالة الجواز، وأن له مطالبة المسلم بالحقوق لنفسه فللمسلم
أولى.
ومن أن في ذلك سلطنة وسبيلا على المسلم منفيا بالآية (9)، وإليه مصير
أكثر القدماء كالمفيد (10) والنهاية (11) والخلاف (12) والحلبي (13) والديلمي (14)

(1) التذكرة 2: 116 س 37.
(2) المبسوط 2: 365.
(3) السرائر 2: 87.
(4) المختلف 6: 21.
(5) التنقيح 2: 295.
(6) المهذب البارع 3: 37.
(7) غاية المرام 96 س 24 " مخطوط ".
(8) التذكرة 2: 117 س 12.
(9) النساء: 141.
(10) المقنعة: 817.
(11) النهاية 2: 41.
(12) الخلاف 3: 350، المسألة 15.
(13) الكافي في الفقه: 338.
(14) المراسم: 201.
258

وابن زهرة، مدعيا في الغنية عليه إجماع الإمامية (1).
وإلى الأول مصير عامة المتأخرين، وفاقا للحلي (2) والطوسي (3) في
قوله الآخر، بل عن التذكرة الإجماع عليه، لكن مع الكراهة (4). ولعله أقرب،
لاعتضاد إجماعه بالأصل، والعمومات، والشهرة العظيمة المتأخرة، فيترجح
على إجماع الغنية.
* (والذمي يتوكل على الذمي للمسلم والذمي) * بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في الكتب المتقدمة صريحا في بعض، وظاهرا في آخر. وهو
الحجة، مضافا إلى أدلة الجواز المتقدمة.
* (ولا) * يجوز أن * (يتوكل) * الذمي * (على مسلم) * مطلقا لمسلم أو ذمي
إجماعا، كما في التذكرة (5) والتنقيح (6) وظاهر المهذب (7) وغيره. وهو
الحجة، مضافا إلى عموم الآية بنفي السبيل للكافر على المسلم (8).
ومنه يظهر الوجه في التعدية إلى كل كافر، مضافا إلى الأولوية.
ولعل اقتصار الأصحاب على الذمي إما للتنبيه بالأدنى على الأعلى، أو
لكون الوكالة بين المسلم والذمي هو الغالب في بلاد الإسلام، لندرة غيره
فيها من أصناف الكفار.
ثم إن المستفاد من الماتن في الشرائع (9) والصيمري في شرحه
عليه (10) حيث نسبا المنع في الشق الأول إلى المشهور نوع تردد لهما فيه.

(1) الغنية: 268.
(2) السرائر 2: 91.
(3) المبسوط 2: 392.
(4) التذكرة 2: 117 س 12.
(5) التذكرة 2: 117 س 11.
(6) التنقيح 2: 294.
(7) المهذب البارع 3: 38.
(8) النساء: 141.
(9) الشرائع 2: 199.
(10) غاية المرام: 96 س 27 " مخطوط ".
259

ولا وجه له، مع احتمال إرادتهما من الشهرة المعنى الأعم، المرادف
للإجماع، ويشهد له تردد الأول بعد ذلك فيما تردد فيه هنا، وهو ظاهر، بل
لعله صريح في عدم التردد في الأول.
ثم إن ظاهر الأصحاب اختصاص المنع بما إذا تضمن الوكالة نوع قهر
وسلطنة، من حيث تعبيرهم عن محل المنع ب‍ " على "، المتضمنة لمعنى
الضرر، واستدلالهم بآية نفي السلطنة (1).
ومقتضى ذلك الجواز فيما لم يتضمن ذلك، فلو وكل لأن يوقع عقدا
لمسلم أو يعطيه دينارا أو نحو ذلك جاز، وبه صرح من متأخري المتأخرين
جماعة، كالمقدس الأردبيلي (2) وصاحب الكفاية (3). وهو كذلك، لعموم أدلة
الجواز المتقدمة.
إلا أن ابن زهرة صار إلى المنع عن توكله على تزويج المسلمة من
المسلم، وعن توكل المسلم على تزويج المشركة من الكافر، مدعيا عليه
إجماع الإمامية، قال: لأنهما لا يملكان لأنفسهما ذلك (4).
* (والوكيل أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط) * بلا خلاف، بل عليه
الإجماع في ظاهر الغنية (5) وصريح الروضة (6) والمسالك (7) والمحكي عن
التذكرة (8)، وعن شرح القواعد (9) أنه يلوح من عباراتهم كونه مما عليه
علماء الإسلام كافة. وهو الحجة، مضافا إلى عمومات النصوص المتقدمة في
الوديعة، مع أنه لو كلف الضمان مطلقا لامتنع الناس من الدخول في الوكالة

(1) النساء: 141.
(2) مجمع الفائدة 9: 506.
(3) كفاية الأحكام: 130 س 7.
(4) الغنية: 268.
(5) الغنية: 269.
(6) الروضة 4: 383.
(7) لم نعثر عليه.
(8) التذكرة 2: 130 س 22.
(9) جامع المقاصد 8: 261.
260

مع الحاجة إليها، فيلحقهم الضرر بذلك فناسب زوال الضمان عنهم بمقتضى
الحكمة.
وإطلاق الأدلة يقتضي عدم الفرق في الوكيل بين كونه بجعل، أو غيره،
وبه صرح في التذكرة (1).
* (الخامس) *
* (في الأحكام) *
* (وهي مسائل) *:
* (الأولى: لو أمره) * الموكل * (بالبيع حالا فباع مؤجلا ولو بزيادة) *
الثمن عن المثل أو ما عينه * (لم يصح) * أي لم يلزم * (ووقف على الإجازة) *
لصيرورته بمخالفته الإذن فضوليا، ويأتي على القول ببطلانه عدم الصحة من
أصلها.
* (وكذا) * لم يصح ووقف على الإجازة * (لو أمره ببيعه مؤجلا بثمن فباع
بأقل منه حالا) * (2).
وينبغي تقييد الحكم فيهما بعدم أطراف العادة أو دلالة القرائن بالإذن
فيما خالف إليه، كما هو الغالب في المثالين.
وأما معهما أو أحدهما فالوجه صحة البيع، فإن المعتبر الإذن، وهو في
الفرض حاصل. والتلفظ به غير مشترط بلا خلاف، وقد مر الاكتفاء بمثله.
* (و) * لذا قالوا: * (لو باع) * في الصورة الثانية * (بمثله) * أي بمثل الثمن
الذي عين له * (أو أكثر) * منه * (صح) * ولزم، لأنه قد زاده خيرا، وبه يحصل
إذن الفحوى قطعا * (إلا أن يتعلق بالأجل غرض) * ولو احتمالا غير نادر،
كأن يخاف على الثمن ذهابه في النفقة مع احتياجه إليه بعده.

(1) التذكرة 2: 130 س 22.
(2) في المتن المطبوع: بأقل حالا.
261

وإنما فرق بين المقامين فحكم بعدم الصحة في الأول بكلا قسميه وبها
في الأخير إلا في صورة الاستثناء، لافتراقهما بمقتضى العادة، لعدم حكمها
بالإذن في الأول، وحكمها به في الثاني، فلذا اختلف الحكم فيهما.
والضابط: هو ما قدمناه من وجوب اقتصار الوكيل على ما يأذن له
الموكل لفظا أو فحوى، مستفادا من العادة المطردة، أو القرائن الدالة.
* (ولو أمره بالبيع في موضع) * معين كالسوق الفلاني أو البلدة الفلانية
* (فباع في غيره بذلك الثمن) * المعين له أو بالمثل مع الإطلاق أو زائدا عليهما
* (صح) * إذا الغرض من تعيين المحل في الغالب ليس إلا تحصيل
الثمن، وقد حصل، والمحل ليس شئ يتعلق به غرض في التعيين في
الأغلب، والنادر كالعدم.
نعم لو علم أو ظن غرض في تعيينه من جودة النقد أو كثرته أو حله أو
صلاح أهله أو مودة بين الموكل وبينه فكما لا إذن، لعدم اطراد العادة به
في مثله.
* (ولا كذا لو أمره ببيعه من إنسان) * معين * (فباع من غيره فإنه) * لم
يلزم، بل * (يقف على الإجازة ولو باع بأزيد) * من المثل مع الإطلاق أو
المعين مع التعيين.
والفرق بينه وبين سابقه عدم تعلق غرض بالمحل لذاته في الأغلب، كما
مر، فإذا حصل المقصود منه في غيره جاز، بخلاف الأشخاص فإنه كثيرا ما
يتعلق غرض صحيح بمعاملة شخص، إما لسهولته في المعاملة، أو لتوقيه
الشبهة، أو نحو ذلك، فيطلب لذلك معاملته.
نعم لو علم عدم تعلق غرض له بتعيينه وأن المقصود منه حصول الثمن
كيفما اتفق أمكن الصحة هنا كسابقه، إلا أن إطلاق العبارة وغيرها يقتضي
262

انسحاب الفساد في هذه الصورة أيضا.
وباستفادة التعميم من العبائر صرح في المسالك (1)، فإن كان إجماع،
وإلا فسؤال الفرق بينه وبين ما سبق متوجه.
* (الثانية) * في مسائل النزاع: * (إذا اختلفا في الوكالة) * ولا بينة * (فالقول
قول المنكر مع يمينه) * بلا خلاف، للأصل، وعموم الخبر: البينة على المدعي
واليمين على من أنكر (2).
ولا فرق في المنكر بين كونه الوكيل أو الموكل.
وتظهر فائدة إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطة في عقد لازم
لأمر لا يتلافى حين النزاع، كما إذا اشترى دارا بشرط أن يوكله البائع في بيع
عبده فيدعي البائع حصول التوكيل المشروط بعد وفاة العبد ليستقر بيع الدار
بحصول الشرط وينكره المشتري ليتزلزل له البيع ويتسلط على فسخه، بناء
على أن الشروط الجائزة في العقد اللازم يجعله جائزا، بمعنى أنه لو لم يف
الشارط بالشرط يتسلط المشروط له على الفسخ.
فالتسلط على الفسخ فائدة إنكار الوكيل.
* (ولو) * اتفقا عليها ولكن * (اختلفا في العزل أو في الإعلام أو في
التفريط) * أو قيمة التالف بعد الاتفاق عليه ولا بينة * (فالقول) * في جميع
ذلك * (قول الوكيل) * بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الأولين في الغنية (3).
وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، وعموم الرواية المتقدمة.
وخصوص بعض المعتبرة في الثاني: في امرأة وكلت أخاها ليزوجها ثم
عزلته بمحضر الشهود وادعت إعلامه بالعزل وأنكره الأخ، فأتيا الأمير (عليه السلام)،

(1) المسالك 5: 272.
(2) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث 3.
(3) الغنية: 269.
263

فطلب منها الشهود، فأتت بالشهود الذين عزلته بمحضرهم فشهدوا على
العزل دون الإعلام، فلم يقبله (عليه السلام)، وأمضى تزويج الأخ وأحلفه. والرواية
طويلة مروية في التهذيب (1) في كتاب الوكالة.
* (وكذا لو اختلفا في التلف) * ولا بينة يقدم فيه قول الوكيل بلا خلاف،
بل عليه الإجماع في المسالك (2) وشرح القواعد (3). وهو الحجة، المخصصة
للأصل، وعموم الرواية، مع أنه أمين، وقد يتعذر عليه إقامة البينة فاقتنع
بقوله.
ولا فرق في ذلك بين دعواه التلف بأمر ظاهر، أو خفي بلا خلاف في
الظاهر، بل عليه الإجماع في ظاهر المسالك (4).
* (ولو اختلفا في الرد فقولان) *:
* (أحدهما: أن القول قول الموكل مع يمينه) * للأصل، وعموم الرواية (5)،
ذهب إليه الحلي (6) والماتن في الشرائع (7) والفاضل (8) وولده (9) والشهيدان
في اللمعتين (10).
* (والثاني:) * أن * (القول قول الوكيل ما لم يكن) * وكالته * (بجعل، وهو
أشبه) * وفاقا للمبسوط (11) والقاضي (12) والتنقيح (13)، بل في الشرائع (14)
وشرحه للصيمري (15) نسبه إلى المشهور.

(1) التهذيب 6: 214، الحديث 506، نقلا بالمضمون.
(2) المسالك 5: 297.
(3) جامع المقاصد 8: 261.
(4) المسالك 5: 297.
(5) سنن ابن ماجة 2: 802، الحديث 2400.
(6) السرائر 2: 86.
(7) الشرائع 2: 205.
(8) التحرير 1: 236 س 24.
(9) الإيضاح 2: 361.
(10) اللمعة والروضة 4: 386.
(11) المبسوط 2: 372.
(12) جواهر الفقه: 78، المسألة 288.
(13) التنقيح 2: 296.
(14) الشرائع 2: 205.
(15) غاية المرام: 97 س 17 " مخطوط ".
264

أما الأول: فلأنه أمين، وقد قبض المال لمصلحة المالك، فكان محسنا
محضا كالودعي.
وأما الثاني: فلما مر من الأصل، وعموم الخبر.
وأما ما ذكره في الروضة من أنه يضعف الأول بأن الأمانة لا تستلزم
القبول كما لا تستلزمه في الثاني مع اشتراكهما في الأمانة وكذلك الإحسان
والسبيل المنفي مخصوص فإن اليمين سبيل (1)، فغير مفهوم، لاستفاضة
النصوص باستلزام الأمانة القبول، ولذا تمسك الأصحاب بها له في مواضع،
حتى هو بنفسه في الكتاب المذكور في تقديم قوله بالتلف هنا، فقال: لأنه
أمين وقد يتعذر، إلى آخر ما ذكرناه، ولم يأت بحجة أخرى غيره، وهو بعينه
جار هنا. ولا ينافيه عدم استلزامها إياه في الثاني بالإجماع، فإن العام
المخصص حجة في الباقي.
وبه يظهر الجواب عما ضعف به نفي السبيل عليه مع إحسانه من توجه
اليمين عليه بلا خلاف، بل إجماعا، كما ادعاه في المسالك (2)، فإن ثبوت
مثل هذا السبيل عليه بالإجماع لا ينافي عدم ثبوت غيره عليه، للعموم، إلا
على القول بكونه بعد التخصيص غير حجة في الباقي. وهو مع أنه خلاف
التحقيق خلاف ما عليه كافة المحققين، كما صرح هو به في حاشية الكتاب
المزبور في هذا المقام.
هذا، وقد ادعى في المهذب الإجماع على القبول.
فقال: الأمناء على ثلاثة أقسام: الأول: من يقبل قوله في الرد إجماعا،
وضابطه من قبض العين لنفع المالك فهو محسن محض، فيقبل قوله في ردها
حذرا من مقابلة الإحسان بالإساءة، واستشكله العلامة من حيث أن الأصل

(1) الروضة 4: 387.
(2) المسالك 5: 298.
265

عدم الرد وهو نادر، وجزم في كتاب فتواه بموافقة الأصحاب (1).
وهو كما ترى شامل للمقام وإن نقل الخلاف فيه قبل هذه الدعوى، فإن
خروج معلومي النسب ولو كانوا مائة غير قادح في انعقاد الإجماع عنده
وعند الأصحاب كافة.
* (الثالثة: إذا زوجه امرأة مدعيا وكالته) * على تزويجها أو مطلقا
* (فأنكر) * ها * (الموكل، فالقول قول المنكر مع يمينه) * وعدم بينة للمدعي
بلا خلاف، للأصل، وعموم الخبر المتقدم.
* (وعلى الوكيل مهرها) * كملا، وفاقا للنهاية (2) والقاضي (3)، وقواه
الحلي (4)، لأن المهر يجب بالعقد كملا، ولا ينتصف إلا بالطلاق المفقود في
المقام، وقد فوته الوكيل عليها بتقصيره في الإشهاد فيضمنه.
* (وروي) * في التهذيب في باب زيادات النكاح في الصحيح عن أبي
عبيدة: في رجل أمر رجلا أن يزوجه امرأة من أهل البصرة من بني تميم
فزوجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم، قال: خالف أمره وعلى المأمور
نصف الصداق لأهل المرأة، ولا عدة عليها، ولا ميراث بينهما.
فقال له بعض من حضره: فإن أمره أن يزوجه امرأة ولم يسم أرضا ولا
قبيلة ثم جحد الآمر أن يكون أمره بذلك بعد ما زوجه، فقال: إن كان
للمأمور بينة أنه كان أمره أن يزوجه كان الصداق على الآمر لأهل المرأة،
وإن لم تكن بينة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة، ولا ميراث بينهما،
ولا عدة، ولها نصف الصداق إن كان فرض لها صداقا، وإن لم يكن سمى لها

(1) المهذب البارع 3: 39.
(2) النهاية 2: 43.
(3) نقله العلامة في المختلف 6: 28.
(4) السرائر 2: 95.
266

صداقا فلا شئ (1).
وهو صريح في أن عليه لها * (نصف مهرها) *. ونحوه رواية أخرى
مروية في التهذيب أيضا في كتاب الوكالة (2)، وزاد فيها التعليل بما ذكره
بقوله: * (لأنه ضيع حقها) * بترك الإشهاد.
وبهما أفتى الطوسي في المبسوط (3)، واختاره الحلي (4)، ونسبه في
المسالك (5) وفاقا للمحقق الثاني (6) إلى المشهور، وفي الروضة إلى الأكثر (7).
وهو أقوى، لانجبار مخالفتهما الأصول وضعف الثانية، بالشهرة المحكية، بل
المحققة في الجملة، لاتفاق المشهور على ثبوت المهر في الجملة وإن
اختلفوا في الكمال والنقيصة، فيحصل لهما الانجبار بالإضافة إلى مخالفة
الأصول البتة.
ويكفي لانجبار الثانية بما فيها من الضعف والجهالة موافقتها الأصل،
لأصالة براءة ذمة الوكيل عن الزيادة، مضافا إلى الاعتضاد بالصحيحة،
لأصالة براءة ذمة الوكيل عن الزيادة، مضافا إلى الاعتضاد بالصحيحة،
والشهرة المحكية، وسلامتها كالصحيحة عما تصلح للمعارضة في إثبات
الزيادة والعلل المتقدمة.
مع أنها اجتهادات في مقابلة النصوص المعتبرة، مخدوشة بابتنائها أولا:
على صحة العقد والموافق للأصول فساده بالضرورة، وثانيا: على تقديرها
متقضاها لزوم المهر على من عقد له دون الوكيل.
وسببية تقصيره للزومه عليه بمجرده غير معلومة، مع عدم وجوب

(1) التهذيب 7: 490، الحديث 1970.
(2) التهذيب 6: 213، الحديث 504.
(3) المبسوط 2: 386.
(4) السرائر 2: 94.
(5) المسالك 5: 301.
(6) لم نعثر عليه.
(7) الروضة 4: 389.
267

الإشهاد عليه أولا في الشريعة، مع أنه على تقدير تماميته مقصور بصورة
تقصيره. وقد لا يحصل منه بأن أشهد ثم توفي الشهود والحكم بالتمام جار
عندهم في هذه الصورة.
فالدليل مقدوح بالأخصية، وما ذكرناه وإن كان جاريا في لزوم النصف
أيضا بناء على أن مقتضاه بطلان العقد في الظاهر فكما لا عقد فكذا لا مهر
بالكلية، إلا أنه خرجت بالنصوص المعتبرة، المعتضدة بما قدمناه من
الشهرة العظيمة.
ولولاها لكان المصير إلى ذلك متعينا، كما حكاه الفاضلان في
الشرائع (1) والمختلف (2) قولا، لكن لم يسميا له قائلا معروفا، ومالا إليه
أيضا كالمسالك (3) والروضة (4) والصيمري في شرح الأول (5). وهو حسن
لولا ما تقدم.
ثم ما تضمنه صدر الصحيحة قد حكي الفتوى به عن النهاية، إلا أنه
أفتى بتمام المهر دون نصفه (6). وهو محجوج بها، فإنها مع صحتها في ردها
صريحة.
* (و) * كيف كان يجب * (على الزوج) * المنكر للوكالة * (أن يطلقها
سرا) * إن أبى عن الجهار * (إن كان وكل) * حقيقة بلا خلاف، وبه صرحت
الرواية الثانية، قال بعد التعليل المتقدم: حل لها أن تتزوج، ولا يحل للأول
فيما بينه وبين الله تعالى إلا أن يطلقها، لأن الله تعالى يقول: " فإمساك
بمعروف أو تسريح بإحسان "، فإن لم يفعل فإنه مأثوم فيما بينه وبين الله

(1) الشرائع 2: 206.
(2) المختلف 6: 29.
(3) المسالك 5: 301.
(4) الروضة 4: 389.
(5) غاية المرام: 98 س 2 " مخطوط ".
(6) النهاية 2: 43.
268

تعالى، وكان الحكم الظاهر حكم الإسلام، وقد أباح لها أن تتزوج (1).
وما تضمنته من اختيارها في التزويج من الغير عليه كافة الأصحاب، لما
تقدم من فساد العقد، وأن النكتة في وجوب المهر نصفا إنما هو تقصير
الوكيل في حقها، لكن صرح جماعة باشتراطه بعدم تصديقها الوكيل على
الوكالة، وإلا فليس لها الخيار، لكونها باعترافها زوجة. والحجة فيها واضحة.
وليس في إطلاق الرواية بإثباتها الخيار لها منافاة لذلك، بناء على
ورودها مورد الغالب، وهو عدم تصديقها للوكيل على الوكالة.
ولو امتنع من الطلاق حينئذ لم يجبر عليه، لانتفاء النكاح ظاهرا.
وحينئذ ففي تسلطها على الفسخ دفعا للضرر، أو تسلط الحاكم عليه، أو
على الطلاق، أو بقائها كذلك حتى تطلق أو تموت، أوجه.
ولو أوقع الطلاق معلقا على شرط كإن كانت هذه زوجتي فهي طالق
صح، ولم يكن إقرارا، ولا تعليقا مانعا عن صحته، لأنه أمر يعلم حاله.
لكن هذا إذا لم يكن الإنكار مستندا إلى نسيان التوكيل، وإلا فلا يصح.
فتأمل.
وكذا في نظائره، كقول من يعلم أن اليوم الجمعة: إن كان اليوم الجمعة
فقد بعتك كذا، أو غيره من العقود.
z z z

(1) التهذيب 6: 213، الحديث 504.
269

كتاب الوقوف
والصدقات والهبات
271

* (كتاب الوقوف والصدقات والهبات) *
* (أما الوقف) *
* (فهو تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة) * كما في الحديث النبوي، حبس
الأصل وسبل الثمرة (1).
وإنما عدل عن التسبيل إلى الإطلاق لأظهريته في المراد من التسبيل،
وهو إباحتها للجهة الموقوف عليها، بحيث يتصرف فيها كيف شاء كغيرها من
الأملاك.
والمراد بتحبيس الأصل المنع من التصرف فيه تصرفا ناقلا لملكه.
وهذا ليس تعريفا، بل ذكر شئ من خصائصه أو تعريف لفظي، وإلا
لانتقض بالسكنى وأختيها والحبس.
وفي الدروس عرفه بأنه الصدقة الجارية (2)، تبعا لما ورد في المعتبرة
المستفيضة: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " وعدها منها (3).
وفي المهذب (4) والتنقيح (5) والمسالك (6) وغيرها من كتب الجماعة أنه

(1) سنن البيهقي 6: 162.
(2) الدروس 2: 263.
(3) سنن أبي داود 3: 117، الحديث 2880.
(4) المهذب البارع 3: 48.
(5) التنقيح 2: 299.
(6) المسالك 5: 310.
273

قال العلماء: المراد بالصدقة الجارية الوقف.
والأصل في مشروعيته بعدها - كغيرها من السنة الآتية - الكتاب
وإجماع الأمة، كما في المهذب (1)، قال سبحانه: " وافعلوا الخير " (2)، " وما
تنفقوا من خير فلأنفسكم " (3)، وقال جابر: لم يكن أحد من الصحابة ذو
مقدرة إلا وقف (4).
* (ولفظه الصريح) * الذي لا يفتقر في دلالته عليه إلى ضم قرينة
* (وقفت) * بلا خلاف، كما في المسالك (5)، بل عليه الإجماع ظاهرا، وعن
الحلي (6) والتحرير (7) صريحا.
* (و) * أما * (ما عداه يفتقر إلى القرينة الدالة على التأبيد) * كاللفظ الدال
عليه، أو على نفي البيع والهبة والإرث، فيصير بذلك صريحا بلا خلاف،
سواء كان تصدقت، أو حرمت، أو أبدت، أو حبست، أو سبلت.
ولا يحكم بالوقف بشئ منها مجردا عن القرينة، وفاقا للمبسوط (8)
والحلي (9) وأكثر المتأخرين، لأصالة بقاء الملك على صاحبه، وعدم
خروجه إلا بوجه شرعي، ولا عرف شرعي هنا سوى صريح الوقف،
لاشتراك البواقي بينه وبين غيره، والموضوع للقدر المشترك لا دلالة له على
شئ من الخصوصيات بشئ من الدلالات.
نعم إذا انضمت القرائن صار كالصريح في صحة الوقف إذا قصد المعاني،
دون الألفاظ الدالة عليها خاصة، وقد وقع كذلك أكثر وقوف أهل البيت (عليهم السلام)،

(1) المهذب البارع 3: 49.
(2) الحج: 77.
(3) البقرة: 272.
(4) المستدرك 14: 47، الباب 1 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 8.
(5) المسالك 5: 310.
(6) السرائر 3: 155.
(7) التحرير 1: 284 س 21.
(8) المبسوط 3: 291.
(9) السرائر 3: 155.
274

كما دلت عليه المعتبرة:
منها: تصدق أمير المؤمنين (عليه السلام) بدار له بالمدينة في بني زريق، فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب، وهو حي سليم
تصدق بداره التي في بني زريق لا تباع ولا توهب، حتى يرثها الله الذي
يرث السماوات والأرض (1)، الخبر.
خلافا للخلاف (2) والغنية (3) والكيدري (4) والقواعد (5) في الأخيرين،
فجعلوهما صريحا كالأول، للنبوي المتقدم المتضمن لهما. وفيه نظر.
وللتذكرة، ففرق في لفظة الصدقة بين إضافتها إلى جهة عامة فصريحة،
وإلى خاصة فتحتاج حينئذ إلى قرينة (6).
ووجهه غير واضح، أما الثلاثة الأول فلا خلاف في عدم صراحتها، بل
عليه الإجماع في المسالك (7). هذا كله في الحكم عليه بالظاهر.
وإلا فلو نوى الوقف فيما يفتقر إلى القرينة وقع باطنا، ودين بنيته
لو ادعاه أو ادعى غيره، كما صرح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده.
ويظهر من العبارة وعبائر أكثر الجماعة - كما في المسالك (8)
والروضة (9) - ولعله من حيث اكتفائهم بذكر الإيجاب خاصة من
دون ذكر القبول والقربة بالكلية عدم اشتراطهما. والأصح اشتراطهما،
وفاقا للتنقيح (10) فيهما، وللتذكرة (11) في الأول، وللإرشاد (12)

(1) الوسائل 13: 304، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 4، وفيه اختلاف
في اللفظ.
(2) الخلاف 3: 537 و 542، المسألة 1.
(3) الغنية: 296.
(4) كما في المختلف 6: 295.
(5) القواعد 1: 266 س 20.
(6) التذكرة 2: 427 س 28.
(7) المسالك 5: 310.
(8) المسالك 5: 313.
(9) الروضة 3: 164.
(10) التنقيح 2: 301.
(11) التذكرة 2: 428 س 1.
(12) الإرشاد 1: 451.
275

والقواعد (1) والمفيد (2) والنهاية (3) والحلي (4) والغنية (5) - مدعيا هو كسابقه
عليه إجماع الإمامية - في الثاني. وهو الحجة فيه، كاطباقهم على كونه من
جملة العقود المدعى في المسالك (6) والمحكي عن التذكرة (7) في الأول،
بناء على أن لزومه بدونه يخرجه عن قسم العقود ويدرجه في قسم الإيقاع،
وهو ينافي ما ادعي عليه مما تقدم من الإجماع.
هذا، مضافا إلى مخالفة الوقف للأصل، فيقتصر في لزومه على المتيقن،
وليس إلا القدر المجمع عليه، وهو ما تضمن الأمرين.
وما استدل به في الروضة على عدم اشتراط القربة من عدم قيام دليل
صالح على اشتراطها وإن توقف عليها الثواب (8)، فضعيف، كاستدلاله
لمذهب الأكثر من عدم اشتراط القبول بأصالة عدم الإشتراط، وأنه إزالة
ملك، فيكفي فيه الإيجاب كالعتق (9).
أما الأول: فلما عرفت من مخالفته الأصل، ويكفي في عدم صحته مع
عدم القربة عدم قيام دليل صالح عليها بدونها. فعدم دليل على الاشتراط غير
قادح بعد الأصل الدال على الفساد. وأصالة عدم الاشتراط لا يعارضه إلا
بعد فرض قيام المقتضي للصحة بعنوان العموم، وهو مفقود.
ومنه يظهر الجواب عن دليله لمذهب الأكثر.
وأما الجواب عن الثاني: فبأن دعوى كفاية الإيجاب بمجرده في إزالة
الملك مطلقا ممنوعة.

(1) القواعد 1: 266 س 22.
(2) المقنعة: 655.
(3) النهاية 3: 119.
(4) السرائر 3: 156.
(5) الغنية: 298.
(6) المسالك 5: 310.
(7) التذكرة 2: 427 س 2.
(8) الروضة 3: 164.
(9) الروضة 3: 165.
276

كيف لا! وهي في المقام أول الكلام، وثبوتها في العتق بالدليل لا يوجب
ثبوتها هنا، إلا بالقياس المحرم عندنا.
وأما القول بالتفصيل في القبول بين الوقف على من يمكن في حقه
كشخص معين أو أشخاص معينين فيشترط لما ذكرناه، وبين الوقف على
غيره ممن لا يمكن في حقه كالمسلمين فلا يشترط، لانتقال الوقف فيه إلى
الله سبحانه، والقبول فيه غير متصور، كما في الشرائع (1) والمسالك (2)
والروضة (3) وتبعهما جماعة. فضعيف، لما مر، وعدم تصور القبول منه
سبحانه لا يوجب عدم اشتراط القبول من أصله، فقد يكون القابل الناظر أو
الحاكم ومنصوبه، كما صرح به مشترطه على إطلاقه.
وبالجملة: الموافق للأصول اشتراطهما مطلقا، مضافا إلى الإجماع
المنقول في الثاني.
نعم ربما كان الأوفق بالأصل عدم اشتراط القربة إن قلنا باعتبار القبول،
إذ بعد حصوله يكون عقدا يجب الوفاء به واشتراطها منفي حينئذ بأصالة
عدمه، إلا أن إجماع الغنية على اشتراطها (4) حجة شرعية، لا مسرح عنها
ولا مندوحة، وتكون ما قدمناه من الأصول له معاضدة شاهدة وإن لم تكن
في مقابلة ما دل على لزوم الوفاء بالعقود حجة مستقلة، بل هي به مخصصة.
هذا، وفي المعتبرين أحدهما الصحيح (5) والثاني الموثق: لا صدقة ولا
عتق إلا ما أريد به وجه الله تعالى (6).
والمستفاد من تتبع الأخبار الكثيرة إطلاق الصدقة على الوقف كثيرا،

(1) الشرائع 2: 217.
(2) المسالك 5: 372.
(3) الروضة 3: 166.
(4) الغنية: 298.
(5) الوسائل 13: 319، الباب 13 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 2.
(6) الوسائل 13: 320، الباب 13 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 3.
277

حتى أنه في كثير من وقوف الأئمة وفاطمة (عليهم السلام) (1) لم يذكر فيها لفظ الوقف،
بل اكتفى بلفظة الصدقة مقرونة بما يدل على إرادة الوقف منه.
فيظهر منها غاية الظهور أن إطلاق الصدقة عليه بعنوان الحقيقة
المشتركة. ولا ينافيه احتياجه في الدلالة عليه إلى القرينة، لكونها معينة
لا صارفة. وبه يفرق بين لفظ الوقف والصدقة، لاشتراكها بين الوقف والصدقة
الخاصة، دون لفظ الوقف.
وحيث ظهر أن إطلاق الصدقة على الوقف حقيقة ظهر دخوله في لفظ
الصدقة في ذينك الخبرين، فيدلان على اشتراطه بالقربة، لظهور أقربية نفي
الصحة من نفي الكمال، بالإضافة إلى نفي الماهية، حيث يكون إرادته
متعذرا. فتأمل.
هذا، ولو سلم مجازية إطلاق الصدقة عليه لكانت النصوص المزبورة
دالة أيضا على اشتراط نية القربة، بناء على أن الاستعارة والتشبيه يقتضيان
الشركة في الأحكام إما جملة، أو المتبادر منها خاصة.
ولا ريب أن اشتراط (2) القربة في صحة الصدقة من أظهر أحكامها.
وربما يؤيده تأييدا في الجملة اتباع الأئمة (عليهم السلام) وقوفاتهم المأثورة بقولهم:
ابتغاء وجه الله سبحانه (3).
وبالجملة: لا ريب في اشتراط القربة ولا شبهة.
واعلم أنه لا يعتبر قبول البطن الثاني ولا رضاه بلا خلاف أجده، وبه
صرح جماعة، لتمامية الوقف قبله، فلا ينقطع، ولأن قبوله لا يتصل
بالإيجاب، فلو اعتبر لم يقع له.

(1) الوسائل 13: 292، الباب 1 من أبواب الوقوف والصدقات.
(2) في " ه‍ " توجد زيادة كلمة: نية.
(3) الوسائل 13: 312، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 4 و 5.
278

* (ويعتبر فيه) * أي في صحته بعد تمام صيغته * (القبض) * من الموقوف
عليه أو من في حكمه، بمعنى أن الانتقال مشروط به، وقبله يكون العقد
صحيحا في نفسه، لكنه ليس بناقل، فيجوز للواقف الفسخ قبله بلا خلاف،
كما في المسالك (1) وغيره، بل عليه الإجماع في التنقيح (2) والغنية (3). وهو
الحجة، كالأصل (4)، والمعتبرة المستفيضة.
منها: الصحيح الذي روته المشائخ الثلاثة: عن الرجل يوقف الضيعة ثم
يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا، فقال: إن كان أوقفها لولده ولغيرهم ثم جعل
لها قيما لم يكن له أن يرجع فيها، فإن كانوا صغارا وقد شرط ولايتها لهم
حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها، وإن كانوا كبارا ولم
يسلمها إليهم ولم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها، لأنهم لا
يحوزونها وقد بلغوا (5).
والصحيح: في الرجل يتصدق على ولد له وقد أدركوا، فقال: إذا لم
يقبضوا حتى يموت فهو ميراث، وإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو
جائز، لأن والده هو الذي يلي أمره، وقال: لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى بها
وجه الله عز وجل (6). ونحوه غيره من المعتبرة (7).
وفي المسالك أن الأصحاب فهموا من الصدقة فيها الوقف، ولذا استدلوا
بها على بطلانه بموت الواقف (8).

(1) المسالك 5: 314.
(2) التنقيح 2: 302.
(3) الغنية: 298.
(4) في " ه‍ ": بالأصل.
(5) الكافي 7: 37، الحديث 36، الفقيه 4: 239، الحديث 5573، والتهذيب 9: 134،
الحديث 566.
(6) الوسائل 13: 299، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 5.
(7) الوسائل 13: 297، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
(8) المسالك 5: 359.
279

وفيها حينئذ بشهادة السياق دلالة على ما مر من اشتراط القربة في
الصحة لمفهوم قوله: " لا يرجع إذا ابتغى "، وهو الرجوع مع عدم الشرط. وهو
صريح في الاشتراط، إذ لولاه لما ساغ الرجوع مطلقا.
ومنها: المروي في إكمال الدين للصدوق بسنده إلى محمد بن جعفر
الأسدي فيما ورد عليه عن مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) قال: وأما ما سألت
من الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه، فكلما لم يسلم
فصاحبه بالخيار، وكلما سلم فلا خيار لصاحبه، احتاج إليه، أو لم يحتج،
افتقر إليه، أو استغنى - إلى أن قال: - وأما ما سألت عن أمر الرجل الذي
يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلمها من قيم يقوم بها ويعمرها ويؤدي من دخلها
خراجها ومؤنتها ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا، فإن ذلك جائز لمن
جعله صاحب الضيعة قيما عليها، إنما لا يجوز ذلك لغيره (1).
ثم قد عرفت فتوى الأصحاب ببطلانه بموت الواقف ومستندهم.
خلافا للتقي (2)، فقال: بالصحة مع الإشهاد عليه قبل الموت وإن لم
يقبض. وهو شاذ، كالمحكي عن ابن حمزة من عدم اشتراط القبض، حيث
جعل النظارة لنفسه (3). ومع ذلك مستندهما غير واضح.
وهل موت الموقوف عليه كذلك. فيبطل بموته مطلقا، أم إذا لم يقبضه
البطن الثاني أيضا، وجهان، أجودهما الأول، وقوفا على ظواهر النصوص
المتقدمة، فإن الموقوف عليه المعتبر قبضه فيها إنما هو البطن الأول، مع أن
قبض البطن الثاني لا يؤثر إلا في صحته بالإضافة إليه، وإلا فهو بالإضافة
إلى الأول باطل، لفقد شرطه فيه.

(1) إكمال الدين 2: 520 و 521، الحديث 49.
(2) الكافي في الفقه: 325.
(3) الوسيلة: 369.
280

ولا يتصور الصحة بالإضافة إليه وإن قبض، لوجهين.
أحدهما: أن صحة الوقف ليس معناها إلا صحة ما جرى عليه الصيغة،
وهو ليس إلا الوقف عليهما دون الثاني خاصة، فصحته بالإضافة إليه خاصة
دون الأول غير ما جرى عليه العقد.
وثانيهما: أن الصحة بالإضافة إليه خاصة معناها بطلانه بالإضافة إلى
الأول، فوجوده بالنسبة إليه كعدمه، فيكون الوقف حينئذ على معدوم مع
عدم تبعيته لموجود. ومجرد التبعية للذكر تأثيره في الصحة غير معلوم، مع
أن الأصل عدمها.
واعلم أن العبارة ظاهرها اشتراط القبض في الصحة، وربما يعتبر بما
يدل على اشتراطه في اللزوم، كما في الغنية (1) والشرائع (2) واللمعة (3)، إلا
أن في المسالك لا خلاف في الاشتراط في الصحة (4).
وأول عبائر الكتب المزبورة إليها والنصوص السابقة لا تدل إلا على
جواز الرجوع قبله، وهو لا ينافي الصحة، لكن الحكم بها قبله مع عدم دليل
عليها من إجماع أو رواية مشكل، بل مقتضى الأصل الحكم بعدمها، فيكون
شرطا في الصحة لا اللزوم، مضافا إلى الإجماع المنقول، وظهور الصحيحة
الثانية وما في معناها في ذلك، حيث حكم فيها برجوعه بالموت ميراثا (5).
فتأمل جدا.
وتظهر الفائدة في النماء المتخلل بينه وبين العقد، فيحكم به للواقف على
الأول، وللموقوف عليه على الثاني.
ثم قد صرح الأصحاب بعدم اشتراط فورية القبض، وهو كذلك،

(1) الغنية: 298.
(2) الشرائع 2: 212.
(3) اللمعة: 57.
(4) المسالك 5: 358.
(5) الوسائل 13: 297، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
281

والصحيحة المتقدمة فيه صريحة.
واعلم أنه لا خلاف في سقوط اعتباره في بقية الطبقات، لأنهم يتلقون
الملك عن الأول، وقد تحقق الوقف ولزم بقبضه، فلو اشترط قبضهم لانقلب
العقد اللازم - إجماعا، كما في المسالك (1) وغيره - جائزا.
ثم لو وقف على الفقراء أو الفقهاء فلا بد من نصب قيم لقبض الوقف
والنصب إلى الحاكم.
قيل: والأقرب جوازه للواقف مطلقا، سيما مع فقد الحاكم ومنصوبه (2).
وربما كان في الصحيحة الأولى دلالة عليه، لقوله: إن كان أوقفها لولده
أو لغيرهم ثم جعل لها قيما لم يكن له أن يرجع، ونحوه الرواية الأخيرة.
* (ولو كان) * الوقف على * (مصلحة) * عامة * (كالقناطير، أو موضع عبادة
كالمساجد) * قالوا: * (قبضه الناظر فيها) * أي في تلك المصلحة، فإن كان لها
ناظر شرعي من قبله تولى القبض، لما مر من الخبر، وإلا فالحاكم، لما يأتي.
وأطلق بعضهم القبض في نحو المساجد والمقبرة بصلاة واحدة ودفن
واحد فيها (3).
وقيده آخر: بوقوع ذلك بإذن الواقف، ليتحقق الإقباض، الذي هو شرط
صحة القبض (4).
وقيده ثالث: بوقوعهما بنية القبض أيضا، فلو أوقعا لا بنيته، كما لو أوقعا
قبل العلم بالوقف أو بعده قبل الإذن فيهما أو بعدهما لا بقصد القبض، إما
للذهول عنه، أو لغير ذلك لم يلزم (5).

(1) المسالك 5: 358.
(2) القائل صاحب مفاتيح الشرائع 3: 215، مفتاح 1118.
(3) الشرائع 2: 217 والتنقيح 2: 302.
(4) جامع المقاصد 9: 24.
(5) جامع المقاصد 9: 24.
282

قالوا: هذا إذا لم يقبضه الحاكم الشرعي أو منصوبه، وإلا فالأقوى
الاكتفاء به إذا وقع بإذن الواقف، لأنه نائب المسلمين (1). وهو حسن.
* (ولو كان) * الوقف * (على طفل) * أو مجنون * (قبضه الولي) * لهما
* (كالأب والجد للأب) * بلا خلاف فيهما * (أو الوصي) * لأحدهما، مع
عدمهما على الأقوى، لمفهوم التعليل في الصحيحة الثانية (2).
خلافا للماتن في الشرائع (3) وغيره (4)، فترددا فيه، لما ذكر، ولضعف يده
وولايته، بالإضافة إلى غيره.
ويضعف بما مر، وضعف اليد وقوتها لا أثر له في ذلك بعد ثبوت
أصل الولاية.
* (ولو وقف عليه) * أي على الطفل ومن في معناه * (الأب أو الجد له
صح) * ولزم، ولم يحتج إلى إقباض من أحد بلا خلاف، للصحيح الثاني
المتقدم وما بعده، فإنهما مع ما فيهما من التعليل المشار إليه في قوله: * (لأنه
مقبوض بيده) * نصان في المقام، كالصحيح الأول.
وإطلاقهما - كالعبارة وكثير من عبائر الجماعة - يقتضي الاكتفاء
بقبضهما وإن تجرد عن نية القبض عنهما. واحتمل بعضهم اعتبار ذلك (5).
قيل: وفي معناه ما لو كان الموقوف تحت يد الموقوف عليه بوديعة
أو عارية أو نحوهما، لصدق القبض (6).
وفيه نظر، سيما إذا كان مجردا عن نيته بعد الوقف، فإن ظواهر النصوص
المتقدمة اعتبار التسليم، وليس بحاصل.

(1) منهم صاحب مفاتيح الشرائع 3: 215، مفتاح 1118.
(2) الوسائل 13: 297، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
(3) الشرائع 2: 217.
(4) التحرير 1: 285 س 8.
(5) قاله الشهيد في المسالك 5: 360.
(6) المسالك 5: 360.
283

نعم ربما يومئ إليه الاكتفاء في بعضها بسبق قبض الولي الواقف له
وكونه في يده قبله، فلا بأس به.
ولو كان القبض واقعا بغير إذن الواقف كالمقبوض بالغصب والشراء
الفاسد ففي الاكتفاء به نظر، ولعل العدم هنا أظهر.
* (والنظر) * في هذا الكتاب * (إما في الشروط، أو) * في * (اللواحق) *.
* (والشروط) *
زيادة على ما مر * (أربعة أقسام) *
من حيث إن أركانه أربعة، كل قسم منها يتعلق بأحدها.
* (الأول: في) * ما يتعلق ب‍ * (الوقف) *
* (ويشترط فيه التنجيز) * فلو علقه على شرط متوقع أو صفة مترقبة أو
جعل له الخيار في فسخه متى أراده من دون حاجة بطل بلا خلاف فيه وفي
الصحة لو كان المعلق عليه واقعا والواقف عالم بوقوعه، كقوله: وقفت إن كان
اليوم الجمعة، وكذا في غيره من العقود، وبعدم الخلاف صرح جماعة. ولعله
كاف في الحجية، مضافا إلى الأصل واختصاص النصوص مطلقا بحكم
التبادر بغير مفروض المسألة، مع أن في المسالك الإجماع عليه (1).
* (والدوام والإقباض) * من الموقوف عليه أو من في حكمه، بأن يسلطه
عليه ويرفع يده عنه، كما في الروضة (2). والأولى أن القبض في كل شئ
بحسبه، كما مر في كتاب التجارة.
* (وإخراجه عن نفسه، فلو كان) * وقفه * (إلى أمد) * معين كشهر أو سنة

(1) لم نعثر عليه في خصوص الفرض، راجع المسالك 5: 357.
(2) الروضة 3: 171.
284

بطل عند الأكثر، لاشتراطهم التأبيد المشترط في صحته عندهم، بل
وغيرهم، حتى أن ابن زهرة ادعى في الغنية عليه إجماع الإمامية (1). وهو
الحجة المخصصة لعموم الآية الآمرة بالوفاء بالعقود (2) إن قلنا باشتراط
القبول فيه، كما هو الأظهر، وإلا كما هو الأشهر بين الطائفة. فهو حجة أخرى
مستقلة بعد الأصل السليم عما يصلح للمعارضة، لاختصاص النصوص
بحكم التبادر في بعض، والنصية في آخر، كما تضمن وقوف الأئمة (عليهم السلام)
بالوقوف المؤبدة (3)، بل جعل الطوسي في كتابي الحديث الروايات الأخيرة
من أدلة اشتراطه (4)، وحجة مستقلة مخصصة لعموم الآية.
ولكن فيه مناقشة وإن أمكن تصحيحه بظهوره من تتبعها جملة، لا أن
يكون كل منها بنفسه حجة.
وكيف كان، الإجماع المتقدم المعتضد بفتاوى الجماعة ممن حضرني
في كلامه كاف في الحجية.
ولا ينافيه فتوى الأكثر، كما سيظهر بالصحة فيما ليس بمؤبد، لأعمية
وجهها من الوقف وغيره، بل الجمع بين كلماتهم هنا وسابقا يعين إرادة
الأخير خاصة، وبه صرح الصيمري في شرح الشرائع، فقال في الوقف على
من ينقرض - بعد حكمه بالاشتراط من دون نقل خلاف فيه عن الجماعة -:
أن المشهور الصحة، وأنه حبس (5).
فما ذكره في المسالك (6) وفخر الإسلام في الإيضاح (7) من أن اشتراطه

(1) الغنية: 298.
(2) المائدة: 1.
(3) الوسائل 13: 292، الباب 1 من أبواب الوقوف والصدقات.
(4) التهذيب 9: 132، ذيل الحديث 561، والاستبصار 4: 99، ذيل الحديث 383.
(5) غاية المرام: 99 س 17 (مخطوط).
(6) المسالك 5: 355.
(7) الإيضاح 2: 379.
285

محل منازعة وشبهة، لا يخلو عن مناقشة.
وحيث بطل وقفا * (كان حبسا) * عند الأكثر، كما في عبارة الصيمري قد
مر، وبه صرح غيره، بل صرح الأول بأن عليه عامة المتأخرين، مؤذنا
بدعوى إجماعهم عليه، وممن حكى تصريحه به من القدماء الشيخان (1)
والإسكافي (2) والديلمي (3) والقاضي (4) وابن حمزة (5) والحلي (6).
وحكاية الشهرة ومذهب هؤلاء الجماعة وإن كان في غير مورد المسألة
وهو المسألة الآتية، إلا أنهما من باب واحد، من حيث اشتراكهما في عدم
التأبيد المشترط في الصحة وإن كان فقده في الأولى أقطع منه في الثانية.
هذا، مضافا إلى جريان بعض أدلتهم التي ذكروها للصحة ثمة هنا
بالبديهة.
وممن صرح بالصحة حبسا في خصوص المسألة - مضافا إلى الماتن - (7)
الشهيدان في الدروس (8) والمسالك (9) والروضة (10). ولم أقف لهم هنا على
مخالف من الجماعة، عدا من سيأتي إليه الإشارة.
وعللاه بوجود المقتضي، وهو الصيغة الصالحة للحبس، لاشتراكه مع
الوقف في المعنى، فيمكن إقامة كل منهما مقام الآخر، فإذا قرن الوقف
بعدم التأبيد كان قرينة على الحبس، كما لو قرن الحبس بالتأبيد كان قرينة
على الوقف.
والأجود الاستدلال عليه بالصحيحين.

(1) المقنعة: 655، والنهاية 3: 126.
(2) كما في المختلف 6: 304.
(3) المراسم: 198.
(4) المهذب 2: 91.
(5) الوسيلة: 370.
(6) السرائر 3: 166.
(7) الشرائع 2: 217.
(8) الدروس 2: 264.
(9) المسالك 5: 356.
(10) الروضة 3: 169.
286

في أحدهما: روى بعض مواليك عن آبائك (عليهم السلام): أن كل وقف إلى وقت
معلوم فهو واجب على الورثة وكل وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو
باطل مردود على الورثة، وأنت أعلم بقول آبائك (عليهم السلام)، فكتب (عليه السلام): هو
عندي كذا (1).
وفي الثاني: عن الوقف الذي يصح هو، فقد روي أن الوقف إذا كان غير
موقت فهو باطل مردود على الورثة، وإذا كان موقتا فهو صحيح ممضي،
قال: قوم إن الموقت هو الذي يذكر فيه أنه وقف على فلان وعقبه فإذا
انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها،
قال: وقال آخرون: هذا مؤقت إذا ذكر أنه لفلان وعقبه ما بقوا ولم يذكر في
آخره للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، والذي
غير موقت أن يقول هذا وقف ولم يذكر أحدا فما الذي يصح من ذلك وما
الذي يبطل؟ فوقع (عليه السلام): الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها (2).
وهما وإن دلا ظاهرا على الصحة وقفا، إلا أن حملهما على الصحة
حبسا متعين جدا، جمعا بينهما وبين ما دل على كون التأبيد شرطا.
ورجوع مثل هذا الوقف بعد موت الموقوف عليه إرثا، فإنه من لوازم
الحبس، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
هذا، مع أن القول بالصحة وقفا نادر جدا، غير معروف أصلا.
وذكر الطوسي (رحمه الله) بعد نقل الأول أن المراد بالموقت الذي حكم بصحته
فيه ليس هو الموقت بالمدة، بل هو الموقت بالمعنى المذكور في الرواية
الثانية (3)، مستشهدا عليه بها.

(1) الوسائل 13: 307، الباب 7 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 307، الباب 7 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 2.
(3) التهذيب 9: 132، ذيل الحديث 561.
287

وفيه مناقشة، فإن غاية ما يستفاد منها استعمال الموقت في ذلك المعنى،
وهو أعم من الحقيقة، والأصل يقتضي مجازيته بعد معلومية حقيقته في
الموقت بالمدة، فلا يعدل عنه إليه إلا بقرينة صارفة، هي في الرواية مفقودة.
ثم لو سلم هذا الجواب لم يكن فيه فائدة إثبات البطلان في مفروض
المسألة - على ما يظهر من سياق كلامه - بعد دلالة الرواية الثانية بعمومها
- كما ترى - على الصحة مطلقا ولو هنا. فالصحة أقوى وإن خرجت الأولى
على تقدير التسليم عن كونها مستندا، للرواية الثانية، مضافا إلى التعليل
المتقدم إليه الإشارة في كلام الشهيدين، وصرح ثانيهما - بعد ذكره - بأنه إنما
يتم مع قصد الحبس، فلو قصد الوقف الحقيقي وجب القطع بالبطلان،
لفقد الشرط (1).
وهو كذلك، بناء على المختار. وأما على مختاره من التردد في اشتراطه
فلا وجه للقطع به، ولعله على تقدير اشتراطه.
* (ولو جعله لمن ينقرض غالبا) * ولم يذكر المصرف بعده واقتصر على
بطن أو بطون * (صح) * حبسا، وفاقا لصريح ابن حمزة (2) والفاضل في
الإرشاد (3) والقواعد (4)، وظاهر من تقدم، بناء على اشتراطهم التأبيد.
وبنسبته إليهم صرح الصيمري (5) وإن كان ظاهر المختلف (6) وجماعة
نسبة الصحة وقفا إليهم، حيث جعلوه قولا مقابلا للأول، وحكوا فيه تبعا
للمبسوط (7) والخلاف (8) ثالثا، وهو القول بالبطلان رأسا، ولم يسموا
له قائلا.

(1) المسالك 5: 353.
(2) الوسيلة: 370.
(3) الإرشاد 1: 452.
(4) القواعد 1: 267 س 3.
(5) غاية المرام: 99 س 18 (مخطوط).
(6) المختلف 6: 304.
(7) المبسوط 3: 292.
(8) الخلاف 3: 543 - 544، المسألة 9.
288

والأقوى الصحة، لما مر، دون ما ذكره الأكثر من الأصل، وعدم شرطية
تمليك الأخير في تمليك الأول، وإلا لجاء الدور، والخبر.
لضعف الأول: بالمعارضة بأصالة الفساد إن أريد به أصالة الصحة.
والثاني: بأنا لا ندعي كون تمليك الأخير شرطا، وإنما الشرط بيان
المصرف للأخير، ليتحقق معنى الوقف، وهو هنا غير حاصل، فلا يتم
صحة الوقف.
والثالث: بقصور السند، وضعف الدلالة من وجوه عديدة.
نعم الاستدلال بالأول حسن إن أريد به العمومات الآمرة بالوفاء
بالعقود، وقلنا باشتراط الرضا فيه والقبول.
وأما حجة الثالث مع جهالته وندرته فهي ضعيفة كقوله، فإن غايتها نفي
الصحة وقفا، وهو أعم من انتفائها مطلقا، فقد يصح ويكون حبسا، كما قلنا.
ثم إن هؤلاء الجماعة الذين جعلوا الأقوال في المسألة ثلاثة لم يذكروا
إلا حجتين، إحداهما: على البطلان مطلقا، والثانية: على الصحة، ولم يذكروا
حجة ثالثة تدل على تميز أحد القولين الأولين عن الآخر، وهو أوضح شاهد
على أن الأقوال في المسألة اثنان لا ثلاثة، وأن فتوى من حكم بصحة
الوقف المراد بها إثبات الصحة في مقابلة من يدعي البطلان بالمرة، لا أن
المراد إثباتها من حيث الوقفية دون الحبسية.
وأما تعبيرهم بصحة الوقف ففيه نوع مسامحة، ولعلها لندرة الثمرة في
الفرق بين الصحة وقفا وحبسا، وعدم ظهورها إلا في نحو النذر والنية
المصححة لمثل هذا الوقف إن كان متعلقها الحبس، والمفسدة له إن كان
الوقف، كما مر إليه الإشارة.
هذا، مع أنه صرح أكثر القائلين بالصحة وقفا - على ما نسبه إليهم هؤلاء
289

الجماعة - بانتقاله بعد الانقراض إلى ورثة الواقف، وهو من لوازم الحبس،
كما صرح به في المسالك (1).
وممن اختار القول بالرجوع إليهم بعده الطوسي (2) والقاضي (3)
والديلمي (4) وابن حمزة (5) والفاضل في أكثر كتبه (6)، والمسالك (7)
والروضة (8) والصيمري (9) وأكثر المتأخرين، بل في المسالك عزاه إلى الأكثر
بقول مطلق (10)، وتبعهم الماتن في الشرائع (11) وهنا.
فقال: * (ويرجع) * الوقف * (بعد موت الموقوف عليه إلى ورثة الواقف
طلقا) * أي ملكا إن مات قبل الموقوف عليه، وإلا فإليه ثم إليهم.
قالوا: لأنه لم يخرج عن ملكه بالكلية، وإنما تناول أشخاصا، فلا يتعدى
إلى غيرهم، والظاهر أن الوقف على حسب ما يوقفه أهله، وإنما وقفوه هنا
على من ذكر، فلا يتعدى، ويبقى أصل الملك لهم كالحبس، أو هو عينه.
وللخبر: عن رجل أوقف غلة له على قرابة من أبيه وقرابة من أمه
وأوصى لرجل ولعقبه من تلك الغلة ليس بينه وبينه قرابة بثلاثمائة درهم كل
سنة ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وأمة، قال: جائز للذي أوصى له بذلك،
قلت: أرأيت إن مات الذي أوصى له؟ قال: إن مات كانت الثلاثمائة درهم
لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم، فإذا انقطع ورثته ولم يبق منهم أحد
كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد إلى ما يخرج من الوقف، الخبر (12).

(1) المسالك 5: 356.
(2) النهاية 3: 128.
(3) المهذب 2: 91.
(4) المراسم: 198.
(5) الوسيلة: 370.
(6) القواعد 1: 267 س 3، والإرشاد 1: 452.
(7) المسالك 5: 356.
(7) المسالك 5: 356.
(8) الروضة 3: 169.
(9) غاية المرام: 99 س 23 (مخطوط).
(10) المسالك 5: 356.
(11) الشرائع 2: 216.
(12) الوسائل 13: 306، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 8، مع زيادة.
290

وفيه قصور من حيث السند والدلالة وإن أمكن جبر الأول بالحسن بن
محبوب الذي في سنده، والشهرة.
نعم هو صالح للتأييد، كما صرح به في الغنية من أن على مذهبهم
رواية (1)، وفي الخلاف بأن عليه روايات (2)، مع احتمال أخذه دليلا، لانجبار
الإرسال بالشهرة، وبعد احتمال عدم الدلالة، سيما مع الكثرة، كما هو مصرح
الثاني، مضافا إلى كثرة النقلة. وبمجموع ذلك يتعين المصير إلى هذا القول،
مع لزوم القطع به على القول بكونه حبسا، وقد نفى الخلاف والإشكال عنه
في المسالك (3) على تقديره.
* (وقيل) * كما عن المفيد (4) والحلي (5): أنه * (ينتقل إلى ورثة الموقوف
عليه) * لأن الوقف خرج عن ملكه فلا يعود إليه، ولأن الموقوف عليه يملك
الوقف فينتقل إلى ورثته.
وفي الانتقال والملك منع، لأنه في الحقيقة أو في المعنى حبس، وإنما
ينتقل إليه في صورة التأبيد.
وفي الغنية ينتقل في وجوه البر (6)، لانتقال الوقف عن الواقف وزواله
عن ملكه.
وظاهره الحكم به لزوما، إلا أن المستفاد من كلامه أخيرا كونه مستحبا،
فقال - بعد أن ذكر ما أشار إليه الماتن بقوله: * (والأول مروي) * -: والأول
أحوط، وأراد بالأول ما ذكره. وفي حكمه بكونه أحوط على إطلاقه نظر.
والعجب من المختلف، حيث مال إليه معللا له بانتقال الملك، فلا يعود

(1) الغنية: 299.
(2) لم نعثر عليه.
(3) المسالك 5: 356.
(4) المقنعة: 655.
(5) الموجود في السرائر خلاف ذلك، راجع السرائر 2: 166، نعم نسبه إليه في المختلف 6: 304.
(6) الغنية: 299.
291

إليه من غير سبب، لجوابه عن التعليل - بعد أن احتج به للقول الثاني -
بالمنع، فكيف يستند إليه لهذا القول؟ مع ما فيه زيادة على ما مر من كون
الانتقال عن الواقف أعم من الانتقال إلى وجوه البر، فقد ينتقل إلى ورثة
الموقوف عليه، بل لعله المعين على تقدير صحته، لدخوله في ملك الموقوف
عليه أولا قطعا، فيشمله عموم أدلة الإرث جدا.
ثم على المختار من العود إلى الواقف أو ورثته هل المراد بهم ورثته
حين انقراض الموقوف عليه كالولاء، أو الورثة عند موته ويسترسل فيه إلى
أن يصادف الانقراض؟ قولان.
وتظهر الفائدة فيما لو مات الواقف عن ولدين ثم مات أحدهما عن ولد
قبل الانقراض، فعلى الأول يرجع إلى الولد الباقي خاصة، وعلى الثاني
يشترك هو وابن أخيه بتلقيه من أبيه، كما لو كان حيا، واختار الشهيدان
الأول (1)، والفاضل المقداد الثاني (2). وهو أقوى، لما مر من عدم الانتقال،
وكونه باقيا على ملك الواقف، فينتقل بالموت وإن لم يجز التصرف فيه قبل
الانقراض، عملا بمقتضى الوقف.
واعلم أن هذا الوقف كسابقه يسمى منقطع الآخر.
ثم إن ما ذكر مما يتفرع على الشرط الأول من الشروط الثلاثة الأخيرة.
وأما ما يتفرع على الثاني منها وسائر أحكامه فقد مر إليه الإشارة.
وأما ما يتفرع على الثالث، وهو اشتراط إخراجه عن نفسه، فهو أنه لو
وقفه على نفسه بطل مطلقا وإن عقبه بما يصح الوقف عليه بلا خلاف في
الظاهر، وبه صرح في المسالك (3) وغيره، بل عليه الإجماع في التنقيح (4)

(1) الدروس 2: 265، والروضة 3: 169.
(2) التنقيح 2: 304.
(3) المسالك 5: 361.
(4) التنقيح 2: 305.
292

وعن الحلي (1). وهو الحجة، مضافا إلى أن الوقف إزالة ملك، وإدخاله على
الموقوف عليه إجماعا، كما في التنقيح وغيره، والملك هنا متحقق لا يعقل
إدخاله عليه وتجديده، ولأنه تمليك منفعة وحدها أو مع الرقبة، ولا يعقل
شئ منهما بالإضافة إلى مالكهما. ويؤيده - مضافا إلى الصحيحين الآتيين -
الخبران.
في أحدهما: رجل تصدق بدار له وهو ساكن فيها، فقال الحسين (عليه السلام):
أخرج منها (2).
وفي الثاني: بعد أن سئل (عليه السلام) عن أكل الواقف عن الضيعة التي وقفها
ليس لك أن تأكل منها من الصدقة، فإن أنت أكلت منها لم ينفذ إن كان لك
ورثة فبع، وتصدق ببعض ثمنها في حياتك، وإن تصدقت أمسك لنفسك ما
يقوتك مثل ما صنع أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
بل لا يبعد أخذها حجة، كما فعله من متأخري المتأخرين جماعة.
وليس المخالف في المسألة إلا بعض العامة (4).
وأما صحته بالإضافة إلى عقبه إن ذكره ففيها قولان، الأظهر العدم،
وعليه الأكثر، ونسبه في المبسوط إلى المذهب (5)، للأصل، وعدم دليل على
الصحة، عدا عموم الأمر بالوفاء بالعقود (6) والشروط (7)، وخصوص عموم
الصحيح المتقدم: الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (8).

(1) السرائر 3: 155.
(2) الوسائل 13: 297، الباب 3 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 4.
(3) الوسائل 13: 296، الباب 3 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
(4) المجموع 15: 330.
(5) المبسوط 3: 293.
(6) المائدة: 1.
(7) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
(8) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
293

ولا يصلح شئ من ذلك للدلالة بعد فرض عروض البطلان للعقد في
الجملة، فإن المأمور به ليس إلا الوفاء بتمامه دون بعضه.
فما وقع عليه العقد لا يجب الوفاء به إجماعا، والعقد لا يكون متبعضا.
فكيف يستدل بذلك لوجوبه؟ بل هو فاسد جدا. وكذلك الجواب عن عموم
الصحيح، فإن الوفاء بالبعض غير ما وقفه الواقف.
خلافا للمبسوط (1) والخلاف (2) فالأول. وهو شاذ، ومستنده ضعيف.
وعليه، ففي انتقال المنفعة زمان الانقطاع إلى الفقراء والمساكين، أم إلى
العقب الموقوف عليه، وجهان للمبسوط (3). ولا دليل على شئ منهما، مع
سقوط أصلهما، ويسمى هذا الوقف بمنقطع الأول إن وقفه على نفسه ابتداء،
ومنقطع الوسط إن وقفه أولا على من يصح الوقف عليه، ثم على نفسه، ثم
على غيره ممن يصح الوقف عليه.
وفي حكم الوقف على نفسه الوقف على من لا يصح الوقف عليه، لعدم
قابليته للتمليك، كالمعدوم والميت والمملوك، والمختار في الجميع بطلان ما
بعد الانقطاع.
ولو وقف على نفسه وغيره جمعا بالواو، ففي صحة الوقف على الغير في
النصف، أو الجميع، أو البطلان من أصله، أوجه. وكذا فيما لو وقف على نفسه
والفقراء ففي صحة النصف، أو الثلاثة الأرباع، أو الجميع، أو البطلان من
الأصل، أوجه، أوجهها في المقامين البطلان، لعين ما مر في توجيهه في السابق.
ووجه الصحة في الجملة عدم تحقق الانقطاع بالإضافة إلى تمام الوقف،
وإنما تحقق بالإضافة إلى البعض، وهو مع وجود موقوف عليه آخر يصح

(1) المبسوط 3: 293.
(2) الخلاف 3: 544، المسألة 10.
(3) المبسوط 3: 294.
294

عليه الوقف، لا يتأتى معه الانقطاع، ولا كذلك السابق، لحصول الانقطاع فيه
بالوقف على نفسه مثلا قطعا ثم بعده على غيره، وهو فرق واضح.
إلا أن ما قدمناه من دليل البطلان عام، وليس له وجه الصحة بمعارض.
ويتفرع على هذا الشرط أيضا عدم صحة الوقف إذا شرط قضاء ديونه
أو ادرار مؤنته منه، وبه قطع الأصحاب، كما في المسالك، مؤذنا بدعوى
الإجماع عليه (1)، وربما دل عليه إطلاق الخبرين المتقدمين.
ولو شرط أكل أهله منه صح الشرط، كما فعل النبي (صلى الله عليه وآله) بوقفه وكذلك
فاطمة (عليها السلام) (2).
ولا يقدح كونهم واجبي النفقة، فتسقط نفقتهم إن اكتفوا به.
* (ولو) * وقف * (وشرط عوده) * إليه * (عند الحاجة) * إليه * (فقولان،
أشبههما البطلان) * رأسا، وفاقا للمبسوط (3) والإسكافي (4) وابن حمزة (5)
والحلي (6)، مدعيا عليه إجماع الإمامية.
قيل: لأنه شرط ينافي عقد الوقف فيبطل، لتضمنه شرطا فاسدا (7).
ويضعف بمنع المنافاة، فإنها حيث لا يقبل العقد هذا الشرط، وهو عين
المتنازع.
وفيه نظر، لمنافاته الدوام المشترط فيه بلا خلاف، كما مر، ولظاهر
الموثقين، كالصحيحين.

(1) المسالك 5: 363.
(2) الوسائل 13: 311، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1 و 2.
(3) المبسوط 3: 300، وليس فيه: الشرط عند الحاجة.
(4) كما في المختلف 6: 291.
(5) الوسيلة: 370.
(6) السرائر 3: 156.
(7) نقله عن المانعون العلامة في المختلف 6: 292.
295

أحدهما: عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من
وجوه الخير، وقال: إن احتجت إلى شئ من المال فأنا أحق به، ترى ذلك له
وقد جعله لله سبحانه يكون له في حياته، فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو
يمضي صدقة؟ قال: يرجع ميراثا على أهله (1).
وفي الثاني: من أوقف أرضا، ثم قال: إن احتجت إليها فأنا أحق بها ثم
مات الرجل، فإنها ترجع إلى الميراث (2).
مضافا إلى التأيد بما يستفاد من النصوص من أن الوقف صدقة،
فلا يجوز الرجوع فيها بمقتضى كلمة الأصحاب، وجملة من الأخبار،
ويشير إليه السؤال في الأول، حيث استبعد فيه الصحة، وقد جعله لله سبحانه.
وهو ظاهر في منافاة الجعل له تعالى الرجوع به.
والقول الثاني: للمفيد (3) والنهاية (4) والقاضي (5) والديلمي (6) والسيد (7)،
مدعيا عليه إجماع الإمامية، وذهب إليه الماتن في الشرائع (8) والفاضل في
المختلف (9) وغيره، والشهيد الثاني في المسالك (10) وغيره (11) ونسبه كغيره
إلى الأكثر، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود (12) والشروط (13)، وخصوص عموم
الصحيح السابق: الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

(1) الوسائل 13: 297، الباب 3 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 3.
(2) التهذيب 9: 150، الحديث 612.
(3) المقنعة: 652.
(4) النهاية 3: 119.
(5) المهذب 2: 93.
(6) المراسم: 197.
(7) الإنتصار: 469.
(8) الشرائع 2: 217.
(9) المختلف 6: 291.
(10) المسالك 5: 366.
(11) منهم صاحب مفاتيح الشرائع 3: 211، مفتاح 1114.
(12) المائدة: 1.
(13) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور.
296

واستدلوا عليه أيضا بالصحيحين المتقدمين، بناء على فهمهم من لفظ
" يرجع ميراثا " الصحة، إذ البطلان ليس فيه رجوع حقيقة، بل الشئ
الموقوف باق على الملكية.
وفيه نظر، فإن إطلاق الرجوع ميراثا وإرادته حقيقة غير ممكن هنا
قطعا، فإن المرجوع إليه إنما هو كونه ميراثا حقيقة، وهو شئ لم يكن في
حال حياة الواقف أصلا إلا مجازا، فإذا لم يمكن إرادة الحقيقة تعين المجاز.
فيحمل الرجوع على ما يجتمع مع البطلان، بقرينة السؤال في الأول،
حيث سئل عن صحة هذا الوقف مع ما هو عليه من كونه صدقة، فلو لم
يحمل الجواب على هذا لما طابق للسؤال، وما كان جوابا عنه فلم يبق إلا
الأدلة الأولة من الإجماع، وهو معارض بمثله من إجماع الحلي المتقدم.
والعمومات، وهي مخصصة بظاهر الصحيحين وغيرهما مما قدمناه.
إلا أن الشهرة المحكية في كلام جماعة والظاهرة من فتاوى الجماعة
عاضدت أدلة الصحة ورجحتها على الأدلة الأولة، سيما مع ما في بعضها
- كالصحيحين - من ضعف الدلالة، وعدم النصية، التي هي المناط في
تخصيص الأدلة القطعية من عمومات الكتاب والسنة، مع ظهور ثانيهما في
اشتراط الموت في أصل الرجوع، وهو ظاهر في عدمه قبله، وهو عين
مقتضى الصحة.
فالقول بالصحة لا يخلو عن قوة، مع أنه أحوط في الجملة.
وعليه، فلا ريب في الرجوع مع الحاجة.
ولو مات ولم يحتج فهل يرجع إلى ورثة الواقف فيكون حبسا، كما عن
النهاية (1) والقاضي (2)، أم لا يرجع ويكون وقفا كما عن الباقين؟ وجهان،

(1) النهاية 3: 119.
(2) المهذب 2: 93.
297

للثاني: عمومات الأمر بالوفاء بالعقود (1) والشروط (2)، وللأول: صريح
الصحيحين (3). وهو أظهر.
وهل يعود بالاحتياج، أو يقف معه على اختياره؟ وجهان، ظاهر العقد
والشرط الأول.
والمرجع في الحاجة إليه إلى العرف، لأنه المحكم فيما لم يرد الشرع
بتعيينه.
وذكر جماعة أن مستحق الزكاة محتاج. وفي إطلاقه نظر. ونحوه
تفسيرها بقصور المال عن قوت يومه أو ليله، وبسؤاله لغيره، وببعده صرح
جماعة. ولكنه ليس بذلك البعد، ومع ذلك هو أحوط.
* (الثاني: في) * ما يتعلق ب‍ * (الموقوف) *
* (ويشترط) * فيه * (أن يكون عينا) * معلومة، فلا يصح وقف المنفعة ولا
الدين ولا المبهم بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الغنية (4). وهو الحجة،
مضافا إلى الأصل، واختصاص الأدلة كتابا وسنة بما اجتمع فيه الشرائط
الثلاثة بحكم الصراحة في بعض، والتبادر في آخر، والشك في دخول ما لا
يجتمع فيه في الوقف.
بناء على أن المفهوم منه عرفا ولغة وشرعا هو تحبيس الأصل وتسبيل
الثمرة، فلا يشمل الوقف نحو الثمرة وكذا الدين والمبهم، لأن مقتضاه وجود
الموقوف في الخارج حين العقد يحكم عليه بذلك. وهما ليسا كذلك، فيكون

(1) المائدة: 1.
(2) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
(3) التهذيب 9: 150، الحديث 612، والوسائل 13: 297، الباب 3 من أبواب الوقوف
والصدقات الحديث 3.
(4) الغنية: 298.
298

وقفهما في الخارج من قبيل وقف المعدوم الغير الجائز إجماعا.
فلا يشملهما عمومات الأمر بالوفاء بالعقود في الكتاب والسنة، لأن
وقف مثلهما ليس بوقف، فكيف يؤمر بالوفاء به! ومجرد تسميته وقفا
لا يدخله في حيز الأمر بالوفاء به.
وأن يكون * (مملوكة) *.
إن أريد بالمملوكية صلاحيتها له بالنظر إلى الواقف - ليحترز به عن وقف
نحو الخمر والخنزير من المسلم - فهو شرط الصحة بلا خلاف، لما مر
من الأدلة.
وإن أريد به الملك الفعلي - ليحترز به عن وقف ما لا يملك وإن صلح
له - فهو شرط اللزوم على قول ذهب إليه الماتن في الشرائع (1) والفاضل في
الإرشاد (2) والقواعد (3) والتحرير (4) والشهيد الثاني في المسالك (5)، لأنه
عقد صدر من أهله صحيح العبارة في محله، قابل للنقل، وقد أجازه المالك،
فيصح كغيره من العقود.
وقيل: هو كالأول شرط الصحة (6)، واحتمله الفاضل في التحرير (7)،
واختاره فخر الإسلام (8)، وشيخنا في الروضة على اعتبار القربة (9).
ولعله أظهر، لا لما قيل من أن عبارة الفضولي لا أثر لها، وتأثير الإجازة
فيما عدا محل النص المختص بالبيع والنكاح غير معلوم، لأن الوقف فك
ملك في كثير من موارده، ولا أثر لعبارة الغير فيه (10)، لاندفاعه بأن

(1) الشرائع 2: 213.
(2) الإرشاد 1: 451.
(3) القواعد 1: 269 س 9.
(4) التحرير 1: 289 س 14.
(5) المسالك 5: 322.
(6) لم نقف على قائله بهذه العبارة.
(7) التحرير 1: 289 س 14.
(8) الإيضاح 2: 389.
(9) الروضة 3: 176.
(10) جامع المقاصد 9: 57.
299

اختصاص النص بالمورد غير قادح، بعد شموله للغير بالأولوية - كما تقدم
إليه الإشارة غير مرة - بل لاشتراط الصحة هنا بما يزيد على نفس العقد،
وهو القربة، وهي بملك الغير غير حاصلة.
ونية المجيز لها حين الإجازة غير نافعة، إما لاشتراط المقارنة بالصيغة
وهي في الفرض مفقودة، أو لأن تأثير نيته لها بعدها وإفادتها في الصحة
حينئذ غير معلومة.
فالأصل بقاء الملكية إلى أن يعلم الناقل، وهو بما قررناه غير معلوم.
نعم لو قلنا بعدم اشتراطها في الصحة كان الأول قويا غاية القوة. لكن
فيه ما مر إليه الإشارة.
وتوقف في الدروس (1) والتذكرة (2). ولا وجه له.
وأن يكون العين مما يمكن أن * (ينتفع بها مع بقائها انتفاعا محللا) *
بلا خلاف، للحجج السابقة، حتى الإجماع في الغنية (3).
وتزيد عليها بالإضافة إلى اشتراط كون المنفعة محللة ما تقدم من الأدلة
على اشتراط القربة في الصحة، ولا تحصل في المنفعة المحرمة، مضافا إلى
أن الوقف لأجلها إعانة على الإثم، محرمة بالكتاب والسنة والإجماع.
فلا يصح وقف ما لا ينتفع به إلا مع ذهاب عينه، كالخبز والطعام والفاكهة
وغيرها من الأمور التي هي مع الانتفاع غير باقية، بل تكون بمجرده ومعه
تالفة. ولا وقف ما انتفاعاته محرمة، كآلات اللهو وهياكل العبادة المبتدعة.
قالوا: ولا يعتبر في الانتفاع به كونه في الحال، بل يكفي المتوقع، كالعبد
والجحش الصغيرين، والزمن الذي يرجى زوال زمانه. ولعله لإطلاق الأدلة.

(1) الدروس 2: 264.
(2) التذكرة 2: 431 س 27.
(3) الغنية: 296.
300

وهل يعتبر طول زمان المنفعة؟ إطلاق العبارة وما ضاهاها من عبائر
الجماعة - ونسبه إلى الأكثر في الروضة (1) - يقتضي عدمه، فيصح وقف
ريحان يسرع فساده.
واحتمل فيها اعتباره، لقلة المنفعة، ومنافاتها التأبيد المطلوب من
الوقف (2).
وفيه نظر، للإطلاقات، وعدم ثبوت مانعية القلة، لعدم الدليل على
اشتراط الكثرة. ومنافاة التأبيد المشترط له غير واضحة إن أريد به الدوام
ما دامت العين باقية، لحصوله في الفرض بالضرورة وإن كان مدة الدوام
يسيرة، وإن أريد به الدوام إلى انقراض العالم فهو فاسد بالبديهة، وإلا لما
تحقق وقف، بالإضافة إلى ما لا يحصل فيه مثل هذا الدوام، وهو مخالف
للإجماع، بل الضرورة.
* (و) * أن يكون مما * (يصح إقباضها) * لأكثر ما مر من الأدلة، ومنه
الإجماع في الغنية (3)، مضافا إلى ما مر من اشتراط القبض في الصحة، وهو
لا يحصل في غير مورد الشرط، فلا يصح وقف الطير في الهواء، ولا السمك
في ماء لا يمكن قبضه عادة، ولا الآبق، والمغصوب، ونحوها.
ولو وقفه على من يتمكن من قبضه فالظاهر الصحة، وفاقا للروضة، لأن
الإقباض المعتبر من المالك إنما هو الإذن في قبضه وتسليطه عليه، والمعتبر
من الموقوف عليه تسلمه، وهو ممكن (4).
وحيث اجتمعت في العين الشرائط المزبورة صح وقفها * (مشاعة
كانت، أو مشتركة مقسومة) * بلا خلاف يظهر بين الطائفة، وبه صرح في

(1) الروضة 3: 175.
(2) الروضة 3: 175.
(3) الغنية: 298.
(4) الروضة 3: 175.
301

المسالك (1) وغيره، بل عليه الإجماع في الغنية (2). وهو الحجة، مضافا إلى
العمومات، والإطلاقات السليمة عما يصلح للمعارضة، لتحقق الغاية
المقصودة من الوقف فيه، وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، ولامكان
قبضه، كما يجوز بيعه، وغيره من العقود.
هذا، والمعتبرة بجواز صدقة العين المشاعة مستفيضة.
منها: الصحاح، في أحدها: عن دار لم تقسم فتصدق بعض أهل الدار
بنصيبه من الدار، فقال: يجوز، قلت: أرأيت إن كان هبة؟ قال: يجوز (3).
وفي الثاني: عن صدقة ما لم يقسم ولم يقبض، فقال: جائزة، إنما أراد
الناس النحل فأخطأوا (4).
وفي الثالث: أن أمي تصدقت علي بنصيب لها في دار فقلت لها: إن
القضاة لا يجيزون هذا ولكن اكتبيه شراء فقالت: اصنع في ذلك ما بدا لك
وكل ما ترى أنه يسوغ لك فوثقت، فأراد بعض الورثة أن يستحلفني إني قد
نقدتها الثمن ولم أنقدها شيئا فما ترى؟ قال: إحلف له (5). فتأمل.
ومنها الموثقات، في أحدها: عن صدقة ما لم يقبض ولم يقسم فلا
يجوز، قال: يجوز (6).
ومنها: عن دار لم تقسم فيتصدق بعض أهل الدار بنصيبه، قال: يجوز،
الحديث (7). ونحوهما الثالث (8).
والخبران: في الرجل يتصدق بالصدقة المشتركة، قال: جائز (9).

(1) المسالك 5: 322.
(2) الغنية: 296.
(3) الوسائل 13: 309، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1 و 2.
(4) الوسائل 13: 309، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1 و 2.
(5) الوسائل 13: 310، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 5 و 6.
(6) الوسائل 13: 310، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 5 و 6.
(7) الوسائل 13: 309، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1 و 3.
(8) الوسائل 13: 309، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1 و 3.
(9) الوسائل 13: 309 و 310، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 4 وذيله.
302

وقد مر شيوع إطلاق الصدقة على الوقف، بحيث يظهر كونه على
الحقيقة. ولعله لذا ذكرها الشيخ في التهذيب (1) وغيره في غيره (2) في كتاب
الوقف، فتعمه هذه الروايات بترك الاستفصال.
واحتج على المخالف في الغنية بقوله (عليه السلام) لعمر في سهام خيبر: حبس
الأصل وسبل الثمرة، قال: والسهام كانت مشاعة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) ما قسم
خيبر، وإنما عدل السهام (3)، وحكى الخلاف هنا عن بعض العامة، بناء على
دعواه عدم إمكان قبضه.
والأصل ممنوع، فإن المشاع يصح قبضه كالمقسوم، لأنه إن كان هو
التخلية فإمكانه واضح، وإن كان النقل فيمكن وقوعه بإذن الواقف
والشريك معا.
* (الثالث: في) * ما يتعلق ب‍ * (الواقف) *
* (ويشترط فيه البلوغ، وكمال العقل، وجواز التصرف) * برفع الحجر عنه
في التصرفات المالية بلا خلاف، فلا يصح من المحجور عليه لصغر أو جنون
أو سفه أو فلس أو نحو ذلك، وعليه الإجماع في الغنية (4). وهو الحجة،
مضافا إلى الأدلة الدالة على الحجر من الكتاب (5) والسنة (6).
* (و) * لكن * (في) * صحة * (وقف من بلغ عشرا تردد) * واختلاف،
فبين من صححه كالطوسي (7) والإسكافي (8) والتقي (9)، ومن أفسده

(1) التهذيب 9: 133.
(2) جملة " في غيره " لا توجد في " مش، ش، ه‍ ".
(3) الغنية: 296.
(4) الغنية: 296.
(5) النساء: 5.
(6) الوسائل 13: 141، الباب 1 من أبواب الحجر.
(7) النهاية 3: 152.
(8) كما في المختلف 6: 391.
(9) الكافي في الفقه: 364.
303

كالديلمي (1) والحلي (2) والفاضلين (3) والشهيدين (4)، ولعله عليه كافة
المتأخرين.
وربما يستفاد من الغنية الإجماع عليه، حيث ادعاه على اشتراط مالكية
الواقف للتبرع (5). وهو ليس بمالك له بالإجماع، لثبوت الحجر عليه به
وبالكتاب والسنة. وهذه الأدلة هي الوجه في أحد شقي التردد.
ووجه الثاني: هو أن * (المروي) * في المستفيضة * (جواز صدقته) *.
منها: الموثقان، في أحدهما: يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته
ووصيته وإن لم يحتلم (6).
وفي الثاني: عن صدقة الغلام ما لم يحتلم، قال: نعم إذا وضعها في
موضع الصدقة (7).
والخبر: إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو
تصدق على وجه معروف وحق فهو جائز (8).
وإطلاق الصدقة أو عمومها يشمل الوقف أيضا، لما مضى، مضافا إلى
عدم القائل بالفرق ظاهرا.
* (والأولى المنع) * عن الصحة، لقوة الأدلة المانعة في نفسها، مع
اعتضادها في خصوص المسألة بالشهرة العظيمة، واستصحاب الحالة
السابقة، وضعف النصوص المزبورة عن المقاومة لها من وجوه عديدة.
منها مضافا إلى الشذوذ والندرة قصور أسانيدها عن الصحة، مع كون

(1) المراسم: 203.
(2) السرائر 3: 206.
(3) الشرائع 2: 213، والمختلف 6: 393.
(4) لم نقف على التصريح به في كتب الشهيد الأول - كما نبه عليه صاحب مفتاح الكرامة 9: 44،
المسالك 5: 323.
(5) الغنية: 296.
(6) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 2 و 3 و 1.
(7) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 2 و 3 و 1.
(8) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 2 و 3 و 1.
304

الثالثة بحسب السند ضعيفة، والأولين ليس فيهما التقييد بالعشر سنين بالمرة.
وتقييدهما بالرواية الثالثة فرع المكافأة، وهي لضعفها مفقودة، مع تضمن
أولهما صحة الطلاق، وهي ممنوعة، كما سيأتي في بحث الطلاق إليه
الإشارة.
وشئ من هذه الأمور المزبورة وإن لم يقدح في الحجية بعد كون
الأسانيد معتبرة، إلا أن أمثالها بل وأدون منها في مقام التراجيح معتبرة.
ولا يكافؤها اعتضاد النصوص المزبورة بالنصوص الأخر على جواز
وصيته، كالموثق: عن وصية الغلام هل يجوز؟ قال: إذا كان ابن عشر سنين
جازت وصيته (1)، والخبر: إذا بلغ الغلام عشر سنين وأوصى بثلث ماله في
حق جازت وصيته، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله بشئ في حق
جازت وصيته له (2).
لقصور الأسانيد فيهما عن الصحة كالسابقة، مضافا إلى ضعف الثانية
وتضمنها جواز وصية البالغ سبعا، ولم يقل به أحد من الطائفة وإن هي حينئذ
إلا كما دل من النصوص على جواز أمره في ماله مطلقا، ووجوب الفرائض،
وإقامة الحدود عليه كذلك إذا بلغت ثمان سنين، واتحاد الجارية معه في
الحكمين إذا بلغت سبع سنين.
قال في المسالك - ولنعم ما قال -: ومثل هذه الأخبار الشاذة المخالفة
لأصول المذهب بل إجماع المسلمين لا تصلح لتأسيس هذا الحكم (3).
وبنحوه صرح الحلي (4).
* (ويجوز أن يجعل الواقف النظر) * في الموقوف * (لنفسه) * ويشترطه في

(1) الوسائل 13: 430، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 7.
(2) الوسائل 13: 428، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.
(3) المسالك 5: 323.
(4) السرائر 3: 206.
305

متن العقد * (على الأشبه) * الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، ونفى عنه
الخلاف في التنقيح (1) والمسالك (2)، وادعى عليه الإجماع في المختلف (3).
وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، والعمومات كتابا وسنة.
خلافا للحلي، فمنع عن صحة هذه الشرط، وأفسد به الوقف (4). وهو
شاذ، ومستنده غير واضح.
ويجوز أن يجعله لغيره قولا واحدا، لعين ما مر من الأدلة، مضافا إلى
التوقيع المتقدم إليه الإشارة.
وفيه: وأما ما سألت من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة يسلمها
من قيم يقوم بها ويعمرها ويؤدي من دخلها خراجها ومؤنتها ويجعل ما بقي
من الدخل لناحيتنا، فإن ذلك لمن جعله صاحب الضيعة إنما لا يجوز ذلك
لغيره (5). ونحوه أخبار أخر:
منها الصحيح: المتضمن لصدقة مولاتنا فاطمة (عليها السلام) بحوائطها السبعة،
وأنها جعلت النظر فيها لعلي (عليه السلام)، ثم للحسن (عليه السلام)، ثم للحسين (عليه السلام)، ثم
للأكبر من ولدها (6).
ومنها الخبر: المتضمن لصدقة علي (عليه السلام)، وفيه: يقوم على ذلك
الحسن (عليه السلام)، ثم بعده الحسين (عليه السلام)، ثم بعده إلى من يختاره الحسين (عليه السلام)
ويثق به (7)، الحديث ملخصا.
ومنها الخبر: المتضمن لصدقة الكاظم (عليه السلام) بأرضه، وقد جعل الولاية

(1) التنقيح 2: 308.
(2) المسالك 5: 324.
(3) المختلف 6: 300.
(4) السرائر 3: 156.
(5) اكمال الدين: 521، الحديث 49.
(6) الوسائل 13: 311، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
(7) الوسائل 13: 312، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 4.
306

فيها للرضا (عليه السلام) وابنه إبراهيم، ثم من بعدهم على الترتيب المذكور فيه (1).
* (وإن أطلق) * العقد ولم يشترط النظارة لنفسه ولا لغيره * (فالنظر
لأرباب الوقف) * الموقوف عليهم.
إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين كون الموقوف عليهم عاما
أو خاصا.
وذكر شيخنا الشهيد الثاني (2)، وتبعه جماعة (3): أنه يبني الحكم هنا
على انتقال الملك، فإن جعلناه للواقف أو الموقوف عليه مطلقا فالنظر له،
وإن جعلناه للموقوف عليه إن كان معينا، ولله سبحانه إن كان عاما، فالنظر
في الأول إلى الموقوف عليه، وللحاكم الشرعي في الثاني، لأنه الناظر العام
حيث لا يوجد الخاص.
وهو حسن، ويصير الواقف - حيث لا يكون النظر إليه بعد العقد -
كالأجنبي.
وحيث اشترط النظر لنفسه فقد اختلف الأصحاب في اعتبار عدالته
على قولين، بعد اتفاقهم على اعتبارها في الغير إذا اشترط النظر له، والأصل
يقتضي العدم فيه وفي الغير أيضا، إلا أن اتفاقهم عليه في الثاني - كما في
كلام جماعة قد حكي - أوجب تخصيصه، مع اعتضاده ببعض النصوص
المتضمنة لصدقة الأمير صلوات الله عليه.
حيث قال في آخره بعد ذكر الحسن والحسين (عليهما السلام): فإن حدث بهما
حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي، فإن وجد منهم من يرضى بهداه

(1) الوسائل 13: 314، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 5.
(2) المسالك 5: 324.
(3) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 9: 34 و 64، وصاحب مفاتيح الشرائع 3: 213،
مفتاح 1116.
307

وإسلامه وأمانته فإنه يجعله إليه إن شاء، وإن لم ير فيهم بعض الذي يريد فإنه
يجعله إلى رجل من آل أبي طالب (عليهم السلام) يرضى به، فإن وجد آل أبي طالب قد
ذهب كبراؤهم وذوو آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضى به من بني هاشم (1).
بل قد استدل به بعض الأجلة (2).
ولكن المناقشة فيه واضحة، بل العمدة هو الاتفاق المحكي، إلا أن بعضا
حكى الخلاف فيه أيضا فقال: خلافا لبعضهم (3). وفي التحرير لو جعل النظر
للأرشد عمل بذلك، ولو كان الأرشد فاسفا فالأقرب عدم ضم عدل إليه (4).
قالوا: ويشترط فيه مضافا إلى العدالة الاهتداء إلى التصرف، وأنه لو
عرض له الفسق انعزل، فإن عاد عادت إن كان مشروطا من الواقف.
ولا يجب على المشروط له القبول، ولو قبل لم يجب عليه الاستمرار،
للأصل، وأنه في معنى التوكيل.
وحيث يبطل النظر يصير كما لو لم يشترط.
ووظيفة الناظر مع الإطلاق العمارة، والإجارة، وتحصيل الغلة، وقسمتها
على مستحقها.
ولو فوض إليه بعضها لم يتعده.
ولو جعله لاثنين وأطلق لم يستقل أحدهما بالتصرف.
وليس للواقف عزل المشروط له النظارة في العقد، وله عزل المنصوب
من قبله لو شرط النظر لنفسه فولاه، لأنه وكيله.
ولو آجر الناظر مدة فزادت الأجرة فيها أو ظهر طالب بالزيادة

(1) الوسائل 13: 312، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 4، وفيه اختلاف.
(2) الحدائق 22: 184.
(3) هو الفاضل السبزواري في كفاية الأحكام: 141 س 7.
(4) التحرير 1: 289 س 29.
308

لم ينفسخ العقد، لأنه جرى بالغبطة في وقته، إلا أن يكون في زمن خياره
فيتعين عليه الفسخ حينئذ.
ثم إن شرط له شئ عوضا من عمله لزم، وليس له غيره، وإلا فله أجرة
المثل عن عمله، مع قصده الأجرة به، وقضاء العادة بعدم تبرعه به.
قالوا: ولا يجوز لغير الناظر التصرف فيه إلا بإذنه، ولو كان مستحقا
والناظر غير مستحق عملا بالشرط. وهو كذلك، إلا أنه يشكل ذلك في
الأوقاف العامة على المسلمين، للزوم تفويت كثير من أغراض الواقف.
إلا أن يقال: إذن حكام الشرع في مثل ذلك معلوم بالقرائن.
* (الرابع: في) * ما يتعلق ب‍ * (الموقوف عليه) *
* (ويشترط وجوده) * أو إمكانه مع تبعيته لموجود حين العقد
* (وتعيينه) * بالشخص، أو الوصف المميز كالمسلم أو المؤمن أو العالم
ونحو ذلك.
* (وأن يكون ممن يملك) * بلا خلاف فيه * (و) * في اشتراط * (أن لا يكون
الوقف عليه محرما) *.
* (فلو وقف على من سيوجد) * من المعدوم المحض، أو غير ممكن
الوجود في العادة كالميت وإن جعل تابعا أو غير المعين كأحد هذين
الرجلين أو المشهدين أو رجل من بني آدم أو نحو ذلك، أو من لم يكن قابلا
للتملك كالحمل والعبد، بناء على الأصح الأشهر من عدم تملكه مطلقا أو
ما عدا فاضل الضريبة * (لم يصح) *.
والوجه في الجميع، بعد الوفاق الظاهر المصرح به في الغنية (1) استلزام

(1) الغنية: 297.
309

الوقف انتقال المنفعة خاصة أو مع العين، وليس أحد ممن تقدم بقابل
للانتقال إليه.
نعم العبد على القول بتملكه يصح الوقف عليه إذا قبل مولاه وإن كان
محجورا عليه.
وحيث لا يصح الوقف عليه لا يكون وقفا على سيده عندنا، كما هو في
ظاهر المسالك (1) وصريح الروضة، لعدم القصد إليه في العقد، فلا وجه
لصرفه إليه، واستثنى منه العبد المعد لخدمة الكعبة والمشهد والمسجد
ونحوها من المصالح العامة، ونحوه الدابة المعدة لنحو ذلك أيضا، لأنه
كالوقف على تلك المصلحة (2).
ومنه يظهر الوجه فيما استثنوه أيضا بلا خلاف يعرف من صحة الوقف
على المساجد والقناطير، فإنه في الحقيقة وقف على المسلمين بحسب القصد
وإن جعل متعلقه بحسب اللفظ غيرهم مما لا يكون قابلا للمالكية، إذ هو
مصروف إلى مصالحهم. وإنما أفاد تخصيصه بذلك تخصيصه ببعض المصالح،
وهو لا ينافي الصحة، كما لا ينافيها في الوقف على المساجد الخبران:
أحدهما: المرسل عن الوقوف على المساجد، فقال: لا يجوز، فإن
المجوس وقفوا على بيوت النار، رواه في الفقيه (3).
والثاني: القريب منه في قصور السند ودونه في الدلالة على المنع رواه
في التهذيب (4)، لضعف اسنادهما وشذوذهما، واحتمال حمل المساجد
فيهما على نحو البيع والكنائس مما يستلزم الوقف عليه الإعانة على الإثم،
المحرمة بالكتاب والسنة.

(1) المسالك 5: 331.
(2) الروضة 3: 179.
(3) الفقيه 1: 238، الحديث 719.
(4) التهذيب 9: 150، الحديث 611.
310

ولا وجه لحملهما على الكراهة، بعد اتفاق الأصحاب في الظاهر على
الاستحباب، مع احتمال لا يجوز فيهما الاستفهام الإنكاري، فيكون مفاده
حينئذ الجواز، ويكون المقصود من ذكر التعليل بيان جوازه على المساجد
بطريق أولى، ووجه الأولوية لا يخفى.
ولا يصح على الزناة والعصاة من حيث هم كذلك، لأنه إعانة على الإثم
والعدوان، فيكون معصية محرمة، أما لو وقف على شخص متصف بذلك لا
من حيث كون الوصف مناط الوقف صح، سواء أطلق، أو قصد جهة محللة.
* (ولو وقف على موجود) * ممن يصح الوقف عليه * (وبعده على من
يوجد) * مثله * (صح) * بلا خلاف، للأصل، والعمومات، وحصول الشرط من
الوجود في الابتداء، والتبعية للموجود في الانتهاء.
* (والوقف على البر) * مع الإطلاق وعدم تعيين وجه منها في متن العقد
* (يصرف إلى الفقراء ووجوه القرب) * كنفع طلبة العلم وعمارة المساجد
والمدارس والقناطر والمشاهد وإعانة الحاج والزائرين وأكفان الموتى
ونحو ذلك.
وفي جواز صرفه في مطلق نفع المسلمين وإن كانوا أغنياء وجه قوي
اختاره جماعة، مع عدم مخالف لهم في ذلك أجده، لعدم وجوب تحري
الأكمل، للأصل، وصدق الموقوف عليه.
* (ولا يصح وقف المسلم على البيع والكنائس) * أي معابد اليهود
والنصارى بلا خلاف، وبه صرح في التنقيح (1). ولا ريب فيه وإن قلنا بجواز
الوقف عليهم.
ولا يرد أن ما تقدم في توجيه صحة الوقف على المساجد من أنه وقف

(1) التنقيح 2: 312.
311

على المسلمين في الحقيقة يستلزم صحته عليهما كما يصح عليهم، لأن
على المسلمين في الحقيقة يستلزم صحته عليهما كما يصح عليهم، لأن
الوقف على كنائسهم وشبهها وقف على مصالحهم، للفرق، فإن الوقف على
المساجد مصلحة للمسلمين، وهي مع ذلك طاعة وقربة، فهي من جهات
المصالح المأذون فيها.
بخلاف الكنائس، فإن الوقف عليها وقف على جهة خاصة من مصالح
أهل الذمة، لكنها معصية، لأنها إعانة لهم على الاجتماع عليها للعبادات
المحرمة والكفر، بخلاف الموقوف عليهم أنفسهم، لعدم استلزامه المعصية
بذاته، إذ نفعهم من حيث الحاجة، وأنهم عباد الله سبحانه، ومن جملة بني
آدم المكرمين، ومن يجوز أن يتولد منهم المسلمون لا معصية فيه.
وما يترتب عليه من إعانتهم به على المحرم كشرب الخمر وأكل لحم
الخنزير والذهاب إلى تلك الجهات المحرمة ليس مقصودا للواقف، حتى لو
فرض قصده له لحكم ببطلانه، ومثله الوقف عليهم، لكونهم كفارا، فلا يصح،
كما لا يصح الوقف على فسقة المسلمين من حيث هم فسقة.
* (ولو وقف على ذلك) * أي البيع والكنائس * (الكافر) * الذي يعتقد صحة
الوقف عليهما، ويحصل منه بمعتقده التقرب به إلى الله تعالى * (صح) * على
الأصح، وفاقا للمفيد (1) والقاضي (2) والفاضل (3) والمقداد في الشرح (4)
إقرارا لهم على دينهم، مع أنه لا بد لهم من متعبد، وأنه لم أقف فيه على
مخالف عدا الماتن هنا.
فقال: * (وفيه وجه آخر) * هو العدم، كما صرح به بعد أن سئل عنه، قال:
لتعذر نية القربة من الكافر، وهي شرط في صحة الوقف (5).

(1) المقنعة: 654.
(2) المهذب 2: 92.
(3) المختلف 6: 322.
(4) التنقيح 2: 312.
(5) السائل هو صاحب كشف الرموز 2: 48.
312

وفيه نظر، لمنع التعذر منه على الإطلاق، لاختصاصه بالمعطلة
والدهرية.
وربما يحكى عن الأولين جواز وقف الكافر على نحو بيوت النيران (1).
خلافا للإسكافي (2) ووافقه الفاضل (3) والمقداد (4)، فصرحوا بالمنع.
* (ولا يقف المسلم على الحربي) * مطلقا * (ولو كان) * له * (رحما) * قريبا،
وفاقا للديلمي (5) والقاضي (6)، بل نسبه في المسالك إلى المشهور (7)، مؤذنا
بعدم الخلاف فيه، ونحوه في عدم ظهور الخلاف فيه في التنقيح (8).
وفيه نظر، فإن كلمة قدماء الأصحاب المختلفة المحكية في المسألة
الآتية مطلقة في الكافر، إلا كلام المبسوط، فاختص بأهل الذمة (9)، وبهما
اعترف في المسالك (10).
ولعل الوجه في تخصيص جملة من المتأخرين عبائرهم بأهل الذمة أن
الوقف إذا وجب الوفاء به حرم تغييره ونقله عن وجهه، ومال الحربي فئ
للمسلمين يصح أخذه وبيعه، ولا يجب دفعه إليه، لأنه غير مالك، كما
صرحوا به في الوصية، وهو ينافي صحته، ولا كذلك الذمي.
قيل: وفيه نظر، فإن تحريم تغييره من حيث الوقف لا ينافيه من حيثية
أخرى هي جواز التصرف في مال الحربي بأنواع التصرفات المستلزم
لتغييره (11).
وفيه نظر، لابتناء الوجه على عدم مالكية الحربي فكيف يصح مع ذلك

(1) استفادة ذلك من عبارة المقنعة مشكل، راجع المقنعة: 654، المهذب 2: 92.
(2) المختلف 6: 321.
(3) المختلف 6: 322.
(4) التنقيح 2: 312.
(5) المراسم: 198.
(6) المهذب 2: 88.
(7) المسالك 5: 332.
(8) التنقيح 2: 313.
(9) المبسوط 3: 294.
(10) المسالك 5: 333 و 334.
(11) نقله في المسالك 5: 332.
313

الوقف عليهم! لأنه إما تمليك عين أو منفعة، وليس بمالك لهما بمقتضى
الفرض.
وما ذكر في الجواب مبني على تملكه، وهو كما عرفت في محل المنع.
نعم ربما يتوجه النظر بمنع دعوى عدم مالكية أهل الحرب.
والإجماع على كون مالهم فيئا للمسلمين لا يدل على صحة الدعوى،
فقد يكون ملكهم متزلزلا مراعى إلى استيلاء يد المسلم، فإن تحقق خرج
عن ملكهم، وإلا فلا.
وحينئذ، فلا مانع من تملكهم العين الموقوفة أو منفعتها بعقد الوقف،
وخروجهما عن ملكهم باستيلاء يد الواقف أو غيره عليها من حيث كونها
ملك أهل الحرب.
وأخذ الواقف لها بالاستيلاء من هذه الحيثية لا ينافي الصحة من حيث
الوقفية، لظهور ثمرة الصحة فيما لو نذر وقفا صحيحا في الشريعة ووقف
عليهم، فيبرأ في نذره وإن جاز له أخذ العين الموقوفة من حيث الحربية.
وهذا الوجه وإن صلح ردا لوجه التخصيص، إلا أنه لا يستفاد منه دليل
على صحة الوقف، بل يتوقف على دليل على أي تقدير، وهو مفقود، لعدم
عموم، أو إطلاق ينفع، والأصل الفساد.
وعلى تقدير تسليم العموم - كما هو الظاهر منهم، حيث عللوه بوجود
المانع، وهو عدم المالكية، لا عدم المقتضي، كما قلنا - يشكل الحكم
بالفساد.
إلا أن يقال: باتفاقهم على اشتراط مالكية الموقوف عليه، وهي هنا إما
منتفية، أو مشكوك فيها غير معلومة، والشك في الشرط يوجب الشك في
المشروط، فيبقى أصالة الفساد بحالها باقية.
314

فالقول به مطلقا - كما في العبارة - في غاية القوة، سيما مع دعوى
الصيمري نفي الخلاف عنه في الأجانب منهم (1) كالشيخ في الخلاف في
الوصية (2) والمسألتان متشابهتان بلا شبهة.
وفيه مناقشة يظهر وجهها مما سنذكره في كتاب الوصية في بحث تشابه
المسألة.
ومقتضاه ومقتضى غيره مما نذكره ثمة فساد الوقف في المسألة.
ولا يخلو عن قوة.
لكن المحكي، عن مجمع البيان الإجماع على جواز أن يبر الرجل إلى
من يشاء من أهل الحرب قرابة كان، أو غير قرابة، قال: وإنما الخلاف في
إعطائهم مال الزكاة والفطرة والكفارات فلم يجوزه أصحابنا، وفيه خلاف
بين الفقهاء (3)، ولا ريب أن الوقف عليهم من جملة البر.
ويمكن الذب عنه بتخصيصه بغير الوقف، ونحوه مما يشترط فيه قابلية
الموقوف عليه للتملك، وهي هنا غير حاصلة قطعا، أو احتمالا موجبا للشك
في الشرط جدا. ومعه لا يمكن القطع بوجود المشروط أصلا. فتأمل جدا.
وبالجملة: فعدم الصحة فيهم أقوى.
* (ويقف) * المسلم * (على الذمي ولو كان أجنبيا) * للعمومات، مثل:
الوقوف على حسب ما يقفها أهلها (4)، ولكل كبد حراء أجر (5)، وقوله تعالى:
" لا ينهكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم

(1) غاية المرام: 99 س 9 " مخطوط ".
(2) الخلاف 4: 153، المسألة 26.
(3) مجمع البيان 9: 272.
(4) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1 و 2.
(5) مسند ابن حنبل 2: 222، والوسائل 6: 331، الباب 49 من أبواب الصدقة الحديث 5، وفيه:
اختلاف يسير.
315

أن تبروهم وتقسطوا إليهم " (1) بالمودة.
وفي الجميع نظر، لاختصاص الأول بالوقوف الصحيحة، المتضمنة
لشرائط الصحة، التي منها قصد القربة.
وفي إمكانها على الإطلاق مناقشة، إذ هي فرع الأمر بالوقف أو مطلق
الصدقة والمبرة عليهم، ولا أثر منه في الشريعة لا في كتاب ولا سنة، فكيف
يقصد التقرب إلى جنابه سبحانه بشئ لم يرد منه فيه أمر أو حث وترغيب
بنحو مما ورد في المستحبات الشرعية!
وبه يظهر الجواب عن الدليلين الأخيرين، فإن غايتهما الدلالة على
ثبوت الأجر، وعدم النهي من المودة. وهما لا يستلزمان الأمر بالوقف
أو المودة حتى يتحقق فيه قصد القربة المشترطة في الصحة، مع معارضتهما
بعموم دليل المنع، وهو قوله سبحانه: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر
يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم " (2).
هذا، مع أني لم أجد لهذا القول - عدا الماتن هنا وفي الشرائع (3) - قائلا
وإن عده كثير من أصحابنا قولا، وذلك فإن كلمة الأصحاب المحكية في
المسألة ليست في الجواز مطلقة، بل هي ما بين مخصص له بالأقارب كما
عن الشيخين (4) وابني حمزة (5) وزهرة (6) والحلبي (7)، أو بالوالدين خاصة
كما عن الحلي (8).
فهذا القول ضعيف غايته، كالقول بالمنع مطلقا، كما عمن تقدم
في المسألة السابقة (9)، لعدم دليل عليه، سوى إطلاق الآية المانعة، وعدم

(1) الممتحنة: 8.
(2) المجادلة: 22.
(3) الشرائع 2: 215.
(4) المقنعة: 653، والنهاية 3: 121.
(5) الوسيلة: 370.
(6) الغنية: 297.
(7) الكافي في الفقه: 326.
(8) السرائر 3: 167.
(9) كما في المهذب 2: 88، والمراسم: 198، والإيضاح 2: 388.
316

إمكان القربة. وليسا بحجة.
فالأول: بلزوم تقييده بما سيأتي من الأدلة، مع معارضته بعموم الآية
الأولى المجوزة المعتضدة بما سبقها من الرواية، مع أنه قال جماعة فيه: بأن
الظاهر أن النهي عن الموادة إنما هو من حيث كونه محادا لله ورسوله، وإلا
لحرم اللطف والإكرام (1)، وهو فاسد، لإجماع الطبرسي المتقدم إليه الإشارة.
والثاني: بمنعه على إطلاقه، بل هو متجه فيما عدا الأقارب، حيث لم يرد
الأمر بالمودة إليهم والترغيب في صلتهم، وأما هم فيتأتى قصد القربة بالوقف
عليهم، لورود الأمرين في حقهم، سيما الوالدين، فقد قال الله تعالى:
" وصاحبهما في الدنيا معروفا " (2).
مع أنه يستفاد من القائل بهذا وكذا الحلي ورود الرواية بالجواز على ذي
القرابة مطلقا (3)، كما عليه الشيخان (4) ومن تبعهما. وهو أقوى، لما مضى، بل
ظاهر الغنية عدم الخلاف فيه أصلا (5)، وادعى الإجماع عليه في الخلاف
صريحا (6).
وقصور سند الرواية مجبور بعمل هؤلاء العظماء من قدماء الطائفة، وكذا
الدلالة، مع بعد خطأ هؤلاء النقلة فيها البتة، وكثير من النصوص الظاهرة في
صحة الوقف على الأقارب، شاملة للمسألة بإطلاقها، أو عمومها الناشئ من
ترك الاستفصال عنهم بأنهم مسلمون أو كفرة.
وهي وإن كان في صلوحها للحجية مناقشة، إلا أنها للتأييد والتقوية
صالحة، بل يأتي على قاعدة بعض المشائخ صلوحها للحجية والدلالة.
ومنه يظهر فساد القول الأخير، مع موافقة قائله في بعض كلماته

(1) منهم الشهيد في المسالك 5: 332.
(2) لقمان: 15.
(3) السرائر 3: 160.
(4) المقنعة: 653، والنهاية 3: 121.
(5) الغنية: 297.
(6) الخلاف 3: 545، المسألة 13.
317

الشيخين في التعدية إلى ما عدا الوالدين وإن منع عنهما مرتين (1)، ولذا نسبه
الأصحاب إلى اضطرابه في البين، وتردده في اختياره أحد هذين القولين (2).
هذا، ومما ذكرناه من الأدلة منعا وجوازا يظهر وجه التعدية للحكم
إلى سائر معاندي الحق وإن اختص كلام الجماعة بالكفرة، المتبادر منهم من
ليس لهم من الإسلام حظ بالمرة. وبهذا التعميم صرح في الغنية (3) والتقي (4)
والمقداد في الشرح (5) نافيا الأول بعده الخلاف، وهو لازم لكل من اشترط
القربة.
* (ولو وقف المسلم على الفقراء) * أو العلماء أو نحوهما مما يدل على
وصف مع العموم لغة * (انصرف إلى) * ذي الوصف من * (فقراء المسلمين) *
وعلمائهم.
* (ولو كان) * الواقف المتلفظ بتلك اللفظة * (كافرا انصرف إلى) * ذي
الوصف من * (فقراء نحلته) * وملته بلا خلاف أجده، عملا بالعرف وشهادة
الحال والعادة، فيخصص بها ما يقتضيه اللفظة من العموم لكل فرد فرد لغة،
بناء منهم على تقديم العرف عليها مطلقا، ويأتي على مذهب من عكس
التعميم مطلقا ولو إلى غير ذي الوصف من نحلته.
وهو مع مخالفته الإجماع هنا ظاهرا محجوج بما تقرر في محله، مضافا
إلى اختصاص الخلاف في تقديم أحدهما على الآخر بكلام الشارع، لا نفس
العرف المتقدم اصطلاحه على اللغة والشرع إجماعا، مع أن إرادة ذي الوصف
من نحلته ليس من حيث كونه حقيقة فيه دون غيره في عرف الواقف، بل من
حيث شهادة الحال بإرادته خاصة، وإن ذلك إلا من قبيل إرادة بعض أفراد

(1) السرائر 3: 159 و 167.
(2) التنقيح 2: 314.
(3) الغنية: 297.
(4) الكافي في الفقه: 326.
(5) التنقيح 2: 314.
318

الحقيقة بمعونة القرينة وإن عمت اللفظة في عرف المتكلم، بل وغيره غير
ذلك الفرد. فتدبر.
وهذا يتم مع تحقق دلالة العرف وشهادة الحال به، فلو انتفت أو شك فيها
وجب التعميم لجميع من يتصف بوصف الموقوف عليهم، رجوعا إلى حقيقة
اللفظ، التي هي الأصل، مع سلامتها عن المعارض أصلا، إلا أن ثبوتها لما
كان ظاهرا أطلق العبارة كغيرها الانصراف إلى ذي الوصف من نحلته.
ومقتضى هذه القاعدة انصراف الوقف إلى ذي الوصف من أهل مذهب
الواقف لا مطلقا، فلو وقف إمامي على الفقراء انصرف إلى فقراء الإمامية دون
سائر طوائف الإسلام الباطلة، وكذا في صورة العكس. ولعله مراد الأصحاب
وإن كان عبائرهم مطلقة، لكن سيأتي من الخلاف ما ربما ينافيه.
وحيث انصرف إلى المسلمين أو صرح بالوقف عليهم احتيج إلى
معرفتهم وبيان المراد منهم، ولذا قال: * (والمسلمون من صلى إلى القبلة) *.
وفسر في المشهور بمن اعتقد الصلاة إليها وإن لم يصل، لا مستحلا.
خلافا للمفيد، فاعتبر فعلية الصلاة إليها (1)، بناء منه على أن العمل جزء
من الإسلام.
ولا فرق عندهم بين كون الواقف محقا أو غيره، تبعا لعموم اللفظ.
خلافا للحلي، فخصهم بالمؤمنين إذا كان الواقف منهم، عملا بشهادة
الحال، كما لو وقف على الفقراء (2).
ويضعف: بأن تخصيص عام لا يقتضي تخصيص آخر، ومنع شهادة
الحال، وقيام الفرق بين الفقراء والمسلمين، فإن إرادة الوقف على جميع
الفقراء على اختلاف آرائهم وتباين مقالاتهم ومعتقداتهم بعيد بخلاف إرادة

(1) المقنعة: 654.
(2) السرائر 3: 160.
319

فرق المسلمين من إطلاقهم فإنه أمر راجح شرعا مطلوب عرفا.
وفي الجميع نظر، لمنع أن تخصيص عام لا يقتضي تخصيص آخر بعد
اشتراكهما في الوجه المخصص، وهو شهادة الحال. ومنعها لا وجه له، سيما
على إطلاقه.
ودعوى قيام الفرق بما ذكر غير واضحة، لجريان ما ذكره في الفقراء من
بعد انصراف الوقف من المسلم إلى جميعهم، لاختلاف آرائهم في المسلمين
أيضا، لوجود الاختلاف في الآراء، والتباين في المعتقدات فيهم أيضا.
ودعوى رجحان الوقف على مخالفي الحق من سائر فرق المسلمين
شرعا ومطلوبيته عرفا غير نافعة جدا، بعد قيام المخصص، كما قدمنا، مع أن
جماعة - كالتقي (1) وابن زهرة (2) والفاضل المقداد في التنقيح (3) - أفسدوا
الوقف من المحق على غيره، وقد مر أن ذلك لازم لكل من يشترط القربة
في الصحة.
فما ذكره الحلي لا يخلو عن قوة.
هذا على تقدير صحة الوقف منه عليه، وإلا - كما اخترناه سابقا من عدم
الصحة تبعا لهؤلاء الجماعة - فينبغي القطع بمقالته، إذ الإطلاق والعموم ليسا
بأبلغ من التصريح، ومعه يفسد فكذا معهما.
كما أن بيان انصراف الفقراء إلى المسلمين خاصة حيث يكون الواقف
مسلما إنما هو على تقدير صحة الوقف من المسلم على الكافر مطلقا أو في
الجملة، وعلى تقدير فساده بالكلية لم يحتج إلى هذا البيان، لفساد الوقف فيه
بالإضافة إليه من أصله.

(1) الكافي في الفقه: 326.
(2) الغنية: 297.
(3) التنقيح 2: 316.
320

وعلى مذهب الأكثر استثنى جماعة منهم الغلاة والخوارج وغيرهما من
فرق الإسلام، المحكوم بكفرهم شرعا.
ولا ريب فيه على ما اخترناه، ويأتي على غيره احتمال عدم الاستثناء،
لصدق الاسم عرفا، إلا أن يكون هناك شاهد حال على الاستثناء، فيستثنى.
* (والمؤمنون) * حيث يوقف عليهم * (الاثنا عشرية) * القائلون بإمامة
الأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم، وهم الإمامية الآن، الذين لا يعتبر في
صدق الإمامية عليهم اجتنابهم الكبائر اتفاقا، كما حكاه في التنقيح (1)
والمسالك (2) والروضة (3).
وفيهما عن الدروس انسحاب الخلاف الآتي في المؤمنين فيهم.
وليس كذلك بالإجماع، وإشعار أدلة المعتبر للاجتناب منها في الإيمان
باختصاص اعتباره فيه دون الإمامي.
وكيف كان ما اختاره الماتن من اشتراك المؤمن والإمامي في عدم
اعتبار الاجتناب عن الكبائر في حقيقتهما مختار الطوسي في التبيان، قائلا:
إنه كذلك عندنا (4)، واختاره الديلمي (5) والحلي (6)، وعليه كافة المتأخرين.
* (وقيل) * كما عن النهاية (7) والمفيد (8) والقاضي (9) وابن حمزة (10):
هم * (مجتنبوا الكبائر) * منهم * (خاصة) * فلا يشملوا الوقف عليهم
الفسقة.
ومنشأ الاختلاف هو الاختلاف بين النصوص، والجمع بينها يقتضي

(1) التنقيح 2: 316.
(2) المسالك 5: 341.
(3) الروضة 3: 182.
(4) التبيان 2: 81.
(5) المراسم: 198.
(6) السرائر 3: 162.
(7) النهاية 3: 121.
(8) المقنعة: 654.
(9) المهذب 2: 89.
(10) الوسيلة: 371.
321

المصير إلى الأول.
والأولى الرجوع إلى عرف الواقف وشهادة حاله، حتى لو كان ممن
يذهب إلى الثاني. وظهر من قرائن الأحوال إرادته مطلق الإمامي عم مجتنبي
الكبائر وغيرهم.
وإذا جهل عرفه وانتفت القرائن فالمذهب الأول وإن كان الأحوط
الثاني.
ثم كل ذا إذا كان الواقف منهم. ويشكل فيما لو كان من غيرهم وإن كان
إطلاق العبارة كغيرها من العبائر يقتضي عدم الفرق، لعدم معروفية الإيمان
بهذا المعنى عنده، فلم يتوجه منه القصد له، فكيف يحمل عليه!
وليس الحكم فيه كالمسلمين في عموم اللفظ والانصراف إلى كل ما دل
عليه وإن خالف معتقد الواقف، كما مر على تقدير صحته، لأن الإيمان لغة
هو مطلق التصديق، وليس هنا بمراد إجماعا، واصطلاحا يختلف بحسب
اختلاف المصطلحين.
ومعناه المعتبر عند أكثر المسلمين هو التصديق القلبي بما جاء به
النبي (صلى الله عليه وآله)، ويعبر عنه بالإيمان بالمعنى العام، والأول أي المرادف للإمامي،
الذي هو مورد العبارة بالخاص.
فلو قيل بحمله عليه في محل الإشكال كان غير بعيد إذا لم يكن ثمة
شاهد حال، وإلا كان متبعا بلا إشكال.
* (و) * لو وقف على * (الشيعة) * انصرف إلى من شايع عليا (عليه السلام)، وقدمه
على غيره في الإمامة وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة (عليهم السلام) بعده،
فيدخل فيهم * (الإمامية والجارودية) * من الزيدية والإسماعيلية غير
الملاحدة منهم، وغيرهم من الفرق الآتية.
322

وخص الجارودية من فرق الزيدية، لأنه لا يقول منهم بإمامة علي (عليه السلام)
دون غيره من المشائخ سواهم، فإن الصالحية منهم والسليمانية والبترية
يقولون بإمامة الشيخين وإن اختلفوا في غيرهما.
وانصراف الشيعة إلى هاتين الطائفتين هو المشهور بين الأصحاب،
محكي عن الشيخين (1) والقاضي (2) والديلمي (3) وابن حمزة (4)، لعموم
اللفظ.
خلافا للحلي (5) والتذكرة (6)، فيتبع مذهب الواقف، فلو كان من الإمامية
انصرف وقفه إليهم خاصة، وكذا لو كان من الجارودية انصرف وقفه إليهم،
وهكذا لو كان من سائر الفرق الباقية ينصرف وقفه إلى أهل مذهبه، عملا
بشاهد الحال.
ولا ريب فيه، بل ولعله لا كلام مع حصوله، وإلا فاللازم دوران الأمر
مدار اللفظ وعمومه.
وإطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في الحكم
بين الوقف عليهم في الأزمنة القديمة أو نحو هذه الأزمنة الحادثة.
وهو في الأخير محل مناقشة، لصيرورة الشيعة في زماننا هذا ومضاهاه
حقيقة في الاثني عشرية خاصة، بل لا يكاد يخطر ببال أحد من أهله صدق
الشيعة على غيرهم من الفرق الباقية ولو بالمجاز دون الحقيقة، بل حيث ما
يطلق فيه ينصرف إليهم دون غيرهم البتة، ويقابل بهم خاصة أهل السنة.
وهذا أوضح شاهد وأفصح قرينة على انصراف الوقف على الشيعة في مثل
هذا الزمان إلى الاثني عشرية كائنا الواقف من كان.

(1) المقنعة: 654، والنهاية 3: 122.
(2) المهذب 2: 89.
(3) المراسم: 198.
(4) الوسيلة: 371.
(5) السرائر 3: 162.
(6) التذكرة 2: 430 س 21.
323

وبما ذكرنا تفطن بعض من عاصرناه من علمائنا الأعيان، فاعترض
الأصحاب بذلك (1).
ويمكن الاعتذار عنهم بأن مقصودهم متابعة اللفظ وعمومه حيث
لا يكون ثمة قرينة حال، وإلا فلا ريب في وجوب اتباعها حيث حصلت
على كل حال. وينبه عليه ما مر لهم من القاعدة في انصراف الوقف على
الفقراء إلى فقراء نحلة الواقف.
* (و) * لو وقف على * (الزيدية) * انصرف إلى كل * (من قال بإمامة زيد) *
بن علي بن الحسين (عليهما السلام)، ومن خرج من ولد فاطمة (عليها السلام) عالما زاهدا
شجاعا داعيا إلى نفسه بالسيف، ولذا قالوا: بإمامة زيد دون أبيه علي بن
الحسين (عليهما السلام)، لعدم قيامه.
ولا فرق في ذلك بين كون الواقف إماميا، أو غيره عند الشيخين (2)،
وتبعهم الأكثر، بناء منهم على صحة الوقف من الإمامي على أمثال هذه
الطوائف، ويأتي على المختار ومذهب من تقدم من علمائنا الأبرار فساد
الوقف منه عليهم، وبه صرح الحلي (3) هنا، وهو لازم لمن يشترط القربة،
كما قدمناه.
* (و) * نحو هذا الكلام في الوقف على * (الفطحية) * وهم كل * (من قال
ب‍) * إمامة * (الأفطح) * عبد الله بن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، وسمي بذلك، لأنه
قيل: كان أفطح الرأس، وقال بعضهم: أنه كان أفطح الرجلين، وقيل: إنما
سموا فطحية، لأنهم نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له عبد الله بن
فطيح (4).

(1) هو صاحب الحدائق 22: 207.
(2) المقنعة: 655، والنهاية 3: 124.
(3) السرائر 3: 163.
(4) فرق الشيعة: 78.
324

* (و) * على * (الإسماعيلية) * وهم كل * (من قال ب‍) * إمامة * (إسماعيل ابن
جعفر) * بن محمد الصادق (عليهما السلام) بعده. قيل: وهم فرق (1).
* (و) * على * (الناووسية) * وهم كل * (من وقف) * في عداد الأئمة (عليهم السلام)
* (على جعفر بن محمد) * (عليهما السلام).
وقالوا: إنه حي لن يموت حتى يظهر ويظهر أمره، وهو القائم
المهدي (عليه السلام).
وعن الملل والنحل أنهم زعموا أن عليا (عليه السلام) مات وستنشق الأرض عنه
قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلا، قيل: نسبوا إلى رجل يقال له: ناووس،
وقيل: إلى قرية يقال لها ذلك (2).
* (و) * على * (الواقفية) * وهم كل * (من وقف) * في الإمامة * (على موسى
بن جعفر (عليهما السلام)) * وينكر موته، ويدعي أنه قائم الأئمة (عليهم السلام) وسموا في بعض
الأخبار بحمير الشيعة (3). وفي آخر منها: بالكلاب الممطورة (4).
* (و) * على * (الكيسانية) * وهم كل * (من قال بإمامة محمد بن الحنفية) *
بعد الحسين (عليه السلام)، وأنه حي غائب في جبل رضوي، وربما يجتمعون ليالي
الجمعة في الجبل، ويشتغلون بالعبادة على ما حكي، وهم أصحاب مختار
بن أبي عبيدة المشهور، ويقال: إن لقبه كان كيسان (5).
قيل: ومنشأوه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له: يا كيس يا كيس، وهو
طفل قاعد في حجره (6).
* (و) * كذا * (لو وصفهم) * الواقف * (بنسبة إلى عالم، كان لمن دان) * وقال
* (بمقالته) * ومذهبه * (كالحنفية) * والمالكية والشافعية والحنبلية.

(1) راجع فرق الشيعة: 69 - 76.
(2) الملل والنحل 1: 166 - 167، وفيه: باق.
(3) البحار 48: 267، الحديث 27.
(4) البحار 48: 267، الحديث 27.
(5) فرق الشيعة: 23.
(6) البحار 45: 351.
325

وهذه ضابطة كلية في جميع المسائل، لكن مع اتفاق العرف أو
الاصطلاح لا كلام في انصرافه إليه، ومع التعدد يحمل على المتعارف عند
الواقف. وبهذا يتخرج الحكم والخلاف في الجميع.
* (ولو نسبهم إلى أب) * كالأمثلة الآتية * (كان) * الوقف منصرفا * (لمن
انتسب إليه) * أي إلى ذلك الأب * (بالأبناء دون البنات على) * الأشهر بين
عامة من تأخر.
خلافا للمرتضى (1) وابن زهرة (2)، فألحقا المنتسبين إليه بالبنات
بالمنتسبين إليه بالأبناء في انصراف الوقف إليهم أيضا، وادعى الأخير هنا
عليه إجماعنا. وتمام التحقيق مع ذكر * (الخلاف) * في المضمار يطلب من
كتاب الخمس.
وذلك * (ك‍) * الوقف على الطائفة * (العلوية والهاشمية) * فينصرف الوقف
إلى من ولده علي وهاشم بأبيه، أي من اتصل إليهما بالأب وإن علا، دون
الأم على الأشهر، ويعم المنتسب إليهما بالأم أيضا على القول الآخر.
* (ويتساوى فيه) * أي ذلك الوقف استحقاقا وقدرا * (الذكور والإناث) *
من أولاد البنين والبنات إن قلنا بانصراف الوقف إليهم بلا خلاف.
قيل: ولا إشكال وإن وقع بلفظ الذكور كالهاشميين والعلويين، فإن اللفظ
حينئذ يشمل الإناث تبعا، كما تناولهن في جميع الخطابات الواقعة في
التكليف في الكتاب والسنة، ولصدق إطلاقه على الإناث فيقال فلانة علوية
أو هاشمية أو تميمية ونحوه (3).
والمناقشة فيهما على إطلاقهما واضحة، إلا أن يتمم الأول بالاستقراء،

(1) رسائل المرتضى 3: 265.
(2) الغنية: 298.
(3) المسالك 5: 342.
326

لكن في إفادته المظنة التي يطمئن إليها مناقشة.
وكيف كان الإجماع بنفسه حجة واضحة، قد كفتنا مؤنة الاشتغال بطلب
توجيه، لتصحيح هذه الأدلة، أو الفحص عما سواها من الحجج الأخر الشرعية.
* (و) * إذا وقف على * (قومه) * انصرف إلى * (أهل لغته) * في المشهور
بين الأصحاب وإن اختلفوا في الإطلاق، كما هنا وعن الديلمي (1)، أو التقييد
بالذكور منهم خاصة دون الإناث، كما عن الشيخين (2) والقاضي (3) وابني
حمزة (4) وزهرة العلوي (5).
ومستندهم في أصل الحكم غير واضح، عدا ما يستفاد من الحلي (6)
والتنقيح (7) من أن به رواية، وربما يفهم من الغنية أن عليه وعلى التقييد
إجماع الإمامية (8).
خلافا للحلبي، فأوجب الرجوع إلى المعلوم من قصده مع إمكانه، وإلا
فإلى المعروف في ذلك الإطلاق عند قومه (9) ولا ريب فيه مع إمكانه، وإنما
الإشكال مع عدمه.
وللحلي، فصرفه إلى الرجال من قبيلته ممن يطلق العرف بأنهم أهله
وعشيرته دون من سواهم، استنادا في التخصيص بالأهل والعشيرة إلى
شهادة اللغة بذلك والعادة، وفي تخصيصهم بالذكور بقوله سبحانه: " لا يسخر
قوم من قوم... ولا نساء من نساء "، وقول زهير:
وما أدري وسوف إخال أدري * أقوم أهل حصن أم نساء (10)

(1) المراسم: 198.
(2) المقنعة: 655، والنهاية 3: 125.
(3) المهذب 2: 91.
(4) الوسيلة: 371.
(5) الغنية: 299.
(6) السرائر 3: 163.
(7) التنقيح 2: 319.
(8) الغنية: 299.
(9) الكافي في الفقه: 327.
(10) السرائر 3: 164.
327

ولا ريب أنه أحوط إذا كان عشيرته من أهل لغته، ولم يكن ثمة شاهد
حال يصرف الوقف إلى غيرهم، بناء على ما سيأتي من عدم وجوب صرف
الموقوف إلى جميع الموقوف عليهم، فلو صرف في عشيرته من أهل لغته
عمل بالوقف قطعا، لكونهم موقوفا عليهم على جميع الأقوال.
ويشكل إذا كان عشيرته من غير أهل لغته، أو وجد شاهد حال يصرف
الوقف إلى غيرهم مع عدم تعينهم.
والأولى فيه الرجوع إلى ما ذهب إليه المشهور.
ووجهه بعد ما عرفت من الرواية وإمكان فهم الإجماع عليه من الغنية
في غاية الظهور، لانجبار قصورهما في محل الإشكال بفتوى المشهور، مع
السلامة فيه عن قرائن الأحوال المرجحة عليهما بمقتضى القواعد المقررة.
* (و) * إذا وقف على * (عشيرته) * انصرف إلى الخاص من قومه، الذين
هم * (الأدنون) * والقريبون منه * (في نسبه) * كما عن الشيخين (1)
والديلمي (2) والقاضي (3) والحلي (4).
خلافا للحلبي (5)، فكما مر. ولا ريب فيه مع إمكانه، كما ظهر، وإنما
الإشكال فيه مع العدم.
والأقوى فيه الأول، للشهرة، مع ما في الغنية (6) وعن الكيدري (7) من أن
لهم عليه رواية.
وقصور السند واحتمال عدم الدلالة مجبور في محل الإشكال بالشهرة
وتعدد نقلة الرواية، لبعد خطائهم في الفهم بالبديهة.

(1) المقنعة: 655، والنهاية 3: 126.
(2) المراسم: 198.
(3) المهذب 2: 91.
(4) السرائر 3: 164.
(5) الكافي في الفقه: 327.
(6) الغنية: 299.
(7) الإصباح: 347.
328

* (ويرجع في الجيران) * إذا وقف عليهم * (إلى العرف) * لأنه المحكم فيما
لم يرد به من الشرع بيان. ولكن لم أقف له على قائل به عدا الماتن هنا
والفاضل في جملة من كتبه (1).
ولا ريب فيه، مع معلوميته، وشهادة الحال بانصراف الوقف إليه. ولعله
لا نزاع فيه أيضا، بل هو مختص بصورة فقد الشاهد عليه.
* (و) * الأقوى فيه ما * (قيل) *: من أنه هو * (من يلي داره) * أي دار
الواقف * (إلى أربعين ذراعا) * بالذراع الشرعي من كل جانب، كما عن
الشيخين (2) والقاضي (3) والحلبي (4) والديلمي (5) والكيدري (6) وابني
حمزة (7) وزهرة (8) والحلي (9)، وبالإجماع عليه صرح في الغنية، واحتمل
كونه الحجة للأخير في المسالك (10). وهو الحجة، لموافقته لمقتضى العرف
والعادة في الجملة.
* (وقيل) *: هو من يلي داره * (إلى أربعين دارا، وهو) * مع جهالة قائله،
كما اعترف به جماعة (11) شاذ * (مطروح) * (12) كما هنا وفي المهذب (13)،
وذكر جماعة أن مستنده رواية عامية (14)، مع أنه ورد به من طرقنا
روايات معتبرة.

(1) المختلف 6: 315، والتحرير 1: 288 س 16، والتذكرة 2: 439 س 29.
(2) المقنعة: 653، والنهاية 3: 125.
(3) المهذب 2: 91.
(4) الكافي في الفقه: 326.
(5) المراسم: 198.
(6) الاصباح: 347.
(7) الوسيلة: 371.
(8) الغنية: 299.
(9) السرائر 3: 163.
(10) المسالك 5: 343.
(11) المسالك 5: 344، والايضاح 2: 386، وجامع المقاصد 9: 44.
(12) في المتن المطبوع: مطرح.
(13) المهذب البارع 3: 62.
(14) كشف الرموز 2: 51، والايضاح 2: 386، وجامع المقاصد 9: 45.
329

منها الصحيح: حد الجوار أربعون دارا من كل جانب من بين يديه ومن
خلفه وعن يمينه وعن شماله. ونحوه خبران آخران (1).
إلا أنها مع شذوذها موافقة لمذهب عائشة (2)، ومع ذلك قاصرة الدلالة
على الحكم في المسألة من رجوع الوقف إليهم، فإن غايتها الدلالة على
الإطلاق، وهو أعم من الحقيقة، مع أن قرائن المجاز من صحة السلب وعدم
التبادر موجودة، ومع ذلك، المجاز خير من الاشتراك بالضرورة.
ثم لو سلم الحقيقة فغايتها أنها حقيقة شرعية، وهي معتبرة في الألفاظ
الواردة عن الشرع، دون الألفاظ المتداولة بين أهل العرف واللغة، فإنها
تحمل على حقائقهم لا الشرعية.
ولو سلم جواز حمل الألفاظ المتداولة بينهم على الشرعية على سبيل
الحقيقة فغايته الجواز وثبوت الحقيقة، دون الوجوب وطرح الحقيقة
العرفية، بل لا بد من التوقف إلى تحقق القرينة المعينة، كما عليه المدار في
الألفاظ المشتركة.
نعم لو علم بالقرائن الحالية أو المقالية إرادة الواقف خصوص هذه
الحقيقة الشرعية تعين حمله عليه البتة، إلا أنه خارج عن مفروض المسألة،
لرجوع الأمر حينئذ إلى مقتضى القرينة، وهي حيث حصلت متبعة ولو على
غير الشرعية، أو شئ لم يقل به أحد من الطائفة في مفروض المسألة.
* (ولو وقف على مصلحة) * خاصة من مصالح المسلمين كالمساجد
والقناطر وشبه ذلك * (فبطلت) * واندرس رسمها * (قيل: يصرف في) * وجوه
* (البر) * كما عن الشيخ (3) وباقي الجماعة، من غير خلاف بينهم أجده، قيل:

(1) الوسائل 8: 491، الباب 90 من أبواب أحكام العشرة الحديث 1، 2، 3.
(2) السنن الكبرى 6: 276.
(3) النهاية 3: 128.
330

صرح به في السرائر (1)، بل ربما أشعر كلام المسالك والمهذب، حيث نسب
تردد الماتن هنا - المستفاد من نسبة الحكم إلى القيل المشعر بالتمريض -
إلى الندرة بأن عليه إجماع الطائفة (2).
قيل: لخروجه عن ملكه بالوقف، فلا يعود إليه من غير دليل، وصرفه
فيما ذكر أنسب بمراعاة غرضه الأصلي (3).
وفيه نوع نظر، إلا أن اتفاق ظاهر كلمة الأصحاب من غير خلاف يعرف
حتى من الماتن - لتصريحه بالحكم كما ذكره الأصحاب - في الشرائع (4)،
وعدم ظهور مخالفة منه هنا لهم سوى التردد - لعله كاف في الحكم، سيما مع
التأيد بكثير من النصوص الواردة في نحو الوصية والنذر المعين الذي له
مصارف مخصوصة - أنه يصرف مع تعذرها في وجوه البر وسائر ما يحصل
به القربة.
منها الخبر: عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظه الوصي إلا بابا واحدا
منها فكيف يصنع في الباقي؟ فوقع (عليه السلام): الأبواب الباقية اجعلها في البر (5).
ونحوه آخر طويل يتضمن: أنه أوصى رجل بتركته إلى رجل وأمره أن
يحج بها عنه قال الوصي: فنظرت فإذا هو شئ يسير لا يكفي للحج فسألت
الفقهاء من أهل الكوفة فقالوا: تصدق به عنه، فتصدق به ثم لقي بعد ذلك
أبا عبد الله (عليه السلام) فسأله وأخبره بما فعل، فقال: إن كان لا يبلغ أن يحج به من
مكة فليس عليك ضمان، وإن كان يبلغ ما يحج به فأنت ضامن (6).

(1) السرائر 3: 166.
(2) المسالك 5: 346، والمهذب البارع 3: 62.
(3) القائل صاحب مفاتيح الشرائع 3: 211، مفتاح 1113.
(4) الشرائع 2: 215.
(5) الوسائل 13: 453، الباب 61 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
(6) الوسائل 13: 419، الباب 37 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.
331

وفي جملة وافرة من الأخبار ما يدل على أن ما أوصى به للكعبة أو كان
هديا أو نذرا يباع إن كان جارية ونحوها (1)، وإن كان دراهم يصرف في
المنقطعين من زوارها.
وفي وجوب صرفه في الأقرب إلى تلك المصلحة فالأقرب فيصرف
وقف المسجد في مسجد آخر والمدرسة إلى مثلها وهكذا نظرا إلى تعلق
الغرض بذلك الصنف، أم يجوز الصرف في مطلق القرب، احتمالان، ظاهر
إطلاق الفتاوى الثاني.
وعلل باستواء القرب كلها في عدم تناول عقد الواقف لها، وعدم قصده
إليها بخصوصها، ومجرد المشابهة لا دخل لها في تعلقه بها، فيبطل القيد،
ويبقى أصل الوقف من حيث القربة (2).
وفيه مناقشة، فلعل الحكم بتحري الأقرب فالأقرب ليس من حيث
المشابهة، بل من حيث دخوله في نوع المصلحة الخاصة وإن تميزت عنه
بالخصوصية، فإذا زالت بقي أفراد النوع الآخر الممكنة داخلة، فكان الوقف
تضمن أشياء ثلاثة: القربة، والمسجدية مثلا، وكونه المساجد الفلانية
المشخصة، ومع زوالها وبطلان رسمها ينبغي أن يراعى القيدان الآخران، فإن
الميسور لا يسقط بالمعسور (3)، وما لا يدرك كله لا يترك كله (4)، كما في
بعض المعتبرة.
فالاحتمال الأول لا يخلو عن قوة، وبأولويته صرح جماعة.
ثم إن أصل الحكم على القول به لا ريب فيه فيما لو كان المذكور

(1) الوسائل 9: 352، الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1.
(2) هو الشهيد في المسالك 5: 346 و 347.
(3) عوالي اللئالئ 4: 58، الحديث 205 و 207، وفيه اختلاف يسير.
(4) عوالي اللئالئ 4: 58، الحديث 205 و 207، وفيه اختلاف يسير.
332

بخصوصه من المصلحة الخاصة مما لا يعلم بانقطاعه غالبا، كما ذكرناه
من الأمثلة.
ولو علم انقطاعها كذلك ففي انسحاب الحكم فيه، أو لحوقه بالوقف
ولو علم انقطاعها كذلك ففي انسحاب الحكم فيه، أو لحوقه بالوقف
المنقطع الآخر، وجهان، من إطلاق الفتاوى هنا وثمة. وربما يظهر من بعض
الأجلة اختصاص الحكم هنا عند الطائفة بالصورة الأولى خاصة، وجريان
حكم منقطع الآخر في الثانية.
وكيف كان، فالاحتياط لا يترك في أمثال المقام.
* (وإذا) * وقف على جماعة و * (شرط إدخال من يوجد مع الموجود) *
منهم * (صح) * بلا خلاف يظهر، وبه صرح بعض (1)، وفي المسالك الاتفاق
عليه (2)، ولعله لعموم الأمر بالوفاء بالعقود (3)، وأن الوقوف على حسب ما
يوقفها أهلها (4)، مع سلامتهما هنا عن المعارض، واعتضادهما بالنصوص
الآتية في جواز إدخال من يريد في الوقف على أولاده الأصاغر، مع عدم
الشرط أصلا.
فجوازه معه هنا بطريق أولى، لكن يتوقف على القول بها.
فلا يصح الاستدلال بل الاعتضاد بها مطلقا، ولا كذلك لو اشترط إخراج
من يريد منهم أو نقله عنهم إلى من سيوجد، فلا يصح الوقف بلا خلاف في
الأول، بل عليه إجماعنا في المسالك (5) وغيره، وعلى المشهور في الثاني،
كما حكي (6)، بل عليه الإجماع عن الطوسي (7).

(1) الظاهر أن مراده من البعض هو صاحب مفاتيح الشرائع 3: 216، مفتاح 1119، كما نبه عليه
صاحب مفتاح الكرامة 9: 36.
(2) المسالك 5: 369.
(3) المائدة: 1.
(4) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب أحكام الوقوف الحديث 1 و 2.
(5) المسالك 5: 368.
(6) المسالك 5: 369.
(7) المبسوط 3: 300.
333

خلافا فيه للقواعد (1)، فاستشكله،. وللتذكرة، فصححه، مدعيا عليه
إجماع الطائفة (2)، واستقربها في الدروس (3)، بناء على أنه في معنى النقل
بالشرط، كما لو اعتبر صفة للموقوف عليه كالفقر، فإذا زالت انتقل عنه إلى
غيره، وهو جائز بلا خلاف.
وفيه نظر، لمنع الإجماع بالوهن، لمصير الأكثر إلى الخلاف، واستشكال
الناقل في الحكم، والمعارضة بأجود منه، وضعف البناء والقياس بالوقف
على الفقراء، فإن الوقف عليهم إنما هو وقف على الجهة، كالوقف على
المساجد، ومثله ينتقل إلى الله تعالى.
ويشترك فيه كل من اتصف بذلك العنوان حتى الواقف نفسه، فلا تحصل
هنا نقل عن الموقوف عليه، لأنه ليس هنا موقوف عليه، وإنما يصير مراعى
ببقاء الصفة المذكورة من الفقر ونحوه، فإذا زالت كانت في حكم موت
الموقوف عليه، بخلاف المقام فإنه بالوقف عليه يصير ملكا له.
ونقله عنه بالاختيار مناف لتمليكه بالوقف، ونحوه في الضعف قياسه
بجواز الوقف على أولاده سنة ثم على أهل المسكنة، لوضوح الفرق بين
المقام وبينه على تقدير تسليم صحته، فإن مقتضى الوقف هنا لزوم بقائه ما
وجدوا، كما هو مقتضى أصل الوقف، وشرط النقل مناف له، ولا كذلك
الوقف على الأولاد سنة، لأنه إنما وقف عليهم مدة معينة، فلا ينافيه التعقيب
بالوقف على أرباب المسكنة، كذا ذكره بعض الأجلة (4).
ولا يخلو وجه الفرق عن مناقشة، فقد يقال: إن اشتراط النقل في حكم
تعيين الوقف بمدة فكيف يمكن أن يقال: إن مقتضى الوقف هنا لزوم بقائه

(1) القواعد 1: 267 س 19، إشكاله في الثاني فقط.
(2) لم نعثر عليه، راجع مفتاح الكرامة 9: 38.
(3) الدروس 2: 271.
(4) الحدائق 22: 171.
334

ما وجدوا، وكونه مقتضى الوقف من أصله لا ينافي خلافه بعد اشتراطه.
وليس مثل هذا وسابقه لو تم قياسا، بل تنظيرا، لاستناد الحكم فيه إلى
العمومات كتابا وسنة. ولولا الإجماع المعتضد بالشهرة المحكية لكان القول
بالصحة لا يخلو عن قوة، مع إمكان الجواب عن الإجماع بالمعارضة بالمثل.
ووهنه بما مر مجبور بموافقة العمومات القطعية، فيرجح بها على ذلك
الإجماع، وإن ترجح هو عليه بالشهرة.
والتحقيق أن يقال: إن هنا إجماعين متصادمين بحسب المرجحات، فلا
يمكن التمسك بأحدهما، فينبغي الرجوع إلى حكم الأصل، وهو عدم الصحة
وإثباتها بالعمومات غير ممكن بعد فرض سقوطها، كالشهرة المرجحتين (1)
للاجماعين في البين، كنفس الإجماعين، مضافا إلى ما عرفت من وهن
الإجماع الثاني.
فإذا المذهب مختار الأكثر وإن كان الصحة في الجملة أحوط.
* (ولو أطلق الوقف) * وجرده عن هذا الشرط * (وأقبض) * الموقوف من
الموقوف عليه أو من في حكمه * (لم يصح إدخال غيرهم معهم) * مطلقا
* (أولادا كانوا، أو أجانب) * بلا خلاف، كما في التنقيح، إلا من المفيد كما فيه.
فقال: لو حدث في الموقوف عليه حدث يمنع الشرع من معونته
والصدقة عليه والتقرب إلى الله تعالى بصلته جاز التغيير، فإن الوقف صدقة
فلا يستحقه من لا يستحقها، فإذا حدث في الموقوف عليه كفر أو فسق
بحيث يستعان بذلك المال عليهما جاز حينئذ للواقف التغيير والإدخال،
ونفى عنه البعد بعد نقله عنه قال: وإن منعه الحلي وغيره. ثم قال: وهذا مع
حدوث المانع، أما لو كان حاصلا حال الوقف فلا (2).

(1) في المخطوطات: المرجحين.
(2) التنقيح 2: 322.
335

وفي مختارهما نظر، فإن بناء عقد الوقف على اللزوم وحدوث ذلك
الحدث لا دليل فيه على جواز الإدخال والتغيير بسببه، ولا على منع من
حدث فيه، فإن الوقف له حينئذ كسائر أمواله، فما يفعل فيها مع ذلك الحدث
يفعل مثله في هذا الوقف.
* (وهل له) * مع الإطلاق وعدم الشرط * (ذلك) * أي الإدخال * (مع
أصاغر ولده) * لو وقف عليهم؟ * (فيه خلاف) * بين الأصحاب * (والمروي) *
في الخبرين * (الجواز) * (1).
في أحدهما: الرجل يجعل لولده شيئا وهم صغار ثم يبدو له أن يجعل
معهم غيرهم من ولده، قال: لا بأس (2).
وفي الثاني: عن الرجل يتصدق على بعض ولده بطرف من ماله ثم يبدو
له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده، قال: لا بأس (3).
وبهما أفتى في النهاية وأطلق (4)، وتبعه القاضي بشرط عدم قصره عليهم
ابتداء (5).
وفي سندهما قصور، لاشتمال الأول على محمد بن إسماعيل عن
الفضل، وفيه كلام مشهور، والثاني على محمد بن سهل، ولم يرد في حقه
قدح ولا مدح، إلا ما قيل: إن له مسائل (6).
وكذا الدلالة، فإن الجعل في الأول غير صريح في وقف متحقق أو
صدقة متحققة، بحيث تكون بهم مختصة، بل فيه احتمالات أخر منها: إرادة

(1) في المتن المطبوع: والجواز مروي.
(2) الوسائل 13: 301، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 3.
(3) الوسائل 13: 301، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 2.
(4) النهاية 3: 120.
(5) المهذب 2: 89.
(6) فهرست الطوسي: 295، رقم 639.
336

أن يفعل، وكذا في قوله (عليه السلام) في الثاني: " يتصدق " بصيغة الاستقبال.
لكن روى الحميري بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال:
سألته عن رجل يتصدق على ولده بصدقة ثم بدا له أن يدخل الغير فيه مع
ولده أيصلح ذلك؟ قال: نعم يصنع الوالد بمال ولده بما أحب، والهبة من الولد
بمنزلة الصدقة من غيره (1).
ويمكن الذب عنه بعد الإغماض عن حال السند بدلالته على جواز
إدخال الغير مطلقا ولو لم يكن ولدا، وهو مما لم يقل به أحد، فإن عبارات
القائلين به مختصة بجواز إدخال الولد.
ومن هنا ينقدح ما في العبارة من المسامحة، حيث اقتضى سياقها جواز
إدخال الغير مطلقا.
والأشهر الأظهر عدم الجواز مطلقا إلا أن يشترط، بل ربما أشعر
بالإجماع عليه عبارة المختلف (2) والمهذب (3) والتنقيح (4) وشرح
القواعد (5)، حيث قالوا بعد نقل القول بالجواز عمن مر: وأطلق باقي
الأصحاب المنع، لما مر من أدلته، وللمعتبرة الدالة على عدم جواز الرجوع
في الصدقة إذا ابتغى بها وجه الله سبحانه (6)، وفيها الصحيح وغيره.
والإدخال نوع رجوع بلا شبهة، فيدخل في حيز لفظ الرجوع المنساق
في سياق النفي، مع كونه نكرة.
وخصوص الصحيح: عن الرجل يتصدق على بعض ولده بطرف من ماله
ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده، قال: لا بأس بذلك. وعن

(1) قرب الإسناد: 119.
(2) المختلف 6: 301.
(3) الظاهر أنه المهذب البارع 3: 63.
(4) التنقيح 2: 323.
(5) جامع المقاصد 9: 34.
(6) الوسائل 13: 299، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 5.
337

الرجل يتصدق ببعض ماله على بعض ولده ويبينه له أله أن يدخل معهم من
ولده غيرهم بعد أن أبانهم بصدقة؟ فقال: ليس له ذلك، إلا أن يشترط أنه من
ولد له فهو مثل من تصدق عليه فذلك له (1).
والظاهر من الإبانة فيه الإقباض دون ما فهمه الشهيد الثاني من القصر
على الموقوف عليه (2)، الذي شرطه القاضي (3)، لرجوع الاستثناء على فهمه
منقطعا، وهو خلاف الظاهر جدا.
وحينئذ يمكن حمل الروايات السابقة المجوزة على صورة عدم القبض
والإبانة حملا للمطلق على المقيد، ويشهد له نفس هذه الرواية، فإنه (عليه السلام) لما
سئل مطلقا أجاب بالجواز، كما في تلك الروايات، ولما قال: يبينها لهم، قال:
ليس له ذلك.
فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه، لوضوح وجه الجمع بين الأدلة
المانعة والأخبار المجوزة بهذه الصحيحة، مضافا إلى ما عرفت من قصور
الأخيرة سندا ودلالة، مع قصورها أيضا عن المكافأة للأدلة لاعتضادها
بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون إجماعا، كما يشعر به عبائر الجماعة
المتقدم إلى ذكرهم الإشارة.
ثم إن الخلاف إنما هو في الإدخال * (أما النقل عنهم فغير جائز) * وكذا
عن غيرهم بلا خلاف، بل عليه الإجماع في التنقيح (4)، ويشمله الإجماعات
المستفيضة حكاية في كلام جماعة على كون الوقف من العقود اللازمة. وهو
الحجة، مضافا إلى عمومات الأمر بالوفاء كتابا وسنة.

(1) الوسائل 13: 300، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
(2) المسالك 5: 371.
(3) المهذب 2: 89.
(4) التنقيح 2: 323.
338

ففي الصحيح وغيره: لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى وجه الله سبحانه (1).
وفي القريب منه: رجل تصدق على ولده بصدقة أله أن يرجع فيها؟ قال:
الصدقة لله (2).
وفي القريب من الموثق: تصدق علي أبي بدار وقبضتها ثم ولد بعد ذلك
أولادا فأراد أن يأخذها مني فيتصدق بها عليهم فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
ذلك وأخبرته بالقصة، فقال: لا تعطها إياه، قلت: إنه إذا يخاصمني؟ قال:
فخاصمه، ولا ترفع صوتك عليه (3).
* (وأما اللواحق) *
* (فمسائل) *
* (الأولى: إذا وقف في سبيل الله انصرف إلى القرب كالحج والجهاد
والعمرة وبناء المساجد) * والقناطر ونفع المحاويج وغير ذلك على الأظهر
الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، بل في بحث الوصية من الغنية (4)
والسرائر (5) الإجماع عليه، لأن المراد بالسبيل الطريق إلى الله تعالى، أي إلى
ثوابه ورضوانه، فيدخل فيه كل ما يوجب الثواب، مضافا إلى ما في تفسير
علي بن إبراهيم في آية الزكاة عن العالم (عليه السلام): من أنه قوم يخرجون إلى
الجهاد وليس عندهم ما ينفقون، أو قوم مؤمنون ليس لهم ما يحجون به،
أو في جميع سبيل الخير، الخبر (6).

(1) الوسائل 13: 299، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 5، و ج 13: 334،
الباب 3 من أبواب أحكام الهبات الحديث 2.
(2) الوسائل 13: 298، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 2.
(3) الوسائل 13: 298، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 3.
(4) الغنية: 308.
(5) السرائر 3: 187.
(6) تفسير القمي 1: 299، وفيه اختلاف يسير.
339

خلافا للشيخ، فخصه بالغزاة المطوعة دون العسكر المقاتل على باب
السلطان وبالحج والعمرة، وقال: إنه يقسم بينهم أثلاثا (1).
ولابن حمزة، فبالمجاهدين (2). وهما شاذان.
ولا فرق فيه عند الأكثر بين أن يقتصر على سبيل الله أو يضم إليه سبيل
الثواب وسبيل الخير، لرجوع هذه المفاهيم الثلاثة إلى معنى واحد، وهو
سبيل الله بالمعنى العام، فلا يجب قسمة الفائدة أثلاثا.
خلافا لأحد قولي الشيخ (3) وفاقا للشافعي (4)، فأوجبها كذلك ثلثه إلى
الغزاة والحج والعمرة وهو سبيل الله، وثلثه إلى الفقراء والمساكين، ويبدأ
بأقاربه، وهو سبيل الثواب، وثلثه إلى خمسة أصناف من الذين ذكرهم الله
في آية الصدقات، وهم الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمون والرقاب،
وهو سبيل الخير.
وهو - كسابقه - شاذ، لا دليل عليه وإن كان أحوط، إلا أن يكون ثمة
قرينة حال فتتبع.
* (الثانية: إذا وقف على مواليه دخل) * فيه * (الأعلون) * المعتقون
له * (والأدنون) * الذين أعتقهم، وفاقا للمبسوط (5) والخلاف (6) والحلي (7)،
وبه أفتى الماتن في الشرائع (8) والفاضل في الإرشاد (9) والشهيد في النكت
عليه (10). ولا ريب فيه مع القرينة الدالة على دخولهم أجمع، كما لا ريب

(1) الخلاف 3: 545، المسألة 12، والمبسوط 3: 294.
(2) الوسيلة: 371.
(3) المبسوط 3: 294.
(4) المغني لابن قامة 6: 213.
(5) المبسوط 3: 295.
(6) الخلاف 3: 546، المسألة 14.
(7) السرائر 3: 167.
(8) الشرائع 2: 219.
(9) الإرشاد 1: 454.
(10) غاية المراد: 75 س 8 (مخطوط).
340

في دخول بعضهم بها دون الآخر، وفي حكم القرينة تفسيره حيث انتفت،
فيرجع إلى ما يفسره.
وإنما الإشكال مع عدمهما، كأن وقف على مدلول هذه اللفظة، ينشأ من
أنه هل يشترط في التثنية والجمع اتحاد معنى أفرادهما حتى يمتنع تثنية
المشترك باعتبار معانيه والحقيقة والمجاز وجمعهما، كما هو مذهب الأكثر
على ما حكي من الارتشاف؟ (1) أم لا اختاره الشهيد الثاني في المسالك (2)
وولده في المعالم (3)، وفاقا لابن مالك في التسهيل؟ (4) وأن المشترك عند
تجرده عن القرينة الدالة على إرادة معانيه أو بعضها هل يبقى مجملا، أو
يحمل على الجميع مطلقا، أو إذا كان جمعا خاصة؟ فيه أقوال للأصوليين،
أشهرها الأول.
وأن اشتراك المولى بين المعتق والمعتق هل هو لفظي، كما عليه الأكثر
وحكي التصريح به عن أهل اللغة، أم معنوي كما يظهر من التنقيح؟ (5).
وحيث إن الأظهر عند الأحقر في جميع هذه الموارد هو مذهب الأكثر،
كما حقق في محل أليق كان القول بالبطلان أصح، وبه صرح في المسالك (6)،
وحكي عن المحقق الثاني (7) والفاضل في التحرير والقواعد (8) وولده في
الإيضاح (9)، لجهالة الموقوف عليه على هذا التقدير، كما سيأتي.
ويضعف القول بالصحة إن وجهت فيه باختيار كون المولى مشتركا

(1) لا يوجد كتابه لدينا، نقله الشهيد في المسالك 5: 388.
(2) المسالك 5: 388.
(3) معالم الدين: 40.
(4) لا يوجد كتابه لدينا، نقله الشهيد في المسالك 5: 388.
(5) التنقيح 2: 326.
(6) المسالك 5: 389.
(7) جامع المقاصد 9: 109.
(8) التحرير 1: 289 س 2، القواعد 1: 272 س 12.
(9) الإيضاح 2: 404.
341

معنويا، كما عن ظاهر الشيخ (1)، بتصريح أهل اللغة بفساده، وحصول التباين
بين الموليين بعدم جامع لهما في البين. وكذا إن وجهت فيه بما ذهب إليه
الشيخ في الأصول (2) واختاره، كما حكي عنه وعن غيره من جواز استعمال
اللفظ المشترك في معنييه، وأنه ظاهر فيهما مع التجرد عن القرينة الدالة على
إرادة أحدهما، كما اختاره الشافعي (3).
فإن أصل الجواز وإن كان لا يخلو عن وجه قوي، إلا أن دعوى الظهور
في الجميع مع التجرد عن القرينة ليس بوجه، بل المتبادر من اللفظ المشترك
كيف ما يطلق بصيغة الجمع أو المفرد إرادة المعنى الواحد، ويحتاج المعنى
الزائد إلى القرينة، فإن كانت، وإلا انصرف إلى الواحد، فإن تعين بالقرينة، وإلا
كانت اللفظة مجملة، كمفروض المسألة. ولذا تحصل في الموقوف عليه
جهالة فيفسد بها الوقف، لفقد التعيين المشترط في صحته، كما مضت إليه
الإشارة.
ولابن حمزة قول آخر في المسألة (4) هو مع شذوذه غير واضح الدليل
والحجة وإن كان الفاضل في المختلف استحسنه (5).
* (الثالثة: إذا وقف على أولاده) * اختص في المشهور - كما قيل - (6)
بالأولاد لصلبه دون أولاد أولاده، التفاتا إلى تبادرهم خاصة، إلا أن يكون
هناك قرينة تدل على دخولهم، كقوله: الأعلى فالأعلى، أو بطنا بعد بطن، أو
يقف على أولاده ولا ولد له لصلبه، ونحو ذلك.
وقيل - كما هو صريح المتن -: يشترك الجميع (7)، نظرا إلى دعوى

(1) المبسوط 3: 295.
(2) عدة الأصول 1: 206.
(3) لم نعثر عليه.
(4) الوسيلة: 371.
(5) المختلف 6: 326.
(6) القائل صاحب الحدائق 22: 248.
(7) القائل صاحب السرائر 3: 157، والشهيد الأول في اللمعة: 58، وغيرهما.
342

كونهم ولدا حقيقة.
وفيه أنه لا يستلزم الدخول حيث يكون الأولاد لصلبه هم المتبادرين.
وإذا وقف على أولاد أولاده * (اشترك أولاد البنين والبنات الذكور) *
منهم * (والإناث بالسوية) * بلا خلاف أجده، وبه صرح بعض الأجلة (1)، بل
ادعى على الدخول الإجماع في الغنية (2). وهو الحجة، مضافا إلى صدق
الأولاد على الذكور والإناث حقيقة، عرفا ولغة، فيصدق على أولادهم مطلقا
أنهم أولاد أولاد وإن لم يصدق على أولاد الأولاد أنهم أولاد بطريق الحقيقة
على المشهور بين الطائفة.
وأما اقتسامهم بالسوية فلاقتضاء الإطلاق ذلك، مع اشتراكهم في سبب
الاستحقاق، واستوائهم فيه، مع عدم مرجح لأحدهما على الآخر من عرف
أو قرينة، كما هو مفروض المسألة.
ولا ريب في هذا التعليل، وكذا الأول إن كان المراد من أولاد الأولاد
المحكوم بدخولهم هو أولادهم في الدرجة الأولى بلا واسطة، أو أولاد
أولاده الذكور منهم دون الإناث مطلقا، لكونهم أولاد أولاد حقيقة إجماعا.
أما لو أرادوا أولاد أولاد الإناث من الدرجة الثانية والثالثة وهكذا ففي
شمول التعليل لهم مناقشة إن قلنا بالمشهور من أن أولاد البنات ليسوا
شمول التعليل لهم مناقشة إن قلنا بالمشهور من أن أولاد البنات ليسوا
بأولاد حقيقة، وذلك فإن أولاد بنات أولاد الواقف ليسوا حقيقة بأولاد
لأولاده على هذا التقدير.
ثم إنه كما يدخل الإناث في أولاد الواقف كذا يدخل الخناثى، لشمول
اسم الولد لهم حقيقة مطلقا، حصرناهم في البنين والبنات، أم جعلناهم طبقة
ثالثة، ولا كذلك لو أوقف على أولاد البنين خاصة، أو البنات كذلك فلا

(1) المسالك 5: 391.
(2) الغنية: 298.
343

يدخل أولاد الخناثى، لعدم معلومية صدق الوصفين عليهم حقيقة، بل
ومعلومية عدم الصدق إن جعلوا طبقة ثالثة.
ولو جمع بينهما كأن وقف على أولاد البنين والبنات، ففي دخول
أولادهم قولان للفاضل في القواعد (1) والتحرير (2)، ينشئان من أنهم ليسوا
بذكور ولا إناث، ومن أنهم لا يخرجون عن الصنفين في نفس الأمر، ولهذا
يستخرج أحدهما بالعلامات، ومع فقدها يورث نصف النصيبين.
ويضعف: بأنه لا كلام مع وجود العلامة ولا دلالة لنصف النصيبين على
حصرهم في الصنفين، بل يمكن دلالته على عدمه، وجاز كون الطبقة (3)
الثالثة متوسطة النصيب، كما أنها متوسطة الحقيقة.
* (الرابعة: إذا وقف على الفقراء انصرف) * نماء الوقف * (إلى فقراء البلد) *
بلد الوقف (4) * (ومن يحضره) * منهم خاصة * (وكذا) * الوقف (5) على * (كل
قبيل متبدد) * غير منحصرة، ممن يكون الوقف عليهم وقفا على الجهة
المخصوصة، لا على أشخاصها * (كالعلوية والهاشمية والتميمية) * ونحوهم من
الطوائف الغير المنحصرة، فمن حضر منهم بلد الوقف (6) صرف النماء عليهم.
* (ولا يجب تتبع من لم يحضره) * منهم بلا خلاف في الظاهر، دفعا لمشقة
وجوب التتبع، مضافا إلى الخبر المنجبر قصور سنده بالعمل.
وفيه بعد أن سئل من ذلك: أن الوقف لمن حضر البلد الذي هو فيه،
وليس لك أن تتبع من كان غائبا (7).
وظاهره النهي عن التتبع، وبه أفتى في التنقيح، مقيدا له بصورة وجود

(1) القواعد 1: 271 س 1.
(2) التحرير 1: 289 س 6.
(3) في " ه‍ ": الطبيعة.
(4) في " مش، ه‍، ش ": الواقف.
(5) في " مش، ه‍، ش ": لو وقف.
(6) في " مش، ش، ه‍ ": الواقف.
(7) الوسائل 13: 308، الباب 8 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
344

المستحق في البلد (1)، كما هو مورد الخبر.
خلافا للشهيدين، فجوزاه مطلقا (2)، ولعله للأصل، وعموم لفظ الوقف،
وضعف النص، مع عدم جابر له في محل الفرض، مع قوة احتمال عدم دلالة
النهي فيه على الحرمة، بناء على وروده مورد توهم الوجوب، فلا يفيد سوى
الرخصة في الترك، وهي أعم من الحرمة.
ثم ظاهره أيضا - كالعبارة وكثير من عبائر الجماعة - وجوب الصرف
إلى جميع من في البلد.
وهو أحوط وإن كان في تعينه نظر، لضعف الخبر، وعدم العلم بالجابر،
ولا موجب له آخر سوى عموم لفظ الوقف، وليس بمراد بالاتفاق. والأصل
يقتضي جواز الاكتفاء بالبعض، وعدم وجوب الاستيعاب، كما يقتضي عدم
وجوب التسوية في القسمة على تقديره بلا خلاف يظهر لي من الأصحاب،
مع احتمال استلزام الاستيعاب المشقة العظيمة في بعض الأحيان.
وإلى المختار مال جماعة من الأصحاب وإن اختلفوا في وجوب
استيعاب الثلاثة مراعاة للجمع، أو جواز الاقتصار على الاثنين، بناء على أنه
أقل الجمع أو الواحد، نظرا إلى أن الأشخاص مصارف الوقف لا مستحقون،
إذ لو حمل على الاستحقاق لوجب الاستيعاب ووجب التتبع مهما أمكن
على أقوال، أقواها الأخير، وفاقا للشهيد الثاني (3) وغيره وإن كان الأول لو
لم يجب أن يستوعب جميع من في البلد أحوط.
* (الخامسة: لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه) * الذي شرط فيه مع
جوازه شرعا بلا خلاف ظاهرا، وقاله في الغنية (4) صريحا. وهو الحجة،

(1) التنقيح 2: 328.
(2) الدروس 2: 274، والمسالك 5: 402.
(3) المسالك 5: 402.
(4) الغنية: 298.
345

مضافا إلى لزوم الوفاء بالعقود (1)، والشروط (2)، وعموم الصحيح:
الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (3). فيتبع ما شرطه الواقف من ترتيب
الأعلى على الأدنى، أو اشتراكهما، أو تفضيل في المنافع، أو مساواة فيها،
إلى غير ذلك.
* (و) * كذا * (لا) * يجوز * (بيعه) * ولا هبته ولا غير ذلك من الأسباب
الناقلة للعين بلا خلاف فيه في الجملة، وبالإجماع كذلك صرح جماعة،
كالمرتضى (4) والحلي (5) والمسالك (6) وغيرهم من الجماعة. وهو الحجة
فيما عدا محل النزاع والمشاجرة، كسائر ما تقدم من الأدلة، مع منافاته
لحبس العين وتسبيل الثمرة.
وخصوص بعض المعتبرة فيمن شرى وقفا بجهالة: لا يجوز شراء
الوقف، ولا تدخل الغلة في ملكك، ادفعها إلى من أوقف عليه، قلت:
لا أعرف لها ربا، قال: تصدق بغلتها (7).
مضافا إلى التأيد بالوقوف الواردة عن أهل العصمة سلام الله عليهم، وقد
تضمنت النهي عن بيعها وشرائها وهبتها (8).
فلا شبهة في ذلك * (إلا أن يقع خلف) * بين أربابه * (يؤدي إلى فساده) *
وخرابه، فيجوز بيعه حينئذ عند الشيخين (9) وغيرهما، بل في الغنية على

(1) المائدة: 1.
(2) الوسائل 15: 49، الباب 40 من أبواب المهور الحديث 2.
(3) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1 و 2.
(4) لم نعثر عليه.
(5) السرائر 3: 153.
(6) لم نقف عليه.
(7) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
(8) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات.
(9) المقنعة: 652، والنهاية 3: 128.
346

الجواز إجماع الإمامية (1)، وكذا في كلام المرتضى (2)، إلا أنهما
عبرا عن السبب الموجب، بغير ما في العبارة، ومع ذلك قد اختلفا بأنفسهما،
فجعله الأول صيرورته بحيث لا يجدي نفعا، وخيف خرابه وكانت بأربابه
حاجة شديدة، ودعت إلى بيعه الضرورة، ونحوه الثاني، إلا أنه لم يذكر
خوف خرابه، وجعل كلا من الأول والثالث سببا على حدة، لا جزء سبب،
كما يقتضيه عبارة الأول، إلا أن يجعل الواو فيها بمعنى " أو ".
وكيف كان، فالحكم بالجواز في جميع ذلك * (على تردد) *.
ينشأ من أن المقصود من الوقف استيفاء منفعته، فإذا تعذر جاز بيعه،
تحصيلا للغرض، وأن الجمود على العين مع تعطيلها تضييع للمال وتعطيل
لغرض الواقف.
وللصحيح: أن فلانا ابتاع ضيعته فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس
ويسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض، أو يقوم على نفسه بما
اشتراها، أو يدعها موقوفة؟ فكتب (عليه السلام): أعلم فلانا أني آمره ببيع حقي من
الضيعة وإيصال ثمن ذلك إلي، وأن ذلك رأيي إن شاء الله تعالى، أو يقومها
على نفسه إن كان ذلك أوفق له (3).
وكتبت إليه: أن الرجل كتب إلي أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة
اختلافا شديدا، فإنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن
يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته؟
فكتب بخطه إلي: وأعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين
أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل، فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف

(1) الغنية: 298.
(2) الإنتصار: 469.
(3) الوسائل 13: 304، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 5.
347

الأموال والنفوس (1).
وفحوى الخبر: عن بيع الوقف إذا احتاج إليه الموقوف عليهم ولم يكفهم
ما يخرج من الغلة، قال: نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم باعوا (2).
ومن الأصل، وعمومات الأدلة المانعة، وضعف المجوزة عن
المعارضة لها.
فالأول: بأن المقصود من الوقف استيفاء المنفعة من نفس العين
الموقوفة، ودعوى اختصاصه بحال الاختيار دون الضرورة، فيجوز بيعه فيها
مصادرة.
والثاني: بالشك في صلوحه لتخصيص أدلة المنع، سيما مع رجاء زوال
الاختلاف بغير البيع، وأن أهل الطبقة الأولى في الوقف المؤبد، لا اختصاص
لهم بالوقف. بل نسبتهم إليه كنسبة سائر الطبقات المتأخرة، فهو من قبيل
المال المشترك الذي لا يجوز لأحد من الشركاء التصرف فيه كملا، وإنما
يبيع حصته المختصة به، والموقوف عليه هنا ليس له حصة في العين، وإنما
له الانتفاع به مدة حياته، ثم ينتقل إلى غيره، كما هو مقتضى الوقف.
فبيعهم له واختصاصهم بثمنه مناف لغرض الواقف وإن كان موافقا له من
وجه آخر على تقدير تسليمه.
اللهم إلا أن يجعل الثمن في وقف آخر يضاهي وقف الواقف، لكن ينافي
هذا الدليل الاستدلال بالصحيح، لظهوره في دفع الثمن إليهم. فتأمل.
والثالث: بدلالة صدره على جواز بيع حصته الموقوفة عليه (عليه السلام)، وليس
ثمة شئ من الأسباب الموجبة للبيع ونحوه، ولم يقولوا به عدا الصدوق،

(1) الوسائل 13: 305، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 6.
(2) الوسائل 13: 306، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 8.
348

حيث جوز بيع الوقف إذا كان على قوم دون غيرهم مطلقا ومنع عن بيع
الوقف المؤبد كذلك فيخرج بعضه عن الحجية (1). وهو وإن لم يقدح في
أصلها، إلا أن مثله معتبر في مقام الترجيح البتة.
هذا، مع قصور الدلالة بما ذكره خالي العلامة طاب ثراه.
فقال: ويخطر بالبال إمكان حمل هذا الخبر على ما إذا لم يقبضهم
الضيعة الموقوفة عليهم ولم يدفع إليهم، وحاصل السؤال أن الواقف يعلم أنه
إذا دفعها إليهم يحصل منهم الاختلاف ويشتد لحصول الاختلاف قبل الدفع
بينهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر أيدعها موقوفة ويدفعها إليهم، أو يرجع
عن الوقف لعدم لزومه بعد ويدفع إليهم ثمنها أيهما أفضل؟ فكتب (عليه السلام): البيع
أفضل، لمكان الاختلاف المؤدي إلى تلف النفوس والأموال. فظهر أن هذا
الخبر ليس صريحا في جواز بيع الوقف، كما فهمه القوم، واضطروا إلى العمل
به، مع مخالفته لأصولهم، والقرينة أن أول الخبر محمول عليه، كما عرفته،
وهذا الاحتمال وإن لم ندع أظهريته أو مساواته للآخر، فليس ببعيد بحيث
يأبى عنه الفطرة السليمة في مقام التأويل (2). انتهى كلامه علت في فراديس
الجنان اقدامه، ولنعم ما قاله.
بل ذكر بعض من عاصرته: أنه لا معنى للخبر غير ما ذكره، فإنه هو
الذي ينطبق عليه سياقه. ويؤيده - زيادة على ما ذكره - وقوع البيع في الخبر
من الواقف، وهو ظاهر في بقاء الوقف في يده، والمدعى في كلام الأصحاب
أن البيع من الموقوف عليهم، لحصول الاختلاف في الوقف، والخبر
لا صراحة فيه بحصول الاختلاف. انتهى (3).

(1) الفقيه 4: 241، ذيل الحديث 5575.
(2) ملاذ الأخيار 14: 400، وفيه اختلاف يسير.
(3) هو صاحب الحدائق 18: 443، وفيه اختلاف يسير.
349

وفيما ذكره من عدم معنى للخبر غير ما قالاه نظر، لعدم صراحته في
عدم القبض، بل ولا ظهوره فيه.
وترك الاستفصال في الجواب عن حصول القبض وعدمه يقتضي عدم
الفرق بينهما في الحكم، بل ظاهر التعليل المذكور فيه هو اختصاص الحكم
في الجواب بالأول، وإلا لكان الأنسب التعليل بعدم القبض.
وليس في الصدر المتضمن للرخصة في بيع حصته (عليه السلام) من الضيعة
دلالة على العكس، بناء على احتمال أن يقال: إن عدم القبض في حصته (عليه السلام)
الظاهر من الخبر لا يستلزم عدمه، بالإضافة إلى الباقين، فلعله حصل
بالإضافة إليهم دونه.
والحاصل: أن علمه (عليه السلام) بعدم القبض في حقه لا يستلزم العلم بعدمه
في حقهم.
هذا، مع أنه ربما يمكن أن يقال: إن غاية ما يستفاد من السؤال جعل
الواقف شيئا منها له (عليه السلام)، وهو أعم من وقفه عليه وعدمه، فلعل الرخصة في
البيع لعدم الوقف عليه.
نعم ربما ينافيه قول السائل فيما بعد: " أو يدعها موقوفة "، ولكن يمكن
أن يراد به معناه اللغوي، أي متروكة بحاله، يعني لا يبيعه. فتأمل (1).
وبالجملة ظهور الرواية فيما ذكره الأصحاب لا شك فيه ولا شبهة

(1) في " مش " توجد زيادة جملة وهي: هذا على تقدير تسليم ظهوره في عدم القبض المعتبر
بالإضافة إلى حصته مطلقا. وفيه منع لأن غايته الظهور في عدم قبضه بنفسه ولا يستلزم عدم
القبض المعتبر مطلقا إذ يحتمل حصول القبض من وكيله العام لاحتمال وجود وكيل له كذلك
ولا يمكن نفيه بالأصل فإن الوقف المسؤول عنه قضية في واقعة لا يمكن تشخيص مشخصاته
بالأصل فيؤخذ بظاهر لفظ الوقف المنصرف إلى الواقف الناقل المستجمع لشرائط الصحة بل
اللزوم في نحو المفروض ولعله لهذا أجاز الصدوق بيع الوقف المخصوص دون المؤبد لظهور
الرواية فيه. فتدبر.
350

تعتريه، ولذا أن الخال عليه الرحمة أطلق - على ما ذكره - لفظ " الحمل "،
ولم ينكر الظهور بالمرة.
لكن في الاكتفاء بمثل هذا الظهور لتخصيص الأدلة القاطعة مناقشة
واضحة، لفقد الصراحة، أو القوة في الدلالة المشترطة في صحة تخصيص
العمومات في هذه الرواية، مع احتمال الاكتفاء به، بعد اعتضاده بفهم الطائفة،
واشتهار الحكم بينهم، مع الإجماعات المحكية.
والرابع: بقصور السند بالجهالة والدلالة بأنها فرع قبولهم الحكم بما في
متن الرواية من جواز البيع مع رضا الموقوف عليهم به جملة، وكونه
أنفع لهم، ولم يقولوا به، بل لم يحك القول به إلا عن شذوذ من الطائفة،
كالمفيد (1) وغيره.
والذب عن قصور السند وإن كان ممكنا بانجباره بوجود ابن محبوب
فيه قد أجمع على تصحيح رواياته، إلا أن في بلوغ الرواية بذلك مرتبة
الصحة مناقشة، سيما وأن يخصص بها الأدلة المانعة، المعتضدة بالشهرة
العظيمة، التي كادت تكون لنا الآن إجماع الطائفة.
ولما ذكرناه من قوة الأدلة المانعة بالكلية ذهب الإسكافي (2) والحلي (3)
وفخر الإسلام (4) إلى القول بالمنع مطلقا، وادعى الثاني عليه إجماع الإمامية.
ولا يخلو عن قوة وإن كان القول بالجواز في مورد العبارة والصحيحة
المتقدمة غير بعيد، للشهرة العظيمة، وما تقدم من الإجماعات المحكية القوية
الاحتمال للشمول لموردهما، وهي على إجماع الحلي راجحة، باشتهار
محصلهما ولو في الجملة بين الطائفة لكن ينبغي صرف ثمنه إلى وقف آخر

(1) المقنعة: 652.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 287.
(3) السرائر 3: 153.
(4) الإيضاح 2: 393.
351

يضاهي وقف المالك، توصلا إلى غرضه، أو ما يقرب منه مهما أمكن، فإن
الميسور لا يسقط بالمعسور.
خلافا للمحكي عن المفيد (1) والمرتضى (2)، فجوزا الدفع إلى
الموجودين لينتفعوا به، وهو في الوقف الغير المؤبد غير بعيد. وعليه ينزل
الصحيح المتقدم، ويشكل في غيره.
فلا يترك ما قلناه فيه، بل في الأول أيضا، لمنافاة الدفع إليهم ما مر، من
عدم انتقال الوقف الغير المؤبد عن ملك المالك، ورجوعه بعد انقراض
الموقوف عليه إليه دون غيره.
وربما يستثنى أيضا عن منع البيع صورتان أخريان:
إحداهما: إذا حدث بالموقوف عليهم ما يمنع الشرع به من معونتهم،
والقربة إلى الله تعالى بصلتهم. وفي استثنائها نظر وإن نزلت على قصد الواقف
معونتهم بصلاحهم وديانتهم ثم يخرج أربابه من هذا الوصف إلى حد الكفر،
فحينئذ يمكن خروجهم عن الاستحقاق، لأن الخروج عن صفة الاستحقاق
لا يستلزم جواز البيع، مع إمكان أن يلحقه حكم الوقف على مصلحة بطل
رسمها، فيصرف في وجوه البر، كما مر.
والثانية: ما ذكره الشهيد الثاني وغيره (3)، وهو ما لو خرج الموقوف عن
الانتفاع به فيما وقف عليه كجذع منكسر وحصير خلق ونحوهما، فيتولى
المتولي الخاص بيعه، أو الحاكم مع عدمه، أو سائر عدول المؤمنين وشراء
ما ينتفع فيه.
وهو غير بعيد، حيث لا ينتفع به فيه بوجه من الوجوه، لأنه إحسان

(1) المقنعة: 652.
(2) الإنتصار: 469.
(3) المسالك 3: 170، ومجمع الفائدة 8: 168.
352

محض، وتحصيل لغرض الواقف بقدر الإمكان. ولا ريب أنه أولى من إلغائه.
والأمر بعدم بيعه حينئذ كاد أن يلحق بالعبث.
* (السادسة: إطلاق الوقف) * على نحو الأولاد أو الإخوة أو الأعمام
والأخوال أو مطلق ذي القرابة * (يقتضي التسوية) * بين ذكورهم وإناثهم في
الحصة، لا يفضل أحدهم على الآخر بشئ بالكلية على الأظهر الأشهر بين
الطائفة، للإطلاق، وفقد المرجح.
خلافا للإسكافي، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين (1)، حملا على
الميراث. وهو مع عدم وضوح مستنده سوى القياس شاذ.
نعم في الموثق: رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله، قال:
لأعمامه الثلثان ولأخواله الثلث. رواه الشيخ في باب ميراث الأعمام
والأخوال (2).
وكأنه فهم منه الوصية بالإرث أو حمله عليها، ولكنه بعيد.
* (فإن فضل) * الذكور على الإناث أو بالعكس أو بعضا منهما على بعض
* (لزم) * بلا خلاف، عملا بلزوم العقد والوفاء بالشرط. وكذا لو قال على
كتاب الله تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) في الميراث، فيتبع، كما لو صرح بالعكس.
* (السابعة: إذا وقف على الفقراء) * أو الفقهاء أو العلماء أو نحوهم من
ذوي الأوصاف الذين جعل الوقف لهم من حيث الوصف دون الشخص
* (وكان) * الواقف * (منهم) * أي بصفتهم حال الوقف أو اتصف بها بعده * (جاز
أن يشركهم) * فيه في المشهور بين الأصحاب، بل في الغنية (3) وعن
المبسوط (4) نفي الخلاف عنه.

(1) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 308.
(2) التهذيب 9: 325، الحديث 1169.
(3) الغنية: 298.
(4) المبسوط 3: 299.
353

وهو الحجة المؤيدة بما ذكره جماعة من أن الوقف على مثل ذلك ليس
وقفا على الأشخاص المتصفين بهذه الصفة، بل على الجهة المخصوصة،
ولهذا لا يعتبر قبولهم ولا قبول بعضهم ولا قبضهم وإن أمكن، ولا ينتقل
الملك إليهم، وإنما ينتقل إلى الله سبحانه، ولا يجب صرف النماء إلى جميعهم،
ومثل هذا يسمى وقفا على الجهة، لأن الواقف ينظر فيه إلى جهة الفقر
والمسكنة، ويقصد نفع موصوف بهذه الصفة لا أشخاصا معينة.
خلافا للحلي (1) فلا يصح له المشاركة، بناء منه على الإجماع على
اشتراط أن يخرج الواقف نفسه، ولا يحصل مع الشركة.
اشتراط أن يخرج الواقف نفسه، ولا يحصل مع الشركة.
والمناقشة فيه واضحة، لمنع الإجماع على الاشتراط كلية، بحيث يشمل
مفروض المسألة.
كيف لا! وهو محل النزاع والمشاجرة، مع أن المشهور - كما عرفت -
على جواز المشاركة، فليخص الاشتراط بالوقف على جماعة خاصة أو
عامة، ويكون المراد بالشرط في الوقف عليهم أن لا يقصد ابتداء دخول
نفسه معهم أو إدخاله، فلو لم يقصد ذلك صح الوقف بحصول ما شرط له.
ولا ينافيه الدخول بعد والمشاركة، فإن الشرط إنما هو عدم قصد
الدخول، لا عدم الانتفاع من الوقف بالكلية.
لكن مقتضى هذا تخصيص جواز المشاركة بصورة لم يحصل منه القصد
إلى الدخول والمشاركة، ولو حصل بطل الوقف من أصله، إلا أن عبائر
الأصحاب على الجواز مطلقة.
نعم حكي ذلك عن الشهيد في بعض فتاويه (2)، واستحسنه في

(1) السرائر 3: 155.
(2) حكاه عنه المحقق الثاني في جامع المقاصد 9: 28.
354

المسالك (1) فلم يجوز الانتفاع مع القصد المزبور، ولا مع القصد إلى المنع
عن نفسه، وعلل الأول: باستلزامه الوقف على نفسه وعدم القصد إلى الجهة،
والثاني: بتخصيصه العام بالنية، وهو جائز فيجب اتباع ما شرطه (2).
وهو حسن لولا الفتاوى المطلقة، المؤيدة بإطلاق حكاية نفي الخلاف
عنه في الكتب المتقدمة.
وللمختلف هنا تفصيل آخر فرق فيه بين الوقف على المصالح العامة
كالمساجد والقناطر وشبهها فالأول، والوقف على أرباب الصفة من نحو
الفقر والمسكنة، فلا يجوز المشاركة (3).
ولا وجه له يعتد به، سيما في مقابلة حكاية نفي الخلاف المتقدمة
المعتضدة بالشهرة، الظاهرة والمحكية في كلام بعض الأجلة (4)، فلا مسرح
عن قولهم، ولا مندوحة.
* (ومن اللواحق مسائل) * تتعلق * (بالسكنى والعمرى) * والرقبى
والثلاثة ثابتة بالإجماع والسنة المستفيضة الآتية.
* (وهي تفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض) * بلا خلاف أجده في شئ
من هذه الثلاثة، بل على اعتبار الأخير الإجماع في ظاهر كلام جماعة، بل
صريح بعضهم [كالمسالك وغيره] (5).
فلا شبهة فيه ولا خلاف، إلا في اشتراط القبول في السكنى المطلقة،
الغير المقيدة بعمر ولا مدة.
فقيل: يمكن القول بعدم اشتراط القبول فيها، لأنها حينئذ بمعنى إباحة

(1) المسالك 5: 364.
(2) المسالك 5: 364.
(3) المختلف 6: 297.
(4) هو صاحب الحدائق 22: 163.
(5) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطات، ولم نجد التصريح به في المسالك ولا في غيره.
355

السكنى، لجواز الرجوع فيها متى شاء (1).
ويضعف بصيرورتها بترك المدة عقدا جائزا، وهو لا يمنع من اشتراط
القبول فيها كنظائرها، مع أن ذلك لا يتم إلا على القول بجوازها من أصلها.
فلو قيل به بعد تحقق مسمى الإسكان ولزومه قبله - كما عن صريح
التذكرة (2) - فلا شبهة في اعتبار القبول فيها، لأنها حينئذ من العقود اللازمة
في الجملة وإن طرأ عليها الجواز بعد انقضاء المسمى.
وربما يستفاد من العبارة كغيرها عدم اشتراطها بالقربة، وهو أحد
القولين وأظهرهما وأشهرهما في المسألة، للأصل، والعمومات السليمة عما
يصلح للمعارضة.
خلافا للفاضل في القواعد، فاشترطها (3). ولا وجه له، ولذا حمل على
إرادته الاشتراط في حصول الثواب دون الصحة.
* (وفائدتهما التسليط على استيفاء المنفعة تبرعا مع بقاء الملك للمالك) *
بلا خلاف فيه عندنا، كما في المسالك (4). وهو الحجة، مضافا إلى أصالة بقاء
الملك، وبعض المعتبرة، كالخبر: عن السكنى والعمرى، فقال: إن الناس عند
شروطهم إن كان شرط حياته وإن كان شرط لعقبه فهو لعقبه، كما شرط حتى
يفنوا ثم يرد إلى صاحب الدار (5). ونحوه آخر.
وإن كان جعلها له ولعقبه من بعده حتى يفنى عقبه فليس لهم أن يبيعوه
ولا يورثوا، ثم يرجع الدار إلى صاحبها الأول.
وحكى الخلاف في المسالك عن بعض العامة، فجعلها على بعض

(1) القائل هو الشهيد في المسالك 5: 417.
(2) التذكرة 2: 450 س 12.
(3) القواعد 1: 272 السطر الأخير.
(4) المسالك 5: 418.
(5) الوسائل 13: 325، الباب 2 من أبواب السكنى والحبيس الحديث 1، 2.
356

الوجوه مفيدة فائدة الهبة، فينتقل ملك العين إلى الساكن (1)، وحكاه في
التنقيح (2) والدروس (3) عن ظاهر الشيخ في العمرى إذا جعلت له ولعقبه،
فقال: لا يرجع إلى المالك حينئذ.
وهو شاذ، ومستنده غير واضح، عدا ما في الدروس من رواية جابر (4)،
ولم يذكر متنها، ولم يتضح لي سندها، ومع ذلك محجوج بالأصل، وصريح
المعتبرين المتقدمين ونحوهما في الإفادة لهذه الفائدة الرقبى المتقدم
إليها الإشارة.
ولا فرق بينها في هذه الثمرة وإن اختلف بحسب اختلاف الإضافة، فإذا
قرنت بالإسكان قيل: سكنى، كأن يقول: أسكنتك هذه الدار ولك سكناه،
وبالعمر قيل: عمري، كقولك: أعمرتك هذه الأرض عمرك أو عمري، وبالمدة
قيل: رقبى، كأن يقول: أرقبتك هذا المتاع مدة كذا من الارتقاب، وهو
الانتظار للأمد، أو من رقبة الملك، بمعنى إعطاء الرقبة للانتفاع بها.
كل ذا على المشهور، كما في المسالك (5) والكفاية (6)، فيكون بين العمرى
والرقبى تباين.
وفي الغنية (7) وعن الشيخ (8) والقاضي (9) والحلي (10) أنهما بمعنى
واحد فالأولى من العمر والثانية من الرقوب، كان كل واحد منهما يرتقب
موت صاحبه. وربما أشعر به العبارة، حيث اقتصر بذكر العمرى خاصة دون
الرقبى، فكأنه جعلهما بمعنى واحد، وإلا لذكر الرقبى ولو بالإشارة.

(1) المسالك 5: 418.
(2) التنقيح 2: 333.
(3) الدروس 2: 281.
(4) الدروس 2: 281.
(5) المسالك 5: 420.
(6) كفاية الأحكام: 143 س 4.
(7) الغنية: 302.
(8) المبسوط 3: 317، والخلاف 3: 562، المسألة 8.
(9) المهذب 2: 101.
(10) السرائر 3: 168.
357

وعن الشيخ وتالييه أنه قيل: في الرقبى أن يقول: جعلت خدمة هذا
العبد لك (1).
وعن الأكثر أيضا أن بين السكنى وكل من العمرى والرقبى عموما من
وجه، لاجتماعها مع كل منهما فيما لو قرن إباحة المنفعة بالسكنى،
ومشخصات إحداهما كالسكنى مدة العمر في الأولى ومدة معينة في الثانية،
وافتراقها عن كل منهما باقتران الإباحة بالسكنى خاصة، كما قدمناه من
المثال. ويفترقان عنها بتجرد الإباحة عن الإسكان وتقييدها بالعمر أو المدة،
كما قدمناه من المثال، وبجريانهما في غير المسكن من سائر الأعيان التي
يصح وقفها، بخلاف السكنى، لاختصاصها به.
وعن التحرير تخصيص العمرى بما لا يشمل عقدها على لفظ السكنى،
كأن يقول: أعمرتكها مدة عمرك، والرقبى بما لا يشمل عليه، بل على المدة،
كأن يقول: أرقبتكها مدة كذا، فإن ذكر الإسكان فهي سكنى خاصة مطلقا
وإن قرنت بعمر أو مدة (2). وحينئذ فبينهما بهذا الاعتبار تباين.
والأمر في ذلك سهل، لكونها أمورا اصطلاحية ليس فيها مشاحة.
* (وتلزم) * السكنى بعد القبض * (لو عين المدة) * فلا رجوع فيما دونها
* (وإن مات المالك) * بلا خلاف أجده، إلا من الشيخ والحلبي (3)، فلا يلزم هي
كالعمرى، إما مطلقا كما عن الأول، أو مع عدم قصد القربة كما عن الثاني،
والأول أشهر، بل عليه عامة من تأخر، بل صرح جمع منهم كالمسالك (4)
والصيمري (5) وغيرهما بجهالة القائلين بخلافه، وإنما أفصح عنهما الفاضل

(1) المبسوط 3: 316، والمهذب 2: 100، السرائر 3: 168.
(2) التحرير 1: 290 س 30.
(3) لم نعثر عليه في كتبهما. نعم، نقله عنهما في التنقيح الرائع 2: 333.
(4) المسالك 5: 423.
(5) غاية المرام: 101 س 21 " مخطوط ".
358

المقداد في الشرح (1).
وكيف كان، فهما بالإعراض عنهما أجدر، والمصير إلى ما عليه الأكثر
أظهر، عملا بعموم لزوم الوفاء بالعقود والشروط، المستفاد من الكتاب (2)
والسنة (3)، عموما وخصوصا.
ومنه الخبران المتقدمان وغيرهما، كالصحيح: عن رجل جعل داره
سكنى لرجل أيام حياته ولعقبه من بعده، قال: هي له ولعقبه من بعده كما
شرط، قلت: فإن احتاج إلى بيعها يبيعها؟ قال: نعم، قلت: فينتقض بيعه الدار
السكنى، قال: لا ينقض البيع السكنى، الخبر (4).
وفيه دلالة من وجه آخر أظهر، كالموثق: عن رجل أسكن داره رجلا
حياته، قال: يجوز له، وليس له أن يخرجه، قلت: فله ولعقبه؟ قال: يجوز،
الحديث (5).
* (وكذا) * تلزم * (لو قال له) * أسكنتك * (عمرك لم تبطل بموت المالك، و) *
إنما * (تبطل بموت الساكن) * خاصة عند الأكثر، بل عليه عامة من تأخر،
لعين ما مر.
خلافا للإسكافي، فقال: إذا أراد ورثة المالك إخراج الساكن بعد موت
المالك نظر إلى قيمة الدار، فإن كانت تحيط بثلث الميت لم يكن لهم إخراجه،
وإن كان ينقص عنها كان لهم ذلك (6).
واستند فيه إلى بعض النصوص القاصرة السند بالجهالة أو الضعف،

(1) التنقيح 2: 333.
(2) المائدة: 1.
(3) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
(4) الوسائل 13: 267، الباب 24 من أبواب الإجارة الحديث 3.
(5) الوسائل 13: 325، الباب 2 من أبواب السكنى والحبيس الحديث 3.
(6) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 332.
359

والمتن بالخلل ومخالفة الأصل، وبعض النصوص المتقدمة، كثاني الخبرين
المتقدمين في صدر البحث، بملاحظة صدره الذي تركنا ذكره من قوله: " إن
جعل السكنى في حياته فهو كما شرط "، فإن الظاهر رجوع الضمير إلى
الساكن بقرينة ما ذكرناه من التتمة، فقد حكم (عليه السلام) بلزوم الشرط من دون
تفصيل بين موت المالك وعدمه.
فإذا المذهب الأول، إلا أن يكون الإسكان موصى به، أو منجزا وكان في
مرض موته فتعتبر المنفعة الخارجة من الثلث لا جميع الدار.
* (ولو قال) * أسكنتك عمري، وإليه أشار بقوله: * (حياة المالك لم يبطل
بموت الساكن، وانتقل ما كان له) * من الحق * (إلى ورثته) * بلا خلاف، كما
في المسالك (1) وغيره. وهو الحجة، مضافا إلى الأصول المتقدمة في الحكم
الأول، وأنه حق كسائر الحقوق المنتقلة إلى الورثة بالاتفاق، بحسب الفتوى
والرواية في الحكم الثاني.
ثم إن هذه الأحكام في العبارة وإن اختصت بالسكنى المختصة بالدار
ونحوه، إلا أن مقتضى الأصول المتقدمة انسحابها في كل رقبى وعمري وإن
كانت بغير متعلق السكنى متعلقة كالمتاع وشبهه.
واعلم أن مورد العبارة والرواية مختص بجعل الغاية عمر المالك أو
المعمر، ويضاف إلى ذلك عقب المعمر، كما في الثانية.
وهل يجوز التعليق بعمر غيرهما؟ قال الشهيد (2): نعم للأصل، وعموم
الأمر بالوفاء بالعقود (3)، وأن المسلمين عند شروطهم (4)، ولصدق اسم

(1) المسالك 5: 423.
(2) حكاه عن بعض فوائده في المسالك 5: 424.
(3) المائدة: 1.
(4) الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 1 و 2 و 5.
360

العمرى المدلول على شرعيتها في بعض النصوص من غير تقييد بعمر
أحدهما.
ويحتمل قويا العدم، لاشتمال العقد على الجهالة، من حيث عدم العلم
بغاية الوقت المنفعة المستحقة، فلا يجدي التمسك بالأصل والعمومين،
لاختصاصهما بما لا يشمل عليها، والإطلاق بحيث يشمل المقام ممنوع، بعد
قوة احتمال انصرافه بحكم التبادر إلى العمرى المقيدة بعمر أحدهما.
ولكن الأجود الأول، إلتفاتا إلى عدم تعقل الفرق بوجه، فيبعد، مع تضمن
بعض الأخبار السابقة الحاكمة باللزوم لما هو كالتعليل له من قوله: " له
شرطه "، وأن المؤمنين عند شروطهم (1).
ويظهر منه غاية الظهور أن الحكم باللزوم إنما هو من حيث لزوم الوفاء
بالشروط، وهو متحقق في المفروض.
* (وإن أطلق) * السكنى * (ولم يعين) * المالك لها * (مدة) * معلومة * (ولا
عمرا) * أصلا صح السكنى بلا خلاف، كما قيل (2)، ولكن لا يلزم، بل * (تخير
المالك في إخراجه مطلقا) * أي متى شاء بلا خلاف، للمعتبرين:
أحدهما الصحيح: عن رجل أسكن رجلا داره ولم يوقت له شيئا، قال:
جائز، ويخرجه إذا شاء (3). ونحوه الثاني الموثق.
وليس فيهما - كالعبارة - لزوم الإسكان ولو في الجملة، كيوم ونحوه مما
يسمى اسكانا في العرف والعادة ولا عدمه، بل هما بالإضافة إليهما مطلقان،
وفي المسالك عن الأكثر عدمه، فإنها من العقود الجائزة (4)، فله الرجوع متى

(1) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
(2) القائل صاحب الحدائق 22: 286.
(3) الوسائل 13: 327، الباب 4 من أبواب السكنى والحبيس الحديث 1، 2.
(4) المسالك 5: 425.
361

شاء ولو قبل الإسكان بالكلية.
ويمكن أن ينزل عليه العبارة، بل الرواية، بجعل متعلق الإخراج هو
الإسكان، المتعلق به العقد دون الدار.
خلافا للتذكرة (1) والمحقق الثاني (2)، فحكما به، ونفى عنه البعد في
الكفاية (3).
واستدل لهم تارة بالرواية، وقد عرفت ما فيها من المناقشة، وضعف
الدلالة.
وأخرى بالعمومات الدالة على لزوم الوفاء بالعقود والشروط. وهو
حسن إن لم يكن في الإسكان المطلق الغير المقيد بمدة جهالة، وإن كان كما
هو الظاهر فسدت الحجة، لاختصاصها بما لا يتضمن الجهالة، كما مر إليه
الإشارة.
ومقتضى ذلك وإن كان فساد السكنى بالكلية، إلا أن دعوى عدم الخلاف
في الصحة المؤيدة باتفاقهم عليها في الظاهر أوجبت الحكم بها، ولا يلزم
منها إيجاب اللزوم مطلقا ولو في الجملة. فتأمل.
ثم مقتضى هذه القاعدة فساد العمرى وكذا الرقبى لو خلتا عن ذكر
العمر والمدة، كما لو أقتا بعمر مجهول أو مدة مجهولة، وفاقا للدروس (4)
والمسالك (5) في الأولى. خلافا للثاني في الثانية، وللتحرير (6) فيهما،
لوجوه مدخولة.
* (و) * كيف كان * (لو مات المالك والحال هذه) * يعني تكون السكنى غير

(1) التذكرة 2: 450 س 12.
(2) جامع المقاصد 9: 124.
(3) لم نجد فيها التصريح بنفي البعد، راجع كفاية الأحكام: 143 س 16.
(4) الدروس 2: 281.
(5) المسالك 5: 426.
(6) التحرير 1: 290 س 34 و 291 س 1.
362

لازمة * (كان المسكن ميراثا لورثته) * أي المالك * (وبطلت السكنى) * بالمرة
بلا خلاف في الظاهر ولا إشكال، فإن ذلك مقتضى العقود الجائزة. وأولى منه
بالحكمين ما لو كانت السكنى أو العمرى أو الرقبي من أصلها فاسدة.
* (و) * إطلاق السكنى بأقسامها الثلاثة حيث تتعلق بالمسكن يقتضي أن
* (يسكن الساكن معه من جرت العادة به) * أي عادة الساكن به، أي بإسكانه
معه * (كالولد والزوجة والخادم) * والضيف والدابة إن كان في المسكن موضع
معد لمثلها. وكذا وضع ما جرت العادة بوضعه فيها من الأمتعة والغلة بحسب
حالها بلا خلاف، إلا من ظاهر النهاية (1) والقاضي (2) وابن زهرة (3)، حيث
اقتصروا على ذكر الولد وأهله.
ولعل مرادهم منه التمثيل خاصة، كما فهمه متأخروا الأصحاب كافة،
ولذا لم ينقلوا عنهم الخلاف في جواز إسكان ما عدا من ذكروه.
* (وليس له أن يسكن معه غيره) * ممن لم يحكم العرف بإسكانه معه،
ولا الإجارة وغيرها من التصرفات الناقلة حتى للمنفعة * (إلا بإذن المالك) *
على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، اقتصارا فيما خالف الأصل
الدال على لزوم الاقتصار في ملك الغير على ما يقتضيه الإذن والرخصة على
المتيقن، وليس إلا إسكان من قدمناه خاصة، بل لولا العادة لكان اللازم عليه
الإسكان بنفسه دون غيره، فإن ذلك مقتضى أسكنتك لغة، لكن جاز التعدي
إلى من ذكر قضية لها، مضافا إلى الاتفاق عليه فتوى، كما مضى.
خلافا للحلي فجوز له إسكان من شاء وإجارته ونقله كيف شاء، محتجا
بأنه ملكه المنفعة بعقد لازم، فيجوز له التصرف فيها مطلقا، كما لو تملكها
بالإجارة وكغيرها من أمواله (4). وهو شاذ، ومستنده - كما ترى - ضعيف.

(1) النهاية 3: 131.
(2) المهذب 2: 102.
(3) الغنية: 302.
(4) السرائر 3: 169.
363

* (ولو باع المالك الأصل) * المسكن * (لم تبطل السكنى إن وقتت بأمد أو
عمر) * بلا خلاف، للصحيح: لا ينقض البيع السكنى ولكن يبيعه على أن
الذي اشتراه لا يملك ما اشترى حتى ينقضي السكنى على ما شرط (1).
وصريحه كالإسكافي (2) والشهيدين (3) وغيرهما، وظاهر العبارة هنا
وفي الشرائع (4) وغيره صحة البيع، ولعلها مختار الأكثر. وهو أظهر، لصراحة
الخبر المعتبر، مضافا إلى الأصل، والعمومات الآمرة بالوفاء من الكتاب
والسنة، والسليمة هنا عما يصلح للمعارضة.
خلافا للفاضل في الموقتة بالعمر فاستشكل في الصحة فيها في
المختلف (5) والتذكرة (6) والقواعد (7)، وقطع بعدمها في التحرير (8)، التفاتا منه
إلى أن الغرض المقصود من البيع هو المنفعة، ولذا لا يجوز بيع ما لا منفعة
فيه وزمان استحقاق المنفعة في العمرى مجهول، وقد منع الأصحاب من بيع
المسكن الذي تعتد فيه المطلقة بالأقراء، لجهالة وقت الانتفاع به، فهنا أولى،
لإمكان استثناء الزوج مدة يقطع بعدم زيادة المدة عليها.
بخلاف المتنازع، وهو مع أنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المعتضد
بعمل الأكثر مضعف بما لا يسع ذكره المقام.
وأما الأولوية المدعاة في بيع مسكن المطلقة باستثناء قدر يقطع بانقضاء
العدة قبله، فمثله آت في العمرى، نظرا إلى العمر الطبيعي الذي لا يعيش
المعمر بعده قطعا أو عادة، ومن ثم يحكم بموت المفقود حينئذ، ويقسم ماله،

(1) الوسائل 13: 267، الباب 24 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 3.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 335.
(3) الدروس 2: 282، والمسالك 5: 428.
(4) الشرائع 2: 225.
(5) المختلف 6: 336.
(6) التذكرة 2: 451 س 20.
(7) القواعد 1: 273 س 12.
(8) التحرير 1: 291 س 4.
364

وتعتد زوجته عدة الوفاة اتفاقا.
نعم لو اقتت بعمر المعمر وعقبه على الإطلاق اتجه ما ذكره، لكن عبارته
بتحقق الأولوية مطلقة شاملة لما إذا اقتت السكنى بعمر المعمر أو بعض من
عقبه خاصة، فيتجه حينئذ ما ذكرناه من المناقشة.
هذا، ويمكن أن يقال: إن الجهالة المانعة من صحة البيع إنما هي إذا
كانت في نفس المبيع دون منفعته، وهي هنا لمعلومية المبيع منتفية.
وفتوى الأصحاب بالمنع عن بيع دار المطلقة المزبورة لا حجة فيها على
المنع في المسألة، إما لاختصاصها بالمنع ثمة دون المسألة، أو لعدم بلوغها
درجة الإجماع، فلا تكون من أصلها معتبرة. وعلى هذا ينسحب القول
بالصحة في تلك المسألة.
فهذا القول ضعيف غايته، كالقول بالفرق بين بيعه على المعمر فالأول
وغيره فالثاني، نظرا إلى استحقاق المعمر المنفعة ابتداء واستمرارا، فتقل
الجهالة، فإن المعتبر من العلم بالمنفعة المطلوبة في البيع إن كان مما ينافيه
هذا الفائت منها زمن العمر المجهول بطل مطلقا، وإلا صح كذلك، لاختلاف
الاستحقاقين، ولا يبنى أحدهما على الآخر.
نعم ربما يتوجه ما ذكره العلامة في العمرى المؤبدة المقيدة بعمر المعمر
وعقبه، لكون المبيع حينئذ مسلوب المنفعة فيعد شراؤه سفاهة، فيبطل من
هذه الجهة.
ولكن يدفعه إطلاق الرواية، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال،
كما يستفاد من صدرها، ومع ذلك مقتضاه اختصاص البطلان بصورة لم
يتصور فيها للعين منفعة مقصودة للعقلاء غير ما وقع عليه عقد العمرى
كالدور وشبهها.
365

وأما ما يتصور فيه تلك المنفعة كالعبد والأمة فيحتمل فيهما الصحة،
لعدم استلزام اعمارهما فساد البيع من جهة سلب المنفعة، لوجود منفعة
أخرى غير المستحقة، وهي عتقهما ونحوه، وأمثالها للعقلاء مقصودة.
ثم المشتري - حيث صح البيع - إن كان عالما بالحال فلا خيار له
ووجب عليه الصبر، وإلا تخير بين الفسخ والصبر، وهو إجماع، كما في
التنقيح (1). وهو الحجة، مضافا إلى أن فوات المنفعة عيب مجوز للفسخ،
لكونه ضررا منفيا اتفاقا فتوى ورواية.
واحترز بالشرطية في العبارة عن السكنى المطلقة، فإنها تبطل بالبيع،
لكونها - كما عرفت - من العقود الجائزة، إلا إذا قلنا بلزومها في الجملة،
فتبطل بالبيع إن كان بعد مضي زمان استيفاء مسمى الإسكان خاصة،
ونحوها العمرى والرقبى حيث لم تتوقتا بعمر ولا مدة وقلنا بالصحة، وإلا
كانتا باطلتين من أصلهما.
* (ويجوز حبس) * نحو * (البعير والفرس في سبيل الله تعالى) * لنقل الماء
إلى المسجد والسقاية ولمعونة الحاج والزائرين وطلاب العلم والمتعبدين
* (والغلام والجارية في خدمة بيوت العبادة، ويلزم) * كل * (ذلك ما دامت العين
باقية) * بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، وبه صرح الحلي في السرائر (2).
وهو الحجة، دون ما ذكره في الكفاية (3) من الصحيح: في رجل جعل
لبعض قرابته غلة داره ولم يوقت وقتا فمات الرجل فحضر ورثته
ابن أبي ليلى وحضر قرابته الذي جعل له غلة الدار، فقال ابن أبي ليلى: أرى
أن أدعها على ما تركها صاحبها، فقال له محمد بن مسلم الثقفي: أما أن علي

(1) التنقيح 2: 336.
(2) السرائر 3: 169.
(3) كفاية الأحكام: 143 س 24.
366

ابن أبي طالب (عليه السلام) قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت، فقال: وما
علمك؟ فقال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: قضى علي بن أبي طالب (عليه السلام) برد
الحبيس وانفاذ المواريث (1)، الحديث. ونحوه الخبر في الدلالة على الأمر
برد الحبيس وانفاذ المواريث (2).
فإنهما - كما ترى - مع قصور سند الثاني واختصاص مورد الأول
بالحبس على الانسان قاصرا الدلالة على المطلوب، بل هما في الدلالة على
خلافه. وبطلان الحبس بموت الحابس واضحا الظهور، ولذا أن شيخنا في
المسالك قال: حملهما الأصحاب على الحبس على الانسان، وجعل مستند
لزومه في القرب هو نفس الاتفاق على الظاهر عنده (3).
ثم إن الماتن وكثرا من الأصحاب قد أهملوا ذكر كثير من أحكام
الحبس. قيل: والظاهر أن مورده مورد الوقف، فيصح في كل عين ينتفع بها
مع بقاء عينها بالشرائط السابقة على الانسان مطلقا، وعلى القرب حيث
يمكن الانتفاع بها فيها، كحبس الدابة لما تقدم والكتب على المتفقهين
والبيت على الساكنين وغير ذلك (4).
وأنه لا بد فيه بعد أهلية التصرف من إيجاب وقبول، كما في الوقف،
وقصد القربة، كما عن السرائر (5) والتحرير (6) والمحقق الثاني (7)، والقبض،
كما عن التذكرة (8).
وأنه إن كان على إنسان فإن أطلق بطل بموت الحابس اتفاقا، وله

(1) الوسائل 13: 328، الباب 5 من أبواب السكنى والحبيس الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 329، الباب 5 من أبواب السكنى والحبيس الحديث 2.
(3) المسالك 5: 432.
(4) القائل الشهيد الثاني في المسالك 5: 433.
(5) السرائر 3: 170.
(6) التحرير 1: 291 س 8.
(7) جامع المقاصد 9: 127.
(8) التذكرة 2: 450 س 24.
367

الرجوع حينئذ متى شاء، كما في القواعد (1)، وإن عين مده لزم فيها أجمع ثم
يرد إلى المالك.
والظاهر أنه لا خلاف فيه أيضا، وإن كانت المدة عمر أحدهما فكالمدة
المعينة، كما في التحرير (2).
وفي رواية: عن رجل مات وخلف امرأة وبنين وبنات وخلف لهم غلاما
أوقفه عليهم عشر سنين ثم هو حر بعد العشر سنين فهل يجوز لهؤلاء الورثة
بيع هذا الغلام وهم مضطرون؟ فكتب: لا يبيعوا إلى ميقات شرطه، إلا أن
يكونوا مضطرين إلى ذلك فهو جائز (3) لهم.
وفي أخرى: عن رجل جعل لذات محرم جاريته حياتها، قال: هي لها
على النحو الذي قال (4).
z z z

(1) القواعد 1: 273 س 16.
(2) التحرير 1: 291 س 9.
(3) الوسائل 13: 327، الباب 3 من أبواب السكنى والحبيس الحديث 3.
(4) الوسائل 13: 330، الباب 6 من أبواب السكنى والحبيس الحديث 1.
368

* (وأما الصدقة) *
* (فهي التطوع) * أي التبرع * (بتمليك العين) * من الغير * (بغير عوض) *
دنيوي، والنصوص في فضلها متواترة، مضافا إلى الآيات المتكاثرة.
قال سبحانه: " وما تنفقوا من خير يوف إليكم " (1).
وقال: " وفي أموالهم حق للسائل والمحروم " (2).
وقال (صلى الله عليه وآله): الصدقة تدفع ميتة السوء (3).
وقال (عليه السلام): إن الله تعالى ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة والحرق والغرق
والهدم والجنون، إلى أن عد سبعين بابا من السوء (4).
وقال مولانا الصادق (عليه السلام): المعروف شئ سوى الزكاة، فتقربوا إلى الله
بالبر وصلة الرحم (5).
وقال مولانا الباقر (عليه السلام): صنائع المعروف تدفع مصارع السوء (6).

(1) البقرة: 272.
(2) الذاريات: 19.
(3) الوسائل 6: 255، الباب 1 من أبواب الصدقة الحديث 2.
(4) الوسائل 6: 268، الباب 9 من أبواب الصدقة الحديث 1.
(5) الوسائل 16: 31، الباب 7 من أبواب ما تجب به الزكاة الحديث 13.
(6) الكافي 4: 29، الحديث 3.
369

ويشترط فيها بعد أهلية التصرف من المصدق أمور.
منها: ما يدل على الإيجاب والقبول ولو فعلا، وفاقا لبعض أصحابنا.
خلافا لجماعة، فاشترطوا فيها ما يشترط في العقود اللازمة.
وإطلاق النصوص بلزوم الصدقة بعد القبض وقصد القربة تدفعه، وهي
وإن شملت ما ليس فيه إيجاب وقبول بالمرة، إلا أن اعتبارهما ولو فعلا لازم
البتة، فإن مع عدمهما لا يعلم كونه صدقة، مضافا إلى عدم انصراف
الإطلاقات بحكم التبادر إلى ما خلا عنهما البتة.
وهذا مضافا إلى الاتفاق في الظاهر على اعتبارهما في الجملة، وسيأتي
عن المبسوط أن عليه إجماع الإمامية.
ومنها: قصد القربة بلا خلاف، لما مر في الوقف من المعتبرة المستفيضة،
الدالة على أنه لا صدقة إلا ما أريد به وجه الله سبحانه (1)، ونحوها كثير من
النصوص الآتية.
ومنها: القبض بلا خلاف أيضا أجده، بل عليه في ظاهر المبسوط
إجماع الإمامية (2)، لأصالة عدم اللزوم، بل الصحة قبله، واختصاص
الإطلاقات الحاكمة بلزومها بحكم التبادر بالصدقة بعده، مضافا إلى الصحيح
وغيره المتقدمين في الوقف: في الرجل يتصدق على ولد له وقد أدركوا،
فقال: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث (3)، الحديث.
* (ولا حكم لها) * من لزوم أو صحة * (ما لم تقبض بإذن المالك) *
بلا خلاف، للأصل، وظهور الخبرين المشترطين للقبض في ذلك، ولأن القبض
المترتب عليه أثره هو المأذون فيه شرعا، والمنهي عنه غير منظور إليه.

(1) الوسائل 13: 319، الباب 13 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 2.
(2) المبسوط 3: 314.
(3) الوسائل 13: 297، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
370

* (وتلزم بعد القبض وإن لم يعوض عنها) * على الأظهر الأشهر، بل عليه
عامة من تأخر، وعن الحلي الإجماع عليه (1) وهو الحجة، مضافا إلى أن
المقصود بها الأجر وقد حصل كالمعوض عنها.
وفي المعتبرة المستفيضة: إنما مثل الذي يتصدق بالصدقة ثم يعود فيها
مثل الذي يقئ ثم يعود في قيئه (2).
وفي معتبرة أخر: ولا ينبغي لمن أعطى لله شيئا أن يرجع فيه، وما لم
يعط لله وفي الله فإنه يرجع فيه (3).
خلافا للمبسوط، فقال: إن صدقة التطوع عندنا بمنزلة الهبة في جميع
الأحكام من شرطها الإيجاب والقبول، ولا تلزم إلا بالقبض، وكل من له
الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة عليه (4).
وهو شاذ، ومستنده غير واضح، سوى دعواه الإجماع في الظاهر على
اتحادها مع الهبة في الأحكام، وهي بعد تسليمها غير ضائرة، بعد ما مر من
حصول العوض بقصد التقرب، فيكون كالهبة المعوض عنها لا يجوز
الرجوع فيها.
* (ومفروضها محرم على بني هاشم) * بلا خلاف إن كان زكاة، بل عليه
إجماع العلماء كافة، والصحاح وغيرها به مع ذلك مستفيضة.
ففي الصحيح: أن الصدقة أوساخ أيدي الناس وأن الله حرم علي منها
ومن غيرها ما قد حرمه (5)، الحديث.

(1) السرائر 3: 177.
(2) الوسائل 13: 316، الباب 11 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 2.
(3) الوسائل 13: 334، الباب 3 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
(4) المبسوط 3: 314.
(5) الوسائل 6: 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2، 3.
371

وفي آخر: لا تحل الصدقة لولد العباس ولا نظرائهم من بني هاشم.
وكذا غيرها من الصدقات الواجبة على إطلاق العبارة وغيرها من
عبائر كثير من الجماعة، بل نسبه في المسالك إلى الشهرة (1) عملا بإطلاق
تلك المستفيضة.
والأصح - وفاقا لجماعة كالمسالك (2) وغيره - الحلية، لأصالة الإباحة،
واختصاص إطلاقات النصوص بحكم التعليل في بعضها بأنها أوساخ أيدي
الناس (3) والتبادر في باقيها بالزكاة الواجبة، مضافا إلى خصوص المعتبرة
المستفيضة:
منها الصحيح: إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا، فأما غير
ذلك فليس به بأس، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة هذه
المياه عامتها صدقة (4). وبمعنى ذيلها رواية أخرى صحيحة (5).
والمتبادر من الواجبة هي الزكاة المفروضة، لكونها المعروفة الشائعة
المنساق إليها اللفظ من دون قرينة، مع إشعار الرواية بها من حيث وصفها
فيها بالواجبة على الناس.
هذا، مع أنه صرح بالحصر فيها في خبرين.
في أحدهما: عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: هي
الزكاة، قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض، قال: نعم (6).
ونحوه الثاني: عن الصدقة المحرمة عليهم ما هي؟ فقال: الزكاة
المفروضة.

(1) المسالك 5: 410، وفيه الأكثر.
(2) المسالك 5: 411.
(3) الوسائل 6: 186، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.
(4) الوسائل 6: 189، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3.
(5) الوسائل 6: 188، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
(6) الوسائل 6: 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 5، 4.
372

ويمكن أن ينزل على المختار إطلاق العبارة وما ضاهاها مما تضمن لفظ
" المفروضة " بحملها على الزكاة المالية.
* (إلا) * أن تكون * (صدقة أمثالهم) * من السادة فتحل لهم مطلقا إجماعا،
للمعتبرة المستفيضة.
منها الموثق: قلت له: صدقة بني هاشم بعضهم على بعض تحل لهم؟
فقال: نعم (1).
* (أو) * تكون الصدقة عليهم * (مع الضرورة) * والبلوغ حدا يحل لهم معه
أكل الميتة فتحل لهم بلا خلاف أجده، للموثق: والصدقة لا تحل لأحد منهم،
إلا أن لا يجد شيئا ويكون ممن تحل له الميتة (2).
* (ولا بأس) * لهم * (بالمندوبة) * بلا خلاف أجده، للأصل، وما مر من
النصوص المستفيضة.
وربما يستثنى منهم النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومون (عليهم السلام) في ذلك،
صونا لهم من النقص وتسلط المتصدق.
ويدفعه الصحاح المتقدمة المتضمنة لقولهم (عليهم السلام): لو حرمت الصدقة
علينا لم يحل لنا أن نخرج إلى مكة، لأن كل ما بين مكة والمدينة
فهو صدقة (3).
قيل: ويمكن الفرق بين الصدقة العامة والخاصة بهم، فتباح الأولى دون
الثانية (4).
وهو مع شذوذه لا وجه له، عدا التعرض في الصحاح لإباحة الأولى

(1) الوسائل 6: 190، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 6.
(2) الوسائل 6: 191، الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
(3) الوسائل 6: 188، الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
(4) القائل صاحب مفاتيح الشرائع 1: 232، مفتاح 263.
373

دون الثانية، وليس فيه حجة، مع ظهور السياق في كون تخصيصها بالذكر
للمثل لا الحصر.
* (والصدقة سرا أفضل منها جهرا) * قال سبحانه: " وإن تخفوها وتؤتوها
الفقراء فهو خير لكم " (1)، وعن مولانا الصادق (عليه السلام): الصدقة في السر والله
أفضل منها في العلانية (2).
* (إلا أن يتهم) * في ترك المواساة فيظهرها دفعا للتهمة، أو يقصد اقتداء
الناس به تحريصا على نفع الفقراء.
وقيل: هذا كله في المندوبة أما الواجبة فإظهارها أفضل (3)، لعدم تطرق
الرياء عليها كما يتطرق إلى المندوبة، ولاستحباب حملها إلى الإمام المنافي
للكتمان غالبا.
وفي الحسن: كلما فرض الله تعالى عليك فإعلانه أفضل من إسراره،
وكلما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه، فلو أن رجلا حمل زكاة ماله
على عاتقه علانية كان ذلك حسنا جميلا (4).
وفي الموثق في قوله تعالى: " وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير
لكم " قال: هي سوى الزكاة، إن الزكاة علانية غير سر (5).

(1) البقرة: 271.
(2) الوسائل 6: 275، الباب 13 من أبواب الصدقة الحديث 3.
(3) القائل الشهيد الأول في الدروس 1: 256، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 9: 130، والشهيد
الثاني في المسالك 5: 414.
(4) الوسائل 6: 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
(5) الوسائل 6: 215، الباب 54 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.
374

* (وأما الهبة) *
* (فهي تمليك العين تبرعا مجردا عن) * قصد * (القربة) * أي من دون
اشتراطها بهما، وإلا لانتقض بالهبة المعوض عنها والمتقرب بها إلى الله
تعالى، فإنهما هبة أيضا إجماعا، فتوى ونصا.
والدليل على عدم اشتراطها بالقربة بعد الوفاق والأصل ظواهر كثير من
المعتبرة.
منها الصحيح: إنما الصدقة محدثة إنما كان الناس على عهد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينحلون ويهبون، ولا ينبغي لمن أعطى لله عز وجل شيئا أن
يرجع فيه، قال: وما لم يعط لله وفي الله فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة،
حيزت أو لم تحز، الحديث (1). ونحوه الموثق (2) وغيره (3).
ولذا صار أعم من الصدقة، لاشتراطها بالقربة دونها، كما أنها أعم من
الهدية، لافتقارها إلى قيد دونها، وهو أن تحمل من مكان إلى مكان
الموهوب له، إعظاما له وتوقيرا.

(1) الوسائل 13: 334، الباب 3 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 342، الباب 10 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
(3) الوسائل 13: 334، الباب 3 من أبواب أحكام الهبات الحديث 2.
375

ولهذا يطلق لفظها على العقارات الممتنع نقلها، ويعبر عنها تارة بها،
وأخرى بالنحلة والعطية، ويطلق كل منهما على مطلق الإعطاء المتبرع به،
فيشملان الوقف والصدقة والهبة والسكنى، فهما أعم منها.
* (ولا بد فيها) * بعد أهلية التصرف في الواهب وقابلية الملك في
الموهوب له * (من الإيجاب) * الدال على تمليك العين ولو من غير عوض،
كوهبتك وملكتك وأعطيتك ونحلتك وأهديت إليك وهذا لك مع نيتها ونحو
ذلك * (والقبول) * الدال على الرضا، كقبلت ورضيت، بلا خلاف ولا إشكال
إن أريد مطلق ما يدل عليهما ولو فعلا.
ويشكل إذا أريد ما يدل عليهما لفظا، لصدق الهبة، مع عدم اللفظ الدال
عليهما حقيقة إن تحقق ما يدل عليهما فعلا، فتدخل في العمومات الدالة
على جوازها ولزومها وسائر أحكامها.
على جوازها ولزومها وسائر أحكامها.
إلا أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على اعتبار العقد القولي، كما يظهر من
الكفاية (1)، وصرح به في المسالك، قال: فعلى هذا ما يقع بين الناس على
وجه الهدية من غير لفظ يدل على ايجابها وقبولها لا يفيد الملك، بل مجرد
الإباحة حتى لو كانت جارية لم يحل له الاستمتاع بها، لأن الإباحة
لا تدخل في الاستمتاع (2).
وحينئذ لا إشكال في اعتبار اللفظ وسائر ما وقع عليه الاتفاق، أو
يحكى عليه إن كان من العربية والفورية دون الماضوية، فإنه لا يشترط فيه
هنا قولا واحدا، كما حكاه بعض أصحابنا، قال: لجوازها على كثير من
الوجوه (3)، دون الهدية، لعدم الاتفاق على ذلك.

(1) كفاية الأحكام: 143 س 29.
(2) المسالك 6: 10.
(3) هو صاحب مفاتيح الشرائع 3: 201، مفتاح 1102.
376

فقد احتمل في الدروس (1) وفاقا لظاهر التذكرة (2) وصريح التحرير (3)
عدم اعتبار اللفظ فيها، لأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من
كسرى وقيصر وسائر الملوك فيقبلها ولا لفظ هناك، واستمر الحال من عهده
إلى هذا الوقت في سائر الأصقاع، ولهذا كانوا يبعثون على أيدي الصبيان
الذين لا يعتد بعباراتهم، قال ومارية القبطية كانت من الهدايا (4)، واستحسنه
في المسالك (5).
وهو كذلك، لا لما مر من التعليل، فإنه - كما قيل - عليل، بل لما مر من
لزوم الاقتصار فيما خالف العمومات على مورد الوفاق، المقطوع به، أو
المحكي، وهما مفقودان في المقام، لوجود الخلاف، واستحسان الحاكي له
القول بالعدم الذي حكاه عمن مر، وهو لا يجتمع مع الإجماع الذي حكاه لو
عم المقام، وإلا لما استحسن.
* (و) * لا بد فيها من * (القبض) * أيضا بلا خلاف، بل عليه الإجماع في
المسالك (6) وغيره، كما يأتي. وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة:
منها الموثق (7) والمرسل القريب منه بفضالة وأبان: عن النحل والهبة ما
لم يقبض حتى يموت صاحبها، قال: هي بمنزلة الميراث وإن كان الصبي في
حجره فهو جائز (8).

(1) الدروس 2: 291.
(2) التذكرة 2: 415 س 17.
(3) بل اضطرب كلامه، إذ صرح بعدم الاستغناء عن اللفظ في موضع، وقال في موضع آخر: ولو
قيل: بعدم اشتراط القبول نطقا كان وجها، قضاء للعادة بقبول الهدايا من غير نطق. راجع
التحرير 1: 281، س 3 و 284، س 17.
(4) التذكرة 2: 415 س 21.
(5) المسالك 6: 11.
(6) المسالك 6: 17، وفيه: لا خلاف بين الأصحاب.
(7) الوسائل 13: 337، الباب 5 من أبواب أحكام الهبات الحديث 2.
(8) الوسائل 13: 334، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
377

وقريب منهما الخبر: الهبة لا تكون هبة أبدا حتى يقبضها (1).
وصريح الأولين وظاهر الثالث كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة
أن القبض شرط الصحة، وبه صرح الحلبي (2)، والأكثر، كما حكاه الحلي (3)،
بل عن ظاهر الدروس (4) والمحقق الثاني (5) وصريح التذكرة (6) ونهج
الحق (7) وفخر الإسلام (8) الإجماع عليه. وهو حجة أخرى زيادة على
الخبرين، المعتبر أحدهما في نفسه بما مر، مضافا إلى اعتباره - كالآخر -
بالشهرة المطلقة التي حكاها الحلي، والمتأخرة التي حكاها جماعة من
الأجلة، مع سلامتهما - كالإجماع المحكي - عما يصلح للمعارضة، لما
ستعرف من الجواب عن الأخبار الآتية، وعدم قدح بخروج معلوم النسب
على تقديره في حجية الإجماع مطلقا، محققة ومحكية، كما عليه
الأصحاب كافة.
فإذا لا مسرح عن هذا القول ولا مندوحة، سيما مع تأيده بأصالة بقاء
الملك لمالكه إلى أن يتحقق الناقل، وليس سوى الأمر بالوفاء بالعقود، وما
قيل من المعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: الهبة جائزة، قبضت أو لم تقبض، قسمت أو لم تقسم،
والنحل لا يجوز حتى تقبض، وإنما أراد الناس ذلك فأخطأوا (9).
والموثقان بأبان المجمع على تصحيح رواياته وروايات الراوي عنه

(1) الوسائل 13: 336، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات الحديث 7.
(2) الكافي في الفقه: 322.
(3) السرائر 3: 173.
(4) الدروس 2: 286.
(5) جامع المقاصد 9: 148.
(6) التذكرة 2: 417 س 17.
(7) نهج الحق: 510.
(8) الإيضاح 2: 412.
(9) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات الحديث 4.
378

فيهما، وفيهما: إذا تصدق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أم لم يقبضها
علمت أو لم تعلم فهي جائزة (1).
وفي الجميع نظر، لاندفاع الأول بالإجماع على خلافه إن أريد به
ظاهره من لزوم الوفاء بالعقد.
كيف لا! ولا خلاف في جواز الرجوع فيها قبل القبض مطلقا. وإن أريد
به لزوم الوفاء بمقتضى العقد من لزوم أو جواز، فلا يدل على المطلوب لتوقف
الدلالة حينئذ على ثبوت المقتضي من خارج، وأنه الصحة، وهو أول الدعوى.
وقصور النصوص أولا: عن المكافأة، لما مر من الأدلة المعتضدة
بالأصل، والشهرة المحققة، والمحكية.
وثانيا: بحسب الدلالة بإجمال القابض هل هو الواهب أو الموهوب له؟
وهي لا تتم إلا على التقدير الأخير دون الأول، إذ المراد منها على هذا
التقدير جواز هبة ما لم يقبض، لا جوازها وإن لم تقبض.
وإذا جاء الإجمال بطل الاستدلال، مع تأيد الاحتمال الأول، والمراد
منه بيان جواز هبة ما لم يقسم بعد ذلك في الخبر الأول بقوله: " قسمت أو لم
تقسم " (2)، ردا على العامة المانعين عن هبته، وبقوة احتمال ورودها مورد
التقية، بناء على ما يستفاد من تتبع أخبار الهبة أن المراد بالجواز حيث يطلق
فيها اللزوم دون الصحة.
ألا ترى إلى الخبرين، أحدهما الموثق كالصحيح: يجوز الهبة لذي
القرابة والذي يثاب عن هبته، ويرجع في غير ذلك إن شاء (3).

(1) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات الحديث 2 و 3.
(2) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات الحديث 4.
(3) الوسائل 13: 338، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1، والآخر الوسائل 13:
342، الباب 9 من أبواب أحكام الهبات ذيل الحديث 3.
379

وهما كغيرهما كالصريحين، بل صريحان في أن المراد من الجواز
المطلق في الصدر من دون قرينة ما يقابل جواز الرجوع الذي ذكر في الذيل
حقيقة.
وعلى هذا يحتمل قويا أن يكون المراد من الجواز في هذه النصوص هو
اللزوم، كما فهمه الشيخ في الاستبصار (1)، لا الصحة، كما فهمه جماعة.
وحينئذ فلم يقل بهذه النصوص أحد من الطائفة.
ويحتمل حملها (2) على التقية، فإن ذلك مذهب بعض العامة، كما يستفاد
من الاستبصار والغنية (3)، وبذلك صرح شيخنا في الاستبصار في الجواب
عن النصوص المزبورة، بناء على فهمه اللزوم من الجواز فيها، كما قدمناه.
قال - بعد احتماله حملها على الاستحباب، وذكره القدح في الصحيحة
بتضمنها الفرق بين الهبة والنحلة فيما تضمنه، والحال أنه لا فرق بينهما في
ذلك اتفاقا، فتوى ورواية -: ويجوز أن يكون خرج مخرج التقية (4).
وهو في غاية الجودة، إلا أن احتمالها في الصحيحة لا يخلو عن
مناقشة، لإباء سياقها عنه، إلا بمشقة وكلفة.
وكيف كان، فلا حجة في هذه الأدلة على من جعل القبض شرط الصحة
وإن انتصر بها عليهم من المتأخرين جماعة، زاعمين لأجلها أن القبض
شرط اللزوم دون الصحة، وفاقا للمحكي عن ظاهر الشيخين (5) والقاضي (6)
وابن حمزة (7)، فإنها - كما عرفت - لا دلالة فيها صريحة، بل ولا ظاهرة،
ومع ذلك لا معنى لجعله شرط اللزوم في مطلق الهبة بعد الاتفاق على عدم

(1) الاستبصار 4: 108، ذيل الحديث 414.
(2) الاستبصار 4: 109، ذيل الحديث 414.
(3) الغنية: 300.
(4) الاستبصار 4: 110، ذيل الحديث 422.
(5) المقنعة: 658، المبسوط 3: 303.
(6) المهذب 2: 95.
(7) الوسيلة: 378.
380

اللزوم بعد القبض إلا في مواضع قليلة.
وتخصيص ذلك بتلك المواضع النادرة دون الكثيرة - بمعنى أنه
لا يشترط القبض في الهبة ولا ثمرة فيه ولا فائدة إلا حيث تكون الهبة لازمة
- بعيدة عن إطلاق عبائر الجماعة كافة - كما حكاه بعض الأجلة - (1)
باشتراط القبض في مطلق الهبة. ولعله لذا ادعى في الدروس أن مراد
الأصحاب بشرط اللزوم هنا شرط الصحة، وذكر عن الشيخ - القائل بأنه
شرط اللزوم - ما يعرب عن هذا التوجيه (2).
ومظهر ثمرة الخلاف في نماء المتخلل بين العقد والقبض، فإنه للواهب
على المختار، وللمتهب على غيره، وما لو مات الواهب قبل الإقباض فإنها
تبطل على الأول، ويتخير الوارث بين الإقباض وعدمه على الثاني.
وفطرة المملوك الموهوب قبل الهلال الغير المقبوض إلا بعده، فإنها على
الواهب على الأول، وعلى الموهوب له على الثاني. و [كذا] (3) نفقة الحيوان
في المدة المتخللة.
* (ويشترط إذن الواهب في القبض) * بلا خلاف أجده، بل عليه في
نهج الحق (4) والدروس (5) والمسالك (6) إجماع الإمامية. وهو الحجة، مضافا
إلى ما مر في بحث الصدقة. هذا إذا لم يكن بيده مقبوضا من قبل.
ولو وهبه ما بيده لم يفتقر إلى قبض جديد، ولا إذن فيه، ولا مضى زمان
يمكن فيه قبضه على الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر.
قيل: لحصول القبض المشترط فأغنى عن قبض آخر وعن مضي زمان
يسعه، إذ لا مدخل للزمان في ذلك مع كونه مقبوضا، وإنما كان معتبرا مع

(1) الظاهر المراد به المحدث البحراني (قدس سره)، راجع الحدائق 22: 309.
(2) الدروس 2: 286.
(3) من المطبوع، وعليه رمز " خ ".
(4) نهج الحق: 510.
(5) الدروس 2: 290، الدرس 172.
(6) المسالك 6: 21.
381

عدم القبض، لضرورة امتناع حصوله بدونه (1).
وفيه نظر، فإن دعوى حصول القبض المشترط أول البحث، لعدم عموم
يدل على كفاية مطلقه لا من إجماع ولا غيره، للخلاف، وظهور النصوص
المشترطة له بحكم التبادر في القبض بعد العقد.
فاللازم في غيره الرجوع إلى حكم الأصل الدال على عدم الصحة، أو
اللزوم إلى أن يتحقق القبض المتيقن إيجابه لهما، وليس إلا المجمع عليه،
وهو القبض الجديد، أو المأذون فيه ثانيا للهبة. ولعله لهذا اعتبر بعض
الأصحاب ما أسقطه الأكثر (2). وهو أظهر إن لم يكن الإجماع من
المتأخرين على خلافه انعقد.
ومن هنا يظهر وجه لما يحكى عن بعض الأصحاب في القبض بعد العقد
من اشتراط كونه بنية الهبة (3)، فإن هذا هو المتيقن فتوى ورواية، إلا أن
الأشهر هنا أيضا الاكتفاء بمطلق القبض، وعليه عامة من تأخر كالسابق.
وربما قيده بعضهم بعدم التصريح بأن القبض لغير الهبة (4)، واستحسن
هذا التفصيل في الكفاية (5). وهو كذلك إن وجد من العمومات أو المطلقات
ما يدل على الاكتفاء بمطلق القبض، وأما مع عدمهما - كما هو الظاهر لما
ذكر - فهو كسابقه، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه، أو يظهر من قرائن
الأحوال كون القبض للهبة دون غيرها.
ويحتمل قويا المصير إلى مختار الأكثر، لما مر في الوقف، وسيأتي في
هذا البحث من الاكتفاء بقبض الولي الواهب مع سبقه على العقد، للنصوص

(1) القائل الشهيد الثاني في الروضة 3: 192.
(2) لم نعثر على قائله.
(3) الظاهر العلامة في القواعد 1: 274 س 18.
(4) الظاهر صاحب جامع المقاصد 9: 149، واستحسنه الشهيد في المسالك 6: 22.
(5) كفاية الأحكام: 144 س 6.
382

الدالة عليه، المعلل بعضها له بحصول القبض من دون أن يذكر فيها ما مر من
القيود، وهذا التعليل جار في المفروض، والعلة المنصوصة يتعدى بها إلى
غير المورد، كما تقرر في الأصول.
* (ولو وهب الأب أو الجد) * له * (للولد الصغير) * الذي توليا عليه ما هو
ملكهما ومقبوضهما قبل الهبة * (لزم) * بلا خلاف * (لأنه مقبوض بيد الولي) *
فيكفي عن القبض الجديد، كما مر في الوقف، وللمعتبرين المتقدمين في
اشتراط القبض، المتضمنين لقوله (عليه السلام): " وإن كان لصبي في حجره فهو
جائز " (1).
وإطلاقهما كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة - ونسبه في المسالك
وغيره إلى الشهرة - (2) كفاية مطلق القبض السابق ولو خلى حين العقد أو
بعده عن نية القبض عن المتهب له بالكلية.
خلافا للعلامة (3)، فاشترطها.
وهو شاذ، ومستنده اجتهاد في مقابلة النص المعتبر.
نعم لا يبعد اعتبار عدم القصد لغيره، كما في المسالك (4) وغيره.
ولو وهباه ما ليس بيدهما كالمال الذي ورثاه ولم يقبضاه أو اشترياه
كذلك أو آجراه لغيره افتقر إلى القبض عنه بلا خلاف ولا إشكال. أما الوديعة
فلا يخرج بها عن يد المالك، فلا يحتاج إلى قبض جديد. وفي العارية
وجهان، وفي المسالك (5) والكفاية (6) الأقرب أنها خارجة عن يده.

(1) الوسائل 13: 334، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1، والآخر الوسائل 13:
337، الباب 5 من أبواب أحكام الهبات الحديث 2.
(2) المسالك 6: 24، وليس فيه الشهرة، وكفاية الأحكام: 144 س 9، وفيه الأشهر الأقوى.
(3) القواعد 1: 274 س 18.
(4) المسالك 6: 25.
(5) المسالك 6: 24.
(6) كفاية الأحكام: 144 س 10.
383

ثم مفهوم العبارة وغيرها من عبائر الجماعة وصريح آخرين اشتراط
القبض الجديد، أو نيته عن الهبة إذا كانت للولد الكبير، ذكرا كان، أو أنثى. ولا
خلاف إلا من الإسكافي، فألحق الأنثى مطلقا بالصغير ما دام في حجره
بالنسبة إلى هبته (1). وهو شاذ، ومستنده قياس.
وإذا وهب غير الولي للطفل فلا بد من القبض، ويتولاه الولي، أو الحاكم.
وفي الوصي تردد، ولعل الأظهر أن له الولاية أيضا. وقيل: بإلحاقه
بالولي (2). ومستنده غير واضح.
* (وهبة المشاع) * مطلقا * (جائزة كالمقسوم) * بلا خلاف بيننا، بل عليه
في الغنية (3) ونهج الحق (4) إجماعنا. وهو الحجة، مضافا إلى الأصل،
والإطلاقات، وخصوص المعتبرين المتقدمين.
والصحيح: عن دار لم يقسم فتصدق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار،
فقال: يجوز، قلت: أرأيت إن كان هبة؟ قال: يجوز (5).
وقبضه كقبض البيع عندنا، كما في المسالك (6)، فيجري فيه القولان،
بالاكتفاء بالتخلية مطلقا، أو التفصيل بها في غير المنقول، وبالنقل وما في
معناه فيه، فإن قلنا بالأول فلا بحث على المشهور وإن حكي اعتبار إذن
الشريك هنا أيضا عن الدروس (7)، وإلا - كما هو الأقوى - فإن كان باقي
الحصة للواهب فإقباضه بتسليم الجميع إلى المتهب إن أراد تحقق القبض،
وإن كان لغيره توقف تسليم الكل على إذن الشريك، فإن رضى به، وإلا لم
يجز للمتهب إثبات اليد عليه بدونه، بل يوكل الشريك في القبض إن أمكن،

(1) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 279.
(2) القائل السبزواري في كفايته: 144 س 12.
(3) الغنية: 301.
(4) نهج الحق: 510.
(5) الوسائل 13: 309، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
(6) المسالك 6: 26.
(7) الدروس 2: 290، الدرس 172.
384

وإن تعاسرا رفع أمره إلى الحاكم، لينصب أمينا لقبض الجميع نصيب الهبة لها
والباقي أمانة للشريك حتى يتم عقد الهبة، وفاقا للشهيدين (1).
خلافا للمختلف، فاكتفى هنا في القبض بالتخلية ولو في المنقول، تنزيلا
لعدم القدرة الشرعية منزلة عدم القدرة الحسية في غير المنقول (2).
ويضعف بمنع عدم القدرة الشرعية حيث يوجد الحاكم المجبر، أما مع
عدمه فلا بأس به، دفعا للعسر والضرر (3).
ثم لو قبض في محل النهي لكن بإذن الواهب فالأصح تحققه، إما لعدم
اقتضاء النهي الفساد في نحو المقام، أو لتعلقه بالخارج عن متعلق الهبة، وهو
قبض مال الشريك خاصة.
خلافا للمسالك، فلم يعتبر مثل هذا القبض، لوجه غير واضح (4).
* (ولا يرجع في الهبة لأحد الوالدين بعد القبض، و) * كذا * (في غيرهما من
ذوي الرحم على الخلاف) * فيهم.
ظاهر العبارة هنا وصريحها في الشرائع (5) كعبارة التحرير (6) الإجماع
على المنع من الرجوع فيها إذا كانت لأحد الأبوين، واختصاصه بهما.
وقال في المختلف: إذا وهب الأب ولده الصغير أو الكبير وأقبضه لم
يكن للأب الرجوع في الهبة إجماعا، ولو كان لغير الولد من ذوي الأرحام
للشيخ فيه قولان (7).
وظاهره الدلالة على عدم وقوع الخلاف إذا كانت الهبة من الأب
للأولاد، ووقوعه إذا كانت من الأولاد لآبائهم، وفي الدروس (8) قصر

(1) الدروس 2: 290، الدرس 172، والمسالك 6: 27.
(2) المختلف 6: 282.
(3) المسالك 6: 27.
(4) المسالك 6: 27.
(5) الشرائع 2: 230.
(6) التحرير 1: 283 س 7.
(7) المختلف 6: 263.
(8) الدروس 2: 287.
385

الإجماع بعدم الرجوع على هبة الأب ولده الصغير، ويفهم منه وقوع
الخلاف في الكبير وفي الآباء.
ومقتضى الجمع بين هذه الكلمات وقوع الإجماع على عدم جواز
الرجوع إذا كانت لأحد الأبوين وإن علا أو الأولاد وإن نزلوا، كما صرح به
الصيمري (1) والشهيد الثاني (2)، حاكيا عن المصنف ما يدل عليه وإن اختص
عبارته بالإجماع في الوالدين، وحكي التصريح بالإجماع كذلك عن
التذكرة (3) والمهذب (4) والمحقق الثاني (5)، لكنه لم يصرح بالإجماع، بل نفى
الخلاف عنه بيننا.
وبه على مطلق ذي الرحم صرح في الغنية (6). وهو الحجة، مضافا إلى
الأصل، وعموم ما دل على لزوم الوفاء بالعقد من الكتاب والسنة، والمعتبرة
المستفيضة عموما، وخصوصا.
فمن الأول: المعتبرة الثلاث.
ومنها الصحيح: إنما مثل الذي يرجع في هبته كالذي يرجع في قيئه (7).
ونحوها الخبر - بل هو بالدلالة على اللزوم أظهر -: أنت بالخيار في
الهبة ما دامت في يدك فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها (8).
وهي بعمومها تشمل الهبة للأبوين والأولاد، كما هو إجماع، ولغيرهم
من ذوي الرحم، كما هو الأظهر الأشهر، وعليه عامة من تأخر، إلا من شذ
وندر، وفاقا للمفيد (9) وأحد قولي الطوسي (10) وللديلمي (11) والقاضي (12)

(1) غاية المرام: 102 س 25 (مخطوط).
(2) المسالك 6: 30.
(3) التذكرة 2: 418 س 12.
(3) التذكرة 2: 418 س 12.
(4) المهذب البارع 3: 71.
(5) جامع المقاصد 9: 157.
(6) الغنية: 300.
(7) الوسائل 13: 343، الباب 10 من أبواب أحكام الهبات الحديث 3، 4.
(8) الوسائل 13: 343، الباب 10 من أبواب أحكام الهبات الحديث 3، 4.
(9) المقنعة: 658.
(10) النهاية 3: 133.
(11) المراسم: 199.
(12) المهذب 2: 95.
386

وابن زهرة (1)، مدعيا عليه - كما عرفت - إجماع الإمامية.
ومن الثاني في مطلق ذي الرحم، الصحاح:
منها: الهبة والنحلة يرجع فيها صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز، إلا
لذي رحم، فإنه لا رجوع فيه (2).
ومنها: عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال: يجوز الهبة
لذوي القرابة، والذي يثاب في هبته ويرجع في غير ذلك إن شاء. ونحوهما
صحيح آخر (3).
والمراد بالجواز فيه اللزوم بقرينة السؤال والسياق.
ومنه في هبة الوالد للولد خاصة الموثق والمرسل القريب منه، المتقدمان
في اشتراط القبض، ونحوهما موثق آخر يأتي ذكره.
ومنه في هبة الولد للأم الموثق: عن رجل أعطى أمه عطية فماتت
وكانت قد قبضت الذي أعطاها وبانت به، قال: هو والورثة فيها سواء (4).
ولا قائل بالفرق.
خلافا للانتصار، فجوز الرجوع مطلقا ولو كان المتهب أبا أو أولادا،
مدعيا عليه الإجماع (5).
وهو شاذ، ولا عبرة باجماعه بعد ظهور وهنه بمصير الأكثر إلى خلافه،
ومعارضته بالإجماعات المستفيضة في رده، مع استفاضة المعتبرة المتقدمة
عموما وخصوصا بخلافه.

(1) الغنية: 300.
(2) الوسائل 13: 338، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات الحديث 2، 1.
(3) الوسائل 13: 339، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات الحديث 3.
(4) الوسائل 13: 337، الباب 5 من أبواب أحكام الهبات الحديث 3.
(5) الإنتصار: 460.
387

فقوله ضعيف غايته وإن مال إليه في الكفاية (1) لنصوص قاصرة السند
والدلالة عن المقاومة لما مر من الأدلة وإن كانت في حد ذاتها معتبرة.
منها الموثق: أما الهبة والنحلة، فإنه يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن
كانت لذي قرابة.
قال - بعد أن ذكرها وذكر الصحاح الخاصة المعارضة لها -: ويمكن
الجمع بينهما بحمل الصحاح وما في معناها على الكراهة الشديدة، وهو
أولى من إطراح الأخبار الثلاثة المعتبرة (2).
وفيه أن الجمع بذلك فرع المكافأة، وهي - لاعتضاد الصحاح بالأصل،
والشهرة العظيمة، والإجماعات المحكية البالغة حد الاستفاضة، وفقد هذه
المرجحات في الأخبار الثلاثة مع قصور أسانيدها - مفقودة.
مع احتمالها الحمل على وجه لا يستلزم إطراحها بالمرة، بأن يقال:
قوله: " وإن كانت لذي قرابة " قيد لقوله: " وإن لم يحزها "، يعني أنه إذا لم
يحزها فله الرجوع فيها مطلقا وإن كانت لذي قرابة. وهو معنى صحيح وإن
كان بالنظر إلى ظاهرها بعيدا، لكن مع احتماله وإن بعد لا يستلزم العمل بتلك
الصحاح تركها بالمرة، كما ذكره، بل ارتكاب مثله مع ما هو عليه من البعد
أولى من حمل تلك الصحاح على الكراهة الشديدة، كما ذكره.
وبما ذكرناه يظهر الجواب عما ذكره أخيرا بقوله: " ومع قطع النظر عن
الأخبار الثلاثة المذكورة قد وقع التعارض بين تلك الصحاح وصحيحة
زرارة وما في معناها مما يدل على جواز الرجوع مطلقا، كموثقة عبيد بن
زرارة وصحيحة جميل والحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: إذا كانت الهبة
قائمة بعينها فله أن يرجع، وإلا فليس له، ويمكن الجمع بوجهين حمل

(1) كفاية الأحكام: 144 س 28.
(2) كفاية الأحكام: 144 س 33.
388

المطلق على المقيد، وثانيهما حمل أخبار المنع على الكراهة والترجيح
للثاني، ويشهد له الأخبار الثلاثة المذكورة (1)، إلى آخر ما ذكره.
فإن الجمع بما ذكره فرع قوة ما قابل الصحاح من الأخبار، وهي - كما
عرفت - مفقودة، مع أنه على تقدير التكافؤ والقوة فالجمع الأول من حمل
المطلق على المقيد مع أوفقيته بالأصل في المسألة أرجح من الحمل على
الكراهة من وجوه عديدة، وقد قامت بإثباتها الأدلة القاطعة من الفتوى
والرواية، ولا كذلك الحمل على الكراهة، إذ لم يقم على إثباتها شئ من
الأدلة.
نعم ربما يرتكب في موضع لم يبلغ المنع فيه درجة الحجة، لقصوره عن
المقاومة للأدلة المبيحة، أو بلغها ولكن عارضه ما يكافؤه من الأدلة المبيحة،
فيرتكب حينئذ الحمل على الكراهة، لأصالة الإباحة أو غيرها من الأصول
الشرعية.
وليس مفروض المسألة من شئ من الموضعين، لما عرفت من فقد
المكافأة، وتوافق الأصول الشرعية، مع ما دل على عدم جواز الرجوع في
الهبة بعد القبض لذي القرابة، مع اعتضادها - كالأخبار الدالة عليه - بما مر
من عمومات المستفيضة، الدالة على عدم جواز الرجوع في الهبة بالكلية،
خرج منها ومن الأصول الهبة لغير ذوي القرابة بالإجماع المحكي في
الغنية (2) والمختلف (3) وغيرهما من كتب الجماعة، وبمفهوم الصحاح
المتقدمة. فيبقى فيهم على المنع دالة والعام المخصص في الباقي حجة على
الأظهر الأشهر، بل عليه عامة علمائنا الإمامية.

(1) كفاية الأحكام: 144 س 33.
(2) الغنية: 300.
(3) المختلف 6: 263.
389

ومما ذكرنا ظهر ضعف القول بجواز الرجوع في هبة غير العمودين من
الآباء والأولاد من ذوي القرابة، كما عن الإسكافي (1) والطوسي (2)
والحلي (3) مع اضطراب له في ذلك في المختلف (4) عنه قد حكى.
وأما الصحيح والموثق الدالان على جواز رجوع الوالد في هبته لولده
مطلقا، كما في الأول: عن رجل كان له على رجل مال فوهبه لولده فذكر له
الرجل المال الذي له عليه، فقال له: ليس عليك فيه شئ في الدنيا والآخرة،
قلت: يطيب ذلك له وقد كان وهبه لولد له، قال: نعم يكون وهبه له ثم نزعه
فجعله لهذا (5).
أو إذا كان كبيرا خاصة، كما في الثاني: عن رجل وهب لابنه شيئا
أيصلح أن يرجع فيه؟ قال: نعم، إلا أن يكون صغيرا (6).
ففيهما - بعد ما عرفت من عدم التكافؤ، سيما مع قصور سند الثاني - أن
الحكم فيه بالرجوع في هبة الولد الكبير لعله إنما هو من حيث عدم القبض،
بأن يكون الموهوب بالغا ولم يقبض، ولهذا حكم بلزوم الهبة للصغير من
حيث إن الأب قابض له، كما مر.
وبنحوه يقال في الصحيح، من أنه يحتمل أن يكون الرجوع إنما هو من
حيث كون الهبة غير صحيحة، إما لكونها هبة لما في الذمة لغير من هو عليه،
وهو فاسد في المشهور بين الطائفة وإن اختار فيها الصحة جماعة، أو لأدلة
منها خصوص هذه الرواية، نظرا إلى ظهور دلالتها عليها بلا شبهة، كما يعرب
عنه قوله (عليه السلام): " ثم نزعه "، لأن من شرطها القبض، ولم يحصل، فهي وإن

(1) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 264.
(2) المبسوط 3: 309.
(3) السرائر 3: 175.
(4) المختلف 6: 267.
(5) الوسائل 13: 333، الباب 2 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
(6) الوسائل 13: 337، الباب 5 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
390

انتقلت إليه بالعقد، إلا أنه انتقال متزلزل مراعى لزومه بالقبض.
واعلم أن المراد بالرحم في هذا الباب وغيره كالرحم الذي يجب صلته
ويحرم قطعه، مطلق القريب المعروف بالنسب وإن بعدت لحمته وجاز
نكاحه، وفي المسالك أنه موضع نص ووفاق (1).
وقيل: إنه من يحرم نكاحه خاصة (2).
وهو شاذ، محجوج بما ذكره من الاتفاق على خلافه، فتوى ورواية،
مضافا إلى مخالفته العرف بلا شبهة.
* (ولو وهب أحد الزوجين) * الأجنبيين * (الآخر) * شيئا وأقبضه منه
* (ففي الرجوع) * له فيه * (تردد) *.
ينشأ من الأصل، وعموم الوفاء بالعقد (3)، والمستفيضة المتقدمة المانعة
عن الرجوع في مطلق الهبة، وخصوص الصحيح: لا يرجع الرجل فيما يهبه
لزوجته ولا المرأة فيما تهبه لزوجها حيزت أو لم تحز، لأن الله تعالى يقول:
" ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا "، وقال: " فإن طبن لكم عن
شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا "، وهذا يدخل فيه الصداق والهبة (4).
ومن المعتبرة المستفيضة المتقدمة الحاكمة بجواز الرجوع في مطلق
الهبة، وخصوص الصحاح المتقدمة، المصرحة بجواز الرجوع في الهبة لمطلق
من ليس له قرابة، فيخص بها عموم الأدلة السابقة المانعة، كما خصصت
بها فيمن عدا الزوجين من مطلق غير ذي قرابة، ويحمل بها الصحيحة
الخاصة على الكراهة الشديدة، أو تقيد بالزوجين اللذين لهما قرابة.
ولا يمكن أن يخصص بهذه إطلاقات تلك الصحاح، لفقد التكافؤ،

(1) المسالك 6: 31.
(2) لم نعثر عليه.
(3) المائدة: 1.
(4) الوسائل 13: 339، الباب 7 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
391

لاعتضادها دون هذه بالكثرة، والشهرة العظيمة، والإجماع المحكي،
الذي سيأتي إليه الإشارة، مع وهن هذه بتضمنها اللزوم مطلقا ولو لم تكن
الهبة مقبوضة.
ولم يقل به أحد من الطائفة، كما اعترف به جماعة، مع تضمن صدره
الذي لم ننقله هنا جواز الرجوع في الهبة مطلقا، وعمومه يشمل ما لو كانت
لذي قرابة.
وفيه مخالفة للإجماعات المحكية، مضافا إلى الأدلة المتقدمة، وهي وإن
خصصت بها، إلا أن التخصيص - كما تقدمه من الشذوذ - عيب يوجب
المرجوحية في مقام التعارض بين الأدلة وإن لم يخرج الرواية عن الحجية
في نفسها.
هذا، مع قوة احتمال معارضتها بخصوص الصحيح: عن رجل كانت له
جارية فآذته امرأته فيها، فقال: هي عليك صدقة، فقال: إن كان قال: ذلك لله
فليمضها وإن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها (1).
وهو وإن ورد في الصدقة، إلا أن الظاهر عدم الفرق بينها وبين الهبة من
هذه الجهة، ولعله لهذا أن شيخنا في التهذيب رواه في كتاب الهبة
والصدقة (2).
فإذا * (أشبهه) * الجواز مع * (الكراهة) * وفاقا للطوسي (3) والحلي (4)
وابن زهرة العلوي (5)، مدعيا عليه إجماع الإمامية. وهو الحجة الزائدة على
ما قدمناه من الأدلة، المؤيدة بالشهرة المحكية في عبائر جماعة، وبحكاية

(1) الوسائل 13: 319، باب 13 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 1.
(2) التهذيب 9: 151 و 153، الحديث 617 و 628.
(3) النهاية 3: 134.
(4) السرائر 3: 173.
(5) لم نجد في كلامه التعرض لخصوص المسألة والحكم بالكراهة، راجع الغنية: 300.
392

إجماع الانتصار (1) المتقدمة، الدالة على جواز الرجوع في مطلق الهبة. وهو
وإن كان - لما قدمناه - غير صالح للحجية، إلا أنه قابل هنا للاعتضاد
والتقوية.
خلافا لجماعة من المتأخرين كالفاضل في التذكرة (2) وولده في شرح
القواعد (3) والشهيد الثاني (4) وربما مال إليه الأول في النكت على
الإرشاد (5)، فاختاروا المنع.
والعجب من صاحب الكفاية حيث اختار هذا القول للصحيحة المتقدمة،
وجوز الرجوع في الهبة لذي القرابة (6)، مع أن الصحاح المتقدمة أقوى من
هذه بمراتب عديدة، من حيث الكثرة، والاعتضاد بالشهرة، والإجماعات
المحكية ولو في الجملة.
فلو كانت هذه الصحيحة مع ما هي عليه - مما قدمنا إليه الإشارة -
تصلح لتخصيص المعتبرة الثلاثة المتقدمة وما في معناه المبيحة للرجوع في
مطلق الهبة - كما ذكره - فأولى أن تكون تلك الصحاح لصرفها عن ظاهرها
بما قدمناه صالحة، وإن كانت المعتبرة الثلاثة أقوى منها لا يصلح صرفها بها
إلى ما ذكرنا، فهي لأن تكون أقوى من هذه الصحيحة لا يصلح تخصيصها
بها أولى بمراتب شتى.
وليت شعري ما الداعي له على هذا، وترجيح هذه الصحيحة على تلك
المعتبرة المرجحة عنده على تلك الصحاح وما في معناها المستفيضة، مع
اشتراكها مع تلك الصحاح في وجه المرجوحية، بل وأدون منها بمراتب
عديدة، واحتمالها الحمل على الكراهة، المرجح عنده على حمل المطلق

(1) الإنتصار: 221.
(2) التذكرة 2: 418 س 41.
(3) الإيضاح 2: 417.
(4) المسالك 6: 47.
(5) غاية المراد: 73 س 5 (مخطوط).
(6) كفاية الأحكام: 144 س 37.
393

على المقيد بعنوان الكلية في مواضع كثيرة ولو لم يوجد له فيها شاهد
ولا قرينة. فتأمل.
* (و) * يجوز أن * (يرجع في هبة الأجنبي ما دامت العين) * الموهوبة
* (باقية) * ولم يتصرف فيها بشئ من التصرفات بالكلية * (ما لم يعوض
عنها) * أو يقصد بها التقرب إلى الله تعالى بلا خلاف، بل عليه الإجماع في
الغنية (1) والمختلف (2) والتنقيح (3) وغيرها من كتب الجماعة. وهو الحجة،
مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المتقدمة، الدالة على
جواز الرجوع فيها مطلقا، أو إذا كانت لغير ذوي القرابة خاصة.
وأما ما عارضها من النصوص المستفيضة - الدالة على حرمة الرجوع
فيها مطلقا وأنه كالراجع في قيئه - (4) فمع قصور سند أكثرها محمولة على
الكراهة، أو مقيدة بالهبة لذوي القرابة، كما مرت إليه الإشارة، أو الهبة التالفة،
أو المعوض عنها، أو المتقرب بها إلى الله تعالى، فإنه لا خلاف في لزوم هذه
الثلاثة، وحرمة الرجوع فيها بعد القبض وإن لم يتصرف فيها بالكلية، بل عليه
الإجماع في الغنية (5) والتنقيح (6) والمهذب (7) وعن التذكرة (8)، لكن
الأخيرين نقلاه في الأولى خاصة. وهو الحجة المخصصة لتلك الصحاح،
مضافا إلى أصالة براءة ذمة الموهوب له عن عوضها في الأولى.
مع خصوص الصحيح فيها أيضا: إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن

(1) الغنية: 300.
(2) لم نعثر على التصريح به في خصوص المسألة راجع المختلف 6: 273.
(3) التنقيح 2: 345.
(4) الوسائل 13: 343، الباب 10 من أبواب أحكام الهبات الحديث 3 و 4.
(5) الغنية: 300.
(6) التنقيح 2: 345.
(7) المهذب البارع 3: 71.
(8) التذكرة 2: 418 س 33.
394

يرجع، وإلا فليس له (1).
وخصوص الصحيحين في الثانية.
في أحدهما: إذا عوض صاحب الهبة فليس له أن يرجع (2).
وفي الثاني: تجوز الهبة لذوي القرابة والذي يثاب ويرجع في غير ذلك
إن شاء (3) وإطلاقهما - كصريح المعتبرة في الثالثة. منها الصحيح ونحوه
الموثق: لا ينبغي لمن أعطى لله شيئا أن يرجع فيه، وما لم يعط لله وفي الله
فإنه يرجع فيه، نحلة كانت أو هبة، حيزت أو لم تحز (4). وفي الخبر: هل
لأحد أن يرجع في صدقته أو هبته؟ قال: أما ما تصدق به لله تعالى فلا،
الحديث (5). وإطلاقات الإجماعات المحكية كالصحيحة في الأولى -
يقتضي عدم الفرق في اللزوم بين كون التلف من المتهب، أو من الله تعالى،
وكون التالف تمام الهبة، أو بعضها، وبالأمرين صرح جماعة من أصحابنا.
لكن ينبغي أن يقيد البعض بالذي يصدق مع تلفه على الهبة أنها غير
قائمة بعينها، لا ما لا يصدق معه ذلك عليها، كسقوط ظفر أو نحوه من العبد
الموهوب مثلا، فإن معه لا يقال: إنه غير قائم بعينه جدا.
وإطلاقات الإجماعات المزبورة كالصحيحين في الثانية يقتضي عدم
الفرق في لزومها بالتعويض بين اشتراطه في العقد أو وقوعه بعده، بأن وقع
العقد مطلقا، إلا أنه بذل له العوض بعد ذلك وأعطاه.

(1) الوسائل 13: 341، الباب 8 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 341، الباب 9 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
(3) الوسائل 13: 342، الباب 9 من أبواب أحكام الهبات الحديث 3.
(4) الوسائل 13: 334، الباب 3 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1، والباب 10 من نفس
الأبواب ص 342، الحديث 1.
(5) الوسائل 13: 339، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات الحديث 3.
395

لكنهم - كما قيل - صرحوا بأنه لا يحصل التعويض بمجرد البذل، بل
لا بد من قبول الواهب له، وكون البذل عوضا عن الموهوب، قالوا: لأنه
بمنزلة هبة جديدة، ولا يجب عليه قبولها ومقتضاهما أيضا عدم الفرق في
العوض بين كونه قليلا أو كثيرا من بعض الموهوب أو غيره، وصرح به في
المسالك، قال: عملا بالإطلاق، والتفاتا إلى أنه بالقبض بعد العقد مملوك
للمتهب، فيصح بذله عوضا عن الجملة (1).
ويمكن أن يقال: إن المتبادر من المعاوضة هو كون أحد العوضين
غير الآخر، ولو تم ما ذكره للزم أنه لو دفعه المتهب بجميعه إلى الواهب بعد
القبض لصدق المعاوضة، مع أنه لا يسمى ذلك معاوضة عرفا، وإنما يسمى
ردا.
ولا فرق بين دفع البعض ودفع الكل، فإن كان ما ذكره إجماعا، وإلا فإن
للمناقشة فيه - كما عرفت - مجالا.
* (وفي) * جواز * (الرجوع) * للواهب في هبته للأجنبي بعد القبض * (مع
التصرف) * منه فيها في غير الصور الثلاث المستثناة * (قولان، أشبههما
الجواز) * مطلقا، وفاقا للإسكافي (2) والديلمي (3) والحلبي (4) وابن زهرة
العلوي، مدعيا عليه إجماع الإمامية (5). وهو الحجة، مضافا إلى استصحاب
الحالة السابقة، وهي جواز الرجوع فيها، الثابت بما تقدم من الأدلة، وعموم
النصوص المتقدمة، الدالة على جوازه في مطلقها، خرج منها ما مضى، وبقي
ما عداه فيه داخلا.

(1) المسالك 6: 32.
(2) نسبه في المسالك (6: 33) إلى ظاهر كلامه.
(3) المراسم: 199.
(4) الكافي في الفقه: 323.
(5) الغنية: 300.
396

وثانيهما: القول بالمنع، إما مطلقا كما عن الشيخين (1) والقاضي (2)
والحلي (3) وأكثر المتأخرين، أو إذا كان التصرف مخرجا للهبة عن ملكه، أو
مغيرا لها عن صورتها كقصارة الثوب ونجارة الخشب ونحوهما، أو وطئا لها.
والجواز في غير ذلك، كركوب الدابة والسكنى واللبس ونحوهما من
الاستعمالات، كما عن ابن حمزة (4) والدروس (5) وجماعة من المتأخرين،
وزاد الأول، فقال: لا يقدح الرهن والكتابة (6)، وهو يشمل بإطلاقه ما لو عاد
إلى ملك الواهب وعدمه.
وحجة هذا القول مطلقا ومقيدا غير واضحة، عدا روايات قاصرة أكثرها
سندا، وجميعها دلالة، ووجوه هينة، واعتبارات ضعيفة، لا تصلح للحجية،
سيما في مقابلة ما مر لما في العبارة من الأدلة في الأول والصحيحة
المتقدمة، المتضمنة لقوله (عليه السلام): " إذا كانت الهبة قائمة بعينها " (7) إلى آخرها،
المتقدم إليه الإشارة في الثاني.
ولا يخلو عن شبهة لا بحسب السند، كما توهم - لكونه من الصحيح
ولا يخلو عن شبهة لا بحسب السند، كما توهم - لكونه من الصحيح
على الصحيح، وعلى تقدير التنزل فهو حسن كالصحيح، ومثله حجة على
الصحيح - بل بحسب التكافؤ لما تقدم من الأدلة لما في العبارة، لكونها
صحاحا ومعتبرة مستفيضة، معتضدة بالأصل، وإجماع الغنية (8)، اللذين كل
منهما حجة أخرى مستقلة دون هذه الصحيحة، لوحدتها وندرة القائل بها
بتمامها، مع ما هي عليه من قصور الدلالة بإثبات جميع ما عليه هذه
الجماعة، يظهر وجهه بالتدبر فيما ذكره شيخنا في المسالك:

(1) المقنعة: 658، والنهاية 3: 134.
(2) المهذب 2: 94.
(3) السرائر 3: 173.
(4) الوسيلة: 379.
(5) الدروس 2: 287.
(6) الوسيلة: 379، نقلا بالمعنى.
(7) الوسائل 13: 341، الباب 8 من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
(8) الغنية: 300.
397

فقال في وجه الإشكال فيها: وأما الدلالة فتظهر في صورة نقلها عن
الملك مع قيام عينها بحالها، فإن إقامة النقل مقام تغير العين أو زوالها لا
يخلو من تحكم أو تكلف، بل قد يدعى قيام العين ببقاء الذات مع تغير كثير
من الأوصاف فضلا عن تغير يسير، وأيضا فأصحاب القول ألحقوا الوطء
مطلقا بالتغير مع صدق بقاء العين بحالها معه. اللهم إلا أن يدعى في الموطوء
عدم بقاء عينه عرفا، وليس بواضح، أو يخص بما لو صارت أم ولد، فإنها
تنزل منزلة التالفة من حيث امتناع نقلها عن ملك الواطئ.
ثم قال: وعلى كل حال فتقييد تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة الواضحة
الدلالة بمثل هذا الخبر البعيد الدلالة في كثير من مدعيات تفصيله لا يخلو
من إشكال، إلا أنه أقرب من القول المشهور باللزوم مطلقا، والذي يظهر أن
الاعتماد عليه أوجه، حيث تظهر دلالته بصدق التغير، لأنه من أعلى
درجات الحسن، بل قد عده الأصحاب من الصحيح في كثير من الكتب -
إلى أن قال: - وتبقى تلك الأخبار السابقة من كون الراجع في هبته كالراجع
في قيئه، فإن له طريقا صحيحا وإن كانت أكثر طرقه ضعيفة، وخبر
عبد الحميد كالشاهد له، فيكون في ذلك إعمال لجميع الأخبار، وهو خير من
إطراح هذا الخبر المعتبر والباقية. إلى آخر ما ذكره (1).
وهو حسن لولا إجماع الغنية، الذي هو في حكم رواية صحيحة صريحة
في خلاف ما دلت عليه تلك الصحيحة، ومع ذلك بإجماع المرتضى المتقدم
معتضدة، مع أن المصير إليها - كما ذكره من الاقتصار فيها على ما تظهر دلالته
بصدق التغيير عرفا خاصة - لعله إحداث قول رابع منعت عنه الأدلة القاطعة.
إلا أن يذب عن إجماع الغنية بوهنه بمصير الأكثر إلى خلافه، وعما بعده

(1) المسالك 6: 41.
398

بالمنع عن كون مثله إحداث قول ممنوع منه، بل هو حيث يكون ما عدا
المحدث مجمعا عليه. وأنى لكم بإثبات القطع بذلك.
وكيف كان، فينبغي القطع بجواز الرجوع مع التصرف الذي لا يصدق معه
على العين أنها غير قائمة بعينها. وأما فيما عداه فمحل إشكال، سيما إذا
صدق معه عليها أنها غير قائمة بعينها.
والاحتياط فيه بل لعله اللازم عدم الرجوع. ولو احتيط به مطلقا كان
أولى، بل الاحتياط كذلك متعين جدا، لدعوى الخلاف على المنع مطلقا
إجماعنا وأخبارنا، وارتضاها الحلي في السرائر (1)، وصرح بالإجماع أيضا
بعض أصحابنا (2)، ونسبه في المبسوط أيضا إلى روايات أصحابنا (3).
فالقول بالجواز مع ذلك - سيما مع الشهرة العظيمة، المحققة والمحكية -
مشكل جدا، كما أن اختيار هذا القول كذلك أيضا لكثرة أدلة القول بالجواز
من الأصل، والصحاح، وخصوص إجماع الغنية (4)، وعموم إجماع
المرتضى (5)، مع الوهن في أخبار الخلاف (6) والمبسوط (7)، لعدم وجود
شئ منه في كتب أخبارنا، التي منها كتاباه.
فدليل المنع القوي هو الإجماع المحكي، وهو معارض بمثله من
الإجماع والصحاح.
فتبقى المسألة في قالب الشك، فينبغي الرجوع فيها إلى مقتضى الأصل،
الذي هو الجواز مطلقا، كما قدمناه. فتأمل جدا.

(1) السرائر 3: 173.
(2) كشف الرموز 2: 58.
(3) المبسوط 3: 312.
(4) الغنية: 300.
(5) الإنتصار: 460.
(6) الخلاف 3: 567، المسألة 12.
(7) المبسوط 3: 309.
399

كتاب
السبق والرماية
401

* (كتاب) *
* (السبق والرماية) *
* (السبق) * هو بسكون الباء المصدر، والمسابقة هي إجراء الخيل وشبهها
في حلبة السباق، ليعلم الأجود منها والأفرس من الرجال والمتسابقين.
وبتحريك الباء العوض المجعول رهنا، ويسمى الخطر والندب والرمي.
* (والرماية) * وهي المفاضلة بالسهام ليعرف حذق الرامي ومعرفته
بمواقع الرمي.
* (ومستند) * شرعيت‍ * (‍هما) * بعد * (قوله صلى الله عليه وآله) * المروي من
طرق العامة (1) والخاصة (2) بأسانيد معتبرة تضمنت الصحيح وغيره:
* (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) * الكتاب (3)، والسنة (4)، وإجماع
الأمة، المحكي بعنوان الاستفاضة في كتب الجماعة، كالتذكرة (5)

(1) سنن أبي داود 3: 29، الحديث 2574.
(2) الوسائل 13: 348، الباب 3 من أبواب السبق.
(3) الأنفال: 60، ويوسف: 17.
(4) الوسائل 13: 348، الباب 3 من أبواب السبق.
(5) التذكرة 2: 353 س 24، 37.
403

والمهذب (1) والتنقيح (2) والمسالك (3) وغيرها من كتبهم المعتبرة.
قال سبحانه: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون
به عدو الله وعدوكم " (4).
وفي المرفوع لعبد الله بن المغيرة - وقد أجمع على تصحيح ما يصح عنه
العصابة -: في تفسيره عن النبي (صلى الله عليه وآله): أنه الرمي (5).
وقال عز ذكره حكاية عن إخوة يوسف: " يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا
يوسف عند متاعنا " (6).
وهو ظاهر في شرعية السباق في الجملة، والأصل بقاؤها ولو لهذه
الأمة.
والسنة - زيادة على ما مر - بهما مستفيضة من طرق العامة والخاصة،
مروية في كتب أخبارنا الثلاثة في الجهاد وغيره (7)، وهي وإن قصرت
أسانيدها عن الصحة، بل وعن الحجية، إلا أنها منجبرة بالاستفاضة، وبما
قدمناه من الأدلة.
منها: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجرى الخيل التي أضمرت من الحصياء - وفي
بعض النسخ الحفياء - إلى مسجد بني زريق وسبقها من ثلاث نخلات،
فأعطى السابق عذقا، وأعطى المصلي عذقا، وأعطى الثالث عذقا (8).

(1) المهذب البارع 3: 81.
(2) التنقيح 2: 348، 347.
(3) المسالك 6: 69.
(4) الأنفال: 60.
(5) الوسائل 13: 348، الباب 2 من أبواب السبق والرماية الحديث 3.
(6) يوسف: 17.
(7) الكافي 5: 48، ومن لا يحضره الفقيه 4: 59، الحديث 5094، والفقيه 3: 48، الحديث
3303، والتهذيب 6: 175، الحديث 348، وص 284، الحديث 785.
(8) الوسائل 13: 350، الباب 4 من أبواب السبق والرماية الحديث 1.
404

ومنها: أنه (صلى الله عليه وآله) أجرى الخيل وجعل سبقها أواقي من فضة (1).
ومنها: أن الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه، ما خلا الحافر
والخف والريش والنصل فإنه تحضره الملائكة، وقد سابق رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أسامة بن زيد وأجرى الخيل (2).
وقريب منه خبران آخران، إلا أنه اقتصر في أحدهما بقوله (عليه السلام): " ليس
شئ تحضره الملائكة إلا الرهان وملاعبة الرجل بأهله " (3).
وفي الصحيح: أن مولانا الصادق (عليه السلام) كان يحضر الرمي والرهانة (4).
وفائدتهما بعث النفس على الاستعداد للقتال والهداية لممارسة النضال.
* (ويدخل) * في * (تحت النصل السهام والحراب) * جمع حربة، وهي
الآلة * (والسيف) *.
وربما زيد النشاب، مع أنه والأول واحد، كما عن الصحاح (5)، ولذا قيل
في عطفه على الأول: إنه من قبيل عطف المرادف (6) وعن ظاهر الشيخ أنه
باعتبار اختلاف اللغات فيقال: للنصل نشابة عند العجم، وسهم عند العرب،
وأنه زاد المزاريق، وهي الردينيات والرماح والسيوف (7).
وحصر النصل في الأمور المزبورة هو المعروف في العرف واللغة،
فلا يدخل فيه الدبوس والعصا، والمرافق إذا جعل في رأسها حديدة على
إشكال فيه، أشار إليه في الكفاية (8).
* (و) * يدخل * (تحت الخف الإبل) * بلا خلاف حتى من العامة، لشمول

(1) الوسائل 13: 345، الباب 1 من أبواب السبق والرماية الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 347، الباب 1 من أبواب السبق والرماية الحديث 6.
(3) الوسائل 13: 346 و 347، الباب 1 من أبواب السبق والرماية الحديث 4 و 5.
(4) الوسائل 13: 348، الباب 2 من أبواب السبق والرماية الحديث 4.
(5) الصحاح 1: 224.
(6) قاله الشهيد في المسالك 6: 85.
(7) المبسوط 6: 290.
(8) كفاية الأحكام: 137 س 1.
405

اللفظة لها مع مشاركتها الخيل في المعنى المطلوب منها حالة الحرب من
الانعطاف وسرعة الأقدام، ولأن العرب تقاتل عليها أشد القتال.
وكذلك الفيلة عندنا وعند أكثر العامة، كما في المسالك.
قال: لدخولها تحت اسم الخف أيضا، وتقاتل عليه كالإبل، وذهب
بعضهم إلى المنع منها، لأنه لا يحصل بها الكر والفر، فلا معنى للمسابقة
عليها. قال: والخبر حجتنا عليهم (1).
وفيه نظر، فإن غايته الإطلاق، وفي انصرافه إليها مع ندرتها سيما في
بلاد صدوره نظر، ولمقتضى الأصول التي أسسوها من غير خلاف يعرف
بينهم فيها من مخالفة هذه المعاملة للأصول، فإنه يقتصر في إباحتها على
القدر المتيقن منها. والمنقول عدم جواز المسابقة عليها، ولعل في ترك الماتن
لها إشعارا بذلك، إلا أن يكون ذلك منه اقتصارا على الغالب.
وكيف كان، فإن كان ما ذكره إجماعا كما ادعاه، وإلا فللنظر فيه مجال،
مع أن الأحوط ترك المسابقة عليها بلا إشكال.
* (و) * يدخل * (تحت الحافر الخيل) * بلا خلاف حتى من العامة، وعن
الإسكافي (2) وفي المسالك (3) الإجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى التيقن
بدخوله في إطلاق الرواية.
* (و) * كذا * (البغال والحمير) * بلا خلاف عندنا، كما في المسالك.
قال: لدخولها تحت الحافر، وصلاحيتها للمسابقة عليها في الجملة،
وخالف فيهما بعض العامة، لأنهما لا يقاتل عليهما، ولا يصلحان للكر والفر.
قال: النص حجة عليه (4).

(1) المسالك 6: 86.
(2) كما في المختلف 6: 256.
(3) المسالك 6: 86.
(4) المسالك 6: 86.
406

وفيه ما مر من النظر، بعد الالتفات إلى ما ذكروه في فائدة مشروعية
السباق مما تقدم ذكره.
ولا ريب أن الغالب في الحافر الذي يحارب عليه إنما هو الخيل، ولذا
اقتصر عليه في النصوص المتقدمة، ويشير إليه ما حكاه بعض الأجلة من أن
أمير المؤمنين (عليه السلام): كان يركب في الحرب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعوتب على
ذلك، فقال: إني لا أفر عمن أقبل، ولا أتبع من أدبر، والبغلة تكفيني (1).
فيشكل حمل النص على غيره، مع مخالفة السباق عليه الأصل المتقدم.
والصلاحية للمسابقة في الجملة غير مجد فائدة، بعد عدم ظهور الدخول في
إطلاق الرواية.
فلم يبق إلا نفي الخلاف الذي ادعاه، فإن تم، وإلا كما هو الظاهر، لأنه
في المختلف وغيره حكى الخلاف في المسابقة عليهما عن الإسكافي.
فالرجوع إلى الأصل المتقدم أولى.
* (ولا يصح) * المسابقة * (في غيرها) * أي غير الثلاثة المزبورة، بل يحرم
مع العوض بإجماعنا، كما في المهذب (2) والتنقيح (3) والمسالك (4) وعن
التذكرة (5). وهو الحجة، مضافا إلى أنه قمار منهي عنه في الشريعة،
وخصوص الحصر المستفاد من الرواية، المتضمنة للرخصة في الثلاثة (6).
ونحوها الخبر - بل هو في الدلالة على التحريم أظهر - أن الملائكة تحضر
الرهان في الخف والحافر والريش، وما عدا ذلك قمار حرام (7).

(1) حكاه صاحب الحدائق 22: 363.
(2) المهذب البارع 3: 83.
(3) التنقيح 2: 350.
(4) المسالك 6: 86.
(5) التذكرة 2: 354 س 34.
(6) الوسائل 13: 347، الباب 1 من أبواب السبق والرماية الحديث 6.
(7) الوسائل 13: 349، الباب 3 من أبواب السبق والرماية الحديث 3.
407

وقصور سنده - كبعض ما تقدمه - منجبر بالعمل.
وفي جوازها بدونه إشكال، ينشأ من اختلاف الروايات في فتح الباء من
لفظ " السبق " وسكونه، فإنه على الأول بمعنى العوض المبذول للعمل، وعلى
الثاني بمعنى المصدر، كما مر.
والأول: هو المشهور، كما في المسالك (1) وغيره، والموافق للأصل
المعتمد عليه، ولذا اختاره الشهيد الثاني، مع تأيده بأصالة جواز الفعل،
فيجوز المسابقة بنحو الأقدام ورمي الحجر ورفعه والمصارعة والآلات التي
لا تشتمل على نصل والطيور ونحو ذلك بغير عوض (2).
ولكن الأشهر خلافه، بل ظاهر المهذب (3) والمحقق الثاني (4) وصريح
المحكي عن التذكرة (5) أن عليه إجماع الإمامية في جميع الأمور المذكورة.
فالمنع أظهر، لحجية الإجماع المنقول، سيما مع التعدد، والاعتضاد
بالشهرة، وبما دل على حرمة اللهو واللعب، لكون المسابقة في المذكورات
منهما بلا تأمل، وخصوص ما مر من المعتبرة المنجبر قصور سندها بالشهرة،
بل وعمل الكل ولو في الجملة، الدالة على تنفر الملائكة عند الرهان ولعنها
صاحبه ما خلا الثلاثة، مع تصريح الرواية السابقة بأن ما عداها قمار محرم.
ودعوى توقف صدق القمار والرهانة على بذل العوض غير معلوم
الصحة، مع صدقهما سيما الرهانة بدونه عرفا وعادة.
ويحتمل قويا أن يجعل جميع ذلك قرينة لصحة النسخة الثانية من
سكون الباء من لفظ " السبق " في الرواية، ودلالتها على عدم الصحة، بل
وعلى الحرمة ظاهرة، لعدم إمكان إرادة نفي الماهية.

(1) المسالك 6: 87.
(2) المسالك 6: 87.
(3) المهذب البارع 3: 83.
(4) جامع المقاصد 8: 326.
(5) التذكرة 2: 354 س 29 و 34.
408

فليحمل على أقرب المجازات، وهو إما نفي جميع أحكامها التي منها
الصحة والمشروعية، أو نفيهما خاصة، لأنهما المتبادر من نفي الماهية
بلا شبهة، سيما مع الاعتضاد بما قدمناه من الأدلة على الحرمة.
وبما ذكرناه يظهر الجواب عما أورده في الكفاية على الرواية من أنها لا
دلالة لها على الحرمة على النسختين.
قال: بل يحتمل غيرها فإنه على الفتح يحتمل أن لا لزوم أو أن لا تملك
أو لا فضل للسبق والعوض إلا في هذه الثلاثة من بين الأفعال التي يسابق
عليها، وعلى هذا لا دلالة لها على تحريم الفعل والملاعبة مع العوض أيضا
في غير الثلاثة، بل لا يدل على تحريم العوض أيضا، وعلى السكون يحتمل
أن يكون معناها لا اعتداد بسبق في أمثال هذه الأمور إلا في الثلاثة، أو
لا فضل لسبق إلا في الثلاثة، فلا تكون دالة على التحريم، انتهى كلامه (1).
وهو كما ترى المناقشة فيه بعد ما قدمناه واضحة، فإنه لا ريب أن هذه
الاحتمالات التي ذكرها بعيدة غير متبادرة، ولذا أن أحدا من الأصحاب لم
يشر إلى جريان شئ منها في الرواية، بل أطبقوا على دلالتها على الحرمة،
وإنما اختلفوا لاختلاف النسخة في متعلقها هل هو العوض خاصة أو نفس
الرهانة؟ وأين هذا الإطباق من صحة ما ذكره، بل ينبغي القطع بفساده، سيما
مع ما عرفت من الروايات، بل الأدلة الأخر الظاهرة في الحرمة
وأخبارهم (عليهم السلام) يكشف بعضها عن بعض.
وأما ما ربما يستدل لجواز المسابقة بالطيور والمصارعة من الأخبار
الدالة عليه كالروايات الثلاثة (2) النافية للبأس عن قبول شهادة اللاعب

(1) كفاية الأحكام: 136 س 35، وفيه اختلاف يسير.
(2) الوسائل 18: 305، الباب 54 من أبواب الشهادات الحديث 1 و 2 و 3.
409

بالحمام إذا لم يعرف بفسق في الأولى، مضافا فيها إلى الخبرين المتقدمين
المرخصين لها في الريش وهو الطيور، وكالروايات المروية في الأمالي
وغيره، الدالة على أمر النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام) بالمصارعة (1)
في الثانية.
فضعيف غايته، لضعف الروايات المزبورة جملة سندا في أنفسها، فكيف
يمكن أن يحتج بها، سيما في مقابلة ما قدمنا من الأدلة القوية، مضافا إلى
ضعف في دلالتها، فإن اللعب بالحمام أعم من السباق عليه، فلعل نفي البأس
عن قبول شهادته إنما هو إذا لم يسابق عليه، ويمكن دخوله في الشرط من
قوله: " إذا لم يعرف بفسق ".
ودعوى أن السبق عليه ليس بفسق مصادرة. نعم لها دلالة على جواز
اللعب به، وهو أمر آخر ظاهر المحكي عن الأصحاب فيه - في بحث
الشهادة - جوازه.
ودعوى أن المراد من الريش هو الطيور ممنوعة، لاحتمال أن يراد به
ودعوى أن المراد من الريش هو الطيور ممنوعة، لاحتمال أن يراد به
السهام المثبت ذلك فيها.
وليس في عطفه على النصل في أحد الخبرين (2) دلالة على التباين
بينهما، بعد احتمال كون العطف فيه من باب عطف المرادف أو الخاص على
العام، مع تأيده بإسقاط العطف، وإبدال النصل بالريش في الخبر الثاني، مع
التصريح فيه بحرمة الباقي.
* (ويفتقر انعقادها إلى) * صدورها من كاملين (3) بالبلوغ والعقل، خاليين
عن الحجر، لأنها تقتضي تصرفا في المال.

(1) أمالي الصدوق: 361، الحديث 8.
(2) الوسائل 18: 305، الباب 54 من أبواب الشهادات الحديث 1 و 2.
(3) في " ش ": الكاملين.
410

و * (إيجاب وقبول) * بلا خلاف في الأول، ومعه في الثاني كما قيل (1).
وربما يستدل لاعتباره بعموم ما دل على لزوم الوفاء بالعقود.
وهو غير مفهوم، فإن مقتضاه لزوم الوفاء بما كان عقدا، لا أن المسابقة
منه فيعتبر فيها القبول، إلا أن يبنى الاستدلال على القول بلزومها.
وبنائه حينئذ أنه لا وجه للزومها، إلا بعد اعتبار القبول فيها، إذ معه يلزم
لقوله تعالى: " أوفوا " إلى آخر ما مضى لا مطلقا، وهذا البناء يظهر من الماتن
في الشرائع (2) وغيره، حيث جعلا مورد الخلاف الآتي في اللزوم وعدمه هو
اشتراط القبول وعدمه، مفرعين على الأول القول باللزوم، وعلى الثاني
الجواز، لكنه خلاف ما يظهر من الماتن هنا، حيث حكم بلزوم القبول من
دون تردد.
ثم قال: * (وفي لزومها تردد) * وهو أظهر في اشتراط القبول على أي
تقدير، وأن التردد إنما هو في لزومها وجوازها، حتى مع اعتبار القبول فيها.
وهذا هو الذي يظهر من كلمات الجماعة كالمختلف وغيره، حيث حكى
القول باللزوم عن الحلي، والجواز عن المبسوط والخلاف واختاره، مستدلا
للأول بما مر، مجيبا عنه بالقول بالموجب، فإن الوفاء بالعقد هو العمل
بمقتضاه، فإن كان لازما كان العمل بمقتضاه على سبيل اللزوم، وإن كان
جائزا كان الوفاء به والعمل بمقتضاه على سبيل الجواز، وأيضا ليس المراد
مطلق العقود، وإلا لوجب الوفاء بالعقود الجائزة، وهو باطل بالإجماع، فلم
يبق إلا العقود اللازمة، والبحث وقع فيه (3).
وهو كما ترى ظاهر، بل صريح في اتفاق القولين على كونها من العقود،

(1) القائل صاحب مفاتيح الشرائع 3: 118، مفتاح 986.
(2) الشرائع 2: 237.
(3) المختلف 6: 255.
411

وإنما اختلفا في كونها من اللازمة منها أو الجائزة.
وحينئذ، فالأجود الاستدلال على اعتبار القبول أن يقال: إن الوجه فيه
ظاهر على القول باللزوم، وكذا على القول بالجواز، بناء على أن لزوم
العوض المبذول بعد العمل للسابق على المسبوق لا يتأتى إلا على اعتبار
قبوله، إذ لولاه لأمكنه الامتناع من بذله بعد العمل، مدعيا عدم رضاه
بالإيجاب، ولعله خلاف الإجماع، بل العوض لازم عليه بعد العمل كالجعالة
بلا خلاف، ولا يتم ذلك إلا بالقبول.
لكن هذا إنما يجري لو كان السابق هو الموجب، ولو انعكس أمكن عدم
الاحتياج إلى القبول، كالجعالة، إلا أنه يمكن التتميم بعدم القول بالفصل.
فتأمل.
هذا، وأما تعيين أحد القولين باللزوم والجواز، فيتوقف على بيان المراد
من اللزوم. وهو غير منقح في كلام الأصحاب.
والتحقيق أن يقال: إن أريد به ما قلناه من لزوم بذل العوض بعد حصول
السبق خاصة كان * (أشبهه اللزوم) * عملا بما وقع عليه العقد والشرط،
والتفاتا إلى استلزام الامتناع من بذله الحيف والضرر على السابق، الناشئ من
تغرير المسبوق له على تضييع العمل المحترم برضاه بالبذل، على تقدير
حصول السبق للسابق.
وإن أريد به لزومها من أول الأمر بمعنى وجوب العمل ثم بذل العوض
إن حصل السبق وعدم جواز الفسخ قبل التلبس بالعمل ولا بعده فالأشبه
الجواز، للأصل، وعدم مقتضى اللزوم، عدا ما مر من الأمر بالوفاء بالعقد.
وفي اقتضائه له نظر، لا لما مر عن المختلف - لضعفه، فالأول: بمخالفته
الظاهر، فإن مقتضى الوفاء بالشئ التزامه، والعمل به مطلقا لا العمل بمقتضاه
412

من لزوم أو جواز جدا، ولذا أن ديدن الأصحاب حتى هو إثبات لزوم العقود
اللازمة بمثله، ولا وجه له لو صح ما ذكره، لاستلزامه الدور الواضح، كما
لا يخفى على من تدبره. والثاني: بأن خروج العقود الجائزة تخصيص للعام،
فيبقى في الباقي حجة - بل لأن معنى الأمر بالوفاء بالعقد هو العمل بما التزم
فيه ابتداء أو مآلا، ونحن نقول به هنا، إلا أنه لا يلزم منه وجوب الاستباق
وعدم جواز الفسخ، لعدم الالتزام بهما في العقد، بل إنما التزم فيه ببذل
العوض بعد حصول السبق، إذ لا معنى لقوله: " من سبق فله كذا " غير ذلك،
وهو غير الالتزام بنفس العمل والعوض في بدء الأمر، بل حالها حينئذ
كالجعالة بعينها، فلكل منهما فسخها ابتداء وفي الأثناء، ولكن يجب على
المسبوق منهما للسابق بذل العوض الذي عيناه.
* (ويصح أن يكون السبق) * بالفتح * (عينا ودينا) * حالا ومؤجلا
بلا خلاف، للأصل، والعمومات.
* (ولو بذل السبق غير المتسابقين جاز) * مطلقا، إماما كان أو غيره،
للدليلين، مضافا إلى ما في المسالك وغيره من إجماع المسلمين عليه في
الأول (1)، ومنا ومن أكثر العامة في الثاني (2)، وأنه بذل مال في طاعة وقربة
مصلحة للمسلمين فكان جائزا، بل يثاب عليه مع نيته، كما لو اشترى لهم
خيلا وسلاحا وغيرهما مما فيه إعانتهم على الجهاد.
وقال المانع منهم: عن بذل غير الإمام باختصاص النظر في الجهاد به،
فيختص البذل به. وضعفه ظاهر، سيما في مقابلة ما مر من الدليل.
* (وكذا) * جاز * (لو بذله أحدهما) * بأن يقول لصاحبه إن سبقت فلك
عشرة وإن سبقت أنا فلا شئ لي عليك، وهو جائز عندنا، كما في المسالك (3).

(1) المسالك 6: 91.
(2) جامع المقاصد 8: 329.
(3) المسالك 6: 91.
413

خلافا لبعضهم قال: لأنه قمار (1).
ويندفع - على تقدير تسليمه - بخروجه بالنص المتقدم.
* (أو بذل من بيت المال) * بلا خلاف، لأنه معد للمصالح وهذا منها، لما
فيه من البعث على التمرن على العمل المترتب عليه إقامة نظام الجهاد.
* (ولا يشترط المحلل عندنا) * وهو الذي يدخل بين المتراهنين بالشرط
في عقده فيسابق معهما من غير عوض يبذله ليعتبر السابق منهما، ثم إن
سبق أخذ العوض، وإن سبق لم يغرم، وهو بينهما كالأمين.
وإنما لم يشترط، للأصل، وتناول ما دل على الجواز للعقد الخالي منه،
مضافا إلى الإجماع عليه هنا وفي الشرائع (2) والمسالك (3) والمختلف (4)،
لكنه كالمسالك خصاه بصورة عدم بذل المتسابقين معا البذل.
وظاهرهما الخلاف فيه، حيث حكيا الاشتراط به فيه عن الإسكافي (5).
والظاهر أنه شاذ، ولعله لذا ادعى الماتن على خلافه الإجماع، ومع ذلك
مستنده خبر عامي، ضعيف سندا ودلالة، وعدم اشتراطه في أصل السباق من
خصائصنا.
خلافا للشافعي، فاشترط مطلقا (6)، وبه سماه محللا، لتحريم العقد بدونه
عنده، وحيث شرط لزم، فيجري دابته بينهما، أو إلى أحد الجانبين مع
الإطلاق، وإلى ما شرط مع التعيين. قيل: لأنهما بإخراج السبق متنافران
فيدخل بينهما لقطع تنافرهما (7).

(1) قاله مالك، راجع الخلاف 6: 103، المسألة 6.
(2) الشرائع 2: 237.
(3) المسالك 6: 92.
(4) المختلف 6: 256.
(5) كما في المختلف 6: 256.
(6) بل اشترطه في صورة خاصة راجع الأم 4: 230.
(7) القائل الشهيد الثاني في الروضة 4: 426.
414

* (ويجوز جعل السبق للسابق منهما، أو للمحلل إن سبق) * بلا خلاف،
لما مضى من الدليلين. قيل: لا لأجنبي، ولا للمسبوق منهما ومن المحلل،
ولا جعل القسط الأوفر للمتأخر أو المصلي والأقل للسابق، لمنافاة ذلك كله
للغرض الأقصى من شرعيته وهو الحث على السبق والتمرن عليه (1).
* (وتفتقر المسابقة) * عند الأصحاب كافة، كما في ظاهر الكفاية (2)
* (إلى) * شروط، ذكر الماتن منها جملة، وأنهاها الفاضل إلى اثني عشر في
التذكرة (3).
منها: * (تقدير المسافة) * التي يستبقان فيها وتعيينها ابتداء وانتهاء، لئلا
يؤدي إلى التنازع، ولاختلاف الأغراض في ذلك اختلافا بينا، لأن من الخيل
ما يكون سريعا في أول عدوه دون آخره فصاحبه يطلب قصر المسافة،
ومنها ما هو بالعكس فينعكس الحكم.
* (و) * منها: تعيين * (الخطر) * بالخاء المعجمة والطاء المهملة المفتوحتين
إن شرطاه، أو مطلقا على القول باشتراطه في صحة أصل العقد، كما هو
ظاهر اللمعة، وحكاه في الروضة عن كثير، وفيها أيضا عن التذكرة أنه ليس
بشرط، وإنما يعتبر تعيينه لو شرط، واختاره (4). ولا يخلو عن قوة، للأصل،
والعمومات المتقدمة.
* (و) * منها: * (تعيين ما يسابق عليه) * من فرس وبعير وغيرهما إن قلنا
به بالمشاهدة، فلا يكفي الإطلاق ولا التعيين بالوصف، لاختلاف الغرض
بذلك كثيرا.
* (و) * منها: * (تساوي ما به السباق في احتمال السبق) * بمعنى احتمال

(1) القائل الشهيد الثاني في الروضة 4: 427.
(2) كفاية الأحكام: 137 س 22.
(3) التذكرة 2: 354 س 42.
(4) الروضة 4: 424.
415

كون كل واحد يسبق صاحبه، فلو علم قصور أحدهما بطل، لانتفاء الفائدة
حينئذ، لأن الغرض منه استعلام السابق. ولا يقدح رجحان سبق أحدهما
إذا أمكن سبق الآخر، لحصول الغرض معه.
ومنها: ما مر من جعل السبق لأحدهما أو المحلل لا غير، فلو جعل له
بطل.
ومنها: تساوي الدابتين في الجنس، فلا يجوز المسابقة بين الخيل
والإبل، ونحوه إن قلنا به.
ومنها: إرسالهما دفعة، فلو أرسل أحدهما دابته قبل الآخر ليعلم هل
يدركه أم لا؟ لم يصح.
ومنها: أن يستبقا عليهما بالركوب، فلو شرط إرسالهما ليجريا بنفسهما
لم يجز.
ومنها: أن يجعلا المسافة، بحيث يحتمل الفرسان قطعها ولا ينقطعان
دونها.
ومنها: أن يكون ما ورد عليه عدة للقتال، فلا يجوز السبق والرمي في
النساء.
ومنها: العقد المشتمل على أركانه.
ومنها: عدم تضمنه شرطا فاسدا.
هذه جملة ما عن التذكرة (1) وفي استنباطها أجمع من الأدلة نوع
مناقشة، إلا أن يكون إجماعا، فيتبع.
لكن في تحققه نظر، كيف! ولم أجد من ادعاه، مع خلو عبارة الماتن
- ككثير - عن ذكرها كاملة، بل اقتصروا على قليل منها. ومعه كيف يمكن

(1) التذكرة 2: 354 - 355.
416

الاطلاع بالإجماع من غير طريق الحكاية؟!
ولا ريب أن اعتبارها أحوط، اقتصارا فيما خالف الأصل، الدال على
حرمة القمار والرهانة على المتيقن إباحته من الفتوى والرواية.
وهذا هو العمدة في الحجية (1) لإثبات جملة منها، التي لا يسبق الرهانة
المستثناة من الحرمة في الروايات المتقدمة بدونها إلى الذهن بالمرة.
* (وفي اشتراط التساوي في الموقف تردد) * ينشأ من الأصل والعمومات
وحصول الغرض مع تعيين المبدأ والغاية، ومن انتفاء معرفة جودة الفروس
وفروسية الفارس مع عدم التساوي، لأن عدم السبق قد يكون مستندا إليه
فيخل بمقصوده. وفيه منع ونظر.
فإذا العدم أظهر، مع أنه أشهر، كما في شرح الشرائع للصيمري (2)
والمهذب (3).
* (ويتحقق السبق) * بالسكون * (بتقدم الهادي) * أي العنق على الأظهر
الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، عملا بالعرف.
خلافا للإسكافي، فاكتفى بالإذن (4)، لرواية قاصرة السند، غير صريحة
الدلالة باحتمال الحمل على المثل أو المبالغة.
ثم ظاهر العبارة - كما ضاهاها - اعتبار التقدم بجميعه، بل في الروضة
عن عبارة كثير حصوله به وبالكتد معا، وهو بفتح الفوقانية أشهر من كسرها،
كما فيها مجمع الكتفين بين أصل العنق والظهر (5)، وحكى فيها قولا بكفاية
التقدم ببعض العنق، واستحسنه (6). وهو كذلك، حيث يساعده العرف والعادة.

(1) في " ق، ه‍ ": الحجة.
(2) غاية المرام: 103 س 13 (مخطوط).
(3) لم نعثر عليه في المهذب ولا في المهذب البارع.
(4) كما في المختلف 6: 257.
(5) الروضة 4: 427.
(6) الروضة 4: 427.
417

ثم إن اتفقا في طول العنق وقصره أو سبق الأقصر عنقا ببعضه فواضح،
وإلا اعتبر سبق الطويل بأكثر من قدر الزائد، ولو سبق بأقل من قدر الزائد
فالقصير هو السابق.
واعلم أنه يطلق عندهم على السابق المجلي، وعلى الذي يحاذي رأسه
صلوي السابق، وهما العظمان النابتان عن يمين الذنب وشماله المصلي،
وعلى الثالث التالي، وعلى الرابع البارع، وعلى الخامس المرتاح، وعلى
السادس الخطي، وعلى السابع العاطف، وعلى الثامن المؤمل بالبناء للفاعل،
وعلى التاسع اللطيم بفتح أوله وكسر تالييه، وعلى العاشر فصاعدا الفسكل
بكسر الفاء فسكون السين فكسر الكاف أو بضمهما كقنفذ.
وهذه أسامي جرت عادتهم بتسميتهم بها عشرة من خيل الحلبة، وهي
وزان سجدة الخيل تجمع للسباق.
وفائدته تظهر فيما لو شرط للمجلي مالا، وللمصلي أقل منه، وهكذا
إلى العاشر.
* (ويفتقر المراماة إلى شروط) * ستة:
منها * (تقدير الرشق) * وهو بكسر الراء عدد الرمي الذي يتفقان عليه
كعشرين، وبالفتح مصدر، بمعنى الرمي.
واشتراطه هو المشهور. قيل: لأنه العمل المقصود المعقود عليه (1).
خلافا لبعضهم، فاشترط العلم به في المحاطة دون المبادرة (2)، وتأمل
فيه في الكفاية، لعدم توقف معرفة الإصابة على تعيين الرشق، لجواز
حصولها بدونه (3).

(1) القائل الشهيد في المسالك 6: 96، وصاحب كفاية الأحكام: 137 س 29.
(2) الإيضاح 2: 371.
(3) كفاية الأحكام: 137 س 30.
418

* (و) * منها: تقدير * (عدد الإصابة) * كخمس من عشرة. قيل: لأن
الاستحقاق إنما يحصل بالإصابة، وبها يحصل معرفة جودة الرمية ومعرفة
الناضل من المنضول، فلو عقدا على أن يكون الناضل منهما أكثرهما إصابة
من غير بيان لم يصح على المشهور (1). بل في الكفاية نسبه إليهم، مشعرا
باتفاقهم وإن تأمل فيه بعد النسبة، معللا بجواز حصول معرفة الإصابة بكونه
أكثر إصابة في العدد المشترط أو غير ذلك (2).
* (و) * منها: تعيين * (صفتها) * من المارق والخاسق بالمعجمة والمهملة،
والخازق بالمعجمتين، والخاصل بالخاء المعجمة والصاد المهملة، والخاصر،
والخارم، والحابي، والقارع، إلى غير ذلك من الأوصاف الكثيرة، حتى أنه
ذكر لها بحسب أوصافها تسعة عشر اسما في كتاب فقه اللغة (3).
وفسر الأول: بالذي يخرج من الغرض نافذا فيه واقعا ورائه، والثاني:
بالذي يثقب الغرض ويقف فيه، والثالث: بالذي خدشه ولم يثقبه، وقيل: بل
يثقبه ولكن لم يثبت فيه، والرابع: بالذي أصابه ولم يؤثر فيه، ويطلق على
القارع وعلى الثاني والثالث، وعلى المصيب للغرض كيف كان، والخامس:
بالذي أصاب أحد جانبي الغرض، والسادس: بالذي يخرم حاشيته، والسابع:
بالواقع دونه ثم يحبو إليه من حبو الصبي. قيل: ويقال على ما وقع بين يدي
الغرض ثم وثب إليه فأصابه وهو المزدلف، والثامن: بالذي يصيبه بلا خدش،
ومقتضى اشتراطه تعيينها بطلان العقد بدونه (4).
وتأمل فيه جماعة منهم الكفاية، حاكيا فيها عن التذكرة أنه لا يشترط

(1) الظاهر الشهيد في المسالك 6: 97، وفيه: عندنا.
(2) كفاية الأحكام: 137 س 32.
(3) فقه اللغة للثعالبي: 199.
(4) والمفسر الشهيد الثاني في الروضة 4: 428، وفيه اختلاف يسير.
419

الإعلام بصفة الإصابة وأنه إذا أطلق حمل على مجردها، لأنه المتعارف،
والمطلق معنى فيحمل عليه المطلق لفظا. نعم إن شرطا نوعا معينا تعين
جدا (1).
* (و) * منها: تشخيص * (قدر المسافة) * التي يرميان فيها، وهي ما بين
موقف الرامي والهدف، أو ما في معناه، إما بالمشاهدة، أو المساحة كمائة
أذرع، قيل: لاختلاف الإصابة بالقرب والبعد (2)، وفي الكفاية لا يبعد
الاكتفاء بالعادة الغالبة بين الرماة في اعتبار الإصابة.
* (و) * منها: تعيين * (الغرض) * وهو ما يقصد (3) إصابته من قرطاس أو
جلد أو غيرهما، لاختلافه بالسعة والضيق. ويشترط العلم بوضعه من الهدف،
وهو ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره، لاختلافه في الرفعة والانحطاط،
الموجب لاختلاف الإصابة. وتأمل في هذا الشرط أيضا في الكفاية (4).
* (و) * منها: تعيين قدر * (السبق) * أي العوض المبذول للسابق، حذرا
من لزوم الغرر.
* (وفي اشتراط المبادرة) * وهي اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى
إصابة عدد معين من مقدار رشق معين مع تساويهما في الرشق كخمسة
من عشرين * (والمحاطة) * وهي اشتراط استحقاقه لمن خلص له من الإصابة
عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الأخر وطرح ما اشتركا
فيه * (تردد) *.
ينشأ من الأصل وانتفاء الدليل عليه، ومن مخالفة حكم كل منهما لحكم
الآخر، ومثلها موجب لبطلان العقد مع الإهمال وترك التعيين، لتفاوت

(1) كفاية الأحكام: 137 س 33.
(2) القائل الشهيد الثاني في الروضة 4: 430.
(3) في " مش " توجد زيادة كلمة: به.
(4) كفاية الأحكام: 138 س 2.
420

الأغراض، فإن من الرماة من يكثر إصابته في الابتداء ويقل في الانتهاء
ومنهم من هو بالعكس، وهذا خيرة المبسوط (1) والتذكرة (2) والتنقيح (3)
والمسالك (4).
ولا ريب فيه مع انتفاء القرينة من العرف أو العادة على تعيين أحد
الأمرين، ولعله فرض المسألة. وأما معها فالأجود الأول، عملا بالقرينة فإنها
في حكم التعيين، وفاقا للمحكي عن الفاضل في أكثر كتبه (5) والروضتين (6).
وعليه ففي حمل المطلق على المحاطة - كما هو الأشهر - أو المبادرة،
قولان:
ينشئان من أن اشتراط السبق إنما يكون لإصابة معينة من أصل العدد
المشترط في العقد، وذلك يقتضي إكمال العدد كله لتكون الإصابة المعينة
منه، وبالمبادرة قد لا يفتقر إلى الإكمال، كما إذا اشترطا رشق عشرين
وإصابة خمسة فرمى كل واحد عشرة فأصاب أحدهما خمسة والآخر أربعة
مثلا فقد فضله صاحب الخمسة، ولا يجب عليه الإكمال، بخلاف ما لو شرطا
المحاطة فإنهما يتحاطان في المثال أربعة بأربعة ويبقى لصاحب الخمسة
واحد، ويجب الإكمال، لاحتمال اختصاص كل واحد بإصابة خمسة
فيما يبقى.
ومن أن المبادرة هي المتبادر عند إطلاق السبق لمن أصاب عددا معينا،
وعدم وجوب الإكمال مشترك بينهما، فإنه قد لا يجب الإكمال في المحاطة

(1) ليس فيه ما يدل على اختياره، راجع المبسوط 6: 297.
(2) التذكرة 2: 362 س 40.
(3) ليس فيه ما يدل على اختياره، راجع التنقيح 2: 357.
(4) المسالك 6: 99.
(5) التحرير 1: 262، السطر الأخير.
(5) التحرير 1: 262، السطر الأخير.
(6) اللمعة والروضة 4: 431.
421

على بعض الوجوه، كما إذا انتفت فائدته للعلم باختصاص المصيب
بالمشروط على كل تقدير، بأن رمى أحدهما في المثال خمسة عشر
فأصابها ورماها الآخر فأصاب خمسة، فإذا تحاطا خمسة بخمسة بقي
للآخر عشرة، وغاية ما يتفق مع الإكمال أن يخطى صاحب العشرة الخمسة
ويصيبها الآخر فيبقى له فضل خمسة المشروط.
والأقوى الرجوع إلى عادة المتناضلين، فإن كانت اتبعت، وإلا بطل العقد
من أصله.
وحينئذ، فلا وجه للاختلاف، إلا أن يوجه بالاختلاف في فهم القرينة مع
الإطلاق، فبين من حسنها للدليل الأول فاختار مدلوله، وبين من عكس
فاختار ما اختاره.
* (ولا يشترط تعيين السهم ولا القوس) * أي شخصهما على المشهور،
بل عن المحقق الثاني الإطلاق عليه (1)، دون النوع كالقوس العربي، أو
المنسوب إلى وضع خاص فيشترط تعيينه، استنادا فيه إلى اختلاف الرمي
باختلافه.
وفي الأول إلى عدم الفائدة في التعيين بعد تعيين النوع وأدائه إلى
التضيق بعروض مانع من المعين محوج لإبداله، بل قيل: إنه لو عينه لم
يتعين، وجاز الإبدال، وفسد الشرط (2). وفيه نظر.
وعن جماعة أنه لا يشترط تعيين السهم، لعدم الاختلاف الفاحش
الموجب لاختلاف الرمي، بخلاف القوس وأنه يعين نوعهما انصرف إلى
الأغلب في العادة (3).
ولا يخلو عن قوة، لجريانه مجرى التقييد اللفظي، فإن اضطربت وجب

(1) جامع المقاصد 8: 354.
(2) القائل صاحب جامع المقاصد 8: 355.
(3) راجع الروضة 4: 431.
422

التعيين، فإن لم يعين فسد العقد، للغرر.
* (ويجوز المناضلة على الإصابة) * للغرض مع الشرائط المتقدمة * (و) *
كذا يجوز معها * (على التباعد) * بأن يرميا من موضع معين إلى آخر كذلك،
ويشترطا أن من بعد سهمه عن الآخر فله السبق بلا خلاف فيه في الظاهر، بل
قيل: كأنه مجمع عليه (1).
والمستند فيه بعده الأصل، وعموم الأدلة، مع سلامتهما هنا عن
المعارض بالكلية.
* (ولو فضل أحدهما) * على * (الآخر) * في عدد الإصابة * (فقال: إطرح
الفضل بكذا) * وكذا درهما مثلا * (لم يصح، لأنه مناف للغرض من النضال) *
ومفوت له أو مخالف لوضعه، فإن المقصود منه إبانة حذق الرامي أو ظهور
اجتهاده، فلو طرح الفضل بعوض كان تركا للمقصود به، فيبطل المعاوضة،
ويرد ما أخذه.
ولا خلاف فيه، كما في المسالك (2)، إلا من ظاهر الماتن في الشرائع (3)،
حيث نسب الحكم إلى القيل، المشعر بالتوقف أو التمريض.
قيل: ووجهه أنه جعل على عمل محلل، ومنع كون المقصود بالنضال
منحصرا فيما ذكر، لجواز أن يقصد به كسب المال، فإذا حصل بالسبق أمكن
تحصيله بمقدماته، مضافا إلى أصالة الصحة، وعموم الأمر بالوفاء بالعقد
والشرط، ومنافاته للمشروع غير معلومة (4).
وهذا أوجه إن لم يكن الإجماع على خلافه انعقد.
z z z

(1) القائل صاحب مجمع الفائدة 10: 180.
(2) المسالك 6: 111.
(3) الشرائع 2: 240.
(4) القائل الشهيد الثاني في المسالك 6: 111، وفيه اختلاف يسير.
423

كتاب
الوصايا
425

* (كتاب) *
* (الوصايا) *
وهي جمع وصية من وصى يصي أو أوصى يوصي أو وصى يوصي،
وأصلها الوصل، سميت به لما فيها من وصلة التصرف في حال الحياة به
بعد الوفاة.
والأصل في شرعيتها - بعد إجماع المسلمين عليها كافة كما في
المهذب (1) وغيره - الآيات المتكاثرة.
قال سبحانه: " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا
الوصية " (2)، الآية.
والسنة بها مع ذلك متواترة من طرق الخاصة والعامة، يأتي إلى جملة
منها الإشارة، مضافا إلى ما ورد في فضلها من المعتبرة المستفيضة، بل
المتواترة.
في جملة منها مستفيضة: أنها حق على كل مسلم (3).

(1) المهذب البارع 3: 95.
(2) البقرة: 180.
(3) الوسائل 13: 351، الباب 1 من أبواب الوصايا.
427

وفي أخرى كذلك: من لم يحسن عند الموت وصيته كان نقصا في مروته
وعقله، كما في بعضها (1). وفي آخر: ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا
ووصيته تحت رأسه (2).
وفي ثالث: من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية (3).
وفي رابع: من أوصى ولم يحف ولم يضار كان كمن تصدق به في
حياته (4).
وفي خامس: من أوصى بالثلث احتسب له من زكاته (5).
وظاهر الأخبار الأولة الوجوب، وحملت على تأكد الفضيلة أو الوصية
بالأمور الواجبة كالحج والخمس والزكاة المفروضة، وللحمل الأول شواهد
من المعتبرة.
* (وهو) * أي الكتاب * (يستدعي فصولا:) *
* (الأول: الوصية) *
لغة ما مر إليه الإشارة. وشرعا * (تمليك عين، أو منفعة) *.
فالتمليك بمنزلة الجنس يشمل سائر التصرفات المملكة من البيع
والوقف والهبة.
وفي ذكر العين والمنفعة تنبيه على متعلق الوصية.
ويندرج في العين الموجود منها بالفعل كالشجرة، وبالقوة كالثمرة
المتجددة.

(1) الوسائل 13: 353، الباب 3 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 352، الباب 1 من أبواب الوصايا الحديث 7.
(3) الوسائل 13: 352، الباب 1 من أبواب الوصايا الحديث 8.
(4) الوسائل 13: 356، الباب 5 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(5) الوسائل 13: 353، الباب 2 من أبواب الوصايا الحديث 3.
428

وفي المنفعة المؤبدة منها والمؤقتة والمطلقة. واقتصر على ما في العبارة
جماعة منهم الماتن في الشرائع (1) وغيره.
ولما كان منتقضا في عكسه بالوصية إلى الغير بإنفاذ الوصية وبالولاية
على الأطفال والمجانين الذين تجوز له الوصية عليهم زاد الماتن هنا
والشهيد في اللمعة (2) * (أو تسليط على تصرف بعد الوفاة) *.
ويخرج بالقيد الهبة وغيرها من التصرفات المنجزة في الحياة المتعلقة
بالعين أو المنفعة والوكالة، لأنها تسليط على التصرف في الحياة.
وربما يذب عن النقض بجعل الوصية خارجة عن الوصاية قسيمة لها،
فلا يحتاج إلى إدراجها فيها بهذه الزيادة، حتى أن الشهيد في الدروس عنون
لكل من القسمين كتابا على حدة (3).
وزاد في الكفاية زيادة أخرى، وهي هذه: " أو فك ملك بعد الوفاة " (4)،
هربا مما يرد عليه من انتقاض عكسه أيضا بالوصية بالعتق فإنه فك ملك،
والتدبير فإنه وصية به عند الأكثر، والوصية بإبراء المديون ووقف المسجد
فإنه فك ملك أيضا، وبالوصية بالمضاربة والمساقاة فإنهما وإن أفادا ملك
العامل الحصة من الربح والثمرة إن ظهر، إلا أن حقيقتهما ليست كذلك، وقد
لا يحصل ربح ولا ثمرة فينتفي التمليك، كذا في المسالك (5) والروضة (6).
وعند الأحقر في زيادتها لما ذكره مناقشة، يظهر وجهها بملاحظة
الزيادة بما في العبارة.
* (و) * كيف كان * (تفتقر) * الوصية * (إلى الإيجاب) * إجماعا * (والقبول) *
بلا خلاف أجده في ثبوته في الجملة، بل عليه الإجماع في الغنية (7).

(1) الشرائع 2: 243.
(2) اللمعة: 104.
(3) الدروس 2: 295 و 321.
(4) كفاية الأحكام: 145 س 15.
(5) المسالك 6: 115 و 116.
(6) الروضة 5: 12.
(7) الغنية: 306.
429

وإطلاقه - كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة - يقتضي اشتراطه مطلقا
ولو كانت الوصية لغير معين أو في جهة عامة.
خلافا لجماعة من المتأخرين كالمختلف (1) والمسالك (2) وغيرهما
فيهما، فلم يشترطوه هنا، لما مر في الوقف من تعذره من الجميع، واستلزام
الاكتفاء به من البعض الترجيح من غير مرجح.
ويضعف بما مر ثمة من عدم استلزام تعذر القبول منهم عدم اعتبار
أصله، لجواز قبول الناظر في تلك المصلحة أو حاكم الشريعة. وهذا أوجه إن
لم يكن الإجماع على خلافه، كما يستفاد من الروضة (3).
لكن يبقى الإشكال في الدليل على اشتراط القبول من أصله، ولم أقف
عليه سوى الإجماع، وهو غير تام في محل النزاع، وإجماع الغنية غير ظاهر
الشمول لهذه الصورة.
فينبغي الرجوع إلى الإطلاقات بنفوذ الوصية من الكتاب والسنة،
ومقتضاها عدم اشتراطه بالكلية، خرج منها الصورة المجمع عليها، وبقي
الصورة المفروضة تحتها مندرجة.
لكن التمسك بمثل هذه الإطلاقات الواردة في بيان سائر أحكام الوصية
دون خصوص الحكم في المسألة لا يخلو عن مناقشة، سيما مع وهنها
بتقييدها بشرائط كثيرة، ومنها اشتراط القبول ولو في الجملة.
وظهور كلام هؤلاء الجماعة في عدم استنادهم فيما ذهبوا إليه من عدم
الاشتراط في المسألة إليها بالكلية، حيث اتفقت كلماتهم على أخذهم الحجة
له ما مر من العلة من تعذر القبول في هذه الصورة لا غيره. وهو مشعر، بل

(1) المختلف 6: 340.
(2) المسالك 6: 116.
(3) الروضة 5: 20.
430

لعله ظاهر في أنه لولا هذه العلة لما كان لهم عن القول بالاشتراط مطلقا
مسرح ولا مندوحة، وهذا يعرب عن قوة الداعي للاشتراط كلية، إلا أنه
حجرتهم عن العمل به في المسألة العلة المزبورة ومثله يعد إجماعا على
الاشتراط مطلقا، فيتخذ عليه كذلك حجة.
ويذب عن العلة بما مر إليه الإشارة، مضافا إلى الأصول القطعية، كأصالة
عدم الانتقال، وبقاء الموصى به على حالته السابقة من الملكية والحكم
بانتقاله إلى الورثة. وعليك برعاية هذا الأصل، فإنه ينفعك في كثير من
المباحث الآتية.
وأما المقارنة بينهما فغير شرط بالإجماع، كما في المسالك (1) وغيره،
ولا يدانيه شبهة.
بل في صحة القبول قبل الموت قولان، مستندان إلى وجوه مدخولة،
والأقرب القول بعدم الصحة، للأصل المتقدم إليه الإشارة. ولا يمكن
الاستدلال للصحة بعموم الأمر بالوفاء بالعقود، لأن الأمر به إنما هو من حين
انعقاد العقد، ولزومه الذي هو مقتضى الأمر من حينه مخالف للإجماع على
جواز رجوع الموصي ورد الموصى له الوصية قبل الموت. وبه (2) أفتى في
المختلف (3) تبعا للغنية (4)، وظاهر الروضة كونه الأشهر بين الطائفة (5).
خلافا للمحكي عن الحلي (6) والماتن والفاضل في جملة من كتبه (7).
ثم في اقتصار الماتن على الإيجابين دلالة على عدم اعتبار شئ آخر

(1) المسالك 6: 116.
(2) أي بعدم صحة القبول قبل الموت.
(3) المختلف 6: 338.
(4) الغنية: 306.
(5) الروضة 5: 16.
(6) السرائر 3: 184.
(7) الإرشاد 1: 457، القواعد 1: 290 س 18.
431

فيها مما وقع فيه النزاع بين الأصحاب، كالقبض.
وهو الأصح، للأصل، وعمومات الأمر بالوفاء بالعقد، والصحيح: عن
رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقبا، قال: أطلب له
وارثا أو مولى فادفعها إليه، قلت: فإن لم أعلم له وليا، قال: اجهد على أن
تقدر له على ولي، فإن لم تجد وعلم الله تعالى منك الجد فتصدق بها (1).
وقيل: شرط، قياسا على الوقف والهبة (2).
وهو ضعيف، والأولوية غير واضحة. فاتخاذها حجة لا يخلو عن
مناقشة، سيما في مقابلة ما مر من الأدلة.
واعلم أن إيجابها هو كل لفظ دال على المعنى المطلوب منها، كأوصيت
لفلان بكذا أو افعلوا كذا بعد وفاتي أو لفلان بعد وفاتي كذا، وقبولها الرضا
بما دل عليه الإيجاب ولو فعلا، كالأخذ والتصرف.
* (وتكفي) * في الإيجاب * (الإشارة) * وكذا الكتابة * (الدالة على المقصود) *
مع تعذر اللفظ بخرس أو اعتقال لسان إجماعا، للنصوص المستفيضة.
منها الصحيح في التهذيب، المروي فيه وفي الفقيه بطريق آخر موثق
أيضا: أن أمامة بنت أبي العاص وأمها زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت تحت
علي (عليه السلام) بعد فاطمة (عليها السلام) فخلف عليها بعد علي (عليه السلام) المغيرة بن نوفل، فذكر
أنها وجعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها، فجاءها الحسنان (عليهما السلام) - وهي
لا تستطيع الكلام - فجعلا يقولان لها - والمغيرة كاره لذلك - أعتقت فلانا
وأهله فجعلت تشير برأسها نعم - إلى أن قال: - فأجازا ذلك لها (3). وقريب

(1) الوسائل 13: 409، الباب 30 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(2) قال الشيخ (قدس سره): إن القبض شرط في اللزوم، راجع المبسوط 4: 33.
(3) التهذيب 8: 258، الحديث 936، والتهذيب 9: 241، الحديث 935، والفقيه 4: 198،
الحديث 5455.
432

منه في أصل المطلب المروي في الكافي (1).
وعن قرب الإسناد عن موسى بن جعفر (عليهما السلام): عن رجل اعتقل لسانه
عند الموت أو امرأة فجعل أهاليهما يسأله أعتقت فلانا وفلانا فيومئ برأسه
أو تومئ برأسها في بعض نعم وفي بعض لا وفي الصدقة مثل ذلك أيجوز
ذلك؟ قال: نعم هو جائز (2).
ومنها الخبر المروي في الفقيه والتهذيب: أن مولانا الباقر (عليه السلام) قال:
دخلت على محمد بن الحنفية وقد اعتقل لسانه، فأمرته بالوصية فلم يجب،
قال: فأمرت بالطشت فجعل فيه الرمل فوضع، فقلت له: فخط بيدك، فقال:
فخط وصيته بيده إلى رجل، ونسخته أنا في صحيفة (3).
* (ولا تكفي الكتابة) * وكذا الإشارة * (ما لم تنضم) * إليها (4) * (القرينة) *
الحالية * (الدالة على الإرادة) * كما في الرواية (5)، بلا خلاف أجده، بل ادعى
عليه في السرائر إجماع الإمامية (6)، لأنها أعم من قصد الوصية.
وظاهر العبارة كفايتهما مع القرينة مطلقا ولو لم يكن حال ضرورة،
واحتمله في التذكرة.
قال: لأن الكتابة بمثابة كنايات الألفاظ، وقد بينا جواز الوصية بالكناية
التي ليست صريحة في دلالتها عليها مع القرينة، فإذا كتب وقال نويت
الوصية لفلان أو اعترف الورثة بعد موته به وجب أن يصح (7).

(1) الكافي 1: 453، الحديث 2.
(2) قرب الإسناد: 119.
(3) التهذيب 9: 241، الحديث 934، الفقيه 4: 197، الحديث 5454.
(4) كذا في المطبوع والمخطوطات، والظاهر أنه " إليهما " كما في الشرح الصغير للمصنف.
(5) الوسائل 13: 437، الباب 48 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(6) لم نجد التصريح بالاجماع راجع السرائر 3: 222.
(7) التذكرة 2: 452 س 27.
433

ولا يخلو عن قوة، مع قطعية دلالة القرينة على إرادة الوصية، لصدق
الوصية معها عرفا وعادة، مضافا إلى التأيد بكثير من النصوص المتقدمة
بعضها، الناهية عن أن يبيت الانسان إلا ووصيته تحت رأسه (1).
خلافا للشهيدين، فخصاها بحال الضرورة (2).
قال ثانيهما: ولا تكفيان مع الاختيار وإن شوهد كاتبا أو علم خطه أو
عمل الورثة ببعضها - إلى أن قال: - أو قال: إنه بخطي وأنا عالم به أو هذه
وصيتي فاشهدوا علي بها ونحو ذلك، بل لا بد من تلفظه به أو قراءته عليه
واعترافه بعد ذلك، لأن الشهادة مشروطة بالعلم، وهو منفي هنا. خلافا
للإسكافي حيث اكتفى به مع حفظ الشاهد له عنده، والأقوى الاكتفاء بقراءة
الشاهد له مع نفسه مع اعتراف الموصي بمعرفته بما فيه وأنه موصى به، وكذا
القول في المقر (3).
والعجب من التذكرة (4) حيث صرح بمثل هذا مع احتماله، بل واختياره
ما قدمناه.
* (ولا يجب العمل بما يوجد بخط الميت) * وإن علم أنه خطه مع التجرد
عن القرينة الدالة على وصيته بما فيه مطلقا وإن عمل ببعضه الورثة على
الأظهر الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر، لما مر من كونه أعم من قصد
الوصية، مع ظهور الرواية الآتية فيه في الجملة، فلا يصرف إليها إلا مع القرينة.
* (وقيل) * كما عن النهاية: أنه * (إن عمل الورثة ببعضها لزمهم العمل
بجميعها) * (5) لمكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني إلى أبي الحسن (عليه السلام): رجل
كتب كتابا بخطه ولم يقل هذه وصيتي ولم يقل قد أوصيت إلا أنه كتب كتابا

(1) الوسائل 13: 352، الباب 1 من أبواب الوصايا الحديث 7.
(2) اللمعة والروضة 5: 18.
(3) الروضة 5: 19.
(4) التذكرة 2: 452 س 26.
(4) التذكرة 2: 452 س 26.
(5) النهاية 3: 179.
434

فيه ما أراد أن يوصي به، هل يجب على الورثة القيام بما في الكتاب بخطه
ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب (عليه السلام): إن كان له ولد ينفذون كل شئ يجدون في
كتاب أبيهم في وجه البر وغيره (1).
* (وهو ضعيف) * لمخالفته الأصل المتقدم، المعتضد بالشهرة العظيمة
المتقدم، مع كونه كتابة، مضافا إلى ما في سنده من القصور بالجهالة، وفي
متنه من عدم الصراحة وإن كان وجوه الذب عن جميع ذلك ممكنة.
فعن الأول: بأنه مخالفة العموم والخصوص، فينبغي التخصيص.
والثاني: بالمنع عن ضرر الكتابة بالحجية، مع أنه على تقدير تسليمه
إنما هو لاحتمال الورود مورد التقية، وهو غير ممكن في الرواية، لأن
التفصيل فيها مخالف لما عليه العامة، كما يستفاد من التذكرة (2).
والثالث: باختصاص القصور بسندها في التهذيب (3)، فإنها بسند حسن،
بل صحيح في الفقيه مروية (4).
والرابع: باندفاعه بالزيادة التي ذكرها في التذكرة، حيث رواها هكذا:
" فكتب: إن كان له ولد ينفذون شيئا منه وجب عليهم أن ينفذوا كل شئ
يجدون في كتاب أبيهم " إلى آخر الرواية (5).
وهي حينئذ - كما ترى - ظاهرة، إلا أنها محتملة لما أجاب به عنها
في التذكرة من الحمل على أنهم اعترفوا بصحة هذا الخط، فحينئذ يجب
العمل بالجميع (6).
وأما لو أنكروا واقتصروا في الاعتراف بالصحة على بعضه لم يجب

(1) الوسائل 13: 437، الباب 48 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(2) التذكرة 2: 452.
(3) التهذيب 9: 242، الحديث 936.
(4) الفقيه 4: 198، الحديث 5456.
(5) التذكرة 2: 452 س 36.
(6) التذكرة 2: 452 س 37.
435

عليهم العمل إلا بما اعترفوا به.
وتحتمل أيضا - ككلام النهاية (1) - الحمل على أن عملهم بالبعض قرينة،
لاعترافهم صحة الباقي، فيجب عليهم العمل بها فيه أيضا في الظاهر، بمعنى
أنهم يلزمون بذلك في ظاهر الحال وإن لم يكن عليهم فيما بينهم وبين الله
تعالى شئ إذا لم يعلموا بصحة الباقي.
لكن في هذا الحمل مخالفة للأصل أيضا، فإن عملهم بالبعض غير
الاعتراف بصحته حتى يؤخذ دليلا ظاهريا على صحة الباقي، لاحتماله غير
ذلك من التبرع ونحوه.
وبالجملة رفع اليد عن الأصل المقطوع به المعتضد بالشهرة العظيمة التي
كادت تكون إجماعا بمجرد هذه الرواية مع قصور سندها من الصحة وكونها
مكاتبة توجب المرجوحية وإن لم تخرجها الكتابة عن أصل الحجية، وندرة
القائل بها مشكل بلا شبهة.
* (ولا تصح الوصية في معصية، كمساعدة الظالم) * في ظلمه * (وكذا
وصية المسلم للبيع والكنائس) * بلا خلاف أجده، وبه صرح في المفاتيح (2)،
وهو ظاهر غيره. وهو الحجة في الحرمة وعدم الصحة، مضافا في الأولى إلى
أنها معاونة على الإثم، محرمة بالكتاب وغيره من الأدلة.
وفي الخبر: عن قول الله عز وجل: " فمن بدله بعد ما سمعه " الآية، فقال:
نسختها الآية التي بعدها قوله تعالى: " فمن خاف من موص جنفا أو إثما "،
قال: يعني الموصى إليه إن خاف جنفا من الموصي في ثلثه: فيما أوصى به
إليه مما لا يرضى الله تعالى به من خلاف الحق فلا إثم على الموصى إليه أن
يبدله إلى الحق، وإلى ما يرضى الله تعالى به من سبيل الحق (3).

(1) النهاية 3: 178.
(2) مفاتيح الشرائع 3: 223، مفتاح 1127.
(3) التهذيب 9: 86 الحديث 747.
436

وفي السند جهالة، إلا أن فيه ابن محبوب، وقد أجمعت على تصحيح ما
يصح عنه العصابة.
ويستفاد من تخصيص العبارة بطلان الوصية للبيع والكنائس بالمسلم
عدمه أو التردد فيه إذا كانت من الكافر.
خلافا لظاهر إطلاق عبارته في الشرائع، حيث حكم ببطلان الوصية لهما
مطلقا (1) مع أنه حكم في الوقف بصحته منه لهما (2).
وربما يجمع بين الحكمين، بمعنى إقراره عليه لو ترافعوا إلينا اجراء لهم
على أحكامهم، وهو معنى الصحة ظاهرا وإن كان باطلا في نفسه. ومرجع
هذا الجمع إلى القول بالبطلان.
وربما وجه بفقد (3) شرط الصحة، الذي هو عدم استلزام الوصية الإعانة
المحرمة، بناء على أن الكافر مكلف بالفروع التي منها نحو هذه الإعانة.
وهذا (4) لإثبات التحريم في غاية الجودة، دون البطلان، فإنه محل
مناقشة، إلا أن يدعي التلازم بين الأمرين في الوصية، كما هو ظاهر
الجماعة، والرواية المتقدمة.
* (الثاني: في الموصي) *
* (ويعتبر فيه كمال العقل) * فلا تصح من المجنون مطلقا ولو كان أدواريا
إذا كانت حال جنونه إجماعا، لحديث رفع القلم (5) عن جماعة عد منهم،
وعموم أدلة الحجر عليه (6).

(1) الشرائع 2: 244.
(2) الشرائع 2: 214.
(3) في " مش ": بفقدان.
(4) في المطبوع: وهذه.
(5) الوسائل 1: 32، الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11.
(6) الوسائل 13: 141، الباب 1 من أبواب الحجر.
437

ولا من السفيه مطلقا، كما عن ابن حمزة (1)، وأحد قولي الفاضل (2)،
للأدلة الأخيرة.
وفي شمولها للحجر عليه في نحو مفروض المسألة مناقشة وإن كان
ظاهر الجماعة ذلك، لاختصاص الحكم التبادر وغيره بالتصرفات المالية
حال الحياة خاصة.
فالأصح الجواز مطلقا، وفاقا للفاضل (3) في قوله الثاني، للأصل،
والعمومات السليمة عما يصلح للمعارضة، مع تأيدها في الجملة بفحوى
النصوص الآتية في صحة وصية من بلغ عشرا في وجوه البر (4). ولعله لذا
اختار الصحة فيها جماعة، كالمفيد (5) والديلمي (6) والحلبي (7) وابن زهرة،
مدعيا عليه الإجماع في الغنية (8). ومنعوها في غيرها، جمعا بين الأدلة.
وهو حسن إن صح شمول الأدلة المانعة لنحو المسألة.
والمناقشة فيه - كما عرفت - واضحة، إلا أن يكون الشمول إجماعا من
الجماعة.
* (و) * يعتبر فيه أيضا * (الحرية) * بلا خلاف أجده. والحجة فيه بعده على
المختار من عدم مالكيته واضحة وكذا على غيره، إما لعموم أدلة الحجر عليه
كما ذكره بعض الأجلة (9)، أو للمعتبرين.
أحدهما الصحيح: في مكاتب قضى نصف ما عليه وأوصى بوصية
فأجاز نصف الوصية، وفي مكاتب قضى ثلث ما عليه وأوصى بوصية

(1) الوسيلة: 235، 372.
(2) التحرير 1: 293 س 12.
(3) القواعد 1: 292 س 14.
(4) الوسائل 13: 428، الباب 44 من أبواب الوصايا.
(5) المقنعة: 667.
(6) المراسم: 203.
(7) الكافي في الفقه: 364.
(8) الغنية: 305.
(9) الدروس 2: 299.
438

فأجاز ثلث الوصية (1).
وثانيهما المرسل كالموثق: في مكاتب أوصى بوصية قد قضى الذي
كوتب عليه إلا شيئا يسيرا، فقال: يجوز بحساب ما أعتق منه (2).
وبمضمونها من صحة الوصية من المكاتب المطلق بقدر ما ادعى من
وجه الكتابة صرح في التذكرة (3). ولا شبهة فيه، مضافا إلى الأصل،
والعمومات السليمة عن المعارض.
ثم إن المنع إنما هو إذا مات على العبودية.
وأما لو عتق وملك ففي صحة وصيته حال الرقية أم فسادها احتمالان،
أجودهما الثاني، وفاقا للتذكرة (4)، لأصالة عدم الصحة السابقة. ووجه الأول
بأنه صحيح العبارة، وقد أمكن تنفيذ وصيته، وجعله في الدروس أحد قولي
الفاضل (5)، وفي التذكرة أظهر قولي الشافعية (6).
* (وفي) * صحة * (وصية من بلغ) * بحسب السن * (عشرا) * وكان مميزا
صارفا إياها * (في البر) * والمعروف، كبناء المساجد والقناطر وصدقة ذوي
الأرحام * (تردد) *.
ينشأ من الأصل وعموم أدلة الحجر عليه من الكتاب والسنة، ومن
العمومات * (و) * قوة احتمال اختصاص تلك الأدلة بالحجر عليه في
التصرفات حال الحياة خاصة، أو تخصيصها بخصوص * (المروي) * من
* (الجواز) * في الموثقات المستفيضة وغيرها من الصحيح وغيره المنجبر
ضعفه كقصور الأدلة عن الصحة بالشهرة العظيمة المتقدمة والمتأخرة، كما

(1) الوسائل 13: 468، الباب 81 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 869، الباب 81 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(3) التذكرة 2: 460 س 9.
(4) التذكرة 2: 460 س 7.
(5) الدروس 2: 299، الدرس 173.
(6) التذكرة 2: 460 س 8.
439

اعترف به الجماعة كافة، بل ربما يستشعر من الدروس (1) الإجماع عليه،
وبه صرح في الغنية (2). وهو حجة أخرى مستقلة.
ولا يقدح إطلاق الجواز في بعضها من دون تقييد بالعشر، كالموثق:
يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم (3)،
لوجوب تقييده به، كما أفصح عنه باقيها، كالموثقات.
في أحدها: إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته (4).
وفي الثاني: عن وصية الغلام هل يجوز؟ قال: إذا كان ابن عشر سنين
جازت وصيته (5). ونحوهما الثالث (6) وغيرها (7).
وكذا لا يقدح تضمنه جواز الطلاق والصدقة، مع أن الأظهر الأشهر
عدمه، بناء على أن خروج بعض الرواية عن الحجية لا يوجب خروجها
عنها جملة.
لكن الجواب بمثل هذا عن هذه الرواية لا يخلو عن مناقشة، إلا أن غاية
ذلك خروجها عنها جملة، ولا ضير فإن في البواقي كفاية إن شاء الله تعالى.
وهي وإن كانت أيضا محل مناقشة سندا في بعض، ودلالة بنحو ما مر
من التضمن لما لا يقولون به في آخر، إلا أن سلامة بعضها عن جميع ذلك
- كالروايات المتقدمة، واعتضادها بالشهرة العظيمة، وحكاية الإجماع
المتقدمة، مضافا إلى الأصل، والإطلاقات، بل عمومات لزوم إنفاذ الوصية
السليمة عما يصلح للمعارضة من أدلة الحجر عليه، كما مرت إليه الإشارة -

(1) الدروس 2: 298، الدرس 173.
(2) الغنية: 306.
(3) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب أحكام الوقوف الحديث 2.
(4) الوسائل 13: 429، الباب 44 من أبواب الوصايا الحديث 3.
(5) الوسائل 13: 430، الباب 44 من أبواب الوصايا الحديث 7.
(6) الوسائل 13: 428، الباب 44 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(7) الوسائل 13: 428، الباب 44 من أبواب الوصايا.
440

كفتنا مؤنة الاشتغال بتصحيح تلك الأخبار، وأوجبت علينا المصير إلى
القول بالصحة.
خلافا للحلي (1). وهو شاذ، ومستنده ضعيف، كما مرت إليه الإشارة وإن
ظهر من الماتن هنا تردده فيها، كالشهيدين في المسالك (2) والروضتين (3)،
وكذلك الفاضل في المختلف، حيث جعل المنع أحوط (4).
وفي كونه أحوط مطلقا نظر، بل يختلف في حق الوارث [الغير] (5)
المحجور عليه والموصى له.
فالاحتياط للأول الإنفاذ، وللثاني العدم، كما ذكره.
ثم إن ظاهر إطلاق النصوص المتقدمة جوازها من ذي العشر مطلقا ولو
لم يكن مميزا، وقد اتفق الأصحاب على اشتراط التميز، ووضع الوصية في
محلها، كما يفعله العقلاء. ولا ريب فيه، للأخبار الباقية.
كالموثق: في الغلام ابن عشر سنين يوصي، قال: إذا أصاب موضع
الوصية جازت (6).
وفي الصحيح: إذا بلغ عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حق جازت
وصيته، فإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله اليسير في حق جازت
وصيته (7).
وهذا بحسب الذيل شاذ، محجوج بإطلاق مفاهيم الأخبار السابقة وإن
كان ظاهر الفقيه (8) العمل به كالنهاية (9)، لكنه بدل " السبع " " بالثمانية ".

(1) السرائر 3: 206.
(2) المسالك 6: 142.
(3) اللمعة والروضة 5: 22.
(4) المختلف 6: 393.
(5) لم يرد في " مش ".
(6) الوسائل 13: 429، الباب 44 من أبواب الوصايا الحديث 6.
(7) الوسائل 13: 428، الباب 44 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(8) الفقيه 4: 197، الحديث 5452.
(9) النهاية 3: 152.
441

ونحوه في الشذوذ والمحجوجية بمفاهيم الأخبار السابقة ما حكي عن
الإسكافي، من جواز وصية الذكر إذا كان له ثمان سنين، والجارية إذا كان لها
سبع سنين (1).
وكذا الرواية الدالة عليه (2)، مع أنها ضعيفة سندا، مهجورة بين المسلمين
كافة، لظهورها في بلوغهما بتينك المدتين. ولا قائل به حتى الإسكافي
قطعا، ولذا خص وصيتهما خاصة من بين الأحكام التي دلت عليه تلك
الرواية بالذكر والفتوى، ولم يفت بباقيها.
ونحوهما في ذلك الصحيح: الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك
جازت وصيته لذوي الأرحام، ولم تجز للغرباء (3)، فإني لم أجد به قائلا وإن
كان ظاهر الفقيه (4) الراوي له القول به، إلا أنه لم ينسبه إليه أحد من
أصحابنا، كما نسبناه إليه في الرواية الأولى، لكن حكاه في التذكرة قولا (5)،
وظاهره أن القائل منا، حيث استدل له بهذه الرواية الخاصة دون غيرها.
* (ولو جرح نفسه بما فيه هلاكها) * عمدا * (ثم أوصى لم تقبل) * على
الأظهر الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر، للصحيح: من قتل نفسه
متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها، قلت: أرأيت إن كان أوصى بوصية ثم
قتل نفسه متعمدا من ساعته تنفذ وصيته؟ قال: فقال: إن كان أوصى قبل أن
يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيته في ثلثه، وإن
كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت
لم تجز وصيته (6).

(1) كما في المختلف 6: 391.
(2) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات الحديث 4.
(3) الوسائل 13: 428، الباب 44 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(4) الفقيه 4: 197، الحديث 5453.
(5) التذكرة 2: 459 السطر الأخير.
(6) الوسائل 13: 441، الباب 52 من أبواب الوصايا الحديث 1.
442

خلافا للحلي، فصحح وصيته مع بقاء عقله، عملا بالأصول القطعية من
الكتاب والسنة (1).
وهو شاذ، والأصول بما مر مخصصة، لصحته، وصراحته، واعتضاده
بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون إجماعا، بل لعله لنا الآن إجماع في
الحقيقة.
ولولاه لأشكل المصير إليه، إما لعدم حجية مثله من الآحاد كما اختاره،
أو قصوره عن تخصيص نحو تلك العمومات، سيما مع احتماله الحمل على
صورة ذهاب عقله، ولا خلاف حينئذ في عدم العبرة بوصيته.
وإطلاق العبارة وإن شمل صورتي القتل عمدا وخطأ، إلا أنه يجب
تقييده بالأول، كما ذكرنا، اقتصارا فيما خالف الأصول على مورد النص، مع
أن في الروضة الإجماع عليه (2).
ثم إن المنع إنما هو حيث أوصى بعد الجرح * (ولو أوصى ثم جرح
قبلت) * وصيته مطلقا ولو كان عمدا بلا خلاف، بل على الإجماع في
التذكرة (3).
وهو الحجة، مضافا إلى الأصول القطعية السليمة هنا عن المعارض
بالكلية مع التصريح بالصحة في الرواية السابقة. وفي حكمه ما لو أوصى ثم
جن أو صار سفيها إن منعنا عن وصيته.
* (وللموصي الرجوع في الوصية متى شاء) * في مرض أو صحة
بلا خلاف أجده، وبه صرح في المسالك (4) وغيره. وهو الحجة، مضافا إلى
الأصول، وعدم ما يوجب اللزوم من عقد أو غيره ولو قبل قبل الموت، بناء

(1) السرائر 3: 197.
(2) الروضة 5: 23.
(3) التذكرة 2: 460 س 24.
(4) المسالك 6: 135.
443

على المختار من عدم العبرة بالقبول قبله، وكذا على غيره إن لم يتحقق،
ويشكل مع التحقق، لكن يندفع بالإجماع، وخصوص المعتبرة المستفيضة،
المروية في الكتب الثلاثة، منها الصحيحان:
في أحدهما: للرجل أن ينقض وصيته فيزيد فيها وينقص منها ما لم
يمت (1).
وفي الثاني: للرجل أن يرجع في ثلثه إن كان أوصى في صحة
أو مرض (2).
والموثق: لصاحب الوصية أن يرجع فيها، ويحدث في وصيته ما دام
حيا (3).
ويتحقق الرجوع تارة بالقول كرجعت أو نقضت أو أبطلت أو فسخت أو
هذا لوارثي أو ميراثي أو حرام على الموصى له أو لا تفعلوا كذا أو نحو ذلك
من الألفاظ الدالة عليه، وأخرى بالفعل كبيع العين الموصى بها وإن لم يقبضها
أو رهنها مع الإقباض قطعا، وبدونه على قول، أو هبتها كذلك، أو الوصية بها
لغير من أوصى له أولا، أو فعل ما يبطل الاسم.
ويدل على الرجوع مثل طحن الطعام وعجن الدقيق وغزل القطن ونسج
مغزوله أو خلطه بالأجود أو مطلقا على اختلاف القولين، بحيث لا يتميز.
قيل: والأقوى أن مجرد العرض على البيع والتوكيل فيه وإيجابه
وإيجاب العقود الجائزة كاف في الفسخ، لدلالته عليه، لا تزويج العبد والأمة
وإجارتهما وختانهما وتعليمهما ووطء الأمة بدون إحبالها (4).

(1) التهذيب 9: 190، الحديث 762، الكافي 7: 12، الحديث 3، الفقيه 4: 199، الحديث 5459.
(2) التهذيب 9: 189، الحديث 760، الكافي 7: 12، الحديث 1، الفقيه 4: 199، الحديث 5458.
(3) التهذيب 9: 190، الحديث 761، الكافي 7: 12، الحديث 2، الفقيه 4: 199، الحديث 5457.
(4) القائل الشهيد في الروضة 5: 65.
444

وهو حسن، حيث دلت القرائن من عرف أو عادة أو نحوهما على
الرجوع، ومع عدمها فينبغي الرجوع إلى أصالة عدم الرجوع.
وبالجملة: الضابط فيه كل ما يدل عليه لفظا كان أو فعلا، مع القرينة
أو مجردا.
ولو شك في الرجوع، لضعف الدلالة وفقد القرينة فالرجوع إلى الأصالة
المزبورة ضابطة.
وما ذكره الأصحاب بما قدمناه من الأمثلة لم يرد بشئ منها أثر
ولا رواية، وإنما استندوا فيها إلى هاتين الضابطتين.
نعم ورد في بعض ما ذكروه بعض المعتبرة: أن أبي أوصى بثلاث وصايا
فبأيهن آخذ؟ قال: خذ بأخراهن، قلت: فإنها أقل، فقال: وإن قل (1).
ثم إن ما ذكروه من الحكم بالرجوع في تلك الأمثلة مختص بصورة كون
العين متعلق الوصية دون الكلي، فلو أوصى به ثم تصرف في أفراده لم يكن
ذلك رجوعا، إلا مع القرينة. قيل: ومن الأصحاب من أطلق الحكم ومنهم من
ذلك رجوعا، إلا مع القرينة. قيل: ومن الأصحاب من أطلق الحكم ومنهم من
عكس، وهو بعيد (2).
* (الثالث: في الموصى له) *
* (ويشترط وجوده) * عند الوصية * (فلا تصح للمعدوم، ولا لمن ظن
بقاؤه) * أو وجوده * (وقت الوصية فبان ميتا) * في تلك الحالة، أو غير
موجود بالمرة، بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، وهو ظاهر المسالك (3)
وغيره، بل عليه الإجماع في نهج الحق (4) والتذكرة (5). وهو الحجة، مضافا

(1) الوسائل 13: 387، الباب 18 من أبواب الوصايا الحديث 7.
(2) القائل السبزواري في كفاية الأحكام: 145 س 33.
(3) المسالك 6: 215.
(4) نهج الحق: 517.
(5) التذكرة 2: 460 س 30.
445

إلى الأصل، واختصاص الأدلة الدالة على الصحة من الكتاب والسنة - مع
كونها كالأول مجملة - بالوصية للموجود حينها بلا شبهة، مع أن الوصية
- كما عرفت - تمليك عين أو منفعة، والمعدوم ليس له أهلية التملك
ولا قابليته.
* (وتصح الوصية للوارث، كما تصح للأجنبي) * وإن لم تجزه الورثة
بإجماعنا المستفيض حكاية في كلام جماعة، كالانتصار (1) والغنية (2) ونهج
الحق (3) والتذكرة (4) والمسالك (5) والروضة (6) وغيرها من كتب الجماعة.
وهو الحجة، مضافا إلى الإطلاقات، وعموم قوله سبحانه: " كتب عليكم إذا
حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين " (7) الآية،
ونسخها لم يثبت عندنا.
وما ورد به في المروي عن تفسير العياشي (8) فمع عدم وضوح سنده
معارض بأجود منه، كالموثق كالصحيح: عن الوصية للوارث، فقال: تجوز،
ثم تلا الآية (9)، ومع ذلك الصحاح بالجواز مستفيضة، كغيرها من المعتبرة.
وأما النصوص الواردة بخلافها فمع قصور أسانيدها جملة وعدم
مكافأتها لما مضى محمولة على الوصية زيادة على الثلث، كما في
الفقيه (10)، أو التقية، كما ذكره شيخ الطائفة، قال: لأنه مذهب جميع من
خالف الشيعة (11).

(1) الإنتصار: 598.
(2) الغنية: 306.
(3) نهج الحق: 516.
(4) التذكرة 2: 466 س 10.
(5) المسالك 6: 216.
(6) الروضة 5: 55، وليس فيه اجماع صريح.
(7) البقرة: 180.
(8) تفسير العياشي 1: 77، الحديث 167.
(9) الوسائل 13: 373، الباب 15 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(10) الفقيه 4: 194، الحديث 5443.
(11) التهذيب 9: 200، ذيل الحديث 899.
446

ويحتمل هذا الحمل الرواية المتقدمة الدالة بنسخ الآية، مع إمكان حملها
على ظاهرها، ويراد منها نسخ ظاهر الآية، الذي هو الوجوب دون الإباحة
فإن " كتب " فيها بمعنى " فرض "، وهو ظاهر في الوجوب لو لم يكن نصا،
ولذا حملها الأصحاب على الفضيلة، لكنه مناف لما ذكره شيخ الطائفة من
الكراهة، حيث قال بعد نقل الموثقة المعارضة المتضمنة لقوله (عليه السلام) بعد أن
سئل عن عطية الوالد لولده، فقال: " أما إذا كان صحيحا فهو له يصنع به
ما شاء، فأما في مرض فلا يصلح ": فهذا الخبر صريح في الكراهة دون
الحظر، قال: والوجه فيها: أن في إعطاء المال لبعض الورثة إضرارا بالباقين
وإيحاشا لهم فكره ذلك لأجله (1).
وهذا كما ترى ظاهر في فتواه بالكراهة، إلا أن يكون ذلك منه لمجرد
الجمع بين الأخبار المختلفة.
وكيف كان لا شبهة في الجواز من أصله.
* (و) * يصح أيضا * (للحمل بشرط وقوعه حيا) * بلا خلاف أجده.
ويستفاد من ظاهر المختلف (2) وصريح التذكرة (3) بل ظاهره عدم الخلاف
فيه بين العلماء كافة. وعلى أصل الحكم بالصحة مع الشرط الإجماع في
التحرير (4)، وشرح القواعد للمحقق الثاني (5). وهو العمدة في الحجة، مضافا
إلى التأيد بإطلاقات الكتاب والسنة.
ويشترط في الصحة زيادة على ما في العبارة العلم بوجوده حال
الوصية، ويتحقق بوضعه لدون ستة أشهر منذ حين الوصية، فيعلم بذلك كونه
موجودا حالتها، أو بأقصى مدة الحمل فما دون إذا لم يكن هناك زوج

(1) التهذيب 9: 201، ذيل الحديث 800.
(2) المختلف 6: 384.
(3) التذكرة 2: 460 س 36.
(4) التحرير 1: 300 س 5.
(5) جامع المقاصد 10: 42.
447

ولا مولى. ولا يصح مع وجود أحدهما، لعدم العلم بوجوده عندها.
وأصالة عدمه لإمكان تجدده بعدها وقيام الاحتمال مع عدمهما بإمكان
الشبهة والزنا مندفع بندور الأول، وأصالة عدم إقدام المسلم على الثاني
كغيره من المحرمات. ويشكل هذا لو كانت كافرة حيث تصح الوصية لحملها.
وربما قيل: على تقدير وجود الفراش باستحقاقه مع تولده بين الغايتين
الدنيا والعليا، عملا بالعادة الغالبة من الوضع لاتصالها أو ما قاربها.
ومرجعه إلى ترجيح الظاهر على الأصل، وهو خلاف الأصل. ومع ذلك
الظهور ممنوع، إلا على المختار في الأقصى من أنها تسعة دون عشرة وستة،
فإنه عليه يصح دعوى الظهور المستند إلى الغلبة، لتحققها في تلك المدة فما
دونها.
وأما على القولين الآخرين فدعوى الظهور باطلة، لندرة الولادة إلى
المدتين، سيما الثانية، فكيف يدعى الظهور استنادا إلى الغلبة؟!
ويتفرع على الشرط الأول أنه لو وضع ميتا بطلت الوصية، ولو مات بعد
انفصاله حيا كانت لوارثه.
وفي اعتبار قبوله هنا وجه قوي وإن لم نعتبره من ولي الحمل، لإمكانه
منه دون الحمل. مع أن الأقوى اعتبار قبول الولي، وفاقا للحلي (1)، للأصل
الذي مضى في اعتبار أصل القبول في صحة الوصية مطلقا.
ثم إن اتحد فهي له، وإن تعدد قسم الموصى به على العدد وإن اختلفوا
بالذكورية والأنوثية.
ولا فرق بين أن تلدهما معا في المدة المشترطة للعلم بوجودهما حال
الوصية، أو على التعاقب، بأن تلد الأول في أقل من ستة أشهر من حين

(1) السرائر 3: 212.
448

الوصية، والثاني في أقل منها من حين الولادة، كما صرح به في التذكرة.
قال: وإن زاد ما بين الثاني والوصية على ستة أشهر وكانت المرأة فراشا،
لأنهما حمل واحد إجماعا (1).
* (و) * تصح أيضا * (للذمي) * الملتزم بشرائط الذمة مطلقا * (ولو كان) *
من الموصي * (أجنبيا) * غير ذي رحم على الأقوى، وفاقا للمفيد (2)
والخلاف (3) والحلي (4) والفاضلين (5) والشهيدين (6) وغيرهما، واختاره في
الغنية، لكن في الأقارب خاصة، مدعيا عليه إجماع الإمامية (7)، وعن ظاهر
الخلاف أن على الصحة لهم مطلقا إجماع العلماء كافة (8).
وهو الحجة، كإجماع الطبرسي (9)، المتقدم في كتاب الوقف إليه الإشارة،
بجواز البر إلى الكفار مطلقا، وهو يشمل الوصية لأهل الذمة مطلقا ولو كانوا
أجانب، فتكون الحجة على العموم لهم، المؤيدة بإطلاقات الكتاب والسنة،
مضافا إلى الصحاح المستفيضة:
منها الصحيحان: في رجل أوصى بماله في سبيل الله، قال: أعطوا لمن
أوصى له وإن كان يهوديا أو نصرانيا، إن الله يقول: " فمن بدله بعد ما سمعه "
الآية (10).
وأظهر منهما الصحيح: أن أختي أوصت بوصية لقوم نصارى وأردت
أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين، فقال: امض الوصية على ما

(1) التذكرة 2: س 461.
(2) المقنعة: 671.
(3) الخلاف 4: 153، المسألة 26.
(4) السرائر 3: 186.
(5) الشرائع 2: 253، والمختلف 6: 345.
(6) اللمعة والروضة 5: 51.
(7) الغنية: 307.
(8) الخلاف 4: 153، المسألة 26.
(9) مجمع البيان 9: 272.
(10) الوسائل 13: 411، الباب 32 من أبواب الوصايا الحديث 1، وباب 35 من نفس الأبواب
ص 417 الحديث 5.
449

أوصت به، قال الله تعالى: " فإنما إثمه على الذين يبدلونه " (1). وقريب منها
الرابع (2).
وما يجاب عن هذه النصوص، أولا: بأن غايتها الدلالة على لزوم انفاذ
الوصية، وهو غير المدعى من كون الوصية لهم جائزة، وثانيا: بمعارضتها
بالآيات الناهية عن المودة إلى الكفار، ومنها الوصية لهم بلا شبهة، وفي
معناها غيرها من النصوص المروية في الكافي في باب النهي عن إطعام
الكافر وفي غيره أيضا، منها: من أشبع مؤمنا وجبت له الجنة، ومن أشبع
كافرا كان حقا على الله تعالى أن يملأ جوفه من الزقوم (3).
فالمناقشة فيه واضحة، لاندفاع الأول: بأن المدعى صحة الوصية لهم
لا الجواز وعدمه، مضافا إلى الإجماع في الظاهر على التلازم بين الأمرين،
والثاني: بما مر في الوقف، مع ضعف النصوص، ومخالفتها - كالآيات -
للإجماع في الظاهر على جواز المبرة إلى الكفار في حال الحياة، كما مر عن
الطبرسي (4)، ويظهر أيضا من كلمات القوم في المسألة.
هذا، مع تأيد الصحة ولو في الأقارب خاصة بفحوى ما قدمناه في
الوقف من صحته عليهم، لاستلزام الصحة ثمة إياها هنا بطريق أولى،
لاشتراطه بالقربة دون الوصية.
فلا ريب في الجواز في المسألة * (و) * إن حكي * (فيه أقوال) * أخر،
أنهاها في التنقيح إلى سبعة (5)، لا دليل على شئ منها، سوى القول بالمنع
مطلقا، فقد استدل له بما مضى، والجواب ما قدمناه.

(1) الوسائل 13: 415، الباب 35 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 417، الباب 35 من أبواب الوصايا الحديث 6.
(3) الكافي 2: 200، الحديث 1.
(4) مجمع البيان 9: 272.
(5) التنقيح 2: 371.
450

* (ولا تصح للحربي) * على الأظهر الأشهر، بل لعله عليه عامة من
تأخر، إلا الشهيد الثاني (1)، وفاقا لبعض القدماء، كالمفيد (2) والحلي (3).
وحجتنا بعد الإجماع في الأجانب - المستفاد من المحكي عن ظاهر
المبسوط، حيث قال: وممن لا تصح له الوصية عندنا الكافر الذي لا رحم له
من الميت (4) - الآيات الناهية عن المودة إليهم، السليمة في المقام عن
المعارض بالكلية، سوى إجماع الطبرسي المتقدم، الدال على جواز المبرة
لأهل الحرب، إلا أنه مع عدم مكافأته لهذا الإجماع من حيث اعتضاده
بالشهرة العظيمة دونه عام وهذا خاص فليقدم، وإطلاقات الكتاب والسنة،
وهي بما قدمناه مخصصة، لاعتضاده بالشهرة العظيمة، وحكاية الإجماع
المتقدمة دونها، مع كونها في الدلالة غير صريحة، بل ولا ظاهرة، سيما السنة.
فإن احتمال الإجمال فيها بالإضافة إلى ما نحن فيه قائم بلا شبهة، ولذا
لم نتخذه فيما مضى حجة، بل جعلت مؤيدة، مع إمكان الاستدلال للمنع
بالأخبار السابقة، من حيث عطفها اليهودي والنصراني بأن الوصلية الدالة
على أنهما أخفى الأفراد، مع أن الحربي أخفى بلا شبهة، فكان ذكره أولى.
ولا يعارضه الاستدلال فيها للنفوذ بآية الوصية الشاملة للوصية لهم،
لاختصاصها بالإجماع بالوصايا المحللة دون المحرمة.
وكون الوصية لهم من الأولى دون الثانية محل ريبة لو لم نقل بكونها
على العكس، لما مضى من الأدلة.
وأما ما يقال: من شمول اليهودي والنصراني فيها للحربي لأعميتهما منه
وشمولهما له حيث لا يلتزم بشرائط الذمة (5) فمنظور فيه، إذ لا عموم فيهما،

(1) المسالك 6: 220.
(2) المقنعة: 671.
(3) السرائر 3: 186.
(4) المبسوط 4: 4.
(5) المسالك 6: 220.
451

لكونهما نكرتين في سياق الإثبات لا عموم فيهما لغة، بل مطلقا ينصرفان
بحكم التبادر إلى الملتزم منهما بشرائط الذمة، ولذا يقابلان في إطلاق
الفتاوى والنصوص بالحربي، مع أنه أحد أقسامهما على بعض الوجوه، كما
ذكره، وليس ذلك إلا لما ذكرناه من ظهور اللفظتين في الملتزم بالشرائط
خاصة.
هذا، مضافا إلى الأصل المتقدم في اشتراط القبول من عدم الانتقال
وتوقفه على الدليل، وهو مفقود في هذا المجال، لما عرفت، ولأن الوصية
تمليك للعين أو المنفعة للموصى له، وصحتها هنا فرع قابلية الحربي للتمليك
له، وهي غير معلومة، سيما مع ما ذكروه من أن أمواله فئ للمسلمين لهم
أخذها بعد الاستيلاء عليها.
وبما ذكرنا استدل على المنع هنا وفي الوقف له جماعة من أصحابنا،
فقالوا: ولأن مال الحربي فئ للمسلمين فلا يجب دفعه إليه، لأنه غير مالك،
فلو جازت الوصية لهم لكان إما أن يجب على الوصي دفعه إليه، وهو باطل
لما تقدم، أو لا يجب، وهو المطلوب، إذ لا معنى لبطلان الوصية إلا عدم
وجوب تسليمها إلى الموصى له.
وأما ما اعترضه به في المسالك بأن فيه منع استلزام عدم وجوب الدفع
للوصية بطلانها، لأن معنى صحتها ثبوت الملك إذا قبله، فيصير حينئذ ملكا
من أملاكه يلزمه حكمه، ومن حكمه جواز أخذ المسلم له، فإذا حكمنا
بصحة وصيته وقبضه الوصي ثم استولى عليه من جهة أنه مال الحربي لم
يكن منافيا لصحة الوصية، وكذا لو منعه الوارث لذلك وإن اعترفوا بصحة
الوصية وتظهر الفائدة في جواز استيلاء الوصي على الموصى به للحربي
فيختص به دون الورثة، وكذا لو استولى عليه بعضهم دون بعض حيث لم
452

يكن في أيديهم ابتداء، ولو حكمنا بالبطلان لم يتأت هذا، بل يكون الموصى
به من جملة التركة لا يختص بأحد من الورثة (1).
فإنه عجيب، فإن بناء المستدل على ثبوت عدم ملكيته، وعليه بنى
الملازمة التي أنكرها.
وحاصلها حينئذ أن عدم وجوب تسليمها إليه من جهة عدم المالكية
- كما فرض في صدر العبارة - يستلزم بطلان الوصية، لأنها - كما عرفت -
تمليك عين أو منفعة.
وحينئذ فكيف يمكنه دعوى صيرورة الموصى به من أملاكه يترتب
عليه ما ذكره؟! لكن الشأن في إثبات عدم الملكية، وإباحة ما في يده
للمسلمين أعم منه، إلا أن الشك في ثبوتها كاف بلا شبهة، لاستلزامه الشك
في مثل كون الوصية له وصية، ومعه لا يوجد ما يدل على الصحة لا من
إجماع ولا كتاب ولا سنة.
ولعله لما ذكرنا فهم الماتن كغيره من الجماعة من إطلاق عبائر
المجوزين للوصية للكفار مطلقا أو في الجملة خصوص أهل الذمة، الذين
لهم قابلية التملك، دون أهل الحرب.
فيندفع عنه ما اعترضه به في التنقيح (2) من عدم اختصاص الأقوال
المشار إليها في كلامه بأهل الذمة، كما هو ظاهر العبارة، بل شمل كثير من
إطلاق عبائر أربابها أهل الحرب أيضا.
* (ولا) * تصح أيضا * (لمملوك غير الموصي) * مطلقا * (ولو كان مدبرا
أو أم ولد) * أو مكاتبا مشروطا أو مطلقا ولم يؤد شيئا إجماعا في
الجميع، كما في ظاهر المهذب (3) وصريح التذكرة (4) والتنقيح، لكنه خصه

(1) المسالك 6: 220.
(2) التنقيح 2: 371.
(3) المهذب 3: 109.
(4) التذكرة 2: 461 س 19.
453

بالقن وأم الولد (1)، وحكى الخلاف في المدبر والمكاتب عن المفيد (2)
والديلمي (3)، حيث جوزا الوصية لهما.
خلافا للمبسوط (4) وابن حمزة (5) والحلي (6)، فقالوا: بالمنع، وجعله في
الأول أشبه، كما هو المشهور بين المتأخرين، وقوى الجواز في الثاني،
وفاقا للشهيدين (7).
ولم أقف على من نقل الخلاف عنهما في شئ من كتب أصحابنا.
نعم في المختلف (8) والمهذب (9) حكي الخلاف عن المبسوط وابن
حمزة في الوصية لعبد الوارث، حيث جوزاه.
وهذا الخلاف كسابقه لو صح النقل شاذ، بل على فساد الأول ادعى
الإجماع في التذكرة (10) وإلا ما اختاره الشهيدان من الجواز في المكاتب،
فقد مال إليه غيرهما (11).
والأصح المنع مطلقا، للإجماع الذي مضى، مضافا إلى المختار من عدم
مالكية العبد مطلقا، كما قدمناه، وبهذا استدل في التذكرة بعد أن نسب هذا
القول إلى أصحابنا (12)، مشعرا بكونه لهم في ذلك مستندا، فيستشعر منه
الإجماع على عدم المالكية مطلقا، كما في بحثه قد قدمنا.
ولنا على المختار هنا الصحيح أيضا: في مكاتب كانت تحته امرأة حرة

(1) التنقيح 2: 372.
(2) المقنعة: 668.
(3) المراسم: 202.
(4) المبسوط 4: 51.
(5) الوسيلة: 375.
(6) السرائر 3: 189.
(7) الدروس 2: 307، الدرس 175، والمسالك 6: 223.
(8) المختلف 6: 406، وفيه: عن المبسوط وابن البراج.
(9) المهذب البارع 3: 102، وفيه: عن المبسوط والقاضي.
(10) التذكرة 2: 461 س 20.
(11) التنقيح 2: 372، وجامع المقاصد 10: 45.
(12) التذكرة 2: 461 س 20.
454

فأوصت له عند موتها بوصية فقال أهل الميراث: لا نجيز وصيتها أنه مكاتب
لم يعتق ولا يرث، فقضى: أنه يرث بحساب ما أعتق منه، ويجوز له من
الوصية بحساب ما أعتق منه، وقضى في مكاتب أوصى له بوصية، وقد قضى
نصف ما عليه فأجاز نصف الوصية، وقضى في مكاتب قضى ربع ما عليه
فأوصى له بوصية فأجاز ربع الوصية، الحديث (1).
ووجوه الدلالة فيه واضحة، ومنها تقريره (عليه السلام) لما فهمته الورثة من دون
إشكال فيما فهموه عندهم ولا ريبة من عدم صحة الوصية لمملوك لم يعتق.
والسند في أعلى درجة من الصحة، لعدم اشتراك محمد بن قيس الراوي
للقضايا، مع كون الراوي عنه عاصم بن حميد، وهما قرينتان واضحتان على
كونه البجلي الثقة، كما يظهر من كتب الرجال، وصرح به جماعة (2)،
وإبراهيم بن هاشم ثقة على الأقوى، وفاقا لجماعة من أصحابنا.
فما ذكره الشهيد الثاني (3) تبعا للمحقق الثاني (4) - كما حكي - من
ضعف الرواية بالاشتراك ضعيف غايته.
فيضعف مختارهما ومستندهما من انقطاع سلطنة المولى عنه، ومن ثم
جاز اكتسابه، وقبول الوصية نوع منها، فإنه اجتهاد في مقابلة النص الصحيح
في نفسه، المعتضد بالشهرة، المحققة والمحكية في المختلف (5) وغيره،
وبالإجماع المحكي في التذكرة (6)، مع تأيد ماله بإطلاق الرواية: لا وصية
لمملوك (7).

(1) الوسائل 13: 468، الباب 8 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) رجال النجاشي: 323، وخلاصة الأقوال: 150.
(3) المسالك 6: 222 و 223.
(4) جامع المقاصد 10: 45.
(5) المختلف 6: 406.
(6) التذكرة 2: 461 س 20.
(7) الوسائل 13: 466، الباب 78 من أبواب الوصايا الحديث 2.
455

وقصور السند كالدلالة مجبور بعمل الطائفة، وفهمها منها ما يمكن معه
أخذها حجة وإن كانت بحسب الظاهر مجملة.
ومن الصحيحة يستفاد المستند في قوله: * (نعم لو أوصى لمكاتب) * الغير
و * (قد تحرر بعضه مضت الوصية في قدر نصيبه من الحرية) * وكذا لو كان
بعضه محررا من غير جهة المكاتبة، وبالإجماع عليه بالخصوص صرح في
التذكرة (1)، ويأتي في الأول خلاف الشهيدين (2) الذي مضى، بل بطريق
أولى.
وأما القول بالمنع عن الوصية للمكاتب مطلقا ولو تحرر بعضا فضعيف
جدا، غير واضح المستند أصلا وإن حكاه في التنقيح عن الشيخ وابن حمزة
والحلي قولا (3)، مع كونه ينقل الخلاف عنهم منفردا.
* (وتصح لعبد الموصي ومدبره ومكاتبه) * مطلقا * (وأم ولده) * بلا خلاف
في الظاهر، وصرح به في التنقيح (4) والمسالك (5)، بل صرح بالإجماع في
الجميع في المهذب (6) وعن المحقق الثاني، وحكى التصريح به في الأول
عن فخر الدين (7) والصيمري (8)، وفي الأخير الفاضل في التذكرة (9). وهو
الحجة، مضافا إلى النصوص المستفيضة.
منها - زيادة على ما يأتي إليه الإشارة في أم الولد وغيرها - ما ذكره في
الكفاية من الصحيحين (10):
في أحدهما: رجل أوصى بثلث ماله لمواليه ولموالياته، الذكر والأنثى

(1) التذكرة 2: 461 س 36.
(2) الدروس 2: 307، الدرس 175، والمسالك 6: 223.
(3) التنقيح 2: 372.
(4) التنقيح 2: 373.
(5) المسالك 6: 223.
(6) المهذب البارع 2: 102.
(7) الإيضاح 2: 485.
(8) غاية المرام: 105 س 19.
(9) التذكرة 2: 463 س 9.
(10) كفاية الأحكام: 147 س 26.
456

فيه سواء، أو للذكر مثل حظ الأنثيين من الوصية؟ فوقع (عليه السلام): جائز للميت
ما أوصى به على ما أوصى به إن شاء الله تعالى (1).
وفي الثاني: رجل أوصى لمواليه وموالي أبيه بثلث ماله فلم يبلغ ذلك،
قال: المال لمواليه، وسقط موالي أبيه (2). ونحوهما غيرهما (3).
وفي الاستدلال بها مناقشة، لاشتراك لفظ المولى بين العبد وغيره، فلعله
المراد دون الأول، ولا قرينة ترجح إرادته، بل لعل القرينة على خلافه
واضحة، لظهورها في إعطاء الثلث للموصى له، بأن يسلم إليه دون أن يعتق
منه بحسابه، كما ذكره هو، تبعا للأصحاب كافة، ومنهم الماتن هنا.
حيث قال: * (ويعتبر ما يوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث، فإن
كان بقدر قيمته أعتق، وكان الموصى به للورثة) * إن كان معينا * (وإن زاد
أعطي العبد الزائد) * كائنا ما كان * (وإن نقص عن قيمته) * ولم يبلغ ضعفه
عتق منه بحسابه * (وسعى في الباقي) * بلا خلاف في الظاهر مصرح به في
الكفاية (4) والمسالك (5)، وللمعتبرين:
في أحدهما: رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله، قال: فقال: يقوم بقيمة
عادلة ثم ينظر في ثلث ماله، فإن كان أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة
استسعى العبد في ربع قيمته، وإن كان أكثر من قيمة العبد أعتق ودفع إليه
ما فضل من الثلث بعد القيمة (6).
وفي الثاني المروي عن الفقه الرضوي: وإن أوصى لمملوكه بثلث

(1) الوسائل 13: 454، الباب 63 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 460، الباب 69 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(3) الوسائل 13: 459، الباب 69 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(4) كفاية الأحكام: 147 س 19.
(5) المسالك 6: 223.
(6) الوسائل 13: 467، الباب 79 من أبواب الوصايا الحديث 2.
457

ماله قوم المملوك قيمة عادلة، فإن كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى
في الفضلة (1).
وبعينه أفتى والد الصدوق، كما هو دأبه، وزاد بعده ثم أعتق وإن كانت
قيمته أقل من الثلث أعطي ما فضلت قيمته عليه ثم أعتق (2). ولعل الزيادة
سقطت من النسخة التي حكيت عنها الرواية.
وقصور سندهما - لو كان - مجبور بالعمل، مع أن الثاني في حكم القوي
على الأصح، وكذلك الأول، كما سيظهر.
وقصور الدلالة عن إفادة حكم جميع صور المسألة غير ضائر، بعد قيام
الإجماع المركب على الظاهر.
وإطلاق الثاني في صورة زيادة القيمة يشمل صورتي بلوغها ضعف
الوصية وعدمه، ولا خلاف في الحكم في الثانية، كما تقدمت إليه الإشارة.
والأولى وإن كانت مختلفا فيها، إلا أن الأظهر الأشهر - بل عليه عامة من
تأخر، تبعا لوالد الصدوق (3) والخلاف (4) والحلبي (5) والحلي (6) - أنها
كالثانية، بل ادعى عليه الثاني إجماع الفرقة (7). وهو حجة أخرى بعد الرواية،
بل أقوى منها بلا شبهة.
خلافا للمفيد (8) والنهاية (9) والقاضي (10) وظاهر الديلمي (11)، كما
حكى، فأبطلوا فيها الوصية، وإلى قولهم أشار بقوله: * (وقيل: إن كانت قيمته
ضعف الوصية بطلت) *.

(1) فقه الإمام الرضا: 299.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 369.
(3) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 369.
(4) الخلاف 4: 165، المسألة 48.
(5) الكافي في الفقه: 365.
(6) السرائر 3: 198.
(7) الخلاف 4: 165، المسألة 48.
(8) المقنعة: 676.
(9) النهاية 3: 149.
(10) المهذب 2: 107.
(11) المراسم: 204.
458

واستندوا في ذلك إلى الرواية الأولى، فإنها بالمفهوم دالة على الدعوى،
كما ذكره في نكت الإرشاد شيخنا.
قال: لأنه حكم بالاستسعاء إذا كان الثلث بإزاء ثلاثة أرباع العبد
وبالعتق وإعطاء ما فضل إن فضل، وذلك يستلزم العتق إن ساوى،
والاستسعاء إن زاد على ثلاثة أرباعه بطريق أولى، وعدم الاستسعاء إن
نقص عن ثلاثة أرباعه، وذلك يستلزم بطلان العتق، لأن الاستسعاء لازم
لعتق بعض العبد في الأكثر، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم، فينتفي
عتق ذلك البعض، وظاهر انتفاء عتق الباقي لعدم احتمال المال له (1).
* (وفي) * هذا * (المستند) * كما ترى * (ضعف) *.
لا من حيث السند، كما ذكره جماعة، لانجبار ضعف الراوي أولا:
برواية الحسن بن محبوب (2) عنه، وقد أجمعت على تصحيح ما يصح عنه
العصابة. وثانيا: بكونه المستند للأصحاب فيما ذكروه من الحكم في الصورة
السابقة، فلا وجه للقدح فيه بمثل ذلك.
ولا بضعف دلالة المفهوم إن أريد من حيث المفهومية، فإنه مفهوم شرط
حجة عند أكثر المحققين.
بل من حيث الدلالة من وجه آخر، وهو ما ذكره شيخنا في المسالك
وغيره: من أن مفهومه أن الثلث إن لم يكن أقل من قيمة العبد بقدر ربع
القيمة لا يستسعى في ربع القيمة، لا أنه لا يستسعى مطلقا، وهذا مفهوم
صحيح لا يفيد مطلوبهم، فلا ينافي القول بأنه يستسعى فإن كان أقل بقدر
الثلث يستسعى في الثلث أو بقدر النصف يستسعى فيه وهذا، وأيضا فلو كان

(1) غاية المراد: 78 س 13 (مخطوط).
(2) الوسائل 13: 367، الباب 11 من أبواب الوصايا الحديث 10.
459

المفهوم الذي زعموه صحيحا لزم منه أنه متى لم يكن الثلث أقل من قيمته
بقدر الربع لا يستسعى بل يبطل الوصية، وهذا شامل لما لو كانت القيمة قدر
الضعف وأقل من ذلك إلى أن يبلغ النقصان قدر ربع، فمن أين خصوا البطلان
بما لو كانت قدر الضعف (1).
إلا أن يقال: بذلك حوالة على ما إذا أعتقه وعليه دين فإنه لا ينفذ العتق
فيه، إلا إذا كانت قيمته ضعف الدين، وهو بعيد.
ثم إن إطلاق العبارة والخبرين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال
يشمل صورتي الوصية له بالثلث المشاع أو المعين، كهذا الدار أو البستان
ونحو ذلك، ونسبه في التذكرة إلى أصحابنا (2)، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
ولولا مصيره فيها إلى خلافهم من بطلان الوصية في الصورة المفروضة لكان
حجة، بل لا يبعد، فإنه وإن خالف أولا، إلا أنه تردد أخيرا، معتذرا باتفاق
كلمة الأصحاب على عدم الفرق، وأظهر منه في تحقق الإجماع عبارة
المهذب.
قال - بعد نقل الخلاف عن الإسكافي وعنه في المختلف مفتيا، وفي
القواعد مستشكلا -: وباقي الأصحاب مطبقون على الصحة من غير تفصيل،
واختاره فخر المحققين، وكذا العلامة جزم بمتابعة الأصحاب في كتاب
فتواه، وهو مذهب الشهيد، وما أمتن تحقيق المختلف، لكن متابعة الأصحاب
أمتن (3).
ثم أجاب عن استدلاله بما لا حاجة بنا إلى ذكره، بل ينبغي الحوالة
فيهما (4) إلى ما ذكره هو وغيره، كالشهيدين وغيرهما، مما ينبئ عن قصوره.

(1) المسالك 6: 224.
(2) التذكرة 2: 462 س 30.
(3) المهذب البارع 3: 105.
(4) في " مش ": فيها.
460

وعلى تقدير تماميته فاجتهاد في مقابلة الخبرين، المعتضدين بعمل
العلماء، المحتمل قويا كونه إجماعا منقولا، بل محققا.
* (ولو أعتقه عند موته وليس) * له * (غيره وعليه دين، فإن كان قيمته
بقدر الدين مرتين صح العتق) * فيما يخصه من الثلث بعد الدين واستسعى
في الخمسة الأسداس الباقية ثلاثة منها للديان والباقي للورثة * (وإلا بطل) *
بلا خلاف ولا إشكال في الأول في أصل صحة العتق في الجملة، للأصول
السليمة فيه عن المعارض بالكلية، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، منها
الصحاح:
في أحدها - وهو طويل -: قلت له: رجل ترك عبدا لم يترك مالا غيره
وقيمة العبد ستمائة ودينه خمسمائة فأعتقه عند الموت كيف يصنع؟ قال:
يباع فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم ويأخذ الورثة مائة - إلى أن قال: -
قلت: فإن كان قيمة العبد ستمائة ودينه أربعمائة، قال: كذلك يباع العبد
فيأخذ الغرماء أربعمائة ويأخذ الورثة مائتين ولا يكون للعبد شئ، قلت:
فإن كان قيمة العبد ستمائة ودينه ثلاثمائة، قال: فضحك قال: ومن هاهنا
أتى أصحابك جعلوا الأشياء شيئا واحدا لم يعلموا السنة إذا استوى مال
الغرماء ومال الورثة، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء لم يتهم الرجل
على وصيته وأجيزت الوصية على وجهها فالآن يوقف هذا العبد فيكون
نصفه للغرماء ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس (1).
وفي الثاني: رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين، قال: إن كان قيمة
العبد مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه، وإلا لم يجز (2).

(1) الوسائل 13: 423، الباب 39 من أبواب الوصايا الحديث 5.
(2) الوسائل 13: 425، الباب 39 من أبواب الوصايا الحديث 6.
461

وفي الثالث: إذا ملك المملوك سدسه استسعى وأجيز (1).
ومنها الموثق: في رجل أعتق مملوكا له وقد حضره الموت وأشهد له
بذلك وقيمته ستمائة درهم وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئا غيره،
قال: يعتق منه سدسه، لأنه إنما له ثلاثمائة وله السدس من الجميع (2).
ويستفاد من صريح الأول وظاهر ما عدا الأخير مستند الحكم في
الثاني، وحكي عن الشيخين (3) والقاضي (4)، ومال إليه في الكفاية (5). ولا
يخلو عن قوة.
خلافا للفاضل (6) والشهيد الثاني ونسبه إلى أكثر المتأخرين (7)،
فكالأول، التفاتا إلى الأصول.
وهو حسن لو قصرت الروايات عن الصحة، أو لم يجوز تخصيص
العمومات القطعية بالآحاد ولو كانت صحيحة.
لكنه خلاف التحقيق، والروايات - كما ترى - صحيحة عديدة، ما بين
صريحة، وظاهرة، ورجحان الأصول بالشهرة فرع ثبوتها، ولم أتحققها،
وقفت على من تصدى لنقلها عداه (8) في المسالك (9)، بل إنما حكى
ولا الخلاف هنا جماعة عن العلامة خاصة، ولم أقف على من تبعه غيره وبعض
ممن سبقه. فلا مسرح عن القول الأول، ولا مندوحة.
* (وفيه) * أي في المقام * (وجه آخر) * بنفوذ العتق من الأصل وسقوط

(1) الوسائل 13: 422، الباب 39 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 423، الباب 39 من أبواب الوصايا الحديث 4.
(3) المقنعة: 676، والنهاية 3: 150.
(4) المهذب 2: 108.
(5) كفاية الأحكام: 147 س 31.
(6) المختلف 6: 372.
(7) المسالك 6: 228.
(8) في " ش ": عدا ما.
(9) المسالك 6: 228.
462

الدين من رأس، للحلي (1).
وهو * (ضعيف) * لما مر في ضعف ما سبقه، مع ابتنائه على خروج
منجزات المريض من الأصل. وسيأتي الكلام فيه فيما بعد.
وحيث قد عرفت مخالفة النصوص في المسألة للأصول المقررة يجب
الاقتصار فيها على مواردها الظاهرة، وهو العتق المنجز لا الوصية، مع تأيد
تلك الأصول فيها بالصحيح: في الرجل يقول إن مت فعبدي حر وعلى
الرجل دين، قال: إن توفي وعليه دين قد أحاط بثمن العبد بيع العبد، وإن لم
يكن أحاط بثمن العبد استسعى في قضاء دين مولاه، وهو حر إذا وفاه (2).
ولعله لذا اقتصر في العبارة على بيان الحكم في الصورة الأولى دون
الثانية، مع أنه بهذا التفصيل صرح في الشرائع (3). وهو قوي.
إلا أن ظاهر عبائر الجماعة - القائلين بما في العبارة - عمومه
للصورتين، ويعضده إطلاق الصحيحة الأخيرة من الصحاح المتقدمة، مع قوة
احتمال حمل قوله فيما عداها " أعتقهم عند الموت " على المعنى الأعم من
الإعتاق المنجز والمعلق، إذ يصدق عليه الإعتاق بوجه وإن كان المتبادر إلى
الذهن الأول، بقرينة إطلاق الوصية على الإعتاق المذكور في أواخر
الصحيحة الأولى مرتين.
وسياقها ظاهر في غاية الظهور في اتحاد حكم المنجز مع الوصية، كما
هو المشهور بين متأخري الطائفة، لكنه يتوقف على جعل هذه القرينة
صارفة عن المعنى الحقيقي إلى المجازي، الأعم من المنجز والوصية.

(1) السرائر 3: 199.
(2) الوسائل 13: 423، الباب 39 من أبواب الوصايا الحديث 3.
(3) الشرائع 2: 254.
463

وفي تعيينه إشكال، إذ كما يحتمل جعلها صارفة إلى المجاز الأعم كذا
يمكن صرفها إلى المجاز الأخص، وهو الوصية خاصة.
وبهذا يظهر خروج تلك الصحيحة في المسألة الأولى عن الحجية،
لاحتمال ورودها في الوصية خاصة، وتصير بذلك نصا في مفروض المسألة.
ويمكن الذب عنه باتفاق الطائفة قديما وحديثا موافقا ومخالفا على
عدم احتمالهم لهذا الاحتمال فيها وإن اختلفوا في فهم الحقيقي منها خاصة،
كما يفهم من الشهيد الثاني (1)، أو الأعم منه ومن الوصية، كما هو ظاهر
هؤلاء الجماعة. وهو الظاهر بعد ذلك، لضعف الأول بلا شبهة.
وكيف كان يستفاد من الرواية التعدية إلى الوصية، فلا يخلو عن قوة، مع
أن ظواهر الصحاح على تقدير اختصاصها بالعتق المنجز تشمل الوصية
بالأولوية، فإن بطلان العتق المنجز على تقدير قصور القيمة عن ضعف الدين
مع قوة المنجز - لكونه تصرفا من المالك في ماله - والخلاف في نفوذه من
الأصل وعدمه يقتضي بطلانه في الأضعف، وهو الوصية بطريق أولى.
وأما الصحيحة المعارضة فغايتها الإطلاق المحتمل للتقييد بالروايات
السابقة، بأن تحمل على كون الدين نصف القيمة، بناء على ما عرفت من
عموم بعضها بل جميعها للحكم في الوصية، مع احتماله الحمل على التقية،
لأن الإطلاق مذهب العامة في تلك الأزمنة، كما يستفاد من سياق الصحيحة
الأولى، وإلى احتمال هذا الحمل أشار خالي العلامة المجلسي طاب رمسه
في حاشيته المنسوبة إليه على هذه الرواية (2).
* (ولو أوصى لأم ولده صح) * بلا خلاف، كما في التذكرة (3) والمسالك (4)

(1) المسالك 6: 228.
(2) لا توجد لدينا حاشيته.
(3) التذكرة 2: 463 س 9.
(4) المسالك 6: 229.
464

وغيرهما من كتب الجماعة. وهو الحجة، مضافا إلى النصوص الآتية.
* (وهل تعتق من الوصية) * كما عن الحلي (1) والفاضل في الإرشاد (2)
والتحرير (3) والقواعد (4)، ونسبه في المهذب إلى المشهور (5)، بناء على أن
الإرث مؤخر عنها وعن الدين بنص الآية (6)، فلا يحكم لولدها بشئ حتى
يحكم لها بالوصية.
* (أو من نصيب الولد) * كما عن النهاية (7) وفي المختلف (8) ونكت
الإرشاد (9) واللمعة (10)، بناء على أن التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث
وإن لم يستقر لهم إلا بعد الأمرين، وأن نفوذ الوصية يتوقف على وصول
التركة إلى الوارث وملك الوارث لا يتوقف على شئ، ولما في كتاب
العباس من أنها تعتق من نصيب ولدها ويعطى لها الوصية (11)، ونقلت هذه
الرواية في ذيل الصحيحة الآتية.
* (قولان) * مشهوران.
وعلى الثاني * (فإن أعتقت من نصيب الولد كان لها الوصية) * وظاهر
الماتن هنا وفي الشرائع (12) في هذا البحث التردد، وحكى عنه المصير إلى
الثاني في نكت النهاية (13)، وإلى الأول في بحث الاستيلاد من الشرائع (14).
وهنا مذهبان آخران.

(1) السرائر 3: 200.
(2) الإرشاد 1: 458.
(3) التحرير 1: 301 س 2.
(4) القواعد 1: 293 س 11.
(5) المهذب البارع 3: 109.
(6) النساء 11.
(7) النهاية 3: 151.
(8) المختلف 6: 373.
(9) غاية المراد: 79 س 13 (مخطوط).
(10) لم نعثر عليه.
(11) الوسائل 13: 470، الباب 82 من أبواب الوصايا ذيل الحديث 4.
(12) الشرائع 2: 254.
(13) نكت النهاية 3: 151.
(14) الشرائع 3: 139.
465

أحدهما: للإسكافي (1)، وهو التخيير بين الأمرين. ولا وجه له.
والثاني: ما نسب في المختلف (2) والتذكرة (3) ونكت الإرشاد (4) إلى
الصدوق، وحكاه في المهذب مذهبا (5)، ولم يصرح بقائله.
* (و) * هو ما * (في رواية) * صحيحة مروية في الكتب الثلاثة: عن رجل
كانت له أم ولد وله منها غلام فلما حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو
بأكثر للورثة أن يسترقوها، قال: فقال: لا، بل * (تعتق من الثلث ولها
الوصية) * وفي كتاب العباس إلى آخر ما تقدم (6). وبمعناها صحيح آخر (7)
وغيره (8).
وظاهر المتأخرين الإعراض عنها، ولعله لمخالفتها الأصول المتقدمة،
المتفقة على عتقها من غير الثلث وإن اختلفت في تعيينه.
واختلفوا في تأويلها، فبين من حملها على صورة عتقها في المرض قبل
الموت ثم الوصية لها بعده، وبين من حملها على أن المراد من العتق من
الثلث العتق من الوصية وتعطى ما فضل منها على تقدير الزيادة.
قال في التنقيح - بعد نقلهما -: ليس للفظ الرواية دلالة عليهما، إلا أن
يقال: إنما اضطررنا إلى التأويل لانعقاد الإجماع على عدم العمل بهما،
لكنهما صحيحتان، فاضطررنا إلى حملهما على وجه سائغ (9).
وظاهره - كما ترى - الإجماع على طرح الرواية.

(1) كما في المختلف 6: 373.
(2) كما في المختلف 6: 373.
(2) كما في المختلف 6: 373.
(3) نقله عنه العلامة في التذكرة 2: 463 س 11.
(4) غاية المراد: 79 س 9 (مخطوط).
(5) المهذب البارع 3: 110.
(6) التهذيب 9: 224، الحديث 880، والكافي 7: 29، الحديث 4، والفقيه 4: 216، الحديث 557.
(7) الوسائل 13: 469، الباب 82 من أبواب الوصايا الحديث 1، 2.
(8) الوسائل 13: 469، الباب 82 من أبواب الوصايا الحديث 1، 2.
(9) التنقيح 2: 379.
466

وحينئذ، فلا بد من المصير إلى أحد التأويلين. ولا ريب في رجحان
الثاني، لدلالة مقابلته برواية العباس، التي هي في آخرها مذكورة على كون
موردهما واحدا. ولا ريب في أنه في الثانية هي أم الولد التي لم تعتق
بالكلية، فليكن مورد الأولى أيضا تلك الجارية.
وحينئذ يتعين إرادة الحمل الثاني، سيما مع شيوع إطلاق الثلث على
الوصية.
ولا ينافيه إطلاق الحكم فيما بعد بأن لها الوصية، لقوة احتمال أن يراد
بها ما زاد بعد العتق من الوصية، مع احتمال أن يكون المراد منه تأكيد الحكم
الأول من انعتاقها من الثلث. وهذا إن لم نقل بكونها ظاهرا من الرواية فليس
ببعيد، كبعد الحمل الأول بلا شبهة.
فيمكن بملاحظة الإجماع وقرينة المقابلة أخذها للقول الأول حجة،
كما هو ظاهر المفاتيح (1)، وصريح الكفاية (2).
فإذا القول الأول في غاية من القوة، مع اعتضاده بما مر عن المهذب من
الشهرة المحكية.
والعجب من المسالك، حيث جعلها للقول الثاني حجة.
قال - بعد ذكره الحمل الأول وما يقرب منه -: وكلاهما بعيد، إلا أن
الحكم فيها بإعطائها الوصية كاف في المطلوب، إذ عتقها حينئذ من نصيب
ولدها يستفاد من دليل خارج صحيح، وبقي ما نقل عن كتاب العباس شاهدا
على المدعى، وهذا أجود (3).
وهو - كما ترى - مندفع بما مضى، مضافا إلى أن اكتفاءه بالحكم فيها

(1) مفاتيح الشرائع 3: 229، مفتاح 1133.
(2) كفاية الأحكام: 147 س 35.
(3) المسالك 6: 230.
467

بإعطاء الوصية بضميمة الدليل الخارجي إنما يصح حيث لا تحتمل الرواية
كون وجه صرف الوصية إليها انعتاقها تبرعا قبل الموت، وأما إذا احتملته
ولو بعيدا - كما اعترف به - فلا يصح بلا شبهة، ولعله لذا أن الفاضلين المتقدم
إليهما الإشارة مع عكوفهما غالبا على تحقيقاته أعرضا عن تحقيقه في هذه
الرواية، وجعلاها للأول حجة دون الثاني، كما ذكره.
وأما شهادة رواية العباس فغير نافعة، بعد ما عرفت من عدم قيام دليل
على ما ذكره ولا حجة.
* (وإطلاق الوصية) * لجماعة * (يقتضي التسوية) * بينهم في النصيب منها
ذكورا كانوا، أم إناثا، أم مختلفين، ورثة كانوا، أم غيرهم.
* (و) * لا إشكال في شئ من ذلك ولا خلاف، كما في المسالك (1)
وغيره، إلا * (في الوصية لأخواله وأعمامه) * فإن فيه * (رواية بالتفضيل (2)) *
للأخوال الثلث وللأعمام الثلثان * (كالميراث) * ذهب إليه الطوسي (3)
والقاضي (4)، ورواه عن مولانا الصادق (عليه السلام) الإسكافي (5)، ولعله لذا نسب
هذا القول إليه في المهذب (6) وغيره.
وفيه مناقشة، فإن مجرد الرواية أعم من الفتوى بلا شبهة، ونسبه في
المسالك بعد الشيخ إلى جماعة (7)، ولم أقف عليهم عدا القاضي (8)، ولكنه
أعرف بالنسبة.

(1) المسالك 6: 231.
(2) الوسائل 13: 454، الباب 62 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(3) النهاية 3: 156.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 384.
(5) كما في المختلف 6: 384، وفيه عن الباقر (عليه السلام).
(6) المهذب البارع 3: 111.
(7) المسالك 6: 231.
(8) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 384.
468

* (و) * كيف كان * (الأشبه التسوية) * وفاقا للحلي (1) وعامة متأخري
الطائفة.
وربما يستشعر من الفاضل في التذكرة أن عليه إجماع الإمامية، فإنه قال
فيما إذا أوصى لأقاربه وكان له عمان وخالان: إن الوصية عندنا وعند
أبي يوسف ومحمد تكون أرباعا، وكذا قال: فيما إذا أوصى لهم وخلف عما
وعمة وخالا وخالة (2). ونحوه عبارة الماتن في الشرائع، حيث عزى الرواية
إلى المهجورية (3).
والحجة بعده، استواء نسبة الوصية إليهم، مع انتفاء ما يدل على التفضيل
في كلام الموصي، فلا فرق فيه بين الذكر والأنثى، ولا بين الأخوال والأعمام
وغيرهم.
واختلافهم في استحقاق الإرث خارج بدليل من خارج فلا يقاس عليه
ما يقتضي التسوية بمجرده.
والرواية - كما عرفت - شاذة، فلا عبرة بها وإن كانت صحيحة وفي
الكتب الثلاثة مروية (4)، فإن الأصل المعتضد بالشهرة العظيمة التي كادت
تكون إجماعا - بل لعلها الآن إجماع في الحقيقة مع ظهوره عن عبارة
الماتن والتذكرة (5) - أقوى منها بمراتب عديدة.
وأولى منها بالهجر وعدم الحجية ما ورد في بعض النصوص القاصرة
سندا بالضعف والمكاتبة من قسمة الوصية بين أولاد الذكور والإناث على
كتاب الله سبحانه، مع أنها غير صريحة في الوصية، بل ولا ظاهرة، مع عدم

(1) السرائر 3: 210.
(2) التذكرة 2: 475 س 30.
(3) الشرائع 2: 254.
(4) التهذيب 9: 214، الحديث 845، والكافي 7: 45، الحديث 3، والفقيه 4: 208، الحديث
5483.
(5) التذكرة 2: 475 س 30.
469

نقل قائل بها من الطائفة، وتصريح المسالك (1) وغيره بعدم الخلاف فيه، كما
مر إليه الإشارة.
فلتطرح كسابقتها، أو تؤولا بما يؤول إلى الأصل من كون الوصية لهم
على كتاب الله تعالى، أو نحو ذلك من القرائن المعتبرة. ثم إن كل ذا * (ما لم
ينص) * الموصي * (على التفضيل) * (2).
وأما معه فيتبع كيف كان بلا خلاف ولو كان المفضل أنثى أو خالا وقلنا
بمفضوليته مع العم، اقتصارا فيها على المتيقن من النص، وهو صورة
الإطلاق، فيرجع في غيره إلى الأصل، الدال على وجوب إنفاذ الوصية على
وجهها من الكتاب والسنة، وظواهر النصوص:
منها الصحيح: رجل أوصى بثلث ماله لمواليه ولموالياته الذكر والأنثى
فيه سواء أو للذكر مثل حظ الأنثيين من الوصية، فوقع (عليه السلام): جائز للميت ما
أوصى به على ما أوصى به (3).
وربما يستشعر من هذه الرواية صحة ما حكم به المشهور في المسألة
السابقة. فتأمل.
* (وإذا أوصى لقرابته) * وأطلق * (فهم المعروفون بنسبه) * مطلقا على
الأشهر الأقوى، بل عليه كافة متأخري أصحابنا، تبعا للمبسوط (4)
والخلاف (5) والحلي (6) والقاضي (7)، وعليه في نهج الحق إجماعنا (8)، عملا

(1) المسالك 6: 231.
(2) جملة " ما لم ينص على التفضيل " في المتن المطبوع ذكرت بعد قوله: " واطلاق الوصية يقتضي
التسوية " فيما تقدم قبل قليل.
(3) الوسائل 13: 454، الباب 63 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(4) المبسوط 4: 40.
(5) الخلاف 4: 150، المسألة 24.
(6) السرائر 3: 210.
(7) المهذب 2: 114.
(8) نهج الحق: 517.
470

بالعرف، فإنه المحكم فيما لم يرد به تقدير من الشرع.
وربما يومئ إليه الصحيح: ما حد القرابة يعطى من كان بينه وبينه قرابة،
أولها حد ينتهي إليه؟ رأيك فدتك نفسي؟ فكتب (عليه السلام): إن لم يسم أعطى
قرابته (1)
* (وقيل) * كما في الغنية (2) وعن المفيد (3) والنهاية (4): أنه * (لمن يتقرب
إليه بآخر أب) * وأم له * (في الإسلام) * بمعنى الارتقاء بالقرابة من الأدنى إلى
ما قبله وهكذا إلى أبعد جد وجدة له في الإسلام وفروعهما، ويحكم للجميع
بالقرابة، ولا يرتقي بآباء الشرك وإن عرفوا بقرابته.
وحجته غير واضحة وإن استدل له جماعة (5) برواية ضعيفة، هي مع
ذلك بحسب الدلالة قاصرة من وجوه عديدة، ولذا رجع عنه الطوسي في
الكتابين (6)، مدعيا في ثانيهما - كالماتن في الشرائع (7) - أنه غير مستند إلى
حجة. وكفاه هذا جوابا عما ذكره في النهاية.
وهنا أقوال أخر، ما بين مخصص للقرابة بالوارث دون غيره، ومخصص
لهم بالمحرم من ذوي الأرحام دون غيره كبني الأخوال والأعمام، وحاصر
لهم بالمتقربين إليه إلى الأب الرابع.
والقائل بها غير معروف، عدا الأخير، فقد نسبه الأصحاب إلى
الإسكافي (8)، ونسب كلا من الأولين في المبسوط إلى قوم (9)، ولعلهم من

(1) الوسائل 13: 459، الباب 68 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) الغنية: 308.
(3) المنقعة: 675.
(4) النهاية 3: 158.
(5) التنقيح 2: 380، المسالك 6: 232، وجامع المقاصد 10: 58.
(6) المبسوط 4: 40، والخلاف 4: 150، المسألة 24.
(7) الشرائع 2: 254.
(8) كما في المختلف 6: 359.
(9) المبسوط 4: 40.
471

العامة، كما يشعر به آخر عبارته، وصرح به الفاضل في نهج الحق، فقد نسب
الأول إلى مالك، والثاني إلى أبي حنيفة (1).
وهي مع ذلك غير مستندة كسابقها إلى حجة، عدا الأخير، فقد استند فيه
إلى التأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله) في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس (2).
ويضعف: بأن فعله (عليه السلام) ذلك بالخمس لا يدل على نفي القرابة مطلقا عما
عداه، فإن ذلك معنى آخر للقربى، فلا يلزم ذلك في حق غيره حيث يطلق.
ثم على أي معنى حمل، يعم الذكر والأنثى، والفقير والغني، والقريب
والبعيد. ولا فرق بين قوله أوصيت لأقاربي وقرابتي، ولذي قرابتي وذوي
رحمي، لاشتراك الجميع في المعنى.
قيل: وينصرف الوصية إلى الموجود منهم مطلقا، اتحد أو تعدد، ذكروا
في الوصية بصيغة الجمع أو المفرد (3).
وهو حسن إذا أريد به الموجود في الخارج في مقابلة المعدوم من
أصله، بمعنى أنه لا ينتظر في دفع الوصية إلى الأقارب وجود من يحتمله،
بل يدفع إلى الموجود منهم حال الوصية دون المعدوم حالتها. والوجه فيه
ظاهر بعد ما عرفت من اشتراط الوجود في الموصى له.
* (ولو أوصى لأهل بيته دخل) * فيهم * (الآباء) * وإن علوا * (والأولاد) *
وإن سفلوا بلا خلاف، حتى أن العلامة (رحمه الله) في التذكرة فسرهم بالقرابة (4)،
فيدخل فيهم الأعمام والأخوال وفروعهما، وحكاه عن تغلب (5).
وهو الظاهر من الاستعمال في العرف، كما في المسالك (6)، ويعضده استلزام

(1) نهج الحق: 517، المسألة 7.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 359.
(3) قاله الشهيد في المسالك 6: 233.
(4) التذكرة 2: 477 س 16.
(5) التذكرة 2: 477 س 16.
(6) المسالك 6: 235.
472

الاقتصار في التفسير بما في المتن خروج علي (عليه السلام) عن أهل البيت (عليهم السلام).
وهو خلاف الإجماع فتوى ورواية.
وهو قوي حيث لا يمكن الرجوع إلى عرف بلد الموصي، ومع الإمكان
كان متبعا ولو كان أخص مما في المتن، أو كان بالعكس، بأن اختص بما
الحق به في القول الآخر وإن بعد.
* (و) * أما * (القول في) * الوصية ل‍ * (العشيرة والجيران والسبيل والبر
والفقراء) * ف‍ * (كما مر في الوقف) * عليهم، فليطلب تحقيقه من هناك.
* (وإذا مات الموصى له قبل الموصي انتقل ما كان) * للموصى له من
الوصية * (إلى ورثته) * دون ورثة الموصي * (ما لم يرجع الموصي) * فيها
* (على الأشهر) * الأظهر، للصحيح: من أوصى لأحد شاهدا أو غائبا فتوفي
الموصى له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي أوصى له، إلا أن يرجع في
وصيته قبل موته (1).
وكذلك إذا مات بعده قبل القول، لفحواه، وللخبرين.
أحدهما الحسن - بل الصحيح، كما قيل (2) -: عن رجل أوصى له
بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقبا، فقال: أطلب له وارثا أو مولى
نعمة فادفعها إليه، الحديث (3). وقريب منه الثاني (4).
وظاهر التذكرة (5) عدم الخلاف في هذه الصورة، حيث أنه نقله في
الصورة الأولى، واستدل للحكم فيها بثبوته هنا، وهو مشعر بل ظاهر في

(1) الوسائل 13: 409، الباب 30 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) قاله صاحب الحدائق 22: 557.
(3) الوسائل 13: 409، الباب 30 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(4) الوسائل 13: 410، الباب 30 من أبواب الوصايا الحديث 3.
(5) التذكرة 2: 453 س 30.
473

الاتفاق على ثبوت الحكم هنا، إلا أن ظاهر المسالك (1) وغيره تحقق
الخلاف فيها أيضا.
وكيف كان الأشهر الأقوى ثبوت الحكم فيهما، لصحة الرواية الأولى،
بناء على كون إبراهيم بن هاشم ثقة، كمحمد بن قيس الراوي لها، بقرينة
رواية عاصم بن حميد عنه وكون مرويه من قضايا الأمير (عليه السلام)، وقد تقدم
الإشارة إلى هذا التحقيق عن قريب.
فتوهم المسالك الاشتراك ثمة وهنا غير سديد، كتوهمه عدم جبر
قصورها على تقديره بعمل العلماء، كما حقق في الأصول مستقصى.
وما أبعد ما بين هذا، وبين ما يختلج بالبال، وفاقا لشيخنا في الذكرى (2)
من حجية الشهرة بنفسها، حيث لم نجد لها مستندا ولا معارضا أقوى، إذ
بينت (3) الوجه فيه في رسالة مفردة في الإجماع مستقصى.
وعلى تقدير التنزل، فلا أقل من كونه جابرا.
ومنه يظهر انجبار قصور الروايتين الأخيرتين على تقديره بها، مضافا
إلى انجبارهما - كالأولى - بأظهر الاحتمالين الآتيين في الخبرين الآتي
ذكرهما.
خلافا للإسكافي (4) والفاضل في جملة من كتبه (5)، فأبطلا الوصية
لوجه اعتباري، غير معارض للنص الجلي، وللصحيح والموثق: فمات
الموصى له قبل الموصي، قال: ليس بشئ (6).
وهما مع ضعفهما عن المكافئة لما مضى - نظرا إلى تعدده واشتهاره بين

(1) المسالك 6: 237.
(2) الذكرى: 5 س 2.
(3) في المخطوطات: وبينت.
(4) كما في المختلف 6: 408.
(5) المختلف 6: 408، والإرشاد 1: 459.
(6) الوسائل 13: 410، الباب 30 من أبواب الوصايا الحديث 4 و 5.
474

علمائنا، كما سلمه الفاضل وكافة أصحابنا دونهما - قاصرا الدلالة جدا،
لأنهما كما يحتملان أن الوصية حينئذ لا يعتد بها بمعنى بطلانها كذا يحتمل
إرادة أن الموت ليس بشئ ينقض الوصية، بل ربما كان الثاني أنسب
بأسلوب الكلام، وتذكير الضمير المستتر في الفعل.
وبه يندفع التنافي بين الروايات، فيكون أولى.
وعلى تقدير التنزل بتسليم تساوي الاحتمالين يكفي في الرد اجمالهما.
ثم على تقدير ظهورهما في الاحتمال الأول، بل وصراحتهما فيه
يحتملان الحمل على التقية، لأنه مذهب أكثر العامة، ومنهم أصحاب الرأي،
وهم أصحاب أبي حنيفة، كما حكاه في التذكرة (1)، وتبعه في الحكاية بعض
الأجلة (2). فما هذا شأنه كيف يعترض به الأخبار السابقة! مع ما هي عليه
من المرجحات القوية المذكورة سابقا.
وربما يجمع بينهما بحمل هذين على صورة رجوع الموصي كما
أفصحت عنه الصحيحة السابقة ذكره في الكتابين (3) شيخ الطائفة، أو على
دلالة القرينة بإرادة الموصي خصوص الموصى له، وبهذا الجمع أفتى
جماعة.
ولعله غير بعيد، لا للجمع، لعدم شاهد عليه ولا قرينة، بل للزوم
الاقتصار فيما خالف الأصل، الدال على عدم الانتقال إلى غير من أوصى له،
على القدر المتيقن من النصوص المتقدمة. وليس بحكم التبادر إلا غير هذه
الصورة الذي لم يقصد الموصي فيه خصوصية الموصى له.
وفي الدروس عن الماتن القول بالفرق بين صورتي موته في حياة

(1) التذكرة 2: 453 س 36.
(2) الوسائل 13: 410، الباب 30 من أبواب الوصايا ذيل الحديث 5.
(3) التهذيب 9: 231، ذيل الحديث 907، والاستبصار 4: 138، ذيل الحديث 519.
475

الموصي فالبطلان، وبعد وفاته فالصحة (1)، استنادا إلى وجه مبني على
تضعيف الصحيحة السابقة، وإطراحها بالكلية. وقد ظهر لك ما فيه من
المناقشة.
ثم إن كان موته قبل موت الموصي لم يدخل العين في ملكه. وإن كان
بعده ففي دخوله وجهان، مبنيان على أن القبول هل هو كاشف عن سبق
الملك من حين الموت، أم ناقل له من حينه، أم الملك يحصل للموصى له
متزلزلا ويستقر بالقبول؟ أوجه، بل وأقوال تأتي.
وتظهر الفائدة فيما لو كان الموصى به ينعتق على الموصى له الميت إذا
ملكه. واعلم أن كل ذا إنما هو إذا خلف الموصى له وارثا خاصا.
* (ولو لم يخلف وارثا) * كذلك * (رجعت) * الوصية * (إلى ورثة الموصي) *
وفاقا للمعظم، كما في الدروس (2)، وللأكثر، كما في التنقيح (3)، بل لعله عليه
عامة المتأخرين، اقتصارا فيما خالف الأصل المتقدم على القدر المتيقن من
النص، وليس إلا الانتقال إلى الوارث الخاص، لأنه المتبادر.
خلافا للحلي، فألحق به الإمام (4).
وهو شاذ، كالحسن أو الصحيح: عن رجل أوصي له بوصية فمات قبل
أن يقبضها ولم يترك عقبا، قال: أطلب له وارثا أو مولى نعمة فادفعها إليه،
قلت: فإن لم أعلم له وليا، قال: اجهد على أن تقدر له على ولي، فإن لم تجد
وعلم الله تعالى منك الجد فتصدق بها (5).
ويحتمل الحمل على ما يرجع به إلى كل من القولين.

(1) الدروس 2: 297.
(2) الدروس 2: 298.
(3) التنقيح 2: 382.
(4) السرائر 3: 216.
(5) الوسائل 13: 409، الباب 30 من أبواب الوصايا الحديث 2.
476

* (وإذا قال أعطوا فلانا) * كذا ولم يعين عليه مصرفا * (دفع إليه يصنع به
ما شاء) * بلا خلاف، لأن الوصية بمنزلة التمليك، فتقتضي تسلط الموصى له
تسلط المالك، ولا كذلك لو عين المصرف فإنه يتعين عليه لما دل على
وجوب إنفاذ الوصية على وجهها من الكتاب والسنة.
* (ويستحب الوصية لذوي القرابة) * مطلقا * (وارثا كان أو غيره) *
بلا خلاف في الثاني بين العلماء، وكذا في الأول بيننا، كما في المسالك (1)،
وقد مضى الكلام فيه مستقصى. ويستفاد من بعض المعتبرة تأكده في الثاني.
ففيه: من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله
بمعصيته (2).
وفي الرضوي: ويستحب أن يوصي الرجل لقرابته ممن لا يرث شيئا من
ماله قل أو كثر، وإن لم يفعل فقد ختم عمله بمعصيته (3).
* (الرابع: في الأوصياء) *
* (ويعتبر) * في الوصي * (التكليف) * بالبلوغ والعقل، فلا تصح إلى صبي
بحيث يتصرف حال صباه مطلقا ولو كان إلى البالغ منضما، ولا إلى مجنون
كذلك.
* (والإسلام) * فلا تصح الوصية إلى الكافر وإن كان رحما، إلا أن يوصي
إليه مثله، كما يأتي، ولا خلاف في شئ من ذلك، بل عليه الإجماع في
الغنية (4)، وهو الحجة. مضافا إلى الأصول القطعية في الأول، وما سيأتي إليه
الإشارة في الثاني.

(1) المسالك 6: 239.
(2) الوسائل 13: 355، الباب 4 من أبواب الوصايا الحديث 3.
(3) فقه الرضا: 298.
(4) الغنية: 307.
477

* (وفي اعتبار العدالة تردد) *.
ينشأ من أن الوصية استيمان والفاسق ليس أهلا له، لوجوب التثبت عند
خبره، وأنها تتضمن الركون إليه والفاسق ظالم منهي عن الركون إليه، وأنها
استنابة عن الغير فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل، بل أولى، لأن
تقصير وكيل الوكيل مجبور بنظر الوكيل والموكل وتفحصهما على
مصلحتهما، بخلاف نائب الميت. ورضاه به غير عدل لا يقدح في ذلك، لأن
مقتضاها إثبات الولاية بعد الموت، وحينئذ فترتفع أهليته عن الإذن والولاية
ويصير التصرف متعلقا بحق غير المستنيب من طفل ومجنون وفقير
وغيرهم، فيكون أولى باعتبار العدالة من وكيل الوكيل ووكيل الحاكم على
مثل هذه المصالح.
ومن أنها في معنى الوكالة ووكالة الفاسق جائزة، كاستيداعه بالإجماع.
* (أشبهه) * عند الماتن هنا والفاضل في المختلف (1)، وفاقا للحلي (2)
* (أنها لا تعتبر) *.
خلافا للأكثر كالشيخين (3) والقاضي (4) وابن حمزة (5) والديلمي (6) وابن
زهرة العلوي (7) وأحد قولي الأولين، فاختاروا الأول، وادعى في الغنية عليه
إجماع الإمامية (8).
ولا يخلو عن قوة، للإجماع المحكي، المعتضد بالشهرة المحققة،
والمحكية في عبارات الأصحاب كافة المحتملة لكونها إجماعا قبل خلاف
الحلي، وبما تقدم من الأدلة الكثيرة، مع ضعف الأدلة المقابلة لها بما عرفت

(1) المختلف 6: 395.
(2) السرائر 3: 189.
(3) المقنعة: 668، والمبسوط 4: 51.
(4) المهذب 2: 116.
(5) الوسيلة: 373.
(6) المراسم: 202.
(7) الغنية: 306.
(8) الغنية: 306.
478

من الفرق بين الوصية وبين الاستيداع والوكالة، لتعلقهما بحق المودع
والموكل، وهو مسلط على إتلاف ماله، فضلا عن تسليط غير العدل عليه،
والموصي إنما سلطه على حق الغير، لخروجه عن ملكه بالموت مطلقا، مع
أنا نمنع أن مطلق المستودع والوكيل لا يشترط فيهما العدالة.
هذا، مضافا إلى التأيد بظواهر كثير من النصوص الواردة بالنسبة إلى من
مات وله أموال وورثة صغار ولا وصي له، حيث اشترطت عدالة المتولي
لذلك (1).
وهي وإن كانت خارجة عما نحن فيه، إلا أن فيها إشعارا بأن المتولي
لأمر الوصاية كذلك. ولا فرق بينهما، إلا كون الأول منصوبا من قبل الشارع،
والثاني من قبل الميت وإلا فهما بالنسبة إلى ما يتصرفان فيه واحد.
وحينئذ، فكما تراعى العدالة فيه من حيث أن الناصب له الشرع، كذا
تراعى فيه من حيث أن الناصب الموصي، فلا ينصب لذلك إلا عدلا.
والفرق بأن للموصي التسلط على ماله يدفعه إلى من يشاء، ويسلط عليه
من يختاره لتسلط الناس على أموالهم، بخلاف الحاكم الشرعي المنوط
تصرفه بالمصلحة دون ما فيه مفسدة، يظهر ضعفه مما مر، فإن الموصي بعد
الموت وانتقال التركة إلى الورثة وفيهم الصغير وفيها الوصايا إلى الجهات
العامة ونحو ذلك من التصرفات المحتاجة إلى الوثوق والائتمان لا تعلق له
بذلك. فتصرفه فيما ذكر إنما هو تصرف في مال الغير لا مال نفسه، كما ذكر
في الفرق.
واعلم أن هذا الشرط إنما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصي ويقبل
خبره به، كما يستفاد ذلك من دليله لا في صحة الفعل في نفسه، فلو أوصى

(1) لم نقف على نص يشترط عدالة المتولي.
479

إلى من ظاهره العدالة وهو فاسق في نفسه ففعل مقتضى الوصية فالظاهر
نفوذ فعله وخروجه عن العهدة.
ويمكن كون ظاهر الفسق كذلك لو أوصى إليه فيما بينه وبينه وفعل
مقتضاها، بل لو فعله كذلك لم يبعد الصحة وإن حكم ظاهرا بعدم وقوعه
وضمانه ما ادعي فعله.
وتظهر الفائدة لو فعل مقتضى الوصية باطلاع عدلين، أو باطلاع الحاكم
نبه بذلك في التذكرة (1) والروضة (2).
وهو حسن، إلا أن ظاهر اشتراط العدالة في إطلاق العبارة - كغيرها
من عبائر الجماعة ومنها عبارة الغنية المحكية فيها إجماع الإمامية - تنافي
ذلك كله.
ويمكن تنزيله على أن المراد أنها شرط في صحة الاستنابة، لا في
صحة النيابة.
ثم إن هذا التردد إنما هو إذا أوصى إلى الفاسق ابتداء * (أما لو أوصى إلى
عدل ففسق بطلت وصيته) * إجماعا، إلا من الحلي، كما في المهذب (3)
وشرح الشرائع للصيمري (4)، وعن المحقق الثاني في شرح القواعد (5).
ولا ريب فيه على المختار من اشتراط العدالة ابتداء، وكذا على غيره إن ظهر
كون الباعث على نصبه عدالته، وإلا فإشكال.
ينشأ من الأصل، وحرمة تبديل الوصية من وجهها، واحتمال كونها
الباعث على النصب غير كاف في الخروج عنهما.
ومن شهادة الظاهر بهذا الاحتمال، وظهور الإجماع على البطلان مطلقا

(1) لم نقف عليه.
(2) الروضة 5: 72.
(3) المهذب البارع 3: 116.
(4) غاية المرام: 106 س 2 (مخطوط).
(5) لم نعثر عليه.
480

من الكتب المزبورة، بناء على التصريح بلفظه الظاهر فيه، مع عدم قدح
استثنائهم الحلي في انعقاده، لمعلومية نسبه، مع أنه حكي عنه ما يدل على
اختياره الأول والإذعان به (1).
وإطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في البطلان بين فسقه بعد
وفاة الموصي، أو في حياته، علم به، أو جهل.
وربما يستشكل فيه في الثاني مع العلم بفسقه وعدم عزله. وهو في
محله على القول بعدم اشتراط العدالة في الابتداء.
وهل تبطل الوصية بطرو الفسق من حينه، أم يتوقف على حكم الحاكم
وعزله؟ وجهان، ظاهر العبارة كغيرها الأول، وصريح الإرشاد (2) وغيره الثاني.
وتظهر الفائدة في تصرفه قبل أن يعزله الحاكم، فينفذ على الثاني دون
الأول. وهو الوجه حيث ما ظهر أن الباعث لوصايته هو العدالة لفواته، مع
كونه منزلا منزلة الشرط الذي يفوت المشروط بفواته.
وهل تعود الوصية بعوده عدلا. قيل: الأشهر لا (3). ولعله الأقوى،
للأصل، وعدم ما يقتضي العود أصلا.
* (و) * يعتبر فيه أيضا الحرية، ف‍ * (لا يوصي إلى المملوك) * بلا خلاف فيه
في الجملة، بل عليه مطلقا في صريح الغنية (4)، وظاهر التذكرة (5) إجماع
الإمامية. وهو الحجة، مضافا إلى أدلة الحجر عليه في أمر نفسه، فأولى أن
يكون محجورا عليه في حق غيره، واستلزامه التصرف في ملك الغير بغير
إذنه، وهو ممنوع منه.
* (إلا) * أن يوصي إليه * (بإذن المولى) * فتصح بلا خلاف منا، لزوال

(1) الحاكي صاحب المهذب البارع 3: 116.
(2) الإرشاد 1: 463.
(3) قاله صاحب كفاية الأحكام: 150 س 16.
(4) الغنية: 306.
(5) التذكرة 2: 511 س 8.
481

المانع، وحينئذ فليس للمولى الرجوع في الإذن بعد موت الموصي، ويصح
قبله، كما إذا قبل الحر.
ولا فرق في محل المنع بين كون العبد قنا، أو مدبرا، أو مكاتبا، أو
مبعضا للموصي، أو غيره عند الشيخ (1) وابن حمزة (2) والحلي (3)
والمختلف (4).
خلافا للمفيد (5) والديلمي (6)، فجوزا الوصية إلى من عدا القن، إما
مطلقا، كما يظهر من المختلف (7) والدروس (8)، أو إذا كان عبد نفسه، كما
يستفاد من التنقيح، ومال إليه، قال: لحرية المدبر حال المباشرة ولزوم
الكتابة وتصرف المكاتب من غير حجر عليه (9).
ولا يخلو عن قوة، لعمومات الكتاب والسنة الناهية عن تغيير الوصية،
وسلامتها في المفروض عما مر من الأدلة المانعة لما ذكر.
* (وتصح) * الوصية * (إلى الصبي) * إذا كان * (منضما إلى كامل لا منفردا) *
بلا خلاف، للخبر - بل قيل: الحسن (10) -: عن رجل أوصى إلى امرأة وشرك
في الوصية معها صبيا، فقال: يجوز ذلك وتمضي المرأة الوصية ولا تنتظر
بلوغ الصبي، فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى إلا ما كان من تبديل أو
تغيير فإن له أن يرده إلى ما أوصى به الميت (11).

(1) المبسوط 4: 51.
(2) الوسيلة: 373.
(3) السرائر 3: 189.
(4) المختلف 6: 396.
(5) المقنعة: 668.
(6) المراسم: 202.
(7) المختلف 6: 396.
(8) الدروس 2: 322.
(9) لا فرق بين عبارة التنقيح وعبارة الدروس، راجع التنقيح 2: 386.
(10) الظاهر صاحب ملاذ الأخيار 15: 66، الحديث 1.
(11) الوسائل 13: 439، الباب 50 من أبواب الوصايا الحديث 2.
482

وقريب منه الصحيح: رجل أوصى إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا وفيهم
صغار أيجوز للكبار أن ينفذوا وصيته ويقضوا دينه لمن صح على الميت
بشهود عدول قبل أن يدركوا الأوصياء الصغار؟ فوقع (عليه السلام): نعم على الأكابر
من الولد أن يقضوا دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك (1).
* (و) * يستفاد منهما - سيما الأول، مضافا إلى الاتفاق عليه في الظاهر -
أنه يجوز أن * (يتصرف الكامل حتى يبلغ الصبي) * مطلقا ولو لم يكن
التصرف في الأمر الضروري * (ثم) * بعد بلوغه كاملا جائز التصرف
* (يشتركان) * في التصرف مجتمعين * (و) * أنه * (ليس له نقض ما أنفذه
الكامل قبل بلوغه) * إلا ما يتضمن من تغيير وتبديل.
نعم لو شرط عدم تصرف الكامل إلى أن يبلغ الصبي تبع شرطه، وعلى
غيره ينزل إطلاق العبارة والرواية، مع أنه المتبادر منه بلا شبهة.
ويدل على جواز تصرف الكامل قبل بلوغ الصغير - مضافا إلى ما مر -
أنه في تلك الحال حيث لم يشترط عدم تصرفه إلى البلوغ وصى منفردا،
وإنما التشريك معه بعد البلوغ، كما لو قال أنت وصيي وإذا حضر فلان
فهو شريك.
ومن ثم لم يكن للحاكم أن يداخله، ولا أن يضم إليه آخر، ليكون نائبا
عن الصغير.
وأما إذا بلغ الصغير فليس للكبير التفرد وإن كان ذلك غير مستفاد من
الخبرين، لأنه الآن غير مستقل، فيرجع فيه إلى القاعدة.
ثم إن قوله: " لا منفردا " يدل على المنع عن الوصية إليه مستقلا وإن
شرط في تصرفه البلوغ وكان ذلك في معنى الضم. قيل: لأنه ليس من أهل

(1) الوسائل 13: 438، الباب 50 من أبواب الوصايا الحديث 1.
483

الولاية، ولكن جاز ذلك مع الضميمة تبعا للرواية، فلا يلزم مثله في الوصية
إليه مستقلا، وقوفا فيما خالف الأصل على موردها، وأنه يغتفر في حال
التبعية ما لا يغتفر في حال الاستقلال (1).
ثم لو مات أو بلغ فاسد العقل فهل للكامل الانفراد بالتصرف عملا
باستصحاب الحكم السابق، أم لا بل يداخله الحاكم بناء على أن الموصي
إنما فوض إليه الاستقلال إلى حين بلوغ الصبي فكأنه جعله مستقلا إلى مدة
مخصوصة؟ وجهان، اختار أولهما في الشرائع (2)، وتردد بينهما في
التذكرة (3) والدروس (4)، ولعله في محله وإن كان الأظهر في النظر، الثاني،
لقوة دليله.
وينبغي القطع به فيما إذا بلغ الصبي رشيدا ثم مات بعده ولو بلحظة،
لانقطاع استصحاب الأول حينئذ بلا خلاف، وتبدله باستصحاب عدم
الاستقلال فيتبع.
* (ولا تصح وصية المسلم إلى الكافر) * مطلقا بلا خلاف، لأنه ليس من
أهل الولاية على المسلمين، ولا من أهل الأمانة.
* (و) * لكن * (تصح) * إليه * (من مثله) * إن لم نشترط العدالة.
وأما مع اشتراطها فهل يكفي عدالته في دينه، أم تبطل مطلقا؟ وجهان،
من أن الكفر أعظم من فسق المسلم، ومن أن الغرض صيانة مال الطفل وأداء
الأمانة، وهو يحصل بالعدل منهم.
وهذا أجود، وفاقا للتذكرة (5) والدروس (6) والمسالك (7) والكفاية (8).

(1) قاله الشهيد في المسالك 6: 246.
(2) الشرائع 2: 256.
(3) التذكرة 2: 510 س 38.
(4) الدروس 2: 325.
(5) التذكرة 2: 510 س 41.
(6) الدروس 2: 322.
(7) المسالك 6: 248.
(8) كفاية الأحكام: 150 س 19.
484

خلافا للروضة، فقال: والأقوى المنع بالنظر إلى مذهبنا، ولو أريد صحتها
عندهم وعدمه فلا غرض لنا في ذلك، ولو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى
مذهبهم، وإلا فاللازم الحكم ببطلانها، بناء على اشتراط العدالة، إذ لا وثوق
بعدالته في دينه ولا ركون إلى أفعاله، لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام (1).
وفيه نظر، لحصول الوثوق وجدانا، وإنكاره مكابرة جدا، بل ربما
يحصل الوثوق ببعض عدولهم أكثر مما يحصل ببعض عدول المسلمين،
وسيما المخالفين منهم. ومخالفة أفعاله لكثير من أحكام الإسلام لا ينافي
عدالته في دينه، وما هو المقصود منها من الوثوق والاعتماد في صيانة ما
للأطفال مثلا.
ثم إن إطلاق العبارة يقتضي عموم الحكم لصورتي كون الوصية على
أطفال المسلمين وما في حكمهم، أم غيرهم، وقيده جماعة بالثاني، ولعله
لنفي السبيل منه عليهم. ولا بأس به.
* (وتصح الوصية إلى المرأة) * إذا اجتمعت فيها الشرائط المتقدمة،
بإجماعنا المستفيض النقل في كلام جماعة، كالاستبصار (2) والغنية (3)
والتذكرة (4) والتنقيح (5) والمسالك (6) والروضة (7). وهو الحجة، مضافا إلى
الرواية المتقدمة.
وأما الخبر: المرأة لا يوصى إليها لأن الله تعالى يقول: " ولا تؤتوا السفهاء
أموالكم " (8)، فمع قصور سنده وشذوذه محمول على التقية، ففي الاستبصار

(1) الروضة 5: 68 و 69.
(2) الاستبصار 4: 140 ذيل الحديث 523.
(3) الغنية: 306.
(4) التذكرة 2: 511 س 17.
(5) التنقيح 2: 387.
(6) المسالك 6: 248.
(7) الروضة 5: 73.
(8) الوسائل 13: 442، الباب 53 من أبواب الوصايا الحديث 1.
485

أنه مذهب كثير من العامة، مع احتماله الحمل على الكراهة (1)، أو المرأة التي
لم يجتمع فيها الشرائط المتقدمة. وربما يومئ إليه ما في الذيل من العلة.
* (ولو أوصى إلى اثنين) * فصاعدا جاز إجماعا، فتوى، ونصا.
وحينئذ * (فإن أطلق أو شرط الاجتماع) * في التصرف * (فليس لأحدهما
الانفراد) * به، بل عليهما الاجتماع فيه، بمعنى صدوره عن رأيهما ونظرهما
وإن باشره أحدهما إجماعا في الأخير، كما في التنقيح (2)، وعلى الأظهر في
الأول، وفاقا للصدوقين (3) والطوسي (4) في أحد القولين وابن حمزة (5)
والحلبي (6) والحلي (7) والشهيدين (8) وكثير من المتأخرين، بل لعله عليه
عامتهم.
لظاهر الصحيح: رجل مات وأوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن
ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟ فوقع (عليه السلام): لا ينبغي لهما أن يخالفا
الميت، ويعملان على حسب ما أمرهما إن شاء الله (9).
وأظهر منه الرضوي: وإذا أوصى رجل إلى رجلين فليس لهما أن ينفرد كل
واحد منهما بنصف التركة، وعليهما إنفاذ الوصية على ما أوصى الميت (10).
وقصور سنده كعدم صراحة الأول منجبر بالشهرة، مضافا إلى اعتبار
السند، وبلوغه درجة الحجية. وكذا الدلالة وإن كان " لا ينبغي " أعم من
الحرمة، أو ظاهرا في الكراهة، لقيام القرينة في الرواية على إرادة الحرمة،

(1) الاستبصار 4: 140 ذيل الحديث 523.
(2) التنقيح 2: 389.
(3) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 402، والفقيه 4: 203.
(4) المبسوط 4: 54.
(5) الوسيلة: 373.
(6) الكافي في الفقه: 366.
(7) السرائر 3: 190.
(8) الدروس 2: 324، والمسالك 6: 249.
(9) الوسائل 13: 440، الباب 51 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(10) فقه الرضا: 299.
486

لأن مرجعها ومحصلها إلى النهي عن مخالفة الميت. ولا ريب أنها محرمة،
لتضمنها التبديل المنهي عنه بالكتاب والسنة.
هذا، مع اعتضادهما - زيادة على اعتبار السند ووضوح الدلالة - بظهور
الوصية إليهما في إرادة اجتماعهما عرفا.
وعلى تقدير التنزل عنه، فلا أقل من ترددها بينه وبين جواز الانفراد،
فيجب الأخذ بالمتيقن، وهو الأول، مع اندفاع الثاني بالأصل.
خلافا للنهاية (1) والقاضي (2)، فجوزا في ظاهر إطلاق عبارتهما الانفراد،
واستدل لهما بالموثق: أن رجلا مات وأوصى رجلين فقال أحدهما
لصاحبه: خذ نصف ما ترك وأعطني نصف ما ترك فأبى عليه الآخر فسألوا
أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال: ذلك له (3).
وفيه مع قصوره سندا وعددا واشتهارا واعتبارا عن المكافأة لما مر جدا
كونه مجملا، لبناء الاستدلال به على رجوع الإشارة إلى القسمة، والضمير
المجرور إلى الطالب، مع أنه يحتمل رجوع الإشارة إلى الإباء والضمير إلى
المطلوب، بل لعل هذا أولى، كما في المختلف (4) وغيره، لقرب مرجع
الإشارة.
وما يعارض به في التنقيح (5) وغيره من أولوية العكس لوضع ذلك باللام
للإشارة إلى البعيد، مدفوع بتوقفه على وجود اللام مع الإشارة، وهي في
نسخة الكافي والفقيه مفقودة (6) فإنها على ما ذكرناه مروية.

(1) النهاية 3: 140.
(2) المهذب 2: 116.
(2) المهذب 2: 116.
(3) الوسائل 13: 440، الباب 51 من أبواب الوصايا الحديث 3.
(4) المختلف 6: 404.
(5) التنقيح 2: 390.
(6) في النسخة المطبوعة حديثا من الكافي: " ذلك " وفي الفقيه: " ذاك " راجع الكافي 7: 47،
الحديث 2، والفقيه 4: 203، الحديث 5472.
487

نعم في نسخة الشيخ (1) موجودة، لكنها بالنسبة إلى تلك النسخة
مرجوحة، سيما مع وحدتها وتعدد تلك، مع كونها الأصل لها، وهي منها
مأخوذة. وعلى تقدير تكافؤ النسختين يبقى الإجمال بحاله، لعدم المرجح
لإحداهما في البين.
* (ولو تشاحا) * وتعاسرا فأراد أحدهما نوعا من التصرف ومنعه الآخر
* (لم يمض) * تصرفهما، إما مطلقا كما عن المبسوط (2) والحلبي (3)، أو في
الجملة كما عن جماعة، بمعنى أنه لم يمض منه * (إلا ما لا بد منه) * وتدعو
الحاجة إليه، ولا يمكن تأخيره إلى وقت الاتفاق * (كمؤنة اليتيم) * والرقيق
والدواب وإصلاح العقار، ومثلها شراء كفن الميت. وزاد بعضهم قضاء ديونه،
وانفاذ الوصية المعينة، وقبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع،
والخصومة عن الميت وله، وعن الطفل وله مع الحاجة، ورد الوديعة المعينة،
والعين المغصوبة (4).
وعن الفاضل في القواعد الفرق بين صورتي الإطلاق فالثاني، والنهي
عن الانفراد فالأول (5).
وفيه نظر، والأصل يقتضي المصير إلى الأول، إلا أن يستند في الاستثناء
إلى الضرورة المبيحة لما حرم بدونها، وهو مع عدم خلوه عن مناقشة يتم في
مؤنة اليتيم وما بعده، دون ما زاد البعض من الأمور المذكورة.
* (وللحاكم) * الشرعي * (جبرهما على الاجتماع) * من غير أن يستبدل
بهما مع الإمكان، إذ لا ولاية له فيما فيه للميت وصي على الأشهر.
خلافا للحلبي، فقال: يرد الناظر الأمر إلى أعلمهما وأقواهما مع

(1) التهذيب 9: 185، الحديث 746.
(2) المبسوط 4: 54.
(3) الكافي في الفقه: 366.
(4) انظر جامع المقاصد 11: 292.
(5) القواعد 1: 354 س 17.
488

التشاح (1)، واستشكله الفاضل من حيث أنه تخصيص لأحدهم بالنظر وقد
منعه الموصي (2).
قيل: وفيه نظر، إذ لا منافاة بين القولين، لأن رده إلى رأي الأعلم الأقوى
منهما هو نفس الإجبار على الاجتماع، وفيه حسم لمادة الاختلاف (3).
* (فإن تعذر) * عليه جمعهما * (جاز) * له * (الاستبدال) * بهما تنزيلا لهما
بالتعذر منزلة عدمهما، لاشتراكهما في الغاية.
وفي الروضة: كذا أطلق الأصحاب، وهو يتم مع عدم اشتراط عدالة
الوصي، أما معه فلا، لأنهما بتعاسرهما يفسقان، لوجوب المبادرة إلى إخراج
الوصية مع الإمكان، فيخرجان بالفسق عن الوصاية ويستبدل بهما الحاكم،
فلا يتصور إجبارهما على هذا التقدير، وكذا لو لم نشترطها وكانا عدلين
لبطلانها بالفسق حينئذ على المشهور. نعم لو لم نشترطها ولا كانا عدلين
أمكن إجبارهما مع التشاح (4).
ويشكل ما ذكره من خروجهما بالتشاح عن العدالة فيما إذا كانت
تشاحهما مستندا إلى اعتقاد رجحان ما رأياه بحسب المصلحة لا التشهي
والمعاندة. لكن يرد حينئذ أن جواز جبر الحاكم لهما على الاجتماع حينئذ
محل نظر.
فخلاصة الكلام أن اشتراط العدالة لا يتم مع التعاسر الذي كان للحاكم
معه إجبارهما، إلا أن يقال: إنه حينئذ يجوز جبر الحاكم لهما بما هو الأصلح
عنده من نظره، وهذا لا ينافي عدالتهما.
وكيف كان ينبغي التفصيل على القول باشتراط العدالة، بأن التشاح إن

(1) الكافي في الفقه: 366.
(2) المختلف 6: 405.
(3) القائل صاحب التنقيح 2: 389.
(4) الروضة 5: 74.
489

كان لاختلاف النظر لم يلزم فسقهما، وإن كان يوجب الإخلال بالواجب مع
إمكان الاجتماع يلزم فسقهما إن أصرا على ذلك متى لم يثبت كون ذلك من
الكبائر، ولعله مراد من أطلق ممن اشترطها من الأصحاب.
* (ولو التمسا القسمة لم يجز) * حيث وجب عليهما الاجتماع، لأنه خلاف
مقتضى الوصية من الاجتماع في التصرف.
* (ولو عجز أحدهما) * عن القيام بتمام ما يجب عليه من العمل بالوصية
بمرض ونحوه * (ضم إليه) * أي إلى العاجز أمين من طرف الحاكم، ولو عجز
عن القيام به أصلا بموت أو فسق أو جنون أو نحوها ضم إلى الآخر
بلا خلاف في الأول، إلا من الدروس (1)، حيث جعل الضم إلى الآخر دون
العاجز، كما هو الأشهر على ما في الكفاية (2).
وتظهر الثمرة في وجوب قيام ثلاثة على التصرف في الوصية الوصيين
وأمين الحاكم على مذهبهم، واثنين هما من عدا العاجز على مذهبه.
وربما حمل كلامه على الثاني بإرادة العجز بالكلية لا في الجملة، وإلا
لأشكل ما اختاره، بناء على أن عجزه في الجملة لا يخرجه عن الوصاية،
لجواز الوصية إلى العاجز كذلك ابتداء إجماعا، كما في التذكرة (3) وشرح
القواعد للمحقق الثاني (4)، فكذا في الاستدامة، وفاقا للقواعد (5) والإرشاد (6)
والتحرير (7) وفخر الدين (8) والشهيدين (9) وجماعة في الثاني.
خلافا للأكثر كما في شرح الشرائع للصيمري (10) والكفاية (11)،

(1) الدروس 2: 324.
(2) كفاية الأحكام: 150 س 29.
(3) التذكرة 2: 511 س 16.
(4) جامع المقاصد 11: 296.
(5) القواعد 1: 354 س 20.
(6) الإرشاد 1: 463.
(7) التحرير 1: 303 س 21.
(8) الايضاح 2: 632.
(9) الدروس 2: 324، والمسالك 6: 253.
(10) غاية المرام: 106 س 4 (مخطوط).
(11) كفاية الأحكام: 150 س 30.
490

فاختاروا استقلال الوصي الآخر من دون ضميمة أمين من حاكم الشريعة،
مستندين فيه إلى أنه مع وجود الوصي لا ولاية للحاكم.
ويضعف بأن الموصي لم يرض برأي أحدهما منفردا، والوصي إنما هما
معا لا أحدهما منفردا، فلا بد من أن يضم إليه أمينا.
وعليه، فهل للحاكم أن يفوض جميع الولاية إلى الثاني منهما بدلا عن
الضميمة تنزيلا له مقامهما؟ وجهان، من أن النظر قد صار للحاكم فيولي من
يختاره، ومن أن الموصي لم يرض برأي الآخر على الانفراد، فليس للحاكم
تفويض جميع الأمر إليه، وإلا لزم التبديل المنهي عنه في الشريعة.
وهذا أجود، بخلاف ما لو حصل لهما معا العجز أصلا، فإن للحاكم أن
ينصب ولو واحدا للفرق بين المقامين بأن الثاني من الوصيين في المقام
الأول منصوب من قبل الموصي ولم يرض برأيه منفردا، كما مضى، وهنا قد
انقطع نظره بعجزهما وصار النظر إليه كملا، فله نصب من شاء ولو واحدا.
ثم إن كل ذا إنما هو إذا أوصى إليهما مطلقا أو مشترطا عليهما
اجتماعهما معا
* (أما لو شرط لهما الانفراد تصرف كل واحد منهما وإن
انفرد) * عن الآخر بلا خلاف ولا إشكال في الجواز، للأصل، وعدم المانع
بمقتضى الشرط.
ولكن في جواز الاجتماع حينئذ نظر، من مخالفته الشرط فلا يصح،
ومن اقتضاء الاتفاق على الاجتماع صدوره عن رأي كل واحد منهما، وشرط
الانفراد اقتضى الرضا برأي كل واحد، وهو حاصل إن لم يكن هنا آكد.
والظاهر أن شرط الانفراد رخصة لا تضييق، وهذا ظاهر العبارة
والروضة (1). وهو حسن، حيث تقوم قرينة على كون اشتراط الانفراد

(1) الروضة 5: 75.
491

رخصة لا عزيمة، ومع هذا لو حصل لهما في حال الاجتماع نظر مخالف له
حالة الانفراد ينبغي القطع بالمنع، لجواز كون المصيب هو حالة الانفراد ولم
يرض الموصي إلا به، ولو نهاهما عن الاجتماع اتبع قطعا، عملا بمقتضى
الشرط، الدال صريحا على النهي عنه فيمتنع.
* (ويجوز) * لهما في هذه الحالة * (أن يقتسما) * المال بالتنصيف والتفاوت
حيث لا يحصل بالقسمة ضرر، ولا يكون الموصي منع عنها، لأن مرجع
القسمة إلى تصرف كل منهما في البعض، وهو جائز بدونها، ثم بعدها لكل
منهما التصرف في قسمة الآخر وإن كانت في يد صاحبه، لأنه وصي في
المجموع، فلا تزيل القسمة ولايته فيه.
* (وللموصي تغيير الأوصياء) * بلا خلاف، للأصل، وما مر من المعتبرة
في جواز الرجوع في الوصية، الشاملة إطلاقا في بعض وفحوى في آخر
لمفروض المسألة.
* (وللموصى إليه رد الوصية) * وعدم قبولها مطلقا وإن كان الموصي أبا
أو كان الموصى إليه فيه منحصرا بلا خلاف، إلا من الصدوق في المقامين،
كما حكي (1)، فلم يجز الرد فيهما.
استنادا في الأول: إلى الخبر القاصر السند بسهل، المتضمن لقوله (عليه السلام):
" ليس له أن يمتنع " بعد أن سئل عن رجل دعاه والده إلى قبول وصيته هل
له أن يمتنع عن قبول وصية والده؟ (2).
وفي الثاني: إلى مفهوم الصحيح: في رجل يوصى إليه، فقال: إذا بعث إليه
من بلد فليس له ردها، وإن كان في مصر يوجد فيه غيره فذلك إليه (3).

(1) الحاكي العلامة في المختلف 6: 405.
(2) الوسائل 13: 400، الباب 24 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(3) الوسائل 13: 398، الباب 23 من أبواب الوصايا الحديث 2.
492

ونحوه إطلاق الصحيح المقيد به: في الرجل يوصي إلى الرجل بوصية فأبى
أن يقبلها، فقال (عليه السلام): لا يخذله على هذه الحال (1).
ومال إليه في المختلف، مؤيدا الأول بأن امتناع الولد نوع عقوق، والثاني
بأن من لا يوجد غيره يتعين عليه، لأنه فرض كفاية. قال - بعد ذلك -:
وبالجملة فأصحابنا لم ينصوا على ذلك (2).
ولا بأس بقوله، وهو كذلك إن لم ينعقد الإجماع على خلافه. ولا يمكن
دعواه بإطلاق عبائر الأصحاب بجواز الرد مطلقا، لعدم تبادر المقامين
منه جدا.
ومنه يظهر الجواب عن إطلاقات النصوص بذلك أيضا، مضافا إلى
وجوب حمل المطلق على المقيد، حيث تضمن شرائط الحجية، كما هنا.
* (ويصح) * رد الوصية مطلقا ولو قبلها ما دام الموصي حيا * (إن بلغ
الرد) * إليه في الجملة إجماعا، كما عن المبسوط (3) والخلاف (4). وهو
الحجة، مضافا إلى الأصل، وصريح النصوص الآتية في الجملة.
وهل يكفي بلوغ الرد، أو يشترط معه تمكن الموصي من إقامة وصي
غيره؟ وجهان، ظاهر إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة الأول،
ومقتضى النصوص الثاني، لظهورها في تعليق جواز الرد على وجود الغير
المتمكن من الإيصاء إليه، فلو لم يوجد أو وجد ولم يتمكن من الإيصاء إليه
لم يجز له الرد. وهذا أجود.
* (ولو مات الموصي قبل بلوغه) * أي الرد إليه * (لزمت الوصية) *
فليس للموصى إليه ردها إجماعا إذا كان قبلها ثم ردها، كما عن

(1) الوسائل 13: 399، الباب 23 من أبواب الوصايا الحديث 4.
(2) المختلف 6: 406.
(3) المبسوط 4: 63.
(4) الخلاف 4: 148، المسألة 21.
493

المبسوط (1) والخلاف (2) والتذكرة (3) وفي المسالك (4) وغيره. وهو الحجة،
مضافا إلى فحاوي المعتبرة الآتية وغيرها من الأدلة، وعلى الأشهر الأقوى
مطلقا، بل عليه في ظاهر الدروس (5) وصريح الغنية (6) إجماعنا ونسبه في
المختلف إلى الأصحاب كافة (7)، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة.
منها - زيادة على ما مر -: الصحيحان في أحدهما: إن أوصى إلى رجل
وهو غائب فليس له أن يرد وصيته، فإن أوصى إليه وهو بالبلد فهو بالخيار
إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل (8).
وفي الثاني: إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له أن يرد عليه
وصيته، لأنه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره.
والرضوي: إذا أوصى رجل إلى رجل وهو شاهد فله أن يمتنع من قبول
الوصية، وإن كان الموصى إليه غائبا ومات الموصي من قبل أن يلتقي مع
الموصى إليه فإن الوصية لازمة له (9).
خلافا للمختلف (10) والتحرير (11) ومال إليه في المسالك (12)، فجوز
الرد للأصل المانع من إثبات حق على الموصى إليه على وجه قهري
وتسليط الموصي على إثبات وصيته على من شاء، ولاستلزامه الحرج
العظيم والضرر الكثير في أكثر مواردها، وهما منفيان بالآية (13)

(1) المبسوط 4: 63.
(2) الخلاف 4: 148، المسألة 21.
(3) التذكرة 2: 513 س 13.
(4) المسالك 6: 258.
(5) الدروس 2: 325، الدرس 179.
(6) الغنية: 306.
(7) المختلف 6: 337.
(8) الوسائل 13: 398، الباب 23 من أبواب الوصايا الحديث 1، 3.
(9) فقه الرضا: 298.
(10) المختلف 6: 337.
(11) التحرير 1: 303 س 29.
(12) المسالك 6: 258.
(13) الحج: 78.
494

والأخبار (1)، ولعدم صراحة النصوص في الدلالة على المطلوب، لاحتمالها
الحمل على الاستحباب أو سبق القبول.
وفي الجميع نظر، لاندفاع الأول: بقيام المخرج عنه الراجح عليه في حد
ذاته، لكونه خاصا، فليقدم مع اعتضاده بفتوى الأصحاب كافة، كما اعترف به
الخصم، وبإجماع الغنية (2) وغيرها.
والثاني: بخروجه عن المتنازع إن أريد بالحرج ما يزيد على ما لا بد منه
في التكاليف، كما صرح به في التنقيح (3)، ومع ذلك يختص بموضع الحرج،
وبالتزامه إن أريد به ما لا بد منه فيها، لقيام الدليل المتقدم عليه، فإنه دليل
وأي دليل.
والثالث: بالمنع عنه أولا، وبكفاية الظهور بعد تسليمه ثانيا.
والحملان على تقدير جريانهما فيها لا وجه لارتكابهما بعد مخالفتهما
الظاهر، ولا سيما الثاني، إلا ما يتوهم من الدليلين الأولين، وقد مر أن
النصوص بالإضافة إليهما خاصة، فليقدم عليهما البتة.
وعلى تقدير كونها عامة وأن التعارض وقع بين العمومين فلا ريب أن
عمومها أرجح على عموم الأولين، لاعتضادها بفتاوى الأصحاب،
والإجماع المحكي في البين. فتأمل.
* (ولو ظهر من الوصي) * المتحد أو المتعدد * (خيانة) * أو فسق آخر
انعزل بمجرده، أو بعزل الحاكم على اختلاف القولين المتقدمين، و * (استبدل
به) * الحاكم أمينا مستقلا إن كان المعزول واحدا، أو منضما إلى الباقي إن
كان أكثر. وإنما أعاد المسألة مع سبقها لبيان جواز الاستبدال، إذ لم يتقدم له
ذكر سابقا.

(1) الوسائل 17: 341، الباب 12 من أبواب احياء الموات الحديث 3.
(2) الغنية: 306.
(3) التنقيح 2: 393.
495

* (والوصي أمين لا يضمن، إلا مع تعد أو تفريط) * بلا خلاف، كما في
المسالك (1) وغيره. وما يستفاد من الأخبار من إطلاق ضمانه محمول على
ما إذا فرط.
وأما ما ورد بضمانه بتبديله فمستفيض.
ومنه الصحيح: عن رجل أوصى إلى رجل وأمره أن يعتق عنه نسمة
بستمائة درهم من ثلثه فانطلق الوصي وأعطى الستمائة درهم رجلا يحج
بها عنه، قال: فقال: أرى أن يغرم الوصي من ماله ستمائة درهم، ويجعل
الستمائة فيما أوصى به الميت من نسمة (2).
* (ويجوز) * للوصي * (أن يستوفي دينه مما في يده) * من مال الموصي
مطلقا ولو من دون بينة عجز عنها أم لا، على الأقوى، وفاقا للشهيدين (3)
وغيرهما، لعموم أدلة جواز المقاصة لمن له على آخر دين، ولأن الفرض
كونه وصيا في إثبات الديون فيقوم مقام الموصي في ذلك، والغرض من
البينة والإثبات عند الحاكم جواز كذب المدعي في دعواه، فنيطت بالبينة
شرعا، وعلمه بدينه أقوى منها، بناء على جواز خطائها دونه، ولأنه بقضائه
الدين محسن، وما على المحسنين من سبيل.
خلافا للنهاية (4) والقاضي (5)، فلم يجوزا ذلك إلا مع البينة.
وحجتهم عليه غير واضحة، سوى الأصل، والموثق: أن رجلا أوصى إلي
فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له ففعل وذكر الذي أوصى إلي أن له قبل الذي
أشركه في الوصية خمسين ومائة درهم وعنده رهن بها جام فضة فلما هلك

(1) المسالك 6: 260.
(2) الوسائل 13: 419، الباب 37 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(3) الدروس 2: 326، الدرس 179، والروضة 5: 77.
(4) النهاية 3: 143.
(5) المهذب 2: 118.
496

الرجل أنشأ الوصي يدعي أنه له قبله أكرار حنطة، قال: إن أقام البينة، وإلا
فلا شئ له، قال: قلت له: أيحل له أن يأخذ مما في يده شيئا؟ قال: لا يحل
له، قلت: أرأيت لو أن رجلا عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله
ما أخذ أكان ذلك له؟ قال: إن هذا ليس مثل هذا (1) ويضعف الأول: بلزوم
الخروج عنه بما مر.
والثاني: أولا: بعدم مقاومته لما تقدم من حيث كثرته واشتهاره دون
الثاني، وثانيا: بالقول بموجبه من حيث فرضه في استيفاء أحد الوصيين على
الاجتماع بدون إذن الآخر، وذلك فإن أحد الوصيين كذلك بمنزلة الأجنبي
ليس له الاستيفاء إلا بإذن الآخر، كباقي التصرفات، وليس للآخر تمكينه منه
بدون إثباته. ولا كذلك ما نحن فيه، لفرضه في الوصي المستقل، وقد نبه عليه
بقوله في آخر الخبر بعد أن سأله عن أخذ ماله قهرا: " إن هذا ليس مثل هذا ".
والمراد أن هذا إنما يجب أن يأخذ بإذن الآخر، فليس له أن يمكنه عن
الأخذ بمجرد دعواه، بخلاف من يأخذ من مال من أخذ ماله مقاصة فإن له
ذلك حيث لا يطلع عليه أحد. وهو منتف هنا كذا قيل (2).
ويمكن أن ينظر فيه أولا: بمخالفة هذا الفرق لإطلاق كلام أرباب القول
الأول، بناء على أن الظاهر أن مرادهم بالوصي وإن كان بلفظ المفرد الجنس
الشامل له وللفرد الآخر، وإلا لزم عدم جواز استيفاء أحد الوصيين دينه مع
علم الآخر بثبوته على الموصي حال الاستيفاء، ولعله مخالف لظاهر مرامهم.
ولا أظن القائل يلتزمه، مع أن عموم أدلة الجواز شامل له ولمحل الفرض
في الخبر.

(1) الوسائل 13: 479، الباب 93 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) قاله الشهيد في المسالك 6: 262.
497

وثانيا: بعدم وضوح الفرق إلا من حيث عدم جواز الأخذ بدون إذن
الآخر، لعدم استقلاله بالإذن في التصرف، وهو يتم إذا كان الوجه في جواز
الاستيفاء هو الوصية إليه وإذنه في التصرف، وليس كذلك، لما عرفت من
أدلته، التي منها أدلة جواز المقاصة وكونه محسنا.
وبالجملة: فوجوه الجواز عديدة، منها الأدلة المزبورة العامة لصورتي
كون المستوفي وصيا وعدمه.
وعلى هذا فيجوز الأخذ بدون إذن الآخر، لجوازه بدون إذن الموصي لو
كان حيا، فلأن يجوز بدون إذنه أولى.
نعم عليه يتوقف المقاصة على صورة العجز عن الإثبات بالبينة إن قلنا
باشتراطه في مسألة المقاصة، وإلا - كما هو الأشهر الأقوى ثمة - فلا توقف
عليها أصلا.
وللحلي (1) والماتن في الشرائع (2) والفاضل في المختلف (3) هنا قول
بالتفصيل بين صورتي العجز عن الإثبات فالأول، وعدمه فالثاني. ووجهه
غير واضح غير الحوالة على مسألة المقاصة إن قيل بهذا التفصيل فيها.
وربما ينسب هذا القول إلى النهاية والقاضي، مع أن المستفاد من
عبارتهما المنقولة في المختلف (4) وغيره هو الثاني.
والعجب من الذي نسبه إليهما أنه استدل لهما بالموثق الذي مضى، مع
أن ظاهره - كما ترى - المنع، مع عدم إقامة البينة مطلقا ولو كان عاجزا
عنها.
هذا، ويمكن توجيه القول الثاني باستلزام مقاصة التصرف في المال

(1) السرائر 3: 192.
(2) الشرائع 2: 257.
(3) المختلف 6: 399.
(4) المختلف 6: 399.
498

المشترك بينه وبين الورثة من دون إذنهم أو إذن الحاكم، مع عدم تقصيرهم
في الأداء. ولا تشمله أدلة المقاصة، لانصرافها بحكم التبادر إلى صورة حياة
المديون خاصة، وليس فيها المانع المتقدم إليه الإشارة. ولعل هذا هو وجه
الفرق المصرح به في الرواية المتقدمة دون ما ذكره القائل المتقدم.
وعلى هذا الوجه لا فرق بين الوصي المتحد والمتعدد مطلقا.
إلا أن يقال: بالمنع عن جريان علة المنع المذكورة في هذا الوجه في
المتحد، بناء على قيامه مقام الموصي مستقلا في أداء دينه، ولذا يجوز له
أداؤه إذا كان لغيره بعد علمه بثبوته إلى حال الأداء اتفاقا. فتأمل جدا.
ويمكن توجيه مختار الماتن في الشرائع (1)، أما في محل المنع فبما مر
من لزوم التصرف بدون الإذن الممنوع منه، وفي محل الجواز بتخصيص
وجه المنع بأدلة نفي الضرر ولزوم العسر والحرج.
وهذا في الجملة أحوط وإن كان القول الأول أظهر، لكن في الوصي
المتحد والمتعدد على الانفراد دون الاجتماع، لقوة المنع فيه، كما ذكره القائل
المتقدم، بناء على انحصار دليل الجواز - على ما ذكر هنا من التحقيق في
الإذن - بالوصية خاصة، دون أدلة نفي السبيل عن المحسن وجواز المقاصة
وإن استدل بأولهما القائل المزبور بها وبثانيهما الحلي (2)، فإنهما بمحل من
القصور، فالثاني: بما مر من اختصاصه بحكم التبادر بحال حياة المديون فلا
عموم فيها للمفروض، والأول: بأنه لا يخصص ما دل على المنع من
التصرف في المال المشترك.
* (و) * يجوز له أيضا * (أن يقوم مال اليتيم على نفسه) * بثمن المثل
فصاعدا إذا لم يكن غيره هناك للزيادة باذلا على الأقوى، وفاقا

(1) الشرائع 2: 257.
(2) السرائر 3: 192.
499

للنهاية (1) والقاضي (2) والفاضلين (3) والشهيدين (4) والمفلح الصيمري (5)
وغيرهم من المتأخرين، للخبر المنجبر قصور سنده بعمل الأكثر.
وفيه: هل للوصي أن يشتري من مال الميت إذا بيع فيمن زاد، يزيد
ويأخذ لنفسه؟ فقال: يجوز إذا اشترى صحيحا (6).
وعللوه أيضا بأنه بيع وقع من أهله في محله، لأنه جائز التصرف يصح
أن يقبل الشراء ويتملك العين، فينفذ، لانتفاء المانع المدعى، كما يأتي،
والأصل عدم غيره.
خلافا للحلي (7) والخلاف (8)، فلم يجوزاه، لوجوب التغاير بين الموجب
والقابل، وهو مفقود في المقام، وقياسه على شراء الأب من مال ولده الصغير
الجائز بإجماعنا حرام، ولما روي: من أن رجلا أوصى إلى رجل ببيع فرس
له فاشتراه الوصي لنفسه، واستفتى عبد الله بن مسعود، فقال: ليس له ذلك.
استدل بهذا دون الأول في الخلاف، قال بعده: ولا يعرف له - أي لابن
مسعود - مخالف (9).
وفيهما نظر، لمنع الأول إن أريد به التغاير الحقيقي. كيف لا! وقد ادعى
الطوسي على كفاية التغاير الاعتباري في عقد النكاح إجماعنا (10)، وهو
حاصل هنا، فيكون كافيا فيه بطريق أولى.
والقياس المزبور حرام لو لم يكن من باب اتحاد طريق المسألتين، وإلا

(1) النهاية 3: 144.
(2) المهذب 2: 118.
(3) الشرائع 2: 257، والمختلف 6: 400.
(4) المسالك 6: 262 ولم نظفر عليه في كتب الشهيد الأول.
(5) غاية المرام: 106 س 15 (مخطوط).
(6) الوسائل 13: 475، الباب 89 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(7) السرائر 3: 193.
(8) الخلاف 3: 346 و 347، المسألة 9.
(9) الخلاف 3: 346 و 347، المسألة 9.
(10) الخلاف 4: 284، المسألة 48.
500

- كما ادعاه بعض الأصحاب (1) - فلا.
والرواية بعد تسليم سندها لا حجة فيها، حيث لم يحك الحكم فيها عن
صاحب الشريعة.
ودعوى الشيخ عدم مخالف لابن مسعود بعد تسليم كونها حجة
لا تعارض الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة.
والدليل الآخر المتقدم إليه الإشارة وهو وإن كان في صلوحه للحجية
مناقشة، إلا أنه - كاتحاد طريق المسألتين المتقدم ذكره - صالح للتأييد
والتقوية.
نعم يؤيد ما ذكره الأخبار المانعة للوكيل عن الشراء لنفسه (2)، لكن لا
تصلح للحجية، إما لعدم المصير إليها ثمة كما ذهب إليه جماعة، أو
لاختصاصها بما ليس منه مفروض المسألة.
* (و) * يجوز له أيضا * (أن يقترضه) * أي مال اليتيم، وفاقا للنهاية (3)
وجماعة، بل نسبه في الكفاية (4) وغيره إلى الشهرة، للنصوص المستفيضة.
منها الصحيح: في رجل ولي مال اليتيم استقرض منه، فقال: إن علي بن
الحسين (عليهما السلام) قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره، فلا بأس
بذلك (5). ونحوه بعينه خبران آخران، لكن بدون تفريع نفي البأس.
وقصور سندهما منجبر بالشهرة الظاهرة والمحكية، مع اعتباره في
أحدهما بابن محبوب، المجمع على تصحيح رواياته.
وهذه النصوص كغيرها وإن كانت مطلقة، إلا أنه ينبغي تقييدها بما * (إذا

(1) التنقيح 2: 395.
(2) الوسائل 12: 289، الباب 6 من أبواب التجارة.
(3) النهاية 2: 95.
(4) كفاية الأحكام: 89 س 29.
(5) الوسائل 12: 192، الباب 76 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1، ذيله.
501

كان) * الوصي * (مليا) * كما ذكره الجماعة، واستفيد من نصوص أخر معتبرة.
منها القريب من الصحيح - بل الصحيح، كما قيل - (1): في رجل عنده
مال اليتيم، فقال: إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمس ماله، وإن هو أتجر به
فالربح لليتيم، وهو ضامن (2).
والخبر: كان لي أخ هلك فوصى إلى أخ أكبر مني وأدخلني معه في
الوصية وترك ابنا له صغيرا وله مال أفيضرب به أخي فما كان من فضل
سلمه لليتيم وضمن له ماله؟ فقال: إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن
تلف فلا بأس به، وإن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم (3). ونحوه آخر.
وشرط بعضهم الرهن عليه (4). وليس في النصوص مع ورودها في مقام
الحاجة دلالة عليه، لكن التحفظ في مال اليتيم بقدر الإمكان طريق
الاحتياط.
قال الله تعالى: " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن " (5)، ولذا أن
الحلي لم يجوز الاقتراض من ماله على الإطلاق (6). ولكنه شاذ، وبالنصوص
المتقدمة مضعف.
وفسر الملاءة بعض بأن يكون للمتصرف فيه مال بقدر مال الطفل فاضلا
عن المستثنيات في الدين وعن قوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة.
وآخر بأن يكون المتصرف قادرا على أداء المال المأخوذ من ماله إذا
تلف بحسب حاله.

(1) قاله صاحب الحدائق 18: 328.
(2) الوسائل 12: 191، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3، 4.
(3) الوسائل 12: 190، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
(4) مفاتيح الشرائع 3: 136، مفتاح 1014.
(5) الأنعام: 152.
(6) السرائر 2: 212.
502

وليس في النصوص ما يدل على شئ منهما صريحا.
والخبران الأخيران يحتملان الانطباق على كل منهما، لكن الثاني لعله
أظهر وأوفق بالحفظ المعتبر في مال اليتيم، وأنسب بمدلول الآية الكريمة.
وظاهر اعتبار الإشهاد - كما قيل (1) - حفظا للحق عن التلف.
قال الشهيد الثاني: وإنما يصح له التقويم على نفسه مع كون البيع مصلحة
للطفل، إذ لا يصح بيع ماله بدونها مطلقا، وأما الاقتراض فشرطه عدم
الإضرار بالطفل وإن لم يكن المصلحة موجودة (2). واستحسنه في الكفاية (3).
ولا يخلو في الثاني عن قوة، لإطلاق النصوص المتقدمة.
* (و) * اعلم أنه * (تختص ولاية الوصي بما عين له الموصي) * من
التصرفات والولايات * (عموما كان) * ما عين له، كأنت وصيي في كل قليل
أو كثير، أو في كل مالي فيه ولاية ونحوه * (أو خصوصا) * مطلقا بشئ معين
كان مختصا، كانت وصيي فيما أوصيت به يوم الدفن أو فيما ذكرته في
وصيتي وكان قد ذكر أشياء مخصوصة ونحو ذلك، أو بوقت كأنت وصيي
إلى سنة أو إلى أن يبلغ ابني فلان أو شبه ذلك، أو بالأحوال كأن يوصي إلى
زوجته إلى أن تتزوج، وغير ذلك.
ولا خلاف في شئ من ذلك أجده، لعموم ما دل على تحريم تبديل
الوصية.
ولو قال: أنت وصيي وأطلق، قيل: كان لغوا (4). وعن المحقق الثاني أنه
حكى عن الشارح الفاضل عدم الخلاف فيه (5)، ونسبه في الكفاية إلى كلام
الأصحاب كافة.

(1) مفاتيح الشرائع 3: 136، مفتاح 1014.
(2) المسالك 3: 166.
(3) كفاية الأحكام: 89 س 36.
(4) قاله صاحب كفاية الأحكام: 151 س 4.
(5) جامع المقاصد 11: 262.
503

قال: ولا يبعد كونه وصيا على الأطفال، لأنه المفهوم في المتعارف (1).
وهو حسن حيث ثبت، وإلا فالأول أثبت.
ولو قال: أنت وصيي على أولادي ففي انصراف الوصية إلى التصرف في
مالهم بما فيه الغبطة، أو إلى حفظه خاصة، أو عدم الصحة ما لم يبين ما
فوض إليه، أوجه ثلاثة، اختار أولها في الكفاية (2).
* (و) * يجوز أن * (يأخذ الوصي أجرة المثل) * لعمله إن عينها له الموصي
مطلقا بلا خلاف، كما في التنقيح (3). وكذا الزيادة لو وافقت الثلث، وإلا
فتوقفت على إجازة الورثة.
وكذا إن لم يعينها بشرط أن لا يكون بعمله متبرعا، وفاقا للمحكي
عن الشيخ (4) والفاضل (5) والشهيد (6)، لأنه عمل محترم غير متبرع به فكان
له أجرة مثله، وللخبر - بل الصحيح، كما قيل (7) -: عمن تولى مال اليتيم ما
له أن يأكل منه؟ فقال: ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر
لهم فليأكل بقدر ذلك (8)، وعن مجمع البيان أنه الظاهر من روايات
أصحابنا (9).
* (وقيل) * كما عن النهاية (10) والحلي (11): يأخذ * (قدر الكفاية) * لقوله
سبحانه: " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " (12)، وهو ما لا إسراف فيه ولا
تقتير، وللمعتبرة المستفيضة.

(1) كفاية الأحكام: 151 س 4 و 5.
(2) كفاية الأحكام: 151 س 4 و 5.
(3) التنقيح 2: 396.
(4) النهاية 2: 96.
(5) التحرير 1: 304 س 17.
(6) الدروس 2: 327، الدرس 179.
(7) قاله صاحب الحدائق 18: 337.
(8) الوسائل 12: 186، الباب 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.
(9) مجمع البيان 2: 24.
(10) النهاية 2: 95.
(11) السرائر 2: 211.
(12) النساء: 6.
504

منها الصحيحان: المفسران للمعروف بالقوت (1). والموثقان في تفسيره
أيضا.
في أحدهما: فليأكل بقدر ولا يسرف (2).
وفي الثاني: له أن يصيب من لبنها من غير نهك بضرع، ولا فساد لنسل (3).
والخبر المروي عن تفسير العياشي: فليشرب من ألبانها غير مجتهد
للحلاب، ولا مضر بالولد (4).
ويمكن إرجاع هذه الأدلة إلى الأول، لكنه فرع التكافؤ.
والأحوط بل الأولى - كما عن المبسوط (5) والتبيان (6) - أن له أقل
الأمرين، جمعا بين الأدلة، واقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن من
الفتوى والرواية.
* (هذا مع الحاجة) * في الوصي وفقره. وأما مع غناه فالأحوط بل اللازم
- كما عن الحلي (7) - أن لا يأخذ شيئا، للأصل، ونص الآية الكريمة " ومن
كان غنيا فليستعفف " (8)، والموثق: من كان يلي شيئا لليتامى وهو محتاج
ليس له ما يقيمه، فليأكل بقدر ولا يسرف، وإن كان ضيعتهم لا يشغله عما
يعالج لنفسه فلا يرزأن من أموالهم شيئا (9).

(1) الوسائل 12: 185، الباب 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1، والآخر رواه في التهذيب
9: 244، الحديث 949.
(2) الوسائل 12: 185، الباب 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
(3) الوسائل 12: 185، الباب 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
(4) تفسير العياشي 1: 221، الحديث 28.
(5) المبسوط 2: 163.
(6) حكاه في المختلف 5: 34، عن الخلاف والتبيان، لكن الموجود في التبيان " والظاهر في أخبارنا
أن له أجرة المثل سواء كان قدر كفاية أم لم يكن " راجع التبيان 3: 119.
(7) السرائر 2: 211.
(8) النساء: 6.
(9) الوسائل 12: 185، الباب 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
505

خلافا للمحكي عن الإسكافي (1) والطوسي (2)، فجوزاه على كراهة،
ووافقهما العلامة، لقرينة العفة (3)، الظاهرة في الجواز مع الكراهة.
وفي هذه القرينة مناقشة، فلا يصرف الأمر في الآية والرواية عن ظاهره
بمثلها.
ثم إن ظاهر إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في جواز الأخذ
بين كثرة المال وقلته، وهو الموافق لإطلاق الآية، وكثير من الروايات الواردة
في المسألة، لكن في جملة منها اشتراط الكثرة.
ففي القريب من الصحيح الوارد في تفسير الآية: فقال: ذلك الرجل
يحبس نفسه عن المعيشة فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم
أموالهم، فإن كان قليلا فلا يأكل منه شيئا (4). ونحوه المروي عن
تفسير العياشي (5).
ولا ريب أنه أحوط، كالمستفاد منهما ومن خبرين آخرين مرويين عن
التفسير المزبور (6): من اشتراط صرف العمل كله في مال اليتيم دون نفسه،
فلا يأخذ إن عمل لنفسه مطلقا احتياطا، بل وجوبا إذا حصل له بذلك غنى،
لما مضى.
ثم إنه على القول الثاني هل المراد بالكفاية ما يكفيه وعياله، أو يقتصر
على نفسه خاصة؟ وجهان.
وربما يدعى ظهور الأول من روايات المسألة. ولا يخلو عن مناقشة.
ولا ريب أن الثاني أحوط وإن كان ما يدعى لا يخلو عن وجه.

(1) كما في المختلف 5: 35.
(2) النهاية 2: 97 ولم نجد التصريح بالكراهة.
(3) المختلف 5: 35.
(4) الوسائل 12: 185، الباب 72 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
(5) تفسير العياشي 1: 221، الحديث 29.
(6) تفسير العياشي 1: 221 و 222.
506

* (وإذا) * كان الوصي * (أذن له) * الموصي * (في الوصية) * فيما أوصى به
إليه إلى الغير * (جاز) * له الإيصاء فيه إليه بلا خلاف فيه، وفي العدم مع المنع،
بل عليه الإجماع في كلام جماعة كالصيمري (1) وغيره. وهو الحجة فيهما،
مضافا إلى الأصول في الثاني، والرواية الآتية فحوى أو منطوقا - على ما
فهمه الجماعة - في الأول.
* (ولو) * أطلق ف‍ * (لم يأذن) * ولم يمنع * (فقولان أشبههما) * وأشهرهما
بين المتأخرين، بل لعله عليه عامتهم * (أنه لا يصح) * وفاقا للمفيد (2)
والتقي (3) وابن زهرة (4) والحلي (5)، اقتصارا في التصرف في مال الغير،
الممنوع منه على مورد الإذن، وليس التصرف إلا للوصي الأول حال حياته.
خلافا للإسكافي (6) والنهاية (7) والقاضي (8)، فجوزوه كالأول،
للصحيحة: رجل كان وصي رجل فمات وأوصى إلى رجل هل يلزم الوصي
وصية الرجل الذي كان هذا وصيه؟ فكتب (عليه السلام): يلزمه بحقه إن كان له قبله
حق إن شاء الله تعالى (9)، بناء على أن المراد بالحق هنا حق الإيمان، فكأنه
قال: يلزمه إن كان مؤمنا وفائه لحقه بسبب الإيمان، فإنه يقتضي معونة
المؤمن وقضاء حوائجه، التي أهمها إنفاذ وصيته. ولأن الموصي أقامه مقام
نفسه فيثبت له من الولاية ما ثبت له. ولأن الاستنابة من جملة التصرفات
المملوكة بالنص.
ويضعف الأول (10) - بعد الإغماض عن كونه مكاتبة غير حجة أو

(1) غاية المرام: 106 س 17 (مخطوط).
(2) المنقعة: 675.
(3) الكافي في الفقه: 366.
(4) الغنية: 306.
(5) السرائر 3: 185.
(6) المختلف 6: 397.
(7) النهاية 3: 141.
(8) المهذب 2: 117.
(9) الوسائل 13: 460، الباب 70 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(10) يعني الدليل الأول وهو الرواية.
507

لأدلة المنع غير مكافئة - كونه مجملا في الدلالة، لما ذكره الجماعة: من
احتماله ما يضاد الأول، بأن يراد بحقه الوصية إليه بأن يوصي، وضمير
" حقه " راجع إلى الموصي الأول.
والمعنى حينئذ: أن الوصية تلزم الوصي الثاني بحق الأول إن كان له
- أي للأول - قبله - أي قبل الوصي الأول - حق، بأن يكون قد أوصى إليه
وأذن له أن يوصي فقد صار له قبله حق الوصية، فإذا أوصى بها لزمت
الوصي الثاني. ومع تطرق الاحتمال يسقط الاستدلال إن لم يكن الثاني
أرجح.
ثم إن هذا على ما فهموه من الرواية من تعلق وصية الوصي إلى الغير بما
أوصى إليه الموصي الأول. وأما على ما يظهر منها بعد تعمق النظر فيها، من
أن المراد بالسؤال أن الوصي أوصى إلى الغير فيما يتعلق به وجعله وصيا
لنفسه فهل يدخل في هذه الوصية وصية الموصي الأول فيلزم الوصي الثاني
العمل بها أيضا، أم لا؟ فكتب (عليه السلام): الجواب بما مضى، فلا وجه أيضا
للاستدلال به، لكونه على هذا التقدير أيضا مجملا.
ومقتضاه حينئذ أنه إن كان للوصي الأول قبله - أي قبل الوصي الثاني -
حق من جهة وصية الموصي الأول لزمه الوفاء به، وإلا فلا. ويكون المراد
بالحق حينئذ حق التوصية إلى الوصي الثاني بأن صرح له بالوصية.
فيرجع حاصل الجواب إلى أن وصية الأول لا يدخل في إطلاق وصية
الموصي الثاني، إلا أن يصرح به.
وهو - كما ترى - غير مورد النزاع، وإطلاقه وإن شمله إلا أنه لا عبرة
به، بناء على ظهور وروده لبيان حكم غيره، فيكون الخبر بالنسبة إلى مورد
النزاع من جواز وصية الوصي إلى الغير فيما أوصى به إليه الموصي وعدمه
508

مجملا محتملا، لاختصاص الحكم فيه بالجواز، مع الشرط بالموضع المتيقن
المجمع عليه، وهو صورة الإذن فيها لا مطلقا ويحتمل هنا احتمال آخر لا
يتأتى معه الاستدلال أيضا، كما سبق.
ويضعف الثاني: بأن إقامته مقام نفسه إنما هي في فعله مباشرة بنفسه،
كما هو الظاهر.
والثالث: بمنع كون الاستنابة من جملة التصرفات، فإن رضاه بنظره
مباشرة لا يقتضي رضاه بفعل غيره، لاختلاف الأنظار والأغراض في ذلك.
* (ومن لا وصي له فالحاكم ولي تركته) * بلا خلاف فيه وفي أن المراد
بالحاكم الإمام (عليه السلام) إن كان، وإلا فالفقيه الجامع لشرائط الفتوى، ومع عدمه
فالتولية لعدول المؤمنين، وفاقا للطوسي (1) وأكثر المتأخرين، وللمعتبرة
المستفيضة، المؤيدة بأن فيه الإعانة على البر، المأمور بها في الكتاب (2)
والسنة (3)، وعموم قوله سبحانه: " والمؤمنون بعضهم أولياء بعض " (4)، ونحو
ذلك من المؤيدات القوية، التي أعظمها الشهرة العظيمة، التي كادت تكون
إجماعا، بل لعلها إجماع في الحقيقة.
وخلاف الحلي (5) كتردد الماتن في الشرائع (6) شاذ غير ملتفت إليه، مع
احتمال عبارة الأول ما يوافق الجماعة بإرادته منها المنع عن ولايتهم إذا
كان هناك حاكم الشريعة.
ويستثنى عن محل المنع على تقديره ما يضطر إليه الأطفال والدواب من
المؤنة وصيانة المال المشرف على التلف، فإن ذلك ونحوه واجب على

(1) النهاية 3: 141.
(2) المائدة: 2.
(3) الوسائل 13: 474، الباب 88 من أبواب الوصايا.
(4) التوبة: 71.
(5) السرائر 3: 193.
(6) الشرائع 2: 257.
509

المسلمين كفاية، فضلا عن العدول منهم كاطعام الجائعين المضطرين (1)
ونحو ذلك.
ولو كان الحاكم بعيدا وأمكن المراجعة إليه ولو بعد مدة اقتصروا في
التصرف على ما لا بد منه، وأخروا ما يسع تأخيره.
* (الخامس: في الموصى به) *
* (وفيه أطراف) *:
* (الأول: في متعلق الوصية) *
* (ويعتبر فيه) * أن يكون له قابلية * (الملك) * لكل من الموصي والموصى
له * (فلا تصح) * الوصية * (بالخمر) * الغير المحترمة المتخذة لغير التخليل
* (ولا بآلات اللهو) * ولا الخنزير ولا كلب الهراش ونحو ذلك بلا خلاف
أجده، بل في التذكرة الإجماع عليه وعلى جواز الوصية بالكلاب الأربعة (2).
معللا الأخير: بأن فيه نفعا مباحا وتقر اليد عليه، والوصية تبرع تصح في
المال وغير المال من الحقوق، وأنه تصح هبته فتصح الوصية به كالمال.
ويستفاد منه جواز الوصية بكل ما فيه نفع محلل مقصود وإن لم يجز
بيعه كالفيل، ونحوه على القول بالمنع عن بيعه، وبه صرح في التذكرة في
المثال وغيره (3)
* (و) * يجوز أن * (يوصي بالثلث) * من تركته * (فما نقص) * بدون إذن
الورثة إجماعا، لا أزيد كذلك على الأشهر الأقوى، بل عليه إجماع العلماء،
كما صرح به في الغنية (4) والتنقيح (5) والتذكرة (6). وهو الحجة، مضافا إلى

(1) في " مش، ش ": والمضطرين.
(2) التذكرة 2: 479 س 31 و 32.
(3) التذكرة 2: 479 س 31 و 32.
(4) الغنية: 306.
(5) التنقيح 2: 399.
(6) التذكرة 2: 480 س 28.
510

الصحاح المستفيضة (1) وغيرها من المعتبرة الخاصية والعامية، وهي بالمعنى
متواترة.
قالوا: خلافا لوالد الصدوق (2)، فجوز الوصية بالمال كله، للرضوي: فإن
أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعله، ويلزم الوصي إنفاذ وصيته على ما
أوصى به (3).
وهو - كمستنده - شاذ وإن تأيد بالإطلاقات وبعض الروايات الضعيفة
الأسانيد:
منها: الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله فهو جائز (4).
ومنها: أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمد (عليه السلام)، فكتب إليه:
جعلت فداك رجل أوصى إلي بجميع ما خلف لك وخلف ابنتي أخ له فرأيك
في ذلك؟ فكتب إلي: بع ما خلف وابعث به إلي فبعت وبعثت به إليه، فكتب
إلي: قد وصل إلي (5) ونحوه خبران آخران.
لضعف الإطلاقات بالإجمال أولا، وبعدم مكافأتها كالأخبار التالية
والرضوي لما مضى من الأدلة ثانيا، مع قصور الرواية الأولى عن الدلالة
على الحكم في المتنازع فيه جدا من وجوه شتى.
منها: أن غايتها الجواز، ولا كلام فيه، إنما الكلام في اللزوم وعدمه.
ومنها: احتمال أن يراد بالمال الثلث، كما صرح به الصدوق في المقنع،
بعد أن روى فيه ما يقرب من هذه الرواية، قال - بعد نقله -: ماله هو الثلث،

(1) الوسائل 13: 364، الباب 11 من أبواب الوصايا.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 393.
(3) فقه الرضا: 298.
(4) الوسائل 13: 382، الباب 17 من أبواب الوصايا الحديث 5.
(5) الوسائل 13: 369، الباب 11 من أبواب الوصايا الحديث 16 و 17 و 18.
511

لأنه لا مال للميت أكثر من الثلث (1).
ومنها احتمال تقييدها بصورة فقد الوارث الخاص، كما هو أحد القولين
وإن منع عنه أيضا في القول الآخر. ولعله الأظهر.
ونحو هذه الرواية في القصور دلالة الروايات الأخيرة، لوجوه هي في
الاستبصار (2) وغيره مذكورة، مع أنها معارضة بصريح أخبار أخر معتبرة.
منها الصحيح: كان لمحمد بن حسن بن أبي خالد غلام لم يكن به بأس
عارف يقال له ميمون فحضره الموت فأوصى إلى أبي الفضل العباس بن
معروف بجميع ميراثه وتركته أن أجعله دراهم وأبعث بها إلى أبي جعفر
الثاني (عليه السلام) وترك أهلا حاملا وأخوة قد دخلوا في الإسلام وأما مجوسية،
قال: ففعلت ما أوصى به وجمعت الدراهم ودفعتها إلى محمد بن الحسن -
إلى أن قال: - فكتبت: وجعلت الدراهم وأوصلتها إليه (عليه السلام)، فأمره أن يعزل
منها الثلث ويدفعها إليه ويرد الباقي إلى وصيه يردها على الورثة (3). ونحوه
غيره.
هذا، ويحتمل عبارة المخالف كالرضوي لما يلتئم مع فتوى العلماء، بأن
يكون المراد: أنه يجب على الوصي صرف المال الموصى به بجميعه على ما
أوصى به، من حيث وجوب العمل بالوصية، وحرمة تبديلها بنص الكتاب (4)
والسنة (5)، وإنما جاز تغييرها إذا علم أن فيها جورا ولو بالوصية بزيادة
عن الثلث.

(1) المنقع: 165، وليس فيه جملة: " ماله هو الثلث لأنه لا مال للميت أكثر من الثلث "، ولكن
نقله عنه العلامة في المختلف 6: 394.
(2) الاستبصار 4: 121.
(3) الوسائل 13: 366، الباب 11 من أبواب الوصايا الحديث 7 و 8.
(4) البقرة: 181.
(5) الوسائل 13: 411، الباب 32 من أبواب وجوب انفاذ الوصية الشرعية، الحديث 1.
512

وهو بمجرد احتماله غير كاف، فلعل الزيادة عنه وقعت الوصية بها من
دون حيف أصلا، كأن وجبت عليه في ماله بأحد الأسباب الموجبة له
والموصي أعلم به، وهذا غير جواز الوصية بالزيادة تبرعا.
وحاصله: أنه يجب على الوصي إنفاذ الوصية مطلقا ولو زادت عن
الثلث، لاحتمال وجوبها عليه في ماله، إلا أن يعلم بكون الوصية تبرعا، فلا
يمضي منها إلا الثلث، كما عليه العلماء، وهذا التوجيه إن لم نقل بكونه ظاهرا
من عبارته فلا أقل من تساوي احتماله لما فهموه منها.
فنسبتهم المخالفة إليه ليس في محله، وعليه نبه في التذكرة (1)،
فلا خلاف من أحد يظهر هنا.
* (و) * كيف كان، ف‍ * (لو أوصى بزيادة عن الثلث صح في الثلث
وبطل) * في * (الزائد) * بمعنى أنه لا يلزم فيه، بل يكون مراعى * (فإن أجاز
الورثة بعد الوفاة صح، وإن أجاز بعض) * الورثة * (صح في حصته) * دون
الباقي بلا خلاف في شئ من ذلك، بل عليه إجماع العلماء في ظاهر
الغنية (2) وصريح التذكرة (3). وهو الحجة، مضافا إلى فحوى النصوص الآتية،
وصريح غيرها من المعتبرة (4).
* (ولو أجازوا قبل الوفاة ففي لزومه قولان) * و * (المروي) * في المعتبرة
* (اللزوم) *.
ففي الصحيحين: رجل أوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك فلما
مات الرجل نقضوا الوصية هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ قال: ليس لهم ذلك،

(1) التذكرة 2: 481 س 16.
(2) الغنية: 306.
(3) التذكرة 2: 481 س 9.
(4) الوسائل 13: 364، الباب 11 من أبواب الوصايا.
513

الوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته (1). ونحوهما غيرهما (2).
وإليه ذهب عامة متأخري أصحابنا تبعا للإسكافي (3) والصدوق (4) وابن
حمزة (5) والطوسي (6)، مدعيا عليه إجماع الإمامية، كما حكى عنه في
المختلف (7) والدروس (8) وشرح القواعد للمحقق الثاني (9). ولا ريب فيه،
لصحة أكثر النصوص، وكثرتها، وصراحتها واشتهارها، واعتضادها بالإجماع
المنقول، وسلامتها عن المعارض من جهتها، بل وغيرها أيضا، كما سترى.
خلافا للمفيد (10) والديلمي (11) والحلي (12)، فاختاروا العدم، لأن
الورثة أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم، كالمرأة إذا أسقطت
صداقها قبل التزويج، والشفيع إذا أسقط حقه من الشفعة قبل البيع، ولأنها
حالة لا يصح فيها ردهم الوصية، بل يلزمهم إذا أجازوها بعده، فلا تصح فيها
إجازتهم كما قبل الوصية.
ويضعفان - مضافا إلى أنهما اجتهاد في مقابلة النص المعتبر - بتعلق
حق الورثة بالمال، وإلا لم يمنع الموصي من التصرف فيه، وبظهور الفرق بين
الرد والإجازة، فإن الرد إنما لا يعتبر حال حياة الموصي، لأن استمرار
الوصية يجري مجرى تجددها حالا فحالا، بخلاف الرد بعد الموت
والإجازة حال الحياة.

(1) الوسائل 13: 371 و 372، الباب 13 من أبواب الوصايا الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل 13: 364، الباب 11 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(3) كما في المختلف 6: 342.
(4) الفقيه 4: 200، الحديث 5461.
(5) ما أفتى به في الوسيلة خلاف ذلك، نعم نسب اللزوم إلى القيل، راجع الوسيلة: 375.
(6) الخلاف 4: 144، المسألة 14.
(7) المختلف 6: 343.
(8) الدروس 2: 301، الدرس 173.
(9) جامع المقاصد 10: 113.
(10) المقنعة: 670.
(11) المراسم: 203.
(12) السرائر 3: 194.
514

قيل: ولا فرق بين وصية الصحيح والمريض في ذلك لاشتراكهما في
الحجر بالنسبة إلى ما بعد الوفاة وإن افترقا في التصرف منجزا (1). إن قلنا فيه
بالفرق بينهما، وإلا فلا فرق بينهما هنا أيضا وإن افترق الوصية والمنجز على
هذا التقدير.
ويعتبر في المجيز جواز التصرف، فلا عبرة بإجازة الصبي والمجنون
والسفيه.
أما المفلس فإن كان إجازته حال الحياة، نفذت، إذ لا ملك له حينئذ،
وإنما إجازته تنفيذ لتصرف الموصي عندنا. ولو كانت بعد الموت ففي
صحتها وجهان، مبنيان على أن التركة هل تنتقل إلى الوارث بالموت
وبالإجازة تنتقل عنه إلى الموصى له، أم تكون الإجازة كاشفة عن سبق
ملكه من حين الموت؟ فعلى الأول لا تنفذ، لتعلق حق الغرماء بالتركة قبل
الإجازة، وعلى الثاني يحتمل الأمرين.
وهل الإجازة تنفيذ، أو ابتداء عطية؟ ظاهر أصحابنا الأول، بل ظاهر
المسالك (2) والتذكرة (3) الإجماع عليه، فلا يحتاج إلى إيجاب وقبول، ولا
توجب ولاء للمجيز إذا كان الوصية في عتق، ولا يعتبر في إجازة المريض
خروجها من الثلث. وتنتفي هذه الأحكام على الثاني.
* (ويملك الموصى به بعد الموت) * لا قبله بلا خلاف، كما في المسالك (4)
وعن المبسوط (5).
وهل يحصل الملك به قهرا كالإرث وإن كان متزلزلا حتى يقبل، أم به
وبالقبول معا، أم القبول كاشف حصول ملكه بالموت؟ أقوال غير مستندة إلى

(1) القائل الشهيد الثاني في الروضة 5: 36.
(2) المسالك 6: 151.
(3) التذكرة 2: 481 س 35.
(4) المسالك 6: 117.
(5) لم نعثر عليه في المبسوط.
515

حجة معتد بها، والأمور الاعتبارية متعارضة، لكن الأخير لعله أظهر، وعليه
الأكثر، كما في المسالك (1) وغيره، لا لما عللوا به، لما مر، بل لأن ذلك
مقتضى العقد، بناء على أن مقتضى الإيجاب هو انتقال الملك عقيب الموت
بلا فصل، والقبول إنما وقع على هذا الإيجاب.
هذا، مضافا إلى ظواهر كثير من المعتبرة المستفيضة، الدالة على حصول
الانتقال بمجرد الموت من دون توقف على أمر آخر، وقد مضى شطر منها،
وفيها الصحيح وغيره. وهي وإن لم تتضمن اشتراط القبول، إلا أنها مقيدة أو
مخصصة بما دل عليه، والعام المخصص حجة في الباقي، ولا موجب
لتخصيصها بالإضافة إلى ما نحن فيه حتى يرتكب.
ويتفرع على الخلاف فروع كثيرة هي في المطولات - كالمسالك (2)
وغيره - مذكورة.
* (وتصح الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر) * على أن يكون الربح
بينهما مطلقا، وفاقا للنهاية (3) والقاضي (4) وأكثر المتأخرين (5)، بل لعله عليه
عامتهم، للمعتبرين.
في أحدهما: دعاني أبي حين حضرته الوفاة، فقال: يا بني اقبض مال
إخوتك الصغار واعمل به وخذ نصف الربح وأعطهم النصف وليس عليك
ضمان - إلى أن قال: - فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقصصت عليه قصتي،
ثم قلت له: ما ترى؟ فقال: ليس عليك فيما بينك وبين الله عز وجل ضمان (6).
وفي الثاني: عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم وأذن له عند

(1) المسالك 6: 118.
(2) المسالك 6: 119 - 123.
(3) النهاية 3: 142.
(4) المهذب 2: 118.
(5) منهم العلامة في المختلف 6: 399.
(6) الوسائل 13: 478، الباب 92 من أبواب الوصايا الحديث 2، 1.
516

الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم، قال: لا بأس به من
أجل أن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي (1).
وقصور سندهما بالجهالة مجبور بالشهرة العظيمة، مع وجود ابن
أبي عمير في الأول، والسند إليه صحيح، وهو ممن أجمع على تصحيح ما
يصح عنهم، فلا يضر جهالة من بعده، وكذا جهالة راوي الثاني، فقد قيل في
حقه: أنه لا بأس به (2)، وربما قيل بحسنه، بل قيل بوثاقته (3).
هذا، مضافا إلى تأيدهما بإطلاقات الكتاب والسنة السليمة - كما
قيل (4) - عما يصلح للمعارضة، فإن التكسب بمال الصغير غير واجب على
الوصي، والحاصل من الربح زيادة فائدة. والتعرض للتلف غير قادح، لأن
الواجب على العامل مراعاة الأمن والحفظ وما فيه مصلحة المال، والعمل به
على هذا الوجه راجح عند العقلاء.
ولا يلزم مراعاة المدة التي شرطها الموصي، بل يصح ما دام الوارث
صغيرا، فإذا كمل كان له فسخ المضاربة، لأنها عقد مبني على الجواز.
وتحديد الموصي لها بمدة لا يرفع حكمها الثابت بالأصل، وإنما فائدته
المنع عن التصرف فيما زاد عليها، لا الالتزام بها فيها. ولا يلزم من ذلك
تبديل الوصية وتغييرها، المنهي عنه شرعا، لأن تبديلها هو العمل، بخلاف
مقتضاها، وليس كذلك هنا، فإنه لما أوصى بعقد جائز فقد عرض العامل
لفسخه في كل وقت يمكن، عملا بمقتضاه. ولا يكون الفسخ تبديلا للوصية،
بل عملا بمقتضاها.
ومورد الخبرين والعبارة هو الأصاغر خاصة.

(1) الوسائل 13: 478، الباب 92 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) رجال الكشي: 338، رقم 623.
(3) قاله صاحب ملاذ الأخيار 15: 170، الحديث 14.
(4) لم نعثر على قائله.
517

وعن الأكثر الإطلاق المحتمل للكبار. ومستندهم عليه من النص غير
واضح وإن كانت الصحة في الوصية بمالهم أيضا غير بعيدة إن حصلت منهم
الإجازة، لكن الصحة حينئذ ليست مستندة إلى الوصية، فإنها حينئذ
- كالفضولي - مستند صحتها إلى الإجازة. وبعيدة إن لم تحصل بسبب عدم
اطلاع الورثة، لاستلزام الصحة حينئذ جواز تصرف العامل بمجرد الوصية
ولو مع عدم اطلاع الورثة.
وهو يستلزم أمورا مخالفة للأصول المسلمة التي منها: حرمة التصرف
في ملك الغير بغير إذنه. وعدم إلزام المالك بما تلف بفعل غيره حيث يقع.
وكون الربح تابعا للمال لا يستحق منه العامل فيه شيئا مع علمه، أو زائدا
على أجرة المثل.
وفائدة الصحة حيث ثبت أن الوارث إذا لم يفسخ، وعمل الموصى له في
المال استحق الحصة المعينة له، عملا بمقتضى الوصية والإجازة.
وليس في هذا مخالفة للأصول الشرعية، إذ ليس فيه تفويت على
الوارث بوجه، ولا منع عن التصرف في ماله حتى يتوقف على رضاه.
وبه يندفع ما يورد على الصحة من تضمنها الإضرار بالوارث على تقدير
زيادة المدة وقلة الربح، لأن ذلك مستند إليه حيث لم يفسخ مع تمكنه منه.
فالضرر على تقديره مستند إليه.
نعم يتجه ذلك في صورة عدم الإجازة.
فخلاف الحلي المشترط في الصحة مطلقا كون المال بقدر الثلث
فما دون (1) شاذ، كمختار الفاضل المقداد في التنقيح من أن المحاباة في
الحصة من الربح بالنسبة إلى أجرة المثل محسوبة من الثلث (2).

(1) السرائر 3: 192.
(2) التنقيح 2: 403 و 404.
518

وهما مع ذلك رد للنص المعتبر في الجملة، ولولاه لأمكن المصير إلى
عدم الصحة فيما زاد على الثلث مطلقا، لاستلزامها المخالفة لبعض الأصول
المتقدمة، وهو تبعية الربح لرأس المال، وعدم استحقاق العامل فيه شيئا أو
زائدا على الأجرة. فتأمل.
* (ولو أوصى بواجب وغيره أخرج الواجب من الأصل) * إذا كان ماليا
كالدين والحج * (والباقي من الثلث) * بلا خلاف أجده، وبه صرح جماعة، بل
عليه الإجماع في الغنية (1). وهو الحجة، مضافا إلى إطلاقات الكتاب (2)
والسنة (3) بتقديم الدين على الإرث، الشاملة لصورتي الوصية به وعدمها.
ومجرد الوصية به لا يوجب صرفه إلى الثلث ما لم يصرح به، لعدم
التلازم، وللصحيح: رجل توفي وأوصى أن يحج عنه، قال: إن كان صرورة
فمن جميع المال أنه بمنزلة الدين الواجب وإن كان قد حج فمن ثلثه (4)
الحديث. ونحوه الموثق.
وهو - كما ترى - صريح في عدم التلازم، والتعليل في الذيل ظاهر في
العموم لكل ما هو بمنزلة الدين، فيشمل جميع الواجبات المالية المحضة،
كالدين والزكاة والكفارات ونذر المال، والمشوبة بالبدن، كالحج.
فما في الكفاية بعد نسبة العموم إلى الأصحاب كافة من أن الحكم ثابت
في الزكاة والحج الواجبين خاصة والحجة في غيرهما غير واضحة (5)
المناقشة فيه واضحة.
وإذا كان بدنيا كالصلاة والصوم أخرج من الثلث وأكمل بلا خلاف

(1) الغنية: 307.
(2) النساء: 11 و 12.
(3) الوسائل 13: 406، الباب 28 من أبواب الوصايا.
(4) الوسائل 8: 46، الباب 25 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 4، 5.
(5) كفاية الأحكام: 146 س 17.
519

أجده، إلا من ظاهر إطلاق العبارة ونحوها. وحجته غير واضحة.
ويحتمل قويا اختصاصه بالواجب المالي خاصة، وإنما لم يقيد به اتكالا
على الوضوح من الخارج، ولعله لذا لم ينقل أحد خلافا في المسألة إلا
المحقق الثاني (1)، فقد حكى القول بإخراجه أيضا من الأصل كالمالي، لكن
لم يصرح بقائله.
ويمكن إرادته الماتن ومن حذى حذوه في التعبير، ولعله بعيد، لكن
بعدم الخلاف صرح بعض الأجلة (2).
والفرق بين المقامين واضح، فإن الواجب المالي وإن كان مشوبا بالبدن
في بعض أفراده لما كان متعلقا بالمال حال الحياة وجب إخراجه بعد الموت
من المال، وتخرج الأدلة المتقدمة شاهدة على ذلك. وأما الواجب البدني
فإنه لما كان متعلقه في حال الحياة إنما هو البدن، وبعد الموت مع عدم
الوصية به يتعلق الخطاب به بالولي. فمع عدمه وعدم الوصية لا دليل على
وجوب الإخراج من الأصل.
* (ولو حصر الجميع) * أي جميع ما أوصى به من الواجب وغيره * (في
الثلث) * بأن صرح بإخراجه منه * (بدئ بالواجب) * وقدم على غيره وإن
تأخرت الوصية به، سواء كان الواجب ماليا، أم غيره وبدئ بعده بالأول
فالأول، كما يقتضيه إطلاق العبارة هنا وفي كلام جماعة، بل لم أقف فيه
على مخالف عدا الكفاية.
فقال: وقطع بعضهم بتقديم البدنية على المتبرع بها من ثلث الباقي،
الأول فالأول، وحجته غير واضحة (3).
وفيه نظر، لأولوية الواجب على غيره مع حصول تيقن براءة الوصي

(1) جامع المقاصد 10: 120.
(2) الحدائق 22: 435.
(3) كفاية الأحكام: 146 س 21.
520

بصرفه فيه، ولا كذلك لو صرفه في غيره، مضافا إلى ظاهر التعليل في
الصحيح: إن امرأة من أهلي ماتت وأوصت إلي بثلث مالها، وأمرت أن يعتق
عنها ويتصدق ويحج عنها فنظرت فيه فلم يبلغ، فقال: ابدأ بالحج فإنه
فريضة من فرائض الله عز وجل، وتجعل ما بقي طائفة في العتق، وطائفة في
الصدقة (1)، الحديث.
وهو وإن اختص بالحج الذي هو من الواجبات المالية، إلا أن تعليل
تقديمه بكونه من فرائض الله سبحانه عام يشمل جميع ما يوجد فيه هذه
العلة. ولا ريب أن الصلاة من أفضل فرائض الله سبحانه.
فالحق ما ذكره الجماعة.
* (ولو أوصى بأشياء تطوعا فإن رتب) * بينها * (بدئ بالأول فالأول حتى
يستوفي الثلث، وبطل) * في * (ما زاد) * عليه إن لم يجز الورثة بلا خلاف في
الأخير، وفي الأول أيضا إذا كانت الوصية بها في وقت واحد ولم يكن فيها
عتق.
وأما مع فقد الشرطين فكذلك على الأظهر الأشهر، كما في الكفاية (2)
وغيره. قيل: لأن الوصية الصادرة أولا نافذة، لصدورها من أهلها في محلها،
بخلاف الصادر بعد استيفاء الثلث (3).
والأولى الاستدلال عليه بالخبر: في رجل أوصى عند موته وقال: أعتق
فلانا وفلانا وفلانا حتى ذكر خمسة فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة
المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال: ينظر إلى الذين سماهم وبدأ بعتقهم،
فيقومون وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أول شئ ذكره ثم الثاني ثم الثالث ثم

(1) الوسائل 13: 455، الباب 65 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) كفاية الأحكام: 146 س 24، وفيه المشهور.
(3) قاله صاحب كفاية الأحكام: 146 س 25.
521

الرابع ثم الخامس، فإن عجز الثلث كان في الذي سمى أخيرا، لأنه أعتق بعد
مبلغ الثلث ما لا يملك، فلا يجوز له ذلك (1).
وضعفه منجبر بالشهرة، وبرواية ابن محبوب عن موجبه، وهو ممن قد
أجمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة. ومورده وإن كان مختصا بما
لا نزاع فيه على الظاهر، إلا أن التعليل ظاهر في العموم له وللمتنازع.
خلافا للإسكافي (2) والمبسوط (3)، في صورة فقد الشرط الثاني خاصة،
فقدما العتق على غيره وإن ذكره بعده.
ويمكن أن يستدل لهما بكثير من المعتبرة كالصحيحين.
في أحدهما: رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مماليكه في مرضه،
فقال: إن كان أكثر من الثلث رد إلى الثلث وجاز العتق (4). وقريب منه الثاني (5).
والخبر: رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته وأعتق مملوكا له
وكان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث كيف يصنع في وصيته؟ فقال: يبدأ
بالعتق فينفذه (6).
لكنها مع ضعف بعضها ضعيفة الدلالة محتملة للعتق المنجز خاصة، بل
ظاهرة فيه بلا شبهة، ولا خلاف في تقديمه على الوصية.
ولابن حمزة (7)، في صورة فقد الشرط الأول خاصة، فجعل الوصية
الثانية في الزمان المتباعد رجوعا عن الأولى، إلا أن يسعهما الثلث. وحجته
غير واضحة.

(1) الوسائل 13: 457، الباب 66 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) كما في المختلف 6: 429.
(3) المبسوط 4: 48.
(4) الوسائل 13: 459، الباب 67 من أبواب الوصايا الحديث 4.
(5) الوسائل 13: 458، الباب 67 من أبواب الوصايا الحديث 1، 2.
(6) الوسائل 13: 458، الباب 67 من أبواب الوصايا الحديث 1، 2.
(7) الوسيلة: 375 و 376.
522

نعم في رواية ضعيفة: إن ابن أخي أوصى بثلاث وصايا فبأيهن آخذ؟
فقال: خذ بأخراهن، قلت: فإنها أقل، فقال: وإن قلت (1).
وفيها مضافا إلى ما مر أنه عام لصورتي التباعد بين الزمانين وعدمه،
ولم يقل بها في الثاني، مع احتمالها الحمل على كون المقصود الرجوع، كما
تشعر الرواية به.
والمراد بالأول الذي يجب البدءة به ما يقدمه الموصي في الذكر، ولم
يعقبه بما ينافيه، سواء عطف عليه الثاني بثم، أو الفاء، أو الواو، أو قطعه عنه
بأن قال: أعطوا فلانا مائة أعطوا فلانا خمسين، كذا قالوه.
وربما يومئ إليه في الجملة الرواية المتقدمة سندا للمشهور.
* (وإن جمع) * بينها ولم يرتب، بأن ذكرها دفعة فقال: أعطوا فلانا وفلانا
وفلانا مائة، أو رتب باللفظ ثم نص على عدم التقديم * (أخرجت من الثلث
ووزع النقص) * على الجميع، فيبطل من كل وصية بحسابها بلا خلاف.
وعليه يحمل إطلاق بعض ما مر من الصحاح بصرف طائفة من الوصية
في العتق، وأخرى في الصدقة.
* (إذا أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك المنفرد والمشترك) * بلا خلاف
أجده، للخبر: عن الرجل تحضره الوفاة وله مماليك لخاصة نفسه وله
مماليك في شركة رجل آخر فيوصي: في وصيته مماليكي أحرار، ما حال
مماليكه الذين في الشركة؟ فقال: يقومون عليه إن كان ماله يحتمل ثم
هم أحرار (2).
ويستفاد منه أنه يقوم عليه حصة شريكه إن احتمله ثلثه، وإليه ذهب في

(1) الوسائل 13: 387، الباب 18 من أبواب الوصايا الحديث 7.
(2) الوسائل 13: 463، الباب 74 من أبواب الوصايا الحديث 2، وفيه اختلاف يسير.
523

النهاية (1) والقاضي (2) والمختلف (3).
خلافا للحلي (4) والمتأخرين كافة، كما ذكره بعض الأجلة (5)، فاختاروا
عدم السراية، لمخالفتها الأصل مع فقد شرطها، الذي هو يسار الموصي
بموته، لزوال ملكه به عن ماله. والرواية قاصرة السند، غير صالحة للحجية.
قيل: ولعلها ضعيفة الدلالة، لظهور السؤال فيها في العتق المنجز، فإنه
الذي يعبر عنه بمماليكي أحرار في الأغلب (6).
وهو حسن لولا قوله: " فيوصي في وصيته "، فإنه ظاهر في الوصية دون
المنجز، وكما يجوز صرفه إلى الظهور الأول كذا يمكن العكس لو لم نقل
بكونه الأظهر، إلا أن تطبيق الرواية مع القواعد يقتضي المصير إلى الأول.
* (الثاني: في) * الوصايا * (المبهمة) *
* (من أوصى بجزء من ماله) * ولم يكن ثمة قرينة من عرف أو عادة على
تعيينه * (كان) * الموصى به هو * (العشر) * من أصل التركة لا من الثلث، إلا
أن يضيفه إليه، وفاقا للصدوقين (7) والطوسي في كتابي الأخبار (8)، واختاره
الفاضل في المختلف (9) وولده (10) والشهيد في الدروس (11) واللمعة (12)
والمحقق الثاني (13)، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، وليس إلا
العشر، للاتفاق عليه نصا وفتوى، وللنصوص المستفيضة التي

(1) النهاية 3: 163.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 386.
(3) المختلف 6: 386.
(4) السرائر 3: 214.
(5) الحدائق 22: 446.
(6) لم نعثر على قائله.
(7) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 348، والمقنع: 478.
(8) التهذيب 9: 209، ذيل الحديث 831، والاستبصار 4: 133، ذيل الحديث 501.
(9) المختلف 6: 349.
(10) الإيضاح 2: 533.
(11) الدروس 2: 312.
(12) اللمعة: 105.
(13) جامع المقاصد 10: 211.
524

كادت تبلغ التواتر، مروية في الكتب الأربعة (1)، وعن غيرها من الكتب
المشهورة، كتفسير العياشي (2) ومعاني الأخبار (3) والفقه الرضوي (4)، وفيها
الصحيح وغيره.
* (وفي رواية) * أنه * (السبع) * وهي مستفيضة، وفيها الصحيح وغيره،
مروية أيضا في الكتب الأربعة (5)، وعن غيرها من الكتب المشهورة، كتفسير
العياشي (6) وإرشاد المفيد (7)، وإليها ذهب الأكثر، كالمفيد (8) والنهاية (9)
والإسكافي (10) والديلمي (11) والقاضي (12) وابن زهرة، مدعيا عليه إجماع
الإمامية (13).
والمسألة محل شبهة، لاعتضاد الرواية الأولى: بالأصل والكثرة، ولذا
نسبها في الشرائع (14) إلى أشهر الروايتين، والثانية: بالشهرة العظيمة،
وحكاية الإجماع المتقدمة.
فالأحوط الرجوع فيما زاد على العشر إلى الصلح حيث أمكن، وإلا
فالتوقف وإن كان المصير إلى مختار الأكثر لا يخلو عن قرب.
* (و) * أما ما * (في) * رواية (15) * (أخرى) * من أنه * (سبع الثلث) * فمع

(1) التهذيب 9: 208، والاستبصار 4: 131، والكافي 7: 39، والفقيه 4: 205.
(2) تفسير العياشي 1: 144، الحديث 474.
(3) معاني الأخبار: 217.
(4) فقه الرضا: 299.
(5) التهذيب 9: 209، والاستبصار 4: 132، والفقيه 4: 205، الحديث 5477، ولم نعثر عليه
في الكافي.
(6) تفسير العياشي 2: 243 و 244، الحديث 20 و 21.
(7) إرشاد المفيد: 118.
(8) المقنعة: 673.
(9) النهاية 3: 154.
(10) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 348.
(11) المراسم: 204.
(12) جواهر الفقه: 150، المسألة 525.
(13) الغنية: 308.
(14) الشرائع 2: 248.
(15) الوسائل 13: 447، الباب 54 من أبواب الوصايا الحديث 14.
525

ضعف سنده شاذ، غير معمول به، فليطرح، أو يحمل على صورة إضافة
الجزء إلى الثلث دون أصل المال، كما هو الفرض.
* (ولو أوصى بسهم) * من ماله ولم يكن قرينة على تعيينه * (كان ثمنا) *
على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، للأصل، والمعتبرة، وفيها
الصحيح وغيره (1).
خلافا لوالد الصدوق، فالسدس (2)، للرضوي: فإن أوصى بسهم من ماله
فهو سهم من ستة أسهم، وكذلك إذا أوصى بشئ من ماله غير معلوم فهو
واحد من ستة (3).
وتبعه الطوسي في المبسوط (4) والخلاف (5) وابن زهرة (6)، للعامي: أن
رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبي (صلى الله عليه وآله) السدس (7).
وفي ظاهر الغنية الإجماع عليه، قال: وقد روي عن إياس بن معاوية في
السهم أنه قال: هو في اللغة السدس (8).
وهذه الأدلة - كما ترى - مع مخالفتها الأصل لا تقاوم الأدلة،
لاعتضادها بالشهرة العظيمة، المتقدمة والمتأخرة.
ومنه ينقدح وجه القدح في دعوى الإجماع المتقدمة، مع أنها في نقله
غير صريحة.
وأما الرواية المفسرة له بالعشر، فمع ضعفها شاذة، لم أر عاملا بها، ولا
من نقله، إلا شيخنا في الروضة، فأشار إليه بقيل (9)، ولم أعرف قائله.

(1) الوسائل 13: 448، الباب 55 من أبواب الوصايا.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 350.
(3) فقه الرضا: 299.
(4) المبسوط 4: 8.
(5) الخلاف 4: 140، المسألة 9.
(6) الغنية: 308.
(7) المغني لابن قدامة 6: 446.
(8) الغنية: 308.
(9) الروضة 5: 34.
526

* (ولو كان) * أوصى * (بشئ) * من ماله * (كان سدسا) * بلا خلاف يظهر،
وبه صرح بعض (1)، بل في الغنية (2) والمسالك (3) وغيرهما الإجماع عليه،
والروايات هنا متفقة، منها الرضوية المتقدمة (4)، ونحوها غيرها من المعتبرة،
المروية في الكتب المشهورة (5).
* (ولو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها) * منها أو أكثر * (صرف) *
المنسي * (في) * وجوه * (البر) * بلا خلاف يظهر إلا من الحلي (6)، تبعا
للطوسي (7) في بعض فتاويه، فأرجعا إلى الوارث، لبطلانها بامتناع القيام بها.
والملازمة ممنوعة، مع كونه اجتهادا في مقابلة بعض المعتبرة بالشهرة:
عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا منها كيف يصنع في
الباقي؟ فوقع (عليه السلام): الأبواب الباقية اجعلها في البر (8).
ومعارضا بما علل به المشهور، من خروجه عنهم فلا يعود إليهم إلا
بدليل، ومن وجوب العمل بالوصية وتحريم التبديل بالكتاب (9) والسنة (10)
فيصرف في مصرف مجهول المالك، ومن أن صرفه في البر عمل بها بقدر
الإمكان، لإرادته القربة، فإذا فات الخصوص بقي العموم.
وهذه العلل - كما ترى - أقوى مما ذكره وإن كان الأخير أخص من
المدعى، لعدم تماميتها إلا فيما إذا ظهر من الموصي قصد القربة، لا مطلقا.

(1) المهذب البارع 3: 130، والروضة 5: 34.
(2) الغنية: 308.
(3) المسالك 6: 180.
(4) فقه الرضا: 299.
(5) التهذيب 9: 211، الحديث 836، والكافي 7: 40، الحديث 1 و 2.
(6) السرائر 3: 209.
(7) الحائريات (الرسائل العشر): 297.
(8) الوسائل 13: 453، الباب 61 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(9) البقرة: 181.
(10) الوسائل 13: 411، الباب 32 من أبواب الوصايا.
527

هذا، مع تأيدها - كالرواية - بما ورد في نظائر المسألة، وهي كثيرة، كما
ورد في المنذور للكعبة من صرفه في زوارها (1)، وفيمن أوصى أن يحج عنه
بما لا يفي به أنه تصرف في البر ويتصدق (2) به، ونحو ذلك (3).
وإلى هذا القول أشار بقوله: * (وقيل: يرجع ميراثا) * ولا ريب في ضعفه.
* (ولو أوصى بسيف وهو في جفن) * بفتح الأول، وهو الغمد بالكسر
* (وعليه حلية دخل الجميع في الوصية على رواية (4) يجبر ضعفها الشهرة) *
العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل في المهذب أن كل الأصحاب مطبقون
على العمل بها (5)، وهو ظاهر في الإجماع عليه، كما ترى.
وقريب منه المحكي عن التحرير (6) والتذكرة (7). وهو حجة أخرى
جابرة لضعفها أيضا، مع أنها صحيحة إلى الراوي، والراوي عنه ابن أبي نصر،
المجمع على تصحيح رواياته، فتكون حجة بنفسها ولو لم تكن بالشهرة
مجبورة، سيما مع اعتضادها بموافقة العرف، لشمول اسمه لهما فيه وإن
اختص بالنصل لغة.
* (وكذا لو أوصى بصندوق وفيه مال دخل المال) * أيضا * (في الوصية) *
فإن فيه أيضا تلك الرواية المجبورة بما مر إليه الإشارة، حتى حكاية
الإجماع، إلا أن العرف لعله لا يساعده، فيشكل من هذه الجهة.
ولكن لا مندوحة عن العمل بها، إلا أن يوجد قرينة على عدم الدخول

(1) الوسائل 9: 355 و 356، الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 9 و 11.
(2) الوسائل 13: 419، الباب 37 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(3) الوسائل 13: 409، الباب 30 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(4) الوسائل 13: 451، الباب 57 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(5) المهذب البارع 3: 134.
(6) التحرير 1: 299 س 12.
(7) التذكرة 2: 497 س 21.
528

فتتبع، وكذلك في السابق، وفاقا للمعة (1). والظاهر أن محل النزاع غيره.
* (وكذا قيل: لو أوصى بسفينة وفيها طعام، استنادا إلى فحوى رواية) *
عقبة بن خالد عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن رجل قال: هذه
السفينة لفلان ولم يسم ما فيها وفيها طعام أيعطيها الرجل وما فيها؟ قال: هي
للذي أوصى له بها، إلا أن يكون صاحبها متهما، وليس للورثة شئ (2).
والقائل هو المشهور، كما في المهذب (3) وغيره.
وإنما نسبه إلى القيل - المشعر بالتمريض، مع انجبار الرواية هنا أيضا
بالشهرة - التفاتا إلى عدم صراحة الدلالة، فإن غايتها الدلالة على أنها
للموصى له. ومرجع الضمير السفينة دون ما فيها.
والرواية المنجبرة بالشهرة إنما تكون حجة حيث تكون دلالتها واضحة،
لا مطلقا.
نعم لها دلالة ضعيفة بحسب الفحوى، لوقوع قوله: " هي " له جوابا عن
جواز إعطاء ما فيها أم لا. فلو لم يجعل المرجع السفينة بما فيها لم يكن
الجواب للسؤال مطابقا.
وإنما قلنا ضعيفة من حيث احتمال أن يكون المراد بالجواب - الظاهر
في رجوع الضمير إلى السفينة خاصة - التنبيه على انحصار الموصى به فيها
دون ما فيها، وبه يحصل المطابقة أيضا، فكأنه (عليه السلام) قال: لا يعطي ما فيها.
فالأصح عدم الدخول، للأصل، إلا مع وجود قرينة عليه من عرف،
أو عادة.
ويحتمل الرواية على تقدير الدلالة الحمل على ذلك، وإليه ذهب الفاضل

(1) اللمعة: 105.
(2) الوسائل 13: 452، الباب 59 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(3) المهذب البارع 3: 134، وفيه (لكن أكثر الأصحاب مطبقون على العمل بها).
529

في المختلف (1) وولده في شرح القواعد (2) لكنهم حكموا بذلك فيما سبق
أيضا. ولا ريب في حسنه لولا ما قدمناه من قوة دليل خلافه.
ومنه يظهر عدم التعدية إلى ما يشابه مفروض العبارة، كالجراب
ومظروفه، ونحوه لو أوصى بهما فلا يدخل سوى الظرف. خلافا للشيخين (3)
والتقي (4).
ولا فرق في الحكم حيث ثبت بين كون الموصي عدلا، أم غيره.
خلافا للنهاية، فاشترط العدالة (5). ولا وجه له، كما صرح به الجماعة.
والرواية الأخيرة وإن كانت به مشعرة، إلا أنها بما قدمناه ضعيفة.
ولا بين كون الصندوق مقفولا، أم غيره.
خلافا للمفيد (6) والتقي (7)، فاشترطاه. وإطلاق النص حجة عليهما.
* (ولا يجوز) * للموصي الوصية ب‍ * (إخراج الولد من الإرث ولو) * كان
من * (أوصى) * بذلك * (الأب) * على الأظهر الأشهر، بل لعله عليه عامة من
تأخر، لمخالفة مثل هذه الوصية للكتاب والسنة.
وفي الحديث: الحيف في الوصية من الكبائر (8).
وفي آخر: ما أبالي أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال (9).
وفي ثالث: من عدل في وصيته كان بمنزلة من تصدق بها في حياته،
ومن جار في وصيته لقي الله تعالى يوم القيامة وهو عنه معرض (10).

(1) المختلف 6: 382.
(2) الإيضاح 2: 535.
(3) المقنعة: 675، والنهاية 3: 155.
(4) الكافي في الفقه: 365.
(5) النهاية 3: 156.
(6) المقنعة: 675.
(7) الكافي في الفقه: 365.
(8) الوسائل 13: 359، الباب 8 من أبواب الوصايا الحديث 3.
(9) الوسائل 13: 356، الباب 5 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(10) الوسائل 13: 359، الباب 8 من أبواب الوصايا الحديث 2.
530

وظاهر العبارة وصريح المحكي عن الأكثر في كلام جماعة بطلان
الوصية من الأصل.
خلافا للمختلف (1)، فأجراها مجرى الوصية بجميع المال لمن عداه، فإن
أجاز مضى في الكل، وإلا ففي الثلث.
وفيه أنه خلاف مدلول اللفظ وإن لزم رجوع الحصة إلى باقي الورثة،
لأن ذلك ليس بالوصية (2)، بل لاستحقاقهم التركة حيث لا وارث غيرهم،
وربما كان ذاهلا عن الوارث، بل غير عارف به.
وإنما غرضه مجرد الانتقام منه، فلا يوجد منه القصد إلى الوصية المعتبر
في صحتها، مع أن في الصحيح: عن رجل كان له ابن يدعيه فنفاه ثم أخرجه
من الميراث وأنا وصيه فكيف أصنع؟ فقال (عليه السلام): لزمه الولد لإقراره بالمشهد،
لا يدفعه الوصي عن شئ قد علمه. فتأمل.
فالأصح ما ذهب إليه الأكثر.
* (و) * اعلم أن * (فيه) * أي في المقام * (رواية) * تضمنت: أن رجلا وقع
ابنه على أم ولد له فأخرجه من الميراث فسأل وصيه مولانا الكاظم (عليه السلام) عن
ذلك؟ فقال (عليه السلام): أخرجه (3).
ويظهر من الطوسي في كتابي الحديث (4) والصدوق (5) العمل بها، إما في
الجملة كما في الكتابين حيث جعلها قضية في واقعة، أو مطلقا بشرط وقوع
الحدث الذي في الرواية من الوارث الموصي بإخراجه.
ولكنها * (مطرحة) * بين المتأخرين كافة، ومع ذلك بحسب السند ضعيفة

(1) المختلف 6: 376.
(2) في " مش ": يوصيه.
(3) الوسائل 13: 476، الباب 90 من أبواب الوصايا الحديث 2، 1.
(4) التهذيب 9: 235، الحديث 917، والاستبصار 4: 139، الحديث 521.
(5) الفقيه 4: 219، الحديث 5515.
531

من وجوه عديدة، فلا يجوز العمل بها في مقابلة ما قدمناه من الأدلة،
ومقتضاها انسحاب الحكم بالبطلان في مطلق الوصية، بإخراج مطلق
الوارث ولو لم يكن الولد.
وتخصيصه به في العبارة إنما وقع في مقابلة مورد الرواية المطرحة،
فإنها - كما عرفت - به مختصة، مع كونه هو محل النزاع خاصة. نظرا إلى أنه
يظهر من العاملين بها تخصيص الحكم بموردها، فلا يتعدونها، فيكون الحكم
بعدم النفوذ في الجملة أو مطلقا فيما عداه مجمعا عليه.
* (الطرف الثالث: في أحكام الوصية) *
* (وفيه مسائل:) *
* (الأولى: إذا أوصى بوصية ثم عقبها بمضادة لها) * بأن أوصى بعين
مخصوصة لزيد ثم بها لعمرو، أو بمائة درهم مطلقا لزيد ثم قال: المائة التي
أوصيت بها لزيد قد أوصيت بها لعمرو * (عمل بالأخيرة) * لاقتضاء ذلك
الرجوع في الوصية.
* (ولو لم تضادها) * بأن أوصى لزيد بمائة ثم وصى لعمرو بمائة أو
أوصى لزيد بدار ثم أوصى لعمرو بدار ونحو ذلك * (عمل بالجميع) * إن وفى
به الثلث * (فإن قصر الثلث) * عنه * (بدئ بالأول فالأول حتى يستوفي
الثلث) * لما مر سابقا، ولا خلاف في شئ من ذلك أيضا، وبه وبالإجماع
صرح في التنقيح في الجميع (1)، وفي السرائر في الأخير (2).
* (الثانية: تثبت الوصية بالمال بشهادة رجلين) * مسلمين عدلين، ومع
الضرورة تقبل شهادة رجلين من عدول أهل الذمة بلا خلاف في شئ
من ذلك أجده، وبه صرح بعض الأجلة (3)، بل عن المبسوط (4) وظاهر

(1) التنقيح 2: 415.
(2) السرائر 3: 195.
(3) هو صاحب الحدائق 22: 494.
(4) المبسوط 8: 187.
532

الغنية (1) وفخر الدين (2) إجماعنا عليه، وبه صرح أيضا المفلح الصيمري (3).
ويدل عليه أيضا الآية (4)، والنصوص المستفيضة (5).
وهل يشترط في قبولها منهم السفر كما في الآية وأكثر المستفيضة، أم
يجري ذلك مجرى الغالب؟ الأصح الثاني، وفاقا للأكثر، بل لم أقف على
مخالف إلا نادرا.
وظاهر عبارة الماتن في الشرائع في بحث الشهادات الإجماع عليه (6)،
لا لما ذكروه من إطلاق الصحيح: إذا كان الرجل في بلد ليس فيه مسلم
جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية، لانصرافه بحكم التبادر والغالب
إلى صورة السفر خاصة، بل لظاهر التعليل في الصحيح: هل يجوز شهادة
أهل ملة من غير أهل ملتهم، قال: إذا لم يوجد من أهل ملتهم جازت شهادة
غيرهم أنه لا يصلح ذهاب حق أحد (7).
وهو - كما ترى - ظاهر في أن تجويز قبول شهادتهم إنما نشأ من
مراعاة الحق عن الذهاب، وهذه العلة موجودة في مطلق صور الضرورة ولو
لم يكن هناك سفر بالكلية.
ولولا هذه العلة لكان المصير إلى اشتراط السفر لا يخلو عن قوة،
اقتصارا فيما خالف الأصل، الدال على عدم جواز قبول شهادتهم على مورد
الكتاب (8) والسنة (9)، وليس إلا صورة السفر خاصة، لأنها ما بين مشترطة

(1) الغنية: 440.
(2) الإيضاح 2: 634.
(3) غاية المرام: 188 س 23 (مخطوط).
(4) المائدة: 106.
(5) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا.
(6) الشرائع 4: 126.
(7) الوسائل 18: 287، الباب 40 من أبواب الشهادات الحديث 1، 3، 4.
(8) المائدة: 106.
(9) الوسائل 13: 390، الباب 20 من أبواب الوصايا الحديث 3.
533

له، وما بين مطلقة، وقد عرفت أن الإطلاق ينصرف إلى هذه الصورة خاصة.
وليس مبنى هذا الاستدلال وقوع اشتراطه في الكتاب والسنة حتى
يجاب عنه بوروده مورد الغلبة، فلا عبرة به، بل مبناه عدم دليل دال على
جواز القبول مطلقا، فيقتصر فيه على المتيقن منهما.
ثم إن الفاضل أوجب تحليفهما بعد صلاة العصر بصورة الآية، لعدم
ظهور المسقط بالكلية (1)، ومال إليه في المسالك (2) وغيره. ولا ريب أنه
أحوط.
وليس في ظاهر الكتاب وأكثر السنة اشتراط عدالة أهل الذمة، إلا أنه
قد دل عليه بعض النصوص: فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل
الكتاب مرضيين عند أصحابهم (3)، وبه صرح من الأصحاب جملة.
* (وبشهادة أربع نساء، وبشهادة الواحدة في الربع) * والاثنين في النصف
وهكذا بلا خلاف، بل عليه الوفاق في المسالك (4) وغيره. وهو الحجة، مضافا
إلى الصحاح المستفيضة.
منها: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصية لم تشهدها إلا امرأة أن تجوز
شهادة المرأة في ربع الوصية إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها (5).
وأما ما يوجد في الصحيح وغيره مما يخالف ذلك من عدم القبول
فمحمول على التقية، كما في التهذيبين (6).
ثم إن إطلاق النصوص - كالعبارة وصريح المحكي عن الأكثر - عدم

(1) التحرير 2: 208 س 6.
(2) المسالك 6: 204.
(3) الوسائل 13: 392، الباب 20 من أبواب الوصايا ذيل الحديث 7.
(4) المسالك 6: 204.
(5) الوسائل 13: 396، الباب 22 من أبواب الوصايا الحديث 3.
(6) التهذيب 6: 280، الحديث 771، والاستبصار 3: 28، ذيل الحديث 91.
534

توقف قبول شهادتهن على اليمين مطلقا.
خلافا للمحكي عن التذكرة، فقال: بتوقفه عليه كذلك، كما في شهادة
الرجل الواحد (1).
ورد: بأن اليمين مع شهادة الواحد يوجب ثبوت الجميع فلا يلزم مثله
في البعض، ولو فرض انضمام اليمين إلى الاثنين أو الثلاث ثبت الجميع،
لقيامهما مقام الرجل أما الواحدة فلا يثبت بها سوى الربع مطلقا (2) انضمت
اليمين إليها أم لا، على أن في ثبوت الجميع بانضمام اليمين إلى الاثنين أو
الثلاث إشكالا أيضا، لأن مقتضى النصوص إنما هو النصف في الأول
والثلاثة الأرباع في الثاني بمجرد الشهادة ووجود اليمين، حيث لم يعتبرها
الشارع هنا في حكم العدم، وقيام الاثنين مقام الرجل في بعض الموارد
لا يستلزم قياس ما نحن فيه عليه، حتى أنه يخرج عن مقتضى ظواهر
النصوص بذلك (3).
وهل يشترط في قبول شهادتهن هنا فقد الرجال؟ قولان، أظهرهما
الثاني، وفاقا للمحكي عن الأكثر، عملا بإطلاق النصوص.
خلافا للمحكي عن الإسكافي (4) والطوسي (5)، فاشترطاه. وهو ضعيف.
* (وفي ثبوتها) * أي الوصية بالمال * (ب‍) * شهادة * (شاهد ويمين تردد) *.
قيل: ينشأ من أن قبول الشاهد واليمين حكم شرعي فيقف على النص
الشرعي، وليس على صورة النزاع بعينه، وثبوت ذلك بالنساء حتى بالواحدة
إنما هو لورود النص بذلك، والتعدي قياس مردود عندنا (6)، ومن إطلاق
النصوص بالقبول في الحقوق المالية، كما هو المفروض، ولا يشترط النص

(1) التذكرة ج 2: 522، س 7.
(2) المسالك 6: 205.
(3) الحدائق 22: 502.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف: 712 س 23.
(5) النهاية 2: 62.
(6) المهذب البارع 3: 140.
535

بالخصوص. وهذا أظهر، وفاقا للأكثر، بل عليه في المهذب (1) والمسالك (2)
وغيرهما اتفاق الأصحاب، واستقرب هذا التردد منه جماعة.
وهو كذلك كتردده في الشرائع في ثبوت الوصية بالولاية بهما بعد قطعه
بالثبوت بهما في الوصية بالمال (3)، فإن النصوص المزبورة - كالاتفاق
المحكي في المسالك (4) وغيره - متفقة الدلالة على انحصار قبولهما في
الحقوق المالية.
وربما جعل منشأه مما ذكر ومن أنها قد تتضمن المال، كما إذا أراد أخذ
الأجرة أو الأكل بالمعروف بشرطه، ولما فيه من الإرفاق والتيسير، فيكون
مرادا للآية والرواية.
وهو كما ترى، ولذا قطع بخلافه هنا فقال: * (وأما الولاية فلا تثبت إلا
بشهادة رجلين) * مسلمين.
ومقتضاه عدم ثبوتها بشهادة النساء مطلقا، ونفى عنه الخلاف في
المسالك وغيره إذا كن منفردات (5). وهو الحجة فيه، مضافا إلى أنها ليست
وصية بمال، بل هي تسلط على تصرف فيه، وليست مما يخفى على الرجال
غالبا، وذلك ضابط محل قبول شهادتهن منفردات فتوى ورواية.
* (الثالثة: لو أشهد) * الموصي * (عبدين له على أن حمل المملوكة) * له
* (منه، ثم ورثهما غير الحمل فأعتقا فشهدا للحمل بالبنوة) * للموصي
* (صح) * شهادتهما * (وحكم له) * برقيتهما مطلقا ولو لم يوص بأن يشهدا،
بلا خلاف مع الإيصاء، بل في المسالك: أن عليه أصحابنا (6). وهو الحجة،

(1) المهذب البارع 3: 140.
(2) المسالك 6: 205.
(3) الشرائع 2: 251.
(4) المسالك 6: 205.
(5) المسالك 6: 206.
(6) المسالك 6: 207.
536

مضافا إلى الصحيح: في رجل مات وترك جارية حبلى ومملوكين فورثهما
أخ له فأعتق العبدين وولدت الجارية غلاما فشهدا بعد العتق أن مولاهما
كان أشهدهما أنه كان يقع على الجارية وأن الحبل منه، قال: تجوز
شهادتهما، ويردان عبدين كما كانا (1). ونحوه الموثق الآتي.
وكذلك مع عدم الإيصاء على الأشهر الأقوى، بناء على قبول شهادة
العبد إذا كان عادلا مطلقا.
خلافا للمحكي عن الطوسي، فخص الحكم بصورة الإيصاء (2). ولا
وجه له أصلا، سيما مع اطلاق الخبرين، بل وعمومهما الشامل لها ولغيرها،
مع أنه على تقدير اختصاصهما بها يحسن ذلك إن قلنا برد شهادة العبد
مطلقا. ولكنه ضعيف جدا، كما عرفت، وستقف عليه في بحث الشهادات إن
شاء الله تعالى.
ومقتضى الصحيح - كما ترى - عودهما رقا، وهو الموافق للأصل جدا،
لاستلزام قبول شهادتهما تبين وقوع العتق من غير مالكهما.
* (و) * لكن * (يكره له تملكهما) * ويستحب له أن يعتقهما، لأنهما كانا
سببا في حريته بعد الرقية فلا يكون سببا في رقيتهما بعد الحرية،
وللموثق: عن رجل كان في سفر ومعه جارية له وغلامان مملوكان فقال
لهما: أنتما حران لوجه الله تعالى واشهدا أن ما في بطن جاريتي هذه مني
فولدت غلاما، فلما قدموا على الورثة أنكروا ذلك واسترقوهم، ثم إن
الغلامين عتقا بعد ذلك فشهدا بعد ما أعتقا أن مولاهما الأول أشهدهما
على أن ما في بطن جاريته منه، قال: يجوز شهادتهما للغلام، ولا يسترقهما

(1) الوسائل 13: 461، الباب 71 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(2) الاستبصار 3: 17، ذيل الحديث 50.
537

الغلام الذي شهدا له، لأنهما أثبتا نسبه (1).
وحكي هنا قول (2) بتحريم استرقاقهما، أخذا بظاهر النهي في هذه
الرواية.
وهو كما ترى، لعدم مقاومتها للصحيح الصريح، المعتضد بالأصل،
وفتوى الأكثر، مع إشعار التعليل فيها بالكراهة جدا.
* (الرابعة: لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصي فيه) * ولا ما يجر به نفعا،
أو يستفيد منه ولاية على المشهور، بل في المسالك (3) وغيره عدم الخلاف
فيه إلا من الإسكافي حيث جوز شهادة الوصي لليتيم في حجره وإن كان هو
المخاصم للطفل، ولم يكن بينه وبين المشهود عليه ما يرشد شهادته عليه (4)،
ومال إليه المقداد في شرح الكتاب (5)، وكذا الشهيدان (6)، إلا أن الثاني منهما
قال بعده: إلا أن العمل على المشهور (7).
وهو حسن إن بلغ الشهرة الإجماع كما هو الظاهر منه، وإلا فمختار
الإسكافي لعله أجود، لما ذكره من بعد التهمة من العدل، حيث أنه ليس
بمالك، وربما لم يكن أجرة على عمله في كثير من الموارد (8)، مضافا إلى
المكاتبة الصحيحة المروية في الفقيه في باب شهادة الوصي للميت وعليه دين.
وفيها: كتب إليه: أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيرا أو كبيرا
بحق له على الميت أو على غيره وهو القابض للوارث الصغير وليس الكبير

(1) الوسائل 13: 460، الباب 71 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) حكاه صاحب كفاية الأحكام: 149 س 18.
(3) المسالك 6: 209.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف: 727 س 22.
(5) التنقيح 2: 419.
(6) الدروس 2: 128، الدرس 176، والمسالك 6: 209.
(7) المسالك 6: 209.
(8) المسالك 6: 209.
538

بقابض؟ فوقع (عليه السلام): نعم، وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم
شهادته (1). وظاهر الصدوق العمل بها، كما لا يخفى.
* (وتقبل) * شهادته * (للموصي في غير ذلك) * بلا خلاف، كما في صريح
التنقيح (2)، وظاهر غيره. وهو الحجة، مضافا إلى الأصول الدالة على قبول
شهادة المتصف بالعدالة.
إلا أن في تلك المكاتبة ما ظاهره ينافي ذلك، فإنه كتب إليه (عليه السلام): هل
تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟
فوقع (عليه السلام): إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعي يمين، بناء على أن يمين
المدعي مع العدل الواحد كاف في مثله، فلا يحتاج إلى شهادته، فاعتبار
اليمين معها كناية عن عدم قبولها.
وفي هذه المكاتبة ما يدل على جواز شهادته على الميت، فإن فيها:
وكتب إليه: أو تقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد آخر عدل؟
فوقع (عليه السلام): نعم من بعد يمين.
واعتبار اليمين هنا لا ينافي قبول شهادته، لكون الدعوى على الميت،
فاعتبارها للاستظهار.
* (الخامسة: إذا أوصى بعتق عبده أو أعتقه عند الوفاة وليس له سواه
انعتق ثلثه) * وسعى في باقي قيمته للورثة بلا خلاف فيه في صورة الوصية،
ويبنى في المنجز على الخلاف الآتي في احتسابه من الثلث أو الأصل.
* (ولو أعتق ثلثه عند الوفاة وله مال) * غيره * (أعتق الباقي من ثلثه) * أي
ثلث المال سراية عليه إن وفى به، وإن لم يف به أو لم يكن له مال سعى فيه
للورثة، ولا خلاف في شئ من ذلك أجده، إلا في إعتاق الباقي من الثلث

(1) الفقيه 3: 73، الحديث 3362.
(2) التنقيح 2: 419.
539

خاصة، فإنه يبنى على مذهب أكثر من تأخر من إخراج المنجز من
الثلث دون الأصل، ويأتي على غيره انعتاق الباقي منه دون خصوص الثلث،
كما هو واضح.
* (ولو أعتق مماليكه عند الوفاة أو أوصى بعتقهم ولا مال) * له
* (سواهم) * ولم يجز الورثة * (أعتق ثلثهم بالقرعة) * بتعديلهم أثلاثا
بالقيمة (1)، وعتق ما أخرجته القرعة بلا خلاف أجده.
وفي الصحيح: كان علي (عليه السلام) يسهم بينهم.
وفي الخبر: أن أبي ترك ستين مملوكا وأعتق ثلثهم فأقرعت بينهم
وأخرجت عشرين فأعتقتهم (2).
ولو استلزم ذلك عتق جزء من أحدهم سعى في باقيه، وإنما لا يعتق
ثلث كل واحد، مع أن كل واحد منهم بمنزلة الموصى له، وقد تقرر أن
الوصايا إذا وقعت دفعة قسط عليها الثلث بالنسبة، لما ورد من فعل
النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك (3)، ولاستلزام عتق الكل الإضرار بالورثة. وأما العتق من
الثلث دون الأصل في المنجز فمبني على ما عرفت من مذهب أكثر من تأخر.
* (ولو رتبهم) * في الإعتاق أو الوصية به * (أعتق الأول فالأول حتى
يستوفي الثلث، وبطل الزائد) * بلا خلاف، للأصل المتقدم، وخصوص النص:
في رجل أوصى عند موته أعتق فلانا وفلانا وفلانا وفلانا وفلانا فنظرت في
ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال: ينظر إلى
الذين سماهم وبدأ بعتقهم فيقومون، وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أول شئ ثم
الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس، فإن عجز الثلث كان في الذي سمى

(1) في المطبوع: بالقسمة.
(2) الوسائل 16: 65، الباب 65 من أبواب العتق الحديث 2، 1.
(2) الوسائل 16: 65، الباب 65 من أبواب العتق الحديث 2، 1.
(3) المستدرك 14:: 104، الباب 16 من أبواب الوصايا الحديث 3.
540

أخيرا، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك، فلا يجوز له ذلك (1).
* (السادسة: إذا أوصى بعتق رقبة) * وأطلق ولم يكن ثمة قرينة معينة
* (أجزأ الذكر والأنثى والصغير والكبير) * للإطلاق، وفي الخبر - بل الحسن
على بعض النسخ -: عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه قال: إن فاطمة أم ابنتي
أوصت أن أعتق عنها رقبة فأعتقت عنها امرأة (2).
* (ولو قال مؤمنة لزم) * لحرمة تبديل الوصية * (فإن لم يجد أعتق من
لا يعرف بنصب) * كما عن الشيخ (3)، بل ظاهر التنقيح وصريح غيره عدم
الخلاف فيه (4)، لرواية علي بن أبي حمزة - المنجبر ضعفه بالشهرة، المحكية
في الروضة (5) وغيرها، كما حكي، وبدعوى الشيخ الإجماع على قبول
روايته (6)، وبرواية ابن أبي عمير عنه في هذه الرواية -: عن رجل أوصى
بثلاثين دينارا يعتق بها رجل من أصحابنا فلم يوجد بذلك، قال: يشتري من
الناس. فيعتق.
وهي وإن لم يكن فيها تقييد بعدم النصب، إلا أنه مستفاد من الخارج،
لكفر الناصب، وعدم جواز عتق الكافر، مع ظهوره من روايته الأخرى: عن
رجل هلك فأوصى بعتق نسمة مسلمة بثلاثين دينارا فلم يوجد له بالذي
سمى لهم، قال: ما أرى لهم أن يزيدوا على الذي سمي، قلت: فإن لم يجد،
قال: فيشترون من عرض الناس ما لم يكن ناصبا (7).
خلافا لجماعة، فلم يجوزوا ذلك وقالوا: بلزوم الصبر وتوقع المكنة،

(1) الوسائل 13: 457، الباب 66 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(2) الوسائل 13: 461، الباب 72 من أبواب الوصايا ذيل الحديث 1.
(3) النهاية 3: 162.
(4) التنقيح 2: 421.
(5) الروضة 5: 49.
(6) عدة الأصول 1: 381.
(7) الوسائل 13: 462، الباب 73 من أبواب الوصايا الحديث 2، 1.
541

للأصل، والقاعدة. وهو حسن لولا الرواية المتقدمة، المنجبرة بالشهرة، وعدم
الخلاف، المحكيين في المسألة.
ثم إن في التنقيح أنه قيل في تفسير الناصب: وجوه، الأول: أنه
الخارجي الذي يقول في علي (عليه السلام) ما قال، الثاني: أنه الذي ينسب إلى أحد
المعصومين (عليهم السلام) ما يثلم العدالة، الثالث: من إذا سمع فضيلة لعلي (عليه السلام) أو
لغيره من المعصومين أنكرها، الرابع: من اعتقد فضيلة غير علي (عليه السلام) عليه،
الخامس: من سمع النص على علي (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله) أو بلغه تواترا أو
بطريق يعتقد صحته فأنكره.
ثم قال: والحق صدق النصب على الجميع، أما من يعتقد إمامة غيره (عليه السلام)
للإجماع أو لمصلحة ولم يكن من أحد الأقسام فليس بناصب،
والمرتضى (رحمه الله) وابن إدريس أطلقاه على غير الاثني عشرية (1).
* (ولو ظنها) * أي الرقبة المؤمنة الموصى بعتقها * (مؤمنة فأعتقها ثم بانت
بخلافه أجزأت) * بلا خلاف أجده. قيل: لأنه متعبد في ذلك بالظاهر لا بما
في نفس الأمر، إذ لا يطلع عليه إلا الله سبحانه، فقد امتثل الأمر، وهو يقتضي
الإجزاء (2).
والأجود الاستدلال عليه بالصحيح: عن رجل أوصى بنسمة مؤمنة
عارفة فلما أعتقناه بان لنا أنه لغير رشده، فقال: قد أجزأت عنه، إنما
مثل ذلك مثل رجل اشترى أضحية على أنها سمينة فوجدها مهزولة فقد
أجزأت عنه (3).
* (السابعة: إذا أوصى بعتق رقبة بثمن معين) * وجب شراؤها به * (فإن لم

(1) التنقيح 2: 421..
(2) المسالك 6: 212.
(3) الوسائل 13: 481، الباب 95 من أبواب الوصايا الحديث 3.
542

يوجد) * أو وجدت لكن بأزيد * (توقع) * المكنة من الشراء به، ولم يجب
بذل الزيادة، بل لا يجوز، لحرمة تبديل الوصية، وبه صرحت بعض الروايات
المتقدمة في المسألة السابقة.
* (وإن وجدها بأقل) * من ذلك الثمن * (أعتقها ودفع إليها الفاضل) * منه
مع اليأس عن الرقبة الموصى بها بلا خلاف، استنادا في العتق إلى أنه الأقرب
إلى الوصية فيتبع، للمعتبرة الدالة: على أن الميسور لا يسقط بالمعسور (1).
وفي دفع الفاضل إليها إلى أنه صرف له في وجوه البر مع تعذر العمل فيه
بالوصية، وإن هو حينئذ إلا كمسألة من كان وصيا في أمور قد نسيها في
عدم إمكان العمل بالوصية، إلا أن هذا الوجه لا يوجب الدفع إلى الرقبة، بل
غايته الجواز، وهو أعم من الوجوب، الذي هو ظاهر العبارة وغيرها من
عبائر الجماعة.
إلا أن يقال: بأن الدفع إليها أقرب إلى الوصية. فتأمل.
هذا، مضافا إلى الموثق في الأمرين: عن رجل أوصى أن يعتق عنه
نسمة بخمسمائة درهم من ثلثه فاشترى الوصي نسمة بأقل من خمسمائة
درهم وفضلت فضلة فما ترى؟ قال: تدفع الفاضلة إلى النسمة من قبل أن
يعتق ثم يعتق عن الميت (2).
وقصوره سندا بسماعة ودلالة بأعميته مما ذكره الجماعة من تقييد
الحكم بفقد الرقبة الموصى بشرائها بالثمن المعين - نظرا إلى ترك الاستفصال
عنه وعن الوجدان المفيد للعموم لهما - غير قادح بعد الانجبار بالشهرة،
وكون العام المخصص في الباقي حجة، مضافا إلى موافقته للقاعدة في صورة

(1) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 205، وفيه اختلاف يسير.
(2) الوسائل 13: 466، الباب 77 من أبواب الوصايا الحديث 1، وفيه اختلاف يسير.
543

اليأس، كما مر إليه الإشارة مع إمكان الذب عن الأول بما قيل: من وثاقة
سماعة (1)، وعن الثاني: باقتضاء السؤال، بناء على أصالة حمل أفعال المسلم
على الصحة وقوع شراء الرقبة في الصورة التي وقع تقييد الحكم بها في كلام
الجماعة.
ومما ذكرنا يظهر وجه انسحاب الحكم في صورتي اليأس عن التمكن
من شراء الموصي بها وعدمه، كما أطلقه الجماعة، إلا أن الأحوط قصره
على الصورة الأولى خاصة، ويتوقع في غيرها المكنة.
* (الثامنة: تصرفات المريض إذا كانت مشروطة بالوفاة) * ويعبر عنها
بالوصية * (فهي من الثلث) * مع عدم إجازة الورثة، كما مر إليه وإلى دليله
الإشارة.
* (وإن كانت منجزة) * غير معلقة عليها * (وكان فيها محاباة) * في
المعاوضة من البيع بأقل من ثمن المثل والشراء بأزيد منه * (أو عطية
محضة) * أو الوقف والعتق والصدقة.
* (فقولان، أشبههما) * وأشهرهما بين المتأخرين * (أنها) * تخرج * (من
الثلث) * وفاقا للإسكافي (2) والصدوق، كما حكي (3)، ولعله قال به في غير
الفقيه، لما يأتي من مصيره فيه إلى القول الآتي، وهو ظاهر الخلاف (4)،
وصريح المبسوط على ما قيل (5).
وعبارته المحكية في السرائر لا تساعد ذلك، فإنه قال: العتق في المرض
المخوف يعتبر عند بعض أصحابنا في الأصل وعند الباقين في الثلث، وهو
مذهب المخالفين.

(1) قاله صاحب كفاية الأحكام: 149 س 24.
(2) المختلف 6: 413.
(3) المختلف 6: 413.
(4) الخلاف 4: 143، المسألة 12.
(5) قاله العلامة في المختلف 6: 413.
544

ثم قال: فإذا ثبت ذلك فأعتق بعضا نظرت إلى آخر ما ذكره (1).
وهو - كما ترى - غير صريح في اختيار هذا القول، بل ولا ظاهر، بل
ربما أشعر بالتردد فيه، للنصوص المستفيضة، وهي ما بين ظاهرة وصريحة،
وفيها الصحاح والموثقات وغيرها.
وقصورها سندا في بعض ودلالة في أخر منجبر بالشهرة المتأخرة.
خلافا للنهاية (2) والمقنعة (3) والقاضي (4) والصدوق في الفقيه والكليني
في الكافي، فإنهما قالا: باب أن صاحب المال أحق بماله ما دام حيا (5)، ثم
ساقا الأحاديث الدالة عليه خاصة، ولم يذكرا فيه شيئا من روايات القول
الآخر، وجميع ذلك كالصريح في أن مذهبهما ذلك.
والحلي (6) والمرتضى (7) وابن زهرة (8)، فأخرجوه من الأصل. وهو
المشهور بين القدماء ظاهرا بل لعله لا شبهة فيه جدا، بل ادعى السيدان في
بحث الهبة أن عليه إجماع الإمامية (9)، وجعله في السرائر الأظهر في
المذهب (10)، مشعرا بالشهرة عليه أقل، للنصوص المستفيضة الأخر التي فيها
أيضا الصحيح والموثق وغيرهما (11)، وهي أيضا ما بين ظاهرة وصريحة.
والمسألة محل إشكال وريبة، لاختلاف النصوص، وقبول جل منها
التأويل بما يؤول إلى الأخر، مع غموض المرجحات، وتعارض الوجوه
الاعتبارية من الطرفين، إلا أن الترجيح للأخبار الأخيرة، من حيث
اعتضادها بالأصول القطعية، والشهرة القديمة المترجحة على الشهرة

(1) السرائر 3: 15.
(2) النهاية 3: 176 - 177.
(3) المقنعة: 671.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 413.
(5) الفقيه 4: 201، الكافي 7: 7.
(6) السرائر 3: 15.
(7) الإنتصار: 224.
(8) الغنية: 301.
(9) الإنتصار: 224، والغنية: 301.
(10) السرائر 3: 15.
(11) الوسائل 13: 381، الباب 17 من أبواب الوصايا.
545

المتأخرة، حيث حصل بينهما معارضة، كما في المسألة، مضافا إلى
الإجماعات المحكية، وعدم قبول كثير منها التأويل بما يؤول إلى الأخبار
الأولة، ومخالفتها للعامة، فإن القول بمضمون الأخبار الأولة مذهب فقهائهم
كافة، كما يستفاد من صريح الانتصار (1) والمبسوط (2) والسرائر (3) وظاهر
الغنية (4) والتذكرة (5).
فلتحمل تلك الأخبار على التقية لذلك، مع اعتضاده بمصير الإسكافي
إليه (6)، كما عرفته غير مرة، أو يؤول ما يقبل منها التأويل إلى ما يؤول إلى
الأخيرة، بحملها على الوصية خاصة، كما يشعر به بعضها، كالخبرين.
في أحدهما: للرجل عند موته ثلث ماله وإن لم يوص فليس للورثة
امضاؤه (7).
وفي الثاني: إن أعتق رجل عند موته خادما ثم أوصى بوصية أخرى
ألغيت الوصية وأعتقت الخادم من ثلثه، إلا أن يفضل من الثلث ما يبلغ
الوصية (8). ونحوهما بعض الصحاح المتقدمة في بحث من أعتق وعليه دين.
حيث وقع إطلاق الإعتاق على الوصية به، وقد مر ثمة أن احتمال جعل ذلك
قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي للاعتاق، وهو المنجز إلى الأعم منه ومن
الوصية، معارض باحتمال جعلها صارفة عنه إلى المجاز الأخص، وهو
الوصية خاصة، والأصل المتأيد بظاهر هذين الخبرين المطلقين لما ظاهره
المنجز على خصوص الوصية يرجح الثاني.

(1) الإنتصار: 224.
(2) المبسوط 6: 57.
(3) السرائر 3: 15.
(4) الغنية: 301.
(5) التذكرة 2: 487 س 27.
(6) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 413.
(7) الوسائل 13: 363، الباب 10 من أبواب الوصايا الحديث 7.
(8) الوسائل 13: 458، الباب 67 من أبواب الوصايا الحديث 3.
546

وبه يذب عما عينا ثمة به الاحتمال الأول من اتفاق فهم الفقهاء على
ذلك، مع أنه ليس بواضح، لعدم ظهوره إلا من حيث استدلالهم لحكم المنجز
في تلك المسألة بهذا الرواية، وهو لا يوجب فهمهم المنجز من تلك الرواية،
فلعلهم فهموا منها الوصية خاصة. وألحقوا بها المنجز من باب الإجماع
المركب، فإن كل من قال بذلك الحكم في الوصية قال به في المنجز وإن كان
لا عكس، لمصير الماتن إلى ثبوته في المنجز دونها.
وحيث ثبت الحكم بالرواية فيها ثبت في المنجز أيضا اتفاقا، ويعضد
هذا الحمل فهم المشائخ - كالكليني - (1) من لفظ " العبد " خصوص
" الوصية "، ولذا عنونوا الباب بها، ثم ساقوا فيه من الأخبار ما يتضمن ذكر
كون التصرف عند الموت، الظاهر في المنجز على الظاهر.
ويحتمل الحمل أيضا على الاستحباب والفضيلة، كما وقع التصريح به
في بعض الأخبار الأخيرة، وإلى هذا القول مال من متأخري المتأخرين
جماعة، كصاحب الكفاية (2) وغيره.
ولقد كتبت في المسألة رسالة منفردة رجحت فيها خلاف ما هنا لغفلتي
عن الشهرة القديمة والاجماعين المتقدم إلى ذكرهما الإشارة، وعن كون
الأخبار الأولة موافقة للعامة، فشيدتها زعما مني اعتضادها بالشهرة،
وطرحت ما خالفها. وهو كما ترى.
فالمصير إلى القول الثاني أقوى ثم أقوى.
ثم إن إطلاق المرض في العبارة وما ضاهاها من عبائر جماعة وصريح
آخرين يقتضي عدم الفرق فيه بين المخوف منه وغيره، لإطلاق النصوص،
بل عموم بعضها.

(1) الكافي 7: 16.
(2) كفاية الأحكام: 151 س 15.
547

خلافا للمحكي عن المبسوط (1)، فخصه بالأول، تمسكا بما زعمه من
ظاهر بعضها. ولم نجد له دلالة.
نعم لو ضعف الإطلاقات عن الشمول للثاني، لوقوع التعبير فيها
بالتصرفات عند الموت، كما في بعض، أو وقت حضوره، كما في آخر - ولا
ريب في ظهورهما فيما ذكره - فلا يبعد المصير إلى ما اختاره لا لما ذكره،
بل لقصر الحكم المخالف للأصول على المتيقن منها، إذ ليس بمقتضى
الفرض، إلا الشق الأول.
واعلم أن محل الخلاف في أصل المسألة إنما هو إذا مات المريض في
مرضه ذلك. أما لو برأ منه حسب من الأصل مطلقا ولو مات في مرض آخر
بلا خلاف، كما في التنقيح (2) والمسالك (3) وغيرهما. وهذا مما يؤيد به ما
اخترناه هنا.
* (أما الإقرار للأجنبي) * بدين * (فإن كان متهما على الورثة) * مريدا
الإضرار عليهم بالإقرار بذلك، ويظهر ذلك من القرائن الخارجة * (فهو من
الثلث، وإلا فهو من الأصل، و) * الإقرار * (للوارث) * بذلك * (من الثلث على
التقديرين) * أي مع التهمة وعدمها.
استنادا في القسم الأول إلى الصحيح: عن امرأة استودعت رجلا مالا
فلما حضرها الموت قالت له: إن المال الذي أودعته إليك لفلانة وماتت
المرأة وأتى أولياؤها الرجل فقالوا له: إنه كان لصاحبتنا مال ولا نراه إلا
عندك فاحلف لنا ما لنا قبلك شئ أيحلف لهم؟ فقال: إن كانت مأمونة
فيحلف لهم، وإن كانت متهمة فلا يحلف، ويضع الأمر على ما كان، فإنما لها

(1) الحاكي الشهيد في المسالك 6: 305.
(2) التنقيح 2: 422.
(3) المسالك 6: 314.
548

من مالها ثلثه (1).
وفي الثاني إلى الصحيح: عن رجل أقر لوارث له وهو مريض بدين
عليه، قال: يجوز عليه إذا أقر به دون الثلث (2).
* (ومنهم من سوى بين القسمين) * وهم الأكثرون وإن اختلفوا من وجه
آخر، فبين من حكم بنفوذ الإقرار من الأصل فيهما مطلقا، ومن فصل بين
صورتي التهمة فمن الثلث وعدمها فمن الأصل.
ونسب الأول إلى الديلمي (3) وعليه الحلي، مدعيا الإجماع عليه (4)،
لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (5)، وأنه بإقراره يريد إبراء ذمته من
حق عليه في حال الصحة، ولا يمكن التوصل إليه إلا به، فلو لم يقبل إقراره
بقيت ذمته مشغولة وبقي المقر له ممنوعا من حقه، وكلاهما مفسدة، فقبول
قوله أوفق بمقتضى الحكمة الإلهية.
وفيهما نظر، لوجوب تخصيص الأول بما سيأتي، وما مر من النص
المعتبر، ومنع التعليل الآخر بأن الإقرار كما يحتمل القصد إلى الإبراء كذا
يحتمل مجرد حرمان الورثة، مع عدم كون ذمته بشئ مشغولة، كما يشير
إليه الأخبار الآتية، المصرحة باشتراط نفي التهمة.
ونسب الثاني إلى الشيخين (6) والقاضي (7)، واختاره الماتن في
الشرائع (8) وشيخنا في شرحه (9) وسبطه في شرح الكتاب، كما حكاه عنه

(1) الوسائل 13: 377، الباب 16 من أبواب الوصايا الحديث 2، 3.
(2) الوسائل 13: 377، الباب 16 من أبواب الوصايا الحديث 2، 3.
(3) المراسم: 201.
(4) السرائر 3: 217.
(5) الوسائل 16: 111، الباب 3 من أبواب الاقرار الحديث 2.
(6) لم نجد التصريح به في المقنعة: 662، نعم نسبه إليه في المسالك 11: 95، والنهاية 3: 167.
(7) نقله عنه العلامة في المختلف 6: 415.
(8) الشرائع 3: 152.
(9) المسالك 11: 96.
549

بعض الأصحاب (1)، ونسبه الشهيدان وغيرهما إلى الأكثر (2).
واستندوا في الشق الأول إلى الصحيح المتقدم.
وفي الشق الثاني إلى الصحيح: عن رجل أوصى لبعض ورثته أن له عليه
دينا، فقال: إن كان الميت مرضيا فأعطه الذي أوصى له (3). ونحوه
الموثق (4).
وليس في مفهومهما - كما ترى - جواز إخراج الإقرار من الثلث مع
التهمة، وكذلك الصحيح المتقدم في الشق الأول، بل ظاهره عدم الإخراج
مطلقا، لقوله: " وإن كانت متهمة فلا يحلف ويضع الأمر على ما كان " (5).
ووضع الحق على ما كان ظاهر في عدم نفوذ الإقرار من شئ مطلقا.
ولا ينافيه التعليل بقوله: " فإنما لها من مالها ثلثه "، لعدم تصريح فيه، بل
ولا ظهور في النفوذ من الثلث.
نعم ربما كان فيه إشعار ما به، إلا أنه لا يعترض به القول السابق مما هو
في غاية الظهور في عدم النفوذ مطلقا. فلم أفهم وجه حكمهم بنفوذه مع
التهمة من الثلث.
إلا أن يقال: بانعقاد الإجماع على النفوذ من الثلث مطلقا، لأجنبي كان
الإقرار، أو لوارث، كان هناك تهمة، أم لا، كما يستفاد من الأقوال المحكية
في المسألة البالغة سبعة، كما في نكت الإرشاد (6) وغيره. وشئ منها لم

(1) حكاه عنه صاحب الحدائق 22: 614.
(2) لم نعثر على نسبة الشهيد الأول إلى الأكثر في كتبه المتوفرة لدينا، ومسالك الأفهام 11: 95.
(3) الوسائل 13: 376، الباب 16 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(4) الوسائل 13: 378، الباب 16 من أبواب الوصايا الحديث 8.
(5) الوسائل 13: 377، الباب 16 من أبواب الوصايا الحديث 2.
(6) غاية المرام: 83 س 13 (مخطوط).
550

يتضمن الحكم بحرمان المقر له عن الحق المقر به مع التهمة مطلقا، بل اتفقت
على إعطائه من الثلث وإن اختلفت في الزيادة عليه على أقوال شتى.
هذا، مع أن الصحيح المتقدم سندا لمختار الماتن هنا في الشق الثاني
مطلق في إخراج الإقرار للوارث إذا كان دون الثلث. فتأمل.
وبالجملة: العمدة في تتميم هذا القول هو الإجماع.
مع إمكان أن يقال أيضا: بأن الإقرار يتضمن الحكم بالإعطاء، فهو
كالأمر به منجزا، أو وصية لا بد من إخراجه من الثلث جدا.
واعلم أن مختار الماتن هنا من متفرداته، كما صرح به جملة من
أصحابنا.
* (التاسعة: أرش الجراح ودية النفس يتعلق بهما الديون والوصايا) *
فتخرجان منهما * (كسائر أموال الميت) * على الأظهر الأشهر، بل نفى عنه
الخلاف في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (1) والكفاية (2)، وعن المحقق
الثاني (3) وفي السرائر (4) والمهذب (5) الإجماع عليه، لكن في دية الخطأ
خاصة. وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فقتل
خطأ - يعني الموصي - فقال: تجاز لهذه الوصية من ميراثه وديته (6).
وفيه: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام): في رجل أوصى لرجل وصية مقطوعة
غير مسماة من ماله ثلثا أو ربعا أو أقل من ذلك أو أكثر ثم قتل بعد ذلك

(1) مجمع الفائدة 9: 102.
(2) كفاية الأحكام: 146 س 11.
(3) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا.
(4) السرائر 2: 49.
(5) الظاهر صاحب المهذب البارع 4: 352.
(6) الوسائل 13: 372، الباب 14 من أبواب الوصايا الحديث 1، وفيه اختلاف يسير.
551

الموصي فودي، فقضى في وصيته أنها تنفذ من ماله وديته كما أوصى (1).
وفيه: عن رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا فأخذ أهله الدية من
قاتله أعليهم أن يقضوا الدين عنه؟ قال: نعم، قال: قلت: وهو لم يترك شيئا،
قال: إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين عنه (2).
ونحوه الخبر القريب من الصحيح بانجبار راويه - وهو عبد الحميد بن
سعيد - برواية صفوان بن يحيى عنه (3).
وإطلاق هذين الأخيرين بل عمومهما الناشئ من ترك الاستفصال
يقتضي عدم الفرق بين ديتي العمد والخطأ. وهو ظاهر إطلاق العبارة ونحوها
من عبائر الجماعة، وبه صرح آخرون، ومنهم الماتن هنا في كتاب الإرث،
ونسبه في المسالك إلى المشهور (4). وهو المنصور، لما مر، مضافا إلى النص
الصريح المروي في الفقيه في كتاب الفرائض في أواخر باب القود ومبلغ
الدية.
وفيه: فإن هو قتل عمدا وصالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى من
الدين؟ على أوليائه من الدية، أو على المسلمين؟ فقال: بل يؤدوا دينه من
ديته التي صالح عليها أولياؤه، فإنه أحق بديته من غيره (5).
وفي الخبر: إذا قبلت دية العمد فصارت مالا فهي ميراث كسائر
الأموال (6).

(1) الوسائل 13: 373، الباب 14 من أبواب الوصايا الحديث 3.
(2) الوسائل 13: 411، الباب 31 من أبواب الوصايا الحديث 1.
(3) الوسائل 13: 111، الباب 24 من أبواب الدين والقرض ذيل الحديث 1.
(4) المسالك 2: 313 س 35.
(5) الفقيه 4: 112، الحديث 5220، وفيه اختلاف يسير.
(6) الوسائل 17: 397، الباب 14 من أبواب موانع الإرث الحديث 1.
552

خلافا للحلي (1)، فخص الحكم بدية الخطأ، معللا: بأن العمد إنما يوجب
القصاص وهو حق للوارث، فإذا رضي بالدية كانت عوضا عنه، فكانت أبعد
عن استحقاق الميت من دية الخطأ. ومال إليه في الكفاية، حيث استشكل في
الحكم في دية العمد، معتذرا بما مر، وكون الصحيحين الأولين غير شاملين
لها، لاختصاص أولهما بدية الخطأ، وكون الثاني قضية في واقعة فلا تعم (2).
وهو حسن لولا ما قدمناه من الصحيح. والقريب منه سندا، المطلقين،
بل العامين، وخصوص النص الصريح، المنجبر ضعفه بالشهرة الظاهرة
والمحكية، بل اتفاق الطائفة، كما اعترف هو وغيره بها، معتضدة
بنصوص أخر.
منها: عن رجل قتل وعليه دين وليس له مال فهل لأوليائه أن يهبوا دمه
لقاتله وعليه دين؟ فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل فإن أوهب
أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء (3).
ونحوه آخر، إلا أنه قال فيه: فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل فهو جائز،
وإن أرادوا القود ليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء، وإلا فلا (4).
نعم ربما يعضد ما ذكره من الاختصاص بدية الخطأ مفهوم القوي
بالسكوني - المجمع على تصحيح رواياته، كما حكي -: من أوصى بثلثه ثم
قتل خطأ فإن ثلث ديته داخل في وصيته (5). فيقيد به إطلاق الصحيحين.
ويذب عن النص الصريح بضعفه بمحمد بن أسلم الجبلي وعلي بن
أبي حمزة البطائني، لكن هذا إنما يتم لو لم تكن الشهرة الجابرة لسند الرواية

(1) السرائر 2: 49.
(2) كفاية الأحكام: 146 س 12
(3) الوسائل 19: 92، الباب 59 من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(4) التهذيب 6: 312، الحديث 861.
(5) الوسائل 13: 372، الباب 14 من أبواب الوصايا الحديث 2.
553

الصريحة والموجبة لعدم مقاومة القوية لتلك النصوص المطلقة وهي - كما
عرفت - متحققة ومحكية، معتضدة بنفي الخلاف عن إطلاق الحكم في كلام
جماعة. فلا ريب ولا شبهة فيما ذكره الجماعة.
وكون رأي الحلي (1) ضعيفا غايته، ولذا لم يشر إليه أحد في الكتب
الاستدلالية.
وأضعف منه القول المحكي عن نادر مجهول بعدم الحكم في دية الخطأ
أيضا، معللا بتأخر استحقاقها عن الحياة التي شرط الملك، والدين كان
متعلقا بالذمة حال الحياة وبالمال بعد الوفاة، والميت لا يملك بعدها شيئا (2)،
وإن هو إلا اجتهاد صرف في مقابلة النصوص المستفيضة، المعتضدة
بالإجماعات المحكية.
إلى هنا انتهى الجزء التاسع - حسب تجزئتنا -
ويتلوه الجزء العاشر إن شاء الله تعالى وأوله:
كتاب النكاح

(1) السرائر 2: 49.
(2) حكاه صاحب الحدائق 20: 182.
554