الكتاب: رياض المسائل
المؤلف: السيد علي الطباطبائي
الجزء: ١٢
الوفاة: ١٢٣١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٢
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٩٦٤-٤٧٠-٠٤٦-٥
ملاحظات:

626
رياض المسائل
تأليف
الفقيه المدقق
السيد علي الطباطبائي
المتوفي سنة 1231 ه‍ ق
الجزء الثاني عشر
تحقيق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة
1

شابك 5 - 046 - 470 - 964
ISBN 964 - 470 - 046 - 5
رياض المسائل
في بيان
أحكام الشرع بالدلائل
(ج 12)
* المؤلف: الفقيه المدقق السيد علي الطباطبائي قدس سره
* الموضوع: الفقه
* تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
* عدد الصفحات: 704
* الطبعة: الأولى
* المطبوع: 1000 نسخة
* التاريخ: 1422 ه‍ ق
* السعر: 2150 تومانا
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
خدمة للقارئ الكريم ننقل متن كتاب «المختصر النافع» للمحقق
الحلي (قدس سره) - وهي النسخة المطبوعة المتداولة - بقدر ما جاء في هذا
الجزء من «رياض المسائل» لآية الله السيد علي الطباطبائي (رحمه الله)،
ولا يخفى أن بين النسخة المذكورة والنسخ المتعددة من الرياض
اختلافات لم نذكر مواردها بل تركناها للقارئ العزيز.
كتاب الصيد والذبائح
يؤكل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم والمعراض إذا خرق.
ولو أصاب السهم معترضا حل إن كان فيه حديدة، ولو خلا منها لم
يؤكل إلا أن يكون حادا فيخترق. وكذا ما يقتله الكلب المعلم دون غيره
من الجوارح.
ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم. ولا ما قتله العقاب
وغيره من جوارح الطير إلا أن يذكى. وإدراك ذكاته بأن يجده ورجله
تركض أو عينه تطرف. وضابطه حركة الحيوان.
ويشترط في الكلب أن يكون معلما يسترسل إذا أغري وينزجر إذا
زجر، وأن لا يعتاد أكل صيده، ولا عبرة بالندرة.
ويعتبر في المرسل أن يكون مسلما أو بحكمه قاصدا بإرساله الصيد
مسميا عند الإرسال. فلو ترك التسمية عامدا لم يؤكل صيده، ويؤكل
لو نسي إذا اعتقد الوجوب. ولو أرسل وسمى غيره لم يؤكل صيده إلا
أن يذكيه.
3

ويعتبر أن لا يغيب عنه، فلو غاب وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا
أو ميتا لم يؤكل. وكذا السهم، ما لم يعلم أنه القاتل.
ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة وغيرهما من الآلة وبالجوارح
لكن لا يحل منه إلا ما ذكي.
والصيد ما كان ممتنعا، فلو قتل بالسهم فرخا أو قتل الكلب طفلا
غير ممتنع لم يحل، ولو رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر دون
فرخه.
مسائل من أحكام الصيد
الأولى: إذا تقاطعته الكلاب قبل إدراكه حل.
الثانية: لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحل،
وينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة.
الثالثة: لو قطعه السيف اثنين فلم يتحركا حلا، ولو تحرك أحدهما
فهو الحلال إن كانت حياته مستقرة لكن بعد التذكية. ولو لم تكن
مستقرة حلا. وفي رواية: يؤكل الأكبر دون الأصغر وهي شاذة.
ولو أخذت الحبالة منه قطعة فهي ميتة.
الرابعة: إذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة ليذكيه لم يحل
حتى يذكى. وفي رواية جميل: يدع الكلب حتى يقتله.
الخامسة: لو أرسل كلبه وأرسل كافر كلبه فقتلا صيدا، أو مسلم
لم يسم أو لم يقصد الصيد لم يحل.
السادسة: لو رمى صيدا فأصاب غيره حل. ولو رمى لا للصيد فقتل
صيدا لم يحل.
4

السابعة: إذا كان الطير مالكا جناحه فهو لصائده إلا أن يعرف مالكه
فيرده إليه. ولو كان مقصوصا لم يؤخذ لأن له مالكا.
ويكره أن يرمي الصيد بما هو أكبر منه. ولو اتفق قيل: يحرم،
والأشبه: الكراهية.
وكذا يكره أخذ الفراخ من أعشاشها، والصيد بكلب علمه مجوسي،
وصيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة، وصيد الوحش والطير بالليل.
والذبائح
تستدعي بيان فصول:
الأول الذابح:
ويشترط فيه الإسلام أو حكمه ولو كان أنثى. وفي الكتابي روايتان،
أشهرهما: المنع. وفي رواية ثالثة: إذا سمعت تسميته فكل، والأفضل أن
يليه المؤمن، نعم لا تحل ذبيحة المعادي لأهل البيت (عليهم السلام).
الثاني الآلة:
ولا تصح إلا بالحديد مع القدرة، ويجوز بغيره مما يفري الأوداج
عند الضرورة، ولو مروة أو ليطة أو زجاجة. وفي الظفر والسن مع
الضرورة تردد.
الثالث الكيفية:
وهي قطع الأعضاء الأربعة: المرئ، والودجان، والحلقوم. وفي
الرواية: إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس. ويكفي في النحر الطعن
في الثغرة.
ويشترط استقبال القبلة بالذبيحة مع الإمكان، والتسمية، فلو أخل
بأحدهما عمدا لم يحل، ولو كان نسيانا حل.
5

ويشترط نحر الإبل وذبح ما عداها، فلو نحر المذبوح أو ذبح
المنحور لم يحل.
ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي. وأدناه أن يتحرك
الذنب أو تطرف العين ويخرج الدم المعتدل. وقيل: يكفي الحركة.
وقيل: يكفي أحدهما، وهو أشبه.
وفي إبانة الرأس بالذبح قولان، المروي: أنها تحرم. ولو سبقت
السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة.
ويستحب في الغنم ربط يدي المذبوح وإحدى رجليه، وإمساك
صوفه أو شعره حتى يبرد. وفي البقر عقد يديه ورجليه، وإطلاق ذنبه.
وفي الإبل ربط أخفافه إلى إبطيه. وفي الطير إرساله.
ويكره الذباحة ليلا، ونخع الذبيحة، وقلب السكين في الذبح، وأن
يذبح حيوانا وآخر ينظر إليه، وأن يذبح بيده ما رباه من النعم.
ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها. وقيل: يكره، وهو أشبه.
ويلحق به أحكام
الأول: ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير تفحص.
الثاني: ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي
في بئر يجوز عقره بالسيف وغيره مما يجرح إذا خشي تلفه.
الثالث: ذكاة السمك، إخراجه من الماء حيا. ولا يعتبر في المخرج
الإسلام ولا التسمية. ولو وثب أو نضب عنه الماء فأخذ حيا حل. وقيل:
يكفي إدراكه يضطرب. ولو صيد وأعيد في الماء فمات لم يحل وإن كان
في الآلة. وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا. ولا يشترط إسلام الآخذ،
6

ولا التسمية، ولا يحل ما يموت قبل أخذه. وكذا لو أحرقه قبل أخذه.
ولا يحل منه ما لم يستقل بالطيران.
الرابع: ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته. وقيل: يشترط مع
إشعاره إن لا تلجه الروح، وفيه بعد. ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية.
* * *
كتاب الأطعمة والأشربة
والنظر فيه يستدعي أقساما:
الأول في حيوان البحر: ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس ولو زال عنه
كالكنعت. ويؤكل الربيثا والاربيان والطمر والطبراني والإبلامي.
ولا يؤكل السلحفاة ولا الضفادع ولا السرطان. وفي الجري
روايتان، أشهرهما: التحريم. وفي الزمار والمارماهي والزهو روايتان.
والوجه: الكراهية.
ولو وجد في جوف سمكة سمكة اخرى حلت إن كانت مما يؤكل.
ولو قذفت الحية سمكة تضطرب، فهي حلال إن لم تنسلخ فلوسها.
ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وإن كان في شبكة
أو حظيرة. ولو اختلط الحي فيهما بالميت حل، والاجتناب أحوط.
ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا طاهرا يوما وليلة.
وبيض السمك المحرم مثله. ولو اشتبه أكل منه الخشن لا الأملس.
الثاني في البهائم: ويؤكل من الإنسية النعم.
ويكره الخيل والحمر وكراهية البغل أشد.
ويحرم الجلال منها على الأصح، وهو ما يأكل عذرة الإنسان
7

محضا، ويحل مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف. وفي كميته
اختلاف، محصله: استبراء الناقة بأربعين يوما والبقرة بعشرين،
والشاة بعشرة.
ويؤكل من الوحشية: البقر والكباش الجبلية والحمر والغزلان
واليحامير.
ويحرم كل ما له ناب، وضابطه: ما يفترس كالأسد والثعلب.
ويحرم الأرنب والضب واليربوع والحشار: كالفأرة والقنفذ والحية
والخنافس والصراصر وبنات وردان والقمل.
القسم الثالث في الطير: ويحرم منه ما كان سبعا كالبازي والرخمة.
وفي الغراب روايتان، والوجه: الكراهية. ويتأكد في الأبقع.
ويحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما ليس له قانصة
ولا حوصلة ولا صيصية.
ويحرم الخفاش والطاوس. وفي الخطاف تردد. والكراهة أشبه.
وتكره الفاختة والقبرة. وأغلظ من ذلك كراهية الهدهد، والصرد،
والصوام، والشقراق.
ولو كان أحد المحللة جلالا حرم حتى يستبرأ، فالبطة وما أشبهها
بخمسة أيام، والدجاجة ثلاثة أيام.
ويحرم الزنابير والذباب والبق والبرغوث وبيض ما لا يؤكل لحمه.
ولو اشتبه أكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق.
مسألتان:
الأولى: إذا شرب المحلل لبن الخنزيرة كره، ولو اشتد به عظمه حرم
لحمه ولحم نسله.
8

الثانية: لو شرب خمرا لم يحرم بل يغسل، ولا يؤكل ما في جوفه.
ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في جوفه.
القسم الرابع في الجامد، وهو خمسة:
الأول: الميتات، والانتفاع بها محرم، ويحل منها ما لا تحله الحياة
إذا كان الحيوان طاهرا في حال الحياة. وهو عشرة: الصوف، والشعر،
والوبر، والريش، والقرن، والعظم، والسن، والظلف، والبيض إذا اكتسى
القشر الأعلى، والأنفحة. وفي اللبن روايتان، والأشبه: التحريم.
الثاني: ما يحرم من الذبيحة، وهو خمسة: القضيب، والأنثيان،
والطحال، والفرث، والدم. وفي المثانة والمرارة تردد، أشبهه: التحريم
للاستخباث. وفي الفرج والعلباء والنخاع وذات الأشاجع والغدد
وخرزة الدماغ والحدق خلاف، أشبهه: الكراهية. وتكره الكلى والقلب
والعروق. وإذا شوي الطحال مثقوبا فما تحته حرام وإلا فهو حلال.
الثالث: الأعيان النجسة: كالعذرات وما أبين من حي. والعجين إذا
عجن بالماء النجس، وفيه رواية بالجواز بعد خبزه، لأن النار قد طهرته.
الرابع: الطين، وهو حرام، إلا طين قبر الحسين (عليه السلام) للاستشفاء ولا
يتجاوز قدر الحمصة.
الخامس: السموم القاتلة: قليلها وكثيرها، وما يقتل كثيره فالمحرم
ما بلغ ذلك الحد.
القسم الخامس في المائعات، والمحرم خمسة:
الأول: الخمر، وكل مسكر، والعصير إذا غلى.
الثاني: الدم. وكذا العلقة ولو في البيضة، وفي نجاستها تردد، أشبهه:
النجاسة. ولو وقع قليل دم في قدر وهي تغلي لم يحرم المرق، ولا ما
9

فيها إذا ذهب بالغليان. ومن الأصحاب من منع من المائع وأوجب
غسل التوابل وهو حسن، كما لو وقع غيره من النجاسة.
الثالث: كل مائع لاقته نجاسة فقد نجس، كالخمر والدم والميتة
والكافر الحربي. وفي الذمي روايتان، أشهرهما: النجاسة. وفي رواية:
إذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يديه وهي متروكة.
ولو كان ما وقع فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة وحل ما
عداه. ولو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة
لا تحت الأظلة. ولا يحل ما يقطع من أليات الغنم، ولا يستصبح بما
يذاب منها.
وما يموت فيه ماله نفس سائلة من المائع نجس دون ما لا نفس له.
الرابع: أبوال ما لا يؤكل لحمه. وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل:
نعم، إلا بول الإبل، والتحليل أشبه.
الخامس: ألبان الحيوان المحرم كاللبوة والذئبة والهرة.
ويكره ما كان لحمه مكروها كالأتن حليبه وجامده.
القسم السادس في اللواحق، وهي سبع:
الأولى: شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حي أو ميت على الأظهر،
فإن اضطر استعمل ما لا دسم فيه وغسل يده. ويجوز الاستقاء وبجلود
الميتة ولا يصلى بمائها.
الثانية: إذا وجد لحم فاشتبه ألقي في النار، فإن انقبض فهو ذكي، وإن
انبسط فهو ميتة. ولو اختلط الذكي بالميتة اجتنبا. وفي رواية الحلبي:
يباع ممن يستحل الميتة على الأصح.
الثالثة: لا يأكل الإنسان من مال غيره إلا بإذنه. وقد رخص مع عدم
الإذن في الأكل من بيوت من تضمنته الآية إذا لم يعلم الكراهية. وكذا
10

ما يمر الانسان به من ثمرة النخل. وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.
ولا يقصد ولا يحمل.
الرابعة: من شرب خمرا أو شيئا نجسا فبصاقه طاهر ما لم يكن
متغيرا بالنجاسة.
الخامسة: إذا باع ذمي خمرا ثم أسلم فله قبض ثمنها.
السادسة: الخمر تحل إذا انقلبت خلا ولو كان بعلاج، ولا تحل لو
ألقي فيها خل استهلكها. وقيل: لو ألقي في الخل خمر من إناء فيه خمر
لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا، وهو متروك.
السابعة: لا يحرم الربوبات والأشربة وإن شم منها رائحة المسكر.
ويكره الإسلاف في العصير. وأن يستأمن على طبخه من يستحله قبل
أن يذهب ثلثاه، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة
الكبريت.
* * *
كتاب الغصب
والنظر في أمور:
الأول
الغصب هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا. ولا يضمن
لو منع المالك من إمساك الدابة المرسلة. وكذا لو منعه من القعود على
بساطه ويصح غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به. ولو سكن
الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان، ولو قلنا بالضمان ضمن
النصف، ويضمن حمل الدابة لو غصبها. وكذا الأمة.
11

ولو تعاقبت الأيدي على المغصوب فالضمان على الكل، ويتخير
المالك.
والحر لا يضمن ولو كان صغيرا، لكن لو أصابه تلف بسبب الغاصب
ضمنه. ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان.
ولو حبس صانعا لم يضمن أجرته، ولو انتفع به ضمن اجرة الانتفاع.
ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم، ويضمنها لو غصبها من ذمي.
وكذا الخنزير.
ولو فتح بابا على مال ضمن السارق دونه، ولو أزال القيد عن فرس
فشرد أو عن عبد مجنون فأبق ضمن، ولا يضمن لو أزاله عن عاقل.
الثاني في الأحكام
يجب رد المغصوب وإن تعسر كالخشبة في البناء واللوح في
السفينة، ولو عاب ضمن الأرش.
ولو تلف أو تعذر العود ضمن مثله إن كان متساوي الأجزاء، وقيمته
يوم الغصب إن كان مختلفا. وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى حين
التلف. وفيه وجه آخر. ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية. وترد
الزيادة لزيادة في العين أو الصفة.
ولو كان المغصوب دابة فعابت ردها مع الأرش. وتتساوى بهيمة
القاضي والشوكي.
ولو كان عبدا وكان الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية إن كانت
مقدرة. وفيه قول آخر.
ولو مزج الزيت بمثله رد العين. وكذا لو كان بأجود منه، ولو كان
بأدون ضمن المثل. ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه. أما لو كانت
12

الزيادة لانضياف عين كالصبغ والآلة في الأبنية أخذ العين الزائدة ورد
الأصل، ويضمن الأرش إن نقص.
الثالث في اللواحق
وهي ستة:
الأولى: فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد، أو متصلة
كالصوف والسمن، أو منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة. ولا يضمن
من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كما لو سمن المغصوب وقيمته
واحدة.
الثانية: لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد أو يضمنه وما
يحدث من منافعه وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.
الثالثة: إذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب، ولا يرجع المشتري
بالثمن البائع بما يضمن. ولو كان جاهلا دفع العين إلى مالكها، ويرجع
بالثمن على البائع وبجميع ما غرمه مما لم يحصل له في مقابلته عوض
كقيمة الولد. وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة وأجرة
السكنى تردد.
الرابعة: إذا غصب حبا فزرعه، أو بيضة فأفرخت، أو خمرا فخللها،
فالكل للمغصوب منه.
الخامسة: إذا غصب أرضا فزرعها فالزرع لصاحبه، وعليه اجرة
الأرض، ولصاحبها إزالة الغرس، وإلزامه طم الحفرة والأرش إن نقصت،
ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس لم تجب إجابته.
السادسة: لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول
الغاصب. وقيل: قول المغصوب منه.
13

كتاب الشفعة
الشفعة وهي استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع.
والنظر فيه يستدعي أمورا:
الأول: ما تثبت فيه
وتثبت في الأرضين والمساكن إجماعا.
وهل تثبت فيما ينقل كالثياب والأمتعة؟ فيه قولان، والأشبه:
الاقتصار على موضع الإجماع. وتثبت في النخل والشجر والأبنية تبعا
للأرض. وفي ثبوتها في الحيوان قولان، المروي: أنها لا تثبت. ومن
فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره.
ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضائد والحمامات والنهر والطريق
الضيق على الأشبه.
ويشترط انتقاله بالبيع فلا تثبت لو انتقل بهبة أو صلح أو صداق أو
صدقة أو إقرار.
ولو كان الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت
للموقوف عليه. وقال المرتضى: تثبت، وهو أشبه.
الثاني في الشفيع
وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن، فلا تثبت للذمي
على مسلم، ولا بالجوار، ولا لعاجز عن الثمن، ولا فيما قسم وميز إلا
بالشركة في الطريق أو النهر إذا بيع أحدهما أو هما مع الشقص.
وتثبت بين شريكين، ولا تثبت لما زاد، على أشهر الروايتين.
ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فإن لم يحضره بطلت.
ولو قال: إنه في بلد آخر أجل بقدر وصوله وثلاثة أيام ما لم يتضرر
14

المشتري. وتثبت للغائب والسفيه والمجنون والصبي ويأخذ لهم الولي
مع الغبطة، ولو ترك الولي فبلغ الصبي أو أفاق المجنون فله الأخذ.
الثالث: في كيفية الأخذ
ويأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد. ولو لم يكن الثمن مثليا
كالرقيق والجواهر أخذه بقيمته. وقيل: تسقط الشفعة استنادا إلى رواية
فيها احتمال.
وللشفيع المطالبة في الحال. ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته. وفيه
قول آخر. ولو كان لعذر لم يبطل. وكذا لو توهم زيادة ثمن أو جنسا من
الثمن فبان غيره. ويأخذ الشفيع من المشتري، ودركه عليه.
ولو انهدم المسكن أو عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بالثمن أو
ترك، وإن كان بفعل المشتري أخذ بحصته من الثمن.
ولو اشترى بثمن مؤجل قيل: هو بالخيار بين الأخذ عاجلا
والتأخير، وأخذه بالثمن في محله. وفي النهاية: يأخذ الشقص ويكون
الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا إن لم يكن مليئا وهو أشبه.
ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذه. ولو ترك
الشفيع قبل البيع لم تبطل. أما لو شهد على البائع أو بارك للمشتري
أو للبائع أو أذن في البيع ففيه التردد، والسقوط أشبه.
ومن اللواحق مسألتان
الأولى: قال الشيخ: الشفعة لا تورث. وقال المفيد وعلم الهدى:
تورث، وهو أشبه. ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه أخذه الباقون ولم تسقط.
الثانية: لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن فالقول قول المشتري مع
يمينه لأنه ينتزع الشئ من يده.
15

كتاب إحياء الموات
والعامر ملك لأربابه لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم. وكذا ما به
صلاح العامر كالطريق والشرب والمراح.
والموات ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك أو ملك وباد
أهله، فهو للإمام (عليه السلام) لا يجوز إحياؤه إلا بإذنه، ومع إذنه يملك بالإحياء.
ولو كان الإمام (عليه السلام) غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق به، ومع
وجوده له رفع يده.
ويشترط في التملك بالإحياء: أن لا يكون في يد مسلم، ولا حريما
لعامر، ولا مشعرا للعبادة كعرفة ومنى، ولا مقطعا ولا محجرا، والتحجير
يفيد أولوية لا ملكا مثل أن ينصب عليها مرزابا.
وأما الإحياء فلا تقدير للشرع فيه ويرجع في كيفيته إلى العادة.
ويلحق بهذا مسائل
الأولى: الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحده خمسة
أذرع، وفي رواية: سبعة أذرع.
الثانية: حريم بئر المعطن أربعون ذراعا، والناضح ستون ذراعا،
والعين ألف ذراع، وفي الصلبة خمسمائة.
الثالثة: من باع نخلا واستثنى واحدة كان له المدخل إليها والمخرج
ومدى جرائدها.
الرابعة: إذا تشاح أهل الوادي في مائه حبسه الأعلى للنخل إلى
الكعب، وللزرع إلى الشراك، ثم يسرحه إلى الذي يليه.
الخامسة: يجوز للإنسان أن يحمي المرعى في ملكه خاصة،
وللإمام مطلقا.
16

السادسة: لو كان له رحى على نهر لغيره لم يجز له أن يعدل بالماء
عنها إلا برضاء صاحبها.
السابعة: من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي رواية: إن كان
ذلك فيما اشترى فلا بأس. وفي النهاية: إن لم يتميز لم يكن له عليه
شئ. وان تميز رده ورجع على البائع بالدرك. والرواية ضعيفة،
وتفصيل النهاية في موضع المنع، والوجه: البطلان، وعلى تقدير الامتياز
يفسخ إن شاء ما لم يعلم.
الثامنة: من له نصيب في قناة أو نهر جاز له بيعه بما شاء.
التاسعة: روى إسحاق بن عمار عن العبد الصالح رجل لم يزل في
يده ويد آبائه دار، وقد علم أنها ليست لهم ولا يظن مجيء صاحبها،
قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، ويجوز أن يبيع سكناه. والرواية
مرسلة، وفي طريقها: الحسن بن سماعة، وهو واقفي. وفي النهاية: يبيع
تصرفه فيها، ولا يبيع أصلها، ويمكن تنزيلها على أرض عاطلة أحياها
غير المالك بإذنه، فللمحيي التصرف والأصل للمالك.
* * *
كتاب اللقطة
وأقسامها ثلاثة:
الأول في اللقيط
وهو كل صبي أو مجنون ضائع لا كافل له.
ويشترط في الملتقط التكليف. وفي اشتراط الإسلام تردد، ولا
يلتقط المملوك إلا بإذن مولاه، وأخذ اللقيط مستحب.
17

واللقيط في دار الإسلام حر، وفي دار الشرك رق.
وإذا لم يتول أحدا فعاقلته ووارثه الإمام (عليه السلام) إذا لم يكن له وارث،
ويقبل إقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده.
وإذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته، فإن لم يجد استعان
بالمسلمين، فإن تعذر الأمر أنفق الملتقط ورجع عليه إذا نوى الرجوع،
ولو تبرع لم يرجع.
القسم الثاني في الضوال
وهي كل حيوان مملوك ضائع.
وأخذه في صورة الجواز مكروه، ومع تحقق التلف مستحب.
فالبعير لا يؤخذ، ولو أخذ ضمنه الآخذ. وكذا حكم الدابة والبقرة،
ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد في غير كلأ ولا ماء، ويملكه الآخذ.
والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد لأنها لا تمنع من ضرر
السباع ويضمنها. وفي رواية ضعيفة: يحبسها عنده ثلاثة أيام، فإن جاء
صاحبها وإلا تصدق بثمنها.
وينفق الواجد على الضالة إن لم يتفق سلطان ينفق من بيت المال.
وهل يرجع على المالك؟ الأشبه: نعم.
ولو كان للضالة نفع كالظهر أو اللبن. قال الشيخ في النهاية: كان بإزاء
ما أنفق، والوجه التقاص.
القسم الثالث
وفيه ثلاثة فصول:
الأول اللقطة: كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه، فما دون الدرهم ينتفع
به بغير تعريف.
18

وفي قدر الدرهم روايتان. وما كان أزيد، فإن وجده في الحرم كره
أخذه. وقيل: يحرم ولا يحل أخذه إلا مع نية التعريف.
ويعرف حولا، فإن جاء صاحبه وإلا تصدق به عنه أو استبقاه أمانة،
ولا يملك. ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على
الأشهر، وإن وجده في غير الحرم يعرف حولا، ثم الملتقط بالخيار بين
التملك والصدقة وإبقاؤها أمانة. ولو تصدق بها فكره المالك ضمن
الملتقط.
ولو كان مما لا يبقى كالطعام قومها عند الوجدان وضمنها وانتفع بها،
وإن شاء دفعها إلى الحاكم، ولا ضمان.
ويكره أخذ الإداوة والمخصرة والنعلين والشظاظ والعصا والوتد
والحبل والعقال، وأشباهها.
مسائل:
الأولى: ما يوجد في خربة أو فلاة أو تحت الأرض فهو لواجده. ولو
وجده في أرض لها مالك أو بائع ولو كان مدفونا عرفه المالك أو البائع،
فإن عرفه فهو أحق به وإلا كان للواجد. وكذا ما يجده في جوف دابته.
ولو وجده في جوف سمكة، قال الشيخ: أخذه بلا تعريف.
الثانية: ما وجده في صندوقه أو داره فهو له، ولو شاركه في التصرف
كان كاللقطة إذا أنكره.
الثالثة: لا تملك اللقطة بحول الحول، وإن عرفها ما لم ينو التملك.
وقيل: تملك بمضي الحول.
الثاني الملتقط: من له أهلية الاكتساب، فلو التقط الصبي أو
المجنون جاز، ويتولى الولي التعريف.
19

وفي المملوك تردد، أشبهه: الجواز. وكذا المكاتب والمدبر وأم الولد.
الثالث في الأحكام، وهي ثلاثة:
الأول: لا يدفع اللقطة إلا بالبينة، ولا يكفي الوصف.
وقيل: يكفي في الأموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن.
الثاني: لا بأس بجعل الآبق، فإن عينه لزم بالرد، وإن لم يعينه ففي رد
العبد من المصر دينار، ومن خارج البلد أربعة دنانير، على رواية ضعيفة،
يؤيدها الشهرة. وألحق الشيخان: البعير، وفيما عداهما اجرة المثل.
الثالث: لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة ما لم
يفرط.
* * *
كتاب المواريث
والنظر في: المقدمات والمقاصد واللواحق.
والمقدمات ثلاثة
الأولى في موجبات الإرث:
وهي: نسب وسبب. فالنسب ثلاث مراتب:
1 - الأبوان، والولد وإن نزل.
2 - والأجداد وإن علوا، والأخوة وأولادهم وإن نزلوا.
3 - والأعمام والأخوال.
والسبب قسمان: زوجية وولاء. والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق،
ثم ولاء تضمن الجريرة، ثم ولاء الإمامة.
20

الثانية في موانع الإرث:
وهي ثلاثة: الكفر والرق والقتل.
أما الكفر: فإنه يمنع في طرف الوارث، فلا يرث الكافر مسلما،
حربيا كان الكافر أو ذميا أو مرتدا، ويرث الكافر أصليا ومرتدا،
فميراث المسلم لوارثه المسلم انفرد بالنسب أو شاركه الكافر أو كان
أقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد كافر فالميراث للضامن. ولو لم
يكن وارث مسلم فميراثه للإمام، والكافر يرثه المسلم إن اتفق، ولا
يرثه الكافر إلا إذا لم يكن وارث مسلم. ولو كان وارث مسلم كان أحق
بالإرث وإن بعد وقرب الكافر.
وإذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته شارك إن كان مساويا في
النسب، وحاز الميراث إن كان أولى، سواء كان الموروث مسلما أو
كافرا. ولو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وإن أسلم لأنه
لا تتحقق هنا قسمة.
مسائل:
الأولى: الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفار،
كافرة كانت أو مسلمة. له النصف بالزوجية والباقي بالرد. وللزوجة
المسلمة الربع مع الورثة الكفار والباقي للإمام. ولو أسلموا أو أسلم
أحدهم، قال الشيخ: يرد عليهم ما فضل من سهم الزوجية، وفيه تردد.
الثانية: روى مالك بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) في نصراني مات وله
ابن أخ وابن أخت مسلمان وأولاد صغار، لابن الأخ الثلثان، ولا بن
الأخت الثلث، وينفقان على الأولاد بالنسبة، فإن أسلم الصغار دفع
المال إلى الإمام (عليه السلام)، فإن بلغوا على الإسلام دفعه الإمام (عليه السلام) إليهم. فإن
لم يبقوا دفع إلى ابن الأخ الثلثين وإلى ابن الأخت الثلث.
21

الثالثة: إذا كان أحد أبوي الصغير مسلما ألحق به، فلو بلغ أجبر على
الإسلام، ولو أبى كان كالمرتد.
الرابعة: المسلمون يتوارثون وإن اختلفت آراؤهم. وكذا الكفار وإن
اختلفت مللهم.
الخامسة: المرتد عن فطرة يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة
الوفاة، وتقسم أمواله. ومن ليس عن فطرة يستتاب، فإن تاب وإلا يقتل،
وتعتد زوجته عدة الطلاق مع الحياة وعدة الوفاة لا معها، والمرأة لا
تقتل بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب ولو كانت عن فطرة.
السادسة: لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم، ولو لم يكن
وارث إلا كافرا كان ميراثه للإمام (عليه السلام) على الأظهر.
وأما القتل: فيمنع الوارث من الإرث إذا كان عمدا ظلما، ولا يمنع لو
كان خطأ. وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب.
ولو اجتمع القاتل وغيره فالميراث لغير القاتل وإن بعد، سواء تقرب
بالقاتل أو بغيره، ولو لم يكن وارث سوى القاتل فالإرث للإمام (عليه السلام).
وهنا مسائل:
الأولى: الدية كأموال الميت تقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه وإن
قتل عمدا إذا أخذت الدية. وهل للديان منع الوارث من القصاص؟
الوجه: لا، وفي رواية: لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين.
الثانية: يرث الدية من يتقرب بالأب ذكرانا أو إناثا، والزوج
والزوجة. ولا يرث من يتقرب بالأم. وقيل: يرثها من يرث المال.
الثالثة: إذا لم يكن للمقتول عمدا وارث سوى الإمام (عليه السلام) فله القود
أو الدية مع التراضي، وليس له العفو. وقيل: له العفو.
22

أما الرق: فيمنع في الوارث والموروث، ولو اجتمع مع الحر
فالميراث للحر دونه ولو بعد وقرب المملوك، ولو أعتق على ميراث قبل
القسمة شارك إن كان مساويا وحاز الإرث إن كان أولى. ولو كان
الوارث واحدا فأعتق الرق لم يرث وإن كان أقرب لأنه لا قسمة. ولو لم
يكن وارث سوى المملوك أجبر مولاه على أخذ قيمته وينعتق ليحوز
الإرث، ولو قصر المال عن قيمته لم يفك. وقيل: يفك ويسعى في باقيه.
ويفك الأبوان والأولاد دون غيرهما. وقيل: يفك ذو القرابة. وفيه
رواية ضعيفة. وفي الزوج والزوجة تردد.
ولا يرث المدبر ولا أم الولد ولا المكاتب المشروط، ومن تحرر
بعضه يرث بما فيه من الحرية، ويمنع بما فيه من الرقية.
المقدمة الثالثة في السهام
وهي ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس.
فالنصف للزوج مع عدم الولد وإن نزل، وللبنت، والأخت للأب
والأم أو للأب. والربع للزوج مع الولد وإن نزل، وللزوجة مع عدمه.
والثمن للزوجة مع الولد وإن نزل. والثلثان للبنتين فصاعدا، وللأختين
فصاعدا للأب والأم أو للأب. والثلث للأم مع عدم من يحجبها من الولد
وإن نزل، أو الاخوة، وللاثنين فصاعدا من ولد الأم. والسدس لكل
واحد من الأبوين مع الولد وإن نزل، وللأم مع من يحجبها عن الزائد،
وللواحد من كلالة الأم ذكرا كان أو أنثى.
والنصف يجتمع مع مثله ومع الربع والثمن ومع الثلث والسدس. ولا
يجتمع الربع مع الثمن. ويجتمع الربع مع الثلثين والثلث والسدس.
ويجتمع الثمن مع الثلثين والسدس، ولا يجتمع مع الثلث، ولا الثلث
مع السدس.
23

مسألتان:
الأولى: التعصيب باطل، وفاضل التركة يرد على ذوي السهام عدا
الزوج والزوجة، والأم مع وجود من يحجبها على تفصيل يأتي.
الثانية: لا عول في الفرائض لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال
ما لا يفي. بل يدخل النقص على البنت أو البنتين، أو على الأب أو من
يتقرب به، وسيأتي بيانه إن شاء الله.
وأما المقاصد فثلاثة:
الأول في الأنساب
ومراتبهم ثلاث:
الأولى الآباء والأولاد: فالأب يرث المال إذا انفرد. والأم الثلث
والباقي بالرد، ولو اجتمعا فللأم الثلث وللأب الباقي، ولو كان له أخوة
كان لها السدس. ولو شاركهما زوج أو زوجة فللزوج النصف وللزوجة
الربع. وللأم ثلث الأصل إذا لم يكن حاجب، والباقي للأب، ولو كان لها
حاجب كان لها السدس.
ولو انفرد الابن فالمال له، ولو كانوا أكثر اشتركوا بالسوية، ولو كانوا
ذكرانا وإناثا فللذكر سهمان وللأنثى سهم. ولو اجتمع معهم الأبوان فلهما
السدسان والباقي للأولاد ذكرانا كانوا أو إناثا أو ذكرانا وإناثا.
ولو كانت بنت فلها النصف، وللأبوين السدسان، والباقي يرد
أخماسا. ولو كان من يحجب الأم رد على الأب والبنت أرباعا.
ولو كانت بنتان فصاعدا فللأبوين السدسان، وللبنتين أو البنات
الثلثان بالسوية. ولو كان معهما أو معهن أحد الأبوين كان له السدس،
ولهما أو لهن الثلثان والباقي يرد أخماسا.
24

ولو كان مع البنت والأبوين زوج أو زوجة كان للزوج الربع،
وللزوجة الثمن، وللأبوين السدسان، والباقي للبنت. وحيث يفضل عن
النصف يرد الزائد عليها، وعلى الأبوين أخماسا. ولو كان من يحجب
الأم رددناه على البنت والأب أرباعا.
ويلحق مسائل:
الأولى: أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كل
فريق نصيب من يتقرب به، ويقسمونه للذكر مثل حظ الأنثيين، أولاد
ابن كانوا أو أولاد البنت على الأشبه. ويمنع الأقرب الأبعد، ويرد على
ولد البنت كما يرد على أمه ذكرا كان أو أنثى. ويشاركون الأبوين كما
يشاركهما الأولاد للصلب على الأصح.
الثانية: يحبى الولد الأكبر بثياب بدن الميت وخاتمه وسيفه
ومصحفه إذا خلف الميت غير ذلك، ولو كان الأكبر بنتا أخذه الأكبر من
الذكور ويقضي عنه ما تركه من صيام أو صلاة. وشرط بعض الأصحاب
أن لا يكون سفيها ولا فاسد الرأي.
الثالثة: لا يرث مع الأبوين ولا مع الأولاد جد ولا جدة ولا أحد من
ذوي القرابة، لكن يستحب للأب أن يطعم أباه وأمه السدس من أصل
التركة بالسوية، إذا حصل له الثلثان، وتطعم الأم أباها وأمها النصف من
نصيبها بالسوية إذا حصل لها الثلث فما زاد. ولو حصل لأحدهما نصيبه
الأعلى دون الآخر استحب له طعمة الجد والجدة دون صاحبه. ولا
طعمة لأحد الأجداد إلا مع وجود من يتقرب به.
الرابعة: لا يحجب الأخوة الأم إلا بشروط أربعة:
أن يكون أخوين أو أخا وأختين، أو أربع أخوات فما زاد لأب وأم
25

أو لأب مع وجود الأب، غير كفرة ولا رق - وفي القتلة قولان أشبههما:
عدم الحجب - وأن يكونوا منفصلين لا حملا.
المرتبة الثانية الاخوة والأجداد: إذا لم يكن أحد الأبوين ولا ولد وإن
نزل، فالميراث للأخوة والأجداد.
فالأخ الواحد للأب والأم يرث المال، وكذا الأخوة. والأخت إنما
ترث النصف بالتسمية، والباقي بالرد.
وللأختين فصاعدا الثلثان بالتسمية، والباقي بالرد. ولو اجتمع
الأخوة والأخوات لهما كان المال بينهم للذكر سهمان، وللأنثى سهم.
وللواحد من ولد الأم السدس ذكرا كان أو أنثى.
وللاثنين فصاعدا الثلث بينهم بالسوية ذكرانا كانوا أو إناثا.
ولا يرث مع الأخوة للأب والأم ولا مع أحدهم أحد من ولد الأب،
لكن يقومون مقامهم عند عدمهم. ويكون حكمهم في الانفراد
والاجتماع ذلك الحكم.
ولو اجتمع الكلالات كان لولد الأم السدس إن كان واحدا، والثلث
إن كانوا أكثر، والباقي لولد الأب والأم. ويسقط أولاد الأب، فإن أبقت
الفريضة فالرد على كلالة الأب والأم.
وإن أبقت الفريضة مع ولد الأم وولد الأب، ففي الرد قولان:
أحدهما: يرد على كلالة الأب، لأن النقص يدخل عليهم، مثل أخت
لأب، مع واحد أو اثنين فصاعدا من ولد الأم، أو أختين للأب، مع واحد
من ولد الأم. والآخر: يرد على الفريقين بنسبة مستحقهما، وهو أشبه.
وللجد المال إذا انفرد لأب كان أو لأم. وكذا الجدة.
ولو اجتمع جد وجدة، فإن كانا لأب فلهما المال، للذكر مثل حظ
26

الأنثيين، وإن كانا لأم فالمال بالسوية. وإذا اجتمع الأجداد المختلفون،
فلمن يتقرب بالأم الثلث على الأصح، واحدا كان أو أكثر، ولمن يتقرب
بالأب الثلثان ولو كان واحدا.
ولو كان معهم زوج أو زوجة أخذ النصيب الأعلى. ولمن يتقرب
بالأم ثلث الأصل، والباقي لمن يتقرب بالأب.
والجد الأدنى يمنع الأعلى. وإذا اجتمع معهم الأخوة فالجد كالأخ
والجدة كالأخت.
مسألتان:
الأولى: لو اجتمع أربعة أجداد لأب، ومثلهم لأم كان لأجداد الأم
الثلث بينهم أرباعا، ولأجداد الأب وجداته الثلثان، لأبوي أبيه ثلثا
الثلثين أثلاثا، ولأبوي أمه الثلث أثلاثا أيضا، فيصح من مائة وثمانية.
الثانية: الجد وإن علا يقاسم الأخوة والأخوات، وأولاد الأخوة
والأخوات وإن نزلوا يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة
الأجداد والجدات، ويرث كل واحد منهم نصيب من يتقرب به. ثم إن
كانوا أولاد أخوة أو أخوات لأب اقتسموا المال، للذكر مثل حظ
الأنثيين، وإن كانوا لأم اقتسموا بالسوية.
المرتبة الثالثة الأعمام والأخوال: للعم المال إذا انفرد. وكذا للعمين
فصاعدا. وكذا العمة والعمتان والعمات.
والعمومة والعمات، للذكر مثل حظ الأنثيين. ولو كانوا متفرقين،
فلمن تقرب بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية
والباقي لمن يتقرب بالأب والأم، للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط من
يتقرب بالأب معهم، ويقومون مقامهم عند عدمهم.
27

ولا يرث الأبعد مع الأقرب، مثل ابن خال مع خال أو عم، أو ابن عم
مع خال أو عم، إلا ابن عم لأب وأم مع عم لأب، فابن العم أولى.
وللخال المال إذا انفرد. وكذا للخالين والأخوال والخالة والخالتين
والخالات. ولو اجتمعوا فالمال بينهم بالسوية كيف كانوا. ولو كانوا
متفرقين، فلمن يتقرب بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن كانوا
أكثر. والثلثان لمن يتقرب بالأب والأم، ويسقط من يتقرب بالأم معهم،
والقسمة بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
ولو اجتمع الأخوال والأعمام فللأخوال الثلث وللأعمام الثلثان.
ولو كان معهم زوج أو زوجة فلهما النصيب الأعلى، ولمن يتقرب بالأم
ثلث الأصل، والباقي لمن يتقرب بالأب.
ولو اجتمع عم الأب وعمته وخاله وخالته وعم الأم وعمتها وخالها
وخالتها كان لمن يتقرب بالأم الثلث بينهم أرباعا. ولمن يتقرب بالأب
الثلثان، ثلثاه لعمه وعمته أثلاثا، وثلثه لخاله وخالته بالسوية، على قول.
مسائل:
الأولى: عمومة الميت وعماته وخؤولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا
أولى من عمومة أبيه وخؤولته. وكذا أولاد كل بطن أقرب، أولى من
البطن الأبعد. ويقوم أولاد العمومة والعمات والخؤولة والخالات مقام
آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان
أو أكثر.
الثانية: من اجتمع له سببان ورث بهما ما لم يمنع أحدهما الآخر.
فالأول كابن عم لأب هو ابن خال لأم، وزوج هو ابن عم، وعمة لأب
هي خالة لأم. والثاني كابن عم هو أخ لأم.
28

الثالثة: حكم أولاد العمومة والخؤولة مع الزوج والزوجة حكم
آبائهم، يأخذ من يتقرب بالأم ثلث الأصل، والزوج نصيبه الأعلى، وما
يبقى لمن يتقرب بالأب.
المقصد الثاني في ميراث الأزواج
للزوج مع عدم الولد النصف، وللزوجة الربع، ومع وجوده وإن نزل
نصف النصيب. ولو لم يكن وارث سوى الزوج رد عليه الفاضل.
وفي الزوجة قولان: أحدهما لها الربع والباقي للإمام (عليه السلام). والآخر
يرد عليها الفاضل كالزوج. وقال ثالث: بالرد مع عدم الإمام (عليه السلام)
والأول: أظهر.
وإذا كن أكثر من واحدة فهن مشتركات في الربع أو الثمن.
وترث الزوجة وإن لم يدخل بها الزوج. وكذا الزوج. وكذا في العدة
الرجعية خاصة، لكن لو طلقها مريضا ورثت وإن كان بائنا ما لم تخرج
السنة ولم يبرأ ولم تتزوج، ولا ترث البائن إلا هنا.
ويرث الزوج من جميع ما تركته المرأة. وكذا المرأة عدا العقار،
وترث من قيمة الآلات والأبنية، ومنهم من طرد الحكم في أرض
المزارع والقرى، وعلم الهدى يمنعها العين دون القيمة.
مسألتان:
الأولى: إذا طلق واحدة من أربع وتزوج اخرى فاشتبهت كان
للأخيرة ربع الثمن مع الولد أو ربع الربع مع عدمه، والباقي بين الأربعة
بالسوية.
الثانية: نكاح المريض مشروط بالدخول، فإن مات قبله فلا مهر لها
ولا ميراث.
29

المقصد الثالث في الولاء
وأقسامه ثلاثة:
القسم الأول ولاء العتق: ويشترط: التبرع بالعتق، وأن لا يتبرأ من
ضمان جريرته. فلو كان واجبا كان المعتق سائبة. وكذا لو تبرع بالعتق
وتبرأ من الجريرة. ولا يرث المعتق مع وجود مناسب وإن بعد. ويرث
مع الزوج والزوجة. وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم إن كان واحدا،
واشتركوا في المال إن كانوا أكثر. ولو عدم المنعم فللأصحاب فيه أقوال،
أظهرهما انتقال الولاء إلى الأولاد الذكور دون الإناث، فإن لم يكن
الذكور فالولاء لعصبة المنعم. ولو كان المعتق امرأة فإلى عصبتها دون
أولادها، ولو كانوا ذكورا. ولا يرث الولاء من يتقرب بأم المنعم. ولا
يصح بيعه ولا هبته. ويصح جره من مولى الأم إلى مولى الأب إذا كان
الأولاد مولودين على الحرية.
القسم الثاني ولاء تضمن الجريرة: من توالى إنسانا يضمن حدثه،
ويكون ولاؤه له ثبت له الميراث ولا يتعدى الضامن. ولا يضمن إلا
سائبة كالمعتق في النذر والكفارات أو من لا وارث له. ولا يرث
الضامن إلا مع فقد كل مناسب ومع فقد المعتق، ويرث معه الزوج
والزوجة نصيبهما الأعلى وما بقي له، وهو أولى من بيت مال الإمام (عليه السلام).
القسم الثالث ولاء الإمامة: ولا يرث إلا مع فقد وارث عدا الزوجة،
فإنها تشاركه على الأصح. ومع وجوده (عليه السلام) فالمال له يصنع به ما شاء.
وكان علي (عليه السلام) يعطيه فقراء بلده تبرعا، ومع غيبته يقسم في الفقراء،
ولا يعطي الجائر إلا مع الخوف.
30

وأما اللواحق فأربعة
الأول في ميراث ابن الملاعنة:
ميراثه لأمه وولده، للأم السدس، والباقي للولد، ولو انفردت كان لها
الثلث، والباقي بالرد. ولو انفردت الأولاد فللواحدة النصف، وللاثنتين
فصاعدا الثلثان، وللذكران المال بالسوية. وإن اجتمعوا فللذكر سهمان
وللأنثى سهم.
ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى مع عدم الولد وإن نزل،
والأدنى معهم.
ولو عدم الولد يرثه من يتقرب بأمه الأقرب فالأقرب، الذكر والانثى
سواء.
ومع عدم الوارث يرثه الإمام. ويرث هو أمه ومن يتقرب بها على
الأظهر. ولا يرث أباه ولا من يتقرب به ولا يرثونه.
ولو اعترف به الأب لحق به، وورث هو أباه دون غيره من ذوي
قرابة أبيه، ولا عبرة بنسب الأب.
ولو ترك أخوة لأب وأم مع أخ أو أخت لأم كانوا سواء في المال.
وكذا لو ترك جدا لأم مع أخ أو أخت أو اخوة أو أخت من أب وأم.
خاتمة تشتمل على مسائل:
الأولى: ولد الزنا لا ترثه أمه ولا غيرها من الأنساب. ويرثه ولده
وإن نزل والزوج أو الزوجة. ولو لم يكن أحدهم فميراثه للإمام (عليه السلام).
وقيل: ترثه أمه كابن الملاعنة.
الثانية: الحمل يرث إن سقط حيا وتعتبر حركة الأحياء كالاستهلال،
والحركات الإرادية دون التقلص.
31

الثالثة: قال الشيخ: يوقف للحمل نصيب ذكرين احتياطا.
ولو كان ذو فرض أعطوا النصيب الأدنى.
الرابعة: يرث دية الجنين أبواه ومن يتقرب بهما أو بالأب.
الخامسة: إذا تعارفا بما يقتضي الميراث توارثا ولم يكلف أحدهما
البينة.
السادسة: المفقود يتربص بماله.
وفي قدر التربص روايات: أربع سنين، وفي سندها ضعف. وعشر
سنين، وهي في حكم خاص، وفي ثالثة: يقتسمه الورثة إذا كانوا ملاء،
وفيها ضعف أيضا.
وقال في الخلاف: حتى يمضي مدة لا يعيش مثله إليها، وهو أولى
في الاحتياط وأبعد من التهجم على الأموال المعصومة بالأخبار
الموهومة.
السابعة: لو تبرأ من جريرة ولده وميراثه، ففي رواية: يكون ميراثه
للأقرب إلى أبيه، وفي الرواية ضعف.
الثاني في ميراث الخنثى:
من له فرج الرجال والنساء يعتبر بالبول، فمن أيهما سبق يورث
عليه. فإن بدر منهما، قال الشيخ: يورث على الذي ينقطع منه أخيرا،
وفيه تردد. فإن تساويا، قال في الخلاف: يعمل فيه بالقرعة. وقال المفيد
وعلم الهدى: تعد أضلاعه. وقال في النهاية والإيجاز والمبسوط: يعطى
نصف ميراث رجل ونصف امرأة، وهو أشهر.
ولو اجتمع مع الخنثى ذكر وأنثى قيل: للذكر أربعة، وللخنثى ثلاثة،
وللأنثى سهمان. وقيل: تقسم الفريضة مرتين، فتفرض مرة ذكرا ومرة
32

أنثى ويعطى نصف النصيبين، وهو أظهر. مثاله: خنثى وذكر تفرضهما
ذكرين تارة وذكرا وأنثى اخرى، وتطلب أقل مال له نصف ولنصفه
نصف وله ثلث ولثلثه نصف، فيكون اثني عشر، فيحصل للخنثى خمسة
وللذكر سبعة.
ولو كان بدل الذكر أنثى حصل للخنثى سبعة وللأنثى خمسة. ولو
شاركهم زوج أو زوجة صححت فريضة الخنثى ثم ضربت فخرج نصيب
الزوج أو الزوجة في تلك الفريضة فما ارتفع فمنه تصح.
ومن ليس له فرج النساء ولا الرجال يورث بالقرعة. ومن له رأسان
أو بدنان على حقو واحد يوقظ أو يصاح به، فإن انتبه أحدهما فهما
اثنان.
الثالث في الغرقى والمهدوم عليهم:
وهؤلاء يرث بعضهم بعضا إذا كان لهم أو لأحدهم مال وكانوا
يتوارثون واشتبه المتقدم في الموت بالمتأخر. وفي ثبوت هذا الحكم
بغير سبب الغرق والهدم تردد.
ومع الشرائط يورث الأضعف أولا، ثم الأقوى، ولا يورث مما
ورث منه. وفيه قول آخر، والتقديم على الاستحباب على الأشبه.
فلو غرق أب وابن ورث الأب أولا نصيبه، ثم ورث الابن من أصل
تركة أبيه لا مما ورث منه، ثم يعطى نصيب كل منهما لوارثه.
ولو كان لأحدهما وارث أعطي ما اجتمع لدى الوارث لهم، وما
اجتمع للآخر للإمام (عليه السلام).
ولو لم يكن لهما غيرهما انتقل مال كل منهما إلى الآخر ثم منهما إلى
الإمام (عليه السلام).
33

وإذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق سقط اعتبار التقديم
كأخوين، فإن كان لهما مال ولا مشارك لهما انتقل مال كل منهما إلى
صاحبه ثم منهما إلى ورثتهما.
وإن كان لأحدهما مال صار ماله لأخيه، ومنه إلى ورثته ولم يكن
للآخر شئ، ولو لم يكن لهما وارث انتقل المال إلى الإمام (عليه السلام).
ولو ماتا حتف أنفهما لم يتوارثا، وكان ميراث كل منهما لورثته.
الرابع في ميراث المجوس:
وقد اختلف الأصحاب فيه. فالمحكي عن يونس أنه لا يورثهم إلا
بالصحيح من النسب والسبب، وعن الفضل بن شاذان: أنه يورثهم
بالنسب، صحيحه وفاسده، والسبب الصحيح خاصة، وتابعه المفيد (رحمه الله).
وقال الشيخ: يورثون بالصحيح والفاسد فيهما.
واختيار الفضل أشبه.
فلو خلف أما هي زوجة فلها نصيب الأم دون الزوجة. ولو خلف
جدة هي أخت ورثت بهما. ولا كذا لو خلف بنتا هي أخت، لأنه لا
ميراث للأخت مع البنت.
خاتمة في حساب الفرائض
مخارج الفروض ستة، ونعني بالمخرج أقل عدد يخرج منه ذلك
الجزء صحيحا.
فالنصف من اثنين. والربع من أربعة. والثمن من ثمانية. والثلثان
والثلث من ثلاثة. والسدس من ستة.
والفريضة إما بقدر السهام أو أقل أو أكثر. وما كان بقدرها، فإن
34

انقسم من غير كسر، وإلا فاضرب عدد من انكسر عليهم في أصل
الفريضة. مثل: أبوين وخمس بنات، تنكسر الأربعة على الخمسة،
فتضرب خمسة في أصل الفريضة فما اجتمع فمنه الفريضة، لأنه لا وفق
بين نصيبهن وعددهن.
ولو كان وفق ضربت الوفق من العدد لا من النصيب في أصل
الفريضة. مثل: أبوين وست بنات، للبنات أربعة، وبين نصيبهن وهو
أربعة، وعددهن وهو ستة، وفق، وهو النصف، فيضرب الوفق من العدد
وهو ثلاثة في أصل الفريضة وهو ستة، فما اجتمع صحت منه الفريضة.
ولو نقصت الفريضة بدخول الزوج أو الزوجة فلا عول، ويدخل
النقص على البنت أو البنات أو من يتقرب بالأب والأم أو الأب. مثل:
أبوين وزوج وبنت، فللأبوين السدسان، وللزوج الربع، والباقي للبنت.
وكذا الأبوان أو أحدهما وبنت أو بنات وزوج، النقص يدخل على البنت
أو البنات.
واثنان من ولد الأم والأختان للأب والأم أو للأب مع زوج أو
زوجة، يدخل بالنقص على من يتقرب بالأب والأم أو الأب خاصة.
ثم إن انقسمت الفريضة على صحة، وإلا ضربت سهام من انكسر
عليهم في أصل الفريضة. ولو زادت الفريضة كان الرد على ذوي السهام
دون غيرهم. ولا تعصيب.
ولا يرد على الزوج والزوجة، ولا على الأم مع وجود من يحجبها،
مثل: أبوين وبنت. فإذا لم يكن حاجب فالرد أخماسا. وان كان حاجب
فالرد أرباعا، تضرب مخرج سهام الرد في أصل الفريضة، فما اجتمع
صحت منه الفريضة.
35

تتمة في المناسخات
ونعني به أن يموت الإنسان فلا تقسم تركته، ثم يموت أحد وراثه.
ويتعلق الفرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد.
فإن اختلف الوارث أو الاستحقاق أو هما ونهض نصيب الثاني
بالقسمة على وراثه، وإلا فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة
الأولى، إن كان بين الفريضتين وفق. وإن لم يكن فاضرب الفريضة
الثانية في الأولى، فما بلغ صحت منه الفريضتان.
* * *
36

رياض المسائل
كتاب
الصيد والذبائح
37

(كتاب الصيد والذبائح)
والكلام فيه يقع في مقامين:
الأول في الصيد
اعلم أن له في الشرع معنيين: أحدهما: إثبات اليد على الحيوان الممتنع
بالأصالة. والثاني: إزهاق روحه بالآلة المعتبرة فيه من غير تذكية.
وكلاهما مباح بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، كما حكاه جماعة.
قال الله سبحانه: «أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة
وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما» (1).
وقال الله تعالى: «وإذا حللتم فاصطادوا» (2).
وقال عز من قائل: «وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما
علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه» (3).
وأما السنة فمتواترة يأتي إليه الإشارة في تضاعيف الأبحاث الآتية.
وآلة الإزهاق إما جماد أو حيوان.

(1) المائدة 96.
(2) المائدة: 2.
(3) المائدة: 4.
39

أما الأول: فلا (يؤكل من الصيد) المقتول به إلا (ما قتله السيف
والرمح والسهم) ونحوها مما اشتمل على نصل بلا خلاف في المستثنى منه.
وهو الحجة; مضافا إلى أصالة الحرمة المستفادة من الصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة الدالة عليها في الصيد الذي لا يعلم زهاق روحه بالآلة
المعتبرة وإن كان له جارحة.
منها الصحيحان: عن الرمية يجدها صاحبها أيأكلها؟ قال: إن كان يعلم
أن رميته هي التي قتلته فليأكل (1). ونحوهما الموثق بزيادة: وإلا فلا يأكل
منه (2).
وفي الصحيح: صيد وجد فيه سهم وهو ميت لا يدرى من قتله، قال:
لا يطعمه (3).
وخصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الناهية عن أكل ما
قتله الحجر والبنادق (4).
وعلى الأظهر الأشهر في المستثنى، بل عليه عامة أصحابنا، إلا
ما يحكى في المختلف والتنقيح عن الديلمي من جعله في حكم ما قتلته
الثلاثة وما في حكمها حكم ما قتله الفهد والصقر في الاحتياج إلى التذكية،
ونسبه المشهور إلى الرواية.
وفي صحة الحكاية مناقشة، فإن عبارته المحكية في المختلف وإن
أوهمتها إلا أنها كالصريحة في الموافقة للأصحاب، من الإباحة بدون
التذكية لكن مع الكراهة (5) ولذا أن جملة من الأصحاب نفوا الخلاف في

(1) الوسائل 16: 277، الباب 18 من أبواب الصيد، الحديث، 1، 2، 3.
(2) الوسائل 16: 277، الباب 18 من أبواب الصيد، الحديث، 1، 2، 3.
(3) الوسائل 16: 279، الباب 19 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(4) الوسائل 16: 284، الباب 23 من أبواب الصيد.
(5) راجع المختلف 8: 272، التنقيح 4: 4، المراسم 208.
40

المسألة، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه. وهو الحجة المخصصة لأصالة
الحرمة; مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة، منها - زيادة
على ما مر إليه الإشارة - الصحاح:
في أحدها: كل من الصيد ما قتله السيف والسهم والرمح (1).
وفي الثاني: عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله وقد
كان سمى حين رمى ولم تصبه الحديدة، فقال: إن كان السهم الذي أصابه هو
الذي قتله فإن أراد فليأكله (2).
وفي الثالث: عن الصيد يصيبه السهم معترضا ولم يصبه بحديدة وقد
سمى حين رمى، قال: يأكله إذا أصابه وهو يراه (3).
ويستفاد منها حل المقتول بالآلة مطلقا، سواء جرحته أم لا، وبه صرح
جماعة من أصحابنا، بل عليه في ظاهر المسالك إجماعنا (4). وهو حجة
اخرى مؤيدة، كالسابقة بإطلاقات الفتاوى وكثير من النصوص المتقدمة،
وإنما لم تكن حجة ثالثة مع كون الإطلاق حجة لعدم انصرافه إلى مفروض
المسألة.
(و) يحل عند الأصحاب ما قتله (المعراض إذا خرق) ولو يسيرا
فمات به دون ما إذا لم يخرق، للنصوص:
منها الصحيح: إذا رميت بالمعراض فخرق فكل، وإن لم يخرق واعترض
فلا تأكل (5).

(1) الوسائل 16: 274، الباب 16 من أبواب الصيد، الحديث 2.
(2) المصدر السابق: 281، الباب 22 الحديث 2، 3.
(3) المصدر السابق: 281، الباب 22 الحديث 2، 3.
(4) المسالك 11: 411.
(5) الوسائل 16: 233، الباب 22 من أبواب الصيد، الحديث 1.
41

وفي النبوي: في المعراض إن قتل بحده فكل، وإن قتل بثقله فلا
تأكل (1).
وفي عدة من المعتبرة وفيها الصحيح وغيره: إن المعراض إذا كان مرماة
أو لم يكن له نبل غيره فلا بأس بأكل ما صيد به (2).
لكنها شاذة، كالمرسل المروي في الفقيه: في رجل كان له نبال ليس فيها
حديد وهي عيدان كلها فيرمي بالعود فيصيب وسط الطير معترضا فيقتله
ويذكر اسم الله تعالى وإن لم يخرج له دم وهي نبالة معلومة فيأكل منه إذا
ذكر اسم الله عز وجل (3). مضافا إلى إرساله وقصور متنه.
والمعراض كمحراب سهم بلا ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب
بعرضه دون حده.
(ولو أصاب السهم معترضا) وقتل الصيد (حل إن كان فيه حديدة)
وإن لم يكن القتل بها، لما مضى.
(ولو خلا منها لم يؤكل، إلا أن يكون حادا فخرق) وقتل فيؤكل حينئذ
كالمقتول بالمعراض بلا خلاف.
وأما الثاني: فلا يحل بكل ما صيد به، بل على التفصيل المشار إليه
بقوله: (وكذا) يؤكل من الصيد (ما يقتله الكلب المعلم) خاصة (دون
غيره من) الكلاب (الجوارح) الغير المعلمة بلا خلاف في شئ من ذلك
أجده، وبالإجماع عليه صرح جماعة. وهو الحجة; مضافا إلى الكتاب
والسنة المستفيضة، بل المتواترة:

(1) سنن ابن ماجة 2: 1072، الحديث 3214 مع اختلاف في التعبير.
(2) الوسائل 16: 234، الباب 22 من أبواب الصيد، الحديث 4، 5 نقلا بالمعنى.
(3) الفقيه 3: 318، الحديث 4137.
42

ففي الصحيح: ما قتلت من الجوارح مكلبين وذكر اسم الله عليه فكلوا
من صيدهن وما قتلت الكلاب التي لم تعلموها من قبل أن تدركوه فلا
تطعموه (1) وسيأتي إلى جملة منها زيادة على ذلك الإشارة.
وإطلاقهما بل عمومهما كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة يقتضي
عدم الفرق في الكلب بين السلوقي منه وغيره حتى الأسود، وبه صرح
جماعة.
خلافا للإسكافي فخصه بما عدا الأسود (2) تبعا لبعض الشافعية (3)
وأحمد (4) للخبر: الكلب الأسود البهيم لا يؤكل صيده، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أمر بقتله (5).
وهو شاذ، ومستنده ضعيف سندا ومقاومة لما مضى من وجوه شتى، مع
احتماله التقية، سيما مع كون الراوي السكوني، الذي هو من قضاة العامة.
والعجب عن المختلف في جوابه عن الخبر بأنه لم يثبت عندنا (6) مع
أنه مروي عن طرقنا أيضا.
(ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم ولا ما قتله
العقاب وغيره من جوارح الطير) على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من
تأخر، وفي الانتصار (7) والغنية (8) والسرائر (9) الإجماع عليه من الإمامية.
وهو الحجة; مضافا إلى أصالة الحرمة المؤسسة بما قدمناه من الأدلة، مع

(1) الوسائل 16: 218، الباب 7 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(2) المختلف 8: 271.
(3) المغني لابن قدامة 11: 12، المجموع 9: 93 س 9.
(4) المغني لابن قدامة 11: 12، المجموع 9: 93 س 9.
(5) الوسائل 16: 224، الباب 10 من أبواب الصيد، الحديث 2.
(6) المختلف 8: 271.
(7) الانتصار: 395.
(8) الغنية: 396.
(9) السرائر 3: 82.
43

اختصاص أدلة الإباحة من الكتاب والسنة بالكلاب خاصة، مع دلالة الأول
بمفهوم القيد المعتبر على نفيها عما عدا محل القيد، فيكون من أدلة الحرمة
كالأصل ونحوهما الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح: قلت: فالفهد، قال: إن أدركت ذكاته فكل، قلت: أليس
الفهد بمنزلة الكلب؟ فقال: (1) ليس شئ مكلب إلا الكلب (2).
وفيه: ما تقول في البازي والصقر والعقاب؟ فقال: إن أدركت ذكاته فكل
منه وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل (3).
وفيه: أما ما قتله الطير فلا تأكله إلا أن تذكيه، وأما ما قتله الكلب وقد
ذكرت اسم الله تعالى عليه فكل وإن أكل منه (4).
وفي الحسن: عن صيد البزاة والصقور والكلب والفهد، فقال: لا تأكل
صيد شئ من هذه إلا ما ذكيتموه، إلا الكلب المكلب، الخبر (5).
خلافا للعماني حيث أحل صيد ما أشبه الكلب من الفهد والنمر
وغيرهما (6) لعموم الآية (7) وللصحاح الكلب والفهد سواء (8).
وخصها الشيخ بموردها تارة أعني الفهد، محتجا بأنه يسمى كلبا لغة،
وحملها على التقية اخرى، وعلى الضرورة ثالثة (9) وخيرها أوسطها، لما
مضى من الصحيح المتضمن بعد السؤال عن الفهد: أليس بمنزلة الكلب،

(1) في المصدر: زيادة «لا».
(2) الوسائل 16: 216، الباب 6 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(3) المصدر السابق: 222، الحديث 11.
(4) الوسائل 16: 220، الباب 9 من أبواب الصيد، الحديث 2، 9.
(5) المصدر السابق: 208، الباب 1، الحديث 1.
(6) المختلف 8: 349.
(7) المائدة: 4.
(8) الوسائل 16: 212، الباب 2 من أبواب الصيد، الحديث 18.
(9) التهذيب 9: 28 - 29، ذيل الحديث 112 و 113.
44

لقوله (عليه السلام): ليس شئ مكلب إلا الكلب (1).
وبه يظهر الجواب عن عموم الآية، مضافا إلى ما مر إليه الإشارة،
وخصوص الصحيح في تفسيرها هي الكلاب خاصة، وعن حجة الشيخ
المتقدمة بكون الفهد داخلا في الآية، لكونه كلبا لغة.
هذا، مع أن كونه كلبا لغة محل مناقشة، فقد ذكر في صحاح اللغة أن
الكلب معروف وهو النابح. ولا يعارضه ما في القاموس أنه كل سبع عقور،
لمرجوحية كلامه عند التعارض مع الجوهري، مع أنه قال بعد ذلك: وغلب
على هذا النابح، ولعله يدل على كونه منقولا لغويا. فتأمل.
هذا، ولو سلم كونه حقيقة فيه لغة نقول: إنها معارض بالعرف جدا، لكون
الكلب فيه حقيقة في النابح خاصة، لوجود أماراتها فيه وأمارات المجاز في
غيره جدا، وهو مقدم عليها، كما مضى مرارا.
وأما ما دل على حل البزاة والصقور من الصحاح وغيرها فحمله على
التقية متعين، لمنافاة الصحاح السابقة، وللصحيح: كان أبي يفتي وكان يتقي،
وكنا نحن نفتي ونخاف في صيد البزاة والصقور، فأما الآن فإنا لا نخاف ولا
يحل صيدها، إلا أن يدرك ذكاته فإنه لفي كتاب علي (عليه السلام) أن الله تعالى قال:
«ما علمتم من الجوارح مكلبين فسمى الكلاب» (2). وفي خبر آخر: كان أبي
يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل الباز والصقر فهو حلال وكان يتقيهم، وأنا
لا أتقيهم فهو حرام ما قتل (3).
هذا، وبالجملة لا ريب في حرمة صيد ما عدا الكلب المعلم مطلقا

(1) الوسائل 16: 216، الباب 6 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 220، الباب 9 من أبواب الصيد، الحديث 3.
(3) المصدر السابق: 222، الحديث 12.
45

(إلا أن) يدرك حيا و (يذكى و) غاية (إدراك ذكاته بأن يجده ورجله
تركض أو عينه تطرف، وضابطه حركة الحيوان). وسيأتي إن شاء الله تعالى
تمام الكلام في المقام في المسألة الرابعة من مسائل الأحكام.
وما ذكره الماتن هنا مناف لما اختاره ثمة من اعتبار استقرار الحياة،
إلا أن يفسر بما هنا، كما عن ابن حمزة (1) لكنه خلاف ظاهر الأكثر،
كما سيظهر، بل في المختلف (2) والتنقيح (3) عن المبسوط تفسيره ببقاء
الحياة يوما أو بعض يوم.
(ويشترط في الكلب أن يكون معلما) بحيث (يسترسل) وينطلق
(إذا أغري) وأرسل (وينزجر) ويقف عن الاسترسال (إذا زجر) عنه و
(وألا يعتاد أكل صيده) بلا خلاف في الشرطين الأولين وإن اختلفوا في
إطلاق الثاني، كما في ظاهر العبارة وعن الأكثر، أو اختصاصه بما إذا لم يكن
بعد إرساله على الصيد، كما اختاره الشهيدان (4) وغيرهما تبعا للفاضل في
التحرير (5). وليس ببعيد، لدلالة العرف عليه، وهو الأصل في إثبات هذه
الشروط، لعدم دليل عليه سواه بعد الإجماع. وعلى الأظهر في الثالث، وهو
الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر، وفي الانتصار (6) والخلاف (7) وظاهر
المختلف (8) وكنز العرفان (9) الإجماع عليه.
(و) على أنه (لا عبرة ب‍) الأكل على سبيل (الندرة) كما صرح به
أرباب هذا القول كافة. وهو الحجة; مضافا إلى ما استدل به ناقله الأول.

(1) الوسيلة: 356.
(2) المختلف 8: 276.
(3) التنقيح 4: 7.
(4) الدروس 2: 393، المسالك 11: 414.
(5) التحرير 2: 154 س 28.
(6) الانتصار: 398.
(7) الخلاف 6: 6، المسألة 2.
(8) المختلف 8: 271.
(9) كنز العرفان 2: 309 - 310 وفيه «وهو قول أصحابنا».
46

حيث قال بعده: لأن أكل الكلب من الصيد إذا تردد وتكرر دل على أنه
غير معلم، والتعليم شرط في إباحة صيد الكلب بلا خلاف، وبدلالة قوله
تعالى: «وما علمتم من الجوارح مكلبين» وإذا تتابع أكل الكلب من الصيد
دل على أنه غير معلم، فلا يحل أكل صيده، ولأنه إذا توالى أكله منه لا
يكون ممسكا على صاحبه، بل يكون ممسكا له على نفسه، وقول المخالف
لنا أن الكلب متى أكل يخرج عن أن يكون معلما ليس بشئ، لأن الأكل إذا
شذ به وندر لم يخرج به عن أن يكون معلما، ألا ترى أن العاقل منا قد يقع
منه الغلط فيما هو عالم به ومحسن له على سبيل الشذوذ من صياغة وكتابة
وغيرهما، ولا يخرج عن كونه عالما، فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحق (1)
انتهى.
هذا، مع أن فيه جمعا بين الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة
الدالة على عدم البأس بأكل ما أكله الكلب (2) على الإطلاق والمعتبرة
المستفيضة الدالة على النهي عنه (3) كذلك، بحمل الأولة على صورة الندرة،
والثانية على صورة التساوي أو الغلبة. وربما أشعرت باختصاصها بهذه
الصورة، لما فيها من التعليل بعدم الإمساك على المرسل، بل على نفسه.
ففي صحاحها: إذا أكل فلم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه (4).
وفي بعضها: إذا أمسكه وأكل منه فلا تأكل فإنه أمسكه على نفسه (5).
فتدبر وتأمل.
خلافا للصدوقين وجماعة (6) فقالوا: إن عدم الأكل ليس بشرط،

(1) الانتصار: 399.
(2) الوسائل 16: 209، الباب 2 من أبواب الصيد، الحديث 3، 16.
(3) الوسائل 16: 209، الباب 2 من أبواب الصيد، الحديث 3، 16.
(4) الوسائل 16: 209، الباب 2 من أبواب الصيد، الحديث 17، 18.
(5) الوسائل 16: 209، الباب 2 من أبواب الصيد، الحديث 17، 18.
(6) راجع التنقيح 4: 7.
47

للصحاح الأولة، وفي قولهم إطراح للنصوص الأخيرة.
والذب عنه بحملها على التقية - كما يظهر من الصحيح: قلت: إنهم
يقولون إذا أكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا تأكل، قال: كل، أو ليس قد
جامعوكم على أن قتله ذكاته، قال: قلت: بلى، قال: فما يقولون في شاة
ذبحها رجل أذكاها؟ قال: قلت: نعم، قال: فإن السبع جاء بعد ما ذكى فأكل
بعضها أيؤكل البقية، فإذا أجابوك إلى هذا فقل لهم: كيف تقولون إذا ذكى هذا
وأكل منها لم تأكلوا منها وإذا ذكى هذا وأكل أكلتم (1)؟! - مدفوع بأن في
بعضها ما ينافي حمله، وهو حصر المنع عن أكل ما قتله الفهد.
ففي الموثق كالصحيح، بل ربما عد من الصحيح: لا بأس أن تأكلوا مما
أمسك الكلب مما لم يأكل الكلب، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا
تأكل منه (2).
قال: وسألته عن صيد الفهد وهو معلم للصيد، فقال: إن أدركته حيا فذكه
وكله، وإن قتله فلا تأكل منه (3).
وهو مناف للحمل المزبور، لتحليلهم ما فيه منع عنه.
وللإسكافي (4) ففرق بين أكله منه قبل موت الصيد وبعده، وجعل
الأول قادحا في التعليم دون الثاني.
وهذا أضعف من سابقه، لأن فيه إما إطراحا لجميع النصوص حيث لم
يقل بإطلاق شئ من قسيميها، أو جمعا بينهما بما لا وجه له ولا شاهد عليه
أصلا، فلا يمكن أن يكون به مفتيا. وليس كذلك الجمع الذي اخترناه،

(1) الوسائل 16: 208، الباب 2 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 212، الحديث 16.
(3) المصدر السابق: 216، الباب 6، الحديث 3.
(4) المختلف 8: 271.
48

لوضوح الشاهد عليه من الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة العظيمة، التي
كادت تكون إجماعا، بل لعلها الآن إجماع في الحقيقة.
وبها يمكن ترجيح هذا الجمع ولو فرض فقد الإجماع المنقول، لأنها من
أعظم المرجحات الاجتهادية.
هذا، مضافا إلى حجة المرتضى بعده المتقدمة (1).
وبالجملة لا ريب عند الأحقر فيما ذهب إليه الأكثر.
واعلم أن هذه الأمور لا بد من تكررها مرة بعد مرة اخرى، ليغلب على
الظن تأدب الكلب بها، فيصدق عليه في العرف كونه مكلبا والأولى أن لا
يقدر المرات بعدد كما فعله جماعة، بل يرجع إلى العرف وأهل الخبرة.
واعلم أن استعمال آلة الصيد حيوانا كانت أو جمادا نوع من التذكية،
فيشترط فيه ما يشترط فيها بلا خلاف أجده. وهو الحجة; مضافا إلى أصالة
الحرمة المتقدمة، مع اختصاص أدلة الإباحة كتابا وسنة بحل ما اجتمعت فيه
شروط التذكية.
وإطلاق بعضها غير شامل لما عداه، لوروده لبيان حكم آخر غيرها، فلا
يكون حجة.
هذا، مع أن الحجة على اعتبار كل من الشرائط الآتية بالخصوص قائمة.
(فيعتبر في المرسل) للكلب وما في حكمه (أن يكون مسلما أو
بحكمه) كولده المميز الغير البالغ ذكرا كان أو أنثى، فلو أرسل الكافر لم يحل
وإن سمى، أو كان ذميا على الأقوى، بل عليه في الانتصار إجماعا (2) لما
مضى; مضافا إلى ما سيأتي في الذبيحة. وكذا الناصب من المسلمين
والمجسمة. أما غيرهما من المخالفين ففي حل صيده الخلاف الآتي ثمة.

(1) الانتصار: 399.
(2) الانتصار: 398.
49

ولا يحل صيد الصبي غير المميز ولا المجنون، لاشتراط القصد الممتنع
عنهما، كما يأتي; مضافا إلى الأصل الماضي.
ومقتضاه وإن كان حرمة صيد المميز أيضا إلا أنه خارج بالإجماع
ظاهرا، وبما سيأتي في الذبيحة من النص والفتوى، المبيحين لذبيحته،
فيدلان على إباحة صيده بطريق أولى، لأنه يغتفر في الصيد ما لا يغتفر فيها،
مع أنه في حكمها، كما مضى.
وأما الأعمى، فإن تصور فيه قصد الصيد المشترط في إباحته حل
صيده، وإلا فلا.
وأن يكون مرسلا و (قاصدا بإرساله الصيد) فلو استرسل الكلب
بنفسه من غير أن يرسله أو أرسله لكن لا بقصد الصيد - كما إذا رمى سهما
إلى هدف فصادف صيدا فقتله - أو أرسله لكن مقصوده ليس محللا - كما لو
ظنه خنزيرا فأصاب محللا - لم يحل بلا خلاف ظاهر، بل عليه في الأول
الإجماع في الخلاف (1) للخبر: إذا أرسلت كلبك فكل (2) حيث قيد تجويز
الأكل بالإرسال، فلا يجزئ الاسترسال.
ولا مع عدم القصد، لأنه في قوته. قيل: وفيه نظر (3). ولعل وجهه إما
قصور السند، وليس بوجه، لانجباره بالعمل. أو ضعف الدلالة، بقوة احتمال
ورود الشرط مورد الغالب، فلا عبرة بمفهومه. وهو وجيه، إلا أن الأصل
المتقدم المعتضد بعدم الخلاف دليل في المقامين قوي.
وربما اعتضده بظاهر الخبر: عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه فصاد
فأدركه صاحبه وقد قتله أيأكل منه قال لا (4).

(1) الخلاف 6: 27، المسألة 27.
(2) المغني لابن قدامة 11: 7.
(3) مفاتيح الشرائع 2: ص 212.
(4) الوسائل 16: 224، الباب 11 من أبواب الصيد، الحديث 1.
50

وفيه نظر، لاحتمال استناد المنع فيه عن الأكل إلى عدم التسمية، لا إلى
الاسترسال، فلا دلالة فيه على اعتبار الإرسال، بل ربما كان في ذيله ما
يشعر بعدم اعتباره، وأن الوجه في المنع عن الأكل المتقدم هو ما ذكرناه من
الاحتمال، وهو قوله بعد ما مر، وقال (عليه السلام): إذا صاد وقد سمى فليأكل، وإن
صاد ولم يسم فلا، الخبر (1).
ولعله لذا أن في الكفاية (2) بعد مناقشته في الحكم المستند في كلام
بعض الأصحاب إلى الرواية التي مر إلى النظر فيها الإشارة وتضعيفها
عارضها بهذه الرواية.
وفيه مناقشة، لابتناء المعارضة على وضوح دلالة هذه الرواية على عدم
اعتبار الإرسال. وليس بواضح، لاحتمال أن يكون المراد بالذيل والتتمة
الدالة على جعل المعيار في الإباحة هو التسمية الكناية عن اعتبارها مع
الإرسال المصاحب لها غالبا، سيما على القول بكون وقتها عنده لا مطلقا.
فتأمل جدا.
والمعتبر قصد الجنس المحلل لا عينه، فلو أرسل كلبه أو سهمه على
صيد معين فقتل غيره حل، لتحقق القصد، ولصريح الخبر - المنجبر قصور
سنده بابن محبوب الراوي عن موجبه -: عن رجل سمى ورمى صيدا
فأخطأ وأصاب آخر، فقال: يأكل منه (3). إلا أنه يوجد في نسخة مروية في
التهذيب (4) لا يأكل، لكن النسخة الأولى مروية في الكافي (5) والتهذيب (6)

(1) المصدر السابق: 225، الباب 12، الحديث 1.
(2) كفاية الأحكام: 245 س 26.
(3) الوسائل 16: 239، الباب 27 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(4) لم نعثر عليه.
(5) الكافي 6: 215، الحديث 1.
(6) التهذيب 9: 38، الحديث 160.
51

في نسختها الأخرى، فهي أقوى.
وأن يكون (مسميا عند الإرسال) لما مر، مضافا إلى عموم
«ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وأنه لفسق» (1) ونحوه من النصوص،
وخصوص بعضها وفي الكلب خاصة قوله سبحانه: «فكلوا مما أمسكن
عليكم واذكروا اسم الله عليه» (2) وفي الصحيح: من أرسل كلبه ولم يسم فلا
تأكله (3) ولا خلاف فتوى ونصا في إجزائها إذا وقعت عند الإرسال.
أما بينه وبين عض الكلب ففيه خلاف. والأصح الإجزاء، وفاقا
للشهيدين (4) وغيرهما، للعمومات، سيما الآية الأخيرة، بل هو أولى
بالإجزاء، لقربه من وقت التذكية.
وأما الصحيح: في الرجل يسرح كلبه المعلم ويسمي إذا سرحه؟ فقال
يأكل مما أمسك عليه (5) فلا دلالة فيه على تعيين وقت الإرسال لذلك،
لوقوع التخصيص في كلام السائل، وهو لا يخصص.
خلافا لظاهر العبارة هنا وفي الشرائع (6) وكثير، حيث قيدوه بعند
الإرسال. ووجهه غير واضح سوى الأخذ بالمتيقن المجمع عليه والرجوع
في غيره إلى الأصل المبرهن عليه فيما سلف. وهو حسن لولا قيام
المخصص له المتقدم وبه يلحق مورد الشك بالمتيقن.
وكيف كان (فلو) كان (تركها عمدا لم يؤكل صيده) إجماعا، للنهي
عنه حينئذ المقتضي للتحريم (ويؤكل لو نسي إذا اعتقد الوجوب) ولم يذكر

(1) الأنعام: 120.
(2) المائدة: 4.
(3) الوسائل 16: 226، الباب 12 من أبواب الصيد، الحديث 5.
(4) الدروس 2: 395، المسالك 11: 421.
(5) الوسائل 16: 207، الباب 1 من أبواب الصيد، الحديث 2.
(6) الشرائع 3: 200.
52

قبل الإصابة بلا خلاف، للخبرين.
في أحدهما: إذا أرسل كلبه ونسي أن يسمي فهو بمنزلة من ذبح ونسي
أن يسمي، وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي أن يسمي (1).
وفي الثاني: كل ما أكل الكلب إذا سميت عليه، فإن كنت ناسيا فكل منه
أيضا (2).
هذا، مضافا إلى ثبوت هذا الحكم في الذبيحة بالصحيح (3) وغيره (4)
وهو يستلزم ثبوته هنا بالأولوية المتقدم إلى وجهها الإشارة.
وعلى العمد ينزل إطلاق النهي عما لم يسم عليه في الآية، والصحيح:
من أرسل كلبه ولم يسم فلا يأكله (5).
أما إذا لم يعتقد الوجوب أو تذكر قبل الإصابة فتركها لم يؤكل، لبقاء
محل الوجوب بعد في الثاني على المختار، فيكون كمتعمد الترك عند
الإرسال. وكذا على غيره، كما صرح به شيخنا الشهيد الثاني، حيث حصر
محل الخلاف السابق في محل التسمية في المتذكر عند الإرسال. وأما
الذاهل عنها حينه المتفطن لها قبل الإصابة فلم يجعل وجوب التسمية فيه
محل الخلاف، بل قطع به في المسالك (6) والروضة (7) مشعرا بدعوى
الإجماع عليه. وهو الحجة فيه مطلقا، كأصالة الحرمة، واختصاص أدلة
الإباحة مع نسيان التسمية بحكم التبادر بمعتقد وجوبها، لا غيره في الأول.
وهذا القيد وإن لم يذكره الماتن في الشرائع ولا غيره عدا الشيخ في

(1) الوسائل 16: 225، الباب 12 من أبواب الصيد، الحديث 2، 4.
(2) الوسائل 16: 225، الباب 12 من أبواب الصيد، الحديث 2، 4.
(3) المصدر السابق: 267، الباب 15 من أبواب الصيد، الحديث 2، 4.
(4) المصدر السابق: 267، الباب 15 من أبواب الصيد، الحديث 2، 4.
(5) الوسائل 16: 226، الباب 12 من أبواب الصيد، الحديث 5.
(6) المسالك 11: 420 - 421.
(7) الروضة 7: 200.
53

النهاية (1) والحلي في السرائر (2) والقاضي (3) إلا أن الظاهر بحكم ما مر من
التبادر إرادته وإن تركه حوالة إلى الظهور من الخارج.
فما يظهر من التنقيح من التردد في اعتباره حيث حكم بأنه أحوط (4)
غير ظاهر الوجه.
ولو تركها جهلا بوجوبها ففي إلحاقه بالعامد أو الناسي وجهان: من أنه
عامد، ومن أن الناس في سعة مما لم يعلموا.
وهو كما ترى، بل الأول أقوى، لقوة دليله، مع اعتضاده بأصالة الحرمة
مع عدم التسمية خرج منها صورة النسيان بما مر من الأدلة، ويكون ما
عداها تحتها مندرجا.
وإلحاق الجاهل بالناسي قياس فاسد في الشريعة، سيما مع وجود
الفارق بينهما بافتراق حكمهما في مواضع متعددة، وذكر جماعة من
الأصحاب من غير خلاف يعرف أن من الشرائط أن يحصل موته بالسبب
الجامع للشرائط، التي من جملتها الإرسال والتسمية وقصد الصيد وحده.
(فلو أرسل) واحد كلبه (و) لم يسم و (سمى غيره لم يؤكل صيده، إلا
أن يذكيه) وأولى منه ما إذا أرسل واحد وقصد آخر وسمى ثالث.
والأصل فيه بعد الأصل المتقدم مع اختصاص أدلة الإباحة بحكم
التبادر بذلك، الخبران:
في أحدهما: عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد فيكون الكلب
لرجل منهم ويرسل صاحب الكلب كلبه ويسمي غيره أيجزئ ذلك؟ قال:
لا يسمي إلا صاحبه الذي أرسل الكلب (5).

(1) النهاية 3: 87.
(2) السرائر 3: 93.
(3) المهذب 2: 438.
(4) التنقيح 4: 9.
(5) الوسائل 16: 226، الباب 13 من أبواب الصيد، الحديث 1.
54

وفي الثاني: لا يجزئ أن يسمي إلا الذي أرسل الكلب (1).
وقصورهما بحسب السند منجبر بالعمل والأصل، مع أن أولهما
قد وصف بالصحة في المسالك (2) وغيره، ولكن وجهه غير واضح، فإني لم
أقف عليه بعد التتبع إلا في التهذيب (3) وفي سنده محمد بن موسى المشترك
أو الضعيف، وأحمد بن حمزة ومحمد بن خالد المشتركين، ولذا لم يصفه
المقدس الأردبيلي بالصحة، بل أشار إليه بلفظ «الرواية» (4).
ويشترط أيضا العلم، قيل: أو الظن الغالب، باستناد موته إلى السبب
المحلل، فلو سمى وأرسل كلبه فأرسل آخر كلبه ولم يسم أو لم يكن كلبه
معلما واشترك الكلبان في قتل الصيد لم يحل (5) لأصالة الحرمة والمعتبرة:
ففي الصحيح: وإن وجد معه كلبا غير معلم فلا يأكل منه (6) الخبر.
وفي الخبر: عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلمة كلها وقد سموا عليها
كلها فلما مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحبا
فاشتركن جميعا، فقال: لا تأكل منه، لأنك لا تدري أخذه معلم أم لا (7).
ويستفاد من مفهوم التعليل حل الصيد بتعدد الآلة، فلو اشترك في قتله
كلبان معلمان سمي عند إرسالهما حل، ويعضده الإطلاقات. فتأمل.
(ويعتبر ألا يغيب) ما صاده الكلب (عنه) أي عن المرسل
(فلو غاب) عنه (وحياته مستقرة) قيل: بأن يمكن أن يعيش ولو نصف
يوم (8) (ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يؤكل. وكذا) ما صاده (السهم) ونحوه

(1) الوسائل 16: 226، الباب 13 من أبواب الصيد، الحديث 2.
(2) المسالك 11: 423.
(3) التهذيب 9: 26، الحديث 103.
(4) مجمع الفائدة 11: 20.
(5) مفاتيح الشرائع 2: 213.
(6) الوسائل 16: 215، الباب 5 من أبواب الصيد، الحديث 1، 2.
(7) الوسائل 16: 215، الباب 5 من أبواب الصيد، الحديث 1، 2.
(8) الروضة 7: 202.
55

بلا خلاف، للصحاح المستفيضة وغيرها:
في اثنين: عن الرمية يجدها صاحبها أيأكلها؟ قال: إن كان يعلم أن
رميته هي التي قتلته فليأكل (1). ونحوهما الموثق بزيادة: «وإلا فلا يأكل
منه» (2).
ومنها: صيد وجد فيه سهم وهو ميت لا يدرى من قتله، قال:
لا تطعمه (3).
ومنها: من جرح صيدا بسلاح وذكر اسم الله عز وجل عليه ثم بقي ليلة
أو ليلتين لم يأكل منه سبع وقد علم أن سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن
شاء (4) ونحوها غيرها من المعتبرة كالخبر - المنجبر قصور سنده بصفوان
المجمع على تصحيح رواياته -: إذا رميت فوجدته وليس به أثر غير السهم
وقد ترى أنه لم يقتله غير سهمك فكل غاب عنك أو لم يغب عنك (5).
وقريب منه النبوي (6).
وفي النبوي الآخر: كل ما أصميت أي قتلته بين يديك وأنت تراه
ودع ما أنميت أي غاب عنك (7) فلا تدري مات بسهمك أو كلبك أم بشئ
عرض له.
ويستفاد منها منطوقا في بعض ومفهوما في آخر مثلها اختصاص
الحرمة مع الغيبة ب‍ (ما) إذا (لم يعلم أنه) أي ما أرسل من الآلة
(القاتل) له أم غيره، وأنه لو علم حصول القتل به حل كما يحل لو غاب

(1) الوسائل 16: 230، الباب 18 من أبواب الصيد، الحديث 1، 2.
(2) الوسائل 16: 230، الباب 18 من أبواب الصيد، الحديث 1، 2.
(3) المصدر السابق: 232، الباب 19، الحديث 1.
(4) المصدر السابق: 228، الباب 16، الحديث 1.
(5) المصدر السابق: 231، الباب 18، الحديث 5.
(6) سنن البيهقي 9: 242.
(7) مجمع الزوائد 4: 30.
56

بعد أن صارت حياته غير مستقرة بجرحه، بأن أخرج حشوه أو فتق قلبه أو
قطع حلقومه، بلا خلاف إلا من الشيخ في النهاية، حيث أطلق الحرمة مع
الغيبة (1). وناقشه الحلي (2) بأنه خلاف مقتضى الأدلة. ورده في المختلف،
فقال: وهذه المؤاخذة، ليست بجيدة، لأن قصد الشيخ (رحمه الله) ما ذكره في الخلاف
لظهوره (3).
وعلى هذه الصورة يحمل إطلاق بعض النصوص الدالة على الحلية مع
الغيبة.
وفيه: أرمي بسهمي ولا أدري أسميت أم لم اسم، فقال: كل لا بأس،
قال: قلت: أرمي ويغيب عني وأجد سهمي فيه، فقال: كل ما لم يؤكل منه،
وإن كان قد أكل منه فلا تأكل منه (4).
وفي الذيل إشعار ما بالحمل. فتأمل.
(ويجوز الاصطياد) بالمعنى الأول، وهو مجرد إثبات اليد، كما يستفاد
من ذيل العبارة وما مر إليه الإشارة (ب‍) - كل ما يتوصل إليه كا (الشركة
والحبالة وغيرهما من الآلة) الجمادية، (وبالجوارح) غير الكلاب المعلمة
(لكن لا يحل منه) أي من الصيد المدلول عليه بالعبارة (إلا ما ذكي)
بالشرائط المعتبرة. بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، والنصوص به مع ذلك
في الحبالة مستفيضة.
في جملة منها وفيها الصحيح وغيره: ما أخذت الحبالة وقطعت منه
شيئا فهو ميت، وما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه (5).

(1) النهاية 3: 87.
(2) السرائر 3: 93.
(3) المختلف 8: 267.
(4) الوسائل 16: 237، الباب 25 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(5) الوسائل 16: 237، الباب 24 من أبواب الصيد، الحديث 2.
57

وفي بعضها: ما أخذت الحبائل فانقطع منه شئ أو مات فهو ميت (1).
هذا، مضافا إلى أصالة الحرمة، مع اختصاص أدلة الإباحة كتابا وسنة
بحل ما يصيد بغير الآلات المزبورة.
ومنها يظهر حرمة مقتول الآلة الموسومة بالتفنك المستحدثة في قرب
هذه الأزمنة.
خلافا للكفاية فأحله بعد التردد، قال: لعموم أدلة الحل، ودخوله تحت
عموم قول أبي جعفر (عليه السلام): من قتل صيدا بسلاح، الحديث. وأخبار البندقة
مصروفة إلى المعروف في تلك الأزمنة (2).
والمناقشة فيهما واضحة، لضعف العموم بتخصيصه بأصالة الحرمة
المتقدمة المدلول عليها بالنصوص المتقدمة قبيل المسألة، بل بأكثر نصوص
هذا الكتاب، الدالة على توقف حل الصيد والذبيحة على التذكية، وهي من
قبيل الأحكام الشرعية تتوقف على الثبوت آلة وكيفية، مع معارضته
بعمومات تحريم الميتة الصادقة في اللغة على الميت حتف أنفه والمذبوح
بكل آلة، خرج منها الآلة المعتبرة وبقي ما عداها ومنها مفروض المسألة
تحتها مندرجة.
ودعوى عدم صدق الميتة على المذكى بكل آلة، مردودة بأن التذكية
حكم من الأحكام الشرعية المستحدثة، فلا يتصور توقف صدق اللفظ على
معنى فيها على عدمها مع كون اللغة سابقة.
ومنع عموم السلاح فإنه نكرة مثبتة لا عموم فيها لغة، وإنما ينصرف إليه
حيث لا يكون لها أفراد متبادرة. ولا ريب أن المتبادر منه الغالب إنما هو

(1) الوسائل 16: 237، الباب 24 من أبواب الصيد، الحديث 4.
(2) كفاية الأحكام: 245 س 13.
58

ما عدا التفنكة من نحو السيف والرمح والسهم، سيما مع كونها من الآلات
المستحدثة في قرب هذه الأزمنة، كما اعترف به في سابق ما نقلناه
من العبارة. فكيف ينصرف إليها الإطلاق مع كونها بهذه المثابة؟!
(والصيد) الذي يحل بقتل الكلب له أو الآلة المعتبرة في غير موضع
الذكاة هو كل (ما كان ممتنعا) وحشيا كان أو إنسيا توحش. وكذا ما يصول
من البهائم أو يتردى في بئر وشبهها ويتعذر ذبحه أو نحره فإنه يكفي العقر
في استباحتها. ولا يختص حينئذ بموضع من جسدها، كما يأتي. ولا خلاف
في شئ من ذلك بيننا كما حكاه جماعة. وهو الحجة; مضافا إلى النصوص
الآتية في الأخير، لكن ليس فيها التعميم في الحيوان والآلة والعرف واللغة
في الوحشي الممتنع، إذ لا فرد للصيد أظهر منه، فيدخل تحت عموم ما دل
على حله بالاصطياد بمطلق الآلة المعتبرة من غير تذكية.
وأما الإنسي المستوحش ففي صدق الصيد عليه فيهما حقيقة مناقشة،
والأصول تقتضي الرجوع في إباحته إلى مراعاة التذكية، لكن الإجماع
والنصوص المزبورة في المتردي ألحقاه بالصيد، وإن اختلفا في الإلحاق كلا،
حتى في حل مقتوله بالكلب ونحوه كما يظهر من الأول، أو في الجملة كما
يظهر من الثاني.
وأما أن غير الممتنع ليس بصيد فالأصل فيه العرف واللغة، فيندرج
تحت عموم ما دل على توقف حل الحيوان على التذكية; مضافا إلى فحوى
النصوص الآتية في لزوم التذكية لحل الصيد بعد أن أدرك وفيه حياة مستقرة،
وليس ذلك إلا لزوال امتناعه الموجب لانتفاء حكم الصيد عنه، فإذا ثبت
انتفاؤه عنه مع حصول الامتناع فيه في الجملة وصدق الصيد عليه حقيقة
عرفا ولغة.
59

فثبوته عما ليس بممتنع بالأصل أولى، مع أن كون مثله صيدا يستلزم
عدم وجود ما يحكم في حله بالتذكية بالذبح والنحر أصلا، وهو فاسد قطعا،
والنصوص بخلافه متواترة جدا.
(فلو قتل بالسهم فرخا أو قتل الكلب طفلا غير ممتنع لم يحل. ولو
رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر) لامتناعه (دون فرخه) لعدمه،
وللخبرين (1).
ويلحق بالمقام
(مسائل من أحكام الصيد)
(الأولى: لو تقاطعته الكلاب) أو السيوف مع اجتماع الشرائط التي
منها التسمية على كل واحد (قبل إدراكه حل) بلا خلاف ظاهر، لوجود
شرط الحل وانتفاء المانع، إذ ليس إلا تعدد الآلة وهو لا يصلح للمانعية، لما
مر إليه الإشارة في شرح قول الماتن لو أرسل كلبه وسمى غيره من مفهوم
التعليل، المؤيد بإطلاقات أدلة الإباحة.
وفي المسالك لا فرق بين تقاطعهم إياه وحياته مستقرة وعدمه، بخلاف
ما تقاطعه الصائدون، فإن حله مشروط بوقوع فعلهم بعد أن صار في حكم
المذبوح، والفرق أن ذكاته بالذبح معتبرة مع إمكانها بعد أخذ الكلب له لا
بدونها، فإذا أدركه الصائدون أو بعضهم مستقر الحياة صار حله متوقفا على
الذبح فلا يحل بدونه، بخلاف تقاطع الكلاب له قبل إدراكه فإن اعتبار ذبحه
ساقط (2).
أقول: ما ذكره من الفرق بين تقاطع الكلاب والصائدين هو المشهور بين

(1) الوسائل 16: 241 و 249، الباب 28 و 31 من أبواب الصيد، الحديث 1 و 1.
(2) المسالك 11: 436.
60

الأصحاب، وفاقا للحلي (1) أخذا بالقاعدة.
خلافا للنهاية (2) فسوى بينهما وجعل الثاني كالأول، للموثق،
وللمعتبرين:
أحدهما الصحيح في الكافي (3) المرسل في الفقيه (4): في ايل اصطاده
رجل فقطعه الناس والرجل يتبعه أفتراه نهبة، فقال (عليه السلام): ليس بنهبة وليس به
بأس، كذا في الكافي والتهذيب (5) لكن بدل «يتبعه» «يمنعه»، وفي الفقيه بعد
الناس والذي اصطاده يمنعه ففيه نهي، فقال: ليس فيه نهي وليس به بأس.
وثانيهما الموثق كالصحيح بأبان: عن الرجل يرمي الصيد فيصرعه
فيبتدره القوم فيقطعونه، فقال: كله (6).
وهما مع اعتبار السند قاصران عن المكافأة لأصالة الحرمة والأدلة
الدالة على اعتبار التذكية في الحيوانات الغير الممتنعة، وهي كثيرة، معتضدة
مع ذلك بالشهرة، مع قصورهما عن صراحة الدلالة، لاحتمال حمل الأول
على أنه لو لم يصر بالأول مثبتا غير ممتنع، فلا يكون نهبة ولا فيه نهي، بل
يكونون فيه شركاء، ولا يضر منع الأول والثاني عليه أيضا ولو على بعد، أو
على أن التقطيع بعد الموت أو قبله، بعد عدم استقرار الحياة على القول بأنه
بعد ذلك لا يضر تقطيعه، أو حمل التقطيع فيه على الذبح وإن بعد.
وعلى التقادير يكون غرض السائل مجرد الحل، إما على الأول، أو
الجميع مع إذن الأول. ويمكن حمل الخبر الأول على الاحتمالات أيضا.

(1) السرائر 3: 96.
(2) النهاية 3: 88.
(3) الكافي 6: 210، ذيل الحديث 2.
(4) الفقيه 3: 319، الحديث 4140.
(5) التهذيب 9: 34، الحديث 138.
(6) الوسائل 16: 230، الباب 17 من أبواب الصيد، الحديث 3.
61

(الثانية: لو رماه بسهم) ونحوه (فتردى من جبل أو وقع في ماء
فمات) موتا يحتمل استناده إلى كل منهما (لم يحل) إجماعا، لما مر إليه
الإشارة من اشتراط تيقن استناد الموت إلى السبب المحلل خاصة، وحرمة
ما استند موته إلى غيره أو إليهما معا، وليس من الصورة الأولى مفروض
المسألة، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة:
منها الصحيح: عن رجل رمى صيدا وهو على جبل أو حائط فخرق فيه
السهم فيموت، فقال: كل منه، فإن وقع في الماء من رميتك فمات فلا
تأكل (1). ونحوه الموثقان (2) وغيرهما (3).
والخبر: لا تأكل من الصيد إذا وقع في الماء فمات (4).
وإطلاقها سيما الأخيرة يشمل صورة القطع باستناد الموت إلى الآلة
المحللة وعدمه مطلقا، قطع بإسناده إلى غيرها أم لا، وبمضمونها عبر في
النهاية (5) ولذا جعلت المسألة خلافية.
(و) نسب التقييد بما في العبارة من أنه (ينبغي هنا اشتراط استقرار
الحياة) قبل التردي والوقوع في عدم الحل - بحيث لولاه قبلهما بأن قطع
مريئه أو حلقومه أو شق بطنه أو فتق قلبه حل - إلى الشهرة العظيمة
المتأخرة، وفاقا للإسكافي (6) والمبسوط (7) والحلي (8) لكن يظهر من
المختلف (9) عدم الخلاف من النهاية، وأن مراده من إطلاق عبارتها ما فصله

(1) الوسائل 16: 238، الباب 26 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 233، الباب 22، الحديث 1، 2.
(3) المصدر السابق: الباب 26، الحديث 2، 3.
(4) الوسائل 16: 238، الباب 36 من أبواب الصيد، الحديث 2.
(5) النهاية 3: 88.
(6) المختلف 8: 268.
(7) المبسوط 6: 273.
(8) السرائر 3: 94.
(9) المختلف 8: 268.
62

في كتابه الآخر. وهو غير بعيد، لوروده - كإطلاق النصوص - مورد الغالب،
وهو ما عدا الصورة الأولى بالضرورة، فإنها من الأفراد النادرة.
هذا، مع تعليله الحرمة بأنه لا يأمن أن يكون قد مات في الماء أو من
وقوعه من الجبل.
وهو كما ترى ظاهر في الحل مع الأمن من استناد الموت إلى السبب
المحرم.
هذا، مع أن قوله في المبسوط يدل على رجوعه عما اختاره في النهاية
على تقديره.
فلا يقدح في تحقق الإجماع وانعقاده، كما لا يقدح فيه مخالفة
الصدوقين (1) بتفصيلهما في المتردي في الماء بين خروج رأسه عنه فيحل
ودخوله فيه فيحرم، التفاتا منهما إلى المرسل في الفقيه: «فإن رميته وأصابه
سهمك ووقع في الماء فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء وإن كان رأسه
في الماء فلا تأكله» (2) إما لمعلومية نسبهما المانعة عن تحقق القدح في انعقاد
الإجماع سيما مع ضعف مستندهما بالإرسال مع احتمال كونه من كلام
ثانيهما لا خبرا، أو لإرجاع تفصيلهما إلى ما فصله باقي أصحابنا من
حصول القطع باستناد الموت إلى السبب المحلل وغيره، بحمل الأول من
شقي تفصيلهما على الأول بجعله أمارة عليه، والثاني على الثاني، لفقد تلك
الأمارة، ولذا صوبهما الفاضل (3) وشيخنا الشهيد الثاني (4) وغيرهما. لكنه
لا يخلو عن مناقشة ما.
واعلم أن قول الماتن هنا مشعر بل ظاهر في اختصاص الاشتراط

(1) المسالك 11: 437.
(2) الفقيه 3: 320، ذيل الحديث 4144.
(3) التحرير: 155 س 32.
(4) المسالك 11: 437.
63

بالمقام وعدمه في غيره، وليس بواضح، لاعتباره استقرار الحياة في الحرمة
في كل موضع يشابه مفروض المسألة من عدم القطع باستناد الموت إلى
الآلة المحللة. ومنه ما مر في اشتراط عدم الغيبة في الحلية.
وجعل فائدة هذا القيد في التنقيح التنبيه على أنه من خصائصه (1) ولذا
اعترضه بظهور القيد من غيره. وفيه نظر.
(الثالثة: لو قطعه السيف باثنين فلم يتحركا) أو تحركا حركة المذبوح
(حلا) بلا خلاف، كما عن السرائر (2) والمبسوط (3) والخلاف (4). لكنهم لم
يقيدوه بأحد القيدين، لكن الظاهر إرادتهم إياه بناء على الغالب في القد
نصفين من عدم بقاء استقرار الحياة، مع أنهم صرحوا بكون مثله من جملة
أسباب عدم استقرار الحياة، حيث فسروا عدمه بأن يقطع مريئه أو حلقومه
أو يفتق قلبه أو يشق بطنه، فلا خلاف في الحقيقة. فهو الحجة; مضافا إلى
عموم أدلة إباحة ما قتلته الآلة، وخصوص الخبرين:
في أحدهما: الرجل يضرب الصيد فيقده نصفين، قال: يأكلهما جميعا،
فإن ضربه وبان منه عضو لم يأكل منه ما أبانه وأكل سائره (5).
وفي الثاني: عن الظبي وحمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدان، قال:
لا بأس بأكلهما ما لم يتحرك أحد النصفين، فإن تحرك أحدهما فلا تأكل
الآخر لأنه ميت (6).
ويظهر من التعليل كون المراد من الحياة المنفية والمثبتة الحياة المستقرة
لا مطلقا، وبه يقيد الخبر الأول حيث أطلق فيه الحل مع القد نصفين، من

(1) التنقيح 4: 11.
(2) السرائر 3: 95.
(3) المبسوط 6: 261.
(4) الخلاف 6: 18، المسألة 17.
(5) الوسائل 16: 243، الباب 35 من أبواب الصيد، الحديث 1، 3.
(6) الوسائل 16: 243، الباب 35 من أبواب الصيد، الحديث 1، 3.
64

دون اشتراط عدم استقرار الحياة، مضافا إلى وروده مورد الغالب المتحقق
فيه الشرط، كما مر.
وليس في إطلاقهما كباقي الأدلة اعتبار خروج الدم بالكلية.
خلافا للنهاية (1) والقاضي (2) وابن حمزة (3) فاعتبروه في الحلية، بل
صرح الأخيران مع عدمه بالحرمة.
وحجتهم عليه غير واضحة، وإن نفى عنه البأس في التنقيح (4). لكن
ثمرة النزاع سهلة، لندرة عدم خروج الدم مع القد نصفين بالضرورة، بل لعله
من المحالات عادة.
(ولو تحرك أحدهما فهو الحلال إن كانت حياته مستقرة لكن بعد
التذكية) وحرم الآخر، لأنه قطعة من الحي مبانة. شهد بتحريمه الأصول،
والرواية الثانية المتقدمة، والرواية النبوية: ما أبين من حي فهو ميت (5)
ويعضده ما ورد في الصيد بالحبالة من المعتبرة (6). واعتبار التذكية هو
المشهور، بل عليه المتأخرون كافة.
خلافا للكتب الثلاثة المتقدمة، حيث أطلق فيها حل المتحرك من دون
اعتبارها، بل إنما اعتبر الأخيران خروج الدم خاصة، بل وصرح ثانيهما
بالتحريم من دونه. ويأتي عليهما ما مر من عدم موافقة الإطلاق للقواعد، إلا
أن يحمل عليها بإرادتهم القيد، وأحالتهم اعتباره إلى الظهور، أو إرادتهم من
الحركة حركة المذبوح خاصة، ولذا أطلق الحركة فيها ولم يقيد باستقرار

(1) النهاية 3: 88.
(2) المهذب 2: 436.
(3) الوسيلة: 357.
(4) التنقيح 4: 12.
(5) سنن ابن ماجة 2: 1073، الحديث 3217، وفيه «ألا فما قطع من حي فهو ميت».
(6) الوسائل 16: 236، الباب 24 من أبواب الصيد، الحديث 2.
65

الحياة كما في العبارة. ويعضده الورود مورد الغلبة، وتفسيرهم المتقدم إليهما
الإشارة، مع تفسيرهم عدمه بمثله. فلا خلاف أيضا في المسألة.
(ولو لم تكن) حياة المتحرك (مستقرة حلا) أي النصفان معا مطلقا،
كان ما فيه الرأس أكبر أم لا، وفاقا للحلي (1) والمتأخرين كافة، أخذا بالأدلة
المتقدمة التي منها إطلاق الصحيحة، بل عمومها الناشئ من ترك الاستفصال
كما برهن في محله عن الصيد يضربه الرجل بالسيف أو يطعنه برمح أو
يرميه بسهم فيقتله وقد سمى حين فعل ذلك، قال: كل لا بأس (2).
خلافا للكتب الثلاثة (3) حيث حكموا في غير المتحرك بالحرمة مطلقا
ولو لم يكن حياة المتحرك مستقرة، بل كلماتهم في هذه الصورة دون غيرها
ظاهرة، بمعونة ما قدمناه من التفسير، والورود مورد الغلبة، ولعل حجتهم
الرواية الثانية من الروايتين المتقدم إلى ذكرهما الإشارة. وهي بحسب السند
قاصرة من وجوه عديدة، غير مكافأة لما مر من الأدلة، سيما مع اعتضادها
بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون الآن إجماعا، بل لعلها إجماع في الحقيقة،
فلتكن مطرحة، أو محمولة على ما إذا كانت حياة المتحرك مستقرة وإن كان
بعيدا بمقتضى ما مر من الغلبة.
نعم لما ذكروه وجه إن لم نعتبر استقرار الحياة في وجوب تذكية الصيد
مطلقا، بل قلنا بوجوبها ما دام فيه حركة ما كطرف العين وركض الرجل
ونحوهما إذا اعتبرناه، ولكن فسرناه بأحد الأمور المذكورة، كما قدمناه عن
ابن حمزة. وسيأتي إليه وإلى تمام التحقيق الإشارة، وذلك أن المتحرك على

(1) السرائر 3: 95.
(2) الوسائل 16: 228، الباب 16 من أبواب الصيد، الحديث 3.
(3) النهاية 3: 88، المهذب 2: 436، الوسيلة: 357.
66

هذا في حكم الحي الواجب تذكيته، المحكوم بكون المبان منه ميتة، لكن
اعتبار الاستقرار وتفسيره بغير تلك الأمور مشهور، منهم الشيخ الذي هو
الأصل في هذا القول، مع أن القد نصفين من جملة ما فسروا به عدم استقرار
الحياة.
فلا وجه لقولهم حينئذ إلا دعوى كون القطعة المبانة من مثل هذه
المتحرك قطعة مبانة من حي أيضا، فتكون ميتة، لدخولها في إطلاق الرواية
المتقدمة.
والمناقشة فيه واضحة، فإن المتبادر من إطلاق الحي في الرواية ما
يحتاج لحياته إلى التذكية، وليس إلا ما فيه حياة مستقرة، لا ما حركته حركة
المذبوح الذي لا يحتاج إلى تذكية وليس منه مفروض المسألة.
وللخلاف (1) والمبسوط (2) وابن حمزة (3) فحكما بحل ما فيه الرأس
خاصة إذا كان أكبر، وصرحا في غيره بالحرمة.
وحجتهما عليه غير واضحة.
عدا ما ذكره في الأول: من أن أكل ما مع الرأس مجمع على إباحته، وما
قالوه ليس عليه دليل. وهو كما ترى، لقيام الدليل عليه، كما مضى.
وفي الثاني: من أنه مذهبنا. وهو وإن كان ظاهرا في أن عليه إجماعنا،
إلا أنه غير صريح، ومع ذلك موهون بعدم ظهور مفت به سواه وابن حمزة.
فكيف يمكن قبول الإجماع بدعواه؟!
ومع التنزل فغايته أنه خبر صحيح صريح، لكنه ليس لما قدمناه من
الدليل عديلا، فهو ضعيف، وأي ضعيف!

(1) الخلاف 6: 18، المسألة 17.
(2) المبسوط 6: 261.
(3) الوسيلة: 357.
67

وبالأخير يجاب عما في الموثق: يأكل مما يلي الرأس ثم يدع
الذنب (1). مضافا إلى إطلاق ما يلي الرأس فيها الشامل للأكبر والدون
والمساوي. ولم يقل به، لاشتراطه الأول، وتنزيله عليه فرع الشاهد، وليس
إلا الجمع بينهما وبين رواية اخرى، أشار الماتن إليها بقوله: (وفي رواية)
ضعيفة مرسلة (يؤكل الأكبر دون الأصغر) (2) بحمل الأولى على ما إذا كان
ما يلي الرأس أكبر كما في هذه، وحمل هذه على ما إذا كان الأكبر مما يلي
الرأس كما في الأولى، وهو فرع التكافؤ المفقود هنا، لضعف الأخيرة عن
المقاومة للموثقة، مع أن الجمع بينهما بذلك فرع قيام دلالة هي في المقام
مفقودة.
(و) كيف كان (هي) بإطلاقها (شاذة) كإطلاق الموثقة، مع
احتمالهما الحمل على التقية، فقد حكي القول بمضمونهما، لكن بعد الجمع
بما عرفته في الخلاف عن أبي حنيفة (3).
(ولو أخذت الحبالة منه) أي مما صيد بها (قطعة فهي ميتة) مطلقا،
كان في إحدى القطعتين حياة مستقرة، أم لا إجماعا، والمعتبرة بذلك
مستفيضة جدا، مضت في بحث الصيد بها. ولا اختصاص للحكم بالحبالة،
بل يشملها وغيرها من نحو الشبكة وغيرها من الآلات الغير المعتبرة وإن
كانت تلك المعتبرة بها مختصة، التفاتا إلى القاعدة المتقدمة ثمة العامة لها
ولغيرها.
(الرابعة: لو أدرك) ذو السهم أو الكلب (الصيد) مع إسراعه إليه
حالة الإصابة (وفيه حياة مستقرة) توقف حله على التذكية إن اتسع الزمان

(1) الوسائل 16: 243، الباب 35 من أبواب الصيد، الحديث 2 و 4.
(2) الوسائل 16: 243، الباب 35 من أبواب الصيد، الحديث 2 و 4.
(3) الخلاف 6: 18، المسألة 17.
68

لها بلا خلاف فيه في الجملة، للنصوص المستفيضة. منها الصحيحان:
في أحدهما: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه وإن أدركته وقد قتله وأكل
منه فكل ما بقي (1).
وفي الثاني: فإذا أدركه قبل أن يقتله ذكاه (2) وبها يخص عموم الكتاب
والسنة، مع أن أكثرها معلقة للحل على القتل، والمتبادر منه ما خرج روحه،
أو كان حياته غير مستقرة لا يقبل التذكية، وإن لم يتسع الزمان لها حل
بدونها على الأقوى، وفاقا للمبسوط (3) وكثير، بل الأكثر كما في المسالك (4)
بل المشهور كما في الروضة (5) لدلالة النصوص المزبورة من حيث تضمنها
الأمر المشترط بالقدرة على أن التذكية إنما تعتبر إذا كانت مقدورة لا كلية،
وهي هنا مفقودة.
خلافا للخلاف (6) والحلي (7) والمختلف (8) فحرموه، التفاتا إلى استقرار
حياته فنيط إباحته بتذكيته.
ويظهر مما مر الوجه في ضعف هذا القول وسنده وفي صحة ما ذكره
جماعة، من الحل مع ترك التذكية واتساع الزمان لها إن لم يكن بتقصير
الصائد كاشتغاله بأخذ الآلة وسل السكين أو امتناع الصيد بما فيه من بقية
قوة أو نحو ذلك، فمات قبل أن يمكنه الذبح.
وأما إذا كان بتقصيره حرم بلا خلاف، للأصل، وفقد ما يدل على الحل،
عدا إطلاق الكتاب والسنة المتقدم، وهو مخصص بما مر من النصوص الدالة

(1) الوسائل 16: 209، الباب 2 من أبواب الصيد، الحديث 2.
(2) المصدر السابق: الباب 4، الحديث 1.
(3) المبسوط 6: 260.
(4) المسالك 11: 444.
(5) الروضة 7: 207.
(6) الخلاف 6: 14، المسألة 10.
(7) السرائر 3: 85.
(8) المختلف 8: 275.
69

على اعتبار الذبح بعد إدراكه، وهو في المقام متحقق فترك الذبح فيه موجب
لتحريمه كغير الصيد.
وحيث اتسع الزمان لتذكيته (ولا آلة فيذكيه لم يحل حتى يذكى) مطلقا
على المشهور، ولما مر، وفاقا للحلي (1) وابن حمزة (2).
(وفي رواية جميل) الصحيحة (يدع الكلب حتى يقتله) فإن فيها: عن
الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكين فيذكيه بها
أفيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال: لا بأس (3). ونحوها رواية (4) اخرى
أيضا، إلا أنها بحسب السند قاصرة، عمل بها العلامة في المختلف (5) تبعا
لجماعة من القدماء، كالصدوق (6) والإسكافي (7) والشيخ في النهاية (8)
واستوجهه من متأخري المتأخرين جماعة، كصاحبي المفاتيح (9)
والكفاية (10).
واستدل عليه زيادة على الصحيحة بما مر من إطلاق الكتاب والسنة.
وأجيب عنها بعدم الدلالة على العموم، وإلا لجاز مع وجود آلة الذبح.
وعن الرواية بأن ليس فيها على المطلوب دلالة، لأن الضمير المستكن في
قوله: «فيأخذه» راجع إلى الكلب لا إلى الصائد، و «البارز» راجع إلى الصيد،
والتقدير فيأخذ الكلب الصيد، وهو لا يدل على إبطال امتناعه، بل جاز بقاؤه
ممتنعا والكلب ممسك له، فإذا قتله حينئذ فقد قتل ما هو ممتنع، فيحل
بالقتل.

(1) السرائر 3: 93.
(2) الوسيلة: 356.
(3) الوسائل 16: 218، الباب 8 من أبواب الصيد، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 16: 218، الباب 8 من أبواب الصيد، الحديث 1، 2.
(5) المختلف 8: 265.
(6) المقنع: 413.
(7) المختلف 8: 265.
(8) النهاية 3: 86 - 87.
(9) مفاتيح الشرائع 2: 215.
(10) كفاية الأحكام: 246 س 11.
70

وضعفهما في المسالك (1) فالأول: بأن تخصيصه بعدم الجواز مع وجود
الآلة إنما هو بالإجماع والأدلة، وهما لا تدلان على التخصيص في محل
المشاجرة والعام المخصص في الباقي حجة.
وفيه مناقشة، لمنع عدم دلالة الأدلة على التخصيص في المسألة، لأن
من جملتها النصوص المتقدمة الدالة على اعتبار التذكية بعد إدراكه وفيه
حياة مستقرة، ومنه مفروض المسألة، وفقد الآلة ليس بعذر يوجب الحل وإن
هو حينئذ إلا كما لو فقدها في الحيوان الغير الممتنع الممكن فيه التذكية. ولا
يرد مثله فيما لو أدرك الصيد مستقر الحياة ولم يتسع الزمان لتذكيته،
لاقتضائه الحرمة فيه أيضا، مع أن الأشهر الأقوى فيه الحل، كما مضى،
لضعفه وإن احتج به في المختلف (2) لمختاره ثمة، وذلك لوضوح الفرق
بينهما بصدق إدراك الذكاة الوارد في النصوص الموجب للحرمة بدونها فيما
نحن فيه عرفا، بخلاف ما مضى، لعدم صدقه فيه جدا.
والثاني: بظهوره في صيرورة الصيد غير ممتنع لجهات إحداها: قوله:
«ولا يكون معه سكين»، فإن مقتضاه أن المانع من تذكيته عدم السكين لا
عدم القدرة عليه، لكونه ممتنعا، ولو كان حينئذ ممتنعا لما كان لقوله: «ولا
يكون معه سكين» فائدة أصلا. والثانية: قوله: «فيذكيه بها» ظاهر أيضا في
أنه لو كان معه سكين لذكاه بها، فدل على بطلان امتناعه. والثالثة: قوله:
«أفيدعه حتى يقتله» ظاهر أيضا في قدرته على أن لا يدعه حتى يقتله،
وأنه إنما يترك تذكيته ويدع الكلب يقتله، لعدم وجود السكين.
وهو حسن، إلا أن ما ذكره من القرائن لا توجب الصراحة، بل غايتها
إفادة الظهور، وهو لا ينافي الحمل على ما ذكره المجيب، جمعا بين الأدلة.

(1) المسالك 11: 446.
(2) المختلف 8: 266.
71

ثم على تقدير الصراحة، المصير إلى القول بالحرمة، لا يخلو عن قوة،
لاعتضاد ما قدمناه من أدلتها بالشهرة العظيمة، التي هي من أقوى
المرجحات الشرعية، ولأجلها لم تكن الرواية لها بمكافأة وإن كانت
صحيحة، وعمل بها جماعة.
ثم إن المستفاد من ظاهر إطلاق العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة
والنصوص المتقدمة اعتبار التذكية خاصة بعد إدراكه وفيه حياة مستقرة،
من دون إيجاب المسارعة إليه بعد إرسال الآلة والإصابة، وهو الأوفق
بإطلاق الكتاب والسنة، إلا أن المشهور إيجابها شرطا على الظاهر أو شرعا،
كما قيل (1).
ولم أجد لهم عليه دليلا صريحا، وإن احتمل توجيهه بأصالة الحرمة،
وعدم انصراف الإطلاقات إلى صيد لم يتحقق إليه مسارعة معتادة، لأن
المتبادر منها ما تحققت فيه، وإلا لحل الصيد مع عدمها ولو بقي غير ممتنع
سنة ثم مات بجرح الآلة، ولعله مخالف للإجماع، بل الضرورة.
هذا، مع إمكان دعوى الاستقراء والتتبع للنصوص والفتاوى على دوران
حل الصيد بالاصطياد وحرمته مدار حصول موته حال الامتناع به وعدمه
مع القدرة عليه، فيحل في الأول دون الثاني إلا بعد تذكيته، وفي التنقيح عن
الحلي الإجماع عليه، حيث قال: ولا يحل مقتول الكلب إلا مع الامتناع
إجماعا (2).
وعلى هذا فلو أخذته الآلة وصيرته غير ممتنع توقف حلها على التذكية،
فيجب تحصيلها بالمسارعة المعتادة. وهذه الحجة وإن اقتضت الحرمة بعد
المسارعة أيضا مع إدراك التذكية وتركها بقصور الزمان ونحوه مما مر إليه

(1) لم نعثر عليه.
(2) التنقيح 4: 14.
72

الإشارة إلا أن هذه الصور خرجت بالإجماع ونحوه من الأدلة.
فما ذكروه لا يخلو عن قوة، سيما مع اعتضاده بأن المستفاد من
النصوص والفتاوى عدم حل الحيوان مطلقا إلا بالذبح ونحوه، وأن الاكتفاء
بغيرهما في الحلية إنما هو حيث حصلت ضرورة كالاستعصاء ونحوه.
ويمكن أن ينزل عليه إطلاق العبارة ونحوها من العبائر والنصوص،
بحملها على صورة تحقق المسارعة، لوروده لبيان حكم آخر غير
المسارعة، بل لعل التنزيل متعين، نظرا إلى ما مر إليه الإشارة من تلك
القواعد المستفادة من تتبع النصوص وكلماتهم وكلمات غيرهم من الجماعة.
واعلم أن المستفاد من النصوص المتقدمة إنما هو اعتبار إدراك الذكاة
خاصة، وهو يحصل بإدراكه وتطرف عينه أو تركض رجله كما في
النصوص، بل قيل: الصحاح (1).
منها ما ورد في الصيد: آخر الذكاة إذا كانت العين تطرف والرجل
تركض والذنب يتحرك (2).
ومنها ما ورد في الذبيحة، وهو كثير فيها الصحيح (3) وغيره، ومال إلى
العمل بها الشهيدان (4) وتبعهما من متأخري المتأخرين جماعة، وفاقا
للمحكي في المختلف (5) والتنقيح (6) عن ابن حمزة.
خلافا للمشهور بين المتأخرين كما صرح به جماعة وفاقا منهم
للمحكي في الكتابين (7) عن المبسوط، فاعتبروا في إدراك ذكاته استقرار

(1) مفاتيح الشرائع 2: 214.
(2) الوسائل 16: 220، الباب 9 من أبواب الصيد، الحديث 4.
(3) المصدر السابق: 262، الباب 11 من أبواب الذبائح.
(4) الدروس 2: 396، المسالك 11: 495.
(5) المختلف 8: 276.
(6) التنقيح 4: 7، الوسيلة: 356.
(7) المختلف 8: 275، التنقيح 4: 7.
73

حياته، بمعنى إمكان بقائه يوما أو بعض يوم، ومقتضاه أن غير مستقر الحياة
هنا بمنزلة المذبوح، فلو ترك عمدا حتى مات حل، مع أنهم فسروا استقرار
الحياة كما عرفت بما يمكن أن يعيش صاحبها اليوم واليومين.
وهو بعيد، لعدم الدليل المعتمد عليه.
وغاية توجيهه ما قد يقال من قبلهم: أن ما لا يستقر حياته قد صار
بمنزلة المقتول، وهو اجتهاد في مقابلة النص غير مسموع.
هذا، مع أن المحكي عن نجيب الدين يحيى بن سعيد أن اعتبار استقرار
الحياة ليس من المذهب (1) وهو الظاهر من عمدة القائلين باعتباره كالشيخ
في الخلاف (2) والمبسوط (3) فإنه قد نسب في الأول مفاد النصوص المزبورة
إلى روايات الأصحاب كالحلي (4) وفي الثاني إليهم أنفسهم، وهو الظاهر في
دعواه الإجماع.
وليت شعري ما الداعي له مع ذلك إلى اختياره خلافه؟
وعليك بإمعان النظر في هذا المبحث، فإن فيه إشكالا، وهو أن جماعة
ممن اختاروا القول الأول ومنهم ابن حمزة (5) فصلوا أيضا بين مستقر الحياة
وغيره في مواضع كثيرة، تقدمت إلى جملة منها الإشارة، فحكموا في الأول
بلزوم التذكية في الحلية، وفي الثاني بعدمه.
وهذا التفصيل لا يتصور إلا على تقدير تفسير استقرار الحياة بما ذكره
في المبسوط وتبعه الجماعة من إمكان بقاء الحياة المدة المتقدمة، فإنه هو
الذي يتصور فيه التفصيل بين مستقر الحياة، وهو ما أمكن أن يعيش المدة
وغيره، وهو ما قابله.

(1) المسالك 11: 445.
(2) الخلاف 6: 14، المسألة 10.
(3) المبسوط 6: 260.
(4) السرائر 3: 92.
(5) الوسيلة: 356.
74

وأما تفسيره بإدراكه وتطرف عينه أو تركض رجله فغير متصور فيه
التفصيل الذي مر، إذ لا حركة دون الحركات المزبورة تعد قسما آخر مقابل
مستقر الحياة أيضا.
ويمكن الذب عن الإشكال بما هو حقيق أن يسطر ويرجع إليه في هذا
المجال، وهو أن المستفاد من تتبع جملة من العبارات في تفسير غير مستقر
الحياة بأنه هو الذي قطع حلقومه أو فتق قلبه أو شق بطنه أن مستقر الحياة
ما قابله، وهو الذي لم يحصل فيه واحد من الأمور المزبورة، سواء كان مما
يعيش تلك المدة المتقدمة، أم لا.
وحاصله ما أشار إليه المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد من أن المراد بالحياة
المستقرة في هذا المقام ما يعد عرفا، ولا تكون حركته حركة المذبوح مثل
حركة الطير بعد ذبحه والشاة كذلك، ونحو ذلك واستقرار الحياة بهذا المعنى
يجامع ما ذكره ابن حمزة (1) ومن تبعه في أدناه من طرفة العين وركض الرجل.
ويمكن تنزيل تفسير الشيخ له بما ذكره من إمكان البقاء تلك المدة عليه
بإرادته من الإمكان ما يقابل إمكان البقاء مع شق البطن ونحوه، ويعضده ما
نقله عن الأصحاب من إدراك الذكاة بطرف العين (2) مع موافقته لابن حمزة
في تفسير غير مستقر الحياة بما ذكره، لكن في الخلاف (3) ما يأبى عن هذا
التنزيل.
وبما ذكرناه ظهر عدم الخلاف في اعتبار استقرار الحياة، كما يستفاد من
التنقيح (4) وأنه على تقديره إنما هو في تفسيره.
ولا ينافيه ما مر عن يحيى بن سعيد من أن اعتباره ليس من المذهب،

(1) الوسيلة: 356.
(2) المبسوط 6: 260.
(3) الخلاف 6: 14، المسألة 10.
(4) التنقيح 4: 7.
75

لاحتمال إرادته من الاستقرار الذي نفاه الاستقرار بمعنى البقاء إلى المدة
المذكورة لا مطلقة.
وبهذا التحقيق يظهر الجواب عما يرد من الإشكال المشهور على فرض
استقرار الحياة مع عدم سعة الزمان لإدراك الذكاة، ولعل هذا الفرض أيضا
من شواهد هذا التحقيق، كما قد نبه عليه المقدس الأردبيلي (1) فإن ما أجيب
عنه على طريقة المشهور في تفسير استقرار الحياة لا يخلو عن تعسف.
(الخامسة: لو أرسل) المسلم (كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيدا
أو) أرسل بدل الكافر (مسلم لم يسم أو) من (لم يقصد) جنس (الصيد)
فقتلاه (لم يحل) بلا خلاف فيه وفي انسحاب الحكم في مطلق الآلة، لما مر
إليه الإشارة في بحث من أرسل كلبه وسمى غيره من اشتراط العلم أو الظن
باستناد الموت إلى السبب المحلل خاصة لا السبب المحرم ولا المشترك
بينهما، كما هو الفرض.
ولا فرق فيه بين تجانس الآلتين ككلبين أو سهمين أو تخالفهما كسهم
وكلب، ولا بين اتفاقهما في وقت الإصابة أو تخالفهما إذا كان كل منهما قاتلا.
ولو أثخنه السبب المحلل ثم ذفف وأسرع عليه السبب المحرم حل، لأن
القاتل هو الأول. ولو انعكس الأمر لم يحل. وكذا لو اشتبه الحالان، لأصالة
عدم التذكية المشترطة في الحل، والجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط.
(السادسة: لو رمى) بالآلة المعتبرة مطلقا قاصدا (صيدا فأصاب
غيره حل ولو رمى لا للصيد) بل للهو أو غيره (فقتل صيدا لم يحل)
بلا خلاف فيهما أيضا، لما مضى من اعتبار قصد المرسل الصيد في الحل،
وأن المعتبر منه القصد إلى الجنس المحلل لا الشخص، ولقد كان في اعتبار
القصد فيما مضى غنى عن ذكر هذا الحكم جدا.

(1) مجمع الفائدة 11: 51 - 53.
76

(السابعة: إذا كان الطير مالكا جناحه) ولا يكون فيه أثر اليد (فهو
لصائده، إلا أن يعرف مالكه فيرده إليه) بلا خلاف في شئ من ذلك أجده،
والنصوص به مع ذلك مستفيضة:
منها الصحيح: عن رجل يصيد الطير يساوي دراهم كثيرة وهو مستوي
الجناحين ويعرف صاحبه أو يجيئه فيطلبه من لا يتهمه، قال: لا يحل له
إمساكه يرده عليه، فقلت له: فإن هو صاد ما هو مالك لجناحيه لا يعرف له
طالبا، قال: هو له (1).
ونحوه الخبر: عن صيد الحمامة تساوي نصف درهم أو درهما، فقال: إذا
عرفت صاحبه فرده عليه، وإن لم تعرف صاحبه وكان مستوي الجناحين
يطير بهما فهو لك (2).
وقريب منهما آخر: الطير يقع على الدار فيؤخذ أحلال هو أم حرام لمن
أخذه؟ فقال: عاف أم غير عاف؟ قلت: وما العافي؟ قال: المستوي جناحاه
المالك جناحيه يذهب حيث شاء، قال: هو لمن أخذه (3).
ومنها الخبران أحدهما: المرسل كالموثق بابن بكير: إذا ملك الطائر
جناحيه فهو لمن أخذه (4).
وفي الثاني القوي بالسكوني وصاحبه: الطائر إذا ملك جناحيه فهو صيد
وهو حلال لمن أخذه (5).
(ولو كان) الطير (مقصوصا) أو موجودا فيه أثر يدل على الملك
(لم) يحل أن (يؤخذ) ولا يجوز أن يملك (لأن له) بمقتضى الأثر الدال

(1) الوسائل 16: 244، الباب 36 من أبواب الصيد، الحديث 1، 2.
(2) الوسائل 16: 244، الباب 36 من أبواب الصيد، الحديث 1، 2.
(3) المصدر السابق: الباب 37، الحديث 2.
(4) الوسائل 16: 245، الباب 37 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(5) المصدر السابق: ح 3.
77

على ترتب اليد (مالكا) محكوما بملك الطير له بترتب يده عليه الموجب
للملكية له بمجرده، كما عليه جماعة، ودل عليه بعض النصوص المتقدمة،
ونحوه مضاهيه في السند: للعين ما رأت ولليد ما أخذت (1).
وأما على القول بعدم إفادته ذلك بمجرده - بل لا بد معه من النية، كما
عليه آخرون، لاستصحاب بقاء عدم الملكية، واختصاص ما مر من
النصوص بحكم التبادر بصورة مقارنة النية لترتب اليد - فكذلك، لما عرفت
من الظهور المستفاد من وجه اختصاص النصوص بتلك الصورة، فلا يلتفت
إلى احتمالات منافية للملكية كأن فعل ذلك به عبثا من غير قصد التملك.
وحاصله يرجع إلى ترجيح الظاهر في هذه المسألة على أصالة الإباحة
وعدم الحكم بمالك له بالكلية، وهو وإن كان خلاف التحقيق إلا في موارد
مخصوصة، إلا أنه يمكن استفادته من الصحيح السابق، حيث اكتفى فيه
بالملك لمن يدعيه بمجرد دعواه الغير المعلوم أنها صادقة أم كاذبة، بعد أن
ذكر أنه ليس المدعي محل التهمة.
ولا ريب أن تلك الدعوى بمجردها ولو قرنت بعدم اتهام مدعيها لا يفيد
سوى الظهور والمظنة، ولعل المظنة الحاصلة من ترتب اليد بكونه مع النية
أقوى من المظنة الحاصلة بمجرد الدعوى المقرونة بعدم تهمة.
هذا، مع أن أصالة الإباحة على تقدير تسليم جواز الاستناد إليها مطلقا
معارضة بأصالة بقاء عدم ملكية الصائد لما صاده، وبعد التعارض والتساقط
تبقى إثبات ملكيته محتاجا إلى حجة اخرى عن المعارض سليمة،
ولا وجود لها هنا بالكلية، سوى إطلاق النصوص بأنه لمن أخذه، وقد مر
إلى جوابه الإشارة.

(1) المصدر السابق: الباب 38، الحديث 1.
78

(ويكره أن يرمى الصيد بما هو أكبر منه. ولو اتفق) الرمي به (قيل)
كما في السرائر (1) وعن النهاية (2) وابن حمزة (3): (حرم) الفعل مع الصيد،
للمرفوع: لا يرمي الصيد بشئ أكبر منه (4) (والأشبه) الأشهر، بل عليه
عامة من تأخر (الكراهية) فيهما، للأصل، والإطلاقات، مع ضعف الخبر
بالإرسال والرفع، مع اختصاصه بالنهي عن الفعل دون الصيد، فلا وجه
لتحريمه وإن قلنا بتحريم سابقه.
(وكذا يكره أخذ الفراخ من أعشاشها) وفاقا للأكثر، للأصل.
خلافا للصدوقين (5) فيحرم، للخبر: لا تأتوا الفراخ في أعشاشها حتى
تريش وتطير، فإذا طار فأوتر له قوسك وانصب له فخك (6).
ولقصور سنده مع عدم مكافأته لأدلة الإباحة من الأصل وإطلاقات
الكتاب والسنة حمل على الكراهة.
(و) كذا يكره (الصيد بكلب علمه مجوسي) للنهي عنه في الخبر: عن
كلب مجوسي أستعيره فأصيد به، قال: لا تأكل من صيده (7). والوجه في
حمله عليها ما مر في الخبر السابق، مع زيادة عليه هي معارضته لخصوص
النص الصحيح الصريح: عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم فيسمي
حين يرسله أيأكل مما أمسك عليه؟ فقال: نعم، لأنه مكلب ذكر اسم الله عز
وجل عليه (8) مضافا إلى إجماعنا المحكي عليها في الخلاف المعتضد بعدم

(1) السرائر 3: 92.
(2) النهاية 3: 85.
(3) الوسيلة: 357.
(4) الوسائل 16: 233، الباب 2 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(5) المختلف 8: 353.
(6) الوسائل 16: 239، الباب 28 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(7) الوسائل 16: 227، الباب 15 من أبواب الصيد، الحديث 2.
(8) المصدر السابق: الحديث 1.
79

الخلاف فيه بيننا (1) إلا من الإسكافي (2) والمبسوط (3) واستدل لهما بقوله
تعالى: «تعلمونهن مما علمكم الله» (4) فإن الخطاب للمسلمين وبالخبر الذي
مضى.
وهما كما ترى، لضعف الأول: بعدم دلالته على اشتراط الإسلام في
المعلم، وإنما غايته الاختصاص بالمسلم، وهو لا ينافي الثبوت في غيره بما
مر، سيما مع وروده مورد الغالب.
هذا، مع أن دلالته على الاشتراط لو سلمت تقتضي حرمة مقتول ما
علمه الكافر مطلقا، وهو خلاف الإجماع، حتى منهما قطعا، لتخصيصهما
المنع بكلب المجوسي، كما حكاه عنهما جماعة من أصحابنا، وإن كان يظهر
من المقدس الأردبيلي (رحمه الله) (5) حكاية الإطلاق عنهما. ولكنها كما ترى.
هذا، مع ورود التصريح بحل مقتول ما علمه أهل الذمة في الخبر:
وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين بأن يأكلوا من صيدها (6). وليس
ذلك إلا لما ذكرناه من عدم دلالة الآية على الاشتراط بالكلية.
والثاني: بما مر من ضعف السند والمعارضة بالصحيح والإجماع المحكي،
بل المحقق المعتضد بالإطلاقات، فليكن مطرحا، أو على الكراهة محمولا.
قيل: ويمكن حمله على تعليمه في ساعته، كما في الخبر: لا تأكل صيده
إلا أن يأخذه المسلم فيعلمه ويرسله، وفي آخر: وإن كان غير معلم فعلمه
في ساعته حين يرسله وليأكل منه فإنه معلم (7).

(1) الخلاف 6: 19، المسألة 18.
(2) المختلف 8: 276.
(3) المبسوط 6: 262.
(4) المائدة: 4.
(5) مجمع الفائدة 11: 38 - 39.
(6) الوسائل 16: 227، الباب 15 من أبواب الصيد، الحديث 3.
(7) المصدر السابق: الباب 7، الحديث 2.
80

وهو محل نظر إن أريد به ثبوت الحرمة، إلا مع تعليم المسلم له ولو من
ساعته، لقصور الخبرين عن إثباتها، لما مضى في الرواية الأولى.
هذا، مع قصور الأولى منهما عن الدلالة على الحلية في صورة
الاستثناء، لاحتمال أن يكون المراد بالتعليم التعليم الحقيقي ويكون مرجع
الضمير في يأخذه مطلق كلب المجوسي لا معلمه. ومرجعه حينئذ إلى الخبر
الأول الناهي عن صيد كلبه المعلم مطلقا، ويعضد هذا الاحتمال أنه لا معنى
للتعليم على غيره، لحصوله قبل تعليمه. وهو حسن إن أراد انتفاء الكراهة
بالتعليم في الساعة، فتأمل جدا.
(و) كذا يكره (صيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة) للخبر: نهى أمير
المؤمنين (عليه السلام) أن يتصيد الرجل يوم الجمعة قبل الصلاة، وكان (عليه السلام) يمر
بالسماكين يوم الجمعة فينهاهم عن أن يتصيدوا من السمك يوم الجمعة قبل
الصلاة (1).
(وصيد الوحش والطير بالليل) للخبرين.
في أحدهما: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن إتيان الطير بالليل، وقال (عليه السلام): إن
الليل أمان لها (2). ونحوه الثاني (3).
والوجه في حملهما وحمل ما تقدمهما على الكراهة مع تضمنها النهي
المفيد للحرمة هو ما تقدم إليه الإشارة من ضعف السند، وعدم المكافأة لأدلة
الإباحة من الأصل، وإطلاقات الكتاب والسنة، والمعارضة بالصحيحين
المجوزين (4) وغيرهما (5).

(1) الوسائل 16: 241، الباب 30 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الباب 28، الحديث 2، 1.
(3) المصدر السابق: الباب 28، الحديث 2، 1.
(4) المصدر السابق: الباب 29، الحديث 1، 2، 3.
(5) المصدر السابق: الباب 29، الحديث 1، 2، 3.
81

(و) المقام الثاني في (الذبائح)
والكلام فيه (يستدعي بيان فصول) ثلاثة:
(الأول في) بيان (الذابح)
(ويشترط فيه الإسلام أو حكمه) كالمتولد منه بشرط التميز (ولو كان
أنثى) لعدم الخلاف في عدم اشتراط البلوغ والذكورة في المذكي، كما لا
خلاف في عدم اشتراط الفحولة، ولا الطهارة، والبصر، ولا كمال العقل فيه،
بل التميز خاصة بعد الشرائط الأخر المعتبرة، للأصل، والصحاح وغيرها:
وفي الصحيح: إذا كانت المرأة مسلمة وذكرت اسم الله عز وجل على
ذبيحتها حلت ذبيحتها، وكذلك الغلام إذا قوى على الذبيحة وذكر اسم الله عز
وجل عليها، وذلك إذا خيف على الذبيحة ولم يوجد من يذبح غيرهما (1).
ونحوه في اشتراط الاضطرار المرسل: لا بأس بذبيحة الخصي والصبي،
والمرأة إذا اضطروا إليه (2).
وهما بظاهرهما غير معمول عليهما، مع أن البأس المفهوم من الأخير
مع عدم الشرط أعم من الحرمة، فليحمل على الكراهة، جمعا بينهما وبين

(1) الوسائل 16: 277، الباب 23 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الباب 24، الحديث 2.
82

باقي الصحاح المطلقة الوارد أكثرها في مقام الحاجة.
منها: عن ذبيحة الخصي، فقال: لا بأس (1).
ومنها: عن ذبيحة الصبي، فقال: إذا تحرك وكان له خمسة أشبار واطاق
الشفرة (2).
وعن ذبيحة المرأة، فقال: إذا كن نساء ليس معهن رجل، فقال: تذبح
أعقلهن، ولتذكر اسم الله عز وجل عليها (3).
وليس في اشتراط البلوغ خمسة أشبار فيه وفي رواية اخرى (4)
كاشتراط فقد الرجل مخالفة للمجمع عليه، إذ الظاهر من الشرط الأول
الإشارة إلى اشتراط التميز المتحقق بذلك غالبا، لا أنه يكون شرطا زائدا
عليه، وورود الشرط الأخير مورد الغالب، لأن الغالب عدم ذبح المرأة مع
وجود الرجل، مع أن اشتراط عدمه أعم من الاضطرار المشترط في
الروايات السابقة.
ويتفرع على اشتراط الإسلام أو حكمه حرمة ذبائح أصناف الكفار،
سواء في ذلك الوثني وعابد النار والمرتد، وكافر المسلمين كالغلاة وغيرهم
والكتابي، ولا خلاف فيمن عدا الكتابي، بل في المسالك (5) وغيره أن عليه
إجماع المسلمين. وهو الحجة بعد أصالة الحرمة المتقدم في بحث الصيد
إليها الإشارة; مضافا إلى فحاوي النصوص الآتية، وخصوص الصحيحين
وغيرهما (6) الناهية عن ذبائح نصارى العرب، معللا في الأخير بأنهم

(1) المصدر السابق: الباب 24، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الباب 22 و 23، الحديث 1، 5.
(3) المصدر السابق: الباب 22 و 23، الحديث 1، 5.
(4) الوسائل 16: 277، الباب 23 من أبواب الذبائح، الحديث 7.
(5) المسالك 11: 451.
(6) الوسائل 16: 283 - 286، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 6.
83

مشركوا العرب (1) وفي أحد الأولين بأنهم ليسوا من أهل الكتاب (2).
وهذه الأدلة مع اعتضاد بعضها ببعض سليمة عما يصلح للمعارضة
بالكلية، حتى إطلاق الكتاب والسنة بحل أكل ما ذكر عليه اسم الله سبحانه،
بناء على أن المتبادر من الذكر عند الإطلاق الذكر الصادر عن المسلم
المعترف بحقيته والراجي للمثوبة به عنده، لا ذكر العابث به، أو المستهزئ
ونحوه، أو القاصد به غيره، فليحمل عليه، لكونه نكرة في سياق الإثبات
لا تفيد العموم لغة.
(و) أما (في الكتابي) فقد اختلف الأصحاب على أقوال ثلاثة،
لاختلاف الروايات الواردة فيه عن أهل العصمة سلام الله عليهم، ولكن
(روايتان) منها مشهورتان، بمعنى عدم ندرة القائل بهما كندرته في الثالثة،
وإلا ف‍ (أشهرهما) رواية وفتوى ما دل على (المنع) مطلقا ونسبه في
المسالك إلى جملة المتأخرين، بل قال: كاد أن يعد من المذهب (3) وفي
الخلاف (4) والانتصار (5) جعلاه من متفردات الإمامية، مدعيين الإجماع
عليه. وهي مع ذلك مستفيضة، بل كادت تكون متواترة.
وهي ما بين مصرحة بالمنع ولو مع سماع التسمية، كالخبر المنجبر
ضعفه وضعف ما يأتي بما مر من الأصل وعمل الأكثر: عن ذبيحة الذمي،
قال: لا تأكله إن سمى وإن لم يسم (6).
ومطلقة، وهي ما عداها.
منها الصحيح: عن ذبائح أهل الكتاب، فقال (عليه السلام): قد سمعتم ما قال الله

(1) الوسائل 16: 283 - 286، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 22.
(2) المصدر السابق: الحديث 23.
(3) المسالك 11: 465.
(4) الخلاف 6: 23، المسألة 23.
(5) الانتصار: 403.
(6) الوسائل 16: 283 - 287، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 5.
84

عز وجل في كتابه فقالوا له: نحب أن تخبرنا، فقال: لا تأكلوها (1).
ومنها الصحيح: لا تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها وإنما هو الاسم ولا
يؤمن عليه إلا مسلم، فقال له الرجل: «أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا
الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم» فقال: كان أبي يقول إنما هي الحبوب
وأشباهها (2).
وهو ظاهر في التحريم، لكون النهي حقيقة فيه; مضافا إلى شهادة
السياق به من حيث فهم الراوي إياه، ولذا عارضه بالآية المتضمنة للحلية
الغير المنافية للكراهة، مع تقرير المعصوم له على فهمه، وجوابه له بما أجابه.
ولا ينافي ما ذكرناه إضافة الثمن إليه، بناء على أنه لا يعوض به الميتة
في الشريعة، لصدق الإضافة بأدنى ملابسة، وهو هنا مجرد المعاوضة وإن
كانت فاسدة. وورودها كذلك في الفتاوى والمعتبرة غير عزيز.
فجعل المسالك الرواية دالة على الإباحة (3) بذلك غريب، وأي غريب!
فإن ما ذكرناه من القرينة صريحة في الحرمة، فيترجح على الإضافة التي هي
حقيقة فيما ذكرناه، لأن غايتها على تقدير التسليم الظهور المرجوع إلى
الصريح. وعلى تقدير التنزل عن الصراحة فالظهور لا أقل منه، وغايته
تعارض الظاهرين، فترجيح الظاهر الذي ذكره على ما قابله غير واضح.
وكذا جعله الصحيح الدال على النهي عن أكل ذبائح نصارى العرب دليلا
على الحل فيمن عداهم نظرا منه إلى أن عموم التحريم ينفي فائدة
التخصيص بهم غريب، لابتنائه على حجية مفهوم اللقب ولا يقول أحد به.

(1) الوسائل 16: 283 - 287، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 25.
(2) الوسائل 16: 279، الباب 26 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(3) المسالك 11: 456.
85

وبه يظهر الجواب عن جعله الصحيح الآخر الدال على النهي عن ذبح
اليهودي والنصراني الأضحية (1) دليلا على الحلية أيضا، بناء منه على أن
مفهومه أن غيرها ليس كذلك، قال: والمفهوم وإن لم يكن حجة إلا أن
التخصيص بالأضحية لا نكتة فيه لو كانت ذبائحهم محرمة مطلقا (2).
وهو كما ترى، فإن عدم درك النكتة لا يدل على عدمها، أو كونها
اختصاص الحرمة بالأضحية، مع أن الأخير لو تم لكان المفهوم حجة، مع
أنه أنكره، ومعارضا بمفهوم التخصيص باليهودي والنصراني، مع أن النهي
غير مختص بهما، كما في الصحيح: أن الأضحية لا يتولى ذبحها إلا
مالكها (3) وهو مقرر في بابها، واعترف هو به هنا.
فما وجه تخصيص النهي عن الذبح بهما؟ فما هو الجواب عن هذا فهو
الجواب عما مضى.
ومنها الموثقان: عن ذبيحة اليهودي والنصراني، فقال: لا تقربوها (4).
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة، المتضمن جملة منها كالصحيحة
الثانية تعليل الحرمة، بأنه هو الاسم ولا يؤمن عليه إلا المسلم.
وهو وإن اوهم في بادئ النظر اختصاص الحكم بالحرمة بصورة عدم
سماع التسمية بناء على أن عدم الأمن من التسمية إنما هو من حيث خوف
تركها لا عدم القصد إلى مدلولها، لكن التعليل به على الإطلاق بل العموم في
جملة منها المستفاد من ترك الاستفصال ظاهر في عدم الاختصاص، وأن

(1) الوسائل 16: 276، الباب 23 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(2) المسالك 11: 457.
(3) لم نعثر عليه.
(4) الوسائل 16: 283 - 284، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 9، 8.
(5) الوسائل 16: 283 - 284، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 9، 8.
86

المراد من عدم الأمن إنما هو من حيث عدم القصد إلى المدلول، ويعضده
الخبر الأول الصريح في المنع مع التسمية أيضا، إذ لو أريد به عدمه من
الحيثية التي ذكرت أولا لكان الحكم بالتحريم فيه في هذه الصورة لا وجه له
أصلا، مع إشعار التعليل بمقتضى ذلك بعدمه. فتأمل جدا.
وأما قصور الأسانيد أو ضعفها فقد مر الجواب عنهما.
وأما الرواية الثانية الدالة على الحل مطلقا فنصوص مستفيضة.
وهي كالأولة ما بين مطلقة للحل، كالصحيح: عن ذبيحة أهل الكتاب
ونسائهم، فقال: لا بأس به (1). ونحوه الخبر.
ومصرحة به مع العلم بعدم التسمية، كالخبرين: عن ذبيحة اليهودي،
فقال: حلال، قلت: فإن سمى المسيح، قال: وإن سمى، فإنه إنما أراد به الله
تعالى (2).
وهي مع قصور أسانيد أكثرها وعدم جابر لها من شهرة أو غيرها - إذ لم
يحك القول بها إلا عن شذوذ منا كالإسكافي (3) والعماني (4) - ضعيفة التكافؤ
لما قدمناه من وجوه شتى، معارضة بالكتاب والسنة، المشترطين في الحل
مطلقا ذكر اسم الله تعالى، وبما سيأتي من المعتبرة المستفيضة الصريحة في
النهي عن ذبيحتهم مع عدم سماع التسمية، ومع ذلك موافقة للعامة،
كما صرح به الشيخ في كتابي الأخبار (5) والخلاف (6) وجماعة. وربما يجعل
مصير الإسكافي إليها على ذلك قرينة.

(1) الوسائل 16: 289، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 34، 36.
(2) الوسائل 16: 289، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 34، 36.
(3) المختلف 8: 296.
(4) المختلف 8: 296.
(5) التهذيب 9: 70، ذيل الحديث 33، الاستبصار 4: 86 - 87 ذيل الحديث 32.
(6) الخلاف 6: 48، المسألة 9.
87

فلا ريب في ضعف هذا القول وإن أيد بآية «وطعام الذين أوتوا الكتاب
حل لكم» (1) بناء على أن الطعام إما ما يطعم مطلقا فيشمل ما نحن فيه، أو
الذبائح خاصة كما فسره بعضهم (2) فهو نص فيه، لما ظهر لك من الجواب
عنه في الصحيح الثاني (3) ونحوه غيره (4). وحاصله حمل الطعام فيها على
الحبوب.
وأما قول بعض الأصحاب في الجواب عنه بأن حمله على الحبوب كما
ورد في الأخبار بعيد مع أن حملها غير مختص بهم بل شامل لجميع أصناف
الكفار (5) فغريب، وأي غريب! بعد الاعتراف بالورود في الأخبار، التي منها
الصحيح الصريح، وإن هو إلا اجتهاد صرف في مقابلته غير مسموع، لا
يمكن المصير إليه، بل ولا الإصغاء إليه، مع أنه على تقدير سلامتها عن
الجواب المزبور معارضة بعمومات ما دل على حرمة ما لم يذكر عليه اسم
الله سبحانه من الكتاب والسنة، والرجحان لهذه الوجوه كثيرة، منها أصالة
الحرمة وعدم معلومية التذكية الشرعية.
(وفي رواية ثالثة) حكي القول بها عن الصدوق: أنه (إذا سمعت
تسميته فكل) (6) وهي أيضا مستفيضة.
منها الصحيح: في ذبائح أهل الكتاب فإذا شهدتموهم وقد سموا اسم الله
تعالى فكلوا ذبائحهم، وإن لم تشهدوهم فلا تأكله، وإن أتاك رجل مسلم
فأخبرك أنهم سموا فكل (7).

(1) المائدة: 5.
(2) التبيان 3: 444.
(3) الوسائل 16: 279، الباب 26 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(4) المصدر السابق: الباب 51، الحديث 1، 2.
(5) مفاتيح الشرائع 2: 195.
(6) المقنع: 417.
(7) الوسائل 16: 290، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 38.
88

والحسن: في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني لا تأكل ذبيحته حتى
تسمعه يذكر اسم الله تعالى، قلت: المجوسي، فقال: نعم إذا سمعته يذكر اسم
الله تعالى (1).
والخبر: إذا سمعتم يسمون أو يشهدك من رآهم يسمون فكل، فإن لم
تسمعهم ولم يشهد عندك من رآهم فلا تأكل ذبيحتهم (2).
ويرد عليها أكثر ما ورد على سابقها من قصور سند أكثرها، وضعف
جميعها عن المقاومة لما قدمناه من وجوه شتى، أعظمها اعتضادها بالشهرة
العظيمة، التي كادت تكون بالإجماع ملحقة، دون هذه الرواية، لندرة القائل
بها، إذ لم يحك القول بها إلا عمن ذكرناه خاصة، ومخالفة العامة دونها،
لموافقتها لهم كما ادعاه شيخ الطائفة وجماعة، ولكن أنكرها في المسالك،
قال: لأن أحدا منهم لا يشترط في حل ذبائحهم أن يسمعهم يذكرون اسم الله
تعالى عليها (3).
ولو صح ما ذكره ولم تكن أدلة الحرمة المزبورة بالشهرة معتضدة لكان
المصير إلى هذه الرواية في غاية القوة، لوضوح الجمع بها بين الروايتين
الأوليين الدالتين على التحريم والحلية، بحمل الأولى على عدم سماع
التسمية، والثانية على سماعها، ويجعل هذه قرينة على أن المراد بالتعليل
المتقدم إليه الإشارة في أخبار الحرمة بأنها اسم ولا يؤمن عليه إلا مسلم (4)
المعنى المستفاد منه في بادئ النظر، وهو كون عدم الأمن من حيث خوف
الترك لا خوف عدم القصد إلى ما دل.

(1) الوسائل 16: 290، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 31، 39.
(2) الوسائل 16: 290، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 31، 39.
(3) المسالك 11: 465.
(4) الوسائل 16: 284 - 289، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 8.
89

نعم لا يمكن الجمع بين صريحهما، لكنه غير محتاج إليه أصلا، لضعف
سندها طرا، وموافقة الثانية منهما للتقية جدا. فالتعارض الموجب للتردد
حقيقة إنما هو ما وقع بين المعتبرة من أخباريهما، وهو يرتفع بهذه الرواية
المفصلة جدا.
فلا إشكال في المصير إليها لولا رجحان رواية الحرمة مطلقها وصريحها
بالشهرة. لكن بعده سيما مع ندرة القائل بهذه الرواية لا مسرح عن العمل
بتلك الرواية ولا مندوحة، مع أن من روايات الحلية ما لا يقبل الحمل على
هذه المفصلة مع أنها صحيحة: عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس،
فقال: كل، فقال بعضهم: أنهم لا يسمون، فقال: فإن حضرتموهم فلم يسموا
فلا تأكلوا، وقال: إذا غاب فكل (1).
لكن يمكن الذب عنها بالحمل على التقية، مع ندرة القائل بها منا من
حيث التسوية فيها بين الفرق الثلاث، مع أن العماني الذي هو أحد القائلين
بالحلية يفرق بينها، فيحكم في ذبيحة المجوسي بالحرمة مطلقا، فانحصر
القائل بها في الإسكافي (2) خاصة.
(والأفضل أن يليه) أي الذبح (المؤمن) للصحيح: إني أنهاك عن
ذبيحة كل من كان على خلاف الدين الذي أنت عليه وأصحابك إلا عند
الضرورة (3).
وظاهر النهي وإن أفاد الحرمة إلا أنه محمول عند الأكثر بل عامة من
تأخر على الكراهة، التفاتا إلى إشعار السياق بها من حيث تخصيص الراوي

(1) الوسائل 16: 284 - 289، الباب 27 من أبواب الذبائح، الحديث 33.
(2) المختلف 8: 296.
(3) الوسائل 16: 292، الباب 28 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
90

بالخطاب وبالنهي، جمعا بينه وبين الصحيح الآخر: ذبيحة من دان بكلمة
الإسلام وصام وصلى لكم حلال إذا ذكر اسم الله تعالى عليه (1).
والجمع بينهما بتخصيص هذا بالمؤمن غير ممكن، لخروج الأكثر، مع
اعتضاد الجمع الأول بعمل الأكثر، وعموم «وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم
الله عليه» (2) مضافا إلى ما مر من المعتبرة المعللة للنهي: عن أكل ذبائح أهل
الذمة بأنها اسم ولا يؤمن عليها إلا المسلم (3) لظهورها في حصول الأمانة
في التسمية إذا كانت الذبيحة من مسلم، وهو مطلقا، أو فيها بقرينة المقابلة
لأهل الذمة أعم من المؤمن بلا شبهة. ومع ذلك دالة بمفهوم الحصر على عدم
اعتبار شئ آخر في التذكية غير التسمية وهي في المفروض حاصلة، وما
دل على حل ما يشترى من اللحوم والجلود من أسواق المسلمين، وهو عام
أيضا لغير المؤمن، بل ظاهر فيه، لأنه الأغلب في زمان صدور هذه
النصوص، بل مطلقا.
فقول القاضي (4) والحلبي (5) بالمنع عن ذبيحة غير المؤمن مطلقا كما
عن الأول أو إذا كان جاحدا للنص كما عن الثاني ضعيف جدا، إلا أن يقولا
بكفر من منعا عن ذبيحته، وعدم كونه مسلما حقيقة. وهو أضعف من منعهما
عنها على التقدير الأول جدا، ويشير إليه المعاضد الأخير بمعونة ما بعده من
التعليل، لظهوره في غير المؤمن.
ومنه يظهر ضعف قول الفاضل (6) أيضا بالمنع عن ذبيحة من لا يعتقد
وجوب التسمية كما سيظهر، مع أنه لا وجه لاشتراط اعتقاد الوجوب بعد

(1) الوسائل 16: 292، الباب 28 من أبواب الذبائح، الحديث 5.
(2) المائدة: 119.
(3) المصدر السابق: الباب 27، الحديث 8.
(4) المهذب 2: 439.
(5) الكافي في الفقه: 277.
(6) المختلف 8: 300.
91

إطلاق الكتاب والسنة بحل ما ذكر عليه اسم الله سبحانه. لكن مع ذلك له
وجه إن خصص المنع بما إذا لم يعلم منه التسمية، وهو أن يقال: إن مقتضى
النصوص المتقدمة - المعللة للنهي عن ذبائح أهل الذمة بأنها اسم ولا يؤمن
عليها إلا مسلم - اعتبار حصول الأمن منه بتحقق التسمية في حل الذبيحة،
وهو لا يحصل في ذبيحة من لا يعتقد وجوبها حيث لا يحصل العلم بتسميته
عليها، لاحتمال تركه لها بمقتضى مذهبه. وهذا لا ينافي مقتضاها بحصول
الأمن بتحققها في المسلم، لأن المراد من المسلم فيها من يعتقد الوجوب
لا مطلقا، للتبادر والغلبة جدا، فإن أكثر أهل الإسلام يعتقدونه قطعا.
وبهذا يجاب عن التمسك لضعف هذا القول بالمعاضد المزبور الدال على
أصالة الحل في اللحوم المشتراة من أسواق المسلمين، بناء على استلزام
صحة لزوم الاجتناب عنها من باب المقدمة، لاحتمال كونها ذبائح من لا
يعتقد الوجوب فتركها. وهو مناف للمعاضد المزبور جدا، وذلك لاحتمال
كون أكثرية معتقدي الوجوب منهم موجبة للأصالة المزبورة. ونحن نقول
بموجبها حيث لا تؤخذ الذبيحة من يد من تعلم أنه لا يعتقد وجوب
التسمية، وأما إذا أخذت من يده فلا نقول به.
وإطلاق الحكم بحل ما يؤخذ من السوق منصرف بحكم التبادر والغلبة
إلى غير هذه الصورة، وهو ما إذا أخذ من يد من لا يعلم حاله في اعتقاد
وجوب التسمية وعدمه.
وهذا الوجه في غاية من المتانة والقوة، ولم أقف على من تفطن له
وذكره. فالاحتياط عنه لازم البتة.
واعلم أن سياق العبارة لما دل على إباحة ذبيحة مطلق المسلم،
ولا يقول به الماتن وغيره، لتحريمهم ذبيحة الناصب استدرك ذلك بقوله:
92

(نعم لا تحل ذبيحة المعادي لأهل البيت (عليهم السلام)) المعبر عنه بالناصب بلا
خلاف، بل عليه الإجماع في المهذب (1) وغيره؟ وهو الحجة; مضافا إلى
المعتبرة، منها الموثقان القريبان من الصحيح بحماد بن عيسى:
في أحدهما: لم تحل ذبائح الحرورية (2). وهم من جملة النصاب،
لنصبهم العداوة لعلي (عليه السلام)، كغيرهم من فرق الخوارج.
وفي الثاني ذبيحة الناصب لا يحل (3).
ونحوهما خبر آخر: في مشتري اللحم من النصاب ما يأكل إلا الميتة
والدم ولحم الخنزير الحديث (4).
وأما الحسن: لا تأكل ذبيحة الناصب إلا أن تسمعه يسمي (5) فلعله
محمول على التقية، كما يشعر به الصحيح: عن ذبيحة المرجئ والحروري،
فقال: كل وقر واستقر حتى يكون ما يكون (6).
(الثاني في) بيان (الآلة) التي بها يذكى الذبيحة
(و) اعلم أنه (لا تصح) التذكية (إلا بالحديد مع القدرة) عليه، فلا
يجزئ غيره وإن كان من المعادن المنطبعة، كالنحاس والرصاص والذهب
والفضة وغيرها بلا خلاف بيننا، بل في ظاهر المسالك وغيره أن عليه
إجماعنا (7). وهو الحجة; مضافا إلى أصالة الحرمة، مع اختصاص
الإطلاقات كتابا وسنة بحكم التبادر والغلبة بالحديدة، مع أنها واردة لبيان
أحكام أخر غير حكم الآلة.

(1) المهذب البارع 4: 163.
(2) الوسائل 16: 292، الباب 28 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 2.
(3) الوسائل 16: 292، الباب 28 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 2.
(4) الوسائل 16: 292، الباب 28 من أبواب الذبائح، الحديث 4، 7، 8.
(5) الوسائل 16: 292، الباب 28 من أبواب الذبائح، الحديث 4، 7، 8.
(6) الوسائل 16: 292، الباب 28 من أبواب الذبائح، الحديث 4، 7، 8.
(7) المسالك 11: 470.
93

هذا، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة:
منها الصحيحان: لا ذكاة إلا بحديدة (1). وفي معناهما الموثقة (2)
والحسنة (3).
(وتجوز) التذكية (بغيره مما يفري الأوداج) ويقطعها بحدة إذا كان
ذلك (عند الضرورة) بالاضطرار إلى الأكل أو الخوف من فوت الذبيحة
(ولو) كانت الآلة (مروة) وهي حجر يقدح بها النار (أو ليطة) بفتح
اللام، وهي القشر الأعلى للقصب المتصل به (أو زجاجة) مخير في ذلك
من غير ترجيح بلا خلاف، بل في صريح المسالك وظاهر غيره الإجماع
عليه (4). وهو الحجة; مضافا إلى أن الضرورات تبيح المحظورات، كما دل
عليه الإجماع والأدلة الأخر، العقلية، والنقلية، وخصوص النصوص المعتبرة:
ففي الصحيح: عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟ فقال:
اذبح بالحجر والعظم والقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة إذا قطع الحلقوم
وخرج الدم فلا بأس (5).
وفيه: عن المروة والقصبة والعود يذبح بهن إذا لم يجد سكينا، قال: إذا
فرى الأوداج فلا بأس (6). ونحوهما غيرهما (7).
(وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد) ينشأ: من عموم أدلة إباحة
الضرورات للمحظورات، وظواهر النصوص المتقدمة، حيث اعتبرت قطع
الحلقوم وفري الأوداج، ولم تعتبر خصوصية القاطع، وهو موجود فيهما،
مضافا إلى إطلاق العظم في بعضها الشامل لهما. ومن أصالة الحرمة ودعوى

(1) الوسائل 16: 253، الباب 1 من أبواب الذبائح، الحديث 1، 2، 4، 3.
(2) الوسائل 16: 253، الباب 1 من أبواب الذبائح، الحديث 1، 2، 4، 3.
(3) الوسائل 16: 253، الباب 1 من أبواب الذبائح، الحديث 1، 2، 4، 3.
(4) المسالك 11: 470، كشف اللثام 2: 78 س 22.
(5) الوسائل 16: 254، الباب 2 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 1، 4.
(6) الوسائل 16: 254، الباب 2 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 1، 4.
(7) الوسائل 16: 254، الباب 2 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 1، 4.
94

الشيخ في الخلاف (1) وابن زهرة في الغنية (2) على المنع عنهما إجماع
الإمامية، ولذا قالا به، مستدلين بالاحتياط، والرواية العامية ما أنهر الدم
وذكر اسم الله تعالى عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا، وسأحدثكم عن
ذلك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدي الحبشة (3).
والأول أقوى، كما عليه كافة متأخري أصحابنا، وفاقا للحلي (4) نافيا
الخلاف فيه بيننا، وهو عليه حجة اخرى يعارض به الإجماع الذي مضى،
مع كونه موهونا بندرة القائل بالمنع جدا، إذ ليس إلا الناقل له، والإسكافي (5)
من القدماء، وتبعه الشهيد في بعض كتبه (6) من متأخري أصحابنا.
هذا، مع أنه غير معلوم كون مورد الإجماع في كلامه المنع عنهما حال
الاضطرار، لاحتمال كون المنع حال الاختيار، وقد نزله عليه الفاضل في
المختلف (7) والشهيد في الدروس، مدعيين ظهور التنزيل بأن الناقل جوز
مثل ذلك في التهذيب عند الضرورة (8).
وفي دعوى الظهور بذلك نوع مناقشة.
وكيف كان، فقبول مثل هذا الإجماع الذي بهذه المثابة لا يخلو
عن مناقشة.
وأما الرواية العامية فضعيفة سندا، ومكافأة لما مر من الأدلة، مع غرابة
تعليل المنع فيها عن الظفر بأنه مدي الحبشة. وربما يستفاد منه كون النهي
للكراهة.
وظاهر القولين عدم الفرق في الجواز والمنع بين كونهما متصلين

(1) الخلاف 6: 22، المسألة 22.
(2) الغنية: 397.
(3) سنن البيهقي 9: 247.
(4) السرائر 3: 86.
(5) المختلف 8: 259.
(6) غاية المراد: 143 س 22 (مخطوط).
(7) المختلف 8: 259.
(8) الدروس 2: 411 - 412.
95

أو منفصلين ونسبه في المهذب وشرح الشرائع للصيمري إلى الأصحاب،
ناقلين الفرق بينهما بذلك عن أبي حنيفة، حيث قال: بالجواز في الثاني،
والمنع في الأول، معللا بأن ذلك أشبه بالأكل والتقطيع والمقتضي للتذكية هو
الذبح (1). وربما احتمله الشهيد الثاني (2). وهو أحوط. وأحوط منه القول
بالمنع المطلق.
وعلى تقدير الجواز هل يساويان غيرهما مما يفري غير الحديد، أو
يترتبان على غيرهما مطلقا متصلين كانا أم لا؟ مقتضى الاستدلال
بالنصوص الأول، وفي الدروس (3) استقرب الجواز بهما مطلقا، مع عدم
غيرهما، وهي (4) ظاهرة في اللمعة (5) أيضا. ولا ريب أنه أحوط وأولى.
(الثالث في) بيان (الكيفية) كيفية الذبح
(وهي قطع الأعضاء الأربعة) في المذبوح (المرئ) بفتح الميم
وكسر الراء والهمزة مع الياء من غير مد، وهو مجرى الطعام المتصل
بالحلقوم من تحته (والودجان) بفتح الواو والدال المهملة، وهما عرقان
محيطان بالحلقوم على ما ذكره جماعة، أو المرئ على ما ذكره بعضهم (6)
(والحلقوم) بضم الحاء المهملة، وهو مجرى النفس.
واشتراط قطعها هو المشهور بين الطائفة، كما ادعاه الماتن في الشرائع (7)
وجماعة، بل فيما عدا المرئ في ظاهر الغنية (8) وصريح المهذب (9)

(1) المهذب البارع 4: 166، غاية المرام: 161 س 10 (مخطوط).
(2) المسالك 11: 472.
(3) الدروس 2: 411.
(4) في المخطوطات: وهو.
(5) اللمعة: 149.
(6) لم نعثر عليه.
(7) الشرائع 3: 205.
(8) الغنية: 397، والمرئ مذكور فيها.
(9) لم نعثر عليه في المهذب البارع ولا المهذب.
96

والمفلح الصيمري (1) الإجماع عليه. وهو الحجة; مضافا إلى أصالة الحرمة
السليمة عما يصلح للمعارضة، عدا إطلاق الكتاب والسنة بحل ما تحقق فيه
التذكية.
(و) ما (في الرواية) الصحيحة المتقدمة في جواز التذكية بغير الحديد
مع الضرورة من أنه (إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس) (2).
والمناقشة فيهما واضحة، لعدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر والغلبة
إلا إلى ما قطع أوداجه الأربعة، مع أنها واردة لبيان حكم آخر غير الكيفية،
ومعارضة الصحيح بمثلها المذكور تلوها ثمة، لصراحتها في اشتراط فري
الأوداج. والبأس المفهوم منه على تقدير عدم فريها وإن كان أعم من الحرمة
إلا أنها مرادة بقرينة السؤال الواقع في الظاهر عن الجواز والرخصة
كالصحيحة الأولى.
والمناقشة بأن دلالة هذه بالمفهوم وتلك بالمنطوق وهو أرجح من
المفهوم مخدوشة أولا: بمنع الرجحان، وثانيا: على تقدير تسليمه معارض
برجحان إرادة الأوداج من الحلقوم في تلك الصحيحة من حيث غلبة
استعماله فيها، وشيوع التذكية بفريها دون الحلقوم الحقيقي خاصة، مع أن
قطعه يستلزم قطعها غالبا لغاية اتصالها بعضا ببعض، وعليه نبه الفاضل
المقداد في شرح الكتاب، فقال: إن الأوداج الأربعة متصلة بعضها مع بعض،
فإذا قطع الحلقوم أو الودجان فلا بد أن ينقطع الباقي معه، ولذلك ليس في
الروايتين ذكر المرئ (3).

(1) غاية المرام: 161 س 17 (مخطوط).
(2) الوسائل 16: 254، الباب 2 من أبواب الذبائح، الحديث 3.
(3) التنقيح 4: 20.
97

وحيث تعارض الرجحان والمرجوحية فيهما فلا بد من الترجيح، وهو
في جانب الرواية الثانية، للأصل، والاعتضاد بالشهرة العظيمة، والإجماعات
المحكية، مع ندرة القائل بالرواية المعارضة، إذ ليس إلا الإسكافي، كما
حكاه جماعة (1).
وما يقال: من أن هذه الرواية المعارضة أصح سندا عن رواية الأوداج
فضعيف جدا، إذ ليس في سندها سوى إبراهيم بن هاشم الثقة على الصحيح،
ولذا عد رواياته في جملة الأبواب من الصحيح، وفاقا لجماعة من
المحققين. وعلى تقدير حسنه - كما هو المشهور وعليه بناء القول - فهي
بسند آخر في الكافي صحيحة عند الكل مروية.
وأما ما ربما يناقش في دلالتها بعدم ظهورها في اعتبار قطع الأوداج
المعتبر عند القائلين بها، وإنما غايتها الدلالة على اشتراط فريها، وهو أعم
من القطع جدا، الصادق على مجرد الشق المجامع لعدم القطع أيضا، كما عن
الهروي.
فيمكن الذب عنه أولا: بأن الموجود في بعض ما عندي من كتب اللغة
تفسيره بما هو ظاهر في القطع، بل ما هو صريح فيه، وحكي أيضا عن
القاموس والصحاح.
وثانيا: بأن المتبادر من الفري حيث يطلق في التذكية هو ما يحصل به
القطع بحكم التبادر والغلبة.
وثالثا: بأن حمله على الأعم على تقدير تسليمه مخالف للإجماع، إذ
القول بعدم الاكتفاء بقطع الحلقوم ولزوم فريها بمعنى الشق لم يذهب إليه

(1) المسالك 11: 473.
98

أحد من أصحابنا حتى العماني، لأنه وإن اكتفى بالشق إلا أنه اكتفى بقطع
الحلقوم أيضا مخيرا بينهما، وهو غير ما دلت عليه الرواية من لزوم فري
الأوداج خاصة. وحينئذ فهذا الإجماع أقوى قرينة على إرادة القطع من
الفري فيها; مضافا إلى الإجماعات المحكية.
ورابعا: بأن الفري فيه بالنظر إلى الحلقوم بمعنى القطع إجماعا، فينبغي
أن يكون بالنظر إلى الباقي كذلك، وإلا لزم استعمال اللفظ الواحد في
استعمال واحد في معنيين حقيقيين أو مجازيين، وهو غير مرضي عند
المحققين. فتأمل.
وخامسا: بأن الأوداج تشمل المرئ المفسر في كلامه وكلام غيره بما
تحت الحلقوم، وشقه غير ممكن إلا بقطع ما فوقه من الأوداج، فإذا ثبت
وجوب قطعها من هذه الرواية ولو من باب المقدمة ثبت وجوب قطع
الجميع، لعدم القائل بالفرق بين الطائفة حتى من لم يعتبر المرئ، فإنه لم
يعتبره مطلقا لا قطعا ولا شقا، وأما اعتباره شقا خاصة لا قطعا فلم يقل به
بالضرورة.
واعلم أن ظاهر الفاضل في المختلف (1) التردد في لزوم قطع المرئ،
ويرده صريحا الإجماعات المزبورة، إلا أن ظاهر الغنية الموافقة له حيث لم
يذكر المرئ (2) واكتفى بذكر الحلقوم والودجين خاصة، ولعله لولا الإجماع
المحكي لا يخلو عن قوة، لعدم ذكر المرئ في الروايتين والأوداج في
الثانية غير ظاهرة الشمول له، إذ المراد بها إما المعنى الحقيقي والجمع
مجازي منطقي فهو لا يشمل الحلقوم فضلا عن المرئ، أو المعنى
المجازي، مراعاة لحقيقة الجمع، وهي تحصل بضم الحلقوم إلى الودجين،

(1) المختلف 8: 354.
(2) الغنية: 397.
99

ولا يحتاج في صدقها إلى ضم المرئ.
واعلم أن محل الذبح الحلق تحت اللحيين بلا خلاف يظهر، لأصالة
التحريم في غيره، مع عدم انصراف الإطلاقات إلا إلى الحلقوم تحت
اللحيين، لأنه المعروف المتعارف، فيجب حملها عليه، وفي الصحيح: لا
تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها (1).
والنحر محله وهدة اللبة (و) لا يعتبر فيه قطع الأعضاء الأربعة، بل
(يكفي في النحر الطعن في الثغرة) التي هي وهدة اللبة بفتح اللام وتشديد
الباء الموحدة، بمعنى إدخال السكين ونحوها فيها، من غير قطع الحلقوم
وغيره أصلا، ولا خلاف فيه بيننا، بل في ظاهر المسالك (2) وصريح الكفاية (3)
أن عليه إجماعنا، وفي الصحيح: النحر في اللبة، والذبح في الحلقوم (4).
(ويشترط) في التذكية (استقبال القبلة بالذبيحة مع الإمكان و) كذا
(التسمية) بأن يذكر الله تعالى عند الذبح أو النحر، كما تقتضيه الآيات
القرآنية (5) (فلو أخل) بهما أو (بأحدهما عمدا لم يحل) بالإجماع
المستفيض النقل في كلام جماعة وهو الحجة في المقامين.
مضافا إلى الصحاح المستفيضة في الأول:
في اثنين منها: عن الذبيحة تذبح لغير القبلة، فقال: لا بأس إذا
لم يتعمد (6).
وفي الثالث: عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة، قال: كل

(1) الوسائل 16: 255، الباب 4 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(2) المسالك 11: 475.
(3) كفاية الأحكام: 247 س 7.
(4) الوسائل 16: 256، الباب 4 من أبواب الذبائح، الحديث 2.
(5) الأنعام: 121.
(6) الوسائل 16: 266، الباب 14 من أبواب الذبائح، الحديث 3.
100

منها، قلت: فإنه لم يوجهها، قال: فلا تأكل منها - إلى أن قال: - إذا أردت أن
تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة (1). ونحو ذيله الرابع (2).
والمتبادر منها ومن العبارة وغيرها اعتبار الاستقبال بجميع مقاديم بدن
الذبيحة لا مذبحها أو منحرها خاصة، كما استقربه جماعة.
هذا، مضافا إلى الأصل، وعدم انصراف الإطلاقات بحكم التبادر والغلبة
إلا إلى الذبيحة المستقبل بجميع مقاديمها القبلة (3).
ومنه يظهر قوة احتمال اعتبار استقبال الذابح أيضا; مضافا إلى أنه
المتبادر من العبارة والرواية الأخيرة، حيث وقع فيهما بالباء التعدية، إلا أن
عدم الاعتبار هنا محتمل، للتردد في التبادر باحتمال إفادة التعدية بالباء هنا
المعنى المستفاد من التعدية بالهمزة كما في قوله سبحانه: «ذهب الله
بنورهم» (4) أي أذهبه، مع أن إطلاق الخبرين الأولين ربما دل على كفاية
كون الذبيحة للقبلة مستقبلة. لكن الدلالة بعد لعلها لا يخلو عن شوب
مناقشة، سيما بعد ورود الإطلاق مورد الغلبة، وهي استقبال الذابح لها
بلا شبهة.
وكيف كان، فالاحتياط، باستقباله لعله لازم البتة.
وصريح الكتاب والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة في الثاني.
وفي الصحيح: عن رجل ذبح فسبح أو كبر أو هلل أو حمد الله، قال:
هذا كله من أسماء الله تعالى، ولا بأس به (5).

(1) الوسائل 16: 266، الباب 14 من أبواب الذبائح، الحديث 4، 2، 5.
(2) الوسائل 16: 266، الباب 14 من أبواب الذبائح، الحديث 4، 2، 5.
(3) توجد في الشرح من المطبوع زيادة ما يلي: وأما استقبال الذابح فمحتمل.
(4) البقرة: 17.
(5) الوسائل 16: 268، الباب 16 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
101

ويستفاد منه كفاية مطلق الاسم، وبه صرح جماعة من غير خلاف بينهم
أجده. وفي اعتبار العربية وجهان أجودهما ذلك.
(ولو) كان (أخل) بهما (نسيانا حل) إجماعا، للمعتبرة المستفيضة.
منها: الصحيحان المتقدمان في الأول.
والصحيح: عن الرجل يذبح ولا يسمي، قال: إن كان ناسيا فلا بأس
عليه (1) في الثاني.
وفي الصحيح: عن رجل ذبح ولم يسم، فقال إن كان ناسيا فليسم حين
يذكر، ويقول: بسم الله على أوله وآخره (2).
وظاهره الوجوب عند الذكر، ولا قائل به، فليحمل على الاستحباب،
وهو نظير ما ورد في نسيانها على الأكل. والأقوى الاكتفاء بها وإن لم يعتقد
وجوبها، لعموم النصوص والحكم بحل ذبيحة المخالف الذي لا يعتقد
وجوبها، بل حل شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من الجلود واللحوم
من غير سؤال، كما يأتي.
واعتبر الفاضل كون المسلم ممن لا يستحل ذبائح أهل الكتاب (3) وهو
ضعيف، لمخالفته هذه النصوص، فإن أكثر المخالفين يستحلون ذبائحهم.
ثم إن ظاهر العبارة وغيرها من عبائر الجماعة اختصاص الحل مع الترك
بالنسيان، فلو أخل بهما جهلا لم يحل. لكن مقتضى الصحيح الثالث المتقدم
في المقام الأول ثبوت الحل معه أيضا، وبه صرح الفاضل في الإرشاد (4)
وجماعة. وأما إلحاق المقام الثاني به في ذلك - كما يظهر من المقدس
الأردبيلي (رحمه الله) (5) - فلم أر من صرح به، بل ظاهر شيخنا الشهيد الثاني التردد

(1) الوسائل 16: 267، الباب 15 من أبواب الذبائح، الحديث 2، 4.
(2) الوسائل 16: 267، الباب 15 من أبواب الذبائح، الحديث 2، 4.
(3) التحرير 2: 159 س 16.
(4) الإرشاد 2: 108.
(5) مجمع الفائدة 11: 114.
102

فيه (1). ولعله في محله، من اختصاص النص بالحل مع الترك جهلا بالمقام
الأول وإلحاقه به قياس، ومن كون الجهل كالنسيان في المعنى المسوغ
للأكل، ولذا تساويا حكما في ترك الاستقبال. وهو كما ترى، فالأول أقوى.
(ويشترط) فيها أيضا (نحر الإبل وذبح ما عداها فلو نحر المذبوح أو
ذبح المنحور لم يحل) بلا خلاف فيه بيننا، بل عليه في الخلاف (2) والغنية (3)
والسرائر (4) وكلام شيخنا الشهيد الثاني (5) وتابعيه (6) إجماعنا. وهو الحجة;
مضافا إلى الأصل، والمعتبرة:
منها الصحيح: عن ذبح البقر في المنحر، فقال: للبقر الذبح، وما نحر
فليس بذكي (7).
ونحوه الموثق: أن أهل مكة لا يذبحون البقر وإنما ينحرون في اللبة.
فما ترى في أكل لحمها؟ قال: فقال (عليه السلام): فذبحوها وما كادوا يفعلون، لا تأكل
إلا ما ذبح (8).
وفي الصحيح: لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها (9).
وفي المرسل: كل منحور مذبوح حرام، وكل مذبوح منحور حرام (10).
ووجه دلالتهما على المطلوب واضح وإن لم يظهر منهما كون النحر في
الإبل والذبح في غيره، لكنه ظاهر من الخارج، لاستقرار التعارف بين
المسلمين على ذلك، مع أنه لا خلاف بينهم في شرعيته، وبه صرح في

(1) الروضة 7: 216.
(2) الخلاف 6: 25، المسألة 24.
(3) الغنية: 396.
(4) السرائر 3: 107.
(5) لم نجد التصريح بالإجماع في الروضة والمسالك.
(6) مجمع الفائدة 11: 97، كفاية الأحكام: 247 س 7.
(7) الوسائل 16: 257، الباب 5 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(8) المصدر السابق: الحديث 2، 3.
(9) المصدر السابق: 255، الباب 4، الحديث 1.
(10) المصدر السابق: الحديث 2، 3.
103

الخلاف والغنية، فقالا: والنحر في الإبل والذبح فيما عداها هو السنة
الشرعية بلا خلاف. ثم قالا: ولا يجوز في الإبل الذبح وفيما عداها النحر،
فإن فعل ذلك لم يحل الأكل بدليل إجماع الطائفة (1).
هذا، مضافا إلى ما سيأتي فيما يتعذر ذبحه أو نحره من الخبرين الدالين
على أن النحر في الإبل، ونحوهما غيرهما من النصوص الكثيرة، ويظهر من
غير واحد من الأخبار أن الذبح في غيرها.
وحيث ثبت ذلك ظهر وجه دلالة الروايتين على عدم حل الإبل بذبحها
وغيره بنحره، مع أن الخبرين الأولين دالان عليه أيضا، بمعونة الإجماع
المركب. فتدبر.
فما يستفاد من المقدس الأردبيلي (رحمه الله) (2) والكفاية (3) تبعا لبعض
حواشي شيخنا الشهيد الثاني من عدم قيام دليل صالح على التفصيل بين
الإبل فنحرها وغيره فذبحه (4) منظور فيه.
وأما الخبر الدال على أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بنحر الفرس (5) فمع ضعف سنده
وعدم مقاومته لما مر محمول على التقية بلا شبهة، ويشهد له كون بعض
رواته من العامة، فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
ويسقط اعتبارهما مع التعذر، كاستعصائه أو حصوله في موضع لا
يتمكن المذكي من الوصول إلى موضع ذكاته فيعقر بالسيف ونحوه، ويحل
وإن لم يصادف العقر موضع الذكاة كما يأتي.
ثم لو أدرك ما يعتبر من الذبح أو النحر بعد فعل الآخر به حل عند

(1) الخلاف 6: 25، المسألة 24.
(2) مجمع الفائدة 11: 120.
(3) كفاية الأحكام: 247 س 9.
(4) ليس كتابه عندنا.
(5) الوسائل 1: 326، الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4.
104

الشيخ (1) وجماعة، وتردد فيه الماتن في الشرائع (2).
قيل: نظرا إلى أن شرط الحل وقوع التذكية في حال استقرار الحياة،
وهو مفقود هنا، لأن الفعل السابق يرفع استقرار الحياة، فلا يؤثر في الحل
وقوع النحر أو الذبح لاحقا والتحقيق أن الأمر مبني على تحقيق ما يعتبر في
الحل هل هو استقرار الحياة؟ أو الحركة بعد الذبح وخروج الدم؟ أو أحد
الأمرين فيبنى الحل أو الحرمة عليه (3)؟
ومحل هذا التحقيق قول الماتن: (ولا تحل) الذبيحة ولو مع الشرائط
المتقدمة (حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي، وأدناه أن يتحرك الذنب أو
تطرف العين) أو تركض الرجل، كما في النصوص الآتية.
ويعتبر مع ذلك أن (يخرج الدم المعتدل) لا المتثاقل.
فلو حصل أحدهما خاصة لم يكن فيه كفاية، وفاقا للمفيد (4)
والإسكافي (5) والقاضي (6) والديلمي (7) والحلبي (8) وابن زهرة العلوي
مدعيا الإجماع (9) عليه. وهو الحجة الجامعة بين النصوص المختلفة الدالة
جملة منها مستفيضة على اعتبار الحركة خاصة.
كالصحيح: عن الذبيحة، فقال: إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الأذن فهو
ذكي (10). ونحوه الصحيح الآخر (11).
والخبر: إذا طرفت عينها أو حركت ذنبها فهي ذكية (12). ونحوه غيره (13).

(1) النهاية 3: 90.
(2) الشرائع 3: 205.
(3) كفاية الأحكام: 247 س 9.
(4) المقنعة: 580.
(5) المختلف 8: 206.
(6) المهذب 2: 428.
(7) المراسم: 209.
(8) الكافي في الفقه: 277.
(9) الغنية: 397.
(10) الوسائل 16: 263، الباب 11 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 5، 4، 6.
(11) الوسائل 16: 263، الباب 11 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 5، 4، 6.
(12) الوسائل 16: 263، الباب 11 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 5، 4، 6.
(13) الوسائل 16: 263، الباب 11 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 5، 4، 6.
105

وجملة منها على اعتبار خروج الدم المعتدل.
كالصحيحين: عن مسلم ذبح فسمى فسبقت مديته فأبان الرأس، فقال:
إذا خرج الدم فكل (1).
والخبر: في رجل ضرب بقرة بفأس فسقطت، قال: إن كان حين الذبح
خرج الدم معتدلا فكلوا وأطعموا، وإن كان خرج خروجا متثاقلا فلا
تقربوه (2).
هذا، مضافا إلى أصالة الحرمة ولزوم الاقتصار فيما خالفها على المتيقن
المجمع عليه بين الطائفة، وليس إلا ما اجتمع فيه الأمران بعد التذكية.
(وقيل يكفي الحركة) دون خروج الدم كما عن الصدوق (3) واختاره
في المختلف (4). وهو في غاية القوة لولا الإجماع المتقدم إليه الإشارة
الجامع بين الأدلة فأولى باستفاضة نصوصه وصراحتها، بخلاف النصوص
الأخيرة، لورود الصحيحين منها في غير المشتبه حياته وموته، بل المستقر
حياته استقرارا يظن ببقائه زمانا يحتمله. وإنما إشكال السائل فيهما من
حيث قطع الرأس بسبق المدية، ولا ريب أن الغالب في مثل هذه الذبيحة
تحقق الحركات المزبورة منها بعد التذكية.
وأما الرواية الأخيرة فهي وإن كانت في المشتبه الذي هو مفروض
المسألة كما صرح به جماعة، واردة، إلا أنها مع قصور سندها غير صريحة،
بل ظاهرة، لاحتمالها الحمل على ما إذا حصلت الحركة بعد التذكية، سيما
مع كونه من الأفراد الغالبة للذبيحة المشتبه حالها الخارج دمها معتدلا بعد

(1) المصدر السابق: 259، الباب 9، الحديث 2.
(2) المصدر السابق: 264، الباب 12، الحديث 2.
(3) المقنع: 416.
(4) المختلف 8: 307.
106

التذكية، ولا كذلك الذبيحة المشتبهة المتحركة بعدها حركة ما جزئية، فإنه
غير معلوم خروج الدماء عنها معتدلة.
هذا، مضافا إلى الصحيحة الصريحة في عدم كفاية خروج الدم، وأنه
لا بد من الحركة «عن الشاة تذبح فلا يتحرك ويهراق منها دم كثير عبيط،
فقال: لا تأكل إن عليا (عليه السلام) كان يقول: إذا ركضت الرجل أو طرفت العين
فكل» (1).
(و) منها يظهر ضعف ما (قيل): بأنه (يكفي أحدهما) كما عن
النهاية (2) والحلي (3) (وهو أشبه) وأشهر بين المتأخرين، مضافا إلى ضعف
مستنده، إذ ليس إلا الجمع بين النصوص المختلفة المتقدمة بالتخيير.
والحجة عليه غير واضحة عدا الشهرة المتأخرة، وهي مع أنها ليست
بحجة معارضة بالشهرة المتقدمة وإجماع الغنية، وهما أوضح شاهد على ما
قدمنا إليه الإشارة من الجمع المعتضد زيادة على ذلك بأصالة الحرمة
وصريح الصحيحة الأخيرة على عدم كفاية الدم.
وفيها بيان لما أجمله كثير من الروايات السابقة من محل الحركة هل هو
قبل الذبح أو بعده؟ ظاهرة في كونه الثاني كما عليه الأصحاب كافة، وادعى
عليه في الغنية إجماع الإمامية (4) بل في ذلك صريحة، لوقوع السؤال فيها
عن الحل مع عدم الحركة بعد التذكية لا قبله، بمقتضى الفاء المفيدة للترتيب
بلا شبهة، مع وقوع الجواب عنه بالنهي عن الأكل مطلقا ولو حصلت له
حركة سابقة على التذكية من حيث فقد تلك الحركة المتأخرة، لظاهر

(1) الوسائل 16: 264، الباب 12 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(2) النهاية 3: 94.
(3) السرائر 3: 110.
(4) الغنية: 397.
107

استشهاده (عليه السلام) للنهي بقول علي (عليه السلام): «إذا ركضت الرجل» إلى آخره.
نعم في بعض الأخبار المتقدمة ما ظاهره اعتبار الحركة قبل التذكية،
كالخبرين في كتاب علي (عليه السلام): إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحركت
الذنب فأدركته فذكه (1) كما في أحدهما، وفي الثاني: فكل منه فقد أدركت
ذكاته (2) وفي الثالث: إذا شككت في حياة الشاة فرأيت تطرف عينها أو
تحرك أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك حلال (3).
لكنها مشتركة في قصور السند، محتملة للتأويل بما يرجع إلى الأول
بنوع من التوجيه وإن بعد في الثالث دون الأولين، لتضمنها نقل الحكم عن
مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو مختص بالحركة بعد الذبح، كما نصت عليه
الصحيحة السابقة، مع تضمنها النقل المزبور عنه (عليه السلام) الكاشف عن كونه المراد
منه حيث يذكر. فتدبر.
واعلم أن ظاهر العبارة ونحوها من عبائر قدماء الطائفة عدم اعتبار
شئ آخر بعد خروج الدم والحركة من استقرار الحياة، المشتهر اعتباره بين
المتأخرين. وحجتهم عليه غير واضحة، عدا ما ذكره الشهيد الثاني والمفلح
الصيمري من قبلهم من أن مالا يستقر حياته قد صار بمنزلة الميتة، وبأن
استناد موته إلى الذبح ليس بأولى من استناده إلى السبب الموجب لعدم
استقرارها بل السابق أولى، وصار كأن هلاكه بذلك السبب فيكون ميتة (4).
وهو حسن معتضد بالأصل، مع اختصاص الإطلاقات كتابا وسنة بحمل
المذكى بحكم التبادر والغلبة بغير مفروض المسألة، وهو ما ذكي وحياته

(1) الوسائل 16: 263، الباب 11 من أبواب الذبائح، الحديث 7.
(2) الوسائل 16: 263، الباب 11 من أبواب الذبائح، الحديث 6، 5.
(3) الوسائل 16: 263، الباب 11 من أبواب الذبائح، الحديث 6، 5.
(4) المسالك 11: 495، غاية المرام: 162 س 18 (مخطوط).
108

مستقرة، إلا أنه مخالف لظواهر الكتاب والسنة النافية لاعتبار استقرار
الحياة، كاستثناء «إلا ما ذكيتم من النطيحة والمتردية وما أكل السبع» وفي
الصحيح في تفسيرها: إذا أدركت شيئا منها وعين تطرف أو قائمة تركض
أو ذنب تمصع فقد أدركت ذكاته فكل (1).
فقد عرفت أن الأخبار بمعناه مستفيضة، والمتبادر من الذبيحة فيها
ما كانت حياته غير مستقرة، مع أنه قال نجيب الدين يحيى بن سعيد أن
اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب (2) وإليه ميل الشهيدين (3) والمفلح
الصيمري (4) وكثير ممن تأخر عنهم، بل قال ثانيهما: ينبغي أن يكون عليه
العمل (5) وقال أولهما (6): يرجع على القول باعتباره إلى القرائن المفيدة للظن
ومع الاشتباه إلى الحركة بعد الذبح أو خروج الدم المعتدل.
(وفي) حرمة (إبانة الرأس بالذبح) كما عليه الإسكافي (7)
والمفيد (8) وابن حمزة (9) والقاضي (10) وعن النهاية (11) واختاره الفاضل في
المختلف (12) والشهيدان (13) وغيرهما، أم كراهته كما عليه الخلاف (14)
والحلي (15) والماتن في الشرائع (16) والفاضل في الإرشاد (17) والقواعد (18)

(1) الوسائل 16: 272، الباب 19 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(2) الدروس 2: 415، المسالك 11: 495.
(3) الدروس 2: 415، المسالك 11: 495.
(4) غاية المرام: 162 س 17 (مخطوط).
(5) المسالك 11: 445.
(6) بل قاله ثانيهما في المسالك 11: 496.
(7) المختلف 8: 302.
(8) المقنعة: 580.
(9) الوسيلة: 360.
(10) المهذب 2: 440.
(11) النهاية 3: 90 - 91.
(12) المختلف 8: 303.
(13) الدروس 2: 415.
(14) الخلاف 6: 53، المسألة 53.
(15) السرائر 3: 107.
(16) الشرائع 3: 205.
(17) الإرشاد 2: 109.
(18) القواعد 2: 155 س 7 - 8.
109

والتحرير (1) وكثير ونفى الثاني عنه الخلاف بين المحصلين (قولان،
والمروي) في الصحاح (أنها تحرم) لتضمنها النهي عنها.
فمنها: عن رجل ذبح طيرا فقطع رأسه أيؤكل منه؟ قال: نعم، ولكن
لا يتعمد قطع رأسه (2).
ومنها الصحيحان (3) الآتيان الناهيان عن نخع الذبيحة والإبانة تستلزمه
بلا شبهة.
قيل: ومنها الصحيح: عن الرجل يذبح ولا يسمي، قال: إذا كان ناسيا
فلا بأس إذا كان مسلما وكان يحسن أن يذبح ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد
ما يذبح (4).
وفيه نظر، فأولا: بعدم معلومية كون «لا» نهيا، بل يحتمل كونها نفيا،
وكون مدخوله معها معطوفا على يحسن، وتقدير الكلام حينئذ لا بأس إذا
كان لا يقطع الرقبة. وغايته حينئذ ثبوت البأس مع القطع، وهو أعم من
التحريم.
وثانيا: بأن النهي فيه على تقدير تسليمه مخصوص بصورة ترك
التسمية، ولم يكن مطلقا، فهو أخص من المدعى.
ويمكن الذب عنهما، فالثاني: بعدم القائل بالفرق بين تلك الصورة
وغيرها، والأول: بكون البأس فيه للتحريم بشهادة السياق، لتضمنه أولا:
السؤال الواقع في الظاهر عن الإباحة وعدم الحرمة، وثانيا: مقارنة لا يقطع
بلا ينخع وهو للتحريم، كما يأتي إليه الإشارة.

(1) التحرير 2: 159 س 5.
(2) الوسائل 16: 259، الباب 9 من أبواب الذبائح، الحديث 5.
(3) مجمع الفائدة 11: 134.
(4) الوسائل 16: 267، الباب 15 من أبواب الذبائح، الحديث 2.
110

لكن هذه الشهادة تدل على حرمة الذبيحة على تقدير الإبانة لا حرمتها،
فإن مناط الشهادة وقوع السؤال عن الإباحة، ولا ريب أن متعلقها فيه هو
الذبيحة لا الإبانة، ولا ملازمة بين حرمة الذبيحة وحرمة الإبانة، فقد تكون
مكروهة والذبيحة محرمة، كما عليه بعض الطائفة (1).
وكيف كان القول الثاني ضعيف غايته، مع أنه لا مستند له عدا أصالة
الإباحة، وهي بتلك الصحاح مخصصة. وحمل النهي فيها على الكراهة
لا وجه له.
ويستفاد من الصحيحة الأولى منها إباحة الذبيحة على تقدير المخالفة،
ويعضده عمومات الأدلة أو إطلاقاتها (2) كتابا وسنة على إباحة ما ذكر عليه
اسم الله سبحانه، وعليه الشيخ في الخلاف (3) والفاضل في المختلف (4) وولده
فخر الدين (5) والشهيدان في الدروس (6) والمسالك (7) والروضة (8) وادعى
الأول عليه إجماع الصحابة، قال بعدها: وروي عن علي (عليه السلام) أنه سئل عن
بعير ضربت عنقه بالسيف، فقال: يؤكل، وعمران بن حصين قيل له: رجل
ذبح بطة فأبان رأسها، فقال، تؤكل. وعن ابن عمر نحوه. ولا مخالف لهم.
خلافا لصريح النهاية (9) وابن زهرة (10) وظاهر ابن حمزة (11) بل
والإسكافي (12) والقاضي (13) أيضا كما يظهر من عبارتهما المحكية،
فاختاروا الحرمة.

(1) لم نعثر على قائله.
(2) في «م» و «ش»: وإطلاقاتها.
(3) الخلاف 6: 53، المسألة 13.
(4) المختلف 8: 303.
(5) الإيضاح 4: 137.
(6) الدروس 2: 415.
(7) المسالك 11: 482.
(8) الروضة 7: 231.
(9) النهاية 3: 90 - 91.
(10) الغنية: 397.
(11) الوسيلة: 360.
(12) المختلف 8: 302.
(13) المهذب 2: 440.
111

وليس بذلك البعيد لولا ما مر من الصحيحة المعتضدة بالشهرة،
وإطلاقات الكتاب والسنة، وما تقدم من حكاية عدم الخلاف بين الصحابة،
الذين منهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو سيدهم، وقوله حجة، وذلك للإجماع
المنقول في الغنية، ودلالة كثير من النصوص على الحرمة، منها الصحيحة
الأخيرة، لظهورها في ثبوت البأس في الذبيحة مع الإبانة، وهو فيها
للتحريم، كما مر إليه الإشارة. ونحوها صحيحة اخرى: عن الرجل يذبح
فينسى أن يسمي أيؤكل ذبيحته؟ فقال: نعم إذا كان لا يتهم وكان يحسن
الذبح قبل ذلك ولا ينخع ولا يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة (1). والموثقة:
عن الرجل يذبح فتسرع السكين فتبين الرأس، فقال: الذكاة الوحية لا بأس
بأكلها إذا لم يتعمد ذلك (2).
إلا أنه يمكن الذب عن جميعها، فالإجماع بعدم صراحة حكايته على
المقام واحتمال رجوعه إلى شئ آخر غيره. والصحيحتان بأن بناء الدلالة
فيهما على كون «لا» نفيا معطوفا على ما سبقها لا نهيا أو نفيا مستأنفا. وفي
تعين المبني عليه نظر جدا، لاحتمال الأخيرين فيهما أيضا احتمالا
متساويا، فتأمل جدا لسابقهما. والثالثة بأن غايتها الدلالة على ثبوت البأس
مع تعمد الإبانة، وهو أعم من التحريم.
ولو سلمت الدلالة بنحو من التوجيه المتقدم إليه الإشارة فهي بحسب
السند قاصرة عن المكافأة لما مر من أدلة الإباحة ضعيفة.
ثم إن القول بتحريمها على تقديره أو الكراهة إنما هو مع تعمد الإبانة
(و) أما مع عدمه كما (لو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة)

(1) الوسائل 16: 267، الباب 15 من أبواب الذبائح، الحديث 3.
(2) المصدر السابق: 259، الباب 9 الحديث، 3.
112

ولا يكره قولا واحدا، للصحيحة الأولى، والموثقة المذكورة أخيرا، ونحوها
صحيحتان أخريان:
في إحداهما: عن رجل ذبح فسبقه السكين فقطع رأسه، فقال: هو ذكاة
وحية لا بأس به ويأكله (1). ونحوها الثانية (2).
(ويستحب في) ذبح (الغنم ربط يدي المذبوح) منه (وإحدى
رجليه) وإطلاق الأخرى (وإمساك صوفه أو شعره حتى يبرد) دون
اليد والرجل (وفي البقر عقل (3) يديه ورجليه) جميعا (وإطلاق ذنبه،
وفي الإبل ربط أخفافه إلى إبطيه، وفي الطير إرساله) بعد الذبح; وقيل: وفي
الكل تحديد الشفرة، وعدم إرائتها للحيوان، وسرعة القطع، واستقبال الذابح
القبلة، وعدم تحريكه إياه، ولا جره من مكان إلى آخر، بل تركه إلى أن
يفارقه الروح، وأن يساق إلى المذبح برفق، ويعرض عليه الماء قبل الذبح،
ويمر السكين بقوة، ويجد في الإسراع ليكون أوحى وأسهل، أكثر ذلك
للنص (4).
وفي الخبر: عن الذبح، فقال: إذا ذبحت فأرسل، ولا تكتف، ولا تقلب
السكين لتدخلها تحت الحلقوم ويقطعه إلى فوق، والإرسال للطير خاصة،
فإن تردى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعم، فإنك لا تدري
التردي قتله أو الذبح، وإن كان من الغنم فأمسك صوفه أو شعره ولا تمسكن
يدا ولا رجلا، وأما البقرة فاعقلها وأطلق الذنب، وأما البعير فشد أخفافه إلى
إباطه وأطلق رجليه، وإن أفلتك شئ من الطير وأنت تريد ذبحه أو ند عليك
فارمه بسهمك فإذا سقط فذكه بمنزلة الصيد (5).

(1) المصدر السابق: 259، الباب 9 الحديث 1، 2.
(2) المصدر السابق: 259، الباب 9 الحديث 1، 2.
(3) في المتن المطبوع: عقد.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 203.
(5) الوسائل 16: 255، الباب 3 من أبواب الذبائح، الحديث 2.
113

وفي المسالك المراد بشد أخفافه إلى إباطه أن تجمع يديه وتربطهما فيما
بين الخف والركبة، وبهذا صرح في رواية أبي الصباح وفي رواية أبي
خديجة: أنه يعقل يدها اليسرى خاصة، وليس المراد في الأول أنه يعقل
خفا يديه معا إلى إباطه، لأنه لا يستطيع القيام، والمستحب في الإبل أن
تكون قائمة، قال: والمراد في الغنم بقوله: «فلا يمسك يدا ولا رجلا» أنه
يربط يديه وإحدى رجليه من غير أن يمسكهما بيده (1).
وفي استفادة هذه الإرادة من الرواية مناقشة، وبها صرح المقدس
الأردبيلي (رحمه الله) (2) وصاحب الكفاية (3).
اللهم إلا أن يجعل وجه الإرادة فتوى الجماعة، وهي وإن لم تبلغ درجة
الحجية بعد أن تكون عن درجة الإجماع قاصرة، إلا أن التمسك بها في نحو
المسألة مما هو من الآداب والسنن المستحبة لا بأس به، بناء على جواز
المسامحة في أدلتها، كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة، ومر الإشارة إليه
غير مرة.
(ويكره الذباحة ليلا) وفي نهار يوم الجمعة إلى الزوال بلا خلاف،
للنصوص.
منها النبوي: نهى عن الذبح ليلا (4).
ومنها: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يأمر غلمانه أن لا يذبحوا حتى يطلع
الفجر (5).
ومنها: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكره الذبح وإراقة الدماء يوم الجمعة قبل

(1) المسالك 11: 487.
(2) مجمع الفائدة 11: 132.
(3) كفاية الأحكام: 247 س 25.
(4) مجمع الزوائد 4: 23.
(5) الوسائل 16: 274، الباب 21 - 20 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
114

الصلاة إلا لضرورة (1).
(و) يكره (نخع الذبيحة) قبل الموت، أي إبلاغ السكين النخاع
- مثلث النون - وهو الخيط الأبيض وسط الفقار بالفتح، ممتدا من الرقبة إلى
عجب الذنب بفتح العين وسكون الجيم، وهو أصله، للنهي عنه في
الصحيحين: لا تنخعها حتى تموت، فإذا ماتت فانخعها (2).
هذا، مضافا إلى النهي المتقدم في الصحيح عن الإبانة، وهو يستلزم
النخع، فتأمل جدا.
وكيف كان فحكمه حكمها، وهو تحريم الفعل دون الذبيحة على
الأقوى، لما مضى.
وفتوى الماتن هنا بالكراهة مع ميله إلى حرمة الإبانة سابقا غير واضح
وجهها، مع أن المسألتين - كما عرفت - من باب واحد، من حيث النهي
فيهما، المفيد للتحريم، السالم عن المعارض أصلا.
(وقلب السكين في الذبح) ليدخلها تحت الحلقوم ويقطعه إلى خارج،
للنهي عنه في الخبر السابق، وبظاهره أخذ النهاية (3) والقاضي (4) ورده
الحلي (5) وعامة المتأخرين، فحملوه على الكراهة، لقصور السند، وهو
أجود، ولم يذكر عن القائلين بالتحريم حرمة الذبيحة، وقال بها في الغنية
مدعيا عليه إجماع الإمامية (6). وهو أحوط، وإن كان في تعين المصير إليه
نظر، لوهن الدعوى بعدم العثور على موافق له في أصل الفتوى، مع احتمال
رجوعها في عبارته إلى شئ آخر غير ما نحن فيه.

(1) الوسائل 16: 274، الباب 21 - 20 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 258، الباب 6 من أبواب الذبائح، الحديث 1، 2.
(3) النهاية 3: 93.
(4) المهذب 2: 440.
(5) السرائر 3: 109.
(6) الغنية: 397.
115

(وأن يذبح حيوانا و) حيوانا (آخر ينظر إليه) للخبر: إن أمير
المؤمنين (عليه السلام) كان لا يذبح الشاة عند الشاة ولا الجزور عند الجزور وهو
ينظر إليه (1). وهو مع قصور السند غير ظاهر في التحريم. فلا وجه للقول به،
كما عن النهاية (2) بل الأقرب الكراهة، كما عن الحلي (3) وعليه المتأخرون
كافة.
نعم ورد النهي عنه في الخبر المشارك لما سبقه في قصور السند:
لا تذبح الشاة عند الشاة ولا الجزور عند الجزور وهي تنظر إليه.
(وأن يذبح بيده ما رباه من النعم) للنهي عنه في الخبر (4) المحمول على
الكراهة، لقصور السند، ولعله لإيراثه قساوة القلب، والله أعلم.
(ويحرم سلخ الذبيحة) أو قطع شئ منها (قبل بردها) وفاقا
للنهاية (5) والقاضي (6) وابن حمزة (7) للمرفوعة: الشاة إذا ذبحت وسلخت أو
سلخ شئ منها قبل أن تموت فليس يحل أكلها (8). (وقيل) - كما عن
الحلي -: (يكره. وهو أشبه) وعليه عامة من تأخر، للأصل، وضعف الخبر،
مع عدم دلالته على تحريم الفعل، بل غايته حرمة الذبيحة، ولا تلازم بين
الأمرين، كما مر إليه الإشارة، وذهب في الغنية إلى حرمة الذبيحة، مدعيا
عليها إجماع الإمامية (9) وقد مر إلى جوابه الإشارة.

(1) الوسائل 16: 258، الباب 7 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(2) النهاية 3: 93.
(3) السرائر 3: 109.
(4) الوسائل 16: 308، الباب 40 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(5) النهاية 3: 93.
(6) المهذب 2: 440.
(7) الوسيلة: 360.
(8) الوسائل 16: 258، الباب 8 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(9) الغنية: 370.
116

(ويلحق به أحكام) أربعة
(الأول: ما يباع في أسواق المسلمين) من الذبائح واللحوم والجلود
حلال طاهر (يجوز ابتياعه من غير فحص) عن حاله بلا خلاف أجده، وبه
صرح في الكفاية (1) والصحاح وغيرها به مع ذلك مستفيضة:
ففي الصحيح وغيره: عن شراء اللحم من الأسواق ولا يدرى ما صنع
القصابون؟ قال: كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه (2).
وفي الصحيح: عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي
هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري أيصلي فيه؟ قال: نعم إنا
نشتري الخف من السوق ويصنع لي وأصلي فيه، وليس عليكم المسألة (3).
وفيه: عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرو ولا يدري أذكية هو أم
غير ذكية أيصلي فيها؟ قال: نعم ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر (عليه السلام) كان
يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك (4).
والسوق فيهما وإن كان مطلقا إلا أن المتبادر منه الغالب في زمان
صدورهما هو سوق المسلمين خاصة، مضافا إلى لزوم تقييدهما بالأخبار
الأولة.
وإطلاقها كالعبارة وما ضاهاها من العبائر وصريح جماعة عدم الفرق
في ذلك بين ما يوجد في يد معلوم الإسلام أو مجهوله، ولا في المسلم بين
من يستحل ذبيحة أهل الكتاب أم لا. واعتبر العلامة في التحرير كون المسلم

(1) كفاية الأحكام: 248 س 5.
(2) الوسائل 16: 294، الباب 29 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(3) الوسائل 2: 1072، الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 6.
(4) الوسائل 2: 1071، الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 3.
117

ممن لا تستحل ذبائحهم (1). وقد مر ضعفه، مع أنه لم يحكم به أولا صريحا
بل أفتى بما عليه القوم، مستشكلا أولا، ثم استقرب المنع ثانيا، وهو ظاهر
في كونه في الجملة، مترددا.
وألحق جماعة بسوق المسلمين يدهم وبلادهم.
وهو حسن، للأولوية في الأول، والقطع بعدم مدخلية السوق من حيث
هو سوق في الحكم، بل المناط فيه إنما هو الإسلام من حيث هو هو، ويشعر
به التعليق على الوصف في قوله: «إذا كان في سوق المسلمين» فيهما، مضافا
إلى الموثق الآتي، وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار حيث أطبقوا
على عدم التحرز عن اللحوم والجلود ونحوهما الموجود في أيادي
المسلمين وبلادهم مطلقا.
والمرجع في معرفة سوق المسلمين العرف.
وفي الموثق: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض
الإسلام، قلت له: وان كان فيها غير أهل الإسلام، قال: إذا كان الغالب عليها
المسلمون فلا بأس (2).
وليس فيه منافاة للعرف، بل لعله مساعد له.
وعليه فيتميز سوق المسلمين بأغلبيتهم على غيرهم، كان حاكمهم
مسلما وحكمهم نافذا أم لا، عملا بالعموم. وربما قيل: باعتبار إنفاذ الحكم.
وهو ضعيف جدا.
ثم إن ظاهر النهي عن السؤال في الخبرين الأولين المرجوحية وأقلها
الكراهة، واستوجهها في المسالك (3).

(1) التحرير 2: 159 س 16.
(2) الوسائل 2: 1072، الباب 50 من أبواب النجاسات، الحديث 5.
(3) المسالك 11: 494.
118

خلافا للدروس (1) وغيره فنفوا وجوب السؤال واستحبابه خاصة.
وهو أوجه، لاحتمال ورود النهي مورد توهم الوجوب أو الاستحباب
فلا يفيد سوى نفيهما المجامع للإباحة المطلقة، ويشهد له نفي الوجوب
خاصة في الصحيحين الأخيرين، المتضمنين لقوله (عليه السلام): «ليس عليكم
المسألة».
(الثاني: ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي في
بئر ونحوه يجوز عقره بالسيف وغيره مما يجرح إذا خشي تلفه) ولم يدرك بعد
الجرح ذكاته، فيحل أكله حينئذ بشرط التسمية وغيرها من الشرائط الغير
المتعذرة بلا خلاف، بل عليه الإجماع في شرح الإرشاد للمقدس
الأردبيلي (2). وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيحين: ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسموا فأتوا
عليا (عليه السلام)، فقال: هذه ذكاة وحية، ولحمه حلال (3).
وفي ثالث: رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير مذبحها وقد سمى
حين ضرب، فقال: لا يصلح أكل ذبيحة لم تذبح في مذبحها، يعني إذا تعمد
لذلك ولم يكن حاله حال اضطرار، فأما إذا اضطر إليها واستصعب عليه ما
يريد أن يذبح فلا بأس بذلك (4).
وفي الخبر: إذا امتنع عليك بعير وأنت تريد أن تنحره فانطلق منك فإن
خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته برمح بعد أن تسمي فكل، إلا أن
تدركه ولم يمت بعد فذكه (5).

(1) الدروس 2: 416.
(2) مجمع الفائدة 11: 111.
(3) الوسائل 16: 260، الباب 10 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(4) المصدر السابق: الباب 4، الحديث 3.
(5) المصدر السابق: الباب 10، الحديث 5.
119

وفي آخر: بعير تردى في بئر كيف ينحر؟ فقال: تدخل الحربة فتطعنه بها
وتسمي وتأكل (1).
وفيهما دلالة على أن ذكاة البعير بالنحر كما مر، وفي أولهما دلالة على
ما ذكرناه من اعتبار عدم درك الذكاة بعد الجرح.
واعلم أن إطلاق ما يجرح في العبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي
الاكتفاء في الحل بكل آلة جارحة حتى الكلب وغيره، وبه صرح جماعة
وجعلوا المقام كالصيد، فإن كان إجماع كما هو الظاهر، وإلا فاستفادته من
النصوص المزبورة مشكلة، لاختصاصها بالآلة الجمادية من السيف وما
شاكله.
(الثالث: ذكاة السمك) المأكول (إخراجه من الماء) بل إثبات اليد
عليه خارج الماء (حيا) وإن لم يخرجه منه، كما ينبه عليه قوله فيما يأتي
«ولو وثب» إلى آخره، واعتبار الأخذ، وعدم الاكتفاء بالخروج هو المشهور
بين الأصحاب، لأصالة الحرمة، واختصاص الكتاب والسنة الدالين على
صيد البحر بما الصيد حقيقة فيه أو متبادر منه، وهو أخذه حيا، وللنصوص:
منها الصحيح والموثق: إنما صيد الحيتان أخذها (2).
وإنما للحصر، فالمعتبر إصابتها باليد أو الآلة وإخراجها بأخذها من الماء
حية وموتها خارجة. ومنها الصحيح الآتي في الوثوب. خلافا لمن يأتي
بيانه، وذكر ضعف ما اختاره.
(ولا يعتبر في المخرج الإسلام ولا التسمية) بلا خلاف أجده في
الأخير، وفي عدم اعتبار استقباله القبلة أيضا، للمعتبرة المستفيضة:

(1) المصدر السابق: الباب 10، الحديث 4.
(2) الوسائل 16: 299، الباب 32 من أبواب الذبائح، الحديث 5، 9.
120

ففي الصحيح وغيره: عن صيد الحيتان وإن لم يسم، قال لا بأس (1)
وزيد في الثاني: «إن كان حيا أن يأخذه» (2).
وفيه دلالة على اعتبار ما مر من الأخذ.
وفيه: عن صيد السمك ولا يسمى، قال: لا بأس (3).
وفي الموثق: عن صيد المجوس السمك حين يضربون بالشبك ولا
يسمي أو يهودي لا يسمي، قال: لا بأس إنما صيد الحيتان أخذها (4).
وعلى الأظهر في الأول، وهو الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وعن
الحلي الإجماع عليه (5). وهو الحجة; مضافا إلى عموم و «أحل لكم صيد
البحر» (6) وخصوص الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح والموثق: عن الحيتان يصيدها المجوس، فقال:
إن عليا (عليه السلام) كان يقول: الحيتان والجراد ذكي (7).
وفيهما: عن صيد المجوس حين يضربون بالشباك ويسمون بالشرك،
فقال: لا بأس بصيدهم، إنما صيد الحيتان أخذها (8).
خلافا للمفيد فاعتبره (9) واحتاط به ابن زهرة (10). وحجتهما عليه غير
واضحة، عدا الأصل المخصص بما مر من الأدلة، ودعوى أن صيدها من
التذكية المشترط فيها الإسلام. وهي ممنوعة أولا: بما مر من الأدلة. وثانيا:
بدلالة الخبرين الأولين من المستفيضة على كون الحيتان والجراد ذكية.
ومقتضاهما عدم احتياجهما إلى التذكية.

(1) الوسائل 16: 296، الباب 31 من أبواب الذبائح، الحديث 1، 2، 3.
(2) الوسائل 16: 296، الباب 31 من أبواب الذبائح، الحديث 1، 2، 3.
(3) الوسائل 16: 296، الباب 31 من أبواب الذبائح، الحديث 1، 2، 3.
(4) الوسائل 16: 299، الباب 32 من أبواب الذبائح، الحديث 4، 5، 6.
(5) السرائر 3: 88.
(6) الوسائل 16: 299، الباب 32 من أبواب الذبائح، الحديث 4، 5، 6.
(7) الوسائل 16: 299، الباب 32 من أبواب الذبائح، الحديث 4، 5، 6.
(8) الوسائل 16: 299، الباب 32 من أبواب الذبائح، الحديث 9.
(9) المقنعة: 577.
(10) الغنية: 397.
121

والخبر: عن صيد المجوس، فقال: لا بأس إذا أعطوكه أحياء والسمك
أيضا، وإلا فلا تجز شهادتهم إلا أن تشهده (1).
وفي سنده قصور بالجهالة وإن روي عن موجبها فضالة، الذي أجمعت
على تصحيح ما يصح عنه العصابة، وفي متنه ضعف بحسب الدلالة، لابتنائها
على دلالته على اشتراط أخذ المسلم له منهم حيا، كما هو ظاهر الاستبصار (2)
فيكون إخراجهم له بمنزلة وثوبه من الماء بنفسه إذا أخذه المسلم.
وهو ضعيف جدا، لظهور سياقه في أن المراد ب‍ «إذا أعطوكه» إذا شاهدته
بقرينة قوله: «إلا أن تشهده»، مع أنه ليس في لفظ الإعطاء دلالة على التسليم
وأخذ المسلم له صريحا، بل ولا ظاهرا.
هذا، مع أنه ضعيف عن المقاومة للنصوص المتقدمة من وجوه شتى
وإن قيدت هي والعبارة به وبالإجماع والصحيحين: عن صيد المجوس
السمك أكله، قال: ما كنت آكله حتى أنظر إليه (3).
ووجه اعتبار المشاهدة فيها وفي كلام جماعة عدم الأمن من أخذهم
السموك ميتة، وإخبارهم بإخراجها من الماء حية، وهو وإن جرى في
المسلم أيضا إلا أن أفعاله وأقواله محمولة على الصحة في الجملة إجماعا
وفتوى ورواية.
(ولو وثب) السمك من الماء على الجد أو السفينة ونحوهما (أو
نضب) وانحصر (عنه الماء فأخذ حيا حل) مع الأخذ لا مطلقا، لما مضى
من الأدلة على اعتباره، مضافا إلى الإجماع في الخلاف (4) في الثاني،

(1) الوسائل 16: 298، الباب 32 من أبواب الذبائح، الحديث 3.
(2) الاستبصار 4: 64، ذيل الحديث 10.
(3) الوسائل 16: 298، الباب 32 من أبواب الذبائح، الحديث 2.
(4) الخلاف 6: 31، المسألة 10.
122

وخصوص الصحيح في الأول: عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد
فماتت أيصلح أكلها؟ فقال: إن أخذتها قبل أن تموت ثم ماتت فكلها، وإن
ماتت قبل أن تأخذها فلا تأكلها (1). ويعضده إطلاق الصحيح الآخر: لا تأكل
ما نبذه الماء من الحيتان وما نضب عنه الماء (2).
(وقيل) كما عن النهاية (3) والماتن في بعض كتبه (4): أنه (يكفي
إدراكه يضطرب) فيحل وإن لم يؤخذ، لأن صيد المجوس مع مشاهدة
المسلم له قد أخرج حيا ومات خارج الماء موجب لحله، كما مر في
الصحيحين الأخيرين وسابقهما، وصيد المجوس لا عبرة به، فيكون العبرة
بنظر المسلم له كذلك، للنصوص المستفيضة:
منها الموثق كالصحيح المروي في الفقيه: سمكة ارتفعت فوقعت على
الجد فاضطربت حتى ماتت آكلها؟ قال: نعم (5).
ومنها: أن السمك والجراد إذا خرج من الماء فهو ذكي (6).
ومنها: السمكة تثب من الماء فتقع على الشط فتضطرب حتى تموت،
فقال: كلها (7).
ومنها: أن عليا (عليه السلام) كان يقول: إذا أدركها وهي تضطرب وتضرب بذنبها
وتطرف بعينها فهي ذكاته (8).
وفي الجميع نظر فالأول: بأنه لا يلزم من حل صيد الكافر له مع
مشاهدة المسلم له حل ما لا يدخل تحت اليد مطلقا، وإنما يقتضي ذلك

(1) الوسائل 16: 301، الباب 34 من أبواب الذبائح، الحديث 1، 3.
(2) الوسائل 16: 301، الباب 34 من أبواب الذبائح، الحديث 1، 3.
(3) النهاية 3: 80.
(4) النهاية 3: 80.
(5) الفقيه 3: 323، الحديث 4155.
(6) الوسائل 16: 305، الباب 37 من أبواب الذبائح، الحديث 3.
(7) المصدر السابق: الباب 34، الحديث 4.
(8) الوسائل 16: 302، الباب 34 من أبواب الذبائح، الحديث 2.
123

اشتراط دخوله تحت يد الآدمي مسلما كان أو كافرا.
والثاني: بضعف سند أكثره، مضافا إلى إرسال اثنين منها ومنهما الموثق،
وقصورها جمع عن المكافأة لما مضى من وجوه شتى، مع احتمالها التقييد
بصورة الأخذ، سيما وأن الغالب في الخروج المذكور في الخبر الثاني تحققه
بالآلة أو اليد.
(ولو صيد فأعيد في الماء فمات) فيه (لم يحل) بلا خلاف أجده إذا لم
يكن موته في الآلة، وبه صرح في الكفاية (1). وهو الحجة; مضافا إلى أصالة
الحرمة السليمة عما يصلح للمعارضة، عدا إطلاق ما مر من النصوص الدالة
على أن ذكاته أخذه، من دون تقييد له بعدم موته في الماء، ولذا ذهب الأكثر
بجواز أكله حيا. ويضعف بعدم عموم فيه يشمل ما نحن فيه، ورجوعه إلى
العموم فرع تواطئ الأفراد وتساويها. وهو ممنوع، لأظهريته بحكم التبادر
في غير المفروض.
هذا، مضافا إلى الصحيح: عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط
وأرسلها في الماء فماتت أتؤكل، فقال: لا (2).
وقريب منهما الخبر الملحق بالصحيح، بل ربما يعد من الصحيح: عن
رجل صاد لي سمكا وهي أحياء ثم أخرجهن وهن أحياء بعد ما مات
بعضهن، فقال: ما مات فلا تأكله فإنه مات فيما فيه حياته (3).
ومورده وإن اختص بغير ما نحن فيه وهو موته في الماء قبل إخراجه
- ويعبر عنه بالطافي المحرم بإجماعنا، المستفيض على تحريمه الصحاح

(1) كفاية الأحكام: 248 س 12.
(2) الوسائل 16: 300، الباب 33 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(3) الوسائل 16: 303، الباب 35 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
124

وغيرها من أخبارنا - إلا أن الجواب عام، والعبرة بعمومه دون خصوص
مورده، كما حقق في محله; مضافا إلى أن تعليل النهي فيه بالموت فيما فيه
حياته يعم المورد وغيره، فيتعدى به إليه على الأشهر الأقوى، سيما مع التأيد
بإطلاقات النصوص المستفيضة بحرمة ما مات من السمك في الماء من دون
تقييد فيها بصورة عدم الأخذ والإخراج من الماء وإن كانت بحكم التبادر
مختصة بها، ولذا لم نجعلها حجة مستقلة. لكنها للتأييد صالحة، سيما بعد
ملاحظة التعليل المتقدم إليه الإشارة.
ويستفاد من جميع ما ذكر سيما النصوص نصا في الأخير وفحوى
الأولين ثبوت الحرمة مطلقا (وإن كان) موته في الماء (في الآلة) المعمولة
لصيده كالحظيرة وغيرها، وعليه أكثر متأخري أصحابنا كما في المسالك (1)
والكفاية (2) وغيرهما، وفاقا للشيخ (3) وابن حمزة (4) والحلي (5) من القدماء.
خلافا للعماني فقال: يحل ما مات في الآلة المعمولة (6) للصحيحين.
في أحدهما: رجل نصب شبكة في الماء ثم رجع إلى بيته وتركها
منصوبة فأتاها بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فيمتن، فقال: ما عملت يده
فلا بأس بأكل ما وقع فيها (7).
وفي الثاني: عن الحظيرة من القصب يجعل في الماء للحيتان فيدخل
فيها الحيتان فيموت فيها بعضها، فقال: لا بأس إن تلك الحظيرة إنما جعلت
ليصطاد فيها (8).
وهما وإن صح سندهما واعتضدا برواية اخرى - إذا ضرب صاحب

(1) المسالك 11: 507.
(2) كفاية الأحكام: 248 س 12.
(3) النهاية 3: 84.
(4) الوسيلة: 355.
(5) السرائر 3: 90.
(6) المختلف 8: 264.
(7) الوسائل 16: 303، الباب 35 من أبواب الذبائح، الحديث 2، 3.
(8) الوسائل 16: 303، الباب 35 من أبواب الذبائح، الحديث 2، 3.
125

الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها من حي أو ميت فهو حلال خلا ما ليس له
فلس ولا يؤكل الطافي من السمك (1) - إلا أنهما قاصران عن المقاومة لما
مضى من الأدلة المعتضدة بالشهرة العظيمة، مضافا إلى عدم صراحتهما في
موتها في الماء، لاحتمالهما - كالرواية - الحمل على صورة الموت خارجة
قطعا أو احتمالا، بناء على أصالة بقاء الحياة، وهذا الحمل وإن بعد غايته
إلا أنه لا مندوحة عنه، جمعا بين الأدلة.
نعم لولا الشهرة لكان المصير إلى النصوص المزبورة في غاية القوة.
وعلى المختار لو تميز الميت عن الحي اختص كل بحكمه. وأما مع
الاشتباه فالأظهر الأشهر حرمة الجميع، وبها قال كل من قال بالمنع من
الميتة منه مع التميز عدا الشيخ في النهاية (2) فقال بالحل في هذه الصورة،
وتبعه القاضي (3) والماتن أيضا استحسنه (4) لظواهر النصوص المتقدمة.
والمناقشة فيها واضحة، لظهورها في الحل مع التميز أيضا ولم يقولوا به
جدا; مضافا إلى ما عرفت في ردها من الأجوبة التي توجب ردها أو
تأويلها بما يؤول إلى أدلة الحرمة، وأكثرها بل جميعها وإن اختص بحرمة
الميتة المتميزة دون المشتبهة إلا أن حرمتها ثابتة في نحو مفروض المسألة
مما هو محصور من باب المقدمة.
نعم ربما يعضد ما ذكروه المعتبرة المتضمنة للصحيح وغيره، الدالة على
أنه إذا اجتمع الحلال والحرام فهو حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه (5).
لكنها معارضة بمثلها الدال على أنه ما اجتمع الحلال والحرام إلا وقد

(1) المصدر السابق: الباب 35، الحديث 4.
(2) النهاية 3: 84.
(3) المهذب 2: 438.
(4) الشرائع 3: 208.
(5) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.
126

غلب الحرام الحلال (1).
وهذا أرجح، للاعتضاد بالشهرة.
وعلى تقدير التساوي والتساقط ينبغي الرجوع إلى مقتضى القاعدة في
الشبهة المحصورة، وهو الحرمة من باب المقدمة.
(وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا. و) الكلام فيه كالكلام في السمك في
جميع الأحكام حتى في الحكم بأنه (لا يشترط إسلام الآخذ ولا
التسمية) ولا استقبال القبلة. والخلاف في الإسلام هنا كالخلاف فيه ثمة.
لكن احتاط به ابن زهرة (2) خاصة، ولم يذكره المفيد هنا بالمرة. ولا خلاف
أجده في اتحاد حكمهما عند الجماعة.
واستفادته من النصوص مشكلة، لأنها غير صريحة في ذلك، بل ولا
ظاهرة.
نعم ربما يستأنس له بالنصوص المتقدمة الدالة على أن السمك والجراد
ذكي كما في الصحيح والموثق، وأنهما إذا خرجا من الماء فهما ذكيان، كما
في الخبر (3) من حيث ذكره مع السمك وتعليق الحكم بالذكاة عليهما معا،
المشعر باتحادهما حكما، مضافا إلى دلالة الأولين منهما على حلهما بالذكاة
النفسية لهما، خرج منهما ما إذا ماتا حتف أنفهما بالإجماع فيهما،
والنصوص المتقدمة في السمك والرواية الأخيرة فيهما حيث اعتبرت في
حلهما خروجهما.
والمراد به بحكم التبادر والغلبة - كما مضى - الخروج باليد وغيرها،
فيدل على اعتبار الأخذ هنا أيضا، مضافا إلى خصوص الصحيحة: في

(1) سنن البيهقي 7: 169.
(2) الغنية: 397.
(3) الوسائل 16: 305، الباب 37 من أبواب الذبائح، الحديث 3.
127

الجراد نصيبه ميتا في الماء أو في الصحراء أيؤكل؟ قال: لا (1).
وهي الحجة فيما أجمع عليه الأصحاب من أنه (لا يحل) منه
(ما يموت قبل أخذه) حيا، وقريب منها الخبر: الجراد ذكي فكله، وأما ما
مات في البحر فلا تأكله (2) (وكذا) الموثق الدال على أنه (لو أحرقه قبل
أخذه) لم يحل.
وفيه: عن الجراد إذا كان في قراح فيحرق ذلك القراح فيحرق ذلك
الجراد وينضج بتلك النار هل يؤكل؟ قال: لا (3).
فلا تأمل أصلا فيما ذكروه من اتحاد حكمهما.
(ولا يحل منه ما لم يستقل بالطيران) ويسمى بالدبا بفتح الدال
المهملة إجماعا، للصحيح: عن الدبا من الجراد أيؤكل؟ قال: لا، حتى يستقل
بالطيران (4). ونحوه غيره (5).
(الرابع: ذكاة الجنين) أي السبب المحلل له (ذكاة أمه) كما في
النبوي المشهور (6) وعن أهل البيت (عليهم السلام) مثله:
ففي الصحيح: عن قول الله عز وجل: «أحلت لكم بهيمة الأنعام» فقال:
الجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه (7).
وفي الموثق: عن الشاة نذبحها وفي بطنها ولد وقد أشعر، فقال (عليه السلام):
ذكاته ذكاة أمه (8).
ويستفاد منهما - كباقي الأخبار الآتية - رفع الذكاة الثانية خبرا عن

(1) الوسائل 16: 305، الباب 37 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 305، الباب 37 من أبواب الذبائح، الحديث 4.
(3) الوسائل 16: 306، الباب 37 من أبواب الذبائح، الحديث 5، 1، 7.
(4) الوسائل 16: 306، الباب 37 من أبواب الذبائح، الحديث 5، 1، 7.
(5) الوسائل 16: 306، الباب 37 من أبواب الذبائح، الحديث 5، 1، 7.
(6) سنن البيهقي 9: 335.
(7) الوسائل 16: 270، الباب 18 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 2.
(8) الوسائل 16: 270، الباب 18 من أبواب الذبائح، الحديث 3، 2.
128

الأولى، وهو الأصح في النبوي رواية، كما في التنقيح (1) والروضة (2).
وربما أعربها بعضهم بالنصب على المصدر، أي ذكاته كذكاة أمه، فحذف
الجار ونصب مفعولا، فأوجب تذكيته كتذكية أمه.
وفيه من التعسف مالا يخفى، مع مخالفته رواية الرفع دون العكس،
لإمكان كون الجار المحذوف لفظة «في» أي ذكاة الجنين داخلة في ذكاة
أمه، جمعا بين الروايتين، مع أنه الموافق لرواية أهل البيت، وهم أدرى بما
في البيت، وقد أجمع شيعتهم عليه.
وإنما يجوز أكله بذكاتها (إذا تمت خلقته) وحده - كما في صريح
الانتصار (3) والخلاف (4) وعليه الإسكافي (5) وجماعة من المتأخرين
وظاهر النهاية (6) وابن حمزة (7) - أن يشعر أو يوبر، ولعلهم رأوا التلازم بين
الأمرين. وبه يجمع بين الأخبار المختلفة المشترط بعضها - كالمفيد (8)
والديلمي (9) - الإشعار وما بعده خاصة، كالخبرين المتقدمين، والموثق: في
الجنين إذا أشعر فكل، وإلا فلا تأكل (10) وآخر منها - كالصدوق (11)
والعماني (12) - تمام الخلقة خاصة، كالصحيحين (13) وغيرهما: إن كان تاما
فكله وإن لم يكن تاما فلا تأكله (14). وثالث منها إياهما معا، كالصحيح: عن
الحوار تذكى أمه أيؤكل بذكاتها؟ فقال: إذا كان تاما ونبت عليه الشعر فكل (15).

(1) التنقيح 4: 27.
(2) الروضة 7: 248.
(3) الانتصار: 413.
(4) الخلاف 6: 88، المسألة 18.
(5) المختلف 8: 308.
(6) النهاية 3: 94 - 95.
(7) الوسيلة: 361.
(8) المقنعة: 583.
(9) المراسم: 210.
(10) الوسائل 16: 270، الباب 18 من أبواب الذبائح، الحديث 5، 4، 7، 6.
(11) المقنع: 416.
(12) المختلف 8: 308.
(13) الوسائل 16: 270، الباب 18 من أبواب الذبائح، الحديث 5، 4، 7، 6.
(14) الوسائل 16: 270، الباب 18 من أبواب الذبائح، الحديث 5، 4، 7، 6.
(15) الوسائل 16: 269، الباب 18 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
129

لكن ظاهره عدم التلازم للعطف المقتضي للتغاير، وهو أيضا ظاهر
الصدوق في المقنع، حيث قال: إذا ذبحت ذبيحة في بطنها ولد، فإن كان تاما
فكله فإن ذكاته ذكاة أمه، فإن لم يكن تاما فلا تأكله، وروي: إذا أشعر وأوبر
فذكاته ذكاة (1) أمه.
وكيف كان، فإن ثبت التلازم وإلا فاعتبارهما متعين، عملا بالأصل،
وجمعا بين النصوص بذلك، بتقييد بعضها ببعض، والشاهد الخبر الجامع،
وهو الصحيح، أي الصحيح الثالث.
وعدم الحل مع عدم الشرط مجمع عليه بين الأصحاب، كما في
الانتصار (2) وغيره، وعليه دلت جميع ما مر من الروايات.
وظاهر إطلاقها في صورة الحل عدم الفرق بين ولوج الروح فيه وعدمه،
وهو ظاهر إطلاق الصدوق (3) والعماني (4) والمرتضى (5) وعليه كافة
متأخري أصحابنا كما في الكفاية (6) وغيرها. وهو الأقوى، لما مضى،
ولصريح الموثق الآتي.
(وقيل) كما عن الشيخ (7) والقاضي (8) وابن حمزة (9) والديلمي (10)
والحلي (11): إنه (يشترط مع إشعاره) وتمام خلقته (أن لا تلج الروح) فيه.
(وفيه بعد) لمخالفته إطلاقات النصوص الشاملة لصورة الولوج، بل
الظاهرة فيها خاصة، لأن الروح لا تنفك عن تمام الخلقة عادة كما صرح به
جماعة، كالفاضل في المختلف (12) وشيخنا في الروضة (13).

(1) المقنع: 416.
(2) الانتصار: 413.
(3) المقنع: 416.
(4) المختلف 8: 308.
(5) الانتصار: 413.
(6) كفاية الأحكام: 248 س 23.
(7) النهاية 3: 94 - 95.
(8) المهذب 2: 440.
(9) الوسيلة: 361.
(10) المراسم: 210.
(11) السرائر 3: 110.
(12) المختلف 8: 312.
(13) الروضة 7: 254.
130

هذا، مع أن حجتهم عليه غير واضحة، عدا ما ذكره من قبلهم جماعة من
اشتراط تذكية الحي مطلقا، وهو ضعيف. والكلية ممنوعة.
ومن أنه قبل ولوج الروح في تربية روح أمه فيكون إزهاق روحها
بالتذكية تذكيته، وأما بعده فإنه في تربية روحه فيحتاج إلى التذكية ورد
بالمنع عن كون العلة ما ذكر، وإلا لزم أن يكون قبل أن يشعر أو يوبر مباحا،
لأنه في تربية روح أمه وليس كذلك إجماعا، ومن أنه بعد الولوج مستغن
عن تربية روح الأم، فإثباته يحتاج إلى دليل.
(و) بالجملة لا ريب في ضعف هذا القول.
نعم (لو خرج حيا) مستقر الحياة يتسع الزمان لتذكيته (لم يحل إلا
بالتذكية) إجماعا، لعدم دخول مثله في النصوص المتقدمة جدا. فيشمله
عموم ما دل على حرمة الميتة إلا مع التذكية، مضافا إلى صريح الموثق: عن
الشاة تذبح فيموت ولدها في بطنها، قال: كله فإنه حلال، لأن ذكاته ذكاة أمه،
فإن هو خرج وهو حي فاذبحه وكل، فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله،
وكذلك البقر والإبل (1).
ولو خرج وحياته غير مستقرة فالأقرب الحل، لإطلاق النصوص المزبورة،
وبه صرح الشهيد (2) وغيره. إلا أن الأحوط حرمته، لإطلاق الموثقة المتقدمة.
ولولا انصرافه إلى مستقر الحياة بمقتضى السياق المتضمن للأمر بالذبح الذي
هو فرع إمكانه باستقرار حياته لكان القول بالحرمة متعينا بلا شبهة.
والأقرب عدم وجوب المبادرة إلى شق جوف الذبيحة لإخراج الجنين
زائدا على المعتاد، وإن كانت أحوط في الجملة، والحمد لله.

(1) الوسائل 16: 271، الباب 18 من أبواب الذبائح، الحديث 8.
(2) الدروس 2: 407.
131

كتاب
الأطعمة والأشربة
133

(كتاب الأطعمة والأشربة)
(والنظر فيه يستدعي) أن يبين فيه (أقساما):
(الأول في حيوان البحر)
(و) اعلم أنه (لا) يجوز أن (يؤكل منه إلا السمك) والطير بلا
خلاف بيننا، وبه صرح في المسالك (1) بل عليه الإجماع في الخلاف (2)
والغنية (3) والسرائر (4) وبه صرح الماتن في المعتبر (5) والشهيد في
الذكرى (6) والمحقق الثاني (7) وغيره في كتاب الصلاة في بحث جواز الصلاة
في الخز الخالص. وهو الحجة، المؤيدة بعمومات ما دل على حرمة الميتة
السليمة عما يصلح للمعارضة عدا عمومات ما دل على حل صيد البحر
الشامل لما عدا السمك، وما دل على حل الأزواج الثمانية وغيرها من
الكتاب والسنة.
ويضعف الأول: بتبادر السمك منه خاصة، مع استلزام العموم حل كثير

(1) المسالك 12: 10.
(2) الخلاف 6: 31، المسألة 31.
(3) الغنية: 398.
(4) السرائر 3: 99.
(5) المعتبر 2: 84.
(6) الذكرى: 144 س 7.
(7) جامع المقاصد 2: 78.
135

من حيواناته المحرمة بالإجماع والكتاب والسنة، لاشتمالها إما على ضرر،
أو خباثة، أو نحوهما من موجبات الحرمة، فلا يمكن أن يبقى على عمومه
الظاهر من اللفظة على تقدير تسليمه، لخروج أكثر أفراده الموجب على
الأصح لخروجه عن حجيته، فليحمل على المعهود المتعارف من صيده،
وليس إلا السمك بخصوصه.
والثاني: بانصرافه بحكم التبادر وغيره إلى حيوان البر دون غيره.
وأما أصالة البراءة والإباحة فيكفي في تخصيصهما ما قدمناه من
الإجماعات المنقولة المعتضدة بفتاوى الأصحاب كافة، التي كادت أن تكون
بالإجماع ملحقة، بل لعلها إجماع في الحقيقة المخالفة لطريقة العامة، كما
ذكره جماعة، وعليها حملوا ما روي في الفقيه من المرسلة: كل ما كان في
البحر مما يؤكل في البر مثله فجائز أكله، وكل ما كان في البحر مما لا يجوز
أكله في البر لم يجز أكله (1).
فتأمل بعض متأخري متأخري الطائفة في المسألة (2) غير جيد.
ويحل ما (له فلس) من السمك بلا خلاف بين المسلمين، على الظاهر
المصرح به في كلام جماعة، والنصوص به بعد الكتاب مستفيضة، بل متواترة
سيأتي إلى جملة منها الإشارة.
(و) لا فرق فيه بين ما (لو زال عنه) فلسه (كالكنعت) ويقال له:
الكنعد بالدال المهملة، أو لم يزل كالشبوط.
وبالأول: ورد النص الصحيح وغيره: ما تقول في الكنعت؟ قال: لا بأس
بأكله، قلت: فإنه ليس له قشر، قال: بلى، ولكنها حوت سيئة الخلق تحتك
بكل شئ، فإن نظرت في أصل ذنبها (أذنها) وجدت لها قشرا (3).

(1) الفقيه 3: 339، الحديث 4201.
(2) مجمع الفائدة 11: 190.
(3) الوسائل 16: 336، الباب 10 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 2.
136

(ويؤكل الربيثا) بكسر الراء والباء (والإربيان) بكسر الهمزة والباء
(والطمر) بكسر الطاء المهملة ثم الميم (والطبراني) بفتح الطاء المهملة
والباء المفردة (والإبلامي) بكسر الهمزة وسكون الباء المنقطة من تحت
نقطة واحدة، بلا خلاف في شئ منها أجده، لكون كل من هذه الخمسة
ذات فلس.
وإنما ذكرها مع معلومية حكمها مما مضى من الحكم بحل ما له فلس
مطلقا، لورود النص في كل منها بالخصوص، كالصحيحين (1) وغيرهما (2)
الملحق بهما بابن أبي عمير، الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه أصحابنا
في الأول، معللا في الأخير بأن له فلس والصحيح في الثاني (3) والخبر في
الباقي. وفيه بعد سؤال الراوي عن حلها، قال: وأصحابي ينهوني عن أكله،
فكتب: كله لا بأس (4) به.
ويستفاد منه وجود القائل بالمنع عنها قديما، بل وكونه مشهورا.
ويمكن أن يكون التنبيه على رده منشأ لتخصيصها في المتن بالذكر
أيضا (ولا يؤكل السلحفاة) بضم السين المهملة وفتح اللام فالحاء المهملة
الساكنة فالفاء المفتوحة والهاء بعد الألف (ولا الضفادع) جمع ضفدع
بكسر الضاد والدال مثال خنصر (ولا السرطان) بفتح أوله وثانيه، ويسمى
عقرب الماء، وغيرها من حيوان البحر، لما مر من حرمته على الإطلاق
وإن كان جنسه حلالا في البر سوى السمك المخصوص ذي الفلس.
وإنما خص الثلاثة بالذكر لورود النهي عنها بالخصوص في الصحيح (5).

(1) الوسائل 16: 338، الباب 12 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3، 8، 1، 5.
(2) الوسائل 16: 338، الباب 12 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3، 8، 1، 5.
(3) المصدر السابق: الباب 8، الحديث 9.
(4) الوسائل 16: 331، الباب 8 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 9.
(5) الوسائل 16: 342، الباب 16 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
137

(وفي) حرمة (الجري) بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشددة
المكسورة، ويقال: الجريث بالضبط الأول مختوما بالثاء المثلثة نوع من
السمك طويل أملس ليس له فلوس (روايتان).
(أشهرهما) بين المتقدمين والمتأخرين (التحريم) بل عليه في ظاهر
التنقيح (1) وصريح الانتصار (2) والخلاف (3) والسرائر (4) إجماع الإمامية،
وجعلوا متعلقه في الكتب الأخيرة مطلق السمك، الذي لا فلس له - وهي مع
ذلك صحاح مستفيضة:
منها: أقرأني أبو جعفر (عليه السلام) شيئا في كتاب علي (عليه السلام) فإذا فيه: أنهاكم عن
الجريث والمارماهي والطافي والطحال، قال: قلت: يرحمك الله تعالى إنا
نؤتى بالسمك ليس له قشر، فقال: كل ما له قشر من السمك، وما ليس له قشر
فلا تأكله (5).
ومنها: في كتاب علي (عليه السلام): أنه نهى عن الجريث (6).
ومنها: لا تأكلوا الجري ولا الطحال، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرهه، وقال: إن
في كتاب علي (عليه السلام) ينهى عن الجري وعن جماع من السمك، الخبر (7)
ويستفاد منه إطلاق الكراهة على التحريم، فلا يبعد حملها عليه في
المعتبرين:
أحدهما الصحيح: لا يكره شئ من الحيتان إلا الجري (8). ونحو هذه
الصحاح معتبرة أخر مستفيضة.

(1) التنقيح 4: 31.
(2) الانتصار: 400.
(3) الخلاف 6: 31، المسألة 31.
(4) السرائر 3: 99.
(5) الوسائل 16: 331، الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 13.
(6) الوسائل 16: 331، الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 13.
(7) المصدر السابق: الباب 9، الحديث 16، 17.
(8) المصدر السابق: الباب 9، الحديث 16، 17.
138

منها: لا تأكلوا الجريث ولا المارماهي ولا طافيا ولا طحالا، أنه بيت
الدم، ومضغة الشيطان (1).
ومنها: لا تشتروا الجريث ولا المارماهي ولا الطافي على الماء،
ولا تبيعوه (2).
ومنها: الجري والمارماهي والطافي حرام في كتاب علي (عليه السلام) (3).
ومنها: عن الجريث، فقال: والله ما رأيته قط، ولكن وجدته في كتاب
علي (عليه السلام) حراما (4).
والرواية الثانية الصحيحان:
في أحدهما: عن الجريث، فقال: ما الجريث؟ فنعته له، فقال: «قل
لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه» إلى آخر الآية، ثم قال:
لم يحرم الله تعالى شيئا من الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه (5).
وفي الثاني: عن الجري والمارماهي والزمير وما ليس له قشر من السمك
أحرام هو؟ فقال: اقرأ هذه الآية التي في الأنعام: «قل لا أجد» الآية، قال:
فقرأتها حتى فرغت منها، فقال: إنما الحرام ما حرم الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)،
ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء فنحن نعافها (6).
وهذان الخبران وإن صح سندهما، إلا أنهما مع مخالفتهما لما عليه
أصحابنا من تحريم أشياء ليست في القرآن أصلا، موافقان لمذهب العامة
العمياء، ومع ذلك قاصران عن المقاومة لما مضى من وجوه شتى، لاعتضاده
بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون إجماعا بل إجماع في الحقيقة، ملحق

(1) المصدر السابق: الباب 9، الحديث 2، 14.
(2) المصدر السابق: الباب 9، الحديث 2، 14.
(3) الوسائل 16: 334، الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 15، 12، 19، 20.
(4) الوسائل 16: 334، الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 15، 12، 19، 20.
(5) الوسائل 16: 334، الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 15، 12، 19، 20.
(6) الوسائل 16: 334، الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 20.
139

بالضرورة من مذهب الإمامية، وبالإجماعات المحكية المستفيضة،
والاستفاضة القريبة من البلوغ حد التواتر، وبعمومات المعتبرة المستفيضة
الناهية عن كل سمك لا فلس له، بناء على أن الجري منه، كما مر إليه
الإشارة، واعترف به الجماعة.
ففي الصحيح وغيره: كان علي (عليه السلام) بالكوفة يركب بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ثم يمر بسوق الحيتان، فقال: لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم يكن له من السمك
قشر (1).
وفيه: الحيتان ما يؤكل منها؟ فقال: ما كان له قشر (2).
وفي المرسل كالصحيح: أن عليا (عليه السلام) كان يكره الجريث ويقول:
لا تأكلوا من السمك إلا شيئا عليه فلوس، وكره المارماهي (3).
والكراهة فيه للتحريم، لدلالة النهي الظاهر فيه في الذيل عليه، بناء على
دخول الجري في متعلقه; مضافا إلى ما ورد في بعض الأخبار: من أنه (عليه السلام)
ما كان يكره إلا الحرام (4).
ومنها الخبر الوارد في الزهو، المتضمن بعد إعراضه (عليه السلام) عن أكله لقوله:
اركبوا لا حاجة لنا فيه، ما هو كالتعليل له، وهو قوله: والزهو سمك ليس له
قشر (5).
هذا، مع أن القائل بهما شاذ نادر، إذ ليس إلا القاضي (6).
وأما الشيخ فإنه وإن حكي عنه المصير إليهما في موضع من النهاية (7)
إلا أنه رجع في موضعين منها (8) وباقي كتبه (9) حتى أنه حكم بكفر

(1) الوسائل 16: 330، الباب 8 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 6، 2، 3.
(2) الوسائل 16: 330، الباب 8 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 6، 2، 3.
(3) الوسائل 16: 330، الباب 8 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 6، 2، 3.
(4) لم نعثر عليه.
(5) المصدر السابق: الباب 11، الحديث 1.
(6) المهذب 2: 438 - 439.
(7) النهاية 3: 78 - 99 و 319.
(8) النهاية 3: 78 - 99 و 319.
(9) الخلاف 6: 29، المسألة 31.
140

مستحله. فما هذا شأنه كيف يمكن المصير إليه؟!
أما حمل الأخبار المانعة على الكراهة - كما احتمله من متأخري
المتأخرين جماعة - فالمناقشة فيه واضحة من وجوه عديدة، سيما مع
إمكان الجمع بينهما وبين المبيحة، بحملها على التقية، لوضوح المأخذ في
هذا الحمل من الاعتبار والسنة المستفيضة، بخلاف الحمل على الكراهة، إذ
لا شاهد عليه من كتاب ولا سنة، ولا يرتكب إلا حيثما يكون النهي
المحمول عليها مرجوحا بالإضافة إلى ما قابله وعارضه، بحيث يتعين
طرحه، ولا بأس بارتكاب ذلك في هذه الصورة من دون شاهد ولا قرينة،
لكون العمل فيها بالراجح حقيقة، وارتكاب الحمل في مقابله طرحا له جدا.
وأما ارتكابه في صورتي تكافؤ المتعارضين أو رجحان ما تضمن النهي
من دون شاهد أو قرينة - كما في مفروض المسألة - فهو مما لا وجه له.
ووجود لفظ الكراهة في بعض الأخبار المتقدمة لم يمكن جعله على الحمل
المزبور قرينة، بعد وضوح عدم ثبوت المعنى المصطلح عليه له الآن في
الأزمنة القديمة، مع كونه أعم منه ومن الحرمة لغة.
فإرادة الأول منه دون هذه من دون قرينة فاسدة، مع أن القرينة على
إرادة الحرمة قائمة، منها - زيادة على ما مر إليه الإشارة - النهي والتصريح
بالحرمة في بعض الأخبار المتقدمة، فإنهما ظاهران في التحريم غايته، سيما
مع كون متعلق النهي في أكثرها الطافي ونحوه أيضا، وقد أجمع على كونه
بالإضافة إليهما للحرمة، فليكن بالإضافة إليه لها أيضا، وإلا يلزم استعماله
في معنييه الحقيقي والمجازي الغير الجائز قطعا. فتأمل جدا.
ومقتضى القاعدة إرجاع المشكوك وهو هنا لفظ الكراهة إلى النهي
الظاهر في الحرمة، كما أن مقتضاها إرجاع الظاهر إلى النص.
141

هذا، مع أن ركوب علي (عليه السلام) وسيره في الأسواق للنهي عن الجري
ونحوه يناسب الحرمة لا الكراهة، كما لا يخفى على من له أدنى فطنة.
وبالجملة لا شبهة في المسألة. ولو قلت: إنه من بديهيات مذهب
الإمامية لما كذبت.
(و) نحو الكلام في الجري منعا وجوازا الكلام (في الزمار) بكسر
الزاء المعجمة والميم المشددة والراء المهملة أخيرا، ويقال: الزمير، كما وقع
في الرواية (والمارماهي) بفتح الراء فارسي معرب وأصلها حية السمك
(والزهو) بالزاء المعجمة فالهاء الساكنة.
و (الروايتان) المتقدمتان ثمة جاريتان في المسألة، ولم يفصل فيهما
ولا في كلام الجماعة بين المسألتين.
وظاهر الماتن التفصيل بينهما، حيث نسب الحرمة في الأولى إلى الشهرة
من دون فتوى فيها بالكراهة، مترددا في التحريم أو مختاره، واختار عدمه
في المسألة، فقال: (والوجه الكراهة).
ولا وجه له بالمرة، لاتحاد الأدلة فتوى ورواية على المنع أو الكراهة.
ويمكن إرجاع هذه العبارة إلى المسألتين وإن بعد غايته، دفعا لمحذور
التفصيل من عدم وضوح دليل عليه، ولا حجة.
وقصارى ما يتخيل في توجيهه استفاضة الصحاح كغيرها في الجري
وغيره دون الزمار ونحوه، فإنه لم يستفض فيها الصحاح، وإنما الموجود منها
فيها بعضها، وهو غير صالح للتوجيه، سيما مع استفاضة غير الصحاح فيها
خصوصا وعموما، وعدم قائل بالتفصيل أصلا، كما مضى.
(ولو وجد في جوف سمكة سمكة اخرى حلت إن كانت مما يؤكل)
142

مطلقا، وفاقا لوالد الصدوق (1) والمفيد (2) والنهاية (3) والفاضل في القواعد (4)
ومال إليه الماتن في الشرائع (5) واستحسنه في المسالك (6) للمعتبرين:
أحدهما المرسل كالقوي أو الموثق أو الصحيح - على الاختلاف في
أبان المرسل المجمع على تصحيح رواياته -: رجل اصطاد سمكة فوجد في
جوفها سمكة اخرى، فقال: يؤكلان جميعا (7).
وثانيهما القوي بالسكوني والنوفلي: عن سمكة شق بطنها فوجد فيها
سمكة، فقال: كلهما جميعا (8).
خلافا للحلي (9) والفاضل في التحرير (10) وولده فخر الدين (11)
والمقداد في التنقيح (12) فاشترطوا في حله أخذه حيا، عملا بما مر من الأدلة
على أن صيد السمك أخذه، وتضعيفا للخبرين، مع احتمالهما التقييد بذلك.
والمسألة محل تردد، وإن كان القول الأول لا يخلو عن قرب، لاعتبار
سند الخبرين، مع عمل جماعة بهما، واحتمال تطبيقهما مع القاعدة بما ذكره
جماعة من تحقق الأخذ في الجملة.
وحصوله في حال الحياة وإن كان مشكوكا فيه، إلا أن أصالة بقائها إلى
حين إخراجها، بناء على عدم الشك في حلولها في السمك وقتا ما كاف في
الحكم بحصوله حال حياتها كذا ذكره جماعة.
ولا يخلو عن مناقشة، لأن مرجع وجه التطبيق إلى استصحاب حال

(1) المختلف 8: 285.
(2) المقنعة: 576.
(3) النهاية 3: 79.
(4) القواعد 2: 156 س 2.
(5) الشرائع 3: 217.
(6) المسالك 12: 17.
(7) الوسائل 16: 304، الباب 36 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(8) الوسائل 16: 304، الباب 36 من أبواب الذبائح، الحديث 1.
(9) السرائر 3: 100.
(10) التحرير 2: 160 س 33.
(11) الإيضاح 4: 144.
(12) التنقيح 4: 33.
143

الحياة، وهو معارض باستصحاب الحرمة. فتأمل.
(ولو قذفت الحية سمكة تضطرب فهي حلال إن لم تنسلخ فلوسها)
وكان لها فلس مطلقا، أخذت أم لا، وفاقا للنهاية (1) لرواية قاصرة السند
بالجهالة من وجوه عديدة، مخالفة لقاعدة صيد السمك المتقدم إليه الإشارة،
فلتكن مطرحة، أو مؤولة بما يؤول إليها، بحملها على صورة أخذها حية.
والعجب من الفاضل في المختلف حيث اعتبر في صيد السمك أخذها،
ومع ذلك قال بعد نقل الرواية: نحن نقول بموجبها (2).
(ولا يؤكل الطافي، وهو) السمك (الذي يموت في الماء) بإجماعنا
المحكي في كلام جماعة، والصحاح به مع ذلك مستفيضة، وقد تقدم إلى
جملة منها الإشارة، مضافا إلى المعتبرة الأخر، وعمومات الكتاب والسنة
بتحريم الميتة، وقد مر عموم الحكم بالتحريم لما مات في الشبكة والحظيرة
ونحوهما من الآلات المعدة لصيد السمكة، واختاره الماتن ثمة، وأشار إليه
هنا أيضا.
فقال: (وإن كان في شبكة أو حظيرة) وقد مر ثمة أنه (لو اختلط
الحي فيها بالميت حل) مع الاشتباه خاصة عند الشيخ في النهاية (3)
والقاضي (4) ومع التميز أيضا عند العماني (5) وقد ظهر ضعفهما (و) أن
(الاجتناب) مطلقا أولى، ومع ذلك (أحوط) جدا.
(ولا يؤكل جلال السمك) وهو المغتذي بالعذرة محضا حتى نمى بها
كغيره (حتى) يستبرأ، بأن (يطعم علفا طاهرا) بالفعل أو بالأصالة في

(1) النهاية 3: 79.
(2) المختلف 8: 287.
(3) النهاية 3: 83 - 84.
(4) المهذب 2: 438.
(5) المختلف 8: 264.
144

الماء الطاهر (يوما وليلة) على الأظهر الأشهر في كل من الحكم
بالحرمة وتقدير المدة.
خلافا لمن يأتي ذكره في الأول، وللمقنع في الثاني، فجعله يوما إلى
الليل (1) لرواية ضعيفة السند، معارضة بمثلها، المقدر لها بالأول: عن السمك
الجلال، فقال: ينتظر به يوما وليلة (2). والترجيح في جانبه للشهرة،
واستصحاب الحرمة السابقة، الذي لا مخرج عنه إلا بالاستبراء في المدة
المتيقنة، وليس إلا ما في العبارة.
ومنه يظهر الوجه في اعتبار طهارة العلف، كما في ظاهر العبارة وما
ضاهاها من عبائر الجماعة، وصريح الآخرين.
واستشكله في القواعد (3). ولعله لذلك، ولأن النص خال عن اعتباره، بل
عن اعتبار مطلق العلف، حيث عبر فيه عن الاستبراء ب‍ «يربط» وينتظر،
الأعم منه ومن عدمه.
ولهذا احتمل المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد الاكتفاء في
الاستبراء بإمساكه عن الجلل وغيره (4).
وفيه نظر، لورود الأمر بالربط والانتظار مورد الأغلب وهو العلف بشئ
غير ما حصل به الجلل، فكأن الأمر بهما توجه إليه.
وكيف كان فالاستشكال في محله. وإن كان عدم اعتبار طهارة العلف
بالفعل أوجه، لإطلاق الأمر به في النص، وإن ضعفه في المسالك، قائلا: إن
إطلاق الطاهر يقتضي الطهارة بالفعل (5). وهو حسن لو وجد لفظة «الظاهر»

(1) المقنع: 421، المختلف 8: 278.
(2) الوسائل 16: 357، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 5.
(3) القواعد 2: 156 س 6.
(4) مجمع الفائدة 11: 255.
(5) لم نجد التصريح بذلك في المسالك، راجعها 12: 30.
145

في الرواية، وليست فيها بموجودة.
ولزوم تقدير العلف بالغلبة - كما تقدم إليه الإشارة - لا يقتضي تقديره
طاهرا، لكونه أعم منه ومن النجس، حتى الذي كان به جلالا، وإنما خرج
هذا عن عمومه للإجماع على خروجه، مع عدم فائدة للأمر بالاستبراء من
دونه بل يتزايد ويتأكد به حكم جلله.
نعم يمكن أن يقال: المتبادر منه الطاهر بالفعل، بل لعله الأغلب،
فهو أولى وأحوط.
(وبيض السمك المحرم) حرام (مثله) كما أن بيض المحلل منه حلال،
بلا خلاف فيه في الجملة، إلا من الحلي فحكم بالحل مطلقا، قائلا: إنه لا
دليل على المنع عنه، بعد الإجماع على كون كل ما يؤخذ من جوف السمك
طاهرا لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع (1) و وافقه في المختلف، مستدلا
بعموم وأحل لكم صيد البحر وطعامه (2) وعدم ما ينافيه في الأحاديث
المعمول عليها.
وفي الأمرين نظر.
فالأول: بعدم عموم فيه ينفع محل البحث، لانصراف الصيد فيه والطعام
إلى نفس السمك لا ما في جوفه، مع عدم معلومية إطلاق الصيد عليه
بخصوصه حقيقة، بل ولا مجازا. فتأمل جدا.
والثاني: بوجود المنافي من الأحاديث المعمول عليها بين الطائفة وإن
كانت بحسب السند قاصرة، وهو خبران مرويان في الكافي في كتاب
الأطعمة في باب بيض الدجاج.

(1) السرائر 3: 113 نقلا بالمعنى.
(2) المختلف 8: 322.
146

في أحدهما: البيض إذا كان مما يؤكل لحمه فلا بأس به وبأكله
فهو حلال (1).
وفي الثاني: كل شئ لحمه حلال فجميع ما كان منه من لبن أو بيض
أو أنفحة فكل ذلك حلال طيب، الخبر (2).
ومفهومهما عدم حل بيض مالا يؤكل لحمه.
والمناقشة فيهما بقصور سندهما وضعف دلالتهما - فالأول: بأعمية
البأس المفهوم فيه من الحرمة، والثاني: بكون المفهوم فيه مفهوم صفة، فلا
يكونان بذلك حجة - مدفوعة مجملا بانجبارها بحذافيرها بالشهرة العظيمة،
التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها إجماع في الحقيقة، سيما بين متأخري
الطائفة، مع أن البأس في الأول وإن كان أعم من الحرمة إلا أنها مرادة
بقرينة ظاهر سياق السؤال والجواب في الرواية، سيما بعد ضم قوله: فهو
حلال، فإنه جزاء الشرط أيضا، فيكون المفهوم مع عدم الشرط فيه بأس،
وليس بحلال، فهو نص في المطلوب جدا.
وكون المفهوم في الثاني مفهوم صفة لعله محل مناقشة، بل الظاهر كونه
مفهوم قيد، وهو عند الكل حجة. ويعضد ما ذكره الأصحاب من تبعية البيض
واللبن للحيوان أنهما كالجزء منه في الحل والحرمة، وتتبع النصوص في
الموارد الجزئية الحاكمة بالتبعية، مثل ما ورد في تحريم بيض الغراب
والطاووس وحل بيض الدجاجة وحرمة لبن الحيوانات الجلالة وحل لبن
الأتن (3) ونحوه مما لم يكن بهذه الصفة، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة،
مضافا إلى بعض المؤيدات الأخر الآتي في بحث حرمة أكل بيض ما

(1) الكافي 6: 325، الحديث 6، 7.
(2) الكافي 6: 325، الحديث 6، 7.
(3) الوسائل 17: 89، الباب 60 من أبواب الأطعمة المباحة.
147

لا يؤكل لحمه. فلا شبهة في المسألة بحمد الله سبحانه.
(ولو اشتبه) المحلل منه بالمحرم (أكل منه الخشن لا الأملس) بلا
خلاف يظهر، إلا في تخصيص التفصيل بالاشتباه، فقد أطلق كثير حل الأول
وحرمة الثاني من دون تخصيص به. وغير بعيد تنزيله عليه، وإلا فيرد عليهم
إطلاق ما دل على تبعيته للحيوان مطلقا نصا وفتوى، حتى منهم جدا، مع
عدم وضوح مأخذهم في تقييده بما ذكروه هنا أصلا.
هذا، ومستند أصل التفصيل غير واضح، عدا الاتفاق بحسب الظاهر.
قيل: ولعله تدل عليه التجربة والرواية (1). ولم أقف عليها، والتجربة للقاصر
غير حاصلة.
فإذا العمدة هو الاتفاق الظاهر. ولولاه لكان الاحتياط عنه لازما ولو من
باب المقدمة، وإن كان الحل محتملا.
* * *

(1) مجمع الفائدة 11: 247.
148

(القسم الثاني في البهائم)
(و) اعلم أنه يجوز أن (يؤكل من الإنسية) الحضرية منها (النعم)
من الإبل والبقر والغنم بلا خلاف فيه بين المسلمين كافة، كما في
المسالك (1) وغيره، بل لعله من ضروريات الدين، كما صرح به جماعة، وقد
نطق به الكتاب والسنة المتواترة.
(ويكره الخيل والحمير) والبغل، ولا يحرم بلا خلاف يظهر في
الأولين، بل جعل الحكم في الأخيرين في الانتصار (2) والغنية (3) من
منفردات الإمامية، وعلى الأظهر في الثالث، وهو الأشهر، بل عليه عامة من
تأخر وفي الخلاف الإجماع عليه، وعلى الأولين (4) أيضا، مضافا إلى
الإجماعين المتقدمين. وهو الحجة; مضافا إلى أصالتي البراءة والإباحة،
المستفادتين من الأدلة القطعية العقلية والنقلية كتابا وإجماعا وسنة
مستفيضة، بل متواترة، وظواهر المستفيضة، وفيها الصحاح وغيرها، بل
صريح بعضها.

(1) المسالك 12: 22.
(2) الانتصار: 410 - 412.
(3) الغنية: 401.
(4) الخلاف 6: 80، المسألة 10.
149

كالصحيح: عن سباع الطير والوحش والقنافذ والوطواط والحمير
والبغال والخيل، فقال: ليس الحرام إلا ما حرم الله تعالى في كتابه، وقد نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أكل لحوم الحمير، وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن
يفنوه، وليست الحمير بحرام، ثم قال: اقرأ هذه الآية: «قل لا أجد فيما أوحي
إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم
خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به» (1) فتأمل.
والخبر: عن لحوم الخيل والبغال، فقال: حلال، ولكن الناس يعافونها (2).
وقريب منهما آخر: أن المسلمين كانوا جهدوا في خيبر وأسرع
المسلمون في دوابهم، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بإكفاء القدور، ولم يقل أنها
حرام، وكان ذلك أبقى للدواب (3).
خلافا للحلبي فحرمه (4) للصحيحين:
في أحدهما: عن أكل الخيل والبغال، فقال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها، فلا
تأكلها، إلا أن تضطر إليها (5).
وفي الثاني: عن لحوم البراذين والخيل والبغال، قال: لا تأكلها (6).
وهما مع تضمنهما النهي عما عدا البغل أيضا - ولا يقول به هو ولا أحد
منا أصلا - قاصران عن المكافأة لما مضى من وجوه شتى، فليطرحا، أو يؤولا
بالحمل على الكراهة، لكون التحريم مذهب فقهاء العامة كافة، كما صرح به
جماعة، وربما أشعر به بعض الروايات السابقة.
واعلم أن في صريح المسالك (7) وظاهر غيره الاتفاق على تفاوت

(1) الوسائل 16: 327، الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 6، 3، 1، 5.
(2) الوسائل 16: 327، الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 6، 3، 1، 5.
(3) المصدر السابق: الباب 4، الحديث 2.
(4) الكافي في الفقه: 277.
(5) الوسائل 16: 327، الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 6، 3، 1، 5.
(6) الوسائل 16: 327، الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 6، 3، 1، 5.
(7) المسالك 12: 24.
150

الثلاثة في مراتب الكراهة (و) أن المشهور أن (كراهية البغل أشد)
لتركبه من الفرس والحمار، وهما مكروهان.
وعن القاضي (1) وظاهر الحلي (2) أن كراهية الحمار أشد، لأن المتولد
من قوي الكراهة وضعيفها أخف كراهة من المتولد من قويها خاصة.
وفي التعليلين ما ترى، والأول أقوى، للشهرة المرجحة، مع وجود القول
في البغل بالحرمة، الموجب لتأكد الاحتياط فيه للشبهة، فناسبه تأكد
الكراهة.
(ويحرم الجلال منها على الأصح) الأشهر بين الطائفة، للنهي عنه في
النصوص المستفيضة العامية والخاصية.
ففي الصحيح: لا تأكلوا لحوم الجلالة، وإن أصابك شئ من عرقها
فاغسله (3).
وفيه: لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة، وإن أصابك شئ من عرقها
فاغسله (4).
وفي القريب من الموثق: في الإبل الجلالة، قال: لا يؤكل لحمها،
ولا يركب أربعين ليلة (5).
خلافا للإسكافي، فقال: بالكراهة (6). وربما نسب إلى المبسوط (7) بل
قيل: إن ظاهره الإجماع عليه، حيث قال: إنه مذهبنا (8).
أقول: ونحوه الخلاف (9) لكن في هذه النسبة مناقشة، فإن قوله بالكراهة

(1) لم نعثر عليه.
(2) السرائر 3: 98.
(3) الوسائل 16: 354، الباب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 16: 354، الباب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 2.
(5) المصدر السابق: الباب 38، الحديث 3.
(6) المختلف 8: 279 - 291.
(7) المبسوط 6: 282.
(8) المسالك 12: 27.
(9) الخلاف 6: 85، المسألة 16.
151

في الكتابين ودعواه الإجماع فيهما عليها إنما هو بناء منه على أن الجلالة
عنده ما يكون العذرة أكثر غذائها لا غذاءها محضا، كما سيأتي عنه حكايته
قريبا، وبه صرح في الخلاف، فقال: الجلال عبارة عن البهيمة التي تأكل
العذرة اليابسة أو الرطبة - إلى أن قال: - فإن كان هذا أكثر علفها كره لحمها
عندنا، ثم قال: وروى أصحابنا تحريم ذلك إذا كان غذاؤه كله من ذلك (1).
والكراهة على هذا لا يختص به بل هو مذهب أكثر علمائنا كما صرح به
في المختلف (2) والمسالك (3) وغيرهما، ومحل النزاع الذي نسب إليه القول
بالكراهة فيه إنما هو الجلالة التي يكون غذاؤها العذرة المحضة، لا مطلق
الجلالة، وهو لم يظهر منه القول فيها بالكراهة، بل ظاهره في الخلاف كما
عرفت القول فيها بالحرمة، مدعيا عليها في الظاهر إجماع الفرقة، بعد أن
نسبها إلى رواية الأصحاب كافة.
فانحصر القائل بالكراهة في محل المشاجرة في الإسكافي خاصة،
وهو شاذ، وحجته غير واضحة، عدا الأصل المخصص بما مر من الأدلة.
هذا، وربما حمل كلامه بعض الأجلة على ما يرجع إلى ما ذكره
الجماعة، وعليه فلا خلاف في المسألة، ولا إشكال بحمد الله سبحانه.
واختيار صاحب الكفاية (4) الكراهة ضعيف غايته، كمستنده الذي ذكره
أنه لا يستفاد من الأخبار أكثر من الرجحان مع ما علم من العمومات الدالة
على الإباحة، لابتناء ما ذكره من عدم استفادة الحرمة من النواهي المتقدمة
على ما اختاره من عدم إفادة نواهي الأئمة (عليهم السلام) إياها إلا بالقرينة، وهي في
المقام مفقودة. وهو فاسد بالضرورة، كما برهن في محله.

(1) الخلاف 6: 85، المسألة 16.
(2) المختلف 8: 279 - 291.
(3) المسالك 12: 26.
(4) كفاية الأحكام: 249 س 34.
152

هذا، مع أن الشهرة على إرادة الحرمة متحققة، وهو يجعلها فيها وفي
أوامرهم (عليهم السلام) للحرمة أو الوجوب قرينة، وبه صرح في مواضع عديدة.
وحيث ظهر دلالة النواهي المزبورة على الحرمة إما حقيقة كما نختاره
أو مع القرينة كما لزمه ظهر الجواب عن العمومات الدالة على الإباحة، لأنها
بتلك النواهي مخصصة.
(وهو) أي الجلال في المشهور بين الأصحاب (ما يأكل عذرة
الإنسان محضا) للمرسل المنجبر بالعمل: في الشاة لا بأس بها إذا اعتلفت
العذرة ما لم تكن جلالة، والجلالة التي يكون ذلك غذاؤها (1).
وفي آخر: في الجلالات لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن (2).
خلافا للمحكي عن المبسوط (3) فلم يعتبر التمحض، كما مر. وهو شاذ
وإن كان لا بأس به، بناء على ما ذكره من الكراهة.
وللحلبي فألحق بالعذرة غيرها من النجاسات (4). وهو كالأول شاذ
مندفع بما مر من الخبر، ووجوب الاقتصار في الحكم بالتحريم على المجمع
عليه، وهو ما تمحض عذرة الإنسان.
ثم إن النصوص والفتاوى المعتبرة خالية عن تعيين المدة التي تحصل
فيها الجلل، وغايته ما يستفاد من المرسلة الأولى: اعتبار كون العذرة غذاءها،
ومن الثانية: أن الخلط لا توجب الجلل، وكل منهما بالإضافة إليها مجملة.
وقدرها بعضهم: بأن ينمو ذلك في بدنه ويصير جزءا.
وبعضهم: بيوم وليلة.

(1) الوسائل 16: 352، الباب 24 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2.
(2) المصدر السابق، الباب 27، الحديث 3.
(3) المبسوط 6: 282.
(4) الكافي في الفقه: 278.
153

وآخرون: بأن يظهر النتن في لحمه وجلده، يعني رائحة النجاسة التي
اغتذت بها.
ورابع: بأن يسمى في العرف جلالا (1).
وهذا أقوى، لأنه المحكم فيما لم يرد به من الشرع تعيين أصلا.
(ويحل) الجلال (مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف) الطاهر، كما
مر إجماعا فتوى ونصا مستفيضا.
(و) اتفقا (في) أن (كميته) ومقداره في الإبل أربعون يوما، وأما
فيما عداه ففي كل منهما في بيان كميته (اختلاف).
(ومحصله) المعتمد عليه المشهور سيما بين المتأخرين أن (استبراء
الناقة بأربعين يوما، والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة) والبطة بخمسة أيام،
والدجاجة بثلاثة أيام، بل في ظاهر الخلاف الإجماع عليه، إلا أنه ذكر بدل
«الخمسة» في البطة «سبعة أيام» (2). وهو الحجة في الجملة.
مضافا إلى رواية السكوني القوية في نفسها المنجبرة بعمل الأكثر هنا
الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تغتذي ثلاثة أيام والبطة الجلالة
خمسة أيام والشاة الجلالة عشرة أيام والبقرة الجلالة عشرين يوما والناقة
أربعين يوما (3). ونحوها بعينها رواية مسمع (4) إلا أنه بدل «العشرين»
في البقرة ب‍ «الأربعين» في نسختي التهذيب (5) والاستبصار (6) و ب‍ «الثلاثين»
في نسخة الكافي المروي عنه (7) الرواية في الكتابين، والظاهر سهو
نسختهما، سيما مع تأيد نسخة الكافي بروايتين أخريين ضعيفتين.

(1) مفاتيح الشرائع 2: 189.
(2) الخلاف 6: 85، المسألة 16.
(3) الوسائل 16: 356، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 3.
(4) الوسائل 16: 356، الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 3.
(5) التهذيب 9: 45، الحديث 189.
(6) الاستبصار 4: 77، الحديث 2.
(7) الكافي 6: 253، الحديث 12.
154

في إحداهما: الإبل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس البعير أربعين يوما،
والبقرة ثلاثين يوما، والشاة عشرة أيام (1).
وفي الثانية: الدجاج يحبس ثلاثة أيام، والبطة سبعة أيام، والشاة أربعة
عشر يوما، والبقرة ثلاثين يوما، والإبل أربعين يوما ثم تذبح (2).
وهذه الروايات وإن تعددت بالثلاثين في البقرة إلا أنها لا تقاوم الرواية
المشهورة، المنجبر ضعفها على تقديره بالشهرة، وحكاية الإجماع المتقدمة،
وإن تأيدت هذه الروايات بأصالة بقاء الحرمة إلا أنها مخصصة بتلك
الروايات.
هذا، مع أن أكثر هذه الروايات شاذة، بمعنى أنها لا يمكن أن يكون
مستندا للقائل بالثلاثين في البقرة، كالصدوق (3) والإسكافي (4) لمصير الأول
في الشاة إلى عشرين، والثاني فيها إلى أربعة عشر، وهي متفقة في رد الأول،
لاتفاقها عدا الأخيرة في كمية الاستبراء فيها على أنها عشرة، ودلالة
الأخيرة على أربعة عشر يوما، وما عداها متفقة على رد الثاني معاضدة
للرواية المشهورة.
هذا، مع أن رواية مسمع مروية في التهذيب في البقرة عشرين (5)
كالرواية المشهورة، كما حكاه خالي العلامة المجلسي (رحمه الله) في بعض حواشيه
المنسوبة إليه على الرواية.
ومما ذكرنا ظهر أكثر الأقوال المختلفة في البقرة، وفيها قول بأربعين
عن المبسوط (6) والقاضي (7). وحجتهما عليه غير واضحة، عدا نسختي

(1) الكافي 6: 253، الحديث 6.
(2) الكافي 6: 252، الحديث 9.
(3) المقنع: 431.
(4) المختلف 8: 279.
(5) التهذيب 9: 45، الحديث 189.
(6) المبسوط 6: 282.
(7) لم نعثر عليه والموجود في المهذب (2: 427): «والبقر بعشرين يوما».
155

الكتابين في رواية مسمع المتقدمة، وهي مع ما هي عليه من وجوه الضعف
المتقدم لا يمكن أن يكون لها حجة، لمصيرهما في الشاة إلى أن مدة
استبرائها سبعة، والحال أن الرواية دلت على أنها عشرة كما في نسخة
الكافي المعتبرة، أو خمسة كما في نسختي الكتابين.
وبنحو هذا يجاب عن الرواية الأخيرة لو جعلت حجة لما اختاره الأول
في البطة، من أن مدة استبرائها سبعة، لتضمنها الأربعة عشر في الشاة
والثلاثين في البقرة، ولا يقول بشئ منهما في شئ من كتبه.
ومما ذكرنا ظهر أن ما عدا الرواية الأولى شاذة ولو في الجملة، ضعيفة
الأسانيد، لا جابر لها بالكلية، بخلاف الرواية الأولى، لاعتبارها في نفسها،
ووجود القول بجميع ما فيها وكونه مشهورا بين أصحابنا، شهرة متحققة،
ومحكية في كلام جماعة، مع اعتضاد الحكم في الجميع ما عدا البطة
بإجماع الخلاف (1) وفيما عدا الدجاجة بالإجماع في الغنية (2) فلا مسرح
عن العمل بها ولا مندوحة.
فما يظهر من شيخنا الشهيد الثاني (3) وجملة ممن تبعه من الإضراب
عنها وعن كل من الأقوال المتقدمة والمصير إلى القاعدة - وهي اعتبار أكثر
الأمرين من هذه المقدرات، وما به يزول الجلل ليخرج عن حق الأدلة - لا
وجه له، وإن كان أحوط بلا شبهة، مع أنه إحداث قول مستأنف، لم يوجد
به قائل من الطائفة.
ومما ذكروه من القاعدة يظهر وجه صحة ما ذكره هو وجماعة من
اعتبار ما يزول به الجلل عرفا وعادة (4) في استبراء الجلالة التي لم يرد

(1) الخلاف 6: 85، المسألة 16.
(2) الغنية: 398 - 399.
(3) المسالك 12: 29.
(4) المسالك 12: 28 - 34.
156

بتقدير مدة استبرائها نص ولا رواية، إلا أنه ينبغي تقييده بعدم إمكان
استنباط مدته من مدة الجلالات المنصوصة بنحو من فحوى الخطاب
والأولوية.
(ويحل من) البهيمة (الوحشية البقر، والكباش الجبلية، والحمر،
والغزلان، واليحامير) بلا خلاف بين المسلمين، كما في صريح المسالك (1)
وظاهر غيره من الجماعة. وهو الحجة; مضافا إلى أصالتي البراءة والإباحة،
وعمومات الكتاب والسنة، وخصوص ما وقفت عليه في الثالث والرابع من
بعض المعتبرة، كالموثق: عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه ثم
كان في طلبه - إلى أن قال: - فقال (عليه السلام): إن علم أنه أصابه وأن سهمه هو
الذي قتله فليأكل، وإلا فلا يأكل (2). وفي الخبر: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لحم
الحمر الأهلية (3). وليس بالوحشية بأس.
ويستفاد منه عدم الكراهة في الحمر. ولا يبعد، للأصل، واختصاص ما
دل على النهي عنها بحكم التبادر، وتقييدها في كثير مما تضمنه بالأهلية بها
دون الوحشية. لكن في التحرير (4) تبعا للمحكي في الدروس (5) عن
الحلي (6) كراهتها. ولم أقف على مستندهما.
نعم في الدروس في مكاتبة أبي الحسن (عليه السلام) في لحم حمر الوحش أن
تركه أفضل (7) ولعلها مراد صاحب الكفاية بقوله: وفي بعض الروايات في
لحم حمير الوحش تركه أفضل (8). ودلالتها على الكراهة غير واضحة.

(1) المسالك 12: 28 - 34.
(2) الوسائل 16: 230 - 231، الباب 18 من أبواب الذبائح، الحديث 3.
(3) سنن البيهقي 7: 201.
(4) التحرير 2: 159 س 32.
(5) الدروس 3: 5.
(6) السرائر 3: 101.
(7) الدروس 3: 6.
(8) كفاية الأحكام: 248 س 37.
157

(ويحرم) من البهائم (كل ما له ناب) أي ضرس (وضابطه ما
يفترس كالأسد والثعلب) ويعدو به على الحيوان، قويا كان كالأسد والنمر، أو
ضعيفا كالثعلب وابن آوى بلا خلاف، بل عليه إجماع الإمامية في
الخلاف (1) والغنية (2) وغيرهما من كتب الجماعة. وهو الحجة المخصصة
لأصالتي البراءة والإباحة وإطلاقات الكتاب والسنة; مضافا إلى النهي النبوي
المشهور: عن أكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير المروي في
المعتبرة:
ففي الصحيح: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: كل ذي ناب من السباع ومخلب
من الطير حرام، وقال: لا تأكل من السباع شيئا (3).
وفيه: كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام (4).
وفي الموثق: أنه (صلى الله عليه وآله) حرم كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ناب من
الوحش، والسبع كله حرام وإن كان سبع لا ناب له (5).
(و) كذا (يحرم الأرنب والضب واليربوع) والوبر والخز والفنك
والسمور والسنجاب والعظاة واللحكة (والحشار) كلها (كالفأرة والقنفذ)
والعقرب (والحية) والجرذان (والخنافس والصراصر وبنات وردان)
والبراغيث (والقمل) بلا خلاف في شئ من ذلك، بل عليه الإجماع في
الكتب المتقدمة. وهو الحجة; مضافا إلى أن بعضا منها ما هو منصوص على
تحريمه، ومنها ما يحرم لخبثه كالحشار لآية: «وحرم عليكم الخبائث» (6)

(1) الخلاف 6: 75، المسألة 3.
(2) الغنية: 399.
(3) الوسائل 16: 320، الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2، 1.
(4) الوسائل 16: 320، الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2، 1.
(5) الوسائل 16: 320، الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3.
(6) الأعراف: 157.
158

ومنها ما هو ذو سم فيحرم لما فيه من الضرر، وفي الموثق: أنه كره أكل ذي
حمة (1). ومنها ما هو من المسوخات المحرمة لكثير من المعتبرة:
منها الصحيح: عن أكل الضب، فقال: إن الضب والفأرة والقردة والخنازير
مسوخ (2). فتأمل.
والموثق: حرم الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) المسوخ جميعا (3). والخبران.
في أحدهما: أيحل أكل الفيل؟ فقال: لا، فقلت: لم؟ قال: لأنه مثله، وقد
حرم الله عز وجل الأمساخ ولحم ما مثل به في صورها (4).
وفي الثاني: عن لحم الكلب، فقال: هو مسخ، قلت: هو حرام، قال: هو
نجس، الخبر (5).
هذا، وأما الصحاح الدالة على حل ما لم يحرمه القرآن (6) على كراهة
في بعضها فهي شاذة، لا عمل عليها، مطرحة، أو محمولة على التقية. فتأمل.
أو ما ذكره شيخ الطائفة من حمل التحريم المنفي فيها على التحريم
المخصوص المغلظ الشديد الحظر (7). وهو ما اقتضاه ظاهر القرآن.
* * *

(1) الوسائل 16: 328، الباب 6 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الباب 2، الحديث 1، 3، 2.
(3) المصدر السابق: الباب 2، الحديث 1، 3، 2.
(4) المصدر السابق: الباب 2، الحديث 1، 3، 2.
(5) الوسائل 16: 313، الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4.
(6) المصدر السابق: 322 - 328، الباب 4 و 5.
(7) التهذيب 9: 42، ذيل الحديث 176.
159

(القسم الثالث في الطير)
(والحرام منه ما كان سبعا) ذا مخلب، أي ظفر يفترس ويعدو به على
الطير، قويا كان (كالبازي) والصقر والعقاب والشاهين والباشق، أو ضعيفا
كالنسر (والرخمة) والبغاث بلا خلاف، بل عليه الإجماع في الكتب
المتقدمة (1) والمبسوط (2) للنهي المتقدم في تلك المعتبرة.
(وفي الغراب روايتان) أصحهما الصحيح: عن غراب الأبقع والأسود
أيحل أكله؟ فقال: لا يحل شئ من الغربان زاغ ولا غيره (3).
(والوجه) عند الماتن هنا (الكراهية) مطلقا، تبعا للقاضي (4)
والنهاية (5) عملا بأصالتي البراءة والإباحة، وجمعا بين الصحيحة المزبورة
والرواية الثانية المعتبرة بأبان المشترك، الظاهر كونه الناووسي، الذي
اجتمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة وفضالة: أكل الغراب ليس
بحرام، إنما الحرام ما حرمه الله تعالى في كتابه (6) بحمل الأولى على نفي

(1) الخلاف 6: 84، المسألة 14.
(2) المبسوط 6: 281.
(3) الوسائل 16: 329، الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3.
(4) المهذب 2: 429.
(5) النهاية 3: 82.
(6) الوسائل 16: 328، الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
160

الحلية المطلقة من دون كراهة. واعتمد في هذا الجمع على الموثقة أنه كره
أكثر الغراب، لأنه فاسق (1) حيث أطلق عليه لفظ الكراهة.
والمناقشة في الجميع واضحة، للزوم الخروج عن الأصلين
بالصحيحة المعتضدة بالمعاضدات القوية، التي يأتي إلى ذكرها الإشارة.
وفساد الجمع من وجوه عديدة، لقصور الرواية عن المقاومة للصحيحة سندا
ومتنا، لتضمنه الحكم بحل كل ما لم يحرمه القرآن الفاسد إجماعا. فهي
شاذة جدا، لا معول عليها أصلا، سيما مع احتمالها الحمل على التقية،
كما ذكره بعض أصحابنا (2). والموثقة وإن تضمنت لفظ الكراهة، إلا أنه
أعم من المعنى المصطلح عليه الآن والحرمة، فهو من الألفاظ المجملة،
التي يرجع في معرفة معانيها إلى القرينة، والصحيحة المصرحة بالحرمة
أقوى قرينة، سيما مع اعتضادها بروايات أخر، هي ما بين صريحة فيها،
وظاهرة.
فالأول: ما تضمن السؤال عن الغراب الأبقع، قال: فقال: إنه لا يؤكل،
ومن أحل لك الأسود (3).
والثاني: ما تضمن أن النبي (صلى الله عليه وآله) أتي بغراب فسماه فاسقا، وقال: والله
ما هو من الطيبات (4).
ومنه ما دل على النهي عن أكل بيضه، لما مر، ولما سيأتي من تبعية
بيض الحيوان ولبنه للحمه في حرمته أو كراهته.
فإذن الأقوى القول بالتحريم مطلقا، كما في المختلف (5) والإيضاح (6)

(1) الوسائل 16: 328، الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2، 4.
(2) الوسائل 16: 328، الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2، 4.
(3) الوسائل 16: 328، الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2، 4.
(4) سنن ابن ماجة 2: 1082، الحديث 3248.
(5) المختلف 8: 288.
(6) الإيضاح 4: 147.
161

والروضة (1) وفاقا للمبسوط (2) والخلاف (3) مدعيا عليه في ظاهر الأول
وصريح الثاني إجماع الإمامية.
وهو حجة اخرى مستقلة معتضدة في الجملة بما يظهر من ظاهر
التحرير (4) وقريب منه الإرشاد (5) واللمعة (6) من عدم الخلاف في تحريم
ما عدا الزاغ، بل يظهر من الأولين كون ما عداه بأقسامه من السباع،
ونحوهما الحلي.
حيث قال: الغربان على أربعة أضرب، ثلاثة منها لا يجوز أكل لحمها،
وهي الغداف الذي يأكل الجيف ويفرس ويسكن الخرابات وهو الكبير من
الغربان، وكذلك الأغبر الكبير لأنه يفرس ويصيد الدراج فهو من جملة
سباع الطير، وكذلك لا يجوز أكل لحم الأبقع الذي يسمى العقعق طويل
الذنب، وأما الرابع وهو غراب الزرع الصغير من الغربان السود الذي يسمى
الزاغ فإن الأظهر من المذهب أنه يؤكل لحمه على كراهة، دون أن يكون
لحمه محظورا، وإلى هذا يذهب شيخنا في نهايته، وإن كان قد ذهب إلى
خلافه في مبسوطه ومسائل خلافه، فإنه قال بتحريم الجميع، وذهب في
استبصاره إلى تحليل الجميع. والصحيح ما اخترناه، لأن التحريم يحتاج إلى
دلالة شرعية، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا إجماع على حظره،
ولا أخبار متواترة، ولا كتاب الله تعالى (7). وقريب منه عبارة الفاضل في
الكتابين، مختارا في الزاغ ما اختاره من الكراهة (8). وبها في الغداف خاصة

(1) الروضة 7: 275.
(2) المبسوط 6: 281.
(3) الخلاف 6: 85، المسألة 15.
(4) التحرير 2: 160 س 12 - 14.
(5) الإرشاد 2: 110.
(6) اللمعة: 151.
(7) السرائر 3: 103.
(8) التحرير 2: 160 س 14، الإرشاد 2: 110.
162

أفتى في اللمعة، ونسبها في الزاغ إلى المشهور (1) مشعرا بالتردد فيه.
وهذا التفصيل بكلا قسميه لا يستقيم له حجة، بعد إطلاق ما مر من
الروايتين بالحل والحرمة، إلا على أصل الحلي الذي لا أصل له من طرحهما
جملة، بناء على أنهما من الأخبار الآحاد التي ليست عنده بحجة، فيبقى
الأصول الدالة على الإباحة بحالها باقية، لكن في الزاغ خاصة دون غيره، لما
مر من أنه بأقسامه الثلاثة من سباع الطير المحرمة، المستثناة منها
بالإجماع، والمعتبرة المتقدمة.
ومنه يظهر مزيد الحجة على مختار الماتن في الجميع واللمعة في
الغداف من الكراهة، لأنه من السباع المزبورة.
(و) إنما حكم الماتن بأنه (يتأكد) الكراهة (في الأبقع) لورود
النهي عنه بالخصوص في بعض الروايات المتقدمة.
(ويحرم من الطير) مطلقا بريا كان أو بحريا (ما كان صفيفه) حال
طيرانه، وهو أن يطير مبسوطة الجناحين من غير أن يحركهما (أكثر من
دفيفه) بأن يحركهما حالته دون ما انعكس.
(و) كذا يحرم (ما ليس له قانصة) وهي للطير بمنزلة المصارين
لغيرها، ويقال لها بالفارسية: سنگدان (ولا حوصلة) بالتشديد والتخفيف،
وهي مجمع الحب وغيره من المأكول عند الحلق، ويقال لها بها: چينه دان
(ولا صيصية) بكسر أوله وثالثه مخففا، وهي الشوكة في رجله موضع
العقب، وأصلها شوكة الحائك التي يسوى بها السدى واللحمة، ويقال لها بها:
مهميز، ويحل منه ما يوجد فيه الدفيف أو أحد العلامات الثلاثة الأخيرة.
ولا خلاف في شئ من ذلك أجده، بل عليه الإجماع في صريح كلام

(1) لم نجد التصريح بالكراهة فيها، راجع اللمعة: 151.
163

المقدس الأردبيلي (1) وظاهر صاحب الكفاية (2) وادعاه أيضا في الغنية (3)
لكن في القانصة والحوصلة. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح: كل ما دف ولا تأكل ما صف، قلت: فطير الماء، قال:
ما كانت له قانصة فكل، وما لم تكن له قانصة فلا تأكل (4).
وفيه: عن الحبارى، قال: إن كانت له قانصة فكل، وعن طير الماء، فقال:
مثل ذلك (5).
وفيه: الطير ما يؤكل منه، فقال: لا يؤكل منه ما لم تكن له قانصة (6).
وفي الموثق: كل من طير البر ما كان له حوصلة، ومن طير الماء ما
كانت له قانصة كقانصة الحمام، لا معدة كمعدة الإنسان (7).
وكل من صف وهو ذو مخلب فهو حرام، والصفيف كما يطير البازي
والصقر والحداة وما أشبه ذلك، وكل ما دف حلال (8).
والحوصلة والقانصة يمتحن بها من الطير مالا يعرف طيرانه وكل طير
مجهول.
وفي الخبر القاصر بسهل، الذي ضعفه سهل أو ثقة، وعليه فهو موثق،
كالصحيح بابن بكير، بل عند بعض (9) صحيح -: كل من الطير ما كانت له
قانصة أو صيصية أو حوصلة (10).

(1) مجمع الفائدة 11: 177.
(2) راجع كفاية الأحكام: 249 س 25.
(3) الغنية: 398.
(4) الوسائل 16: 346، الباب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
(5) الوسائل 16: 348، الباب 20، من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2.
(6) الوسائل 16: 345، الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 3، 5.
(7) الوسائل 16: 345، الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 3، 5.
(8) المصدر السابق: الباب 19، الحديث 2 و 3.
(9) الوسائل 16: 345، الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 3، 5.
(10) المصدر السابق: الباب 19، الحديث 2 و 3.
164

وفي آخر: كل ما دف، ولا تأكل ما صف، فقلت: إني أوتي به مذبوحا،
فقال: كل ما كانت له قانصة (1).
وظاهره كغيره اعتبار استدامة الصفيف والدفيف دون أكثريتهما، كما في
صريح الفتاوى، ولعل الوجه في تقييدهما بها غلبتها دون الاستدامة جدا،
مضافا إلى المرسل المروي في الفقيه المصرح بها.
ففيه: إن كان الطير يصف ويدف وكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل، وإن
كان صفيفه أكثر من دفيفه فلم يؤكل، ويؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة
أو صيصية، ولا يؤكل ما ليس له قانصة أو صيصية (2).
ويستفاد منه - كغيره المردد بين العلامات - عدم وجوب اجتماعها في
الإباحة، وأن في بعضها كفاية، وهو ظاهر العبارة وما ضاهاها من عبائر
الجماعة، وصرح به آخرون، ويعضده باقي النصوص المتقدمة، من حيث
اكتفاء كل منها ببعض العلامات في الإباحة.
ثم إن ظاهر الموثق وما بعد خبر ابن بكير وإن اختلفا في الظهور قوة
وضعفا أن العلامات الثلاثة الأخيرة إنما تعتبر في المجهول طيرانه.
وحكاه (3) بعض الأصحاب قولا. ولم أقف على قائله صريحا.
نعم ربما يوهمه كلام شيخنا في المسالك (4). لكنه صرح فيه وفي
الروضة (5) بأن الظاهر تلازم العلامات المزبورة، وأنه لا محرم له إحداها،
ولا محلل خال عنها، وتبعه في التصريح جملة ممن تبعه، مدعيا بعضهم
إمكان استفادة التلازم بينهما من النصوص المزبورة، بعد ضم بعضها إلى
بعض. ولا بد من التأمل.

(1) المصدر السابق: الباب 19، الحديث 3.
(2) الفقيه 3: 322، ذيل الحديث 4146.
(3) مفاتيح الشرائع 2: 186.
(4) المسالك 12: 41.
(5) الروضة 7: 279.
165

واعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب على الظاهر المصرح به في
الكفاية (1) حل متساوي الصفيف والدفيف، ولعله لعمومات أدلة الإباحة من
الكتاب والسنة، وخصوص ما دل على إباحة كل ما اجتمع فيه الحل
والحرمة. ويحتمل ضعيفا المنع، عملا باستصحاب الحرمة قبل التذكية. وفيه
نظر. ولعل الأول أظهر.
هذا إذا لم يوجد فيه شئ من العلامات الأخر للحل أو الحرمة، ومع
وجوده يتبع حلا وحرمة إذا كان عن معارضة الضد سليمة، وإلا فيجري فيه
الوجهان. ولكن الظاهر هنا تغليب جانب الحرمة، كما يستفاد من بعض
المعتبرة المتقدمة، التي لم يذكر منها ما هو موضع الدلالة في المسألة. لكن
لا ثمرة فيها بعد ما عرفت من عدم اجتماع علامتي الحل والحرمة.
(ويحرم الخفاش) ويقال له: الخشاف والوطواط أيضا (والطاووس)
بلا خلاف، لكونهما من المسوخ، كما يستفاد من النصوص، مضافا إلى الخبر
في الثاني: الطاووس لا يحل أكله ولا بيضه (2).
(وفي) حرمة (الخطاف تردد) واختلاف.
فبين قائل بها، كالنهاية (3) والقاضي (4) والحلي (5) مدعيا الإجماع عليه
له، وللخبر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن قتل الستة: النحلة والنملة والضفدع
والصرد والهدهد والخطاف (6).
وقائل بعدمها، كالمفيد (7) في ظاهره، وتبعه عامة متأخري أصحابنا.

(1) كفاية الأحكام: 249 س 24.
(2) الوسائل 16: 313، الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 5.
(3) النهاية 3: 82.
(4) المهذب 2: 429.
(5) السرائر 3: 104.
(6) الوسائل 16: 247، الباب 39 من أبواب الصيد، الحديث 3.
(7) المقنعة: 577 وفيها (ويحرم من الطير ما يصف ويحل منه ما يدف) ولم يذكر الخطاف.
166

وهو الأقوى، لأصالتي الإباحة والبراءة، وعموم ما مر من المعتبرة، الدالة
على حل كل ما دف، والخطاف منه على الظاهر المصرح به في كلام جمع،
وخصوص الموثق: هو مما يؤكل لحمه (1).
وحمله على التعجب كما فعله الشيخ بعيد (2) سيما مع تضمنه بعد أن
سئل بعد ذلك عن الوبر يؤكل أنه قال: حرام والخبر المروي في المختلف:
خرء الخطاف لا بأس به وهو مما يحل أكله، ولكن كره أكله لأنه استجار
بك (3).
هذا، وفي الصحيح: عن قتل الخطاف وإيذائهن في الحرم، فقال: لا يقتلن
فإني كنت مع علي بن الحسين (عليه السلام) فرآني اوذيهن، فقال: يا بني لا تقتلهن
ولا تؤذهن فإنهن لا يؤذين شيئا (4).
وهو ظاهر في الحل للحكم بأنهن لا يؤذين شيئا، وهو دال على طهارة
ذرقهن، وإلا لحصل الإيذاء، لعموم البلوى بهن، وعدم الانفكاك غالبا عن
ذرقهن، وهي تدل على حل أكلهن، بناء على التلازم بينهما على الأشهر
الأقوى.
والإجماع لو سلم هنا فغايته أنه خبر صحيح، وهو لا يعارض الموثق
وغيره الصريحين المعتضدين بالأصول، والعمومات، والشهرة العظيمة بين
الأصحاب، التي كادت تكون لنا الآن إجماعا; مضافا إلى المعاضدات
الأخر، والخبر مع ضعف سنده من وجوه غير دال، إذ غايته النهي عن القتل،
وهو غير ملازم لتحريم الأكل بوجه وإن وجد في صدره ما ربما يتوهم منه
مناسبة له، لكنه غير واضح.

(1) الوسائل 16: 247، الباب 39 من أبواب الصيد، الحديث 6، 1.
(2) الاستبصار 4: 67، ذيل الحديث 5.
(3) المختلف 8: 291.
(4) الوسائل 16: 247، الباب 39 من أبواب الصيد، الحديث 6، 1.
167

هذا، مضافا إلى التأمل في إفادة النهي فيه عن القتل حرمته بعد تعلقه
بما لا يحرم قتله إجماعا كالهدهد ونحوه، فغايته إفادة المرجوحية الشاملة
للكراهة، وجعله بالإضافة إلى الخطاف للتحريم، وإلى الهدهد للكراهة غير
جائز، للزوم استعمال اللفظة الواحدة في استعمال واحد في المجاز والحقيقة.
وبالجملة فالقول بالحرمة ضعيف غايته. كالتردد فيها المستفاد من
صريح التحرير (1) والماتن هنا وفي الشرائع (2) (و) لكن جعل (الكراهية
أشبه).
ووجهها مع ثبوت الإباحة الشبهة الناشئة عن أدلة الحرمة، سيما مع
حكاية الإجماع، فإنها توجب تأكدها، كما صرح به بعض الأجلة (3).
(وتكره الفاختة والقبرة) بلا خلاف فيهما وفي الطيور الآتية،
للنصوص:
منها: في الفاختة أنها مشؤومة، وإنما تدعو على أربابها فتقول: فقدتكم
فقدتكم (4).
ودلالتها على كراهة الأكل بل القتل غير واضحة.
ومنها: لا تأكلوا القبرة ولا تسبوها ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها فإنها
كثيرة التسبيح، وتسبيحها لعن الله مبغضي آل محمد (صلى الله عليه وآله) (5). ونحوه آخر (6).
وحمل النهي فيها على الكراهة للاتفاق عليها، مضافا إلى قصور سندهما.
وفي خبر طويل: إن القنزعة التي على رأس القبرة من مسحة سليمان
ابن داود (7).

(1) التحرير 2: 160 س 14.
(2) الشرائع 3: 221.
(3) لم نعثر عليه.
(4) الوسائل 8: 386، الباب 41 من أبواب أحكام الدواب، الحديث 2.
(5) الوسائل 16: 249، الباب 41 من أبواب الصيد، الحديث 1، 3، 4.
(6) الوسائل 16: 249، الباب 41 من أبواب الصيد، الحديث 1، 3، 4.
(7) الوسائل 16: 249، الباب 41 من أبواب الصيد، الحديث 1، 3، 4.
168

(وأغلظ) منهما كراهية (الهدهد والصرد والصوام والشقراق) قيل:
للنهي عنها في النصوص، زيادة على الخبر - المتقدم الناهي عن قتل الأولين
- الصحيح الناهي عن قتل الأول وإيذائه (1) والخبر الناهي عن قتل ما عدا
الأخير (2) والموثق المكره قتله. وفيه: وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يوما يمشي فإذا
شقراق قد انقض واستخرج من خفه حية (3).
وفي دلالتها على الكراهة مناقشة مضى إلى وجهها قريبا الإشارة.
وعلى تقدير تسليم الدلالة فغايتها الدلالة على النهي عن أكلها، وقد مر
مثله في القبرة صريحا. فكيف يمكن أن تكون كراهة هذه أغلظ من كراهتها
مع اشتراكهما في موجبها؟!
وبالجملة فلم يتضح للعبد وجه الأغلظية أصلا.
اللهم إلا أن يكون المفضل عليه كراهة الفاختة خاصة، لا القبرة أيضا.
ووجه التفضيل حينئذ واضح، إلا أن تنزيل العبارة على هذا مشكل.
(ولو كان أحد) الطيور (المحللة جلالا) باغتذائها عذرة الإنسان
محضا كما مضى (حرم) على الأشهر الأقوى. وقد مر الكلام فيه وفي أنه
لا يحل (حتى يستبرأ، فالبطة وما أشبهها بخمسة أيام والدجاجة بثلاثة أيام).
وليس في المستند للحكم والمقدار فيهما وكثير من الفتاوى إلحاق ما
أشبههما بهما في مقدار الاستبراء، وهو من دون دليل قياس محرم عندنا.
فينبغي الرجوع في تقديره إلى زوال اسم الجلل عنه عرفا، فإنه المحكم فيما
لم يرد لبيانه دليل أصلا.

(1) الوسائل 16: 248، الباب 40 من أبواب الصيد، الحديث 1.
(2) المصدر السابق، الحديث 3.
(3) الوسائل 16: 251، الباب 43 من أبواب الصيد، الحديث 1.
169

(ويحرم الزنابير) لكونها مسخا، كما في نص كان لحاما يسرق في
الميزان (1).
(والذباب والبق والبرغوث) لكونها من الخبائث، مع أنه لا خلاف
فيها، كما لا خلاف في سابقها.
(و) يحرم (بيض ما لا يؤكل لحمه) كما أنه يحل بيض ما يؤكل
لحمه بلا خلاف، بل عليه الإجماع ظاهرا، وفي الغنية (2) صريحا. وهو
الحجة; مضافا إلى الخبرين المتقدمين في بيض السمك الدالين على الكلية
نفيا وإثباتا.
ويعضدهما - مضافا إلى ما مضى ثمة - بعض المعتبرة - المنجبر ضعفه
برواية ابن أبي عمير عن موجبه ولو بواسطة، فإنه قد أجمعت على تصحيح
ما يصح عنه العصابة -: عن الرجل يدخل الأجمة فيجد فيها بيضا مختلفا لا
يدري بيض ما هو أبيض ما يكره من الطير أو يستحب؟ فقال: إن فيه علما
لا يخفى، أنظر كل بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكلها، وما سوى ذلك
فدعه (3).
وهو ظاهر كما ترى في اعتقاد السائل الكلية نفيا وإثباتا، وأنه اشتبه له
حكم بيض المشتبه حاله أمن حلال أو حرام، وقد أقره (عليه السلام) على معتقده،
وأجابه عما اشتبه له والتقرير كما قرر في محله.
(و) يستفاد منه أنه (لو اشتبه) حال البيض أمن حلال أم حرام
(أكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق) ولا خلاف فيه أيضا، بل عليه

(1) المصدر السابق: 314، الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 7.
(2) الغنية: 398.
(3) الوسائل 16: 348، الباب 20 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3.
170

الإجماع في الغنية (1). وهو الحجة; مضافا إلى الرواية والمعتبرة الأخر
المستفيضة:
منها الصحيح: البيض في الآجام، فقال: ما استوى طرفاه فلا تأكل،
وما اختلف طرفاه فكل (2).
والخبر: إذا دخلت أجمة فوجدت بيضا فلا تأكل منه إلا ما اختلف
طرفاه (3).
وفي آخر: كل من البيض ما لم يستو رأساه (4) الحديث.
وإطلاقها أو عمومها سيما الأخير وإن شمل البيض الغير المشتبه أيضا،
إلا أن ورود أكثرها فيه مع الإجماع على اختصاص الضابط هنا به اقتضى
حل بيض ما يؤكل لحمه مطلقا ولو استوى طرفاه، وحرمة بيض ما لا يؤكل
لحمه كذلك وان اختلف طرفاه، عملا بعموم ما دل على التبعية.
هذا، مع اعتضاد الحكم بالحل في الأول مطلقا بعموم ما دل على
الإباحة من الكتاب والسنة، والحكم فيه في صورة اختلاف الطرفين،
والحكم بالحرمة في الثاني في صورة تساويهما، باتفاق نصوص الضابطين
على الحل في الأول، وعلى الحرمة في الثاني، كما لا يخفى.
هذا على تقدير انفكاك الضابطين وإمكان تعارضهما. وأما على تقدير
التلازم بينهما - كما ربما يستفاد من الرواية الأولى - فالإشكال مرتفع أصلا.
(مسألتان):
(الأولى: إذا شرب) الحيوان (المحلل) لحمه (لبن الخنزيرة) ولم
يشتد (كره) لحمه خاصة، كما في ظاهر العبارة وغيرها، أو لحم نسله

(1) الغنية: 398.
(2) الوسائل 16: 348، الباب 20 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 1، 5.
(3) الوسائل 16: 348، الباب 20 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 1، 5.
(4) الوسائل 16: 348، الباب 20 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 1، 5.
171

أيضا، كما في صريح اللمعة (1) وغيرها، واستحب استبراؤه سبعة أيام بالعلف
بنحو من الكسب والنوى إن كان فطيما، وإلا فبالرضاع من حيوان محلل.
(وإن اشتد) بأن زادت قوته وقوي (عظمه) ونبت لحمه به (حرم
لحمه ولحم نسله) ولبنهما بغير خلاف ظاهر به في كتب جمع بحد
الاستفاضة، بل على التحريم في صورة الإجماع في الغنية (2). وهو الحجة
المخصصة للأصول المحللة; مضافا إلى النصوص المستفيضة:
ففي الموثق: عن جدي يرضع من لبن خنزيرة حتى كبر وشب واشتد
عظمه ثم إن رجلا استفحله في غنمه فأخرج له نسل، فقال: أما ما عرفت من
نسله بعينه فلا تقربنه، وأما ما لم تعرفه فكله، فهو بمنزلة الجبن ولا تسأل
عنه (3).
وفيه: في جدي يرضع من خنزيرة ثم ضرب في الغنم، قال: هو بمنزلة
الجبن، فما عرفت أنه ضربه فلا تأكل، وما لم تعرفه فكل (4).
وفي المرفوع المقطوع: لا تأكل من لحم حمل رضع من لبن خنزيرة (5).
وإطلاقهما وإن شمل صورتي الاشتداد وعدمه، كإطلاق القوي
المعارض لهما الأمر بالاستبراء، الظاهر في تحقق الحل بعده: عن حمل
غذي بلبن خنزيرة، فقال: قيدوه واعلفوه الكسب والنوى والشعير والخبز إن
كان قد استغنى عن اللبن، وإن لم يكن استغنى عن اللبن فيلقى على ضرع
شاة سبعة أيام ثم يؤكل لحمه (6) إلا أنهما حملا على الصورة الأولى والقوية
على الثانية، جمعا بين الأدلة.

(1) اللمعة: 152.
(2) الغنية: 398.
(3) الوسائل 16: 352، الباب 25 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 2، 3.
(4) الوسائل 16: 352، الباب 25 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 2، 3.
(5) الوسائل 16: 352، الباب 25 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 2، 3.
(6) الوسائل 16: 352، الباب 25 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4.
172

ومستند الجمع غير واضح، عدا الإجماع الظاهر، وهو كاف، مع احتمال
تطبيقه مع الأصول، بأن يقال: الأصل عدم الحرمة مطلقا إلا ما دل عليه
النص المعتبر، وليس هنا إلا الموثقان، وموردهما صريحا (1) في الأول،
وظاهرا في الثاني، للتعبير فيه ب‍ «يرضع» بصيغة المضارع، المفيد للتجدد
والاستمرار المستلزم للاشتداد غالبا الصورة الأولى خاصة، ويرجع في
غيرها إلى أصالة الإباحة.
ولا يعارضها إطلاق المرفوعة، كما لا يعارض الموثقين إطلاق القوية،
لقصور سندهما، فلتطرحا، أو تحمل الأولى على الصورة الأولى خاصة أو
يبقى على الإطلاق وتحمل على مجرد المرجوحية، والثانية على الصورة
الثانية من باب المسامحة في أدلة الاستحباب والكراهة، سيما مع الاعتضاد
باتفاق الطائفة.
(الثانية: لو شرب) الحيوان المزبور (خمرا لم يحرم) لحمه إجماعا
(بل يغسل، ولا يؤكل ما في جوفه) مطلقا ولو غسل بلا خلاف، إلا من
الحلي، فجوز أكله مع الكراهة (2) ومال إليه في المسالك (3) وصرح به في
الكفاية، عملا بأصالة الإباحة (4) السليمة عما يصلح للمعارضة، عدا الرواية
القاصرة السند الضعيفة الدلالة: عن شاة شربت خمرا حتى سكرت ثم ذبحت
على تلك الحال، قال: لا يؤكل ما في بطنها (5).
فإن في سندها أبا جميلة الضعيف بالاتفاق، ولم يدل إلا على حرمة أكل
ما في الجوف دون وجوب غسل اللحم، مع أنها واردة في خصوص

(1) كذا في النسخ: فتأمل.
(2) السرائر 3: 97.
(3) المسالك 12: 33.
(4) كفاية الأحكام: 250 س 16.
(5) الوسائل 16: 352، الباب 24 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
173

الشاة، ومع ذلك فلم تدل على حرمة أكل ما في جوفها مطلقا، بل إذا شربت
حتى سكرت وذبحت حالة السكر، فهي أخص من المدعى من وجوه.
وفي الجميع نظر، لانجبار ضعف السند بالعمل، وبرواية ابن فضال عن
موجبه، وقد حكى الكشي عن بعض دعوى إجماع العصابة على تصحيح
أحاديثه (1) ولعله لذا عد الرواية من الموثق في الدروس (2) والمختلف (3).
وأما أخصية الدلالة بالنظر إلى اختصاصها بالشاة وحرمة أكل ما في
جوفها خاصة فمندفعة بعدم القائل بالفرق بين الطائفة، مع أن الحلي صرح
بوجود رواية دالة على المطلوب بتمامه، قال: وقد روي أنه إذا شرب شئ
من هذه الأجناس خمرا ثم ذبح جاز أكل لحمه بعد أن يغسل بالماء،
ولا يجوز أكل شئ مما في بطنه ولا استعماله، والأولى حمل الرواية على
الكراهة (4) إلى آخر ما ذكره.
وهذه الرواية لو لم نقل بكونها حجة اخرى مستقلة فلا أقل من كونها
معاضدة للرواية السابقة.
وأما دعوى أخصيتها بالإضافة إلى دلالتها على حرمة ما في الجوف مع
الذبح حين السكر خاصة فممنوعة، إلا إذا ثبت فتاوى الفقهاء بالعموم
للمذبوح حينه وغيره، وهو غير واضح، بعد استناد أكثرها إلى الرواية،
وتعليل الحكم في جملة منها بما يختص بموردها مع وقوع التصريح في
بعضها، باختصاص الحكم به، ولعله المراد من إطلاق بعضها، كالعبارة
ونحوها مما لم يوجد فيها شئ من ذلك.
وعلى تقدير عدم اتفاق الفتاوى على ذلك فاتفاقها على العموم غير

(1) رجال الكشي: 556، الرقم 1050.
(2) الدروس 3: 7.
(3) المختلف 8: 7.
(4) السرائر 3: 97.
174

معلوم، بل العدم معلوم، ولا إجماع يوجب العموم.
فالقول بالتخصيص متعين. وعليه فتكون الرواية وافية بتمام المدعى.
نعم إنما تكون أخص منه على القول بعمومه، وليس فيه حجة على من
يخصصها. فلا شبهة في المسألة أصلا، سيما مع دعوى ابن زهرة على تحريم
ما في الجوف مطلقا إجماع الإمامية (1).
(ولو شرب بولا) نجسا (لم يحرم) شئ منه إجماعا (و) لكن
وجب (غسل ما في جوفه) بلا خلاف حتى من الحلي (2) حيث نسب
الحكم إلى الرواية ساكتا عليها، ولذا ذكر جماعة أنه لا راد لها، فهي حجة
وإن كانت مرسلة: في شاة شربت بولا ثم ذبحت، قال: فقال: يغسل ما في
جوفها، ثم لا بأس به، وكذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلالة الخبر (3).
واعلم أن الفارق بين البول والخمر هو النص، لا ما يقال: من أن الخمر
لطيف تشربه الأمعاء فلا تطهر بالغسل وتحرم بخلاف البول فإنه لا يصلح
للغذاء ولا يقبله الطبيعة، فإنه يضعف بأن غسل اللحم إن كان لنفوذ الخمر فيه
- كما هو الظاهر - لم يتم الفرق بينه وبين ما في الجوف، وإن لم يصل إليه لم
يجب تطهيره، مع أن ظاهر الحكم غسل ظاهر اللحم الملاصق للجلد وباطنه
المجاور للأمعاء، والرواية خالية عن غسل اللحم. فتأمل.
* * *

(1) الغنية: 398.
(2) السرائر 3: 97.
(3) الوسائل 16: 352، الباب 24 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2.
175

(القسم الرابع في الجامد)
(وهو خمسة):
(الأول: الميتات) من الحيوان أي الخارج روحها بغير التذكية
الشرعية، سواء ما لا يقع عليه التذكية في الشرع، أو ما يقع ولم يقع، والكتاب
والسنة المتواترة ناطقان بحرمتها، مضافا إلى الإجماع عليها، وقد صدر
بتحريمها الآية الكريمة (1) وفي حكمها أجزاؤها التي تحلها الحياة بلا خلاف،
بل عليه الإجماع في الغنية (2) وهو الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة:
منها: أن في كتاب علي (عليه السلام) أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به (3).
ومنها: في أليات الضأن تقطع وهي أحياء أنها ميتة (4).
ومنها: أن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، فقال: حرام
هي، فقلت جعلت فداك فنصطبح بها؟ فقال: أما علمت أنه يصيب اليد
والثوب وهو حرام (5).

(1) المائدة: 3.
(2) الغنية: 398.
(3) الوسائل 16: 295، الباب 30 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 3.
(4) الوسائل 16: 295، الباب 30 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 3.
(5) الوسائل 16: 295، الباب 30 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2.
176

(و) ربما يستشعر منه أن مطلق (الانتفاع بها محرم) كما هو المشهور
بين الأصحاب بغير خلاف يعرف بينهم، إلا من الشيخ في النهاية (1) وتبعه
جماعة، فجوزوا الاستسقاء بجلود الميتة لغير الوضوء والصلاة والشرب وإن
كانت نجسة، ونحوهم الصدوق في المقنع، حيث جوز الاستسقاء بجلد
الخنزير (2).
ولعلهما شاذان، كما يستفاد من الروضة (3) حيث صرف الإجماع
المحكي في المنتهى على حرمة الميتة إلى كل من أكلها واستعمالها مطلقا.
ومع هذا محجوجان بما مر، مضافا إلى عموم الرواية الأولى وغيرها،
كالصحيح: الميتة ينتفع منها بشئ، قال: لا الخبر (4) والخبرين.
في أحدهما: عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيا، فكتب: لا ينتفع
من الميتة بإهاب ولا عصب، الخبر (5).
وفي الثاني: المروي عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): عن
الماشية يكون لرجل فيموت بعضها أيصلح له بيع جلودها ودباغها ويلبسها؟
قال: لا، الخبر (6). وقريب منهما الموثقان.
في أحدهما: عن أكل الجبن وتقليد السيف وفيه الكيمخت والغرا، فقال:
لا بأس ما لم يعلم أنه ميتة (7). فتدبر.

(1) النهاية 3: 101.
(2) المقنع: 419 وفيه (وإياك أن تجعل جلد الخنزير دلوا تستقى به الماء) ونقل العلامة في المختلف
(8: 325) عنه حيث قال: (قال الصدوق في المقنع لا بأس أن يجعل جلد الخنزير دلوا يستقى به
الماء).
(3) الروضة 7: 301.
(4) الوسائل 16: 361، الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
(5) المصدر السابق: 366 الباب 33، الحديث 7.
(6) الوسائل 16: 366، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 6.
(7) الوسائل 16: 368، الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 5.
177

وفي الثاني: عن جلود السباع أينتفع بها؟ قال: إذا رميت وسميت فانتفع
بجلده، وأما الميتة فلا (1).
وما ورد بخلافها - بعد تسليم سنده - شاذ، أو محمول على التقية.
وأما الاستدلال للمختار من حرمة مطلق الانتفاع به بالآية الكريمة
- الدالة على حرمة الميتة، بناء على أنه أقرب المجازات إلى الحقيقة
المتعذرة إرادتها من إضافة التحريم إلى العين - فمحل مناقشة، بناءا على أن
المتبادر من مثله الأكل، كما أن المتبادر من تحريم الأمهات النكاح.
نعم هي للتأييد صالحة، فيترجح المتأيد بها على ما قابله.
(ويحل منها ما لا تحله الحياة إذا كان طاهرا في حال الحياة) دون ما
كان نجسا كالمنفصل من الكلب ونحوه (وهو عشرة) أشياء متفق عليها
بيننا في الظاهر المصرح به في الروضة (2) وغيرها.
وهي: (الصوف، والشعر، والوبر، والريش) بشرط الجز أو غسل موضع
الاتصال (والقرن، والعظم، والسن، والظلف) وهذه مستثناة من جهة
الاستعمال.
أما الأكل فالظاهر جواز ما لا يضر منها بالبدن، للأصل، والعمومات
السليمة عن المعارض. ويمكن دلالة إطلاق العبارة ونحوها من عبائر
الجماعة والنصوص الآتية عليه، سيما مع قولهم: (والبيض إذا اكتسى القشر
الأعلى) الصلب، وإلا كان بحكمها.
(والإنفحة) بكسر الهمزة وفتح الفاء والحاء المهملة، وقد تكسر الفاء،
قال في الصحاح: هي كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهي

(1) الوسائل 16: 366، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4.
(2) الروضة 7: 301.
178

كرش، وقريب منه في الصراح والجمهرة، وفي القاموس هي شئ تستخرج
من بطن الجدي الراضع أصفر فيعصر في صوفه فيغلظ كالجبن، فإذا أكل
الجدي فهو كرش.
وفي الخبر عن الجبن، فقال (عليه السلام): لا بأس به، فقال: إنه ربما جعل فيه
إنفحة الميتة، قال (عليه السلام): ليس بها بأس، إن الإنفحة ليست لها عروق، ولا فيها
دم، ولا لها عظم، إنما تخرج من بين فرث ودم - إلى أن قال -: والإنفحة مثل
البيضة (1).
وفيه موافقة لما في القاموس.
وكيف كان فالشك حاصل في كون الإنفحة المستثناة هل هي اللبن
المستحيل، أم الكرش؟ بسبب الاختلاف المتقدم، والمتيقن منه ما في داخله،
لأنه متفق عليه، وبه صرح في الروضة (2) والأصل في استثناء هذه العشرة
- بعد الإجماع المتقدم إليه الإشارة، والرواية السابقة المنجبر قصورها كبعض
الروايات الآتية بعمل الطائفة - المعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح: اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب
والحافر وكل شئ ينفصل من الشاة فهو ذكي، وإن أخذته منه بعد أن يموت
فاغسله وصل فيه (3).
وفيه: عن الإنفحة تخرج من الجدي الميت، قال: لا بأس به، قلت: اللبن
يكون في ذرع الشاة وقد ماتت، قال: لا بأس به، قلت: فالصوف والشعر
وعظام الفيل والبيضة تخرج من الدجاجة، فقال: كل هذا لا بأس به (4).

(1) الوسائل 16: 366، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
(2) الروضة 7: 306.
(3) الوسائل 16: 365، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3.
(4) الوسائل 16: 366، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 10.
179

وفيه: لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة إن الصوف ليس فيه
روح (1).
ويستفاد من التعليل فيه وفي الرواية السابقة عموم الحكم بنفي البأس
بجميع العشرة، وإن اختصا ببعضها فإن العبرة بعموم اللفظ دون خصوص
المورد، كما برهن في محله.
وفي الخبر: عن اللبن من الميتة والبيض من الميتة وإنفحة الميتة، فقال:
كل هذا ذكي (2).
وفي آخر: الشعر والصوف والوبر والريش وكل نابت لا يكون ميتا، قال:
وسألته عن البيض يخرج من بطن الدجاجة الميتة، قال: تأكلها (3).
وإطلاقها في البيضة وإن شمل صورتي اكتسائها بالقشر الأعلى وعدمه،
إلا أنه مقيد بالصورة الأولى خاصة بغير خلاف أجده، للاعتبار، وبعض
النصوص المنجبر قصوره أو ضعفه سندا أو مكافأة له بالشهرة: في بيضة
خرجت من أست دجاجة ميتة، فقال: إن كانت البيضة اكتست الجلد الغليظ
فلا بأس بها (4).
(وفي) إلحاق (اللبن) بهذه العشرة (روايتان) (5) أصحهما ذلك، وقد
مر إليه الإشارة، وهي مع ذلك متعددة، أكثرها صحيح، وباقيها وإن قصر
سنده بالجهالة إلا أنه مجبور برواية ابن فضال عن ابن بكير عن موجبها،
وقد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهما، وبالشهرة العظيمة بين

(1) الوسائل 3: 333، الباب 56 من أبواب لباس المصلي، الحديث 3.
(2) الوسائل 2: 1089، الباب 68 من أبواب النجاسات، الحديث 2، 3.
(3) الوسائل 16: 365، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 8، 6.
(4) الوسائل 16: 365، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 8، 6.
(5) الوسائل 16: 366 - 367، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 10، 11.
180

قدماء أصحابنا، بل مطلقا، كما يظهر من صريح اللمعة (1) وظاهر الدروس،
حيث نسب الرواية الثانية إلى الندرة (2) وهو ظاهر في الشهرة المطلقة، بل
لعله ظاهر في دعوى الإجماع عليه، وبه صرح في الخلاف (3) وربما يظهر
من الغنية (4) بل حكي عنه صريحا. وهو حجة اخرى في المسألة.
(والأشبه) عند الماتن هاهنا وفي الشرائع (5) والفاضل في جملة من
كتبه (6) والفاضل المقداد في التنقيح (7) والصيمري في شرح الشرائع (8)
(التحريم) وفاقا للديلمي (9) والحلي (10) نافيا الخلاف فيه بين المحصلين،
لملاقاته الميتة بالرطوبة، وللخبر: ذلك الحرام محضا (11).
والأول مع أنه اجتهاد في مقابلة النص كلية كبراه في حيز المنع، إذ لا
دليل عليها لا من الكتاب ولا من السنة ولا الإجماع، لمصير الأكثر إلى
الخلاف، بل لا يكاد يوجد مخالف فيه في القدماء قبل الحلي عدا نادر،
كما يظهر من تتبع الأقوال في كتب الاستدلال.
ومنه يظهر وجه القدح في نفيه الخلاف عما ذهب إليه بين المحصلين.
كيف لا! ولم يرد من معظمهم وأساطينهم كالشيخين (12) والكليني (13)
والصدوق (14) وبني حمزة (15) وزهرة (16) والبراج (17) الفتوى إلا على التحليل،

(1) اللمعة: 152.
(2) الدروس 3: 15.
(3) لم نجد فيه التصريح به، راجع الخلاف 1: 67، المسألة 13.
(4) الغنية: 401.
(5) الشرائع 3: 223.
(6) المختلف 8: 316، نهاية الإحكام 1: 27، التحرير 2: 161 س 5.
(7) التنقيح 4: 44.
(8) غاية المرام: 166 (مخطوط).
(9) المراسم: 211.
(10) السرائر 3: 112.
(11) الوسائل 16: 367، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 11.
(12) المقنعة: 583، النهاية 3: 96.
(13) الكافي 6: 258، الحديث 3.
(14) الهداية: 310.
(15) الوسيلة: 362.
(16) الغنية: 401.
(17) المهذب 2: 430.
181

فأين المحصلون الذين نفى الخلاف بينهم؟! وعلى تقدير وجود غير
هؤلاء منهم فليسوا أعلى درجة منهم، فكيف ينفيه بين جميعهم؟ مع أنهم
من جملتهم لو لم نقل بكونهم أعظم وأساطينهم، الذين تأسس بهم أساس
الدين، ولولاهم لاندرس آثار دين خير المرسلين.
وبالجملة لا ريب في فساد دعواه كمختاره، لعدم ثبوته إلا بثبوت ما مر
من كلية الكبرى، وقد عرفت أنها لا دليل عليها.
وقصارى ما يتخيل في تصحيحها دعوى التتبع والاستقراء للموارد
الجزئية المحكوم فيها بنجاستها بملاقاتها للنجاسة، فإن بها يحصل الظن
القوي بانسحاب حكمها في المسألة.
والمناقشة في هذا الخيال واضحة، إذ بعد تسليم حصول الظن المعتمد
عليه فيها لا بد من تخصيصه بما قدمناه من النصوص المعتبرة في نفسها،
المعتضدة بالشهرة العظيمة المتحققة بين القدماء والمحكية مطلقا، وحكاية
الإجماع المتقدمة، لحصول الظن القوي منها أقوى من تلك المظنة الحاصلة
من دعوى الاستقراء المزبورة، سيما مع تأيده وارتفاع الاستبعاد، الذي هو
الأصل في القول بالحرمة في الحقيقة، وإن تشبث قائلوها في الظاهر بما مر
من الأدلة الضعيفة غايته، بملاحظة تخصيص تلك الكلية في موارد كثيرة،
كالإنفحة، بناء على كون الكرش مما تحله الحياة، كما صرح به في
الروضة (1) فإنها إما هو أو ما كان داخله، على اختلاف التفسيرين المتقدم
إليهما الإشارة، فهي إما ميتة مستثناة، أو مائع جاورها كماء الاستنجاء
والغسالة مطلقا، أو في الجملة على بعض الأقوال، ونحو ذلك من الموارد.
والثاني: ضعيف سندا، بل قيل: ودلالة ورواية، وهو وهب بن وهب من

(1) الروضة 7: 304.
182

أكذب البرية، كما صرح به جملة من الأجلة (1) ومع ذلك محتمل للتقية، بل
حمله عليها جماعة، ومنهم شيخ الطائفة (2) الذي هو أعرف بمذاهب جميع
العامة. فلا مسرح عن القول المشهور ولا مندوحة.
وأما ما ربما يناقش به بعض متأخري متأخري (3) الطائفة في الروايات
المتقدمة - الدالة عليه سندا في بعض، ودلالة في آخر، بل في الجميع - فهو
مما لا ينبغي العروج عليه.
لانجبار الأول على تقديره، مع أنه فاسد بالبديهة، بل واعترف هو به
في الجملة بالشهرة العظيمة المتحققة والمحكية في كلام جماعة، ومنهم
شيخنا في المسالك (4) حيث نسب القول بالحل إلى أكثر المتقدمين وجماعة
من المتأخرين، بل منجبر باتفاق الكل، لتضمنها ما أجمعوا عليه من الحكم
بالحل في تلك العشرة المتقدمة.
والثاني بها أيضا، مضافا إلى أن اللفظ فيها الدال على الحكم في المتفق
عليه - وهو العشرة - هو بعينه الدال على الحكم في المسألة.
فعدم المناقشة في الدلالة بالإضافة إلى تلك العشرة دون المسألة لعله
غفلة واضحة، ولذا أن القائلين بالتحريم من المتأخرين لم يشيروا إلى ما
ذكره من الأجوبة، وإنما أجابوا عنها بغير ما ذكره.
ومن جملته ما ذكره في المختلف من حمل الميتة في الرواية على
ما قارب الموت (5) مجازا مشارفة.
وهو أيضا في غاية من الغرابة، لعين ما مر من الأجوبة عما ذكره

(1) مفاتيح الشرائع 1: 68، مجمع الفائدة 11: 221.
(2) التهذيب 9: 77، ذيل الحديث 60.
(3) مجمع الفائدة 11: 221 - 225.
(4) المسالك 12: 56.
(5) المختلف 8: 317.
183

الفاضل المتقدم، مضافا إلى أن الأصل في الاستعمال الحقيقة، وما ذكره
للحرمة من الدليلين المتقدم إليهما الإشارة قد عرفت أنه لا يصلح للحجية.
فكيف يصلح قرينة لصرف تلك الأدلة القوية إلى خلاف الحقيقة؟!
(الثاني: ما يحرم من الذبيحة وهو) قسمان مجمع عليه ومختلف فيه.
فالأول (خمسة: القضيب) وهو الذكر (والأنثيان) وهما البيضتان
(والطحال) وهو مجمع الدم الفاسد (والفرث) وهو الروث في جوفها
(والدم) وبالإجماع صرح جمع، ومنهم الفاضل المقداد في التنقيح (1)
والسيدان في الانتصار (2) والغنية (3) لكنهما حكياه فيما عدا الفرث، وهو
ظاهر المحكي عن الخلاف في الجميع (4) ونفى عنه الخلاف كثير من
متأخري الأصحاب. وهو الحجة المعتضدة بالنصوص الآتية، ولم يقدح فيها
عدم تعرض المفيد (5) والديلمي (6) لذكر الأخيرين، لمعلومية نسبهما، مع
احتمال كون الوجه في عدم تعرضهما لهما إما بعد احتمال أكلهما بخلاف
الثلاثة الباقية، أو كون حرمتهما من الضروريات لاستخباثهما، وتعاضد
الأدلة من الكتاب والسنة بحرمة الثاني منهما، مضافا إلى استلزام حرمة
الطحال المذكورة في كلامهما المستفادة من الصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة (7) حرمته بالأولوية، لتعليل حرمته في بعض تلك النصوص بكونه
دما (8) في الحقيقة.
وبالجملة لا شبهة في حرمة هذه الخمسة.
(وفي) حرمة (المثانة) بفتح الميم مجمع البول (والمرارة) بفتح الميم

(1) التنقيح 4: 46.
(2) الانتصار: 415 - 416.
(3) الغنية: 398.
(4) الخلاف 6: 29، المسألة 30.
(5) المقنعة: 582.
(6) المراسم: 210.
(7) الوسائل 16: 359، الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2، 3.
(8) الوسائل 16: 359، الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2، 3.
184

التي هي تجمع المرة الصفراء بكسرها معلقة مع الكبد (والمشيمة)
بفتح الميم بيت الولد وتسمى الغرس بكسر الغين المعجمة (تردد) ينشأ: من
أصالتي البراءة والإباحة، وعمومات الكتاب والسنة بحل ما ذكر اسم الله
عليه سبحانه، مع ضعف النصوص الدالة عليها:
منها: ما لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث، والدم، والطحال،
والنخاع، والعلباء، والغدد، والقضيب، والأنثيان، والحياء، والمرارة (1).
ومنها: حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم، والخصيتان، والقضيب، والمثانة،
والغدد، والطحال، والمرارة (2).
ومنها: لا يؤكل مما يكون في الإبل والبقر والغنم وغير ذلك مما لحمه
حلال الفرج لما فيه ظاهرة وباطنة، والقضيب، والبيضتان، والمشيمة، وهي
موضع الولد والطحال، لأنه دم، والغدد مع العروق، والمخ الذي يكون في
الصلب، والمرارة، والحدق، والخرزة التي يكون في الدماغ، والدم (3).
هذا، مع عدم ذكر جميع هذه الثلاثة في كل من هذه النصوص، والاكتفاء
في كل منها بذكر بعضها، مع تعارض الأولين في المثانة، لدلالة الأول على
الحل بالمفهوم، والثاني على حرمته بالمنطوق، وتعارضهما مع الثالث في
المشيمة، لتصريحه بحرمتها، مع دلالتهما على حلها بالمفهوم.
ومن دعوى السيدين في الكتابين (4) إجماع الإمامية على حرمة ما عدا
المرارة من الثلاثة، وهو ظاهر الخلاف في المثانة (5) فإذا ثبت بإجماعهم
الحكم بالحرمة فيما عدا المرارة ثبت الحكم بما فيها بالقطع باستخباثها،

(1) الوسائل 16: 360، الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 1.
(2) الوسائل 16: 360، الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 1.
(3) الوسائل 16: 360، الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3.
(4) الانتصار: 415 - 416، الغنية: 398.
(5) الخلاف 6: 29، المسألة 30.
185

مع احتمال الإجماع المركب، لاتفاق كل من حرم ما عداها في الظاهر على
حرمتها، وعدم ذكر نقله الإجماع إياها لا ينافيه لكثير مما مر في دعوى
الإجماعات المتقدمة في حرمة الخمسة.
ومن هنا يمكن دعوى عدم الخلاف في حرمتها وحرمة المشيمة، لأن
الأصحاب. ما بين مصرح بحرمة الأربعة عشرة أشياء المذكورة في العبارة
مع المشيمة، كما عليه الحلي (1) والقواعد (2) والدروس (3) واللمعة (4)
والمهذب (5) ونسبه في الروضة (6) إلى جماعة ممن تأخر عن الحلي. ومفت
بحرمتها خاصة من دون ذكر المثانة، كالشيخ في النهاية (7) وجملة ممن تبعه
كالقاضي (8) وابن حمزة (9) بل نسبه في المختلف (10) والتحرير (11) إلى
المشهور. ومفت بحرمة هذه الثلاثة مع الخمسة السابقة، كالماتن هنا فيما
عدا المشيمة، وفي الشرائع (12) فيها أيضا، كالمسالك (13) وغيره. ومفت
بحرمة هذه الثمانية مع الفرج، كالفاضل في الإرشاد (14) والمختلف (15)
والتحرير (16).
نعم في المختلف عن الحلبي أنه كره المرارة (17). ولكنه شاذ،
كقول الإسكافي بكراهتها وكراهة الطحال والمثانة والرحم والقضيب

(1) السرائر 3: 111.
(2) القواعد 2: 157 س 16.
(3) الدروس 3: 14.
(4) اللمعة: 152.
(5) المهذب البارع 4: 216.
(6) الروضة 7: 310.
(7) النهاية 3: 95.
(8) المهذب 2: 441.
(9) الوسيلة: 361.
(10) المختلف 8: 314.
(11) التحرير 2: 161 س 7، وليس فيه نسبة إلى المشهور.
(12) الشرائع 3: 223.
(13) المسالك 12: 62.
(14) الإرشاد 2: 112.
(15) المختلف 8: 314.
(16) التحرير 2: 161 س 7.
(17) الكافي في الفقه: 279.
186

والأنثيين (1) مع احتمال الكراهة في كلامهما للمعنى المرادف للحرمة،
أو الأعم منها ومن الكراهة بالمعنى المصطلح فلا يثبت المخالفة.
هذا، مع إشعار العبارة بعدم الخلاف في هذه الثلاثة، كما لا خلاف في
الخمسة السابقة، لعدم ذكر الخلاف فيها، إلا فيما عدا الثلاثة مما سيأتي إليه
الإشارة.
وكيف كان (أشبهه التحريم) وفاقا للأكثر، كما مر، لا (للاستخباث)
لعدم القطع به في الجميع، بل لما عرفت من الإجماعات المحكية المخصصة
لما مر من الأصول والعمومات الجابرة - مضافا إلى الشهرة العظيمة وغيرها
مما يأتي إليه الإشارة - لضعف أسانيد الأخبار السابقة، والوهن الحاصل فيها
باعتبار التعارضات المتقدم إليها الإشارة.
مع إمكان الذب عن هذا الوهن بعد تسليم معارضة مثل هذا المفهوم
للمنطوق، بأن التعارض بينهما تعارض العموم والخصوص المطلق، لدلالة
المفهوم في الخبر الأول مثلا على حل كل ما هو عدا العشرة وهو بمنزلة
العام، ودلالة منطوق الخبر الثاني على حرمة المثانة وهو بالنسبة إلى ذلك
كالخاص فلتكن مقدما، وهكذا الحال في تعارض مفهومهما لمنطوق الأخير
في المشيمة، لدلالة الأول على حلها في ضمن العموم، ودلالة المنطوق
بحرمتها على الخصوص.
والثاني سبعة أشار إليها الماتن بقوله: (وفي) حرمة (الفرج) الحياء
ظاهره وباطنه (والعلباء) بالمهملة المكسورة فاللام الساكنة فالباء الموحدة
فالألف الممدودة عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عجب الذنب
(والنخاع) مثلث النون الخيط الأبيض في وسط الظهر ينظم خرز سلسلة

(1) المختلف 8: 314.
187

الظهر في وسطها وهو الوتين الذي لا قوام للحيوان بدونه
(وذات الأشاجع) وهي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظهر الكف وفي
الصحاح جعلها الأشاجع بغير مضاف والواحد أشجع، والمراد منها في
الحيوان ما جاور الظلف من الأعصاب (والغدد) بضم الغين المعجمة التي
تكون في اللحم وتكثر في الشحم مدورة في الأغلب تشبه البندق (وخرزة
الدماغ) بكسر الدال، وهي في المشهور المخ الكائن في وسط الدماغ شبه
الدودة بقدر الحمصة تقريبا يخالف لونها لونه وهي تميل إلى الغبرة
(والحدق) يعني حبة الحدقة، وهو الناظر من العين لا جسم العين كله
(خلاف) بين الأصحاب المتقدم ذكرهم.
وأن التحريم هو الأشهر بينهم، كما صرح به في المختلف (1) والتحرير (2)
أشبه عند الماتن وغيره كالفاضل في كتبه المتقدمة لكن فيما عدا الفرج
(الكراهة) لأدلة الإباحة المتقدمة في أحد شقي الترديد في الثلاثة
المتقدمة، مع سلامتها عن معارضة تلك الإجماعات المحكية، وضعف
النصوص السابقة، كالدال على حرمة ذات الأشاجع وغيرها أيضا من تلك
المعدودات، وعدم جابر لها في المسألة، وعدم ظهور الاستخباث المدعى
في الجميع أو ما عدا الفرج.
وهو حسن لولا الشهرة المحكية في الكتابين (3) بل الظاهرة
الجابرة للنصوص في البين; مضافا إلى دعوى الإجماع في ظاهر
الخلاف (4) وصريح الغنية (5) في الغدد والعلباء وخرزة الدماغ، كما في

(1) المختلف 8: 314.
(2) التحرير 2: 161 س 9.
(3) المختلف 8: 314، التحرير 2: 161 س 7.
(4) الخلاف 6: 29، المسألة 30.
(5) الغنية: 398، وليس فيها ذكر من العلباء.
188

الأول (1) وفي الأولين خاصة كما في الثاني (2). وهما حجة اخرى مستقلة
على تحريم هذه الثلاثة موجبة لتحريم ما عداها بمعونة عدم القائل بالفرق
بين الطائفة.
هذا، مع انجبار تلك النصوص بالاتفاق في الجملة، لتضمنها تحريم
الأمور المجمع عليها. فتأمل.
مع أن أولها: مروي في الخصال (3) بسند صحيح على الظاهر، والثاني:
مروي في المحاسن بسند موثق بإبراهيم بن عبد الحميد (4) ومع ذلك روى
ابن أبي عمير عنه، والثالث: ليس في سنده سوى إسماعيل بن مرار (5) وقد
ذكر له في الرجال ما ربما يستأنس به للاعتماد عليه.
هذا، مع اعتضادها بنصوص أخر في الكتب الأربعة وغيرها مروية قريبا
من حد الاستفاضة، يظهر من مجموعها الحكم بالحرمة في جميع هذه
الخمسة عشر.
فإذا المختار حرمتها أجمع، مع أنها أحوط.
واعلم أنه احترز بقوله: «من الذبيحة» عن نحو السمك والجراد،
فلا يحرم منه شئ من المذكورات، للأصل، واختصاص النص والفتوى
بحكم التبادر، بل والتصريح في جملة منهما بغيرهما. وإطلاقه كغيره من
عبائر أكثر الأصحاب يشمل كبير الحيوان المذبوح كالجزور وصغيره
كالعصفور.
وبالتعميم صرح جماعة ومنهم شيخنا في الروضة، إلا أنه قال بعده:

(1) الخلاف 6: 29، المسألة 30.
(2) الغنية: 398، وليس فيها ذكر من العلباء.
(3) الخصال 2: 433، الحديث 18.
(4) المحاسن: 471، الحديث 463.
(5) الوسائل 16: 36، الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3.
189

ويشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تميزه، لاستلزام تحريم جميعه
أو أكثره للاشتباه، والأجود اختصاص الحكم بالنعم من الحيوان الوحشي
دون العصفور وما أشبهه (1). وهو جيد فيما كان المستند في تحريمه
الإجماع، لعدم معلومية تحققه في العصفور وشبهه، مع اختصاص عبائر
جماعة من الأصحاب كالصدوق (2) وغيره وجملة من النصوص (3) بالشاة
والنعم، وعدم انصراف إطلاقات باقي الفتاوى أو الروايات إليهما.
وأما ما كان المستند في تحريمه الخباثة فالتعميم إلى كل ما تحققت فيه
أجود، ومع ذلك الترك مطلقا أحوط.
(ويكره) أكل (الكلى) بضم الكاف وقصر الألف جمع كلية وكلوة
بالضم فيهما، والكسر لحن كما عن ابن السكيت (وأذنا القلب والعروق) ولا
يحرم شئ منها بلا خلاف ظاهر مصرح به في كلام جمع، وبه يصرف ظاهر
النهي عنها في النصوص، مع أن الوارد منها في الكلى في الكتب المشهورة
مقطوع غير متضمن للنهي، بل يتضمن لفظ الكراهة، الذي هو أعم من
الحرمة، قابل للحمل على الكراهة، سيما بملاحظة الخبرين المرويين في
العيون (4) وغيره (5): أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لا يأكل الكليتين من غير أن
يحرمهما لقربهما من البول.
(وإذا شوي الطحال مثقوبا فما تحته) من لحم كان أو غيره (حرام،
وإلا) يكن مثقوبا أو كان أسفل (فهو) أي ما تحته في المشوي معه
(حلال) على الأظهر الأشهر، للموثق: عن الجري يكون في السفود مع

(1) الروضة 7: 311 - 312.
(2) المقنع: 425.
(3) الوسائل 16: 359، الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة.
(4) عيون الأخبار 2: 41، الحديث 131.
(5) الوسائل 16: 362، الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 13.
190

السمك، فقال: يؤكل ما كان فوق الجري ويرمى ما سال عليه الجري.
وعن الطحال في سفود مع اللحم وتحته الخبز وهو الجوذاب أيؤكل ما
تحته؟ قال: نعم يؤكل اللحم والجوذاب ويرمى بالطحال، لأن الطحال في
حجاب لا يسيل منه، فإن كان الطحال مثقوبا أو مشقوقا فلا تأكل مما يسيل
عليه الطحال (1).
خلافا للصدوقين فحكما بأن اللحم إذا كان أسفل لم يؤكل مطلقا،
وأما الجوذاب فيؤكل مع عدم الثقب ولا يؤكل مع الثقب. وهو شاذ (2)
ومستنده غير واضح.
وهل حكم الجري أو غيره مما لا يؤكل لحمه حكم الطحال مع اللحم
في ذلك من اعتبار الأعلى والأسفل؟ ظاهر المحكي عن الصدوقين (3) وابن
حمزة (4) الأول، واختاره في التنقيح (5) لصدر الموثق المتقدم. وهو حسن.
خلافا للمختلف (6) فخص الحكم بالطحال، عملا بأصالة الإباحة،
واستضعافا للرواية.
ولا وجه له بعد القول بحجية الموثق، كما هو الأصح الأشهر، سيما بعد
انجباره واعتضاده في الجملة بالشهرة، مع أن الحكمة في الحرمة في الطحال
وغيره واحدة، وهي سيلان الرطوبة المحرمة من حيث الجزئية، لا من حيث
النجاسة إلى ما تحته وتشرب الأسفل بها فيحرم.
ومن هنا يظهر أنه ينبغي تقييد الحكم بالتحريم في المسألتين بصورة
إمكان سيلان الرطوبة من الأعلى المحرم إلى الأسفل المحلل، فلو قطع بعدم

(1) المصدر السابق: الباب 49، الحديث 1.
(2) المقنع: 425.
(3) المقنع: 424.
(4) الوسيلة: 362.
(5) التنقيح 4: 49.
(6) المختلف 8: 319.
191

السيلان لم يحرم الأسفل، للأصل، واختصاص إطلاق الفتاوى والنص بحكم
التبادر والغلبة في موردهما بصورة إمكان السيلان أو مقطوعيته أو ظهوره،
سيما مع التصريح بالحكمة في كثير من النصوص والفتاوى.
وإطلاقهما يقتضي الحرمة مع الشك في السيلان، مع احتمالهما التقييد
بصورة القطع به أو ظهوره، فيحل في غيرها، عملا بالأصل. ولا ريب أن
التجنب مطلقا أحوط.
(الثالث: الأعيان النجسة) بالأصالة (كالعذرات) ونحوها. والأصل
في تحريمها - بعد الإجماع المقطوع به المحكي في الغنية (1) وغيرها، بل
يمكن عده من الضروريات جدا - الأخبار المتواترة معنى قطعا، الظاهرة
على المتتبع لها في مباحث عديدة، لا تكاد تحصى. ومنها ما دل على حرمة
المتنجسات بالخمر والميتة والدم وغيرها، فإن النصوص الدالة على حرمتها
دالة على حرمة ما هنا بطريق أولى.
هذا، مع أن جملة منها بل لعلها كلها منصوص على تحريمها بخصوصها،
مضافا إلى كونها كلا أو جلا من الخبائث المحرمة بالإجماع والكتاب
والسنة، كالأمور الثلاثة (و) نحوها (ما أبين من حي) إذا كان مما تحله
الحياة، لأنه ميتة أو بحكمها نصا وفتوى، كما مضى في بحثها.
(والعجين إذا عجن بالماء النجس) حرام مطلقا ولو خبز وأكلت النار ما
فيه من الرطوبات ولو كلها على الأشهر الأقوى، بل عليه كافة متأخري
أصحابنا، ومنهم الشيخ في التهذيب (2) وكتاب الأطعمة من النهاية (3) لأصالة
بقاء الحرمة، والمرسلين كالصحيحين بابن أبي عمير المجمع على تصحيح

(1) الغنية: 398.
(2) التهذيب 1: 414، ذيل الحديث 25.
(3) النهاية 3: 108.
192

رواياته ومراسيله كمسانيده.
في أحدهما: العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال: يباع
ممن يستحل أكل الميتة (1).
وفي الثاني: يدفن ولا يباع (2).
وإطلاقهما بل عمومهما أو أحدهما الناشئ عن ترك الاستفصال يشمل
صورة إمكان الخبز وعدمها، بل لعلهما ظاهران في الصورة الأولى،
لأغلبيتها.
فالعدول فيهما عن الأمر بالخبز الذي هو أسهل إلى الأمر بالبيع، والدفن
اللذين لا يخلوان عن وجه منع، سيما الثاني، لاستلزامه إضاعة المال
المحترم بمقتضى الفرض، وإمكان الانتفاع به على الوجه المحلل ظاهر في
تعينهما، وعدم الحل بالخبز أصلا.
فما يقال في القدح عليهما في الدلالة على المدعى - من أنه ما لم يخبز
بالنار نجس فحكمه في البيع ما تضمناه، وهذا لا ينافي الرواية الآتية بتقدير
الدلالة على الطهارة إذا خبز - كما ترى، ولذا أن الشيخ في الكتابين (3) فهم
كغيره التعارض بين الروايتين اللتين مضى ذكر أولهما، وأشار إلى الثانية
منهما بقوله: (وفيه رواية بالجواز) أي جواز أكله (بعد خبزه، لأن النار قد
طهرته) والمراد بالرواية الجنس لتعددها.
منها: المرسل كالصحيح بابن أبي عمير المتقدم: في عجين عجن وخبز
ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة، قال: لا بأس أكلت النار ما فيه (4).

(1) الوسائل 1: 174، الباب 11 من أبواب الأسئار، الحديث 1.
(2) الوسائل 1: 174، الباب 11 من أبواب الأسئار، الحديث 2.
(3) التهذيب 1: 414، ذيل الحديث 25، الاستبصار 1: 29 - 30، ذيل الحديث 4.
(4) الوسائل 1: 129، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 17.
193

ومنها: عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من
مائها أيؤكل ذلك الخبز؟ قال: إذا أصابته النار فلا بأس بأكله (1).
وفي سنده جهالة مع عدم مقاومتها كما تقدم للروايتين المتقدمتين،
لاعتبار سنديهما معا، واعتضادهما بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون
إجماعا، بخلاف هاتين، لقصور سند إحداهما وشذوذ القائل بهما، إذ لم أقف
إلا على الشيخ في كتاب الاستبصار (2) وبحث المياه من النهاية (3).
ورأيه في الأول غير معلوم، لاحتمال قصده بذلك مجرد الجمع بين
الأخبار المختلفة، ولذا ذكر جملة من الأجلة أن فتاويه في الكتابين في
الجمع بين النصوص المختلفة غير معلومة.
وأما فتواه بذلك في النهاية وإن كانت صريحة، إلا أنه قد رجع عنها
فيها في كتاب الأطعمة.
فما هذا شأنه كيف يعترض به الأخبار السابقة! سيما مع ما هما عليه من
عدم الصراحة، لاحتمالهما التقييد بصورة طهارة الماء، إذ ليس فيهما ما يدل
صريحا على كونه نجسا. فإن الميتة في الأولى أعم من ذي النفس وغيره
مما يكون طاهرا، مع أن العلم بوقوعها فيها أعم من العلم بكون الوقوع قبل
الاستعمال والشك فيه، وعليه يكون الماء طاهرا استصحابا. والفأرة في
الثانية وإن كانت ذات نفس سائلة ميتتها نجسة، إلا أن نجاسة البئر بمجرد
ملاقاتها محل مناقشة، بل الأقوى الطهارة، كما مر في كتابها إليه الإشارة.
واحتمال السؤال التغير بها فيعم الجواب بترك الاستفصال له حسن،

(1) الوسائل 1: 129، الباب 14 من أبواب الماء المطلق، الحديث 18.
(2) الاستبصار 1: 29 - 30، ذيل الحديث 4.
(3) النهاية 1: 211.
194

وجاز مثله فيما تقدمه، إلا أنه لا يوجب الصراحة التي هي المناط في
تخصيص الأدلة، بل غايته الظهور.
فلا يمكن الخروج بهما عن الاستصحاب والخبرين اللذين تقدما وإن
اعتضد ظهورهما بما فيهما من العلة وما في حكمها، إذ لا يوجبان الصراحة
جدا، بعد احتمال كون المراد مما تأكله النار النفرة الحاصلة للنفس أو
الموجبة للكراهة لا النجاسة، سيما مع الاتفاق على أن النار إنما تطهر
بالإحالة، لا بالتجفيف ونحوه.
ثم لو سلم الصراحة فهما كما عرفت قاصرتان عن المقاومة لما مر من
الأدلة من وجوه عديدة، ومنها الشذوذ والندرة فيهما دون السابقة. فلا شبهة
في المسألة بحمد الله سبحانه.
(الرابع: الطين، وهو) بجميع أصنافه (حرام) إجماعا فتوى ونصا
مستفيضا، بل متواترا.
منها: أكل الطين حرام كلحم الخنزير، ومن أكله ثم مات فيه لم أصل
عليه، إلا طين القبر فإن فيه شفاء من كل داء، ومن أكله بشهوة لم يكن فيه
شفاء (1). وفي رواية: وأمانا من كل خوف (2).
ويستفاد منه ومن غيره مما تضمن الاستثناء المذكور فيه المشار إليه في
كلام الأصحاب بقولهم: (إلا طين قبر الحسين للاستشفاء) أن المراد بالطين
هنا ما يعم التراب الخالص والممزوج بالماء، الذي هو معناه الحقيقي لغة
وعرفا، مضافا إلى تعليل التحريم بالإضرار للبدن الوارد في بعض النصوص
والفتاوى، بناء على حصول الضرر في الخالص أيضا قطعا.

(1) الوسائل 16: 395 - 396، الباب 59 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 2.
(2) الوسائل 16: 395 - 396، الباب 59 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1، 2.
195

ومنه يظهر وجه ما اشتهر بين المتفقهة من حرمة التراب والأرض كلها
حتى الرمل والأحجار، وضعف ما أورد عليهم من أن المذكور في النصوص
الطين الذي هو حقيقة في التراب الممزوج بالماء، إلا أن يخص الإيراد
بصورة القطع بعدم ضرر هذه الأشياء فهو حسن إن صح ثبوتها، مع أن
الظاهر عدمها، بل الظن حاصل بضررها مطلقا. فتأمل جدا.
وكيف كان لا خلاف في صحة الاستثناء، بل عليه وعلى حرمة الطين
مطلقا الإجماع في الغنية (1) وغيرها. وهو الحجة; مضافا إلى النصوص
المستفيضة، بل المتواترة جدا:
منها - زيادة على ما مضى - المروي في المصباح: أن رجلا سأل
الصادق (عليه السلام) فقال: إني سمعتك تقول: إن تربة الحسين (عليه السلام) من الأدوية
المفردة، وأنها لا تمر بداء إلا هضمته، فقال: قد قلت ذلك فما بالك؟ فقلت:
إني تناولتها فما انتفعت بها، قال: أما أن لها دعاءا فمن تناولها ولم يدع به
واستعملها لم يكن ينتفع بها، فقال له ما تقول إذا تناولها؟ قال: تقبلها قبل كل
شئ، وتضعها على عينيك، ولا تناول منها أكثر من حمصة، فإن من تناول
منها أكثر من ذلك فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا، فإذا تناولت فقل: اللهم...
الدعاء (2).
ويستفاد منه أنه يشترط في الاستشفاء بها أخذها بالدعاء المأثور فيه،
مع قراءة إنا أنزلناه وختمها بها.
ولكن إطلاقات باقي النصوص والفتاوى يقتضي الجواز مطلقا، ولم أقف
على مشترط لذلك أصلا، بل صرح جماعة بأن ذلك لزيادة الفضل، كالشرائط

(1) الغنية: 398.
(2) مصباح المتهجد: 677 - 678.
196

الأخر المذكورة في محله. وهو الأقوى، لضعف الخبر، وعدم قابليته لتقييد
ما مر، وإن كان مراعاتها أحوط، اقتصارا فيما خالف الأصل، الدال على
حرمة الطين مطلقا على القدر المتيقن من الإطلاقات.
ومن هنا يظهر عدم جواز أكلها لغير الاستشفاء، مضافا إلى التقييد به
فيما دل على جواز أكله من النص والفتوى.
(و) يستفاد من الرواية اشتراط أن (لا يتجاوز قدر الحمصة)
المعهودة المتوسطة، وبه صرح الماتن وجماعة.
وعليه ينزل إطلاق أكثر النصوص والفتاوى، مع ظهورهما في أن
استثناءها للضرورة، فليقتصر فيها على قدر ما يندفع به، وهو القدر المزبور
فما دونه.
ثم إن مقتضى الأصل ولزوم الاقتصار في الاستثناء المخالف له على
المتيقن من ماهية التربة المقدسة هو ما أخذ من قبره، أو ما جاوره عرفا،
ويحتمل إلى سبعين ذراعا كما في الرواية (1) لا لها، بل لعسر الاقتصار على
ما دونه مع القطع بعدمه في الأزمنة السابقة والحديثة.
وأما ما جاوز السبعين إلى أربعة فراسخ أو غيرها مما وردت به
الرواية (2) فمشكل، إلا أن يأخذ منه ويوضع على القبر أو الضريح، فيقوى
احتمال جوازه حينئذ، نظرا إلى أن الاقتصار على المتيقن أو ما قاربه يوجب
عدم بقاء شئ من أرض تلك البقعة المباركة لكثرة ما يؤخذ منها في جميع
الأزمنة، وستؤخذ إن شاء الله تعالى إلى يوم القيامة، وظواهر النصوص (3)
بقاء تربته الشريفة بلا شبهة.

(1) الوسائل 10: 400، الباب 67 من أبواب المزار، الحديث 3، 1.
(2) الوسائل 10: 400، الباب 67 من أبواب المزار، الحديث 3، 1.
(3) الوسائل 10: 399، الباب 67 من أبواب المزار.
197

وبما ذكرنا صرح جماعة كالفاضل المقداد في التنقيح (1) وشيخنا في
الروضة، فقال: المراد بطين القبر الشريف تربة ما جاوره من الأرض عرفا،
وروي إلى أربعة فراسخ، وروي ثمانية، وكلما قرب منه كان أفضل، وليس
كذلك التربة المحترمة منها، فإنها مشروطة بأخذها من الضريح المقدس
أو خارجه، كما مر، مع وضعها عليه وأخذها بالدعاء، ولو وجدت تربة
منسوبة إليه (عليه السلام) حكم باحترامها، حملا على المعهود (2).
وهل يجوز أكله بمجرد التبرك بها في عصر يوم عاشوراء أو يوم عيد
الفطر والأضحى؟ ظاهر الأكثر وصريح الحلي في السرائر (3) وغيره لا.
خلافا للشيخ في المصباح (4). وحجته غير واضحة، سيما في مقابلة
إطلاقات الأدلة المانعة، ولذا رجع عنه في النهاية كما في السرائر وغيره.
واعلم أن ظاهر العبارة ككثير من حيث الاقتصار في الاستثناء على
التربة الحسينية خاصة عدم استثناء غيرها مطلقا.
خلافا للشهيدين في الدروس (5) واللمعتين (6) فاستثناء الطين الأرمني
أيضا للمنفعة.
فإن أرادا بها المنفعة المسوغة لإباحة المحرم عند الضرورة - كما هو
ظاهر الروضة (7) - فله وجه صحة على القول بجواز مثله، إلا أنه لا وجه
لتخصيصه بالاستثناء والذكر، فإن كل محرم كذلك على ذلك القول طينا كان
أو غيره. وإن أرادا بها مطلق المنفعة وإن لم تكن في حال ضرورة فحجتهما
عليه غير واضحة، عدا ورود روايات بذلك، وهي بحسب السند قاصرة:

(1) التنقيح 4: 51.
(2) الروضة 7: 327.
(3) السرائر 3: 124.
(4) مصباح المتهجد: 713.
(5) الدروس 3: 14.
(6) الروضة 7: 328.
(7) الروضة 7: 328.
198

كالمرسل المروي في المصباح (1) ومكارم الأخلاق (2) قال: سئل أبو
عبد الله (عليه السلام) عن طين الأرمني يؤخذ للكسير والمبطون، قال: لا بأس به، أما
أنه من طين قبر ذي القرنين وطين قبر الحسين (عليه السلام) خير منه.
والمروي مسندا عن طب الأئمة (عليهم السلام) عن أبي جعفر (عليه السلام): أن رجلا
شكى إليه الزحير، فقال له: خذ من الطين الأرمني واقله بنار لينة واستف منه،
فإنه يسكن عنك (3).
وعنه (عليه السلام) أنه قال في الزحير: تأخذ جزء من خريق أبيض وجزء من
بذر القطونا وجزء من صمغ عربي وجزء من الطين الأرمني يقلى بنار لينة
ويستف منه (4).
هذا، مع ضعف دلالتها.
فالأول: بعدم التصريح فيه بجواز الأكل، بل غايته الدلالة على جواز
الأخذ، الذي هو أعم من الأخذ للأكل المحتمل للأخذ للطلاء أو الضماد.
والثاني: باحتمال اختصاصه بحال الضرورة، وهذا جار في الرواية
السابقة أيضا على تقدير تسليم الدلالة.
وبالجملة: فالخروج عن مقتضى إطلاقات الأدلة المانعة فتوى ورواية
بهذه الروايات - سيما مع ما هي عليه من وجوه الضعف - مشكل غايته، وإن
احتمل دعوى عدم انصراف الإطلاق إلى مثل هذا الطين وما شاكله مما هو
من الأفراد النادرة، الغير المنساق إليها الذهن عند إطلاق اللفظ مجردا عن
القرينة، سيما مع ما في بعض النصوص والفتاوى المتضمنة لتلك الإطلاقات
من التعليل بالضرر المفقود في هذا الطين في صورة الفرض.

(1) مصباح المتهجد: 676.
(2) مكارم الأخلاق: 167.
(3) طب الأئمة: 65.
(4) طب الأئمة: 65 - 66.
199

(الخامس: السموم القاتلة) والأشياء الضارة حرام كلها بجميع
أصنافها، جامدة كانت، أم مائعة (قليلها وكثيرها، وما يقتل) أو يضر
(كثيره) دون قليله، كالأفيون والسقمونيا وشحم الحنظل وغيرها (فالمحرم
منه ما بلغ ذلك الحد) هذا إذا أخذ منفردا. أما لو أضيف إلى غيره فقد لا يضر
منه الكثير، كما هو معروف عند الأطباء.
وضابط المحرم ما يحصل به الضرر على البدن وإفساد المزاج. والأصل
فيه - بعد الإجماع - حديث نفي الضرر والإضرار (1) وما ورد في المنع عن
الطين من التعليل، بأن فيه إعانة على النفس في قتلها أو ضعفها، وهو جار
هنا أيضا.
* * *

(1) الوسائل 17: 341، الباب 12 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3.
200

(القسم الخامس في المائعات)
(والمحرم) منها (خمسة):
(الأول: الخمر) بالضرورة من الدين والكتاب والسنة المتواترة
ناطقان به.
(و) يلحق به (كل مسكر) إجماعا، للنص النبوي: كل مسكر خمر
وكل خمر حرام (1) والصحاح به مع ذلك مستفيضة، كغيرها من المعتبرة:
ففي الصحيح وغيره: إن الله تبارك وتعالى لم يحرم الخمر لاسمها، ولكن
حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر (2). وبمعناهما
غيرهما (3).
وفي الصحيح وما يقرب منه بصفوان بن يحيى: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
الخمر من خمسة: العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب، والبتع من العسل،
والمزر من الشعير، والنبيذ من التمر (4).

(1) سنن البيهقي 8: 293.
(2) الوسائل 17: 273، الباب 19 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 2، 3.
(3) الوسائل 17: 273، الباب 19 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 2، 3.
(4) المصدر السابق: الباب 1، الحديث 3.
201

وفي المرسل كالصحيح: الخمر من خمسة أشياء من التمر والزبيب
والحنطة والشعير والعسل (1).
ولا خلاف في أن المعتبر في التحريم إسكار كثيره فيحرم قليله ولو كان
مستهلكا، كما في الأخبار، حسما لمادة الفساد، وللنصوص المستفيضة، بل
المتواترة، وفيها الصحيح وغيره: ما أسكر كثيره فقليله حرام (2) وزيد في
بعض الصحاح منها: قلت: فقليل الحرام يحله كثير الماء، فرد عليه بكفه
مرتين: لا، لا (3). وفي الخبر: ما تقول: في قدح من المسكر يغلب عليه الماء
حتى تذهب عاديته وتذهب سكره؟ فقال: لا والله ولا قطرة يقطر منه في
حب إلا أهريق ذلك الحب (4).
ويلحق بالمسكر الفقاع قليله وكثيره مطلقا وإن لم يكن مسكرا بلا
خلاف بين الأصحاب، بل عليه الإجماع في كثير من العبارات، كالغنية (5)
والسرائر (6) والتحرير (7) والقواعد (8) والدروس (9) والمسالك (10) وغيرها من
كتب الجماعة. وهو الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة من غير تقييد
بالإسكار.
وفيها: أنه خمر مجهول (11) وأنه الخمر بعينها (12) وأن حده حد شارب
الخمر (13).
وفي بعضها: كل مسكر حرام، وكل مخمر والفقاع حرام (14).

(1) الوسائل 17: 222، الباب 1 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2.
(2) الوسائل 17: 268 - 276، الباب 17 - 18 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2، 3، 1، 1.
(3) الوسائل 17: 268 - 276، الباب 17 - 18 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2، 3، 1، 1.
(4) الوسائل 17: 268 - 276، الباب 17 - 18 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2، 3، 1، 1.
(5) الغنية: 399.
(6) السرائر 3: 128.
(7) التحرير 2: 161 س 16.
(8) القواعد 2: 158 س 9.
(9) الدروس 3: 16.
(10) المسالك 12: 72.
(11) الوسائل 17: 288، الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 8، 7، 11، 3.
(12) الوسائل 17: 288، الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 8، 7، 11، 3.
(13) الوسائل 17: 288، الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 8، 7، 11، 3.
(14) الوسائل 17: 288، الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 8، 7، 11، 3.
202

وربما يظهر منه عموم التحريم لصورة عدم الإسكار كما ذكروه.
فتدبر.
ومقتضى الأصول دوران الحكم بالتحريم مدار تسميته في العرف فقاعا
فيحرم معها مطلقا، إلا أنه ذكر جماعة ومنهم الشهيدان أنه إنما يحرم مع
الغليان (1) ولعله لظاهر الصحيح: كان يعمل لأبي الحسن (عليه السلام) الفقاع في منزله،
قال محمد بن يحيى: قال أبو أحمد - يعني ابن أبي عمير -: ولا يعمل فقاع
يغلى (2).
وفسر الغليان بالنشيش الموجب للانقلاب.
وفي الصحيح: عن شراب الفقاع الذي يعمل في السوق ويباع ولا أدري
كيف عمل ولا متى عمل أيحل شربه؟ قال: لا أحبه (3).
وفيه إشعار بكراهة المجهول حاله. قيل: ونزلها الأصحاب على
التحريم (4). ولا ريب فيه، مع إطلاق الاسم عليه حقيقة عرفا. وأما مع عدمه
ففيه إشكال، وإن كان الترك أحوط.
(و) يحرم (العصير) وهو المعتصر من ماء العنب خاصة في ظاهر
الأصحاب، وإنما يحرم (إذا غلى) بأن صار أسفله أعلى قبل أن يذهب
ثلثاه بلا خلاف، كما في المسالك (5) بل عليه الإجماع ظاهرا، وحكى في
التنقيح (6) وغيره صريحا، ومع ذلك المعتبرة المستفيضة ناطقة به جدا:

(1) بل صرح الشهيد الأول في الدروس بشذوذ الرواية وحملها على التقية أو على ما لم يسم
فقاعا، راجع الدروس 3: 16، وأما الشهيد الثاني فعلق الحكم على صدق الاسم أو الغليان
راجع المسالك 12: 73.
(2) الوسائل 17: 305، الباب 39 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 3.
(3) الوسائل 17: 305، الباب 39 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 3.
(4) مفاتيح الشرائع 2: 219.
(5) المسالك 12: 73 - 74.
(6) التنقيح 4: 368.
203

ففي الصحيح: كل عصير أصابه النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه
ويبقى ثلثه (1).
وفيه: لا يحرم العصير حتى يغلي (2).
وفي الموثق: إذا نش العصير أو غلى حرم (3).
ويستفاد من صريحه وإطلاق أكثر البواقي والفتاوى عدم الفرق في
الحكم بتحريمه بالغليان بين وقوعه بالنار أو غيرها، وبه صرح جماعة
كالماتن في الشرائع (4) والفاضل في التحرير (5) وشيخنا في المسالك (6)
والروضة (7) وكثير ممن تبعه.
وكذا لا فرق في ذهاب ثلثيه بين الأمرين، لإطلاقات النصوص (8)
والفتاوى، وبه صرح جماعة أيضا، إلا أن ظاهر التحرير هنا القول بالفرق،
حيث قال بعد التصريح بعدم الفرق في الأول: فإن غلى بالنار وذهب ثلثاه
حل (9). ولعله لمنع ما يدل على العموم، لإمكان دعوى اختصاص
الإطلاقات بحكم التبادر بذهاب ثلثين بالنار، فيرجع في غيره إلى أصالة
بقاء التحريم، وهذه الدعوى وإن أمكن انسحابها في الأول أيضا نظرا إلى
تبادر الغليان الناري من مطلق الغليان إلا أن وجود الموثق الناص على عدم
الفرق فيه المعتضد بعدم الخلاف فيه اقتضى اختصاص عدم الفرق بين
الأمرين به دون الثاني.

(1) الوسائل 17: 224، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1.
(2) الوسائل 17: 229، الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 4.
(3) الوسائل 17: 229، الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 4.
(4) الشرائع 3: 225.
(5) التحرير 2: 161 س 16.
(6) المسالك 12: 73 - 74.
(7) الروضة 7: 320.
(8) الوسائل 17: 229، الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة.
(9) التحرير 2: 161 س 17.
204

فما ذكره لعله لا يخلو عن وجه إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، مع
أنه في الجملة أحوط.
ثم إن ظاهر النصوص وأكثر الفتاوى المقتصرة في سبب التحريم على
الغليان خاصة عدم اعتبار شئ آخر غيره.
خلافا للفاضل في الإرشاد، فاعتبر الاشتداد (1) أيضا.
ووجهه غير واضح، عدا ما يدعى من التلازم بين الأمرين، وليس بثابت،
بل الظاهر العدم، كما صرح به جمع. وعلى تقديره فذكره مستدرك.
واعلم أن مقتضى الأصل والعمومات الدالة على الإباحة من الكتاب
والسنة مع اختصاص ما دل على حرمة العصير فتوى ورواية بعصير العنب -
كما مر وسيأتي إليه الإشارة - حل عصير التمر والزبيب والحصرم مطلقا وإن
غلى ما لم يبلغ الشدة المسكرة، واختاره الفاضلان (2) والشهيدان (3) وفخر
الإسلام (4) والفاضل المقداد (5) والمفلح الصيمري (6) والمقدس الأردبيلي (7)
وصاحب الكفاية (8) مدعيين عليه كالمفلح الصيمري الشهرة. ولا ريب فيها.
بل ظاهر الدروس في التمري عدم وجود القول فيه بالحرمة (9) حيث
إنه بعد نسبة الحل إلى بعض الأصحاب لم ينقل المخالف له، وإنما ظاهره
نسبة المخالفة إلى رواية عمار الآتية.
وأظهر منه كلام شيخنا في المسالك (10) في هذا الكتاب وكتاب الحدود،
حيث إنه حكى الخلاف عن بعض الأصحاب في الزبيبي خاصة، ولم يشر

(1) الإرشاد 2: 111.
(2) الشرائع 4: 169، القواعد 2: 263 س 5.
(3) الدروس 3: 16، المسالك 12: 76، 14: 459 - 460.
(4) الإيضاح 4: 512.
(5) التنقيح 4: 368.
(6) غاية المرام: 195 س 17 (مخطوط).
(7) مجمع الفائدة 11: 202.
(8) كفاية الأحكام: 251 س 36.
(9) الدروس 3: 16، المسالك 12: 76، 14: 459 - 460.
(10) المسالك 12: 76، 14: 459 - 460.
205

إليه في التمري بالكلية، وإنما ذكر في الكتاب الأخير وجه تردد الماتن
فيهما، وربما كان ذلك ظاهرا أيضا من اللمعتين، حيث لم يشيرا إلى الحكم
فيه مطلقا، مع تصريحهما بأنه لا يحرم العصير من الزبيب وإن غلى على
الأقوى (1) فلو وجد القول بالتحريم فيه أيضا لألحقاه بالزبيبي جدا.
هذا، مع أنه حكي (2) عن بعض الفضلاء التصريح بعدم الخلاف فيه
أصلا. وهو حجة اخرى، ولا ينافيها تردد الماتن في حكمهما، لفتواه بالحل
بعده صريحا.
وما ربما يقال: من إشعار التردد بوجود الخلاف فواضح الفساد،
لاحتمال حصوله بتعارض الاحتمالات دون الأقوال.
نعم ظاهر سياق كلام الدروس المتقدم التردد فيه، لموثقة عمار عن
النضوح، قال: يطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يمتشطن (3) ونحوها
موثقته الأخرى: عن النضوح المعتق كيف يصنع حتى يحل؟ قال: خذ التمر
فاغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر (4).
وهو كما ترى، لقصورهما عن المقاومة لما مضى من الأدلة القطعية،
المعتضدة بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون إجماعا، المؤيدة بعدم الخلاف
المستفاد من الكتب المتقدمة المصرح به في كلام بعض الأجلة (5).
مضافا إلى قصورهما دلالة، إذ لا تصريح فيهما بحرمة الشرب، وإنما
غايتهما الأمر بغليه حتى يذهب ثلثاه، وهو أعم من تحريمه بالغلي قبله.
ولعل الوجه فيه ما ذكره بعض الأصحاب، من أن النضوح لغة على

(1) اللمعة: 151، الروضة 7: 321.
(2) الحدائق الناضرة 5: 125.
(3) الوسائل 17: 303 - 298، الباب 37 - 32 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 17: 303 - 298، الباب 37 - 32 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 2.
(5) الحدائق الناضرة 5: 125.
206

ما في النهاية الأثيرية ضرب من الطيب تفوح رائحته (1) وفي مجمع البحرين
أن في كلام بعض الأفاضل أنه طيب مائع ينقعون التمر والسكر والقرنفل
والتفاح والزعفران وأشباه ذلك في قارورة فيها قدر مخصوص من الماء
ويشد رأسها ويصبرون أياما حتى ينش ويتخمر وهو شائع بين نساء
الحرمين الشريفين.
وعلى هذا فتحمل الروايتان على أن الغرض من طبخه حتى يذهب
ثلثاه إنما هو لئلا يصير خمرا ببقائه مدة، لأن غليه على هذا الحد الذي يصير
به دبسا يذهب الأجزاء المائية التي تصير به خمرا لو مكث مدة كذلك،
لأنها إنما تصير خمرا بسبب ما فيه من تلك الأجزاء المائية، فإذا ذهبت أمن
من صيرورته خمرا.
ويؤيد هذا قوله: «النضوح المعتق» على صيغة اسم المفعول، أي الذي
يراد جعله عتيقا بأن يحفظ زمانا حتى يصير عتيقا.
ويؤيده أيضا قوله: «يمتشطن» الظاهر في أن الغرض منه التمشط
والوضع في الرأس.
والمراد من السؤال في الروايتين عن كيفية عمله هو التحرز عن
صيرورته بزيادة المكث خمرا نجسا يمتنع الصلاة فيه، ولا يحل إذا تمشطن،
وإلا فهو ليس بمأكول، ولا الغرض من السؤال عن كيفية عمله حل أكله
حتى يكون الأمر بغليه على ذلك الوجه لأجله، بل حل استعماله.
ومع هذا الاحتمال لا يمكن أن يستند إلى الروايتين، سيما في تخصيص
ما مر من الأدلة القطعية، فإن بناءه على قطعية الدلالة أو قوتها وشئ منهما
لا يتحقق مع هذا الاحتمال بلا شبهة، وإن قلنا بمرجوحيته بالإضافة

(1) الحدائق الناضرة 5: 149.
207

إلى الظاهر، لعدم بلوغ هذه المرجوحية درجة يحصل فيها قوة الدلالة،
التي هي المناط في تخصيص الأدلة القاطعة.
وبهذا يجاب عن موثقتيه الآخرتين الواردتين في الزبيب:
في أحدهما: وصف لي الصادق (عليه السلام) المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير
حلالا، فقال: تأخذ ربعا من زبيب وتنقيه وتصب عليه اثنى عشر رطلا من
ماء ثم تنقعه ليلة، فإن كان أيام الصيف وخشيت أن ينش جعلته في تنور
مسجور قليلا حتى لا ينش ثم تنزع الماء منه كله حتى إذا أصبحت صببت
عليه من الماء بقدر ما يغمره - إلى أن قال -: ثم تغليه بالنار ولا تزال تغليه
حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث، الحديث (1). وقريب منها الثانية (2).
والخبر: شكوت إلى الصادق (عليه السلام) قراقر تصيبني في معدتي وقلة
استمرائي الطعام فقال لم لا تتخذ شيئا نشربه نحن إلى أن قال تأخذ صاعا
من زبيب إلى أن قال ثم تطبخه رقيقا حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه إلى أن
قال في آخر الخبر وهو شراب لا يتغير إذا بقي (3).
وذلك فإنه لا يلزم من الأمر بطبخه على الثلث أن يكون لأجل حليته
بعد حرمته إن حرم بالغليان، بل يجوز أن يكون لئلا يصير مسكرا، كما يدل
عليه قوله (عليه السلام) في آخر الرواية الأخيرة: «وهو شراب لا يتغير إذا بقي».
ويجوز أن يكون لأجل أن الخاصية والنقع المترتب عليه لا يحصل إلا
بطبخه على الوجه المذكور، كما ورد مثله في بعض النصوص، كتبت إليه (عليه السلام):
عندنا شراب يسمى الميبة نعمد إلى السفرجل فنقشره ونلقيه في الماء ثم
نعمد إلى العصير فنطبخه على الثلث ثم ندق ذلك السفرجل ونأخذ ماءه ثم

(1) الوسائل 17: 231، الباب 5 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2، 3.
(2) الوسائل 17: 231، الباب 5 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2، 3.
(3) الوسائل 17: 231، الباب 5 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 4.
208

نعمد إلى ماء هذا الثلث وهذا السفرجل - إلى أن قال -: فنطبخه حتى
يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه أيحل شربه؟ فكتب: لا بأس به ما لم يتغير (1). فتدبر.
نعم ربما يلوح التحريم من بعض ألفاظ الموثقين، كقول الراوي: «يطبخ
حتى يصير حلالا»، وقوله (عليه السلام): «وإذا كان في أيام الصيف وخشيت أن ينش
جعلته في تنور» إلى آخره، فإن النشيش هو صوت الغليان.
والظاهر من المحافظة عليه بأن لا ينش ليس إلا لخوف تحريمه بالغليان.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن قوله: «كيف يطبخ حتى يصير حلالا؟» إنما
هو من الراوي في سؤاله، ولا حجية فيه، إلا من حيث تقرير المعصوم (عليه السلام) له
على فهمه، وهو وإن كان حجة، إلا أن في بلوغه درجة تخصيص الأدلة نوع
مناقشة، سيما مع أن أكثر ما ذكر في الكيفية، بل كله عدا الغلي حتى يذهب
الثلثان لا دخل له في الحلية إجماعا.
وأما قوله: «حتى لا ينش» فإن فيه أنه بعد ذلك أمر بغليانه حتى يذهب
ثلثاه، فهو وإن حرم بالنشيش فلا مانع منه، لتعقبه بالغليان الموجب للتحليل
بعد ذلك.
وحينئذ فلعل المحافظة عليه من النشيش: إنما هو لغرض آخر، لا لأنه
يحرم بعد ذلك، فإنه وإن حرم لكن لا منافاة فيه بعد غليه إلى ذهاب الثلثين
المأمور به ثانيا.
وحينئذ لافرق في حصول التحريم فيه في وقت النشيش ولا وقت
الغليان أخيرا، ولعله لهذا أعرض عن هذه الأخبار متأخرو الأصحاب،
ولم يذكروها دليلا على التحريم في شئ من المقامين، بل إنما اقتصروا في
دعوى إثباته في بيان وجه الترديد في التمري على دعوى إطلاق اسم النبيذ عليه،

(1) الوسائل 17: 293، الباب 29 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 3.
209

أو مشابهته لعصير العنب وفي الزبيبي على دعوى اشتراكه مع العنبي في
أصل الحقيقة، وفحوى بعض النصوص كالخبر: عن الزبيب هل يصلح أن
يطبخ حتى يخرج طعمه ثم يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى
الثلث ثم يوضع فيشرب منه السنة؟ قال: لا بأس به (1).
وهذه الأدلة أيضا في غاية من الضعف، لمنع صدق اسم النبيذ على
مطلق عصير التمر حقيقة، ومنع القياس والمشابهة. والشركة في أصل
الحقيقة لا تقتضي الشركة في الحرمة، بعد اختصاص ما دل عليه من الفتوى
والرواية بالعصير العنبي خاصة. والرواية ضعيفة سندا ودلالة بنحو ما مر إليه
الإشارة في الموثقتين الأخيرتين.
هذا، مضافا إلى إشعار النصوص (2) الواردة في علة تحريم العصير
باختصاص الحرمة بالعنبي دون الزبيبي، لظهورها في أن العلة إنما هي شركة
إبليس في شجرة الكرم وثمرته بالثلثين، وأنه إذا ذهب نصيبه منها حل
الباقي. ولا ريب أن الزبيب قد ذهب ثلثاه وزيادة بالشمس.
وبهذا - مضافا إلى ما مضى من أصالة الإباحة وغيرها - استدل
الشهيدان (3) وغيرهما على إباحته. وهو قوي جدا.
وأما ما يورد عليه بأن ذهاب الثلثين بالشمس إنما يتم إذا كان قد نش
بالشمس أو غلى حتى يحرم ثم يحل بعد ذلك بذهاب الثلثين والغليان
بالشمس غير معلوم، فضلا عن النشيش، وهو صوت الغليان، وأما ما جف
بغير الشمس فلا غليان فيه، فلا وجه لتحريمه حتى يحتاج إلى التحليل

(1) الوسائل 17: 236، الباب 8 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2.
(2) الوسائل 17: 223، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة.
(3) اللمعة: 153، الروضة 7: 321.
210

بذهاب الثلثين، على أن إطلاق العصير على ما في حبات العنب كما ترى.
فضعيف بابتنائه على دلالة تلك النصوص أو غيرها على اعتبار كون ذهاب
الثلثين بعد الغليان، وحصول التحريم، وأنه لو ذهبا قبله لا يعبأ به.
وهو كما ترى، إذ لا أثر له فيها بل ظاهرها اعتبار ذهاب الثلثين مطلقا،
بعد الغلي كان، أم لا.
هذا، وأما ما ربما يستدل به للحرمة في التمري والزبيبي من عموم قوله:
«كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه» (1) فلا
ينبغي الإصغاء إليه، ولا العروج في مقام التحقيق عليه، لأن حمله على
العموم مخالف للإجماع قطعا، والبناء على التخصيص وكون العام فيما
عداها حجة حسن إن كان الباقي أكثر، والحال أن الأمر بالعكس، ومثله
ليس بحجة على الأصح، فينبغي صرفه إلى معهود، وهو إما عصير العنب
خاصة كما هو ظاهر الأصحاب كافة واعترف به جماعة، أو هو في الجملة
من غير أن يعلم دخول عصير غيره فيه وعدمه.
ومقتضى هذا القطع بإرادة عصير العنبي والتردد في غيره ومعه لا يمكن
صرف العموم إليه، فضلا أن يدعى كونه التمري والزبيبي.
هذا، مع أن المستفاد من النصوص المتقدمة الدالة «على أن الخمر من
خمسة العصير من الكرم» إلى آخره (2) كون العصير في عرفهم (عليهم السلام) اسما
لما يؤخذ من العنب خاصة، وأن ما يؤخذ من التمر إنما يسمى بالنبيذ وما
يؤخذ من الزبيب يسمى بالنقيع.
قيل: وهذا هو الذي يساعده العرف أيضا، فإنه لا يخفى أن العصير فيه

(1) الوسائل 17: 223، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1.
(2) الوسائل 17: 221، الباب 1 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1.
211

إنما يطلق على المأخوذ من الأجسام التي فيها مائية لاستخراج الماء منها
كالعنب والرمان مثلا، وأما الأجسام الصلبة التي فيه حلاوة، أو حموضة
ويراد استخراج حلاوتها، أو حموضتها مثل التمر والزبيب والسماق
ونحوها، فإنه إنما يستخرج ما فيها من الحلاوة والحموضة إما بنبذها في
الماء ونقعها فيه زمانا يخرج حلاوتها أو حموضتها إلى الماء، أو أنها
تمرس في الماء من أول الأمر من غير نقع، أو أنها تغلى بالنار لأجل
ذلك (1). وفيه نوع نظر.
نعم يستفاد ذلك من جمع من أهل اللغة كالفيومي في المصباح المنير
وابن الأثير في النهاية والقاموس ومجمع البحرين، قال: هو كالأول في مادة
«عصر» والعصير من العنب يقال: عصرت العنب عصرا من باب ضرب
استخرجت ماءه واسم الماء العصير، وقالا في مادة «نقع» و «النقيع»: شراب
يتخذ من زبيب ينتقع في الماء من غير طبخ، وقال الأخير في مادة «نبذ»:
النبيذ ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير،
ونحو ذلك.
وعلى هذا فليس المراد من العصير في الخبر ما يعم عصير الزبيب
والتمر، لعدم إطلاق العصير عليهما حقيقة، وإنما يطلق عليهما كذلك النبيذ
والنقيع خاصة، ولعله لذا لم يستدل به على تحريمهما أحد من الأصحاب.
هذا، وعلى تقدير تسليم عمومه نقول: إنه معارض بكثير من النصوص
الدالة على دوران الحكم في النبيذ حرمة وحلا مدار السكر وعدمه،
وهي مستفيضة جدا، وسيأتي بعضها.
ولو كان مجرد الغليان يوجب التحريم وإن لم يبلغ حد الإسكار لجرى

(1) الحدائق الناضرة 5: ص 125.
212

له ذكر أو إشارة ولو في بعضها، سيما مع ورودها جلا بل كلا في مقام
الحاجة جدا.
وأما ما يدعى من أنه بمجرد الغليان يحصل منه السكر أو مبادئه
باعتبار بعض الأمزجة أو بعض الأمكنة فغير مفهوم للعبد، بعد اتفاق جملة
من عبائر الأصحاب التي وقفت عليها في تردد الماتن، وبيان وجهه على
عدم حصول السكر بمجرد الغليان ما لم يبلغ الشدة المسكرة.
وربما يومئ إليه وإلى ما مر من دوران الحكم فيهما حلا وحرمة على
تحقق السكر وعدمه بعض النصوص أيضا، كالخبر: عن النبيذ، فقال (صلى الله عليه وآله):
وما النبيذ صفوه لي؟ فقالوا: يؤخذ من التمر فينبذ في إناء ثم يصب عليه
الماء حتى يمتلئ وتوقد تحته حتى يطبخ فإذا انطبخ أخذوه فألقوه في إناء
آخر ثم صبوا عليه ماءا ثم يمرس ثم صفوه بثوب ثم يلقى في إناء ثم يصب
عليه من عكر ما كان قبله ثم يهدر ويغلى ثم يسكن على عكره، فقال (صلى الله عليه وآله):
أفيسكر؟ قال: نعم، قال: فكل مسكر حرام، الخبر (1).
هذا، والإنصاف أن الحكم البات بالحل في الزبيبي لا يخلو عن نوع
إشكال، لقوة دلالة الموثقين (2) على خلافه، مع وجود قائل به من
الأصحاب، كما يظهر من الشهيدين (3) وغيرهما وإن لم يصرحوا به، لكنه
ظاهر الكليني، حيث إنه عنون الباب الذي ذكر فيه الموثقين وغيرهما بباب
صفة الشراب الحلال (4) مضافا إلى وقوع التصريح بحرمته في بعض
الأخبار: في الزبيب يدق ويلقى في القدر ويصب عليه الماء، قال: حرام حتى

(1) الوسائل 17: 284، الباب 24 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 6.
(2) المصدر السابق: 230، الباب 5، الحديث 2، 3.
(3) الدروس 3: 16، المسالك 12: 76.
(4) الكافي 6: 424.
213

يذهب ثلثاه، قلت: الزبيب كما هو يلقى في القدر، قال: هو كذلك، سواء إذا
أدت الحلاوة إلى الماء فسد كلما غلى بنفسه أو بالنار فقد حرم، إلا أن
يذهب ثلثاه (1).
والخروج بهذه النصوص عن الأصول القطعية المعتضدة بالشهرة
ومجهولية القائل بها صريحا أو ندرته وإن كان لا يخلو أيضا عن إشكال،
إلا أن الاحتياط فيه لازم على كل حال.
ولا كذلك التمري، لوضوح مأخذ الحل فيه من الأصول والنصوص،
الدالة على دوران الحكم فيه حلا وحرمة مدار السكر وعدمه، وخصوص
الرواية، مع قصور ما يعارضها سندا ودلالة، وعدم ما يدل على حرمته
صريحا مطلقا، مع عدم ظهور قائل بها فيه أصلا، ومع ذلك الاجتناب عنه
أحوط وأولى، للشبهة الناشئة من الموثقين، المتقدم إليهما الإشارة، وبعض
النصوص المشعرة بل الظاهرة في اتحاد عصيري العنب والتمر في العلة
المحرمة.
وفيه - بعد كلام طويل يتضمن تعليل الحكم بحرمة العصير العنبي بمص
إبليس منه -: فأوحى الله إلى آدم (عليه السلام) أن العنب قد مصه عدوي وعدوك
إبليس لعنه الله تعالى، وقد حرمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس
إبليس فحرمت الخمر - إلى أن قال -: ثم إنه - أي إبليس - قال لحواء:
لو أمصصتني شيئا من هذا التمر كما أمصصتني من العنب، فأعطته تمرة
فمصها وكان العنب والتمر أشد رائحة وأزكى من المسك الأذفر، وأحلى من
العسل، فلما مصها عدو الله ذهبت رائحتها - إلى أن قال -: ثم إن إبليس
الملعون ذهب بعد وفاة آدم فبال في أصل الكرمة والنخلة فجرى الماء في

(1) مستدرك الوسائل 17: 38، الحديث 1.
214

عروقهما من بول عدو الله، فمن ثم يختمر العنب والتمر، فحرم الله على ذرية
آدم كل مسكر، لأن الماء جرى ببول عدو الله في النخل والعنب فصار كل
مختمر خمرا، لأن الماء اختمر في النخلة والكرم من بول عدو الله إبليس
لعنه الله (1). فتأمل.
ويقوى الاحتياط فيه احتمال وجود قول بتحريمه من الحلي في
سرائره، حيث قال - بعد الحكم بحرمة عصير العنب بالنشيش -: وكذا القول
فيما ينبذ من الثمار في الماء واعتصر في الأجسام من الإعصار في جواز
شربه ما لم يتغير، فإن تغير بالنشيش لم يشرب (2).
لكنه ليس بصريح في التحريم بمجرد الغليان بالنار، بل غايته التحريم
بالنشيش، وهو صوت الغليان الحادث من طول المكث. ولا ريب في
تحريمه حينئذ، لاستلزامه السكر، كما يستفاد من الأخبار، ولا كذلك الغليان
بالنار، لعدم معلومية استلزامه، بل معلومية عدمه، كما مر.
وربما يشير إلى ما ذكرناه كلام شيخنا في الدروس، حيث قال: ولا
يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش فيحل طبخ الزبيب على
الأصح، لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا (3).
فلولا الفرق بما ذكرناه بين النشيش والغليان بالنار لتناقض الحكم
بالتحريم، مع حصول النشيش المستفاد من مفهوم صدر عبارته، والحكم
بتحليل الطبخ المعلل بذهاب ثلثيه مع وجود هذا التعليل فيه مع الأول أيضا.
فظهر أن الحكم بالتحريم فيه ليس من حيث العصيرية بل من حيثية
اخرى، إما السكر، أو صيرورته بالنشيش فقاعا، كما ذكره بعض أصحابنا (4)

(1) الوسائل 17: 224، الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 3.
(2) السرائر 3: 129.
(3) الدروس 3: 16.
(4) لم نعثر عليه.
215

ولعل حكم الحلي بالتحريم مع النشيش لأحد هذين من كونه مسكرا
أو يسمى نبيذا. فتأمل جدا.
ولعله لهذا لم ينسب القول بالتحريم فيهما إليه أحد من أصحابنا.
(الثاني: الدم المسفوح) أي المنصب من عرق بكثرة من سفحت الماء
إذا هرقته. والأصل في حرمته بعد الإجماع المحكي في كلام جمع المقطوع
به، الآيات الكثيرة عموما وخصوصا، والنصوص المستفيضة جدا. ومنها
الأخبار المستثنية من الذبيحة أمورا عشرة، المصرحة بأن منها ما كان دما،
وخصوص المرسلة المعللة لتحريمه بإيراثه الكلب، والقسوة في القلب، وقلة
الرأفة والرحمة، والماء الأصفر، والبخر، وغير ذلك من الأمور المعدودة
فيها (1).
وإطلاق العبارة ككثير من الآيات والروايات وإن شمل ما يتخلف في
لحم الحيوان المأكول مما لا يقذفه المذبوح إلا أنه حلال بالإجماع الظاهر،
المصرح به في كلام جمع كالمسالك (2) وغيره، ويعضده الاعتبار، لاستلزام
تحريمه العسر والحرج، المنفيين شرعا، لعدم خلو اللحم عنه وإن غسل
مرات، مضافا إلى تقييد المحرم عنه في بعض الآيات (3) بالمسفوح. فتدبر.
ومقتضاه مضافا إلى الأصل والعمومات ما عدا المسفوح من الدماء كدم
الضفادع والقراد والسمك، وهو ظاهر جملة من الأصحاب، المستدلين به
على طهارته، كابني زهرة (4) وإدريس (5) والمختلف (6) ولعله صريح الماتن

(1) الوسائل 16: 309، الباب 1 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1.
(2) المسالك 12: 78.
(3) الأنعام: 145.
(4) الغنية: 41.
(5) السرائر 1: 174.
(6) المختلف 1: 474.
216

في المعتبر في دم السمك، حيث استدل فيه على طهارة دمه بأنه لو كان
نجسا لوقفت إباحة أكله على سفح دمه بالذبح كحيوان البر، لكن الإجماع
على خلاف ذلك، وأنه يجوز أكله بدمه (1).
وهو ظاهر في دعوى الإجماع عليه، ولا بأس به في مورد عبارته، لما
ذكره، مضافا إلى ما مر مع التأمل في خباثته، ويشكل في غيره مما مر من
القطع بخباثته، فيشمله عموم ما دل على تحريم كل خبيث.
ولعل هذا أظهر، وفاقا للأكثر، بل لم أقف فيه على مخالف صريح، عدا
من مر، ومن قيد المحرم من الدم بالمسفوح ولم يذكر تحريم غيره كالغنية (2)
والتعارض بين عموم ما دل على تحريم كل خبيث وعموم المفهوم فيما قيد
فيه المحرم من الدم بالمسفوح وحصر فيه وإن كان تعارض العموم
والخصوص من وجه، والأصل والعمومات يرجح المحلل منهما، إلا أن
اعتضاد المحرم بعمل الأكثر يرجحه.
هذا، مع ضعف المحلل بمخالفة مفهوم الحصر فيه الإجماع من الكل،
لدلالته على حل ما عدا الميتة والدم ولحم الخنزير، والبناء فيه على
التخصيص وحجية الباقي حسن إن بقي من الكثرة ما يقرب من مدلول العام،
وليس بباق بلا كلام، ولا مفر عن هذا المحظور، إلا بجعل الحصر إضافيا أو
منسوخا. وأيا ما كان يضعف الاستناد إليه في المقام كما لا يخفى على أولي
الأحلام.
ومن هنا يتجه ما ذكره شيخنا في المسالك (3) من أن الأصل في الدم
التحريم إلا ما خرج بالنص والوفاق.

(1) المعتبر 1: 421 - 422.
(2) الغنية: 42.
(3) المسالك 12: 78.
217

(وكذا العلقة) محرمة مطلقا
(ولو) كانت الموجودة (في البيضة)
المحللة للخباثة بلا شبهة، سيما ما كان من نحو المرأة.
(وفي نجاستها تردد) واختلاف. فبين قائل بها، كالماتن في المعتبر (1)
والشهيد في الدروس (2) والفاضل المقداد في التنقيح (3) وفاقا للخلاف (4)
مدعيا عليه الوفاق، محتجا به وبإطلاق ما دل على نجاسة الدم. وبين مائل
إلى الطهارة، كالشهيد في الذكرى (5) وصاحب المعالم وغيرهما، لعدم
انصراف الإطلاق إليها، سيما التي في البيضة، مع عدم معلومية تسمية ما فيها
علقة، فلا يشمله حكاية إجماع الخلاف المتقدمة.
وهو حسن، إلا أن نجاسة العلقة من الإنسان بالإجماع المزبور ثابت،
وهو يستعقب الثبوت فيما في البيضة، لعدم القائل بالفرق بين الطائفة.
فإذن (أشبهه النجاسة) مطلقا، لكن مع تأمل ما في ثبوتها لما في
البيضة، بناءا على التأمل في بلوغ عدم القول بالفرق المزبور درجة الإجماع
المركب، الذي هو الحجة، والاحتياط واضح سبيله.
(ولو وقع قليل دم) نجس (في قدر وهي تغلي لم يحرم المرق ولا ما
فيه) ولا ما فيه من اللحم والتوابل (إذا ذهب) الدم (بالغليان) وفاقا
للشيخين (6) والديلمي (7) لكنه كالمفيد لم يقيد الدم بالقليل، للخبرين:
أحدهما الصحيح: قدر فيها جزور وقع فيها قدر اوقية من دم أيؤكل؟
قال: نعم النار تأكل الدم (8).

(1) المعتبر 1: 422.
(2) الدروس 1: 123.
(3) التنقيح 4، 51.
(4) الخلاف 1: 490، المسألة 232.
(5) الذكرى: 13 س 16.
(6) المقنعة: 582، النهاية 3: 104 - 105.
(7) المراسم: 210.
(8) الوسائل 16: 376، الباب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 2.
218

وفي الثاني: عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم ومرق
كثير، قال: يراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب واللحم اغسله وكله،
قلت: فإن قطر فيه الدم، قال: الدم تأكله النار (1).
(ومن الأصحاب من منع من المائع وأوجب غسل) اللحم (والتوابل)
وهو الحلي (2) (وهو حسن) وعليه عامة المتأخرين، أخذا بالأصل المعتضد
بعملهم، والتفاتا إلى ضعف الخبرين عن المقاومة له لذلك، سيما مع ضعف
سند الثاني، ومخالفة ما فيهما من التعليل، للإجماع المنعقد على الظاهر على
عدم حصول التطهير بالنار إلا بالاستحالة، المفقودة في مفروض المسألة.
وبالجملة الحال فيه (كما لو وقع غيره من النجاسة) كالخمر والنبيذ
المسكر والفأرة.
والأصل فيه بعد الأصل المتقدم السليم هنا عن المعارض بالكلية
الإجماع الظاهر من العبارة والمحكي في التحرير (3) والدروس (4) والرواية
الثانية الصريحة في المطلوب، كالقوية: عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة،
قال: يهراق مرقه ويغسل لحمه ويؤكل (5).
وصريحها كالرواية الأولى حجة على المحكي عن القاضي، من أنه مع
كثرة النجاسة لا يؤكل شئ مما في القدر، سواء كان مائعا، أو غيره (6).
ويضعفه أيضا الإجماع المحكي المتقدم، وأن ما ليس بمائع يطهر
بالغسل، فلا وجه لتعطيله عن الانتفاع به.

(1) الوسائل 17: 286، الباب 26 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1.
(2) السرائر 3: 120.
(3) التحرير 2: 161 س 27.
(4) الدروس 3: 20.
(5) الوسائل 16: 376، الباب 44 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
(6) التنقيح 4: 52.
219

قيل: واعلم أن التقي وافق الشيخين فيما قالا، إلا أنه اطرد (1) الحكم
ففي النجاسات كلها (2).
ولعل وجهه فحوى التعليل المتقدم في الصحيح. وفيه أن متعلقه الدم
خاصة، فلا يتعدى به إلى غيره، ولذا أن الخبر الثاني الذي بعده مع تضمنه
التعليل المزبور بعينه قد فرق فيه بين الدم وغيره. فتأمل.
(الثالث: كل مائع لاقته نجاسة) عينية أو عرضية (فقد نجس) إجماعا
فتوى ودليلا، ويحرم أكله، لما مضى من حرمة الأعيان النجسة مطلقا،
الشاملة للمتنجسات أيضا، ولذا لم يذكر التحريم هنا اتكالا على ما مضى.
والنجاسة العينية كثيرة، تقدم ذكرها في كتاب الطهارة، وقد أشار الماتن
إلى جملة منها هنا، فقال: (كالخمر) وفي معناه الفقاع وكل مسكر، والعصير
العنبي خاصة، أو مطلقا على قول فيهما (والميتة والدم) من ذي النفس
السائلة لا غيره (والكافر الحربي) وفي حكمه المرتد وإن انتحل الإسلام
مع جحده لبعض ضرورياته.
(وفي) نجاسة (الذمي روايتان) أظهرهما و (أشهرهما النجاسة) بل
عليه إجماع الإمامية، كما في كلام جماعة بحد الاستفاضة فصاعدا، تقدم في
كتاب الطهارة ذكرها مفصلا، وقد علم ثمة أن الرواية الثانية الدالة على
الطهارة مع شذوذها وندرة القائل بها جدا محمولة على التقية من العامة العمياء.
(وفي رواية) ثالثة: أنه (إذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده (3).
وهي) وإن كانت صحيحة إلا أنها (متروكة) لا عامل بها، عدا الشيخ
في النهاية (4) مع أنه قد صرح قبل ذلك بأسطر قليلة بأنه لا يجوز مؤاكلة

(1) كذا في النسخ، الظاهر طرد.
(2) التنقيح 4: 53.
(3) الوسائل 16: 384، الباب 53 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 4.
(4) النهاية 3: 107.
220

الكفار على اختلاف مللهم ولا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها بالماء،
وأن كل طعام تولاه بعض الكفار بأيديهم وباشروه بنفوسهم لم يجز أكله،
لأنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إياه (1).
وهذا الكلام صريح في الحكم بنجاستهم، فلا بد من حمل كلامه الآخر
المطابق لمضمون الخبر على خلاف ظاهره، إذ من المستبعد جدا الرجوع
عن الحكم في هذه المسافة القصيرة وإبقاؤه مثبتا في الكتاب، ولعل مراده
المؤاكلة التي لا تتعدى معها النجاسة، كأن يكون الطعام جامدا أو في أوان
متعددة ويكون وجه الأمر بغسل يديه إرادة تنظيفهما من آثار القاذورات،
التي لا ينفك الكافر عنها غالبا، فمؤاكلته على هذه الحالة بدون غسل اليد
مظنة حصول النفرة.
وقد تعرض الماتن في نكت النهاية للكلام على عبارة النهاية الموافقة
لمضمون الرواية فذكر على وجه السؤال: أنه ما الفائدة في الغسل واليد
لا تطهر به؟ وأجاب: بأن الكفار لا يتورعون عن كثير من النجاسات، فإذا
غسل يده فقد زالت تلك النجاسة. ثم قال: وهذا يحمل على حال الضرورة
أو على مؤاكلة اليابس وغسل اليد، لزوال الاستقذار النفساني، الذي يعرض
من ملاقاة النجاسات العينية وإن لم يفد اليد طهارة (2).
وبما ذكرنا ظهر وجه محمل للرواية على وجه يوافق القول بالنجاسة،
وفساد ما نسب إلى النهاية من القول بالطهارة.
(ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا) يصدق الجمود عليه عرفا،
وضابطه أن لا ينصب من الإناء إذا صب (ألقي ما يكتنف) من
أطرافها (النجاسة وحل ما عداه) إجماعا في الظاهر، للصحاح المستفيضة:

(1) النهاية 3: 105.
(2) نكت النهاية 3: 107.
221

منها: إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فإن كان جامدا فألقها وما يليها
وكل ما بقي، وإن كان ذائبا فلا تأكله، واستصبح به، والزيت مثل ذلك (1).
ومنها: عن الفأرة والدابة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه، فقال: إن
كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء فانزع
ما حوله، وإن كان الصيف فارفعه حتى يسرج به، وإن كان بردا فاطرح الذي
كان عليه، ولا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه (2).
ومنها: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل، فقال: أما السمن والعسل
فيؤخذ الجرذ وما حوله، وأما الزيت فيستصبح به (3).
وقال في بيع ذلك الزيت: تبيعه وتبينه لمن اشتراه، ليستصبح به (4).
(و) يستفاد منه أنه (لو كان المائع) المتنجس (دهنا جاز بيعه
للاستصباح) به مع البيان للحال لمن يشتريه.
وفي وجوب كونه (تحت السماء لا تحت الأظلة) أو جوازه مطلقا
قولان، تقدم ذكرهما في البيع، مع تمام التحقيق في المقام، وأكثر ما يتعلق به
من الأحكام (و) منه أنه (لا يحل ما يقطع من أليات الغنم، ولا يستصبح
بما يذاب منها).
(و) اعلم أن (ما يموت فيه مما له نفس سائلة من المائع ينجس)
ويحرم (دون ما لا نفس له) كالذباب ونحوه إجماعا، فتوى، ورواية،
كما تقدم في كتاب الطهارة.
واعلم أن في العبارة نوع تكرار في جملة، وحقها أن يقال: المائع إنما
ينجس بالميتة إذا كانت له نفس سائلة دون ما لا نفس له، ومع هذا كان عليه

(1) الوسائل 16: 374، الباب 43 من الأطعمة المحرمة، الحديث 3.
(2) الوسائل 16: 374، الباب 43 من الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 1، 2.
(3) الوسائل 16: 374، الباب 43 من الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 1، 2.
(4) الوسائل 16: 374، الباب 43 من الأطعمة المحرمة، الحديث 4، 1، 2.
222

أن ينبه على هذا في الدم أيضا، لأنه كالميتة جدا لا ينجس منه المائع
إلا مما كانت له نفس سائلة.
(الرابع: أبوال ما لا يؤكل لحمه) شرعا حرام إجماعا، لنجاستها
واستخباثها قطعا.
(وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟).
(قيل: نعم إلا أبوال الإبل) للاستشفاء، كما عن ظاهر الشيخ في
النهاية (1) وصريح ابن حمزة (2) واختاره الماتن في الشرائع (3) والفاضل فيما
حضرني من كتبه، كالإرشاد (4) والتحرير (5) والقواعد (6) والمختلف (7)
والشهيدان في صريح الدروس (8) وظاهر الروضة (9).
وهو في غاية القوة، إما للقطع بالاستخباث كما هو الظاهر، أو احتماله
الموجب للتنزه عنه ولو من باب المقدمة.
هذا، مضافا إلى الأولوية المستفادة مما قدمناه من الأدلة الدالة على
حرمة الفرث والمثانة، التي هي مجمع البول، بناء على بعدهما بالإضافة إلى
البول عن القطع بالخباثة.
فتحريمهما مع ذلك يستلزم تحريم البول القريب من القطع بالاستخباث
بالإضافة إليهما بطريق أولى، ويزيد وجه الأولوية فيه من جهة الفرث بظهور
النصوص المعتبرة في سهولة الروث من الخيل والبغال والحمير بالإضافة إلى
أبوالها في وجوب التنزه عنهما أو استحبابه، حتى ظن جماعة لذلك الفرق
بينهما بالطهارة في الروث والنجاسة في البول والفرث في معنى الروث قطعا.

(1) النهاية 3: 108.
(2) الوسيلة: 364.
(3) الشرائع 3: 227.
(4) الإرشاد 2: 111.
(5) التحرير 2: 161 س 28.
(6) القواعد 2: 58 س 4.
(7) المختلف 8: 337.
(8) الدروس 3: 17.
(9) الروضة 7: 324.
223

وحينئذ فتحريم الأضعف يستلزم تحريم الأشد بالأولوية المتقدمة،
وحيث ثبت الحرمة في أبوال هذه الحمول الثلاثة المأكول لحمها على
الأشهر الأظهر بين الطائفة ثبت الحرمة في أبوال غيرها من كل مأكول
اللحم، لعدم القائل بالفرق بين الطائفة.
(والتحليل) عند الماتن هنا وفي كتاب البيع من الشرائع (1) (أشبه)
وفاقا لجماعة من القدماء، كالإسكافي (2) والمرتضى (3) والحلي (4) مدعيا
الثاني عليه إجماعنا، بل نفى الخلاف عنه بين كل من قال بطهارة الأبوال مما
يؤكل لحمه. وهو الحجة للمدعى; مضافا إلى أصالة الإباحة المستفادة من
عمومات الكتاب والسنة.
ويضعف الأول: بمعارضته بما قدمناه من الأدلة التي منها الإجماع
المحقق والمحكي على حرمة الروث والمثانة الدالة على حرمة البول بما مر
من الأولوية، التي هي من الدلالة الالتزامية، التي لا فرق بينها وبين الدلالة
المطابقية الموجودة في إجماع السيد في الحجية.
والثاني: بلزوم تخصيصه بتلك الأدلة.
وبالجملة لا ريب عند الأحقر في الحرمة ولا شبهة، مع أوفقيتها
للاحتياط المطلوب في الشريعة.
ومما ذكرناه من الدليل الأول للمختار يظهر وجه صحة القول
بتحريم بصاق الإنسان، ونخامته، وعرقه، وبعض فضلات باقي الحيوانات،
كما هو المشهور.
وضعف احتمال الحل فيها وفي مفروض مسألتنا من المقدس الأردبيلي (5)

(1) الشرائع 2: 9.
(2) المختلف 8: 327.
(3) الانتصار: 424.
(4) السرائر 3: 125.
(5) مجمع الفائدة 11: 214.
224

وصاحب الكفاية (1) حيث قالا به، لمنع صدق الخبيث عليها، إذ لم يثبت له
حقيقة شرعية، وصدق العرفي واللغوي غير ظاهر، وتنفر بعض الطباع غير
كاف، فيبقى أدلة الحل سالما.
وهو كما ترى، لظهور الصدق العرفي بل اللغوي قطعا، وتنفر جميع
الطباع عنها جدا، وهو كاف في الحكم بالخباثة في ظاهر كلامهما.
هذا، مضافا إلى ما عرفت من عدم الاحتياج إلى القطع بالخباثة، وأنه
يكفي احتمالها لإيجابه لزوم التنزه عن محتملها من باب المقدمة، وليس
التكليف باجتنابه تكليفا مشروطا بالعلم بخباثته، بل هو مطلق، ومن شأنه
توقف الامتثال فيه بالتنزه عن محتملاته، وإن هو حينئذ إلا كالتكليف
باجتناب السمومات والمضرات، فكل ما احتمل السم أو الضرر يجب التنزه
عنه قطعا عقلا، بل ونقلا، وما نحن فيه كذلك أيضا.
(الخامس: ألبان الحيوان المحرم كاللبوة) بكسر اللام وفتحها الأنثى من
الأسد (والذئبة والهرة) محرمة كلحمها (ويكره) لبن (ما كان لحمه
مكروها، كالأتن حليبه وجامده) بضم الهمزة والتاء وبسكونها جمع أتان
بالفتح الحمارة، بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، بل عليه في صورة
التحريم الإجماع في الغنية (2). وهو الحجة; مضافا إلى المرسلة المنجبرة
بعمل الجماعة: كل شئ يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو
إنفحة فكل ذلك حلال طيب (3).
وقد مر وجه دلالتها، فلا إشكال في التبعية في هذه الصورة، وإن
تأمل فيه المقدس الأردبيلي (رحمه الله) (4) وصاحب الكفاية (5) قائلين: أن الحجة

(1) كفاية الأحكام: 252 س 23.
(2) الغنية: 398.
(3) الوسائل 17: 59، الباب 40 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 2.
(4) مجمع الفائدة 11: 215.
(5) كفاية الأحكام: 252 س 36.
225

عليها غير واضحة.
والمناقشة فيه بعد ما عرفت ظاهرة، لحجية الإجماع المنقول، والرواية
المنجبرة باتفاق الطائفة، مع وضوح دلالتها، كما مر إليه الإشارة، مع
اعتضادهما بأن اللبن قبل استحالته إلى صورته كان محرما قطعا، لكونه
جزء يقينا، فبحرمة الكل يحرم هو أيضا، إذ لا وجود للكل إلا بوجود
أجزائه، فتحريمه في الحقيقة تحريم لها، مع أنه قبل الاستحالة دم وهو
بنفسه حرام إجماعا. فتأمل جدا.
وإذا ثبت التحريم قبل الاستحالة ثبت بعدها استصحابا للحالة السابقة.
هذا، مع أن اللبن بنفسه جزء أيضا حقيقة، فلا يحتاج في إثبات تحريمه
إلى الاستصحاب بالمرة.
ومن هذا يظهر وجه حكمهم بكراهته مما يكره لحمه، ولا ينافيها
النصوص الواردة في شيراز الأتن - كالصحيح: هذا شيراز الأتن اتخذناه
لمريض لنا، فإن أحببت أن تأكل منه فكل (1) والصحيح: عن شرب ألبان
الأتن فقال اشربها (2) والخبر لا بأس بها (3) - فإن غايتها الرخصة في
الشرب، ونفي البأس عنه الواردان في مقام توهم الحظر، ولا يفيدان سوى
الإباحة بالمعنى الأعم، الشامل للكراهة.
فتأمل الفاضلين المتقدم إليهما الإشارة في التبعية في هذه الصورة أيضا
لا وجه له، سيما وأن المقام مقام كراهة، يتسامح في دليلها بما لا يتسامح به
في غيرها، فيكتفى فيها بفتوى فقيه واحد فما ظنك باتفاق فتاوى الفقهاء
الذي كاد أن يكون إجماعا.
وبالجملة لا إشكال في المسألة بشقيها أصلا، والحمد لله تعالى.
* * *

(1) الوسائل 17: 89، الباب 60 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 1، 2، 4.
(2) الوسائل 17: 89، الباب 60 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 1، 2، 4.
(3) الوسائل 17: 89، الباب 60 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 1، 2، 4.
226

(القسم السادس في اللواحق)
(وهي سبع) مسائل:
(الأولى: شعر الخنزير نجس) مطلقا (سواء أخذ من حي أو ميت
على الأظهر) الأشهر، بل لا خلاف فيه يظهر إلا من المرتضى (1) فقال:
بطهارة كل ما لا تحله الحياة من الحيوان مطلقا. وهو ضعيف جدا، كما في
كتاب الطهارة قد مضى، وعلى قوله: يجوز استعماله مطلقا ولو من دون
ضرورة.
وفي جوازه كذلك على المختار خلاف، والمشهور عدم جواز استعماله
من غير ضرورة.
(فإن اضطر استعمل ما لا دسم فيه وغسل يده) ذهب إليه الشيخ
في النهاية (2) والقاضي (3) والحلي (4) والفاضلان (5) والشهيدان (6) وغيرهما

(1) مسائل الناصريات: 100، المسألة 19.
(2) النهاية 3: 101.
(3) المهذب 2: 443.
(4) السرائر 3: 114.
(5) الشرائع 3: 227، القواعد 2: 159 س 6.
(6) الروضة 7: 339.
227

من المتأخرين، وادعى الثالث تواتر الأخبار بتحريم استعماله (1). وهي
الحجة المنجبرة بالشهرة العظيمة; مضافا إلى الخبرين المانعين عن استعماله
في الجملة:
في أحدهما: إنا نعمل شعر الخنزير فربما نسي الرجل فصلى وفي يده
شئ منه، فقال: لا ينبغي له أن يصلي فيه وفي يده شئ منه، وقال: خذوه
فاغسلوه فما له دسم فلا تعملوا به، وما لم يكن له دسم فاعملوا به واغسلوا
أيديكم منه (2).
وفي الثاني: عن شعر الخنزير يعمل به، قال: خذ منه فاغسله بالماء حتى
يذهب ثلث الماء ويبقى ثلثاه ثم اجعله في فخارة ليلة باردة، فان جمد فلا
تعمل به، وإن لم يجمد ليس عليه دسم فاعمل به واغسل يدك إذا مسسته
عند كل صلاة (3).
وحيث ثبت منهما المنع في الجملة ثبت المنع مطلقا، إلا عند الضرورة،
لعدم القائل بالفرق بين الطائفة، إذ كل من قال بالمنع عن استعماله قال به
كذلك إلا في الضرورة، وكل من قال بجوازه قال به مطلقا من دون استثناء
صورة أصلا، إما بناء على عدم نجاسته كما عليه المرتضى (4) أو بناء على
عدم دليل على المنع عن الاستعمال أصلا كما عليه الفاضل في المختلف (5).
والقول بالمنع في صورة الدسم خاصة كما هي مورد الخبرين والجواز
في غيرها مطلقا ولو اختيارا لم يوجد به قائل أصلا.
وصورة الجواز في الخبرين وإن كانت مطلقة يعم حالتي الاختيار

(1) السرائر 3: 114.
(2) الوسائل 12: 168، الباب 58 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4، 2.
(3) الوسائل 12: 168، الباب 58 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4، 2.
(4) مسائل الناصريات: 100، المسألة 19.
(5) المختلف 8: 323.
228

والاضطرار، إلا أنها مقيدة بالحالة الثانية، للإجماع المزبور جدا.
وقصورهما بالجهالة مجبور بالشهرة، مع زيادة الانجبار في الأول،
بكون الراوي فيه عن موجبها عبد الله بن المغيرة، الذي قد حكي على
تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة (1) ويعضد الحكم في المسألة ما استدل
به له جماعة من إطلاق تحريم الخنزير، الشامل لموضع النزاع.
والشمول وإن كان محل مناقشة بناء على تبادر الأكل منه خاصة - ولذا
لم نجعله حجة، سيما مع تقييد المحرم منه في الآية (2) باللحم خاصة - إلا
أنه صالح للتأييد والتقوية، مع احتمال أخذه حجة; بجعل الشهرة مع
الأقربية إلى الحقيقة في الحقيقية قرينة على إرادة مطلق الانتفاعات ولو لم
يكن متبادرا في العرف والعادة ينصرف إليه اللفظ عند التجرد عن القرينة.
هذا، ولو لم يصلح كل واحد مما ذكرنا حجة فلا ريب في حصول
الحجة من مجموعها، فلا شبهة في المسألة بحمد الله سبحانه.
(ويجوز الاستقاء بجلود الميتة) مطلقا لما لا يشترط فيه الطهارة عند
الماتن هنا وفي الشرائع (3) والفاضل في الإرشاد (4) تبعا للنهاية (5) والأظهر
خلافه، كما في بحث حرمة الميتة، قد مر إليه الإشارة، مع بيان ضعف دليل
المخالف. وظاهر الدروس (6) التوقف في ذلك. ووجهه غير واضح.
(و) أما أنه (لا يصلى بمائها) إن كان قليلا فإجماع ووجهه واضح.
(الثانية: إذا وجد لحم فاشتبه) أنه مذكى أم ميتة فمقتضى الأصول
الحرمة، إلا أن يعلم المذكى بعينه، إلا أن المشهور أنه (ألقي في النار، فان

(1) رجال الكشي: 556، رقم 1050.
(2) المائدة: 3.
(3) الشرائع 3: 227.
(4) الإرشاد 2: 113.
(5) النهاية 3: 101.
(6) الدروس 3: 13.
229

انقبض) وتقلص (فهو ذكي، وإن انبسط فهو ميتة) بل عن الشهيد في
النكت أنه قال: لا أعلم أحدا خالف فيه (1); إلا أن المحقق في الشرائع
والإمام المصنف أورداها بلفظ «قيل» (2) مشعرا بالضعف، وفي الدروس
يكاد أن يكون إجماعا (3) ونفى عنه البعد في المسالك، قال: ويؤيده موافقة
ابن إدريس عليه، فإنه لا يعتمد على أخبار الآحاد، فلولا فهمه الإجماع لما
ذهب إليه (4). مع أنه حكي عن بعض الأصحاب صريحا وادعاه في
الغنية (5) وهو الحجة; مضافا إلى بعض المعتبرة المنجبر قصور سنده بالجهالة
بالشهرة، ورواية ابن أبي نصر عن موجبها، وهو ممن أجمعت على تصحيح
ما يصح عنه العصابة: في رجل دخل قرية فأصاب فيها لحما لم يدر أذكي
هو أم ميت قال: فاطرحه على النار فكل ما انقبض فهو ذكي، وكل ما انبسط
فهو ميت (6).
خلافا للفاضل في الإرشاد (7) والقواعد (8) وولده في شرحه (9) والمقداد
في التنقيح (10) والصيمري في شرح الشرائع حاكيا له أيضا عمن مر وأبي
العباس (11) فاختاروا الحرمة، وصرح بها أيضا في الروضة (12) عملا بالقاعدة
من أصالة الحرمة، وعدم الحكم بالتذكية، إلا مع معلوميتها كما مر في كتاب
الصيد إليه الإشارة. وهو حسن لولا ما قدمناه من الأدلة.

(1) نكت الإرشاد: 146 س 5 (مخطوط).
(2) الشرائع 3: 227، القواعد 3: 333.
(3) الدروس 3: 14.
(4) المسالك 12: 96.
(5) الغنية: 401.
(6) الوسائل 16: 370، الباب 37 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
(7) الإرشاد 2: 113.
(8) القواعد 2: 159 س 8.
(9) الإيضاح 4: 161.
(10) التنقيح 4: 57.
(11) غاية المرام: 167 س 18 (مخطوط).
(12) الروضة 7: 336 - 337.
230

والعجب من الشهيد في دعواه عدم معرفة الخلاف، مع صدوره صريحا
عن العلامة وولده في كتبهما المعروفة المشهورة المتداولة، قال في الدروس
تفريعا على الرواية: ويمكن اعتبار المختلط بذلك، إلا أن الأصحاب
والأخبار أهملت ذلك (1).
واستضعف هذا الاحتمال في المسالك والروضة بأن المختلط يعلم
أن فيه ميتا يقينا مع كونه محصورا، فاجتناب الجميع متعين، بخلاف ما
يحتمل كونه بأجمعه مذكى فلا يصح حمله عليه، مع وجود الفارق (2).
وفيه نظر، لظهور الخبر في تلازم علامتي الحل والحرمة للمذكى والميتة،
من دون أن يكون لخصوص مورد السؤال فيه في ذلك مدخلية، فلا شبهة
فيما ذكره، لكن يأتي عليه ما قرره.
ثم على المختار لو كان اللحم قطعا متعددة فلا بد من اعتبار كل قطعة
على حدة، لإمكان كونه من حيوانات متعددة. ولو فرض العلم بكونه متحدا
جاز اختلاف حكمه، بأن يكون قد قطع بعضه منه قبل التذكية.
ولا فرق على القولين بين وجود محل التذكية ورؤيته مذبوحا أو
منحورا وعدمه، لأن النحر والذبح بمجردهما لا يستلزمان الحل، لجواز
تخلف بعض الشروط. وكذا لو وجد الحيوان غير مذبوح ولا منحور لكنه
مضروب بالحديد في بعض جسده، لجواز كونه استعصى فذكي كيف اتفق،
حيث يجوز في حقه ذلك.
وبالجملة فالشرط إمكان كونه مذكى على وجه يبيح لحمه.
واعلم أن مفروض المسألة وموردها إنما هو وجدان اللحم المشتبه
ذكاته في موضع لم يحكم بها شرعا، ولو وجد في موضع يحكم بها فيه

(1) الدروس 3: 14.
(2) المسالك 12: 59، الروضة 7: 337 - 338.
231

كسوق الإسلام ونحوه فلا أثر للاشتباه فيه جدا، بل يحكم بكونه مذكى
إجماعا، فلا يحتاج إلى استعمال الأمارة أصلا، بل لو استعملت وظهرت
أمارة الحرمة أمكن القول بالإباحة، لكن على إشكال فيه، يظهر من ملاحظة
الرواية بالتقريب المتقدم إليه الإشارة.
وعلى هذا الصورة يحمل المعتبرة من الصحيح والموثق وغيرهما، الدالة
على أن كل شئ يكون فيه حلال وحرام فهو حلال أبدا حتى يعرف الحرام
بعينه (1) والقوي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق
مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين، فقال (عليه السلام): يقوم
ما فيها ثم يؤكل، لأنه يفسد فليس له بقاء، فان جاء لها طالب غرموا له
الثمن; قيل: يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم أو سفرة مجوسي، قال: هم
في سعة حتى يعلموا (2).
وإنما خصت هذه النصوص بها مع أنها عامة لها ولغيرها توفيقا بينها
وبين القواعد القوية، المعتضدة بفتاوى الأصحاب كافة، والرواية المتقدمة
الصريحة في عدم الحل بمجرد الاشتباه واحتياجه إلى معرفة المذكى من
الميتة، ونحوها النصوص الآتية الصريحة في حرمة المذكى المشتبه بالميتة،
وإلا لما أمر ببيع اللحم المختلط بها ممن يستحلها.
هذا، مع أن الرواية الأخيرة ظاهرة الاختصاص فيما حملت عليها من
الصورة، بناء على وقوع السؤال. والجواب فيها في بلاد الإسلام. وهي كما
عرفت مما لا يتعلق بما يوجد فيه من اللحم ونحوه اشتباه بلا كلام.
(ولو اختلط الذكي) من اللحم وشبهه (بالميتة) ولا سبيل إلى تميزه

(1) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 307، الباب 38 من أبواب الذبائح، الحديث 2.
232

وكانا محصورين يمكن التنزه عنهما من دون حرج (اجتنبا) معا وجوبا،
لوجوب اجتناب الميتة ولم يتم إلا به، فيجب ولو من باب المقدمة، مع أنه
لا خلاف فيه أجده إلا من المقدس الأردبيلي (1) وصاحب الكفاية (2) فمالا
إلى الإباحة، استنادا إلى الأصول، وما مر إليه الإشارة من النصوص الظاهرة
فيها، وقد عرفت الجواب عنها، مع احتمالها الحمل على الشبهة الغير
المحصورة، التي لا خلاف في أن الحكم فيها الإباحة، لاستلزام الحرمة فيها
العسر والحرج المنفيين في الشريعة.
وربما يعضده الصحيح: عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين
بالروم فآكله، فقال: أما ما علمت أنه قد خلطه الحرام فلا تأكله، وأما ما لم
تعلم فكله حتى تعلم أنه حرام (3). فتدبر.
وبالجملة لا ريب في ضعف ما ذكراه ولا شبهة، سيما فيما إذا كان
الاختلاط بعنوان المزج لا اشتباه الأفراد، فإن الحكم بالإباحة في مثله
يستلزم الحكم بإباحة المحرم القطعي وتناوله أول مرة، وهو مما يقطع
بفساده من دون ريبة.
(و) اعلم أن ما (في رواية الحلبي) بل روايتيه الصحيحتين (4) من أنه
(يباع) المشتبه المذكور (ممن يستحل الميتة) على ردهما ظاهر الدلالة،
كما مر إليه الإشارة، إذ لو حل لما كان لإيجاب البيع فائدة. وبمضمونهما من
جواز البيع على مستحليها أفتى الشيخ في النهاية (5) وابن حمزة (6). ومنعه

(1) مجمع الفائدة 11: 271 - 272.
(2) كفاية الأحكام: 251 س 4.
(3) الوسائل 16: 403، الباب 64 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1.
(4) الوسائل 12: 67 - 68، الباب 7 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1، 2.
(5) النهاية 3: 97 - 98.
(6) الوسيلة: 362.
233

الحلي (1) والقاضي (2) نظرا إلى إطلاق النصوص
بتحريم الميتة وتحريم ثمنها. واعتذر الفاضل عن الجواز تارة بأنه ليس ببيع
حقيقة وإنما استنقاذ مال الكافر برضاه، وأخرى بصرف المبيع إلى المذكى
خاصة (3). فينبغي أن يقصده ببيعه. واستحسن الأخير في الشرائع (4) مفتيا
به. وضعفهما الشهيدان في الدروس (5) والمسالك (6) والروضة (7).
فالأول: بأن من مستحله من الكفار من لا يحل ماله كالذمي.
والثاني: بجهالة المبيع على تقديره مع عدم إمكان تسليمه متميزا.
ويضعف هذا - زيادة على ما ذكراه - بأن البائع قد يأخذ أكثر من ثمن
المذكى فإنه يبيع الاثنين ظاهرا ويبذل المشتري الثمن بإزائهما معا، وأنه
يقصد بيع الواحد والمشتري أكثر، فيختلف المبيع زيادة ونقصانا، وأنه لو
كان مع ذلك القصد يصح البيع من المستحل لصح من غيره أيضا. فتأمل جدا.
هذا، وربما يتوهم فيما ذكراه من الوجه في تضعيف الاعتذار الأول بأن
احترام ماله لا يمنع من استنقاذه برضاه.
ويدفع: بأن رضاه إنما يحصل بوجه خاص في ضمن البيع الفاسد،
فلا يؤثر في إباحة ماله المحترم على غيره. فتأمل.
وبالجملة لا ريب في ضعفه، كالاعتذار الثاني.
وحينئذ فإما أن يعمل بالرواية لصحتها من غير تعليل، أو يحكم
بالبطلان مطلقا، ولعله الأقوى، لمخالفة الرواية وإن صح سندها للقاعدة

(1) السرائر 3: 113.
(2) المهذب 2: 441.
(3) المختلف 8: 319 - 320.
(4) الشرائع 2: 223.
(5) الدروس 3: 13.
(6) المسالك 12: 59.
(7) الروضة 7: 308.
234

المتقدمة، المجمع عليها من أصلها المعتضدة بالشهرة هنا حتى من الفاضلين
المتقدم ذكرهما ونحوهما، لاعتذارهما عن الرواية بما يعرب عن عدم
إعراضهما عن تلك القاعدة، وصرفهما الحمل في الاعتذار الثاني بالتقييد إلى
الرواية دون القاعدة، ولما دل على أن الإعانة على الإثم محرمة من الكتاب
والسنة، بناء على مذهبنا من أن الكفار مكلفون بالفروع، وقد أثبتنا ذلك في
رسالة مفردة.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (1) والروضة (2) التوقف في
المسألة.
ولا يخلو عن وجه، مع أنه أحوط في الفتوى بلا شبهة.
(الثالثة: لا) يجوز أن (يأكل الإنسان من مال غيره) ممن يحترم
ماله وإن كان كافرا (إلا بإذنه) إجماعا بالكتاب والسنة المستفيضة، بل
المتواترة.
قال سبحانه: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن
تراض منكم (3).
وفي الحديث: المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه (4).
وفي آخر: لا يحل ماله إلا عن طيب نفس منه (5).
(وقد رخص مع عدم) العلم ب‍ (الإذن في الأكل من بيوت من تضمنته
الآية) في سورة النور.
وهي قوله سبحانه: «ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت

(1) المسالك 12: 95.
(2) الروضة 7: 309.
(3) النساء: 29.
(4) سنن ابن ماجة 2: 1298، الحديث 3933.
(5) سنن الدارقطني 3: 26، الحديث 91 - 92.
235

آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت
أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما
ملكتم مفاتحه أو صديقكم» (1).
فيجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم وغيبتهم (إذا) لم
يحمل، ولم يفسد، (ولم يعلم الكراهية) منهم.
قيل: ولو بالقرائن الحالية بحيث تثمر الظن الغالب بالكراهة، فإن ذلك
كاف في هذا ونظائره، ويطلق عليه العلم كثيرا (2).
ولا ريب أن ما ذكره من كفاية المظنة بالكراهة أحوط وإن كان في تعينه
نظر بعد إطلاق الكتاب والسنة المستفيضة بجواز الأكل من غير إذن، الشامل
لصورة الظن بعدمه، بل لصورة العلم بعدمه أيضا، إلا أنها خارجة بالإجماع
ظاهرا. وليس على إخراج الصورة الأولى منعقدا لتعبير كثير - كالحلي (3)
وغيره - عن الشرط بشرط أن لا ينهاه المالك.
وكيف كان لا فرق في ظاهر إطلاق العبارة - ونحوها من عبائر جماعة
وصريح آخرين وربما نسب إلى الشهرة - بين ما يخشى فساده في هذه
البيوت وغيره، ولا بين دخوله بإذنه وعدمه، عملا بإطلاق الآية، والأخبار.
خلافا لشاذ غير معروف في الأول، فقيد الجواز بما يخشى فساده.
ومستنده غير واضح، مع أن النصوص صريحة في رده، كالصحيح
المروي عن المحاسن، وفيه: عما يحل للرجل من بيت أخيه من الطعام، قال:
المأدوم والتمر والخبز (4) هؤلاء الذين سمى الله تعالى في هذه الآية تأكل
بغير إذنهم من التمر والمأدوم - إلى أن قال: - وأما ما خلا ذلك من الطعام

(1) النور: 61.
(2) الروضة 7: 341.
(3) السرائر 3: 124.
(4) المحاسن: 416، الحديث 173 - 175.
236

فلا (1) ولا ريب أن التمر مما لا يخشى فساده وقريب منهما الرضوي: ولا
بأس للرجل أن يأكل من بيت أبيه وأخيه وأمه وأخته وصديقه مما لا يخشى
عليه الفساد من يومه بغير إذنه مثل البقول والفاكهة وأشباه ذلك (2). فتأمل.
وللحلي (3) في الثاني، فقيد الدخول بالإذن وحرم الأكل مع الدخول
بدونه، ومال إليه الفاضل المقداد في التنقيح.
فقال بعد حكاية طعن العلامة عليه بمخالفة ما ذكره الإطلاق: وفيه نظر،
لأن لابن إدريس أن يقول الأكل في البيت يستلزم الدخول فيه واللازم منهي
عنه إجماعا إلا بالإذن فكذا الملزوم وهو الأكل، وأما مع إذن الدخول فلا
ينهض الدليل، لأن اللازم وهو الدخول ليس بمنهي عنه، فلا يكون الأكل
منهيا عنه، وأيضا الأصل تحريم أكل مال الغير بغير إذنه خرج ما خرج وبقي
الباقي على أصله وهو التحريم، وأيضا إذن الدخول قرينة دالة على إذن
الأكل وحيث لا إذن فلا قرينة لإذن الأكل فيحرم بالأصل (4). انتهى.
وفيه نظر، فإن النهي عن الدخول بغير إذن على تقدير تسليمه هنا لا
يستلزم النهي عن الأكل بعد حصوله، والتلازم بين النهيين غير ثابت، وما
ذكره «من أن الأصل تحريم مال الغير» إلى آخره مسلم، إلا أن المخصص له
في المسألة من إطلاق الكتاب والسنة موجود، والتمسك بالأصل معها غير
معقول.
وما ذكره «من أن إذن الدخول قرينة... الخ» فيه أولا: عدم وضوح كونه
قرينة، بل لا تلازم بين الإذنين قطعا.
وثانيا على تقدير تسليمه نقول: إن عدم الإذن الأول لا يستلزم عدم إذن

(1) المحاسن: 416، الحديث 173 - 175.
(2) مستدرك الوسائل 16: 242.
(3) السرائر 3: 124.
(4) التنقيح 4: 60.
237

الثاني، ولو استلزم فلا ضير أيضا بعد الاتفاق حتى منه على أن مبنى المسألة
جواز الأكل من بيوت هؤلاء من دون إذن ولا رخصة، فأي ضرر في عدمه،
وإن هذا منه إلا إرجاع المسألة المستثناة من مسألة النهي عن أكل مال الغير
إلا بإذنه إليها، وحينئذ لا يترتب على استثنائها منها فائدة أصلا، وهو مخالف
للاتفاق دليلا وفتوى جدا.
واعلم أنه لا يتعدى الحكم إلى غير البيوت من أموالهم اقتصارا فيما
خالف الأصل على مورده، ولا إلى تناول غير المأكول لذلك، مضافا إلى
الخبر المتقدم، المتضمن لقوله (عليه السلام): «وأما ما خلا ذلك من الطعام فلا» (1).
فتدبر.
نعم لو دل عليه الأكل بمفهوم الموافقة كالشرب من مائه والوضوء به
أو دل عليه بالالتزام كالكون بها حالته أمكن التعدية، كما صرح به في
الروضة (2) والكفاية (3).
وهل يجوز دخول البيوت لغير الأكل أو الكون بها بعده وقبله؟ نظر، من
تحريم التصرف في مال الغير إلا ما استثني وليس منه هذا، ومن دلالة
القرائن على تجويز ذلك من المنافع التي لا يذهب بها من المال شئ حيث
جاز إتلافه بما ذكر. ولعل هذا أظهر.
والمراد ببيوتكم ما يملكه الآكل، لأنه حقيقة فيه.
قيل: ويمكن أن يكون النكتة فيه مع ظهور إباحته الإشارة إلى مساواة
ما ذكر له في الإباحة، والتنبيه على أن الأقارب المذكورين والصديق ينبغي
جعلهم كالنفس في أن يحب لهم ما يحب لها ويكره لهم ما يكره لها، كما جعل

(1) الوسائل 16: 435، الباب 24 من أبواب آداب المائدة، ذيل الحديث 2.
(2) الروضة 7: 342.
(3) كفاية الأحكام: 253 س 15.
238

بيوتهم كبيته. قيل: وهو بيت الأزواج والعيال (1). وقيل: بيت الأولاد، لأنهم
لم يذكروا في الأقارب، مع أنهم أولى منهم بالمودة والموافقة، ولأن ولد
الرجل بعضه وحكمه حكم نفسه، وهو وماله لأبيه، فجاز نسبة بيته إليه، وفي
الحديث: أن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وأن ولده من كسبه (2). وهذا
القول حسن بالإضافة إلى إلحاق الأولاد بالأقارب في الحكم، لا بالإضافة
إلى دعوى دخولهم في بيوتكم.
ويظهر من وجه إلحاقهم بهم من الأولوية وجه صحة إلحاق الأجداد
والجدات بهم، لأنهم أدخل في القرب من الأعمام والأخوال وما ملكتم
مفاتحه. قيل: هو العبد. وقيل: من له عليه ولاية. وقيل: ما يجده الإنسان في
داره ولا يعلم به (3).
وفي المرسل كالصحيح: الرجل له وكيل يقوم في ماله ويأكل بغير
إذنه (4). وقريب منه المرفوع المروي عن تفسير علي بن إبراهيم: أن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) آخى بين أصحابه، فكان بعد ذلك إذا بعث أحدا من أصحابه في
غزاة أو سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين، ويقول: خذ ما
شئت، وكل ما شئت، وكانوا يمتنعون عن ذلك حتى ربما فسد الطعام في
البيت، فأنزل الله تعالى ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا يعني
حضر أو لم يحضر إذا ملكت مفاتحه (5).
والعمل بهما حسن، إلا أن حصر هذا الفرد فيما تضمناه مشكل، بل

(1) الروضة 7: 344.
(2) سنن ابن ماجة 2: 723، الحديث 2137.
(3) مفاتيح الشرائع 2: 223.
(4) الوسائل 16: 435، الباب 24 من أبواب آداب المائدة، الحديث 5.
(5) تفسير القمي 2: 109.
239

ينبغي الرجوع فيه إلى العرف، كما أنه ينبغي الرجوع في صديقكم إليه، لعدم
تحديده شرعا.
وفي الصحيح: ما يعني بقوله: «أو صديقكم»؟ قال: هو والله الرجل
يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه (1).
واعلم أن المتبادر من الأقارب المذكورين كونهم كذلك بالنسب.
وفي إلحاق من كان منهم كذلك بالرضاع إشكال، من أن الرضاع لحمة
كلحمة النسب ومساواته له في كثير من الأحكام، ومن كون المتبادر النسبي
منهم. والاحتياط التمسك بأصالة الحرمة في موضع الشك، بل لعله لازم.
(وكذا) رخص مع عدم الإذن في أكل (ما يمر به الإنسان) اتفاقا (من
ثمرة النخل).
(وفي ثمرة الزرع والشجرة تردد) ينشأ مما مر في كتاب التجارة في
فصل بيع الثمار، وقد استوفينا ثمة الكلام في المقام (و) في أنه يشترط
في الإباحة إن قلنا بها شرائط، منها أن (لا يقصد) المرور إلى الثمرة ولا
يتعمده (و) أن (لا يحمل) وغير ذلك.
(الرابعة: من شرب خمرا أو شيئا نجسا فبصاقه طاهر ما لم يكن
متغيرا بالنجاسة) بلا خلاف أجده، ولم يحكه أحد من الجماعة، لأصالة
الطهارة خرج منها صورة التغيير بالإجماع وإطلاقات الأدلة بلزوم الاجتناب
عن تلك العين النجسة، وإنما لم ينجس البصاق بالملاقاة مع كونه مائعا، لعدم
الدليل على التنجيس بها مطلقا، بل لا دليل على نجاسة كل مائع بها كليا إلا
الإجماع، وهو مختص بالمائعات الظاهرة لا الباطنة، بل صرحوا بعدم
نجاستها مطلقا.

(1) الوسائل 16: 435، الباب 24 من أبواب آداب المائدة، الحديث 1.
240

هذا، مضافا إلى بعض المعتبرة المنجبر قصوره بالجهالة بعمل الطائفة،
ورواية صفوان بن يحيى عن موجبها، وهو ممن أجمعت على تصحيح
ما يصح عنه العصابة.
وفيه: رجل يشرب الخمر فبزق فأصاب ثوبي من بزاقه، قال: ليس
بشئ (1).
والدلالة على الحكم في المسألة مبنية على ما هو الأظهر الأشهر بين
الطائفة، كما تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة من نجاسة الخمر، ووجه التعدية
إلى ما عداها في المسألة عدم القول بالفرق بين الطائفة.
(الخامسة: إذا باع ذمي خمرا) من غير مسلم بالعقد دون المعاطاة
إلا مع إتلاف المشتري عينها (ثم أسلم) البائع (فله قبض ثمنه) من
المشتري، لثبوته في ذمته قبل إسلامه، فيستصحب. ولا يقدح كون أصله
محرما على المسلم مطلقا، لأنه قد استقر على وجه محلل في وقت يقر
عليه، كما لو كان قد قبضه ثم أسلم.
وربما يستأنس للحكم هنا بما ورد في كتاب المهور من الخبر:
النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا من خمر وثلاثين خنزيرا ثم
أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها، قال: ينظر كم قيمة الخمر وكم قيمة
الخنزير فيرسل بها إليها ثم يدخل عليها (2) فتدبر.
(السادسة: الخمر تحل إذا انقلبت خلا) بلا خلاف بين الفقهاء إذا كان
الانقلاب نفسيا، كما في التنقيح (3). وهو الحجة; مضافا إلى فحاوي

(1) الوسائل 2: 1058 - 1059، الباب 39 من أبواب النجاسات، الحديث 1، 2.
(2) الوسائل 15: 4، الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 2.
(3) التنقيح 4: 61.
241

النصوص الآتية، وأن الأحكام للأسماء تابعة حلا وحرمة وطهارة ونجاسة،
بلا خلاف بين الأصحاب كافة، للأصول الممهدة المعتضدة بظاهر بعض
المعتبرة، كالموثق كالصحيح بل يقال: صحيح (1): في الرجل باع عصيرا
فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا، فقال: إذا تحولت عن
اسم الخمر فلا بأس به (2) وصريحه كالقاعدة حلها بالانقلاب مطلقا.
(ولو كان بعلاج) كان المعالج به عينا باقية أم غيرها، وهو المشهور
بين أصحابنا، والمعتبرة بذلك - زيادة على ما مر - مستفيضة جدا، عموما
وخصوصا.
فمن الأول: الصحيح: يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا،
فقال: خذها ثم أفسدها، قال علي (عليه السلام): واجعلها خلا (3).
والموثقان لابن بكير، المجمع على تصحيح رواياته ورواية الراوي عنه
فيهما. وهو ابن أبي عمير عن جميل في أحدهما: عن الخمر تجعل خلا،
قال: لا بأس (4). وفضالة بن أيوب في الثاني: عن الرجل يأخذ الخمر
ويجعلها خلا، قال: لا بأس (5).
وهما قريبان من الصحيح من وجهين، بل وجوه، بل عدا ابن بكير ثقة،
فيكونان من الصحيح ومن الثاني: الصحيح على الصحيح: في العصير يصير
خمرا فيصب عليه الخل وشئ يغيره حتى يصير خلا، قال: لا بأس به (6).
والموثق كالصحيح بفضالة عن ابن بكير، وفيه: عن الخمر يجعل خلا،
قال: لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها (7) بالغين المعجمة كما في الكافي (8)

(1) لم نعثر على قائله.
(2) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة.
(3) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 6، 1، 3، 8، 4.
(4) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 6، 1، 3، 8، 4.
(5) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 6، 1، 3، 8، 4.
(6) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 6، 1، 3، 8، 4.
(7) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 6، 1، 3، 8، 4.
(8) الكافي 6: 428، الحديث 4.
242

وفي التهذيبين (1) بالقاف، وهو مرجوح بالنسبة إلى الأول، لأضبطيته.
وقريب منه الخبر: عن الخمر يصنع فيها الشئ حتى يحمض، فقال: إذا
كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس (2). بناء على قوة
احتمال كون المراد أنه لا بأس به إذا كان الخمر غالبا على ما جعل فيها ولم
يصر مستهلكا لا يعلم انقلابه فلا بأس، لا ما عقله منه الشيخ (رحمه الله) من أغلبية
الموضوع فيها عليها، فنسبها إلى الشذوذ.
وبظهور ما ذكرناه من الخبر صرح الخال العلامة المجلسي طاب ثراه في
حاشيته المنسوبة إليه على الرواية (3).
وأصرح من الجميع ما رواه الحلي في آخر السرائر نقلا عن جامع
البزنطي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل: عن الخمر تعالج
بالملح وغيره لتحول خلا، قال: لا بأس بمعالجتها... الخبر (4).
فلا وجه لتوقف شيخنا الشهيد الثاني في العلاج بالأجسام، وتعليله بأنه
ليس في الأخبار المعتبرة ما يدل على علاجها بها والطهر بها كذلك، وإنما
هو عموم أو مفهوم مع قطع النظر عن الإسناد (5). وذلك لما عرفت من وجود
خصوص النصوص، التي منها الصحيح والموثق القريب منه، مع أن العموم
والمفهوم حجة، والأسانيد بنفسها معتبرة، مع أن فيها الصحيح بلا خلاف،
كما عرفت، ومع ذلك الجميع بالشهرة المحققة والمحكية في كلامه (6) وغيره
منجبرة ومعتضدة.

(1) التهذيب 9: 117، الحديث 241، الاستبصار 4: 94، الحديث 7.
(2) الوسائل 17: 296، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 2.
(3) ملاذ الأخيار 14: 366، الحديث 242.
(4) السرائر 3: 577.
(5) المسالك 12: 102 - 101.
(6) المسالك 12: 102 - 101.
243

ولا لاشتراط ذهاب العين المعالج به قبل أن يصير خلا، لأنها تنجس
ولا مطهر لها، كما قيل (1). لأن هذا الكلام لا يجري على القول بطهارة الخمر.
وعلى القول بالنجاسة - كما هو الأظهر الأشهر بين الطائفة - يمكن
اغتفار ذلك كالآنية، نظرا إلى عموم الأدلة المتقدمة المعتضدة، مع حجيتها في
نفسها جملة بالشهرة العظيمة.
نعم يكره العلاج مطلقا لا للخبر - وإن استدل به لها جماعة -: عن الخمر
يجعل فيها الخل، قال: لا إلا ما جاء من قبل نفسه (2) لعدم (3) وضوح ما
فهموه منه، واحتمال كون المراد به أن مجرد جعل الخل في الخمر لا يكفي
في الاستحالة بل لا بد أن يترك حتى ينقلب ذلك الخمر خلا بنفسه، ردا على
أبي حنيفة (4) القائل بذلك.
(و) المشهور بين المتأخرين، كما في الكفاية (5) وفاقا للحلي (6): أنه
(لا تحل) الخمر (لو ألقي فيها خل) كثير حتى (استهلكها) ولو مضى مدة
ينقلب الخمر فيها خلا، نظرا إلى أن الخمر يحل بالانقلاب لا ما ينجس بها.
وهو قوي جدا، لا للتعليل المتقدم، لانتقاضه بصورة عدم الاستهلاك وقلة
المعالج به وهم يقولون: بإفادة الانقلاب فيها الإباحة فكذا في صورة
الاستهلاك وكثرة المعالج به، بل لإطلاق الخبرين الأخيرين في اشتراطهما
عدم غلبة المعالج به في نفي البأس عن العلاج، ومفهومه ثبوت البأس مع
عدم الشرط، وهو وإن كان أعم من الحرمة، إلا أنه محمول عليها بقرينة
السؤال الظاهر وقوعه عن التحريم وعدمه لا الكراهة وعدمها، مع أن إثبات

(1) لم نعثر على قائله.
(2) الوسائل 17: 297، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 7.
(3) في «م» و «ش»: ولا لعدم.
(4) الفتاوى الهندية 5: 410 س 24.
(5) كفاية الأحكام: 253 س 29.
(6) السرائر 3: 133.
244

المرجوحية ولو في الجملة لعله كاف في إثبات الحرمة، بعد عدم ظهور
قائل بالكراهة.
(وقيل) كما من الشيخ في النهاية (1): أنه (لو ألقي في الخل خمر من
إناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر) المصبوب منها في الخل
(خلا) ويحل بعد الانقلاب.
ونفى عنه البعد في المختلف، معللا بأن انقلاب الخمر إلى الخل يدل
على تمامية استعداد انقلاب ذلك الخمر إلى الخل والمزاج واحد، بل استعداد
الملقى في الخل بصيرورته خلا أتم، ولكن لا يعلم، لامتزاجه بغيره، فإذا
انقلب الأصل المأخوذ منه علم انقلابه أيضا، ونجاسة الخل تابعة للخمرية،
وقد زالت فتزول النجاسة عنه، كما مر في الخمر إذا انقلب. ثم نقل عن
الإسكافي ما يوافق النهاية (2) وما ذكره في الجملة.
وفيه نظر، فإن دعوى زوال نجاسة الخل بزوال نجاسة الخمر مصادرة،
سيما مع كون الخمر ونجاستها مقدرة غير محققة. والتبعية في ثبوت النجاسة
لا يستلزم التبعية في زوالها، مع أنه على تقدير التمامية مدفوع بما قدمناه
من الحجة على ما اختاره الجماعة، سيما مع اعتضادها ببقاء الحرمة والنجاسة.
فاستدلاله ضعيف غايته، كاستدلال شيخنا في المسالك للنهاية برواية
عبد العزيز بن المهتدي، التي هي الصحيحة من الأخبار الخاصة المتقدمة،
المتضمنة لنفي البأس عن علاج الخمر بصب الخل فيها (3) نظرا إلى إطلاقها
الشامل لمفروض المسألة. وذلك فإن المناقشة فيه واضحة، لعدم انصراف
الإطلاق بحكم التبادر والغلبة إلا إلى صورة كون الخل المعالج به الخمر

(1) النهاية 3: 113.
(2) المختلف 8: 347.
(3) المسالك 12: 103.
245

قليلا في جنبها. فلا ينهض حجة لما نحن فيه من صورة العكس.
وإلى هذا يشير كلام صاحب الكفاية، حيث قال بعد نقل استدلال
المختلف: وفيه تأمل، والوجه أنه لا إشكال في طهارة الخل في المسألتين
على القول بطهارة الخمر، وأما على القول بالنجاسة فالحكم كذلك فيما
صدق أنه على سبيل العلاج، كما هو المتبادر من الأخبار لا مطلقا، انتهى (1).
هذا، مع أن ظاهر الرواية اعتبار انقلاب الخمر الملقى فيه الخل خلا،
لا انقلاب الخمر الملقى منه في الخل، كما هو صريح النهاية (2). ولا تلازم
بين الانقلابين، كما يظهر من عبارة المختلف المتقدمة. فتأمل.
وربما يظهر من الدروس (3) والتنقيح (4) استناد النهاية فيما ذكره إلى غير
ما ذكره الشهيد الثاني والعلامة، قالا - بعد نقله: تأويلا لرواية أبي بصير
«لا بأس بجعل الخمر خلا إذا لم يجعل فيها ما يقلبها» (5). ثم قال الأول
مجيبا عنها: ولو حمل ذلك على النهي عن العلاج كما رواه أيضا استغنى عن
التأويل. وفي كل من الاستدلال والجواب نظر.
أما الأول: فلوضوح أن التأويل بنفسه ليس بدليل.
وأما الثاني: فلتوقفه على كون تقلبها بالقاف لا بالغين المعجمة، والحال
أن النسخة الراجحة بالعكس، كما مر إليه الإشارة.
وكيف كان فالمختار ما هو المشهور بين الطائفة شهرة محققة ومحكية،
كما مر إليه الإشارة، بل ربما أشعر قول الماتن هنا (وهو) مشير إلى ما في
النهاية (متروك) بكونها إجماعا.

(1) كفاية الأحكام: 253 س 32.
(2) النهاية 3: 113.
(3) الدروس 3: 19.
(4) التنقيح 4: 61 - 62.
(5) الوسائل 17: 296، الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 4، وفيه: ما يغلبها.
246

(السابعة: لا يحرم) شرب (الربوبات والأشربة) الغير المسكرة مطلقا
(وإن شم منها رائحة المسكرة) إجماعا، للأصل، والعمومات السليمة عن
المعارض المعتضدة بالنصوص.
منها: عن السكنجبين والجلاب ورب التوت ورب التفاح ورب الرمان،
فكتب: حلال (1).
(ويكره الإسلاف في العصير) وفاقا للنهاية (2) وبها صرح الماتن في
الشرائع (3) والفاضل في الإرشاد (4). والحجة عليها غير واضحة، عدا ما
يحكى عن النهاية. وهو ضعيف غايته، كما نبه عليه الحلي (5) وجماعة.
ونحوه في الضعف الاعتذار الذي اعتذر به عنه العلامة (6) كما صرح به
شيخنا في المسالك (7). ومع ذلك لا بأس بالكراهة، لفتوى الجماعة بها، بناء
على المسامحة في أدلتها.
(وأن يستأمن على طبخه من يستحله قبل أن يذهب ثلثاه) إذا كان
مسلما، وبها صرح في الإرشاد (8) أيضا، ونسبها في الكفاية إلى جماعة
واختارها (9).
استنادا في الجواز إلى أن قول ذي اليد مقبول في طهارة ما في يده
ونجاسته، فليكن هنا كذلك، وإطلاق الصحيح: عن البختج، فقال: إذا كان
حلوا يخضب الإناء وقال صاحبه قد ذهب ثلثاه وبقي الثلث فاشربه (10).

(1) الوسائل 17: 293، الباب 29 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1.
(2) النهاية 3: 110.
(3) الشرائع 3: 228.
(4) الإرشاد 2: 113.
(5) السرائر 3: 131.
(6) المختلف 8: 345.
(7) المسالك 12: 110.
(8) الإرشاد 2: 113.
(9) كفاية الأحكام: 253 س 38.
(10) الوسائل 17: 234، الباب 7 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 3.
247

وفي الكراهة إلى الشبهة الناشئة من الخلاف والنهي في الأخبار الآتية.
خلافا للنهاية (1) والحلي (2) وفخر الدين (3) والشهيد في الدروس (4)
والتنقيح (5) وحكاه في المسالك عن العلامة (6) فاختاروا الحرمة، للمعتبرة:
منها الصحيح: الرجل يهدي إلي البختج من غير أصحابنا، فقال: إن كان
ممن يستحل المسكر فلا تشربه، وإن كان ممن لا يستحله فاشربه (7)
والموثقان:
في أحدهما: عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج فيقول:
قد طبخ على الثلث وأنا أعرف أنه يشربه على النصف، فقال: لا تشربه،
قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا
يستحله على النصف يخبرنا أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي
ثلثه يشرب منه، قال: نعم (8).
وفي الثاني: عن الرجل يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على الثلث،
قال: إن كان مسلما ورعا مؤمنا فلا بأس أن يشرب (9). فتأمل.
وهذا القول أقوى، لاعتبار أسانيد الروايات كما ترى، وشهرتها بين
أصحابنا، مع وضوح دلالة أكثرها، بناء على أن النهي حقيقة في التحريم
جدا.
ولا وجه لحمله على الكراهة أصلا، إلا الجمع بينها وبين ما مر من
الأدلة، وهو ممكن بحمله على الحرمة، وتقييد إطلاق تلك الأدلة بغير
مفروض المسألة، مع أنه متعين كما قرر في محله.

(1) النهاية 3: 109.
(2) السرائر 3: 129.
(3) الإيضاح 4: 159.
(4) الدروس 3: 17.
(5) التنقيح 4: 63.
(6) القواعد 2: 159 س 2.
(7) الوسائل 17: 233، الباب 7 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 4، 6.
(8) الوسائل 17: 233، الباب 7 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 4، 6.
(9) الوسائل 17: 233، الباب 7 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 1، 4، 6.
248

مع أن إطلاق الصحيح من تلك الأدلة معارض بإطلاق الصحيح الآخر:
عن الرجل يصلي إلى القبلة لا يوثق به أتى بشراب يزعم أنه على الثلث
فيحل شربه، قال: لا يصدق، إلا أن يكون مسلما عارفا (1). فتأمل.
(والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت)
بلا خلاف أجده، للرواية القاصرة سندا، المحمولة لذلك، وللأصل،
والعمومات على الكراهة.
وفيها نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الاستشفاء بالحميات، وهي العيون
الحارة، التي تكون في الجبال، التي يوجد فيها رائحة الكبريت، فإنها تخرج
من فوح جهنم (2).
ويستفاد من التعليل كراهة مطلق استعماله، كما صرح بها المقدس
الأردبيلي (رحمه الله) (3) وصاحب الكفاية (4). ولا بأس بها وإن لم يذكرها الجماعة.
* * *

(1) الوسائل 17: 335، الباب 7 من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث 7.
(2) الوسائل 1: 160، الباب 12 من أبواب الماء المضاف، الحديث 3.
(3) مجمع الفائدة 11: 288 - 289.
(4) كفاية الأحكام: 253 س 29.
249

كتاب الغصب
251

(كتاب الغصب)
(والنظر) فيه يقع (في أمور):
(الأول) في تعريفه
واعلم أن (الغصب) كما هنا وفي الشرائع (1) واللمعة (2) والدروس (3)
(هو الاستقلال) والاستبداد (بإثبات اليد على مال الغير عدوانا) وظلما،
وهو قريب من معناه اللغوي، الذي هو الأخذ ظلما.
وخرج بالاستقلال بإثبات اليد ما لا إثبات معه أصلا، كمنعه من ماله
حتى تلف، كما يأتي وما لا استقلال معه كوضع يده على ثوبه الذي هو
لابسه، فإن ذلك لا يسمى غصبا لغة ولا عرفا.
وخرج بالمال الاستقلال باليد على غيره، كالحر فإنه لا يتحقق فيه
الغصبية جدا، فلا يضمن.
وخرج بإضافة المال إلى الغير ما لو استقل بإثبات يده على مال نفسه
عدوانا، كالمرهون في يد المرتهن، والوارث على التركة مع الدين على قول،

(1) الشرائع 3: 235.
(2) اللمعة: 141.
(3) الدروس 3: 105.
253

فليس كل منهما بغاصب عرفا وإن أثما وضمنا.
وخرج بالعدوان إثبات المرتهن والوكيل والولي والمستأجر والمستعير
أيديهم على مال الراهن والمولى عليه والموكل والمؤجر والمعير.
ولانتقاض هذا التعريف في عكسه بما لو اشترك اثنان فصاعدا في
غصب، بحيث لم يستقل كل منهما باليد بدل «الاستقلال» فيه ب‍ «الاستيلاء»
ليشمله، لصدق الاستيلاء فيه دون الاستقلال.
ولانتقاضه أيضا بالاستقلال بإثبات اليد على مطلق حق الغير، كالتحجير
وحق المسجد ونحوه مما لا يعد مالا، مع كون الغصب فيه متحققا عرفا بدل
المال فيه بمطلق الحق ليشمله.
فتلخص من ذلك أن الأجود في تعريفه أنه الاستيلاء على حق الغير
عدوانا.
وأما إبدال العدوان بغير حق ليتناول التعريف من ترتب يده على يد
الغاصب جاهلا بالغصب ومن سكن دار غيره غلطا أو لبس ثوبه خطأ فإنهم
ضامنون ولم يدخلوا في التعريف بدون التبديل المذكور فمردود، لعدم صدق
الغصب عرفا على شئ من ذلك جدا.
والحكم بالضمان فيها لم يكن وجهه في الغصب منحصرا، لعدم التلازم
بينهما إجماعا، ولذا قالوا: إن أسباب الضمان غير منحصرة فيه، مع أن
الغصب من الأفعال المحرمة، بدليل العقل، والآيات المتكاثرة، والسنة
المستفيضة، بل المتواترة، وإجماع الأمة المحقق والمحكي في كلام جماعة
إلى حد الاستفاضة، فلو صدق الغصب عليها حقيقة لاستلزم حرمتها، مع
أنها مقطوع بعدمها.
(و) حيث قد عرفت اعتبار الاستقلال أو الاستيلاء في الغصب ظهر
254

لك الوجه بعد ملاحظة الأصل أيضا أنه (لا يضمن) أحد وإن أثم
(لو منع المالك من إمساك الدابة المرسلة) فتلفت، لا عينها ولا منفعتها زمن
المنع.
(وكذا) لا يضمنها (لو منعه من القعود على بساطه) والسكنى في
داره فتلفا، لما عرفت من الأصل، وعدم صدق الغصب الموجب للضمان
بالإجماع، بناء على فقد جزئه المفهوم منه لغة وعرفا هنا، وهو إثبات اليد.
قيل: ويشكل بأنه لا يلزم من عدم الغصب عدم الضمان، لعدم انحصار
السبب فيه، بل ينبغي أن يختص ذلك بما لا يكون المانع سببا في تلف العين
بذلك، بأن اتفق تلفها، مع كون السكنى غير معتبرة في حفظها، والمالك غير
معتبر، في مراعاة الدابة، كما يتفق لكثير من الدور والدواب. أما لو كان
حفظه متوقفا على سكنى الدار وركوب الدابة لضعفها أو كون أرضها مسبعة
مثلا فإن المتجه الضمان، نظرا إلى كونه سببا قويا مع ضعف المباشر (1).
وهو حسن، وفاقا لجماعة من المتأخرين، كما في المسالك (2)
والكفاية (3) واختاراه أيضا، لا لما ذكر من أن عدم الغصب لا يلزم منه عدم
الضمان لاحتماله بسبب آخر، لنفيه بالأصل المتقدم، ولذا سلم عدم الضمان
في صورة عدم سببية المانع للتلف، بل لأن نفي احتمال سببية سبب آخر في
الضمان بالأصل إنما يتوجه حيث لا يمكن إثباته بدليل آخر أقوى منه
وأخص، وهو في صورة سببية المانع وضعف المباشر ممكن، لعموم لا ضرر
ولا ضرار في الدين (4) بناء على صدق الاضرار بمنع المانع في هذه الصورة
عرفا، فيتوجه ضمانه حينئذ جدا.

(1) الروضة 7: 19.
(2) المسالك 12: 150.
(3) كفاية الأحكام: 255 س 15.
(4) عوالي اللئالي 1: 220، الحديث 93.
255

ومن هنا يتوجه الحكم بضمان نقص القيمة السوقية للمتاع إذا حصل
بمنع المالك عن بيعه ولو مع بقاء العين وصفاتها، وذكر القائل المتقدم هنا:
أنه لم يضمن قطعا، لأن الفائت ليس بمال، بل اكتسابه (1).
وهو كما ترى، لاتحاد وجه الحكم بالضمان هنا وفيما مضى، وهو
صدق الإضرار المنفي شرعا، وليس فيه ما يقتضي تخصيص الضرر المنفي
بما يكون متعلقه مالا، ولعله لذا اختار الشهيد (رحمه الله) (2) في بعض فتاويه الضمان
هنا أيضا، وإن قوى في الدروس (3) عدم الضمان مطلقا، وفاقا للمشهور، كما
في المسالك (4) والكفاية (5).
(ويصح) أي ويتحقق ويتصور (غصب العقار كالمنقول) بلا خلاف
بيننا، بل في ظاهر الكفاية (6) والمسالك (7) أن عليه الإجماع منا ومن أكثر
العلماء، لأن المعتبر منه الاستقلال بإثبات اليد أو الاستيلاء وتحققهما ممكن
في العقار كغيره.
ومن ثم أمكن قبضه في البيع ونحوه مما يعتبر فيه القبض، وهو
لا يتحقق بدون الاستقلال بإثبات اليد عليه، فليكن هنا كذلك.
هذا، مضافا إلى الخبر: من غصب شبرا من أرض طوقه الله تعالى من
سبع أرضين إلى يوم القيامة (8).
وفي آخر: من خان جاره شبرا من الأرض جعله الله تعالى طوقا
في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتى يلقى الله عز وجل يوم القيامة

(1) الروضة 7: 21.
(2) المسالك 12: 150 - 151.
(3) الدروس 3: 105.
(4) المسالك 12: 150 - 151.
(5) كفاية الأحكام: 255 س 15.
(6) كفاية الأحكام: 255 س 22.
(7) المسالك 12: 150 - 151.
(8) تلخيص الحبير 2: 53، الحديث 1269، مع اختلاف يسير.
256

مطوقا إلا أن يتوب ويرجع (1).
وفي ثالث: من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر (2).
خلافا لبعض العامة، فقال: لا يمكن غصبه، بل إنما يضمن بالانهدام، فإذا
دخل وانهدم ضمن المهدوم.
وضعفه ظاهر، مع عدم الدليل عليه.
(و) اعلم أنه إنما (يضمن ب‍) - مجرد (الاستقلال به) أي بالعقار
بإثبات اليد عليه ولو بأن يستولي عليها ويتسلم مفاتيحها، من دون أن يزعج
المالك ويخرجه منها على ما يقتضيه إطلاق العبارة ونحوها، وبه صرح
جماعة كالمسالك (3) والكفاية (4).
خلافا للعلامة، فاعتبر مع ذلك الدخول والإزعاج (5).
ووجهه غير واضح، لصدق الغصب بدونهما بمجرد الاستقلال والاستيلاء
عرفا، ألا ترى أنه لو كان المالك غائبا يتحقق الغصب ولا إزعاج أصلا، وكذا
لو استولى مع المالك صار غاصبا ولو في الجملة، مع أنه لا إزعاج فيه بالمرة.
فظهر أن الاعتبار باليد والاستقلال بلا شبهة.
قيل: ولعل المراد به عدم قدرة المالك على تصرفه فيما هو بيده
وتصرفه، بمعنى أنه لم يمكنه من ذلك وإن كان جالسا معه، فإنه حينئذ
يكون وجوده وعدمه سواء (6). وهو حسن.
(ولو سكن) الغاصب (الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان)

(1) الوسائل 17: 309، الباب 1 من أبواب الغصب، الحديث 2.
(2) الوسائل 17: 311، الباب 3 من أبواب الغصب، الحديث 2.
(3) المسالك 12: 151.
(4) كفاية الأحكام: 255 س 23.
(5) القواعد 1: 201 س 20.
(6) مجمع الفائدة 10: 503.
257

مبنيان على الاختلاف في تعريف الغصب بأن المعتبر فيه الاستقلال فلا
يضمن، أو الاستيلاء فيضمن.
وحيث قد عرفت أظهرية الثاني ظهر لك توجه الضمان، كما عليه الأكثر،
وفاقا للشيخ (1) ونبه على الأكثرية شيخنا في المسالك (2) وصاحب
الكفاية (3).
هذا، مع إمكان تصحيح هذا القول على تقدير اعتبار الاستقلال أيضا،
كما هو ظاهر جمع، منهم الشهيدان في الدروس (4) والروضة (5) والفاضل
المقداد في التنقيح.
قال فيه - بعد تعليل عدم الضمان بعدم استقلال يد الغاصب لأنه إنما
يحصل برفع يد المالك ولم يرفع -: وفيه نظر، لأنه إن أراد باستقلال اليد
عدم المشاركة فهو باطل وإلا لزم عدم الضمان على شخصين اشتركا في
غصب شئ واحد، وإن أراد به إثباته على وجه يرتفع به يد المالك فهو
مصادرة على المطلوب، لأن ذلك عين المتنازع فيه (6).
(ولو قلنا بالضمان ضمن النصف) عينا وقيمة، كما إذا كان له شريك في
الغصب.
وإطلاق العبارة ونحوها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في
ضمانه النصف بين وحدة المالك وتعدده.
ويحتمل تخصيصها بالصورة الأولى والرجوع في الثانية إلى الضمان
بالنسبة، فلو كان اثنين لزمه الثلث وثلاثة لزمه الربع وأربعة لزمه الخمس،

(1) المبسوط 3: 73.
(2) المسالك 12: 151.
(3) كفاية الأحكام: 255 س 24.
(4) الدروس 3: 106.
(5) الروضة 7: 21.
(6) التنقيح 4: 66 - 67.
258

واستقربه في التنقيح إلحاقا للمفروض بما لو تعدد الغاصب، وقال - بعد
ذلك -: والتحقيق يقتضي الضمان على نسبة ما استولى عليه واستقل به إن
نصفا فنصفا وإن ثلثا فثلثا وهكذا (1) وهو جيد.
وعلى القول بالضمان لا بد من التقييد بكونه متصرفا في النصف مثلا،
بحيث يمنع المالك من أنواع التصرفات فيه كالبيع والهبة وأمثالهما، لا مجرد
السكنى، وكون شركته على الإشاعة من غير اختصاص بموضع معين، أما
معه فالمتجه ضمانه كائنا ما كان.
ولو كان قويا مستوليا وصاحب الدار ضعيفا بحيث اضمحلت يده معه
احتمل قويا ضمان الجميع.
ولو انعكس الفرض، بأن ضعف الساكن الداخل على المالك عن مقاومته
ولكن لم يمنعه المالك مع قدرته ضمن الساكن اجرة ما سكن خاصة،
لاستيفائه منفعته بغير إذن مالكه.
هذا، مع حضور المالك. وأما مع غيبته فلا شبهة في ضمانه العين أيضا،
لتحقق الاستيلاء حينئذ جدا.
(ويضمن حمل الدابة لو غصبها، وكذا) غصب (الأمة) الحامل غصب
لحملها، بلا خلاف أجده ظاهرا، لأنه مغصوب كالأم، والاستقلال باليد عليه
حاصل بالتبعية لها، وليس كذلك حمل المبيع فاسدا حيث لا يدخل في
البيع، لأنه ليس مبيعا، فيكون أمانة في يد المشتري، لأصالة عدم الضمان،
ولأن تسلمه بإذن البائع، مع احتمال الضمان، لعموم على اليد ما أخذت حتى
تؤدي (2) مع الشك في صدق الأمانة عليه، وبه قطع الماتن في الشرائع (3)

(1) التنقيح 4: 67.
(2) تلخيص الحبير 2: 53، الحديث 1267.
(3) الشرائع 3: 236.
259

قالوا: فإن أسقطت الحمل وبقيت الأم لزمه تفاوت ما بين قيمتها حاملا
وحائلا، وإن تلفت بعد الوضع ألزم بالأكثر من قيمة الولد وقيمتها حاملا إن
اعتبرنا الأكثر، وإلا فقيمته يوم التلف (1).
(و) اعلم أنه لا خلاف في أنه (لو تعاقبت الأيدي على المغصوب
فالضمان على الكل) سواء علموا بالغصب جميعا، أم جهلوا، أم بالتفريق،
لتحقق التصرف في مال الغير بغير إذنه الموجب للضمان، لعموم قوله (عليه السلام):
على اليد ما أخذت حتى تؤدي وإن انتفى الإثم عن الجاهل بالغصب.
(و) حينئذ (يتخير المالك) في تضمين من شاء منهم العين والمنفعة
أو تضمين الجميع بدلا واحدا بالتقسيط وإن لم يكن متساويا، لأن جواز
الرجوع على كل واحد بالجميع يستلزم جواز الرجوع بالبعض، وكذا له
تقسيط ما يرجع به على أزيد من واحد وترك الباقين، لما ذكر، ويرجع
الجاهل منهم بالغصب إذا رجع عليه المالك على من غرة فسلطه على العين
أو المنفعة ولم يعلمه بالحال وهكذا الآخر إلى أن يستقر الضمان على
الغاصب العالم وإن لم تتلف العين في يده.
هذا، إذا لم يكن يد من تلفت في يده يد ضمان كالعادية، وإلا لم يرجع
على غيره.
ولو كانت أيدي الجميع عادية تخير المالك في الرجوع عليهم أو
بعضهم، واستقر الضمان على من تلفت في يده، فيرجع غيره عليه لو رجع
المالك عليه دونه، وكذا يستقر المنفعة على من استوفاه.
(والحر لا يضمن) بالبناء للمفعول بالغصب عينا ولا منفعة مطلقا (ولو
كان صغيرا) للأصل، وعدم صدق الغصب عليه عرفا، لأن متعلقه فيه ما كان

(1) المسالك 12: 154 - 155.
260

مالا، كما مضى، وهو ليس بمال مطلقا.
(لكن لو أصابه تلف بسبب الغاصب) من نحو الجناية على نفسه
أو طرفه مباشرة أو تسبيبا (ضمنه) إجماعا، كما يأتي في محله في كتاب
الجنايات.
ثم إن عدم الضمان في غير هذه الصورة إجماعي في الكبير مطلقا،
والصغير إذا كان تلفه بالموت الطبيعي من قبل الله، كما في الروضة (1)
والتنقيح (2).
(ولو كان) لا من قبل الله تعالى (ولا بسببه) أي الغاصب (كالموت)
بافتراس السبع (ولدغ الحية) ونحو ذلك (فقولان) للمبسوط (3) ينشئان
مما مر، ومن أنه سبب الإتلاف، وأن الصغير لا يستطيع دفع المهلكات عن
نفسه وعروضها أكثري فمن ثم رجح السبب.
وقوى هذا في الخلاف (4) والمختلف (5) والقواعد والدروس (6).
ويعضدهم الخبر: من استعار حرا صغيرا فعيب ضمن (7) بناء على أن
الاستعارة أهون من الغصب. لكنه بعد الإغماض عن سنده شاذ، لا قائل
بإطلاقه، ومع ذلك هو كفتوى هؤلاء الجماعة بالضمان في المسألة موافق
لرأي أبي حنيفة، كما عن الخلاف (8) وفي التذكرة (9) ومع ذلك تعليلهم
المشار إليه غير صالح للحجية، وتخصيص أصالة البراءة القطعية.

(1) الروضة 7: 27.
(2) التنقيح 4: 67.
(3) المبسوط 3: 105، والقول الآخر 7: 18.
(4) الخلاف 3: 421، المسألة 40.
(5) المختلف 6: 135.
(6) الدروس 3: 106.
(7) الوسائل 19: 183، الباب 12 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 2.
(8) الخلاف 3: 421، المسألة 40.
(9) التذكرة 2: 376 س 7.
261

فالمسألة إما الأظهر فيها عدم الضمان كما هو الأشهر بين الطائفة على
ما صرح به في المسالك (1) والكفاية (2) أو محل تردد كما هو ظاهر المتن
والإرشاد (3). لكن ربما يستوحش منه.
ويعضد القول بالضمان ملاحظة أن فتح باب عدم الضمان في مثله
يفضي إلى الحيل لقتل الناس، بأن يخليه ويدعه في مسبعة ومضيعة، وأن
الضمان يناسب عدوانه، ويقابل بفعله الشنيع.
وهو مع ما فيه من أنه محض استبعاد جار في الكبير، ولذا قيل: إن
الظاهر عدم الفرق بين الكبير والمجنون والطفل الغير المميز الغير القادر على
الدفع عن نفسه وهو مثل الحيوان، بل الظاهر عدم الفرق بينهم وبين الكبير
إذا حبس بحيث لا يقدر على الخلاص منه ثم حصل في الحبس شئ
أهلكه مثل لدغ الحية أو غيره، لاشتراك العلة المتقدمة، فإن كبره (4) مع
قدرته (5) على دفع الحية والعقرب إذا لم يره في الحبس لظلمته كالطفل،
بل وكالحيوانات التي لا شعور لها (6) انتهى. ولكن الأكثر خصوه بالصغير،
فلا يمكن أن يستدل لهم بهذا التعليل.
(ولو حبس صانعا) حرا زمانا له اجرة عادة (لم يضمن أجرته) إذا لم
يستعمله.
قالوا: لأن منافع الحر لا تدخل تحت اليد تبعا له، سواء كان قد استأجره
لعمل قد اعتقله ولم يستعمله، أم لا. نعم لو كان قد استأجره مدة معينة
فمضت زمن اعتقاله وهو باذل نفسه للعمل استقرت الأجرة لذلك لا للغصب،

(1) المسالك 12: 158.
(2) كفاية الأحكام: 255 س 32.
(3) الإرشاد 1: 445.
(4) كذا، والأصح: الكبير، كما في المصدر.
(5) كذا في المخطوطات والشرح من المطبوع، ولكن في المصدر: مع عدم قدرته.
(6) مجمع الفائدة 10: 512.
262

بخلاف الرقيق، لأنه مال محض ومنافعه كذلك (1).
وظاهرهم القطع بعدم الضمان في صورته، وبه صرح في الكفاية (2) فإن
تم إجماعا، وإلا ففيه مناقشة حيث يكون الحابس سببا مفوتا لمنافع
المحبوس، لقوة الضمان فيه لا للغصب، بل لإيجابه الضرر عليه المنفي،
وعليه نبه الفاضل المقدس الأردبيلي في الشرح.
قال - بعد تقوية الضمان لدفع المفاسد ولدفع ضرر عظيم -: فإنه قد
يموت هو وعياله من الجوع ولا يكون في ذلك مال مع كونه ظالما وعاديا،
ووجود ما يدل على جواز التعدي بما اعتدى، وجزاء السيئة سيئة،
والقصاص، ونحوه ذلك. فتأمل (3) انتهى.
وتبعه خالي العلامة دام ظله في حواشيه عليه، قال - بعد تقوية ما ذكره
الشارح -: وبالجملة إن ثبت إجماع أي على ما ذكره الأصحاب، وإلا فالأمر
كما ذكره أي الشارح.
أقول: ويحتمل قويا اختصاص ما ذكره الأصحاب بصورة عدم استلزام
الحبس التفويت، كما فرضناه، بل الفوات خاصة، وربما يستفاد ذلك من
التذكرة، حيث إنه مع تصريحه بما ذكره الأصحاب قال - في عنوان البحث -:
منفعة بدن الحر يضمن بالتفويت لا بالفوات (4) انتهى. فتأمل.
ويظهر الفرق بين المقامين فيما لو حبسه مدة لها اجرة في العادة، فإن
كان لو لم يحبس لحصلها كان حبسه سببا لتفويتها، فيضمن هنا كما ذكراه،
وإن كان لو لم يحبس لم يحصلها أيضا لم يكن حبسه سببا لتفويتها. وهذا
هو مراد الأصحاب في حكمهم بنفي الضمان فيه، كما احتملناه من كلامهم.

(1) الروضة 7: 28.
(2) كفاية الأحكام: 255 س 36.
(3) مجمع الفائدة 10: 513.
(4) التذكرة 2: 382 س 7.
263

(و) لا شبهة فيه، كما لا شبهة في أنه (لو انتفع به) باستخدامه
(ضمن اجرة الانتفاع) مع أنه لا خلاف فيه.
(ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم) أو كافر متظاهر وإن كان قد
اتخذها للتخليل، إذ لا قيمة لها في شرع الإسلام، لكن هنا يأثم الغاصب،
ويجب عليه ردها مع بقاء عينها.
ولو تخللت ردها خلا، لأنها مملوكة على هذا الوجه، فلا يزول ملكها
بانتقالها إلى الصفة المحللة، بل تتأكد.
وإن تلفت عينها عند الغاصب، فإن كان بعد التخليل لزمه الخل، وإن كان
قبله أثم وسقط عنه الضمان في المشهور، كما في المختلف (1) والمسالك (2)
وغيرهما، لأن حق الامساك لا يوجب الضمان.
خلافا للإسكافي، فحكم له بقيمتها خلا، لأن له حق اليد فكان عليه
الضمان بإتلاف حقه، ولا يصح الضمان بالمثل فيضمن بالقيمة ويجب الخل،
لأنه أقرب إلى العين (3).
ويضعف بأن فيه تدافعا، لأن جعلها حينئذ قيمته يقتضي إيجاب القيمة (4).
وكيف كان فلا وجه للانتقال إلى الخل وإن كان أقرب.
ولا فرق في إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة بل صريح بعضها
بين كون الغاصب مسلما أو كافرا، وبالإجماع على عدم الضمان مطلقا في
الأول صرح الفاضل في التذكرة (5) وظاهرها عدم الخلاف فيه كذلك في
الثاني. وبه أيضا يضعف مختار الإسكافي.

(1) المختلف 6: 132.
(2) المسالك 12: 161.
(3) المختلف 6: 132.
(4) المسالك 12: 161.
(5) التذكرة 2: 379 س 15.
264

(ويضمنها) الغاصب مطلقا مسلما كان أو كافرا (لو غصبها من ذمي)
مستتر بلا خلاف بيننا، بل عليه في ظاهر المبسوط (1) والتذكرة (2) إجماعنا،
لأنها مال بالإضافة إليه وقد أقر عليه ولم يجز مزاحمته فيه.
ثم إن كان الغاصب مسلما لزمه قيمتها عند مستحليه قولا واحدا، كما
في المسالك (3) وفي ظاهر التذكرة (4) أن عليه إجماعنا، لتعذر إلزامه بالمثل
شرعا وإن كان بحسب القاعدة مثليا.
وإن كان الغاصب كافرا ففي إلزامه بالمثل أو القيمة وجهان، من أنه مال
مملوك لهم وهو مثلي فيضمن بمثله إذ لا مانع منه هنا، ومن أنه يمتنع في
شرع الإسلام الحكم بثبوت الخمر في ذمة أحد وإن كنا لا نعترضهم إذا لم
يتظاهروا بها، فامتنع الحكم بالمثل لذلك، فوجب الانتقال إلى القيمة، كما لو
تعذر المثل في المثلي.
ولعل هذا أقوى، وفاقا لأكثر أصحابنا، بل عليه في ظاهر التذكرة (5)
إجماعنا.
خلافا للقاضي (6) في أحد قوليه، فاختار الأول، ونقله في التذكرة عن
أبي حنيفة (7).
(وكذا) الحكم (في الخنزير) إلا أن ضمان قيمته حيث يجب واضح;
لأنه قيمي حيث يملك.
واعلم أنه كما يوجب الغصب الضمان كذلك الإتلاف يوجبه أيضا
بلا خلاف، ولعله لحديث لا ضرر ولا ضرار (8).

(1) المبسوط 3: 100.
(2) التذكرة 2: 379 س 23 - 24.
(4) التذكرة 2: 379 س 23 - 24.
(3) المسالك 12: 161.
(5) التذكرة 2: 379 س 23 - 24.
(6) المهذب 1: 444.
(7) التذكرة 2: 379 س 23 - 24.
(8) سنن ابن ماجة 2: 784، الحديث 2341.
265

ولا فرق في المتلف بين كونه عينا أو منفعة. وهو قد يكون بالمباشرة
وإيجاد علة التلف كالأكل والإحراق والقتل ونحو ذلك، وبالسبب وفعل
ملزوم العلة كحفر البئر.
وإذا اجتمعا قدم المباشر بلا خلاف ظاهر، بل ظاهرهم الإجماع عليه،
وبه صرح المقدس الأردبيلي (رحمه الله)، قال: وكأنه مجمع عليه (1).
(و) ذلك كما (لو) سعى إلى ظالم بآخر فأخذ ماله أو (فتح بابا على
مال فسرق) أو دل السراق إلى مال فسرقوه، فإن في جميع هذه المسائل
(ضمن) المباشر الذي هو الظالم و (السارق دونه) أي دون السبب. قالوا:
لأنه أقوى. وفيه نظر، فإن القوة لا تدفع الضمان عن ذي السبب بعد وجود
ما يقتضي ضمانه أيضا، وهو ما مر من حديث نفي الضرر، ولا امتناع في
الحكم بضمانهما معا، وتخير المالك في الرجوع إلى أيهما شاء كالغصب،
فلولا الإجماع الظاهر المعتضد بالأصل لكان القول بضمانهما - كترتب
الأيدي في الغصب - في غاية الحسن.
وعلى هذا نبه خالي العلامة دام ظله في حاشيته على شرح الإرشاد، إلا
أن ظاهره سلمه الله المصير إليه أو بقاؤه في شباك التردد من دون أن يقطع
بما ذكره الأصحاب، ولعله لتوقفه في فهم الإجماع، وتردده في قبول
حكايته من ناقله لعدم قطعه به.
وهو حسن، ولكن الإجماع ظاهر.
فالمصير إلى ما ذكروه متعين، إلا مع قوة السبب كالمكره والملقى
للحيوان في المسبعة لو قتله السبع، لاتفاقهم أيضا على هذا الاستثناء.

(1) مجمع الفائدة 10: 501.
266

(و) لذا قالوا: (لو أزال القيد عن فرس) ونحوه (فشرد أو عن عبد
مجنون فأبق) أو قفص طائر فطار (ضمن) المزيل، ونفى الخلاف في
جميع ذلك في المبسوط (1) وعليه في ظاهر التذكرة (2) إجماع الإمامية.
ويحتج لضمانه - زيادة عليه - بما مر من حديث نفي الضرر.
ويبقى الإشكال في الحكم بنفي الضمان عن المباشر لو كان، لثبوت
ضمانه وإن ضعف بعموم على اليد (3) ولا مانع من اجتماع الضمانين كما مر.
ولكن المخرج عن هذا الإشكال، كالمخرج عن الإشكال الأول، بناء على
انعقاد الإجماع في الظاهر على اختصاص الضمان بالسبب القوي دون
المباشر.
(و) مما ذكرنا يظهر الوجه فيما حكموا به من غير خلاف يعرف من
أنه (لا يضمن لو أزاله) أي القيد (عن) عبد (عاقل) بناء على قوة
المباشر الذي هو العبد، لأن له اختيارا صحيحا، فذهابه محال عليه، إذ
لا يتوقع منه الفرار، بخلاف المجنون.
قيل: هذا إذا لم يكن آبقا، وإلا ففي ضمانه وجهان، من أنه بعقله يحال
عليه الفعل، ومن أن إطلاقه وقد اعتمد المالك ضبطه إتلاف عليه، فكان كحل
المجنون والبهيمة (4) انتهى.
وهذا ظاهر في عدم الإجماع على الحكم في الآبق. و عليه فالوجه
الثاني متعين، لما مر من عموم ما دل على ضمان السبب، وإنما خرج عنه في
محل الإجماع به وهو مفقود في المقام بمقتضى الفرض.

(1) المبسوط 3: 89.
(2) التذكرة 2: 375 س 15.
(3) سنن البيهقي 6: 95.
(4) المسالك 12: 171.
267

(الثاني في الأحكام)
(يجب رد المغصوب) على مالكه ما دامت العين باقية يمكنه ردها،
سواء كانت على هيئتها يوم غصبها، أم زائدة، أم ناقصة (وإن تعسر) رده
واستلزم ذهاب مال للغاصب (كالخشبة) المستدخلة (في البناء واللوح في
السفينة) والخيط في الثوب والممزوج الشاق تمييزه كالحنطة بالشعير ونحو
ذلك، بلا خلاف في شئ من ذلك، إلا في وجوب فورية الرد مع ذهاب مال
للغاصب أو من بحكمه، وبعدم الخلاف صرح في التذكرة (1) وهو ظاهر
المسالك (2) وغيره، وبالإجماع عليه صرح جماعة كالشهيدين في
الدروس (3) والروضة (4) والمقدس الأردبيلي (رحمه الله) (5) وهو ظاهر الكفاية (6).
وهو الحجة; مضافا إلى عموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي (7).
ولم ينقل الخلاف في المسألة إلا عن أبي حنيفة في الخشبة المستدخلة
في البناء، أو المبني عليها، حيث حكم فيها بملكه للغاصب ووجوب غرم
قيمته على الغاصب.
ويضعف - زيادة على ما مر - بأن بناء العدوان لا يزيل ملك المالك، كما
لو غصب أرضا وبنى عليها باعترافه، وأن القدرة على المثل تمنع العدول إلى
القيمة، لأن المثل أقرب إلى المغصوب، فأولى أن يمنع القدرة على العين
العدول إلى القيمة.
وبالجملة لا ريب في فساد ما ذكره، ووجوب رد العين فورا إلى مالكه

(1) التذكرة 2: 383 س 1.
(2) المسالك 12: 175.
(3) الدروس 3: 109.
(4) الروضة 7: 36.
(5) مجمع الفائدة 10: 520.
(6) كفاية الأحكام: 256 س 34.
(7) سنن البيهقي 6: 95.
268

وإن استلزم تلف مال الغاصب، كما هو ظاهر إطلاق العبارة، والأكثر كما
في المسالك (1).
وذكر فيه وفي الروضة (2) والشهيد في الدروس (3) أنه لو خيف غرق
الغاصب أو غرق حيوان محترم أو مال لغيره ولم يكن بحكمه كأن تصرف
في المغصوب جاهلا بالغصب لم ينزع إلى أن يصل إلى الساحل.
(ولو عاب) بالرد (ضمن الأرش) ولو بلغ حد الفساد على تقدير
الإخراج بحيث لا يبقى لها قيمة فالواجب تمام قيمتها بلا خلاف.
وفي جواز إجباره على النزع حينئذ وجهان، من فوات المالية. وبقاء
حق المالك في العين. والأول أجود وإن حكي في المسالك (4) عن ظاهر
الأصحاب الثاني، لأنها تنزل منزلة المعدوم. وفيه نظر.
(ولو تلف) المغصوب (أو تعذر العود) إليه ورده (ضمن) الغاصب
(مثله إن كان) المغصوب مثليا بلا خلاف، لأنه أقرب إلى التالف.
وقد
اختلف عباراتهم في ضبط المثلي.
فالمشهور بينهم - كما في المسالك (5) والكفاية (6) -: أنه ما كان
(متساوي الأجزاء) قيمة أي أجزاء النوع الواحد منه كالحبوب والأدهان،
فإن المقدار من النوع الواحد منه يساوي مثله في القيمة ونصفه يساوي
نصف قيمته.
وضبطه بعضهم: بالمقدر بالكيل أو الوزن.
وبعضهم: بأنه ما يتساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية. وزاد آخرون
عليه: اشتراط جواز السلم فيه.

(1) المسالك 12: 176.
(2) الروضة 7: 36.
(3) الدروس 3: 109.
(4) المسالك 12: 176.
(5) المسالك 12: 176.
(6) كفاية الأحكام: 257 س 3.
269

وعرفه في الدروس بأنه المتساوي الأجزاء والمنفعة، المتقاربة
الصفات (1) وتبعه في المسالك (2) والكفاية (3) قائلين إنه أقرب التعريفات إلى
السلامة.
ولا يذهب عليك عدم ظهور حجة لهذه التعريفات عدا العرف واللغة،
وهما بعد تسليم دلالتهما على تعيين معنى المثل المطلق وترجيحهما أحد
الآراء لا دلالة لهما، إذ هي فرع تعليق الحكم بلفظ المثل في دليل، وليس
بموجود، عدا قوله تعالى: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم» (4).
وفيه نظر، لاحتمال كون المراد بالمثل فيه مثل أصل الاعتداء لا مثل
المعتدى فيه، الذي هو ما نحن فيه. فتأمل.
هذا، مع أنه لم يظهر حجة على أصل اعتبار المثل في المثلي والقيمة
في القيمي عدا الإجماع والاعتبار، وليس فيهما ما يرجح أحد التعريفات،
فليرجع في خصوص الأفراد إلى ما أجمع على كونه مثليا أو قيميا. ولا
إشكال فيما ظهر فيه. ويشكل الأمر فيما عداه.
وينبغي الاحتياط في مثله بالرجوع إلى الصلح والتراضي إن أمكن، وإلا
فلا يبعد ترجيح مختار الأكثر، لرجحانه بالشهرة، ولولاها لكان العمل
بالتخيير بين الآراء متجها، كما هو الحال في ترجيح الأقوال المختلفة التي
لا مرجح لأحدها على الآخر من الأدلة.
وربما يرجح مختار الأكثر على أكثر ما عداه أيضا بسلامته عن النقض،
الذي يورد عليه من شموله للثوب، لأن قيمة أجزائه متساوية مع أنه قيمي،

(1) الدروس 3: 113.
(2) المسالك 12: 183.
(3) كفاية الأحكام: 257 س 4.
(4) البقرة: 194.
270

وذلك فإنه يمكن أن يقال: الثوب ليس بمتساوي الأجزاء، فإن ذراعا منه
قد يسوي عثمانيا والآخر شاهيات، بل ربما لا يكون له قيمة أصلا، كما
لا يخفى.
وأما ما يورد عليه من أنه إن أريد التساوي بالكلية فالظاهر عدم صدقه
على شئ من المعرف، إذ ما من شئ إلا وأجزاؤه مختلفة في القيمة في
الجملة مثل الحنطة والشعير وجميع ما قيل إنه مثلي، فإن حنطة قد يكون
طغارها تساوي عشرين والآخر عشر شاهيات، وبالجملة التفاوت معلوم،
وإن أريد التساوي في الجملة فهو في القيمي أيضا موجود مثل الثوب
والأرض ونحوهما، وإن أريد مقدارا خاصا فهو حوالة إلى المجهول.
فيضعف بما ذكره خالي العلامة دام ظله بأنه لعل المراد التفاوت
المتعارف المعتد به عند أهل العرف، أي ما يكون متساوي الأجزاء عرفا
يكون مثليا وغير المتساوي كذلك غير مثلي. فتأمل.
وأيضا المثلي ما تعارف تحقق المثلي له بحيث يساويه ويماثله في
الطبيعة والمميز النوعي والصنفي، وهو أقرب إليه من كل جنس وإن كان مثل
الدرهم والدينار. فتأمل.
ثم إنه إذا كان المثل موجودا ولم يسلمه حتى فقد لزمت القيمة عليه،
وذكر جماعة أن المراد من الفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد وما حوله مما
ينقل إليه عادة.
وفيه نظر، بل مقتضى الأصل لزوم تحصيل المثل ولو من البلاد النائية
التي لم ينقل إليها عادة إن لم يستلزم التكليف بالمحال. فتأمل.
وفي القيمة المعتبرة حينئذ أوجه:
271

أولها - وهو أشهرها كما في المسالك (1) والكفاية (2) -: اعتبار قيمته
حين تسليم البدل.
وثانيها: اعتبارها وقت الاعواز.
وثالثها: اعتبار أقصى القيم من حين الغصب إلى حين دفع العوض، وهو
المعبر عنه بيوم الإقباض.
ورابعها: اعتبار الأقصى من حينه إلى حين الإعواز.
وخامسها: اعتبار الأقصى من حين الإعواز إلى حين دفع القيمة. والعمل
على الأول.
واعلم أنه قد ظهر مما مر أنه إن لم يكن المغصوب مثليا يلزم قيمته
إجماعا.
وفي اعتبار ضمانها بين الأصحاب أقوال:
أحدها: وهو الذي اختاره الماتن هنا مشيرا إليه بقوله: (وقيمته يوم
الغصب إن كان مختلفا) أي مختلف الأجزاء قيمة، وفاقا لموضع من
المبسوط (3) ونسبه في الشرائع إلى الأكثر (4) لأنه أول وقت دخول العين
في ضمان الغاصب، والضمان إنما هو لقيمته، فيقضى به حال ابتدائه.
ويضعف بأن الحكم بضمان العين حينئذ، بمعنى أنها لو تلفت وجب
بدلها، وهو القيمة لا وجوب قيمتها حينئذ، فإن الواجب ما دامت العين باقية
ردها، ولا ينتقل إلى القيمة إلا مع تلفها، فلا يلزم من الحكم بضمانها على
هذا الوجه اعتبار ذلك الوقت.
نعم ربما يمكن أن يستدل له بصحيحة أبي ولاد (5) الطويلة المشهورة

(1) المسالك 12: 184.
(2) كفاية الأحكام: 257 س 6.
(3) المبسوط 3: 60.
(4) الشرائع 3: 240.
(5) الوسائل 17: 313، الباب 7 من أبواب الغصب ضمن الحديث 1.
272

الواردة في ضمان البغلة المغصوبة المتضمنة - بعد أن سأل الراوي أرأيت
لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني؟ - قوله (عليه السلام): نعم قيمة بغل يوم
خالفته. لكنه مبني على كون المراد القيمة الثابتة يوم المخالفة. لكنه معارض
باحتمال أن يكون المراد ب‍ «يلزمك» قيمة البغل يوم المخالفة متعلقا
ب‍ «يلزم» يعني لزوم القيمة في ذلك اليوم.
وعليه فحد القيمة غير مبين مرجوع إلى ما يقتضيه الدليل، ومع ذلك
معارض باعتباره (عليه السلام) بعد ذلك في أرش العيب القيمة يوم الرد أنه (عليه السلام) حيث
- بعد أن سأله الراوي بعد ذلك بقوله: قلت: وإن أصاب البغل كسر أو دبر
أو عقر - قال: عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه.
فهذا القول ضعيف غايته، مع أني لم أجد القائل به عدا من مر وإن نسبه
الماتن إلى الأكثر.
(وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف) اختاره الشيخ في
النهاية (1) والخلاف (2) وموضع من المبسوط (3) وابن حمزة (4) والحلي (5)
واستحسنه الماتن في الشرائع (6) ونسبه في المختلف (7) والتنقيح (8) إلى
الأشهر، ومال إليه في الدروس (9) واختاره في اللمعة (10) وقواه شيخنا في
شرحها، معتمدا على الصحيحة المتقدمة.
قال: ويمكن أن يستفاد منه اعتبار الأكثر منه إلى يوم التلف، وهو قوي،

(1) لم نعثر عليه في النهاية نعم نسب إليه في المهذب البارع 4: 252.
(2) الخلاف 3: 415، المسألة 29.
(3) المبسوط 3: 72.
(4) الوسيلة: 276.
(5) السرائر 2: 481.
(6) الشرائع 3: 240.
(7) المختلف 6: 116.
(8) التنقيح 4: 70.
(9) الدروس 3: 113.
(10) اللمعة: 141.
273

عملا بالخبر الصحيح، وإلا لكان القول بقيمته يوم التلف مطلقا أقوى (1).
وفي إمكان استفادة ما ذكره منها نظر، مع أنه ذكر قبل هذا الكلام أن
فيها ما يدل على القول الأول وفيه أيضا ما مر، ولعله لذا لم يستدل بها على
أحد هذين القولين ولا غيرهما من القدماء أحد، بل استدلوا بغيرها، ومنهم
أرباب هذا القول، فقد استدلوا له بأنه مضمون في جميع حالاته، التي من
جملتها حالة أعلى القيم، ولو تلف فيها لزمه ضمانه فكذا بعده، وأنه يناسب
التغليظ على الغاصب.
ويضعف بما يأتي من أن الزيادة للسوق ما دامت العين باقية غير
مضمونة إجماعا، ولا يلزم من ضمانها لو تلفت في تلك الحالة ضمانها مع
عدم تلفها، لأن ضمان القيمة على تقدير تلفها حينئذ ما جاء من قبل الزيادة،
بل من حيث الانتقال من ضمان العين إلى القيمة، لفوات العين، وهو منتف
على تقدير عدم تلفها في تلك الحالة العليا، ومؤاخذة الغاصب بالأشق لا
يجوز بغير دليل يقتضيه، وقد تبين ضعفه.
(وفيه وجه آخر) بل وجهان:
أحدهما: ضمان القيمة يوم التلف اختاره القاضي (2) والفاضل في
المختلف (3) ونسبه في الدروس (4) إلى الأكثر، وما أبعد ما بينه وبين ما
يستفاد من ظاهر العبارة أنه ليس قول أحد وإنما هو مجرد وجه، ووجهه
أن العين ما دامت موجودة لا حق لمالكها في القيمة زادت أم نقصت، ولهذا
لم يحكم عليه بزيادة القيمة السوقية عند نقصانها حين الرد إجماعا، كما
يأتي، وصرح به هنا الفاضل في المختلف (5) والانتقال إلى القيمة إنما هو

(1) الروضة 7: 44.
(2) المهذب 1: 436 - 437.
(3) المختلف 6: 116.
(4) الدروس 3: 113.
(5) المختلف 6: 116.
274

عند التلف فيعتبر القيمة في تلك الحال. وفيه نظر سبق التنبيه على وجهه في
كتاب التجارة في غير محل، وهو منع استلزام التلف الانتقال إلى القيمة
حينه، إذ لا مانع من تعين القيمة الأعلى حينه لأمر آخر كحديث لا ضرر ولا
ضرار (1) إذ لا ريب أن حبس العين عن المالك حين ارتفاع قيمتها ضرر
على المالك وتفويت لتلك القيمة العليا عليه.
ومن هنا يتوجه الوجه الثاني: وهو ضمان أعلى القيم من حين الغصب
إلى حين الرد ذكره الخال العلامة في حاشيته على شرح الإرشاد واختاره.
وفيه نظر، مع أن الإجماع المحكي عموما وخصوصا على عدم ضمان
القيمة السوقية تدفع هذا الوجه المبني عليه واختاره، مضافا إلى شذوذه
وندرة القائل به، إذ لم يحك القول به إلا عن الماتن في أحد قوليه، وكافة
الأصحاب على خلافه، لأن الواجب القيمة فمتى حكم بها استقرت، فلا
عبرة بزيادتها ولا نقصانها يوم التلف، ومع ذلك لم يوجه مختار الماتن هذا
بما ذكر، بل بما نبه عليه في المسالك تبعا للدروس.
فقال - بعد ذكر التعليل المتقدم على رده -: نعم لو قلنا بأن الواجب في
القيمي مثله - كما ذهب إليه ابن الجنيد، مخيرا بين دفع القيمة والمثل، ومال
إليه المصنف في باب القراض - اتجه وجوب ما زاد من القيمة إلى حين
دفعها، كما في المثلي (2).
وكيف كان فالمسألة محل إشكال.
والاحتياط يقتضي المصير إلى مختار الخال لكن على سبيل الاستحباب.
وأما الاحتياط الواجب لتحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة

(1) سنن ابن ماجة 2: 784، الحديث 2341.
(2) المسالك 12: 188.
275

فمقتضاه المصير إلى القول الثاني، وإنما لم يجب الاحتياط في الوجه الرابع
مع جريان دليله فيه، لظهور الإجماع من الكل، كما عرفت على خلافه.
ثم إن محل الخلاف - كما صرح به جماعة من الأصحاب من غير
خلاف - هو ما إذا كان نقصان القيمة مستندا إلى السوق، أما إذا استند إلى
حدوث نقص في العين ثم تلفت فإن الأعلى مضمون بلا خلاف، بل عليه في
المسالك (1) الوفاق، ومر وجهه في ضمان أرش العيب، مع نقل الإجماع
أيضا في الروضة (2).
(و) اعلم أن المعروف بين الأصحاب - كما في الكفاية (3) - أنه (مع
رده) أي الشئ المغصوب بعينه (لا) يجب على الغاصب (أن يرد زيادة
القيمة السوقية) وبعدم الخلاف فيه صرح في المبسوط (4) وبالإجماع صرح
في المختلف (5) كما مر، وهو ظاهر التذكرة (6) والمسالك (7) حيث لم ينقلا
الخلاف فيه بيننا، ونسباه إلى أكثر أهل العلم، وحكيا الخلاف فيه عن شذوذ
من العامة، وهو كالصريح في الإجماع عليه منا ومن أكثر العامة. وهو الحجة
المعتضدة بالأصل، وأن الفائت رغبات الناس لا شئ من المغصوب، فإن
عينه موجودة، فالواجب ردها خاصة.
وبذلك يخص عموم حديث نفي الضرر (8) ولولاه لكان المصير إلى
ضمانها في غاية من القوة، للحديث المزبور، بناء على أن تفويتها بالغصب
ضرر بلا شبهة، وعليه نبه خالي العلامة لكن ظاهره الميل إليه، لإظهاره
التردد في الإجماع، واحتماله كون المراد منه في كلام الحاكين غير معناه

(1) المسالك 12: 187.
(2) الروضة 7: 44.
(3) كفاية الأحكام: 257 س 20.
(4) المبسوط 3: 63.
(5) المختلف 6: 116.
(6) التذكرة 2: 385 س 27.
(7) المسالك 12: 186 - 187.
(8) سنن ابن ماجة 2: 784، الحديث 2341.
276

المصطلح، وليس للقاصر محل تردد، وفتح باب الاحتمال المزبور يوجب
سد باب حجية الإجماعات المنقولة.
هذا، مع أن عدم الخلاف لا أقل منه قطعا، وهو حجة ظنية، كما بيناه في
رسالة مفردة في تحقيق الإجماع. ولا ريب أن الظن المستفاد منه أقوى من
الظن المستفاد من عموم الخبر المتقدم، لكونه خاصا، فليكن مقدما.
(وترد الزيادة) أي زيادة القيمة إن كانت (لزيادة في العين) كاللبن
والشعر والولد والثمرة (أو الصفة) كتعلم الصنعة ونحوه وإن كانت بفعل
الغاصب بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، بناء على ما سيأتي من
استحقاق المالك الزيادة عينا كانت أو آثارا محضة فيتبعها القيمة. فتأمل.
(ولو كان المغصوب دابة فعابت) عند الغاصب (ردها مع الأرش)
مطلقا ولو كان العيب من قبل الله تعالى أو أجنبي، لما مضى في ضمان أرش
العيب من الإجماع وغيره.
(ويتساوى) في ذلك (بهيمة القاضي والشوكي) بلا خلاف فيه بيننا،
بل عليه في كلام جماعة إجماعنا (1). وهو الحجة; مضافا إلى عموم الأدلة.
خلافا لبعض العامة، فحكم في الجناية على بهيمة القاضي بالقيمة ويأخذ
الجاني العين المغصوبة، نظرا منه إلى أن المعيب لا يليق بمقام القاضي.
ثم إن إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الحكم بلزوم الأرش بالعيب
بين ما لو كان بجناية الغاصب في العين ونحوها مما في البدن منه اثنان وبين
غيره، وعليه عامة المتأخرين، وفاقا للمبسوط (2) والقاضي (3) والحلي (4).

(1) الخلاف 3: 396، المسألة 3، الروضة 7: 46.
(2) المبسوط 3: 62.
(3) المهذب 1: 437.
(4) السرائر 2: 488.
277

قالوا: لأنه مال فيجب فيه الأرش كغيره من الأموال.
أقول: ويعضده إطلاق صحيحة أبي ولاد المشهورة، بل عمومها، وفيها:
قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر، فقال (عليه السلام): عليك قيمة ما بين
الصحة والعيب يوم ترده عليه (1).
خلافا للخلاف، فادعى في جناية الغاصب في إحدى العينين وما في
معناها نصف القيمة وفي كلتيهما تمامها، محتجا بالإجماع والرواية، وهي
كل ما في البدن منه اثنان ففي الاثنين جميع القيمة وفي الواحدة نصفها (2).
ونسب ذلك في المبسوط إلى روايات الأصحاب (3) بل فتاويهم.
ورده الحلي بأن الرواية ليست إلا في الإنسان، وحمل الدابة عليه
قياس (4).
وحملهما الفاضل في المختلف على غير الغاصب في إحدى العينين
بشرط نقص القدر عن الأرش (5).
وأما الخبران المثبتان في عين الدابة ربع القيمة فليسا منطبقين على أحد
المذهبين، مع أنه لا قائل بهما في البين، فليطرحا أو يحملا على التقية، فقد
حكى في التذكرة القول بمضمونهما عن أبي حنيفة (6) أو على ما إذا توافق
الأرش القيمة.
وهذا، وإن كان بعيدا غايته، إلا أنه لا بأس به، جمعا بين الأدلة.
(ولو كان) المغصوب المعيب بالجناية (عبدا) أو أمة (وكان
الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية إن كانت مقدرة) مطلقا، وفاقا

(1) الوسائل 17: 313، الباب 7 من أبواب الغصب، الحديث 1.
(2) الخلاف 3: 397، المسألة 4.
(3) المبسوط 3: 62.
(4) السرائر 2: 498.
(5) المختلف 6: 123.
(6) التذكرة 2: 380 السطر الأخير.
278

للمبسوط (1) والخلاف (2) تسوية بين الغاصب وغيره، لأصالة العدم.
(وفيه قول آخر) أفتى به الحلي (3) والفاضلان (4) والشهيدان (5) وعامة
المتأخرين على الظاهر المصرح به في الدروس (6) وهو ضمان أكثر الأمرين
من القيمة والمقدر شرعا في الجناية، لأن الأكثر إن كان هو المقدر فهو جان،
وإن كان هو الأرش فهو مال فوته تحت يده كغيره من الأموال، لعموم على
اليد ما أخذت حتى تؤدي (7).
وهذا أظهر، مع أن المحكي عن المبسوط (8) ما يوافق هذا القول، فلا
خلاف، ولذا أن الفاضل في المختلف حمل كلامه السابق على إرادة الجاني
غير الغاصب (9) فإن الحكم فيه ذلك بلا خلاف، بل عليه الوفاق في
المسالك (10) وغيره.
والفرق أن ضمان الغاصب من جهة المالية فيضمن ما فات منها مطلقا،
وضمان الجاني منصوص فيقف عليه، وأن الجاني لم يثبت يده على العبد
فيتعلق به ضمان المالية، بخلاف الغاصب، لأن يده يد عدوان يوجب ضمان
العين عليه بالقيمة مطلقا، حتى لو مات العبد عنده ضمن قيمته مطلقا بلا
خلاف، كما في الكفاية (11) وغيرها.
ولا فرق في ذلك على القولين بين ما لو كانت الجناية على الطرف
أو النفس، ويتفرع المختار أنه لو قتله غيره وزادت قيمته عن دية الحر لزم

(1) المبسوط 3: 62.
(2) الخلاف 3: 399، المسألة 7.
(3) السرائر 2: 496.
(4) الشرائع 3: 241، التحرير 2: 139 س 27.
(5) الروضة 7: 48، الدروس 3: 114.
(6) الروضة 7: 48، الدروس 3: 114.
(7) عوالي اللئالي 1: 224، الحديث 106، السنن الكبرى 6: 95.
(8) المبسوط 3: 62.
(9) المختلف 6: 123.
(10) المسالك 12: 194.
(11) كفاية الأحكام: 258 س 22.
279

القاتل الدية والغاصب الزيادة، لأن ماليته مضمونة عليه. وكذا لو جنى عليه
غيره فقطع يده مثلا ضمن أقل الأمرين من نصف القيمة ونصف دية الحر.
ثم إن زاد نصف القيمة عن نصف دية الحر تخير المالك بين الرجوع إلى
الغاصب بنصف القيمة فيرجع الغاصب على الجاني بأقل الأمرين، وبين أن
يرجع على الجاني بأقلهما وإلى الغاصب الزيادة.
(ولو مزج) الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج في يده بغير اختياره
كلف قسمته بتمييزه إن أمكن التمييز مطلقا وإن شق كما لو خلط الحنطة
بالشعير أو الحمراء منها بالصفراء بلا خلاف، لوجوب رد العين حيث يمكن.
ولو لم يمكن التمييز، كما لو خلط (الزيت بمثله) أو الحنطة بمثلها صفة
(رد العين) وفاقا للأكثر، بل لعله عليه عامة من تأخر، لأن عين مال المالك
موجودة في الجملة، وغايته أنها بغيرها ممتزجة، وذلك لا يخرجها عن
ملكه، ولأن في ذلك إيصال المالك إلى بعض حقه بعينه وإلى بدل بعضه من
غير زيادة فوت على الغاصب، فكان أولى من إيصاله إلى بدل الكل.
خلافا للحلي، فقال: ينتقل إلى المثل لاستهلاك العين (1) إذ لا يقدر
الغاصب على ردها لو طلبه.
ويضعف: بأن ذلك لا يوجب خروجها عن ملكه، كما لو اختلط المالان
بغير اختيارهما أو برضى المالكين، وبأنه لو غصب رطلا من هذا ورطلا
من هذا وخلطهما وجعلهما بذلك هالكين يلزم انتقال الملك فيهما إلى
الغاصب، وهو تملك اختياري.
(وكذا لو كان) الخلط (بأجود منه) لوجود عين المغصوب المقتضي
لتسلط المالك عليها، وعدم الانتقال إلى مثلها أو قيمتها.

(1) السرائر 2: 482.
280

ولا يقدح في ذلك الزيادة، لأنها زيادة صفة بفعل الغاصب، فكان
كما لو علم العبد صنعة أو صاغ النقرة حليا.
خلافا للمبسوط (1) والحلي (2) فقالا: يتخير الغاصب في دفع القدر من
العين أو غيرها، لأن العين قد استهلكت، إذ لا يقدر على الرد لو طلبه.
والتخيير في الحقيقة راجع إلى ضمان المثل، لأنه حينئذ لا ينحصر في
العين، وهي أجود مما يلزمه، فإذا بذلها وجب قبولها بطريق أولى، ولأن
بعضها عين حقه وبعضها خير منه، مع أنه لا خلاف فيه، كما في التنقيح (3).
واعلم أن ما ذكره الأكثر في المقامين أظهر إن أرادوا نفي الخيار
للغاصب وإثباته للمالك، وإن أرادوا لزوم القبول عليه فمشكل حيث يعتذر
لعدم قبوله بعذر موجه، ككون ماله حلالا ومال الغاصب الممزوج به
مشبوها أو نحوه، فإن إيجاب القبول حينئذ ضرر وأي ضرر.
فالتحقيق في المقامين ثبوت الخيار للمالك، وفاقا للتنقيح (4).
(ولو كان) الخلط (بأدون) منه (ضمن المثل) بلا خلاف، كما في
التنقيح (5).
قيل: لتعذر العين كاملة، لأن المزج في حكم الاستهلاك من حيث
اختلاط كل جزء من مال المالك بجزء من مال الغاصب، وهو أدون من
الحق، فلا يجب قبوله، بل ينتقل إلى المثل، وهذا مبني على الغالب من عدم
رضاه بالشركة (6). وفي الروضة أن الأقوى تخييره بين المثل والشركة مع
الأرش، لأن حقه في العين لم يسقط لبقائها، كما لو مزجها بالأجود، والنقص

(1) المبسوط 3: 79.
(2) السرائر 2: 482.
(3) التنقيح 4: 72 - 73.
(4) التنقيح 4: 72 - 73.
(5) التنقيح 4: 73.
(6) الروضة 7: 56.
281

بالخلط يمكن جبره بالأرش (1).
وهو حسن حيث يكون المتمازجان غير ربويين، أو ربويين ورضا
المالك بالناقص من دون أرش، ويشكل في غير ذلك، إلا أن يدفع
باختصاص الربا بالبيع، ولكنه خلاف التحقيق، كما مر في بحثه.
(ولو زادت قيمة المغصوب فهو) أي الزائد (لمالكه) مطلقا ولو كانت
الزيادة بفعل الغاصب كما مضى، لأنها حصلت في ملك غيره.
(أما لو كانت الزيادة لانضياف عين) من مال الغاصب إلى المغصوب
(كالصبغ والآلة في الأبنية أخذ) الغاصب (العين) المضافة إن قبلت القلع
والفصل ولو بنقص قيمة الثوب والبناء (ورد الأصل) المغصوب، جمعا بين
الحقين.
(ويضمن) الغاصب (الأرش إن نقص) المغصوب بالقلع.
هذا هو المشهور بين الأصحاب، سيما المتأخرين، وفاقا للشيخ (2).
خلافا للإسكافي (3) والمختلف (4) فقالا: ليس للغاصب قلع الصبغ بغير
إذن المالك، فإن لم يرض ودفع قيمة الصبغ وجب على الغاصب قبوله، لأن
عين مال الغاصب قد استهلكت لعدم الانتفاع بصبغه مع استلزام القلع
التصرف بغير إذن المالك. كيف! ولو أعار أرضا للغرس فغرسها المستعير ثم
استعار المالك الأرض وبذل قيمة الغرس أجبر الغارس على أخذها عند
الشيخ (5) مع أنه أذن في الغرس وفي صورة النزاع لم يأذن المالك بالصبغ،
فكيف لا يجبر الغاصب على أخذ قيمة الصبغ إن بذلها المالك مع تضرره
بالقلع وعدم تضرر معير الأرض بقلع الغرس؟!

(1) الروضة 7: 56.
(2) الخلاف 3: 406، المسألة 19.
(3) المختلف 6: 118.
(4) المختلف 6: 118.
(5) المبسوط 3: 55.
282

قال في التنقيح - بعد ذكر ذلك -: ما ذكره العلامة حسن، وتعليله جيد،
لكن تمثيله في الأرض والغرس إلزام للشيخ، وإلا فقد قال في القواعد:
الأقرب توقف تملك الغرس بالقيمة على التراضي منهما، ونعم ما قال، لأنه
فرق بين الغاصب والعارية بعدم الإذن في الغصب وحصوله في العارية. فإذن
قول ابن الجنيد جيد وعليه الفتوى انتهى (1).
وإلى مختارهم يميل خالي العلامة دام ظله، مبالغا في تقريبه في
حاشيته على شرح الإرشاد.
وهو غير بعيد، نظرا إلى قواعدهم المقررة في الغصب.
وقد استدرك شيخنا في الروضة على الحكم المشهور تعليل العلامة،
وأجاب عنه فقال: ولا يرد أن قلعه يستلزم التصرف في مال الغير بغير إذنه
وهو ممتنع، بخلاف تصرف مالك الثوب في الصبغ لأنه وقع عدوانا، لأن
وقوعه عدوانا لا يقتضي إسقاط ماليته، فإن ذلك عدوان آخر، بل غايته أن
ينزع ولا يلتفت إلى نقص قيمته أو اضمحلاله بوضعه انتهى (2).
وفيه نظر، فإنه كما أن وقوعه عدوانا لا يقتضي إسقاط مالية الغاصب
فله التصرف فيه بالقلع فكذلك عدوانه لا يقتضي نفي سلطنة المالك عن
ملكه، فله أن يمنع الغاصب عن التصرف فيه بالقلع، وحيث تعارض الحقان
ينبغي أن يرجح جانب المالك، لعدم تقصيره وتداركه مال الغاصب بقيمته،
ولا كذلك الغاصب، لعدوانه، فلا حرمة لسلطنته، كما لا حرمة لفعله الذي له
اجرة ونحو ذلك، سيما مع استلزامه عيبا في ملك المالك أو نقصا فيه، وجبره
بالأرش ليس بأولى من تدارك مال الغاصب بالقيمة، بل هو أولى، كما مضى.
وبالجملة فهذا القول أجود وإن كان الأحوط للمالك ما عليه الأكثر.

(1) التنقيح 4: 74.
(2) الروضة 7: 51 - 52.
283

ومن هنا يتجه ما ذكره جماعة من أنه إذا طلب أحدهما البيع من
غيرهما يجبر الغاصب على الإجابة إن كان الطالب هو المالك دون
العكس (1).
وضعف ما يقال من أنه يحتمل أن لا يجبر أحدهما على موافقة الآخر
لمكان الشركة، وأن يجبر المالك للغاصب على الإجابة أيضا تسوية بين
الشريكين. ثم إن كل ذا مع إمكان فصل العين المضافة.
وأما مع عدمه كان الغاصب شريكا للمالك، لكن يلزمه إجابة المالك
لو طلب منه البيع من ثالث، وكذا قبول القيمة لو دفعها إليه كما في السابق،
وإن نقصت قيمة الثوب بالصبغ لزم الغاصب الأرش، ولا يلزم المالك ما
ينقص من قيمة الصبغ.
ولو بيع مصبوغا بنقصان لم يستحق الغاصب شيئا إلا بعد توفية المالك
قيمة ثوبه. ولو بيع بنقصان من قيمة الثوب لزم الغاصب إتمام قيمته (2).
واعلم أن جميع ما ذكر إنما هو فيما إذا صبغ الغاصب بصبغ منه،
ولو صبغ بصبغ من المالك، فإن لم يحصل بفعله نقصان لم يكن على الغاصب
أرش.
نعم إن أمكن ازالته فالظاهر أن للمالك طلب ذلك، وعلى الغاصب
الأرش إن حصل نقص في المصبوغ، وعليه قيمة الصبغ إن لم يبق العين، وإن
صبغه بصبغ غيرهما عدوانا كان المالكان شريكين، فإن لم يحدث بفعله
نقصان فلا غرم عليه، غير أنه يجب عليه الفصل، مع إمكانه لو طلباه أو
أحدهما، وإن حدث النقص فيهما أو في أحدهما عما كان قبل الصبغ غرمه
الغاصب لمن حصل في حقه.

(1) المسالك 12: 213.
(2) كفاية الأحكام: 260 س 4.
284

(الثالث في اللواحق)
(وهي) مسائل (ستة).
(الأولى: فوائد المغصوب للمالك) له بلا خلاف، لأنها نماء ملكه،
وفوائده فتكون مضمونة عند الغاصب، كالأصل، سواء تجددت عنده، أم لا،
أعيانا (منفصلة كانت كالولد، أو متصلة كالصوف والسمن، أو منفعة كأجرة
سكنى الدار وركوب الدابة) وكذا منفعة كل ما له اجرة في العادة.
ولا فرق بين أن يستعمل العين وعدمه، ولو استعملها وكان لها منافع
مختلفة القيم كعبد يكون كاتبا وخياطا، فإن استعمله في الأعلى ضمنها
قطعا، وإن استعمله في الدنيا أو الوسطى أو لم يستعمله أصلا ففي ضمان
اجرة متوسطة أو العليا وجهان.
ويعتبر أجرته في الوقت المعتاد لعمله كالنهار في أكثر الأشياء، إلا أن
يكون له صنعة في النهار وصنعة بالليل، فيعتبر أجرتهما ولو سمنت الدابة في
يد الغاصب أو تعلم المملوك صنعة أو علما فزادت قيمته ضمن الغاصب
قيمة الزيادة وإن كانت بسببه كما قالوه، ومر إليه الإشارة، فلو هزلت الدابة أو
نسي المملوك العلم أو الصنعة فنقصت بذلك القيمة ضمن الغاصب الأرش إن
رد العين المغصوبة، ولو تلفت ضمن الأصل والزيادة.
ولا فرق في إطلاق الفتاوى وصريح جماعة بين أن يكون الهزال
والنسيان بتفريط من الغاصب وعدمه. قالوا: لأن زيادة الأثر في المغصوب
تابعة له، ولا يستحق الغاصب عليه شيئا بالكلية، فإذا صارت ملكا
للمغصوب منه فهو مع الأصل في ضمان الغاصب.
(ولا يضمن) شيئا (من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة) وذلك (كما
لو سمن المغصوب) مثلا (وقيمته) بعد السمن وقبله (واحدة) فإذا زال السمن
285

المفرط وكانت القيمة بحالتها الأولى باقية لم يكن عليه ضمان
هذه الزيادة، لأن المعتبر من هذه الصفات القيمة، فما لا أثر له في زيادتها لا
اعتبار به. ولا فرق في ذلك بين الموجود حال الغصب والمتجدد في يد
الغاصب بعده. ولو كان بعض السمن لا أثر له في القيمة وبعضه له أثر فزال
الجميع فإنه يضمن قيمة ما له أثر فيها دون ما زاد عليه، ولا خلاف في شئ
من ذلك أجده، ولا نقله ناقل في الكتب الاستدلالية وغيرها بالكلية، ولعل
مثله كاف في إثبات مثل هذه الأحكام، وإن خلت عن حجة اخرى ظاهرة.
(الثانية: لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد) بلا خلاف ولا
إشكال، لأن نقل الملك إلى مالك آخر موقوف على أسباب نصبها الشارع
وحدود حددها، فما لم يحصل فالملك باق على أصله، وتسميته على تقدير
فساد الشراء مشتريا مجاز بحسب الصورة، وإلا فالبيع حقيقة لا يطلق إلا
على الصحيح (ويضمنه) أي المبيع (وما يحدث من منافعه وما يزداد في
قيمته لزيادة صفة فيه) كتعلم ونحوه.
أما ضمان العين ومنافعه العينية التي دخلت تحت يده فلعموم على اليد
ما أخذت حتى تؤدي (1) السليم عن المخصص، حتى عن شبهة كون الأخذ
برضى المالك، الموجب لانتفاء الضمان بالنص والإجماع، وذلك لاختصاص
الدليلين النافيين للضمان فيما لو أخذ بالرضا بما إذا كان الرضا بمجرد الأخذ
والتصرف فيه من دون أن يستعقب ضمانا. وأما إذا رضي به مع تعقب
الضمان وبشرطه كما فيما نحن فيه لأن المشتري قبضه ليكون مضمونا عليه
ودفعه البائع إليه كذلك فلا يدلان على نفي الضمان فيه، لو لم نقل بدلالتهما
على ثبوته، ولذا صرحا بثبوته في العارية المضمونة بالشرط ونحو ذلك.

(1) عوالي اللئالي 1: 224، الحديث 106.
286

وعليه فيبقى العموم الدال على إطلاق الضمان بحاله.
ومن هنا يتوجه القاعدة المشهورة أن كل ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده. وقد قدمنا التحقيق في وجهها مرة اخرى في كتاب التجارة، وفساد
ما يقال عليها وعلى عموم الرواية.
وأما ضمان زيادة القيمة لزيادة الصفة فحسن حيث صار المشتري سببا
في إتلافها، إذ لا ضرر ولا ضرار في الشريعة، فيشكل فيما عداه، لعدم
وضوح مأخذه إلا إلحاق مثل هذا القبض بالغصب، وهو حسن إن لم نعتبر
في تعريفه قيد العدوان، وأما مع اعتباره - كما هو الأظهر ومذهب الماتن هنا
وفي الشرائع (1) - فالوجه عدم ضمانها.
(الثالثة: إذا اشتراه) أي المغصوب أحد (عالما بالغصب) حين الشراء
وقبضه (فهو كالغاصب) بل غاصب محض إن كان عالما بحرمة الشراء
والقبض، لصدق تعريفه عليه حينئذ بالاتفاق، ويطالب بما يطالب به البائع
الغاصب ويتخير المالك بين مطالبته بالعين مع بقائها وبعوضها مثلا أو قيمة
مع تلفها، ومطالبة ما جرت عليه يده من المنافع، وبين مطالبة البائع، فإن
طالبه رجع على المشتري بالعين أو البدل، وما استوفاه من المنافع، لاستقرار
التلف في يده مع دخوله على ضمانه.
نعم لو استوفى قبل البيع شيئا من المنافع أو مضى زمان يمكن فيه
استيفاء شئ منها أو حصل في يده نقصان مضمون عليه كان الضمان عليه
من غير رجوع على المشتري، وإن رجع عليه فيما عليه ضمانه لم يكن له
الرجوع إلى البائع، لاستقرار الضمان عليه بالتلف أو ما في حكمه في يده.

(1) الشرائع 3: 235.
287

(ولا يرجع المشتري بالثمن) إلى (البائع بما يضمن) للمالك من الثمن
مع تلفه إجماعا، كما في التنقيح (1) والمسالك (2) وغيرهما. قيل: للأصل،
وأنه قد سلطه عليه وأذن له في إتلافه، وأنه مع علمه بأنه لا يسلم له
العوض في حكم المسلط عليه مجانا (3).
وأما مع بقائه ففي جواز الرجوع له به على البائع قولان، أشهرهما عدم
الرجوع.
قيل: لأنه بإعطائه إياه عالما بعدم عوض حقيقي في مقابلته في معنى
هبته إياه (4).
وفيه - بعد تسليم كونه هبة - أنه لا يستلزم عدم جواز الرجوع، بل
الأصل فيه جوازه إلا ما استثني. وحمل المنع عن الرجوع على صورة
الاستثناء بعيد عن إطلاقات عبائرهم.
والمتجه الجواز مطلقا حتى فيما لو كان البائع بالنسبة إلى المشتري ممن
لا يجوز له الرجوع في هبته، وفاقا لأحد قولي الماتن (5) وبه صرح في
التنقيح (6) وقواه شيخنا الشهيد الثاني في كتابيه (7) وتبعه من متأخري
المتأخرين جماعة. ولكن يشكل بما يحكى عن التذكرة من الإجماع على
العدم مطلقا (8) بناء على أن الإجماع المنقول حجة، كما هو الأشهر الأقوى،
سيما إذا اعتضد بفتوى أكثر أصحابنا.

(1) بل نسبه إلى المشهور، راجع التنقيح 4: 74.
(2) المسالك 12: 224.
(3) كفاية الأحكام: 260 س 25.
(4) المسالك 12: 224.
(5) الرسائل السبع: 307 المسألة الرابعة.
(6) التنقيح 4: 74.
(7) المسالك 12: 224.
(8) التذكرة 2: 377 س 39.
288

(ولو كان) المشتري (جاهلا) بالغصب كان كالغاصب من حيث
ترتب اليد في وجوب (دفع العين) المبتاعة بعينها مع بقائها وببدلها مثلا أو
قيمة مع تلفها (إلى مالكها) إن رجع عليه (ويرجع بالثمن) مع بقائه وببدله
مع تلفه (على البائع) لفساد المعاوضة الموجب للتراد في العوضين.
ولو كان عوض العين الذي غرمه للمالك أزيد من الثمن الذي دفعه إلى
البائع ففي جواز رجوعه بالزيادة إليه وجهان، أوجههما الأول، وفاقا لشيخنا
الشهيد الثاني (1) لتغرير البائع له، وإيقاعه في خطر الضمان، فليرجع عليه.
ولو رجع المالك إلى البائع رجع هو على المشتري.
وفي رجوعه إليه في القدر الزائد على الثمن على تقدير الزيادة الوجهان،
والمختار هنا العدم، وفاقا لما مر.
(و) المعروف من مذهب الأصحاب أن للمشتري أن يرجع (بما
غرمه) للبائع (مما لم يحصل) له (في مقابلته عوض كقيمة الولد) والنفقة
والعمارة ونحو ذلك، لمكان التغرير، وترتب الضرر به، مع عدم جابر له من
العوض.
(وفي) جواز (الرجوع) عليه (بما ضمن) وغرمه (من المنافع
كعوض الثمرة وأجرة السكنى تردد) ينشأ، من مباشرته الإتلاف مع حصول
نفعه في مقابله وأولوية حوالة الضمان على مباشر الإتلاف، ومن أن الغاصب
قد غره ولم يشرع على أن يضمن ذلك، فكان الضمان على الغار، كما لو قدم
إليه طعام الغير فأكله جاهلا ورجع المالك على الآكل أو غصب طعاما
فأطعمه المالك فإنه يرجع على الغار.

(1) المسالك 12: 225.
289

وإلى هذا ذهب الماتن في كتاب التجارة من الشرائع (1) والفاضل المقداد
في التنقيح (2).
وإلى الأول ذهب الشيخ في المبسوط (3) والخلاف (4) والحلي (5). وهو
أوفق بالأصل، مع عدم معلومية صلوح المعارض للمعارضة، بناء على عدم
وضوح دليل على ترتب الضمان على الغار بمجرد الغرور وإن لم يلحقه
ضرر، كما فيما نحن فيه بمقتضى الفرض، لاستيفائه المنفعة في مقابلة ما
غرمه.
والإجماع على هذه الكلية غير ثابت بحيث يشمل نحو مفروض
المسألة.
نعم ربما يتوجه الرجوع حيث يتصور له الضرر بالغرور، كما إذا أخذت
منه قيمة المنافع أزيد مما يبذله هو في مقابلتها من غير ملكه، ونحو ذلك.
وكيف كان الأحوط له عدم الرجوع مطلقا.
(الرابعة: إذا غصب حبا فزرعه أو بيضة) فحضنها تحت دجاجة له
(فأفرخت أو خمرا فخللها فالكل للمغصوب منه) بلا خلاف ظاهر في
الأخير، وكذا في الأولين، إذ ليس المخالف فيهما إلا الشيخ في أحد قوليه،
مع أنه رجع عنه، كما في السرائر وغيره، ونفى في الأول عنه الخلاف بين
الأصحاب، وحكى فيه عن المرتضى في الناصريات الإجماع فيهما (6). وهو
الحجة; مضافا إلى أصالة بقاء ملك المالك بحاله، وعدم دليل على تملك
الغاصب إياه بفعله، سيما مع النهي عنه، مع أنه عين مال المالك، وإنما حدث

(1) الشرائع 2: 14.
(2) التنقيح 4: 75.
(3) المبسوط 3: 71.
(4) الخلاف 3: 410، المسألة 23.
(5) السرائر 2: 325.
(6) السرائر 2: 482.
290

بالتغيير اختلافات الصور ونماء الملك للمالك وإن كان بفعل الغاصب.
وضعف قول الشيخ ظاهر برجوعه عنه، فلا نطيل بنقله ورده، سيما مع
موافقته لرأي أبي حنيفة باعترافه.
(الخامسة: إذا غصب أرضا فزرعها) أو غرسها (فالزرع) والغرس
(لصاحبه، وعليه اجرة الأرض) عن مدة شغلها الزرع فيها (ولصاحبها)
أي الأرض (إزالة) الزرع و (الغرس) ولو قبل أوان بلوغهما، إذ ليس لعرق
ظالم حق، كما في الخبر (1) المتلقى بالقبول (و) له أيضا (إلزامه) أي
الغاصب بالإزالة و (طم الحفر والأرش إن نقصت) بالقلع أو الزرع لدفع
الضرر، بلا خلاف في شئ من ذلك، إلا ممن يأتي، بل في التنقيح أنه عليه
انعقد إجماع القوم.
قال: ولا نعلم فيه خلافا، إلا ما يحكى عن ابن الجنيد من أن لصاحب
الأرض أن يرد ما خسره الزارع، لقوله (صلى الله عليه وآله): من زرع في أرض قوم بغير
إذنه فله نفقته، وليس له من الزرع شئ، والحق الأول، لأنه نماء ملك الزارع
وهو البذر، فيتبعه في الملك، والأرض والماء والهواء والشمس معدات
لصيرورة البذر زرعا ثم حبا بالتدريج، والفاعل هو الله سبحانه، فهو بمنزلة
من غصب دجاجة وأحضنها على بيض له فإنه يملك الفرخ وعليه اجرة
الدجاجة، وكذلك إذا غصب أرضا وبذرا فزرعه فيها يتبع الزرع البذر، ولا
يكون للغاصب شئ، والخبر الذي تمسك به الإسكافي قد ذكر الأصحاب
عدم ثبوت صحته (2).
مع أنه مخالف للأصل القطعي عندهم، المعتضد بالشهرة العظيمة،

(1) تلخيص الحبير 3: 54، الحديث 1270.
(2) التنقيح 4: 78.
291

وحكاية الإجماع المتقدمة، المعلومة الصحة بتتبع فتوى الجماعة، ومعارض
بخصوص الخبر المروي في التهذيب في كتاب المزارعة عن رجل أتى
أرض رجل فزرعها بغير إذنه حتى إذا بلغ الزرع جاءه صاحب الأرض فقال
زرعت بغير إذني فزرعك لي وعلي ما أنفقت أله ذلك؟ فقال: للزارع زرعه
ولصاحب الأرض كرى أرضه (1).
وأظهر منه الموثق المروي ثمة بعده بلا فصل: في رجل اكترى دارا
وفيها بستان فزرع في البستان وغرس نخلا وشجرا وفواكه وغير ذلك ولم
يستأمر صاحب الدار في ذلك، فقال: عليه الكرى، ويقوم صاحب الدار الزرع
والغرس قيمة عدل فيعطيه الغارس إن كان استأمره في ذلك، وإن لم يكن
استأمره في ذلك فعليه الكرى، وله الغرس والزرع، ويقلعه ويذهب به حيث
شاء (2).
وفيه دلالة على ما مر عن الشيخ في العارية من لزوم أخذ المستعير
قيمة ما زرعه أو غرسه في أرض الغير بعد بذله إياها له (3) وعدم لزومه في
الغصب. لكنه مروي في الكافي بهذا السند والمتن إلى قوله: «فيعطيه
الغارس»، وليس فيه ما بعده، بل ذكر بعده «وإن استأمر فعليه الكرى وله
الغرس والزرع يقلعه ويذهب به حيث شاء» (4).
وليس فيه حينئذ دلالة على ما ذكره الشيخ، ولا الأصحاب في الباب،
بل ظاهر في الدلالة على ما ذكره الإسكافي (5) فيشكل الأمر، سيما
بملاحظة ما قدماه في مسألة زيادة العين المغصوبة بصبغ الغاصب ونحوه من

(1) التهذيب 7: 206، الحديث 52 - 53.
(2) التهذيب 7: 206، الحديث 52 - 53.
(3) المبسوط 3: 55.
(4) الكافي 5: 297، الحديث 2.
(5) المختلف 6: 131.
292

قوة ما ذكره الإسكافي والمختلف (1) ثمة خلافا لهم أيضا، إلا أن يجاب هنا
باختلاف النسخة، فلا يقوم بها على أحد حجة.
ورجحان نسخة الكافي لأضبطيتها وموافقتها لسياق السؤال والجواب
لا يبلغ رجحان أدلة الأصحاب هنا من الإجماع المنقول والرواية السابقة
المنجبرة بالشهرة، فلا يرجح عليها هي ولا ما قدمناه، لتأييد الإسكافي ثمة.
(و) على ما ذكره الأصحاب (لو بذل) وعوض (صاحب الأرض
قيمة الغرس) والزرع (لم يجب) على الغاصب (إجابته) وقد مر الكلام
في مثله فيما تقدم. ولكن ما ذكره الأصحاب هنا أظهر، إذ لم أجد الخلاف
فيه إلا من الإسكافي (2) ومع ذلك ظاهر الخبرين (3) يساعدهم.
(السادسة: لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول
الغاصب) الغارم، وفاقا للمبسوط (4) والخلاف (5) والحلي (6) والفاضلين (7)
والشهيدين (8) وكثير من المتأخرين، بل عامتهم، استنادا إلى أنه منكر
وغارم، والأصل عدم الزيادة.
(وقيل) كما عن النهاية (9) والمقنعة (10) ونسبه الماتن في الشرائع إلى
الأكثر (11): إن القول (قول المغصوب منه) قيل: لأن المالك أعرف بقيمة ماله
من الغاصب (12) مع مناسبته ذلك لمؤاخذته بأشق الأحوال. ولا ريب في
ضعفه.

(1) المختلف 6: 132.
(2) المختلف 6: 131.
(3) التهذيب 7: 206، الحديث 52 - 53.
(4) المبسوط 3: 75.
(5) لم نعثر عليه في الخلاف نعم نسب إليه في المختلف 6: 128.
(6) السرائر 2: 490.
(7) الشرائع 3: 249، المختلف 6: 128.
(8) الروضة 7: 58.
(9) النهاية 2: 180.
(10) المقنعة: 607.
(11) الشرائع 3: 249.
(12) التنقيح 4: 78.
293

نعم في صحيحة أبي ولاد المشهورة قلت: فمن يعرف ذلك أي القيمة؟
قال: أنت وهو، إما أن يحلف هو على القيمة فتلزمك، وإن رد اليمين عليك
فحلفت على القيمة فيلزمك ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود أن قيمة
البغل حين كري كذا وكذا فيلزمك، الحديث (1).
ولولا إطباق متأخري الأصحاب على العمل بالأصل العام وإطراح
الرواية لكان المصير إليها في غاية القوة، لكن لا مندوحة عما ذكروه،
لاعتضاد الأصل بعملهم، فيترجح عليها وإن كانت خاصة، لفقد المكافئة،
ومع ذلك فالاحتياط لازم في المسألة بمراعاة المصالحة.
* * *

(1) الوسائل 17: 313، الباب 7 من أبواب الغصب، الحديث 1.
294

كتاب الشفعة
295

(كتاب الشفعة)
(وهي) فعلة من قولك: شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعا به أي زوجا،
كأن الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب شريكه. وأصلها التقوية والإعانة،
ومنه الشفاعة والشفع.
وشرعا ما عرفه الماتن هنا بقوله: الشفعة (استحقاق في حصة الشريك
لانتقالها بالبيع) وكذا في الشرائع (1) إلا أنه بدل حصة الشريك بقوله: أحد
الشريكين حصة شريكه. ولعله أجود، لما فيه من التنبيه على اتحاد الشريك
المشترط في ثبوتها، كما يأتي.
والاستحقاق بمنزلة الجنس، يدخل فيه استحقاق الشخص مال آخر
بالإرث، والاستحقاق بالحيازة والإحياء وغيره.
وبقيد المستحق بكونه أحد الشريكين خرج منه استحقاق من ليس
بشريك ولو بحصة اخرى ببيع وغيره، وخرج بقيد انتقالها بالبيع ما إذا
استحق أحد الشريكين حصة الآخر بهبة وغيرها.
وهذا التعريف وإن انتقض في طرده بأمور، منها ما لو باع أحد الشريكين

(1) الشرائع 3: 253.
297

حصته للآخر فإنه يصدق عليه أن المشتري قد يستحق حصة الشريك الآخر
بسبب انتقالها بالبيع، إلا أنه أجود مما عرفها به في القواعد من أنها
استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع (1) لانتقاضه طردا
- زيادة على ما ينتقض به الأول - بأنه قد يستحق الشريك حصة شريكه
المنتقلة عنه بالبيع لا بسبب الشفعة، بل بسبب آخر كالإرث وغيره، وإنما
لا ينتقض ما هنا به لتعليل الاستحقاق بالانتقال بالبيع، ليخرج عنه ما كان
الانتقال لا به بل بغيره من النواقل، كالهبة والإصداق والصلح ونحو ذلك.
هذا، والتحقيق أن هذه التعريفات اللفظية لا يقدح فيها ما يورد أو يرد
عليها من النقض والمناقشة، فإنما المقصود منها التميز في الجملة ليتذكر،
فيترتب عليها الأحكام بسهولة، وإنما يحصل التميز بالعلم بالشرائط من الأدلة.
والأصل فيها بعد الإجماع المحقق المحكي في كلام جماعة السنة
المستفيضة، بل المتواترة من طريق الخاصة والعامة، وسيتلى عليك جملة
منها في الأبحاث الآتية.
(والنظر فيه) أي في هذا الكتاب (يستدعي) أن نذكر فيه (أمورا):
(الأول)
في بيان (ما تثبت فيه) الشفعة
(و) اعلم أنه (تثبت في الأرضين والمساكن إجماعا) كما هنا وفي
الشرائع (2) وشرحه (3) وشرح الإرشاد (4) للمقدس الأردبيلي، والنصوص
بذلك مستفيضة جدا:
منها: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن،

(1) القواعد 1: 209 س 17.
(2) الشرائع 3: 253.
(3) المسالك 12: 261.
(4) مجمع الفائدة 9: 13.
298

وقال: لا ضرر ولا ضرار (1).
(وهل يثبت فيما ينقل كالثياب والأمتعة فيه قولان).
أكثر المتقدمين منهم الشيخان (2) والمرتضى (3) والإسكافي (4)
والقاضي (5) والحلبي (6) والحلي (7) وجماعة من المتأخرين على الأول
مطلقا، سواء كان قابلا للقسمة أم لا، ومال إليه الشهيد في الدروس (8) ونفى
عنه البعد. ولعله أظهر، لدعوى الإجماع عليه في الانتصار (9) والسرائر (10)
وخصوص المرسلة المنجبرة بالشهرة القديمة: الشفعة جائزة في كل شئ
من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشئ بين شريكين لا غيرهما فباع
أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره (11) الخبر.
مضافا إلى التأييد بالإطلاقات، بل وعموم بعض الروايات، كالحسن:
الشفعة في البيوع إذا كان شريكا، فهو أحق بها من غيره بالثمن (12) والخبر:
الشفعة لكل شريك لم يقاسم (13) وقريب منه مفهوم غير واحد من النصوص.
هذا، مع انسحاب وجه الحكمة، وهو الضرر الذي نيط به شرعية الشفعة،
كما اعترف به الجماعة.
وربما استفيد من الرواية السابقة، التي هي إحدى المستفيضة في المسألة.
هذا، مع احتمال التأيد أيضا ببعض النصوص الآتية في ثبوت الشفعة
في المملوك.

(1) الوسائل 17: 319، باب 5 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
(2) المقنعة: 618، النهاية 2: 228.
(3) الانتصار: 448.
(4) المختلف 5: 326.
(5) المهذب 1: 458.
(6) الكافي في الفقه: 362.
(7) السرائر 2: 389.
(8) الدروس 3: 356.
(9) الانتصار: 448.
(10) السرائر 2: 389.
(11) الوسائل 17: 321، الباب 7 من أبواب الشفعة، الحديث 2.
(12) المصدر السابق، الباب 2 من أبواب الشفعة، الحديث 1، 3.
(13) المصدر السابق، الباب 2 من أبواب الشفعة، الحديث 1، 3.
299

ولا يعارضها المرسلة الأخرى المروية في الكافي بعدها: أن الشفعة
لا يكون إلا في الأرضين والدور فقط (1) لقصور سندها، مع عدم جابر لها
عدا الأصل والشهرة المتأخرة، والأول: يجب الخروج عنه بالإجماع المنقول
والعمومات، والثاني: جابر لو لم يعارضه الشهرة القديمة الراجحة عليه حيث
حصل بينهما معارضة كما في المسألة، ومع ذلك موافقة للعامة كافة، كما
يستفاد من الانتصار (2) وسيأتي إليه الإشارة.
(والأشبه) بين أكثر المتأخرين وفاقا للمبسوط (3) والخلاف (4) وابن
حمزة (5) وظاهر سلار (6) (الاقتصار على موضع الإجماع) أخذا بالأصل
الدال على عدم تسلط المسلم على مال المسلم إلا بطيب نفسه خرج منه
المجمع عليه وبقي الباقي، وبما دل على نفيها عن الحيوان والطريق والسفينة
من المعتبرة الآتية، وبالمرسلة المتقدمة.
وضعف الجميع ظاهر، فالأول بلزوم الخروج عنه بما مر من الخبر
المنجبر بالعمل والإجماع المنقول المعتضد بما تقدم، والثاني بما يأتي،
والثالث بما مر.
والعجب من الفاضل في المختلف، حيث استدل على هذا القول بالرواية
المتقدمة من جملة المستفيضة، قال بعد نقلها وهو يدل بمفهومه على انتفاء
الشفعة في غير الأرضين والمساكن: أما أولا: فلتعليق الحكم عليهما،
وأما ثانيا: فلقوله (عليه السلام): لا ضرر ولا ضرار (7).

(1) الكافي 5: 281، الحديث 8.
(2) الانتصار: 448.
(3) المبسوط 3: 106.
(4) الخلاف 3: 426، المسألة 1.
(5) لم نجد التصريح به في كلامه راجع الوسيلة: 258.
(6) لم نستظهر من كلامه ذلك راجع المراسم: 183.
(7) المختلف 5: 328.
300

وهو كما ترى، فإن تعليق الحكم عليهما لا يقتضي نفيه عما عداهما،
إلا على تقدير اعتبار مثل هذا المفهوم، ولم يقل هو ولا سائر الأصحاب به.
وأما التعليل فالظاهر أنه للحكم بثبوت الشفعة فيهما، لا لنفيها عما
عداهما.
وعليه فيكون المراد بالضرر الضرر الذي نيط به وجه الحكمة في ثبوت
الشفعة لا ضرر نفي سلطنة المالك عما ملكه كما عقله. فالرواية حينئذ حجة
بعمومها المستفاد من التعليل فيها لما عليه أكثر القدماء.
وعلى تقدير عدم ظهور ما ذكرناه فاحتماله لا أقل منه، ومعه لا يتم
استدلاله إلا على تقدير مرجوحيته. ولا ريب في فساده.
(وتثبت) الشفعة (في الشجر والنخل والأبنية) إذا بيعت (تبعا
للأرض) التي هي أصلها ومنضمة معها، بلا خلاف ظاهر مصرح به في
المبسوط (1) ويظهر من الماتن في الشرائع (2) وشيخنا في شرحه.
قال - بعد القطع بالحكم لدخوله في عموم النص الوارد بثبوتها في الربع
والمساكن والدور ونحو ذلك -: وإن بيعت منفردة أو منضمة إلى أرض
اخرى غير ما هي فيها بنى ثبوت الشفعة فيها وعدمه على القولين السابقين،
فمن عممها أثبتها بطريق أولى، ومن خصص موردها بالأرضين والمساكن
والبساتين لم يوجبها، لأنها لا تدخل منفردة في أحدها، فإن المساكن اسم
للمجموع المركب من الأرض والبناء، وكذا البساتين بالنسبة إلى الشجرة،
ولا ينفعها ضميمتها إلى غير أرضها، لعدم التبعية وكونها جزء من مسماها (3).
(وفي ثبوتها) أي الشفعة (في الحيوان القولان) المتقدمان.

(1) المبسوط 3: 107.
(2) الشرائع 3: 253.
(3) المسالك 12: 264.
301

ولم أفهم وجه إفراد ذكرهما فيه بالخصوص، مع كونه من المنقول الذي
فيه أصل القولين، ولقد أحسن في الشرائع (1) حيث أدرجه فيه، وذكره من
أمثلته.
وكذا لم أفهم وجها لقوله: (والمروي) في الموثق (2) (أنها لا تثبت)
لإشعاره بل ودلالته بعدم ورود رواية بثبوتها فيه مطلقا، وقد عرفت ورود ما
هو صريح في ثبوتها فيه سابقا، غايته أنه ضعيف بالإرسال، ولكنه - كما
عرفت - منجبر بالشهرة بين الأصحاب، وهو أقوى من الصحيح الغير
المنجبر بها.
فالرواية النافية لها وإن كانت موثقة إلا أنها بالإضافة إلى تلك المرسلة
لذلك مرجوحة، وإن ترجحت عليها بأخبار أخر صحيحة، متضمنة للتفصيل
بين المملوك وحيوان غيره، مصرحة بالثبوت في الأول، وبعدمه في الثاني.
منها: المملوك بين الشركاء فيبيع أحدهم نصيبه ويقول صاحبه: أنا أحق
به أله ذلك؟ قال: نعم إذا كان واحدا فقيل له في الحيوان شفعة، فقال: لا (3).
ونحوها صحيحة اخرى في الفقيه (4) مروية.
لأن هذا التفصيل لم يقل به أحد من أرباب القولين، بل ولا غيرهم،
بل ولا نقل القائل به من الأصحاب أحد عدا الماتن هنا وفي الشرائع (5)
فقال: (ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره) وقد اعترف جماعة بعدم
معروفيته.

(1) الشرائع 3: 253.
(2) الوسائل 17: 322، الباب 7 من أبواب الشفعة، الحديث 7.
(3) المصدر السابق 17: 321، الباب 7، الحديث 3.
(4) الفقيه 3: 80، الحديث 3378.
(5) الشرائع 3: 253.
302

فمثله شاذ وإن صار إليه في المختلف (1) ولكنه ضعيف وإن صح سند
ما دل عليه، لما مر من فقد التكافؤ بينه وبين الخبر المثبت.
هذا، مع أن الموثقة مع ما هي عليه مما مر إليه الإشارة محتملة للحمل
على التقية لكون المنع مذهب العامة، كما يستفاد من الانتصار، حيث قال
بعد الحكم بالثبوت ونسبه إلى الإمامية; وخالف باقي الفقهاء في ذلك،
وأجمعوا على أنها لا تجب إلا في العقارات والأرضين دون العروض
والأمتعة والحيوان (2) انتهى.
ومع ذلك بإطلاقها شاملة للعبد وغيره، فتعارض بما مر من النصوص
الصحيحة الصريحة بثبوتها في الأول وإن اشتركت معها في نفيها في الثاني،
ونحوها الموثق بل الصحيح: المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه
فقال: أحدهم أنا أحق به أله ذلك؟ قال: نعم إذا كان واحدا (3).
(ولا تثبت) الشفعة (فيما لا ينقسم) ولا يقبل القسمة الإجبارية
(كالعضائد) والدكاكين (والحمامات) المضيقة (والنهر والطريق الضيق)
كل منهما (على الأشبه) بل الأشهر بين أكثر من تأخر، بل بالشهرة المطلقة
صرح في التذكرة (4). والحجة عليه غير واضحة، عدا ما في التنقيح (5) من
وجوه ضعيفة:
منها: أن غرض الشارع بالشفعة إزالة ضرر المالك بالقسمة لو أرادها
المشتري، وهذا الضرر منتف فيما لا يقسم، فلا شفعة فيه.
وهو كما ترى في غاية من الضعف.

(1) المختلف 5: 328.
(2) الانتصار: 448.
(3) الوسائل 17: 321، الباب 7 من أبواب الشفعة، الحديث 4.
(4) التذكرة 1: 588 س 35.
(5) التنقيح 4: 82.
303

أما أولا: فلعدم ورود النص الصحيح الصريح بهذه العلة.
نعم ربما يستفاد من بعض الروايات السابقة كون العلة في ثبوت الشفعة
نفي الضرر والاضرار في الشريعة، لكن متعلق الضرر فيه غير معلوم،
فيحتمل ما ذكر وغيره من نفس الشركة الجديدة أو سوء الشريك. ولعل هذا
أظهر، ولذا استدل بعض الأصحاب وفاقا للمرتضى على ثبوت الشفعة في
المسألة بالضرر، فقال: بأن المقتضي لثبوت الشفعة وهو إزالة الضرر عن
الشريك قائم في غير المقسوم، بل هو أقوى، لأن المقسوم يمكن التخلص
من ضرر الشريك بالقسمة بخلاف غيره، قال: وأجيب بأنه ليس المراد من
إزالة الضرر بالشفعة ما ذكروه، بل إزالة ضرر طلب القسمة ومؤنتها، وهو
منتف في محل النزاع، ولا يخفى عليك ضعف هذا الجواب، وأي مؤنة
للقسمة وضرر بذلك يقابل ضرر الشريك الذي لا وسيلة إلى التخلص منه (1).
وهو في غاية الجودة.
وأما ثانيا: فلضعف التعليل من وجه آخر، وهو أن الشفعة إنما تثبت
بانتقال الملك عن الشريك إلى المشتري، فلا بد أن يكون الضرر الذي نيط به
الشفعة في ظاهر النص وكلام الأصحاب ناشئا من جهته.
وضرر طلب المشتري القسمة ليس ضررا ناشئا منه، لسبقه على
الانتقال، وثبوته للشريك على كل حال، فضرر طلب القسمة لازم على كل
تقدير، بل هو من لوازم الشركة فيما يقبل القسمة، فلا يمكن أن يكون مثله
الضرر المناط به الشفعة.
وهذا من أقوى الشواهد على تعين ما استظهرناه من تعلق الضرر في
الرواية.

(1) المسالك 12: 266.
304

ومنها: أصالة بقاء الملك على مالكه، وإثبات الشفعة مخالف له، فيفتقر
إلى دليل.
وهو كالسابق في الضعف، بعد ما عرفت على الثبوت على العموم من
الإجماع المنقول والخبر المنجبر بالعمل، المؤيد بما قدمناه من المؤيدات.
ومنها: الخبران: لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق «وزيد في
بعض النسخ» ولا في رحى ولا في حمام (1).
وفيهما مع قصور السند ما ذكره بعض الأصحاب من أنه لا دلالة فيهما
عليه أصلا، مع احتمالهما التقية (2) سيما مع كون الراوي لهما من العامة على
المشهور بين الطائفة، ولا يقدح فيه اختصاصهما بنفي الشفعة في الأمور
المزبورة، إلا على تقدير حجية مثل هذا المفهوم، ولم يقل بها أحد من
الطائفة وأكثر العامة.
هذا، مضافا إلى معارضتهما في الطريق بأقوى منهما سندا، وهو خبران:
أحدهما موثق، والآخر حسن، يأتيان في بحث ثبوت الشفعة في المقسوم
بالاشتراك في الطريق، والغالب فيه الضيق.
والاختصاص بالطريق غير قادح بعد الإجماع المركب على العموم،
وعليهما بناء الاستدلال بالخبرين الأولين.
فإذا القول بثبوت الشفعة في المسألة في غاية من القوة، وفاقا لجماعة
من قدماء الطائفة ومنهم المرتضى (3) مدعيا عليه إجماع الإمامية، ومال إليه
من المتأخرين شيخنا في المسالك (4) وجمع ممن تبعه، لكنه رجع عنه

(1) الوسائل 17: 322، الباب 8 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
(2) مفاتيح الشرائع 3: 76.
(3) الانتصار: 448.
(4) المسالك 12: 266.
305

في الروضة (1) فوافق الجماعة، مستندا إلى الوجه الثاني. وفيه ما عرفته.
هذا، ولا ريب أن الأحوط للشفيع ترك المطالبة بها في المواضع
الخلافية، سيما فيما لا يقبل القسمة، وخصوصا الخمسة الواردة في
خصوص الخبرين، المتقدم إليهما الإشارة، ونحوهما مرسلة رضوية عمل بها
الصدوقان (2) حيث نفيا الشفعة فيها، وأثبتاها في غيرها مطلقا ولو لم يقبل
القسمة أصلا. وللمشتري إجابة الشفيع إن طلبها مطلقا، وإن تعاسرا فالعمل
على ما عليه أكثر قدماء أصحابنا.
(ويشترط) في ثبوتها (انتقاله) أي الشقص المشفوع (بالبيع،
فلا يثبت لو انتقل بهبة أو صلح أو صداق أو صدقة أو إقرار) على الأظهر
الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي المسالك (3) وكلام جماعة أنه كاد أن
يكون إجماعا، وبانعقاده بين المتأخرين صرح في التنقيح (4) وبالأخبار في
نفيها عن الصداق صرح في المبسوط (5).
وبه في الجميع صرح في السرائر (6) والمقدس الأردبيلي في شرح
الإرشاد (7). وهو الحجة; مضافا إلى الأصل، واختصاص أكثر النصوص
بصورة البيع خاصة، وإطلاقات بعضها غير معارضة بعد ورودها لبيان حكم
آخر غير مفروض المسألة.
خلافا للإسكافي، فأثبتها في الهبة مطلقا بعوض كان أم لا (8) ونسب
جماعة إليه ثبوتها في الجميع، ولا تساعدها عبارته المحكية في المختلف،

(1) الروضة 4: 398.
(2) المختلف 5: 326.
(3) المسالك 12: 274.
(4) التنقيح 4: 84.
(5) المبسوط 3: 111.
(6) السرائر 2: 386.
(7) مجمع الفائدة 9: 12.
(8) المختلف 5: 339.
306

ولذا نسب إليه الثبوت فيما ذكرناه خاصة في الدروس (1).
فكيف كان فحجته غير واضحة، عدا ما قيل عنه: من عدم دليل على
التخصيص، مع اشتراك الجميع في الحكمة الباعثة، وهي دفع الضرر عن
الشريك، وتضمن النصوص البيع لا ينافي ثبوتها بغيره (2).
ويظهر من المسالك (3) الميل إليه في الجملة، وكذا بعض من تبعه، قال
بعد نقله: وهو قوي إن خصها بالمعاوضات المحضة، لأن أخذ الموهوب مثلا
بغير عوض بعيد، وبه خارج عن مقتضى الأصل، وكذلك غير الهبة (4).
والمناقشة فيه واضحة، لابتناء التقوية على ثبوت وجه الحكمة من
حجة منصوصة، ولم نقف عليها، عدا الرواية المتقدمة النافية للضرر بعد
الحكم بالشفعة، وهي مع قصور سندها وعدم جابر لها في المسألة قد مر ما
يقدح في دلالتها، من حيث إجمال المعلل به هل هو ثبوتها أو نفيها؟ كما
فهمه العلامة. وعليه فينعكس الدلالة.
ولا ينافي الإجمال ما ادعيناه سابقا من ظهور الاحتمال الأول، لعدم
كونه ظهورا معتدا به، ولذا أيدنا به الأدلة العامة، ولم نجعله حجة مستقلة.
وعلى تقدير قوة الظهور والدلالة فلا ريب في عدم مقاومتها
للإجماعات المحكية والقاعدة الثابتة المسلمة، ومع ذلك مفهوم العلة فيها
معارض بمفهوم الشرط أو القيد المعتبر في المرسلة المتقدمة، المتضمنة
لقوله (عليه السلام): الشفعة جائزة في كل شئ - إلى أن قال: - إذا كان بين الشريكين
لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره (5) وقريب منها

(1) الدروس 2: 358.
(2) مفاتيح الشرائع 3: 76.
(3) المسالك 12: 274.
(4) مفاتيح الشرائع 3: 76.
(5) الوسائل 17: 321، الباب 7 من أبواب الشفعة، الحديث 2.
307

أخبار أخر معتبرة وفيها الصحيح وغيره، آتية في مسألة ثبوت الشفعة في
الدور المقسومة، مع كون طريق الجمع واحدة.
ولكن الإنصاف أن مثل هذه المفاهيم محتملة الورود مورد الغلبة في
بعض والسؤال في آخر، فلم تبلغ درجة الحجية، ولا كذلك مفهوم العلة في
المرسلة، لكنها صالحة للاعتضاد والتقوية، وإلا فالعمدة هو ما قدمناه من
الأدلة الظاهرة، والحجج الباهرة السليمة، كما عرفت عما يصلح للمعارضة.
فلا شبهة في المسألة بحمد الله سبحانه.
وقد استدل الفاضل في المختلف للمختار بالصحيح: عن رجل تزوج
امرأة على بيت في دار وله في تلك الدار شركاء قال جائز له ولا شفعة لأحد
من الشركاء عليها (1).
وفيه نظر، لجواز أن يكون نفي الشفعة، لكثرة الشركاء، لا للإصداق.
(ولو كان الوقف مشاعا مع طلق) فباع الموقوف عليه الوقف على
وجه يصح، ثبت الشفعة لصاحب الطلق بلا خلاف فيه ظاهر، لوجود
المقتضي، وانتفاء المانع.
وان انعكس (فباع صاحب الطلق) ملكه (لم تثبت للموقوف عليه)
مطلقا، وفاقا من الماتن هنا وفي الشرائع (2) والشهيد في الدروس (3)
للمبسوط (4) نافيا الخلاف فيه، ونسبه الحلي (5) إلى الأكثر؟ ولعله الأظهر،
اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن من الفتوى والنص، وليس بحكم
التبادر، إلا ما عدا محل الفرض، مضافا إلى نقل عدم الخلاف المتقدم

(1) المختلف 5: 339.
(2) الشرائع 3: 254.
(3) الدروس 3: 358.
(4) المبسوط 3: 145.
(5) السرائر 2: 397.
308

المعتضد بدعوى الحلي على ذلك الشهرة. وهو حجة، كما بينته في رسالة في
الإجماع مفردة، ومع ذلك سليم عن المعارض بالكلية، عدا ما يتخيل من
وجه الحكمة المشتركة، وقد مر الجواب عنه في المسألة السابقة. هذا كله
على تقدير القول بانتقال ملك الموقوف إلى الموقوف عليه، كما هو أحد
الأقوال في تلك المسألة.
وأما على القول بعدم الانتقال إليه مطلقا فلا ريب في عدم ثبوت الشفعة،
لفقد الشركة المشترطة في ثبوتها اتفاقا فتوى ورواية.
(وقال المرتضى: تثبت) الشفعة مطلقا، (وهو أشبه) وجوز للإمام
وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف، التي ينظرون فيها على المساكين أو على
المساجد ومصالح المسلمين، وكذلك كل ناظر بحق في وقف من وصي
وولي، واستند فيه إلى الإجماع (1). وهو موهون بعدم وجود قائل به سواه،
معارض بنقل الشيخ على خلافه عدم الخلاف (2) وهو أرجح، بعد اعتضاده
بالشهرة المنقولة، والأصل المتقدم إليهما الإشارة.
وعن الحلي الموافقة له مع وحدة الموقوف عليه (3) وللمبسوط مع
تعدده، وعليه أكثر المتأخرين، بل نسبه الشهيدان إليهم كافة (4).
ووجهه غير واضح، إلا على تقدير ثبوت انتقال الموقوف إلى الموقوف
عليه مطلقا، ووجود عموم على ثبوت الشفعة كذلك، حتى في الملك الغير
التام كالوقف، فيصح ما ذكره حينئذ، لوجود المقتضي لثبوتها في الشق
الأول، والمانع عنه وهو تعدد الشركاء على الأصح، كما يأتي في الثاني.
ولكنهما في محل التردد أو المنع.

(1) الانتصار: 457.
(2) المبسوط 3: 145.
(3) السرائر 2: 397.
(4) الدروس 3: 358، المسالك 12: 276.
309

(الثاني)
(في) بيان (الشفيع) المستحق لمطالبة
المشتري بالشفعة
(وهو كل) مسلم (شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن).
واعتبار الإسلام فيه ليس كليا لثبوتها بين الكفار بعضهم مع بعض
إجماعا، كما في المبسوط (1) وغيره، لعموم الأدلة، بل تعتبر إذا كان
المشتري مسلما.
(فلا تثبت لذمي) ولا حربي (على مسلم) إجماعا منا، كما في
صريح الانتصار (2) والمبسوط (3) والسرائر (4) والمسالك (5) وشرح الإرشاد (6)
للمقدس الأردبيلي (رحمه الله)، حاكيا له عن التذكرة (7) وهو أيضا ظاهر جماعة.
وهو الحجة; مضافا إلى أن مطالبتها تسلط على سبيل القهر، «ولن يجعل الله
للكافرين على المؤمنين سبيلا» (8) وفي الخبر: ليس لليهودي ولا النصراني
شفعة (9) يعني على المسلم، للإجماع على ثبوتها لهما على غيره.
واختصاص النص والفتوى بالذمي لعله لندرة اتفاق شركة المسلم مع
الحربي، أو للتنبيه على الأدنى بالأعلى.
(و) يتفرع على اعتبار الشركة في الحصة أنه (لا) تثبت (بالجوار)
بلا خلاف منا حتى من العماني (10) كما في ظاهر المسالك (11)

(1) المبسوط 3: 139.
(2) الانتصار: 453.
(3) المبسوط 3: 139.
(4) السرائر 2: 388.
(5) المسالك 12: 278.
(6) مجمع الفائدة 9: 26.
(7) التذكرة 1: 590 س 40.
(8) النساء: 141.
(9) الوسائل 17: 330، الباب 6 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
(10) المسالك 12: 279.
(11) المسالك 12: 279.
310

وصريح بعض من تبعه (1) بل عليه الإجماع في السرائر (2) وعن شيخ
الطائفة (3). وهو الحجة; مضافا إلى الأصل، واختصاص المخصصة له بما فيه
الشركة، مع فحوى النصوص الآتية الدالة على نفي الشفعة فيما حصل فيه
قسمة، بل بعضها كالصريح في ذلك، كالحسن: عن الشفعة في الدور أشئ
واجب للشريك ويعرض على الجار فهو أحق بها من غيره؟ فقال: الشفعة
في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره بالثمن (4).
فلا شبهة في المسألة. وخلاف العماني (5) هنا على تقديره - كما يستفاد
من جماعة - شاذ منعقد، الإجماع على خلافه بعده.
(و) يتفرع على اعتبار القدرة على الثمن أنه (لا) تثبت الشفعة
(لعاجز عن الثمن) بلا خلاف ظاهر، بل مصرح بالوفاق عليه وعلى باقي
قيود التعريف في المسالك (6) حيث حكاه بعد ذكره بقيوده. وهو الحجة;
مضافا إلى الأصل، واختصاص المثبت من النص والفتوى بحكم التبادر في
بعض والتصريح في الآخر بالقادر، مع إمكان الاستدلال عليه بالخبر الآتي
في تأجيل ثلاثة أيام لمدعي غيبة الثمن، ونفي الشفعة إن لم يحضره بعدها،
وبلزوم الضرر على المشتري أو البائع على تقدير ثبوتها مع العجز أيضا،
وهو منفي عقلا ونقلا.
ومنه يظهر الوجه في إلحاقهم المماطل والهارب بعد البيع عن بذل الثمن
بالعاجز عنه أولا، ويرجع في العجز إلى اعترافه أو شهادة القرائن القطعية
بعجزه، وعدم إمكان استدانته أو عدم مشروعيتها.

(1) مفاتيح الشرائع 3: 76.
(2) السرائر 2: 386.
(3) الخلاف 3: 427، المسألة 3.
(4) الوسائل 17: 316، الباب 2 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
(5) المختلف 5: 330.
(6) المسالك 12: 277.
311

(ولا) يثبت الشفعة (فيما ميز وقسم) على الأظهر الأشهر، بل عليه
عامة من تأخر، وعن الشيخ (1) وفي السرائر (2) والتنقيح (3) وغيره الإجماع
عليه. وهو الحجة; مضافا إلى أكثر ما مر في نفيها للجار من الأدلة،
والنصوص به مع ذلك مستفيضة، كادت تكون متواترة:
منها - زيادة على الحسنة المتقدمة - الصحيح: لا تكون الشفعة إلا
لشريكين ما لم يتقاسما، الحديث (4).
والقوي: لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم (5). ونحوه أخبار أخر ثلاثة.
والخبر: إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة (6).
وفي آخر: إذا أرفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة (7).
وفي ثالث: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قضى بالشفعة ما لم تؤرف، أي ما لم
تقسم (8).
وفي المعتبرين: لا شفعة إلا لشريك (9).
ولا يضر ضعف الإسناد بعد الانجبار بالأصل والكثرة وعمل الأصحاب.
وخلاف العماني (10) شاذ، ومستنده غير واضح، عدا ما يستدل له بالخبر
العامي الوارد في الجار (11) والنص الآتي في الاستثناء.
والأول: ضعيف سندا، غير صريح دلالة، ولا مقاوم لما مر من الأدلة من
وجوه شتى.

(1) الخلاف 3: 441، المسألة 16.
(2) السرائر 2: 386.
(3) التنقيح 4: 86.
(4) الوسائل 17: 316، الباب 3 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
(5) الوسائل 17: 316، الباب 3 من أبواب الشفعة، الحديث 2، 4، 5.
(6) الوسائل 17: 316، الباب 3 من أبواب الشفعة، الحديث 2، 4، 5.
(7) الوسائل 17: 316، الباب 3 من أبواب الشفعة، الحديث 2، 4، 5.
(8) الوسائل 17: 316، الباب 3 من أبواب الشفعة، الحديث 8، 7.
(9) الوسائل 17: 316، الباب 3 من أبواب الشفعة، الحديث 8، 7.
(10) المختلف 5: 330.
(11) التاج الجامع للأصول 2: 217، سنن النسائي 7: 320 - 321.
312

والثاني: نقول بموجبه تبعا للأصحاب من غير خلاف، ومنهم الماتن هنا،
لقوله:
(إلا بالشركة في الطريق أو النهر إذا بيع أحدهما أو هما مع الشقص)
المقسوم.
للصحيح: عن دار فيها دور وطريقهم واحد في عرصة الدار فباع بعضهم
منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال: إن كان
باع الدار وحول بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم، وإن باع الطريق مع
الدار فلهم الشفعة (1). ونحوه خبر آخر (2).
وقريب منهما الرضوي: فإذا كانت الدار فيها دور وطريق أبوابها في
عرصة واحدة فباع رجل داره منها من رجل كان لصاحب الدار الأخرى
شفعة إذا لم يتهيأ له أن يحول باب الدار التي اشتراها إلى موضع آخر، فإن
حول بابها فلا شفعة لأحد عليه (3).
بناء على ما قيل: من ظهور أن قوله: «إذا لم يتهيأ» إلى آخره كناية عن
دخول الطريق في البيع وعدمه، بمعنى أنه إن باع الدار وحدها من غير
دخول الطريق معها فلا شفعة، لما مر من عدم موجب لها وإن أدخل الطريق
في البيع، لعدم إمكان طريق له غير ذلك، فله الشفعة في الجميع.
وعن التذكرة (4) الاستدلال أيضا بالحسن: عن دار بين قوم اقتسموها
فأخذ كل واحد منهم قطعة فبناها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرهم فجاء
رجل فاشترى نصيب بعضهم أله ذلك؟ قال: نعم، ولكن يسد بابه ويفتح بابا
إلى الطريق، أو ينزل من فوق البيت ويسد بابه، فإن أراد صاحب الطريق بيعه

(1) الوسائل 17: 318، الباب 4 من أبواب الشفعة، الحديث 1، 2.
(2) الوسائل 17: 318، الباب 4 من أبواب الشفعة، الحديث 1، 2.
(3) فقه الإمام الرضا (عليه السلام): 265.
(4) التذكرة 1: 590 س 23.
313

فإنهم أحق به، وإلا فهو طريقه يجيء حتى يجلس على ذلك الباب (1).
ونحوه الموثق، إلا أنه قال: أو ينزل من فوق البيت، فإن أراد شريكهم أن
يبيع منتقل قدميه فهم أحق به، وإن أراد أن يجيء حتى يقعد على الباب
المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه (2).
وفيه نظر كما نبه عليه جمع ممن تأخر، إذ لا تعرض فيهما لبيع الدار مع
الممر، كما هو محل البحث، بل ظاهرهما ثبوت الشفعة في الطريق فقط ببيعه
خاصة.
واعلم أن النصوص - كما ترى - مختصة بصورة الاشتراك في الطريق،
لكنهم ألحقوا به الاشتراك في الشرب، ومستندهم غير واضح، مع مخالفته
لأصولهم في الكتاب.
اللهم إلا أن تكون انعقد عليه الإجماع.
ثم لو باع الشريك حصة من العرصة التي هي الطريق دون الدار جاز
الأخذ بالشفعة، لما مر إليه الإشارة.
واشترط بعضهم كون الطريق مما يقبل القسمة في صورة انفراده بالبيع،
دون صورة الانضمام.
وبعضهم اشترط ذلك في الموضعين. وليس في الروايات وغيرها تعرض
لذلك.
فالأقوى عدم اعتباره مطلقا.
وكذا إطلاق الروايات يقتضي عدم الفرق بين كون الدور مقسومة بعد
اشتراك سابق أم لا، وبه صرح في المسالك (3) وحكى عن التذكرة (4)

(1) الوسائل 17: 318، الباب 4 من أبواب الشفعة، الحديث 2، 3.
(2) الوسائل 17: 318، الباب 4 من أبواب الشفعة، الحديث 2، 3.
(3) المسالك 12: 271.
(4) التذكرة: لم نعثر عليه فيها.
314

وتبعهما جماعة، وعن ظاهر آخرين اعتبار شركة سابقة على القسمة في
ذات الطريق، تعويلا على حجة ضعيفة. فالأول في غاية القوة.
(و) اعلم أنه (تثبت) الشفعة (بين شريكين) إجماعا فتوى ونصا.
(ولا تثبت لما زاد) عليهما (على أشهر الروايتين) فتوى، بل عليه في
الانتصار (1) والسرائر (2) والتنقيح (3) إجماعنا، ومع ذلك هي صحاح
مستفيضة وغيرها من المعتبرة، تقدم إلى جملة منها الإشارة في تضاعيف
المباحث السابقة، معتضدة بالأصل المتقدم غير مرة.
والرواية الثانية أيضا مستفيضة منها النصوص المتقدمة في المسألة السابقة.
ومنها الخبران: الشفعة على عدد الرجال (4).
والخبر: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالشفعة بين الشركاء (5).
وهي مع قصور سند أكثرها وعدم مكافأتها لما مضى من وجوه شتى
شاذة، لا عامل بها عدا الإسكافي (6) والصدوق (7) في الفقيه في الجملة،
موافقة لمذهب العامة القائلين بمضمونها، كما صرح به المرتضى (8) وشيخ
الطائفة (9) وجماعة.
فلتحمل على التقية لذلك، سيما مع كون راوي بعضها من العامة،
ويعضده مصير الإسكافي إليه، إلا أن المنقول عنه في الانتصار تخصيص
ذلك بغير الحيوان، ومصيره فيه إلى ما عليه الأصحاب (10). وهو حينئذ
كالصدوق في قوله بالتفصيل المزبور.

(1) الانتصار: 450.
(2) السرائر 2: 387.
(3) التنقيح 4: 88.
(4) الوسائل 17: 322، الباب 7، 5 من أبواب الشفعة، الحديث 5، 1.
(5) الوسائل 17: 322، الباب 7، 5 من أبواب الشفعة، الحديث 5، 1.
(6) المختلف 5: 336.
(7) الفقيه 3: 77، الحديث 3370.
(8) الانتصار: 450 - 452.
(9) النهاية 2: 228.
(10) الانتصار: 450 - 452.
315

فإنه قال في الفقيه بعد نقل ما يدل على المختار من الأخبار: قال مصنف
هذا الكتاب يعني بذلك الشفعة في الحيوان وحده: وأما غير الحيوان فالشفعة
واجبة للشركاء وإن كانوا أكثر من اثنين وتصديق ذلك ما رواه أحمد بن
محمد بن أبي نصر عن عبد الله بن سنان قال: سألته عن مملوك بين شركاء
أراد أحدهم أن يبيع نصيبه، قال: يبيعه، قلت: فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما
بيع نصيبه فلما أقدم على البيع قال له شريكه: أعطني، قال: هو أحق به، ثم
قال (عليه السلام): لا شفعة في حيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحدا (1) انتهى.
وظاهر جماعة من الأصحاب مصير الإسكافي إلى القول المزبور مطلقا
من دون التفصيل، وعبارة المختلف (2) يحتمل ذلك وما ذكره المرتضى (3)
فإنه قال بعد نقل مذهب الصدوق: وكذا اختار ابن الجنيد ثبوت الشفعة
مع الكثرة.
ويعضد ما ذكره الجماعة ما ذكره الماتن في الشرائع (4) من أن في
المسألة أقوالا ثلاثة، وعد منها القول بثبوتها مع الكثرة مطلقا. ولم نجد
القائل به لو لم يكن الإسكافي.
لكن يضعفه أنه عد منها القول بالتفصيل بين العبد خاصة وغيره،
ولا قائل به حتى الصدوق، لاشتراطه اتحاد الشريك في مطلق الحيوان من
دون تخصيص بالعبد، فهو غير الصدوق، ولعل القول بالثبوت مطلقا لمن عدا
الإسكافي، وقد وقف على قائله، ولم نقف عليه كالقول بالتفصيل الذي حكاه.
وكيف كان فالقول بالتفصيل بقسميه على تقديرهما ضعيف جدا.
كسابقهما، لعدم وضوح مأخذهما عدا ما في الفقيه قد مضى.

(1) الفقيه 3: 80، ذيل الحديث 3377.
(2) المختلف 5: 336.
(3) الانتصار: 451، فيه اختلاف يسير.
(4) الشرائع 3: 255.
316

وهو كما ترى، لعدم التعارض بين الخبر الذي قيده والذي استشهد به،
لتقييده، إذ غايته اشتراط الاتحاد في الحيوان، وهو لا ينافي اشتراطه في
غيره، كما هو مقتضى الخبر الأول المفيد بعمومه، بل بصريحه، لأنه المرسل
المتقدم المصرح بثبوت الشفعة في كل شئ حتى الحيوان، ونحوه الرضوي
الماضي، إلا بالمفهوم الضعيف الذي لعله لا يقول به.
ثم على تقدير حجيته لا يمكن التقييد به أيضا، لما مضى من عدم
التكافؤ أصلا، ومقتضاه (1) رفع اليد عن نحو هذا الخبر، كغيره من الأخبار
المتقدمة المطلقة، سيما مع ما عرفت من قوة احتمال ورودها للتقية.
ويحتمل أيضا محامل أخر ذكرها الجماعة، كحمل لفظ الجمع فيها على
الاثنين ولو مجازا، أو على إرادة تعميم الحكم بالنسبة إلى المكلفين لا
بالنسبة إلى قضية واحدة اشترك فيها جماعة. وهما وإن بعدا إلا أنه لا بأس
بهما، جمعا، وهو أحسن من الطرح مهما أمكن وأولى.
وبالجملة لا ريب ولا شبهة في المسألة بحمد الله سبحانه.
(و) اعلم أنه لا خلاف على الظاهر المصرح به في شرح الإرشاد (2)
للمقدس الأردبيلي (رحمه الله) محتملا كونه إجماعا في أنه (لو ادعى) الشفيع
(غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام) ولو ملفقة من وقت حضوره للأخذ بالشفعة إن
ذكر أنه ببلده (فإن لم يحضره) في المدة المضروبة (بطلت، ولو قال: إنه
في بلد آخر أجل بقدر وصوله) إليه وعوده منه (و) زيادة (ثلاثة أيام)
بعد ذلك.
والأصل في جميع ذلك الحسن بالنهدي: عن رجل طلب شفعة أرض
فذهب على أن يحضر المال فلم ينض فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد

(1) في المخطوطات: فمقتضاه.
(2) مجمع الفائدة 9: 20.
317

بيعها أيبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب الشفعة؟ قال: إن كان معها في
المصر فلينتظر به ثلاثة أيام، فإن أتاه بالمال، وإلا فليبع وبطلت شفعته في
الأرض، وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى بلد آخر فلينتظر
به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم،
فإن وفاه، وإلا فلا شفعة له (1).
وقصوره عن الصحة مجبور بالعمل، مع أن الحسن في نفسه حجة على
الأظهر الأشهر بين الطائفة.
وظاهر إطلاقه وإن شمل صورتي ترتب الضرر على المشتري بالتأجيل
وعدمه إلا أن ظاهرهم الإطباق على تقييده ب‍ (ما) إذا (لم يتضرر
المشتري) به، كما إذا كان البلد بعيدا جدا، ولعله للجمع بينه وبين ما دل
على نفي الضرر من العقل والنقل، مضافا إلى التأيد بما مر من إناطة ثبوت
الشفعة بنفي الضرر، فينبغي أن يكون حيث لا يلزم من وجه آخر، لأن مع
التعارض ينبغي الرجوع إلى حكم الأصل وعدم الشفعة.
هذا، وأما ما يورد على الخبر من أن مورده هو الشفعة قبل البيع وأن
الذي ينتظر به هو الشريك الذي يريد أن يبيع لا المشتري فهو خارج عن
محل البحث، الذي استدلوا به عليه، وهو الشفعة بعد البيع، ولعلهم قاسوا
حال المشتري على البائع، وهو مشكل. فغير واضح، لابتنائه على كون
المراد بصاحب الأرض هو المالك الأول دون المشتري، ولا إشعار في الخبر
به مع صدق ذلك على المشتري، بل إطلاق لفظ الشفعة التي هي حقيقة في
الاستحقاق بعد البيع - كما مر - يعضد إرادة الثاني.
هذا، مع احتمال أن يكون الإلحاق على تقدير صحة ما ذكر من باب

(1) الوسائل 17: 324، الباب 10 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
318

تنقيح المناط القطعي لا القياس الخفي. فتدبر.
ثم المراد ببطلانها على تقدير عدم إحضاره في المدة المضروبة سقوطها
إن لم يكن أخذ، ويتسلط المشتري على الفسخ إن كان قد أخذ، كذا ذكره في
المسالك (1). ولعله كذلك، لأن الحكم بالبطلان إنما هو مراعاة للمشتري، فإذا
رضي بأخذ الشفيع بالتأخير فقد أسقط حقه، وليس في إطلاق الرواية ما
ينافي ذلك، لأن غايتها إسقاط حق الشفيع من التسلط على المطالبة، وهو لا
يستلزم إسقاط حق المشتري من المطالبة بالثمن بعد إجراء الصيغة الناقلة.
وبالجملة لا دلالة فيها على بطلان حق الشفيع.
وعلى تقديره لا ضير فيه أيضا، وإن هي حينئذ إلا كما ورد في خيار
التأخير من بطلان البيع مع إطباق الأصحاب على بقاء الصحة، وثبوت
الخيار لا فساده من أصله.
فما في الكفاية من أن هذا التفصيل غير مذكور في الرواية (2) محل
مناقشة إن أراد الرد بها عليه، وإن أراد عدم استفادة ما ذكره منها فحسن، إلا
أنه لم يستند إليها في ذلك، ولعله أخذه مما قدمناه من الحجة.
(وتثبت) الشفعة (للغائب) وإن طالت غيبته، فإذا قدم من سفره أخذ
إن لم يتمكن من الأخذ في الغيبة بنفسه أو وكيله. ولا عبرة بتمكنه من
الإشهاد. وفي حكمه المريض والمحبوس ظلما أو بحق يعجز عنه.
ولو قدر على الحق ولم يطالب بعد مضي زمان يتمكن من التخلص
والمطالبة بطلت.
(و) كذا (السفيه والمجنون والصبي) في ثبوت الشفعة لهم (ويأخذ لهم
الولي مع الغبطة) والمصلحة كسائر التصرفات، ولا خلاف في شئ من ذلك

(1) المسالك 12: 285.
(2) كفاية الأحكام: 105 س 38.
319

أجده، وبعدمه صرح بعض الأجلة (1). وهو الحجة; مضافا إلى
العمومات المعتضدة بوجه الحكمة المشتركة، وخصوص بعض المعتبرة -
المنجبر قصور سنده على الصحة بفتوى الطائفة -: وصي اليتيم بمنزلة أبيه
يأخذ له الشفعة إذا كان له فيه رغبة، وقال: للغائب شفعة (2). وهو وإن اختص
مورده بالأول والأخير إلا أن الوسطين ملحقان بهما، لعدم القائل بالفرق بين
الأربعة في الطائفة، مع اعتضاد إلحاق الثالث بل ما سبقه أيضا بالاستقراء،
واشتراكه مع الصبي في الأحكام غالبا.
هذا، وربما يشكل الحكم بثبوت الشفعة لهم إن تضمن طول الغيبة
وانتظار ارتفاع موانع الثلاثة حيث لم يأخذ لهم وليهم بالشفعة - كما سيأتي
إليه الإشارة - ضررا على المشتري، يظهر وجهه مما قدمناه قريبا، من أن
مقتضى تعارض الضررين الرجوع إلى حكم الأصل، وهو عدم الشفعة.
ووجهنا بهذا حكمهم السابق بتقييد جواز التأجيل بما إذا لم يتضرر به
المشتري مع خلو النص، كما عرفت عن القيد، لكن عدم خلافهم في ذلك
بحيث كاد أن يعد من الإجماع كفانا الاشتغال بطلب دليل آخر على تصحيح
الإطلاق.
(ولو ترك الولي) الأخذ حيث يجوز له (فبلغ الصبي أو أفاق المجنون)
أو رشد السفيه (فله) أي لكل منهم (الأخذ) قيل: لأن التأخير وقع لعذر،
وتقصير الولي بالتراخي لا يسقط حق المولى عليه، وليس الحق متجددا عند
الكمال، بل مستمر، وإنما المتجدد أهلية الأخذ (3).

(1) راجع مجمع الفائدة 9: 24.
(2) الوسائل 17: 320، الباب 6 من أبواب الشفعة، الحديث 2.
(3) المسالك 12: 286.
320

ولا يظهر خلاف فيه وفي أنه لو كان الترك لعدم المصلحة لم يكن لهم
بعد ارتفاع الموانع الأخذ بالشفعة.
وعليه فلو جهل الحال في سبب الترك هل هو الثاني أو الأول؟ ففي
استحقاقهم الأخذ نظرا إلى وجود السبب فيستصحب أم لا التفاتا إلى أنه
مقيد بالمصلحة وهي غير معلومة؟ وجهان، أوجههما الثاني عند الشهيد
الثاني (1) وذكر تبعا للدروس (2) أن المفلس له الشفعة ولكن لا يجب على
الغرماء تمكينه من الثمن، فإن بذلوه أو رضي المشتري بذمته فأخذ تعلق
بالشقص حق الغرماء، ولا يجب عليه الأخذ لو طلبوه منه مطلقا ولو بذلوا له
الثمن أو كان المشتري بذمته رضا.
(الثالث)
(في) بيان (كيفية الأخذ)
(و) اعلم أنه يجوز أن (يأخذ) الشفيع المشفوع (بمثل الثمن الذي
وقع عليه العقد) إجماعا محققا، مستفيض النقل في كلام جماعة. وهو
الحجة; مضافا إلى اتفاق النصوص عليه.
(ولو لم يكن الثمن مثليا) بل قيميا (كالرقيق والجوهر) والثياب ونحو
ذلك (أخذه بقيمته) على الأظهر الأشهر، بل لعله عليه عامة من تأخر إلا
من ندر ممن تأخر عمن تأخر، وفاقا للمفيد (3) والمبسوط (4) والحلي (5)
للعمومات المؤيدة بالإطلاقات، والشهرة العظيمة بين الأصحاب.
(وقيل) كما عن الخلاف (6) وابن حمزة (7): إنه (تسقط الشفعة) وعليه

(1) الروضة 4: 401.
(2) الدروس 3: 360.
(3) المقنعة: 619.
(4) المبسوط 3: 108.
(5) السرائر 2: 385.
(6) الخلاف 3: 432، المسألة 7.
(7) الوسيلة: 258.
321

الطبرسي (1) والعلامة في المختلف (2) (استنادا إلى رواية فيها احتمال).
بل قيل: روايات معتبرة. منها الموثق في التهذيب (3) والصحيح في قرب
الإسناد (4): في رجل اشترى دارا برقيق ومتاع وبز وجوهر، قال: ليس لأحد
فيها شفعة. ومنها الحسن: الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من
غيره بالثمن (5). ومنها الصحيح: عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار له
وله في تلك الدار شركاء، قال: جائز له ولها، ولا شفعة لأحد من الشركاء
عليها (6). وجعل هذه الرواية من روايات المسألة، يتوجه إليها المناقشة
بظهور احتمال استناد المنع فيها عن الشفعة إلى كثرة الشركاء أو انتقال
المشفوع بما عدا البيع، لاشتراط الانتقال به في ثبوتها، كما مضى. وكذلك
جعل الثانية من رواياتها وإن اتفق للفاضل في المختلف بخيال أن الأحقية
بالثمن إنما يتحقق في المثلي، لأن الحقيقة غير مرادة إجماعا. فيحمل على
أقرب المجازات إلى الحقيقة، وهو المثل (7).
واعترضه في المسالك بأن أقرب المجازات إلى الحقيقة بحسب الحقيقة،
فإن كان مثليا فالأقرب إليه مثله، وإن كان قيميا فالأقرب إليه قيمته (8).
وفيه نظر، بل الأجود في منعه ما ذكره المقدس الأردبيلي (رحمه الله) من أنها
محمولة على الغالب من أن القيمة ثمن أو المثلي في الدور (9) أو غير ذلك
مما ذكره. وإن كان في بعضه نظر.
ووجه اشتراط الثمن في استحقاق الشفعة على ما ذكره من المحامل

(1) المختلف 5: 338.
(2) المختلف 5: 338.
(3) التهذيب 7: 167، الحديث 17.
(4) قرب الإسناد: ص 77.
(5) الوسائل 17: 316 - 325، الباب 2، 11 من أبواب الشفعة، الحديث 1، 2.
(6) الوسائل 17: 316 - 325، الباب 2، 11 من أبواب الشفعة، الحديث 1، 2.
(7) المختلف 5: 338.
(8) المسالك 12: 310.
(9) مجمع الفائدة 9: 31.
322

التي مرجعها إلى اشتراط جنس الثمن ولو كان قيميا الإشارة إلى استحقاقها
ليس مجانا، بل بإعطاء الثمن، وهذا يجتمع ما لو كان مثليا أو قيميا.
وبالجملة فالاستدلال بهذين الخبرين في البين غير متوجه، ولعله لذا لم
يستند إليهما من فضلاء الطرفين المشهورين أحد غير من مر.
بقي الكلام في الخبر الأول الذي استند إليه أرباب هذا القول، وفيها
- بعد الإغماض عن عدم مكافأتها لما مضى من حيث اشتهاره بين
الأصحاب بل والإجماع عليه في الجملة دونه - قصور من حيث الدلالة،
بناء على احتمال استناد المنع فيها عن الشفعة على أسباب مانعة عنها،
تقدمت إلى ذكرها الإشارة، إذ ليس فيها التصريح بأن المانع من جهة القيمة
وأنها قيمي لا مثلي.
وما يقال: من أن المتبادر من سياقها ذلك، لأن الظاهر أن السؤال فيها
إنما أريد به من حيث الشراء بذلك الثمن، وأنه هل تجوز الشفعة إذا كان
الشراء بهذا الثمن أم لا؟ ولو كان المراد من السؤال معنى آخر من كون الدار
لا شريك فيها وأن المراد نفي الشفعة بالجوار لما كان لذكر القيمة وجه بالكلية،
ولكان حق السؤال التصريح بذلك، وأن يؤتى بعبارة تؤدي هذا المعنى (1).
فمدفوع بأنه - وإن ذكر الثمن وبسببه يستظهر من السؤال والجواب ما
يتوهم كذا - ذكر أن المبيع الدار والمتبادر منه المجموع، وهو مما لا يتأتى
فيه بعد الشراء شركة توجب الشفعة، فلا تثبت فيها إلا من حيث الجوار،
فنفي الشفعة في الرواية يحتمل أن يكون مستندا إلى هذا. ولو أريد من الدار
بعضها تعين ما استظهر من السياق، إلا أن إطلاقها على البعض مجاز لا يصار
إليه إلا بالقرينة هي في الرواية مفقودة.

(1) الحدائق الناضرة 20: 317 - 318.
323

فإذا هي مجملة لا ريب في ضعف الاستناد إليها، ولا شبهة.
ومنه يظهر ضعف هذا القول وإن ادعي عليه في الخلاف إجماع الفرقة (1)
لوهنه بعدم ظهور قائل به، سوى بعض من تبعه، مع مصير معظم الأصحاب
على خلافه، ومنهم هو في قوله الثاني. وعلى تقدير سلامته عنه لا يمكن
المصير إليه، لضعفه عن المقاومة للعمومات المعتضدة بالشهرة.
ومنها يظهر ضعف استناد المختلف (2) لما صار إليه بالأصل المقرر في
الشفعة، لاندفاعه بتلك الأدلة المعتضدة - زيادة على الشهرة - بوجه الحكمة
المشتركة التي استند إليها هو وغيره من الجماعة في مواضع عديدة على
سبيل الحجة أو التقوية.
وهنا قول ثالث حكى في المختلف (3) والدروس (4) عن الإسكافي،
وهو أنه يكلف الشفيع رد العين التي وقع عليها العقد إن شاء، وإلا فلا
شفعة له.
وعلى المختار فهل المعتبر القيمة وقت العقد لأنه وقت استحقاق الثمن
والعين متعذرة فوجب الانتقال إلى القيمة، أو وقت الأخذ لوجوبه حينئذ
على الشفيع، أو الأعلى منهما؟ أقوال، أحوطها الأخير، وأشهرها في الظاهر
المصرح به في كلام جمع الأول.
(و) اعلم أن (للشفيع المطالبة) بالشفعة (في الحال) أي حال العلم
بالشراء بلا خلاف.
(ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته) وفاقا للشيخ في كتبه الثلاث (5)

(1) الخلاف 3: 432، المسألة 7.
(2) المختلف 5: 338.
(3) المختلف 5: 337.
(4) الدروس 3: 367.
(5) الخلاف 3: 430، المسألة 4، المبسوط 3: 108.
324

والقاضي (1) وابن حمزة (2) والطبرسي (3) وجماعة ومنهم الفاضل (4) في كتبه
والشهيدان (5) وعامة المتأخرين، وادعى عليه الشهرة المطلقة جماعة منهم
الفاضل في التذكرة (6) وآخرون الشهرة المتأخرة كالمسالك (7) وجمع ممن
تبعه، وعن الشيخ دعوى الإجماع عليه (8). وهو الحجة عندهم; مضافا إلى
ما قالوه من الأصل المتقدم غير مرة أنها حق مبني على التضييق، بقرينة
ثبوتها في بعض دون بعض، وبعقد دون عقد، فلا يناسب التوسعة، ولأدائه
إلى ضرر المشتري، إذ قد لا يرغب في عمارة ملكه لتزلزله، وللحسنة
المتقدمة في جواز إنظار الشفيع بالثمن في الأيام الثلاثة، لحكمه (عليه السلام) فيها
ببطلان الشفعة بعد الثلاثة التي أخرها للعذر، فلو كان حق الشفعة على
التوسعة لم تبطل شفعته بالتأخير مطلقا، لعدم القائل بالفرق. فالقول به
إحداث قول ثالث، وهو باطل بإجماعنا، وللخبرين، في أحدهما: الشفعة
لمن واثبها (9) وفي الثاني: الشفعة كحل العقال (10).
وفي الجميع نظر، لمعارضة الإجماع بمثله، وسيأتي. واعتضاده بالشهرة
غير نافع، بعد ظهور انعقادها بعد الحكاية، ومرجوحيته بالموافقة للعامة، كما
سيأتي إليه الإشارة، وضعف الأصل بما مر في المسألة السابقة.
ودعوى أنها حق مبني على التضييق غير مسموعة إن أريد بها العموم

(1) النهاية 2: 231.
(2) المهذب 1: 458.
(3) الوسيلة: 258.
(4) المختلف 5: 341، القواعد 1: 213 س 13، الإرشاد 1: 385.
(5) اللمعة والروضة 4: 406.
(6) التذكرة 1: 604 س 10.
(7) المسالك 12: 359.
(8) الخلاف 3: 430، المسألة 4.
(9) تلخيص الحبير 3: 56، الحديث 1278.
(10) سنن ابن ماجة 2: 835، الحديث 2500.
325

حتى في المسألة، لكونها مصادرة غير واضحة الحجة عدا القرينة، ودلالتها
على العموم غير ظاهرة، بل فاسدة. وإن أريد بها ثبوت الضيق في الجملة
أو فيما عدا المسألة فغير نافعة. والضرر الناشئ من التراخي مجبور بضمان
الشفيع الأرش على تقدير القلع، كما ذكروه.
هذا إن أريد من الضرر ما ينشأ من نقص ما حصل وعمر، وإن أريد به
مجرد عدم الرغبة في التعمير فيمنع عن كون مثله يعد ضررا.
وعلى تقديره يجبر بما ذكره علم الهدى من عرض المبيع على الشفيع
وبذل تسليمه إليه، فإما أن يتسلم أو يترك الشفعة، فيزول الضرر عن
المشتري، فإن لم يفعل ذلك كان التفريط من قبله (1).
وعلى تقدير عدم إمكان دفع هذا الضرر فالدليل من المدعى أخص،
والجبر بالإجماع المركب ينفع حيث لا يمكن العكس، وهو ممكن في محل
البحث. فتدبر.
هذا، مع أن هذا الدليل جار في صورة التأخير لعذر، وقد أطبقوا على
ثبوت الشفعة فيها مطلقا. والحسنة لا دلالة فيها على الفورية التي ذكروها،
وأحالوا معرفتها إلى العرف والعادة. ولا ريب أن التأخير ثلاثة أيام بل وما
دونها من دون عذر - كما هو مورد الرواية - تنافي الفورية العرفية، ولذا
استدل به المقدس الأردبيلي (رحمه الله) على القول الآتي.
وأجاب عن الاستدلال بها لهذا القول بما يرجع حاصله إلى أن الحكم
ببطلان الشفعة بعد الثلاثة لعله للعلم بعدم إرادة الشفيع المطالبة بالشفعة عرفا
وعادة (2).
أقول ويحتمل كونه من جهة ظهور عدم قدرته على أداء الثمن المشترطة

(1) الانتصار: 457.
(2) مجمع الفائدة 9: 22.
326

في استحقاق الشفعة بالاتفاق، كما مر إليه الإشارة، ولذا عملوا بمضمونها
من دون خلاف فيها يذكرونه ثمة.
وبالجملة هذه الرواية لو لم نقل بظهورها في ضد ما ذكره الجماعة فلا
ريب أنها على ما ذكروه غير دالة.
وأما الخبران الأخيران فهما عاميان على الظاهر، إذ لم نجدهما في كتب
أخبارنا المشهورة، ولا نقلهما ناقل من طرقنا في الكتب الاستدلالية، بل
صرح جماعة بأنهما من طرق العامة، فليس فيهما حجة وإن انجبرا بالشهرة
المتأخرة، بل والمطلقة على تقدير تسليمها، لأنها معارضة بالموافقة للعامة،
كما صرح به في الانتصار (1).
(وفيه) أي في المقام (قول آخر): أنها على التراخي لا تسقط إلا
بالإسقاط ذهب إليه المرتضى (2) والإسكافي (3) ووالد الصدوق (4)
والحلبي (5) والحلي (6) مدعيا أنه الأظهر بين الطائفة، حاكيا الأول عن
بعض الأصحاب، مشعرا باشتهار ما اختاره بين الأصحاب، وزاد المرتضى
فادعى الإجماع عليه. وهو الحجة لهذا القول; مضافا إلى العمومات السليمة
- كما عرفت - عما يصلح للمعارضة، مع استصحاب الحالة السابقة.
وهذه الأدلة في غاية من المتانة، والأجوبة عنها فاسدة، عدا ما أجيب به
الإجماع، فإنه حق، لمعارضته بالمثل، إلا أن في الباقي كفاية لولا الشهرة
العظيمة المتأخرة، التي كادت تكون بالإجماع ملحقة.
فالمسألة محل إشكال، فلا ينبغي ترك الإحتياط فيها على حال.
وعلى اعتبار الفورية يلزم المبادرة إلى المطالبة عند العلم على وجه

(1) الانتصار: 457.
(2) الانتصار: 457.
(3) المختلف 5: 341.
(4) المختلف 5: 341.
(5) الكافي في الفقه: 361.
(6) السرائر 2: 388.
327

العادة، والمرجع فيه إلى العرف، لا المبادرة بكل وجه ممكن، فيكفي مشيه
إلى المشتري على الوجه المعتاد، وإن قدر على الزيادة، وانتظار الصبح
لو علم ليلا، والصلاة عند حضور وقتها ومقدماتها ومتعلقاتها الواجبة
والمندوبة، التي يعتادها على الوجه المعتاد، وانتظار الجماعة والرفقة مع
الحاجة، وزوال الحر والبرد المفرطين، ولبس الثوب، وأمثال ذلك، ولا خلاف
في شئ من ذلك أجده، ولعله لعدم حجة ظاهرة على الفورية الحقيقية، بل
غايتها الفورية العرفية، ولا ينافيها شئ مما تقدم إليه الإشارة. فتأمل.
(ولو كان) التأخير (لعذر) عن المباشرة والتوكيل (لم تبطل) الشفعة
بلا خلاف ولا إشكال، إلا فيما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها من عبائر
الجماعة، من عدم البطلان مطلقا، وإن أوجب التأخير على المشتري ضررا
فإنه مناف لما ذكروه سابقا في تأخير الثمن ثلاثة أيام، بعد دعوى غيبته من
تقييد الحكم ثمة ببقاء الشفعة بعد التأخير إلى المدة، بما إذا لم يوجب ضررا
على المشتري، فإن دليل التقييد الذي عرفته جار في المسألة.
اللهم إلا أن يكون التقييد مرادا هنا أيضا، وإنما تركوه حوالة على
ما مضى.
وكيف كان فمراعاة التقييد مطلقا أحوط وأولى.
وقد عد الأصحاب - من غير خلاف يعرف - من جملة الأعذار ما أشار
إليه بقوله: (وكذا) لا تبطل الشفعة (لو) كان التأخير بسبب (توهم زيادة
ثمن) فبان قليلا (أو) كونه (جنسا من الثمن) كذهب مثلا (فبان غيره)
أي فضة ونحوها أو بالعكس، أو أنه اشترى النصف فبان الربع وبالعكس،
أو أن المشتري واحد فبان أكثر، أو بالعكس، أو نحو ذلك، لاختلاف
الأغراض في مثل ذلك.
328

ويعذر جاهل الفورية كجاهل الشفعة وناسيهما، وتقبل دعوى الجهل
ممن يمكن في حقه عادة، وإنما يؤمر بالمطالبة بها فورا حيث يكون البيع
عنده ثابتا بالشياع أو البينة، دون نحو خبر الفاسق والمجهول والصبي
والمرأة مطلقا.
وفي شهادة العدل الواحد مطلقا وجه قوي، وفاقا للروضة (1). وعن
الدروس (2) الاكتفاء به مع القرينة. وحجته غير واضحة إن عمم القرينة
للظنية، ومنع الاكتفاء بالخبر الغير المحفوف بها بالكلية، فإنها إن كانت عموم
ما دل على حجية خبره فليس فيه التقييد بالقرينة، وإن كانت حصول المظنة
بصدق الخبر بمعونتها زيادة على ما يحصل من مجرد خبره وأن المعتبر قوة
المظنة فلا دليل على اعتبارها، بعد أن قطع النظر عن عموم ما دل على
حجية خبر العدل مطلقا. وكذا لو نظر إليه، لما مضى من عدم تقييده بالقرينة،
وأن مفاده الحجية من حيث هو هو. ولو صدق المخبر كان كثبوته في حقه
على الظاهر. وكذا لو علم صدقه بأمر خارج.
(و) اعلم أنه (يأخذ الشفيع) الشقص المبيع (من المشتري) لأنه
مستحق الأخذ بالبيع وبعده انتقل الملك إلى المشتري فلا تسلط له على
أخذه من البائع.
ولا خلاف فيه (و) في أن (دركه) أي درك الشقص لو ظهر مستحقا
(عليه) أي على المشتري فيرجع عليه بالثمن وبما اغترمه لو أخذه منه
المالك، بل ادعى على الأمرين الإجماع في السرائر (3).
ولا فرق في ذلك بين كونه في يد المشتري أو يد البائع، بأن لم يكن

(1) الروضة 4: 406.
(2) الدروس 3: 365.
(3) السرائر 2: 390.
329

أقبضه، لكن هنا لا يكلف المشتري قبضه منه، بل يكلف الشفيع الأخذ منه
أو الترك، لأن الشقص هو حق الشفيع، فحيثما وجده أخذه، ويكون قبضه
كقبض المشتري، والدرك عليه على التقديرين.
(ولو انهدم المسكن أو عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بتمام الثمن
أو ترك) ولا شئ على المشتري مطلقا، كان النقص والعيب قبل المطالبة
بالشفعة، أم بعدها، بأمر سماوي كانا، أم بفعل آدمي على الأشهر الأقوى.
وفاقا للمبسوط (1) والحلبي (2) للأصل المؤيد بإطلاق ما دل على لزوم
الأخذ بالشفعة بالثمن، والمرسل المنجبر بعمل الأكثر: في رجل اشترى من
رجل دارا مشاعا غير مقسوم وكان شريكه الذي له النصف الآخر غائبا فلما
قبضها وتحول عنها انهدمت الدار وجاء سيل خارق فهدمها وذهب بها فجاء
شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كملا
الذي نقد في ثمنها فقال: ضع عني قيمة البناء فإن البناء قد انهدم وذهب به
السيل ما الذي يجب في ذلك؟ فوقع (عليه السلام): ليس له إلا الشراء والبيع الأول (3).
خلافا للخلاف على ما حكي عنه في المختلف، ففصل بين صورتي
كون الهدم بأمر سماوي فالأول لظاهر الخبر المتقدم، أو بفعل آدمي فالأخذ
بحصته من الثمن (4) وإطلاقه يشمل المشتري وغيره، بل لعله ظاهر فيه.
ووجهه غير واضح، عدا ما يوجه به ضمان المشتري في قول الآتي في
نقص المبيع بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع، من تعلق حق الشفيع به بالبيع
فيضمنه المشتري وإن كان ملكه.

(1) المبسوط 3: 116.
(2) الكافي في الفقه: 362.
(3) الوسائل 17: 323، الباب 9 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
(4) المختلف 5: 355.
330

وفيه نظر، فإنه إن أريد بالحق المتعلق بالشقص حق المطالبة به فمسلم،
ولكنه بمجرده لا يوجب ضمانا على المشتري، فإثباته يتوقف على دليل.
وإن أريد به الملكية فممنوع، سيما إذا ادعي ثبوتها قبل المطالبة.
وعلى تقديره فالضمان محل تأمل، سيما إذا لم يقبضه المشتري،
إذ لا موجب لضمانه حينئذ ولو فرض كونه ملك الشفيع.
هذا، مع أن هذا التوجيه على تقدير تماميته يشمل صورة التلف بأمر
سماوي أيضا، ولا يقول به، إلا أن يقال باستثنائها بالخبر الذي مضى.
(وإن كان) الهدم (بفعل المشتري) بعد مطالبة الشفيع بالشفعة
فالمشهور ضمان المشتري، بمعنى (أخذ) الشفيع الباقي بعد التلف (بحصته
من الثمن) وسقوط ما قابل التالف منه.
قيل: لأن الشفيع استحق بالمطالبة أخذ المبيع كاملا وتعلق حقه به فإذا
انتقض بفعل المشتري ضمنه له (1). وهو مبني على تملك الشفيع الشقص
بالمطالبة دون الأخذ.
ووجهه غير واضح، والأصل يقتضي المصير إلى التملك بالأخذ، كما عن
الشيخ، وعليه بنى اختياره في المبسوط (2) هنا عدم الضمان على المشتري
أيضا كالسابق. وهو في غاية من القوة، سيما بعد اعتضاده بإطلاق ما دل
على استحقاق الشفعة بتمام الثمن.
ولو كان الهدم بفعله قبل المطالبة بها فالأشهر الأظهر عدم الضمان على
المشتري، بل يتخير الشفيع بين الأخذ بكل الثمن وبين الترك، لما مر،
وأن المشتري تصرف في ملكه تصرفا سائغا فلا يكون مضمونا عليه، سيما
إذا كان التالف لا يقابل به شئ من الثمن فلا يستحق الشفيع في مقابلته

(1) المسالك 12: 326.
(2) المبسوط 3: 116.
331

شيئا، كما لو تعيب في يد البائع فإن المشتري يتخير بين الفسخ وبين الأخذ
بجميع الثمن.
وحكي في المسالك (1) والكفاية (2) قول بالضمان، وهو الظاهر من
إطلاق العبارة. ولا ريب في ضعفه، لضعف ما مر من توجيهه.
ثم إن الحكم بعدم الضمان على المشتري حيث توجه إنما هو إذا لم
يتلف من الشقص شئ يقابل بشئ من الثمن، وإلا قيل: ضمن بحصته من
الثمن على الأشهر قيل: لأن إيجاب دفع الثمن في مقابلة بعض المبيع ظلم (3).
وفيه نظر، ولذا أطلق الحكم في العبارة هنا وفي المبسوط (4) وغيرهما،
ومع ذلك يدفعه إطلاق ما مر من الخبر. فتأمل.
(ولو اشترى) الشقص (بثمن مؤجل قيل) كما عن الخلاف (5)
والمبسوط (6) والإسكافي (7) والطبرسي (8) (هو) أي الشفيع (بالخيار بين
الأخذ) بالثمن (عاجلا، و) بين (التأخير) إلى الحلول (وأخذه بالثمن في
محله) أي وقت حلوله، لأن الذمم غير متساوية، فيجب إما تعجيل الثمن، أو
الصبر إلى الحلول، ودفعه عند الأخذ.
وأجيب بأن ذلك لا يوجب التخيير، لإمكان التخلص بالكفيل إما مطلقا
كما يظهر من المختلف (9) أو مع عدم الملاءة كما عن الشيخ (10) وغيره،
وبأنه يستلزم أحد محذورين، إما إسقاط الشفعة على تقدير ثبوتها، أو إلزام
الشفيع بزيادة لا موجب لها، وكلاهما باطل (11).

(1) المسالك 12: 326.
(2) كفاية الأحكام 3: 106 س 21.
(3) المسالك 12: 326.
(4) المبسوط 3: 112.
(5) الخلاف 3: 433، المسألة 9.
(6) المبسوط 3: 112.
(7) المختلف 5: 345.
(8) المختلف 5: 345.
(9) المختلف 5: 345.
(10) المبسوط 2: 116.
(11) كذا في النسخ، والصحيح: باطلان.
332

ووجه الملازمة أن تجويز التأخير ينافي الفورية المستلزمة لبطلانها
وتعجيل الأخذ بالحال يوجب زيادة صفة في الثمن، وهي كونه معجلا من
غير سبب.
وذهب المفيد (1) (و) الشيخ (2) (في النهاية) والقاضي (3) والحلي (4)
إلى أنه لا يتخير، بل (يأخذ الشقص) عاجلا (ويكون الثمن مؤجلا ويلزم
كفيلا إن لم يكن مليا، وهو أشبه) وأشهر، بل عليه عامة من تأخر، إما لما مر
من منافاة التخيير للفورية، أو لا له.
لضعفه أولا: بما مر من عدم وضوح دليل على اعتبارها.
وثانيا: على تقدير تسليمه يمكن كون الإخلال بها هنا لعذر، وهو
مراعاة مال المشتري وثمنه عن الذهاب، وهو لا يوجب سقوطها، كما مر
عن الأصحاب، ولعله لذا أن الشيخ (5) مع اعتباره للفورية لم يجعل الإخلال
بها هنا موجبا لسقوطها.
ولكن دفع هذا العذر بإمكان مراعاة الفورية ومال المشتري عن الذهاب
بأخذ الكفيل - كما قال به الأصحاب - ممكن. فتأمل.
بل لأن التأجيل له قسط من الثمن فيلزم زيادة الثمن المأخوذ به في
الحال على الأصل.
وفيه أيضا نظر، فإن هذا لم يدل إلا على عدم وجوب تعجيل الثمن على
الشفيع، وهو لا يستلزم وجوب الأخذ بالشفعة حالا إلا على تقدير اعتبار
الفورية، والمفروض عدمه.

(1) المقنعة: 620.
(2) النهاية 2: 231.
(3) المهذب 1: 459.
(4) السرائر 2: 388.
(5) المبسوط 3: 108 - 112.
333

فالمتجه على هذا التخيير بين الأمرين اللذين ذكرهما في الخلاف (1)
والمبسوط (2) وبين ما ذكره الأصحاب، فهو في غاية من القوة إن لم يكن
إحداث قول ثالث في المسألة.
(ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذه) لأن دفعه مسبب
عن المشتري، وهو لو دفعه إليه قبله لم يلزمه الأخذ قطعا، فبأن لا يلزمه
الأخذ من الشفيع بطريق أولى.
ولو دفعه الشفيع إلى المشتري قبل الحلول لزمه الأخذ على قول
المبسوط (3) والخلاف (4). ويشكل على قول الأصحاب. ولا يبعد اللزوم
عليه أيضا، إلتفاتا إلى أن الحكم بالتأجيل في حق الشفيع إنما هو مراعاة
لحقه، واستخلاص له عن لزوم التعجيل به، فإذا أسقط حقه ويتبرع بالتعجيل
فلا موجب للمشتري عن عدم قبوله، مع دلالة الإطلاقات على لزومه.
(ولو ترك الشفيع) المطالبة بالشفعة (قبل البيع) فقال للمشتري: اشتر
نصيب شريكي فقد نزلت عن الشفعة وتركتها (لم تبطل) وكذا لو عرض
البائع الشقص على الشفيع بثمن معلوم فلم يؤده فباعه من غيره بذلك الثمن
أو زائدا، وفاقا لظاهر المرتضى (5) وصريح الإسكافي (6) والحلي (7)
والفاضل في المختلف (8) والقواعد (9) والمقداد في التنقيح (10) والشهيد
الثاني (11) وكثير ممن تبعه، والظاهر أن عليه أكثر المتأخرين، وحكاه
في الدروس عن المبسوط (12).

(1) الخلاف 3: 433، المسألة 9.
(2) المبسوط 3: 108 - 112.
(3) المبسوط 3: 108 - 112.
(4) الخلاف 3: 433، المسألة 9.
(5) الانتصار: 454.
(6) المختلف 5: 350.
(7) السرائر 2: 393.
(8) المختلف 5: 350.
(9) القواعد 1: 216 س 7.
(10) التنقيح 4: 93.
(11) المسالك 12: 361.
(12) الدروس 3: 269.
334

وظاهر الأول دعوى الإجماع عليه، حيث قال: ومما انفردت به الإمامية
أن حق الشفيع لا يسقط إلا أن يصرح الشفيع بإسقاط حقه. ثم أخذ في نقل
مذاهب العامة، وذكر منها قول الشعبي: بأن من بيعت شفعته وهو شاهد ولم
ينكر فلا شفعة له. ثم قال بعد هذا بلا فصل: والذي يدل على صحة مذهبنا
الإجماع المتكرر.
وهو كما ترى ظاهر في شمول عموم عبارته لمثل ما نحن فيه. فهو
الحجة; مضافا إلى ما ذكره جماعة من عموم ما دل على ثبوتها، مع سلامتها
عما يصلح للمعارضة، وضعف ما سيأتي على خلافه من الأدلة. وآخرون
بأن ذلك ترك قبل الاستحقاق، فلا يلزم، كما لو أسقطت المرأة المهر قبل
التزويج، ونحو ذلك.
خلافا للنهاية (1) والمفيد (2) وابن حمزة (3) لقوله (صلى الله عليه وآله): لا يحل للشريك
أن يبيع حتى يستأذن شريكه فإن باع ولم يأذنه فهو أحق (4) لتعليق
الاستحقاق فيه على عدم الاستئذان فلا يثبت معه، ولأن الشفعة شرعت
لإزالة الضرر عن الشريك، فإذا لم يرده دل على عدم الضرر، وليس ذلك من
باب الإسقاط حتى يتوقف على الاستحقاق.
وفي الجميع نظر، لعدم وضوح سند الخبر، وعدم جابر له، بل الجابر
بالعكس، مع معارضته بما مر من الإجماع المنقول، الذي منه أجود، ومنع
دلالة عدم الرد على عدم الضرر فإنه أعم منه، مع احتمال جعله وسيلة
على الأخذ بالشفعة.
وعلى تقدير تسليمه فهو إنما يتم على تقدير قيام دليل على كون الضرر

(1) النهاية 2: 230 - 231.
(2) المقنعة: 619.
(3) الوسيلة: 258.
(4) سنن البيهقي 6: 104.
335

هو السبب الباعث لثبوت الشفعة، ولا حجة عليه مستقيمة تطمئن إليها
النفس، كما مر إليه الإشارة، فهذه الحجج ضعيفة.
وغاية ما يمكن أن يحتج لهم شيئان:
أحدهما: ما ذكره المولى الأردبيلي من أن الترك وعد فتشمله الأدلة
الدالة على وجوب الوفاء به، وليس هنا إبراء أو إسقاط، بل قول ووعد وشرط،
ومخالفته قبيحة عقلا وشرعا، وأنه غرر وإغراء، وليس من صفات المؤمن.
وثانيهما: ما يختلج بالبال من الأصل، وعدم عموم من الأخبار يدل
على ثبوت الشفعة في جميع الأحوال، وإنما العموم الموجود فيها إنما هو
بالنسبة إلى كل مبيع لا إليها في جميع الأحوال، وغايته بالنسبة إليها أن
يكون مطلقا، ورجوعه إلى العموم مشروط بتساوي أفراده في الانسباق إلى
الذهن وعدمه، إذ مع رجحان بعضها بتبادر ونحوه ينصرف إليه دون
المرجوح. وما نحن فيه من هذا القبيل، لعدم تبادر ما أسقط فيه الشفعة من
إطلاق ما دل على ثبوتها بلا شبهة; مضافا إلى التأيد بما ورد في صحة
الوصية بما زاد على الثلث بإجازة الورثة لها قبل الموت من المعتبرة، وعليه
معظم الطائفة، وادعى بعضهم عليه إجماع الإمامية.
ولا يخلو الجميع عن المناقشة.
فالأول: بأنه بعد تسليم كونه من باب الوعد لم يحضرني الآن دليل يدل
على وجوب الوفاء به على الإطلاق، بحيث يشمل نحو مورد النزاع مع عدم
وجوبه في كثير من قبيله بالإجماع، وقد تقدم بعضه من إسقاط المرأة حقها
قبل الثبوت ونحو ذلك، والفرق بينه وبين ما نحن فيه لو ادعى غير واضح.
والثاني: بأن العموم في المبيع يستلزم العموم في الأحوال، وإلا لما بقي
عموم على حال، لاختلاف أحوال أفراد العموم بلا إشكال. فتأمل.
336

والثالث: نافع حيث يوجد دليل، وقد عرفت ما فيه.
واعلم أن مقتضى الأدلة من الطرفين عدم الفرق بين الموضعين
المتقدمين وغيرهما من المواضع التي اختلف في سقوط الشفعة فيها، مما
أشار إليه الماتن بقوله: (أما لو شهد على البيع) ولم يرد (أو بارك
للمشتري أو البائع) فقال: بارك الله تعالى لكما في البيع أو مبارك لكما أو
نحو ذلك (أو أذن) لهما أو لأحدهما (في البيع) فقال تبايعا (ففيه
التردد) الناشئ مما مر (و) عدم (السقوط) في الجميع، كما عرفت
(أشبه).
ولم أفهم وجها لفرق الماتن بين هذه المواضع، ولم أر من قال به، بل
أطلق أرباب القولين الحكم فيها، عدا الفاضل في الإرشاد (1) ففرق كالماتن،
ولكن حكم بالبطلان في الموضع الأول عكسه، وتنظر فيه في باقي
المواضع. ووجهه أيضا غير واضح وإن كان أنسب من فرق الماتن، لأنه في
غاية البعد، فإن عدم البطلان بالإسقاط قبل البيع يستلزم عدمه فيما عداه
بطريق أولى، إذ ليس بأبلغ في الدلالة على الإبطال من الإسقاط قبل البيع،
بل هو أبلغ فكيف يفرق بينهما بالعدم في الأول والسقوط في الباقي؟ بل
العكس أولى، وقد نبه على الأولوية في المسالك (2) شيخنا.
(ومن اللواحق مسألتان):
(الأولى: قال الشيخ) في النهاية (3) وموضع من الخلاف (4)
والقاضي (5) والطبرسي (6): إن (الشفعة لا تورث) بل تبطل بموت الشفيع،

(1) الإرشاد 1: 387.
(2) المسالك 12: 362.
(3) النهاية 2: 233.
(4) الخلاف 3: 436، المسألة 12.
(5) المهذب 1: 459.
(6) المختلف 5: 348.
337

ونسبه في المبسوط (1) إلى أكثر الأصحاب، للخبر: لا تورث الشفعة (2) وأن
ملك الوارث يتجدد على الشراء لا به فلا يستحق به شفعة. ويضعف الأول:
بضعف الراوي، مع جهالة الراوي عنه أيضا، ولا جابر له أصلا، عدا الأكثرية
المحكية في المبسوط، وهي موهونة باشتهار الخلاف، بل ودعوى الإجماع
عليه، كما يأتي، مع أنه موافق لرأي أبي حنيفة، كما نسبه إليه في خلاف
شيخ الطائفة (3).
(وقال) شيخنا (المفيد (4) وعلم الهدى (5) والشيخ) في موضع آخر
من الخلاف (6) والحلي (7) والشهيدان (8) والصيمري (9): إنها (تورث)
وتبعهم جملة من المتأخرين، بل لعله عليه عامتهم، إذ لم أقف على مخالف
منهم، وصرح بالشهرة المطلقة في المسالك (10) والكفاية (11) وظاهر الثاني
في الانتصار (12) أن عليه إجماع الإمامية، حيث قال في توجيه الخبر الوارد:
بأنه إذا سمع بحقوقهم من الشفعة إلى آخر الرواية، فيمكن أن يكون تأويله
أن الوارث لحق الشفعة إذا كانوا جماعة فإن الشفعة عندنا تورث متى سمح
بعضهم بحقه كانت المطالبة لمن لم يسمح إلى آخر ما ذكره.
وهو الحجة مضافا إلى الرواية المروية في المسالك وغيره المنجبرة
بالشهرة: ما ترك الميت من حق فلوارثه (13).

(1) المبسوط 3: 113.
(2) الوسائل 17: 325، الباب 12 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
(3) الخلاف 3: 436، المسألة 12.
(4) المقنعة: 619.
(5) الانتصار: 451.
(6) الخلاف 3: 27، المسألة 36.
(7) السرائر 2: 392.
(8) الروضة 4: 412.
(9) غاية المراد: 172 س 21 (مخطوط).
(10) المسالك 12: 341 - 342.
(11) كفاية الأحكام: 106 س 28.
(12) الانتصار: 451.
(13) المسالك 12: 341.
338

هذا، مع التأيد بعمومات أدلة الإرث، قال سبحانه: «ولكم نصف ما ترك
أزواجكم» (1) (و) لذا كان هذا (هو الأشبه). وعليه فالمشهور - بل كاد
أن يكون إجماعا - إنها تقسم على سهام الورثة. وحجتهم عليه غير واضحة
عدا ما استدلوا به لإثبات أصل المسألة من عمومات أدلة الإرث، وهو
حسن إن بلغ درجة الحجية كما ظنوه، وإلا - كما ذكره بعض الأجلة ولعله لا
يخلو عن قوة - ففيه مناقشة، والأصل يقتضي التسوية لكن المخالف لهم غير
معروف وإن ذكروه قولا والظاهر أنه من العامة كما يستفاد من جماعة.
(ولو عفى أحد الورثة عن نصيبه أخذ الباقون ولم تسقط) لأن الحق
حق الجميع، فلا يسقط حق واحد بترك غيره، فلو عفوا إلا واحدا أخذ
الجميع أو ترك، حذرا من تبعض الصفقة على المشتري، وهو ضرر منفي في
الشريعة اتفاقا، فتوى ورواية. ولا يقدح هنا تكثر المستحق وإن كانوا
شركاء، لاتحاد أصل الشريك، والاعتبار بالوحدة عند البيع لا الأخذ.
(الثانية: لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن) الذي وقع عليه العقد
فادعى الأول أنه مائة مثلا والثاني أنه خمسون (فالقول قول المشتري مع
يمينه) في المشهور بين الأصحاب، بل لا يكاد يوجد فيه خلاف إلا من
ظاهر شيخنا (2) الشهيد الثاني، تبعا لما حكاه هو والشهيد (3) الأول في
الدروس عن الإسكافي من العكس، بناء منه على ضعف حججهم على
ما ذكروه.
ومنها التي أشار إليها الماتن هنا بقوله: (لأنه ينتزع الشئ من يده)
فلا يرفع يده عنه إلا بما يدعيه ومنها أنه أعلم بعقده.

(1) النساء: 12.
(2) المسالك 12: 373.
(3) كفاية الأحكام: 107 س 3.
339

ومنها أن المشتري لا دعوى له على الشفيع، إذ لا يدعي شيئا في ذمته
ولا تحت يده، وإنما الشفيع يدعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي
يعترف به والمشتري ينكره، ولا يلزم من قوله: اشتريته بالأكثر أن يكون
مدعيا عليه وإن كان خلاف الأصل، لأنه لا يدعي استحقاقه إياه عليه،
ولا يطلب تغريمه إياه، ولأن الذي لو ترك الخصومة ترك هو الشفيع، إذ
لا يطلبه المشتري للأخذ بالشفعة بما يدعيه. وقد بين وجوه الضعف في
المسالك (1) والروضة (2) - وتبعه في الكفاية لكن في الجملة - وفصل.
فقال بعد نقل القولين: وحجة المسألة من الجانبين لا يخلو عن ضعف.
ولا يبعد أن يقال: إذا سلم المشتري المبيع بمطالبة الشفيع ثم اختلفا في قدر
الثمن فالقول قول الشفيع، لأنه منكر للزيادة، فيكون داخلا في عموم اليمين
على من أنكر، وإن لم يسلم المشتري المبيع وقلنا بوجوب تسليم الثمن أولا
فيرجع الأمر إلى كون الشفيع مدعيا والمشتري منكرا، فيكون القول قول
المدعي (3) انتهى.
وربما ناقش المشهور أيضا الفاضل المقداد في التنقيح، فقال بعد
الاستدلال لهم: بأن الشفيع يدعي استحقاق الحصة بثمن معين والمشتري
ينكره ويده عليها فيكون القول قوله مع اليمين، ولقائل أن يقول: بل القول
قول الشفيع، لأنه منكر لزيادة يدعيها المشتري واليمين على من أنكر،
ويؤيده قول الشيخ في الخلاف أنهما إذا أقاما بينة يعمل ببينة المشتري،
وإذا كان كذلك ينبغي أن يكون القول قول الشفيع عند عدم البينة. لكنه قال
بعد ذلك: ويمكن أن يجاب بأن الشفيع إما أن يدعي العلم أو لا، فإن كان

(1) المسالك 12: 373.
(2) الروضة 4: 414.
(3) كفاية الأحكام: 107 س 3.
340

الثاني لم يصح حلفه لما تقدم أنه لا يمين إلا مع العلم، وإن كان الأول
فكذلك. لأن الاختلاف في فعل المشتري، وهو أعلم به (1) انتهى.
والمسألة لذلك قوية الإشكال، إلا أن الأصل مع العجز عن الترجيح
يقتضي المصير إلى مذهب الأكثر، سيما مع موافقته بمنافاة الشفعة للأصل،
وبلوغ الشهرة قريبا من درجة الإجماع، ولذا لم يخالف شيخنا في المسالك
صريحا، بل ولا ظاهرا. وكذا التنقيح فإنه وإن استشكل أولا، إلا أنه وافقهم
- كما عرفت - ثانيا.
وأما صاحب الكفاية فهو وإن صرح بالمخالفة، إلا أنه لا ضير في
خروجه جدا، مع كون مختاره خرقا للإجماع المركب ظاهرا.
وكيف كان فالاحتياط لا ينبغي تركه في أمثال المقام على كل حال.
* * *

(1) التنقيح 4: 96.
341

كتاب
إحياء الموات
343

(كتاب إحياء الموات)
والمراد بها الأراضي الغير المنتفع بها لعطلتها باستيجامها أو عدم الماء
عنها أو استيلاء الماء عليها بحيث تعد مواتا عرفا، ويقال لها أيضا: موتان
بفتح الميم والواو، وفيه لغة بسكون الواو وفتح الميم دون ضمها، لكونه بهذا
الضبط الموت الذريع، وبإحيائها إخراجها من الخراب والعطلة إلى حيز
الانتفاع، وهو يوجب الملك، كما يأتي.
والأصل فيه بعد إجماع المسلمين - كما في التنقيح (1) - النصوص
الخاصية والعامية، منها - زيادة على ما يأتي إليه الإشارة - الأخبار النبوية -:
منها: من أحيا أرضا ميتة فهي له (2).
ومنها: موتان الأرض لله تعالى ولرسوله، ثم هي لكم مني أيها
المسلمون (3).
(و) اعلم أنه لا خلاف ظاهرا في أن (العامر) منها (ملك لأربابه

(1) التنقيح 4: 98.
(2) الوسائل 17: 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 5، 6.
(3) تلخيص الحبير 3: 62، الحديث 1293.
345

لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم) بل عليه الإجماع في كلام جماعة، لقبح
التصرف في ملك الغير عقلا وشرعا.
ففي الخبر: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه (1).
وفي آخر: من أخذ شبرا من الأرض بغير حق أتي به يوم القيامة في
عنقه متطوقا من سبع أرضين (2).
وفي ثالث: من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر (3).
(وكذا ما به صلاح العامر) ويحتاج إليه من مرافقه وحريمه (كالطريق)
المسلوك إليه (والشرب) بكسر الشين، وأصله الحظ من الماء، ومنه قوله
تعالى: «ولكم شرب يوم معلوم» (4) والمراد هنا النهر وشبهه المعد لمصلح
العامر (والمراح) أي مأوى الإبل والغنم ونحو ذلك، لاتحاد الدليل.
وبنحو ما هنا صرح في الشرائع، إلا أنه قال بعده: ويستوي في ذلك
ما كان من بلاد الإسلام وما كان من بلاد الشرك، غير أن ما في بلاد الإسلام
لا يغنم وما في بلاد الشرك يملك بالغلبة عليه (5).
وعليه لا يتم ما قدمه من عدم جواز التصرف فيه إلا بإذنه على إطلاقه،
وعليه نبه في المسالك، قال: لأن ما كان منها من بلاد الشرك يجوز التصرف
فيه بغير إذن مالكه في الجملة، وكان الأولى ترك ذلك أو تقييده بكونه ملكا
لمسلم أو مسالم (6).
(وأما الموات) أي (ما لا ينتفع به لعطلته) بما مر إذا كان (مما لم يجر

(1) مسند أحمد بن حنبل 5: 72.
(2) كنز العمال 10: 639، الحديث 30352 - 30351 مع اختلاف.
(3) كنز العمال 10: 639، الحديث 30352 - 30351 مع اختلاف.
(4) الشعراء: 155.
(5) الشرائع 3: 271.
(6) المسالك 12: 391.
346

عليه ملك) مسلم ومن بحكمه (أو) جرى عليه (ملك) أحدهما
(و) لكن (باد أهله) وهلك بحيث لا يعرفون ولا بعضهم (فهو
للإمام) (عليه السلام) بلا خلاف بيننا، بل عليه في التنقيح (1) والمسالك (2) وغيرهما
إجماعنا. وهو الحجة; مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة
الدالة على أنه من الأنفال:
منها - زيادة على ما ذكر في بحث الأنفال من كتاب الخمس - الصحيح:
أن الأرض لله تعالى يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أنا وأهل
بيتي الذين أورثنا الأرض، ونحن المتقون والأرض كلها لنا، الحديث (3).
وحينئذ (لا يجوز) التصرف فيه ولا (إحياؤه إلا بإذنه) لما مر، مضافا
إلى الإجماع عليه في التنقيح (4) وغيره.
(ومع إذنه يملك بالإحياء) بلا خلاف، بل عليه الإجماع في التنقيح (5).
وهو الحجة; مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة:
منها - زيادة على ما تقدمت إليه الإشارة من الأخبار النبوية - الصحيح:
عن الشراء من أرض اليهود والنصارى، قال: ليس به بأس - إلى أن قال: -
وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوها فهم أحق بها وهي لهم (6).
والصحيحان: أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحق
بها (7) وزيد في أحدهما: وهي لهم (8).
والصحاح: من أحيا أرضا مواتا فهي له (9).

(1) التنقيح 4: 98.
(2) المسالك 12: 391.
(3) الوسائل 17: 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.
(4) التنقيح 4: 98.
(5) لا يستفاد من كلامه ادعاء الإجماع في المسألة، راجع التنقيح 4: 98.
(6) الوسائل 11: 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.
(7) الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3، 4، 5.
(8) الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3، 4، 5.
(9) الوسائل 17: 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3، 4، 5.
347

وعمومها سيما الصحاح الأولة يشمل صورتي كون المحيي مسلما أو
كافرا، بل سياق الأول كالصريح في الشمول له.
وأصرح منه الصحيح الآخر: عن شراء الأرضين من أهل الذمة، فقال: لا
بأس بأن يشتري منهم إذا عملوها وأحيوها فهي لهم الخبر (1).
فالقول المحكي في المسالك وغيره باختصاص جواز الإحياء
بالمسلم (2) ضعيف، كمستنده من اختصاص الخطاب بالتمليك في النبوية
المتقدمة والصحاح به، لعدم دلالة التخصيص بالذكر على التخصيص، مع
احتماله الاختصاص بصورة الحضور، كما يشعر به الصحيح. ولا نزاع فيه،
كما في المسالك (3).
ولكن في ظاهر الروضة وقوع النزاع فيها أيضا في هذه الصورة، حيث
ذكره تلو حكمها، فقال: وفي ملك الكافر مع الإذن قولان، ولا إشكال فيه لو
حصل، إنما الإشكال في جواز إذنه (عليه السلام) له، نظرا إلى أن الكافر هل له أهلية
ذلك أم لا؟ والنزاع قليل الجدوى (4) انتهى.
ولا ريب أن العموم مطلقا أقوى، وذلك لأن عمومها يشمل صورتي
وجود الإمام (عليه السلام) وغيبته، بل لعلها في الأولى أظهر، إلا أن أصحابنا - كما
قيل - خصوها بالثانية فقالوا: (ولو كان الإمام غائبا فمن سبق إلى إحيائه
كان) ملكه و (أحق به ومع وجوده له رفع يده) أي المحيي. ووجهه غير
واضح إن لم ينعقد الإجماع عليه.
وأما ما قيل على العبارة: من أن في قوله: «ومع وجوده» إلى آخره
مناقضة لقوله: «ومع إذنه تملك بالإحياء لأنه إذا ملكه بالإحياء لم يكن

(1) المصدر السابق: الباب 4، الحديث 1.
(2) المسالك 12: 391، 392.
(3) المسالك 12: 391، 392.
(4) الروضة 7: 135.
348

لأحد رفع يده» إماما كان أو غيره، لقوله (صلى الله عليه وآله): الناس مسلطون على
أموالهم (1). فمدفوع بأنه لا مناقضة بعد احتمال كون القول الأخير مخصصا
لما قبله، كما فهمه القائل المتقدم إليه الإشارة.
وعن النهاية (2) في دفعها بأن المراد بملكها بالإحياء ملك منافعها لا
رقبتها، فإنها له (عليه السلام)، فله رفع يد المحيي إن اقتضت المصلحة ذلك.
وهو كما ترى وإن أشعرت به عبارة الماتن أخيرا كالدروس (3) حيث
عبرا عن الملكية بالأحقية والأولوية.
هذا، والإشكال في هذا قليل الجدوى، فإنه أعرف بما يفعله قطعا.
(ويشترط في التملك بالإحياء) أمور:
الأول: (أن لا يكون في يد مسلم) ولا مسالم ولو بالتحجير بلا خلاف
ولا إشكال، لأن ذلك يمنع عن مباشرة الإحياء لغير المتصرف. ومجرد ثبوت
اليد المحترمة كاف في منع الغير من الإحياء وإن لم يعلم وجود سبب الملك.
نعم لو علم إثبات اليد بغير سبب مملك ولا موجب أولوية فلا عبرة به، كما
لو استندت إلى مجرد تغلب على الأرض ونحو ذلك.
(و) الثاني: أن (لا) يكون (حريما لعامر) بلا خلاف ظاهر مصرح
به في المسالك (4) وغيره، للأصل الآتي، ولما فيه من الضرر المنفي بالإجماع
وغيره، ولأن مالك العامر استحق حريمه، لأنه من مرافقه ومما يتوقف عليه
كمال انتفاعه، وسيأتي الكلام في بيان الحريم وتفصيله.
وهل يملك تبعا للعامر أو يكون أولى وأحق به من غيره من دون تملك
حقيقة؟ قولان: أشهرهما كما في المسالك (5) وغيره الأول، ولعله أظهر. وفي

(1) عوالي اللآلي 3: 208، الحديث 49.
(2) النهاية 2: 220 - 221.
(3) الدروس 3: 57.
(4) المسالك 12: 406 - 407.
(5) المسالك 12: 406 - 407.
349

إطلاق المعتبرة المتقدمة في ثبوت الشفعة ببيع الطريق المشترك دلالة عليه.
وتظهر الفائدة في بيعه منفردا، فيجوز على الأول، وعلى الثاني لا.
(و) الثالث: أن (لا) يسميه الشارع (مشعرا) ومحلا (للعبادة
كعرفة ومنى) ومزدلفة بلا خلاف فيه في الجملة، للأصل، واختصاص
النصوص الدالة على تملك الأرض بالإحياء بحكم التبادر بغير الأراضي
المزبورة، مع ما في تسويغ إحيائها من تفويت الغرض ومنافاته التبقية فيها
والحاجة.
لكن مقتضى هذا التعليل المنع عن إحياء الكثير منها، خاصة الذي يؤدي
إحياؤه إلى الضيق على الناسكين ويحتاج إليه غالبا. وأما ما عداه فلا يدل
على المنع فيه أصلا، ولذا استثناه الماتن على ما حكي عنه، فجوز إحياءه،
ونفى البعد عنه في المسالك، قال: إلا أن الأشهر المنع مطلقا (1).
وهو كذلك لو كان الأصل الجواز والنصوص الدالة عليه عامة، وهما
ممنوعان، كما تقدم، والأصل يقتضي العدم، كما عليه الأكثر.
وعلى غيره ففي بقاء حق الوقوف فيما يملكه المحيي أوجه، يفرق في
ثالثها بين ضيق الموقف فالبقاء، وعدمه فلا. والحكم بالملك يأبى القول
بالجواز مطلقا، إلا أن يجعل مراعى بعدم الإضرار، فيكون التفصيل متوجها.
(و) الرابع: أن (لا) يكون (مقطعا) من إمام الأصل لغيره ولا
محمى له ولا لنفسه، كما أقطع النبي (صلى الله عليه وآله) الدور وأرضا بحضرموت وحضر
فرس الزبير (2) - بالحاء المهملة والضاد المعجمة - وكما حمى النقيع لإبل
الصدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين في سبيل الله تعالى (3).

(1) المسالك 12: 417.
(2) تلخيص الحبير 3: 63 - 64، الحديث 1299 - 1301.
(3) تلخيص الحبير 3: 63 - 64، الحديث 1299 - 1301.
350

(و) الخامس: أن (لا) يكون (محجرا) أي مشروعا في إحيائه
شروعا لم يبلغ حد الإحياء، ولا خلاف أجده في شئ من هذه الشرائط
(و) ذلك لأن (التحجير) كسابقيه (يفيد) اختصاصا و (أولوية) بلا
خلاف أجده، بل عليه الإجماع في كلام جماعة كالمسالك وغيره (1) فلا
يصح لغيره التخطي إليه (و) إن كان (لا) يفيد (ملكا) على الأشهر
الأقوى، للأصل، واختصاص النصوص الدالة على التملك بالإحياء به دون
التحجير.
ومع ذلك لا يكاد يتحقق فيه خلاف، إلا ما حكاه الفاضلان (2) وغيرهما
عن بعض المتأخرين من أن التحجير إحياء، وهو ضعيف، لأن المرجع فيهما
إلى العرف، ولا ريب في تغايرهما فيه وإن تقاربا في بعض الأفراد، وعليه
حمل كلامه في الدروس (3) قال شيخنا في المسالك بعد نقل كل من الخلاف
والحمل: ولنعم ما قال، وحيث كان المحكم في الإحياء العرف فإن وافق
التحجير في بعض الموارد كفى، وإلا فلا (4).
واعلم أن التحجير (مثل أن ينصب عليها) أي على الأرض التي يريد
إحياءها (مرزا) (5) ويجمع حواليها ترابا، أو يغرز فيها خشبات، أو يخط
عليها خطوطا، أو نحو ذلك، ومنه أن يحفر النهر ولم يصل إلى منزع الماء،
وأن يعمل في المعادن الباطنة عملا لا يبلغ نيلها، أما بلوغه فهو إحياء،

(1) قال في مفتاح الكرامة (7: 24 س 27)، وفي الرياض أن الظاهر اتفاقهم على أصل التحجير،
وأن جمعا منهم ادعوا الإجماع عليه صريحا، وقد نسب قبل ذلك دعواه إلى المسالك ونحن لم نجد
التصريح بالإجماع لا من المسالك ولا من غيرها إلا المفاتيح، نعم هو محصل معلوم وظاهر
التذكرة.
(2) الشرائع 3: 276، القواعد 1: 220 س 23.
(3) الدروس 3: 61.
(4) المسالك 12: 428.
(5) في المختصر المطبوع: «مرزابا».
351

ولا تحجير في المعادن الظاهرة، كما قالوه، لأنه شروع في الإحياء، وهو
منتف فيها، ولو أهمل المحجر العمارة مدة طويلة أجبره الإمام على أحد
الأمرين، إما الإتمام، أو التخلية للغير حذرا من التعطيل، ولا خلاف في شئ
من ذلك يعرف.
واعلم أني لم أقف على ما يتضمن أصل التحجير فضلا عما يدل على
حصول الأولوية به إلا اتفاقهم عليه ظاهرا، ودعواه في كلام جمع منهم
صريحا، ولعلهم أخذوها من فحوى ما دل عليها في السبق إلى مكان من
المسجد أو السوق من النص وغيره، ولا بأس به.
(وأما الإحياء ف‍) ليس كذلك، لما مر من تضمن النصوص له،
ولحصول الملك به، وهي وإن كانت (لا) تدل على (تقدير للشرع فيه) إلا
أن الضابط في مثله معروف (و) هو أنه (يرجع في كيفيته) وتحديده
(إلى) العرف و (العادة) حيث لم يثبت له تقدير في اللغة، ولعله لذا عبر
الماتن التعبير عنهما، فبين كيفية التحجير من دون رد إلى ما رد إليه كيفية
الإحياء، تنبيها لورود النص فيه دون التحجير، إلا أنه ظاهر في قيام دليل
على ما بينه في التحجير، ولعله الإجماع. فتأمل.
وحيث وجب الرجوع في الإحياء إلى العرف فلا بد من الاقتصار على
ما يحكم به فيه، وهو يختلف باختلاف ما يقصد منه، فالمسكن بالحائط
والسقف بخشب أو عقد، والحظيرة (1) - ولا يشترط نصب الباب فيهما عندنا
- والزرع بعضد الأشجار وقطعها والتهيئة للانتفاع، وسوق الماء أو اعتياد
الغيث أو السيح، ويحصل الإحياء أيضا بقطع المياه الغالبة.

(1) كذا في جميع النسخ، وفي الدروس (3: 56): والحظيرة بالحائط.
352

ولا يشترط الزرع ولا الغرس على قول اختاره في الدروس (1). وكذا
لا يشترط الحائط ولا المسناة في الزرع.
نعم يشترط بيان الحد بمرز وشبهه، أما الغرس فالظاهر اشتراط أحد
الثلاثة من المرز أو المسناة أو الحائط فيه مصيرا إلى العرف، ولو فعل دون
ذلك واقتصر كان تحجيرا.
واعلم أن الشهيد في الدروس جعل الشروط تسعة، وجعل منها إذن
الإمام (عليه السلام) مع حضوره ووجود ما يخرجها عن الموات (2) بأن يتحقق
الإحياء، إذ لا ملك قبل كمال العمل المعتبر فيه وإن أفاد الشروع تحجيرا
لا يفيد سوى الأولوية، كما مضى، وقصد التملك، فلو فعل أسباب الملك
بقصد غيره أو لا بقصده لم يملك، كحيازة سائر المباحات من الاصطياد
والاحتطاب والاحتشاش.
ويمكن استفادة هذه الثلاثة من الماتن هنا، فالأول بما ذكره في أول
الكتاب: من أنه لا يجوز إحياؤه إلا بإذنه، والثاني: بجعل الشروط شروطا
للإحياء، مضافا إلى ما مر من قوله: «ويرجع في كيفيته إلى العادة»، والثالث:
بما مر من قوله في ذكر الشروط: «ويشرط في التملك» إذ التملك يستلزم
القصد إليه، والدليل على اشتراطها واضح عدا الأخير، لعدم وضوحه فيه، مع
إطلاق النصوص على حصول الملك بالإحياء، من دون إشعار فيها، ولا قيام
دليل في غيرها على التقييد، واشتراط القصد.
اللهم إلا أن يكون إجماعا، ولم أتحققه، أو يدعى اختصاص إطلاق
النصوص بحكم التبادر بصورة القصد، مع اقتضاء الأصل العدم بدونه.
وهو غير بعيد.

(1) الدروس 3: 56 - 55.
(2) الدروس 3: 56 - 55.
353

(ويلحق بهذا) الكتاب (مسائل) تسع:
(الأولى: الطريق المبتكر) والمراد به الملك المحدث (في المباح) من
الأرض (إذا تشاح أهله فحده خمسة أذرع) مطلقا عند الماتن هنا وفي
الشرائع (1) والفاضل (2) في القواعد، وعن ولده أنه نقله عن كثير من
الأصحاب (3) للخبر المروي في التهذيب في باب بيع الغرر والمجازفة: إذا
تشاح قوم في طريق فقال بعضهم: سبع أذرع وقال بعضهم: أربع أذرع، فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): بل خمس أذرع (4). قيل: ولأصالة البراءة من الزائد (5).
ولعل المراد بها أصالة براءة ذمة المانع للآخر عن الزائد عن تحريم المنع،
فيجوز له دفعه عنه، ولكن تعارض بالمثل، مع أوفقيته بالعمومات الدالة على
جواز تملك الموات بالإحياء، خرج عنها الزائد على السبع فيما لا يحتاج
إليه بالإجماع وبقي الباقي.
(وفي رواية) (6) عمل بها في النهاية (7) وجماعة ومنهم الحلي (8)
والفاضل في المختلف (9) والتحرير (10) وفخر الإسلام (11) والشهيدان (12)
وغيرهما، ولعله المشهور بين الطائفة أن حده (سبعة أذرع) مطلقا. وهو
أقوى، للأصل الذي مضى، وتعدد الرواية كما سيأتي إليه الإشارة، وقوة
بعضها سندا، إذ ليس فيه سوى السكوني، الذي حكي فيه أنه ممن أجمع

(1) الشرائع 3: 272.
(2) القواعد 1: 220 س 15.
(3) الإيضاح 2: 232.
(4) التهذيب 7: 130، الحديث 41.
(5) المسالك 12: 408.
(6) الوسائل 17: 339، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، الحديث 5، 6.
(7) النهاية 2: 218.
(8) السرائر 2: 374.
(9) المختلف 6: 211.
(10) التحرير 2: 130 س 35.
(11) الإيضاح 2: 232.
(12) الدروس 3: 60، المسالك 12: 409.
354

على تصحيح ما يصح عنه أصحابنا (1) واعتضادها مع ذلك بالشهرة، مع
شذوذ المقابل لها، كما عرفته.
وربما يفصل في الطرق بين التي للأملاك فالأول، وغيرها كالتي للقوافل
فالثاني، جمعا بين الروايات. ولا شاهد عليه يصحح الفتوى به، كما عن
المحقق الثاني (2).
وربما مال إليه شيخنا الشهيد الثاني، وزاد فقال: وقد يفرض احتياج
بعضها إلى أزيد من السبع كالطريق التي يمر عليها الحاج بالكنائس ونحوها،
فيجب مراعاة قدر الحاجة بالنسبة إلى الزائد على المقدار، أما على النقصان
عنه فلا، وحيث يقتصر به عن المقدار ألزم المحيي ثانيا به، فإن كان هناك
حاكم فهو وظيفته، وإلا وجب على المسلمين كفاية من باب الحسبة، ولو
تساوى المحيون من الجانبين ألزموا به، ولو زادوها على السبع واستطرقت
صار الجميع طريقا، فلا يجوز إحداث ما يمنع المارة في الزائد (3).
وفي كثير مما ذكره نظر، إلا أن يستند في بعضه إلى أدلة نفي الضرر.
وفي الموثق المروي في التهذيب في الباب المتقدم قلت له: الطريق الواسع
هل يؤخذ منه شئ إذا لم يضر بالطريق؟ قال: لا (4).
وقيد بكون الطريق في المبتكر، لأن الأملاك لا يجب ترك بعضها لأجل
الطريق فيكتفي بالطريق الموجود بين الملكين مطلقا ضاق أو اتسع.
(الثانية: حريم بئر المعطن) هو والعطن واحد الأعطان والمعاطن، وهو
مبارك الإبل عند الماء لتشرب (أربعون ذراعا) من الجوانب الأربع (و)
حريم بئر (الناضح ستون ذراعا) كذلك على المشهور بين الطائفة في

(1) عدة الأصول 1: 380.
(2) جامع المقاصد 7: 23.
(3) المسالك 12: 409.
(4) التهذيب 7: 129، الحديث 37.
355

المقامين، كما حكاه جماعة بحد الاستفاضة، للخبرين المفصلين:
أحدهما القوي بالسكوني المجمع على العمل برواياته عنه على النقل
الماضي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون
ذراعا، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا، وما بين العين إلى
العين يعني القناة خمسمائة ذراع، والطريق يتشاح عليه أهله فحده سبع
أذرع (1).
وفي الصحيح وغيره: أربعون ذراعا (2) من دون تفصيل بين بئر الناضح
والمعطن.
وفي رواية خمسون، إلا أن يكون إلى عطن أو إلى الطريق فأقل من ذلك
إلى خمسة وعشرين (3).
وفي اخرى مروية عن قرب الإسناد كذلك، إلا أنه زيد فيها: وحريم
البئر المحدثة خمسة وعشرون ذراعا (4).
ولاختلاف هذه الأخبار قيل: بأن الحريم في البئر مطلقا ما يحتاج إليه
في الانتفاع المقصود منها (5) جمعا بينها، واستظهره بعض متأخر متأخري
أصحابنا (6).
وفيه ما لا يخفى، لفساد الجمع أولا: بعدم التكافؤ أصلا، لاعتضاد المفصلين
بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، ويشعر به عبارة التنقيح (7) ولو
ضعيفا، حيث نسب المختار إلى الأصحاب كافة بعد أن ادعى عليه

(1) الوسائل 17: 339، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، الحديث 5، 7.
(2) الوسائل 17: 339، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.
(3) الوسائل 17: 339، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.
(4) قرب الاسناد: 26.
(5) مفاتيح الشرائع 3: 30.
(6) مفاتيح الشرائع 3: 30.
(7) التنقيح 4: 100.
356

أولا الشهرة، فلا يقاومها باقي الروايات ولو كانت جمع صحيحة، مع أن
أكثرها ضعيفة.
وثانيا: بعدم وضوح الشاهد عليه من نص ولا امارة، فهذا القول ضعيف
غايته، كمختار الإسكافي من أن حريم بئر الناضح قدر عمقها ممر
الناضح (1) لعدم وضوح مأخذه، فلا يصح حمل رواية الستين عليه، كما
احتمله ونفى عنه البأس في المختلف (2).
(و) حريم (العين) والقناة (ألف ذراع) في الأرض الرخوة (وفي
الصلبة خمسمائة) على الأظهر الأشهر هنا أيضا، كما في المسألة السابقة،
للخبر: يكون بين البئرين إذا كانت أرضا صلبة خمسمائة ذراع، وإن كانت
أرضا رخوة فألف ذراع (3).
وعليه يحمل إطلاق الخبرين السابقين بالخمسمائة، بتقييده بما إذا كانت
صلبة وحده الإسكافي بما ينتفي به الضرر (4) ومال إليه في المختلف (5)
واختاره شيخنا الشهيد الثاني (6) وبعض من تبعه (7) جمعا بين ما دل على
نفي الضرر، وعلى جواز الإحياء من غير تحديد، لضعف تلك الأخبار،
وللصحيح: في رجل كانت له قناة في قرية فأراد أن يحفر كم يكون بينها في
البعد حتى لا يضر بالأخرى في أرض إذا كانت صلبة أو رخوة؟ فوقع (عليه السلام):
على حسب أن لا يضر أحدهما بالأخرى إن شاء الله تعالى (8).
وفيه نظر، يظهر وجهه مما مر حرفا بحرف، ويزيد هنا في الصحيح

(1) المختلف 6: 207.
(2) المختلف 6: 207.
(3) الوسائل 17: 338، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3.
(4) المختلف 6: 208.
(5) المختلف 6: 208.
(6) المسالك 12: 414.
(7) مفاتيح الشرائع 3: 30.
(8) الوسائل 17: 342، الباب 14 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.
357

بكونه مكاتبة والمكاتب مجهولا، وهما موجبان للمرجوحية أيضا من هذه
الجهة إن لم نقل بكونهما موجبين للضعف، كما ذكره في التنقيح (1). ولكنه
ضعيف.
نعم ربما يمكن المناقشة في الخبر المستند للأكثر بوروده في البئرين
دون القناتين، ومع ذلك ذيله مشعر بما ذكره الإسكافي، لتضمنه قوله (عليه السلام):
وقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله): في رجل احتفر قناة وأتى لذلك سنة ثم إن رجلا
احتفر إلى جانبها قناة، فقضى: أن يقاس الماء بجوانب البئر ليلة هذه وليلة
هذه، فإن كانت الأخيرة أخذت ماء الأولى عورت الأخيرة، وإن كانت
الأولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الأول شئ (2).
فتأمل.
وربما يستفاد منه أن فائدة هذا الحريم منع الغير من إحداث عين اخرى
في ذلك المقدار، لئلا ينتقل ماء العين الأولى إلى الثانية.
وعليه نبه في المسالك وغيره، قالا: ومن ثم اختلف باختلاف الأرض
بالرخاوة والصلابة، بخلاف حريم البئر المتقدم فإن فائدته منع الغير من
إحياء ذلك المقدار مطلقا حتى الزرع والشجر، لأن الغرض منه الانتفاع بالبئر
فيما أعد له وما يحتاج إليه، ويستثنى للعين قدر ما يحتاج إليه للانتفاع بها
فيما أعدت له عرفا من غير تحديد (3).
واعلم أن ما ذكر في الحريم للبئر والعين والحائط والدار مخصوص بما
إذا كان الإحياء في الموات فيختص الحريم بها. وأما الأملاك فلا يعتبر

(1) التنقيح 4: 100.
(2) الوسائل 17: 344، الباب 14 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3.
(3) المسالك 12: 413.
358

الحريم فيها، لأن الأملاك متعارضة، وكل واحد من الملاك مسلط على ماله
له التصرف كيف شاء، فله أن يحفر بئرا في ملكه وإن كان لجاره بئر قريب
منها وإن نقص ماء الأولى، ولكن فعل مكروها ولو حفر في ملكه بئر بالوعة
وفسد بئر الجار لم يمنع منه، ولا ضمان عليه، ومثله ما لو أعد داره
المحفوف بالمساكن حماما أو خانا أو طاحونة أو حانوت حداد وقصار،
لأن له التصرف في ملكه كيف شاء، صرح بجميع ذلك في المسالك (1)
والدروس (2) والسرائر (3) ونسبه في الكفاية إلى الأصحاب كافة (4) مؤذنا
بدعوى الإجماع عليه، ونحوه الحلي حيث نفى الخلاف فيه (5).
ولكن قال في الكفاية: ويشكل هذا الحكم في صورة تضرر الجار
تضررا فاحشا، نظرا إلى تضمن الأخبار المذكورة نفي الضرر والإضرار، وهو
الحديث المعمول به بين الخاصة والعامة المستفيضة بينهم، خصوصا ما
تضمن الأخبار المذكورة من نفي الإضرار الواقع في ملك المضار (6).
وفيه نظر، فإن حديث نفي الضرر المستفيض معارض بمثله من الحديث
الدال على ثبوت السلطنة على الإطلاق لرب الأموال، وهو أيضا معمول به
بين الفريقين، والتعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه،
والترجيح للثاني بالأصل، وعمل الأصحاب كما اعترف به، ولا سيما إذا
استلزم منع المالك عن التصرف ضررا عليه أشد من ضرر الجار أو مساويا
أو أقل، بحيث لم يتفاحش معه ضرره.
وينبغي القطع في هذه الصور بما عليه الأصحاب. وأما فيما عداها
فالظاهر ذلك أيضا، لما ذكر وإن كان الأحوط عدم الإضرار على الإطلاق.

(1) المسالك 12: 416.
(2) الدروس 3: 60.
(3) السرائر 2: 382.
(4) كفاية الأحكام: 241 س 16، 20.
(5) السرائر 2: 382.
359

وأما الأخبار الدالة على نفي الإضرار في ملك المضار فمع قصور سند
بعضها وعدم مكافأته لما مضى يمكن حملها على ما إذا قصد المالك
بالتصرف الإضرار دون رفع الحاجة، كما يشعر به بعض تلك الأخبار.
ثم على تقدير تسليم ترجيح حديث نفي الضرار لا وجه لتخصيصه
بصورة تفاحش الضرر مع عمومه وشموله للغير.
(الثالثة: من باع) من غيره (نخلا) المراد به الجنس الشامل للمتعدد
من أفراده بقرينة قوله: (واستثنى واحدة) منها (كان له المدخل إليها
والمخرج) منها (ومدى جرائدها) بلا خلاف ظاهر ولا محكي; للخبر
القوي بالسكوني - كما مر - في رجل باع نخلا فاستثنى غلة نخلة فقضى له
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدخل إليها والمخرج ومدى جرائدها (1) ولأن ذلك
مقتضى الاستثناء فكأنه استثناها وشرط على المالك التردد إليها لإصلاحها
وأخذ ثمرها، وذلك مقتضى العرف، وأنه مثل استحقاق صاحب الثمرة على
النخلة مع انتقالها عن ملكه.
وينبغي أن لا يكون إلا لمصلحة تلك النخلة المتعارفة لا غير، اقتصارا
على الأصل، بل والعرف، كما صرح به بعض الأصحاب. ومقتضى هذا الدليل
انسحاب الحكم في كل ما يشابه محل البحث من نحو بيع الدار، واستثناء
بيت منها، أو نحو ذلك.
واعلم أن الأنسب ذكر هذه المسألة في كتاب البيع في بحث ما يدخل
في المبيع، كما فعله في الشرائع (2) وسائر الأصحاب، عدا الحلي (3) فإنه
ذكرها كالماتن هنا في هذا الكتاب.

(1) الوسائل 12: 406، الباب 30 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2.
(2) الشرائع 2: 27.
(3) السرائر 2: 373.
360

(الرابعة: إذا تشاح) وتنازع (أهل الوادي في مائه) المباح الغير
المملوك لهم (حبسه الأعلى) الذي يلي فوهة النهر (للنخل إلى الكعب
وللزرع إلى الشراك) وهو أسفل منه بقليل (ثم يسرحه) ويرسله (إلى
الذي يليه) وهكذا بلا خلاف في أصل الحكم مطلقا، استضر الثاني بحبس
الأول أم لا، بل في المسالك الإجماع عليه (1). وهو الحجة; مضافا إلى
النصوص المستفيضة العامية والخاصية، والمستفاد منها في تحديد مقدار
السقي ما عليه الماتن هنا تبعا للنهاية (2).
خلافا للمبسوط (3) والسرائر (4) فقالا: روى أصحابنا أن الأعلى
يحبس إلى الساق للنخل وللشجر إلى القدم وللزرع إلى الشراك، وعليه أكثر
الأصحاب ومنهم الماتن في الشرائع (5) وادعى جمع الشهرة عليه، ومنهم
شيخنا في المسالك (6).
ويظهر منه ومن جمع ممن تبعه كالكفاية (7) وغيره أن محل الخلاف بين
القولين والخبرين إنما هو التعرض للشجر غير النخل في الثاني دون الأول،
حيث استدلوا لهذا القول ببعض ما مر من النصوص المتضمنة لعين ما في
العبارة من دون زيادة، واعترضوا عليه بضعف السند، وعدم التعرض فيه
الشجر خاصة.
ولم أفهمه بعد وضوح الفرق بين الكعب والساق، وأنه أعلى منه بكثير،
سيما إذا أريد من الساق منتهاه أو أواسطه، فيصير هذا أيضا محل الخلاف

(1) المسالك 12: 450.
(2) النهاية 2: 216.
(3) المبسوط 3: 284.
(4) السرائر 2: 373.
(5) الشرائع 3: 280.
(6) المسالك 12: 451.
(7) كفاية الأحكام: 244 س 20.
361

بينهما من حيث تحديد السقي للنخل في القول الأول بالأول وفي الثاني
بالثاني.
فلا وجه لحصر محل الخلاف في الأول، ولا الاستدلال على هذا القول
بما دل على القول الأول.
اللهم إلا أن يجعل الكعب هو المفصل بين القدم وعظم الساق، ويراد به
مبدؤه لا الزائد، فيصير قوله (عليه السلام): «إلى الساق» كناية عن منتهى الكعب،
فيتوافق الروايتان في تحديد مقدار سقي النخل أيضا.
ويظهر انحصار اختلافهما فيما مر، ولكنه خلاف مذهب الأصحاب إلا
النادر، حيث حددوا الكعب بالمفصل في قبة القدم، وادعوا عليه الإجماع
بحد الاستفاضة، وقامت عليه الأدلة القاهرة، كما تقدم في بحث الوضوء من
كتاب الطهارة.
ومع ذلك لم يتضح الفرق بين تحديدي الشجر إلى القدم والنخل إلى
الساق، لتقاربهما على ذلك التقدير قويا لم يكن معه الفصل محسوسا، بحيث
كاد أن يكون أحدهما عين الآخر، وعليه بنى التوجيه في دفع الاختلاف،
فلا بد من تصحيح وجه الفرق بين التحديدين، بأن يراد من الساق غير مبدئه،
ومعها لم يرتفع الاختلاف، لمخالفة الكعب على أي تفسير للساق على هذا
التقدير.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه لا إشكال في مقدار سقي الزرع، لاتفاق
النصوص والفتاوى على تقديره بالشراك، ولا في الشجر، لمرسلتي
المبسوط (1) والسرائر (2) المنجبرتين بعمل الأكثر مع سلامتهما عن معارضة

(1) المبسوط 3: 284.
(2) السرائر 2: 373.
362

باقي النصوص الأخر، لخلوها عن تحديد مقدار سقيه، ويبقى الإشكال
في النخل، لتعارض النصوص والفتاوى فيه، كما عرفت. ولترجيح كل من
القولين وجه:
فالأول: باستفاضة النصوص الدالة عليه، مع صحة سند بعضها إلى ابن
أبي عمير، المجمع على تصحيح رواياته.
والثاني: بانجبار المرسلتين الدالتين عليه بعمل الأكثر، فلا يعارضهما
شئ من النصوص المتقدمة.
ولعل هذا أجود، سيما مع أوفقيته بأصالتي بقاء الحق وعدم سلطنة
الأسفل على الأعلى في منعه عن القدر الزائد على المجمع عليه.
وليس في إطلاق النصوص وأكثر الفتاوى تقييد الحكم بكون الأعلى
سابقا في إحياء الأرض التي يراد سقيها، أو كون السابق مجهولا، كما ذكره
الشهيدان (1) وغيرهما، قائلين: بتقدم المتأخر إذا كان سابقا في الإحياء،
معللين بتقدم حقه في الماء بالإحياء، واستوجهه في الكفاية، قائلا: إن
الروايات الدالة على تقديم الذي يلي فوهة النهر لا عموم لها بحيث يشمل
هذا القسم (2).
وفيه نظر، لكفاية رجوع الإطلاق إلى العموم فيه، حيث لم يظهر له فرد
شائع متبادر، ويتساوى أفراده كما في محل البحث. ولعله لهذا تنظر فيما
ذكروه في المفاتيح (3). وهو في محله، إلا أن يكون قد انعقد الإجماع على
صحته.
ثم إنه ذكر في المسالك أن إطلاق النص والفتوى لسقي الزرع والشجر

(1) الدروس 3: 66، المسالك 12: 452.
(2) كفاية الأحكام: 244 س 23.
(3) مفاتيح الشرائع 3: 27.
363

بذلك المقدار محمول على الغالب في أرض الحجاز من استوائها، وإمكان
سقي جميعها كذلك، فلو كانت مختلفة في الارتفاع والانخفاض بحيث لو
سقيت أجمع كذلك زاد الماء في المنخفضة عن الحد المشروع أفرد كل
واحد بالسقي بما هو طريقه، توصلا إلى متابعة النص بحسب الإمكان،
ولو كانت كلها منحدرة لم يقف الماء فيها كذلك سقيت بما يقتضيه العادة،
وسقط اعتبار التقدير الشرعي، لتعذره (1). واستحسنه في الكفاية (2).
واحترزنا بالتقييد بالمباح عما إذا كان ملكا لهم، فإنه يقسم بينهم على
قدر سهامهم، إما بقسمة نفس الماء، أو بالمهاياة عليه بلا خلاف فيه أجده.
(الخامسة:) لا (يجوز للإنسان أن يحمي المرعى) إلا (في ملكه
خاصة) فلا يجوز أن يحمي بقعة من الموات لمواش بعينها ويمنع سائر
الناس من الرعي فيها بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في المسالك (3)
وغيره. وهو الحجة; مضافا إلى ما دل على شرعية الناس في الماء والنار
والكلاء (4) وخصوص منطوق النبوي (عليه السلام): لا حمى إلا لله تعالى ورسوله (5)
ومفهوم النصوص. ومنها الخبران القريبان من الصحيح بابن أبي نصر المجمع
على تصحيح رواياته:
أحدهما: عن الرجل يكون له الضيعة ويكون لها حدود تبلغ حدودها
عشرين ميلا أو أقل أو أكثر يأتيه الرجل فيقول له: أعطني من مراعي
ضيعتك وأعطيك كذا وكذا درهما، فقال: إذا كانت الضيعة له فلا بأس (6).

(1) المسالك 12: 453.
(2) كفاية الأحكام: 244 س 26.
(3) المسالك 12: 421.
(4) الوسائل 17: 331، الباب 5 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.
(5) سنن البيهقي 6: 146.
(6) الوسائل 17: 336، الباب 9 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.
364

وأظهر منه الثاني، وفيه: أن لنا ضياعا ولها حدود وفيها مراعي ولرجل
منا غنم وإبل يحتاج إلى تلك المراعي لإبله وغنمه أيحل له أن يحمي
المراعي لحاجته إليها؟ فقال: إذا كانت الأرض أرضه فله أن يحمي، ويصير
ذلك إلى ما يحتاج إليه، قال: فقلت: الرجل يبيع المراعي، فقال: إذا كانت
الأرض أرضه فلا بأس (1).
وعليهما يحمل إطلاق بعض النصوص القاصرة سندا، بل الضعيفة جدا:
عن بيع الكلاء والمراعي، فقال: لا بأس به، قد حمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) النقيع
لخيل المسلمين (2). ويحتمل الحمل على غير ذلك أيضا مما يوافق النص
والفتوى.
ويجوز ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله) (وللإمام مطلقا) بإجماعنا المحكي في كلام
جماعة من أصحابنا.
خلافا لبعض العامة العمياء، فلم يجوزه لغير النبي (صلى الله عليه وآله) مطلقا، للنبوي
المتقدم.
(السادسة: لو كان له) أي للإنسان (رحى على نهر) مملوك (لغيره
لم يجز له) أي لصاحب النهر (أن يعدل بالماء) ويصرفه عنها (إلا برضاء
صاحبها) كما في خصوص الصحيح: كتب رجل إلى الفقيه في رجل كانت
له رحى على نهر قرية والقرية لرجل أو لرجلين فأراد صاحب القرية أن
يسوق الماء إلى قرية في غير هذا النهر الذي عليه هذه الرحى أو يعطل هذه
الرحى أله ذلك أم لا؟ فوقع (عليه السلام): يتقي الله عز وجل ويعمل بالمعروف،
ولا يضار أخاه المؤمن، الحديث (3).

(1) الوسائل 12: 276، الباب 22 من أبواب عقد البيع، الحديث 1.
(2) الوسائل 17: 336، الباب 9 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3.
(3) الوسائل 17: 343، الباب 15 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.
365

واعلم أني لم أقف على متعرض لهذه المسألة، عدا قليل، ومنه بعض
متأخري المتأخرين (1) مستندا إلى هذا الصحيح وزائد، وهو اشتمال الصرف
بالماء عن الرحى على ضرر منفي.
وهذا إنما يتم على القول المتقدم عن قريب بترجيح أدلة نفي الضرر
على أدلة تسلط الملاك على التصرف في أملاكهم. وأما على غيره فيشكل
الحكم على إطلاقه، ولذا قيده الحلي في السرائر (2) بما إذا كان نصب الرحى
على النهر بأمر حق واجب على صاحبه. وهذا هو الأقوى، بناء على هذا
القول الآخر الذي ذهب إليه أصحابنا من ترجيح أدلة السلطنة على أدلة نفي
الضرر. ولا ريب أن الأول أحوط وأولى.
(السابعة: من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق) للمسلمين (ففي
رواية) ابن مسلم (3) الموثقة المروية في التهذيب في باب بيع الغرر
والمجازفة أنه (إن كان ذلك) أي الزائد المدلول عليه بالزيادة (فيما اشترى
فلا بأس) ونحوها رواية أبي جميلة (4) المروية ثمة، لكن بتغيير ما في
العبارة.
(وفي النهاية) (5) والسرائر (6) (إن لم يتميز) الزائد (لم يكن عليه شئ
وان تميز رده) إليها (ورجع على البائع بالدرك) وأخذ الثمن منه.
(والرواية) الثانية (ضعيفة) السند، والأولى وإن كانت موثقة إلا أنها
مخالفة للأصول، من حيث دلالتها على إباحة ما لا يجوز استباحته من
طريق المسلمين.

(1) منهم صاحب مفاتيح الشرائع 3: 27.
(2) السرائر 2: 374، 380.
(3) التهذيب 7: 130، الحديث 39 - 44.
(4) التهذيب 7: 130، الحديث 39 - 44.
(5) النهاية 2: 226.
(6) السرائر 2: 374، 380.
366

وفيه نظر، لجواز أن يكون اللام فيها في الطريق للعهد أي الطريق
المسلوك، وجائز أن يكون متسعا يزيد على القدر الشرعي، فيكون على
الإباحة، فلا يضر إدخالها في الملك، فأجاب (عليه السلام) عنه بنفي البأس، لما علم
من حالها. فليست الرواية من محل البحث في شئ، لفرضه في العبارة
وعبارتي السرائر والنهاية في زيادة الطريق بالأخذ من طريق المسلمين
لا الطريق المسلوك.
(وتفصيل النهاية في موضع المنع) لأن عدم التميز لا يقتضي إباحة
ما أخذ من الطريق، بل ينبغي رده إليها على جميع الأحوال.
(والوجه) فيه (البطلان) أي بطلان البيع من رأس، لأن حق الطريق
إذا لم يتميز بالحدود كان ما وقع عليه العقد مما هو ملك المالك مجهولا،
لجهالته.
(و) يصح البيع (على تقدير الامتياز) للأصل السليم عن المعارض
من نحو الجهالة، ولكن له الخيار ف‍ (يفسخ إن شاء) لأنه يجب رد الزائد
إلى الطريق فيتبعض المبيع على المشتري، وذلك عيب موجب لخياره (ما لم
يعلم) بحقيقة الحال، ومع العلم بها لا خيار له بلا إشكال، لمجيء الضرر
عليه من قبله.
(الثامنة: من) كان (له نصيب) قد ملكه (في قناة أو نهر جاز له بيعه
بما شاء) كما في المعتبرة:
ففي الصحيح: عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة فيها شركاء
فيستغني بعضهم عن شربه أيبيع شربه؟ قال: نعم إن شاء باعه بورق، وإن شاء
بكيل حنطة (1).

(1) الوسائل 17: 332، الباب 6 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1.
367

ونحوه الصحيح المروي عن قرب الاسناد: عن قوم كانت بينهم قناة ماء
لكل إنسان منهم شرب معلوم فباع أحدهم شربه بدراهم أو بطعام هل
يصلح؟ قال: نعم (1).
وفي الحسن: عن قناة بين قوم لكل رجل منهم شرب معلوم فاستغنى
رجل منهم عن شربه أيبيعه بحنطة أو شعير؟ قال: يبيعه بما شاء، هذا مما
ليس فيه شئ (2).
وأما النصوص الناهية عن بيع فضول الماء فمحمول على الكراهة،
جمعا بين الأدلة، واستشكل الحكم على إطلاقه في التنقيح، قال: لعدم إمكان
التسليم، وعدم العلم بقدر ما يسلم له بالقسمة، نعم يجوز الصلح على ذلك،
وكأنه أراد بالبيع مطلق المعاوضة بنوع سائغ (3).
ويستفاد من المسالك (4) والكفاية (5) أن المنع في محل الإشكال هو
الأشهر بين الأصحاب، فإنهما قالا: ما حكم بملكه من الماء يجوز بيعه كيلا
ووزنا للانضباط، وكذا يجوز مشاهدة إذا كان محصورا، وأما بيع ماء العين
والبئر أجمع فالأشهر منعه، لكونه مجهولا، وكونه يزيد شيئا فشيئا فيخلط
المبيع بغيره.
وفي الدروس جوز بيعه على الدوام سواء كان منفردا أو تابعا
للأرض (6) انتهى.
فالمسألة محل إشكال، من ظواهر هذه المعتبرة، ومن القاعدة الناهية
عن بيع الغرر والجهالة، المعتضدة بالإجماع من أصلها، أو خصوص الشهرة

(1) قرب الاسناد: 113.
(2) الوسائل 17: 332، الباب 6 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.
(3) التنقيح 4: 104.
(4) المسالك 12: 447.
(5) كفاية الأحكام: 243 س 39.
(6) الدروس 3: 67.
368

المحكية في المسألة، ولعل هذا لا يخلو عن قوة، سيما مع ظهور سياق
المعتبرة كالعبارة في أن المقصود من الحكم فيهما تجويز البيع بكل ما يشاء
لا تجويزه حقيقة.
وإطلاقه على مطلق المعاوضة الشرعية مجاز شائع، وقد ورد مثله في
جواز بيع خدمة العبد المدبر، وقد حمله الأصحاب على نحو الإجارة دون
البيع حقيقة، ونحوه إطلاق البيع على المعاوضة على سكنى الدار.
وكيف كان، فالأحوط ترك البيع والبناء على الصلح، لجوازه مع الجهالة
حيث لا يتوقع رفعها، كما في المسألة بالاتفاق، وقد مر تحقيقه في كتاب
الصلح، مع اتفاق هؤلاء الجماعة الذين وقفت على كلمتهم في المسألة على
جوازه من دون ريبة.
(التاسعة: روى) الشيخ في التهذيب في باب بيع الغرر والمجازفة
بسنده عن حسن بن محمد بن سماعة عن علي بن رئاب وعبد الله بن جبلة
(عن إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (عليه السلام)) قال سألته: (عن رجل) في
يده دار ليست له و (لم تزل في يده ويد آبائه) من قبله (وقد أعلمه) من
مضى من آبائه (أنها ليست لهم) ولا يدرون لمن هي فيبيعها ويأخذ ثمنها،
قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، قلت: فإنه ليس يعرف صاحبها ولا يدري
لمن هي ولا أظنه يجيء لها رب، قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، قلت:
فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول لصاحبه أبيعك سكناي وتكون في
يدك كما هي في يدي، قال: نعم يبيعها على هذا (1).
واختصر عن جميع هذا، الماتن ونقل بالمعنى، فقال في نقل التتمة:

(1) التهذيب 7: 130، الحديث 42.
369

(ولا يظن مجيء صاحبها، قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، ويجوز أن
يبيع سكناه).
(و) اعلم أن وصف الماتن هذه (الرواية) بأنها (مرسلة) غير
واضح، إلا ما يقال: من عدم العلم بإسنادها إلى المعصوم (عليه السلام)، لأن وصفه
بكونه عبدا صالحا لا يقتضي كونه معصوما.
وفيه نظر، لشهادة التتبع وتصريح جمع بأن المراد به حيث يطلق مولانا
موسى بن جعفر (عليه السلام).
هذا، مع أن وجوده (عليه السلام) بعده مما يعين كونه معصوما، كما لا يخفى.
(و) كذا الطعن فيها بأن (في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة وهو
واقفي) غير واضح، لأن وقفه لا يمنع عن العمل بروايته على الأظهر الأشهر
بعد وثاقته، كما صرح به العلامة (1) والنجاشي (2) وغيرهما من علماء
الرجال. فالاستدلال بالرواية لا بأس بها بحسب السند لأنها من الموثق.
نعم متنها مخالف للأصل من حيث تضمنها جواز تركها في يده وبيعه
السكنى، مع أنها ليست له، بل ربما أشعرت بجواز بيع نفس الدار ولو مع
الكراهة، لمكان لفظة «لا أحب» الظاهرة فيها بلا شبهة.
(و) نحوه ما ذكره الشيخ (في النهاية) (3) من أنه (يبيع تصرفه فيها
ولا يبيع أصلها) لأن حق التصرف ليس شئ يباع.
ولو سلم، أو حمل البيع على الصلح ونحوه فهو فرع ثبوت هذا الحق
بموجب وسبب، ولم يظهر إلا مجرد سبق يده ويد آبائه عليها، وهو لا يفيد
أولوية تجوز الصلح عليها، إذ هي في السبق على الأمر المباح أو المشترك

(1) رجال العلامة: 212.
(2) رجال النجاشي: 40.
(3) النهاية 2: 228.
370

دون مال الغير، ولذا اختلف الأصحاب في توجيهه.
فقال الحلي: ويمكن أن يقال: إنما كان الأمر على ما ذكر في هذا
الحديث، والوجه في ذلك، وكيف يجوز له تركها في يده، وبيع ما جاز له
بيعه، وهو يعلم أنه لم يكن لمورثه، أن هذه الدار لم يحط علمه بأنها
غصب، وإنما قال في الحديث: لم يكن لمورثه ومن كان بيده شئ ولم يعلم
لمن هو، فسبيله سبيل اللقطة فبعد التعريف المشروع يملك التصرف، فجاز
أن يبيع ماله فيها، وهو التصرف الذي ذكره في الخبر دون رقبة الأرض إذا
كانت في الأرض المفتوحة عنوة (1).
وهو حسن، إلا أنه ليس فيه توجيه لإطلاق لفظ البيع عليه، مع أنه
ليس حقيقة فيه، بل في المعاوضة على الأعيان. ونحوه في هذا توجيه
الماتن المشار إليه بقوله: (ويمكن تنزيلها على أرض عاطلة) خربة مملوكة
(أحياها غير المالك بإذنه ف‍) ان مثلها (للمحيي التصرف) فيه (و) ان
كان (الأصل للمالك) فإن حق التصرف ليس شيئا يجوز بيعه، كما عرفت
حقيقة، وإنما هو شئ يصح الصلح عليه.
اللهم إلا أن يكون المراد ببيع التصرف بيع الآثار الموجودة من الأبنية
والسقوف.
وبهذا وجه الفاضل في المختلف كلام النهاية المستند في الظاهر إلى
الرواية، قال بعده: ولا يلزم من كون الدار ليست له كونها غصبا، بل جاز أن
تكون عارية، وهو الظاهر، إذ تصرف المسلم إنما يبنى في الظاهر على
المشروع (2) انتهى. وهو حسن.
* * *

(1) السرائر 2: 380.
(2) المختلف 5: 313.
371

كتاب اللقطة
373

(كتاب اللقطة)
هي بضم اللام وفتح القاف وسكونها اسم للمال الملقوط على ما نقل
عن جماعة من أهل اللغة، كالأصمعي وابن الأعرابي والفراء وأبي عبيدة،
وعن الخليل أنها بالتسكين لا غير، وأما بفتح القاف فهي اسم للملتقط،
لأن ما جاء على فعلة فهو اسم للفاعل كهمزة ولمزة، وبهذا صرح أيضا
في التنقيح (1).
وعلى أي تقدير فهي لغة مختصة بالمال، وسيصرح به الماتن في القسم
الثالث، ولكنه هنا تبعا للفقهاء تجوز في إطلاقها على ما يشمل الآدمي.
(وأقسامه) أي الملقوط (ثلاثة).
(الأول في اللقيط)
ويقال له: الملقوط والمنبوذ أيضا (وهو كل صبي ضائع لا كافل له)
حالة الالتقاط ولا يستقل بنفسه بالسعي على ما يصلحه ويدفع عن نفسه
المهلكات الممكن دفعها عادة، فيلتقط الصبي والصبية مع عدم التمييز
إجماعا، وكذا معه على قول مشهور بين أصحابنا. ولا ريب فيه مع عدم

(1) التنقيح 4: 105.
375

بلوغ التمييز حدا يحفظ نفسه عن الهلاك بوقوع في بئر أو ماء أو نار أو عن
سطح ونحو ذلك، ويشكل مع بلوغه ذلك الحد وإن احتاج إلى بعض
الضروريات. وبعدم الجواز فيه صرح بعض الأصحاب.
قال: فيكون أمره إلى الحاكم كالبالغ من باب الولاية العامة، كحفظ
المجانين وأموال الغياب وسائر المصالح العامة، فينصب له من يباشر ذلك،
ويصرف عليه من بيت المال إن لم يكن له مال (1).
وهو حسن، ومرجعه إلى أن حكم الالتقاط - وهو الأخذ والتصرف في
اللقيط وحفظه ونحو ذلك - مخالف للأصل مطلقا، سيما على القول بوجوبه،
فيقتصر فيه على القدر المتيقن من النص والفتوى، وهو ما يطلق عليه لفظ
اللقيط حقيقة عرفا.
والمميز الدافع عن نفسه لا يسمى لقيطا جدا. وعلى تقدير التنزل فلا
أقل من الشك في تسميته بذلك حقيقة، وهو كاف في الرجوع إلى حكم
الأصل، ولعل مراد المجوزين خصوص المميز الغير الدافع على ما يظهر من
تعليلهم الجواز بما يدل عليه.
ومن هنا ينقدح وجه صحة تعبير الماتن كغيره عن اللقيط بخصوص
الصبي دون مطلق الإنسان الشامل له ولمن في حكمه كالمجنون، لعدم
صدق اللقيط عليه مطلقا وإن لم يستقل بدفع المهلكات عن نفسه، لأن ترتب
أحكام اللقيط عليه بالاسم دون الحاجة ودفع الضرر عن النفس المحترمة،
لاندفاعهما بإرجاع الأمر إلى الحاكم ومن في حكمه، كما في البالغ العاقل،
لاتفاقهم فيه على امتناع التقاطه. ومع ذلك قالوا: نعم لو خاف على البالغ
التلف في مهلكة وجب إنقاذه، كما يجب إنقاذ الغريق ونحوه.

(1) مجمع الفائدة 10: 394.
376

وهو كما ترى ظاهر في دوران أحكام اللقيط مدار الاسم دون وجوب
دفع الضرر، وإليه يشير ما في المسالك في بيان احتراز الماتن بقوله: الضائع
عن غير المنبوذ وإن لم يكن له كافل من التعليل بأنه لا يصدق عليه اسم
اللقيط وإن كان كفالته واجبة كالضائع إلا أنه لا يسمى لقيطا، وفي بيان
احترازه «بلا كافل له» عن الضائع المعروف النسب من قوله: فإن أباه وجده
ومن وجب عليه حضانته مختصون بحكمه، ولا يلحقه حكم الالتقاط وإن
كان ضائعا نعم يجب على من وجده أخذه وتسليمه إلى من يجب عليه
حضانته كفاية من باب الحسبة (1). ونحوه كلام غيره.
فلا وجه لما ذكرا هما وغيرهما من إلحاق المجنون مطلقا بالصبي، مع
اعترافهم بما ذكرناه، وتصريح بعض أهل اللغة في تعريف اللقيط بأنه الصبي
المنبوذ خاصة.
فالأجود - وفاقا لبعض من تأخر - عدم القطع بالإلحاق، بل التوقف فيه.
اللهم إلا أن يكون إجماعا، ولم أتحققه، سيما مع اقتصار كثير من
التعاريف على الصبي كالمتن، مع موافقته اللغة، كما عرفته.
نعم يتوجه عليه خروج الصبية والخنثى الغير البالغين مع صدق اللقيط
على غير مميزهما لغة وعرفا، وورود النص به في الأولى.
ففي الخبر المعتبر: عن اللقيطة، فقال: لا تباع ولا تشترى، ولكن
تستخدمها بما أنفقت عليها (2). ونحوه غيره (3).
ويمكن الذب عنه بإدخالهما في الصبي تغليبا، سيما مع شيوعه ودخول
الصبية فيه بفحوى الخطاب جدا.

(1) المسالك 12: 461.
(2) الوسائل 17: 372، الباب 22 من أبواب اللقطة، الحديث 4، 1.
(3) الوسائل 17: 372، الباب 22 من أبواب اللقطة، الحديث 4، 1.
377

(ويشترط في الملتقط التكليف) بالبلوغ والعقل، فلا يصح التقاط الصبي
والمجنون بلا خلاف ظاهر مصرح به في كلام بعض الأصحاب، لاستلزام
الصحة الولاية والحضانة والإنفاق، وليس لهما أهلية شئ من ذلك.
وهل يجوز الالتقاط من يدهما لمن له أهليته فله ولاية لحفظه أم لا بل
يخرج بذلك عن حكم اللقيط ويكون الولاية للحاكم؟ وجهان، ظاهر
المحكي عن التذكرة (1) الثاني، واستوجه الأول شيخنا الشهيد الثاني، بل
فسر عدم الصحة بذلك في الروضة (2) ولعله لاستصحاب الحالة السابقة -
لكنه معارض بالمثل - أو للإطلاقات.
وفي انصرافها إلى محل الفرض إشكال، ويفهم من إطلاق الماتن وكثير،
اشتراط التكليف خاصة عدم اشتراط الرشد، فيصح من السفيه، ولعله لأن
حضانته ليست مالا وإنما يحجر السفيه له، ومطلق كونه مولى عليه غير مانع.
خلافا للدروس فاستقرب اشتراطه، محتجا بأن الشارع لم يأتمنه على
ماله فعلى الطفل وماله أولى بالمنع، ولأن الالتقاط إئتمان شرعي والشرع لم
يأتمنه (3).
ويضعف بأن عدم إئتمانه إنما هو على المال لا على غيره، بل جوز
تصرفه في غيره مطلقا. وعلى تقدير أن يوجد معه مال يمكن الجمع بين
القاعدتين الشرعيتين، وهما عدم استيمان المبذر على المال وتأهيله لغيره
من مطلق التصرفات التي من جملتها الالتقاط والحضانة، فيؤخذ منه المال
خاصة.
ويشكل بأن صحة التقاطه يستلزم وجوب إنفاقه وهو ممتنع من المبذر،

(1) التذكرة 2: 270 س 26.
(2) الروضة 7: 69.
(3) الدروس 3: 76.
378

لاستلزامه التصرف المالي، وجعل التصرف فيه لآخر يستعقب الضرر على
الطفل بتوزيع أموره.
هذا، مضافا إلى عدم عموم يشمل جواز التقاطه، فليرجع فيه إلى حكم
الأصل، وهو عدم جوازه. فتأمل. وكذا يفهم من ذلك عدم اشتراط العدالة،
وإليه ذهب الأكثر على الظاهر المصرح به في المسالك (1).
قيل: للأصل، ولأن المسلم محل الأمانة، مع أنه ليس استيمانا حقيقيا،
ولانتقاضه بالتقاط الكافر مثله لجوازه بغير خلاف (2).
وقيل: بالاشتراط، كما عن الشيخ في أحد قوليه (3) والفاضل في
التحرير (4) والإرشاد (5) والقواعد (6) لافتقار الالتقاط إلى الحضانة، وهي
استيمان لا يليق بالفاسق، ولأنه لا يؤمن أن يسترقه ويأخذ ماله.
وفيه نظر، ولعل الأول أظهر، سيما مع التأيد بالإطلاقات الواردة مورد
الغالب، لندرة العادل. فتأمل.
ولا ريب أن الأول أحوط، كما صرح به الشهيد الثاني (7) وفاقا للمحكي
عن المحقق الثاني (8). فتدبر.
وهنا قول ثالث يحكى عن المحقق الثاني بالتفصيل بين ما إذا كان له
مال فالثاني، لأن الخيانة في المال أمر راجح، وما إذا لم يكن فالأول، لما مر.
وفيه أيضا نظر.
(وفي اشتراط الإسلام) في التقاط المحكوم بإسلامه كلقيط دار
الإسلام أو الكفر مع وجود مسلم فيها يمكن تولده منه (تردد) ينشأ:

(1) المسالك 12: 467.
(2) المسالك 12: 467.
(3) المبسوط 3: 340.
(4) التحرير 2: 123 س 15.
(5) الإرشاد 1: 440.
(6) القواعد 1: 195 س 4.
(7) الروضة 7: 73.
(8) جامع المقاصد 6: 108.
379

من انتفاء سبيل الكافر على المسلم، وأنه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه،
سيما إذا تخلق بالتربية والصحبة المتأكدة بأخلاقه وأقواله وأفعاله.
ومن أصالتي الجواز وعدم الاشتراط، مع كون المقصود الأهم من
الالتقاط الحضانة والتربية، وهما يحصلان مع الكفر.
والمناقشة في هذه الوجوه واضحة، لاندفاع الأصالة الأولى بعدم دليل
عليها سوى الإطلاقات، وفي انصرافها إلى محل البحث إشكال، لعدم تبادره
منها، بناء على ورودها خطابات للمسلمين وفي بلادهم، ويعضده ورود
النصوص بحرية المنبوذ على الإطلاق، مع اختصاصه بمنبوذ دار الإسلام
بالإجماع.
ومنه يظهر الجواب من الأصالة الثانية: فإنها صحيحة، حيث يوجد
عمومات أو إطلاقات ظاهرة تدل على الجواز على الإطلاق، وليس شئ
منهما بموجود في المسألة، كما عرفته. وكون المقصود الأهم منه ما ذكر من
الحضانة لا يستلزم المنع عن ثبوت المنع من حجة اخرى ظاهرة.
ولا ريب أن ما قدمناه من وجوه الأول منها بلا شبهة، سيما مع ورود
النص الصريح بالتعليل الاعتباري منها في المنع عن تزويج العارفة المؤمنة
من المخالف، ففيه: أن المرأة تأخذ من أدب زوجها (1).
فالأول أقوى، وفاقا لأكثر أصحابنا، بل عليه عامتهم، كما لا يذهب
على المتتبع ولا يخفى، وليس المخالف عدا الماتن هنا وفي الشرائع (2)
حيث تردد فيهما، والشيخ في الخلاف كما في التنقيح (3) أو المبسوط
كما في المسالك (4).

(1) الوسائل 14: 428، الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 2.
(2) الشرائع 3: 284.
(3) التنقيح 4: 106.
(4) المبسوط 3: 340.
380

ثم إن محل الخلاف على ما يستفاد من كلمات الأصحاب وتعليلاتهم
في الباب - وبه صرح جمع كالشيخ والفاضل في جملة من كتبه على ما
حكى عنهما الشهيدان (1) وغيرهما - ما قيدنا به العبارة من كون اللقيط
محكوما بإسلامه، دون ما إذا كان محكوما بكفره فللكافر التقاطه بلا خلاف.
وربما يستفاد من التنقيح انسحاب الخلاف فيه أيضا، فإنه قال بعد نقل
القولين: والتحقيق أنه إن حكم بإسلام اللقيط اشترط إسلام الملتقط،
وإلا فلا (2).
وهو كما ترى، لما مضى.
وأضعف منه ما ينقل من بعض المتأخرين من المنع عن التقاط الكافر
لمثله (3) فقد نفى الخلاف عن جوازه صريحا جماعة ومنهم شيخنا في
المسالك (4) والروضة (5) في بحث عدم اشتراط العدالة. وهو الحجة، مضافا
إلى الآية الكريمة: «والذين كفروا بعضهم أولياء بعض» (6).
وما ربما يتخيل للمنع من ورود النص بأن كل مولود يولد على
الفطرة (7) ففي التقاط الكافر له افتتان له ولو في الجملة مدفوع بأنه لو صح
لجرى في منع الكافر عن حضانته لولده، وهو مخالف للضرورة.
(ولا) يجوز أن (يلتقط المملوك إلا بإذن مولاه) بلا خلاف أجده،
بل عليه الإجماع في كلام بعض الأجلة (8). وهو الحجة; مضافا إلى أن

(1) غاية المراد 69 س 22 (مخطوط)، المسالك 12: 467.
(2) التنقيح 4: 106.
(3) في مفتاح الكرامة (6: 98 س 15) نقل ذلك عن تعليق الإرشاد للمحقق الثاني.
(4) المسالك 12: 467.
(5) الروضة 7: 73.
(6) الأنفال: 73.
(7) عوالي اللآلي 1: 35، الحديث 18.
(8) مجمع الفائدة 10: 398.
381

منافعه له وحقه مضيق ولا يتفرغ للحضانة، وفحوى الخبر: عن المملوك
يأخذ اللقطة، قال: وما للمملوك واللقطة والمملوك لا يملك من نفسه شيئا
فلا يعرض لها المملوك، فإنه ينبغي أن يعرفها سنة الخبر (1). فتدبر.
أما لو أذن له فيه ابتداء أو أقره عليه بعد وضع يده عليه جاز، وكان
السيد في الحقيقة هو الملتقط والعبد نائبه. قيل: ثم لا يجوز للسيد الرجوع
فيه (2).
ولا فرق بين القن والمكاتب والمدبر والمبعض وأم الولد، لعدم جواز
تبرع واحد منهم بماله ولا منافعه إلا بإذن سيده، ولا يدفع ذلك مهاياة
المبعض وإن وفى زمانه المختص به بالحضانة، لعدم لزومها، فجاز تطرق
المانع كل وقت.
نعم لو لم يوجد لللقيط كافل غير العبد وخيف عليه التلف بالإبقاء فعن
التذكرة (3) جواز التقاطه له حينئذ. ولعله أراد به الوجوب، كما صرح به في
الدروس (4). ولا ريب فيه. لكنه لا يوجب إلحاق حكم اللقطة به، وإنما دلت
الضرورة على الوجوب من حيث إنقاذ النفس المحترمة من الهلكة، وهو غير
حكم اللقطة، كما مر إليه الإشارة، فلو وجد من له أهلية الالتقاط وجب عليه
انتزاعه منه وسيده من الجملة، لانتفاء أهلية العبد له.
(وأخذ اللقيط مستحب) إما مطلقا كما عليه الماتن هنا وفي الشرائع (5)
أو مع عدم الخوف خاصة. وأما معه فيجب، كما في ظاهر الدروس (6)

(1) الوسائل 17: 370، الباب 20 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
(2) الظاهر أن القائل هو صاحب جامع المقاصد 6: 107.
(3) التذكرة 2: 270 س 29.
(4) الدروس 2: 75 - 76.
(5) الشرائع 2: 285.
(6) الدروس 2: 75 - 76.
382

وصريح اللمعة (1) واستوجه هذا شيخنا في المسالك (2) والروضة (3) وتبعه
في الكفاية (4).
استنادا في الصورة الأولى: إلى الأصل، مع سلامته عن المعارض سوى
الأمر بالإعانة على البر، وهو للاستحباب، لاستلزام وجوبه وجوب الإعانة
على كثير من وجوه البر التي تشهد الضرورة بعدم وجوبها فيها، والبناء على
التخصيص يوجب خروج مثل هذا العام عن الحجية، لخروج أكثر أفراده، مع
أنه برهن في محله اشتراط بقاء ما يقرب من مدلول العام في حجيته فيما
يبقى منه بعد تخصيصه.
وفي الصورة الثانية: إلى وجوب دفع الضرر عن النفس المحترمة
بالإجماع، بل الضرورة. وهذا التفصيل لا يخلو عن قوة إن وجد الصورة
الأولى. ولكن في وجودها مناقشة، كما صرح به بعض الأجلة، قال: إذ الطفل
في محل التلف مع عدم الكفيل (5).
فإذا الأجود الوجوب مطلقا، وفاقا للشيخ (6) والأكثر كما في المسالك (7)
والكفاية (8) بل ادعى عليه الصيمري في شرح الشرائع (9) الشهرة.
ومنه يظهر أضعفية مختار الماتن مع تفرده به على الظاهر، فلم نر له
موافقا ولا حكاه أحد.
ثم على المختار ليس الوجوب عينيا بل كفائيا إجماعا، كما عن
التذكرة (10).

(1) اللمعة: 143.
(2) المسالك 12: 472.
(3) الروضة 7: 77.
(4) كفاية الأحكام: 234 س 31.
(5) مجمع الفائدة 10: 393.
(6) المبسوط 3: 336.
(7) المسالك 12: 471.
(8) كفاية الأحكام: 234 س 31.
(9) غاية المرام: 174 س 29 (مخطوط).
(10) التذكرة 2: 270 س 13.
383

(واللقيط في دار الإسلام حر) محكوم بإسلامه لا يجوز تملكه (و)
لا كذلك اللقيط (في دار الشرك) فإنه (رق) محكوم بكفره يجوز استرقاقه
بلا خلاف أجده في المقامين، واحتمله إجماعا بعض الأجلة (1). وهو الحجة;
مضافا في الأول إلى أصالة الحرية في الناس المستفادة من الأدلة المتقدمة
في كتاب العتق من الفتوى والرواية، وخصوص النصوص المستفيضة:
ففي الصحيح: المنبوذ حر، فإذا كبر فإن شاء توالى إلى الذي التقطه،
وإلا فليرد عليه النفقة، وليذهب فليوال من شاء (2).
وفيه: عن اللقيط، فقال: حر لا يباع ولا يوهب (3). ونحوه آخر، إلا أنه
أنث فيه المذكر.
وفي الخبر: اللقيط لا يشترى ولا يباع (4).
وفي آخر: المنبوذ حر، فإن أحب أن يوالي غير الذي رباه، وإلا فإن
طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا رد عليه، وإن كان معسرا كان ما أنفق
عليه صدقة (5).
إلى غير ذلك من النصوص، وهي وإن كانت مطلقة شاملة للقيط دار
الشرك أيضا، إلا أنه غير متبادر منها بعد ورودها خطابات للمسلمين وفي
بلادهم، وقد مر نظيره.
هذا، مع ما عرفت من الاتفاق على الظاهر على الحكم برقيته فيه تقييد
تلك الإطلاقات على تقدير تسليم ظهور شمولها لمحل البحث، وتخص
أصالة الحرية المتقدمة.

(1) الظاهر صاحب مجمع الفائدة 10: 414.
(2) الوسائل 17: 371، الباب 22 من أبواب اللقطة، الحديث 3، 5.
(3) الوسائل 17: 371، الباب 22 من أبواب اللقطة، الحديث 3، 5.
(4) الوسائل 17: 371، الباب 22 من أبواب اللقطة، الحديث 1، 2.
(5) الوسائل 17: 371، الباب 22 من أبواب اللقطة، الحديث 1، 2.
384

قالوا: والمراد ببلاد الإسلام هنا ما ينفذ فيه حكمه ولا يكون فيها كافر
ومعاهد، ودار الكفر ما ينفذ فيه أحكامه ولا يوجد فيها مسلم إلا مسالم،
قالوا: ولو وجد فيها مسلم ولو واحدا يمكن تولده منه ولو إمكانا ضعيفا ألحق
به، ولم يحكم بكفره ولا رقه. ولعله لما ورد من أن الإسلام يعلو ولا يعلى (1).
واعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب وأكثر أهل العلم - كما في
المسالك (2) وغيره - أنه لا ولاية للملتقط ولا لغيره من المسلمين عليه
إلا في حضانته وتربيته بل هو سائبة يتولى من شاء، وعليه دلت جملة
من النصوص المتقدمة وغيرها.
(و) يتفرع عليه أنه (إذا لم يتوال أحدا) بعد بلوغه (فعاقلته ووارثه
الإمام (عليه السلام) إذا لم يكن له وارث) ولم يظهر له نسب فدية جنايته خطأ عليه
وحق قصاصه في النفس له وفي الطرف اللقيط بعد بلوغه قصاصا ودية. قيل:
ويجوز للإمام تعجيله قبله، كما يجوز ذلك للأب والجد على أصح القولين (3).
ويستفاد من شيخنا في الروضة وقوع الخلاف في أصل الحكم حيث
قال بعد بيان أنه لا ولاء عليه للملتقط ولا لأحد من المسلمين: خلافا
للشيخ (4). ولعله أشار به إلى ما يحكى في المختلف والدروس عنه وعن
المفيد: من أنه إذا لم يتوال أحدا كان ولاؤه للمسلمين ولم يكن للذي أنفق
عليه ولاؤه، وإن ترك ولم يترك ولدا ولا قرابة له من المسلمين كان ما تركه
لبيت المال كما عن الأول (5) أو لبيت مال المسلمين كما عن الثاني (6).
لكن ذكر الحلي أن المقصود من بيت المال هنا بيت مال الإمام دون بيت مال

(1) الوسائل 17: 376، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.
(2) المسالك 12: 469.
(3) الروضة 7: 79 - 77، المبسوط 3: 347.
(4) الروضة 7: 79 - 77، المبسوط 3: 347.
(5) النهاية 2: 49.
(6) المقنعة: 648.
385

المسلمين.
قال: فإذا ورد لفظة «أنه للمسلمين أو لبيت المال» فالمراد به بيت مال
الإمام، وإنما أطلق القول بذلك لما فيه من التقية، لأن بعض المخالفين لا
يوافق عليه. ثم قال: هكذا أورده شيخنا في آخر الجزء الأول من مبسوطه،
وهو الحق اليقين (1) انتهى.
ولعله لذا نسب الحكم في المسالك (2) وغيره إلى الأصحاب، من غير
نقل خلاف.
وفيه نظر، كنسبة الخلاف في الروضة إلى الشيخ خاصة، لما عرفته من
موافقة المفيد له، مع أنه حكي في الكتابين (3) أيضا عن الإسكافي قولا
آخر يخالف ما عليه الأصحاب ولو في الجملة، وهو أنه لو أنفق عليه
وتولى غيره رد عليه النفقة فإن أبى فله ولاؤه وميراثه. ولكن حمله الفاضل
على أخذ قدر النفقة من ميراثه.
وعلى أي حال فالحق ما ذكره الأصحاب، ولا دليل على ما ذهب إليه
الإسكافي والشيخان في ظاهر عبائرهم.
(ويقبل إقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده) أي عقله ما لم يعلم
حريته سابقا بشياع ونحوه على الأظهر الأشهر، لعموم إقرار العقلاء على
أنفسهم جائز (4) وخصوص ما مر في كتاب العتق من النص الدال على أن
الناس أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية (5).

(1) السرائر 2: 108.
(2) المسالك 12: 469.
(3) المختلف 6: 106، الدروس 3: 81.
(4) الوسائل 16: 111، الباب 3 من أبواب الإقرار، الحديث 2.
(5) الوسائل 16: 33، الباب 29 من أبواب العتق، الحديث 1.
386

خلافا للحلي، فقال: لا يقبل إقراره عند محصلي أصحابنا، وهو الأصح،
لأن الشارع حكم عليه بالحرية (1).
ويضعف بأن حكم الشارع على الحرية بناء على الأصل، وهو يدفع
بالإقرار بعده. ولا فرق بين اللقيط وغيره من المجهولين، فلو جاء رجل
وأقر بالعبودية يقبل وقد كان على مذهبه (2) أنه لا يقبل، لأنه كان محكوما
عليه بالحرية شرعا فلا يقبل إقراره بالعبودية. وهذا كله غلط، كما في
المختلف (3) ومع ذلك النص الخاص المتقدم يدفعه صريحا.
نعم إن اعترف سابقا بحريته مع الوصفين ثم ادعى رقيته أمكن عدم
قبول إقراره، لكونه مناقضا لإقراره السابق، وفاقا لجماعة ومنهم الشيخ في
المبسوط (4).
خلافا للآخرين، ومنهم المحقق الثاني (5) كما حكي، وجعله الأشهر
شيخنا الشهيد الثاني (6) فقبلوه هنا أيضا، للعموم السابق، وعدم منافاة إقراره
السابق له، فإنه له، والثاني عليه، فليقدم بمقتضى النص المتقدم الدال على
قبول الإقرار عليه، ولا دليل على قبوله له حيث ينافي الأصل وقبوله حيث
لا ينافيه، كما في محل البحث، إنما هو من حيث الأصل، ولولاه لما قبل.
فوجود هذا الإقرار كعدمه، ولعله أقوى.
ثم إن كل ذا إذا لم يكذبه المقر له. وأما معه ففي قبول إقراره حيث يقبل
من دونه قولان، اختار ثانيهما في المبسوط (7) وأولهما في المسالك (8).

(1) السرائر 2: 354.
(2) يعني مذهب ابن إدريس.
(3) المختلف 5: 236 - 237.
(4) المبسوط 3: 353.
(5) جامع المقاصد 6: 132.
(6) المسالك 12: 481.
(7) المبسوط 3: 352.
(8) المسالك 12: 481.
387

ويتفرع عليه ما إذا عاد المقر له فصدقه، فلا يلتفت إليه على الأول،
لأنه لما كذبه ثبت حريته بالأصل، فلا يعود رقيقا. ونعم على الثاني، لأن
الرقية المطلقة تصير كالمال المجهول المالك يقبل إقرار مدعيه ثانيا وإن
أنكره أولا.
وحيث حكم برقيته ففي بطلان تصرفاته السابقة على الإقرار أوجه،
يفرق في ثالثها بين ما لم يبق أثره كالبيع والشراء فلا يبطل، وما يبقى
كالنكاح فيبطل، وعليه نصف المهر قبل الدخول، وتمامه بعده.
ولو كانت المقرة الزوجة اللقيطة لم يحكم بالبطلان، لتعلقه بالغير، ويثبت
للسيد أقل الأمرين من المسمى وعقر الأمة، واختار هذا في الدروس (1).
واعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف، أن
الواجب على الملتقط حضانته بالمعروف وهو تعهده والقيام بضرورة تربيته
بنفسه أو بغيره، وأنه لا يجب عليه الإنفاق من ماله ابتداء، بل من مال اللقيط
الموجود تحت يده أو الموقوف على أمثاله أو الموصى لهم به بإذن الحاكم
مع إمكانه، وإلا أنفق ولا ضمان، وعن التذكرة (2) الإجماع على عدم وجوب
الإنفاق عليه ابتداء، وجوازه على اللقيط من ماله، لكن بإذن الحاكم مع
إمكانه.
ولا ريب في اعتباره حينئذ، لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير
بغير إذنه أو إذن وليه، وولايته مقصورة على الحضانة دون التصرف في
المال. وهذا وإن جرى في صورة عدم إمكان الإذن إلا أن الجواز فيها
للضرورة المبيحة، وهي في صورة الإمكان مفقودة.
فالحكم بالجواز في الصورتين - كما يميل إليه بعض متأخري متأخري

(1) الدروس 3: 81.
(2) التذكرة 2: 273 س 16.
388

الطائفة (1) - لا وجه له، سيما مع كون التفصيل بينهما بالجواز في إحداهما
وعدمه في الثانية معروفا بين الطائفة، وبه صرح في الكفاية (2).
ثم إن هذا إن وجد لللقيط مال (و) أما (إذا وجد الملتقط) ولا مال له،
فإن وجد (سلطانا استعان به على نفقته) من بيت المال أو الزكاة (فإن لم
يجد) وتعذر عليه (استعان بالمسلمين) ويجب عليهم مساعدته بالنفقة
كفاية على الأشهر بين الطائفة، لوجوب إعانة المحتاج كذلك مطلقا.
خلافا للماتن في الشرائع (3) حيث تردد فيه مما مر، ومن أن الوجوب
حكم شرعي فيقف على دليل وليس; مضافا إلى أصالة البراءة. ويمنعان بما
عرفته، فإنه أخص. فإذا الأشهر أظهر.
وعليه فإن وجد متبرع منهم، وإلا كان الملتقط وغيره ممن لا ينفق
إلا بنية الرجوع سواء في الوجوب.
(وإن (4) تعذر الأمران) من الرجوع إلى السلطان والاستعانة
بالمسلمين (أنفق الملتقط) وجوبا (ورجع عليه) بعد يساره (إذا نوى
الرجوع) بها عليه (ولو تبرع) ولم ينو (لم يرجع) كما لا يرجع لو وجد
المعين المتبرع فلم يستعن به. ولا إشكال في شئ من ذلك ولا خلاف
إلا في الرجوع مع نيته.
فقد خالف فيه الحلي، وقال: الأقوى عندي أنه لا يرجع به عليه، لأنه
لا دليل على ذلك، والأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى أدلة ظاهرة (5).
ويضعف باستلزام ما ذكره الإضرار باللقيط، وهو منفي بالنص

(1) المسالك 12: 470.
(2) كفاية الأحكام: 234 س 39.
(3) الشرائع 3: 284 - 285.
(4) في المتن المطبوع: فإن.
(5) السرائر 2: 107.
389

والإجماع، وذلك فإنه إما أن يجب النفقة على الملتقط أو لا، والأول: ضرر
به، مع أنه خرق للإجماع أيضا، كما في المختلف، قال: إذ لم يوجبه أحد
مجانا، والثاني: باطل أيضا، لأنه ضرر على اللقيط، إذ لملتقطه ترك ما ليس
بواجب عليه فيؤدي ذلك إلى تلفه (1).
والإجماع بل الضرورة تنادي ببطلانه.
هذا، مع أنه قد ورد جملة من النصوص الدالة على جواز الرجوع بها
عليه، بل تضمنت أمر اللقيط بردها عليه، وفيها الصحيح وغيره، وقصور
سنده مجبور بالعمل، فلا قدح فيه، كما لا قدح في شمولهما لما لا يجوز له
الرجوع فيه إجماعا، لجواز التقييد والتخصيص، مع حجية العام في الباقي
على الأشهر الأقوى: وفي الصحيح: عن اللقيطة، فقال: لا تباع ولا تشترى،
ولكن استخدمها بما أنفقته عليها (2). وربما كان فيه تأييد ما لما اخترناه،
فلا إشكال فيه أصلا وهل يشترط مع نية الرجوع الإشهاد؟ عن التذكرة
نعم (3) وعن الحلي لا (4) وهو أشهر وأقوى، بل عليه عامة متأخري
أصحابنا، للأصل، مع عدم ما يوجب الخروج عنه نعم الأحوط ذلك، ليسلم
عن اليمين لو ادعى اللقيط عليه التبرع.
(القسم الثاني في الضوال)
جمع ضالة (وهي كل حيوان مملوك ضائع) أخذ و «لا يد» محترمة
عليه، احترز بالمملوك عن نحو الخنزير والكلب العقور، وبالضائع عما يوجد
وعليه يد المالك، وبلا يد عليه عن الحيوان الضائع عن مالكه بيد الملتقط.

(1) المختلف 6: 105.
(2) الوسائل 17: 372، الباب 22 من أبواب اللقطة، الحديث 4.
(3) التذكرة 2: 273 س 39.
(4) السرائر 2: 107.
390

(وأخذه في صورة الجواز) الآتية (مكروه) كما هو من مذهبهم
معروف.
قيل: للنصوص. منها النبوي: لا يؤوي الضال إلا الضال (1). والخبران:
الضوال لا يأكله إلا الضالون (2) وزيد في أحدهما: إذا لم يعرفوها (3).
وفي الاستدلال بها نظر، لورودهما في الأكل دون الأخذ الذي هو محل
البحث، فلا دلالة فيه على المنع عنه.
وربما كان في الثاني من جهة الزيادة إشعار بل ظهور في اختصاص
المنع بالأول، دون الثاني. فتدبر. ولكن الأمر في ذلك هين، لأن في فتاوى
الأصحاب والخبر الأول كفاية وإن ضعف السند ولم يبلغ الفتوى درجة
الإجماع، لجواز التسامح في أمثال المقام.
(و) استثنوا من ذلك الأخذ (مع تحقق التلف) فقالوا: إنه جائز، بل
(مستحب) صيانة للمال المحترم عنه، مع انتفاء الفائدة للمال على تقدير
تركها. قيل: بل قد يجب كفاية إذا عرف مالكها (4).
وحيث قد دل فحوى العبارة على اختلاف حكم التقاط الضالة حرمة
وحلا أراد بيان كل من الصورتين، وأشار إلى الأول بقوله: (فالبعير لا
يؤخذ) إذا وجد في كلاء وماء يكفيانه أو كان صحيحا إجماعا، كما يأتي،
والصحاح به مع ذلك مستفيضة:
في اثنين منها: إني وجدت شاة، فقال (صلى الله عليه وآله): هي لك أو لأخيك أو
للذئب، فقال: يا رسول الله إني وجدت بعيرا، فقال معه حذاؤه وسقاؤه،

(1) عوالي اللآلي 3: 484، الحديث 3 مع اختلاف يسير.
(2) الوسائل 17: 348 - 350، الباب 1، 2 من أبواب اللقطة، الحديث 5، 4.
(3) الوسائل 17: 348 - 350، الباب 1، 2 من أبواب اللقطة، الحديث 5، 4.
(4) الروضة 7: 83.
391

حذاؤه خفه، وسقاؤه كرشه (1).
وفي ثالث: عن الشاة الضالة بالفلاة، فقال للسائل: هي لك أو لأخيك
أو للذئب، قال: وما أحب أن أمسها، وسئل عن البعير الضال، فقال للسائل:
مالك وله خفه - إلى أن قال: - خل عنه (2). ونحوها مفهوم الرابع الآتي.
هذا، مضافا إلى الأصل الدال على عدم جواز إثبات اليد على مال الغير
من دون الإذن أو السبب المرخص فيه، وليسا في محل الفرض، لعدم
المعرفة بالصاحب، وأن البعير مصون عن السباع بامتناعه مستغن بالرعي،
فمصلحة المالك ترك التعرض له حتى يجده، والغالب أن من أضل شيئا
يطلبه حيث يضعه فإذا أخذه غيره ضاع عنه، وعليه نبه في بعض النصوص.
(ولو أخذه) في هذه الصورة (ضمنه الآخذ) لأنه غاصب، فلا يبرأ
إلا برده إلى المالك أو الحاكم مع فقده، لا بالإرسال ولا برده إلى المكان
الأول. قيل: إلا إذا أخذها ليردها إلى المالك (3).
وفي رواية: الضالة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلا فينفق، قال:
هو ضامن، فإن لم ينو أن يأخذ لها جعلا فنفقت فلا ضمان عليه (4).
وفي الصحيح: من وجد ضالة ولم يعرفها ثم وجدت عنده فإنها لربها
أو مثلها من مال الذي كتمها (5).
(وكذا حكم الدابة والبقرة) والحمار بلا خلاف في الأول أجده،
وجعله المعروف من مذهب الأصحاب في الكفاية (6) للأصل المتقدم،

(1) الوسائل 17: 263، الباب 13 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
(2) الوسائل 17: 263، الباب 13 من أبواب اللقطة، الحديث 5.
(3) مفاتيح الشرائع 3: 181.
(4) الوسائل 17: 369، الباب 19 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
(5) المصدر السابق: الباب 14، الحديث 1.
(6) كفاية الأحكام: 235 س 16.
392

مضافا إلى خصوص الخبرين:
في أحدهما: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في رجل ترك دابة من جهد،
قال: إن كان تركها في كلاء وماء وأمن فهي له يأخذها حيث أصابها، وإن
كان تركها في خوف وعلى غير ماء ولا كلاء فهي لمن أصابها (1).
وفي الثاني: أنه (عليه السلام) كان يقول في الدابة: إذا سرحها أهلها أو عجزوا
عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها، قال: وقضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في
رجل ترك دابة، فقال: إن كان تركها في كلاء وماء وأمن فهي له يأخذها متى
شاء، وإن تركها في غير كلاء وماء فهي للذي أحياها (2).
وعلى (3) مذهب الخلاف (4) والسرائر في الأخيرين، ووافقه الماتن في
الشرائع (5) لكن بعد التردد، وفي المسالك (6) استجود إلحاق الأول منهما
دون الثاني، واستقرب عدم الإلحاق فيهما في الكفاية (7) قال: وقوفا في
النهي على مورد النص. وفيه نظر، التفاتا إلى ما يستفاد من النصوص من أن
وجه الحكمة في جواز التقاط البعير والدابة وعدمه إنما هو الأمن من تلفه
بامتناعه من صغار السباع وعدمه، مضافا إلى ظهور اتفاق الفتاوى عليه في
المقامين، مع أن المنع عن التقاطهما هو الأوفق بالأصل المتقدم.
فالأجود الإلحاق فيهما، سيما مع عموم الصحيح الآتي، بناء على أن
المراد من المال فيه خصوص الحيوان الضال، كما يشهد له سياقه، وصرح به
بعض الأصحاب.
(و) يجوز أن (يؤخذ) البعير وما في حكمه (لو تركه صاحبه من

(1) الوسائل 17: 364، الباب 13 من أبواب اللقطة، الحديث 4، 3.
(2) الوسائل 17: 364، الباب 13 من أبواب اللقطة، الحديث 4، 3.
(3) عطف على قوله: بلا خلاف.
(4) الخلاف 3: 579، المسألة 2.
(5) الشرائع 3: 289.
(6) المسالك 12: 495.
(7) كفاية الأحكام: 235 س 18.
393

جهد) وعطب لمرض أو كسر أو غيرهما (في غير كلاء ولا ماء ويملكه
الآخذ) حينئذ على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، للصحيح: من
أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت وقامت وسيبها صاحبها
لما لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال
ومن الموت فهي له، ولا سبيل له عليها، وإنما هي مثل الشئ المباح (1)
مضافا إلى الخبرين المتقدمين في الدابة.
خلافا لابن حمزة (2) فلم يجوز الأخذ أيضا في هذه الصورة، التفاتا منه
إلى إطلاق المنع عنه في الصحاح المتقدمة.
ويضعف بلزوم تقييده بهذه النصوص المعتبرة، وظاهرها كالعبارة
ونحوها من عبائر الجماعة وصريح آخرين اشتراط الأمرين من الترك من
جهد وفي غير كلاء وماء معا، فلو انتفى أحدهما بأن ترك من جهد في كلاء
وماء أو من غير جهد في غيرهما، أو انتفى كل منهما بأن ترك من غير جهد
فيهما لم يجز الأخذ، وعليه الإجماع في ظاهر التنقيح (3) وصريح
الصيمري (4).
وربما يستفاد من بعض متأخري المتأخرين ما يعرب عن كفاية أحدهما.
ولا ريب في ضعفه مع عدم وضوح دليله.
وهل الفلاة المشتملة على كلاء دون ماء أو بالعكس بحكم عادمتهما،
أو بحكم مشتملتهما؟ قولان، صريح التنقيح (5) الثاني، وصريح شيخنا
الشهيد الثاني الأول.

(1) الوسائل 17: 364، الباب 13 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
(2) الوسيلة: 278.
(3) التنقيح 4: 110.
(4) غاية المرام: 175 س 19 (مخطوط).
(5) التنقيح 4: 110.
394

قال: لعدم قوام الحيوان بدونهما، ولظاهر قول أمير المؤمنين (عليه السلام): إنه إن
تركها في غير كلاء ولا ماء فهي للذي أحياها (1). وهذا أقوى.
(والشاة إن وجدت في الفلاة) التي يخاف عليها فيها من السباع (أخذه
الواجد) جوازا بلا خلاف ظاهر مصرح به في المسالك (2) وغيره، بل عليه
الإجماع في شرح الشرائع للصيمري (3) وعن التذكرة (4). وهو الحجة;
مضافا إلى الصحاح المتقدمة.
و (لأنها لا تمتنع من صغير السباع) فتكون كالتالفة لا فائدة للمالك
في تركها له. ويتخير الآخذ بين حفظها لمالكها ودفعها إلى الحاكم، ولا
ضمان فيهما إجماعا، كما في شرح الشرائع للصيمري (5) والمسالك (6)
للأصل، وانتفاء الموجب للضمان في الصورتين، نظرا إلى الرخصة في
الآخذ، فيكون أمينا في الحفظ والدفع إلى الحاكم الذي هو بحكم المالك،
لأنه ولي الغيب. وبين ان يتملكها بلا خلاف.
(و) هل (يضمنها) حينئذ كما عن الأكثر مطلقا، أو مع ظهور المالك،
أم لا؟ قولان، تردد بينهما في الشرائع (7).
من أنها مال الغير ولم يوجد دليل ناقل عن حكم ضمانه وإنما المتفق
عليه جواز تصرفه فيها، ولعموم على اليد ما أخذت حتى تؤدي (8)
وعموم الخبر: من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه، فإذا جاء
طالبه رده إليه (9).
ومن ظاهر اللام في قوله (عليه السلام): «هي لك» في تلك الصحاح، وإطلاق

(1) الروضة 7: 85.
(2) المسالك 12: 496.
(3) غاية المرام: 175 س 1، 2 (مخطوط).
(4) التذكرة 2: 267 س 12.
(5) غاية المرام: 175 س 1، 2 (مخطوط).
(6) المسالك 12: 496.
(7) الشرائع 3: 289.
(8) عوالي اللآلي 2: 345، الحديث 10.
(9) عوالي اللآلي 3: 485، الحديث 6.
395

الصحيحة الأخيرة منها الصريحة في الملك بالأخذ. وبه تخص العمومات
المتقدمة، مع قصور الرواية الأخيرة منها سندا، بل ودلالة.
وأما ما يقال: من احتمال اللام الاختصاص الغير المنافي للضمان
واختصاص الصحيحة الأخيرة بحيوان سيبه صاحبه فلا تعم صورة المسألة
فمحل مناقشة، لمنافاة الاحتمال للظاهر، المتبادر منها عند الاطلاق،
واندفاع الاختصاص بعدم القول بالفرق بين الأصحاب.
ومع ذلك فلا ريب ان الضمان أحوط، بل وأظهر، للصحيح المروي عن
قرب الاسناد: عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحل له؟ قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي لك أو لأخيك أو للذئب، فخذها وعرفها حيث أصبتها،
فإن عرفت فردها إلى صاحبها، وإن لم تعرف فكلها وأنت ضامن لها إن جاء
صاحبها يطلب ثمنها أو تردها عليه (1).
لكن سيأتي في الصحيح: أن من وجد ضالة فلم يعرفها ثم وجدت عنده
فإنها لربها (2) الحديث.
ويستفاد من مفهومه خروجه عن ملك المالك بالتعريف، وهل له التملك
قبل التعريف سنة؟ قيل (3): لا، للاستصحاب، وعموم الأمر بالتعريف في
اللقطات. وقوى جماعة العدم (4) لإطلاق الصحاح بالملك من دون تقييد له
به، مع ورودها في مقام بيان الحاجة، وبه يخص عموم الأمر المتقدم مع
الاستصحاب، مع أنه لا عموم له، بل غايته الإطلاق الغير المنصرف بحكم
التبادر وسياق جل من النصوص المشتملة عليه إلا إلى لقطة الأموال،
غير الضوال.

(1) قرب الاسناد: 116.
(2) الوسائل 17: 365، الباب 14 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
(3) لم نعثر على القائل به.
(4) الروضة 7: 87.
396

والأول أحوط، بل لعله أظهر، للصحيح المتقدم الصريح في ذلك،
المعتضد بإطلاق الصحيح الآخر، بل عمومه الناشئ من ترك الاستفصال: عن
الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟ قال: يعرفها سنة، فإن لم
يعرف حفظها في عرض ماله حتى يجيء طالبها فيعطيها إياه وإن مات
أوصى بها وهو لها ضامن (1). فتأمل.
والصحيح: من وجد ضالة فلم يعرفها ثم وجدت عنده فإنها لربها (2).
والخبر: الضوال لا يأكلها إلا الضالون إذا لم يعرفوها (3).
(وفي رواية ضعيفة) إن واجد الشاة (يحبسها عنده ثلاثة أيام، فإن
جاء صاحبها، وإلا تصدق بثمنها) (4) عن صاحبها، وقد حملها الأصحاب
على ما إذا أخذت من العمران والمساكن المأهولة وما هو قريب منها، بحيث
لا يخاف عليها من السباع، وظاهرهم الإطباق على العمل بها حينئذ.
ولكن اختلفوا في جواز الأخذ فيه. فعن المبسوط (5) أنه جوز فيه
وفيما كان متصلا به نصف فرسخ أخذ الحيوان ممتنعا أو لا، ويتخير الآخذ
بين الإنفاق تطوعا أو الدفع إلى الحاكم وليس له أكله. والمشهور كما في
التنقيح (6) - وعن التذكرة (7) عدم الخلاف فيه - المنع، إلا مع خوف التلف أو
النهب، فيجوز أخذه حينئذ حفظا لمالكه على وجه الحسبة. وفي الدروس
عن الفاضل الموافقة لهم إلا في الشاة، قال: ومنع الفاضل من أخذ ما في
العمران عدا الشاة إلا أن يخاف عليه النهب أو التلف (8). ووجهه كوجه ما في

(1) الوسائل 17: 370، الباب 20 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
(2) المصدر السابق: الباب 14 - 13، الحديث 1، 6.
(4) المصدر السابق: الباب 14 - 13، الحديث 1، 6.
(3) المصدر السابق: الباب 2، الحديث 4.
(5) المبسوط 3: 320.
(6) التنقيح 4: 113.
(7) لم نجد التصريح به فيها راجع التذكرة 2: 267 س 20.
(8) الدروس 3: 83.
397

المبسوط غير واضح، مع أن الأصل عدم جواز الأخذ والتصرف في ملك
الغير بدون إذن من الشرع، كما هو مفروض البحث.
فإذا الأظهر قول الأكثر.
(و) يجب أن (ينفق الواجد على الضالة إن لم يتفق سلطان ينفق)
عليها (من بيت المال) أو يأمره بالإنفاق حفظا لنفسها المحترمة عن الهلكة،
ولا يرجع بالنفقة على المالك حيثما لم يجز له أخذها قطعا، لعدم الإذن له
في الأخذ ولا الإنفاق وإن وجب عليه من باب الحفظ.
(وهل يرجع) بها (على المالك) حيثما جاز له الأخذ مع نية الرجوع؟
قولان (الأشبه نعم) وعليه الأكثر، بل لعله عليه عامة من تأخر، لما مر في
بحث الإنفاق على اللقيط.
خلافا لمن سبق ثمة. ودليله مع جوابه يعلم من هناك.
(ولو كان للضالة نفع كالظهر) والركوب (أو اللبن) جاز الانتفاع به
في مقابلة الإنفاق بلا خلاف، كما يفهم من الروضة (1) ويعضده الصحيح (2)
الوارد في تجويز استخدام اللقطة في مقابلة النفقة.
وفي كيفية الاحتساب بالمنفعة مكان النفقة قولان.
(قال الشيخ في النهاية: كان) ما استوفاه من المنافع (بإزاء ما أنفق)
عليها (3). وحجته هنا غير واضحة، عدا ما ذكره جماعة من الحوالة على
ما ورد في الرهن من الرواية.
ويضعف - زيادة على ما أوردنا عليها ثمة من ضعف السند وقصور

(1) الروضة 7: 91.
(2) الوسائل 17: 372، الباب 22 من أبواب اللقطة، الحديث 4.
(3) النهاية 2: 50.
398

الدلالة والمخالفة للقواعد الشرعية - بأنه قياس فاسد في الشريعة، مع أن
الرواية الدالة على ذلك ثمة مشترطة للرهينة، فإنه قال (عليه السلام) الظهر يركب إذا
كان مرهونا وعلى الذي يركب نفقته، والدر يشرب إذا كان مرهونا وعلى
الذي يشرب نفقته (1).
(و) من هنا ينقدح أن (الوجه) في المسألة ما اخترناه ثمة من لزوم
(التقاص) بالنفقة، ورجوع كل ذي فضل بفضله، لأن لكل منهما حقا عند
الآخر، فيتقاصان كسائر الحقوق.
(القسم الثالث) في لقطة المال الصامت
(وفيه ثلاثة فصول):
(الأول اللقطة)
(كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه) هذا تعريف لها بالمعنى الأخص،
الذي هو المعروف منها لغة، كما مضى.
وربما كان فيه مع جعل المعرف قسما ثالثا من اللقطة تقسيم للشيء إلى
نفسه وغيره.
ويندفع بأن المراد من المقسم المعنى الأعم الذي هو المصطلح في
استعمال الفقهاء، فلا محذور لتغاير الاعتبارين.
وكان عليه أن يقيد المال بالصامت كي لا ينتقض في طرده بالحيوان
الضائع، حتى العبد فإنه داخل في المال المطلق.
إذا عرفت هذا (ف‍) اعلم أن (ما) كان منه (دون الدرهم) يجوز
التقاطه و (ينتفع به من غير تعريف) بلا خلاف ظاهر، بل عليه الإجماع

(1) الوسائل 13: 134، الباب 12 في أحكام الرهن، الحديث 2.
399

عن التذكرة (1) وفي التنقيح (2) لكن فيما عدا لقطة الحرم. وهو الحجة; مضافا
إلى صريح الروايات الآتية.
وهل يجب ضمانه مع ظهور مالكه؟ قولان: أحوطهما ذلك، وفاقا
للقواعد (3) والتنقيح (4) وغيرهما، للأصل، وعدم صراحة النصوص في
التملك، بناء على عدم صراحة اللام فيه، مع أن بعضها الذي هو المعتبر سندا
- دون ما تضمن اللام لإرساله، مع عدم جابر له فيه جدا - لم يتضمن عدا
نفي وجوب التعريف في هذا المقدار، وهو لا يستلزم التملك، لاجتماعه مع
جواز التصرف فيه.
هذا، مضافا إلى اعتضاده ببعض ما مر فيما يشابه المسألة قريبا.
(وفي) إلحاق (قدر الدرهم) بما دونه في الحكم المتقدم قولان،
أظهرهما بل وأشهرهما العدم، وفاقا للصدوقين (5) والشيخين (6) والقاضي (7)
والحلي (8) للأصل المعتضد بإطلاق النصوص المستفيضة بل المتواترة بلزوم
تعريف اللقطة، مع أن جملة منها عامة، لما فيها من ترك الاستفصال. وهي
حجة اخرى مستقلة وإن كانت للأول معاضدة، وخصوص الروايات:
منها الصحيح الصريح المتقدم: عن الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة
كيف يصنع به؟ قال: يعرفها سنة (9). فتأمل.
والمرسل كالصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته:

(1) التذكرة 2: 256 س 22.
(2) التنقيح 4: 115 - 116.
(4) التنقيح 4: 115 - 116.
(3) القواعد 1: 198 س 11.
(5) المختلف 6: 82 - 83، المقنع: 379.
(6) المقنعة: 647، المبسوط 3: 324.
(7) المهذب 2: 567.
(8) السرائر 2: 101.
(9) الوسائل 17: 370، الباب 20 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
400

عن اللقطة، قال: تعرف سنة قليلا كان أو كثيرا، قال: وما كان دون الدرهم
فلا يعرف (1).
ومرسلة الفقيه: وإن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرفها (2)
الخبر.
خلافا للديلمي (3) والتقي (4) وابن حمزة (5) فاختاروا الإلحاق.
وحجتهم عليه غير واضحة، ومع ذلك الأدلة على خلافه، كما عرفت
متكاثرة متعاضدة.
نعم يستفاد من قول الماتن فيه (روايتان) وجود رواية لهم، ولم نقف
عليها بعد التتبع، وبه صرح في التنقيح (6).
وإطلاق الخبرين الأخيرين يقتضي عدم الفرق في جواز ما دون الدرهم
وتملكه بين التقاطه من الحرم وغيره، وهو ظاهر المتن أيضا، بل يستفاد من
قوله: (وما كان أزيد) من الدرهم (فإن وجده في الحرم كره أخذه، وقيل:
يحرم ولا يحل أخذه إلا مع نية التعريف) عدم الخلاف فيه، ونحوه عبارة
الشيخ في النهاية (7) والقاضي (8) والحلي (9) كما حكي.
وفي كل من الحكم بعدم الفرق في ذلك والإشعار بعدم الخلاف فيه
واختصاصه بما زاد من لقطة الحرم نظر:
فالأول: بعدم دليل عليه عدا إطلاق الخبرين، وليسا يشملان بحكم
التبادر والغلبة محل الفرض، وأدلة المنع، والجواز المستدل بها في لقطة

(1) المصدر السابق: الباب 4، الحديث 1.
(2) الفقيه 3: 297، الحديث 4064.
(3) المراسم: 306.
(4) الكافي في الفقه: 350.
(5) الوسيلة: 278.
(6) التنقيح 4: 115.
(7) النهاية 2: 45.
(8) المهذب 2: 567.
(9) السرائر 2: 101.
401

الحرم مطلقة لا تفصيل فيها بين الزائد على الدرهم والناقص عنه، فلا وجه
للحكم به.
والثاني: بما يحكى عن جماعة من عدم الفرق بينهما، وإن اختلفوا في
الحكم كراهة كما عن الخلاف (1) ووالد الصدوق (2) أو تحريما كما عن
النهاية (3) وجماعة ومنهم الماتن في كتاب الحج والدروس (4) فيه أيضا
والفاضل في المختلف (5) والقواعد (6) والمقداد في التنقيح (7) والصيمري في
شرح الشرائع (8) والشهيد في اللمعة (9) ومشترطا في التحريم نية التملك
مصرحا بالجواز إذا كان بنية الإنشاد، ونسبه في المسالك (10) وغيره إلى
المشهور، واحتج فيه لهم بآية: «أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا» (11) فإن
مقتضاه أن يكون الإنسان آمنا فيه على نفسه وماله، وهو ينافي جواز أخذه.
والنصوص:
منها: لقطة الحرم لا تمس بيد ولا رجل، ولو أن الناس تركوها لجاء
صاحبها فأخذها (12).
ومنها: عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه، قال: بئس ما صنع
ما كان ينبغي له أن يأخذه، قلت: ابتلي بذلك، قال: يعرفه (13) الحديث.
ومنها: عن لقطة الحرم، فقال: لا تمس أبدا حتى يجيء صاحبها

(1) الخلاف 3: 579، المسألة 3.
(2) المختلف 6: 85.
(3) النهاية 2: 45.
(4) الدروس 1: 472.
(5) المختلف 6: 83.
(6) القواعد 1: 197 س 18.
(7) التنقيح 4: 116.
(8) غاية المرام: 175 س 30 (مخطوط).
(9) اللمعة: 144.
(10) المسالك 12: 515.
(11) العنكبوت: 67.
(12) الوسائل 17: 348، الباب 1 من أبواب اللقطة، الحديث 3.
(13) التهذيب 6: 395، الحديث 30.
402

فيأخذها، قلت: فإن كان مالا كثيرا، قال: فإن لم يأخذها إلا مثلك
فليعرفها (1).
وضعف الجميع بما يرجع حاصله إلى منع دلالة الآية، وتضعيف أسانيد
الروايات، مع تضمن بعضها لفظة «لا ينبغي» الصريحة في الكراهة، وآخر
منها لفظة «لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها» الظاهر فيها، إذ لو كان محرما
لساوى غيره، بل الظاهر منه أن أخذ الثقة غير مكروه أو أقل كراهة، وحال
مطلق اللقطة كذلك، بل قد ورد فيها بمثل هذه العبارة ما هو أصح سندا:
منها: كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول لأهله: لا تمسوها (2) ومنها:
لا تعرض لها، فلو أن الناس تركوها لجاء صاحبها فأخذها (3).
قال: ويؤيد الحكم بالكراهة الخبر: عن اللقطة بمنى، فقال: أما بأرضنا
هذه فلا تصلح (4).
وفي جميع ما ذكره عدا الجواب عن الآية نظر، لانجبار قصور الأسانيد
بالشهرة الظاهرة المحكية في كلام جماعة، واعتضاده بالأصل المتقدم إليه
الإشارة غير مرة، من حرمة التصرف في ملك الغير إلا برخصة من الشرع
هي في المقام مفقودة «ولا ينبغي» وإن أشعر بالكراهة، إلا أن «بئس ما
صنع» أظهر دلالة على الحرمة منه على الكراهة.
ودعواه الصراحة في لا ينبغي ممنوعة. كيف لا! واستعماله في الحرمة
والأعم منها ومن الكراهة شائع في الأخبار غايته، حتى أنكر بعض
الأصحاب لذلك إشعاره بالكراهة.

(1) الوسائل 9: 361، الباب 28 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث 2، 1.
(2) الوسائل 17: 348، الباب 1 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
(3) الوسائل 17: 348، الباب 1 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
(4) الوسائل 9: 361، الباب 28 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث 2، 1.
403

ودلالة «إن لم يأخذها إلا مثلك» عليها على تقدير تسليمها غير نافعة
للقائلين بالكراهة، لعدم تفصيلهم في الحكم بها بين الفاسق والثقة.
نعم ربما يوجد هذا التفصيل في كلام بعض القائلين بالحرمة، فتكون
ضارة لهم لا نافعة.
وأما النصوص الصحيحة المتضمنة لنحو ما في الروايات السابقة من
المنع عن أخذ مطلق اللقطة فهي مما يؤيد القول بالحرمة لإطلاقها الشامل
للقطتي الحرم وغيره، ولا إجماع يقيده بالثاني ويصرف النهي فيها إلى
الكراهة، لوقوع الخلاف فيه أيضا حرمة وكراهة، كما يستفاد من المختلف،
حيث قال: الأشهر الكراهة (1) بعد أن حكى المنع عن الصدوق والنهاية.
وعلى تقدير الإجماع على الكراهة فلا دلالة فيه على تعيين التقييد
المتقدم إليه الإشارة بعد احتمال كونه مقيدا لها بصورة العكس، بل هذا أولى،
لتعدد المجازية في الاحتمال الأول من التقييد وصرف النهي فيها إلى
الكراهة، ولا كذلك الثاني، فإن اللازم فيه إنما هو الأول، ويكون النهي فيه
باقيا على الحرمة؟ لكن يتوجه عليه استلزامه حمل الإطلاق على الفرد
النادر، لندرة لقطة الحرم بالإضافة إلى غيرها.
وبه يجاب عما لو استدل به على الكراهة في لقطة الحرم من إطلاق
مرسل الفقيه: أن أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن
لا يأخذها ولا يتعرض لها، فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه
فأخذه (2) الخبر... لوروده مورد الغالب، وهو ما عدا لقطة الحرم، مع أنه
مرسل، لكنه بعد حمله على الغالب من لقطة غير الحرم - كما بنى عليه

(1) المختلف 6: 85.
(2) الفقيه 3: 297، الحديث 4064.
404

الجواب بالشهرة المحكية في المختلف بل الظاهرة - منجبرة، فيصرف به
ظواهر النهي في تلك النصوص الصحيحة إلى الكراهة.
ومنه يظهر صحة ما عليه المشهور في لقطة غير الحرم من الكراهة، بل
قيل: يفهم عليه الإجماع من التذكرة (1). وهو حجة اخرى مستقلة أيضا;
مضافا إلى الموثق كالصحيح: عن اللقطة فأراني خاتما في يده من فضة،
قال: إن هذا مما جاء به السيل وأنا أريد أن أتصدق به (2).
ويبقى الجواب حينئذ عن تمسك المسالك بها لصرف النهي في تلك
الروايات أيضا إلى الكراهة. ويمكن أن يقال: إن صرف النهي إليها في تلك
الصحاح بالقرينة من إجماع أو رواية لا يستلزم صرفه إليها في هذه
الروايات من دون قرينة، كما هو المفروض.
وتأييد الكراهة بالرواية الأخيرة غير واضح، لإشعارها بل ظهورها في
اختصاص عدم الصلاحية والكراهية بأرض منى خاصة، ولا قائل به من
الطائفة، فلتطرح أو تؤول بحمل لا يصلح على الحرمة.
ويلحق مكة وباقي الحرم بمنى بعدم القائل بالفرق بين الطائفة، ولا
محذور، ولا كذلك لو أبقيت على ظاهرها من الكراهة، إذ عدم القول بالفرق
المزبور إنما يتم به الكراهة في لقطة جميعه، ولا يدفع محذور اختصاصها به،
فإن مقتضاه عدم الكراهة في لقطة غيره، ولا قائل به.
وحمل «لا يصلح» على تأكد الكراهة وإن أمكن ويندفع به هذا
المحذور، إلا أنه مجاز، كالحمل على الحرمة لا يمكن اختياره خاصة
إلا بعد قرينة معينة، هي في الرواية مفقودة.

(1) التذكرة 2: 251 س 31.
(2) الوسائل 17: 358، الباب 7 من أبواب اللقطة، الحديث 3.
405

اللهم إلا أن يقال: إنه أقرب المجازين إلى أصل الكراهة الذي هو
الحقيقة، لكنه معارض بظهور الروايات السابقة في الحرمة، مع اشتهارها بين
الطائفة، كما اعترف به هو وغيره، وأخبارهم (عليهم السلام) يكشف بعضها عن بعض،
فإن لم يكن الحمل على الحرمة بهذا راجحا على الحمل الآخر فلا أقل من
التساوي بينهما، وهو يوجب الإجمال المنافي للاستدلال.
وبما حررناه ظهر قوة القول في لقطة الحرم بالحرمة، وضعف القول فيها
بالكراهة غايته.
(و) على كلا القولين (يعرفها حولا) واحدا إجماعا فيما زاد عن
الدرهم، وعلى الأشهر الأقوى مطلقا، بناء على عدم تملكه وما نقص عنه
أيضا، كما مضى.
(فإن جاء صاحبه) سلمه إليه (وإلا تصدق به عنه) بعد الحول
(أو استبقاه أمانة) في يده (ولا) يجوز له أن (يملكه) (1) بلا خلاف في
شئ من ذلك، إلا في عدم جواز التملك، فقد جوزه جماعة في الناقص عن
الدرهم ولو من دون تعريف، كما مر، وعن الحلبي (2) تجويزه في الزائد أيضا
بعد التعريف، وقد مر ضعف الأول مفصلا، ومثله الثاني فيه جدا، مع كونه
شاذا، محجوجا هو كسابقه بالأصل، وعدم دليل دال على الملك مطلقا، عدا
ما يأتي من النصوص الدالة عليه الواردة في مطلق اللقطة الغير المنصرفة،
كما عرفت بحكم التبادر والغلبة إلى مفروض المسألة.
ومع ذلك معارضة بصريح الرواية المنجبرة بالشهرة العظيمة في الجملة،
التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها إجماع في الحقيقة، كما عن المختلف
والتذكرة (3).

(1) في المتن المطبوع: ولا يملك.
(2) الكافي في الفقه: 351.
(3) المختلف 6: 82، التذكرة 2: 258 س 14.
406

وفيهما: اللقطة لقطتان لقطة الحرم تعرف سنة، فإن وجدت لها طالبا
وإلا تصدقت بها، ولقطة غيرها تعرف سنة، فإن لم تجد صاحبها فهي كسبيل
مالك (1).
ولا يعارضه الخبر: فيمن وجد في الطواف دينارا قد انسحق كتابته؟
قال: له (2).
وكذا الآخر: فإن وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو لك لا تعرفه (3).
لضعفهما سندا، ومخالفتهما الإجماع ظاهرا، لدلالتهما على إطلاق جواز
التملك من دون تقييد بالتعريف سنة، مع تصريح الأخير بالنهي عنه، ولم
يذهب إليه أحد من الأصحاب، عدا الصدوقين، وهما شاذان، انعقد على
خلافهما الإجماع. فليطرحا، أو يؤولا بما يؤولان إليه، من حملهما على غير
اللقطة من المدفون أو غيره، أو على أنه (عليه السلام) كان يعلم أنه من خارجي، أو
ناصبي. فتأمل.
(ولو تصدق به بعد الحول وكره المالك) فلم يرض به (لم يضمن
الملتقط على الأشهر) على حكاية الماتن هنا ولم ينقل إلا عن المفيد (4)
والديلمي (5) والقاضي (6) وابن حمزة (7) وفي المسالك (8) نسب الضمان إلى
الشهرة، وحكى عن الشيخ في كتبه الثلاثة (9) والإسكافي (10) والحلي (11)

(1) الوسائل 17: 355، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 4.
(2) الوسائل 17: 351، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 9.
(3) الوسائل 17: 351، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 9.
(4) المقنعة: 646.
(5) المراسم: 206.
(6) المهذب 2: 567.
(7) الوسيلة: 278.
(8) المسالك 12: 516.
(9) الخلاف 3: 585، المبسوط 3: 321، وفي النهاية خلاف ذلك راجعها 2: 45 - 46.
(10) المختلف 6: 80.
(11) السرائر 2: 101.
407

واختاره في المختلف (1) والصيمري في شرح الشرائع (2). ولعله أظهر، للخبر
المتضمن بعد الأمر بالتصدق قوله (عليه السلام): «فإن جاء صاحبه فهو ضامن» (3)
وضعفه منجبر بعموم على اليد ما أخذت (4) وفحوى الأدلة الآتية في لقطة
غير الحرم من الضمان بعد الصدقة والكراهة، وذلك لأنها جائزة ولو على
كراهة، كما مر إليه الإشارة.
فضمانها حينئذ بعد الأمرين مع كونه مأذونا في الالتقاط والصدقة
يستلزم الضمان بعدهما في مفروض المسألة بالأولوية، لأنه لم يرخص فيه
إلا بالصدقة دون الالتقاط، للنهي عنه، كما عرفته، مضافا إلى انجباره من
أصله بالشهرة الظاهرة، وفيما تضمنه من حكم المسألة بالشهرة المحكية.
نعم يعارضها حكاية الشهرة على العكس في العبارة، لكنها على تقدير
تسليمها غير واضحة الحجة، عدا ما صرح به في الشرائع وغيره من أن
الصدقة بها تصرف مشروع بالإجماع (5) فلا يتعقبها ضمان.
وهو حسن لولا ما قدمناه من الحجة القوية المترجحة على هذه بوجوه
عديدة، أقواها الأولوية المتقدمة، وهي وإن اختصت بصورة تعمد الالتقاط،
فلا يشمل غيرها من الصور، لكنها تتم حجة على تمام المدعى بعدم القائل
بالفرق بين الطائفة إن صح، وإلا فتخصيص الضمان بالصورة الأولى لا يخلو
عن وجه، لاختصاص الخبر المتقدم الدال عليه مع بعض معاضداته بها.
فلا معارضة للقاعدة من جهته فيما عداها.
(وإن وجده في غير الحرم) وكان زائدا عما دون الدرهم (يعرفه

(1) المختلف 6: 80.
(2) غاية المرام: 176 س 6 (مخطوط).
(3) الوسائل 17: 368، الباب 17 من أبواب اللقطة، ذيل الحديث 2.
(4) عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106.
(5) الشرائع 3: 292.
408

حولا) واحدا بلا خلاف فيه في الجملة، والنصوص به مع ذلك مستفيضة:
ففي الصحيح يعرفها سنة فإن جاء لها طالب، وإلا فهي كسبيل ماله (1).
وفيه: لا ترفعوها فإن ابتليت فعرفها سنة، فإن جاء طالبها، وإلا فاجعلها
في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك إلى أن يجيء طالب (2).
وفيه: يعرفها سنة، فان لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى
يجيء طالبها فيعطيها إياه، وإن مات أوصى بها فإن أصابها شئ فهو لها
ضامن (3). فتأمل.
وفي المرسل كالصحيح: يعرف سنة قليلا كان أو كثيرا، وما كان دون
الدرهم فلا يعرف (4). إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.
وإطلاقها - كالعبارة ونحوها من عبائر الجماعة - يقتضي عدم الفرق في
وجوب التعريف بين صورتي نية التملك بعده وعدمها. وهو أقوى، وفاقا
لأكثر أصحابنا، لذلك، ولأنه مال الغير حصل في يده فيجب عليه دفعه إلى
مالكه، والتعريف وسيلة إلى علمه به، فيجب من باب المقدمة، ولما في تركه
من الكتمان المفوت للحق على مستحقه.
خلافا للمبسوط، فخصه بالصورة الأولى، محتجا بأن التعريف إنما
وجب لتحقق شرط التملك، فإذا لم يقصده لم يجب ويكون مالا مجهول
المالك (5).
وفيه - مع مخالفته لما مر - نظر، لمنع حصر سبب وجوب التعريف فيما
ذكر، بل السبب الأقوى فيه هو ما مر من وجوب إيصال المال إلى مالكه بأي

(1) الوسائل 17: 349، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
(2) الوسائل 17: 349 - 350، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 3، 13.
(4) المصدر السابق: الباب 4، الحديث 1.
(5) المبسوط 3: 322.
409

وجه اتفق، ويفرق بينه وبين المال المجهول المالك بأنه لم يقدر له طريق
إلى التوصل إلى مالكه، بخلاف محل الفرض فقد جعل الشارع التعريف
طريقا إليه، كما عرفت من إطلاق النص.
(ثم) إن (الملتقط) بعد التعريف تمام الحول (بالخيار بين التملك)
مع الضمان، كما في بعض الصحاح المتقدمة وغيره من المعتبرة:
ففي الخبر: ينبغي أن يعرفها سنة في مجمع، فإن جاء طالبها دفعها إليه،
وإلا كانت في ماله، فإن مات كانت ميراثا لولده ولمن ورثه، فإن لم يجي لها
طالب كانت في أموالهم هي لهم، وإن جاء طالبها بعده دفعوها إليه (1).
وفي آخر: خيره إذا جاءك بعد سنة بين أجرها وبين أن تغرمها إذا كنت
أكلتها (2).
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة، المعتضدة بفحوى الضمان مع
الصدقة، وبالشهرة العظيمة، التي كادت تكون إجماعا، كما يشعر به كلام
صاحب الكفاية (3) حيث نسبه إلى الأصحاب كافة. فاحتماله عدم الضمان
وكونه على جهة الاستحباب لا وجه له.
(والصدقة) بها عن مالكها، كما في النصوص المستفيضة:
ففي الخبر القريب من الصحيح بفضالة وأبان المجمع على تصحيح ما
يصح عنهما - كما حكاه بعض أصحابنا -: عن اللقطة، فقال: يعرفها سنة،
فإن جاء صاحبها دفعها إليه، وإلا حبسها حولا، فإن لم يجئ صاحبها ومن
يطلبها تصدق بها، فإن جاء صاحبها بعد ما تصدق بها إن شاء اغترمها الذي

(1) الوسائل 17: 370، الباب 20 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الباب 2 من أبواب اللقطة، ذيل الحديث 5.
(3) كفاية الأحكام: 236 س 31.
410

كانت عنده، وكان الأجر له، وإن كره ذلك احتسبها والأجر له (1).
وفي آخر: عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص - إلى أن
قال (عليه السلام): - وإلا كانت في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا، فإن
أصاب صاحبها ردها عليه، وإلا تصدق بها، فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيره
بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر فله الأجر، وإن اختار الغرم غرم له وكان
الأجر له (2).
(وإبقائها أمانة) موضوعا في حرز أمثاله كالوديعة، فلا يضمنها إلا مع
التعدي أو التفريط، لأنه حينئذ محسن إلى المالك بحفظ ماله وحراسته له،
فلا يتعلق به ضمان، لانتفاء السبيل على المحسنين، وهذا لم يرد به نص
كأصل التخيير بينه وبين أحد الأولين، لظهور النصوص الواردة فيهما في
تعيين أحدهما لا التخيير مطلقا.
إلا أنه قيل: يفهم الإجماع عليه من التذكرة (3) فإن تم، وإلا كان مشكلا،
لما يأتي من وقوع الخلاف في توقف التملك على النية أو حصوله قهرا،
وعليه لا معنى للإبقاء أمانة، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
(و) يستفاد من المستفيضة أنه (لو تصدق) الملتقط (بها) بعد
الحول (فكره المالك) ذلك (ضمن الملتقط) ولا خلاف فيه ظاهرا، ونفاه
في المسالك (4) صريحا، وجعله في المختلف إجماعا (5).
ثم إن كل ذا إذا كانت مأمونة البقاء تمام الحول كالدراهم والدنانير

(1) الوسائل 17: 349 و 368، الباب 2 و 18 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
(2) الوسائل 17: 349 و 368، الباب 2 و 18 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
(3) القائل به المقدس الأردبيلي: مجمع الفائدة 10: 469.
(4) المسالك 12: 517.
(5) المختلف 6: 86 - 87.
411

ونحوهما (ولو كانت مما لا يبقى) بل يفسد عاجلا (كالطعام قومها) على
نفسه (عند الوجدان وضمنها) للمالك (وانتفع بها، وإن شاء دفعها إلى
الحاكم) أولا (ولا ضمان) عليه حينئذ أصلا، بلا خلاف ظاهر مصرح به في
شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (رحمه الله)، ناقلا فيه عن ظاهر التذكرة الإجماع
عليه (1).
وهو الحجة الجامعة بين القاعدة الدالة على الثاني، لأن الحاكم ولي
الغيب بالإجماع، والقوي بالسكوني وصاحبه، الدال على الأول: عن سفرة
وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيه
سكين، قال: يقوم ما فيها ثم يؤكل، لأنه يفسد وليس له بقاء، فإن جاء
طالبها غرموا له الثمن (2) الخبر. ونحوه آخر: فإن وجدت طعاما في مفازة
فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله، فإن جاء صاحبه فرد عليه القيمة (3).
وليس في الأول كالعبارة التصريح بالتقويم على نفسه، لإطلاق التقويم،
مع عموم مفهوم التعليل فيه، الشاملين له وللتقويم على غيره.
وفي تقييده بالخبر الثاني إشكال، ينشأ من قوة احتمال ورود الأمر
بالتقويم على نفسه على الغالب من تعسر تقويمه على الغير في المفاوز.
واحتمال ورود إطلاق الخبر الأول عليه وإن أمكن، إلا أن عموم مفهوم
التعليل مع عدم تعقل الفرق بل القطع بعدمه يدفعه، ولعله لذا ذكر جماعة
التخيير بينهما أيضا من غير خلاف وإن اختلفوا في وجوب استئذان الحاكم
وعدمه مطلقا على قولين:

(1) مجمع الفائدة 10: 469.
(2) الوسائل 17: 372، الباب 23 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
(3) الوسائل 17: 351، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 9.
412

فعن التذكرة (1) الأول، ويعضده أن الأصل عدم التسلط على بيع مال
محترم إلا بإذن الشارع أو الصاحب، ولم يثبت جوازه بدون إذنهما.
واختار بعض الأجلة (2) الثاني، ويعضده إطلاق الخبر المتقدم، ونحوه
الصحيح الوارد: في التقاط الجارية هل يحل فرجها لمن التقطها؟ قال: لا،
إنما يحل له بيعها بما أنفق عليها (3). وربما عضده بعض بالأصل، وبأن له
ولاية التملك والصدقة بعد التعريف، فالبيع بالطريق الأولى، والتعريف ساقط
للعذر (4).
ويضعف الأول: بما مر، والأولوية بأن التملك وما بعده إنما يكونان
بالضمان بالقيمة السوقية بعد التعريف لا قبله.
وكيف كان فلا ريب أن الأول أحوط.
كل ذا مع وجود الحاكم، ومع عدمه يتعين عليه التقويم، فإن أخل به
فتلف أو عاب ضمن. ولو كان مما يتلف على تطاول الأوقات لا عاجلا
كالثياب تعلق الحكم بها عند خوف التلف.
ولو افتقر إبقاؤه إلى علاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف أصلحه الحاكم
ببعضه، بأن يجعل بعضه عوضا عن إصلاح الباقي، أو يبيع بعضه وينفقه عليه
وجوبا، حذرا من تلف الجميع. ويجب على الملتقط إعلامه بحاله إن لم
يعلم، ومع عدمه يتولاه بنفسه، حذرا من الضرر بتركه.
(ويكره أخذ الإداوة) بالكسر، وهي المطهرة به أيضا (والمخصرة) به
أيضا، وهي كل ما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصا ونحوها قاله

(1) التذكرة 2: 259 س 35.
(2) المسالك 12: 519.
(3) الوسائل 17: 351، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 8.
(4) مجمع الفائدة 10: 469.
413

الجوهري (والنعلين) غير الجلد أو مطلقا حتى الجلد إذا أخذ في بلاد
الإسلام، وإلا فيحرم التقاطه، لكونه ميتة (والشظاظ) بالكسر خشبة محددة
الطرف تدخل في عروة الجوالقين ليجمع بينهما عند حملها على البعير
والجمع أشظة (والعصا والوتد) بكسر الوسط (والحبل والعقال) بالكسر،
وهو حبل يشد به قائمة البعير والسوط (وأشباهه) من الآلات التي يعظم
نفعها وتصغر قيمتها.
بلا خلاف في أكثرها، للصحيح: لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد
والحبل والعقال وأشباهه، قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): ليس لهذا طالب (1).
وعلى الأظهر في الجميع، وهو أشهر، بل عليه عامة من تأخر، للأصل،
والصحيح المزبور كما قيل (2).
لضعف الأول: بعدم دليل عليه، بل قيام الدليل على خلافه، لما عرفت
من حرمة التصرف في مال الغير بغير إذن من الشرع.
والثاني: باختصاصه بغير محل الخلاف، وشموله له بقوله: وأشباهه محل
نظر، لخفاء وجه الشبه، فيحتمل ما لا يعم معه له، وكذا التعليل في الذيل، بل
لفحوى الأدلة الدالة على جواز التقاط ما عدا محل الخلاف مما يكثر قيمته،
مضافا إلى إطلاق المرسلة المتقدمة بأفضلية ترك اللقطة، بل عمومها الشامل
لمحل البحث، مضافا إلى الاعتضاد بالشهرة العظيمة المحققة والمحكية في
كلام جماعة (3) التي كادت تكون الآن إجماعا.
خلافا لصريح الحلبي (4) وظاهر الصدوقين (5) والديلمي (6) فحرموا

(1) الوسائل 17: 362، الباب 12 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
(2) الظاهر أن القائل هو صاحب مجمع الفائدة 10: 472.
(3) كفاية الأحكام: 237 س 8.
(4) الكافي في الفقه: 350.
(5) المختلف 6: 90.
(6) المراسم: 206.
414

التقاط الأولين والسوط، للخبرين. أحدهما الصحيح المروي في الفقيه (1).
وهو حسن لولا ما قدمناه من الدليل القابل لصرف النهي فيهما إلى
الكراهة، كما في نظائرهما، لكنها هنا آكد، لقوة شبهة الخلاف بمصير هؤلاء
الأعاظم إلى الحرمة.
ومن هنا يندفع ما قيل (2) من عدم وضوح دليل على تأكدها.
ويظهر من المفيد أن الوجه فيها أن فقدها قد يؤدي إلى هلاك صاحبها،
لأن الإداوة تحفظ ما يقوم به الرمق من الماء، والحذاء يحفظ رجل الماشي
من الزمانة والآفات، والسوط يسير البعير، فإذا أتلفه خيف عليه العطب (3).
وعن شيخنا في المسالك أن الوجه في إطلاق النهي عن مسها كونها من
الجلود غالبا، وهي ميتة، مع جهالة التذكية (4).
وفيه مناقشة واضحة، لورود الإطلاق في بلاد الإسلام والجلود فيها
محكوم بطهارتها اتفاقا، نصا وفتوى، كما مضى.
وكذا الوجه الأول لا يخلو عن مناقشة ما. والوجه التعبد.
واعلم أنه يستفاد من تخصيص الماتن الكراهة هنا بهذه الأشياء وسابقا
بلقطة الحرم خاصة عدمها في غيرهما. وهو ضعيف جدا، مخالف للإجماع
المحقق والمحكي عن التذكرة، كما مر إليه الإشارة قطعا، والأمر سهل.
وهنا (مسائل) ثلاث:
(الأولى: ما يوجد في) أرض (خربة) قد جلى عنها أهلها بحيث
لم يعرفوا أصلا (أو) في (فلاة) أي أرض قفر غير معمورة من أصلها
(أو تحت الأرض) التي لا مالك لها ظاهرا (فهو لواجده) فيملكه من غير

(1) الفقيه 30: 295، الحديث 4055.
(2) مجمع الفائدة 10: 473.
(3) المقنعة: 647.
(4) المسالك 12: 521.
415

تعريف إجماعا إذا لم يكن عليه أثر الإسلام من الشهادتين أو اسم
سلطان من سلاطينه. وعلى الأقوى مطلقا، وفاقا للنهاية (1) والحلي (2)
وغيرهما، لإطلاق الصحيحين:
في أحدهما: عن الدار يوجد فيها الورق، فقال: إن كانت معمورة فيها
أهلها فهو لهم، وإن كانت خربة قد جلى أهلها فالذي وجد المال أحق به (3).
ونحوه الثاني (4).
وأخصيتهما عن المدعى باختصاصهما بالورق والموجود في الدار
الخربة فلا تعمان مطلق اللقطة ولا الموجودة منها تحت الأرض والمفازة
مدفوعة بالإجماع المركب، مع إمكان اندفاع الأخصية باعتبار الاختصاص
بالأرض الخربة باستلزام ثبوت الحكم في لقطتها إياه فيما عداه بطريق أولى.
خلافا للمبسوط (5) والفاضل في جملة من كتبه (6) وجماعة ونسبه في
الروضة إلى الشهرة (7) فحكموا فيما عليه أثر الإسلام بأنه لقطة، لدلالة الأثر
على سبق يد المسلم فيستصحب، وللجمع بين الصحيحين والموثق: قضى
علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها فإن وجد من يعرفها وإلا
تمتع بها (8) بحمل الأولين على ما لا أثر عليه، والأخير على ما عليه الأثر.
وفيهما نظر:
لمنع الأول: بأن أثر الإسلام قد يصدر من غير المسلم. نعم هو مخالف
للظاهر، لكنه لا يعارض به الأصل.

(1) النهاية 2: 44.
(2) السرائر 2: 101.
(3) الوسائل 17: 354، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 17: 354، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 1، 2.
(5) المبسوط 3: 337.
(6) المختلف 6: 95، القواعد 1: 199 س 13.
(7) الروضة 7: 120.
(8) الوسائل 17: 355، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 5.
416

والثاني: أولا: بفقد التكافؤ في الموثق عددا وسندا، وثانيا: بكونه قضية
في واقعة فلا يعم محل الفرض لاحتماله غيره، وثالثا: بعدم الشاهد على ذلك
الجمع مع استلزامه حمل الصحيحين على الفرد النادر، لورودهما في بلاد
الإسلام والغالب من الدراهم والدنانير كونها مسكوكة بسكته.
هذا، مع إمكان الجمع بوجه آخر أوفق بالأصل، وهو حمل الأولين على
الأحقية بعد التعريف، حملا للمطلق على المقيد، لكنه لا قائل به. وهو
ضعيف كالأول بعدم الشاهد عليه، عدا ما مر من العلة، وفيها ما عرفته، مع
أنهم جعلوها حجة مستقلة، والشهرة على تقدير تحققها ليست بحجة
جامعة، فما ظنك بما إذا كانت محكية.
ويستفاد من تقييد الماتن الموجود في الأرض التي لا مالك لها بكونه
تحتها عدم اشتراطه في الأولين، بل يملك الموجود فيهما مطلقا، عملا
بإطلاق النص، والفتوى.
وأما غير المدفون في الأرض المزبورة فهو لقطة. قيل: هذا كله إذا كان
في دار الإسلام، أما في دار الحرب فلواجده مطلقا (1).
ولم يتعرض الماتن وكثير هنا لوجوب الخمس في المدفون، مع
تصريحهم به في كتابه، ولعلهم أحالوه إلى الظهور من ثمة، أو أرادوا بالمدفون
هنا ما لا يصدق عليه الكنز عرفا. والأول هو الظاهر، لمنافاة الثاني لإطلاق
العبائر.
(ولو وجده في أرض لها مالك) معروف (أو بائع، ولو كان) ما وجده
فيها (مدفونا عرفه المالك أو البائع) مطلقا، ولو كان كل منهما مالكا
أو بائعا بعيدا (فإن عرفه) أحدهما يدفع إليه من غير بينة ولا وصف

(1) المسالك 12: 524.
417

(وإلا) يعرفا به (كان للواجد) على ما ذكره جمع من الأصحاب (1) من
غير خلاف، لإطلاق الصحيحين المتقدمين بالدفع إلى أهل الأرض، من دون
تقييد باشتراط البينة أو الوصف، بل ليس فيهما تقييده بالتعريف.
ولكنه لا أعرف خلافا فيه، ولعله للجمع بينهما وبين الموثق كالصحيح:
عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيها نحوا من سبعين دينارا
مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسأل
عن أهل المنزل لعلهم يعرفونها، قلت: فإن لم يعرفونها، قال: يتصدق (2). لكن
ذيله مناف لما ذكروه من التملك مع عدم المعرفة، إلا أن يحمل على
الاستحباب، أو غيره مما يجتمع معه.
وربما يرشد إلى التقييد الصحيح الآتي الوارد في المأخوذ من جوف
الدابة، المتضمن لعين ما ذكروه في المسألة، وإلحاقها به لعله من باب تنقيح
المناط القطعي، لعدم تعقل الفرق بين الأرض والدابة في ذلك. فتأمل.
وإطلاق الحكم بكونه لواجده مع عدم اعترافهما الشامل لما عليه أثر
الإسلام وغيره، تبعا لإطلاق النص، لكن في التنقيح (3) الإجماع على كون
الأول لقطة، فإن تم، وإلا - كما هو الظاهر المستفاد من الروضة (4)
والمسالك (5) حيث أجرى الخلاف السابق فيه في المسألة - فالإطلاق أصح.
وإطلاق العبارة وغيرها بوجوب التعريف هنا يقتضي عدم الفرق بين
القليل والكثير، وبه صرح في المسالك (6). ولعل الوجه فيه - مع اختصاص

(1) المسالك 12: 525.
(2) الوسائل 17: 355، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 3.
(3) التنقيح 4: 121.
(4) الروضة 7: 121 - 122.
(5) المسالك 12: 526 - 525.
(6) المسالك 12: 526 - 525.
418

النص بالأخير لتضمنه الدراهم والدنانير - الأصل، واختصاص ما دل على
تملك الأول بلا تعريف باللقطة، التي ليست منها مفروض المسألة.
لكنه إنما يصح على المختار من عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام
وغيره، ولا يصح على غيره، لكون ما عليه الأثر منها عند القائل بالفرق
بينهما. وحكى في التنقيح (1) قولا عن الشيخ بكون ما لا أثر له فيه لقطة إذا
لم يعرفه المالك، ولا البائع أيضا. ويدفعه النص جدا.
(وكذا ما يجده في جوف دابة) مملوكة عرفه مالكها، كما مضى، لسبق
يده، وظهور كونه من ماله دخل في علفها، لبعد وجوده في الصحراء
واعتلافه، فإن عرفه المالك، وإلا فهو لواجده، للصحيح: عن رجل اشترى
جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو
دنانير أو جوهرة أو غير ذلك من المنافع لمن يكون ذلك وكيف يعمل به؟
فوقع (عليه السلام): عرفها البائع، فإن لم يعرفها فالشئ لك رزقك الله إياه (2).
وإطلاقه - كالعبارة ونحوه - عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره.
خلافا للمختلف (3) والروضة (4) وغيرهما، فقالوا في الأول بأنه لقطة،
لما مر من جوابه، مع أن الأولين احتملا الإطلاق هنا، قال ثانيهما: لإطلاق
النص والفتوى (5) وظاهره إطباق الفتاوى على عدم الفرق هنا، ولكن ظاهره
في المسالك (6) وقوع الخلاف المتقدم هنا أيضا.
(ولو وجده في جوف سمكة قال الشيخ) في النهاية (7) والمفيد (8)

(1) التنقيح 4: 121.
(2) الوسائل 17: 359، الباب 9 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
(3) المختلف 6: 95.
(4) الروضة 7: 122 - 124.
(5) الروضة 7: 122 - 124.
(6) المسالك 12: 525.
(7) النهاية 2: 47.
(8) المقنعة: 647.
419

والقاضي (1) وابن حمزة (2): (أخذه بلا تعريف) وعليه المتأخرون كافة.
خلافا للديلمي (3) والحلي (4) خاصة، فهو كالمأخوذ من جوف الدابة،
وظاهر العبارة التردد في ذلك. ويبنى الخلاف على الاختلاف في اشتراط
النية في تملك المباحات وعدمه.
فعلى الأول: يقوى الأول، لأن المحيز (5) إنما قصد تملكها خاصة، لعدم
علمه بما في بطنها، فلم يتوجه قصده إليه.
وعلى الثاني: يقوى الثاني، كما هو واضح، واحتمل في المختلف (6)
والتنقيح (7) قوته على الأول أيضا، قالا: لأنه قصد ملك هذه الجملة وما في
بطنها، كأنه جزء منها، لكنهما ضعفاه، قال أولهما بعد البناء وما يترتب عليه
من القولين: إلا أن أصحابنا لم يفتوا بالتملك له مع عدم المعرفة، وهو يدل
على بطلان هذا القسم عندهم، وبقي الوجه الأول (8). وأشار به إلى عدم
اشتراط النية في التملك، وعبارته ظاهرة في انعقاد الإجماع عليه.
وعليه فالمذهب الأول، لكون المأخوذ مباحا في الأصل، فإذا حيز مع
النية ملك.
هذا، مضافا إلى اعتضاده بالنصوص المستفيضة المروية في الوسائل في
الباب عن الكافي وقصص الأنبياء والأمالي وتفسير مولانا العسكري (عليه السلام)،
لتضمنها تقريرهم (عليهم السلام) لكثير في تصرفهم فيما وجدوه في جوفها بعد الشراء
من دون تعريف (9) على ما هو الظاهر منها، وأسانيدها وإن كانت قاصرة

(1) المهذب 2: 569.
(2) الوسيلة: 279.
(3) المراسم: 206.
(4) السرائر 2: 106.
(5) كذا في المخطوطات والمطبوع والقياس حائز.
(6) المختلف 6: 96.
(7) التنقيح 4: 121 - 122.
(8) المختلف 6: 96.
(9) الوسائل 17: 359 - 360 - 361، الباب 10 من أبواب اللقطة، الحديث 1، 2، 4، 5.
420

إلا أنها بالشهرة منجبرة. فلا وجه للقول الثاني.
نعم يتوجه فيما لو كانت السمكة محصورة في ماء تعلف، كما ذكره
الشهيدان (1) لعين ما ذكر في الدابة أولا.
ومنه يظهر أن المراد بها الأهلية، كما يظهر من الرواية، فلو كانت وحشية
لا تعتلف من مال المالك فكالسمك وبه صرح في التنقيح (2) والمختلف.
قال فيه: ولما كانت الأحكام الشرعية غالبا منوطة بالغالب دون النادر
والغالب فيما تبلعه الدابة أنه من دار البائع وفيما تبلعه السمكة أنه من البحر
أوجب الشارع التعريف في الأول للبائع دون الثاني، حتى أنا لو عرفنا مضاد
الحال في البابين حكمنا بضد الحكمين، ولو أن البائع قد اشترى الدابة ثم
في ذلك الآن بعينه باعها لم يجب تعريفه وعرف البائع قبله، ولو أن السمكة
محصورة في بركة في دار إنسان وجب أن يعرف بما في بطنها، انتهى (3).
(الثانية: ما وجده في صندوقه أو في داره) المختصين بالتصرف فيهما
(فهو له، ولو شاركه في التصرف غيره كان كاللقطة) عرفه سنة (إذا) عرفه
الشريك أولا و (أنكره) بلا خلاف فيهما ظاهرا، لدلالة الصحيح عليهما
منطوقا ومفهوما.
وفيه: رجل وجد في بيته دينارا، قال: يدخل منزله غيره، قلت: نعم
كثير، قال: هذه لقطة، قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا، قال: فيدخل
أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت: لا، قال: فهو له (4).
هذا، مع شهادة الظاهر في صورة عدم المشارك بأنه له، وقد يعرض له

(1) اللمعة والروضة 7: 123.
(2) التنقيح 4: 121.
(3) المختلف 6: 96.
(4) الوسائل 17: 353، الباب 3 من أبواب اللقطة، الحديث 1.
421

النسيان، لكنه يختص بما إذا لم يقطع بانتفائه عنه، ومع القطع به يشكل. ولذا
قيل: بأنه حينئذ لقطة أيضا كصورة المشارك مع الإنكار (1). وهذا أيضا
مشكل بعد إطلاق النص والفتوى، مع عدم صدق اللقطة على مثله ظاهرا،
فمتابعة الإطلاق لعلها أولى. ولا ينافيه القطع بالانتفاء، فقد يكون شيئا بعثه
الله تعالى ورزقه إياه.
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في الحكم بكونه لقطة مع
المشارك بين المنحصر منه وغير المنحصر. والوجه فيه ظاهر، لأنه
بمشاركة غيره لا يد له بخصوصه، فتكون لقطة. وأما مع انحصار المشارك
فإن المفروض أنه لا يعرفه الواجد فلا يملكه بدون التعريف سنة.
قيل: ويحتمل قويا كونه له مع تعريف المنحصر خاصة، لأنه بعدم
اعتراف المشارك يصير كما لا مشارك له فيه (2).
وهو حسن يمكن تنزيل إطلاق النص والفتوى عليه.
ولا فرق في وجوب تعريف المشارك هنا بين ما نقص عن الدرهم وما
زاد، للإطلاق، ولاشتراكهم في اليد بسبب التصرف.
قيل: ولا يفتقر مدعيه منهم إلى البينة، ولا الوصف، لأنه مال لا يدعيه
أحد. ولو جهلوا جميعا أمره فلم يعترفوا به ولم ينفوه، فإن كان الاشتراك في
التصرف خاصة فهو للمالك منهم، وإن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك،
وإن كان الاشتراك في الملك والتصرف فهم فيه سواء (3). ودليل بعض ما ذكر
غير واضح.
(الثالثة: لا تملك اللقطة بحول الحول وإن عرفها) سنة (ما لم ينو

(1) الروضة 7: 125.
(2) الروضة 7: 124.
(3) الروضة 7: 125.
422

التملك) على الأشهر بين المتأخرين، بل مطلقا، كما في المختلف (1)
والروضة (2) والكفاية (3) اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، وللصحيح
المتضمن للأمر بجعلها في عرض المال بعد التعريف، مع عدم التصريح فيه
بجعله مالا (4) وهو ظاهر في كونه آمرا بحفظها أمانة.
وفي الجميع نظر، للزوم الخروج عن الأول بما يأتي، وقصور دلالة
الخبرين، مع ضعف الثاني، ومخالفة إطلاقه الإجماع، من حيث تجويزه
الانتفاع مطلقا من دون تقييد له بالتعريف سنة وحول الحول، وذلك لأن
الأمر بجعله في عرض المال غير صريح بل ولا ظاهر في جعله أمانة.
كيف لا! وهو أمانة أيضا سابقا، مع ما في ذيله من قوله (عليه السلام): «يجري عليها
ما يجري على مالك» (5) الظاهر في جريان جميع أحكام ماله عليها، ومن
جملتها وجوب الزكاة عليها بعد حول الحول إذا كانت نقدا. وهذا إحدى ثمرات
النزاع التي رتب عليه، فهو دليل للملك قهرا، لا لما ذكروه، كما لا يخفى.
وأما ما يستفاد من الروضة من أن وجه الاستدلال بهذه الرواية أن الأمر
بجعلها في عرض المال أمر وأقله الإباحة فيستدعي أن يكون المأمور به
مقدورا بعد التعريف وعدم مجيء المالك وهو لا يجتمع مع الملك قهرا (6)
فهو إنما يتم لو كان المأمور به جعلها مالا وليس، فإن جعله في عرض المال
غيره، كما صرح به في المختلف (7) ولذا لم يجعل وجه الاستدلال به ذلك
بل ما عيناه.

(1) المختلف 6: 101.
(2) الروضة 7: 126.
(3) كفاية الأحكام: 238 س 5.
(4) الوسائل 17: 351، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 10.
(5) الوسائل 17: 351، الباب 2 من أبواب اللقطة، ذيل الحديث 10.
(6) الروضة 7: 127.
(7) المختلف 6: 88.
423

وبالجملة الاستدلال بهذه الأدلة كما ترى. ونحوه الاستدلال بالصحيح:
يعرفها سنة، فإن لم يعرفها حفظها في عرض ماله حتى يجيء صاحبها
فيعطيها إياه، وإن مات أوصى بها وهو ضامن (1).
ولو كان مالكا لها قهرا لكان له التصرف فيها كيف شاء، ولم يأمره
بحفظها، وذلك لقوة احتمال أن يكون قوله (عليه السلام): «فإن لم يعرف» بالتشديد،
ولا كلام فيه بالتخفيف، المبتني عليه الاستدلال.
(وقيل) كما عن الشيخين (2) والصدوقين (3) والحلي (4): إنه (يملكها (5)
بمضي الحول) بعد التعريف، مدعيا الأخير الإجماع عليه من الأصحاب
وتواتر الأخبار. وليس ببعيد عن الصواب، تعويلا على ما ذكره من الإجماع
والأخبار، لتضمن كثير منها أنها بعد التعريف كسبيل ماله الظاهر في ذلك
على الظاهر المصرح به في الروضة (6) والمختلف (7).
والجواب عنها بأن التشبيه لا يقتضي الاتفاق في جميع الأحكام، وإلا
لكان هو هو وليس، بل يكفي في مطلق التشبيه الاتفاق في بعضها، وهو هنا
جواز التصرف فيه بأحد الأمور الثلاثة المتقدم ذكرها. مدفوع بما حقق في
محله من اقتضاء التشبيه الاتفاق في الجميع، إلا أن يكون فيها فرد متبادر
فيصرف إليه، وليس محل الفرض من المستثنى.
ودعوى استلزام الاتفاق في الجميع الاتحاد غريب، واضح الفساد، لكفاية
استناد التغاير إلى أمر آخر غير الأحكام من نحو تغاير المهية أو غيرها.
ودعوى المختلف وهن الإجماع بمصير أكثر الأصحاب إلى الخلاف

(1) الوسائل 17: 370، الباب 20 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
(2) النهاية 2: 46، المقنعة: 646.
(3) المختلف 6: 86، المقنع 379.
(4) السرائر 2: 102.
(5) في متن المطبوع: تملك.
(6) الروضة 7: 128.
(7) المختلف 6: 87، المقنع: 379.
424

غريبة، بعد نقله هو بنفسه هذا القول عمن حكيناه عنه، والقول الأول عن
الشيخ في الكتابين والحلبي، مقتصرا عليهما.
ولا ريب أن الأولين أكثر عددا بالنسبة إليهما، مع أن الشيخ قال بهذا
القول في قوله الآخر، فبقى الثاني خاصة، ومع ذلك كيف يمكن دعوى
الأكثرية؟ بل الأنسب العكس، كما اتفق لشيخنا في الدروس.
حيث قال بعد نقل القولين: والروايات محتملة للقولين وإن كان الملك
بغير اختياره أشهر. وقال: وتظهر الفائدة في اختيار الصدقة والنماء المتجدد
والجريان في الحول والضمان، ثم هل يملكها بعوض تثبت في ذمته أو بغير
عوض ثم يتجدد بمجيء مالكها؟ في الروايات احتمال الأمرين، والأقرب
الأول، فيلحق بسائر الديون (1).
واعلم أن في أصل المسألة قولا ثالثا طرف النقيض للثاني، وهو احتياج
التملك إلى النية والتلفظ، كما عن الشيخ (2) وغيره.
ودليله غير واضح، وإن كان أحوط، وبعده فالأحوط القول الأول. فتأمل.
الفصل (الثاني) في بيان (الملتقط) للمال مطلقا
وهو (من له أهلية الاكتساب، فلو التقط الصبي أو المجنون جاز) في
المشهور بين الأصحاب، وفاقا للشيخ (3) قاطعا به، بل لا يكاد يتحقق فيه
مخالف صريحا، ولم ينقل كما صرح به في المسالك (4) لكن كلماته في
مواضع يومئ إلى وقوع الخلاف فيه، وبه صرح في الكفاية (5) والمفاتيح:
فقال: يشترط في الملتقط أهلية الاكتساب عند قوم، وأهلية الحفظ عند
آخرين، وإحدى الأهليتين عند ثالث (6). ولم أقف على أرباب القولين

(1) الدروس 3: 88.
(2) المبسوط 3: 324، 323.
(3) المبسوط 3: 324، 323.
(4) المسالك 12: 502 - 503.
(5) كفاية الأحكام: 238 س 11.
(6) مفاتيح الشرائع 3: 183.
425

الأخيرين عدا الماتن في الشرائع (1) حيث صرح في تعريف الملتقط بثانيهما
وتردد في التقاط الصبي والمجنون للضالة في بحثها، ولعل نظر الناقلين
للخلاف إليه في المقامين، وإلا فلم نقف على مخالف عداه في البين.
وما أبعد ما بين هذا وبين ما ذكره الناقل الثاني من مصير قوم إلى
التفسير الثاني في كلامه.
وكيف كان، فالتحقيق أن يقال: إما أن يراد بجواز التقاط غير المكلف ما
يقابل الحرمة بمعنى إباحته له، أو يراد به ترتب أحكام اللقطة عليه من
التملك أو التصدق بها بعد التعريف، وخروجها بذلك عن الأمانة المحضة،
ولا معنى للجواز بالمعنى الأول، لكونه من صفات المكلف، وليس غير
المكلف أهلا له وإن كان حكمه ثابتا له، فتعين إرادة الثاني، ولا دليل عليه،
لاختصاص النصوص المثبتة لأحكام اللقطة المزبورة بالمكلف بحكم
التبادر وتضمنها الأمر بالحفظ والتصدق أو التملك، وهو لا يتوجه إلى غيره.
فالحكم بالجواز مشكل بعد اقتضاء الأصل العدم.
ويمكن أن يقال: إن وجه الإشكال المذكور مقتض لاعتبار الأهليتين
معا، وليس هو لأحد قولا فيكون للإجماع مخالفا. فينبغي ترجيح أحد
الأقوال الثلاثة المتقدمة على تقدير ثبوتها. ولا ريب أن المشهور منها أولى،
لما عرفت من عدم مخالف صريح فيه، أو كونه نادرا. فتأمل.
(و) عليه (يتولى الولي) الحفظ و (التعريف) فيما يفتقر إليهما ثم
يفعل لهما ما هو الأغبط لهما من التملك والصدقة والإبقاء أمانة إن قلنا به.
(وفي) جواز التقاط (المملوك) من دون إذن مولاه (تردد) واختلاف.
فبين من حكم بالمنع عنه كالإسكافي (2) للخبر الماضي في المنع عن

(1) الشرائع 3: 294.
(2) المختلف 6: 103.
426

التقاط اللقيط الصريح في ذلك، مضافا إلى الأصل، واختصاص ما دل على
جواز الالتقاط بغيره، إما للتبادر، أو لتصريح كثير من النصوص المتقدمة مع
الفتاوى بجواز التملك والصدقة بعد التعريف، وليسا أهلا للأمرين إجماعا في
الثاني، لمكان الحجر عليه في مطلق التصرف، وعلى الأصح الأشهر في
الأول، بناء على عدم قابليته للملك.
وبين من قال بالصدقة، ونسبه في المختلف (1) إلى المشهور، ومنهم
الماتن لقوله: (أشبهه الجواز) لأن المملوك له أهلية الاستيمان، لأنه أهل
للوديعة وغيرها من الأمانات وأهلية الاكتساب، لجواز اكتسابه بالاحتطاب
والاحتشاش والاصطياد وإن كان المتملك هو المولى، لأن كسبه له.
والمسألة كسابقها محل إشكال.
(وكذا) الكلام في التقاط (المكاتب) مطلقا (والمدبر وأم الولد) منعا
وجوازا، ولكن احتمال الحكم بالأخير في المكاتب أقوى، كما لا يخفى.
هذا في غير لقطة الحرم.
وأما فيها فجائز أخذها للعبد، كما في الدروس (2) معللا بأنها أمانة،
حاكيا عن الفاضل نفي الخلاف عنه.
الفصل (الثالث في الأحكام) المتعلقة بالمقام
(وهي ثلاثة)
(الأول: لا تدفع اللقطة) إلى مدعيها وجوبا (إلا بالبينة) العادلة
أو الشاهد واليمين أو العلم بأنه له (ولا يكفي الوصف) إجماعا إذا لم
يورث ظنا، بل عن الحلي عدم كفايته مطلقا لاشتغال الذمة بحفظها وإيصالها
إلى مالكها (3) ولم يثبت كون الوصف حجة والواصف به مالكا.

(1) المختلف 6: 103.
(2) الدروس 3: 93.
(3) السرائر 2: 111.
427

(وقيل) كما عن الشيخ: إنه (يكفي في الأموال الباطنة كالذهب والفضة (1).
وهو حسن) غير خال عن القوة إذا أفاد المظنة، كما هو الغالب في وصفها،
وفاقا للأكثر، بل عليه عامة من تأخر، لأن مناط أكثر الشرعيات الظن فيلحق
المقام به إلحاقا له بالأعم الأغلب، ولتعذر إقامة البينة في الأغلب، فلولاه لزم
عدم وصولها إلى مالكها كذلك، وفي كثير من النصوص إرشاد إليه.
ففي الصحيح في ملتقط الطير وواجده، وإن جاءك طالب لا تتهمه رده
عليه (2) ونحوه الخبر الطويل المتضمن لتقرير مولانا الصادق (عليه السلام) ملتقط
الدنانير الدافع لها إلى من وصفها من دون بينة على ذلك (3). وقريب منهما
النبوي المقبول (4).
وظاهره كالصحيح وسابقه وإن كان وجوب الدفع إلا أن الفتاوى مطبقة
على التعبير بالجواز، وبه صرح في المسالك (5) مدعيا عليه دون الوجوب
إجماع الأصحاب.
وبه وبسابقه يصرف الأمر في الخبرين عن ظاهره، مع قوة احتمال عدم
دلالته فيهما على الوجوب من أصله بوروده مورد توهم حظر الدفع
وحرمته، فلا إشكال في عدم وجوبه، كما لا إشكال في جوازه، لندرة القائل
بخلافه وقيام الدليل على فساده.
وعليه فلو أقام غير الواصف بها بينة بعد دفعها إليه استعيدت منه بلا
خلاف، لأن البينة حجة شرعية بالملك والدفع بالوصف إنما كان رخصة.

(1) حكاه التنقيح عن الخلاف والمبسوط: راجعهما فإن فيهما جواز الرد مع الوصف مطلقا
الخلاف 3: 587 المسألة 15، المبسوط 3: 329.
(2) الوسائل 17: 366 - 356، الباب 15 - 6 من أبواب اللقطة، الحديث 1، 1.
(3) الوسائل 17: 366 - 356، الباب 15 - 6 من أبواب اللقطة، الحديث 1، 1.
(4) سنن البيهقي 6: 186.
(5) المسالك 13: 552، وفيها: الأشهر جواز الدفع وليس فيها الإجماع المذكور.
428

وبناء على الظاهر فإن تعذر انتزاعها من الواصف ضمن الدافع لذي البينة
مثلها أو قيمتها، لإتلافه لها عليه بالدفع. ولا ينافيه الرخصة من الشرع فيه،
لأن غايتها رفع الإثم، وهو لا يستلزم نفي الضمان مع عموم دليل ثبوته من
نحو قوله: «على اليد» وغيره من أدلته، كما ثبت نظيره في الاذن بالتصرف
في اللقطة بعد التعريف مع الضمان بظهور المالك، فإذا ضمن رجع على
القابض بما غرم، لمباشرته التلف، ولأنه عاد بادعائه ما ليس له، فيستقر
الضمان عليه، إلا أن يعترف الدافع له بالملك، فلا يرجع عليه لو رجع عليه،
لاعترافه بكون ذي البينة الأخذ منه عاديا عليه ظالما.
(الثاني: لا بأس بجعل الآبق) وأخذ مال لرده ونحوه إجماعا فتوى
ونصا (فإن عينه) المالك، كأن قال: من رد عبدي مثلا فله كذا (لزم بالرد)
مع عدم قصد التبرع كائنا ما كان، بلا إشكال، ولا كلام، كما في المسالك (1)
وشرح الشرائع للصيمري (2) مؤذنين بدعوى الإجماع عليه، ويدل عليه
عموم المؤمنون عند شروطهم.
(وإن لم يعين) الجعل بأن قال: من رد عبدي فله علي شئ أو عوض
وأبهم (ففي رد العبد من المصر) الذي فيه مالكه إليه (دينار) قيمته عشرة
دراهم (ومن خارج البلد) الذي هو فيه، سواء كان من مصر آخر، أم لا
(أربعة دنانير) قيمتها أربعون درهما (على رواية) مسمع بن عبد الملك
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن النبي (صلى الله عليه وآله) جعل في الآبق دينارا إن أخذه في مصره،
وإن أخذه في غيره فأربعة دنانير (3).
وهي وإن كانت (ضعيفة) السند بجماعة والمتن بمخالفته القاعدة الدالة

(1) المسالك 11: 161.
(2) غاية المرام: 153 س 27 (مخطوط).
(3) التهذيب 6: 398، الحديث 43.
429

على ثبوت اجرة المثل فيما له اجرة في العادة وعدم شئ فيما لا اجرة له،
إلا أنها (يعضدها الشهرة) العظيمة القديمة والمتأخرة، حتى من الحلي (1)
الغير العامل بأخبار الآحاد الغير المحفوفة بالقرائن القطعية، لكنه خصها
بصورة ذكر الجعل مبهما، كما نزلنا عليه العبارة، ونسبه الشهيد في
الدروس (2) والصيمري في شرح الشرائع (3) إلى المتأخرين كافة، ونسب
الأول - كالمختلف (4) - العمل بإطلاق الرواية الشامل لما لم يذكر جعل
بالكلية ولم يستدع الرد بالمرة إلى ظاهر النهاية (5) والمقنعة (6) والوسيلة (7).
وما عليه الحلي (8) وتابعوه في غاية القوة، عملا بالقاعدة، واقتصارا في
تخصيصها بالرواية على ما تحقق فيه بالخبر بالشهرة، وليس في محل البحث
بلا شبهة.
وإطلاقها كالعبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق في
وجوب المقدر بين نقصانه عن قيمة العبد وعدمه، وبه صرح الماتن في
الشرائع (9) والفاضل (10) في التحرير، واستشكله في القواعد (11) والروضة،
بل قال فيها: وينبغي حينئذ أن يثبت على المالك أقل الأمرين من قيمته
والمقدر شرعا، ومبنى الرواية على الغالب من زيادة قيمته كثيرا (12). وهو
حسن، لكن في كلام الصيمري (13) أن الإطلاق مشهور بين الأصحاب،
فيمكن جعل الشهرة قرينة على إرادة الفرد النادر. وفيه إشكال.

(1) السرائر 2: 109.
(2) الدروس 3: 97.
(3) غاية المرام: 153 س 1 (مخطوط).
(4) المختلف 6: 111.
(5) النهاية 2: 49.
(6) المقنعة: 648.
(7) الوسيلة: 277.
(8) السرائر 2: 109.
(9) الشرائع 3: 164.
(10) التحرير 2: 122 س 22.
(11) القواعد 1: 201 س 1.
(12) الروضة 4: 450 - 448.
(13) غاية المرام: 153 س 2 (مخطوط).
430

وظاهر النص والفتوى وجوب دفع المقدر لا استحبابه، ونسبه في
المختلف إلى الأشهر (1).
خلافا للمبسوط (2) فنزل الرواية على الفضيلة. وحجته غير واضحة،
عدا العمل بالقاعدة وترك أصل الرواية.
وهو حسن لولا ما عرفت من الشهرة الجابرة فهو ضعيف، وإن اختاره
شيخنا في المسالك (3) والروضة (4) وبعض من تبعه فحكموا بلزوم الأجرة
دون المقدر في الرواية.
ثم إن مورد العبارة والرواية العبد خاصة (و) لكن (ألحق) به
(الشيخان) (5) والحلي (6) وغيرهم (البعير) ونسبه في المختلف (7) إلى
الأكثر، ويظهر من المفيد أن به رواية، لأنه قال: بذلك ثبتت السنة (8). وفيه
إشكال. ولعل المصير إلى القاعدة أجود، وفاقا لجماعة (9).
(و) أما (فيما عداهما) فتعين (اجرة المثل) إذا كان العمل مما له اجرة
في العادة وذكر المالك لها ولو مبهمة، عملا بالقاعدة المتقدمة، مع أنه
إجماعي، كما صرح به بعض الأجلة (10) فلا إشكال فيه، كما لا إشكال في
عدم لزوم شئ مع فقد الشرطين أو تبرع العامل بعمله، لأصالة البراءة.
(الثالث: لا يضمن الملتقط في الحول) وبعده (لقطة ولا لقيطا ولا ضالة
ما لم يفرط) أو يتعد، بلا خلاف في شئ من حكمي المستثنى منه
والمستثنى، ولا إشكال فيهما أصلا ومن التعدي أخذها بنية التملك قبل

(1) المختلف 6: 111.
(2) المبسوط 3: 333.
(3) المسالك 11: 164.
(4) الروضة 4: 450 - 448.
(5) النهاية 2: 49.
(6) السرائر 2: 109.
(7) المختلف 6: 113، وفيه المشهور الأول.
(8) المقنعة: 649.
(9) المسالك 11: 165، الروضة 4: 447 - 448.
(10) كفاية الأحكام: 233 س 22.
431

الوقت المشروع للتملك فيه في أثناء الحول أو كانت ابتداء، لكون اليد عارية
مستعقبة للضمان إجماعا. وكذا ترك التعريف حيث يجب عليه مطلقا وان لم
ينو التملك بل لحفظها خاصة، وليس منه الآخذ بنية الحفظ دائما مع
المواظبة على التعريف سنة، ولا الأخذ ليعرفها سنة ويتملكها بعدها فإنها
أمانة فيها إذا عرفها، ويجوز له التملك بعدها مع الضمان، كما مضى.
وفي ثبوته بعد الحول بمجرد نية التملك السابقة أم توقفه على نية اخرى
له متجددة؟ وجهان، على القول بافتقار التملك بعد التعريف إليها، وعلى
القول بحصوله بعده قهرا فالضمان بعد مضي الحول متعين جدا.
وحيث ثبت الضمان بموجبه من نية التملك قبل الحول أو ترك التعريف
لم يزل بزواله من نية الحفظ والأخذ في التعريف، استصحابا لما ثبت من
حاله سابقا.
ومما ذكرنا ظهر أن العين لا تخرج بالتقاطها قبل الحول عن ملك
مالكها، فالنماء المتجدد في أثنائه للمالك مطلقا، متصلا كان أو منفصلا.
وأقرب الوجهين وأظهرهما أنه يتبع العين مطلقا.
ولا يشترط لتملكه حول بانفراده بعد إكمال حول أصله.
وإطلاق العبارة وسائر الفتاوى بكون اللقطة مع عدم التفريط أمانة
يقتضي عدم الفرق فيها بين لقطة الحرم وغيرها. وهو حسن إن قلنا بعدم
الفرق بينهما حكما.
وأما على القول بالفرق بينهما كراهة في الثانية وحرمة في الأولى
فمشكل جدا، بل الأوفق بالأصول عدم كون لقطة الحرم أمانة، لكون اليد
الآخذة لها عادية من حيث النهي عن التقاطها، فلا إذن لها في التصرف فيها
أصلا. فتأمل جدا.
* * *
432

كتاب المواريث
433

(كتاب المواريث)
هو أعم من الفرائض مطلقا إن أريد بها المفروض بالتفصيل، وإن أريد
بها ما يعم الإجمال كإرث أولي الأرحام فهو بمعناه. ومن ثم كان التعبير بما
هنا أولى من التعبير بالفرائض. والأصل فيه بعد الإجماع الكتاب والسنة.
قال سبحانه: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» (1) إلى
آخر الآيتين.
وفي النبوي: تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرء مقبوض، وأن
العلم يستقبض ويظهر الفتن، حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من
يفصل بينهما (2).
قيل: وذلك لابتناء مسائل الفرائض على أصول غير عقلية، وعدم
اشتمال القرآن على جميعها، ولأهل البيت فيها أصول باينوا بها سائر الفرق،
وهم أدرى بما في بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، وفيه أيضا: تعلموا الفرائض، فإنها من
دينكم، وأنه نصف العلم، وأنه أول ما ينتزع من أمتي. وقد ذكروا في
توجيه التنصيف وجوها كلها تعسفات (3).
(والنظر) فيه يكون (في المقدمات والمقاصد واللواحق)

(1) النساء: 11.
(2) السنن الكبرى 6: 208.
(3) مفاتيح الشرائع 3: 300.
435

(والمقدمات ثلاثة):
(الأولى في) بيان (موجبات الإرث) وأسبابه
(وهي نسب، وسبب).
(فالنسب) هو الاتصال بالولادة بانتهاء أحد الشخصين إلى الآخر
كالأب والابن، أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق اسم النسب عرفا على الوجه
الشرعي.
وهو (ثلاث مراتب) لا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود واحد
من المرتبة السابقة خال من موانع الإرث.
فالأولى (الأبوان) من غير ارتفاع (والولد وإن نزل) بشرط الترتيب
الأقرب فالأقرب (و) بعدها (الأجداد) والجدات (وإن علوا) مرتبين
(والإخوة) والأخوات (وأولادهم) مع فقدهم (وإن نزلوا) ثم كذلك.
(و) بعدهما (الأعمام) والعمات (والأخوال) والخالات وأولادهم
مع فقدهم وإن نزلوا، ثم أعمام الأبوين وعماتهما وأخوالهما وخالاتهما
وأولادهم مع فقدهم وإن نزلوا، ثم أعمام الجد والجدة وعماتهما وأخوالهما
وخالاتهما وأولادهم مع فقده وإن نزلوا الأقرب فالأقرب، وهكذا إلى سائر
الدرجات.
436

ففي كل من المرتبتين الأوليين صنفان وفي الباقي صنف واحد، لأنهم
إخوة الأب والأم.
ولا يحجب الأقرب من كل صنف الأبعد من الصنف الذي في مرتبته، بل
يحجبه إذا كان من صنفه والواحد من كل مرتبة أو درجة، وإن كان أنثى
يحجب من ورائه من المراتب والدرجات، إلا في صورة واحدة إجماعية
هي أن ابن العم للأب والأم يحجب العم للأب وحده ويأخذ نصيبه.
والأصل في جميع ذلك بعد الإجماع عليه في الجملة الكتاب والسنة.
قال سبحانه: «وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض» الآية (1).
وفي الصحيح: أن كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه، إلا أن يكون
وارث أقرب إلى الميت فيحجبه منه (2). ونحوه غيره.
وفي الخبر: ابنك أولى بك من ابن ابنك، وابن ابنك أولى بك من أخيك
قال: وأخوك لأبيك، وأمك أولى بك من أخيك لأبيك وأخوك لأبيك أولى بك
من أخيك لأمك، قال: وابن أخيك لأبيك وأمك أولى بك من ابن أخيك
لأبيك، قال: وابن أخيك لأبيك أولى بك من عمك وعمك أخو أبيك من أبيه
وأمه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه، وعمك أخو أبيك من أبيه أولى
بك من عمك أخي أبيك لأمه، وابن عمك أخي أبيك من أبيه وأمه أولى بك
من ابن عمك أخي أبيك لأبيه، وابن عمك أخي أبيك من أبيه أولى بك من
ابن عمك أخي أبيك لأمه (3).
وما فيه من أولوية المتقرب بالأب وحده على المتقرب بالأم وحدها

(1) الأنفال: 75.
(2) الوسائل 17: 418، الباب 2 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1.
(3) الوسائل 17: 415، الباب 1 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 2.
437

من الإخوة والأعمام وأولادهم بمعنى زيادة الميراث، وفي غيرهم بمعنى
الحجب إجماعا، كما يأتي.
(والسبب) هو الاتصال بما عدا الولادة من ولاء وزوجية. وهو لتعدد
ما به الاتصال فيه (قسمان زوجية) من الجانبين مع دوام العقد أو شرط
الإرث على الخلاف المتقدم في كتاب النكاح (وولاء) بفتح الواو، وأصله
القرب والدنو. والمراد به هنا تقرب أحد الشخصين بالآخر على وجه يوجب
الإرث بغير نسب ولا زوجية.
(والولاء) له (ثلاث مراتب) كالنسب لا يرث أحد من المرتبة
التالية مع وجود واحد من المرتبة السابقة خال من الموانع.
فأقربها (ولاء العتق، ثم ولاء تضمن الجريرة، ثم ولاء الإمامة)
والقسم الأول: يجامع جميع الوراث، والثاني: لا يجامع النسب وإن بعد.
(الثانية في) بيان (موانع الإرث)
(وهي) كثيرة ذكر الماتن منها هنا (ثلاثة) هي أظهر أفرادها
(الكفر، والقتل، والرق).
(أما الكفر فإنه يمنع في طرف الوارث) يعني أنه لو كان كافرا لا
يرث مسلما، ويرث لو كان بالعكس. والأصل فيه بعد اتفاق المسلمين كافة
- كما في صريح المسالك (1) وظاهر غيره - المعتبرة المستفيضة، التي كادت
تكون متواترة، بل لعلها متواترة:
ففي الموثق: عن الرجل المسلم هل يرث المشرك؟ قال: نعم، ولا يرث
المشرك المسلم (2).

(1) المسالك 13: 20.
(2) الوسائل 17: 375، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 5.
438

وفي الصحيح: المسلم يرث امرأته الذمية ولا ترثه (1).
وفيه: لا يرث اليهودي والنصراني المسلمين ويرث المسلم اليهودي
والنصراني (2).
وفي الخبر القريب من الصحيح - برواية ابن محبوب المجمع على
تصحيح رواياته عن راويه الموجب لقصوره -: المسلم يحجب الكافر
ويرثه، والكافر لا يحجب المؤمن ولا يرثه (3).
(ف‍) لا إشكال في أنه (لا يرث الكافر مسلما) مطلقا (حربيا
كان الكافر أو ذميا أو مرتدا، و) إنما خص المنع بما إذا كان الكفر في
طرف الوارث لأنه (يرث المسلم الكافر) مطلقا (أصليا كان أو
مرتدا) بإجماعنا المحكي في عبائر جماعة من أصحابنا، مع وقوع
التصريح به في الأخبار التي تلوناها سابقا.
وأما النصوص المستفيضة الدالة على أنه لا توارث بين أهل ملتين من
الموثقين (4) وغيرهما فمع قصور أسانيدها وضعف جملة منها محمولة، إما
على التقية لموافقتها لمذهب أكثر العامة كما صرح به جماعة ومنهم شيخ
الطائفة (5) أو على نفي التوارث من الجانبين على وجه يرث كل منهما صاحبه
كما يتوارث المسلمان، وهو لا ينافي إرث أحدهما عن الآخر خاصة.
وبهذا التوجيه وقع التصريح في كثير من المعتبرة ولو بعمل الطائفة:
منها الصحيح: عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه قال فيما يروي الناس

(1) المصدر السابق: 374، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 375، الحديث 7.
(3) الوسائل 17: 374، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.
(4) الوسائل 17: 375 و 377، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 6، 14، 15، 17.
(5) الخلاف 4: 23، المسألة 16.
439

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنه قال: لا يتوارث أهل ملتين فقال: نرثهم ولا يرثونا،
إن الإسلام لم يزده إلا عزا في حقه (1).
والخبر: عن قوله «لا يتوارث أهل ملتين»، فقال (عليه السلام): نرثهم ولا يرثونا،
إن الإسلام لم يزد في ميراثه إلا شدة (2).
وفي آخر: لا يتوارث أهل ملتين يرث هذا هذا وهذا هذا إلا أن المسلم
يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم (3).
وفي الموثق: لا يزداد الإسلام إلا عزا، فنحن نرثهم ولا يرثونا (4).
وفي الخبر: النصراني يموت وله ابن مسلم أيرثه؟ قال: فقال: نعم، إن الله
تعالى لم يزده في الإسلام إلا عزا، فنحن نرثهم ولا يرثونا (5).
وحيث قد ظهر أن الكافر لا يرث المسلم (ف‍) قد ظهر منه أن (ميراث
المسلم لوارثه المسلم) مطلقا (انفرد بالنسب) وما بعده من الأسباب (أو
شاركه الكافر) فإنه لا يرثه مطلقا (ولو كان أقرب) إليه من الوارث المسلم
(حتى) أنه لو كان ذلك الوارث المسلم (ضامن جريرة) اتفق (مع ولد
كافر) للميت (فالميراث للضامن) دون الولد الكافر.
وبالإجماع على هذا بالخصوص صرح جماعة من الأصحاب، ونفى
عنه الخلاف في السرائر (6) والمسالك (7) وغيرهما. ولعله يفهم من إطلاق
الأخبار المتقدمة في صدر الباب، سيما الأخير منها، فإنه كالصريح فيه، بل
جزم بصراحته في المسالك (8) وغيره. وقصور سنده منجبر بما مر، وبالعمل

(1) الوسائل 17: 376، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 14.
(2) الوسائل 17: 377، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 17.
(3) المصدر السابق: الحديث 15.
(4) المصدر السابق: الحديث 19.
(5) المصدر السابق: الحديث 4.
(6) السرائر 3: 266.
(7) المسالك 13: 21 - 22.
(8) المسالك 13: 21 - 22.
440

به من الكل من دون خلاف يظهر، مضافا إلى اعتضاده بصريح كثير من
النصوص المعتبرة الآتية، كالصحيح الوارد في اسلام الكافر على الميراث
قبل القسمة، ورواية مالك بن أعين الآتية في المسألة الثالثة من المسائل
الست الملحقة.
وهي وإن لم تنهض حجة على تمام المدعى من تقديم الأبعد على
القريب مطلقا - ولو كان ضامن جريرة لاختصاص الأول بتقديم ذي القرابة
عدا الأولاد والزوجة على الأم النصرانية والثاني بتقديم ابن الأخ والأخت
على الأولاد وهما في ذوي الأنساب خاصة - إلا أنها ناهضة عليه بعد ضم
الإجماع وعدم القول بالفرق
(و) فحوى النص الدال على أنه (لو لم
يكن) للمسلم (وارث مسلم فميراثه للإمام (عليه السلام)) فإن ثبوت أولوية إرثه
من الكافر بولائه الذي هو متأخر عن أنواع الولاء يستلزم إرث من قبله منه
من أولى الولاء الذين منهم ضامن الجريرة بطريق أولى، كما لا يخفى.
والنص هو الصحيح المشار إليه سابقا الوارد في إسلام الكافر على
الميراث قبل قسمته. وقريب منه الصحيح الآخر: في رجل مسلم قتل وله
أب نصراني لمن يكون ديته؟ قال: يؤخذ ديته فيجعل في بيت مال
المسلمين، لأن جنايته على بيت مال المسلمين (1). فتأمل.
ويعضدهما عموم النصوص الدالة على أن الإمام (عليه السلام) وارث من
لا وارث له، بناء على أن ورثة المسلم الكفار لا يرثونه، كما مر فهم
بالإضافة إليه بحكم العدم، ولا خلاف فيه أيضا بين الأصحاب ظاهرا، وبه
صرح بعض أصحابنا (2).

(1) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 6.
(2) كفاية الأحكام: 289 س 11 - 17.
441

(و) اعلم أن الحكم بأن (الكافر يرثه المسلم إن اتفق) وارثا مطلقا
- ولو كان بعيدا وعارضه وارث كافر أقرب منه إلى الميت وأولى - مما لا
إشكال فيه أصلا، كما مضى. فلا وجه لإعادته تارة اخرى.
(و) لا كذلك الحكم بأن الكافر (لا يرثه الكافر) فإنه في الجملة وان
كان مما لا إشكال فيه أيضا إلا أنه ليس على إطلاقه إجماعا، بل يستثنى
منه ما أشار إليه بقوله: (إلا إذا لم يكن له وارث) خاص (مسلم) فيرثه
الكفار حينئذ، ولذا يتوجه إعادته بعد فهمه سابقا، تنبيها على أن الحكم ليس
على إطلاقه، لثبوت التوارث بين الكفار في صورة الاستثناء بلا خلاف فيه
ظاهرا، وصرح به بعض الأصحاب (1) لعموم أدلة الإرث، مع سلامته عن
المعارض في محل البحث، لاختصاصه بما إذا كان هنا وارث خاص مسلم،
ولمرسلة ابن أبي عمير الموثقة كالصحيحة إليه: في يهودي أو نصراني يموت
وله أولاد غير مسلمين، فقال: هم على ميراثهم (2) ولما سيأتي من النص في
ميراث المجوسي.
وفي الصحيح: أن عليا (عليه السلام) كان يقضي في المواريث فيما أدرك الإسلام
من مال مشرك تركه لم يكن قسم قبل الإسلام أنه كان يجعل للنساء
والرجال حظوظهم منه على كتاب الله تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) (3). ونحوه
آخر (4).
ويظهر من الكليني (5) وغيره دلالتهما على حكم المسألة.

(1) كفاية الأحكام: 289 س 11 - 17.
(2) الوسائل 17: 385، الباب 5 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3.
(3) المصدر السابق: 383 الباب 4، الحديث 1.
(4) المصدر السابق: الحديث 2.
(5) راجع الكافي 7: 145، الحديث 1 و 2.
442

وفيه مناقشة، لاحتمالهما وجوها ثلاثة:
منها: أن يكون المراد أنه إذا أسلم واحد من الورثة أو أكثر قبل القسمة،
فإنه يشارك ولو كان امرأة، ردا على بعض العامة، القائل: إنه لا يرث منهم
سوى الرجال أو العصبة على ما حكاه جدي العلامة المجلسي طاب
رمسه (1).
ومنها: أن يكون المراد أنه يجري على أهل الذمة أحكام المواريث
وليست كغيرها من الأحكام، بأن يكون مخيرا في الحكم أو الرد إلى أهل
ملتهم، كما قال سبحانه: «فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم» (2).
ومنها: أن يكون المراد أنهم إذا أسلموا وكان لم يقسم بينهم التركة يقسم
التركة بينهم على قانون الإسلام، وليس لهم أن يقولوا: إن المال لموته انتقل
إلينا على القانون السابق على الإسلام فتقسمه عليه.
ولا يتم الدلالة إلا على الوجهين الأخيرين، ولا قرينة فيهما تعين
إرادتهما، مع احتمال أظهرية الوجه الأول منها، كما ذكره جدي (رحمه الله).
(ولو كان) للكافر (وارث مسلم كان أحق بالإرث) من وارثه
الكافر (وإن بعد) هو (وقرب) ذلك (الكافر) لبعض ما مر في أولوية
الوارث المسلم للمسلم من وارثه الكافر وإن قرب وبعد هو، والفرق بين
المسألتين مع تشابههما كون المورث في الأولى مسلما وفي الثانية كافرا،
فلا يتوهم التكرار هنا.
(وإذا أسلم الكافر على ميراث) مورثه المحجوب منه بكفره مع وجود
ورثة له مسلمين (قبل قسمته) عليهم (شارك) في الإرث بحسب حاله
(إن كان مساويا) لهم (في النسب) والمرتبة، كما لو كان الكافر ابنا

(1) روضة المتقين 11: 385.
(2) المائدة: 42.
443

والورثة إخوته مثلا (وحاز الميراث) وجمعه كملا (إن كان أولى)
منهم في المرتبة، كما لو كانوا في المثال إخوة الميت.
والحكم بذلك مطلق (سواء كان المورث مسلما أو كافرا) بلا خلاف
في شئ من ذلك في الظاهر، بل عليه الإجماع في بعض العبائر. وهو
الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، وفيها الصحاح والموثقات:
ففي الصحيح: من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه، وإن أسلم
وقد قسم فلا ميراث له (1). ونحوه الموثقان كالصحيحين بأبان (2) المجمع
على تصحيح رواياته، والخبران، أحدهما الموثق (3).
وفي الصحيح أيضا: عن رجل مسلم مات وله أم نصرانية وله زوجة
وولد مسلمون، فقال: إن أسلمت أمه قبل أن يقسم ميراثه أعطيت السدس،
قلت: فإن لم يكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له سهم في الكتاب مسلمين
وله قرابة نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين لمن يكون
ميراثه، قال: إن أسلمت أمه فإن ميراثه لها، وإن لم تسلم أمه وأسلم بعض
قرابته ممن له سهم في الكتاب فإن ميراثه له، فإن لم يسلم أحد من قرابته
فإن ميراثه للإمام (عليه السلام) (4).
وهل يبقى الميراث على حكم مال الميت إلى أن يقسم، أو يسلم الباقي
ويصير بلا مالك بالفعل غير الله تعالى، أو ينتقل إلى الموجودين ملكا متزلزلا
ثم ينتقل منهم إلى من يسلم بعدهم كلا أو بعضا، أو يكون إسلامه كاشفا عن
الملكية بعد الموت فيه؟ أوجه ثلاثة، وقطع الشهيدان في الدروس (5)

(1) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2، 3، 4، 5.
(2) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2، 3، 4، 5.
(3) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2، 3، 4، 5.
(4) الوسائل 17: 380، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.
(5) الدروس 2: 345.
444

والمسالك (1) والروضة (2) وغيرهما بأن النماء المتجدد بعد الموت وقبل
القسمة تابع للأصل.
ولو أسلم الكافر بعد القسمة لم يرث بلا خلاف، للأخبار المزبورة.
(و) كذا (لو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر) في
الميراث مطلقا (وإن أسلم) إجماعا، كما في السرائر (3) ولا خلاف فيه في
الجملة إذا كان الواحد من عدا الإمام (عليه السلام) (لأنه لا يتحقق هنا قسمة) مع
انتقال المال إليه وحصوله في ملكه، فالانتقال إلى غيره يحتاج إلى دليل
وليس.
ولا فرق في ذلك بين بقاء عين التركة وعدمه.
خلافا للمحكي في المسالك (4) وغيره عن الإسكافي فحكم بالمشاركة
في الصورة الأولى إن كان الوارث الواحد فيها حيا. وفي المسالك أنه
نادر (5). ووجهه مع ذلك ومخالفته للنصوص غير واضح.
أما لو كان الوارث الواحد هو الإمام وكان المورث مسلما فأسلم الكافر
فهو أولى بالميراث على المشهور، كما في الكفاية (6) وعن فخر الدين نسبته
إلى كثير (7) واختاره الماتن في الشرائع (8) للصحيح الأخير، والصحيح
الآخر: عن رجل قتل رجلا مسلما فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين إلا
أولياء من أهل الذمة من قرابته، فقال: على الإمام (عليه السلام) أن يعرض على قرابته
من أهل بيته الإسلام، فمن أسلم منهم فهو وليه يدفع القاتل إليه، فإن شاء

(1) المسالك 13: 24.
(2) الروضة 8: 28.
(3) السرائر 3: 268.
(4) المسالك 13: 24.
(5) المسالك 13: 24.
(6) كفاية الأحكام: 289 س 23.
(7) الإيضاح 4: 175.
(8) الشرائع 4: 12.
445

قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد كان الإمام (عليه السلام)
ولي أمره (1) الحديث.
خلافا لإطلاق العبارة وصريح جماعة كالحلي (2) والشيخ في النهاية (3)
للتعليل المتقدم إليه الإشارة.
والمناقشة فيه بعد ورود النص الصحيح الصريح بخلافه واضحة، فالقول
به ضعيف غايته.
وأضعف منه المحكي عن ظاهر المبسوط (4) وصريح ابن حمزة (5) من
التفصيل بين نقل التركة إلى بيت المال فالثاني، وعدمه فالأول، فإنه لا وجه
له، كما في الروضة (6) وإن جزم به الفاضل في الإرشاد (7) وولده (8) قد تبعه.
ويلحق بهذه المقدمة (مسائل) ست:
(الأولى: الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوي قرابتها
الكفار) مطلقا (كافرة كانت) الزوجة (أو مسلمة) فإن (له النصف
بالزوجية) حيث لا يكون لها ولد حاجب (والباقي بالرد) على الأظهر
الأشهر فيه (و) في أن (للزوجة المسلمة الربع) من التركة إن لم يكن له
ولد حاجب (مع الورثة) الكفار كانت أم لا (والباقي للإمام (عليه السلام)) مع
عدمهم مطلقا ومع وجودهم أيضا إذا كان الزوج المورث مسلما ولهم إذا
كان كافرا، كما مضى، وسيأتي الكلام في المسألتين إن شاء الله مفصلا. وإنما
ذكرناها مقدمة لذكر مسألة هنا محلها.

(1) الوسائل 19: 93، الباب 60 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 1.
(2) السرائر 3: 268.
(3) النهاية 3: 233.
(4) المبسوط 4: 79.
(5) الوسيلة: 394.
(6) الروضة 8: 29.
(7) إرشاد الأذهان 2: 127.
(8) الإيضاح 4: 175.
446

(و) هي أنه (لو أسلموا) أي الورثة الكفار (أو أسلم أحدهم) بعد
أن أخذ الزوجان نصيبهما من التركة كلا أو بعضا.
(قال الشيخ) في النهاية (1) والقاضي (2) والماتن في النكت (3): (يرد
عليهم) أي على الورثة أو بعضهم بعد إسلامهم (ما فضل عن سهم
الزوجية) من النصف في الفرض الأول والزائد من الربع في الفرض الثاني.
ولا ريب في الحكم بذلك في الفرضين على القول النادر بعدم الرد فيهما،
وفي الثاني خاصة على مختار الأكثر والماتن هنا إذا كان الإسلام قبل
القسمة بين ذي الفرض والإمام (عليه السلام)، لاندراج الحكم على التقديرين تحت
النصوص المتقدمة الدالة على الإرث بالإسلام قبل القسمة وعدمه إذا كان
بعدها.
وينبغي القطع بعدمه في الفرض الأول على قول الأكثر، وفي الثاني أيضا
على القول الثالث من ثبوت الرد فيهما، لما مر في الإسلام مع الوارث المسلم
الواحد من الأصل، واختصاص ما دل على خلافه، وانتقال المال عنه بعضا
أو كلا إلى غير الوارث بما إذا أسلم قبل القسمة، وهي لا تصدق إلا مع التعدد
دون الوحدة المفروضة في المسألة.
فلا وجه لما ذكره الجماعة في الفرض الأول مع قولهم بالرد فيه، كما لا
وجه لإطلاق قول الماتن هنا: (وفيه تردد) الظاهر في رجوع التردد إلى
الحكم المذكور في الفرضين، بل كان ينبغي تخصيصه بالفرض الأول الذي
قال فيه بالرد.
اللهم إلا أن يجعل مورد التردد ثبوت الحكم في المقامين معا،

(1) النهاية 3: 235.
(2) المهذب 2: 157.
(3) نكت النهاية 3: 235.
447

وهو يجامع عدم التردد في ثبوته في أحدهما.
وكيف كان وجه تردده في الحكم في الفرض الأول مع حكمه فيه بالرد
غير واضح، عدا ما في التنقيح (1) من الاستناد في جهة منع المسلم عما فضل
إلى ما قدمناه، وفي جهة المقابل إلى قول الشيخ خاصة.
وهو كما ترى، فإن قول الشيخ بمجرده لا تصلح حجة، سيما وإن
يعارض به الحجة الأقوى.
والماتن استشكل الحكم المذكور في الشرائع (2) أيضا، كما هنا، لكن لم
يذكر وجهه إلا في الجهة الأولى، ولم يشر إلى وجهه في الجهة الثانية أصلا،
والظاهر أنه ما حكي عن الماتن في النكت من أن الزوج لا يستحق سوى
النصف، والرد إنما يستحقه إذا لم يوجد للميت وارث محقق ولا مقدر، وهنا
الوارث المقدر موجود، فإنه إذا عرض على الكافر الإسلام وأسلم صار
وارثا ومنع الرد، وأن استحقاق الزوج الفاضل ليس استحقاقا أصليا، بل لعدم
الوارث وكونه أقوى من الإمام والزوج، فيجري في الرد مجرى الإمام، فإنه
إذا أسلم على الميراث منع الإمام (3).
ويضعف بأن المعتبر في الحكم بالرد على الزوج وعدمه إنما هو بعد
الموت بلا فصل، لأنه وقت الحكم بالإرث، وانتقال التركة إلى الوارث،
والاعتبار حينئذ بالوارث المحقق لا المقدر، مع عدم دليل على اعتباره،
وانتقاضه بكل وارث واحد منع كافرا عن الإرث، سواء ورث فرضا وردا أو
قرابة، خصوصا الذي يرث بالفرض والرد، والاتحاد على تقدير القول بالرد
حاصل، والفرق بين الاستحقاق الأصلي وغيره لا دخل له في الحكم بعد

(1) التنقيح 4: 135.
(2) الشرائع 4: 12.
(3) نكت النهاية 3: 235.
448

القول بثبوته في الجملة عند عدم الوارث وقت الحكم بالإرث.
وبالجملة لا ريب في ضعف هذا القول، وابتناء الحكم فيه على الرد على
الزوجين، مع عدم الوارث وعدمه فيقبل على الثاني ويرد على الأول، وهذا
البناء مشهور بين المتأخرين، بل عليه عامتهم، وفاقا للحلي (1).
(الثانية: روى) المشائخ الثلاثة (2) في الصحيح إلى (مالك بن أعين
عن أبي جعفر (عليه السلام): في نصراني مات وله ابن أخ وابن أخت مسلمان
وأولاد صغار) أنه (لابن الأخ الثلثان ولابن الأخت الثلث، وانه ينفقان
على الأولاد بالنسبة) أي بنسبة حقوقهما وميراثهما من أبيهم فينفق عليهم
ابن الأخ ثلثي النفقة وابن الأخت ثلثها. هذا إذا لم يسلموا قبل البلوغ.
(ف‍) أما (إن أسلم الصغار) قبله (دفع المال) أي التركة (إلى
الامام، فان بلغوا) باقين (على الإسلام دفعه الإمام إليهم) ولو لم
يسلموا أو (لم يبقوا) بعده على إسلامهم (دفع) الإمام المال (إلى ابن
الأخ الثلثين وإلى ابن الأخت الثلث).
وظاهر نقلهم لها من دون معارض صريح، بل ولا ظاهر عملهم بها، مع
تصريح الشيخ في النهاية بالفتوى بها كالمفيد والقاضي والحلبي وابن زهرة
والكيدري ونجيب الدين، كما حكى ذلك عنهم الشهيد في النكت (3) مدعيا
هو فيه وفي الدروس كونها مذهب الأكثر والمعظم (4) ونحوه شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك، فقد نسبه إلى أكثر الأصحاب، قال: خصوصا المتقدمين
منهم كالشيخين والصدوق والأتباع (5) وبذلك أيضا صرح المقدس

(1) السرائر 3: 268.
(2) الكافي 7: 143، الحديث 1، الفقيه 4: 337، الحديث 5739، والتهذيب 9: 368، الحديث 14.
(3) غاية المراد: 151 س 5 (مخطوط).
(4) الدروس 2: 346.
(5) المسالك 13: 30.
449

الأردبيلي (رحمه الله) (1) وصاحب الكفاية (2). ولا ريب في اشتهار الرواية بين
القدماء، بل والمتأخرين أيضا، كما يفهم من عبائر هؤلاء الجماعة.
فلا بعد في المصير إليها وإن ضعف السند بالراوي والمتن بمخالفة
الأصول المقررة والقواعد الممهدة من أن الولد يتبع أبويه في الإسلام والكفر
بلا خلاف، وما مر من أن من أسلم من الأقارب الكفار بعد انقسام الورثة
المسلمين لا يرث، ومن أسلم قبله يشارك أو يختص، ومن لوازم عدم
المشاركة اختصاص الوارث المسلم بنصيبه من الإرث، ولا يجب عليه بذله.
ولا شئ منه للقريب الكافر صغيرا كان أو كبيرا، لانجبار جميع ذلك
بالشهرة المطلقة المحكية، بل المحققة بين القدماء بلا شبهة، بل لا يرى لهم
منهم مخالف عدا الحلي (3). وهو بالإضافة إليهم شاذ.
هذا، مضافا إلى قوة السند في نفسه بتضمنه الحسن بن محبوب المجمع
على تصحيح رواياته، مع أنه في الفقيه أسنده إلى عبد الملك بن أعين أيضا،
لكن مرددا بينهما في النسخة المشهورة، وفي غيرها أسنده إليهما معا.
وهو حسن وإن ضعف مالك بن أعين، ويحصل من ذلك تأييد ما للسند
أيضا، كما يحصل من وصف جماعة إياه بالصحة، كالفاضل في المختلف (4)
والشهيد في الكتابين (5) بل نسبه جدي المجلسي إلى أكثر الأصحاب (6).
فتأمل جدا.
والخروج عن الأصول بمثل هذا الخبر المنجبر بالعمل غير عزيز،

(1) مجمع الفائدة 11: 483.
(2) كفاية الأحكام: 289 س 31.
(3) السرائر 3: 269.
(4) المختلف 9: 57.
(5) الدروس 2: 345، غاية المراد: 151 س 7 (مخطوط).
(6) روضة المتقين 11: 387.
450

ولكن المسألة مع ذلك لعلها لا تخلو عن إشكال، لإطباق المتأخرين على
عدم الجزم به، وإن اختلفوا في التوقف فيه، أو رده.
فبين من اختار الثاني، كالفاضل في الإرشاد (1) والمختلف (2) والمقداد
في التنقيح (3) وشيخنا في المسالك (4) والمقدس الأردبيلي (رحمه الله) (5) وجدي
العلامة المجلسي (رحمه الله) (6) ونسبه شيخنا في المسالك وبعض من تبعه إلى أكثر
المتأخرين (7).
وبين من مال إلى الأول، كالماتن هنا وفي الشرائع (8) والشهيد في
الكتابين (9) وصاحب الكفاية (10) وغيرهم. ولعله في محله، وإن كان المصير
إلى ما عليه الأكثر لما مر غير بعيد.
واختلفوا في تنزيل الخبر على ما يوافق الأصل فرادوه إلى الاستحباب
وغيرهم من العاملين به على محامل بعيدة تأبى عنها نفس الرواية.
وهل يختص الحكم على تقدير ثبوته بمورد الخبر كما هو ظاهر الأكثر،
أم يطرد في ذي القرابة المسلم على الإطلاق مع الأولاد كما في المختلف
عن ابن زهرة والحلبي (11)؟ وجهان.
ولا ينبغي ترك الاحتياط فيه، بل في أصل المسألة على حال.
(الثالثة: إذا كان أحد أبوي الصغير) مطلقا (مسلما ألحق به) في
إسلامه، سواء كان حين علوق الصغير أو بعده قبل بلوغه، ويتبع ذلك حكم

(1) إرشاد الأذهان 2: 127.
(2) المختلف 9: 58.
(3) التنقيح 4: 136.
(4) المسالك 13: 33.
(5) مجمع الفائدة 11: 484.
(6) روضة المتقين 11: 387.
(7) المسالك 13: 32.
(8) الشرائع 4: 13.
(9) الدروس 2: 346 وغاية المراد: 151 س 7 (مخطوط).
(10) راجع كفاية الأحكام: 289 س 34.
(11) المختلف 9: 56 - 57.
451

التوارث (فلو بلغ أجبر على الإسلام، ولو أبى) عنه (كان كالمرتد) في
وجوب قتله وحكم إرثه الآتي، ولا أعرف في شئ من ذلك خلافا بين
الأصحاب، بل ادعى عليه في المسالك الوفاق (1) ونفى الخلاف عن أصل
التبعية في المفاتيح (2) والكفاية (3).
ولا شبهة فيه، كما لا شبهة في التبعية في الكفر أيضا إذا كان أبواه
كافرين معا، وادعى فيه بالخصوص الإجماع في التنقيح، قال: ولهذا يسترق
كما يسترق أبوه الكافر (4).
أقول: ولعل التبعية للأبوين في الإسلام والكفر من الضروريات يمكن
استفادته من الأخبار المتواترة معنى، المتشتتة في مواضع عديدة، ككتاب
الميراث والحدود والجهاد والوصية. ويدل على إجباره على الإسلام بعد
الإدراك الخبران المرويان في الكافي والتهذيب في باب حد المرتد.
أحدهما المرسل كالموثق على الأصح: في الصبي إذا شب فاختار
النصرانية وأحد أبويه نصراني أو جميعا مسلمين، قال: لا يترك، ولكن
يضرب على الإسلام (5).
وفي الثاني في الصبي يختار الشرك هو بين أبويه، قال: لا يترك، وذاك
إذا كان أحد أبويه نصرانيا (6). فتأمل جدا.
وعلى أنه لو أبى قتل للمرسلة الآتية.
وإنما الشبهة في الحكم بالارتداد وثبوت جميع أحكامه له بالإباء عن
الإسلام مع ثبوته بمجرد التبعية، فإني لم أقف فيه على رواية، عدا رواية

(1) المسالك 13: 29.
(2) لم نعثر عليه.
(3) كفاية الأحكام: 289 س 29.
(4) التنقيح: 135.
(5) الكافي 7: 257 و 256، الحديث 7 و 4، التهذيب 10: 140، الحديث 15 و 14.
(6) الكافي 7: 257 و 256، الحديث 7 و 4، التهذيب 10: 140، الحديث 15 و 14.
452

مرسلة رواها الصدوق، قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): إذا أسلم الأب جر الولد إلى
الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام، فإن أبى قتل، وإن أسلم الولد
لم يجر أبويه ولم يكن بينهما ميراث (1).
وإطلاقات النصوص المتضمنة لأحكام الارتداد غير شاملة لمثل هذا
المرتد بحكم التبادر في جملتها والصريح في بعضها، إلا أن دعوى الوفاق
المعتضدة بعدم الخلاف وبالمرسلة المزبورة الدالة على ما ذكروه ولو في
الجملة حجة قوية، كفتنا مؤنة الاشتغال بتحصيل غيرها من الحجج الشرعية.
(الرابعة: المسلمون يتوارثون) بعضهم من بعض (وإن اختلفت
آراؤهم) ومذاهبهم ما لم ينكروا ما علم ضرورة من الدين، ومعه لا يرث
المنكر غيره وهو يرثه (وكذا الكفار) يتوارثون بعضهم من بعض (وإن
اختلف مللهم) بلا خلاف في شئ من ذلك، إلا من المفيد في المقنعة في
بعض نسخها، فقال: يرث المؤمن أهل البدع من المعتزلة والمرجئة
والخوارج من الحشوية ولا يرث هذه الفرق مؤمنا (2) ووافق القوم في
النسخة الأخرى، وعن الحلبي فقال: يرث كفار ملتنا غيرهم من الكفار ولا
يرثونهم، وقال: المجبرة والمشبهة وجاحد الإمامة لا يرثون المسلم (3).
وهما مع شذوذهما، محجوجان بعمومات أدلة الإرث من الكتاب
والسنة، السليمة هنا عن المعارض بالكلية، لاختصاص الأدلة المانعة عن
إرث الكافر عن المسلم فتوى ورواية بالكافر مقابل المسلم، وهو من لم
يظهر الشهادتين، أو أظهرهما وأنكر من الدين ما علم ضرورة.
وهذا وإن لم يتعرض له كثير من أصحابنا هنا، إلا أن الحكم به مستفاد

(1) الفقيه 3: 152، الحديث 3556.
(2) المقنعة: 701.
(3) الكافي في الفقه: 375.
453

من قواعدهم التي مهدوها في مواضع أخر شتى، وبه صرح الشهيد في
الدروس (1) والعلامة في القواعد (2) والفاضل المقداد هنا.
فقال بعد الاستدلال لما عليه الأصحاب: من أن المقتضي للتوارث هو
الإسلام لا غير، نعم الغلاة والمجسمة والخوارج والمرجئة والجبرية لا
يرثون غيرهم من أرباب المذاهب، لأنهم منكرون لما علم ضرورة من دين
النبي (صلى الله عليه وآله)، فهم كفرة، والكافر لا يرث المسلم لما تقدم (3) انتهى.
ومقتضى ذلك ثبوت التوارث بينهم وبين سائر الكفار، لكنه صرح بعد
ذلك بما يدل على أن مثل هذا الكافر من ملتنا يرث مثله، وغيره من أقسام
الكفار من غير ملتنا، ولا يرثونه إذا كانوا من غير ملتنا، قال: لأن لهم
خصوصية بذلك زادوا على غيرهم يرثون غيرهم من الكفار ولا ينعكس (4).
ولم أقف على من تعرض لذلك غيره.
(الخامسة: المرتد) وهو الكافر بعد الإسلام أعاذنا الله تعالى مما يوبق
الأديان إذا كان ارتداده (عن فطرة) الإسلام بأن ارتد عنه بعد أن انعقد
وأحد أبويه مسلم، كما صرح به الفاضلان (5) والشهيدان (6) وغيرهم من دون
خلاف يعرف فيه بينهم. ويعضده ظواهر بعض النصوص الآتية المتضمن له
مع حكمه من حيث التعبير فيه عنه بمن ولد على الإسلام، كما في بعض،
أو على الفطرة كما في آخر، ولا تصدق شئ منهما إلا بما ذكروه.
(يقتل، ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة) مطلقا، ولو لم يدخل

(1) الدروس 2: 344، لم نجد التصريح بذلك فيه.
(2) القواعد 2: 162 س 7.
(3) التنقيح 4: 137.
(4) التنقيح 4: 138.
(5) الشرائع 4: 13، القواعد 2: 163 س 3.
(6) الدروس 2: 345، الروضة 8: 30.
454

بها على قول قوي، وتقسم أمواله بين ورثته ولو كان حيا، بلا خلاف في شئ
من ذلك أجده، ولا حكاه أحد من الطائفة، إلا شيخنا في المسالك (1) وبعض
من تبعه، فحكياه عن ظاهر الإسكافي، حيث لم يفصل في الاستنابة والقتل
بعدها مع عدم التوبة بين الفطري والملي قال التابع بعد نقله: وهو شاذ، وهو
ظاهر في انعقاد الإجماع على خلافه، وبه صرح في الروضة (2) وغيرها.
وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل على محمد (صلى الله عليه وآله) بعد
إسلامه فلا توبة له، وقد وجب قتله، وبانت منه امرأته، وقسم ما ترك على
ولده (3).
وإنما خص بالفطري مع شموله أيضا للملي، جمعا بينه وبين ما دل على
لزوم قتل المرتد بقول مطلق، بعد امتناعه من التوبة، كالصحيح عن غير واحد
من أصحابنا عنهما (عليهما السلام): في المرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل (4).
إلى غير ذلك من النصوص بحملها على الملي خاصة، والجامع بعد
الإجماع المتقدم إليه الإشارة المعتبرة.
منها الصحيح: عن مسلم تنصر، كما في الكافي (5) والتهذيب (6) أو ارتد
كما في الاستبصار (7) قال: يقتل ولا يستتاب، قلت: فنصراني أسلم ثم ارتد
عن الإسلام قال: يستتاب فإن رجع وإلا قتل.
والموثق: كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا (صلى الله عليه وآله)

(1) المسالك 15: 23.
(2) الروضة 9: 337.
(3) الوسائل 18: 544، الباب 1 من أبواب حد المرتد، الحديث 2.
(4) المصدر السابق: ص 547، الباب 3، الحديث 2.
(5) الكافي 7: 257، الحديث 10.
(6) التهذيب 10: 138، الحديث 9.
(7) الاستبصار 4: 254، الحديث 8.
455

نبوته وكذبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم
ارتد، فلا تقربه، ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها
زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه (1).
والمرفوع كالموثق بعثمان بن عيسى المجمع على تصحيح رواياته: أما
من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه، ولا تستتبه،
ومن لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه، فإن تاب، وإلا فاضرب عنقه (2).
وفي الصحيح: رجل ولد على الإسلام ثم كفر وأشرك وخرج عن
الإسلام هل يستتاب أو يقتل ولا يستتاب؟ فكتب: يقتل (3).
وفيه تصريح بقتل الفطري وعدم استتابته، وفي كثير من النصوص عدم
قتل الملي إلا من بعد امتناعه عن التوبة، ولا تعارض بينهما، فيجب العمل
بهما بلا شبهة، وفيهما قرينة اخرى على الجمع المتقدم إليه الإشارة. فلا
شبهة في المسألة.
وقصور أسانيد بعض المعتبرة المتقدمة كقصور دلالة بعض أخر منها عن
إفادة تمام ما ذكره الجماعة معتضد ومجبور بعملهم. فلا وجه لمناقشة بعض
متأخري الطائفة فيها بذينك الأمرين وغيرهما بالمرة.
(و) مما ذكرنا يستفاد ما ذكره الأصحاب من غير خلاف فيه بينهم
يعرف أن (من ليس) ارتداده (عن فطرة) كأن أسلم عن كفر ثم ارتد
لا يقتل ابتداء، بل (يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل) والنصوص به زيادة
على ما مر مستفيضة، ما بين مطلقة للحكم بالاستتابة غير مقيدة للمرتد

(1) الوسائل 18: 545، الباب 1 من أبواب حد المرتد، الحديث 3.
(2) الوسائل 18: 552، الباب 5 من أبواب حد المرتد، الحديث 5.
(3) المصدر السابق: الباب 1، الحديث 6.
456

بالملي، ومقيدة له به، وقد عرفت الجواب من الأدلة بحملها على المقيدة، لما
عرفت من الأدلة، مع أنها ضعيفة وأكثر رجالها من العامة موافقة لمذاهبهم،
كما صرح به جماعة. فيحتمل الحمل أيضا على التقية. ويعضده مصير
الإسكافي إليها، كما مر غير مرة.
وسقوطها من البين بهذا الحمل غير ضائر، فإن في بقية النصوص كفاية
إن شاء، مع عدم الخلاف هنا أصلا، وبه صرح الفاضل المقداد في التنقيح.
فقال بعد نقل ما قدمناه هنا من المتن مع ما بعده من قوله: (وتعتد
زوجته عدة الطلاق مع الحياة وعدة الوفاة لا معها): هذا مما لا خلاف
فيه عندنا، لكن الشيخ في النهاية زاد على هذا إنه إذا التحق بدار الحرب ولم
يقدر عليه يقسم ميراثه بين أهله، وتبعه القاضي، ونازعه الحلي، قائلا: بأن
الأصل بقاء الملك على مالكه، ولا دليل على قسمة أمواله بارتداده، قال:
وقد رجع الشيخ عن ذلك في المبسوط والخلاف، وهذا هو المفتى به (1)
انتهى.
وظاهره - كما ترى - عدم الخلاف في مبلغ العدة في صورتي الحياة
والوفاة أيضا، وقد قدمنا التحقيق فيه في كتاب النكاح.
وهل الملي لتوبته حد وتقدير مدة؟ قيل: لا، لعدم دليل عليه (2). وقيل:
القدر الذي يمكن معه الرجوع (3) احتياطا في الدماء وإزاحة للشبهة العارضة
في الحد. وقيل: ثلاثة أيام (4) للخبر الضعيف لجماعة، وفيه: المرتد تعزل
عنه امرأته ولا تؤكل ذبيحته، ويستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب، وإلا قتل يوم
الرابع (5). ولعل الوسط أجود.

(1) التنقيح 4: 138.
(2) الخلاف 5: 356، المسألة 6.
(3) المبسوط 7: 283، الإيضاح 4: 550.
(4) الشرائع 4: 184.
(5) الوسائل 18: 548، الباب 3 من أبواب حد المرتد، الحديث 5.
457

(و) أما (المرأة) ف‍ (لا تقتل) بالردة (بل تحبس وتضرب
أوقات الصلاة حتى تتوب) مطلقا (ولو كانت) مرتدة (عن فطرة)
للمعتبرة المستفيضة:
ففي المرسل كالصحيح بل الصحيح على الصحيح: والمرأة إذا ارتدت
استتيبت، فإن تابت ورجعت، وإلا خلدت في السجن وضيق عليها في
حبسها (1).
وفي الصحيح: في المرتدة عن الإسلام، قال: لا تقتل، وتستخدم خدمة
شديدة، وتمنع الطعام والشراب، إلا ما تمسك نفسها وتلبس خشن الثياب
وتضرب على الصلوات (2).
وأما الصحيح الدال على قتل المرتدة عن ملة بعد إبائها عن التوبة (3)
فمع أنه شاذ مخالف للإجماع قضية في واقعة، يحتمل الاختصاص بها
وغيره، مع توجيهات فيه بها لا تنافي الأخبار الأولة، ذكر بعضها الشيخ في
الكتابين (4) وغيره، مع أنه غير مكافئ لها.
واعلم أنه ذكر شيخنا في المسالك (5) وبعض من تبعه أنه ليس فيها ما
يدل على قبول توبتها مطلقا، والأول منها وإن كان ظاهره ذلك إلا أنه
تضمن حكم الرجل بذلك أيضا، وحمله على الملي يرد مثله فيها فحمل
الدال على تخليد حبسها دائما من غير تفصيل على الفطري وعدم قبول
توبتها كالرجل ممكن.

(1) المصدر السابق: ص 550، الباب 4، الحديث 6.
(2) المصدر السابق: ص 549، الباب 4، الحديث 1.
(3) المصدر السابق: ص 550، الباب 4، الحديث 5.
(4) التهذيب 10: 143، ذيل الحديث 28، الاستبصار 4: 255 - 256، ذيل الحديث 13.
(5) المسالك 15: 26.
458

وفي التحرير (1) إشعار بالخلاف في ذلك، وهو مناسب للأخبار.
أقول: وأظهر من عبارة التحرير عبارة المهذب المحكية في بعض
الحواشي المعتبرة، وفيها بعد الحكم بأن حكم المرتد مطلقا حكم المرتد عن
غير فطرة وذهب بعضهم إلى أنها تحبس دائما مع التوبة إن كانت عن
فطرة (2). ولكنه لم يظهر منها ولا من العبارة الأولى كون المخالف منا، فلعله
من العامة العمياء، أو من لم يعتد به أصلا.
وربما يشير إلى هذا ما حكي عن المهذب أيضا في ذيل تلك العبارة في
رده قال: وهو وهم لم يقل به أحد، ولا يدل عليه دليل، بل الأخبار تدل على
خلافه انتهى (3).
وما أبعد ما بين ما ذكره من دلالة الأخبار على خلافه وما ذكره شيخنا
من مناسبة لها.
وكيف كان فعبارته ظاهرة في عدم الخلاف، كعبارة من تبع شيخنا في
إشكاله حيث قال بعد ذكر الحكم الأول: بلا خلاف، وهو الظاهر منه أيضا،
حيث نسب الحكم بعد ذكره إلى الأصحاب كافة من دون خلاف ذكره.
ولا ريب فيه، فإن عبائر الأصحاب مطبقة على ذلك من دون نقل خلاف
عمن يعتد به، ولا ذكر إشكال.
وحيث كانت المسألة بهذه المثابة فلا إشكال فيها بحمد الله سبحانه، مع
إمكان استفادتها من الرواية الأولى بنوع من التوجيه، كأن يذب عما أوردوا
عليها من استلزام حمل المرتد فيها على الملي مثله في المرتدة، بمنع التلازم
بين الحملين، لتغاير اللفظين. فلا بعد في تقييد إطلاق أحدهما بالدليل
الخارجي، وإبقاء الآخر على إطلاقه.

(1) التحرير 2: 235 س 25.
(2) لم نعثر عليه.
(3) لم نعثر عليه.
459

نعم ربما نافى في ذلك السياق وكان مستبعدا، لكنه مندفع بعد ضم
الفتاوى من دون خلاف إليها. ولعله لذا لم يستشكل الحكم بذلك في الروضة
أصلا، وجعله التابع أحوط وأولى.
(السادسة: لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم) وإن بعد
وقرب وارثه الكافر إجماعا، لما مر.
(ولو لم يكن) له (وارث إلا كافر كان ميراث المرتد) الأجود
الاكتفاء عنه بالضمير (للإمام (عليه السلام)) بلا خلاف يظهر فيما إذا كان المرتد
عن فطرة، وكذا مطلقا (على الأظهر) الأشهر، بل عليه عامة من تأخر.
وفي عبارة الماتن في الشرائع وغيره إشعار بالإجماع عليه، حيث نسبا
الرواية وقائلها إلى الشذوذ (1) ولعله الظاهر من تتبع الفتاوى، لاتفاقها على
ذلك، من دون ظهور مخالف صريح، ولا ظاهر، عدا الصدوق في الفقيه،
حيث روى ما يدل على أن ميراث الملي لورثته في الموثق كالصحيح عن
إبراهيم بن عبد الحميد: في نصراني أسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات قال
ميراثه لولده النصارى ومسلم تنصر ثم مات، قال: ميراثه لولده المسلمين (2).
وظاهره الفتوى بمضمونه لما ذكره في أول كتابه، مع أنه حكي عنه
المصير إليه صريحا في مقنعه (3) ولم نر موافقا له، عدا الشيخ في استبصاره،
حيث حكى الرواية فيه بعينها متنا وسندا، لكن مرسلا، وقال بعدها: ميراث
النصراني يكون لولده النصارى إذا لم يكن له ولد مسلمون (4) لكنه غير
صريح، بل ولا ظاهر في فتواه به، لما هو معلوم في كتابيه من حاله، مع أنه
صرح في النهاية بخلاف الرواية، حاملا لها على التقية.

(1) الشرائع 4: 12.
(2) الفقيه 4: 338، الحديث 5730.
(3) المقنع: 508.
(4) الاستبصار 4: 193، ذيل الحديث 19.
460

قال: لأنها مذهب العامة. وبذلك ردها جماعة، وآخرون: بإرسالها.
وهو كما ترى، لاختصاص الإرسال بكتابيه، وإلا فهي مسندة في الفقيه،
مع أن في سنده ابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه.
وثالث: بعدم معارضتها للقاعدة الدالة على أن المرتد بحكم المسلم
فلا يرثه الكافر.
وهو حسن إن ثبت الكلية وعموم المنزلة، بحيث يشمل مفروض
المسألة من إجماع أو رواية. ولم أتحققها كذلك بالكلية.
ورابع: بمعارضتها بالمرسلة كالصحيحة بأبان وابن أبي عمير المجمع
على تصحيح رواياتهما كما مرت غير مرة: في رجل يموت مرتدا وله أولاد،
فقال: ماله لولده المسلمين (1) بناء على دلالة تقييد الولد بالمسلمين بمفهوم
القيد المعتبر على عدم كون إرثه لأولاده الكافرين فلا يكون لغيرهم من
الورثة الكفار بالإجماع وفحوى الخطاب فانحصر الميراث للإمام (عليه السلام).
وهو حسن إن لم يكن القيد واردا مورد الغالب، كما ذكره هذا المجيب
في الذب عن معارضة هذا المرسل بإطلاق الصحيحين:
في أحدهما: عن رجل ارتد عن الإسلام لمن يكون ميراثه؟ قال: يقسم
ميراثه على ورثته على كتاب الله تعالى (2). ونحوه الثاني (3).
قال بعدهما: أنهما مبنيان على الغالب من كون ورثة المرتد عن الإسلام
مسلمين (4) ومقصوده أنه لا عبرة بإطلاقه، لوروده مورده، فلا يعم ورثته
الكفار، كما هو محل البحث، ومفروضه قلنا فأقبل مثله في القيد الوارد

(1) الوسائل 17: 387، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 6.
(2) المصدر السابق: ص 386، الحديث 3.
(3) المصدر السابق: الحديث 5.
(4) كفاية الأحكام: 289 س 12.
461

في المرسل، لوروده مورده أيضا، فلا يعم غيره.
وخامس: بحمل الأولاد فيها على الصغار وهم بحكم المسلمين تبعا
لإسلام أبيهم قبل ارتداده.
وفيه نظر لما فيه من تقييد الأولاد بالصغار ثم تقييدهم بالمنعقدين حال
إسلام الأب، وليس فيها ما يرشد إليهما، مع إشعار وصفهم بالنصارى على
خلافهما. ولولا الإجماع الظاهر المستشعر من جملة من العبائر لكان
المصير إليها ليس بذلك البعيد، لاعتبار السند، والاعتضاد بعمومات أدلة
الإرث، السليمة هنا عن المعارض مما دل على عدم إرث الكافر عن
المسلم، لاختصاصه بحكم التبادر بعدم الإرث عن المسلم الحقيقي، لا عن
مطلق من بحكمه، وبرواية الإسكافي لها عن ابن فضال وابن يحيى عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (1) والحمل على التقية يصار إليه مع وجود المعارض الأقوى،
وليس بعد الإجماع كما فرضناه مضافا إلى انجبار ضعفها بذلك، لموافقتها
للعمومات السليمة هنا - كما عرفت - عن المعارض.
(وأما القتل) أي قتل الوارث - لولاه - المورث (فيمنع الوارث من
الإرث) أي إرث المقتول (إذا كان عمدا ظلما) إجماعا محققا ومحكيا
في كلام جماعه حد الاستفاضة، والصحاح به مع ذلك كغيرها من المعتبرة
مستفيضة:
ففي الصحيح وغيره: لا ميراث للقاتل (2).
واحترز بالظلم عما لو قتله حدا أو قصاصا. ونحوهما من القتل بحق
فإنه لا يمنع بلا خلاف، كما في كلام جماعة. وهو الحجة المؤيدة بعمومات

(1) المختلف 9: 107.
(2) الوسائل 17: 388، 389، الباب 7 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1، 6.
462

أدلة الإرث كتابا وسنة، السليمة هنا عما يصلح للمعارضة، عدا إطلاقات
النصوص المتقدمة، وهي غير صريحة في المعارضة، بل ولا ظاهرة،
لاختصاصها بحكم التبادر بغير مفروض المسألة، وهو القتل ظلما لا حقا.
هذا، مضافا إلى صريح الخبر المنجبر ضعفه بالعمل: عن طائفتين من
المؤمنين إحداهما باغية والأخرى عادلة اقتتلوا فقتل رجل من أهل العراق
أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه وهو من أهل البغي وهو وارثه هل يرثه؟ قال:
نعم، لأنه قتله بحق (1).
(ولا يمنع لو كان خطأ) مطلقا عند المفيد (2) في نقل والديلمي (3)
والماتن هنا وفي الشرائع (4) وإليه يميل شيخنا في المسالك (5) للصحيح: عن
رجل قتل أمه أيرثها؟ قال: إن كان خطأ ورثها، وإن كان عمدا لم يرثها (6).
ونحوه الموثق في التهذيبين (7) الصحيح في الفقيه (8) مع انتفاء الحكمة
الباعثة على نفي الإرث، حيث لم يقصد القتل، وهي مقابلته بنقيض مقصوده.
خلافا للعماني، فيمنع مطلقا (9) أخذا بإطلاق النصوص المانعة،
وخصوص الخبر: لا يرث الرجل أباه إذا قتله وإن كان خطأ، ونحوه آخر (10).
وهو شاذ، ومستنده ضعيف، لتقييد الإطلاق بما مر من الصحيحين وغيرهما
مما يأتي في البين، وضعف الخبرين سندا ومكافأة لما مر، وسيأتي من وجوه

(1) المصدر السابق: 397، الباب 13، الحديث 1.
(2) المقنعة: 703.
(3) المراسم: 218.
(4) الشرائع 4: 14.
(5) المسالك 13: 37.
(6) الوسائل 17: 392، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.
(7) التهذيب 9: 379، الحديث 10، الاستبصار 4: 193، الحديث 1.
(8) الفقيه 4: 318، الحديث 5684.
(9) المختلف 9: 65.
(10) الوسائل 17: 392، الباب 9 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3 و 4.
463

شتى، مع احتمالهما الحمل على التقية، كما ذكره الشيخ في الكتابين (1).
(وقال الشيخان) (2) والمرتضى (3) والإسكافي (4) والحلبي (5)
والقاضي (6) وابن حمزة (7) وابن زهرة (8) والحلي (9) - وبالجملة الأكثر على
الظاهر المصرح به في كلام جمع ممن تأخر كالشهيدين (10) وغيرهما -: إنه
(يمنع من الدية حسب) ويرث مما عداها من التركة.
ولعله الأظهر، لنقل المرتضى (11) والشيخ (12) والحلي (13) وابن
زهرة (14) الإجماع عليه من الطائفة. وهو الحجة الجامعة بين النصوص
المختلفة، مع قصور ما دل منها على إرث الخاطئ عن الدلالة على إرثه من
الدية المأخوذة عنه أو عن العصبة، لاختصاصه بحكم التبادر بإرث ما عداها
من التركة; مضافا إلى رواية عامية هي بالتفصيل مصرحة.
وفيها: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: المرأة ترث من مال زوجها ومن ديته ويرث
الرجل من مالها وديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه، فإن قتل أحدهما
صاحبه عمدا فلا يرثه من ماله ولا من ديته، وإن قتله خطأ ورث من ماله
ولا يرث من ديته (15).
وضعف السند مجبور بعمل الأكثر، وذكر الزوجين غير مخصص إجماعا.

(1) التهذيب 9: 380، ذيل الحديث 12، الاستبصار 4: 194، ذيل الحديث 727.
(2) المبسوط 4: 80، وأما المفيد (رحمه الله) فحكاه عنه في التهذيب 9: 380.
(3) الانتصار: 595.
(4) المختلف 9: 65.
(5) الكافي في الفقه: 375.
(6) المهذب 2: 162.
(7) الوسيلة: 396.
(8) الغنية: 330.
(9) السرائر 3: 274.
(10) الروضة 8: 32.
(11) الانتصار: 595.
(12) الخلاف 4: 28، المسألة 22.
(13) السرائر 3: 274.
(14) الغنية: 330.
(15) سنن البيهقي 6: 221.
464

هذا، مضافا إلى الاعتضاد بعموم المعتبرة المستفيضة أو إطلاقاتها الدالة
على عدم إرث القاتل شيئا من الدية.
ففي الصحيح: المرأة ترث من دية زوجها ويرث من ديتها ما لم يقتل
أحدهما صاحبه (1). ونحوه الموثق وغيره (2).
وأقرب منها دلالة الصحيح: عن امرأة شربت دواء وهي حامل ولم يعلم
بذلك زوجها فألقت ولدها، قال: فقال: إن كان له عظم ونبت عليه اللحم
عليها دية تسلمها إلى أبيه، وإن كان حين طرحته علقة أو مضغة فإن عليها
أربعين دينارا أو غرة تؤديها إلى أبيه، قلت: فهي لا ترث ولدها من ديته مع
أبيه، قال: لا، لأنها قتلته (3). فتأمل.
واستدلوا عليه أيضا بوجه اعتباري، وهو أن الدية يجب عليه دفعها إلى
الوارث على تقدير كون الخطأ شبه العمد، ويدفعها عاقلته إلى الوارث على
تقدير كونه محضا، لقوله تعالى: «ودية مسلمة إلى أهله» (4) ولا شئ من
الموروث له يجب دفعه إلى الوارث، والدفع إلى نفسه وأخذه من عاقلته
عوض ما جناه بنفسه لا يعقل.
وفيه أنه استبعاد محض، لكن لا بأس بتأييد الدليل به إن ثبت كما مر.
واعلم أنه حكى الشهيد (رحمه الله) في النكت والدروس تبعا للفاضل في
المختلف (5) عن الفضل بن شاذان والعماني أنهما قالا: إن ضارب ابنه تأديبا
يرثه، لأنه كالإمام (عليه السلام) في إقامة الحد وإن جناية دابة الراكب مانع من
الإرث موجب للكفارة، قال الفضل: بخلاف دابة السائق ولا قيد فيهما ثم

(1) الوسائل 17: 390، الباب 8 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.
(2) المصدر السابق: الحديث 3 و 4 ص 391.
(3) المصدر السابق: الحديث 1.
(4) النساء: 92.
(5) المختلف 9: 65 - 66.
465

ورثا السبب كحافر البئر في غير ملكه، لأنه لا يسمى قاتلا وورثا الصبي
والمجنون إذا قتلا.
قال الشهيد (رحمه الله) في كتابه الأول: ولم أقف على ذلك في كلام غيرهما من
الأصحاب، إلا أن المصنف ألحق السبب والصبي والمجنون والسائق والقائد
بالمباشر الكامل والراكب.
وفي الفرق بين السائق والراكب بعد، لأنه أكثر ضمانا منه (1).
(ولو اجتمع القاتل) الممنوع من الإرث (وغيره) ممن يرث المقتول
(فالميراث لغير القاتل) مطلقا (وإن بعد) من المقتول (سواء) كان
(تقرب) ذلك الغير (بالقاتل) كابنه مثلا (أو بغيره) كابن الأخ له ونحوه
(ولو لم يكن) للمقتول (وارث سوى القاتل فالإرث للإمام (عليه السلام)) بلا
خلاف في شئ من ذلك، ولا إشكال، فإن القاتل الممنوع من الإرث
كالمعدوم، ويرثه من عداه من مراتب الوارث على الترتيب المتقدم.
هذا; مضافا إلى الصحيحين الدالين على بعض من ذلك:
في أحدهما: لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده، ولكن يكون الميراث
لورثة القاتل (2).
وفي الثاني: رجل قتل أباه، قال: لا يرثه، وإن كان للقاتل ولد ورث الجد
والمقتول (3).
وفي الصحيح: في الرجل يقتل وليس له ولي إلا الإمام أنه ليس للإمام
أن يعفو، وله أن يقتل ويأخذ الدية (4). فتدبر.

(1) غاية المراد: 152 س 1 - 4 (مخطوط) الدروس 2: 347، العبارة للأول.
(2) الوسائل 17: 389، الباب 7 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3.
(3) المصدر السابق: 396، الباب 12، الحديث 1.
(4) المصدر السابق 19: 93، الباب 60، الحديث 2.
466

(وهنا مسائل) ثلاث:
(الأولى: الدية كأموال الميت تقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه)
مطلقا (وإن قتل عمدا إذا أخذت الدية) وصولح عن القصاص عليها على
الأشهر الأقوى، وقد تقدم الكلام في المسألة في آخر كتاب الوصية مستوفى.
(وهل للديان) في صورة العمد (منع الوارث من القصاص) مع
عدم الوفاء؟
(الوجه لا) وفاقا للحلي (1) وجماعة من المحققين، كما في التنقيح (2)
وجعله الأشهر في المسالك (3) وغيره، لأن أخذ الدية اكتساب وهو غير
واجب على الوارث في دين مورثه، وللعمومات الواردة في القصاص.
(وفي رواية) عمل بها الشيخ في النهاية (4) والحلبي (5) والقاضي (6)
والإسكافي (7) وابن زهرة (8) مدعيا عليها إجماع الإمامية، وحكاه الشهيد
في النكت أيضا عن جماعة (9): أن (لهم منع الوارث حتى يضمن الوارث
الدين) رواها في التهذيب في كتاب الديات في آخر باب القضاء في
اختلاف الأولياء بسنده عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي
عبد الله (عليه السلام).
وفيها: أن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فإن وهب أولياؤه دمه
للقاتل ضمنوا الدية للغرماء، وإلا فلا (10).

(1) السرائر 2: 49.
(2) التنقيح 4: 141.
(3) المسالك 13: 42.
(4) النهاية 2: 28.
(5) الكافي في الفقه: 332.
(6) المهذب: لم نعثر عليه، حكاه عنه الشهيد في غاية المراد: 193 س 20 (مخطوط).
(7) المختلف 9: 446 - 447.
(8) الغنية: 241.
(9) غاية المراد: 193 (مخطوط).
(10) التهذيب 10: 180، الحديث 18.
467

وفي اخرى: فإن وهبوا دمه للقاتل فجائز، وإن أرادوا القود ليس لهم
ذلك حتى يضمنوا الدية للغرماء، وإلا فلا (1).
قيل: والوجه في جواز الهبة لهم بدون الضمان في هذه أن مع الهبة
يتمكن الغرماء من الرجوع إلى القاتل بحقهم، بخلاف ما إذا قيد منه (2).
وحملهما الطبرسي على ما إذا بذل القاتل الدية فإنه يجب القبول وإلا
جاز القود (3). وهو حسن بعد وجود شاهد عليه، وليس. مع قصور الروايتين
سندا ومقاومة لما مضى من وجوه شتى أعظمها اعتضاده بالشهرة العظيمة
بين الأصحاب دونهما، حتى أنه في المهذب (4) وعن الماتن في النكت (5)
الحكم بضعف الرواية وشذوذها، مشعرين بدعوى الوفاق على خلافها.
وفي رواية: إن قتل عمدا قتل قاتله وأدى عنه الإمام الدين من سهم
الغارمين (6).
هذا، وأما ما يستفاد من السرائر (7) والمختلف (8) والمسالك (9) من
استناد الشيخ - فيما أفتى به من مضمون الرواية المتقدمة - إلى الخبر عن
رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا وأخذ أهله الدية من قاتله أعليهم أن
يقضوا الدين؟ قال: نعم، قلت: وهو لم يترك شيئا، قال: إنما أخذوا الدية

(1) الوسائل 19: 92، الباب 59، من أبواب القصاص، الحديث 1، 2.
(2) الوافي 16: 865، الباب 118، ذيل الحديث 16302.
(3) حكاه في المختلف 5: 382.
(4) المهذب 4: 352 - 353.
(5) النكت (النهاية) 2: 29.
(6) الوسائل 19: 92، الباب 59 من أبواب القصاص، الحديث 2.
(7) السرائر 2: 50.
(8) حكاه في المختلف 5: 382.
(9) المسالك 13: 43.
468

فعليهم أن يقضوا عنه الدين (1). فقد ذكر في التنقيح أنه وهم (2). ولعله
كذلك. ولكنهم أعرف، إلا أن استناد الشيخ إليها مع عدم الدلالة على ما
اختاره كما ذكره مستبعد.
واعلم أن في المسالك فرض الخلاف فيما لو بذل القاتل الدية. وهو
غريب، خلاف ما يستفاد من كلمات الأصحاب في بيان محله، حتى أنه بعد
ذلك نسب مضمون الرواية المطلقة الغير المقيدة بما ذكره من القيد إلى القيل،
الذي هو الشيخ في النهاية ومن تبعه، وعبارته كما نقل كالرواية مطلقة، ثم
نسب تقييد الرواية بالقيد الذي ذكره إلى الطبرسي خاصة، وهو ظاهر بل
صريح في مخالفته للنهاية. ولا وجه له سوى قوله بمضمون الرواية مقيدا
بدفع القاتل الدية وإطلاق القول بمضمونها من دون القيد في النهاية، ولذا أن
بعض من ديدنه غالبا متابعته لم يترجم عن المسألة بما ذكره، بل ذكرها
مطلقة.
هذا، والاحتياط في المسألة يقتضي المصير إلى القول الثاني، للإجماع
المنقول، المعتضد بدعوى الشهيد في الدروس في كتاب الدين الشهرة
عليه (3) مع عدم وجود مخالف له من القدماء عدا الحلي.
وهو بالإضافة إليهم نادر قطعا، والشهرة المحققة إنما هي متأخرة. ولولا
العمومات القطعية من الكتاب والسنة وخصوص الرواية الأخيرة المعتضدة
بالشهرة المتأخرة العظيمة بحيث لا يكاد يوجد مخالف منهم لكان المصير
إلى هذا القول في غاية القوة. ولعله لهذا تردد الشهيد في كتبه الثلاثة المزبورة
ولم يحكم بشئ من القولين في المسألة.

(1) الوسائل 13: 112، الباب 24 من أبواب الدين، الحديث 1.
(2) ذكر في التنقيح أن تأويل ابن إدريس الرواية بكون القتل غير عمد وهم منه راجعه 4: 142.
(3) الدروس 3: 313.
469

(الثانية: يرث الدية) دية المقتول مطلقا عمدا كان قتله أو خطأ (من
تقرب بالأب ذكرانا وإناثا) بلا خلاف، إلا من الخلاف، فقال: لا يرثها
إلا المتقرب إليه بالأبوين دون أحدهما (1). وهو شاذ، ومستنده غير واضح،
عدا ما يظهر من شرح الشرائع للصيمري، من أنه رواية (2). ولم أقف عليها،
ولا نقله غيره، فهي مرسلة لا تعارض عمومات الإرث والنصوص الآتية.
(و) كذا يرث (الزوج والزوجة) كل منهما من دية الآخر بلا خلاف
يظهر، وبه صرح في المبسوط (3) بل بالوفاق عليه صرح جمع ومنهم الشيخ
في الخلاف (4). وهو الحجة; مضافا إلى عمومات الكتاب والسنة، وخصوص
المعتبرة المستفيضة الدالة على أنهما يتوارثان من الدية ما لم يقتل أحدهما
صاحبه (5). وقد تقدم غير بعيد إلى بعض منها الإشارة.
وأما الرواية الدالة على أن عليا (عليه السلام) كان لا يورث المرأة من دية زوجها
ولا يورث الرجل من دية امرأته شيئا ولا الإخوة من الأم من الدية شيئا (6)
فمع أنها شاذة قاصرة السند بالسكوني غير معارضة لما مر من الأدلة من
وجوه عديدة، فلتكن مطرحة، أو مؤولة بما ترجع به إلى الأولة من الحمل
على صورة ما إذا قتل أحدهما صاحبه، مع احتمالها الحمل على التقية، كما
ذكره شيخ الطائفة (7). ويؤيده رواية الراوي لها، الذي هو من قضاة العامة.
(ولا يرث من يتقرب) إليه (بالأم) خاصة، وفاقا للمقنعة (8)

(1) الموجود في الخلاف خلاف ذلك، راجع الخلاف 5: 178، المسألة 41.
(2) غاية المرام: 177 س 6 (مخطوط).
(3) المبسوط 7: 54.
(4) الخلاف 5: 178، المسألة 41.
(5) الوسائل 17: 395، الباب 11 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.
(6) المصدر السابق: 396، الحديث 4.
(7) التهذيب 9: 380، ذيل الحديث 13.
(8) المقنعة: 702.
470

والنهاية (1) والقاضي (2) والتقي (3) وابن زهرة (4) والحلي (5) والكيدري (6)
والفاضل في القواعد (7) وولده (8) والشهيدين في الدروس (9) والمسالك (10)
ونسبه فيه إلى الأكثر، وتبعه في النسبة جمع كالكفاية (11) وسيأتي عن الحلي
نفي الخلاف عنه وفي الخلاف الإجماع عليه (12). وهو الحجة; مضافا إلى
المعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح: يرثها الورثة على كتاب الله تعالى وسهامهم إذا لم يكن
على المقتول دين إلا الإخوة والأخوات من الأم، فإنهم لا يرثون من ديته
شيئا (13). ونحوه آخران (14). لكن بدون ذكر الأخوات فيهما.
وفي الموثق: لا يرث الإخوة من الأم الدية شيئا (15).
وفي الخبر: هل للإخوة من الأم من الدية شئ قال لا (16).
وليس في سنده سوى سهل الثقة عند بعض (17) وضعفه سهل عند
آخرين (18) وداود بن حصين، وهو موثق.
وهذه النصوص وإن قصرت عن إفادة تمام المدعى من حرمان جميع
من يتقرب بها لاختصاصها بالإخوة والأخوات منها، إلا أنه لا قائل بالفرق

(1) النهاية 3: 252.
(2) المهذب 2: 163.
(3) الكافي في الفقه: 376.
(4) الغنية: 330.
(5) السرائر 3: 274.
(6) إصباح الشيعة: 371.
(7) القواعد 2: 163 س 17.
(8) الإيضاح 4: 180.
(9) الدروس 2: 347.
(10) المسالك 13: 44.
(11) كفاية الأحكام: 291 س 9.
(12) الخلاف 5: 178، المسألة 41.
(13) الوسائل 17: 393، الباب 10 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1.
(14) المصدر السابق: 394، الحديث 4.
(15) المصدر السابق: الحديث 5.
(16) المصدر السابق: الحديث 6.
(17) رجال الطوسي: أصحاب الهادي (عليه السلام)، باب السين 416.
(18) رجال النجاشي: باب السين 185، خلاصة الأقوال: 228.
471

ظاهرا وإن احتمله الشهيدان، مع رجوع أولهما إلى عدم الفرق، مضافا إلى
ثبوت الحكم في غير مواردها بطريق أولى، كما صرح به جماعة وإن
أنكرها آخرون مترددين فيها. ولا وجه له بعد ظهورها بحسب فهم العرف
الذي هو المناط في حجيتها.
(وقيل) كما عن المبسوط (1): (يرثها من يرث المال) كائنا من
كان، لعمومات الإرث.
ولا وجه للاستناد إليها بعد ورود تلك النصوص الخاصة، إلا على مختار
من ضعف العمل بأخبار الآحاد، أو عدم قابليتها لتخصيص نحو الكتاب،
وهما عنده خلاف التحقيق.
وأما ما يظهر من الصيمري (2) من أن سنده الرواية فيتوجه عليه عين ما
سبق على حكايته السابقة من المناقشة.
واعلم أن كثيرا من الأصحاب - كالشهيدين (3) وغيرهما - نسبوا هذا
القول إلى الحلي في كتاب الجنايات. ولم أقف فيه على ما يدل على ما
ذكروه، مع أنه قال في المسألة الآتية ردا على ما قاله الشيخ فيها في النهاية:
هذا غير صحيح ولا مستقيم، بل الإمام ولي المقتول المذكور إن شاء قتل
وإن شاء عفا، فإن رضي هو والقاتل واصطلحا على الدية فإنها تكون له دون
بيت مال المسلمين، لأن الدية عندنا يرثه من يرث المال والتركة سوى كلالة
الأم فإن كلالة الأم لا ترث الدية ولا القصاص ولا القود بغير خلاف، وتركته
لو مات كانت لإمام المسلمين بغير خلاف بيننا (4) إلى آخر ما ذكره.

(1) المبسوط 7: 54.
(2) غاية المرام: 177 س 6 (مخطوط).
(3) غاية المراد: 152 س 11 (مخطوط)، والمسالك 13: 43.
(4) السرائر 3: 336.
472

وهذا كما ترى ظاهر، بل صريح في اختياره القول الأول، نافيا الخلاف
فيه بيننا. ولم أر منه في ذلك الكتاب ما يوجب توهم ما ذكروه، عدا ما حكاه
فيه عن الشيخ في النهاية والمبسوط في مسألة من يرث القصاص، فإن
عبارته في الكتابين المحكية في كتابه ذلك تضمنت حكم تلك المسألة
والمسألة التي نحن فيها وعبارة النهاية صرحت بمنع الكلالة للأم عن إرث
الدية، وعبارة المبسوط أطلقت الحكم بأنه يرثها من يرث المال، ثم قال:
والأقوى ما اختاره في مبسوطه (1).
ولعله لذا أنسبوه إلى ما نسبوه، زاعمين رجوع اختياره لما في المبسوط
إلى المسألة التي نحن فيها أيضا وما تفطنوا لرجوعه إلى حكم مسألة من
يرث القصاص خاصة، فإن في عبارتي النهاية والمبسوط فيها أيضا
اختلافا (2) حيث تضمنت الأولى منع النساء من إرثهن القصاص، والثانية
أنه يرثه من يرث المال حتى النساء، واختار هو مختار المبسوط، استنادا
إلى عموم آية: «وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض» (3).
ويشير إلى ما ذكرناه من رجوع اختياره لما في المبسوط إلى مختاره
هذا دون ما مضى.
أولا: ما ذكرناه من عبارته الصريحة في موافقة المشهور هنا، مدعيا
الوفاق عليه.
وثانيا: فهم الفاضل في المختلف ما ذكرناه، فإنه في كتاب الجناية بعد
نقله عبارة الحلي تلو عبارتي المبسوط والنهاية قال: والمعتمد ما قاله الشيخ

(1) السرائر 3: 328.
(2) لم نتحقق الاختلاف بين مضمون عبارتيهما، راجع النهاية 3: 363، المبسوط 7: 54.
(3) الأحزاب: 6.
473

في المبسوط لعموم الآية، ثم قال: احتج الشيخ على قوله في النهاية بما رواه
أبو العباس عن الصادق (عليه السلام) قال: ليس للنساء عفو ولا قود، ثم قال:
والجواب المنع من صحة السند (1).
وهو كما ترى صريح في فهمه من تلك العبارات ما فهمناه، وأن عنوانها
مسألة من يرث القصاص لا هذه المسألة، ونسبه في الدروس أيضا إلى
الفاضل بعد نسبته إياه إلى الحلي، قال: وفي المبسوط يرثها من يرث المال،
واختاره ابن إدريس والفاضل للآية (2) ولم أقف على ما ذكره في شئ من
كتبه التي تحضرني.
ولا يبعد أن يكون منشأ نسبته ذلك إليه عبارته في المختلف المتقدمة
المتضمنة لاختياره ما اختاره المبسوط والحلي، لكنها - كما عرفت -
صريحة في أن عنوان مختارهم في تلك العبائر شئ آخر لا هذه المسألة.
(الثالثة: إذا لم يكن للمقتول عمدا وارث سوى الإمام (عليه السلام) فله القود
أو الدية مع التراضي) عن القود عليها (وليس له العفو) عنهما، وفاقا
للإسكافي (3) والشيخين (4) والقاضي (5) ولعله المشهور بين الأصحاب، كما
صرح به جمع، للصحيح المروي في الكتب الثلاثة بعدة طرق صحيحة: في
الرجل يقتل وليس له ولي إلا الإمام أنه ليس للإمام أن يعفو وله أن يقتل، أو
يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين، لأن جناية المقتول كانت على
الإمام (عليه السلام) وكذلك تكون ديته لإمام المسلمين (6). وهو يتناول العمد

(1) المختلف 9: 285.
(2) الدروس 2: 348.
(3) كما في المختلف 9: 297.
(4) المقنعة: 743، والنهاية 3: 371.
(5) المهذب 2: 460.
(6) الكافي 7: 359، الحديث 1، الفقيه 4: 107، الحديث 5204، التهذيب 10: 178، الحديث 11.
474

والخطاء، ونسبه في المختلف إلى الشيخين (1) فلا يبعد.
(وقيل) وهو الحلي (2) كما مر: إن (له العفو) أيضا، كغيره من
الأولياء، بل هو أولى، ونفى عنه البأس في المختلف (3) إلا أنه جعل العمل
بالرواية أولى، وقريب منه كلام شيخنا في المسالك، فإنه قال بعد نقل هذا
القول: وله وجه وجيه، إلا أن صحة الرواية وذهاب معظم الأصحاب إلى
العمل بمضمونها مع عدم المعارض يعين العمل بها (4). والأمر كما ذكراه،
ولكن لا فائدة في نفي البأس عنه بعد ذلك أصلا.
(وأما الرق، فيمنع) من الإرث (في الوارث) بمعنى أنه لا يرث
الإنسان إذا كان رقا وإن كان المورث مثله، بل يرثه الحر وإن كان ضامن
جريرة دون الرق وإن كان ولدا (و) في (الموروث) بمعنى أن الرق
لا يورث، بل ماله لمولاه بحق الملك لا بالإرث وإن كان له وارث حر.
ولا خلاف في شئ من ذلك، حتى على القول بأن العبد يملك، بل عليه
الإجماع في عبائر جمع. وهو الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة، بل
المتواترة، يقف عليها المتتبع لتضاعيف أخبار أبحاث هذه المسألة.
ففي جملة من المعتبرة المستفيضة وفيها الصحيح والقريب منه
وغيرهما: لا يتوارث الحر والمملوك (5).
ويستفاد منها منع الرق عن الإرث في المقامين، ومن غير واحد من
النصوص المعتبرة المنع في الأول.
وأما ما يدل عليه في الثاني فالمعتبرة الأخر المستفيضة الواردة في
ميراث المكاتبين:

(1) المختلف 9: 297 - 298.
(2) السرائر 3: 336.
(3) المختلف 9: 298.
(4) المسالك 13: 42.
(5) الوسائل 17: 399، الباب 16 من أبواب موانع الإرث.
475

منها الصحيح: في مكاتب توفى وله مال، قال: يحسب ميراثه على قدر
ما أعتق منه لورثته، وما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه (1).
ونحوه آخر: في رجل مكاتب يموت وقد أدى بعض مكاتبته وله ابن
من جاريته، قال: إن كان اشترط عليه أنه إن عجز فهو مملوك رجع إليه ابنه
مملوكا والجارية، وإن لم يكن اشترط عليه ذلك أدى ابنه ما بقي من مكاتبته
وورث ما بقي (2). ونحوهما غيرهما (3) من المعتبرة الأخر، التي فيها
الصحيح أيضا وغيره.
(ولو اجتمع) الرق الوارث (مع الحر) مثله (فالميراث للحر دونه
ولو بعد) الحر (وقرب المملوك) كما مر.
ولو كان للحر ولد رق ولذلك الولد الرق ابن حر ورث ابن الحر جده،
ولا يحجبه رقية أبيه، كما في الكافر والقاتل، فإنهما لا يمنعان من يتقرب
بهما إلى الميت، لانتفاء المانع منه دونهما، وبه خصوص الخبر المنجبر ضعفه
بالعمل ورواية الحسن بن محبوب المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن
موجبه: في عبد مسلم وله أم نصرانية وللعبد ابن حر قيل: أرأيت إن ماتت أم
العبد وتركت مالا؟ قال: يرثه ابن ابنها الحر (4).
(ولو أعتق على ميراث قبل قسمته يشارك) باقي الورثة (إن كان
مساويا) لهم في الطبقة والدرجة (وحاز الإرث) وجمعه كله (إن كان
أولى) منهم بلا خلاف، كما في المعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن ادعى عبد إنسان أنه ابنه

(1) الوسائل 17: 402، الباب 19 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.
(2) الوسائل 17: 410، الباب 23 من أبواب موانع الإرث، الحديث 2.
(3) الوسائل 17: 402، الباب 19 من أبواب موانع الإرث.
(4) الوسائل 17: 401، الباب 17 من أبواب موانع الإرث، ذيل الحديث 1.
476

أنه يعتق من مال الذي ادعاه، فإن توفى المدعى وقسم ماله قبل أن يعتق
العبد فقد سبقه المال، وإن أعتق قبل أن يقسم ماله فله نصيبه منه (1).
وفي القريب منه أيضا بأبان وابن أبي عمير المجمع على تصحيح
رواياتهما: من أعتق على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له، ومن أعتق
بعد ما قسم فلا ميراث له (2). ونحوه غيره (3).
وفي القريب منه أيضا بأبان المتقدم الوارد: فيمن أسلم على ميراث قبل
قسمته، قلت: العبد يعتق على ميراث، قال: هو بمنزلته (4).
(و) منه يظهر أنه (لو كان الوارث) الحر (واحدا فأعتق الرق)
بعد موت مورثه (لم يرث) مطلقا (وإن كان أقرب) إلى الميت من الحر.
وكذا لو أعتق بعد القسمة مع تعدد الورثة (لأنه لا قسمة) له في الأول،
ولا عتق قبلها في الثاني، فلا إرث له.
ولو قسم بعض التركة ثم أعتق ففي إرثه من الجميع أو الباقي خاصة أو
عدمه مطلقا؟ أوجه واحتمالات. ولعل أظهرها الأول، كما قطع به الفاضل
في الإرشاد (5) وغيره، لعموم المعتبرة المتقدمة بإرثه لو أعتق قبل القسمة،
والمتبادر منها قسمة جميع التركة لا بعضها.
(ولو لم يكن) للميت ممن عدا الإمام (عليه السلام) (وارث سوى المملوك
أجبر مولاه على أخذ قيمته فيعتق ليحوز المال) ويجمعه بلا خلاف أجده،
بل عليه الإجماع في ظاهر كلام جماعة، والنصوص به مع ذلك مستفيضة،
سيأتي إليه الإشارة.

(1) الوسائل 17: 401 و 402، الباب 18 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1، 2.
(2) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3.
(3) الوسائل 17: 401 و 402، الباب 18 من أبواب موانع الإرث، الحديث 1، 2.
(4) الوسائل 17: 382، الباب 3 من أبواب موانع الإرث، الحديث 4.
(5) الإرشاد 2: 128.
477

وهي وإن كانت مطلقة في وجوب الشراء إلا أنها مقيدة بما إذا لم يكن
هناك وارث حر ولو كان بعيدا كضامن الجريرة، لما مر إليه الإشارة، مع أنه
ادعى عليه الشيخ إجماع الإمامية (1).
وظاهر أكثرها كالعبارة وغيرها وصريح آخرين توقف عتقه بعد الشراء
على الإعتاق فيتولاه من يتولى الشراء، وهو الحاكم الشرع، فإن تعذر
تولاهما غيره كفاية.
وقيل: ولا فرق في المملوك بين القن والمكاتب والمدبر وأم الولد،
لاشتراك الجميع في أصل الرقية وإن تشبث بعضهم بالحرية، والنهي عن بيع
أم الولد مخصوص بغير ما فيه تعجيل عتقها، لأنه زيادة في مصلحتها التي
نشأ منها المنع من البيع، فيصح هنا بطريق أولى، ولو كان المكاتب المطلق
قد أدى شيئا وعتق منه بحسابه فك الباقي وإن كان يرث بجزئه الحر، لأن ما
قابل جزءه الرق من الإرث بمنزلة ما لا وارث له، انتهى.
ويعضده إطلاق النصوص والفتاوى.
(ولو قصر المال) والتركة (عن قيمته لم يفك) على الأظهر الأشهر،
كما في المختلف والمسالك وغيرهما، وعليه عامة من تأخر، ونفى عنه
الخلاف في السرائر. وهو الحجة; مضافا إلى مخالفته الأصل من وجوه
عديدة، فيقتصر فيه على المتيقن من الفتوى والرواية، وليس إلا ما إذا وفت
التركة بتمام القيمة، بل وما زاد أيضا، إلا أنه لم يعتبر الزيادة عنه إجماعا.
(وقيل: يفك) ما وفى به القيمة (ويسعى) العبد (في باقيه).
هذا القول لم نظفر بقائله، وإنما الأصحاب الحاكون له أشاروا إليه من
دون تصريح به. وبعدم الظفر به صرح شيخنا في المسالك وغيره.

(1) الخلاف 4: 26، المسألة 19.
478

ولا يبعد أن يكون هو الفضل بن شاذان، كما حكاه عنه في الكافي، فإنه
قال في جملة كلام له في وجوب شراء المملوك وإعتاقه مع عدم الوارث
وجبر المالك عليه. فإن قال قائل: فإنها أي أم الولد ورثت أقل من قيمتها أو
ورثت النصف من قيمتها أو الثلث أو الربع، قيل له: يعتق منها بحساب ما
ورثت، فإن شاء صاحبها أن يستسعيها فيما بقي من قيمتها فعل ذلك، وإن
شاء أن يستخدمه بحساب ما بقي منها فعل ذلك، لكنه قال بعد ذلك ما يدل
على تخصيصه الفك بما إذا لم يقصر المال عن جزء من ثلاثين جزء من
قيمتها، وأنه لو قصر لا يفك أخذا من عدة الشهر، وزعم أن الأمة لو
تجاوزت قيمتها دية الحر ردت إليها (1).
وإطلاق القول المحكي في كلام الأصحاب لا يوافق هذا التفصيل. ولعله
لذا جعله في الدروس قولا ثالثا.
وكيف كان فلا ريب في ضعفه مطلقا وإن قواه مطلقا من دون تفصيل
بعض متأخري متأخري أصحابنا، لعدم وضوح مأخذه، عدا ما في السرائر
من نسبته إلى رواية. ولم نقف عليها، فهي مرسلة لا حجة فيها، سيما في
مقابلة حجة الأكثر المتقدمة، مع أنه ذكر الشيخ في النهاية أنه لم يقف له
على أثر.
وأما عموم الميسور لا يسقط بالمعسور (2) ونحوه (3) فبعد تسليم شموله
لنحو المقام معارض بعموم ما دل على أنه لا ضرر ولا إضرار في
الإسلام (4). ولا ريب أن إجبار المالك على بيع مملوكه ضرر، وأصالة البراءة

(1) الكافي 7: 148، ذيل الحديث 8.
(2) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 205 - 206 - 207.
(3) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 205 - 206 - 207.
(4) المصدر السابق 1: 383، الحديث 11.
479

مع الشهرة العظيمة مع حكاية نفي الخلاف المتقدمة ترجح الثاني،
فلا محيص عنه وإن نفى البأس عن خلافه في المختلف والمسالك. ويتفرع
على القولين فروع:
منها: ما لو تعددوا ووفى نصيب بعضهم بقيمته دون غيره. فعلى القول
الثاني: يجب شراؤهما، بل وجوب شراء من وفى نصيبه بقيمته أولى، لعدم
تضرر المالك، وعدم الاحتياج إلى الاستسعاء. وعلى الأول: لا يجب شراء
من لا يفي نصيبه بقيمته.
وفي وجوب شراء الآخر وجهان:
أحدهما: العدم، لقصور التركة عن فك الورثة في الجملة، وهو مانع عن
الفك، كما مر إليه الإشارة، ولأنه إما أن يجب فك بعض كل واحد، أو فك
واحد لا بعينه، أو بعينه، فإما من يفي نصيبه بقيمته أو غيره والأول خلاف
الفرض، والثاني غير موجود في الخارج، والثالث ترجيح من غير مرجح،
والرابع كذلك، مع متروكيته بالإجماع.
وثانيهما: نعم لوجود قريب يرث مع الحرية، وما هو كذلك يجب شراؤه،
لعموم النص، وفرق بينه وبين شراء بعض وارث بحصول ضرر فيه على
المالك دون الأول، وهو اختيار الفاضل وولده، ومال إليه شيخنا الشهيد
الثاني.
ومنها: ما لو لم تف التركة بقيمة القريب ووفت بقيمة البعيد كالأخ مع
الابن فيجب شراؤه دون البعيد على القول الثاني، دون الأول.
وعليه ففي وجوب شراء الأخ أو كون التركة للإمام (عليه السلام) وجهان:
أحدهما: نعم، لأن الابن يمنع من إرث الأخ مع حريته أو مع إمكانها،
وكلاهما مفقودان، فهو في حكم العدم، فينحصر الوارث في الأخ والآخر،
480

لا لأن كونه ولدا يمنع من إرث الأخ فليس الأخ وارثا هنا. وهو ضعيف،
لأن من شروط الحجب عدم رقية الوارث.
(و) اعلم أنه (يفك الأبوان) إجماعا، كما في الانتصار والسرائر
والشرائع وشرحيه لشيخنا الشهيد الثاني والصيمري والروضة وغيرها من
كتب الجماعة. وهو الحجة; مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من
المعتبرة في الأم، ويلحق بها الأب، لعدم القائل بالفرق، مع وقوع التصريح به
فيما يأتي من المعتبرة، مضافا إلى استلزام ثبوت الحكم فيها ثبوته فيه
بطريق أولى.
واختلفوا في إلحاق من عداهما بهما على أقوال:
فبين من اقتصر عليهما، كما عن سلار، وظاهر ابني بابويه، اقتصارا فيما
خالف الأصل على المجمع عليه.
(و) بين من ألحق بهما (الأولاد) خاصة (دون غيرهما) من
الأقارب والزوجين، مخصصا إياهم بأولاد الصلب دون أولاد الأولاد، كما
عن المفيد وابن حمزة، ونسبه الحلي إلى الأكثر، وحكاه عن المرتضى وقواه،
مستندا في محل المنع إلى الأصل، وفي الإلحاق إلى الإجماع. وسيظهر لك
ضعف هذه الأقوال.
(وقيل: يفك ذو القرابة) مطلقا فيدخل فيه من علا من الآباء ومن
سفل من الأولاد والإخوة والأعمام والأخوال، وبالجملة كل وارث قريب
عدا الزوج والزوجة، والقائل الإسكافي والشيخ في النهاية والتقي والقاضي
وابن زهرة والكيدري وكثير ممن تأخر منهم كالفاضل وولده والشهيدين
وغيرهم، ونسبه في الروضة إلى الأكثر.
وهو الأقوى، استنادا في إلحاق الأولاد للصلب بما مر من الاجماع
481

المحكي في كلام الحلي، وأولاد أولادهم بظاهر الاتفاق المحكي في
الروضة على إلحاق الأولاد بالأبوين، من دون تقييد بكونهم للصلب، مضافا
إلى المعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: الرجل يموت وله ابن مملوك، قال: يشترى ويعتق ثم
يدفع إليه ما بقي (1). ونحوه آخر (2).
وفي ثالث: عن رجل كانت له أم ولد وهو طويل وفي آخره، قلت:
فولدها من الزوج، قال: إن كان ترك مالا اشتري منه بالقيمة فأعتق وورثه،
والحديث مروي في الفقيه (3).
وفي الموثق المروي فيه (4) كذلك وفي الكافي (5) والتهذيبين (6) بسند
فيه جهالة: مات مولى لعلي (عليه السلام)، فقال: أنظروا هل تجدون له وارثا، فقيل له:
إن له ابنتين باليمامة مملوكتين فاشتراهما من مال الميت ثم دفع إليهما بقية
الميراث.
واحتمال التبرع فيه وإن كان قائما إلا أنه بضميمة ما تقدمه من الأخبار
الظاهرة في عدمه، وكونه على الوجوب ليس محتملا. فتأمل.
ومنه إن تم ينقدح وجه للاستدلال به على إلحاق مطلق الورثة، لإطلاق
قوله (عليه السلام): «هل تجدون له وارثا»، مضافا إلى دلالة كثير من المعتبرة المشار
إليها بقوله: (وبه رواية ضعيفة) عليه.
منها المرسل كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح ما يصح عنه: إذا

(1) الوسائل 17: 405، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، الحديث 4.
(2) الوسائل 17: 407، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، الحديث 10.
(3) الفقيه 4: 340، الحديث 5736.
(4) المصدر السابق 4: 341، الحديث 5737.
(5) الكافي 7: 148، الحديث 8.
(6) التهذيب 9: 333، الحديث 2، الاستبصار 4: 175، الحديث 2.
482

مات الرجل وترك أباه وهو مملوك أو أمه وهي مملوكة، أو أخاه أو أخته
وترك مالا والميت حر يشتري مما ترك أبوه أو قرابته، وورث الباقي من
المال (1). ونحوه مرسل آخر مثله سندا ومتنا (2).
والخبر: عن رجل مات وترك مالا كثيرا وترك أما مملوكة وأختا
مملوكة، قال: تشتريان من مال الميت ثم تعتقان وتورثان، قلت: أرأيت إن
أبى أهل الجارية كيف يصنع؟ قال: ليس لهم ذلك وتقومان قيمة عدل، ثم
تعطى مالهم على قدر القيمة (3) الحديث.
وضعف سنده بالجهالة ومتنه كسابقيه عن الدلالة بالأخصية من المدعى
بالاختصاص ببعض القرابة مجبور بعمل أكثر الطائفة، كما هو الظاهر من
الفتاوى الظاهرة والمحكية، وقد عرفته من حكاية الروضة المتقدمة، التي
هي أرجح من حكاية الحلي الأكثرية على خلافه، لكونها موهونة، بعدم
مصير أحد إلى ما ذكره عدا نادر من الطائفة مع كون باقي فتاوى القدماء
والمتأخرين على خلافه مطبقة، وبعدم القائل بالفرق بين الأخت مثلا
وغيرها من القرابة بين الطائفة، وبه صرح في الروضة.
وأما ما يتوهم من القدح في الرواية الأخيرة بتضمنها شراء الأخت مع
الأم وإيراثها معها مع أنه مما لا نقول به فمدفوع، بأن الواو فيها بمعنى «أو»
كما صرح به جماعة. وربما يرشد إليه قول الراوي: «فإن أبى أهل الجارية».
فتدبر.
فإذا لا محيص عن هذا القول ولا مندوحة.
(وفي) إلحاق (الزوج والزوجة) بمطلق القرابة في الحكم المزبور

(1) الوسائل 17: 404، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3.
(2) المصدر السابق: 407، الحديث 9.
(3) المصدر السابق: 405، الحديث 5.
483

(تردد) ينشأ من الأصل المتقدم إليه الإشارة، ومن ورود الصحيح بإلحاق
الزوجة فالزوج أولى، مع أنه لا قائل بالفرق بينهما جدا.
وفيه: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا مات الرجل وله امرأة مملوكة اشتراها
من ماله فأعتقها ثم ورثها (1).
وفي الدلالة نظر، لقيام احتمال التبرع فيه، فلا يمكن الاستدلال به على
الوجوب، مع أنه معارض بصريح الصحيح الناص على عدم شراء الزوج
من مال الزوجة، رواه في الفقيه.
وفيه: عن مملوك رجل أبق منه فأتى أرضا فذكر لهم أنه حر من رهط
بني فلان وأنه تزوج امرأة من أهل تلك الأرض فأولدها ثم إن المرأة ماتت
وتركت في يده مالا وضيعة وولدها ثم إن سيده أتى تلك الأرض وأخذ
العبد وجميع ما في يده وأذعن له العبد بالرق، فقال: أما العبد فعبده، وأما
المال والضيعة فإنه لولد المرأة الميتة ولا يرث عبد حرا، قلت: جعلت فداك
فإن لم يكن للمرأة يوم ماتت ولد ولا وارث لمن يكون المال والضيعة التي
تركتها في يد العبد؟ فقال: جميع ما تركت لإمام المسلمين خاصة (2).
وهو كما ترى صريح في خروج الزوج من هذا الحكم فالزوجة أولى،
مضافا إلى عدم القول بالفرق، كما مضى، وحمله في الوافي (3) على أن ذلك
لخدعته المرأة بدعواه الحرية.
وفيه أنه لا معارض له صريحا بل ولا ظاهرا يوجب الخروج عن
ظاهره، مضافا إلى عدم دليل على الحمل، مع خلو كلام القائلين بوجوب فك
الزوجين - كالنهاية والكيدري وابن زهرة والفاضل في الإرشاد والمحقق

(1) الوسائل 16: 56، الباب 53 من كتاب العتق، الحديث 1.
(2) الفقيه 3: 454، الحديث 457.
(3) الوافي 3: 134 س 12.
484

الثاني والشهيد الثاني وبعض من تبعه - عن التقييد بما ذكره واشترطه بعدم
الخدعة.
اللهم إلا أن يكون مراده بها عدم وقوع تزويجه بإذن سيده فيكون
باطلا، فكأن المملوك ليس بزوج لها.
وفيه نظر، لعدم إمكان الحكم بالبطلان إلا مع عدم إجازة المولى، وهو
في الرواية غير مشار إليه أصلا، بل وقع الحكم فيها بإرث الإمام لتركتها مع
عدم الولد مطلقا، بل عاما، لترك الاستفصال عن إجازة المولى لعقده
وعدمها، فيكون الحكم شاملا لصورة الإجازة أيضا.
نعم تخرج الرواية بهذا عن الصراحة جدا، لكنها ظاهرة لما ذكرناه، سيما
وأن قوله (عليه السلام) معللا: «ولا يرث عبد حرا» ظاهر في أن المانع عن الإرث
في مورد السؤال إنما هو العبودية خاصة لا عدم الزوجية، وهو ظاهر في
ثبوتها. فتأمل.
وبالجملة الأقوى عدم وجوب فكها، للأصل، وهذا الصحيح الظاهر فيه
ولو بمعونة ما قدمناه مع خلوه عن المعارض الصريح، بل مطلقا، لما مضى
من ضعف دلالة الصحيحة بفك الزوجة.
نعم ربما يشير إليه قوله (عليه السلام) في بعض ما تقدم من الروايات: «هل
تجدون له وارثا»، بناء على ما قدمناه، مع إطلاق الوارث فيه وصدقه على
نحو الزوجة، إلا أن الاكتفاء بنحو هذه الإشارة في مثل هذه الرواية وإن
كانت موثقة في مقابلة الأصول القطعية المعتضدة في خصوص المسألة بعمل
أكثر الطائفة وخصوص الصحيحة الظاهرة لا يخلو عن شبهة، بل مشكل
غايته، بل لا مسرح عما اخترناه، ولا مندوحة.
وحيث كان المملوك الذي منع عن إرثه وإيراثه في العبائر المتقدمة
485

مطلقا - ويتبادر منه خصوص القن دون غيره ممن تشبث بالحرية، واحتمل
لذلك توهم اختصاص الحكم به دونهم - نبه على العموم بقوله: (ولا يرث
المدبر ولا أم الولد ولا المكاتب المشروط) ولا المطلق الذي لم يؤد شيئا
ولا يرثون كالقن بلا خلاف ظاهر. ويشهد له ما ورد من المعتبرة المستفيضة
في المكاتب، وقد تقدم إلى جملة منها الإشارة.
وكما لا يرثون على هذه الحالة كذا يفكون ليرثوا، لتحقق الوصف إذا
كانوا ممن يجب فكهم، وقد تقدمت إليه الإشارة.
(ومن تحرر بعضه) وبقي بعضه رقا (يرث) ويورث (ب‍) قدر (ما
فيه من الحرية، ويمنع) من كل منهما (ب‍) قدر (ما فيه من الرقية) بلا
خلاف فيه بيننا أجده، بل ظاهر جماعة أن عليه إجماع الإمامية وأخبارنا به
في المكاتب مستفيضة:
ففي الصورة الأولى: لو كان للميت ولد نصفه حر وأخ حر فالمال بينهما
نصفان، ولو كان نصف الأخ حرا أيضا فللابن النصف وللأخ الربع والباقي
للعم الحر إن كان، فلو كان نصفه حرا فله الثمن والباقي لغيره من المراتب
المتأخرة عنه، وهكذا. ولو لم يكن هناك وارث في جميع الطبقات حتى
ضامن الجريرة كان باقي التركة في مقابلة الجزء الرق بمنزلة ما لو لم يخلف
وارثا فيشترى الجزء الرق من التركة المخلفة في مقابلته وإن قلنا إنه لا
يشترى بعض المملوك، لأن شراء هذا الجزء يوجب تمام الحرية ولا يحصل
به ضرر على المالك بالتبعيض، بخلاف شراء البعض وإبقاء الباقي رقا. نعم
لو لم يف باقي التركة بهذا الجزء جاء فيه الخلاف السابق.
وفي الثانية: لو كان الميت نصفه حرا فلمولاه نصف تركته ولوارثه الحر
النصف الباقي، وهكذا في أصح الوجهين في كيفية الإرث منه بنسبة
486

الحرية، وفاقا لشيخنا في المسالك والروضة، قال: لأن مالك الباقي قد
استوفى نصيبه بحق الملك فلا سبيل له على الباقي.
وإنما تظهر فائدة الإرث بالنسبة مما ترك على تقدير أن يكون قد
اكتسب بجميعه مالا، ولم يحصل للمالك منه شئ، فيكون ما كسبه مقسوما
على نسبة الرقية والحرية. والأجود الاستدلال عليه بظاهر الصحيحين:
في أحدهما: عن رجل كاتب عبدا له على ألف درهم ولم يشترط عليه
حين كاتبه إن هو عجز من مكاتبته فهو رد في الرق وأن المكاتب أدى إلى
مولاه خمسمائة درهم ثم مات المكاتب وترك مالا وترك ابنا له مدركا،
قال: نصف ما ترك المكاتب من شئ فإنه لمولاه الذي كاتبه، والنصف الآخر
لابن المكاتب (1) الخبر.
وفي الثاني: مكاتب توفي وله مال، قال: يقسم ماله على قدر ما أعتق
منه لورثته، وما لم يعتق يحسب منه لأربابه الذين كاتبوه، وهو ماله (2).
والوجه الثاني: أن ما جمعه ببعضه الحر يتقسط على مالك الباقي
والورثة بقدر ما فيه من الرق والحرية فإذا كان نصفه حرا ونصفه رقا فنصف
ما جمعه بنصفه الحر للسيد ونصفه للورثة، لأن سبب الإرث الموت والموت
حل بجميع بدنه وبدنه ينقسم إلى الرقية والحرية فينقسم ما خلفه.
وهو ضعيف غايته، سيما في مقابلة ما قدمناه من الحجة الظاهرة.
(المقدمة الثالثة: في) بيان (السهام) المقدرة وبيان أهلها
(وهي) في كتاب الله تعالى (ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان،
والثلث، والسدس) وقيل في التعبير عنها ما هو أخصر مما هنا وهو: النصف

(1) الوسائل 17: 411، الباب 23 من أبواب موانع الإرث، الحديث 5.
(2) الوسائل 16: 99، الباب 19 من كتاب المكاتبة، الحديث 1.
487

ونصفه، ونصف نصفه، والثلثان ونصفهما، ونصف نصفهما. وأخصر منهما
التعبير عنها بالربع، والثلث، وضعف كل، ونصفه (1).
وأما أهل هذه السهام فخمسة عشر.
(فالنصف) لأربعة (للزوج مع عدم الولد) للزوجة (وإن نزل)
سواء كان منه أم من غيره، قال سبحانه: «ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم
يكن لهن ولد» (2) وولد الولد كالولد هنا إجماعا، كما حكاه جماعة
(وللبنت) الواحدة، قال سبحانه: «وإن كانت واحدة فلها النصف» (3)
(وللأخت للأب والأم، أو) الأخت (للأب) خاصة مع عدمها وعدم
الذكران في الموضعين، قال الله تعالى: «إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت
فلها نصف ما ترك» (4). واحترز بالقيد عن الأخت للأم خاصة، فإن لها
السدس، للآية الأخرى الواردة في الكلالة (5) مضافا إلى الرواية والإجماع
الظاهر من فتاوى الجماعة.
(والربع) لاثنين (للزوج مع الولد) للزوجة (وإن) كان من غيره
و (نزل) لما مر، قال سبحانه: «فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن» (6).
(وللزوجة مع عدمه) أي الولد للزوج مطلقا ولو كان من غيرها ونزل
كما سبق، قال تعالى: «ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد» (7).
(والثمن) لقبيل واحد (للزوجة مع الولد) لزوجها (وإن) كان من
غيرها (ونزل) كما مضى، قال سبحانه: «فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما
تركتم» (8). ولا فرق في الزوجة في المقامين بين الواحدة والمتعددة، حتى

(1) المسالك 13: 83.
(2) النساء: 12.
(3) النساء: 11.
(4) النساء: 176.
(5) النساء: 12.
(6) النساء: 12.
(7) النساء: 12.
(8) النساء: 12.
488

لو كن أربعا اقتسمن الفرض من الربع أو الثمن على عددهن أرباعا، ولو كن
ثمانية اقتسمنه أثمانا، وهكذا. ويتصور ذلك في المريض إذا طلق أربعا في
مرضه طلاقا بائنا وتزوج بأربع غيرهن من قبل خروجهن من عدتهن
ودخل بمن تزوجهن أخيرا ثم مات قبل برئه من مرضه الذي طلق الأربع
فيه قبل سنة من طلاقه لهن وقبل تزويجهن، فإن الثمان نسوة يرثنه الثمن مع
الولد، والربع مع عدمه بالسوية، ونبه على ذلك الحلي في السرائر (1) نافيا
الخلاف فيه بين الأصحاب.
(والثلثان) لثلاثة (للبنتين فصاعدا) قال عز من قائل: «فإن كن
نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك» (2) وهو وإن جعل فيه النصيب للزائد عن
الاثنتين إلا أنهما ألحقتا به إجماعا، كما في كلام جماعة، ويعضده ثبوته في
الأختين ففي البنتين أولى، وذكر لذلك وجوه أخر لا فائدة مهمة لنقلها هنا
بعد ثبوته بما ذكرناه.
(وللأختين فصاعدا) إذا كن (للأب والأم أو) الأختين (للأب)
خاصة مع عدمهما وعدم الذكران في الموضعين، قال تعالى: «فإن كانتا
اثنتين فلهما الثلثان مما ترك» (3).
(والثلث) لقبيلتين (للأم مع عدم من يحجبها من الولد) للميت
(وإن نزل أو الأخوة) قال سبحانه: «فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه
الثلث» (4) (وللاثنين فصاعدا من ولد الأم) خاصة ذكورا كانوا، أم إناثا،
أم بالتفريق، قال سبحانه: «فإن كانوا - أي أولاد الأم - أكثر من ذلك فهم
شركاء في الثلث» (5).

(1) السرائر 3: 230.
(2) النساء: 11.
(3) النساء: 176.
(4) النساء: 11.
(5) النساء: 12.
489

(والسدس) لثلاثة (لكل واحد من الأبوين مع الولد) للميت (وإن
نزل) قال تعالى: «فلأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له
ولد» (1) (وللأم مع من يحجبها عن الزائد) عن السدس من الولد أو
الأخوة، قال تعالى: «فإن كان له إخوة فلأمه السدس» (2) (وللواحد من
كلالة الأم) أي ولدها (ذكرا كان أو أنثى) قال عز من قائل: «وله أخ أو
أخت فلكل واحد منهما السدس» (3). قيل: سمي الإخوة كلالة من الكل،
وهو الثقل، لكونها ثقلا على الرجل لقيامه بمصالحهم مع عدم التولد الذي
يوجب مزيد الإقبال والخفة على النفس، أو من الإكليل، وهو ما يزين
بالجوهر شبه العصابة لإحاطتهم بالرجل، كإحاطته بالرأس (4). هذا حكم
السهام المقدرة منفردة.
وأما منضمة بعضها إلى بعض فبعضها يمكن وبعضها يمتنع، وصور
اجتماعها الثنائي ممكنا وممتنعا إحدى وعشرون، حاصله من ضرب الستة
في السهام مثلها ثم حذف المكرر منها، وهو خمسة عشر، منها ثمان ممتنعة.
وهي واحدة من صور اجتماع النصف مع غيره، وهي اجتماعه مع
الثلثين، لاستلزامه العول، وإلا فأصله واقع كزوج وأختين فصاعدا لأب،
لكن يدخل النقص عليهما، فلم يتحقق الاجتماع مطلقا.
واثنتان من صور اجتماع الربع مع غيره، وهما اجتماعه مع مثله، لأنه
سهم الزوج مع الولد، وسهم الزوجة مع عدمه، فلا يجتمعان، واجتماعه مع
الثمن، لأنه نصيبها مع الولد والربع نصيبها مع عدمه أو نصيب الزوج معه.
واثنتان من صور اجتماع الثمن مع غيره، وهما اجتماعه مع مثله، لأنه

(1) النساء: 11.
(2) النساء: 11.
(3) النساء: 12.
(4) قاله الشهيد في الروضة 8: 69.
490

نصيب الزوجة وإن تعددت خاصة، فلا يتعدد، واجتماعه مع الثلث، لأنه
نصيب الزوجة مع الولد، والثلث نصيب الأم لا معه، أو الاثنين من أولادها
لا معهما.
وواحدة من صور الثلثين، وهي اجتماعهما مع مثلهما، لعدم اجتماع
مستحقهما متعددا في مرتبة واحدة، مضافا إلى بطلان العول.
واثنتان من صور اجتماع الثلث، وهما اجتماعه مع مثله وإن فرض في
البنتين والأختين، حيث إن لكل واحدة ثلثا، إلا أن السهم هنا هو جملة
الثلثين لا بعضهما واجتماعه مع السدس، لأنه نصيب الأم مع عدم الحاجب،
والسدس نصيبها معه أو مع الولد، فلا يجامعه. ويبقى من الصور ثلاث عشرة
فرضها واقع صحيح، قد أشار الماتن إلى عشرة منها بقوله:
(والنصف يجتمع مع مثله) كزوج وأخت لأب وأم أو لأب خاصة مع
عدم ذكر (ومع الربع) كزوجة وأخت كذلك وكزوج وبنت واحدة (و) مع
(الثمن) كزوجة وبنت، وقد تقدم أنه لا يجتمع مع الثلثين (و) مع
(الثلث) كزوج وأم مع عدم الحاجب وككلالة الأم المتعددة مع أخت لأب
وأم أو أب خاصة مع عدم ذكر (و) مع (السدس) كزوج وواحدة من
كلالة الأم وكبنت مع أحد الأبوين وكأخت لأب وأم أو لأب خاصة مع واحد
من كلالة الأم (و) قد عرفت أنه (لا يجتمع الربع) مع مثله ولا (مع
الثمن).
(ويجتمع الربع مع الثلثين) كزوج وابنتين وكزوجة وأختين لأب وأم
أو أب خاصة (و) مع (الثلث) كزوجة وأم مع عدم الحاجب وزوجة مع
متعددة من كلالة الأم (و) مع (السدس) كزوجة وواحدة من كلالة الأم،
وكزوج وأحد الأبوين مع ابن أو بنت، بناء على أن زيادة سدسي الأبوين
491

معها بالرد لا بالفرض، وإنما هو السدس خاصة، فلا فرق بين الابن والبنت
في ذلك وإن افترقا بحصول الرد إلى أحد الأبوين معها دونه، إلا أنه ليس
من جهة الفرض الذي هو محل الفرض.
(ويجتمع الثمن مع الثلثين) كزوجة وابنتين (و) مع (السدس)
كزوجة وأحد الأبوين مع ابن أو بنت.
ويجتمع الثلثان مع الثلث كإخوة لأم مع أختين فصاعدا لأب، ولا
يجتمعان مع مثلهما، لما مضى، ويجتمعان مع السدس كبنتين وأحد الأبوين
وكأختين لأب مع واحد من كلالة الأم.
ويجتمع السدس مع السدس كأبوين مع الولد مطلقا ولو بنتا إن فرضنا
اجتماع السدسين في الجملة وإن اجتمع معهما فرض آخر غيرهما، وإلا
فليخص الولد بالابن، لكون البنت فرضها النصف فيجتمع ثلاثة فروض وهو
خلاف المفروض (و) قد عرفت أنه (لا يجتمع) الثمن مع مثله، ولا (مع
الثلث، ولا الثلث) مع مثله، ولا (مع السدس تسمية) احترز بهذا القيد
عن اجتماع مقيده وهو الثلث مع السدس قرابة كزوج وأبوين، فإن للزوج
النصف وللأم مع عدم الحاجب الثلث، وللأب السدس ومع الحاجب بالعكس.
وعلى تقديرين فسهم الأب هنا بالقرابة لا بالفرض، ولو لوحظ هذا
المعنى لأمكن اجتماع كل ما امتنع سابقا بغير العول، فيجتمع الربع مع مثله
كما في بنتين وابن، ومع الثمن كما في زوجة وبنت وثلاث بنين وهكذا، لأنه
خارج عن الفرض.
واعلم أن الوارث إذا كان واحدا من أي الطبقات كأن ورث المال كله
بعض بالفرض والباقي بالقرابة ان كان من ذوي الفروض، وإلا فجميعه
بالقرابة.
492

وإن كان أكثر من واحد ولم يحجب بعضهم بعضا، فإما أن يكون ميراث
الجميع بالقرابة، أو بالفرض، أو بعض بهذا وبعض بهذا، فعلى الأول يقسم
على ما يأتي من التفصيل في ميراثهم، وعلى الثالث يقدم صاحب الفرض
فيعطى فرضه والباقي للباقين، وعلى الثاني، فإما أن تنطبق السهام على
الفريضة، أو تنقص عنها، أو تزيد عليها، فعلى الأول لا إشكال، وعلى الثاني
فالزائد عندنا للأنساب يرد عليهم زيادة على سهامهم إذ الأقرب يحرم
الأبعد، وعلى الثالث يدخل النقص عندنا على البنت والبنات والأخت
والأخوات للأبوين أو للأب خاصة.
وضابطه عندنا: أن النقص إنما يدخل على من له فرض واحد في
الكتاب المجيد، لأن له الزيادة متى نقصت السهام، فيكون عليه النقيصة متى
زادت دون من له فرضان، فإنه متى نزل عن الفرض الأعلى كان له الفرض
الأدنى.
خلافا للعامة في المقامين حيث حكوا في الأول بالتعصيب، أي اعطاء
الزائد للعصبة وهم من يتقرب بالأب من الإخوة والأعمام، وفي الثاني
بالعول، فجعلوا النقص موزعا على أرباب السهام.
وحيث إن هاتين المسألتين من أمهات المسائل والمعركة العظمى بين
الإمامية ومن خالفهم وعليهما يبنى معظم الفرائض نبه الماتن عليهما بقوله:
(مسألتان)
(الأولى: التعصيب باطل) عندنا بضرورة مذهبنا، والمعتبرة
المستفيضة، بل المتواترة عن أئمتنا (عليهم السلام)، وآية: «وأولوا الأرحام» (1) فإنها
نص في ذلك.

(1) الأنفال: 75.
493

وفي الصحيح: أن أبا جعفر (عليه السلام) أقرأني صحيفة الفرائض التي هي إملاء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السلام) بيده، فوجدت فيها رجل ترك ابنته وأمه
لابنته النصف وللأم السدس يقسم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة
أسهم فهو للابنة، وما أصاب سهما فهو للأم، ووجدت فيها رجل ترك ابنته
وأبويه للابنة النصف ثلاثة أسهم ولأبويه لكل واحد منهما السدس يقسم
المال على خمسة أسهم، فما أصاب ثلاثة فهو للابنة، وما أصاب سهمين
فللأبوين، قال: وقرأت فيها رجل ترك ابنته وأباه للابنة النصف وللأب سهم
يقسم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة فللابنة، وما أصاب سهما
فللأب، الحديث (1).
وفي الخبر: وقد سئل المال لمن هو للأقرب أو للعصبة؟ فقال (عليه السلام):
المال للأقرب، والعصبة في فيه التراب (2). إلى غير ذلك من الأخبار التي
لا يسعها المضمار.
(و) من هنا يصح ما سيأتي من أن (فاضل التركة يرد على ذي
السهام عدا الزوج والزوجة والأم مع وجود من يحجبها على تفصيل
يأتي) ذكره إن شاء الله تعالى.
(الثانية: لا عول في الفرائض) بضرورة مذهبنا، والمعتبرة المستفيضة
التي كادت تبلغ التواتر عن أئمتنا (عليهم السلام)، وإنكارهم الشديد في ذلك،
واحتجاجاتهم. وقد أطنب الأصحاب في الاستدلال على ذلك والرد على
مخالفيهم بما لا يسع المقام لذكره.
ومن جملته ما أشار إليه الماتن بقوله: (لاستحالة أن يفرض سبحانه

(1) الوسائل 17: 463، الباب 17 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 1.
(2) الوسائل 17: 431، الباب 8 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 1.
494

في مال ما لا يفي) به كنصفين وثلث أو ثلثين ونصف ونحو ذلك، وإلا
لكان جاهلا أو عابثا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
والعمدة هو الإجماع والنص:
ففي الصحيح: في زوج وأبوين وابنة، وللزوج الربع ثلاثة من اثني عشر،
وللأبوين السدسان أربعة من اثني عشر، وبقي خمسة أسهم، فهي للابنة،
لأنها لو كانت ذكرا لم يكن لها غير ذلك، وإن كانتا اثنتين فليس لهما غير ما
بقي خمسة، الحديث (1).
وفي المستفيضة: أن الذي أحصى رمل عالج يعلم أن السهام لا تعول
على ستة (2).
(بل يدخل النقص على البنت أو البنتين) كما في أمثلة الصحيح، أو
على الأخت للأبوين أو الأب أو الأختين كذلك (أو على الأب أو من
يتقرب به، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى).
وفرض دخول النقص على الأب غير موجود إلا هنا وفي الشرائع (3)
وجملة من كتب الفاضل (4) واللمعة (5). وهو غير جيد، يظهر وجهه مما
قدمناه في ضابطة من يدخل عليه النقص، فإن الأب مع الولد لا ينقص عن
السدس، ومع عدمه ليس من ذوي الفروض ومسألة العول مختصة بهم.
ومنه يظهر فساد ما قيل في مثاله وهو زوج وأبوان الفريضة ستة للزوج
النصف ثلاثة وللأم الثلث والباقي وهو الواحد للأب فيدخل النقص عليه،
لأن المناسب أن يكون له اثنان من الستة كما للأم، وذلك لأن ثبوت الاثنين

(1) الوسائل 17: 465، الباب 18 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 1.
(2) الوسائل 17: 424، الباب 6 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 14.
(3) الشرائع 4: 21.
(4) التحرير 2: 163 س 8.
(5) اللمعة 8: 87.
495

له ليس بالفريضة بل بالمناسبة والقرابة، وقد عرفت أنه لا عول إلا فيمن
يرث بالفرض لا بالقرابة.
وإنما خص هؤلاء بالنقص، لأن لكل من سواهم فريضتين في حالتين
عليا ودنيا، بخلافهم، لأنه لا دنيا لهم بالفرض، فأخروا لذلك.
واعلم أن العول لا يكون إلا بدخول الزوج أو الزوجة، والمراد به زيادة
في السهام عليها، على وجه يحصل النقص على الجميع بالنسبة.
سمي عولا، إما من الميل ومنه قوله تعالى: «ذلك أدنى أن لا تعولوا» (1)
وسميت الفريضة عائلة على أهلها لميلها بالجور عليهم بنقصان سهامهم، أو
من عال الرجل إذا كثر عياله لكثرة السهام فيها، أو من عال إذا غلب لغلبة
أهل السهام بعضهم على بعض بالنقص، أو من عالت الناقة ذنبها إذا رفعته
لارتفاع الفرائض على أهلها بزيادة السهام، كما إذا كانت الفريضة ستة فعالت
إلى سبعة في مثل زوج وأختين لأب فإن له النصف ثلاثة من ستة ولهما
الثلثان أربعة فزادت الفريضة واحدا، أو إلى ثمانية كما إذا كان معهم أخت
لأم، أو إلى تسعة بأن كان معهم أخت اخرى لأم أو إلى عشرة إذا كان معهم أم
محجوبة، وهكذا.

(1) النساء: 3.
496

(وأما المقاصد فثلاثة)
(الأول في) بيان ميراث (الأنساب)
(و) قد عرفت أن (مراتبهم ثلاث):
(الأولى):
(الآباء) من غير ارتفاع (والأولاد) وإن نزلوا بشرط الأقرب
فالأقرب (فالأب يرث المال) كله (إذا انفرد) عن قريب للميت في
مرتبته (و) كذلك (الأم) ترثه إذا انفردت عنه، لكنها ترث (الثلث)
بالفرض (والباقي بالرد) بخلاف الأب فيرثه أجمع بالقرابة، لما مر من أنه
مع عدم الولد لا فرض له.
(ولو اجتمعا) أي الأبوان خاصة منفردين عمن هو في مرتبتهما
(فللأم الثلث) بالفرض مع عدم الحاجب (وللأب الباقي) بالقرابة (ولو
كان له) أي للميت (إخوة) يحجبونها عن الثلث (كان لها السدس)
بالفرض أيضا والباقي كله للأب بالقرابة.
(ولو) اجتمعا و (شاركهما زوج أو زوجة فللزوج النصف
وللزوجة الربع وللأم ثلث الأصل) لا ثلث الباقي عن نصيبهما (إذا لم
497

يكن) لها (حاجب) عنه من الإخوة (والباقي) عن نصيبهم (للأب)
بالقرابة، بخلافهم فإنما يحوزونه بالفرض.
(ولو كان لها) للأم (حاجب كان لها السدس) من الأصل كالثلث
والباقي عن نصيبهم للأب، كالسابق.
(ولو انفرد الابن) عمن يشاركه في مرتبته (فالمال) كله (له)
بالقرابة (ولو كانوا أكثر) من واحد (اشتركوا) فيه (بالسوية) بلا
خلاف، لعدم إمكان الترجيح من غير مرجح. وكذلك البنت أو البنات لو
انفردن كان المال كله لهن بالسوية، لكن يرثن بعضه وهو النصف أو الثلثان
بالفرض والباقي بالقرابة.
(ولو كانوا ذكورا وإناثا فللذكر سهمان وللأنثى سهم) بالكتاب
والنص والإجماع.
(ولو اجتمع معهم) أي مع الأولاد (الأبوان) خاصة (فلهما السدسان)
بالسوية فرضا (والباقي) عن نصيبهما وهو الثلثان (للأولاد) مطلقا
(ذكرانا كانوا، أو إناثا، أو ذكرانا وإناثا) يرثونه بالقرابة خاصة.
(ولو كانت بنتا) في المثال (فلها النصف) بالتسمية (وللأبوين
السدسان) بها من أصل التركة (والباقي) وهو السدس (يرد) عليهم، أي
على الأبوين والبنت (أخماسا) على نسبة الفريضة إجماعا، لأن ذلك هو
قضية الرد على السهام، وللصحيح المتقدم في إبطال العصبة، فيكون جميع
التركة بينهم أخماسا، للبنت ثلاثة أخماس، ولكل منهما خمس. فالفريضة
حينئذ من ثلاثين، لأن أصلها ستة مخرج السدس والنصف، ثم يرتقى
بالضرب في مخرج الكسر إلى ذلك. هذا إذا لم يكن للأم حاجب عن الزيادة
من الثلث.
498

(ولو كان من يحجب الأم) من الإخوة (رد على الأب والبنت)
خاصة (أرباعا) والفريضة حينئذ من أربعة وعشرين، للأم سدسها أربعة،
وللبنت اثنى عشر بالأصل وثلاثة بالرد، وللأب أربعة بالأصل وواحد بالرد،
ولا خلاف في أصل الرد هنا وسابقا وكونه فيه أخماسا، كما لا خلاف في
اختصاصه هنا بمن عدا الأم، بل على جميع ذلك الإجماع في عبائر جماعة.
وهو الحجة المؤيدة بما مر من الأدلة; مضافا في الأخير إلى فحوى الأدلة
الدالة على حجب كلالة الأب للأم عن الثلث.
فإن حرمانها بهم من أصل الفريضة العليا يستلزم حرمانها بهم من الرد
بجهة القرابة بطريق أولى، سيما مع تضمن كثير من النصوص الدالة على
حرمانها بهم من فريضتها العليا التعليل له بحكمة التوفير على الأب،
الموجودة هنا أيضا. ولعله إلى هذا نظر المقدس الأردبيلي (رحمه الله) في استدلاله
لحجبها من الرد بالكلالة بالآية الدالة على حجبها بهم عن الفريضة الكاملة (1).
فتردد صاحب الكفاية فيه (2) لا وجه له، بل ضعيف غايته، لما عرفته.
وبه يذب عما اعترضه به أيضا من منافاة الحرمان هنا لعموم الصحيحة
السابقة في إبطال العصبة، لارتفاع المنافاة بتخصيص عمومها بما إذا لم يكن
ثمة كلالة حاجبة.
وبالجملة لا شبهة في المسألة، كما لا شبهة عند الأكثر في كون الرد
أرباعا، لما مضى قريبا من أن ذلك قضية الرد على نسبة السهام، مع كونه
الآن مشهورا بين أصحابنا، بحيث لا يكاد بتحقق فيه مخالف منهم، ولم ينقل
إلا عن معين الدين المصري.
حيث ذهب إلى قسمة الرد أخماسا هنا أيضا، للأب منها سهمان سهم الأم

(1) مجمع الفائدة 11: 353.
(2) كفاية الأحكام: 295 س 33.
499

وسهمه، لأن الإخوة يحجبون الأم عن الزائد لمكان الأب، فيكون الزائد له (1).
ولعله نظر إلى مفهوم ما تقدم من التعليل الوارد في الأخبار لحجب الأم
عن الثلث. وهو غير بعيد، لاعتبار أسانيدها بالصحة في بعض، والقرب منها
في آخر، مع حجية مفهوم التعليل، وأنه يتعدى به حيثما كانت العلة موجودة.
إلا أن إطباق الفتاوى واتفاقها على كون الرد أرباعا - بحيث كاد أن يعد
إجماعا - أوجب وهنه، مع إمكان أن يقال: إن التعليل إنما هو لحجب الأم
عن الزائد عن السدس لا إعطاؤه بجميعه للأب، فمقتضى التعدي به حينئذ
إثبات أصل الحجب عنه. ونحن نقول به، كما قدمناه، لا إعطاؤه كله للأب
وإن اتفق ذلك في أكثر الصور، فإنه ليس كالتعليل يتعدى به من غير دليل.
والتوفير على الأب المعلل به الحجب لا يجب أن يكون بتمام الزائد،
لصدقه بالتوفير بالبعض. لكنه خلاف الظاهر المتبادر منه، لسبق التوفير
بالجميع إلى الذهن. ولعله لذا احتمل هذا القول في الدروس (2) ولكن رجع
عنه.
(ولو كان) مع الأبوين (بنتان فصاعدا فللأبوين السدسان) بينهما
نصفان (وللبنتين أو البنات الثلثان بالسوية) ولا رد في المقام، لأن
الفريضة حينئذ بقدر السهام.
(ولو كان معهما) أي مع البنتين (أو معهن) أي البنات (أحد
الأبوين) خاصة (كان له السدس) مطلقا أبا كان أو أما (ولهما أو لهن
الثلثان و) السدس (الباقي) عن سهامهم (يرد) عليهم جميعا
(أخماسا) على نسبة السهام على الأشهر الأقوى، بل لعله عليه الآن كافة
أصحابنا، لما مضى قريبا.

(1) كما في الدروس 2: 357.
(2) الدروس 2: 357.
500

خلافا للمحكي عن الإسكافي فخص الرد بالبنتين، لدخول النقص
عليهما، فيكون الفاضل لهما (1) وللموثق في رجل مات وترك ابنتيه وأبا قال
للأب السدس وللابنتين الباقي (2).
ويضعف الأول: بأنه مجرد اعتبار لا دليل عليه، وعلى تقديره فإنما
يجب جبر النقص بذلك إذا لم يكن جبر بشئ آخر غيره، والحال أنه قد
جبره الشارع به حيث جعل لهن فريضة عليا خاصة لا دنيا، فيكون النقص
كالفريضة الدنيا لهن فيساوين الأبوين من جميع الوجوه، فلا يصلح حجة.
مع انتقاضه بالمعتبرة المستفيضة الواردة في اجتماع أحد الأبوين مع
البنت الواحدة، لتصريحها برد الفاضل عليهما بنسبة الفريضة.
منها الصحيح: أقرأني أبو جعفر (عليه السلام) صحيفة كتاب الفرائض - إلى أن
قال: - فوجدت فيها رجل ترك ابنته وأمه للابنة النصف ثلاثة أسهم وللأم
السدس يقسم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة، وما
أصاب سهما فللأم، قال: وقرأت فيها رجل ترك ابنته وأباه للابنة النصف
ثلاثة أسهم وللأب السدس يقسم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة
أسهم فللابنة، وما أصاب سهما فللأب (3).
والخبر: في رجل ترك ابنته وأمه أن الفريضة من أربعة، لأن للبنت النصف
ثلاثة أسهم، وللأم السدس سهم وبقي سهمان، فهما أحق بهما بقدر سهامهما (4).
وهذه العلة موجودة في المسألة، فيتعدى بها الحكم إليها، ويعارض بها

(1) كما في المختلف 9: 103.
(2) الوسائل 17: 465، الباب 17 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 7.
(3) الوسائل 17: 463، الباب 17 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 1.
(4) المصدر السابق: 464، الحديث 6.
501

الموثقة، ويرجح عليها، لما هي عليه من المرجوحية بالشذوذ والندرة.
وفي الدروس أنها متروكة (1).
وفيه إيماء إلى انعقاد الإجماع على خلافها، بل ربما كان فيه عليه دلالة،
وبالإجماع صرح في التحرير (2).
وفي بعض المعتبرة: أصل الفريضة من ستة أسهم لا تزيد ولا تعول
عليها، ثم المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب (3). فتدبر.
(ولو كان مع البنت) أو البنتين فصاعدا (والأبوين زوج أو زوجة
كان للزوج الربع) مطلقا (وللزوجة الثمن) كذلك (وللأبوين
السدسان) إن كانا معا، وإلا فلأحدهما السدس (والباقي للبنت) أو
البنات (وحيث يفضل) شئ (عن) الفريضة التي هي (النصف)
والسدسان والثمن في مثال المتن، ويختلف باختلاف الفروض التي فرضناها،
وهي ما لو كان الوارث بنتين وأحد الأبوين وزوجة، أو بنتا وأحدهما
وزوجا أو زوجة (يرد عليها) أي على البنت أو البنات (الزائد) عنها
(وعلى الأبوين) في الفرض الأول أو أحدهما في الفرض الثاني (أخماسا)
مع عدم الحاجب للأم عن الثلث، أو أرباعا حيث يناسب فللبنت ثلاثة
أخماس وللأبوين خمسان إذا اجتمعا معا هنا، وإلا فلأحدهما الربع ولها
الثلاثة الأرباع وللبنتين أربعة أخماس والخمس الباقي لأحد الأبوين.
(ولو كان) معهما (من يحجب الأم رددناه) أي الفاضل عن

(1) الدروس 2: 356.
(2) لم نجد التصريح بالإجماع في التحرير، ولعل رمز «ير» الموجود في النسخ مصحف «ئر» يعني
السرائر، انظر ج 3: 248.
(3) الوسائل 17: 423، الباب 6 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 8.
502

الفريضة (على البنت والأب) خاصة (أرباعا) بنسبة سهامهم، ولا يرد
على الزوجين هنا إجماعا، لاختصاصه بذوي القرابة بالكتاب والسنة
المستفيضة، بل المتواترة.
مضافا إلى صريح بعض المعتبرة: وإن ترك الميت أما أو أبا وامرأة وابنة
فإن الفريضة من أربعة وعشرين سهما للمرأة الثمن ثلاثة أسهم من أربعة
وعشرين، ولأحد الأبوين السدس أربعة أسهم وللابنة النصف اثنى عشر
سهما وبقي خمسة أسهم وهي مردودة على سهام الابنة وأحد الأبوين على
قدر سهامهما ولا يرد على المرأة شئ، وإن ترك أبوين وامرأة وبنتا فهي
أيضا من أربعة وعشرين سهما للأبوين السدسان ثمانية أسهم لكل واحد
منهما أربعة أسهم وللمرأة الثمن ثلاثة أسهم، وللابنة النصف اثنى عشر سهما
وبقي سهم واحد مردود على الابنة والأبوين على قدر سهامهم ولا يرد على
المرأة شئ، وإن ترك أبا وزوجا وابنة فللأب سهمان من اثني عشر سهما
وهو السدس وللزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر وللابنة النصف ستة
أسهم من اثني عشر وبقي سهم واحد مردود على الابنة والأب بقدر
سهامهما ولا يرد على الزوج شئ، الحديث (1).
واعلم أن جميع ما ذكر من الأحكام في هذه المرتبة غير ما أشير إلى
الخلاف فيه مجمع عليه بين الأصحاب، مستفاد من الكتاب والسنة المشار
إليهما في المقدمات وصدر الكتاب، ومع ذلك فبخصوص كثير منها، نصوص
معتبرة قد تقدم إلى بعضها الإشارة، ولا فائدة مهمة في نقلها جملة، بعد
وضوح مأخذها من الكتب المشهورة في أبوابها المتفرقة، كأبواب إبطال

(1) الوسائل 17: 466، الباب 18 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 3.
503

العول والعصبة، وأبواب ميراث الولد خاصة، وميراث الأبوين كذلك، وميراثه
معهما خاصة، وميراثه معهما ومع الزوجة أو المرأة، وميراثهما مع أحدهما،
وغير ذلك من الأبواب المتعلقة بهذه المرتبة.
(ويلحقه) أي الكلام في هذه المرتبة (مسائل)
(الأولى: أولاد الأولاد يقومون) في الإرث (مقام آبائهم عند
عدمهم) وعدم الأبوين ووارث آخر أقرب منهم إجماعا، للمعتبرة
المستفيضة الآتية. ومقتضى كثير منها ثبوت ذلك ولو مع وجود الأبوين
أو أحدهما وهو الأقوى، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
(و) حيث يرثون (يأخذ كل فريق) منهم (نصيب من يتقرب به)
إلى الميت، فلأولاد الابن الثلثان ولأولاد البنت الثلث كائنا من كانوا ذكورا
كانوا أو إناثا (ويقتسمونه) أي النصيب الذي حازوه اقتسام الأولاد للصلب
(للذكر مثل حظ الأنثيين، أولاد ابن كانوا أو أولاد بنت) إجماعا في
الأول، و (على الأشبه) الأشهر في الثاني، بل عليه الإجماع في صريح
الغنية (1) وظاهر الشرائع (2) وغيره. وهو الحجة; مضافا إلى كون أولاد الأولاد
أولادا إما حقيقة أو مجازا راجحا هنا، بقرينة الإجماع المحكي في كلام
جماعة من الأصحاب على أن الأولاد ومرادفاته من البنين والبنات ونحوهما
هنا وفي أكثر ما ورد في القرآن يشمل أولاد الأولاد أيضا، كما في حجب
الأبوين والزوجين، وآية المحرمات (3) والاحتجاب في موضعين، وغير ذلك.
ويستفاد كون الشمول بعنوان الحقيقة من كثير من الروايات، وربما
ادعي تواترها، فيدخل أولاد البنات في عموم «يوصيكم الله في أولادكم

(1) لم نجد فيها التصريح بذلك، راجع الغنية: 311 و 323.
(2) الشرائع 4: 25.
(3) النساء: 23.
504

للذكر مثل حظ الأنثيين» (1) كما يدخل أولاد البنين فيه بالإجماع.
خلافا للقاضي تبعا للمحكي عن بعض القدماء، فقال: يقتسم أولاد
البنات نصيبهم بالسوية (2) مطلقا، لتقربهم بالأنثى.
وهو مع شذوذه منقوض بما اعترف به موافقا للقوم في اقتسام أولاد
الأخت للأبوين والأب بالتفاوت، مع مشاركتهم لأولاد البنت في إرث
نصيب الأم.
هذا، مع عدم دليل على اقتسام المتقربين بالأنثى بالسوية بعنوان الكلية،
ومع ذلك معارض بالعموم المتقدم إليه الإشارة، لما عرفت من شموله لأولاد
البنت، مع أن استدلاله بما ذكر ربما دل على اعترافه بالشمول لهم، إذ لولاه
لأمكنه الاستدلال في رد التفاوت وإثبات المساواة بعدم دليل على الأول،
وموافقة الثاني للأصل، كما ذكروه في أمثال الوصية والوقف.
ومن هنا ينقدح تحقق الإجماع من الخصم أيضا على ما ذكرناه من
الشمول.
وحينئذ فلا ريب في كون الاقتسام بالتفاوت هو الأشبه، كما ذكره
الماتن والأكثر، بل عامة من تأخر.
وأما أخذ كل فريق نصيب من يتقرب به فهو أيضا الأشبه الأشهر، بل
عليه عامة من تأخر، وفي كنز العرفان انعقاد الإجماع عليه بعد المرتضى (3)
وفي الغنية إن عليه إجماع الطائفة (4). وهو الحجة; مضافا إلى ظواهر
المعتبرة المستفيضة:
منها الصحاح: بنات البنات يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميت بنات

(1) النساء: 11.
(2) المهذب 2: 133.
(3) كنز العرفان 2: 328.
(4) الغنية: 323.
505

ولا وارث غيرهن وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد
ولا وارث غيرهن (1).
خلافا للمرتضى (2) والحلي (3) ومعين الدين المصري (4) فقالوا:
يقتسمون تقاسم الأولاد للصلب، من غير اعتبار من تقربوا به، لأنهم أولاد
حقيقة، فيدخلون في العموم المتقدم. وأجيب بأجوبة، أجودها ما ذكره
شيخنا في المسالك (5) والروضة.
فقال بعد ذكر دليلهم: وهذا كله حق لولا دلالة الأخبار الصحيحة على
خلافه هنا، ثم ساقها وقال بعدها: فإن قيل: لا دلالة للروايات على المشهور،
لأن قيامهن مقامهم ثابت على كل حال في أصل الإرث، ولا يلزم منه القيام
في كيفيته وإن احتمله، وإذا قام الاحتمال لم يصلح لمعارضة الآية الدالة
بالقطع على أن للذكر مثل حظ الأنثيين. قلنا الظاهر من قيام الأولاد مقام
الآباء والأمهات تنزيلهم منزلتهم لو كانوا موجودين مطلقا، وذلك يدل على
المطلوب، مضافا إلى عمل الأكثر، انتهى (6).
وهو جيد، يعضده بل يدل عليه أنه لو كان المراد من المنزلة إثبات أصل
التوارث لا الكيفية لاكتفى في النصوص بذكر أولاد الأولاد، من دون تفصيل
بين أولاد البنين وأولاد البنات في الذكر، فإنه على ذلك مجرد تطويل
مستغن عنه لا طائل تحته، فيجل عن مثله كلام الإمام الذي هو إمام الكلام.
ويقوى ذلك اتفاق الأخبار الواردة في المضمار على عدم ذكر أولاد
الأولاد على الإجمال، بل هي ما بين مصرحة بالتفصيل كالصحاح المتقدمة

(1) الوسائل 17: 449، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 3.
(2) رسائل الشريف المرتضى 3: 257 - 265.
(3) السرائر 3: 232.
(4) كما في المسالك 13: 125.
(5) المسالك 13: 126.
(6) الروضة 8: 104.
506

وغيرها مما يأتي إليه الإشارة، ومكتف بأحد شقيه.
كالصحيح: بنات البنات يرثن إذا لم تكن بنات كن مقام البنات (1).
والموثق - بل الصحيح، كما قيل (2) -: ابن الابن يقوم مقام الابن (3).
نعم في الخبر - المنجبر ضعفه بصفوان وعمل الأكثر -: ولا يرث أحد
من خلق الله تعالى مع الولد إلا الأبوان والزوج والزوجة، فإن لم يكن ولد
وكان ولد الولد ذكورا كانوا أو إناثا فإنهم بمنزلة الولد، وولد البنين بمنزلة
البنين يرثون ميراث البنين، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات،
ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر، وإن سفلوا ببطنين وثلاثة
وأكثر يرثون ما يرث الولد الصلب، ويحجبون ما يحجب ولد الصلب (4).
ولكنه كما ترى، وإن أجمل فيه أولا ذكر أولاد الأولاد، لكنه فصل ثانيا
بين أولاد البنين والبنات، ومع ذلك هو ظاهر كالصريح بل صريح في أن
المراد بالمنزلة ليس في خصوص أصل الإرث، بل هو مع الكيفية، ولذا قال:
يرثون ميراث البنين والبنات، وما قال يرثون كما يرثون، مع أن فيه لو قاله
دلالة أيضا، وإن لم يكن بتلك الظهور والصراحة فهذه الرواية أقوى دلالة من
الأخبار السابقة.
وفي الموثقة: ابنة الابن أقرب من ابن البنت (5) قال بعض الأفاضل:
المراد بالأقربية فيه كثرة النصيب لا استيراثه جميع التركة (6).

(1) الوسائل 17: 449، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 1.
(2) قاله صاحب المهذب البارع 4: 377.
(3) الوسائل 17: 450، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 5.
(4) الوسائل 17: 466، الباب 18 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 3.
(5) الوسائل 17: 451، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 8.
(6) لم نعثر على قائله.
507

وعليه تكون الرواية لما اخترناه مؤيدة، لكنه حملها الشيخ - بعد نقلها
ونقل ما بمعناها ودعوى إجماع الطائفة على خلافها - على التقية (1).
وكيف كان لا شبهة في المسألة، بعد الإجماع المنقول، والأخبار
المعتبرة، الظاهرة والصريحة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون
إجماعا، بل لعله إجماع في الحقيقة، كما ذكره الناقل له.
(و) على القولين حيث يرثون (يمنع الأقرب) منهم إلى الميت
(الأبعد) إجماعا، لما مر في صدر الكتاب.
وأما الموثق: بنات الابن يرثن مع البنات (2) فشاذ، مخالف للإجماع،
محمول على التقية، كما ذكره شيخ الطائفة، قال: لأن في العامة من يذهب
إلى ذلك (3).
(و) يتفرع على الخلاف مع المرتضى أنه (يرد على ولد البنت) ما
يزيد عن سهمها خاصة وسهم الأبوين إن كانا (كما يرد على أمه ذكرا
كان) ولدها (أو أنثى) على مذهب الأصحاب، ويخص ذلك على مذهبه
بما إذا كان ولدها أنثى. والفروعات كثيرة لا يخفى تطبيق أحكامها على
القولين على ذي فطنة.
(و) على القولين (يشاركون) أي أولاد الأولاد حيث قاموا مقام
آبائهم (الأبوين) للميت وإن كانوا أبعد منهما (كما يشاركهما الأولاد
للصلب على الأصح) الأقوى، بل عليه عامة متأخري أصحابنا، بل
ومتقدميهم أيضا عدا الصدوق (4) حيث منع عن المشاركة، وجعل التركة
للأبوين أو أحدهما خاصة.

(1) التهذيب 9: 318، ذيل الحديث 64.
(2) الوسائل 17: 450، الباب 7 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 6.
(3) التهذيب 9: 318، الحديث 64.
(4) الهداية: 330، الفقيه 4: 269.
508

وهو شاذ جدا، بل على خلافه الإجماع في الكافي في أول كتاب
الفرائض (1) وفي الغنية (2) وكنز العرفان (3) والتنقيح حاكيا له عن الشيخ أيضا
ونفى عنه الخلاف (4) وفي الانتصار (5) وظاهر السرائر (6) الإذعان به، حيث
حكاه ساكتا عليه، متلقيا إياه بالقبول، ومع ذلك مستنده غير واضح، عدا ما
فهمه من الصحاح المتقدمة من كون المراد من ولا وارث غيرهن هو الوالدان
لا غير، وكونهما أقرب من الأولاد، فيمنعون بهما، لما مر من العمومات الدالة
على منع الأقرب الأبعد.
ويضعف الأول: بأن المراد منه الأولاد للصلب لا الأبوان، كما ذكره
الشيخ وغيره، قال: والذي يكشف عما ذكرناه ما رواه محمد بن الحسن
الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن صفوان عن خزيمة بن يقطين عن
عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ابن الابن إذا لم يكن من
صلب الرجل أحد قام مقام الابن، قال: وابنة البنت إذا لم يكن من صلب
الرجل أحد قامت مقام البنت (7) انتهى.
وهو حسن، يعضده اتحاد الراوي له، وللصحاح المتقدمة، وقصور السند
في هذا بالشهرة، والعمل منجبر، ومع ذلك بصريح الخبر المتقدم في البحث
السابق معتضد، وهو في نفسه دليل مستقل بعد انجباره بما انجبر به.
هذا، ونحوه في الصراحة المرسلة المروية عن الطبرسي (رحمه الله) (8).
وبهذه الأدلة يظهر وجه الجواب عن الحجة الأخيرة، لوجوب تخصيصها
بها، لأنها خاصة وتلك عامة، ومع ذلك معتضدة بصريح الإجماعات

(1) الكافي 7: 70.
(2) راجع الغنية: 323.
(3) كنز العرفان 2: 328.
(4) التنقيح 4: 165.
(5) لم نجد فيه التعرض لأصل المسألة.
(6) راجع السرائر 3: 236.
(7) التهذيب 9: 317، الحديث 62.
(8) مجمع البيان: سورة النساء ج 3: 18.
509

المستفيضة المنقولة، فلا ريب في المسألة.
(الثانية: يحبى) أي يعطى ويخص (الولد الأكبر) أي أكبر الذكور
ان تعددوا، وإلا فالذكر خاصة، كما سيظهر (بثياب بدن الميت) المورث له
(وخاتمه وسيفه ومصحفه) بضرورة مذهبنا، والمعتبرة المستفيضة عن
أئمتنا (عليهم السلام):
ففي الصحيح: إذا هلك الرجل وترك بنين فللأكبر السيف والدرع
والخاتم والمصحف، وإن حدث به حدث فللأكبر منهم (1).
ونحوه آخر: إذا مات الرجل فلأكبر ولده سيفه ومصحفه وخاتمه
ودرعه (2).
ونحوهما ثالث مبدلا فيه «الدرع» «بالكتب والرحل والراحلة
والكسوة» (3).
وفي الموثق: إذا ترك سيفا أو سلاحا فهو لابنه، فإن كانوا اثنين فهو
لأكبرهما (4).
ونحوه آخر مبدلا فيه «السلاح» «بالثياب ثياب جلده» (5).
وفي ثالث: كم من إنسان له حق لا يعلم به؟ قلت: وما ذاك أصلحك الله
تعالى؟ قال: إن صاحبي الجدار وكان لهما كنز تحته لا يعلمان به أما إنه لم
يكن بذهب ولا فضة، قلت: فما كان؟ قال: كان علما، قلت: فأيهما أحق به؟
قال: الكبير كذلك نقول نحن (6).

(1) الوسائل 17: 440، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 3.
(2) المصدر السابق: 439، الحديث 2.
(3) المصدر السابق: 439، الحديث 1.
(4) المصدر السابق: 440، الحديث 6.
(5) المصدر السابق: 440، الحديث 7.
(6) المصدر السابق: 441، الحديث 8.
510

ونحوه رابع، لكن من دون لفظة «حق» و «أحق» بل في ذيله بعد بيان
العلم المكتوب فيه فقال له حسين بن أسباط: فإلى من صار إلى أكبرهما؟
قال: نعم (1).
وظاهرهما كالصحيح الثالث دخول الكتب في الحبوة.
ويمكن تعميم المصحف في غيرها، لكنه خلاف الظاهر، لتبادر القرآن
المجيد منه، لا مطلق الكتب، مع منافاته أيضا لظاهر عطف الكتب عليه في
الصحيح المزبور، ومع ذلك مخالف للأصل وما عليه الأكثر.
وظاهر هذه الأخبار كونه على سبيل الوجوب والاستحقاق مجانا،
للتعبير في كثير منها عن الأحباء باللام المفيدة للملك، أو الاختصاص، أو
الاستحقاق، وفي الموثق الثالث بصريح لفظة الأخير.
ولا ينافي الاستدلال به تضمنه الكتب الغير المعمول به عند الأكثر، أما
عند العامل به فظاهر، وأما عندهم فلكونه إخبارا عن الملة السابقة، ولم
يكن المصحف فيها، فيحتمل كون ذلك الكتاب المكنون بدلا عنه. وهو (2)
ظاهر المتن هنا وفي الشرائع (3) وكثير من أصحابنا وصريح جمع منهم (4)
وادعى الشهرة عليه جماعة بحد الاستفاضة. ولا ريب فيها، بل ادعى الحلي
عليه الإجماع (5). وهو حجة اخرى مستقلة.
خلافا للإسكافي (6) والمرتضى (7) والفاضل في المختلف (8) فقالوا:
بأنه على الاستحباب، وزاد الأولان احتسابها بالقيمة لا مجانا (9) اقتصارا

(1) المصدر السابق: 441، الحديث 9.
(2) أي وجوب الحبوة.
(3) الشرائع 4: 25.
(4) التحرير 2: 164 س 9، السرائر 3: 258، كشف الرموز 2: 451، الدروس 2: 362.
(5) السرائر 3: 258.
(6) كما في المختلف 9: 20.
(7) الانتصار: 582.
(8) المختلف 9: 21.
(9) كما في المختلف 9: 21، والانتصار: 582.
511

فيما خالف الأصل، ونص الكتاب على موضع الوفاق.
وهو حسن إن كان المستند منحصرا فيه وهو ممنوع، لأن الأخبار
المتقدمة مع استفاضتها واعتبار أسانيدها ظاهرة في الوجوب، لما مضى،
وفي كونه مجانا، للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة مع عدمه، وهو قبيح
عندنا، كما تقرر في محله مستوفى، مع أن الأصل براءة الذمة عن القيمة
جدا. ولا ريب أن هذه الأدلة بالإضافة إلى أدلة الإرث خاصة، فلتكن عليها
مقدمة.
ودعوى ضعف دلالتها ضعيفة جدا، أما أولا: فلما مضى، وأما ثانيا:
فلاستناد الدلالة فيها إلى اللام، وما هو أظهر منها، وهي بعينها مستند الدلالة
في أدلة الإرث من الكتاب والسنة أيضا. فما هو الجواب فيها فهو الجواب
هنا.
والاقتصار في المسألة على مجرد الوفاق دون الأخبار لا وجه له
ولو قلنا بعدم حجية أخبار الآحاد، لكونها هنا محفوفة بالقرائن القطعية
أو القريبة منها، وهي كونها متلقاة بالقبول عند علمائنا.
وأما ما يقوى به هذا القول من اختلاف الأخبار في مقدار ما يحبى به
كما مضى، مع عدم تضمن شئ منها الأربعة المتفق عليها، لأن أشملها لها
الصحيحان الأولان وقد تضمنا ثلاثة منها ولم يتضمنا الثياب، بل تضمنا
الدرع بدلها ولم يقل به أحد. فمحل نظر.
أما أولا: فلعدم دليل على كون الاختلاف إمارة للاستحباب إلا أن يبلغ
درجة يحصل القطع به من جهتها، كما في أخبار البئر ونحوها، ولا بلوغ هنا
إليها جدا.
وأما ثانيا: فلمنع عدم تضمن الصحيحين للأربعة، وتضمنهما للدرع
512

الذي لا يقولون به، لابتنائهما على تعين كون المراد بالدرع فيهما درع
الحديد لا الثوب والقميص، وهو في حيز المنع، لظهور اشتراكه بينهما لغة،
ووروده بالمعنى الأخير في الأخبار كثيرا، فإرادته محتمل. ومعه لا يمكن
دعوى الأمرين جدا.
فيكون الصحيحان حينئذ سالمين عن القدح بالتضمن لما لا يقول به
أحد، وقد تضمنا الثلاثة قطعا.
ويلحق بها الرابعة بعدم القول بالفرق بينهما في أصحابنا، وتخرج
الأحاديث المتضمنة لها شاهدة، وإن سلمنا عدم حجيتها، لتضمنها نحو
السلاح وغيره مما لم تكن به قائلا.
هذا، ويمكن تعيين الدرع بالمعنى الثاني وترجيحه بفهم الأصحاب،
حيث عبروا عنه بعد الثلاثة في كلامهم بالثياب، ولا سيما الشيخ في
النهاية (1) لفتواه فيها بعين متون الأخبار غالبا، ولا خبر يتضمن ما ذكره، كما
ذكره جميعا على تقدير أن لا يكون المراد من الدرع في الصحيحين ما
ذكرنا، وإذا ثبت بذلك دلالتهما على القميص ألحق به باقي الكسوة بالإجماع
والشواهد المتقدمة.
وحينئذ فيكونان متضمنتين للأربعة جميعا ولو بضميمة. فتأمل جدا.
ولئن سلمنا عدم تضمنهما إلا للثلاثة وتضمنهما ما لا يقول به أحد من
الطائفة نقول لا يوجب ذلك خروجهما عن الحجية، بعد ما تمهد في محله
ومر غير مرة من عدم اشتراط تطابق كل من الأدلة الشرعية للمدعى كلية،
وأنه يثبت بعضه ببعضها وآخر بباقيها، وعدم قدح تضمن الخبر لما لا يعمل
به في حجيته.

(1) النهاية 3: 197.
513

وبهذا يمكن الذب عن الاختلاف فيما عدا الصحيحين، لأنه إنما هو
يتضمن بعضه بعضا من الأربعة وآخر منه ما لا يقول به أحد من الطائفة.
لاندفاع الأول: بثبوت ما لم يتضمنه من باقي الأربعة بحجية اخرى
خارجة من إجماع أو رواية.
والثاني: بأنه من قبيل العام المخصص فيكون في الباقي حجة.
وبهذا يمكن أن يقال: بوجود رواية متضمنة لمجموع الأربعة، وهي
الصحيحة الثالثة، وغايتها تضمنها الكتب والرحل والراحلة زيادة على
الأربعة، وهو غير ضائر، لما عرفته من عدم خروجها بذلك عن الحجية. هذا
على تقدير عدم القول بهذه الثلاثة.
وأما على القول بها أيضا - كما هو ظاهر الفقيه (1) حيث رواها فيه مع
التزامه أن لا يروي فيه إلا ما يعمل به - فلا إشكال من أصله، ولا بعد في
المصير إليه، بعد صحة مستنده لولا ما في صريح الروضة (2) وظاهر غيرها
من إعراض الأصحاب عنها، واقتصارهم على الأربعة، مؤذنا بدعوى
الإجماع عليه. ونحوه الكلام فيما صار إليه الإسكافي من إلحاق السلاح
بها (3). لكن المصير إليه هنا أضعف منه فيما مضى، لقصور مستند هذا عن
الصحة بالموثقية دونه، لكونه - كما عرفت - صحيحا.
وهل يختص الحباء وجوبا أو استحبابا بالقيمة أو مجانا بما (إذا خلف
الميت) مالا (غير ذلك) أي غير ما يحبى به كما هو صريح الشيخين (4)
وابن حمزة (5) والماتن هنا وفي الشرائع (6) وعزاه في الدروس إلى الحلي (7)

(1) الفقيه 4: 346، الحديث 5746.
(2) الروضة 8: 110.
(3) كما في المختلف 9: 18.
(4) المقنعة: 684، النهاية 3: 198.
(5) الوسيلة: 387.
(6) الشرائع 4: 25.
(7) الدروس 2: 362، راجع السرائر 3: 258.
514

وفي المسالك إلى المشهور (1) أم يعمه وما إذا لم يخلف؟ وجهان، بل قولان.
ظاهر إطلاق النصوص مع الثاني.
والأصل مع اختصاص الإطلاق بحكم التبادر بالصورة الأولى لكونها
الغالبة فيه جدا مع الأول. وهو الأقوى، سيما مع الاعتضاد بالشهرة، وبما
علل به من استلزام الثاني الإجحاف والإضرار بالورثة، وهما منفيان في
الشريعة.
وعليه ففي اشتراط كون الغير كثيرا بحيث يعادل نصيب كل من الورثة
مقدار الحبوة ونصيب الكل مقدارها، أو عدمه مطلقا وكفاية ما قل منه ولو
كان درهما وهي تساوي دنانير أوجه، مقتضى الأدلة الدالة على اعتباره ولا
سيما التعليل الأول. قيل: وعليه ينبغي اعتبار نصيب الولد المساوي له في
الذكورية، أما غيره فلا، لعدم المناسبة سيما الزوجة (2).
(و) اعلم أنه (لو كان الأكبر بنتا أخذه) أي المال المحبو به (الأكبر
من الذكور) بلا خلاف، بل عليه الوفاق في المسالك (3). وهو الحجة;
مضافا إلى إناطة الحبوة في أكثر النصوص المتقدمة بالأكبر من الذكور أو
بالذكر أعم من أن يكون هناك أنثى أكبر منه أم لا، مع أنه وقع التصريح به
في بعضها، وهو الصحيح فإن كان الأكبر بنتا فللأكبر من الذكور (4).
ومقتضاه كغيره إطلاق ثبوت الحبوة بين المتعدد من أكبر الذكور فيقسم
بينهم بالسوية، وحكي التصريح به عن الشيخ في المبسوط (5) وجماعة،
ولعله المشهور.

(1) المسالك 13: 136.
(2) المسالك 13: 136.
(3) المسالك 13: 136.
(4) الوسائل 17: 439، الباب 3 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 1.
(5) المبسوط 4: 126.
515

خلافا لابن حمزة (1) فاشترط في ثبوتها للأكبر فقد آخر في سنه
وأسقطها مع وجوده. ولعله نظر إلى التبادر الواحد من الأكبر دون المتعدد.
وهو غير بعيد، لولا اشتهار خلافه، سيما مع ندرة اتفاق المتعددين من
أولاد رجل واحد في سن واحد بحيث لا يزيد سن أحدهما عن الآخر
بساعة ولا ينقص، كما هو واضح.
ومما ذكرنا يظهر الاتفاق على إحباء الذكر الواحد مع غيره من الورثة
الغير الذكور أيضا وإن اقتضى أفعل التفضيل فيما مر من النص وجود
مشارك له في أصل الفعل، فيشكل مع الاتحاد، لكن الاتفاق المعتضد ببعض
المعتبرة المتقدمة المصرح بأنه لابنه وأنه إن كانوا أكثر فهو لأكبرهم يدفعه.
وفي اشتراط بلوغه قولان، من إطلاق النصوص المتقدمة (و) من أنه
يجب عليه أن (يقضي عنه ما ترك من صلاة وصيام) في مقابلة الحبوة،
ولا يكلف به إلا البالغ.
والأصح الأول، لمنع كون القضاء في مقابلتها وإن اشترطه في ثبوتها
بعض أصحابنا كابن حمزة (2) لعدم الملازمة بينهما مع خلو نصوص الجانبين
عن بيانها.
(وشرط بعض الأصحاب) في ثبوتها (ألا يكون) المحبو (سفيها،
ولا فاسد الرأي) أي مخالفا في المذهب ذكر ذلك الحلي (3) وابن حمزة (4)
وحجتهما عليه غير واضحة، مع كون النصوص مطلقة. فالأصح عدم
الاشتراط وإن نسبه في الشرائع (5) إلى قول مشهور.
قيل: ويمكن اعتبار الثاني من حيث إن المخالف لا يرى استحقاقها

(1) الوسيلة: 387.
(2) الوسيلة: 387.
(3) السرائر 3: 258.
(4) الوسيلة: 387.
(5) الشرائع 4: 25.
516

فيجوز إلزامه بمذهبه كما جاء مثله في منعه عن الإرث أو بعضه حيث يقول
به إدانة له بمعتقده انتهى (1).
وهو حسن، إلا أنه ليس من باب الشرطية. فتدبر.
ولذا لم يشترط أحد في إبطال العول والعصبة عدم فساد الرأي، وإنما
حكموا به مطلقا مع تصريحهم، كجملة من الأخبار بجواز إدانة المخالف
بمعتقده فيهما.
واشترط جماعة من الأصحاب في ثبوتها خلو الميت عن دين مستغرق
للتركة.
وفيه بل في اشتراط خلوه عن مطلق الدين إشكال.
وفاقا لشيخنا في الروضة، من انتفاء الإرث على تقدير الاستغراق
وتوزيع الدين على جميع التركة لعدم الترجيح فيخصها منه شئ ويبطل
بنسبته، ومن إطلاق النص والقول بانتقال التركة إلى الوارث وإن لزم المحبو
ما قابلها من الدين إن أراد فكها، ويلزم على المنع من مقابل الدين إن لم
يفكه المنع من مقابل الوصية النافذة إذا لم تكن بعين مخصوصة خارجة
عنها، ومن مقابل الكفن الواجب وما في معناه، لعين ما ذكر. ويبعد ذلك
بإطلاق النص والفتوى بثبوتها، مع عدم انفكاك الميت عن ذلك غالبا وعن
الكفن حتما.
والموافق للأصول الشرعية البطلان في مقابلة ذلك إن لم يفك المحبو بما
يخصه، لأن الحبوة نوع من الإرث واختصاص فيه، والدين والوصية والكفن
ونحوها تخرج من جميع التركة، ونسبة الورثة إليه على السواء. نعم لو كانت
الوصية بعين من أعيان التركة خارجة عن الحبوة فلا منع، كما لو كانت تلك

(1) المسالك 13: 136.
517

العين معدومة. ولو كانت الوصية ببعض الحبوة اعتبرت من الثلث كغيرها من
ضروب الإرث، إلا أنها تتوقف على إجازة المحبو خاصة. ويفهم من
الدروس أن الدين غير المستغرق غير مانع، لتخصيصه المنع بالمستغرق،
واستقرب ثبوتها حينئذ لو قضى الورثة الدين من غير التركة، لثبوت الإرث
حينئذ، ويلزم مثله في غير المستغرق بطريق أولى، وكذا الحكم لو تبرع
متبرع بقضاء الدين أو أبراه المدين مع احتمال انتفائها حينئذ مطلقا، لبطلانها
حين الوفاة بسبب الدين. وفيه أنه بطلان مراعى لا مطلقا (1).
(الثالثة: لا يرث مع الأبوين ولا مع الأولاد) وإن نزلوا (جد)
مطلقا (ولا جدة) كذلك (ولا أحد من ذوي القرابة) بلا خلاف أجده.
إلا من الصدوق (2) حيث شرك الجد من الأب معه والجد من الأم معها،
وشرك الجد مطلقا مع أولاد الأولاد.
ومن الإسكافي (3) حيث شرك الجدين والجدتين مع البنت والأبوين.
وهما شاذان، بل على خلافهما الآن انعقد الإجماع، وبه صرح السيد في
الناصريات في الرد على الأول في تشريكه الجد مع ولد الولد (4) والفاضل
المقداد في التنقيح (5) في الرد على الثاني. وهو الحجة; مضافا إلى الأدلة من
الكتاب والسنة الدالة على منع الأقرب الأبعد وعلى فريضة الأبوين مع الولد
ولا معه، لظهورها في انقسام التركة بينهما وبينه خاصة على التقدير الأول
وبينهما خاصة على التقدير الثاني مطلقا من دون تقييد في شئ منها بما إذا
لم يكن هناك جد، إذ لا إشارة إليه أصلا.

(1) الروضة 8: 114.
(2) الفقيه 4: 287، ذيل الحديث 5650.
(3) كما في المختلف 9: 106.
(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 257، المسألة 191.
(5) التنقيح 4: 170.
518

والمراد بالأبوين فيها (1) هو الأب والأم بغير واسطة بغير خلاف، حتى
من الصدوق والإسكافي، لأن السدس والثلثين مثلا ليسا للأب والأجداد،
وكذا السدس والثلث ليسا للأم والجدات لا وجوبا، بل ولا استحبابا في كثير
من الأفراد، مع أن النصوص الآتية في الطعمة الدالة على أن الله تعالى لم
يفرض للجد شيئا وإنما جعل له رسول الله (صلى الله عليه وآله) سهما فأجاز الله تعالى ذلك
له دالة عليه.
ومن هنا ينقدح وجه الاستدلال على ردهما بالصحاح (2) الدالة على أنه
لا يجتمع مع الأبوين والولد غير الزوج والزوجة، مضافا إلى الأدلة الدالة
على أن الأجداد والجدات في مرتبة الإخوة لا يرثون إلا حيث يرثون. ولا
ريب ولا خلاف أن الإخوة لا يرثون مع الأبوين ولا مع الأولاد وإن نزلوا
شيئا فليكن الأجداد كذلك، مع أن خصوص المعتبرة بذلك ناطقة:
ففي الصحيح: امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها وجدها أو جدتها
كيف يقسم ميراثها؟ فوقع (عليه السلام): للزوج النصف وما بقي للأبوين (3).
وفي القريب منه: عن امرأة مملكة لم يدخل بها زوجها ماتت وتركت
امها وأخوين لها من أبيها وأمها وجدها أبا امها وزوجها، قال: يعطى الزوج
النصف ويعطى الأم الباقي، ولا يعطى الجد شيئا، لأن ابنته حجبته عن
الميراث، ولا يعطى الإخوة شيئا (4).
وفي آخر مثله: عن رجل مات وترك أباه وعمه وجده، قال: فقال:
حجب الأب الجد الميراث وليس للعم ولا للجد شئ (5).

(1) في «ش»: فيهما.
(2) الوسائل 17: 434، الباب 1 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد.
(3) المصدر السابق: 468، الباب 19، الحديث 4.
(4) المصدر السابق: 468، الباب 19، الحديث 2.
(5) المصدر السابق: 468، الباب 19، الحديث 3.
519

وبالجملة لا ريب في المسألة، سيما مع عدم وضوح حجة على قول
الصدوق والإسكافي، ولا أمارة، عدا ما يستدل للثاني.
أولا: بمشاركة الأجداد للأبوين في التسمية التي أخذوا بها الميراث
الذي عين لهم وهي الأبوة.
وثانيا ببعض أخبار الطعمة الآتية. والمناقشة فيهما واضحة.
أما الأول: فبعد ما عرفته، مضافا إلى منع المشاركة في التسمية عرفا
ولغة، لأن الجد لا يدخل في اسم الأب حقيقة بدليل صحة السلب، بل
مجازا، وكذا الجدة بالنسبة إلى الأم.
وأما الثاني: فلأن ذلك محمول على إعطاء الجد والجدة طعمة، كما
سيأتي التصريح به في الأخبار، مضافا إلى ما مر من صريح الآثار المعتضدة
بعمل كافة الأصحاب.
وأما الصحيح: عن بنات الابنة والجد، فقال: للجد السدس والباقي
لبنات الابنة (1). فغير صريح فيما ذهب إليه الصدوق (2) من مشاركة الجد مع
أولاد الأولاد. ولا يمكن الاستناد إليه له.
أما أولا: فلعدم تصريح فيه بكون الجد المشارك لبنات البنت جدا
لميت، فيحتمل كونه جدا لبنات أب الميت، فيصح ما فيه من المشاركة،
ولكن يبقى حكم الرد فيه غير مذكور، ولا بأس به، لاستفادته من غيره من
الأخبار.
وأما ثانيا: فلأخصيته من المدعى وان أمكن تطبيقه له، إلا أن ذلك
لا يدفع المرجوحية الثابتة له بذلك المعتبر مثله في مقام التعارض جدا.

(1) المصدر السابق: 473، الباب 20، الحديث 15.
(2) الفقيه 4: 287، ذيل الحديث 5650.
520

وأما ثالثا: فلعدم معارضته لما قدمناه من الأدلة الدالة على أن الجد
بمنزلة الأخ، فلا يرث مع ولد الولد، كما لا يرث الأخ معه.
وأما رابعا: فلنقل الشيخ عن ابن فضال دعوى إجماع الطائفة على ترك
العمل به (1) مع احتماله الحمل على التقية، كما صرح به جماعة.
وأما خامسا: فبمعارضته لما دل على أن أولاد الأولاد بمنزلة الأولاد،
ومن أحكامهم حجبهم الأجداد عن الميراث إجماعا، فيثبت لأولادهم ذلك
أيضا، التفاتا إلى عموم المنزلة، مع وقوع التصريح به في بعض ما دل عليه،
فإن فيه بعد بيانه: يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب.
ولا ريب أن هذه الأدلة أرجح من تلك الصحيحة من وجوه عديدة.
فالقول بظاهرها على تقدير تسليمه ضعيف غايته، كقول الإسكافي.
(لكن يستحب للأب أن يطعم أباه) جد الميت (وأمه) جدته
(السدس من أصل التركة) يقتسمانه بينهما (بالسوية إذا حصل له
الثلثان) فما زاد (و) كذا يستحب أن (تطعم الأم أباها) جد الميت
(وأمها) جدته (النصف من نصيبها بالسوية إذا حصل لها الثلث فما
زاد) بلا خلاف فيه في الجملة، للمعتبرة المستفيضة:
ففي الصحيح: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أطعم الجدة أم الأب السدس وابنها
حي وأطعم الجدة أم الأم وابنتها حية (2). ونحوه صحيحان آخران (3) لكن
من دون ذكر جدة الأب فيهما، بل اقتصر في أحدهما بذكر الجدة مطلقا من
دون إضافة الأب أو الأم.

(1) التهذيب 9: 315، ذيل الحديث 49.
(2) الوسائل 17: 471، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 9.
(3) المصدر السابق: 469، الحديث 1 و 2.
521

وفي رابع: أن ابنتي هلكت وأمي حية، فقال أبان: لا ليس لأمك شئ،
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): سبحان الله أعطها السدس (1).
وفي الموثق وغيره من المعتبرة القريبة من الصحيح: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أطعم الجدة السدس ولم يفرض لها شيئا (2) كما في الأول، وفي غيره
أطعمها طعمة (3).
وظاهر الجميع عدا الصحيح الأخير كون اعطاء السدس لا على جهة
الميراث بل على سبيل الطعمة، التي هي في اللغة بمعنى الهبة، وهي غير
الإرث بلا شبهة. وعليها يحمل الصحيحة الرابعة وغيرها مما يأتي إليه
الإشارة.
وحيث تعين كونه طعمة لا إرثا ظهر كونه على الاستحباب لا الإيجاب،
لعدم قائل بوجوبها، مع منافاته لما تقدم من الأخبار المصرحة بعدم شئ
للأجداد مع الأبوين والزوج أو أحدهما، وصريح الصحيحين الأولين عدم
اختصاص الطعمة بأم الأب وثبوتها أيضا لأم الأم.
خلافا للمحكي في المختلف (4) والتنقيح (5) عن الحلبي، فخصها
بالأولى. وحجته عليه غير واضحة، سيما في مقابلة الصحيحين وغيرهما
من الأخبار.
منها: الجدة لها السدس مع ابنها ومع ابنتها (6).
ومنها: في أبوين وجدة لأم، قال: للأم السدس وللجدة السدس وما بقي
وهو الثلثان للأب (7).

(1) المصدر السابق: 470، الحديث 6.
(2) المصدر السابق: الحديث 3 و 4.
(3) المصدر السابق: الحديث 3 و 4.
(4) المختلف 9: 115.
(5) التنقيح 4: 172.
(6) الوسائل 17: 472، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 11.
(7) المصدر السابق: الحديث 10.
522

وهذه النصوص وإن اختصت بذكر الجدة خاصة إلا أنه لا قائل بالفرق
بينها وبين الجد في استحباب الطعمة له، وهو كاف في التعدية، مضافا إلى
ثبوتها بالأولوية، وكثير من النصوص المصرحة بالجد أيضا.
منها المرسلة المروية في الكافي قال فيه: وقد روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أطعم الجد والجدة السدس (1).
ومنها النصوص المروية في التهذيب (2) وبصائر الدرجات (3) الدالة على
أن الله لم يذكر الجد ولم يفرض له فرضا، وإنما جعل له رسول الله (صلى الله عليه وآله) سهما
كما في بعض (4) أو أطعمه سهما كما في آخر (5) أو أطعم من دون ذكر
السهم كما في ثالث (6) فأجاز الله تعالى له ذلك.
وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بعمل الطائفة والأولوية المتقدمة.
فما يوجد في كلام بعض من الطعن على الأصحاب في الحاقهم الجد
بالجدة لا وجه له، بل ضعيف غايته.
والسدس في هذه الأخبار وإن كان مطلقا غير مبين فيه أنه من الأصل
أو من نصيب المطعم، إلا أن الظاهر منه، كما فهمه الأصحاب هو الأول.
خلافا للمحكي عن الإسكافي (7) فالثاني. ولا دليل عليه سوى الأصل
الغير المعارض لما مر من الظهور المعتضد بفهم الأكثر، مع أن الخبر الأخير
في الرد على الحلبي صريح في رده، لتصريحه بالثلثين في مقابلة السدسين.
واعلم أن ما ذكره الماتن هنا من تقييد الحكم بما إذا زاد نصيب المطعم

(1) الكافي 7: 114، الحديث 10.
(2) التهذيب 9: 311.
(3) بصائر الدرجات: 378 - 383.
(4) الوسائل 17: 472، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 13.
(5) المصدر السابق: 473، الحديث 16.
(6) المصدر السابق: 474، الحديث 17.
(7) كما في المختلف 9: 105.
523

بقدر السدس فما زاد شئ لم يذكره أحد من الأصحاب عدا الشهيد في
اللمعة (1) والدروس (2) وإنما المشهور كما في المختلف (3) والمسالك (4)
وغيرهما تقييده بما إذا زاد نصيبه عن السدس ولو بما دونه.
وتظهر الفائدة في اجتماع الأبوين مع البنت أو أحدهما مع البنات، فإنه
على القول الأول: لا يفضل لهما سدس فلا يستحب الطعمة، وعلى الثاني:
يزيد نصيبهما عن السدس فيستحب.
وليس في شئ من النصوص ما يدل على شئ منهما صريحا، ولكن
يمكن الاستناد إليها لكل منهما، مع تأيد الأول بالأصل والاعتبار، والثاني
بقاعدة التسامح في أدلة السنن. ولعل هذا أجود، سيما مع التأيد بكونه الأشهر.
وربما قيل: باستحباب أقل الأمرين من الزائد عن السدس ومنه. ولا
دليل عليه، عدا ضم الاعتبار مع الاخبار، وهو ضعيف جدا، لاتفاق الأخبار
على السدس خاصة من دون نقيصة.
ويستفاد من تعبير الماتن التعبير عن السدس في طرف الأم بنصف الثلث
فما زاد استحباب طعمتها لأبيها وأمها السدس وما زاد إن حصل بالرد،
بخلاف الأب فطعمته لأبويه السدس خاصة من دون زيادة. وهو شئ لم
يقم عليه في الأخبار دلالة، ولم يذكره أحد من الطائفة فيما أعلمه. ولعل
ذلك منه مسامحة في التعبير، لا التنبيه على ما مر إليه الإشارة.
(ولو حصل لأحدهما) أي أحد الأبوين (نصيبه الأعلى) من الثلث،
فما زاد في الأم والثلثين في الأب على مختار الماتن، والزائد على السدس
على مختار الأكثر (دون الآخر استحب له طعمة الجد والجدة) بالسدس

(1) اللمعة: 345.
(2) الدروس 2: 367.
(3) المختلف 9: 105.
(4) المسالك 13: 140.
524

(دون صاحبه) الذي لم يحصل له نصيبه الأعلى أو الزائد عن السدس.
فلو كانت الأم محجوبة بالإخوة فالمستحب إطعام الأب خاصة، ولو
كان معها زوج من غير حاجب فالمستحب لها خاصة بلا خلاف أجده،
للأصل، مع اختصاص الأخبار المتقدمة بحكم التبادر والاعتبار بما إذا كان
هناك للمطعم عن نصيبه زيادة سدسا أو غيره، وليس في إطلاق ما دل منها
على أنه (صلى الله عليه وآله) أطعم الجدة السدس (1) منافاة لذلك، لأنه قضية في واقعة فلا
تعم، بل تحتمل الاختصاص بما ذكرناه، سيما بعد تصريح جملة منها
صحيحة: بأنه أطعمها مع ابنها أو بنتها (2) والمتبادر منه إطعامه إياها مع
اجتماعها معهما خاصة أو مع أحدهما كذلك.
والظاهر أن فعله ذلك إنما هو في قضية واحدة، فتكون هذه الأخبار
مبينة لتلك الأخبار المجملة لبيانها ونصيب كل من الأبوين على ما فيها
بحكم التبادر، الذي مضى زائدا عن السدس، بل نصيبهما الأعلى، بل
فصاعدا أيضا إن كان اجتماع الجدة فيها مع أحدهما خاصة.
(و) من هنا يتجه ما ذكره الأصحاب من أنه (لا طعمة لأحد
الأجداد مع وجود من يتقرب به) من أب أو أم فلا يستحب للأولاد طعمة.
وذلك للأصل، مع اختصاص النصوص المفصلة المبينة لفعله، والذي هو
الأصل في استحباب الطعمة بإطعامه الجدة مع حياة ابنها أو ابنتها. وعليه
يحمل بعض الأخبار المبينة لفعله مجملا، كما نظيره قد مضى.
ولعله إلى هذا نظر الشيخ (3) في استدلاله للحكم هنا بتلك الأخبار
المفصلة، قاصدا به رفع المقتضي، لعموم استحباب الطعمة، وإلا فليس فيها

(1) الوسائل 17: 469، الباب 20 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 2.
(2) المصدر السابق: 471، الحديث 9.
(3) التهذيب 9: 311، ذيل الحديث 38.
525

دلالة على التخصيص، كما ذكره معترضا عليه في الكفاية (1).
هذا، وربما يظهر من التنقيح الإجماع في المسألة فإنه قال: يدل على
استحباب الطعمة قوله تعالى: «وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى
والمساكين فارزقوهم منه» وهذا وإن كان عاما في طرفي المطعم والمطعم
لكن إجماع الأصحاب والروايات خصاه بالمسألة المذكورة (2).
وأشار بها إلى مسألة الطعمة للأبوين خاصة المذكورة في العبارة
ونحوها من عبائر الجماعة.
واعلم أن مقتضى الأصل الذي مهدناه في هاتين المسألتين لنفي الطعمة
اختصاصها في كل من الأبوين بما إذا كان له جد واحد أو جدة دون ما إذا
كان له معا، لعدم ظهور الأخبار إلا في الصورة الأولى خاصة، فيتمسك في
نفي الطعمة في الثانية إلى الأصل، لكن عدم القائل بالفرق بين الصورتين
كاف في ثبوتها فيها، مع قوة احتمال ثبوتها فيها بطريق أولى، لكن مقتضاها
- كالإجماع - استحباب السدس لهما.
وحيث لا مرجح لأحدهما في الاختصاص بالسدس يقسم بالسوية
بينهما، ولا زيادة عن السدس لهما قطعا، إذ نحن في ويل وعويل في إثبات
أصل السدس لهما فكيف لنا بإثبات الزائد عنه أيضا؟!
(الرابعة): الولد الحاجب لكل من الأم والزوجين عن كمال نصيبه
يشمل ولد الولد وإن نزل إجماعا، كما مر. قيل: لإطلاق لفظ الولد عليه عرفا
فيدخل في ظاهر اللفظ (3). وفيه نظر. ولخصوص النص: أولاد الأولاد
يحجبون الأبوين والزوج والزوجة عن سهامهم الأكثر، وإن سفلوا ببطنين

(1) كفاية الأحكام: 297 س 21.
(2) التنقيح 4: 172.
(3) مفاتيح الشرائع 3: 336.
526

وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد
الصلب (1). وقريب منه المعتبرة المتقدمة الدالة على كون أولاد الأولاد
بمنزلة آبائهم ومن حكمهم الحجب، فليكن ذلك حكم أولادهم أيضا، لعموم
المنزلة.
وفي شموله الممنوع من الإرث كالرقيق وجهان، من إطلاق ما دل على
حجب الولد الشامل لمثله، ومن عموم ما دل على كمال النصيب لأهله، مع
عدم معلومية شمول الإطلاق لمثله، سيما بعد ملاحظة عدم شمول الإخوة
الحاجبين للأم عن كمال نصيبها لمثله، كما يأتي.
ولعل هذا لا يخلو عن قرب، سيما مع تضمن بعض النصوص الدالة على
عدم شمولهم له، لقوله (عليه السلام): الكفار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يرثون (2)
فإنه يفهم منه أن عدم الإرث يجعلهم في حكم الموتى، فوجودهم كعدمهم،
وهو جار هنا. فتأمل جدا.
و (لا يحجب الإخوة الأم) عن كمال نصيبها (إلا بشروط أربعة)
بل خمسة مشهورة.
الأول: (أن يكونوا أخوين) فصاعدا (أو أخا وأختين أو أربع
أخوات فما زاد) وهم يحجبون دون غيرهم بلا خلاف، بل عليه الإجماع
منا في كثير من العبارات. وهو الحجة الصارفة للآية عن ظاهرها، مضافا إلى
المعتبرة المستفيضة جدا:
ففي الصحيح: لا يحجب الأم من الثلث إذا لم يكن ولد إلا الأخوان
أو أربع أخوات (3).

(1) الوسائل 17: 466، الباب 18 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 3.
(2) الفقيه 4: 334، الحديث 5719.
(3) الوسائل 17: 457، الباب 11 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 4.
527

وفيه: إذا ترك الميت أخوين فهم إخوة مع الميت حجبا الأم وإن كان
واحدا لم يحجب الأم، وقال: إذا كن أربع أخوات حجبن الأم عن الثلث،
لأنهن بمنزلة الأخوين، وإن كن ثلاثا لم يحجبن (1).
وفي الموثق: لا يحجب الأم عن الثلث إلا الأخوان أو أربع أخوات لأب
وأم أو لأب (2).
والحصر فيه وفي الأول إضافي، بدلالة الاجماع، والصحيح الثاني وغيره
مما دل على حجب الأخ والأختين كالخبر المروي في الفقيه.
وفيه: ولا يحجبها إلا الأخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات لأب أو
لأب وأم وأكثر من ذلك، والمملوك لا يحجب ولا يرث (3).
وفي آخر مروي عن تفسير العياشي: لا يحجب عن الثلث الأخ
والأخت حتى يكونا أخوين أو أخا وأختين، الخبر (4).
ومن هنا يظهر فساد ما قيل على الأصحاب: من أن روايات الباب
لا تدل على حجب ذكر وامرأتين، وأن الخبرين المتقدمين المتضمنين
للحصر يدلان على خلافه.
وفيه أيضا أنه يمكن استفادة حجب الذكر والمرأتين من المنزلة
المستفادة من الصحيحة الثانية، فإن فيه أن الأربع أخوات بمنزلة الأخوين،
فالثنتان بمنزلة أخ واحد، فهما مع أخ واحد كالأخوين.
والثاني: ان يكونوا (لأب وأم أو للأب) فلا يحجب كلالة الأم بلا
خلاف، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة
المستفيضة المتقدم إلى جملة منها الإشارة.

(1) المصدر السابق: 456، الحديث 1.
(2) المصدر السابق، 457 الحديث 3.
(3) الفقيه 4: 272، الحديث 5620.
(4) تفسير العياشي 1: 226، الحديث 52.
528

ومنها زيادة عليها الخبر المتقدم روايته عن الفقيه، وفيه: ولا يحجب الأم
عن الثلث الإخوة والأخوات من الأم ما بلغوا (1).
وفي موقوف زرارة: وأما الإخوة لأم ليسوا لأب فإنهم لا يحجبون الأم
عن الثلث (2).
وفي ثالث في تفسير الكلالة الحاجبة: أولئك الإخوة من الأب، فإذا كان
الإخوة من الأم لم يحجبوا الأم عن الثلث (3).
وفي القوي: رجل مات وترك أبويه وإخوة لأم، قال: الله سبحانه أكرم
من أن يزيدها في العيال وينقصها من الثلث (4).
والثالث ما أشار إليه بقوله: (مع وجود الأب) فلا يحجبون مع موته
على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تقدم وتأخر إلا الصدوق (5) مع تأمل
فيه كما سيظهر.
وقيل: لظاهر الآية: «فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن
كان له إخوة فلأمه السدس» لدلالته على أن حجبهم لها فيما إذا ورثه أبواه
فلا يثبت الحجب مع فقد الأب (6).
وفيه نظر، لعدم استفادة الاشتراط منها، بل غايتها الاختصاص بالحجب
في حياة الأب، فلا يدل عليه.
نعم يصلح ما ذكر ردا على من يستدل بعمومها، لعدم الاشتراط.
والأجود الاستدلال عليه بالنصوص:

(1) الفقيه 4: 272، الحديث 5620.
(2) الوسائل 17: 455، الباب 10 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 4.
(3) المصدر السابق: 454، الحديث 2.
(4) المصدر السابق: 455، الحديث 5.
(5) الفقيه 4: 271.
(6) قاله الشهيد في المسالك 13: 79.
529

ومنها الصحيح: إن مات رجل وترك أمه وإخوة وأخوات لأب وأم
وإخوة وأخوات لأب وإخوة وأخوات لأم وليس الأب حيا فإنهم لا يرثون
ولا يحجبونها، لأنه لم يورث كلالة (1).
ومنها الخبر: الأم لا تنقص عن الثلث أبدا إلا مع الولد والإخوة إذا كان
الأب حيا (2). ونحوه غيره (3).
وقصور السند مجبور بعمل الأكثر، مع اعتباره في نفسه، واعتضاد
الحكم بما يستفاد من النصوص (4).
من أن علة الحجب التوفير على الأب. وقال الصدوق في الفقيه: لو
خلف زوجها وأمها وإخوة فللأم السدس والباقي يرد عليها (5) فظاهر
الحجب هنا. وهو شاذ، ودليله غير واضح، إلا ما استدل به من ظاهر عموم
الآية، وقد عرفت جوابه.
نعم له خبران (6) يقربان من الصحة، إلا أنهما متروكان بالإجماع،
لاشتمالهما على إرث الإخوة مع الأم وحملا على التقية (7) أو الزامهم
بمعتقدهم، بمعنى أن الأم لو كانت ترى ذلك جاز للأخوات إلزاما لها
بمعتقدها.
هذا، وأرى النزاع هنا لفظيا، كما صرح به في الدروس (8) والمختلف،
قال: ولا منازعة هنا في الحاصل لها بالرد والتسمية، لأن الباقي كله لها،

(1) الوسائل 17: 455، الباب 10 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 4.
(2) المصدر السابق: 458، الباب 12، الحديث 1.
(3) المصدر السابق: الحديث 3.
(4) المصدر السابق: 454، الباب 10.
(5) الفقيه 4: 271.
(6) الوسائل 17: 478، الباب 1 من أبواب الإخوة والأجداد، الحديث 13 و 14.
(7) التهذيب 9: 321، ذيل الحديث 8.
(8) الدروس 2: 356.
530

وإنما النزاع في التقدير، فعندنا لها الثلث، لقوله تعالى: «وورثه أبواه فلأمه
الثلث» ثم قال: فإن اعترض بقوله تعالى: «فإن كان له إخوة فلأمه السدس»
أجبنا بأن شرط حجب الإخوة وجود الأب والأب هنا مفقود (1).
ويستفاد منه الاتفاق حتى من الصدوق على اعتبار هذا الشرط،
ويعضده تصريح الصدوق بما علل به الحجب في النصوص، فقال: وإنما
حجبوا الأم عن الثلث لأنهم في عيال الأب وعليه نفقتهم فيحجبون ولا
يرثون (2).
ولعله لذا لم ينسبه كثير إلى المخالفة هنا، ويحتمل لقلة الثمرة فيها، لما
عرفت من أنها لفظية لا فائدة لها إلا نادرة فرضية.
والرابع: أن يكونوا (غير كفرة ولا أرقاء) إذا كانت الأم مسلمة حرة
إجماعا، كما حكاه جماعة. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:
منها - زيادة على ما مر إليه الإشارة - الصحيح: عن المملوك والمشرك
يحجبان إذا لم يرثا، قال: لا (3).
والموثقان: عن المملوك والمملوكة هل يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: لا (4).
وفي الخبر: المسلم يحجب الكافر ويرثه، والكافر لا يحجب المسلم
ولا يرثه (5).
وفي آخر: الكفار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يرثون (6).
وقصور سندهما كدلالة الجميع من حيث احتمالها كون المراد الحجب

(1) المختلف 9: 49.
(2) الفقيه 4: 271.
(3) الوسائل 17: 459، الباب 14 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 1.
(4) المصدر السابق: 459 - 460، الحديث 2 و 3.
(5) المصدر السابق: 460، الباب 15، الحديث 1.
(6) الفقيه 4: 334، الحديث 5719.
531

عن أصل الإرث خاصة لا عن الزائد عن كمال النصيب، فيكون المراد
بالحجب فيها حجب حرمان لا حجب نقصان - مجبور بعمل الأصحاب
وفهمهم، مع أن قصور الدلالة إنما هو عن الصراحة، وإلا فالظهور موجود
للإطلاق والعموم، وهو كاف، سيما مع عدم عموم في الإخوة الحاجبة في
الآية، وإنما هي مطلقة غير معلومة الشمول لمثل الإخوة في المسألة.
هذا، مع أن عطف عدم الحجب على عدم الإرث في جملة منها ربما
يدل على أن المراد بالحجب حجب نقصان لا حجب حرمان، وإلا فعدم
الإرث يستلزم عدمه بالمعنى الثاني، فلا فائدة في العطف إلا التأكيد،
والتأسيس أرجح منه.
ومن هنا ربما يظهر أن المراد بالحجب حيث يطلق في الأخبار الحجب
بالمعنى الأول لا الثاني. فتدبر.
وبمجموع ما ذكرنا لا يبقى إشكال أصلا، والحمد لله سبحانه.
(وفي) حجب الإخوة (القتلة) لأخيهم المورث أمه عن كمال
النصيب (قولان، أشبههما) وأشهرهما (عدم الحجب) للإجماع
المحكي في الخلاف عن الطائفة، بل قال: من الأمة وابن مسعود خالف فيه،
وقد انقرض خلافه (1).
هذا; مضافا إلى الاعتضاد بما قدمناه في عدم حجب الولد من
المؤيدات، بل الأدلة. قيل: ولمشاركة القاتل مع الكافر والمملوك في العلة
الموجبة للحكم (2).
خلافا للصدوق (3) والعماني (4) فيحجبون، ونفى عنه البأس في

(1) الخلاف 4: 32، المسألة 24.
(2) قاله الشهيد في المسالك 13: 78.
(3) الفقيه 4: 321.
(4) المختلف 9: 70.
532

المختلف (1) لعموم الآية، وصدق الإخوة على القاتل، ومنع التعدي، فإن العلة
ليست منصوصة بل مستنبطة، فيكون الإلحاق بها قياسا لا يقول به
الأصحاب، ومنع الإجماع لمخالفة القديمين.
وفي الجميع نظر يظهر وجهه بعد تعميم الإجماع بمنع منعه بمخالفتهما،
لشذوذهما، مع معلومية نسبهما، فلا يقدح خروجهما في انعقاد الإجماع
إجماعا منا، بل وأكثر من خالفنا أيضا، نظرا إلى حصول اتفاق الكل بعد
عصرهما، بل وقبلهما. فتأمل جدا.
وبه يخصص العموم على تقديره، مع إمكان القدح فيه بعدم عموم في
الإخوة، وإنما هو جمع منكر في سياق الإثبات، لا يفيده لغة على الأشهر
الأقوى، وهو مطلق. وفي شموله لمثل الإخوة القتلة مناقشة أو شك وريبة،
فيبقى عموم ما دل على ثبوت الثلث للأم من الكتاب والسنة سليما عما
يصلح للمعارضة.
وأما العلة المستنبطة فهي وإن لم تكن حجة إلا أنها مؤيدة، سيما بعد
اجتماعها مع المؤيدات المتقدمة في عدم حجب الولد، بل لا يبعد جعل
مجموعها حجة، سيما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة المحققة والمحكية في
كلام جماعة حد الاستفاضة، ومنهم الفاضل في المختلف، وجعلها على
المختار حجة، فقال في الاستدلال: لنا أنه المشهور بين علمائنا فيتعين
العمل به (2).
وهو ظاهر في بلوغها حد الإجماع، وإلا لما استدل بها، إذ ليس من
طريقته جعل الشهرة حجة في مقام أصلا، ولولا نفيه البأس عن القول الثاني
أخيرا لكان استدلاله المزبور بالشهرة في انعقاد الإجماع ظاهرا، بل صريحا.

(1) المختلف 9: 69.
(2) المصدر السابق: 70.
533

(و) الخامس: (أن يكونوا منفصلين) بالولادة، ف‍ (لا) يكفي
كونهم (حملا) بلا خلاف ظاهر إلا من الماتن في الشرائع.
فتردد (1) فيه أولا، من العموم وأصالة عدم اشتراط الانفصال، ومن
الخبر: إن الطفل والوليد لا يحجب ولا يرث إلا ما أذن بالصراخ، ولا شئ
أكنه البطن وإن تحرك إلا ما اختلف عليه الليل والنهار (2) وانتفاء العلة
المنصوصة لحجبهم وهي إنفاق الأب عليهم.
ولكن جعل هذا أظهر ثانيا، وهو كذلك. وإن كان في الدليل الأخير نظر،
لانجبار ضعف الخبر بالعمل، ومنع العموم، لفقد اللفظ الدال عليه، وإنما غايته
الإطلاق.
وفي شموله لمثل الحمل شك ونظر، سيما بعد ملاحظة منعه عن الإرث
وإن عزل له نصيب حتى يظهر.
وليس في اعتبار الإيذان بالصراخ في الخبر اشتراط له، فيخالف
الإجماع من هذا الوجه. فلا يمكن الاستدلال به، لوروده مورد الغالب في
تولد الحمل ومجيئه، فلا عبرة بمفهومه، كما هو الحال في نظائره، فيكون
المراد منه الكناية عن اعتبار حياته دون صراخه الحقيقي.
ومن هنا اشترط الشهيدان في الدروس والروضة سادسا (3) وهو كونهم
عند موت المورث أحياء، وإلا فلو كان بعضهم ميتا أو كلهم عنده لم يحجب،
وكذا لو اقترن موتهما أو اشتبه المتقدم منهما والمتأخر.
وتوقف في الدروس لو كانوا غرقى، من حيث إن فرض موت كل واحد

(1) الشرائع 4: 19.
(2) الوسائل 17: 459، الباب 13 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الحديث 1.
(3) الدروس 2: 357.
534

منهما يستدعي كون الآخر حيا فيتحقق الحجب، ومن عدم القطع بوجوده
والإرث حكم شرعي فلا يلزم منه اطراد الحكم بالحياة، قال: ولم أجد في
هذا كلاما لمن سبق (1).
وقوى في الروضة عدم الحجب للشك والوقوف فيما خالف الأصل على
مورده (2).
أقول: ومنه يظهر الوجه في اشتراط أصل هذا الشرط، ومرجعه إلى
عموم ما دل على فرض النصيب الأكمل، ومنع عموم الإخوة للشك في
شموله للميت منهم. وهو حسن كما مر، بل جريان منع العموم هنا أظهر،
لتبادر الأحياء من الإخوة دون الأموات.
ومنه يظهر الوجه في اشتراط الثاني منهما في الروضة سابعا، وهو
المغايرة بين الحاجب والمحجوب، فلو كانت الأم أختا لأب فلا حجب، كما
يتفق في المجوس أو الشبهة بوطء الرجل ابنته فولدها أخوها لأبيها (3).
وفيما صرح به الشهيدان في الكتابين (4) من عدم حجب الإخوة للأب
المنفيين عنه بالملاعنة، مضافا إلى ما دل على اشتراط كونهم للأب، فإن
المتبادر منه كونهم له شرعا، وهو منتف عنهم وإن كانوا له في نفس الأمر،
ولذا لا توارث بينه وبينهم، كما يأتي.
ومنه أيضا يظهر عدم حجب الأولاد للأم والزوجين عن كمال النصيب
إذا كانوا كذلك.
واعلم أن أولاد الإخوة لا يحجبون هنا وإن حجبوا من كان أبعد منهم
بمرتبة، كما صرح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده، أخذا بعموم ما دل
على كمال النصيب، واختصاص ما دل على الحجب عنه بالإخوة بهم دون

(1) الروضة 8: 63 - 64.
(2) الروضة 8: 63 - 64.
(3) الروضة 8: 63 - 64.
(4) الدروس 2: 357، والروضة 8: 46.
535

أولادهم، لعدم صدق الإخوة عليهم حقيقة، وإلحاقهم بهم في حجب الحرمان
وبالأولاد فيه. وفي حجب النقصان قياس فاسد في الشريعة.
(المرتبة الثانية):
(الإخوة) مطلقا ويعبر عنهم بالكلالة (والأجداد) كذلك.
اعلم أنه (إذا لم يكن) للميت (أحد الأبوين ولا ولد وإن نزلوا) أو
كانوا ممنوعين عن إرثه (فالميراث للإخوة) له وأولادهم وإن نزلوا بشرط
الأقرب فالأقرب (والأجداد) وإن علوا مرتبين مطلقا انفردوا أو اجتمعوا
لأب وأم كانوا أم لأم أم لأب، على تفصيل يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
(فالأخ الواحد للأب والأم يرث المال) ويحوز كله بالقرابة (وكذا
الإخوة) المتعددين لهما (والأخت) كذلك، إلا أنها (إنما ترث النصف
بالتسمية والباقي بالرد) عليها دون العصبة بالقرابة، بخلاف الإخوة فإنهم
يحوزون الجميع بها خاصة.
(وللأختين فصاعدا) لهما (الثلثان بالتسمية والباقي بالرد، ولو اجتمع
الإخوة والأخوات لهما كان المال بينهم للذكر سهمان وللأنثى سهم،
وللواحد من ولد الأم السدس) بالتسمية مطلقا (ذكرا كان أو أنثى) والباقي
بالقرابة (وللاثنين فصاعدا) من ولدها (الثلث) بالتسمية والباقي بالقرابة
يقتسمونه (بينهم بالسوية) مطلقا (ذكرانا كانوا أو إناثا أو ذكرانا وإناثا).
(ولا يرث مع الإخوة) والأخوات (للأب والأم ولا مع أحدهم
أحد من ولد الأب) خاصة لا من الفريضة ولا من القرابة مطلقا، اجتمعوا
مع كلالة الأم أيضا، أم لا، بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في كلام
جماعة، ومنهم الفضل بن شاذان (1) من قدماء الطائفة. وهو الحجة المخصصة

(1) الكافي 7: 105، الحديث 8.
536

لعمومات الإرث بالقرابة والفريضة من الكتاب والسنة; مضافا إلى المعتبرة.
منها النبوي والمرتضوي: أن «أعيان بني الأم أحق بالميراث من ولد
العلات» (1) والأعيان الإخوة لأب واحد وأم واحدة مأخوذة من عين الشئ
وهو النفيس منه، وبنو العلات هم لأب واحد وأمهات شتى، لأن الذي
تزوجها بعد أولى قد كان ناهل، لأن النهل شرب الإبل الماء أولا ثم يترك
حتى يسري في عروقه ويشرب مرة اخرى، وهذا الشرب علل بعد نهل،
فكان من تزوج بأمهم بعد اخرى نهل بالأولى ثم عل بالثانية.
والخبر: أخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك، وابن أخيك
لأبيك وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك (2).
وارسال الأول - كقصور سند الثاني بالعمل - مجبور، فلا إشكال فيه.
(لكن يقومون) أي إخوة الأب (مقامهم) أي مقام إخوة الأب والأم
(عند عدمهم) أو منعهم عن الإرث (ويكون حكمهم في الانفراد
والاجتماع) بعضهم مع بعض أو مع كلالة الأم (ذلك الحكم) الذي ذكر
في الإخوة لهما إجماعا، للعمومات، والنصوص المستفيضة.
فلو انفرد الأخ أو الأخت للأب حاز المال كله، لكن الأول جمعه
بالقرابة، والثانية النصف بها والباقي بالتسمية. وكذا الإخوة والأخوات
المتعددون، لكن فريضتهن الثلثان والباقي بالقرابة، ويقتسمونه بالسوية مع
التساوي في الذكورية والأنوثية، وبالتفاوت مع الاختلاف فيهما للذكر مثل
حظ الأنثيين. هذا حكم انفرادهم عن باقي الكلالات للأبوين أو للأم.
(و) أما حكم اجتماعهم معها فهو أنه (لو اجتمع الكلالات) الثلاث

(1) الوسائل 17: 502، الباب 13 فيمن تقرب بالأبوين من الإخوة، الحديث 2 و 4.
(2) الوسائل 17: 502، الباب 13 من أبواب ميراث الأخوة والأجداد الحديث 1.
537

(كان لولد الأم) خاصة (السدس إن كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر،
والباقي لولد الأب والأم) معا مطلقا، ذكرا كان، أو أنثى، واحدا، أو متعددا
(ويسقط) معهم (أولاد الأب) خاصة، كما مر (فإن أبقت الفريضة)
وزادت التركة عن السهام، بأن كان كلالة الأبوين أختا خاصة مطلقا أو
أختين كذلك مع واحد من كلالة الأم (فالرد على كلالة الأب والأم)
خاصة على الأشهر الأظهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي السرائر (1) بل في
كلام جماعة، كما في المسالك (2) بل في كلام أكثر علمائنا، كما في
المختلف (3) الإجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة:
منها - زيادة على ما يأتي من فحوى المعتبرة وصريح بعضها - الصحيح:
ما تقول في امرأة ماتت وتركت زوجها وإخوتها لأمها وإخوة وأخوات
لأبيها، قال للزوج النصف ثلاثة أسهم ولإخوتها لأمها الثلث سهمان، الذكر
والانثى فيه سواء، وبقي سهم فهو للإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل
حظ الأنثيين، لأن السهام لا تعول، وأن الزوج لا ينقص من النصف ولا
الإخوة من الأم من ثلثهم، لأن الله عز وجل يقول: «فإن كانوا أكثر من ذلك
فهم شركاء في الثلث وإن كان واحدا فله السدس» وإنما عنى الله تعالى في
قوله: «وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد
منهما السدس» إنما عنى الله تعالى بذلك الإخوة والأخوات من الأم خاصة،
وقال في آخر سورة النساء: «يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ
هلك ليس له ولد وله أخ أو أخت - يعني بذلك أختا لأب وأم أو أختا لأب -
فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، وإن كانوا إخوة رجالا

(1) السرائر 3: 260.
(2) المسالك 12: 146.
(3) المختلف 9: 46.
538

ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين» فهم الذين يزادون وينقصون، قال: ولو أن
امرأة تركت زوجها وأختيها لأمها وأختيها لأبيها كان للزوج النصف ثلاثة
أسهم، ولأختيها لأمها الثلث، ولأختيها لأبيها السدس سهم، وان كانت
واحدة فهو لها، لأن الأختين من الأب لا يزادون على ما بقي ولو كان له أخ
لم يزد على ما بقي (1). ونحوه بعينه، إلا في يسير الحسن (2).
وإنما ذكرناه بطوله لتكفله لبيان كثير مما سبق من الأحكام، وتفسيره
لكلالتين في الآيتين بما فسرهما به المفسرون، وبيانه حكم ما إذا عالت
الفريضة بمزاحمة الزوج أو الزوجة من رد النقص على الأخوات من الأب
خاصة، وقد تركه الماتن هنا اتكالا على ما قدمه من بطلان العول والعصبة.
ووجه دلالته على الحكم في المسألة الحصر المستفاد من قوله (عليه السلام):
«وهم الذين يزادون وينقصون».
وقريب منهما فيه بعض المعتبرة - كالموثق بالحسن بن علي عن عبد الله
بن المغيرة المجمع على تصحيح ما يصح عنه - وفيه: قلت لزرارة: إن بكيرا
حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام) أن الأخت للأب والأخوات للأب والأم يزادون
وينقصون، لأنهن - إلى أن قال: - فقال زرارة: وهذا قائم عند أصحابنا
لا يختلفون فيه (3).
وظاهره إجماع قدماء الرواة والأصحاب على ذلك.
وهذا الخبر وإن لم يتضمن الحصر إلا أن السياق قريب منه في الدلالة،
مضافا إلى أن بكيرا الراوي لهذا هو الذي روى الحسن المتقدم، والظاهر
اتحادهما.

(1) الوسائل 17: 481، الباب 3 من أبواب ميراث الأخوة والأجداد، الحديث 2.
(2) المصدر السابق: 482، الحديث 3.
(3) الوسائل 17: 480، الباب 2 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 2.
539

فقول الفضل بن شاذان والعماني بالرد عليهم جميعا على قدر أنصبائهم
ضعيف، سيما مع شذوذه كما في المسالك (1) وعدم وضوح مستنده، عدا ما
يتخيل من التساوي في القرب، وعدم أولوية بعض على بعض. وهو بعد
تسليمه اجتهاد في مقابلة النص، فلا يعتبر.
(ولو أبقت الفريضة مع ولد الأم وولد الأب) بعد اجتماعهما (ففي
الرد) على قرابة الأب خاصة أو عليهما (قولان) مشهوران.
(أحدهما) قول الصدوق (2) والشيخين (3) وأتباعهما وأكثر المتأخرين
كما في المسالك (4) وغيره: إنه (يرد على كلالة الأب) خاصة، للموثق: في
ابن أخت لأب وابن أخت لأم، قال: لابن الأخت للأم السدس ولابن الأخت
للأب الباقي (5). وهو يستلزم كون الأم كذلك، لأن الولد إنما يرث بواسطتها
(ولأن النقص يدخل عليهم) بمزاحمة الزوج أو الزوجة دون كلالة الأم
إجماعا، ومن كان عليه الغرم فله الغنم، وذلك (مثل أخت لأب مع واحد
أو اثنين فصاعدا من ولد الأم، أو أختين للأب مع واحد من ولد الأم)
فيحوز كلالة الأم السدس أو الثلث على تقدير التعدد فرضا، والباقي مطلقا
للأخت والأختين فرضا وردا.
(و) القول (الآخر): إنه (يرد على الفريقين بنسبة مستحقهما)
أرباعا في الفرض الأول وأخماسا في الأخيرين (وهو أشبه) عند الماتن
هنا وفي الشرائع (6) والفاضل في أحد قوليه (7) وفاقا للإسكافي (8)

(1) المسالك 13: 146.
(2) المقنع: 495.
(3) المقنعة: 690.
(4) المسالك 13: 147.
(5) الوسائل 17: 487، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 11.
(6) الشرائع 4: 28.
(7) المختلف 9: 46.
(8) نقله صاحب المختلف 9: 46.
540

والحلي (1) والمبسوط (2) لتساويهما في المرتبة، وفقد المخصص، استضعافا
للرواية، فإن في طريقها علي بن فضال، وهو فطحي، ومنع اقتضاء دخول
النقص الاختصاص بالرد، لتخلفه في البنت والأبوين.
وهو حسن لولا ورود النص المعتبر بالاختصاص. وضعف السند
ممنوع، لوثاقة علي بتصريح العدول من أرباب الرجال بها، ومع ذلك
معتضدة بالشهرة المحققة والمحكية، بل ظاهر الكليني في باب بيان الفرائض
دعوى الإجماع، فإنه قال: والإخوة والأخوات من الأم لا يزادون على
الثلث ولا ينقصون من السدس والذكر والانثى فيه سواء، وهذا كله مجمع
عليه (3) وهو كما ترى عام يشمل محل النزاع.
هذا، مضافا إلى مفهوم الحصر وما يقرب منه في النصوص الصحيحة
المتقدمة، التي هي العمدة في ثبوت الحكم المشهور في المسألة السابقة، مع
تأيد الجميع بما في بعض المعتبرة من قوله (عليه السلام): «وأخوك لأبيك أولى بك
من أخيك لأمك» (4) بناء على ما ذكره بعض المحدثين في توجيهه (5) نظرا
إلى مخالفة ظاهر الإجماع من أن وجهه أن له ما بقي إن كان له ذكر أو يرد
عليه خاصة إن كان أنثى. فتأمل جدا.
وأصرح من الجميع المرسلة المروية في مجمع البيان، فإن فيها: ويصح
اجتماع الكلالتين معا، لتساوي قرابتهما، وإذا فضلت التركة يرد الفاضل على
كلالة الأب والأم أو الأب دون كلالة الأم (6).

(1) السرائر 3: 260.
(2) المبسوط 4: 73.
(3) الكافي 7: 74.
(4) الوسائل 7: 414، الباب 1 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 2.
(5) مجمع الفائدة 11: 391.
(6) مجمع البيان: سورة النساء 3: 18.
541

فإذا القول الأول أقوى.
(وللجد المال) كله (إذا انفرد) مطلقا (لأب كان أو لأم وكذا
الجدة) المنفردة ترثه مطلقا (ولو اجتمع جد وجدة فإن كانا) معا (لأب
فلهما المال) كله يقتسمونه بينهم (للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كانا) معا
(لأم فالمال) لهم يقتسمونه بينهم (بالسوية) بلا خلاف في شئ من ذلك
أجده، وبه صرح جماعة. وهو الحجة; مضافا إلى عموم أدلة الإرث بالقرابة
من الكتاب والسنة، التي هي المستند أيضا في إرث الأخوات والإخوة، بل
جميع هذه المراتب والمرتبة المتقدمة والمتأخرة، كما عرفته غير مرة.
لكن لا يستفاد منها كيفية القسمة في المتقربين بالأب بالتفاوت
والمتقربين بالأم بالسوية، وهي ثابتة في الإخوة بالكتاب والإجماع والسنة.
ولم أقف على نص معتبر سندا يدل عليها هنا.
ولا إشكال فيها في المتقربين بالأم، لموافقتها الأصل في الشركة الثابتة
بالأدلة، وهو التسوية، كما مر نظيره في مواضع عديدة.
ويشكل فيها في الطرف الآخر، سيما مع مخالفتها الأصل المزبور، لكنه
يرتفع بعدم الخلاف فيها هنا أيضا، مع وقوع التصريح بها في الرضوي: فإن
ترك جدين من قبل الأم وجدين من قبل الأب فللجد والجدة من قبل الأم
الثلث بينهما بالسوية وما بقي فللجد والجدة من قبل الأب للذكر مثل حظ
الأنثيين (1) وقريب منه المرسلة المروية في مجمع البيان.
وفيها: فالجد أب الأب مع الأخ الذي هو ولده في درجة وكذلك الجدة
مع الأخت فهم يتقاسمون المال للذكر مثل حظ الأنثيين - إلى أن قال -:
ومتى اجتمع قرابة الأب مع قرابة الأم مع استوائهم في الدرج كان لقرابة الأم

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 290.
542

الثلث بينهم بالسوية والباقي لقرابة الأب للذكر مثل حظ الأنثيين (1).
مضافا إلى عموم المعتبرة الواردة في علة تفضيل الذكران على النسوة،
بأن ذلك لأنهن ليس عليهن جهاد ولا نفقة ولا معقلة، وإنما ذلك على الرجال،
ولذلك جعل للمرأة سهما واحدا وللرجل سهمين، كما في الصحيح وغيره.
وفي ثالث: لأن الله تبارك وتعالى فضل الرجال على النساء بدرجة،
ولأن النساء يرجعن عيالا على الرجال.
وهي كما ترى عامة من حيث التعليل أولا، ومن جهة الإطلاق بل
العموم ثانيا. ولا وجه لتقييده أو تخصيصه ببيان علة تفضيل الأولاد والكلالة
الذين تضمنتهم الآية الكريمة بعد عموم العلة واللفظ.
ولا يرد ذلك في المتقربين بالأم مطلقا، بعد وضوح قيام دليل على
التخصيص من الإجماع والكتاب والسنة فيهم دون غيرهم.
هذا، مضافا إلى المؤيدات الأخر، التي تظهر بالتأمل فيما يأتي من
الأدلة، على تنزيل الأجداد من كل جهة بمنزلة الإخوة من تلك الجهة. ولولا
ما نورد عليها من المناقشة في التمسك بها لإثبات حكم في نحو المسألة
لكانت حجة مستقلة.
وبالجملة لا شبهة في المسألة وإن أطلق عنان المناقشة فيها بعض
الأجلة، لكنه بعد ما عرفت لا وجه له، والحمد لله سبحانه.
(ولو اجتمع الأجداد المختلفون) قرابة بأن كان بعضهم لأب وبعضهم
لأم (فلمن تقرب بالأم الثلث على الأصح) مطلقا (واحدا كان أو أكثر
ولمن تقرب بالأب الثلثان) كذلك (ولو كان) المتقرب به (واحدا)

(1) مجمع البيان: سورة النساء 3: 18.
543

وفاقا لوالد الصدوق (1) والنهاية (2) والقاضي (3) والحلي (4) وابن حمزة (5)
وعليه المتأخرون كافة، كما في المسالك، مدعيا اتفاقهم عليه (6) وبه يشعر
عبارة الروضة، حيث نسب فيها الأقوال الآتية إلى الندرة (7). وهو الحجة;
مضافا إلى عموم الأدلة الدالة على أن لكل قريب نصيب من يتقرب به إلى
الميت وسهمه، ولا ريب أن الأم سهمها الثلث، فليكن ذلك لقريبها الجد ولو
انفرد والقول: بأنه كما أن الثلث نصيبها كذلك السدس نصيبها فترجيح الأول
على الثاني في إعطائه القريب دونه يحتاج إلى مرجح فاسد، لمنع كون
السدس فريضتها الأصلي، بل هي الثلث، وإنما السدس فريضتها بالحاجب
مشروطة به، وهو في المقام مفقود، فيتبعه عدمه، ويلزم منه ثبوت النصيب
الأصلي الذي هو الثلث.
ومن هنا يظهر فساد التأمل في هذه الحجة، كما اتفق لصاحب الكفاية (8)
وإن لم يبين وجهه، وخصوص الموثق: إذا لم يترك الميت إلا جدا أبا أبيه
وجدته أم أمه فإن للجدة الثلث وللجد الباقي، وإذا ترك جدة من قبل أبيه
وجد أبيه وجدته من قبل أمه وجدة أمه كان للجدة من قبل الأم الثلث
وسقطت جدة الأم والباقي للجدة من قبل الأب وسقط جد الأب (9). ونحوه
الرضوي: فإن ترك جدا من قبل الأم وجدا من قبل الأب فللجد من قبل الأم
الثلث وللجد من قبل الأب الثلثان (10).

(1) نقله صاحب المختلف 9: 22.
(2) النهاية 3: 216.
(3) المهذب 2: 143.
(4) السرائر 3: 231.
(5) الوسيلة: 391.
(6) المسالك 13: 142.
(7) الروضة 8: 127.
(8) كفاية الأحكام: 298 س 22.
(9) الوسائل 17: 498، الباب 9 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 2.
(10) فقه الرضا (عليه السلام): 290.
544

وفي المسألة أقوال أخر:
منها قول الصدوق: للجد من الأم مع الجد للأب أو الأخ للأب السدس
والباقي للجد للأب أو الأخ (1).
ومنها قول فضل بن شاذان: إنه لو ترك جدته أم أمه وأخته للأبوين
فللجدة السدس (2).
ومنها قوله (3) وقول العماني (4): إنه لو ترك جدته أم أمه وجدته أم أبيه
فلأم الأم السدس ولأم الأب النصف والباقي يرد عليهما بالنسبة.
ومنها قول التقي (5) وابن زهرة (6) والكيدري (7): إن للجد أو الجدة للأم
السدس ولهما الثلث بالسوية.
ومستندهم غير واضح ولا متوهم غير ما في النكت من أن لهم رواية
محمد بن حمران عن زرارة قال: أراني أبو عبد الله (عليه السلام) صحيفة الفرائض،
فإذا فيها لا ينقص الجد من السدس شيئا ورأيت سهم الجد فيها مثبتا (8) قال
في وجه الاستدلال بها: وهو غير محمول على الجد للأب، لأن النص أنه
إذا كان مع أخوة كان كأحدهم (9) انتهى.
وهو ضعيف جدا، أولا: بضعف السند باشتراك الراوي، وثانيا: بما ذكره
في الجواب عنها من أن حديثنا أي الموثق المتقدم صريح، مع اعتضاده بما

(1) حكاه صاحب المختلف 9: 23.
(2) الكافي 7: 118، ذيل الحديث 16.
(3) المصدر السابق: 117، ذيل الحديث 16.
(4) نقله صاحب المختلف 9: 23.
(5) الكافي في الفقه: 372.
(6) الغنية: 325.
(7) إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهية) 22: 298.
(8) الوسائل 17: 493، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 21.
(9) غاية المراد: 147 س 6 (مخطوط).
545

تقدم أي من العمومات وعمل الأصحاب، وأن الشيخ حملها على التقية (1)
فإنه يشمل الجد مطلقا، وهو غير مذهبنا.
أقول: ويحتمل حملها أيضا على الطعمة على بعض الوجوه.
وربما انتصر لهم بعض أفاضل المعاصرين وغيره بما سيأتي من الأخبار
المنزلة للأجداد منزلة الإخوة. ومقتضاها ما ذكروه، لأن الواحد من كلالة الأم
نصيبه السدس، فليكن أيضا نصيب الجد المنزل منزلته، عملا بعموم المنزلة.
وفيه أولا: أنه لا دلالة فيها على أزيد من تنزيل الجد للأب منزلة
الإخوة والأخوات له، وهو لا يستلزم تنزيل الجد للأم منزلة كلالتها. ولا يتم
الاستدلال على هذا التقدير قطعا.
وثانيا: أنه على تقدير تسليم ذلك غايتها إثبات المنزلة لهم إذا كانوا مع
الكلالة لا مطلقا. ونبه على هذا الصدوق في الفقيه.
فقال في جملة كلام له في الرد على الفضل فيما قال به من أن الجد بمنزلة
الأخ أبدا يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط ما لفظه: فكيف يكون الجد
بمنزلة الأخ أبدا، وكيف يرث حيث يرث ويسقط حيث يسقط بل الجد مع
الإخوة بمنزلة واحد منهم فإما أن يكون أبدا بمنزلتهم يرث حيث يرث ويسقط
حيث يسقط الأخ (2) إلى آخر ما ذكره، وأطال في رده، وتضعيف مستنده.
ومن هنا يظهر وجه ثالث لفساد الاستدلال بها لجميع تلك الأقوال، فإن
منها قول الصدوق، وهو كما ترى يأبى مناط الاستدلال، وينكره غاية
الإنكار، ويشهد له في إنكاره، مضافا إلى الأصل، مع اختصاص أكثر تلك
النصوص المثبتة للمنزلة مع الإخوة خاصة - كما مر إليه الإشارة - بتقييد
جملة منها لها بما إذا اجتمع الجد مع الكلالة.

(1) التهذيب 9: 306، الحديث 16.
(2) الفقيه 4: 287، ذيل الحديث 5650.
546

كالصحيحين: إن الجد مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة
ما بلغوا (1).
ونحوهما المرسل المروي عن العماني: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أملى على
أمير المؤمنين (عليه السلام) في صحيفة الفرائض: أن الجد مع الإخوة يرث حيث
يرث الإخوة ويسقط حيث يسقط وكذلك الجدة أخت مع الأخوات ترث
حيث يرثن وتسقط حيث يسقطن (2).
ولولا اختصاص المنزلة بصورة الاجتماع مع الكلالة لما كان للتقييد
بقوله: «مع الإخوة» فائدة، بل كان ينبغي أن يقال: إن الجد مثل واحد من
الإخوة يرث حيث يرث الإخوة ويسقط حيث يسقط. فتأمل جدا.
(ولو اجتمع معهم) أي مع الأجداد (زوج أو زوجة أخذ) كل منهما
(النصيب الأعلى) له من النصف أو الربع (ولمن تقرب) منهم (بالأم
ثلث الأصل) لأنه نصيبها المفروض لها فيأخذه المتقربون بها (والباقي
لمن تقرب بالأب) منهم.
(والجد الأدنى يمنع) الجد (الأعلى) بلا خلاف ولا إشكال فيه، ولا
فيما مضى، للقواعد المقررة، مضافا إلى خصوص المعتبرة:
منها: عن زوج وجد، قال: يجعل المال بينهما نصفين (3). ومضى في
الموثق السابق ما يدل على منع الأدنى الأعلى.
(وإذا اجتمع معهم الإخوة فالجد) والجدة للأب (كالأخ) والأخت
له والجد (والجدة) للام (كا) لأخ و (الأخت) لها على المعروف من

(1) الوسائل 17: 490، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 9.
(2) الوسائل 17: 479 و 493، الباب 2 و 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 1 و 21.
(3) الوسائل 17: 501، الباب 11 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 2.
547

مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم، بل ادعى جماعة منهم
الإجماع عليه، كالكليني في الكافي، والشيخ في الاستبصار، والفاضل
المقداد في كنز العرفان، ونسبه الشهيدان إلى الأصحاب، معربين عن دعوى
الإجماع عليه (1) لكن عبارة الأولين مختصة بدعواه على قيام الجد منزلة
الأخ من الأب (2). وعبارة الثالث كما بعده وإن كانت ناصة بالعموم إلا أنها
غير صريحة في دعوى الإجماع عليه، فإنه قال: الأجداد عندنا في مرتبة
الإخوة، فإذا اجتمعوا معهم كان الجد للأب كالأخ له والجدة له كالأخت له
والجد للأم كالأخ منها وكذا الجدة (3) انتهى.
ولكنها فيها ظاهرة غاية الظهور، سيما مع كون ما ذكره المعروف من
مذهبهم والمشهور فهي الحجة المثبتة لهذا التفصيل المزبور، مضافا إلى
اطلاق المرسلة المتقدمة، إذ ليس فيها التقييد للإخوة بكونهم من الأبوين
أو الأب خاصة، كما في إجماعي الكليني والشيخ، وأكثر النصوص
المستفيضة، بل المتواترة الواردة في المسألة، مع أن جملة منها أيضا مطلقة:
كالصحيح: في رجل مات وترك ستة إخوة وجدا، قال: هو كأحدهم (4).
والموثق: في ستة إخوة وجد، قال: للجد السبع (5).
والخبر: في رجل ترك خمسة إخوة وجدا، قال: هي من ستة لكل واحد
منهم سهم (6).
فإن إطلاق الجد والإخوة فيها شامل للمتقربين بالأم أيضا. لكنها مع

(1) غاية المراد: 147 س 12 (مخطوط)، المسالك 13: 143.
(2) الكافي 7: 115، ذيل الحديث 16، الاستبصار 4: 158، ذيل الحديث 15.
(3) كنز العرفان: 334.
(4) الوسائل 17: 489، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 7.
(5) المصدر السابق: 492، الحديث 15.
(6) المصدر السابق: الحديث 16.
548

ذلك مجملة قاصرة عن بيان التفصيل المعروف بينهم، من أن جدود الأب
وجداته ككلالته وجدود الأم وجداتها ككلالتها يقتسمون تقسيم الكلالة مع
الاختلاف في الذكورية والأنوثية بالتفاوت أو التسوية.
لكن الإجماع الظاهر المصرح به كفانا مؤنة الاشتغال بطلب حجة اخرى
في المسألة، أو تطبيق الأخبار عليها بجهد ومشقة، مع تكفل كثير من
النصوص لبيان التقسيم بالتفاوت بين الأجداد للأب والإخوة له إذا اجتمعوا.
كالصحيح: إن الجد مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما
بلغوا، قال: قلت: رجل ترك أخاه لأبيه وأمه وجده، أو قلت: ترك جده وأخاه
لأبيه وأمه، قال: المال بينهما، فإن كانا أخوين أو مائة ألف فله نصيب مثل
واحد من الإخوة، قال: قلت: رجل ترك جده وأخته، فقال: للذكر مثل حظ
الأنثيين، وإن كانتا أختين فالنصف للجد والنصف الآخر للأختين، وإن كن
أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب، وإن ترك إخوة وأخوات لأب وأم أو لأب
وجد فالجد أحد الإخوة المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، قال زرارة:
هذا مما لا يؤخذ علي فيه قد سمعته من أبيه ومنه قبل ذلك، وليس عندنا في
ذلك شك ولا اختلاف (1).
والصحيح: عن رجل ترك أخاه لأبيه وأمه وجده، قال: المال بينهما، ولو
كانا أخوين أو مائة كان الجد معهم كواحد منهم للجد نصيب واحد من
الإخوة، قال: فإن ترك أخته فللجد سهمان وللأخت سهم، وإن كانتا أختين
فللجد النصف وللأختين النصف، قال: فإن ترك إخوة وأخوات من أب وأم
كان الجد كواحد من الإخوة للذكر مثل حظ الأنثيين (2).

(1) الوسائل 17: 490، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 9.
(2) الوسائل 17: 491، الباب 6 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 13.
549

إلى غير ذلك من الأخبار، التي يضيق عن نشرها المقام.
بقي هنا شئ، وهو أنه إذا اجتمع الجد أو الجدة للأم مع الأخت للأب
فلأحدهما السدس أو الثلث على الخلاف، وللأخت النصف بلا اختلاف.
وهل يكون الفاضل عن سهامهما مردودا عليهما بالنسبة كما هو فتوى
ابن زهرة (1) والكيدري (2) أو على الأخت خاصة كما عن النهاية (3)
والقاضي (4) ونجيب الدين (5)؟ قولان، تردد بينهما الفاضل في الإرشاد (6)
ولا وجه له بعد عموم مفهوم الحصر المتقدم في قوله (عليه السلام): «فهم الذين
يزادون وينقصون» مشيرا بهم إلى كلالة الأب، وليس فيه تقييد ذلك بما إذا
اجتمعوا مع كلالة الأم خاصة، بل هو عام شامل له ولما إذا اجتمعوا مع
الأجداد لها.
ولا يقدح في ذلك تضمن صدر بعض النصوص المتضمنة له أو جملتها
خصوص الصورة الأولى فيخص بها عموم ذيلها، إلا على تقدير تخصيص
السؤال، لعموم الجواب، وهو خلاف التحقيق، كما برهن في محله.
فالقول الثاني أظهر، وفاقا للشهيد في الدروس (7) والنكت، قائلا فيه:
الظاهر أنه يلزم كل من قال باختصاص الأخت في مسألة قيام كلالة الأب
مقام كلالة الأب والأم (8).
وهنا (مسألتان):
(الأولى: لو اجتمع أربعة أجداد لأب) أي جد أبيه وجدته لأبيه وهما

(1) الغنية: 325.
(2) إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهية) 22: 298.
(3) النهاية: 3: 205.
(4) المهذب 2: 136 - 144.
(5) نقله غاية المراد: 148 س 1 (مخطوط).
(6) الإرشاد 2: 121.
(7) الدروس 2: 369 و 371.
(8) غاية المراد: 148 س 1 (مخطوط).
550

لأمه (ومثلهم لأم) أي جد أمه وجدتها لأبيها وهما لأمها (كان لأجداد
الأم) وجداتها الأربعة (الثلث) يقتسمونه (بينهم أرباعا ولأجداد الأب
وجداته الثلثان) يقتسمونهما بينهما بالتفاوت (لأبوي أبيه ثلثا الثلثين
أثلاثا) للذكر منهما ضعف الأنثى (ولأبوي أمه الثلث أثلاثا أيضا) كذلك.
هذا على المشهور بين أصحابنا، كما صرح به جماعة. قيل: اعتبارا
للنسبة إلى نفس الميت (1).
خلافا لمعين الدين المصري فثلث الثلث لأبوي أم الأم بالسوية وثلثاه
لأبوي أبيها كذلك أيضا وثلث الثلثين لأبوي أم الأب بالسوية وثلثاهما
لأبوي أبيه أثلاثا. قيل: اعتبارا في الطرفين بالتقرب إلى الأم في الجملة
المقتضية للتسوية (2).
وللبرزهي فثلث الثلث لأبوي أم الأم بالسوية وثلثاه لأبوي أبيها أثلاثا،
للذكر ضعف الأنثى وقسمة أجداد الأب كالأول (3). قيل: اعتبارا في
الطرفين بالتقرب للأب (4).
والمسألة محل إشكال، لعدم وضوح الدليل على شئ من هذه الأقوال،
وضعف الاعتبارات، مع تعارض بعضها مع بعض.
وندرة اتفاق أصل هده المسألة كفتنا مؤنة الاشتغال بتحصيل ما يرجح
أحد هذه الأقوال، مع أن العمل بالمشهور متعين في أمثال المحال لو لم يكن
بد، ولا يمكن احتياط.
وتصح المسألة على القولين الأخيرين من أربعة وخمسين وإن اختلف

(1) القائل هو صاحب مفاتيح الشرائع 3: 324.
(2) نقله صاحب مفاتيح الشرائع 3: 324.
(3) المصدر السابق.
(4) القائل هو صاحب مفاتيح الشرائع 3: 324.
551

وجه الارتفاع فيهما، لأن على الأول سهام قرابة الأم ستة وسهام قرابة الأب
ثمانية عشر، وعلى الثاني الثمانية عشر سهام قرابة الأم وسهام قرابة الأب
تسعة، وعلى التقديرين يجتزئ بالثمانية عشر التي هي العدد الأكثر (1)
لدخول الأقل فيه وهو الستة في الأول والتسعة في الثاني، وتضرب في أصل
المسألة وهو ثلاثة تبلغ العدد المتقدم إليه الإشارة.
(و) أما على القول الأول: ف‍ (تصح من مائة وثمانية) لأن أصلها
كما عرفت من ثلاثة أسهم هي مخرج ما فيها من الفروض وهو الثلث، سهم
منها لأقرباء الأم وهو ثلثها لا ينقسم على عددهم وهو أربعة، وسهمان
لأقرباء الأب لا ينقسم على عدد سهامهم وهي تسعة، لأن ثلثي الثلثين لجد
أبيه وجدته لأبيه بينهما أثلاثا وثلاثة لجد أبيه وجدته لأمه أثلاثا أيضا،
فترتقي سهام الأربعة إلى تسعة فقد انكسرت على الفريقين وبين عدد سهم
كل فريق ونصيبه مباينة، وكذا بين العددين، فتطرح النصيب وتضرب أحد
العددين في الآخر يحصل ستة وثلاثون، تضرب في أصل الفريضة ثلاثة
تبلغ مائة وثمانية ثلثها ستة وثلاثون ينقسم على أجداد أمه الأربعة بالسوية
لكل واحد تسعة، وثلثاها اثنان وسبعون تنقسم على تسعة لكل منهم ثمانية
فلجد الأب وجدته لأبيه، ثلثا ذلك ثمانية وأربعون، ثلثه للجدة ستة عشر،
وثلثاه للجد اثنان وثلاثون، ولجد الأب وجدته لأمه أربعة وعشرون، ثلثا
ذلك للجدة ستة عشر، وثلثه للجدة ثمانية.
(الثانية: الجد وإن علا) مطلقا بشرط الترتيب الأقرب فالأقرب
(يقاسم الإخوة والأخوات) مطلقا بغير خلاف ظاهر مصرح به في كلام
جماعة. وهو الحجة; مضافا إلى الصحاح المستفيضة ونحوها، والمعتبرة

(1) في «ش»: الأكبر.
552

المتقدم إلى جملة منها الإشارة، الدالة على تنزيل الجد منزلة الإخوة
واقتسامهما التركة، وجملة منها وإن كانت مطلقة غير منصرفة بحكم التبادر
والغلبة إلى الجد الأعلى، بل إلى الأدنى خاصة، إلا أن جملة اخرى منها
وافرة عامة لهما وإن كان الجد فيها أيضا مطلقا، إلا أنه في السؤال. وحيث
لم يستفصل عن أفراده ومحتملاته التي منها الجد الأعلى أفاد العموم لهما
على الأقوى، كما برهن في محله مستقصى.
نعم ربما يتوجه السؤال بأن هذا العموم معارض بعموم ما دل على منع
الأقرب الأبعد والأخ أقرب من أب الجد، والجمع بينهما كما يمكن بتخصيص
هذا العموم وإبقاء عموم مقاسمة الجد للأخ بحاله كذا يمكن العكس، فلا
وجه لترجيح الأول عليه، سيما مع العمل به في الحكم بترتب الأجداد
بعضهم مع بعض، ومنع الأقرب منهم الأبعد، فليكن هذا بالترجيح أجدر.
وهذا السؤال متوجه لولا فتوى الأصحاب المرجح للجمع الأول.
(وأولاد الإخوة والأخوات) مطلقا (وإن نزلوا) لكن مرتبين
(يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الأجداد والجدات)
خاصة بلا خلاف أجده، بل عليه الإجماع في السرائر (1) والانتصار (2)
والغنية (3) وكنز العرفان (4) وغيرها. وهو الحجة; مضافا إلى النصوص
المستفيضة عموما وخصوصا:
فمن الأول: المعتبرة من الصحيح وغيره، الدالة على أن كل ذي رحم
بمنزلة الرحم الذي يجربه، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت فيحجبه (5).
ومن الثاني: الصحاح والمعتبرة من الموثق وغيره، الدالة على مقاسمة

(1) السرائر 3: 260.
(2) الانتصار: 586.
(3) الغنية: 325.
(4) كنز العرفان 2: 334.
(5) الوسائل 17: 485، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد.
553

ابن الأخ مع الجد المال بينهما نصفين (1).
والصحيح: بنت الأخ بمنزلة الأخ (2).
والمرسل القريب من الصحيح: في بنات أخت وجد، قال: لبنات الأخت
الثلث وما بقي فللجد (3). إلى غير ذلك من الأخبار.
وقصورها عن إفادة تمام المدعى مجبور بعدم القائل بالفرق بين
جزئيات المسألة وأفرادها، مع الاعتضاد بعموم المعتبرة المتقدمة الدالة على
المنزلة. والاستثناء في بعضها كآية الإرث بالقرابة وغيرها وإن اقتضى منع
الجد من بعد عن درجته من أولاد الإخوة إلا أنه مخصص هنا أيضا
بالإجماع، وصريح الأخبار الخاصة.
(و) يستفاد من عموم المنزلة المتقدمة - مضافا إلى عدم الخلاف - أنه
(يرث كل واحد من المتقاسمين) من الأجداد وأولاد الإخوة (نصيب
من يتقرب به) إلى الميت.
(ثم إن كانوا أولاد) أخ أو (إخوة) أو أولاد أخت (أو أخوات
لأب اقتسموا) نصيبهم من (المال) مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة
بالتفاوت (للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانوا) أي أولاد الإخوة
والأخوات (لأم) خاصة (اقتسموا) نصيبهم بينهم (بالسوية) مطلقا ولو
اختلفوا في الذكورة والأنوثة، فإن ذلك حكم المنزلة. ولنذكر أمثلة اقتسام
أولاد الإخوة منفردين عن الأجداد، ثم أمثلة اقتسامهم مجتمعين معهم.
فنقول: لو خلف الميت أولاد أخ لأم أو أخت لها خاصة كان المال لهم
بالسوية السدس فرضا والباقي ردا، من غير فرق بين الذكر والانثى، وإن

(1) المصدر السابق: الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 487، الحديث 9.
(3) المصدر السابق: الحديث 7.
554

تعدد من تقربوا به من الإخوة للأم أو الأخوات أو الجميع من الإخوة
والأخوات كان لكل فريق من الأولاد نصيب من يتقرب به يقتسمونه
بالسوية، وإن كانوا أولاد أخ للأبوين أو الأب ولا وارث سواهم كان بينهم
بالسوية إن اتفقوا ذكورية أو أنوثية وإلا بالتفاضل، وإن كانوا أولاد أخت
للأبوين أو الأب كان النصف فرضا والباقي ردا مع عدم غيرهم، وإن كانوا
أولاد أختين فصاعدا كذلك فالثلثان لهم فرضا والباقي ردا مع عدم غيرهم
ويقتسمونه بالسوية أو التفاضل، كما تقدم.
ولو اجتمع أولاد الأخت للأبوين أو الأب مع أولاد الأخ أو الأخت أو
الإخوة أو الأخوات للأم، فللفريق الثاني السدس مع وحدة من يتقربون به
والثلث مع تعدده، وللفريق الأول النصف والباقي يرد عليهم خاصة، أو
عليهما على الاختلاف المتقدم إليه الإشارة.
ولو اجتمع أولاد الكلالات الثلث سقط أولاد من يتقرب بالأب وكان
لمن يتقرب بالأم السدس مع وحدة من يتقرب به، وإلا فالثلث، ولمن يتقرب
بالأبوين الباقي، ولو دخل في هذه الفروض زوج أو زوجة كان له النصيب
الأعلى والباقي ينقسم، كما تقدم.
ولو خلف أولاد أخ للأبوين وأولاد أخت لهما ومثلهم من قبل الأم وجد
أو جدة من قبل الأب ومثلهما من قبل الأم فلكلالة الأم مع الجدين لهما
الثلث يقتسمونه أرباعا: ربع للجد، وربع للجدة، وربع لأولاد الأخ، وربع
لأولاد الأخت، وكل من هؤلاء الأولاد يقتسمونه بالسوية والباقي - وهو
الثلثان - يقسم على الباقين بالتفاضل، فثلثاه للجد من الأب ولأولاد الأخ
من الأبوين أنصافا بينه وبينهم بالتفاضل بينهم، وثلثه للجدة وأولاد الأخت
أنصافا بينها وبينهم كذلك.
555

ولا فرق بين كون الأخ موافقا للجد في النسبة أو مخالفا، فلو كان ابن
أخ لأم مع جد لأب فلابن الأخ السدس فريضة أبيه وللجد الباقي، ولو
انعكس فكان الجد للأم وابن الأخ للأب فللجد الثلث أو السدس على
الخلاف المتقدم، ولابن الأخ الباقي.
وبالجملة فإنك تنزل هؤلاء الأولاد من أي جهة كانوا منزلة من يتقربون
به ويقسم عليهم حصته (1) كما تقسم عليه لو كان، وكذلك الجد.
واعلم أن اشتراط عدم الإخوة في إرث أولادهم مطلقا هو المشهور بين
الأصحاب، لعموم ما دل على منع الأقرب الأبعد، ولا يكاد يتحقق فيه خلاف.
ولم ينقل إلا عن الفضل بن شاذان (2) حيث شرك ابن الأخ من الأبوين
مع الأخ من الأم وابن ابن الأخ منهما مع ابن الأخ منها ونحو ذلك، فجعل
السدس للمتقرب بالأم والباقي للمتقرب بالأبوين، بناء على أصله من جعل
الإخوة صنفين، واعتبار الأقرب من إخوة الأم فالأقرب على حدة والأقرب
من إخوة الأبوين والأب فالأقرب على حدة، وعدم اعتبار قرب أحد
الصنفين بالنسبة إلى الآخر كما في الأخ بالنسبة إلى الجد الأعلى.
وهو مع شذوذه ضعيف، لاتحاد صنف الإخوة جميعا كالجد، كما هو
المفهوم من تقديم الأقرب فالأقرب لغة وعرفا، مضافا إلى النص الصحيح،
كما قيل (3). ولم أقف عليه.
نعم في الرضوي: من ترك واحدا ممن له سهم ينظر، فإن كان من بقي
من درجته ممن سفل وهو أن يترك الرجل أخاه وابن أخيه فالأخ أولى من
ابن أخيه (4). والحمد لله.

(1) كذا في المخطوطات، وفي الشرح من المطبوع: حصتهم.
(2) نقله عنه في الكافي 7: 107.
(3) قاله صاحب مفاتيح الشرائع 3: 304.
(4) فقه الرضا (عليه السلام): 289.
556

(المرتبة الثالثة):
(الأعمام والأخوال) وأولادهم، وهم أولوا الأرحام، وإنما يرثون
على المشهور مع فقد الإخوة وبنيهم والأجداد فصاعدا.
وعن الفضل أنه لو خلف خالا وجدة لأم اقتسما المال نصفين (1).
وفي الدروس إن الذي في كتابه أنه لو ترك جدته وعمته وخالته فالمال
للجدة، ونقل عن يونس مشاركة العمة والخالة، وأنه جعل العمة تساوي
الجدة (2). وغلطه في ذلك وفي قوله: «أنه لو خلف عما وابن أخ اقتسما
المال نصفين» (3). وهذا منه موافقة للمشهور. فتأمل.
وكيف كان فالمذهب الأول، لعدم وضوح دليل على الخلاف، مع ظهور
أقربية كل من آحاد المرتبة الثانية من كل من أهل هذه المرتبة، فالميراث
لهم، لعموم ما دل على منع الأقرب الأبعد من الآية (4) والرواية (5) مضافا إلى
صريح الرضوي: ومن ترك عما وجدا فالمال للجد، وان ترك عما وخالا
وجدا أو أخا فالمال بين الأخ والجد ويسقط العم والخال (6).
(و) اعلم أن (للعم) جميع (المال إذا انفرد) عمن عداه ممن يرث
(وكذا) المال (للعمين) المنفردين (فصاعدا، وكذا العمة) المنفردة
(والعمتان) المنفردتان (والعمات) المنفردات، فيقتسمون المال بينهم
بالسوية لأب وأم كانوا أو لأب أو لأم بلا خلاف فيه (و) في أنه لو اجتمع
(العمومة) جمع عم أي الأعمام (والعمات) اقتسموا المال بينهم
بالتفاضل (للذكر مثل حظ الأنثيين) إن كانوا جميعا من قبل الأبوين أو

(1) نقله عنه في المختلف 9: 53.
(2) الدروس 2: 372.
(3) الدروس 2: 372.
(4) الأنفال: 75.
(5) الوسائل 17: 414، الباب 1 من أبواب موجبات الإرث، الحديث 2.
(6) فقه الرضا (عليه السلام): 289.
557

الأب، بمعنى أنهم كانوا إخوة لأب الميت من قبل أبويه أو أبيه خاصة.
والدليل عليه - بعد عدم الخلاف فيه على الظاهر، بل الإجماع كما في
الغنية (1) - الخبر، المنجبر قصور سنده بالعمل في عمة وعم، قال: للعم
الثلثان وللعمة الثلث (2). ونحوه الرضوي (3).
وأما إذا كانوا جميعا لأم فالذي يقتضيه إطلاق العبارة هنا وفي
الشرائع (4) والصدوق في الفقيه (5) والفضل بن شاذان (6) والغنية - مدعيا عليه
إجماع الإمامية (7) - أنه أيضا كذلك، يقتسمونه بينهم بالتفاضل، ويعضده
إطلاق الرواية.
خلافا لصريح جماعة كالفاضل في الإرشاد (8) والسرائر (9) والقواعد (10)
والشهيدين في الدروس (11) واللمعتين (12) وغيرهم فيقتسمونه بالسوية. وهذا
أوفق بالأصل، لاقتضاء شركة المتعددين في شئ اقتسامهم له بينهم
بالسوية، خرج عنه هنا ما لو كانوا للأب بالإجماع والرواية، وتبقى هذه
الصورة تحته مندرجة، لعدم مخرج لها عنه، عدا إطلاق الرواية، وهي مع
قصور سندها بالجهالة مع عدم جابر لها في هذه الصورة غير مقاومة للأصل،
المعتضد بالشهرة، بل نفى عنه الخلاف جملة ومنهم صاحب الكفاية (13).
ولا يعارضه عموم ما دل على تفضيل الذكر على الأنثى بقول مطلق،

(1) الغنية 326.
(2) الوسائل 17: 506، الباب 6 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الحديث 9.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 289.
(4) أنظر الشرائع 4: 30.
(5) أنظر الفقيه 4: 290.
(6) أنظر الكافي 7: 120.
(7) أنظر الغنية: 326.
(8) الإرشاد 2: 122.
(9) السرائر 3: 261.
(10) القواعد 2: 175، س 3.
(11) الدروس 2: 372.
(12) الروضة 8: 153.
(13) كفاية الأحكام: 300 س 35.
558

لرجحان الأصل عليه بالشهرة العظيمة، مع حكاية نفي الخلاف المتقدمة هنا.
هذا، مع عدم صراحة في الدلالة، لاحتمالها الاختصاص بالعم والعمة
للأب أو الأبوين خاصة، ويؤيده إطلاق أن الجد يقاسم الإخوة للأب في
الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، مع أن المراد منه الجد من قبل الأب
خاصة. فتدبر.
وإذا قام مثل هذا الاحتمال انتفت الصراحة في الرواية، التي هي مناط
التخصيص، للعمومات، كما مر إليه الإشارة غير مرة.
ثم إن جميع ما ذكر إنما هو إذا كانوا مجتمعين في الدرجة بأن كانوا
جميعا للأبوين أو أحدهما خاصة.
(و) أما (لو كانوا متفرقين) بأن كان بعضهم للأبوين أو الأب خاصة
وبعضهم للأم كذلك (ف‍) قد ذكر الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم
- وبه صرح جماعة - أن (لمن تقرب) منهم (بالأم السدس إن كان
واحدا) مطلقا ذكرا كان أو أنثى (والثلث إن كانوا أكثر) يقتسمونه بينهم
(بالسوية) ولو اختلفوا ذكورة وأنوثة (والباقي) عن الثلث أو السدس
(لمن تقرب) منهم (بالأب والأم) أو الأب عند عدم من يتقرب بهما،
واحدا كان، أو متعددا يقتسمونه بينهم بالتفاضل (للذكر مثل حظ الأنثيين).
ولم أقف لهم بعد الاتفاق على حجة ظاهرة ولا متوهمة عدا إلحاق
الأعمام بالكلالة، وأن إرثهم إنما هو من حيث الإخوة لأب الميت، فكما أن
لمن تقرب منهم بالأم السدس مع الوحدة والثلث مع الكثرة بينهم بالسوية
ولمن تقرب منهم بالأبوين أو الأب بالتفاضل، فكذلك هنا.
وهو كما ترى، لعدم دليل عليه بعد الوفاق أصلا، فيكون لولاه قياسا.
559

وربما يتأمل في الاتفاق أيضا، نظرا إلى إطلاق عبارتي الصدوق (1)
والفضل (2) باقتسام العم والعمة المال بالتفاضل من دون تفضيل بين كونهما
معا لأب أو لأم أو مختلفين، ونحوهما إطلاق الرواية المتقدمة.
ويمكن الذب عن الجميع، فعن الرواية بما مر إليه الإشارة، وعن
مخالفتهما به أيضا على احتمال وبمعلومية نسبهما. فلا يقدح في انعقاد
الإجماع مخالفتهما على تقدير تسليمها. فتأمل جدا.
(ويسقط معهم) أي مع الأعمام للأبوين (من يتقرب) من الأعمام
إلى الميت (بالأب) خاصة (ويقومون) أي المتقربون به خاصة
(مقامهم) أي مقام المتقربين بالأبوين (عند عدمهم) بلا خلاف في شئ
من الأمرين أجده، وبه صرح جماعة بل في الغنية (3) والسرائر (4) الإجماع
عليهما. وهو الحجة فيهما; مضافا إلى بعض المعتبرة في الأول: وعمك أخو
أبيك من أبيه وأمه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه، قال: وابن عمك
أخي أبيك من أبيه وأمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه (5).
واعلم أن هذه المرتبة ليست كسابقتيها مشتملة على صنفين يجتمع
أعلى أحدهما مع أدنى الآخر، بل الصنفان فيها أحدهما بحكم الآخر، نظرا
إلى أن إرثهم أنما يكون من جهة كونهم إخوة لأب الميت وأمه كما هو في
ظاهر الأصحاب، أو من جهة كونهم بمنزلة الأبوين، كما يستفاد من الأخبار.
ولا شئ من صنفي الإخوة والأبوين بمتعدد، بل كل منهما صنف واحد،
فيكون ما نزل منزلتهما كذلك، ولهذا الصنف درجات متفاوتة صعودا ونزولا

(1) الفقيه 4: 290.
(2) الكافي 7: 120.
(3) الغنية: 326.
(4) السرائر 3: 262.
(5) الوسائل 17: 507، الباب 4 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الحديث 1.
560

بحسب القرب والبعد، فالعم والعمة مثلا مطلقا أقرب من بنيهما وبني الخال
والخالة كذلك.
(ولا يرث الأبعد) منهم (مع الأقرب مثل ابن خال مع خال أو) مع
(عم أو ابن عم مع خال أو) مع (عم) إجماعا، إلا من الإسكافي في ابن
خال مع عم، حيث قال: إن للعم الثلثين ولابن الخال الثلث (1). وهو شاذ،
محجوج بالإجماع الظاهر المحكي في الغنية (2) والسرائر (3) والآية (4)
والمعتبرة الدالة على أن كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه إلا أن يكون
وارث أقرب إلى الميت فيحجبه (5).
ولا ريب أن العم أقرب من ابن الخال، وأن العم أقوى من الخال، لأنه
أكثر نصيبا، والخالة تحجب ابن العم، كما في الخبر: في ابن عم وخالة، قال:
المال للخالة، وقال: في ابن عم وخال، قال: المال للخال (6).
فالعم أولى أن يحجب ابن الخال. فتدبر.
وبالجملة لا شبهة فيما ذكره الأصحاب من كلية قاعدة منع الأقرب
الأبعد (إلا) في اجتماع (ابن عم لأب وأم مع عم لأب، فإن ابن العم
أولى) بالميراث عند الإمامية، حكى إجماعهم عليه جماعة حد الاستفاضة،
بل لعل الحكاية متواترة. وهو الحجة المخصصة لتلك القاعدة; مضافا إلى
النصوص المستفيضة، كما ذكرها بعض الأجلة (7). ولم أقف عليها كذلك، مع
أنها غير معتبرة السند.
لكن في الفقيه إن ترك عما لأب وابن عم لأب وأم فالمال كله لابن العم

(1) المختلف 9: 105.
(2) الغنية: 326.
(3) السرائر 3: 262.
(4) الأنفال: 75.
(5) الوسائل 17: 487، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 9.
(6) المصدر السابق: 509، الحديث 4.
(7) مفاتيح الشرائع 3: 302.
561

للأب والأم، لأنه قد جمع الكلالتين كلالة الأب وكلالة الأم، وذلك بالخبر
الصحيح. عن الأئمة (عليهم السلام) (1). فتأمل، مع أن ذلك مجبور بالعمل.
وهل يتعدى الحكم من هذه الصورة إلى ما تقاربها من الصور كما لو
حصل التعدد في أحد الجانبين أو كليهما، أو دخل في الفرض المذكور زوج
أو زوجة، أو حصل التغير بالذكورة والأنوثة، أو انضم إلى ذلك الخال
والخالة؟ خلاف لا يليق بهذا الشرح نشره.
والاقتصار على مورد النص، وفاقا لكثير، لأن المسألة جرت على
خلاف الأصول المقررة والقواعد الممهدة، فالتعدية فيها عن موضع الإجماع
والرواية مشكلة، وإن وجهت بتوجيهات اعتبارية ربما أوجبت مظنة، إلا أن
في بلوغها حدا يجوز معه تخصيص الأصول بها إشكالا.
(وللخال) جميع (المال إذا انفرد) عمن عداه ممن يرث (وكذا)
المال (للخالين) المنفردين (والأخوال) المنفردين (و) كذا (الخالة)
المنفردة (والخالتين) المنفردتين (والخالات) المنفردات لهن المال
أجمع يقتسمونه بينهم بالسوية (ولو اجتمعوا) ذكورة وأنوثة (فالمال
بينهم أيضا بالسوية كيف كانوا) في المقامين، أي لأب كانوا أو لأم أو
لهما، بشرط الاجتماع في الدرجة، بأن يكونوا كذلك جميعا.
(و) أما (لو كانوا متفرقين) فيها بأن كان بعضهم للأبوين وبعض
للأب وآخر للأم (فلمن يتقرب بالأم السدس إن كان واحدا) مطلقا ذكرا
كان أو أنثى (والثلث إن كانوا أكثر) كذلك يقتسمونه بينهم بالسوية
(والثلثان) فما زاد (لمن يتقرب بالأب والأم، ويسقط من يتقرب منهم
بالأب معهم) أي مع المتقربين منهم بالأبوين ويقومون مقامهم عند عدمهم

(1) الفقيه 4: 292.
562

(والقسمة بينهم) أي بين المتقربين بهما أو بالأب مع عدمهم بالسوية
(للذكر مثل ميراث الأنثى) (1) ولا خلاف في شئ من ذلك أجده، وبه
صرح جماعة، إلا في الحكم الأخير من اقتسام الأخوال للأب والخالات له
بالتساوي، فقد خالف فيه بعض أصحابنا، كما في الخلاف، فحكم بأن الخؤولة
للأبوين والأب يقتسمون بالتفاضل (2) نظرا إلى تقربهم بأب في الجملة.
ورد بأن تقربهم للميت بالأم مطلقا ولا عبرة بجهة قربها.
وفيه أنه متى كان الحكم كذلك فالحكم في صورة التفرق بأن للمتقرب
بالأم السدس مع الوحدة والثلث مع الكثرة والباقي للمتقرب بالأبوين أو
الأب خاصة مع عدمه لا وجه له، بل الواجب على هذا الحكم بالتساوي.
وبالجملة فكلماتهم في هذه المسألة على الفقير مشتبهة.
فإنه إن كان الاعتبار بالنظر إلى تقرب هذا الوارث إلى الميت فتقرب
الخؤولة مطلقا إنما هو بالأم الموجب لاقتسام من تقرب بها بالسوية أعم من
أن يكون التقرب إليها بالأبوين أو أحدهما خاصة فلا وجه حينئذ لتخصيص
المتقرب إليها بالأم بالسدس أو الثلث، بل لا وجه لسقوط المتقرب إليها
بالأب متى اجتمع مع المتقرب إليها بالأبوين، وإن كان الاعتبار بالنظر إلى
تقرب الوارث إلى الواسطة أعني الأم فلا ينبغي النظر إلى الأم مطلقا.
وحيث إن النص مفقود في هذا المجال فالحكم فيه مطلقا لا يخلو عن
إشكال، وإن كان القول بالتسوية - كما هو المشهور - لا يخلو عن قرب، لأنه
مقتضى الشركة، كما مر مرارا إليه الإشارة، ولكنه يعارض بما مر من
العمومات الدالة على تفضيل الذكر على الأنثى، مع التعليل بقول مطلق.

(1) في المتن المطبوع: للذكر مثل حظ الأنثيين.
(2) الخلاف 4: 16، المسألة 6.
563

فالاحتياط بنحو من المصلحة لا يترك وان أمكن الذب عن هذا بترجيح
قاعدة الشركة عليه بالشهرة، فلا بأس بالعمل عليها حيث لا يمكن الاحتياط
بنحو من المصالحة، سيما مع ندرة قول بعض الأصحاب، كما صرح بها في
الروضة (1) مشعرا بدعوى الإجماع عليه، وقريب منها عبارة الكفاية (2)
وغيرها، فلا يبعد ترجيح المشهور مطلقا، سيما بملاحظة الرضوي الآتي.
(ولو اجتمع الأخوال والأعمام فللأخوال الثلث وللأعمام الثلثان)
إجماعا، مع تعدد الأخوال مطلقا، للرضوي: فإن ترك خالا وخالة وعما
وعمة فللخال والخالة الثلث بينهما بالسوية وما بقي فللعم والعمة للذكر مثل
حظ الأنثيين (3) ولأن الأخوال يرثون نصيب من تقربوا به وهو الأخت أو
الأم ونصيبهما الثلث والأعمام يرثون نصيب من يتقربون به وهو الأخ أو
الأب ونصيبهما الثلثان.
هذا، مضافا إلى فحاوي المعتبرة الآتية وعموم التعليل في جملة منها.
وفي الموثق: في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله، فقال:
لأعمامه الثلثان ولأخواله الثلث (4).
وقد روى الشيخ في الكتابين (5) في هذا الباب ويقتسمون كل منهم
نصيبهم من الثلث والثلثين اقتسامهم حال الانفراد فالأخوال بالسوية مطلقا
والأعمام بالتفاوت مع الاختلاف في الذكورة والأنوثة ومع الاتفاق فيهما
بالسوية. هذا ان اجتمعوا في الدرجة.

(1) الروضة 8: 154.
(2) كفاية الأحكام: 301 س 10.
(3) فقه الرضا (عليه السلام): 289.
(4) الوسائل 13: 454، الباب 62 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 1.
(5) التهذيب 9: 324 - 325.
564

ولو كانوا متفرقين فللأخوال من جهة الأم ثلث الثلث، ومع الاتحاد
سدسه، والباقي من الثلث للأخوال من جهة الأب وإن كان واحدا، والثلثان
للأعمام سدسهما للمتقرب منهم بالأم إن كان واحدا، وثلثهما إن كان أكثر
بالسوية وإن اختلفوا في الذكورة والأنوثة، والباقي للأعمام المتقربين بالأب
بالتفاضل.
وأما مع اتحاد الأخوال والأعمام بأن اجتمع خال أو خالة مع عم أو
عمة فالمشهور أن لكل من الخال أو الخالة الثلث أيضا كصورة التعدد،
والثلثان لكل من العم والعمة، بل عليه عامة المتأخرين، وفي المسائل
الناصرية الإجماع عليه (1) وفي السرائر أنه مذهب المحصلين (2). وهو
الحجة; مضافا إلى التعليل المتقدم إليه الإشارة، والمعتبرة المستفيضة.
ففي الصحيح: ان في كتاب علي (عليه السلام) رجل مات وترك عمة وخالة قال
للعمة الثلثان وللخالة الثلث (3).
وإن فيه أيضا: أن العمة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم، وبنت الأخ
بمنزلة الأخ، وكل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه، إلا أن يكون وارث
أقرب إلى الميت منه فيحجبه (4). وبمعنى ذيله الموثق (5) وغيره (6).
وفي الصحيح: رجل مات وترك عمة وخالة، قال: للعمة الثلثان وللخالة
الثلث.
ونحوه الخبر - بل الصحيح كما قيل (7) -: رجل ترك عما وخالا

(1) الناصريات: 421.
(2) السرائر 3: 261.
(3) الوسائل 17: 504، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الحديث 1.
(4) الوسائل 17: 487، الباب 5 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الحديث 9.
(5) المصدر السابق: 505 - 506، الباب 2، الحديث 6 - 7.
(6) المصدر السابق: 505 - 506، الباب 2، الحديث 6 - 7.
(7) القائل صاحب ملاذ الأخيار 15: 322، الحديث 16.
565

فأجاب الثلثان للعم والثلث للخال (1).
خلافا لصريح العماني والكيدري ومعين الدين المصري (2) وابن
زهرة (3) وظاهر المفيد (4) والديلمي (5) فقالوا: لكل من الخال والخالة
السدس.
وحجتهم عليه غير واضحة، عدا الحاق الأخوال والأعمام بالكلالة،
وهو مع عدم دليل عليه من أصله - كما عرفته - اجتهاد صرف في مقابلة
الأحاديث المعتبرة المعتضدة بالشهرة العظيمة، التي كادت تكون إجماعا، بل
لعلها إجماع في الحقيقة، كما صرح به في المسائل الناصرية (6).
فقولهم ضعيف غايته، كقول العماني أيضا: بأن للعم أو العمة النصف
وللخال والخالة السدس والباقي يرد عليهما على قدر سهامهما (7).
ويزيد الحجة على هذا بأن الرد إنما هو مع التسمية، وهؤلاء لا تسمية
لهم.
(ولو كان معهم) أي مع الأعمام والأخوال جميعا (زوج أو زوجة
فلكل منهما النصيب الأعلى) من النصف أو الربع (ولمن يتقرب) منهم
(بالأم) أي الأخوال وإن اتحدوا وكانوا لأم كما مر (ثلث الأصل) لا
ثلث الباقي (والباقي) وهو السدس على تقدير الزوج، وهو مع الربع على
تقدير الزوجة (لمن يتقرب) منهم (بالأب) أي الأعمام.
ولو تفرق الفريقان المجتمعان مع أحدهما أخذ كل منهما نصيبه الأعلى،

(1) الوسائل 17: 506، الباب 2 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الحديث 8.
(2) نقله عنهم صاحب المختلف 9: 28 - 29.
(3) الغنية: 326.
(4) المقنعة: 708.
(5) المراسم: 223.
(6) الناصريات: 421.
(7) ما نقله عنه في المختلف يختلف مع ما نسبه إليه المؤلف (قدس سره)، راجع المختلف 9: 28.
566

وللأخوال الثلث سدسه لمن تقرب منهم بالأم مع الوحدة، وثلثه لا معها،
والباقي من الثلث للأخوال من قبل الأبوين أو الأب عند عدمهم، والباقي
بعد نصيب أحد الزوجين والأخوال للأعمام سدسه للمتقرب بالأم مع
الوحدة، وثلثه لا معها بالسوية، والباقي للمتقرب منهم بالأبوين أو الأب عند
عدمهم بالتفاضل.
ولو اجتمع أحدهما مع أحد الفريقين خاصة فله نصيبه الأعلى كذلك،
والباقي لأحد الفريقين وإن اتحدوا، ومع التعدد واتفاق الجهة كالأعمام من
الأب خاصة أو من الأم كذلك أو الأخوال كذلك يقتسمون الباقي كما فصل.
ولو اختلف الجهة، فإن كان الفريق المجامع لأحدهما الأعمام خاصة
فلمن تقرب منهم بالأم سدس الأصل أو ثلثه بلا خلاف على ما يظهر منهم،
وبه صرح في المسالك (1) والروضة (2) وغيرهما من كتب الجماعة. وإن كان
الأخوال خاصة فكذلك أيضا على الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل نسبه
الشهيدان في الدروس (3) والمسالك (4) إلى ظاهر كلام الأصحاب، مشعرين
بدعوى الإجماع عليه.
خلافا للمحكي في القواعد (5) والتحرير (6) والدروس (7) والمسالك (8)
عن بعض الأصحاب فلمن تقرب منهم بالأم سدس الباقي. وللقواعد (9)
وفخر الدين (10) فله سدس الثلث، لأن الثلث نصيب الخؤولة فللمتقرب منهم
بالأم سدسه مع اتحاده وثلثه مع تعدده.

(1) المسالك 13: 175.
(2) الروضة 8: 158.
(3) الدروس 2: 374.
(4) المسالك 13: 175.
(5) القواعد 2: 175 س 23.
(6) التحرير 2: 166 س 33.
(7) الدروس 2: 373.
(8) المسالك 13: 175.
(9) القواعد 2: 175 س 23.
(10) الإيضاح 4: 228.
567

ويضعف بأن الثلث إنما يكون نصيبهم مع مجامعة الأعمام، وإلا فجميع
المال لهم، فإذا زاحمهم أحد الزوجين زاحم المتقرب منهم بالأب وبقيت
حصة المتقرب بالأم وهو السدس مع وحدته والثلث مع تعدده خالية عن
المعارض، مع أن هذا القول بل وسابقه أيضا لو صحا يجريان في اجتماع
أحد الزوجين مع الأعمام خاصة أيضا، فيكون للمتقرب بالأم منهم فسدس
الباقي خاصة أو ثلثه أو سدس الثلثين أو ثلثهما، مع أنهم لا يقولون بذلك ثمة.
واعلم أن هذه المرتبة مشتملة على طبقات متعددة مترتبة.
فالأولى: أعمام الميت وعماته وأخواله وخالاته ثم أولادهم مع عدمهم
ثم أولاد الأولاد، وهكذا مرتبين.
والثانية: أعمام أب الميت وأمه وعماتهما وأخوالهما وخالاتهما ثم
أولادهم فنازلا مرتبين كما في سابقتها.
والثالثة: أعمام الجد والجدة وعماتهما وأخوالهما وخالاتهما ثم
أولادهم فنازلا مرتبين.
والرابعة: أعمام أب الجد وأمه وأب الجدة وأمها وعمات كل منهم
وأخوال كل منهم وخالاتهم ثم أولادهم وإن نزلوا مرتبين.
(و) على هذا فإذا انتقل فرض الميت إلى الطبقة الثانية من طبقات
الفريقين، ف‍ (لو اجتمع عم الأب) أب الميت (وعمته وخاله وخالته
وعم الأم) أم الميت (وعمتها وخالها وخالتها) ورثوا جميعا، لاستوائهم
في الطبقة، و (كان لمن يتقرب) منهم (بالأم) من العم والعمة والخال
والخالة (الثلث بينهم) بالسوية (أرباعا، ولمن يتقرب) منهم (بالأب
الثلثان) الباقيان (ثلثاه لعمه وعمته) بينهما (أثلاثا) للذكر مثل حظ
الأنثيين (وثلثه) الباقي (لخاله وخالته) بينهما نصفين (بالسوية) هذا
(على قول) مشهور.
568

وقيل: بل يجعل لخال الأم وخالتها ثلث الثلث بالسوية ولعمها وعمتها
ثلثاه كذلك (1).
وأما الأعمام فكالمشهور. واحتمل بعضهم أن يكون للخؤولة الأربعة
من الطرفين الثلث بينهم بالسوية وفريضة الأعمام الثلثان ثلثهما لعم الأم
وعمتها بالسوية أيضا لتقربهما بالأم، وثلثاهما لعم الأب وعمته أثلاثا للذكر
مثل حظ الأنثيين (2).
والمسألة خالية من النصوص، فسلوك جادة الاحتياط فيها يصلح،
ونحوه مطلوب مع الإمكان، وإلا فلا محيص عن المشهور.
وتصح المسألة عليه من مائة وثمانية، كمسألة الأجداد الثمانية، إلا أن
الطريق هنا أن سهام أقرباء الأب ثمانية عشر توافق سهام أقرباء الأم أربعة
بالنصف، فيضرب نصف أحدهما في الآخر، ثم المجتمع في أصل الفريضة
وهو ثلاثة تبلغ مائة وثمانية. وكذا على القول الأخير.
وأما على القول الثاني فتصح من أربعة وخمسين، لأن سهام أقرباء الأم
ستة تداخل سهام أقرباء الأب الثمانية عشر، فيجتزئ بالأكثر، وتضرب في
الثلاثة أصل الفريضة تبلغ ذلك.
وهنا (مسائل) ثلاث:
(الأولى: عمومة الميت وعماته وخؤولته وخالاته وأولادهم وإن
نزلوا أولى من عمومة أبيه وخؤولته) وعمومة أمه وخؤولتها وعمومتهما
وخؤولتهما وأولادهم وإن نزلوا أولى من عمومة الجد والجدة وخؤولتهما،
وهكذا (وكذا أولاد كل بطن أقرب أولى من البطن الأبعد).

(1) الظاهر أنه المحقق الطوسي كما نقله عنه في مفتاح الكرامة 8: 171، س 11.
(2) الدروس 2: 375.
569

والأصل فيه - بعد الوفاق الظاهر المحكي في كلام جمع - الأولوية
المستفادة من آية إرث القرابة، والكلية الناطقة بتنزيل كل ذي رحم منزلة
الرحم الذي يجربه، كما في النصوص المتقدمة.
(و) منها مضافا إلى خصوص بعض النصوص إذا اجتمع ولد العم وولد
العمة فلولد العم وإن كان أنثى الثلثان ولولد العمة إن كان ذكرا الثلث (1) يظهر
الوجه في أنه (يقوم أولاد العمومة والعمات والخؤولة والخالات) من
كل طبقة (مقام آبائهم) وأمهاتهم في الإرث (عند عدمهم، ويأخذ كل
منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر) فيأخذ ولد العم أو العمة
وإن كان أنثى الثلثين، وولد الخال أو الخالة وإن كان ذكرا الثلث، وابن العمة
مع بنت العم الثلث كذلك، ويتساوى ابن الخال وابن الخالة وبنتهما، ويأخذ
أولاد العم والعمة للأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن كان أكثر، والباقي
لأولاد العم للأبوين أو للأب مع عدمهم، وكذا القول في أولاد الخؤولة
المتفرقين.
ولو اجتمعوا جميعا فلأولاد الخال الواحد أو الخالة كذلك، للأم سدس
الثلث، ولأولاد الخالين أو الخالتين فصاعدا أو هما كذلك ثلث الثلث، وباقيه
للمتقرب منهم بالأب. وكذا القول في أولاد العمومة المتفرقين بالإضافة إلى
الثلثين، وهكذا.
ويقتسم أولاد العمومة من الأبوين أو الأب عند عدمهم بالتفاوت للذكر
مثل حظ الأنثيين إذا كانوا إخوة مختلفين في الذكورية والأنوثية، ويقتسم
أولاد العمومة من الأم بالتساوي، وكذا أولاد الخؤولة مطلقا لأب كانوا
أو لأم أو لهما.

(1) الوسائل 17: 508، الباب 5 من أبواب ميراث الأعمام والأخوال.
570

(الثانية: من اجتمع له سببان) أي موجبان للإرث. والمراد بالسبب
هنا المعنى الأعم من السبب بالمعنى السابق، لشموله النسب (ورث بهما)
معا (ما لم يمنع أحدهما الآخر) ولم يكن ثمة من هو أقرب منه فيهما
أو في أحدهما.
(فالأول) أي الذي يرث بالسببين اللذين لم يمنع أحدهما الآخر
(كابن عم لأب هو ابن خال لأم، أو زوج هو ابن عم أو عمة لأب هي
خالة لأم).
ويتصور الأول: فيما لو تزوج أخ الشخص من أبيه بأخته من أمه فهذا
الشخص بالنسبة إلى ولد هذين عم، لأنه أخو أبيه من الأب، وخال، لأنه
أخو أمه من الأم وولده ابن عم لأب وابن خال لأم، وكل من الولد والوالد
يصلح للمثال، فيرث نصيب الخؤولة والعمومة حيث لا مانع له منهما أو من
أحدهما، فلو اجتمع معه عم للأبوين حجبه عن الإرث بنصيب العمومة
وكان له الثلث بنصيب الخؤولة.
ويتصور الثالث: في رجل له ابن تزوج بامرأة لها بنت ثم ولدت منه بنتا
وتزوج ابن الرجل من غير هذه المرأة بنتها من غيره، فابنته منها عمة وخالة
لمن يتولد من ولديهما اللذين تزوج أحدهما بالآخر.
(والثاني) أي الذي أحد السببين فيه يحجب الآخر فلا يرث بهما معا،
بل بأحدهما هو (كابن عم هو أخ لأم).
ويتصور: في رجل تزوج بامرأة أخيه ولأخيه منها ولد اسمه حسن ثم
ولد له منها ولد اسمه حسين فحسن ابن عم لحسين وأخوه لأمه، فإذا توفي
ورثه حسين من جهة كونه أخا لا من جهة كونه ابن عم، لأن الأخ حاجب
لابن العم. ولا خلاف في شئ من ذلك، ولا في أنه لا يمنع ذو السبب
571

المتعدد من هو في طبقة من ذي السبب الواحد من حيث توهم قوة السبب
بتعدده، لأن مدار الحجب أنما هو على الاختلاف في القرب والبعد بحسب
البطون، لا على وحدة القرابة وتعددها، فيأخذ ذو القرابتين مع عدم المانع
من جهتي استحقاق النصيبين، ويأخذ ذو القرابة الواحدة من جهتها نصيب
واحد. ولا يعترض بتقديم المتقرب بالأبوين على المتقرب بالأب وحجبه
إياه، فإن ذلك جار على خلاف الأصل، ومن ثم شاركه المتقرب بالأم.
(الثالثة:) لا ريب ولا خلاف في أن (حكم أولاد العمومة و) أولاد
(الخؤولة مع) مجامعتهم (الزوج والزوجة حكم آبائهم) وأمهاتهم في
أنه (يأخذ من يتقرب بالأم) منهم نصيبها، وهو (ثلث الأصل، و) يأخذ
كل من (الزوج) والزوجة (نصيبه الأعلى) منه من النصف أو الربع (و)
يكون (ما بقي) عن أنصبائهم (لمن تقرب) منهم (بالأب) ويقتسم كل
منهم اقتسامهم حال انفرادهم عن الزوجين بنحو ما سبق تفصيله.
* * *
572

(المقصد الثاني في) بيان (ميراث الأزواج)
اعلم أن الزوجين يدخلان على جميع الطبقات ولا يحجبهما حجب
حرمان أحد، لعموم الآية (1) والمعتبرة المستفيضة، بل المتواترة، وخصوص
المعتبرة:
منها القريب من الصحيح: إن الله تعالى أدخل الزوج والزوجة على جميع
أهل المواريث، فلم ينقصهما من الربع والثمن (2).
والإجماع، بل الضرورة، وقد مر أن (للزوج مع عدم الولد) الغير
الممنوع من الإرث وإن نزل (النصف وللزوجة) مع عدمه كذلك
(الربع، و) إن لكل واحد منهما (مع وجوده وإن نزل نصف النصيب)
من الربع أو الثمن ويكون الباقي لباقي الورثة من أرباب الطبقات الثلاث
كائنا من كانوا ولو كانوا معتقين أو ضمناء جريرة.
(ولو لم يكن) منهم (وارث سوى الزوج رد عليه الفاضل) من
نصيبه الأعلى على الأشهر الأقوى، بل ظاهر العبارة ونحوها والتنقيح عدم

(1) النساء: 12.
(2) الوسائل 17: 510، الباب 1 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 2.
573

الخلاف فيه (1) وفي صريح كلام الشيخين في كتاب الأعلام (2) والإيجاز (3)
والاستبصار (4) والسيدين في الغنية (5) والانتصار (6) والحلي في السرائر (7)
الإجماع عليه. وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الصريحة.
ففي الصحيح: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدعا بالجامعة فنظر فيها فإذا
فيها امرأة ماتت وتركت زوجها ولا وارث لها غيره المال له كله (8).
وفيه: امرأة توفيت ولم يعلم لها أحد ولها زوج، قال: الميراث لزوجها (9).
وفي الموثق: امرأة تركت زوجها، قال: المال كله له إذا لم يكن لها وارث
غيره (10).
وفيه: قرأ علي أبو عبد الله (عليه السلام) فرائض علي (عليه السلام) فإذا فيها الزوج يحوز
المال إذا لم يكن غيره (11). ونحوها غيرها.
خلافا للمحكي عن ظاهر الديلمي، فلا يرد عليه، بل هو للإمام (عليه السلام) (12)
لظاهر الآية المؤيد بالأصل، لأن الرد إنما يستفاد من آية أولي الأرحام،
والرحم منتف عن الزوج من حيث هو زوج، وللموثق: لا يكون رد على
زوج ولا زوجة (13).
وهو شاذ، ومستنده ضعيف، لوجوب الخروج عن الأصل بما مر، وعدم

(1) التنقيح 4: 189.
(2) الإعلام (مصنفات الشيخ المفيد) 9: 55.
(3) الإيجاز (الرسائل العشر): 271.
(4) الاستبصار 4: 149 ذيل الحديث 6.
(5) الغنية: 332.
(6) الانتصار: 584.
(7) السرائر 3: 268.
(8) الوسائل 17: 512، الباب 3 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3.
(9) المصدر السابق: 511، الحديث 1.
(10) المصدر السابق: 513، الحديث 12.
(11) المصدر السابق: 512، الحديث 2.
(12) المراسم: 222، والحاكي صاحب كشف اللثام 2: 300، س 3.
(13) الوسائل 17: 516، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 10.
574

مقاومة الموثق له من وجوه، مع احتماله الحمل على التقية، بل حمله عليها
بعض الأجلة (1) قال: لموافقتها لمذاهب العامة، ويكون ذلك مذهبهم كافة،
كما صرح في الانتصار (2). فلا ريب في المسألة بحمد الله سبحانه.
(وفي) رد الفاضل عن نصيب (الزوجة) عليها إذا لم يكن بعد
الإمام (عليه السلام) وارث سواها (قولان) بل أقوال.
(أحدهما): أنه لا رد عليها، بل (لها الربع) خاصة (والباقي
للإمام (عليه السلام)) مطلقا، للأصل المتقدم إليه الإشارة، والمعتبرة المستفيضة:
منها الصحيح: كتب محمد بن حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام)
مولى لك أوصى إلي بمائة درهم وكنت أسمعه يقول: كل شئ لي فهو
لمولاي فمات وتركها ولم يأمر فيها بشئ وله امرأتان - إلى أن قال: -
فكتب (عليه السلام): انظر أن تدفع هذه الدراهم إلى زوجتي الرجل وحقهما من ذلك
الثمن إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد فالربع وتصدق بالباقي على من
تعرف له حاجة (3).
ولا قصور فيه بالمكاتبة، كما قرر في محله، ولا في الدلالة من حيث
توهم كون المائة له (عليه السلام) بالإقرار لا بالإرث، لأن كون السهم المذكور حقا
للزوجتين على التفصيل الذي يقتضيه الإرث يدل دلالة ظاهرة على أنه
بطريق الإرث، مع أن الإقرار يختلف حاله في الصحة والمرض، فيقبل في
الأول مطلقا، وفي الثاني في بعض الصور كذلك، وفي الباقي يمضي عليه من
الثلث لا مطلقا. فترك الاستفصال عن أحوال المقر وصور إقراره والجواب

(1) لم نقف عليه، نعم ذكره المحدث الكاشاني، ولم يعتن قائله، راجع مفاتيح الشرائع 3: 304.
(2) الانتصار: 584.
(3) الوسائل 17: 514، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.
575

بالتصدق بعد إخراج الربع بقول مطلق كالصريح في أن ذلك بالإرث.
واحتمال علمه بحقيقة حال المقر وإقراره بحيث يناسب كونه بالإقرار غير
مذكور في الخبر، فيدفع بالأصل، ومنها الموثقات.
في أحدها: قرأ علي أبو جعفر (عليه السلام) في الفرائض امرأة توفيت وتركت
زوجها، قال: المال للزوج، ورجل توفي وترك امرأته، قال: للمرأة الربع وما
بقي فللإمام (عليه السلام) (1).
وفي الثاني: رجل توفي وترك امرأته، قال: للمرأة الربع وما بقي
فللإمام (عليه السلام) (2).
وفي الثالث: أعط المرأة الربع واحمل الباقي إلينا (3). ونحوها غيرها.
وأكثر هذه الأخبار وإن كان يتوهم منها الاختصاص بحال حضور
الإمام (عليه السلام) - من حيث وقوع التعبير فيها عن الموت في الأسئلة بلفظ
الماضي، الظاهر في وقوعه حال السؤال المصاحب لحضور الإمام (عليه السلام) - لكن
الموثقة الأولى ظاهرة في العموم لحالتي الحضور والغيبة، لحكايتها الحكم
المذكور عن صحيفة الفرائض، التي تضمنت الأحكام على سبيل القاعدة
والكلية.
هذا، مع أن الظاهر من الأسئلة وإن تضمنت لفظ الماضي السؤال عن
الحكم بعنوان الكلية في الرجل المتوفى المخلف للزوجة خاصة، من دون
قصد إلى صورة خاصة تضمنتها الأسئلة، بل ربما لم تكن واقعة حينها.
وربما يومئ إلى ظهور ما ذكرنا فهم الأصحاب أولا، حيث استدلوا بهذه
الأخبار لعدم الرد مطلقا.
وثانيا: قولهم (عليهم السلام) في أكثرها بعد الأمر باعطاء الربع والباقي للإمام (عليه السلام).

(1) الوسائل 17: 515، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3، 4، 2.
(2) الوسائل 17: 515، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3، 4، 2.
(3) الوسائل 17: 515، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3، 4، 2.
576

ولو كان موردها صورة الحضور خاصة لكان المناسب أن يقولوا: والباقي
يبعث إلي، أو هو لي، أو ما شاكل ذلك، مما وقع التعبير به في الموثق الثالث.
فالعدول عنه إلى قول: «إن الباقي للإمام» بقول مطلق ظاهر في العموم.
وثالثا: وقوع التعبير بلفظ الماضي في مواضع لا يختص الحكم فيها
بحال الحضور قطعا، مثل ما ورد في صحيفة الفرائض وغيرها.
(و) القول (الآخر): إنه (يرد عليها الفاضل) مطلقا (كالزوج)
للمعتبرين:
أحدهما الصحيح: رجل مات وترك امرأته، قال: المال لها، فقال: امرأة
ماتت وتركت زوجها، قال: المال له (1).
وهذا القول شاذ، مخالف للأصل، والنصوص المستفيضة المتقدمة، التي
لا يعارضها المعتبران من وجوه عديدة. ومع ذلك القائل به غير معروف، عدا
المفيد فيما يحكى عن ظاهره في المقنعة في عبارة محتملة، لكون ذلك
حكم الزوج خاصة (2) ومع ذلك ذكر الحلي (3) أنه رجع عنه في كتاب
الإعلام (4).
وكيف كان فالمصير إلى هذا القول ضعيف غايته وإن صح مستنده،
لمعارضته بأجود منه مما مر، فليحمل على ما يأتي، أو على ما إذا كانت
الزوجة قريبة للزوج فترث الباقي بالقرابة، كما ذكره الشيخ في الكتابين،
مستشهدا عليه بالصحيح: عن رجل مات وترك امرأة قرابة ليس له قرابة
غيرها، قال: يدفع المال كله إليها (5).

(1) الوسائل 17: 516، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 6 و 9.
(2) المقنعة: 691.
(3) السرائر 3: 244.
(4) الإعلام (مصنفات الشيخ المفيد) 9: 55.
(5) التهذيب 9: 295، الحديث 17 والاستبصار 4: 151، الحديث 6.
577

وفيه نظر، ومع ذلك فهو أظهر من الجمع الذي سيذكر.
(وقال ثالث) وهو الصدوق: (بالرد) عليها (مع عدم) ظهور
(الإمام (عليه السلام)) وغيبته وبعدمه مع حضوره (1) وتبعه جماعة من المتأخرين،
جمعا بين الأخبار، بحمل ما دل منها على الرد على حال الغيبة، وما دل منها
على عدمه على حال الحضور، ولا شاهد عليه أصلا، ولا موجب له جدا،
سوى الحذر عن إهمال الحديث الصحيح لو لم يرتكب هذا الجمع. ولا وجه
له بعد إمكان الجمع بغيره مما مر، بل جعله الشيخ أولى في التهذيب (2).
ومنه يظهر ما في نسبة هذا القول إليه فيه، بل ولو لم يجعله أولى - كما
في الاستبصار (3) - لم يمكن النسبة أيضا، لترديد الجمع بين الاحتمالين، مع
عدم تصريحه بترجيح الجمع الذي يوافق هذا القول، مع أن احتمالاته في
مقام الجمع في الكتابين وإن لم يقع فيها ترديد لم يمكن نسبة القول بها إليه
فيهما، كما مضى التنبيه عليه مرارا.
هذا، وربما يضعف هذا الجمع بأن تخصيص ما دل على الرد بحال الغيبة
بعيد جدا، لأن السؤال فيه للباقر (عليه السلام) وقع من رجل مات بصيغة الماضي،
وأمرهم (عليه السلام) حينئذ ظاهر، والدفع إليهم ممكن. فحمله على حال الغيبة
المتأخرة عن زمن السؤال عن ميت بالفعل بأزيد من مائة وخمسين سنة
أبعد - كما قال ابن إدريس - مما بين المشرق والمغرب (4).
وفيه نظر يظهر وجهه أولا مما مر.
وثانيا: أنه على تقدير تسليمه إنما يجري في الصحيح الذي من حيث
وقع التعبير فيه بلفظ الماضي، وليس يجري في المعتبر الآخر القريب منه

(1) الفقيه 4: 262، ذيل الحديث 5612.
(2) التهذيب 9: 295، ذيل الحديث 16.
(3) الاستبصار 4: 154، ذيل الحديث 5.
(4) السرائر 3: 243.
578

سندا بابن أبي عمير عن أبان بن عثمان، لوقوع التعبير فيه بلفظ المضارع (1)
المحتملة لحصول المبدأ في حال الغيبة، ولم يستفصل عنه وعن حصوله في
حال الحضور، فيعم الجواب بالرد عليها لهما.
وأول من جمع بهذا الجمع هو الصدوق في الفقيه (2) وهو لم يرد فيه
إلا هذا الخبر، دون الصحيح الذي مر.
وبمقتضى ما ذكره المصنف لهذا الجمع من مراعاة مدلول صيغتي
الماضي والمضارع يقوى هذا الجمع، ويتوجه من الصدوق، حيث إنه ذكر
مما دل على عدم الرد ما وقع التعبير فيه بلفظ الماضي، وما دل على الرد
بلفظ المضارع.
نعم لا يتوجه من الشيخ الذي هو مورد اعتراض الحلي، حيث اقتصر
على ذكر الصحيح المتقدم.
وبالجملة الأجود في رد هذا الجمع ما قدمناه من عدم شاهد عليه،
والترجيح لجانب ما دل على عدم الرد، لموافقة الأصل، والعمومات، والتعدد
بحد الاستفاضة، وغير ذلك مما سيأتي إليه الإشارة.
(و) مما ذكرنا ظهر أن (الأول) من هذه الأقوال (أظهر) مع أنه
أشهر، كما في عبائر جمع، بل يستفاد من الانتصار عدم الخلاف فيه، فإنه
قال: وأما الزوجة فقد وردت رواية شاذة بأنها ترث المال كله إذا انفردت
كالزوج، ولكن لا معول عليها، ولا تعمل الطائفة بها (3). وقريب منه كلام
الحلي، حيث قال مشيرا إلى المختار: أنه لا خلاف فيه بين محصل متأمل
إلا رواية شاذة لا يلتفت إليها (4).

(1) الوسائل 17: 515، الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 6.
(2) الفقيه 4: 262، ذيل الحديث 5612.
(3) الانتصار: 584.
(4) السرائر 3: 242.
579

وهذه الأمور من الشهرة المحكية، بل المحققة، والعبارات المعربة عن
عدم الخلاف بين الطائفة معاضدات أخر قوية للأدلة المتقدمة. فلا ريب أيضا
في هذه المسألة بحمد الله سبحانه.
(وإذا كن) أي الزوجات، وإنما جمع الضمير نظرا إلى معنى الخبر،
وهو (أكثر من واحدة فهن مشتركات في الربع) مع عدم الولد (أو
الثمن) معه اتفاقا، فتوى ونصا، ومنه الصحيح المتقدم في البحث السابق،
الصحيح الآتي في المسألة الأولى من المسألتين، والخبر المنجبر قصوره
بالعمل: لا يزاد الزوج على النصف ولا ينقص من الربع، ولا تزاد المرأة على
الربع ولا تنقص من الثمن، وإن كن أربعا أو دون ذلك فهن فيه سواء - إلى أن
قال -: الفضل الراوي له، وهذا حديث صحيح على موافقة الكتاب (1).
وذكر الأربع فيه وارد على الغالب والمقرر بحسب الشرع، وإلا فلو
فرض زيادتهن عليه اقتسمن أحد النصيبين بينهن أيضا بالسوية بلا خلاف،
وبه صرح الحلي، كما تقدمت إليه الإشارة. وربما اقتضته إطلاق العبارة وما
ضاهاها من عبائر الجماعة.
(و) اعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب أن مجرد العقد مع عدم
الدخول كاف في ثبوت التوارث بين الزوجين، ف‍ (ترث الزوجة) زوجها
(وإن لم يدخل بها الزوج، وكذا الزوج) يرثها وإن لم يدخل بها. والأصل
فيه بعد الإجماع وعموم الكتاب والسنة خصوص النصوص المستفيضة،
وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة:
منها: في امرأة توفيت قبل أن يدخل بها، قال: فلها نصف المهر وهو
يرثها، وفي رجل توفي قبل أن يدخل بامرأته، قال: ان كان فرض لها مهرا

(1) الوسائل 17: 511، الباب 2 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.
580

فلها نصفه وهي ترثه (1).
ومنها: في الرجل يموت وتحته امرأة لم يدخل بها، قال: لها نصف المهر،
ولها الميراث كاملا (2). إلى غير ذلك من النصوص المتقدمة في كتاب النكاح
في بحث المهور.
ويستثنى منه عند الأصحاب ما لو تزوج المريض ومات في مرضه قبل
الدخول بها، فإنها لا ترثه، كما يأتي.
(وكذا) يتوارثان ما دامت المرأة في حبال الزوج ولو بعد الطلاق إذا
كانت (في العدة الرجعية خاصة) دون البائنة فلا توارث بينهما فيها،
ولا بعد العدة مطلقا إجماعا في المقامين، وللنصوص المستفيضة، التي
كادت تكون متواترة فيهما، كما تقدم في باب كراهة طلاق المريض إلى
جملة منها الإشارة.
نعم يستثنى عند الأصحاب من عدم التوارث في العدة البائنة صورة
واحدة أشار إليها بقوله: (لكن لو طلقها) حال كونه (مريضا ورثت) منه
هي خاصة (وإن كان) الطلاق (بائنا ما لم تخرج السنة) من ابتداء
الطلاق إلى حين موت الزوج (ولم يبرأ) الزوج من مرضه الذي طلقها فيه
(ولم تتزوج) هي، وقد مضى الكلام مستوفى في كتاب الطلاق في الباب
المتقدم إليه الإشارة في هذه المسألة (و) في أنه (لا ترث) المطلقة
بالطلاق (البائن إلا هنا) أي في هذه الصورة المستثناة.
(ويرث الزوج من جميع ما تركته المرأة) التي توفيت وهي في حبالته
مطلقا، ذا ولد كان منها أم لا بإجماع المسلمين كافة، كما في الإيضاح (3)

(1) الوسائل 15: 73، الباب 58 من أبواب المهور، الحديث 8.
(2) المصدر السابق: 71، الحديث 1.
(3) الإيضاح 4: 240.
581

والتنقيح (1) للعمومات من الكتاب والسنة، مع اختصاص الأدلة المخصصة
لها من النصوص المستفيضة بل المتواترة والإجماعات المنقولة حد الاستفاضة
بالزوجة، مضافا إلى خصوص بعض النصوص الآتية. (وكذا المرأة) ترث
الزوج من جميع ما تركه (عدا العقار) فلا ترث منه عينا إجماعا.
وخلاف الإسكافي (2) بإرثها منه أيضا شاذ مسبوق بالإجماع وملحوق
به، كما في نكت الإرشاد (3) وشرح الشرائع للصيمري (4) وغيرهما. وفي
صريح الانتصار (5) والسرائر (6) والمسالك (7) وغيرها من كتب الجماعة
وظاهر الغنية أن الحكم بذلك من متفردات الإمامية (8).
وأما الصحيح: عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة
شيئا، أو يكون ذلك بمنزلة المرأة؟ فقال: يرثها وترثه من كل شئ ترك
وتركت (9). فحمله على التقية متعين، لموافقته العامة، كما صرح به جماعة،
ويظهر من جملة الروايات الآتية، وهو أولى من تخصيص العموم في جانب
الزوجة بما عدا الأراضي، لمنافاته لسياق الرواية.
وكذا من تخصيص الزوجة بذات الولد من الزوج، لعدم الشاهد عليه من
اجماع أو رواية معتبرة وإن اشتهر بين المتأخرين، كما سيأتي إليه الإشارة،
ولا قيمة أيضا على الأشهر الأقوى.
خلافا للمرتضى (10). وهو ضعيف جدا، كما سيأتي بيانه مفصلا إن شاء
الله تعالى.

(1) التنقيح 4: 190.
(2) نقله عنه في المختلف 9: 34.
(3) غاية المراد: 149 س 1 (مخطوط).
(4) غاية المرام: 179 س 8 (مخطوط).
(5) الانتصار: 585.
(6) السرائر 3: 259.
(7) المسالك 13: 184.
(8) الغنية: 324.
(9) الوسائل 17: 522، الباب 7 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.
(10) الانتصار: 585.
582

وبالجملة لا شبهة في أنها لا ترث من العقار شيئا (وترث من قيمة
الآلات) أي آلات البناء من الأخشاب والأبواب (والأبنية) من الأحجار
والطوب وغيرها دون عينها بلا خلاف فيهما ممن عدا الإسكافي (1).
وخلافه في إرثها من عينها أيضا كخلاف السابق شاذ لا يلتفت إليه،
لاستفاضة النصوص قبل الإجماع، بل تواترها على رده في المقامين.
ففي الصحيح: لا يرثن النساء من العقار شيئا ولهن قيمة البناء والشجر
والنخل، يعني بالبناء الدور، وإنما عنى من النساء الزوجة (2).
وفيه: لا ترث النساء من عقار الدور شيئا ولكن يقوم البناء والطوب
ويعطى ثمنها أو ربعها (3).
وفي الخبر: لا ترث النساء من عقار الأرض شيئا (4).
وفي آخر: المرأة ترث الطوب، ولا ترث من الرباع شيئا (5) الحديث.
والمراد بإرثها من الطوب إرثها من قيمته لا من عينه، كما في الأخبار
المفصلة:
منها - زيادة على ما مر - الخبر: انما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب
لئلا يتزوجن فيدخل عليهم من يفسد مواريثهم.
وفي آخر: إن النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئا ولكن لهن قيمة
الطوب والخشب، قال: قلت: إن الناس لا يأخذون بهذا، فقال: إذا ولينا
ضربناهم بالسوط فإن انتهوا وإلا ضربناهم بالسيف (6).

(1) التنقيح 4: 192.
(2) الوسائل 17: 522، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 16.
(3) المصدر السابق: 519، الحديث 7.
(4) المصدر السابق: الحديث 6.
(5) المصدر السابق: 518، الحديث 2.
(6) المصدر السابق: 520، الحديث 11.
583

وفي ثالث: ليس للنساء من الدور والعقار شئ (1). إلى غير ذلك من
النصوص الآتية.
واعلم أنه قد اختلف الأصحاب فيما يحرم منه الزوجة.
فمنهم من اقتصر على ما في العبارة من العقار خاصة كالمفيد (2)
والحلي (3) اقتصارا في تخصيص العمومات القطعية على القدر المتيقن،
المجمع عليه، المصرح به في النصوص المذكورة.
(ومنهم من طرد الحكم في أرض المزارع والقرى) وغيرها،
وبالجملة نفس الأرض مطلقا، سواء كانت بياضا، أم مشغولة بزرع وشجر
وبناء وغيرها، كالنهاية (4) والقاضي (5) والحلبي (6) وابن حمزة (7) بل ادعى
عليه الشهرة جماعة، كالفاضل في التحرير (8) والقواعد (9) وولده في
الشرح (10) والشهيدين في النكت (11) والمسالك (12) والمفلح الصيمري في
شرح الشرائع (13) والمقدس الأردبيلي (رحمه الله) (14) وصاحبي المفاتيح (15)
والكفاية (16).
وبالجملة أكثر من وقفت على كلماتهم في المسألة ومع ذلك اختاروه
إلا نادرا منهم، وهو أيضا مذهب الماتن في الشرائع (17) والفاضل في

(1) المصدر السابق: ح 10.
(2) المقنعة: 687، وفيها: الرباع.
(3) السرائر 3: 259، وفيها الرباع.
(4) النهاية 3: 210.
(5) المهذب 2: 140 - 141.
(6) الكافي في الفقه: 374.
(7) الوسيلة: 391.
(8) التحرير 2: 168 س 25.
(9) القواعد 2: 178 س 23.
(10) الإيضاح 4: 240.
(11) غاية المراد: 150 س 13 (مخطوط).
(12) المسالك 13: 184.
(13) غاية المرام: 179 س 7 (مخطوط).
(14) مجمع الفائدة 11: 455.
(15) مفاتيح الشرائع 3: 329.
(16) كفاية الأحكام: 302 س 20.
(17) الشرائع 4: 34.
584

المختلف (1) والإرشاد (2) والشهيد في الدروس (3) واللمعة (4) وفي الخلاف
الإجماع عليه (5). وهو الأظهر، للنصوص المستفيضة المصرحة بذلك.
ففي الصحيح: أن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار وأرض،
إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها (6).
وفيه: لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئا
وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت مما ترك وتقوم النقض
والأبواب والجذوع والقصب فتعطى حقها منه (7).
ونحوه الموثق: لا ترث من تركة زوجها من القرى والدور والسلاح
والدواب شيئا، وترث من المال والرقيق والثياب ومتاع البيت مما ترك،
ويقوم النقض والجذوع والقصب فتعطى حقها (8).
وفي القريب منه سندا: لهن قيمة الطوب والبناء والقصب والخشب، فأما
الأرض والعقارات فلا ميراث لهن فيه، قال: قلت: فالثياب، قال: لهن (9).
ونحوه الخبر (10).
وفي آخر: لا يرثن من الأرض والعقارات شيئا (11).
وفي ثالث: لا يرثن من الدور والضياع شيئا إلا أن يكون أحدث بناء
فيرثن ذلك البناء (12).

(1) المختلف 9: 36.
(2) الإرشاد 2: 125.
(3) الدروس 2: 358.
(4) اللمعة: 248.
(5) الخلاف 4: 116، المسألة 131.
(6) الوسائل 17: 519، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 5.
(7) المصدر السابق: 517، الحديث 1.
(8) المصدر السابق: 520، الحديث 12.
(9) المصدر السابق: 518، الحديث 3.
(10) الفقيه 4: 347، الحديث 5748.
(11) الوسائل 17: 518، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 4.
(12) المصدر السابق: 521، الحديث 13.
585

والمراد بإرثهن منه إرثهن من القيمة، بدلالة الأخبار المفصلة.
وفي رابع: أن بكيرا حدثني عن أبي جعفر (عليه السلام) أن النساء لا يرثن مما
ترك زوجها من تربة دار ولا أرض، إلا أن يقوم البناء والجذوع والخشب
فتعطى نصيبها من قيمة البناء، وأما التربة فلا تعطى شيئا من أرض ولا تربة،
قال زرارة: هذا لا شك فيه (1).
ودلالة هذه الأخبار مع اعتبار سند جملة منها بالصحة والموثقية
وانجبار باقيها بالشهرة العظيمة المحققة جدا والمحكية ظاهرة الدلالة على
المختار. ولا يقدح في حجية بعضها تضمنه لما لا يقول به أحد من السلاح
والدواب، لأن طرح بعض الخبر لمعارض أقوى لا يوجب طرح ما لا
معارض فيه، كما مر مرارا. وربما يؤول ذلك بأنهما من الحبوة أو موصى به
أو صدقة أو نحوها مما لا ترث الزوجة ولا غيرها معه.
نعم ذلك نقض في مقام التعارض إذا كان المعارض موجودا، ولا وجود
له هنا سوى العمومات المتفق على تخصيصها ولو في الجملة كثيرا، وهو
نقض أيضا، فيتساوى النقضان، والخاص مقدم.
وأما الأخبار السابقة فلا معارضة فيها لهذه الأخبار بوجه، إذ غايتها
اثبات الحرمان في العقارات. ولا يتنافى بينه وبين إثباته من جملة الأراضي
ولو كانت غيرها من هذه الأخبار بوجه أصلا.
فلا وجه مع ذلك للقول الأول إلا مراعاة تقليل التخصيص والاقتصار فيه
على المتيقن منه، وليس بوجه، لوجوب الالتزام به ولو كثر بعد قيام الدليل
عليه، وقد قام كما ظهر لك في المقام. والاقتصار على المتيقن غير لازم،
بل يكفي المظنون بعد حصول الظن به من الأخبار المزبورة.

(1) المصدر السابق: الحديث 15.
586

ومنع حصوله منها، أو عدم حجية مثلها، بناء إما على عدم حجية أخبار
الآحاد، أو عدم قابليتها لتخصيص نحو عمومات الكتاب ضعيف على
الأشهر الأقوى، كما حقق في محله مستقصى.
وأما ما في شرح الإرشاد للمقدس الأردبيلي (رحمه الله) (1) والكفاية (2) من
المناقشات في جملة الأخبار الواردة في المسألة وتأويلها بتأويلات بعيدة
وتمحلات غير سديدة فمما لا ينبغي الالتفات إليه، والعروج في مقام
التحقيق عليه، وكفاه فسادا مخالفته لفهم الأصحاب كافة، مع عدم تعرض
أحد منهم لشئ منه أصلا. ولو جرى أمثال هذه التأويلات في الروايات
لاندرس جملة الأحكام، وما بقي لها أثر في محل ولا مقام.
ثم إن ظاهر العبارة وما ضاهاها من عبائر الجماعة في الاقتصار فيما
تحرم منه على العقار والأبنية والآلات عدم حرمانها من نحو الشجر
والنخل، وهو أحد القولين في المسألة، وفي الثاني إلحاقه بالآلات نسب إلى
القواعد (3) والدروس (4) وأكثر المتأخرين، وهو مذهب فخر الدين، مدعيا
هو ووالده (5) والصيمري (6) وغيرهم أنه المشهور بل الظاهر منهم أنه لا
خلاف فيه على المشهور، وفي المسالك أنه ممنوع كما يظهر من تتبع
عباراتهم (7).
وكيف كان فالأقرب الإلحاق، للتصريح به في بعض الصحاح المتقدمة،
مضافا إلى إمكان استفادته من جملة النصوص النافية لإرثهن من العقار شيئا
والنخل والشجر منها، كما صرح به جماعة، ومنهم بعض أهل اللغة، بل جماعة.

(1) مجمع الفائدة 11: 455.
(2) كفاية الأحكام: 303 س 17.
(3) القواعد 2: 178 س 23.
(4) الدروس 2: 358.
(5) الإيضاح 4: 240.
(6) غاية المرام: 179 س 6 (مخطوط).
(7) المسالك 13: 185.
587

وعدم التعرض فيها للقيمة غير ضائر، بعد قيام الإجماع على ثبوتها، إذ
لا قائل بالحرمان منها عينا وقيمة، لتردده بين الحرمان منه عينا خاصة أو
عدمه بالكلية، فإذا ثبت الحرمان عينا من هذه الأخبار ثبت القيمة بعدم
القائل بالفرق بين الطائفة، مع أن في إثباتها مناسبة لاثباتها في الآلات
والأبنية، بل ربما ادعى دخول الشجر في الآلات وإن كان بعيدا، مع ما فيه
من تقليل التخصيص للعمومات، وظاهر شيخنا في المسالك الميل إلى
هذا (1). وفي الروضة إلى الأول، قائلا: إن النصوص الصحيحة وغيرها دالة
عليه أكثر من دلالتها على القول المشهور بين المتأخرين (2). وفيه نظر.
(و) للسيد المرتضى (3) (علم الهدى) في أصل المسألة قول ثالث
تفرد به، حيث إنه (يمنعها) أي الزوجة من (العين) أي عين الرباع خاصة
(دون القيمة) فيثبتها لها مراعاة للجمع بين العمومات وما أجمع عليه
الأصحاب من الحرمان، بتخصيص الحرمان بالعين، وإيجاب القيمة على نحو
ما اختاره في الحبوة.
وهو شاذ، ومستنده ضعيف، لظهور كلمات القوم قديمهم وحديثهم في
الحرمان منها عينا وقيمة، وإن اختلفوا في مقدار ما يحرم منه، ويشير إلى
ذلك استنادهم إلى الأخبار، وهي كما عرفت صريحة في حرمانها من
الأرض مطلقا عينا وقيمة، بدليل استثناء القيمة من آلاتها خاصة، ومع ذلك
فهي حجة برأسها في خلافه، فإنها ليست من الآحاد حتى لا يقال بحجيتها
ولا يخصص عموم الكتاب بها.
ولو سلم فالقرينة على صحتها من فتاوى الأصحاب موجودة جدا،

(1) المسالك 13: 187.
(2) الروضة 8: 174.
(3) الانتصار: 585.
588

فيكون من الآحاد المحفوفة بالقرائن القطعية. ولا ريب في حجيتها لأحد
حتى عنده. فتأمل.
واعلم أن مقتضى إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة مما أطلق
فيه الزوجة عدم الفرق فيها بين كونها ذات ولد من زوجها أم لا. وهو
الأقوى، وفاقا لكثير من أصحابنا كالكليني (1) والمفيد (2) والمرتضى (3)
والشيخ في الاستبصار (4) والحلبي (5) وابن زهرة (6) ظاهرا والحلي (7)
وجماعة من المتأخرين صريحا. وفي السرائر (8) وعن الخلاف (9) الإجماع
عليه. وهو الحجة; مضافا إلى إطلاق الأخبار السابقة، بل عمومها الثابت من
صيغة الجمع في جملة منها، وترك الاستفصال في اخرى، وعموم التعليل،
ووجه الحكمة في ثالثة.
خلافا للصدوق (10) وأكثر المتأخرين فخصوا الحكم بغير ذات الولد،
تقليلا للتخصيص، وعملا بالمقطوع الغير المسند إلى إمام إذا كان لهن ولد
أعطين من الرباع، وللجمع بين النصوص المتقدمة المختلفة في أصل
الحرمان وعدمه بالكلية، بحمل الأولة على غير ذات الولد، والأخيرة على
صاحبتها.
وفي الجميع نظر، للزوم التخصيص وإن كثر بعد قيام الدليل عليه ولو من
الإطلاق أو العموم، فإنه في أفراد الخاص وهو بالإضافة إلى أصل العمومات
خاص، فيقدم عليها، والمقطوع لا حجة فيه بعد القطع، وليس مثل الارسال

(1) الكافي 7: 127.
(2) المقنعة: 687.
(3) الانتصار: 585.
(4) الاستبصار 4: 154.
(5) الكافي في الفقه: 374.
(6) الغنية: 324.
(7) السرائر 3: 259.
(8) السرائر 3: 259.
(9) الخلاف 4: 116، المسألة 131.
(10) الفقيه 4: 349.
589

ليجبر ضعفه بالشهرة ونحوها، كما صرح به جماعة من أصحابنا، والجمع
لا شاهد عليه، مع وضوح الجمع بغيره من حمل ما دل على عدم الحرمان
بالكلية على التقية، كما تقدمت إليه الإشارة. والاحتياط لا يترك هنا، بل في
أصل المسألة أيضا، فإنه طريق السلامة.
وهنا وفوائد مهمة يطول الكلام بذكرها جملة، إلا إنا نذكر منها ما لا بد
منه، وهو أن الظاهر - كما صرح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده - أنه
لا فرق في الأبنية والمساكن على القول باعتبارها بين ما يسكنه الزوج
وغيره، ولا بين الصالح للسكنى وغيره، كالحمامات والأرحية وغيرها إذا
صدق عليه اسم البناء، وأن المراد بالآلات المثبتة منها خاصة دون المنقولة،
فإنها ترث من عينها إجماعا، كما حكاه الصيمري في شرح الشرائع (1).
ولا فرق بين كونها قابلة للنقل بالفعل أو بالقوة، كالثمرة على الشجرة
والزرع على الأرض وإن لم يستحصد أو كان بذرا دون الشجر.
وإن كيفية التقويم للبناء والآلات والشجر على القول بانسحاب الحكم
فيه أن يقوم مستحق البقاء في الأرض مجانا إلى أن يفنى فيقدر الدار كأنها
مبنية في ملك الغير على وجه لا يستحق عليها اجرة إلى أن يفني وتعطي
قيمة ما عدا الأرض من ذلك.
وذكر الصيمري وجها آخر لكيفية التقويم أخصر من الأول، وهو أنه
يقوم الأرض على تقدير خلوها من الأبنية والأشجار ما يسوى، فإذا قيل:
عشرة مثلا قومت اخرى مضافة إليهما، فإذا قيل: عشرون مثلا كانت شريكة
في العشرة الزائدة (2).
وهل القيمة رخصة للورثة لتسهيل الأمر لهم حتى لو بذلوا الأعيان

(1) غاية المرام: 179 س 16 (مخطوط).
(2) غاية المرام: 179 س 18، 21 (مخطوط).
590

لم يكن لها طلب القيمة، أم على سبيل الاستحقاق فيه؟ وجهان. ولعل
الأقرب الأول، وفاقا لجماعة من الأصحاب وإن كان الظاهر من النصوص
وجوبها على الوارث على وجه قهري، لورودها في مقام توهم تعين العين،
فلا يفيد سوى إباحة القيمة، وسبيلها سبيل الأوامر الواردة مورد توهم
الحظر، الغير المفيدة لذلك سواها، كما برهن في محله مستقصى، مضافا إلى
إشعار التعليل الوارد في جملة منها بذلك جدا.
خلافا للصيمري (1) والمحقق الثاني (2) والشهيد الثاني في المسالك (3)
والروضة (4). والاحتياط معهم في الجملة.
وهنا (مسألتان):
(الأولى: إذا طلق) ذو الأربع نساء (واحدة من الأربع وتزوج
اخرى) بعد العدة أو فيها إذا كانت بائنة ثم مات (واشتبهت) المطلقة بين
الأربع الأول (كان للأخيرة) الخامسة المعلومة (ربع الثمن مع الولد
وربع الربع مع عدمه والباقي) عن نصيبها (بين الأربعة) المشتبهة بينهن
المطلقة (بالسوية) بلا خلاف أجده، ولا نقله أحد من الطائفة، عدا الفاضل
المقداد في التنقيح (5) والشهيدين في الدروس (6) والمسالك (7) والروضة (8)
فنقلوه عن الحلي (9) خاصة، حيث صار إلى القرعة، فمن أخرجتها بالطلاق

(1) غاية المرام: 179 س 18، 21 (مخطوط).
(2) لم نعثر عليه.
(3) المسالك 13: 194.
(4) الروضة 8: 175.
(5) التنقيح 4: 193.
(6) الدروس 2: 361.
(7) المسالك 13: 179.
(8) الروضة 8: 179.
(9) ظاهر السرائر (ج 3 ص 301) خلاف ما نسب إليه كما اعترف به في مفتاح الكرامة 8: 185
س 4.
591

منعت من الإرث وحكم بالنصيب للباقيات بالسوية، لأن القرعة لكل أمر
مشتبه، إما مطلقا، أو في الظاهر، مع كونه متعينا عند الله تعالى، والأمر هنا
كذلك، لأن المطلقة في نفس الأمر غير وارثة، ولأن الحكم بتوريث الجميع
يستلزم توريث من يعلم عدم إرثه للقطع بأن إحدى الأربع غير وارثة. وهو
حسن على أصله، وكذا على غيره لولا الشهرة المستندة إلى صريح بعض
المعتبرة المروي في الكافي (1) صحيحا، والتهذيب كذلك في باب ميراث
المطلقات (2) وأواخر باب أحكام الطلاق (3) وموثقا في باب ميراث الأزواج.
وفيه: أرأيت إن خرج إلى بعض البلدان فطلق واحدة من الأربع وأشهد
على طلاقها قوما من أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة ثم تزوج امرأة
من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة التي طلقت ثم مات بعد ما دخل بها كيف
يقسم ميراثه؟ قال: إن كان له ولد فإن للمرأة التي تزوجها أخيرا من أهل
تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، وإن عرفت التي طلق من الأربع بعينها واسمها
ونسبها فلا شئ لها من الميراث، وعليها العدة، قال: ويقتسمن الثلاث نسوة
ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن، وعليهن العدة، وإن لم يعرف التي طلق من
الأربع اقتسمن الأربع نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن جميعا، وعليهن
جميعا العدة (4).
ولو اشتبهت بواحدة أو باثنتين أو نحو ذلك ففي انسحاب الحكم
أو القرعة نظر، من الخروج عن النص، وتساويهما معنى، واستقرب الوجه
الأول (5) فخر الإسلام وشيخنا الشهيد الثاني في الروضة وإن اختار في

(1) الكافي 7: 131.
(2) التهذيب 9: 384، الحديث 6.
(3) التهذيب 8: 93، الحديث 238.
(4) التهذيب 9: 296، الحديث 22.
(5) كذا، والصحيح «الثاني» كما يظهر بالمراجعة إلى الإيضاح (4: 24) والروضة (8: 181).
592

المسالك انسحاب الحكم (1) وتوقف فيه الفاضل (2) والشهيد الأول (3).
وهو في محله، فلا بد من الرجوع إلى الصلح.
(الثانية: نكاح المريض مشروط بالدخول) بمعنى أنه لا يلزم بحيث
يترتب عليه أحكامه من الإرث ونحوه (فإن مات) في مرضه ذلك
(قبله) أي قبل الدخول (فلا مهر لها ولا ميراث) على الأشهر الأظهر،
بل لا يكاد يتحقق فيه خلاف من أحد، ولا تأمل ولا نظر إلا من الماتن في
الشرائع (4) والشهيد في الدروس (5) حيث نسب الأول إلى الرواية، والثاني
إلى المشهور.
وهو منهما مشعر بنوع تردد فيه لهما، ولعله من حيث مخالفته للعمومات
القطعية من الكتاب والسنة، وخصوص اطلاق المعتبرة (6) الناطقة بجواز
نكاح المريض بعد المنع عن طلاقه، من دون تقييد بالدخول، ولا اشتراط
في لزومه. وهو حسن لولا إطباق الفتاوى عليه حتى منهما هنا، وفي
اللمعة (7) المتأخرة كالكتاب عن الكتابين السابقين، فهو رجوع منهما، وجزم
منهما بالحكم جدا، ونسب الحكم في السرائر إلى أصحابنا (8) مشعرا بكونه
مجمعا عليه بيننا، كما هو عن صريح التذكرة (9). ومع ذلك النصوص
الصريحة المعتبرة سندا مطبقة على ذلك أيضا.
ففي الصحيح المروي في الفقيه: عن رجل تزوج في مرضه، فقال إذا

(1) المسالك 13: 180.
(2) القواعد 2: 178 س 19.
(3) الدروس 2: 361.
(4) الشرائع 4: 35.
(5) الدروس 2: 358.
(6) الوسائل 15: 384، الباب 21 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، الحديث 3 و 4.
(7) اللمعة: 248.
(8) السرائر 3: 283 - 284.
(9) التذكرة 2: 518 س 23.
593

دخل بها فمات ورثته وإن لم يدخل بها لم ترثه ونكاحه باطل (1).
وفي نحوه المروي هو وما يأتي في الكافي والتهذيب في باب طلاق
المريض: ليس للمريض أن يطلق، وله أن يتزوج، فإن هو تزوج ودخل بها
فهو جائز، وإن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل، ولا مهر لها
ولا ميراث (2).
وفي القريب منهما سندا بابني محبوب وبكير المجمع على تصحيح ما
يصح عنهما: عن المريض أله أن يطلق؟ قال: لا، ولكن له أن يتزوج إن شاء،
فإن دخل بها ورثته، وإن لم يدخل بها فنكاحه باطل (3).
والمراد ببطلان العقد في هذه النصوص عدم لزومه على وجه يترتب
عليه جميع أحكامه حتى بعد الموت من الميراث والعدة، لا البطلان وعدم
الصحة حقيقة، وإلا لزم عدم جواز وطئه لها في المرض بذلك العقد، مع أن
صدورها كغيرها من الأخبار الدالة على جواز نكاح المريض بقول مطلق
يدل على خلافه.
وإن مات المريض في مرض آخر بعد برئه من المرض الأول أو مات
بعد الدخول فلا ريب في صحة العقد، ولزومه، وترتب أحكامه، عملا
بالعمومات، وخصوص هذه الروايات جميعها في الفرض الثاني، والصحيح
الثاني منها في الفرض الأول، لتقييده البطلان بموته في مرضه، وبه يقيد
الموت المطلق الموجب للبطلان في الأخيرين، مع أن المتبادر منه فيهما
المقيد خاصة.

(1) الفقيه 4: 310 الحديث 5667.
(2) الكافي 6: 123، الحديث 12، التهذيب 8: 77، الحديث 180.
(3) الوسائل 17: 537، الباب 18 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 2.
594

ولو ماتت هي في مرضه الذي عقد فيه قبل الدخول بها ففي توريثه منها
إشكال، ينشأ من أن صحة العقد ولزومه الموجب لترتب جملة الأحكام
عليه موقوفة على الدخول أو البرء، ومن أن الحكم على خلاف الأصول
المقررة في الكتاب والسنة، فيقتصر فيه على مورد المعتبرة، وهو موته
خاصة. وهذا أقوى، وفاقا للروضة، لمنع الدليل الأول، واحتمال الفرق بين
موته وموتها في مرضه، حيث منع عن الإرث في الأول دون الثاني،
باحتمال كون الحكمة في وجه المنع عن الإرث مقابلة المريض بضد قصده
من الإضرار بالورثة بإدخال الزوجة عليهم.
وبعبارة اخرى كون الحكمة مراعاة حال الورثة، وهي في الفرض الثاني
مفقودة، بل منعكسة، فينبغي الحكم فيه بالصحة. فتأمل.
* * *
595

(المقصد الثالث في) بيان الإرث ب‍ (الولاء)
(و) قد عرفت أن (أقسامه ثلاثة) مرتبة.
(الأول):
(ولاء العتق) والأصل فيه بعد الإجماع السنة المستفيضة، بل المتواترة
من طرق العامة والخاصة، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.
ويختص الإرث بالمعتق دون المعتق، فلا يرث مولاه المعتق له بلا
خلاف فيه إلا من الإسكافي والصدوق في الفقيه، فأورثا منه أيضا كالعكس.
وهو شاذ، بل عن الشيخ وفي التنقيح على خلافه الإجماع. وهو الحجة;
مضافا إلى الأصل، فإن الإرث يحتاج إلى سبب شرعي ولم يثبت في محل
البحث، لاختصاص النصوص الدالة على الإرث بإرث المولى من عتقه
خاصة، وهي صحاح مستفيضة تضمنت قولهم (عليهم السلام) الولاء لمن أعتق (1).
وربما يفهم منه عدم الإرث في محل البحث، مع أن في المسالك وغيره
أن بعض ألفاظ الحديث إنما الولاء. وهو أظهر دلالة.
وأما ما في الخبر الولاء لحمة كلحمة النسب (2) فمع ضعف سنده بالسكوني

(1) الوسائل 16: 38، الباب 35 من أبواب كتاب العتق، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 47، الحديث 2.
596

مطلقا يحتمل التقييد بما يوافق المذهب، كما نبه عليه جدي المجلسي (رحمه الله)
في شرحه على الفقيه. ومع ذلك غير مكافئ لشئ مما مر من الحجج.
نعم لو دار الولاء توارثا، كما لو أعتق العتيق أب المنعم.
(ويشترط) في الإرث به (التبرع بالعتق) على الأظهر (وألا يتبرع
من ضمان جريرته) حال إعتاقه (فلو كان) العتق على المعتق (واجبا)
في كفارة أو نذر وشبههما (كان) العبد (المعتق سائبة) أي لا عقل بينه
وبين معتقه، قال ابن الأثير: تكرر في الحديث ذكر السائبة والسوائب، كان
الرجل إذا أعتق عبدا فقال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث.
(وكذا لو تبرع بالعتق و) لكن (تبرأ من) ضمان (الجريرة) على
الأظهر الأشهر في الشرط الأول، بل عليه عامة من تأخر ونفى عنه الخلاف
في السرائر وفي الانتصار والغنية الإجماع عليه. وهو الحجة; مضافا إلى
الأصل، مع اختصاص النصوص المتقدمة بمباشرة العتق، فلا يشمل محل
الخلاف والمشاجرة، والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة:
ففي الصحيح: انظروا في القرآن فما كان فيه فتحرير رقبة فتلك السائبة
التي لا ولاء لأحد عليها إلا الله تعالى، فما كان ولاؤه لله تعالى فهو لرسوله،
وما كان لرسول الله فإن ولاءه للإمام (عليه السلام)، وجنايته على الإمام (عليه السلام)، وميراثه
له (1). وفي معناه آخر (2).
وفي ثالث: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن نكل بمملوكه أنه حر
ولا سبيل له عليه سائبة يذهب فيتولى إلى من أحب، فإذا ضمن جريرته
فهو يرثه (3).

(1) الوسائل 16: 48، الباب 43 من أبواب كتاب العتق، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: 45، الحديث 2.
(3) المصدر السابق: 26، الحديث 2.
597

وفي الخبر: الرجل أعتق أله أن يضع نفسه حيث شاء ويتولى من أحب؟
فقال: إذا أعتق لله تعالى فهو مولى للذي أعتقه، وإذا أعتق وجعل سائبة فله
أن يضع نفسه حيث شاء ويتولى من شاء (1).
خلافا للمبسوط وابن حمزة في أم الولد فأثبت الولاء لورثة مولاها بعد
انعتاقها من نصيب ولدها، ونفى الأول الخلاف فيه، وهو موهون بوجوده مع
مصير المشهور إلى الخلاف، ومع ذلك معارض بحكاية الإجماع ونفي
الخلاف المتقدمة، ولهما أيضا فيمن انعتق بالقرابة فأوجب الولاء لمن ملك
أحد قرابته فانعتق عليه سواء ملكه باختيار أو اضطرار، للموثق: في رجل
يملك ذا رحمه هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال: لا يصلح أن يبيعه
ولا يتخذه عبدا وهو مولاه وأخوه في الدين، وأيهما مات ورثه صاحبه، إلا
أن يكون وارث أقرب إليه منه (2).
وفيه نظر، فإن الظاهر أن المراد بالإرث فيه الإرث الحاصل بالقرابة دون
الولاء، ويؤيده الحكم فيه بالتوارث من الطرفين، فلا حجة فيه لهما. ويتصور
الإرث بالولاء هنا مع كون العتق بالقرابة، ويشترط في العتق بالولاء عدم
المناسب مطلقا - كما سيأتي - فيما إذا كان صاحب الولاء غير مناسب
للعتيق أصلا مع كونه نازلا منزلة من يكون العتق بسبب قرابته، بأن يكون
صاحب الولاء قريبا لذلك القريب مع عدم قرابته للعتيق وقد مات ذلك
القريب فصار قريبه الذي ليس من أقرباء العتيق صاحب الولاء، كما إذا
اشترى رجل أمه فانعتقت عليه ومات الرجل وكان له أخ لأبيه خاصة ولا
وارث للأم نسبا أصلا فولاء الأم للأخ المذكور.

(1) المصدر السابق: الباب 36، الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 16، الباب 13 من أبواب كتاب العتق، الحديث 5.
598

وأما الصحيح: عن الرجل يعتق الرجل في كفارة يمين أو ظهار لمن
يكون الولاء؟ قال: للذي يعتق (1) فشاذ، فليطرح، أو يحمل على ما إذا توالى
إليه بعد العتق، أو على التقية كما يستفاد من الانتصار حيث نسب خلافها إلى
الفقهاء الأربعة، أو على الإعتاق تطوعا في كفارة غيره، كما دل عليه بعض
الصحاح المتقدمة، ولا خلاف في الشرط الثاني، بل في عبائر جمع الإجماع
عليه. وهو الحجة; مضافا إلى المعتبرة:
منها الخبر القريب من الصحيح بابن محبوب المجمع على تصحيح
رواياته: عن السائبة، فقال: الرجل يعتق غلامه ثم يقول له: اذهب حيث شئت
ليس لي من ميراثك شئ، ولا علي من جريرتك شئ، ويشهد على ذلك (2).
وفي اشتراط الإشهاد في التبري قولان، والأكثر على العدم، للأصل.
خلافا للشيخ والصدوق والإسكافي، للأمر به في الخبر المذكور وغيره،
كالصحيح: من أعتق رجلا سائبة فليس عليه من جريرته شئ وليس له من
الميراث شئ وليشهد على ذلك (3).
وفيه أن الأمر به أعم من ذلك ومن كونه شرط الإثبات عند الحاكم
لو ادعاه، فلا مخرج عن الأصل بمثله، بل مقتضى الجمع بينهما حمله
على الثاني.
وهل يسقط التبري بعد العتق للإرث، أم لا بل لا بد منه حينه؟ وجهان،
ظاهر الأكثر وصريح الفاضل في التحرير والشهيد في الدروس الثاني، ولعله
لعموم الولاء لمن أعتق (4) خرج منه ما لو تبرأ من جريرته حال الإعتاق

(1) الوسائل 16: 49، الباب 43 من أبواب كتاب العتق، الحديث 5.
(2) المصدر السابق: 48، الحديث 2.
(3) المصدر السابق: 49، الباب 43، الحديث 4.
(4) المصدر السابق: 38، الباب 35، الحديث 1.
599

بالإجماع والروايات، وبقى غيره مندرجا تحته. وهو حسن لولا إطلاق
التبري فيما مر من النص، المحتمل لوقوعه حال الإعتاق وبعده، سيما مع
عطف التبري على «يعتق فيه» ب‍ «ثم» في الكافي (1) والفقيه (2) وهي حقيقة
في التراخي، لكن الموجود في التهذيب (3) والاستبصار (4) الواو بدل «ثم».
وكيف كان النص معهما مطلق يشمل الصورتين، إلا أن يدعى تبادر
التبري حال الإعتاق لا بعده بقرينة السياق، وهو غير بعيد، مع أن مخالفة
الأكثر غير معلوم الوجود وإن أشعر به عبارة التحرير والدروس.
(ولا يرث المعتق) عتيقه (مع وجود مناسب) له (وإن بعد) فإن
الولاء بعد النسب كما مر، بالإجماع، وآية أولو الأرحام (5) والنصوص
المستفيضة:
منها الصحيح: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في خالة جاءت تخاصم في
مولى رجل مات فقرأ هذه الآية: «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في
كتاب الله»، فدفع الميراث إلى الخالة ولم يعط المولى (6).
(ويرث) المولى عتيقه (مع الزوج والزوجة) بعد أن يأخذ كل منهما
نصيبه الأعلى بلا خلاف إلا من الحلبي (رحمه الله)، فمنع عن إرثه مع الزوج خاصة،
وجعل المال كله له النصف تسمية والباقي ردا، كما مضى. وهو شاذ،
ومستنده غير واضح، ومع ذلك عموم الولاء لمن أعتق ولحمة كلحمة
النسب (7) ترده.

(1) الكافي 7: 171، الحديث 6.
(2) الفقيه 3: 136، الحديث 3502.
(3) التهذيب 8: 256، الحديث 162.
(4) الاستبصار 4: 26، الحديث 84.
(5) الأنفال: 75.
(6) الوسائل 17: 538، الباب 1 من أبواب ميراث ولاء العتق، الحديث 3.
(7) الوسائل 16: 47، الباب 42 من أبواب كتاب العتق، الحديث 2.
600

(وإذا اجتمعت الشروط) المتقدمة (ورثه المنعم) أي المعتق له
واختص بتركته (إن كان واحدا واشتركوا في المال إن كانوا أكثر)
يقتسمونه بينهم بالسوية مطلقا ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلفين بلا خلاف،
لأن السبب في الإرث هو الإعتاق فيتبع الحصة، ولا ينظر فيها إلى الذكورة
والأنوثة كالإرث بالنسب، لأن ذلك خارج بالنص والإجماع، وإلا لكان
مقتضى الشركة خلاف ذلك.
(ولو عدم المنعم فللأصحاب فيه) أي في تعيين الوارث للعتيق
(أقوال) خمسة، لا ضرورة بناء إلى التطويل بنقلها جملة، مع عدم وضوح
حججها، إلا أن الأقرب إلى الأخبار منها قولان مشهوران.
أحدهما ما استظهره الماتن هنا بقوله: (أظهرها انتقال الولاء إلى
الأولاد الذكور دون الإناث، فإن لم يكن الذكور فالولاء لعصبته) الذين
يعقلون عنه إذا أحدث حدثا من إخوته وجدوده وعمومه وأبنائهم. كل ذا إذا
كان المعتق رجلا.
(ولو كان المعتق امرأة ف‍) ينتقل الولاء (إلى عصبتها دون أولادها)
مطلقا (ولو كانوا ذكورا) استنادا في اختصاص أولاد الذكور من المعتق
الرجل بالإرث إلى الصحيح، وهو طويل:
وفيه: وإن كانت الرقبة على أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه
نسمة فإن ولاء العتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال، الحديث (1).
والخبر: عن الرجل مات وكان مولى لرجل وقد مات مولاه قبله وللمولى
ابن وبنات فسأله عن ميراث المولى، فقال: هو للرجل دون النساء (2).

(1) الوسائل 16: 45، الباب 40 من أبواب كتاب العتق، الحديث 2.
(2) الوسائل 17: 542، الباب 1 من أبواب ميراث ولاء العتق، الحديث 18.
601

وفي اختصاص عصبة المنعم بالولاء مع فقد الولد الذكر إلى الصحيح:
قضى (عليه السلام) في رجل حرر رجلا فاشترط ولاءه فتوفي الذي أعتق وليس له
ولد إلا النساء ثم توفي المولى وترك مالا وله عصبة فاحتق في ميراثه بنات
مولاه والعصبة، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه (1).
وفيه أيضا دلالة على منع البنات عن الميراث، لكن في دلالته على
المستدل به عليه نظر، فإن ظاهر قوله (عليه السلام): «ثم توفي المولى وترك مالا
وعصبة أن العصبة للمولى» وهو العتيق لا المنعم، كما هو المدعى،
والاحتقاق - وهو التخاصم - إنما وقع بين بنات المنعم وعصبة العبد، فلا
دلالة فيه على ما ذكر.
وفي منع أولاد المعتقة مطلقا وإعطاء الإرث لعصبتها إلى الصحاح:
منها: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) على امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولاءه
ولها ابن فألحق ولاءه لعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها (2).
ولا معارض لها مع كثرتها واشتهارها، بل نفى الخلاف عنها في
الاستبصار والخلاف، وفيه وفي السرائر الإجماع عليه.
ومن هنا يظهر عدم إشكال في الحكم من جهة العصبة المعتقة وإنما هو
في اختصاص إرث المعتق بالأولاد الذكور دون الإناث كما استظهره الماتن
هنا وفاقا للشيخ في النهاية والإيجاز، وتبعه القاضي وابن حمزة وتبعهم من
المتأخرين جماعة أنه في التحرير وشرح الشرائع للصيمري ادعى عليه
الشهرة، أو اشتراكهم أجمع في إرثه، كما هو القول الثاني للشيخ في الخلاف
والحلي في السرائر والشهيد في الدروس، ينشأ من دلالة النصوص

(1) الوسائل 16: 44، الباب 40 من أبواب كتاب العتق، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الباب 39، الحديث 1.
602

الصحيحة المتقدمة على الاختصاص، ومن الموثق الصريح في العدم
قال (عليه السلام): مات مولى لحمزة بن عبد المطلب فدفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ميراثه إلى
بنت حمزة (1).
والأولة وإن كانت صحيحة إلا أنها موافقة للعامة، كما صرح به الشيخ
والحسن بن محمد بن سماعة، الذي هو أحد رواة هذه الموثقة، فإنه قال في
آخرها: هذه الرواية تدل على أن المرأة ترث الولاء ليس كما يروون العامة،
واختار هذا في الكفاية، مؤيدا بعموم الولاء لحمة كلحمة النسب في الخبر (2)
القوي بالسكوني المجمع على تصحيح رواياته عموما كما عن الشيخ،
وخصوصا كما ادعاه الحلي من الخاصة والعامة، وطاعنا في دلالة الصحيحة
الأولى من النصوص المتقدمة، قال: فإن محل الاستدلال فيها قوله: «فإن
ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال» قال: هو مبني على أن
من الرجال قيد للولد، مع أنه يحتمل أن يكون قيدا للميت لا للولد، وحينئذ
لا يكون للخبر دلالة على اختصاص الولاء بالذكور من الأولاد.
وفيه نظر، والمسألة عند الفقير محل إشكال، وإن كان لا بأس بالقول
الأخير، لاعتضاد الموثقة بمخالفة العامة والقوية المتقدمة، مع صراحتها بلا
شبهة. والكثرة والصحة في الأخبار الأولة لم تبلغ حد المقاومة لهذه
المرجحات المزبورة، سيما مع مخالفة العامة.
نعم ربما عارضها الشهرة المحكية بل الظاهرة كما عرفت، لكنها ليست
شهرة مفيدة لتلك المظنة القوية الجابرة أو المرجحة، الفائقة غيرها من
المرجحات المقابلة مثل مخالفة العامة، مع أن في اللمعة جعل المشهور كون

(1) الوسائل 17: 540، الباب 1 من أبواب ميراث ولاء العتق، الحديث 10.
(2) الوسائل 16: 47، الباب 42 من أبواب كتاب العتق، الحديث 2.
603

الولاء للأولاد الذكور منهم والإناث مطلقا، ذكرا كان المنعم، أو امرأة.
لكنه عجيب كما في الروضة، لأنه مذهب الصدوق خاصة، كما صرح به
في الدروس وجماعة.
هذا، مع أن المحكي عن الخلاف دعواه الإجماع على مجموع ما اختاره
فيه، حتى توريث بنات المنعم، فيكون هو حجة اخرى زيادة على ما مضى.
واعلم أن المشهور بين الأصحاب أنه يترتب من يرث ترتبهم في النسب
لحديث اللحمة المتقدم، وخص بما مر للأدلة المتقدمة، فيشارك الأب الأولاد،
وكذا الجد والأخ من قبله، أما الأم فيبنى إرثها على ما سلف، والمشهور أنه
تشاركهم أيضا. ولعله لعموم الحديث المتقدم، وإنما الخارج منه بالنصوص
الصحيحة البنات خاصة، وهو لا يستلزم خروج الأم منه أيضا. فتأمل.
وخلاف الإسكافي في تقديمه الولد على الأبوين والجد على الأخ شاذ
ضعيف، وإن قيل: يساعده ظاهر الصحيح المتقدم المتضمن لقوله (عليه السلام): «كان
ولاء العتق ميراثا لجميع ولد الميت من الرجال» لما عرفت من قوة احتمال
وروده مورد التقية. وربما يؤيده موافقة الإسكافي، كما مر غير مرة.
(و) حيث خص الإرث بالولاء في النصوص المتقدمة بالعصبة الذين
يعقلون ظهر أنه (لا يرث الولاء) الأخوات والجدات وإن كن من أبيه،
لأنهن لا يعقلن كما لا يعقل (من يتقرب بأم المنعم) من الإخوة
والأخوات والأخوال والخالات والأجداد والجدات، فلا يرثون منه أيضا.
وهل يورث الولاء كما يورث به؟ قولان، أشهرهما العدم، للأصل، ولأنه
ليس مالا يقبل النقل.
(و) لهذا (لا يصح بيعه ولا هبته) ولا اشتراطه في بيع ونحوه
بلا خلاف، بل إجماعا كما في التنقيح، للقوي المتقدم: الولاء لحمة كلحمة
604

النسب لا يباع ولا يوهب (1). والصحيح: إن عائشة قالت للنبي (صلى الله عليه وآله) إن
أهل بريرة اشترطوا ولاءها، فقال (صلى الله عليه وآله): الولاء لمن أعتق، وأبطل شرطهم (2).
خلافا لظاهر الماتن هنا وفي الشرائع وجماعة فجعلوه موروثا، لأنه من
الحقوق المتروكة، فكان داخلا تحت عموم الإرث.
وفيه نظر يظهر وجهه مما مر، إلا أن ذلك ظاهر الصحيح المتقدم
المتضمن، لأن ولاء العتق ميراث لجميع ولد الميت، ونحوه الصحاح الواردة
في توريث العصبة المعتقة دون ولدها.
منها - زيادة على ما مضى - عن امرأة أعتقت مملوكا ثم ماتت، قال:
يرجع الولاء إلى بني أبيها (3).
ومنها: يكون ولاؤها لأقرباء أمه من قبل أبيها ويكون نفقتها عليهم حتى
تدرك وتستغنى، قال: ولا يكون للذي أعتقها عن أمه شئ من ولائها (4).
ونحوها غيرها مما يأتي.
والعجب من الأصحاب عدم استدلالهم لهذا القول بها، ولعلهم فهموا منها
الإرث به لا كونه موروثا، لكنه خلاف الظاهر، كما اعترف به شيخنا في
المسالك في شرح قول الماتن، ويرث الولاء الأبوان والأولاد، فإنه قال:
ويفهم منه كونه موروثا.
فيقوى العجب منه عدم استدلاله بها، ولا سيما الصحيح الأول منها،
لكونه كعبارة الماتن في تضمنه لفظ إرث الولاء مضاهيا. ولعل هذا أقوى.
وتظهر الفائدة في مواضع.

(1) الوسائل 16: 47، الباب 42 من أبواب كتاب العتق، الحديث 2.
(2) المصدر السابق: 40، الباب 37، الحديث 1.
(3) المصدر السابق: 44، الباب 39، الحديث 2.
(4) الوسائل 16: 44، الباب 39 من أبواب كتاب العتق، الحديث 3.
605

منها: ما لو مات المنعم قبل العتيق وخلف وارثا غير الوارث بعد موت
العتيق كما لو مات المنعم عن ولدين ثم مات أحدهما عن أولاد ثم العتيق،
فعلى الأشهر يختص الإرث بالولد الباقي ويشاركه أولاد الولد الميت
على الآخر.
واعلم أنه كما يرث المولى عتيقه كذلك يرث أولاد عتيقه مع فقد النسب
بلا خلاف، للصحاح المستفيضة:
منها: عن رجل اشترى عبدا له أولاد من امرأة حرة فأعتقه، قال: ولاء
ولده لمن أعتقه (1).
ومنها: في العبد يكون تحته الحرة، قال ولده أحرار فإن أعتق المملوك
لحق بأبيه (2).
ومنها: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب اشترط عليه ولاؤه إذا أعتق
فنكح وليدة لرجل آخر فولدت له ولدا فحرره ثم توفي المكاتب فورثه
ولده فاختلفوا في ولده من يرثه، قال: فألحق ولده بموالي أبيه (3).
ولكن في نصوص أخر ما ربما يتوهم منه المخالفة لذلك:
منها الصحيح: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعي علي بن عبد العزيز
فقال لي: من هذا؟ فقلت: مولى لنا، فقال: أعتقتموه أو أباه؟ فقلت: بل أباه،
فقال: ليس هذا مولاك هذا أخوك وابن عمك، وإنما المولى الذي جرت عليه
النعمة، فإذا جرت على أبيه فهو أخوك وابن عمك (4).
لكنها مع ضعف سند أكثرها شاذة، محتملة للحمل على أنه ليس معتقا.
وعدم كونه مولى بهذا المعنى لا يستلزم انتفاء الولاء، ولا تلازم بينهما،

(1) المصدر السابق: 41، الباب 38، الحديث 1.
(2) الوسائل 16: 41، الباب 38 من أبواب كتاب العتق، الحديث 2.
(3) المصدر السابق: الحديث 3.
(4) المصدر السابق: 43، الحديث 11.
606

وبه صرح الشيخ أيضا، مستشهدا له بالخبر: المعتق هو المولى والولد ينتمي
إلى من يشاء.
(و) حيث قد عرفت ذلك فاعلم أنه (يصح جره) أي الولاء (من
مولى الأم إلى مولى الأب إذا كان الأولاد مولودين على الحرية) تبعا
لحرية أمهم.
بيان ذلك أنه إذا اعتقت الأم أولا ثم حملت بهم وأبوهم رق فولاؤها
وولاء أولادها لمولاها، لعدم إمكانه من جهة الأب، إذ لا ولاء عليه والمعتق
الأم عليهم نعمة، فإنهم عتقوا بعتقها، فإن ماتوا والأب رقيق بعد ورثهم معتق
الأم بالولاء ولو عتق الأب بعد ذلك.
وأما لو أعتق قبله انجر ولاؤهم من مولى الأم إلى مولاه، للصحاح
المتقدمة، ولأن ثبوت الولاء لمولاها كان، لضرورة أنه لا ولاء على الأب،
فإذا وجد قدم، كما يقدم عليه لو كان معتقا قبل عتق الأم أو معه، لأن الولاء
تلوا النسب بمقتضى حديث اللحمة المتقدم والنسب إلى الآباء دون الأمهات.
وإنما اشترطوا الولادة على الحرية احترازا عما لو ولدوا على الرقية ثم
أعتقوا فإن ولاءهم حينئذ لمباشر عتقهم كائنا من كان لا ينجر ولاؤهم إلى
معتق أبيهم، لأن نعمة من أعتقهم عليهم أعظم من نعمة من أعتق بعض
أصولهم، فيخص بولائهم.
ولا فرق في ذلك بين أن يعتقوا منفصلين أو حملا مع أمهم، فلا ينجر
ولاؤهم من معتقهم على تقدير فقده وفقد عصبته إلى معتق أمهم، لأن ولاء
المباشر لا ينجر مطلقا، وإنما ينجر ولاء غيرها من الأضعف إلى الأقوى،
ولا أجد خلافا في شئ من ذلك، ولا في اشتراط كون الحرية المعتبر
ولادتهم عليها حرية عرضية حاصلة بالعتق لا أصلية، ونفى عنه وعن جميع
607

ما مر الخلاف في السرائر، وادعى عليه الاتفاق في المسالك وغيره، لكن
جملة من الصحاح المتقدمة بإرث معتق الأب أولاد زوجته الحرة مطلقة، بل
ربما كان بعضها ظاهرا في اختصاص حكم الجر بما إذا كانت حرة الأصل.
كالصحيح: عن حرة زوجتها عبدا لي فولدت لي منه أولادا ثم صار
العبد إلى غيري فأعتقه فإلى من ولاء ولده إلي إذا كانت أمهم مولاتي، أم إلى
الذي أعتق أباهم؟ فكتب: إن كانت الأم حرة جر الأب الولاء، وإن كنت أنت
أعتقت فليس لأبيه جر الولاء (1).
ولم أر أحدا من الأصحاب تنبه أو نبه على ذلك عدا خالي العلامة
المجلسي (رحمه الله) في الحاشية المنسوبة إليه على هذه الرواية، فإنه قال، ظاهرها
اختصاص حكم الجر بما إذا كانت حرة الأصل، كما هو ظاهر الأخبار
السابقة على خلاف ما ذكره الأصحاب، وأجمعوا عليه، فتدبر، ثم قال في
توجيهها وتطبيقها لما ذكروه: ولعل المراد أنك إذا أعتقت الأم فصار عتقها
سببا لعتق الأولاد التي حصلت بعد العتق فحينئذ ينجر الولاء إلى مولى
الأب، وإن كنت أعتقت الأولاد أنفسهم فولاؤهم لك فلا ينجر، والله يعلم.
أقول: وبالله التوفيق لعل الوجه في اتفاق الأصحاب على ما مر أن
الحرية الأصلية في أحد الأبوين تستتبع حرية الأولاد، فيكون حريتهم من
جهتها لا من جهة العتق، والولاء إنما يكون على من حصلت له الحرية به
لا بها، فإن الولاء من توابع العتق لا الحرية مطلقا، ولذا قالوا (عليهم السلام): «الولاء
لمن أعتق» (2) ولا عتق هنا بالإضافة إلى الأولاد مطلقا ولو تبعا، لامتناع
حصول الحاصل. فتأمل جدا.

(1) الوسائل 16: 41، الباب 38 من أبواب كتاب العتق، الحديث 4.
(2) الوسائل 16: 40، الباب 37 من أبواب كتاب العتق، الحديث 1 و 2.
608

وحينئذ ينبغي تقييد النصوص المتقدمة بحمل الحرة فيها على المعتقة
خاصة، وحمل الرواية الأخيرة على ما حملها عليه خالي العلامة.
وعلى كل حال فالنصوص المزبورة صريحة الدلالة على أصل حكم
الجر ولو في الجملة، مضافا إلى النصوص الأخر كالمرسل كالموثق: يجر
الأب الولاء إذا أعتق (1).
فما يوجد في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد الثاني على
كتابه المسالك في مسألة الجر أنه ليس في بابه نص مطلقا وإنما هو اعتبار
غريب، إلا أن يكون مراده من المنفي ما يتضمن أحكام الجر كملا بنحو
ما ذكره الأصحاب.
واعلم أنهم ذكروا من غير خلاف يعرف بينهم أنه إذا فقد المولى وقرابته
الوارثون للولاء يرثه مولى المولى، فإن عدم فقرابة مولى المولى على تفصيل
قرابة المولى، فإن فقد الجميع فمعتق أب المعتق ثم معتق هذا المعتق، وهكذا،
كالأول، ولا نص فيه، وكأنهم استنبطوه من حديث اللحمة المتقدم، ولا بأس به.
(القسم الثاني):
(ولاء تضمن الجريرة) وهي الجناية. اعلم أن (من توالى إنسانا) بأن
(يضمن) ذلك الإنسان (حدثه) وجنايته (ويكون ولاؤه) المورث به
(له ثبت له) أي للضامن (الميراث) بلا خلاف فيه بيننا، بل عليه
الإجماع في عبائر كثير من أصحابنا كالغنية (2) والمسالك (3) والكفاية (4)
وغيرها. وهو الحجة; مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة:

(1) المصدر السابق: 42، الباب 38، الحديث 5.
(2) الغنية: 328.
(3) المسالك 13: 223.
(4) كفاية الأحكام: 306 س 13.
609

ففي الصحيحين: إذا والى الرجل الرجل فله ميراثه وعليه معقلته (1).
وفي الصحيح عن مملوك أعتق سائبة، قال: يتولى من شاء وعلى من
تولى جريرته وله ميراثه (2) الخبر. ونحوه الموثق (3).
هذا، مع أنه على ما ذكره الأصحاب عقد كان سائغا في صدر الإسلام،
بل في الجاهلية أيضا، فيشمله عموم أوفوا بالعقود.
ومقتضاه اللزوم، كما هو المشهور، وفاقا للحلي (4) وظاهره الإجماع عليه.
وهو حجة اخرى مستقلة، فليس لكل منهما فسخه، ونقل الولاء إلى الغير.
خلافا للشيخ (5) وابن حمزة (6) فجائز، إلا أن يعقل عنه، للأصل.
ويندفع بما مر.
وعلى المختار فيعتبر فيه ما يعتبر في سائر العقود اللازمة.
وصورة عقده أن يقول المضمون: عاقدتك على أن تنصرني وتدفع عني
وتعقل عني وترثني، فيقول الضامن: قبلت، ولو اشترك العقد بينهما قال
أحدهما: على أن تنصرني وأنصرك وتعقل عني وأعقل عنك وترثني وأرثك،
أو ما أدى هذا المعنى فيقبل الآخر.
(ولا يتعدى) الإرث عن (الضامن) إلى أقاربه وورثته على
المشهور، بل في الغنية عليه الإجماع (7) قصرا للحكم على موضع الشرط،
ووقوفا على اليقين فيما خالف الأصل.
خلافا للمحكي في السرائر (8) والمختلف (9) عن ظاهر المقنعة (10)

(1) الوسائل 17: 546، الباب 1 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 2 و 3 و 4.
(2) الوسائل 17: 546، الباب 1 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 2 و 3 و 4.
(3) المصدر السابق: 549، الحديث 9.
(4) السرائر 3: 265.
(5) الخلاف 4: 120، المسألة 9.
(6) الوسيلة: 398.
(7) الغنية: 328.
(8) لم نقف على حاكيه، والموجود في السرائر خلاف ذلك، راجع ج 3: 265.
(9) المختلف 9: 54.
(10) المقنعة: 694.
610

حيث سوى بين هذا الولاء وولاء العتق في جميع الأحكام الثابتة له. وحجته
مع ندرته غير واضحة.
(ولا) يصح أن (يضمن) الجريرة (إلا) عن (سائبة كالمعتق في
النذور والكفارات) أو تبرعا مع التبري عن جريرته، كما مر (أو) عن
(من) كان حر الأصل لكن (لا وارث له) مطلقا ولو معتقا، فإن هذا
الإرث متأخر عن الإرث بالنسب والعتق بلا خلاف، بل في ظاهر الغنية
الإجماع عليه (1).
وربما كان في النصوص الصحيحة دلالة عليه (و) على أنه (لا يرث
الضامن إلا مع فقد كل مناسب وإن بعد ومع فقد المعتق) عتقا يرث به
الولاء، مع أنه لا خلاف فيه أيضا.
والفرق بين هذا الحكم والسابق مع اشتراكهما في اشتراط فقد المناسب
والمعتق أن ذلك شرط صحة العقد وهذا شرط الإرث، والمعنى أنه مع
صحة العقد واجتماع شرائطه لا يثبت الإرث للضامن إلا مع فقد الوارث
المذكور عند موت المضمون أيضا، فلو فرض تجدد وارث للمضمون، بأن
تزوج بعد العقد وولد له أولاد كان إرثه لهم دون الضامن وإن كان سببه
صحيحا سائغا.
ويتصور تجدد العتق على العقد، بأن يكون إسلامه طارئا ثم يكفر بعد
العقد ويلحق بدار الحرب ويسترق فيعتقه مولاه، فإنه يقدم ولاء العتق على
الضامن المتقدم.
(ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى) من النصف أو الربع
(وما بقي) عنه كان (له) أي للضامن بلا خلاف، بل عليه الإجماع في

(1) الغنية: 328.
611

الغنية (1) للعمومات، وخصوص ما مر من النصوص الدالة على دخولهما
على جميع طبقات الورثة.
(وهو) أي الضامن (أولى من بيت مال الإمام) (عليه السلام) بلا خلاف،
بل في الغنية عليه الإجماع (2). وهو الحجة; مضافا إلى الصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة:
ففي الصحيحين: من مات وليس له مولى فماله من الأنفال (3). ونحوهما
الموثق (4) وغيره (5).
ففي الصحيح: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن أعتق عبدا سائبة أنه لا
ولاء لمواليه عليه، فإن شاء توالى إلى رجل من المسلمين فليشهد أنه يضمن
جريرته، وكل حدث يلزمه، فإذا فعل ذلك فهو يرثه، وإن لم يفعل ذلك كان
ميراثه يرد على إمام المسلمين (6). وقريب منه الموثق (7).
وفي جملة من النصوص: إن الإمام وارث من لا وارث له (8).
(القسم الثالث):
(ولاء الإمامة). والأصل فيه بعد الإجماع - الظاهر المحكي في
الخلاف (9) والغنية (10) والسرائر (11) والمنتهى (12) والمسالك (13) وغيرها من
كتب الجماعة - النصوص المتقدمة، وغيرها من المعتبرة:

(1) الغنية: 328.
(2) الغنية: 328.
(3) الوسائل 17: 547، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 1 و 4.
(4) المصدر السابق: 549، الحديث 8.
(5) المصدر السابق: 548، الحديث 3.
(6) المصدر السابق: 550، الحديث 12 و 11.
(7) المصدر السابق: 550، الحديث 12 و 11.
(8) المصدر السابق: 547، الباب 3.
(9) الخلاف 4: 22، المسألة 14.
(10) الغنية: 328.
(11) السرائر 3: 266.
(12) المنتهى 1: 553 س 33.
(13) المسالك 13: 226.
612

ففي الصحيح: من مات وليس له وارث من قبل قرابته ولا مولى عتاقه
قد ضمن جريرته فماله من الأنفال (1).
وفيه: السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلا الله تعالى، فما كان ولاؤه لله
تعالى فهو لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن ولاءه للإمام (عليه السلام)،
وجنايته على الإمام (عليه السلام)، وميراثه له (2). إلى غير ذلك من النصوص التي
كادت تبلغ هي - مع ما مر - التواتر.
وأما النصوص الدالة على أن إرث من لا وارث له لبيت مال المسلمين
فمع قصور سند أكثرها غير مقاومة لما قدمناه من الأدلة من وجوه شتى،
أعظمها موافقة تلك للشهرة العظيمة ومخالفتها للعامة دون هذه، فإنها في
طرف النقيض لتلك، فلتطرح، أو تحمل على التقية، أو تؤول ككلام القائل بها
وهو الإسكافي (3) والشيخ في الاستبصار (4) بما يؤول إلى الأخبار الأولة،
من أن المراد ببيت المال وإن أضيف إلى المسلمين بيت مال الإمام (عليه السلام)،
بقرينة الأخبار السابقة، وما ذكره جماعة من شيوع إطلاق بيت المال وإرادة
بيت مال الإمام (عليه السلام)، ويشير إليه كلام الشيخ في الخلاف هنا، حيث قال:
ميراث من لا وارث له ينتقل إلى بيت المال فهو للإمام (عليه السلام) خاصة وعند
جميع الفقهاء ينتقل إلى بيت المال ويكون للمسلمين (5).
(و) من الأدلة المتقدمة فتوى ورواية يستفاد إن الإمام (عليه السلام) (لا
يرث) أحدا (إلا مع فقد كل وارث) له حتى ضامن الجريرة، فلو وجد
كان أحق بالإرث منه (عليه السلام) (عدا الزوجة فإنها تشاركه) وتأخذ نصيبها
الأعلى (على الأصح) الأشهر، كما مضى بيانه مفصلا.

(1) الوسائل 17: 547، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 6.
(3) نقله عنه في المختلف 9: 98.
(4) الاستبصار 4: 199، ذيل الحديث 4.
(5) الخلاف 4: 22، المسألة 14.
613

(و) لا ريب أن (مع وجوده) أي الإمام (عليه السلام) (فالمال له يصنع به
ما شاء، و) قد روى الشيخان في المقنعة (1) والنهاية (2) أنه (كان علي (عليه السلام)
يعطيه فقراء بلده) أي بلد الميت وضعفائهم، قالا كباقي الأصحاب: إنه كان
ذلك منه (تبرعا) عليهم.
(و) أما (مع غيبته) فقيل: قال جماعة: يحفظ له بالوصاية أو الدفن
إلى حين ظهوره (3) كسائر الحقوق، وفي ظاهر الخلاف الإجماع عليه (4).
وهو أحوط.
وإن كان الأظهر ما اختاره الماتن وجماعة من القدماء والمتأخرين
من أنه (يقسم في الفقراء) والمساكين. إما مطلقا كما هنا وفي
الشرائع (5) والتحرير (6) والقواعد (7) والإرشاد (8) والدروس (9) والمسالك (10)
وعن المفيد (11) والديلمي (12) وابن زهرة (13) والحلي (14) والقاضي (15)
والكيدري (16) وبالجملة الأكثر، بل الأصحاب أجمع عدا الصدوق في
الفقيه (17) والشيخ في الخلاف كما في النكت (18). أو مقيدا بفقراء بلد الميت
ومساكينه، كما في اللمعة في هذا الكتاب (19)، والدروس في بحث الأنفال

(1) المقنعة: 705.
(2) النهاية 3: 245.
(3) الدروس 2: 377.
(4) الخلاف 4: 23، المسألة 15.
(5) الشرائع 4: 40.
(6) التحرير 2: 171 س 4.
(7) القواعد 2: 180 س 15.
(8) الإرشاد 2: 126.
(9) الدروس 2: 377.
(10) المسالك 13: 227.
(11) المقنعة: 706.
(12) المراسم: 224.
(13) لم نعثر عليه.
(14) لم نعثر عليه.
(15) المهذب 2: 154.
(16) إصباح الشيعة (سلسلة الينابيع الفقهية) 22: 300.
(17) الفقيه 4: 333، ذيل الحديث 5715.
(18) غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 150 س 4.
(19) اللمعة: 161.
614

من كتاب الخمس (1).
وذلك لما مر من النصوص الصحيحة الدالة على أنه من الأنفال، فدلت
على جواز صرفه فيهم إن لم يدل على ما هو أعم من ذلك، بناء على القول
بتحليلهم الأنفال للشيعة في زمان الغيبة، كما هو المشهور على ما صرح به
في الروضة (2) مضافا إلى ما نبه عليه في الكفاية (3) بعد اختياره هذا القول
تبعا للمقدس الأردبيلي (رحمه الله) (4) من أن وجهه استغناء الإمام (عليه السلام) واحتياج
الفقراء والحفظ في المدة المتطاولة تعريض للمال للتلف، فمعلوم رضى
الإمام (عليه السلام) بذلك، وأنه لو كان حاضرا مستغنيا لفعل كذلك.
هذا، مع أني لم أجد الخلاف إلا من الخلاف، وهو بالإضافة إلى
باقي الأصحاب شاذ، وبه يوهن ما في ظاهر كلامه من الإجماع من عدم
صراحته فيه.
نعم في السرائر ما يدل على موافقته له (5) إلا أن المحكي عنه في النكت
ما قدمناه.
وليس في هذه الأدلة ما يدل على اعتبار القيد المشار إليه في اللمعة، بل
هي مطلقة، ولا شاهد له إلا ما مر في رواية الشيخين من فعل علي (عليه السلام)،
وهي مع ضعف سندها بالإرسال لا تدل على ثبوته في غيبته، وبذلك صرح
في الروضة (6).
نعم الأولى ذلك كما في الكفاية (7) حذرا من الشبهة الناشئة من خلاف
اللمعة، لكنها مشروطة بما إذا لم يعارضها أولوية من وجه آخر، كما إذا كان

(1) الدروس 1: 264.
(2) الروضة 2: 85.
(3) كفاية الأحكام: 307 س 5.
(4) مجمع الفائدة 11: 470.
(5) السرائر 3: 299.
(6) الروضة 8: 190.
(7) كفاية الأحكام: 307 س 6.
615

فقراء غير أهل البلد أحوج وفيهم الأيتام والأرامل والضعفاء العاجزين عن
التكسب، كالعجائز والشيوخ والمرضى وأصحاب العاهات.
وهنا قول ثالث: بلزوم الدفع إلى همشاريجه مطلقا، اختاره الصدوق في
الفقيه (1) لخبرين قاصري السند، مختص أحدهما بحال حضوره (عليه السلام) (2) مع
أنه لا يقول به، بل يخص ذلك بحال الغيبة، كما هو محل البحث، مع أن
بعض المحدثين حكى عن بعض النسخ همشيريجه بالياء بعد الشين بدل
همشهريجة بالهاء بعد الشين، وقال: والمراد به نحو الأخ الرضاعي (3).
فلا دخل لهما بمحل البحث، مع شذوذهما على هذا التقدير، وإن دل
على ما دل عليه بعض النصوص، كالخبر الضعيف بسهل: ما تقول في رجل
مات وليس له وارث إلا أخا له من الرضاعة يرثه؟ قال: نعم، الخبر.
ولا قائل بذلك من الأصحاب كما صرح به جدي المجلسي (رحمه الله) في
شرحه على الفقيه، فقال: ولا خلاف في أن ولد الرضاعة ما يرث (4) انتهى.
ومع ذلك لا بأس به إن كان الهمشهريج متعددا ومن جملة الفقراء، فإن فيه
جمعا بين الأقوال.
واعلم أن إطلاق الفقير في عبائر الأصحاب يشمل الهاشمي وغيره من
العوام.
والأولى بل لعله المعين عند الأحقر تخصيص الأول به، لما ورد من أن
السادات عياله (5) يجب عليه جبر نفقتهم من حصته في الخمس. فصرف

(1) الفقيه 4: 333، ذيل الحديث 5715.
(2) الوسائل 17: 547، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة، الحديث 1، والآخر: الباب 4،
الحديث 2 و 3.
(3) المصدر السابق: 554، ذيل الحديث 2.
(4) روضة المتقين 11: 380.
(5) الوسائل 6: 364، الباب 3 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.
616

حقه في ضرورة ما يلزمه أولى من صرفه إلى غيره، مضافا إلى آية (1) أولوا
الأرحام، المقتضية لتعينهم.
ولولا شبهة الإجماع بجواز الدفع إلى غيرهم اتجه القول به، وليس في
فعل علي (عليه السلام) ودفعه إياه إلى فقراء البلد منافاة لذلك، من حيث عدم معلومية
كونهم من العوام. وعلى تقدير المعلومية - كما هو الظاهر - ليس فيه أنه
فعل ذلك مع حاجة السادة بذلك، بل الظاهر عدم حاجتهم مع وجوده (عليه السلام)
وقلتهم. وأين ذلك من كثرة السادة في أمثال الزمان، وشدة حاجتهم مع عدم
وفاء حقهم من الخمس بمؤنتهم.
وبالجملة عمل الفقير على ذلك، بل لعله عندي من اللوازم، ولعله لازم
لكل من أوجب دفع حصته (عليه السلام) من الخمس في زمان الغيبة إليهم، كما يومئ
إليه بعض تعليلاتهم المتقدم إليه الإشارة.
نعم لو اتفق غناؤهم - ولا يتفق إلا أن يشاء الله تعالى - صرف إلى
غيرهم من فقراء الشيعة الأحوج منهم فالأحوج.
(و) على كل حال (لا) يجوز أن (يعطى الجائر إلا مع الخوف)
المبيح للإعطاء، كأن يأخذه قهرا، لأنه غير مستحق له عندنا، فلو دفعه إليه
دافع اختيارا كان له ضامنا، ولو أمكنه دفعه عنه ببعضه وجب، فإن لم يفعل
ضمن ما يمكنه منعه عنه.
* * *

(1) الأنفال: 75.
617

(وأما اللواحق فأربعة) فصول:
(الأول في ميراث ابن الملاعنة)
قد تقرر في كتاب اللعان أنه سبب في التحريم المؤبد، وزوال الفراش،
وانتفاء الولد من الملاعن، ومن لوازمه أنه لا يرثه الولد، ولا يرثه هو،
ولا أحد من أقارب الأب، لانتفاء النسب بينهم شرعا، فيبقى (ميراثه لأمه)
ومن يتقرب بها من أخواله وأجداده من قبلها (و) ل‍ (ولده) لأن نسبه لم
ينتف عن الأم، ولم يلزم من نفي الأب له كونه ولد زنا اجماعا. وسيأتي
النصوص الدالة على جميع ذلك.
فإن كان له ولد وأمه حية ف‍ (للأم السدس والباقي) تمامه (للولد)
وإن نزل إن كان ذكرا، وإن كان أنثى فلها النصف أو الثلثان والباقي رد عليهما
إن اجتمع معها.
(ولو انفردت) عنه وعن الزوجين (كان لها الثلث) إجماعا (و) لها
(الباقي) أيضا (ردا) عليها على الأشهر الأقوى، بل لعله عليه عامة
متأخري أصحابنا، وعن الخلاف الإجماع عليه (1). وهو الحجة; مضافا إلى

(1) الخلاف 4: 104، المسألة 113.
618

الأصول المتقدمة الثابتة من الكتاب والسنة، وخصوص النصوص المستفيضة،
التي كادت تبلغ التواتر:
ففي بعضها: إن ميراث ولد الملاعنة لأمه (1) في جملة وافرة.
منها: عن ولد الملاعنة من يرثه؟ قال: أمه، قلت: فإن ماتت أمه من يرثه،
قال: أخواله (2).
خلافا للإسكافي (3) والشيخ في الاستبصار (4) فخصا ذلك بما إذا كان
هناك عصبة لها يعقلون عنه، وجعل الرد مع عدمهم إلى الإمام (عليه السلام) كما عليه
الشيخ، أو بيت مال المسلمين كما عن الإسكافي.
وللصدوق (5) ففصل بين غيبة الإمام (عليه السلام) فالرد عليها وحضوره فالرد
عليه، جمعا بين النصوص المتقدمة، والصحيحين: ابن الملاعنة ترثه أمه
الثلث والباقي لإمام المسلمين، لأن جنايته على الإمام (عليه السلام) (6).
ولا شاهد عليه مع إطلاق كل من نصوص الطرفين، وفقد التكافؤ، لكثرة
الأخبار الأولة، مع اعتبار جملة منها، وانجبار باقيها بالشهرة العظيمة،
ومخالفة العامة كما سيأتي إليه الإشارة، وحكاية الإجماع المتقدمة.
ولا يعارض جميع ذلك، بل ولا جملة منها بمجرد الصحة في الأخبار
المقابلة.
وبالجملة هذا القول ضعيف غايته، ولا شاهد له كسابقه.
ومنه يظهر أن الصحيحين من الروايات الشاذة لا عامل بإطلاقهما

(1) الوسائل 17: 556، الباب 1 من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه.
(2) المصدر السابق: 557، الحديث 6.
(3) المختلف 9: 71.
(4) الاستبصار 4: 182، ذيل الحديث 10.
(5) الفقيه 4: 323، ذيل الحديث 5692.
(6) الوسائل 17: 560، الباب 3 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 3 و 4.
619

في الطائفة، وبذلك صرح في التحرير (1) وقد حملهما في التهذيب على التقية
بعد أن قال: أنهما غير معمول عليهما (2) مشعرا بدعوى الإجماع على
طرحهما، وقوله في الاستبصار: ليس بصريح بل ولا ظاهر في الفتوى،
لاحتمال إرادته به مجرد الجمع بين الأخبار. ولكن فيه ما مر، مضافا إلى
ما ذكره الحلي من أنه هدم ونقض لإجماعنا، وهو إن قرابات الأم وكلالتها
لا يعقلون ولا يرثون من الدية شيئا بغير خلاف بيننا، وذكر قبل هذا اعتراضا
أيضا، وهو إنه مصير إلى مذهب المخالفين، وعدول عن آية أولوا الأرحام
وأصول المذهب، ورجوع إلى القول بالعصبة (3).
(ولو انفرد الأولاد) عن الأم والزوجين اقتسموه على حسب ما قرر
في ميراث الأولاد (ف‍) للبنت (الواحدة النصف) بالفرض (و) كذا
(للاثنتين فصاعدا الثلثان) به والباقي من النصف في الفرض الأول،
والثلث في الفرض الثاني لصاحبة الفرض بالرد.
(وللذكران) إن انفردوا عن البنات (المال) بينهم (بالسوية. ولو
اجتمعوا) أي الذكور والإناث (فللذكر سهمان وللأنثى سهم، ويرث
الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى) من النصف والربع (مع عدم الولد وإن
نزل) والباقي للوارث الخاص من الأم ونحوها إن كان، وإلا فالباقي رد على
الزوج وعلى الإمام (عليه السلام) مع الزوجة، كما تقدمت إليه الإشارة.
(و) لهما نصيبهما (الأدنى) من الربع والثمن (معهم) أي مع الأولاد.
(ولو عدم الولد يرثه من يتقرب بأمه) من الأجداد والجدات
والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وهكذا إلى

(1) التحرير 2: 173 س 4.
(2) التهذيب 9: 343، ذيل الحديث 15.
(3) السرائر 3: 276.
620

سائر الطبقات والدرجات مرتبين (الأقرب فالأقرب الذكر والأنثى) منهم
(سواء) في النصيب، لتقربهم بالأم. وقد مر أن نصيبهم ذلك.
(ومع عدم الوارث) مطلقا حتى ضامن الجريرة (يرثه الإمام (عليه السلام))
ولا خلاف في شئ من ذلك، للعمومات من الكتاب والسنة، خرج منها ابن
الملاعنة في صورة خاصة، وبقي الباقي مما قدمناه تحتها مندرجة. ومع ذلك
النصوص بجملة منها مستفيضة، تقدم بعضها، ويأتي إلى جملة اخرى منها
الإشارة.
(ويرث هو) أي ابن الملاعنة (أمه) بلا خلاف فتوى ورواية (و)
كذا (من يتقرب بها) ممن قدمناه مطلقا (على الأظهر) الأشهر بين
أصحابنا، وربما أشعر عبارة الماتن في الشرائع بالإجماع عليه (1) ويعضده
إطباق فتاوى من وقفت على كلامهم عليه ثبوت نسبه وصحته بالنسبة إليهم
بلا خلاف، كما في السرائر (2) وللصحيح: ابن الملاعنة ينسب إلى أمه ويكون
أمره وشأنه كله إليها (3).
ومن ثم ورثوهم إجماعا، كما في المسالك (4) فيدخل فيما مر من
العمومات. ومع ذلك النصوص المستفيضة دالة عليه بإطلاقها، فإن فيها:
أرأيت إن ماتت أمه وورثها الغلام ثم مات الغلام من يرثه؟ قال: عصبة أمه،
وهو يرث أخواله (5) وبه أفتى في التهذيب، فقال: إن العمل على ثبوت
الموارثة أحوط وأولى على ما يقتضيه شرع الإسلام (6).

(1) الشرائع 4: 43.
(2) السرائر 3: 276.
(3) الوسائل 17: 558، الباب 1 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 8.
(4) المسالك 13: 233.
(5) الوسائل 17: 561، الباب 4 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 3.
(6) التهذيب 9: 341، ذيل الحديث 9.
621

خلافا له في الاستبصار (1) فخص ذلك بما إذا اعترف به الأب وإلا فلا
يرث أخواله، جمعا بين إطلاقي النصوص بالتوارث كما تقدم، وبالعدم
كالموثق: يرثه أخواله ولا يرثهم الولد (2) بشهادة النصوص المفصلة الدالة
عليه بالمفهوم، منها الصحيحان: فإن لم يدعه أبوه فإن أخواله يرثونهم
ولا يرثهم (3).
أقول: ويعضده أن موارد تلك المستفيضة الحاكمة بالتوارث إنما هو
صورة تكذيب الوالد بعد اللعان نفسه، والحكم فيها ذلك، كما في النصوص
المفصلة، فليس بينهما معارضة.
لكن روى الصدوق في الفقيه بسندين غير نقيين، بل أحدهما ضعيف:
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في ابن الملاعنة من يرثه؟ قال: ترثه أمه، قلت: أرأيت
إن ماتت أمه وورثها ثم مات هو من يرثه؟ قال: عصبة أمه، وهو يرث
أخواله (4).
وليس فيه ما يوجب تقييد الإطلاق من نحو خصوصية المورد ورجوع
الضمير في الجواب إليه، كما اتفق في المستفيضة المتقدمة.
وقصور السند منجبر بالشهرة العظيمة والموافقة للعمومات القطعية، مع
أن القائل بالنصوص المفصلة وإن صحت وجمعت بين الأخبار المختلفة غير
معروف عدا الشيخ في الاستبصار، وفتواه فيه غير متيقنة ولا معلومة، كما مر
التنبيه عليه مرارا. ومع ذلك فهو على تقديره متروك، كما ذكره الماتن في
الشرائع (5) وعضده ما قدمناه. فالمشهور لعله أقوى.

(1) الاستبصار 4: 181، ذيل الحديث 8.
(2) الوسائل 17: 562، الباب 4 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 4.
(3) المصدر السابق: الحديث 5 و 7.
(4) الفقيه 4: 325، الحديث 5698.
(5) الشرائع 4: 43.
622

(و) حيث قد تقرر انتفاء نسب ولد الملاعنة عن أبيه ظهر أنه
(لا يرث أباه ولا من تقرب به ولا يرثونه) من حيث النسب.
(ولو اعترف به الأب) بعد اللعان (لحق به) في الجملة (وورث
هو أباه) خاصة (دون) العكس فلا يرثه الأب بلا خلاف في شئ من
ذلك، والنصوص به مع ذلك مستفيضة:
ففي الصحيح: فإن ادعاه أبوه لحق به وإن مات ورثه الأبن ولم يرثه
الأب (1).
وفي آخر: يرد إليه ابنه ولا يرثه (2).
وفي الخبر: إذا أقر به الأب هل يرث الأب؟ قال: نعم، ولا يرث الأب
الابن (3).
وأما بعض النصوص الدالة على أنه مع الاعتراف به بعد اللعان لا يرد
على الأب (4) فمع قصور سنده شاذ، محمول على عدم اللحوق الكامل
الموجب للتوارث من الطرفين.
وهل يرث الولد (غيره) أي غير الأب (من ذوي قرابة أبيه)
ويرثونه، أم يرثهم ولا يرثونه، أم يستمر الأمران على النفي السابق؟ أوجه.
ظاهر الشيخ (5) والأكثر ومنهم الماتن هنا وفي الشرائع (6) الأخير، عملا
بالاستصحاب، وقصرا للإقرار على المقر. وعلى تقدير كونه شهادة فهي
لا تسمع من الواحد.

(1) الوسائل 17: 558، الباب 2 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 3 و 2.
(3) المصدر السابق: الحديث 3 و 2.
(4) الوسائل 15: 601، الباب 6 من أبواب اللعان، الحديث 5.
(5) النهاية 3: 260.
(6) الشرائع 4: 43.
623

وخيرة الحلبي (1) والفاضل (2) في بعض كتبه الأول، نظرا منهما إلى إن
الإقرار كإقامة البينة الموجبة لثبوت النسب. وفيه ما عرفته.
وفصل الفاضل في بعض كتبه (3) بأنهم إن صدقوا الأب على اللعان لم
يرثهم ولا يرثونه وإن كذبوه ورثهم وورثوه. والمذهب الأول.
(ولا عبرة بنسب الأب) كما مر.
(و) يتفرع عليه أنه (لو ترك) ابن الملاعنة (أخوة لأب وأم مع أخ
أو أخوة لأم كانوا سواء في الحصة وكذا لو ترك جد الأم مع أخ أو أخت
أو إخوة أو أخوات من أب وأم) تساووا فيها، لكون انتسابهم إليه من جهة
الأم خاصة، فيتساوون فيها، كما مر إليه الإشارة.
واعلم أن في إطلاق الأب على الملاعن تجوزا، إذ ليس بأب له ينسب
إليه ظاهرا، ووجهه النظر إلى كونه أباه ابتداء.
(خاتمة تشتمل على مسائل) سبع:
(الأولى: ولد الزنا لا يرثه) الزاني ولا (أمه) الزانية (ولا غيرهما من
الأنساب) ولا يرثهم بلا خلاف في قطع التوارث بينه وبين الزاني وأقربائه،
بل عليه الإجماع في المختلف (4) والإيضاح (5) وشرح الشرائع للصيمري (6)
وشيخنا الشهيد الثاني (7). وهو الحجة; مضافا إلى النصوص المستفيضة:
ففي الصحيح: أيما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعى
ولدها، فإنه لا يورث منه شئ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الولد للفراش

(1) الكافي في الفقه: 375.
(2) لم نعثر عليه، نعم نقل عنه في المسالك 13: 235.
(3) القواعد 2: 181 س 2.
(4) المختلف 9: 77.
(5) الإيضاح 4: 247.
(6) غاية المرام: 180 (مخطوط).
(7) المسالك 13: 239.
624

وللعاهر الحجر ولا يورث ولد الزنا إلا رجل يدعى ابن وليدته (1). ونحوه
بعينه الموثق (2) وأخبار أخر.
وفي الصحيح: قلت: فإنه مات وله مال من يرثه؟ قال: الإمام (عليه السلام) (3).
وفي الخبر: عن رجل فجر بامرأة ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجاءت
بولد هو أشبه خلق الله تعالى به، فكتب بخطه وخاتمه: الولد لغية
لا يورث (4).
وإطلاقهما كعموم التعليل في الأخير والمستفيضة المتقدمة يدل على
عموم الحكم، وشموله لجميع ما في العبارة، من منع التوارث بينه وبين الأم
وأقاربها أيضا، كما هو الأظهر الأشهر بين أصحابنا، بل عليه عامة
متأخريهم، بحيث كاد ان يكون ذلك إجماعا منهم.
وربما أشعر به عبائر كثير كالشيخ في الاستبصار (5) والماتن في
الشرائع (6) وشيخنا في شرحه (7) والفاضل في القواعد (8) حيث قالوا على
الرواية الآتية: إنها شاذة مطرحة. فلا ريب في المسألة.
وأما النصوص الدالة على إرث الزاني منه إذا أقر به (9) فشاذة مطرحة
لا عمل عليها بين أصحابنا، مع قصور أسانيدها عن الصحة، فلتكن مطرحة
وإن كانت موثقة.
(و) لا خلاف في أنه (يرثه) أي ولد الزنا (ولده وإن نزل والزوج

(1) الوسائل 17: 566، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 4 و 3.
(3) المصدر السابق: الحديث 4 و 3.
(4) الوسائل 17: 567، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 2.
(5) الاستبصار 4: 183، ذيل الحديث 5.
(6) الشرائع 4: 44.
(7) المسالك 13: 239.
(8) القواعد 2: 181 س 10.
(9) الوسائل 17: 568، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 7 و 8.
625

أو الزوجة) نصيبهما الأعلى مع عدم الولد والأدنى معه، للعمومات، مع عدم
المانع من جهتهم.
(ولو لم يكن أحدهم) أي الولد أو الزوجين ولا وارث آخر ولو
ضامن جريرة (فميراثه للإمام (عليه السلام)) مطلقا ولو كان هناك الأبوان أو أحد
من ذوي قرابتهما على الأشهر الأقوى، كما مضى.
(وقيل) كما عن الإسكافي (1) والصدوق (2) والحلبي (3): إنه (ترثه
أمه) وأقاربها مع عدمها (كابن الملاعنة) للخبرين:
في أحدهما: أن عليا (عليه السلام) كان يقول: ولد الزنا وابن الملاعنة ترثه أمه
وإخوته لأمه أو عصبتها (4).
وفي الثاني: ميراثه لقرابته من قبل أمه على نحو ميراث ابن الملاعنة (5).
وهما قاصرا السند بغياث بن كلوب وغيره في الأول، والوقف إلى
الراوي من دون نسبته إلى الإمام (عليه السلام) في الثاني. فلا يعترض بهما الأدلة
المتقدمة من وجوه عديدة، سيما مع موافقتهما لمذهب العامة، كما صرح به
في السرائر (6) والغنية (7) فليحملا على التقية، أو على عدم كون الأم زانية،
فإنها وأقاربها يرثون حينئذ، لثبوت النسب الشرعي بينهم، فيكون كولد
الملاعنة.
وما أجود هذا الحمل. ولم أر من تعرض له إلا قليل من متأخري
متأخري الطائفة.

(1) المختلف 9: 76.
(2) المقنع: 505.
(3) الكافي في الفقه: 377.
(4) الوسائل 17: 569، الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 9.
(5) المصدر السابق: الحديث 6.
(6) السرائر 3: 276.
(7) الغنية: 330 - 331.
626

(الثانية: الحمل يرث إن سقط حيا) إجماعا، للصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة:
ففي الصحيحين (1) وغيرهما (2): إذا تحركا تحركا بينا ورث فإنه ربما
كان أخرس.
وفي الصحيح: إذا تحرك ورث إنه ربما كان أخرس (3).
(ويعتبر) حياته عند الأصحاب ب‍ (حركة الأحياء، كالاستهلال)
والصياح (أو) مجرد (الحركات) البينة المعبر عنها بالحركات (الإرادية
دون) غيرها من مثل (التقلص) والقبض والبسط طبعا لا اختيارا، فإن
ذلك قد يحصل في اللحوم.
والحركة المطلقة في الصحيحة الأخيرة مقيدة بالبينة منها بمقتضى
الأخبار السابقة عليها، بل ورد في كثير من المعتبرة حصر ما يعتبر به في
الاستهلال والصياح خاصة.
ففي الصحيح: لا يصلي على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل ولم
يصح ولم يورث من الدية ولاغيرها، فإذا استهل فصل عليه وورثه (4).
وفي الموثق: في ميراث المنفوس من الدية، قال: لا يرث شيئا حتى
يصيح ويسمع صوته (5).
ونحوه المرسل: إن المنفوس لا يرث من الدية شيئا حتى يستهل ويسمع
صوته (6).
لكن أطبق الأصحاب على تركها والعمل بالأخبار السابقة المصرحة

(1) الوسائل 17: 587، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 7 و 8.
(2) المصدر السابق: الحديث 4، و 3 و 5.
(3) المصدر السابق: الحديث 4، و 3 و 5.
(4) المصدر السابق: الحديث 4، و 3 و 5.
(5) المصدر السابق: الحديث 1 و 2.
(6) المصدر السابق: الحديث 1 و 2.
627

بالاكتفاء بالحركة، معللة بأنه ربما كان أخرس. ولعله لقوة احتمال ورود
هذه الأخبار مورد الغالب.
وربما جمع بعض الأصحاب بينها وبين الأخبار المتقدمة بالتخيير بين
الأمرين، بمعنى الاكتفاء بأحدهما. ولا بأس به، لكنه ليس بجمع حقيقة، بل
خروج عن ظاهر الأخيرة، وطرح لمفاهيمها بالكلية. والأجود حملها على
التقية، كما فعله جماعة، ومنهم شيخ الطائفة، قال: لأن بعض العامة يراعون
في توريثه الاستهلال (1).
أقول: ويشير إليه الأمر بالصلاة عليه بعد استهلاله في الصحيحة الأولى.
ويستفاد من بعض الأخبار الصحيحة كونه مذهب العامة.
وأما الجمع بينهما بتخصيص الأخيرة بالإرث من الدية والأولة بالإرث
من غيرها كما في المفاتيح (2) فضعيف غايته، لعدم الشاهد عليه سوى إشعار
المرسلة من حيث تخصيص الإرث بالدية باعتبار الاستهلال فيه،
واختصاص الموثقة السابقة عليها بها أيضا، ولا يصلحان للشهادة، من حيث إن
الاختصاص في الموثقة إنما هو في كلام الراوي خاصة.
والإشعار في المرسلة ليس بحجة إلا على تقدير حجية مفهوم اللقب.
وهو مع أنه ليس بحجة باتفاق الطائفة لا يعارض مفاهيم التعليلات في
الأخبار المتقدمة، التي هي كالنص في عدم اعتبار الاستهلال بالكلية ولو في
الإرث من الدية. ومع ذلك فهو منقوض بصريح الصحيحة المتقدمة المسوية
بين الدية وغيرها في اعتبار الاستهلال خاصة وبالجملة فهذا الجمع ناشئ
عن قلة التأمل في الأخبار، وعدم التتبع لها كما هو.

(1) الاستبصار 4: 199، ذيل الحديث 4.
(2) مفاتيح الشرائع 3: 316.
628

واعلم أن مقتضى إطلاق الروايات والفتاوى وبه صرح الشهيدان (1)
وغيرهما عدم اشتراط استقرار الحياة، بل وجودها مطلقا.
خلافا لظاهر الماتن في الشرائع فاعتبر استقرارها (2). ولا وجه له أصلا،
سيما مع ورود بعض الصحاح في السقط: انه إذا تحرك تحركا بينا يرث
ويورث (3) والغالب فيه عدم استقرار الحياة.
ولا يشترط حياته عند موت المورث بمعنى حلول الحياة فيه عنده
بلا خلاف ظاهر، وقد صرح به بعض الأصحاب (4) لإطلاق النصوص بإرثه
مع ولادته حيا، الشامل لما لو كان عند موت مورثه نطفة.
نعم يشترط العلم بوجوده عند الموت ليحكم بانتسابه إليه، ويعلم ذلك
بأن تلده لما دون ستة أشهر من حين موته مدة يمكن تولده منه، أو لأقصى
الحمل إذا لم توطأ الأم وطيا يصلح استناد الولد معه إلى الواطئ.
وقد صرح الفاضل في التحرير (5) والشهيد في الدروس (6) وغيرهما
بأنه لو خرج نصفه وتحرك أو استهل ثم سقط ميتا لم يرث ولا يورث. ولعله
للأصل، واختصاص النصوص بحكم التبادر بالساقط متحركا بجميعه.
ولا بأس به، ولم أجد الخلاف فيه وإن أشعر به عبارة التحرير، ولعل
المخالف من العامة.
(الثالثة: قال الشيخ) وتبعه الأصحاب من غير خلاف كما صرح به
جماعة منه: إنه (يوقف) ويعزل (للحمل نصيب ذكرين احتياطا) عن

(1) الدروس 2: 355.
(2) الشرائع 4: 48.
(3) الوسائل 17: 587، الباب 7 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 7 و 8.
(4) الشرائع 4: 48، الدروس 2: 355.
(5) التحرير 2: 174 س 6.
(6) الدروس 2: 355.
629

تولده حيا وتعدده ذكرا. وإنما لم يوقف له زيادة عن نصيبهما مع احتمال
التولد زائدا عنهما لندرته غالبا.
ثم على هذا التقدير لا يخلو من احتمالات عشرة، إما أن يولد ذكرا
واحدا، أو أنثى كذلك، أو خنثى، أو ذكرين، أو أنثيين، أو خنثيين، أو ذكرا
وأنثى، أو ذكرا وخنثى، أو أنثى وخنثى، أو يسقط ميتا، وأكثر هذه
الاحتمالات نصيبا للحمل فرضه ذكرين، فلو اجتمع مع الحمل ذكر أعطي
الثلث ووقف للحمل الثلثان، ولو اجتمع معه أنثى أعطيت الخمس حتى يتبين
الحمل، فإن ولد حيا كما فرض، وإلا وزع التركة بينهم على حسب ما
يقتضيه حال الحمل، فإن ولد ميتا خص باقيها بالولد الموجود مطلقا، وإن
ولد حيا وزعت بينهم أنصافا أو أثلاثا، أو نحو ذلك بحسب ما يقتضيه حاله
من ذكورية أو أنوثية أو خنوثية واحدا أو متعددا.
(ولو كان) هناك (ذو فرض اعطوا النصيب الأدنى) إن كانوا ممن
يحجبهم الحمل عن الأعلى كالزوجين والأبوين أو أحدهما مع عدم ولد
هناك أصلا، فإن ولد ميتا أكملوا نصيبهم، وإن ولد حيا روعي حاله وقسم
التركة على حسبها.
والضابط أنه متى كان هناك حمل وطلب الورثة القسمة فمن كان
محجوبا بالحمل كالإخوة لا يعطى شيئا إلى أن يتبين الحال، ومن كان له
فرض لا يتغير بوجوده وعدمه كنصيب الزوجين والأبوين إذا كان معه ولد
يعطى كمال نصيبه، ومن ينقصه ولو على بعض الوجوه يعطى أقل ما يصيبه
على تقدير ولادته على وجه يقتضيه كالأبوين إذا لم يكن هناك ولد غيره.
(الرابعة: يرث دية الجنين) وهو الولد في البطن مطلقا، حل فيه
الحياة، أم لا على ما يقتضيه إطلاق عبارة المتن وباقي أصحابنا (أبواه ومن
630

يتقرب بهما أو بالأب) خاصة مع عدمهما بلا خلاف، إلا من الشيخ في
موضع من الخلاف، فمنع المتقرب بأحدهما مطلقا (1). وهو ضعيف، إلا منعه
المتقرب بالأم خاصة، كما مضى التحقيق فيه وفي تنقيح الأقوال والأدلة في
صور المسألة مستقصى في المسألة الثانية من المسائل الثلاث الملحقة
ببحث مانعية القتل عن الإرث.
وإنما أفردها الأصحاب هنا بالذكر مع استفادة حكمها من إطلاق الأدلة
المتقدمة ثمة فتوى ورواية لورود نص فيه بالخصوص: إن عليا (عليه السلام) لما هزم
الطلحة والزبير أقبل الناس منهزمين فمروا بامرأة حامل على الطريق ففزعت
منهم فطرحت ما في بطنها حيا فاضطرب حتى مات ثم ماتت أمه من بعده
فمر بها علي (عليه السلام) وأصحابه وهي مطروحة على الطريق فسألهم عن أمرها؟
فقالوا: إنها كانت حبلى ففزعت حين رأت القتال والهزيمة، قال: فسألهم
أيهما مات قبل صاحبه؟ فقيل: إن ابنها مات قبلها، قال: فدعى زوجها أبا
الغلام الميت فورثه ثلثي الدية وورث أمه ثلث الدية ثم ورث الزوج من
المرأة الميتة نصف ثلث الدية التي ورثتها من ابنها (2) الخبر.
وقصور سنده مجبور بالعمل، وبرواية ابن محبوب المجمع على تصحيح
رواياته عن موجبه.
وقصور متنه عن إفادة تمام المطلب يجبر بعدم القائل بالفرق، مضافا إلى
ما مر من الإطلاقات.
اللهم إلا أن يدعى عدم انصرافها بحكم التبادر إلى محل البحث. فتدبر.
(الخامسة: إذا تعارفا) أي اثنان غير معروفي النسب (بما يقتضي

(1) لم نقف عليه.
(2) الوسائل 17: 393، الباب 10 من أبواب موانع الإرث، الحديث 3.
631

الميراث) بينهما من نسب أو زوجية أو ولاء (توارثا ولم يكلف أحدهما
البينة) بإجماعنا في الجملة ظاهرا، لعموم إقرار العقلاء (1) وللصحاح
الصراح، وقد تقدمت في كتاب الإقرار، وقد بينا ثمة عدم تعدي التوارث إلى
غيرها مع جملة من الشرائط المتعلقة بالمسألة.
وأما ما دل على عدم التوارث بالتعارف واحتياجه إلى البينة كالخبر:
لا يورث الحميل إلا ببينة (2) فمحمول على التقية، كما صرح به جماعة،
ومنهم شيخ الطائفة، قال: لأنه موافق لمذهب بعض العامة (3).
أقول: ويشير إليه جملة من الصحاح المتقدمة، وما في مجمع البحرين
في تفسير الحميل من قوله: ومنه قول عمر في الحميل لا يورث إلا ببينة (4)
انتهى، مع كون الراوي له طلحة بن زيد، العامي بنص الشيخ (5) والنجاشي (6)
والحميل هو الذي يحمل من بلده صغيرا إلى بلد الإسلام، كما صرح به في
الصحاح والنهاية الأثيرية، ولكن قال فيها: وقيل: هو المجهول النسب، وذلك
أن يقول الرجل للإنسان: هذا أخي أو ابني ليرث ميراثه عن مواليه فلا
يصدق إلا ببينة.
أقول: الأول هو المستفاد من بعض تلك الصحاح عن الحميل، فقال:
وأي شئ الحميل؟ قلت: المرأة تسبى من أرضها ومعها الولد الصغير فتقول:
هو ابني والرجل يسبى فيلقاه أخوه فيقول: هو أخي ويتعارفان، وليس لهما
على ذلك بينة إلا قولهما، قال: فقال: فما يقول من قبلكم؟ قلت: لا يورثونه

(1) الوسائل 16: 111، الباب 3 من كتاب الإقرار، الحديث 2.
(2) الوسائل 17: 570، الباب 9 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 3.
(3) التهذيب 9: 348، ذيل الحديث 34.
(4) مجمع البحرين 5: 356.
(5) رجال الطوسي: 138، الرقم 1464.
(6) رجال النجاشي: 207، رقم 550.
632

لأنه لم يكن لهما على ذلك بينة وإنما كانت ولادة في الشرك، فقال: سبحان
الله إذا جاءت بابنها أو بنتها لم تزل مقرة به، وإذا عرف أخاه وكان ذلك في
صحة من عقولهما لا يزالان يقران بذلك ورث بعضهم من بعض (1).
وعن معاني الأخبار سمي الحميل حميلا لأنه حمل من بلاده صغيرا
ولم يولد في الإسلام (2).
(السادسة: المفقود) الذي لا يعلم موته ولا حياته (يتربص بماله)
اتفاقا فتوى ونصا (و) لكن (في قدر التربص روايات) مختلفة لأجلها
اختلف أقوال الطائفة:
فمنها: ما دل على أنه (أربع سنين) وهو الموثقان:
في أحدهما: المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض
أربع سنين، وإن لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة (3). ونحوه الثاني (4).
لكنه مطلق غير مقيد بالطلب، والجمع بينهما يقتضي التقييد به، سيما
مع عدم القائل بالإطلاق، بل كل من قال بمضمونها قيده بذلك، وهو
الصدوق (5) والمرتضى (6) وابن زهرة (7) والحلبي (8) ونفى عنه البأس في
المختلف (9) وقواه الشهيدان في الدروس (10) والمسالك (11) والروضة (12) ومال
إليه جملة من متأخري المتأخرين كالمحدث الكاشاني (13)

(1) الوسائل 17: 569، الباب 9 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 1.
(2) معاني الأخبار: 273.
(3) الوسائل 17: 585، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 9.
(4) المصدر السابق: 583، الحديث 5.
(5) الفقيه 4: 330، ذيل الحديث 5707.
(6) الانتصار: 595.
(7) الغنية: 332.
(8) الكافي في الفقه: 378.
(9) المختلف 9: 96.
(10) الدروس 2: 352.
(11) المسالك 13: 59.
(12) الروضة 8: 50.
(13) مفاتيح الشرائع 3: 319.
633

وصاحب الكفاية (1) وغيرهما.
ولعله الأقوى، لدعوى السيدين عليه في الانتصار (2) والغنية (3) إجماع
الإمامية، مع اعتبار سند الرواية بعد التعدد بالموثقية بإسحاق بن عمار
المشترك بين الموثق والثقة. وربما ادعى صحتها بعض الأجلة (4) مضافا إلى
التأيد بفحوى الأدلة الدالة على ثبوت مثل الحكم في الزوجة من اعتدادها
بعد الفحص في المدة المزبورة وجواز تزويجها بعدها، فإن عصمة الفروج
أشد وأقوى اتفاقا فتوى ونصا، فليجر مثل حكمها في قسمة المال بين
الورثة بطريق أولى.
ورد الأولوية بوجود الفارق، ومعارضتها بتضرر المرأة بطول الغيبة
- كما ذكره جماعة - حسن إن كان الضرر المثبت للحكم لها إرادتها النكاح
والاستمتاع لا النفقة، مع أن المستفاد من النصوص الواردة في حكمها كونه
من جهة النفقة خاصة، ولذا حكمت بلزوم الصبر عليها مع وجود من ينفق
عليها.
وحينئذ يتجه الأولوية، لاتحاد وجه الضرر بينها وبين سائر الورثة،
سيما الصغار منهم والعجزة. فتأمل.
(و) مما ذكرنا من اعتبار سند الرواية بالموثقية أو الصحة يظهر لك
ما في قوله هنا وغيره أنه (في سندها ضعف).
اللهم إلا أن يريد بالضعف المعنى الغير المصطلح عليه بين المتأخرين أو
يعد الموثق من أقسام الضعيف، كما هو طريقته في كثير من مواضع الكتاب.
فكيف كان فقدح مثل هذا الضعف على تقديره في الحجية بمعزل عن

(1) كفاية الأحكام: 292 س 6.
(2) الانتصار: 595.
(3) الغنية: 332.
(4) مجمع الفائدة 11: 544.
634

التحقيق، مع ما عرفت من عدم انحصار الدليل في هذه الرواية لحكاية
الإجماعين المتقدم إليها الإشارة، وكل منهما كرواية صحيحة حجة مستقلة.
ولو سلم التنزل باحتمال توجه القدح إليهما، نظرا إلى ندرة القائل بهذا
القول بين القدماء، نقول: لا أقل من إفادتهما الشهرة بينهم، وهي جابرة لسند
الرواية وعاضدة له، فيخصص بها الأصل ولو اعتضد بالشهرة المتأخرة، لأن
الرواية خاصة والأصل عام، فلتكن عليه مقدمة، وقلة القائل بحسب إطلاعنا
لا يوجب قلته واقعا.
وبهذا يذب عن التسليم ويرجع الإجماع إلى ما كان عليه، واقتضت
الأدلة من حجيته على الإطلاق.
هذا، مع أن الوهن بذلك يجبره أيضا التعدد في النقل لبعد الخطاء معه.
(و) منها ما دل على أنه (عشر سنين) في الجملة، كالصحيح: عن
دار كانت لامرأة وكان لها ابن فغاب الابن في البحر وماتت المرأة فادعت
ابنتها أن امها صيرت هذه الدار لها وباعت أشقاصها منها وبقيت في الدار
قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن وما
يتخوف أن لا يحل شراؤها وليس يعرف لابن خبر، فقال: منذ كم غاب؟
قلت: منذ سنين كثيرة، قال: ينتظر به غيبته عشر سنين ثم تشترى، قلت: إذا
انتظر به غيبته عشر سنين يحل شراؤها؟ قال: نعم (1).
(وهي) وإن كانت صحيحة إلا أنها (في حكم خاص) واردة. ففي
الاستدلال بها على الكلية تعسف فإنه لا يلزم من تسويغه (عليه السلام) بيع القطعة من
الدار بعد العشر الحكم بموته حينئذ، فإن الغالب يمكن للحاكم ان يبيع ماله
للمصلحة فكيف بالإمام (عليه السلام)؟! مع أن الرواية تضمنت أن بائع الدار ادعى

(1) الوسائل 17: 584، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 7.
635

كونها ملكا له من دون منازع له في هذه المدة الطويلة فجاز كون تسويغ
البيع لذلك وإن بقي الغائب على حجته.
ولا ينافيه الأمر بالتأخير إلى تلك المدة، لاحتمال كونه من باب
الاحتياط، كما صرح به بعض الأجلة (1).
هذا، مع أنها غير مكافئة لما قدمناه من الأدلة من وجوه عديدة، منها
ندرة القائل بها، إذ لم يحك إلا عن المفيد في قوله المشهور من الانتظار إلى
تلك المدة في بيع عقاره خاصة، وجواز اقتسام الورثة ما عداها من سائر
أمواله بشرط الملاءة وضمانهم لها على تقدير ظهوره (2).
مستندا في الشق الأول إلى الصحيحة المتقدمة.
(وفي) الثاني إلى ما في رواية (ثالثة): من أنه (يقتسمه) أي المال
(الورثة إذا كانوا ملاء) فإذا جاء ردوه عليه (3).
(و) ليس (فيها ضعف أيضا) كما ذكره الماتن، بل هي موثقة،
ولكنها لما قدمناه من الأدلة غير مكافئة من وجوه عديدة، فلتطرح، أو تؤول
بما يؤول إلى الأول، بحملها على القسمة بعد الطلب في مدة الأربع سنين
ورفع اليد عن مفهوم الشرط، أو يحمل على الاستحباب.
(وقال) الشيخ (في) المبسوط (4) و (الخلاف) (5) وتبعه القاضي (6)
وابن حمزة (7) والحلي (8) والفاضلان (9) وكثير من المتأخرين بل ادعى عليه
الشهرة جماعة: إنه لا يورث.

(1) مجمع الفائدة 11: 545.
(2) المقنعة: 706.
(3) الوسائل 17: 584، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 6 و 8.
(4) المبسوط 4: 125.
(5) الخلاف 4: 119، المسألة 136.
(6) المهذب 2: 166.
(7) الوسيلة: 400.
(8) السرائر 3: 298.
(9) الشرائع 4: 49، المختلف 9: 96.
636

(حتى يمضي) له من حين ولادته (مدة لا يعيش مثله إليها) عادة.
(و) لا ريب أن هذا (هو الأولى في الاحتياط، وأبعد من التهجم
على الأموال المعصومة بالأخبار الموهومة) المرجوحة بالإضافة إلى
الأصول القطعية، التي منها أصالة بقاء الحياة السابقة، وعدم دخول التركة في
ملك الورثة، ولا دليل لهم عليه سواها، كما صرح به شيخنا الشهيد الثاني في
الروضة، فقال: وليس به رواية صريحة ومن ادعى عليه من النصوص ليس
دالا عليه (1).
ولعل مراده من النصوص المدعى دلالتها النصوص الواردة في مال
مجهول المالك، كالصحيح: سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم وأنا جالس،
فقال: إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجرة ففقدناه وبقي له من أجره
شئ فلا نعرف له وارثا، قال: فاطلبوه، قال: وقد طلبناه فلم نجده، قال:
فقال: مساكين وحرك يديه، قال: وأعاد، قال: اطلب واجهد فإن قدرت عليه،
وإلا فهو كسبيل مالك حتى يجيء له طالب، فإن حدث بك حدث فأوص به
إن جاء طالب أن يدفع إليه (2). ونحوه غيره (3).
والمدعي دلالتها عليه الفاضل في المختلف (4) وولده في الإيضاح (5)
والفاضل المقداد في التنقيح (6) وهو الظاهر من الكليني (7) والشيخ (8)
وغيرهما من المحدثين، حيث ساقوها في باب أخبار مال المفقود.

(1) الروضة 8: 49.
(2) الوسائل 17: 582، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1.
(3) المصدر السابق: 585، الحديث 10.
(4) المختلف 9: 96.
(5) الإيضاح 4: 206.
(6) التنقيح 4: 207.
(7) الكافي 7: 153.
(8) التهذيب 9: 389.
637

ووجه عدم دلالتها ما أشار إليه في الكفاية من اختصاصها بمن لا يعرف
له وارث (1).
ولا يشمل لمن له وارث كما هو مفروض المسألة، ولذا لم يستدل بها
أكثر أصحابنا، بل صرح جمع ومنهم شيخنا (2) المتقدم ذكره بعدم دلالتها.
وربما كان الوجه في توهم دلالتها ما ذكره المولى الأردبيلي (رحمه الله)، فقال
بعد الاستدلال بها: وهذه الأخبار وإن لم تكن في الميراث إلا أن الظاهر عدم
الفرق بينه وبين غيره من الحقوق (3).
وهو كما ترى، فإن الظهور المدعى إن كان مستندا إلى الأصل فهو
الحجة دونها، وإن كان مستندا إليها فضعفه أظهر من أن يخفى، سيما مع
اعترافه أولا بعدم دلالتها.
ثم إن المرجوحية المدعاة في العبارة - كما يستفاد من سياقها المتضمن
لتضعيف أسانيدها ودلالتها - مرجوحة حقيقة ليس معها في الروايات حجة.
وأما على المختار فليس المراد من المرجوحية ذلك، بل المرجوحية
بحسب الاحتياط في العمل، وإلا فقد عرفت اعتبار أسانيد ما دل عليه، مع
الاعتضاد بالأولوية والإجماعين اللذين كاد أن يكونا كالأولوية حجة
مستقلة، وليس في كثير من المسائل الشرعية المثبتة بالظنون الاجتهادية
أقوى من هذه الحجة، فيخصص بها الأصل في المسألة، كما يخصص بمثلها،
بل وبما دونها في تلك المسائل المزبورة.
والشهرة المدعاة في كلام الجماعة ليست بتلك الشهرة التي توجب
مرجوحية هذه الحجة ووهن الإجماعات المحكية، فإنها شهرة متأخرة، كما

(1) كفاية الأحكام: 291 س 33.
(2) الروضة 8: 50.
(3) مجمع الفائدة 11: 540.
638

صرح به جملة من النقلة لها في المسألة، ومنهم صاحب الكفاية (1). وهو
كذلك، إذ لم نر من القدماء من أفتى بهذا القول إلا الشيخ وبعض من تبعه
ممن تقدم إليه الإشارة، ومجموعهم أربعة، بعين عدد من قال بالمختار من
القدماء، فإنهم أيضا - كما عرفت - أربعة ويزيدون عليهم، بدعوى جملة
منهم على مختارهم إجماع الإمامية.
وأقل ما يستفاد من هذه الدعوى سيما مع التعدد الشهرة القديمة، كما مر
إليه الإشارة. ومع ذلك الشهرة المتأخرة إنما نشأت من الفاضلين والشهيدين
وجملة ممن تقدم إليهم الإشارة، وليس مثلها شهرة حقيقية، سيما مع قول
جملة منهم أيضا بالمختار كالشهيدين والفاضل في قولهم الثاني، كما عرفت.
وبالجملة فالمختار سبيله واضح لا يكاد يحوم حوله شبهة الاشتباه
والإنكار وإن كان مذهب الخلاف أقرب إلى الاحتياط.
وهنا قول رابع للإسكافي شاذ غير واضح السند، وهو التفصيل في
المفقود بين من فقد في عسكر شهدت هزيمته وقتل من كان فيه أو أكثرهم
فالمختار، ومن لا يعرف مكانه في غيبته ولا خبر له فانتظار عشر سنين (2).
لكنه لم يصرح بشرط الطلب والفحص في شئ من الموضعين.
وعلى المشهور فإذا مضت المدة المعتبرة التي هي في زماننا مائة
وعشرون سنة - لندرة الزائد عليها غاية الندرة، بل ربما اكتفى بما دونها إلى
المائة في المسالك (3) والروضة (4) - حكم بتوريث من هو موجود حال
الحكم، وقد صرح الشهيدان (5) وغيرهما بأنه لو مات له قريب في تلك المدة
عزل له نصيبه منه وكان بحكم ماله.

(1) كفاية الأحكام: 291 س 19.
(2) المختلف 9: 95.
(3) المسالك 13: 57.
(4) الروضة 8: 49.
(5) الدروس 2: 351، الروضة 8: 49.
639

خلافا للفاضل في التحرير، فخص ذلك بما إذا علم حياته أو موته بعد
مورثه، قال: وإذا مضت المدة ولم يعلم خبره رد إلى ورثة الأول، للشك في
حياته حين موت مورثه فلا يورث مع الشك (1).
وفيه نظر، لاندفاع الشك بالأصل، ولو عورض بأصالة عدم الإرث
لردت بورودها أيضا في جانب غيره من ورثة الأول، وبعد التساقط يبقى
الأصل الأول على حاله سليما عن المعارض. فالأصل ما أطلقه الجماعة.
(السابعة: لو تبرأ) الوالد (من جريرة ولده) وجنايته (وميراثه
ففي رواية) عمل بها الشيخ في النهاية (2) وبعض من تبعه: أنه (يكون
ميراثه للأقرب إلى أبيه) دونه كما فهمه أكثر الأصحاب، والمراد بالرواية
الجنس لتعددها.
منها: عن رجل تبرأ عند السلطان من جريرة ابنه وميراثه ثم مات الابن
وترك مالا من يرثه؟ قال: ميراثه لأقرب الناس إلى أبيه (3).
ومنها: عن المخلوع يتبرأ منه أبوه عند السلطان ومن ميراثه وجريرته
لمن ميراثه؟ قال: فقال علي (عليه السلام): هو لأقرب الناس إليه (4) كما في
التهذيب (5) أو إلى أبيه كما في الفقيه (6).
(و) ليس (في) شئ من سندي (الرواية) مع تعددها (ضعف)
كما في ظاهر العبارة، لأن فيهما صفوان بن يحيى وابن مسكان المجمع على
تصحيح رواياتهما، فلا يضر جهالة الراوي الذي رويا عنه في الأولى،
ولا جهالة في الثانية ولا اشتراك، كما حقق في محله مستقصى.

(1) التحرير 2: 173 س 22.
(2) النهاية 3: 267.
(3) الوسائل 17: 565، الباب 7 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، الحديث 2.
(4) المصدر السابق: 566، الحديث 3.
(5) التهذيب 9: 349، الحديث 37.
(6) الفقيه 4: 313، الحديث 5674.
640

نعم فيها إضمار، ومع ذلك هي كسابقتها شاذة في الظاهر المصرح به في
كلام جماعة كالماتن في الشرائع (1) والشهيدين في المسالك (2) واللمعة (3)
والحلي في السرائر (4) حاكيا له عن الشيخ في الحائريات أيضا، مدعيا هو
كغيره بذلك رجوعه عما في النهاية، ومع ذلك ادعى هو والفاضل المقداد في
التنقيح (5) على خلافها إجماع أصحابنا، بل المسلمين كافة. وهو الحجة;
مضافا إلى الأصول القطعية من الكتاب والسنة الدالة بعمومها على إرث
الوالد، ولده، وخصوص ما ورد في تعليل حرمان الزوجة عن العقار: بأن
المرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة، ويجوز تغييرها
وتبديلها، وليس الولد والوالد كذلك، لأنه لا يمكن التفصي منهما والمرأة
يمكن الاستبدال بها (6) الحديث.
وهو كما ترى كالنص في فساد التبري إذ لو صح لأمكن به التفصي عن
الولد، وقد حكم (عليه السلام) باستحالته.
هذا، مع أن الروايتين وإن اعتبرتا سندا، إلا أنهما ليستا صريحتين، بل
ولا ظاهرتين في ذلك ظهورا تاما، كما صرح به الفاضل في المختلف (7)
وشيخنا في الروضة (8) وغيرهما.
أما الأولى: فلأنه ليس فيها تصريح بموت الولد قبل الأب، ولعله
مخصوص بموته بعده، ويكون التبري المذكور غير معتبر، كما مر، وبنحوه
يجاب عن الثانية على النسخة الثانية، وكذا على النسخة الأولى، مع أنها

(1) الشرائع 4: 44.
(2) المسالك 13: 237.
(3) اللمعة: 250.
(4) السرائر 3: 286.
(5) التنقيح 4: 209.
(6) الوسائل 17: 521، الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 14.
(7) المختلف 9: 90.
(8) الروضة 8: 213.
641

عليها أضعف دلالة، لأنها غير صريحة في نفي ميراث الأب، بل يمكن أن
يكون المراد أن الميراث للأب، لأنه أقرب الناس إليه، فإن لم يكن موجودا
فلأقرب الناس إليه، وعن الشيخ أنه قال عقيبهما: ليس في الخبرين أنه نفي
الولد بعد أن أقر به، وإلا لم يلتفت إلى إنكاره، ولو قبل إنكاره لم يلحق
ميراثه بعصبته، لعدم ثبوت النسب، قال: ولا يمتنع أن يكون الوالد من حيث
تبرأ من جريرة الولد وضمانه حرم الميراث وإن كان نسبه صحيحا (1).
الفصل (الثاني في) بيان (ميراث الخنثى) وشبهه
وهو (من له فرج الرجال والنساء)
اعلم أن الظاهر من الآيات القرآنية انحصار أنواع الإنسان في صنفي
الذكر والانثى، ويستحيل اجتماعهما، كقوله سبحانه: «خلق الزوجين الذكر
والانثى» (2) وقوله تعالى: «يهب لمن يشاء أناثا ويهب لمن يشاء الذكور» (3)
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك بمعونة المقامات.
وعلى هذا فهو لا يخرج عنهما، ويكون أحد فرجيه أصليا والثاني زائدا،
كسائر الزوائد في الخلقة من يد ورجل، ونحوها، فإن أمكن استعلام الأصلي
من الزائد فهو المعروف بين الأصحاب بالخنثى الواضح، وإلا فهو المشكل.
وطريق استعلامه أنه (يعتبر بالبول) فإن بال من فرج الرجال فهو
رجل، وإن بال من فرج النساء فهي امرأة، وإن بال منهما اعتبر بالسبق
(فمن أيهما سبق) بوله (يورث عليه) ذكورة وأنوثة بلا خلاف، بل عليه
الإجماع ففي كثير من كلمات الأصحاب، كالمفيد (4) والمرتضى (5)

(1) الاستبصار 4: 185، ذيل الحديث 5.
(2) النجم: 45.
(3) الشورى: 49.
(4) الإعلام (مصنفات الشيخ المفيد) 9: 62.
(5) الانتصار: 594.
642

والحلي (1) والفاضل في التحرير (2) وولده في الإيضاح (3) وشيخنا في
المسالك (4) والصيمري (5) وغيرهم، لكن الأولين لم يذكرا السبق، بل ذكرا
- كالديلمي (6) - بدله «الغلبة» و «الكثرة». ولعله ملازم لهما، كما يستفاد من
صريح الفاضل المقداد في التنقيح (7) وظاهر الباقين المدعين للإجماع من
غير نقل خلاف عن هؤلاء.
والأصل في جميع ذلك بعد الإجماعات المحكية النصوص المستفيضة:
ففي الصحيح: عن مولود ولد له قبل وذكر كيف يورث؟ قال: إن كان
يبول من ذكره فله ميراث الذكر، وإن كان يبول من القبل فله ميراث
الأنثى (8). ونحوه المرسل (9) كالموثق.
وفي الخبر: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يورث الخنثى من حيث يبول (10).
ونحوه آخر مروي عن العيون (11).
وفي ثالث مروي عن إبراهيم بن محمد الثقفي في كتاب الغارات، وفيه:
فانظروا إلى سبيل البول، فإن خرج من ذكره فله ميراث الرجل، وإن خرج
من غير ذلك فورثوه مع النساء، الحديث (12).
وفي الصحيح: يورث من حيث يبول، ومن حيث سبق بوله، فإن خرج

(1) السرائر 3: 277.
(2) التحرير 2: 174 س 19.
(3) الإيضاح 4: 249.
(4) المسالك 13: 242.
(5) غاية المرام: 180، س 18 (مخطوط).
(6) لم يذكر الديلمي «الغلبة» و «الكثرة» بل قال: «نظر من أيهما انقطع أخيرا» راجع المراسم: 225.
(7) التنقيح 4: 209.
(8) الوسائل 17: 573، الباب 1 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1.
(9) المصدر السابق: الحديث 3 و 2.
(10) المصدر السابق: الحديث 3 و 2.
(11) عيون الأخبار 2: 75، الحديث 350.
(12) الغارات 1: 193.
643

منهما سواء فمن حيث ينبعث، فإن كانا سواء ورث ميراث الرجال وميراث
النساء (1).
وفي الخبر: الخنثى يورث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعا فمن
أيهما سبق البول ورث عليه، فإن مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف
عقل الرجل (2). ونحوه آخر مروي عن قرب الأسناد (3).
وفي المرسل المروي في الكافي: في المولود له ما للرجال وما للنساء
يبول منهما جميعا، قال: من أيهما سبق، قيل: فإن خرج منهما جميعا، قال:
فمن أيهما استدر، قيل: فإن استدرا جميعا، قال: فمن أبعدهما (4).
(فإن بدر منهما قال الشيخ) (5) وأكثر الأصحاب كالمفيد (6)
والديلمي (7) وابن حمزة (8) وزهرة (9) والفاضلين (10) والشهيدين (11) وغيرهما
من المتأخرين: إنه (يورث على الذي ينقطع منه أخيرا) واختاره الحلي
نافيا الخلاف فيه (12) مشعرا بدعوى الإجماع عليه. وهو الحجة; مضافا إلى
المرسلة الأخيرة، فإن الظاهر من الأبعدية فيها الأبعدية زمانا.
والضعف منجبر بالشهرة بين الأصحاب، وبالصحيحة الثانية المتضمنة
لقوله (عليه السلام): «فمن حيث ينبعث» (13) قال في القاموس: بعثه كمنعه أرسله
فانبعث، والمراد أنه ينظر أيهما أشد استرسالا وإدرارا فيحكم به، والظاهر

(1) الوسائل 17: 575، الباب 2 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل 17: 575، الباب 2 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1 و 2.
(3) قرب الأسناد: 67.
(4) الكافي 7: 157، الحديث 5.
(5) الخلاف 4: 106، المسألة 116.
(6) المقنعة: 698.
(7) المراسم: 225.
(8) الوسيلة: 402.
(9) الغنية: 331.
(10) الشرائع 4: 44، القواعد 2: 181 س 12.
(11) اللمعة: 249.
(12) السرائر 3: 277.
(13) الوسائل 17: 575، الباب 2 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1.
644

أن المنقطع أخيرا أشد إدرارا، لكون الخروج منه أكثر زمانا. فتأمل جدا.
(و) مما ذكرنا ظهر أنه ليس (فيه تردد) وإن ذكره الماتن فهو ضعيف.
وأضعف منه عدم اعتباره كما عن الصدوق (1) والإسكافي (2)
والمرتضى (3).
وأضعف منهما مصير القاضي إلى اعتبار الأسبق انقطاعا (4) لعدم الشاهد
عليه حينئذ، مع قيام الدليل - كما عرفت - على خلافه.
(فإن تساويا) خروجا وانقطاعا (قال) الشيخ (في الخلاف)
خاصة: إنه (يعمل فيه بالقرعة) مدعيا عليه إجماع الفرقة وأخبارهم (5).
قيل: وعنى بها ما ورد عنهم (عليهم السلام) «من أنها لكل أمر مشتبه» (6) وهذا منه
وهو شاذ، وإجماعه موهون، معارض بمثله، ومثله كما يأتي، ولا اشتباه بعد
ورود النص الصحيح بعد الأضلاع أو إعطاء نصف النصيبين، كما يأتي.
(وقال المفيد) في كتاب إعلام الورى (7) (و) السيد المرتضى (علم
الهدى) في الانتصار (8): إنه (يعد أضلاعه) فإن اختلف أحد الجانبين
فذكر، وإن تساويا عددا فأنثى، مدعيين عليه الإجماع، واختاره
الإسكافي (9) والحلي في السرائر (10) لذلك، وللنص الذي ادعى تواتره، وهو
ما رواه في التهذيب بسنده إلى ميسرة بن شريح، وهو طويل وفي جملته: أنه
قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): جردوها من ثيابها وعدوا أضلاع جنبيها ففعلوا

(1) المقنع: 503.
(2) المختلف 9: 79.
(3) الانتصار: 594.
(4) المهذب 2: 171.
(5) الخلاف 4: 106، المسألة 116.
(6) المسالك 13: 243.
(7) الإعلام (مصنفات الشيخ المفيد) 9: 62.
(8) الانتصار: 594.
(9) المختلف 9: 79.
(10) السرائر 3: 279.
645

ثم خرجوا فقالوا: عدد الجنب الأيمن اثنى عشر ضلعا والجنب الأيسر أحد
عشر ضلعا، فقال (عليه السلام): الله أكبر ايتوني بالحجام فأخذ من شعرها وأعطاها
رداء وحذاء وألحقها بالرجال، قال: لأن حواء خلقت من ضلع آدم، وأضلاع
الرجال أقل من أضلاع النساء بضلع، الحديث (1). وطعن الأكثر في هذا الخبر
بجهالة الراوي.
وفيه أن الصدوق رواه في الفقيه عن عاصم بن حميد عن محمد بن
قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) وطريقه إليه في المشيخة صحيح (3) إلا أن في
روايته: «أن أضلاعها كانت سبعة عشر تسعة في اليمين وثمانية في اليسار،
ويعضده رواية المفيد (4) والإسكافي (5) والعماني (6).
وهذا لا ينافي توافقها مع رواية التهذيب في أصل اعتبار العدد، وكون
متساوي الأضلاع امرأة ومختلفها رجلا.
وروى في الفقيه أيضا عن السكوني عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام): أن
عليا (عليه السلام) كان يورث الخنثى فيعد أضلاعه، فإن كانت ناقصة عن أضلاع
النساء بضلع ورث ميراث الرجال، لأن الرجل ينقص أضلاعه عن ضلع
المرأة بضلع، لأن حواء خلقت من ضلع آدم الحديث (7).
وروى المفيد الحديث الأول في إرشاده عن الحسن بن علي العبدي عن
سعد بن ظريف عن أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (8) نحو ما في الفقيه.
(وقال) الصدوقان (9) والمفيد في المقنعة (10) والشيخ (في النهاية (11)

(1) التهذيب 9: 354، الحديث 5.
(2) الفقيه 4: 327، الحديث 5704.
(3) الفقيه 4: 486.
(4) الإرشاد: 114.
(5) المختلف 9: 79.
(6) المختلف 9: 79.
(7) الفقيه 4: 326، الحديث 5702.
(8) الإرشاد: 114.
(9) المقنع: 503.
(10) المقنعة: 698.
(11) النهاية 3: 258.
646

والإيجاز (1) والمبسوط (2)) والديلمي (3) والقاضي (4) وابنا حمزة (5)
وزهرة (6): إنه (يعطى نصف ميراث رجل ونصف ميراث امرأة، وهو
أشهر) كما هنا وفي القواعد (7) وشرح الشرائع للصيمري (8) والتنقيح (9)
والدروس (10) والروضة (11) ونسبه في المسالك إلى أكثر المتأخرين (12).
أقول: بل عليه عامتهم، بحيث كاد أن يكون ذلك إجماعا منهم، لجملة
من النصوص المتقدمة:
منها الصحيح: فإن كان سواء ورث ميراث الرجال والنساء (13).
والمراد به نصف الأمرين، لامتناع أن يراد مجموعهما.
وأصرح منه الخبران المذكوران بعده: فإن مات ولم يبل فنصف عقل
المرأة ونصف عقل الرجل (14).
مضافا إلى التأيد بأن فيه مراعاة للحالتين (15) لتساويهما عقلا، فيعمل
بالمتيقن، ويعطى ميراث الأنثى، ويقسم ما زاد عليه من سهم المشكوك فيه،
وهو كونه ذكرا نصفين، كما وقع نظيره في الشرع عند اختلاف الدعويين، مع
عدم الحجة. ولعل هذا أقوى، لقوة الأدلة عليه، وانجبار قصور الخبرين منها
بالصحيح قبلهما، والشهرة العظيمة بين المتأخرين والقدماء ظاهرة ومحكية
حد الاستفاضة، كما عرفته.

(1) الإيجاز (الرسائل العشر): 275.
(2) المبسوط 4: 114.
(3) المراسم: 225.
(4) المهذب 2: 171.
(5) الوسيلة: 402.
(6) الغنية: 331.
(7) القواعد 2: 181، س 15.
(8) غاية المرام: 180 س 29 (مخطوط).
(9) التنقيح 4: 212.
(10) الدروس 2: 379.
(11) الروضة 8: 194.
(12) المسالك 13: 243.
(13) الوسائل 17: 575، الباب 2 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1.
(14) المصدر السابق: ذيل الحديث 2.
(15) في «ش»: للحالين.
647

ومنها ينقدح الوهن في الإجماعين المتقدمين إليهما الإشارة، فليس
فيهما حجة، كما لا حجة في الأخبار الموافقة لهما، مع قصور أكثرها سندا،
وعدم جابر له جدا.
ودعوى الحلي التواتر غير جابرة، بعد ظهور اتفاق أكثر الفتاوى على
خلافها.
فالتواتر على تقدير تسليمه إنما هو في الرواية، وهو بمجرده مع عدم
الفتوى بها غير نافع، بل يوجب وهنها بلا شبهة، ومع ذلك فهي بأقسامها
حتى الصحيح منها غير مقاومة للنصوص المقابلة المضاهية لها سندا وعددا،
لرجحانها عليها بما قدمناه من الشهرة العظيمة بين أصحابنا، التي كادت
تكون إجماعا، فتكون حجة مستقلة برأسها.
هذا، وعن العماني أنه قال: وقد روى عن بعض علماء الشيعة أنه سئل
عن الخنثى، فقال: روى بعض أصحابنا في وجه ضعيف لم يصح عندي أن
حواء خلقت من ضلع آدم (عليه السلام)، فصار للرجال من ناحية النساء ضلعا أنقص
وللنساء ثمانية عشر ضلعا من كل جانب تسعة وللرجال سبعة عشر ضلعا
من جانب اليمين تسعة ومن جانب اليسار ثمانية، ثم قال: وهذه علامة
واضحة إن صحت عنهم (عليهم السلام) (1).
وهو كما ترى ظاهر في عدم ثبوت الرواية وصحتها في الصدر الأول،
فضلا عن تواترها، فيندفع به دعوى الحلي جدا.
كيف لا! وهو متأخر عن زمان العماني بكثير، ويبعد غاية البعد حصول
التواتر له دونه، مع أنه أسبق زمانا وأجدر بالاطلاع بالتواتر وأولى، ومع
ذلك لم يدعه أحد من أصحابنا.

(1) المختلف 9: 80.
648

نعم نسب الرواية في الخلاف إلى أصحابنا فقال: روى أصحابنا (1)
وهو مع عدم كونه صريحا في دعوى التواتر بل ولا ظاهرا وإن توهمه
الحلي منه مضعف باختياره فيه، كما عرفت خلافها، ولا يكون ذلك إلا لعدم
تواترها، أو كون تواترها بحسب الرواية خاصة، لا الفتوى، وهو - كما
عرفت - مما يوجب وهنها لا حجيتها.
وبالجملة فدعوى الحلي ومختاره ضعيف.
وأضعف منه ما تخيله بعض المعاصرين من القول بمختاره فيما إذا علم
عدد أضلاعه قبل موته ومختار المشهور إذا لم يعلم ذلك لكونه إحداث قول
لا نجوزه. ومع ذلك لا شاهد عليه ولا منشأ له سوى دلالة الخبرين
الأخيرين من نصوص المشهور بالمفهوم على عدم الحكم مع عدم الموت.
وهو ضعيف، لكون الصحيح قبلهما مطلقا، ولا يمكن تقييده بمفهومهما، لعدم
التكافؤ أصلا، وعدم القائل بالفرق، كما مضى. ولكنه جمع حسن لولاهما.
(و) على المختار (لو اجتمع مع الخنثى ذكر أو أنثى) أو ذكر وأنثى
معا فقد اختلف الأصحاب في كيفية القسمة على قولين.
ف‍ (قيل) كما عن النهاية والإيجاز (2) واستحسنه الفاضل في التحرير (3):
إنه للذكر أربعة وللخنثى ثلاثة في الفرض الأول، وكذا في الثاني، لكن للأنثى
سهمان، و (للذكر أربعة وللخنثى ثلاثة وللأنثى سهمان) في الثالث.
وتوضيحه: أنه يجعل للأنثى أقل عدد يكون له نصف، وهو اثنان
وللذكر ضعف ذلك وللخنثى نصف كل منهما، فالفريضة على الفرض الأول

(1) الخلاف 4: 106، المسألة 116.
(2) لم نجده في النهاية والإيجاز كما تنبه عليه صاحب مفتاح الكرامة 8: 223.
(3) التحرير 2: 174 س 26.
649

من سبعة، وعلى الثاني من خمسة، وعلى الثالث من تسعة حسب ما تقدم
من التفصيل.
(وقيل): كما عن المبسوط (1): إنه (تقسم الفريضة مرتين فيفرض
مرة ذكرا ومرة أنثى، ويعطى) الخنثى وغيره (نصف النصيبين، وهو
أظهر) عند الماتن هنا، والأشهر كما صرح به جمع ممن تأخر.
(مثاله خنثى وذكر تفرضهما ذكرين تارة وذكرا وأنثى اخرى
وتطلب أقل مال له نصف ولنصفه نصف وله ثلث ولثلثه نصف) حتى
يصح منه فرض كونه ذكرا وكونه أنثى وأخذ نصف النصيبين منه أيضا
(فيكون اثنى عشر فيحصل للخنثى خمسة وللذكر سبعة، ولو كان بدل
الذكر أنثى حصل للخنثى سبعة وللأنثى خمسة).
بيانه: إنك إذا قسمت الفريضة على تقدير الذكورية ثم قسمتها مرة اخرى
على تقدير الأنوثية نظرت إلى كل من الفريضتين، فإن تباينتا ضربت
إحداهما في الأخرى، وإن توافقتا ضربت إحداهما في وفق الأخرى، وإن
تماثلتا اجتزأت بإحداهما، وإن تناسبتا أخذت بالأكثر، ثم تضرب ذلك في
اثنين فتعطي كل وارث من المجموع نصف ما حصل له من الفرضين فلو كان
مع الخنثى ذكر فعلى تقدير فرض الخنثى ذكرا تكون الفريضة من اثنين،
وعلى تقدير فرضه أنثى تكون من ثلاثة، والفريضتان متباينتان، فتضرب
إحداهما في الأخرى، ثم المجتمع في اثنين تكون اثنى عشر للخنثى على
تقدير الذكورية ستة، وعلى تقدير الأنوثية أربعة، فيؤخذ نصفهما وهو خمسة
من اثنى عشر، وللذكر سبعة، لأنها نصف ماله على تقدير ذكورية الخنثى
وهو ستة، وماله على تقدير أنوثيته وهو ثمانية.

(1) المبسوط 4: 115.
650

ولو كان مع الخنثى أنثى فالمسألة بحالها، إلا أن للخنثى سبعة وللأنثى
خمسة، فإنه على تقدير فرض الخنثى ذكرا فالفريضة من ثلاثة، وعلى تقدير
فرضه أنثى فالفريضة من اثنين، فتضرب إحداهما في الأخرى لتباينهما، ثم
تضرب المجتمع في اثنين يصير اثنى عشر للخنثى على تقدير الذكورية
ثمانية وعلى تقدير الأنوثية ستة فيؤخذ نصفهما وهو سبعة، وللأنثى على
تقدير ذكوريته أربعة، وعلى تقدير أنوثيته ستة ومجموع النصف من كل
منهما خمسة.
ولو اجتمع معه ذكر وأنثى فعلى تقدير فرضه ذكرا يكون الفريضة من
خمسة، وعلى تقدير فرضه أنثى يكون من أربعة، والنسبة بين الفريضتين
التباين، فتضرب إحداهما في الأخرى تبلغ عشرين، ثم المجتمع في الاثنين
تبلغ أربعين، فللخنثى على تقدير الذكورية ستة عشر، وعلى تقدير الأنوثية
عشرة، ومجموع نصفهما ثلاثة عشر، وللذكر على تقدير فرض ذكورية
الخنثى ستة عشر، وعلى تقدير الأنوثية عشرون ونصف ذلك ثمانية عشر،
وللأنثى على تقدير فرض الذكورية ثمانية، وعلى تقدير فرض الأنوثية
عشرة، ونصف ذلك تسعة. فقد تقرر أن للخنثى حينئذ ثلاثة عشر من أربعين
وللذكر ثمانية عشر، وللأنثى تسعة منها. واختلف كيفية القسمة بين القولين
في هذه الفروض.
أما على الفرض الأول فبموجب القول الأول للخنثى ثلاثة أسباع التركة
وللذكر أربعة أسباعها، وبموجب القول الثاني ينقص نصيب الخنثى عن ثلاثة
أسباع الاثني عشر، أعني خمسة وسبعا بسبع واحد، كما لا يخفى على
المتأمل.
وأما على الفرض الثاني فبموجب القول الأول للخنثى ثلاثة أخماس
651

التركة وللأنثى خمسان، وعلى القول الثاني ينقص عنه خمس واحد من اثنى
عشر، كما لا يخفى على المحاسب.
وأما على الفرض الثالث فبمقتضى القول الأول للخنثى ثلث التركة ثلاثة
من تسعة وللذكر أربعة اتساع وللأنثى تسعان، وعلى القول الثاني ينقص
نصيب الخنثى بثلث واحد، كما يظهر بالنظر في ذلك.
(ولو شاركهم زوج أو زوجة صححت فريضة الخناثى) ومشاركيه
مع قطع النظر عن أحدهما (ثم ضربت مخرج نصيب الزوج أو الزوجة)
من الربع أو الثمن وهو أربعة وثمانية (في) الحاصل (من تلك الفريضة،
فما ارتفع) منه (فمنه تصح) الفريضة.
فعلى الفرض الأول على القول الأول الذي فيه الفريضة سبعة لو جامعهم
زوج ضربتها في مخرج نصيبه أربعة تحصل ثمانية وعشرون، فللزوج منها
الربع سبعة، ومن كان له منها شئ أخذه مضروبا في ثلاثة، وهو ما نقص من
مضروب الأربعة عن نصيب الزوج، فللخنثى تسعة وللذكر اثنى عشر. ولو
جامعهم زوجة ضربت السبعة في مخرج نصيبها ثمانية يحصل ستة
وخمسون، فللزوجة منها ثمنها سبعة، ومن له منها شئ أخذه مضروبا في
سبعة، وهو ما نقص من مضروب الثمانية عن نصيب الزوجة، فللخنثى أحد
وعشرون وللابن ثمانية وعشرون.
وعلى الفرض الأول على القول الثاني الذي فيه الفريضة اثنى عشر لو
جامعهم زوج ضربتها في مخرج نصيبه أربعة يحصل ثمانية وأربعون، للزوج
منها الربع اثنى عشر، ومن كان له منها شئ أخذه مضروبا في ثلاثة، كما
تقدم، فللخنثى خمسة عشر وللابن أحد وعشرون. ولو جامعهم زوجة
ضربت الاثني عشر في مخرج نصيبها ثمانية تبلغ ستة وتسعين للزوجة اثنى
652

عشر، ومن كان له منها شئ أخذه مضروبا في سبعة، كما مر، فللخنثى
خمسة وثلاثون وللابن تسعة وأربعون. وقس على هذا الفروض الباقية
وغيرها على كل من القولين.
(ومن ليس له فرج النساء ولا) فرج (الرجال) أما بأن تخرج
الفضلة من دبره أو يفقده ويكون له ثقبة بين المخرجين تخرج منه الفضلتان
أو البول مع وجود الدبر أو بأن يتقيأ ما يأكله أو بأن يكون له لحمة رابية
تخرج منه الفضلتان كما نقل ذلك على ما ذكره الفاضل في التحرير (1)
والشهيدان (2) (يورث بالقرعة) على الأظهر الأشهر بين الطائفة، بل عليه
المتأخرون كافة، ونفى عنه الخلاف في السرائر (3) والمعتبرة به مع ذلك
مستفيضة:
منها الصحيح: عن مولود ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء، قال: يقرع
الإمام أو المقرع، يكتب على سهم عبد الله وعلى سهم أمة الله، ثم يقول الإمام
أو المقرع: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين
عبادك فيما كانوا فيه يختلفون فبين لنا أمر هذا المولود كيف يورث ما
فرضت له في الكتاب، ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة، ثم تجال السهام
على ما خرج ورث عليه (4).
وفي القريب من الصحيح بصفوان بن يحيى وابن مسكان المجمع على
تصحيح رواياتهما فلا يضر جهالة الذي عنه رويا عن مولود ليس بذكر ولا
أنثى ليس له إلا دبر كيف يورث؟ قال: يجلس الإمام ويجلس معه أناس

(1) التحرير 2: 175 س 12.
(2) اللمعة والروضة 8: 205.
(3) السرائر 3: 277.
(4) الوسائل 17: 580، الباب 4 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 2.
653

ويدعو الله تعالى ويجيل بالسهام على أي ميراث يورث ميراث الذكر أم
ميراث الأنثى، فأي ذلك خرج ورثه عليه، ثم قال: أي قضية أعدل من قضية
يجال عليها السهام إن الله تعالى يقول فساهم فكان من المدحضين (1).
ونحوه المرسل (2). وقريب منهما الموثق (3).
خلافا للإسكافي فاعتبره بالبول، قال: فإن نحاه عند خروجه عن مباله
فهو ذكر، وإن بال على مباله فأنثى (4) للمرسل كالموثق (5).
وهو شاذ، ومستنده عن المكافأة لما مر قاصر.
وإطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم وجوب الدعاء،
وبه صرح الشهيدان (6) قال ثانيهما: لخلو باقي الأخبار عنه (7).
وفيه نظر، لتضمن جميعها الأمر به، وإن اختلفت بحسب الإجمال أو
الإطلاق كما في الأخبار الأخيرة، والتفصيل كما في الصحيحة، فإن أراد
بالدعاء المستحب عنده جنسه المناسب للقرعة فجميع الأخبار للأمر به
متضمنة فكيف يقول: الأخبار عنه خالية؟! وإن أراد به الكيفية المرسومة في
الصحيحة فلا يقدح خلو باقي الأخبار عنها بعد تضمنها الأمر بمطلق الدعاء،
والأصل يقتضي حملها عليها، وهو أرجح من الحمل على الاستحباب جدا،
ولذا أمر به الحلي في السرائر (8) والماتن في الشرائع (9) والفاضل في
القواعد (10) والتحرير (11) وإن اختلفت عبائرهم بحسب الإجمال والتفصيل

(1) الوسائل 17: 579، الباب 4 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1.
(2) المصدر السابق: الحديث 1.
(3) المصدر السابق: الحديث 3.
(4) المختلف 9: 86.
(5) الوسائل 17: 581، الباب 4 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 5.
(6) الدروس 2: 381.
(7) الروضة 8: 206.
(8) السرائر 3: 277.
(9) الشرائع 4: 47.
(10) القواعد 2: 187، س 5.
(11) التحرير 2: 175، س 13.
654

والتقييد بنحو ما في الصحيح. ولا ريب أنه أحوط إن لم يكن أظهر.
(ومن له رأسان وبدنان على حقو) بفتح الحاء وسكون القاف معقد
الإزار عند الخصر (واحد) سواء كان ما تحت الحقو ذكرا أو أنثى أم غيره،
لأن الكلام هنا في اتحاد ما فوق الحقو وتعدده ليترتب عليه الإرث.
وحكمه أن (يوقظ أو يصاح به فإن انتبه أحدهما فهما اثنان) وإلا
فواحد بلا خلاف، للنص المتضمن لقضاء علي (عليه السلام) (1) بذلك. وقصوره أو ضعفه
مجبور بأنه لا راد له، حتى أن منكر حجية أخبار الآحاد كالحلي (2) قد قبله.
وعلى التقديرين يرثان إرث ذي الفرج الموجود، فيحكم بكونهما
واحدة أو أنثيين أو ذكرا واحدا أو ذكرين، ولو لم يكن له فرج أو كانا معا
حكم لهما بما مضى.
الفصل (الثالث في) بيان ميراث (الغرقى والمهدوم عليهم)
اعلم أن مقتضى الأصل - وبه صرح الأصحاب - عدم الحكم بالتوارث،
إلا مع تحقق سبق موت المورث على الوارث، إلا ما خرج بدليل (و) هو
مسألة (هؤلاء فإنهم يرث بعضهم بعضا) إجماعا ظاهرا، وحكاه جماعة
مستفيضا، بل وزائدا. وهو الحجة، مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها
من المعتبرة:
ففي الصحيحين: عن القوم يغرقون في السفينة أو يقع عليهم البيت
فيموتون ولا يعلم أيهم مات قبل صاحبه، فقال: يورث بعضهم من بعض،
كذلك هو في كتاب علي (عليه السلام) (3).

(1) الوسائل 17: 582، الباب 5 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 1.
(2) السرائر 3: 277.
(3) الوسائل 17: 589، الباب 1 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 1 و 3.
655

وفي الصحيح: قلت له: رجل وامرأة سقط عليهما البيت فماتا، قال:
يورث الرجل من المرأة والمرأة من الرجل، قال: قلت: فإن أبا حنيفة قد
أدخل عليهم في هذا شيئا، قال: فأي شئ أدخل عليهم؟ قلت: رجلين
أخوين أعجمين ليس لهما وارث إلا مواليهما أحدهما له مائة ألف درهم
معروفة والآخر ليس له شئ ركبا سفينة فغرقا فأخرجت المائة الف كيف
يصنع بها؟ قال: تدفع إلى مولى الذي ليس له شئ، فقال: ما أنكر ما أدخل
فيها صدق وهو هكذا... الخبر (1). ونحوه آخر (2).
ويشرط الحكم فيهم بشروط ثلاثة، أشار إليها بقوله: (إذا كان لهم أو
لأحدهم مال) وإلا لانتفى التوارث من حيث عدم ما يورث وينتقل المال
لأحدهما إلى من لا مال له ثم إلى وارثه الحي، كما مر في الصحيحين.
(وكانوا يتوارثون) والتوارث دائرة بينهم، بمعنى أن كل واحد منهم
يرث من الآخر ولو بمشاركة غيره، فلو انتفى كما لو لم يكن استحقاق إرث
بالكلية إما لعدم النسب أو السبب أو لوجود مانع من كفر أو رق أو وجود
وارث حي لكل منهما أو لأحدهما حاجب للميت الآخر لم يثبت الحكم،
فلو غرق أخوان ولكل منهما ولد فإنه لا توارث بينهما، بل كل منهما يحوز
ميراثه ولده. وكذا لو كان الولد لأحدهما خاصة دون الثاني وليس للثاني إلا
إخوة ذو الولد فلا يرثه الأخ، ويختص الميراث بغيره وإن كان أبعد، لعدم
ثبوت بقائه بعد أخيه الذي هو شرط في الإرث، كما مر.
(و) كان (اشتبه المتقدم) منهم (في الموت بالمتأخر) فلو علم
اقترانه فلا إرث، ولو علم المتقدم ورثه المتأخر من غير عكس، كما في
الخبر: قضى علي (عليه السلام) في رجل وامرأة ماتا جميعا في الطاعون ماتا على

(1) المصدر السابق: الباب 2، الحديث 2.
(2) المصدر السابق: الحديث 1.
656

فراش واحد ويد الرجل ورجله على المرأة، فجعل الميراث للرجل، وقال:
إنه مات بعدها (1).
ويستفاد منه جواز الاكتفاء عن العلم بمثل تلك القرينة وفيه مخالفة
للأصل، ولا يمكن الخروج عنه بمثله، لقصور سنده بالرفع، ودلالته باحتمال
حكمه (عليه السلام) بعلمه، ولا خلاف في شئ من ذلك، بل في ظاهر الغنية
الإجماع عليه (2). وهو الحجة; مضافا إلى الأصل المتقدم إليه الإشارة، مع
اختصاص النصوص المخرجة عنه بما اجتمع فيه الشرائط الثلاثة. ومع ذلك
البداهة لصحة الشرط الأول شاهدة، كما أن الأصول والعمومات والمرفوعة
على الثالث دالة.
وبما ذكرنا يظهر ما في الكفاية (3) من المناقشة في الحكم بعدم التوارث
بين أخوين ذي الولد وعديمه، واحتمال إلحاقهما بالأخوين ذي المال
وعديمه، ولذا أن المولى الأردبيلي (رحمه الله) الذي هو الأصل في المناقشة قال
بعدها: إلا أن يقال: هذا الحكم مخالف للأصل والقاعدة، وإنما الاستثناء
للدليل وقد وجد في صورة المال من جانب واحد لا غير فتأمل (4) انتهى.
وهنا شرط رابع ذكره في التحرير (5) والقواعد (6) وهو كون الموت
بالسبب، فلو وقع بغيره كحتف أنفه لم يثبت التوارث بينهم، بل ينتقل الإرث
من كل منهم إلى وارثه الحي.
وهذا الشرط وإن لم يصرح به هنا وفي كلام كثير إلا أنه يستفاد من

(1) الوسائل 17: 595، الباب 5 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 3.
(2) الغنية: 332.
(3) كفاية الأحكام: 308 س 10.
(4) مجمع الفائدة 11: 529.
(5) التحرير 2: 175، س 20.
(6) القواعد 2: 191، س 11.
657

حكمهم بعدم التوارث في الموت مع حتف الأنف، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
(وفي ثبوت هذا الحكم) يعني التوارث بين الأموات المشتبهين في
الموت بحسب السبق والتقارن مع اجتماع ما مر من الشرائط فيما إذا كان
الموت (بغير سبب الغرق والهدم) من باقي الأسباب كالقتل والحرق
(تردد) ينشأ، من الأصل المتقدم مع اختصاص النصوص المخصصة له
بالغرقى والمهدوم عليهم، ومن أن الظاهر أن العلة في التوارث بينهم الاشتباه
المستند إلى سبب، وهي موجودة في محل البحث.
وإلى الأول ذهب المفيد (1) والأكثر على الظاهر المصرح به في
الروضة (2) والمسالك (3)، ونسبه في الكفاية (4) إلى الأصحاب، مع أنه كغيره
نقل الثاني عن ظاهر الشيخ في النهاية (5) والإسكافي (6) والحلبي (7) ونقله
في الإيضاح (8) أيضا عن ظاهر المبسوط وصريح ابن حمزة واختاره والده
في القواعد صريحا، وقواه في المختلف أخيرا، بعد أن ضعف ما ذكره لهم
دليلا بمنع التعليل بمطلق الاشتباه، قال: فجاز أن يكون الاشتباه المستند إلى
أحدهما (9).
ولعل الوجه في التقوية مع تضعيفه الحجة قوة احتمال كون العلة المحتج
بها قطعية منقحة بطريق الاعتبار، لا مستنبطة بطريق المظنة، لتلحق بالقياس
المحرم في الشريعة، ويعضده وقوع التعدية عن مورد النصوص المخصصة
للقاعدة كثيرا، لأخصيتها من المدعى كذلك، كما لا يخفى.

(1) المقنعة: 699.
(2) الروضة 8: 221.
(3) المسالك 13: 270.
(4) كفاية الأحكام: 308 س 16.
(5) النهاية 3: 253.
(6) المختلف 9: 102.
(7) الكافي في الفقه: 376.
(8) الإيضاح 4: 276 - 277.
(9) المختلف 9: 103.
658

والإجماع وإن كان هو المستند في ذلك إلا أنه لا ينافي الاعتضاد،
ويشير إلى قوة الاحتمال، بل وتعينه فهم الراوي فيما تقدم من الصحيحين
الأخيرين من حكمه (عليه السلام) في المهدوم عليهم ثبوته في الغرقى، ولذا بعد
سماعه الحكم منه (عليه السلام) في المهدوم عليهم اعترض على أبي حنيفة فيما
حكم به في الغرقى من دون تربص وتزلزل بحيث يظهر منه أنه فهم كون
العلة هو الاشتباه، وإلا فلم يتقدم للغرقى ذكر سابقا لا سؤالا ولا جوابا،
والمعصوم (عليه السلام) أقره على فهمه غير معترض عليه بالقياس.
وأنك لم استشعرت من حكمي في المهدوم الاعتراض على أبي حنيفة
في الغرقى فهذا القول في غاية القوة ونهاية المتانة، لولا الشهرة العظيمة التي
كادت تكون من المتأخرين إجماعا.
وما في الإيضاح من أنه قد روى أن قتلى اليمامة وقتلى صفين لم يرث
بعضهم من بعض بل ورثوا الأحياء، قال: فإن صحت الرواية فهي حجة
قوية (1).
أقول: ويكفي لنا في الاحتجاج بها انجبارها بالشهرة ولو لم يكن
بحسب السند صحيحة.
ويضعف الاعتضاد بوقوع التعدية بعدم وقوعها في الموت من غير
سبب، كما يأتي. والإجماع وغيره وإن كانا مستندية إلا أنهما دالان على
عدم كون العلة الاشتباه المطلق، بل المقيد بشئ. وهو كما يحتمل
خصوصية الموت بالسبب مطلقا، كذا يحتمل خصوصيته به مقيدا بالهدم
والغرق خاصة.
والتقييد فيه وإن كان زائدا يوجب مرجوحيته بالإضافة إلى الاحتمال

(1) الإيضاح 4: 277.
659

الأول إلا أن المقصود من معارضة الاحتمال الأول به وذكرهما بعد الإجماع
على التقييد بعد دعوى تنقيح المناط القطعي، إذ هي على تقدير تسليمها إنما
تصح في الاشتباه المطلق ولو في الموت من غير سبب فإنه هو الذي يتراءى
في الاعتبار والنظر كونه العلة والمناط في مورد النص دون الاشتباه المقيد.
وبالجملة المسألة عند العبد محل توقف، وإن كان المصير إلى ما عليه
الأكثر لا يخلو عن قرب.
(ومع) اجتماع (الشرائط) المتقدمة (يورث الأضعف) والأقل
نصيبا (أولا ثم) يورث (الأقوى) منه والأكثر نصيبا، فيفرض موته أولا
ويرث الأضعف منه نصيبه، ثم يفرض موته ويرث الأقوى منه نصيبه،
للمعتبرة. منها الخبران:
أحدهما الصحيح: عن رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت، فقال: تورث
المرأة من الرجل ثم يورث الرجل من المرأة. وبمعناهما الموثق كالصحيح (1).
(ولا يورث) الأقوى (مما ورث) الأضعف (منه) بل من صلب
تركته فقط على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي ظاهر الغنية
الإجماع عليه (2). وهو الحجة; مضافا إلى الأصل، واختصاص النصوص
المتقدمة ونحوها مما دل على توريث كل منهم من صاحبه بحكم التبادر
بالتوارث من أصل التركة، وخصوص الصحيحين المتقدم إليهما الإشارة،
الدالين على توريث الأخ الذي لا مال له من أخيه ذي المال من دون عكس.
والخبر المنجبر ضعفه بالإرسال وغيره بعمل الأكثر: لا يرث هؤلاء مما
ورثوا من هؤلاء شيئا، ولا يورث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء، شيئا (3).

(1) الوسائل 17: 595، الباب 6 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم.
(2) الغنية: 332.
(3) الوسائل 17: 592، الباب 3 من أبواب ميراث الغرقى، الحديث 2.
660

وفي الصحيح: تورث المرأة من الرجل ويورث الرجل من المرأة معناه
يورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم لا يورثون مما يورث بعضهم
بعضا شيئا (1).
وهو كما تقدمه نص وحجة إن كان التفسير من الإمام (عليه السلام)، وإلا
فمعاضد إن كان من بعض الرواة.
(وفيه قول آخر) بالإرث مما ورث للمفيد (2) والديلمي (3) وما تقدم
حجة عليهما; مضافا إلى ما ذكره جماعة من استلزامه المحال عادة، وهو
فرض الحياة بعد الموت، لأن التوريث من الثاني يقتضي فرض موته، فلو
ورث ما انتقل عنه لكان حيا بعد انتقال المال عنه، وهو ممتنع عادة،
واستلزامه التسلسل، وعدم انقطاع القسمة.
ولكن فيهما مناقشة. فالثاني بأن القائل بهذا القول لم يحكم بالإرث مما
ورث منه لغير الثاني، كما صرح به شيخنا في المسالك (4) ويظهر من العبارة
ومن تعليل القائل مذهبه بكون ما ورثه صار من جملة ما له قبل أن يحكم
بموته والإرث عنه. بخلاف الأول، فإنه يحكم بموته والإرث منه قبل أن
يحكم له بالإرث، والأول لورود مثله في إرث الأول من الثاني.
وما قيل في رده: من أنا نقطع النظر عما فرض أولا ونجعل الأول كأنه
المتأخر حياة بخلاف ما إذا ورثنا الأول من الثاني مما كان قد ورثه الثاني
منه، فإنه يلزم فرض موت الأول وحياته في حالة واحدة (5) لا يخلو عن
تكلف، مستغنى عنه بعد قيام الدليل على هذا القول، ولكن الشأن فيه فإنا لم

(1) المصدر السابق: الحديث 1.
(2) المقنعة: 699.
(3) المراسم: 225.
(4) المسالك 13: 274.
(5) الروضة 8: 216.
661

نقف عليه غير ما مر من التعليل، وهو في مقابلة ما قدمناه من الدليل عليل،
ووجوب تقديم الأضعف في الإرث، وأنه لا فائدة إلا التوريث مما ورث منه.
(و) يضعف بمنع كون (التقديم) على جهة الوجوب بل (على
الاستحباب على الأشبه) وفاقا للشيخ في الإيجاز (1) وابن زهرة في
الغنية (2) والفاضل في ظاهر الإرشاد (3) وصريح التحرير (4) والشهيد في
الدروس (5) للأصل، وخلو كثير من النصوص من لفظة «ثم» المفيدة
للترتيب، مع كون النصوص المتقدمة المتضمنة لها أخص من المدعى بكثير،
لورودها في خصوص الرجل والمرأة، والمدعى أعم من وجوه عديدة،
فيحمل الترتيب على الاستحباب.
ولو سلم الوجوب - كما هو الظاهر، وفاقا للشيخين (6) والحلي (7)
والشهيد في اللمعة (8) وغيرهم، لظهور النصوص المتضمنة للترتيب في
وجوبه وبها تقيد إطلاقات النصوص الخالية عنه، والأخصية من المدعى
مجبورة بعدم القائل بالفرق مطلقا، ويحتمل كونه تعبدا محضا، لا لعلة
معقولة، فإن أكثر علل الشرع والمصالح في نظر الشارع عنا خفية تعجز
عقولنا عن إدراكها بالكلية وليكن منها وجوب الترتيب في المسألة فالواجب
اتباع النص، ولتخلفه مع تساويهما في الاستحقاق كأخوين لأب، فينتفي
اعتبار التقديم، ويصير مال كل منهما لوارثه الآخر - فلا يتم الاستناد إليه
لإثبات المطلوب مطلقا. فتأمل جدا.

(1) الإيجاز (الرسائل العشر): 276.
(2) الغنية: 332.
(3) الإرشاد 2: 130.
(4) التحرير 2: 175، س 27.
(5) الدروس 2: 353.
(6) المبسوط 4: 118، المقنعة: 699.
(7) السرائر 3: 300.
(8) اللمعة: 250.
662

وعلى اعتبار التقديم مطلقا (فلو غرق أب وابن) واحد أو أكثر ولم
يبلغوا ستة (ورث الأب) من ابنه بعد فرض موته (أولا نصيبه، ثم)
يفرض موت الأب، و (ورث الابن من أصل تركة أبيه لا مما ورث منه)
كما تقدم (ثم يعطى نصيب كل منهما لوارثه) الخاص أو العام.
(ولو كان لأحدهما وارث) خاص دون الآخر (أعطي ما اجتمع لذي
الوارث) الخاص (لهم) أي لورثته جمع الضمير مراعاة للتعدد المحتمل،
ولو أفرده مرادا بها الجنس كإرادته من المرجع تبعا له كان أنسب (و)
أعطي (ما اجتمع للآخر) عديم الوارث الخاص (للإمام (عليه السلام)).
(ولو لم يكن لهما وارث خاص غير) أنفس‍ (- هما) بأن انحصر
الوارث الخاص لكل منهما في الآخر (انتقل مال كل منهما إلى الآخر)
فرضا (ثم) انتقل (منهما إلى الإمام (عليه السلام)) بالفعل.
(وإذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق) وقدر النصيب بأن تساويا
فيه فرضا أو قرابة أو بهما معا (سقط اعتبار التقديم) قطعا (كأخوين)
لأب أو لأم أو لهما معا (فإن كان ل‍) كل من (هما مال ولا مشارك لهما)
في الإرث (انتقل مال كل منهما إلى صاحبه) فرضا (ثم) انتقل (منهما
إلى ورثتهما) الخاص محققا (وإن كان لأحدهما) خاصة (مال) دون
الآخر (صار) وانتقل (ماله لأخيه) فرضا (و) انتقل (منه) بعد ذلك
(إلى ورثته) الخاص محققا (ولم يكن للآخر) ذي المال (شئ) حتى
مما ورثه منه عديم المال على المختار ويرث منه نصيبه على غيره.
(ولو لم يكن لهما وارث) خاص أصلا (انتقل المال) من كل منهما
أو من ذي المال خاصة على المختار (إلى الإمام (عليه السلام)) كالسابق الذي كان
بينهما تفاوت، لأنه وارث من لا وارث له شرعا، كما هنا، لأن فرض تأخر
663

موت كل منهما عن صاحبه المقتضي لكونه وارثا قد انقطع بالفرض الآخر
المضاد له، فكأنه لا وارث لهما، سيما مع إمكان تقارن موتهما.
(ولو ماتا حتف أنفهما) على فراشهما من غير قتل ولا ضرب
ولا حرق ولا غرق، وخص الأنف لما يقال: إن روحه تخرج منه بتتابع نفسه
(لم يتوارثا وكان ميراث كل منهما) إن كان (لورثته) الخاص أو العام
بلا خلاف ظاهر، بل عليه الإجماع في الروضة (1) وحكاه في المسالك (2)
عن جماعة. وهو الحجة المعتضدة بما تقدم في عدم الموارثة بين القتلى
ونحوهم من الأدلة; مضافا إلى الرواية: ماتت أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) وابنها
زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيهما مات قبل فلم
يورث أحدهما من الآخر وصلى عليهما جميعا (3).
الفصل (الرابع في) بيان (ميراث المجوس)
إذا ترافعوا إلى حكام الإسلام أو اشترط عليهم التزامه بأحكامه (وقد
اختلف الأصحاب فيه).
(فالمحكي عن يونس) بن عبد الرحمن وهو من أجلاء قدماء
الأصحاب ورواتهم من رجال الكاظم والرضا (عليهما السلام) (أنه لا يورثهم
إلا بالصحيح من النسب والسبب) دون فاسدهما (4) وتبعه المفيد على
نقل (5) والتقي (6) والحلي (7) والفاضل في المختلف (8) ونسبه المفيد في
كتاب الأعلام إلى جمهور الإمامية (9) واختاره المرتضى في الموصليات،

(1) الروضة 8: 221.
(2) المسالك 13: 270.
(3) الوسائل 17: 594، الباب 5 من أبواب ميراث المجوس، الحديث 1.
(4) التهذيب 9: 64، ذيل الحديث 1.
(5) المختلف 9: 91 و 94.
(6) الكافي في الفقه: 376.
(7) السرائر 3: 288.
(8) المختلف 9: 91 و 94.
(9) الاعلام (مصنفات الشيخ المفيد) 9: 61.
664

مدعيا الإجماع عليه (1).
(وعن الفضل بن شاذان) النيشابوري، وهو أيضا أحد أصحابنا
الفضلاء العظماء المتكلمين من رجال الهادي والعسكري (عليهما السلام) (أنه
يورثهم بالنسب صحيحه وفاسده وبالسبب الصحيح خاصة (2) وتابعه)
ابن بابويه (3) والعماني (4) و (المفيد) على ما نقله جماعة (5).
(وقال الشيخ) في جملة من كتبه (6) وابن حمزة (7) والديلمي (8)
والقاضي (9) والإسكافي كما حكاه عنه الفاضل المقداد (10) والصيمري (11):
إنهم (يورثون بالصحيح والفاسد فيهما) ونسبه في التحرير إلى
المشهور (12) وجعله الإسكافي مشهورا عن علي (عليه السلام) (13) لما رواه
السكوني في القوي به عن علي (عليه السلام): إنه كان يورث المجوس إذا تزوج بأمه
وأخته وابنته من جهة أنها أمه وأنها زوجته (14). وقريب منه مروي عن
قرب الأسناد (15). وقول الصادق (عليه السلام) في الصحيحين اللذين رواهما
الشيخان لمن سب مجوسيا، وقال: إنه تزوج بأمه أما علمت أن ذلك عندهم
هو النكاح بعد أن زبر السائل (16). وقوله (عليه السلام) في الموثق: كل قوم يعرفون

(1) رسائل المرتضى (المجموعة الأولى): 266.
(2) التنقيح 4: 221.
(3) التنقيح 4: 221.
(4) التنقيح 4: 221.
(5) كشف اللثام 2: 311، س 30، المختلف 9: 91، التنقيح 4: 221.
(6) المبسوط 4: 120، النهاية 3: 270، الخلاف 4: 108، المسألة 119، التهذيب 9: 364.
(7) الوسيلة: 403.
(8) المراسم: 224.
(9) المهذب 2: 170.
(10) التنقيح 4: 221.
(11) غاية المرام: 181، س 1 (مخطوط).
(12) التحرير 2: 176 س 16.
(13) التنقيح 4: 222.
(14) التهذيب 9: 364، الحديث 1.
(15) قرب الأسناد: 71.
(16) التهذيب 9: 365، الحديث 2، وج 10: 75، الحديث 53، الكافي 7: 229، الحديث 3، وج 5:
574، الحديث 1.
665

النكاح عن السفاح فنكاحهم جائز (1). وقوله (عليه السلام) في غير واحد من
الأخبار أن كل قوم دانوا بشئ يلزمهم حكمه (2).
ولعل هذا القول أظهر، لاعتبار سند الأحاديث الدالة عليه، سيما مع
اعتضادها بالشهرة المحكية في الفتوى والرواية.
ولكن الإجماع المتقدم في كلام المرتضى على القول الأول المعتضد
بدعوى المفيد الشهرة عليه يوجب التوقف فيه، سيما (و) أن (اختيار
الفضل) الموافق له ولو في الجملة (أشبه) عند أكثر من تأخر
كالفاضلين (3) والشهيدين (4) وغيرهم ممن وقفت على كلامهم. ولعله لهذا
نسبه جدي المجلسي (رحمه الله) في شرحه على الفقيه إلى الأكثر (5).
واستدلوا للتوارث بالنسب الصحيح والفاسد بتوارث المسلمين بهما
حيث يقع الشبهة وهي موجودة فيهم.
ولعدمه بالسبب الفاسد بقوله تعالى: «وأن احكم بينهم بما أنزل الله» (6)
وقوله تعالى: «وقل الحق من ربكم» (7) «وإن حكمت فاحكم بينهم
بالقسط» (8) ولا شئ من الفاسد بما أنزل الله تعالى ولا بحق ولا بقسط.
وبهذه الحجة احتج الحلي على نفي الفاسد منهما (9). وقد عرفت فساده في
فاسد النسب.
والظاهر لولا ما قدمناه فساده في فساد السبب أيضا بعد قيام ما قدمناه

(1) الوسائل 14: 588، الباب 83 من أبواب نكاح العبيد، الحديث 3.
(2) الوسائل 17: 597، الباب 1 من أبواب ميراث المجوس، الحديث 3.
(3) الشرائع 4: 52، القواعد 2: 190، س 23.
(4) غاية المراد: 154، س 18 (مخطوط)، الروضة 8: 221.
(5) روضة المتقين 11: 403.
(6) المائدة: 49.
(7) الكهف: 29.
(8) المائدة: 42.
(9) السرائر 3: 294.
666

من الأدلة على صحته عندهم ولو كان فاسدا عندنا وإقرارهم على دينهم مما
أنزل الله تعالى، وهذا من لوازم ذلك. فتأمل جدا.
(و) كيف كان ف‍ (لو خلف) المجوسي (أما هي زوجة) له (فلها
نصيب الأم دون الزوجة) على مختار الفضل، ونصيبهما على مختار
الشيخ، وعلى قول يونس إن كانت أمه على نكاح صحيح فكذلك، وإلا
فلا شئ لها.
(ولو خلف جدة هي أخت) له، ويتصور فيما إذا تزوج أبوه بابنة بنته
فأولده منها فالبنت للصلب جدته لأمه وهي أخته لأن أباهما واحد (ورثت
بهما) أي بالجدية والأختية.
(ولا كذا لو خلف بنتا هي أخت) له، ويتصور فيما إذا تزوج أمه
وأولدها بنتا فهي بنت لصلبه وأخته لأمه فإنها لا ترث بالبنتية والأختية
(لأنه لا ميراث للأخت مع البنت) بل ترث بالبنتية خاصة.
والحكم في هاتين المسألتين بالإرث بالنسب بقول مطلق إنما هو على
القولين الأخيرين دون قول يونس، وأما عليه فيقيد بصحة النسب.
* * *
667

(خاتمة)
في بيان (حساب الفرائض)
الذي هو في هذا الباب من أعظم المهام للاحتياج إليه في تصحيح
المسائل أولا، وقسمة التركة على الورثة ثانيا.
فنقول: كل عدد إذا نسب إلى الآخر فأما أن يكونا متساويين كثلاثة
وثلاثة ويقال لهما: المتماثلان أيضا، أو مختلفين؟ وحينئذ فإما أن يعد الأقل
الأكثر ويفنيه بإسقاطه منه مرة بعد اخرى، أو لا.
فالأول: المتداخلان، لدخول أحدهما في الآخر كالثلاثة مع التسعة،
ويقال لهما: المتوافقان بالمعنى الأعم أيضا، وطريقة استعلام التداخل بين
العددين أن يسقط أقلهما من الأكثر مرة بعد اخرى أو يزاد على الأقل مثله
مرة أو مرارا، فإن فني الأكثر أو ساوى الأقل الأكثر فهما متداخلان.
والثاني: وهو ما لا يعد الأقل الأكثر لا يخلو إما أن يعدهما معا عدد
ثالث غير الواحد، بمعنى أن يفنيهما جميعا بالإسقاط مرة بعد اخرى،
أو لا يفنيهما إلا الواحد.
والأول: المتوافقان بالمعنى الأخص كالعشرة والستة، فإنه يفنيهما
668

الاثنان والستة والثمانية كذلك، والتسعة والستة يفنيهما الثلاثة والعشرة
والخمسة عشر يفنيهما الخمسة، وقد يتعدد المفني لهما كما في الاثني عشر
والثمانية عشر، فإنه يفنيهما الستة والثلاثة والاثنان، فتوافقهما حينئذ
بالسدس والثلث والنصف، لكن المعتبر عندهم منها أقلها جزءا، لأنه أقل
للفريضة وأسهل للحساب، وهو هنا السدس، وكالعشرين والثلاثين فإنه
يفنيهما العشرة والخمسة، والاثنان، فتوافقهما بالعشر والخمس والنصف،
والمعتبر العشر لما قلنا.
والثاني: المتباينان كثلاثة وخمسة وثلاثة وسبعة.
وطريق استعلام التوافق والتباين بين العددين أن يسقط أقلهما من
الأكثر ما أمكن، فما بقي فأسقطه من الأقل، فإن بقي منه شئ فأسقطه مما
بقي من الأكثر، ولا تزال تفعل ذلك حتى يفنى العدد المنقوص منه أخيرا،
فإن فنى بواحد فمتباينان، وإن فنى بعدد فمتوافقان بجزء مأخوذ من ذلك
العدد، يكون نسبته إلى ذلك العدد كنسبة الواحد إليه، فإن فنى باثنين فهما
متوافقان بالنصف أو بثلاثة فبالثلث أو بأربعة فبالربع وهكذا، وقد يترامى
إلى جزء من أحد عشر فصاعدا.
مثاله «أحد وعشرون» و «تسعة وأربعون» تسقط الأقل من الأكثر
مرتين تبقى سبعة، تسقطها من «الأحد والعشرين» يفنيها فتوافقهما بالسبع،
وك‍ «عشرة» و «ستة» تسقطها من العشرة تبقى أربعة، تسقطها من الستة يبقى
اثنان، تسقطهما من الأربعة مرتين يفنيانها، فتوافقهما بالنصف، وكمائة
وعشرين ومائة وخمسة وستين، تسقط الأقل من الأكثر تبقى خمسة وأربعون،
تسقطها من الأقل تبقى ثلاثون، تسقطها من الخمسة وأربعين تبقى خمسة
عشر، تسقطها من الثلاثين مرتين يفنيها، فالتوافق بجزء من خمسة عشر.
669

إذا عرفت ذلك، فاعلم أن (مخارج الفروض ستة) بل خمسة،
لاجتماع الثلث والثلثين في مخرج واحد، كما يأتي (ونعني بالمخرج أقل
عدد يخرج منه ذلك الجزء) المكسور (صحيحا، ف‍) مخرج (النصف
من اثنين والربع من أربعة والثمن من ثمانية والثلث والثلثان من ثلاثة
والسدس من ستة).
وحينئذ فإما أن يقع في المسألة واحد منها، أو اثنان فصاعدا، أو لا يقع
منها شئ فيها.
وعلى الأول: فالمخرج المأخوذ منه ذلك الكسر هو أصل المسألة، كما
لو اجتمع الزوج مع أهل المرتبة الثانية ممن ليس له فريضة، فإن أصل
الفريضة اثنان هو مخرج النصف حصة الزوج، فله واحد منها، والآخر
للباقين، فإن انقسم عليهم من دون كسر، وإلا عملت به ما يأتي إلى أن
يصحح الفريضة من عدد ينتهي إليه الحساب، وهكذا لو اجتمع فيها نصفان.
وعلى الثاني: فإن كانا متماثلين وخرج الكسران من مخرج واحد
فيجتزئ بأحدهما كالثلث والثلثين فالثلاثة أصل المسألة، وإن كانا مختلفي
المخرج فلا بد من النظر فيهما، فإن كانا متداخلين فيجتزئ بأكثرهما
كالثمانية مخرج الثمن فريضة الزوجة والاثنين مخرج النصف فريضة البنت
الواحدة فيما إذا اجتمعت مع الزوجة، أو الستة مخرج السدس هو فريضة
أحد الأبوين والاثنين مخرج النصف فريضة البنت الواحدة فيما إذا اجتمعت
مع أحدهما، فأكثر المخرجين من الثمانية في الفرض الأول، والستة في
الفرض الثاني هو أصل المسألة.
وإن كانا متوافقين ضربنا وفق أحدهما في مجموع الآخر كالستة مخرج
فريضة الواحدة من كلالة الأم، والأربعة مخرج فريضة الزوجة، والتوافق
670

بينهما بالنصف، وهو من الأربعة اثنان، ومن الستة ثلاثة تضرب أحد
النصفين في مجموع الآخر يحصل اثنى عشر هو أصل الفريضة. ولو اجتمع
الثمن والسدس كزوجة وأحد الأبوين مع ابن، فالثمن مخرج الثمانية،
والسدس مخرجه الستة، وبينهما توافق بالنصف، فتضرب نصف أحدهما في
مجموع الآخر يحصل أربعة وعشرون، وهي أصل الفريضة، وهكذا.
وإن كانا متباينين ضربنا أحدهما في الآخر كأربعة وثلاثة فيما إذا
اجتمع زوجة لها الربع وأم لها الثلث، وكثمانية وثلاثة فيما إذا اجتمعت
زوجة لها الثمن وبنتان لهما الثلثان، ففي الفرض الأول تضرب الأربعة في
الثلاثة أو بالعكس يحصل اثنى عشر هي الفريضة، وفي الثاني تضرب ثمانية
في ثلاثة أو بالعكس يحصل أربعة وعشرون.
وعلى هذا القياس وعلى الثالث يجعل المال على عدد الرؤوس مع
التساوي في الذكورة والأنوثة، ومع الاختلاف فيهما يجعل سهمان للذكر
وسهم للأنثى، فما اجتمع فهو أصل الفريضة صحيحا.
(و) بعد ما صححت (الفريضة) لا يخلو (إما) أن تكون (بقدر
السهام أو أقل) منها (أو أكثر، فما كان) الفريضة فيه (بقدرها فإن
انقسم) الفريضة عليها (من غير كسر) فلا بحث كزوج وأخت للأبوين أو
لأب فالمسألة من سهمين، لأن فيها نصفين ومخرجهما اثنان ينقسم عليهما
من غير كسر (وإلا) ينقسم عليها بغير كسر، مع كونها مساوية لها، فأما أن
تنكسر على فريق واحد، أو أكثر، ثم إما أن يكون بين عدد المنكسر عليه
وسهامه وفق بالمعنى الأعم، أو لا، فالأقسام أربعة.
فإن انكسرت على فريق واحد (فاضرب عدد من انكسر عليهم) دون
نصيبهم (في أصل الفريضة) إن عدم الوفق بين العدد والنصيب وكان بينهما
تباين.
671

مثل «زوج وأخوين لأب» للزوج النصف فالفريضة من اثنين للزوج
واحد لا تنكسر عليه، يبقى واحد وهو نصيب الأخوين ينكسر عليهما،
والنسبة بين الواحد نصيبهما وعددهما تباين، إذ لا توافق بينهما، تضرب
عددهما اثنين في اثنين أصل الفريضة يحصل أربعة تصح منها المسألة،
للزوج منها اثنان، وللأخوين اثنان، لكل منهما واحد.
و (مثل أبوين وخمس بنات) أصل فريضتهم ستة، لاشتمالها على
السدس ومخرجه ستة نصيب الأبوين، منها اثنان لا ينكسر عليهما،
و (تنكسر الأربعة) الباقية نصيب البنات (على الخمسة) عددهن
(فتضرب الخمسة) تمام عددهن (في أصل الفريضة) ستة (فما
اجتمع) وهو ثلاثون (فمنه) تصح (الفريضة) فكل من حصل له شئ
من أصل الفريضة أخذه مضروبا في خمسة، فللأبوين سدساها عشرة،
وللبنات الخمس ثلثاها عشرون ينقسم عليهن بالسوية أربعة أربعة، وإنما
ضربنا الخمسة في أصل الفريضة (لأنه لا وفق بين نصيبهن) الأربعة
(وعددهن) الخمسة بل بينهما تباين، وحكمه هنا ضرب العدد المباين
دون النصيب في أصل الفريضة.
(ولو كان) بينهما (وفق) ولو بالمعنى الأعم (ضربت الوفق) من
العدد المنكسر عليه الفريضة (لا) الوفق (من النصيب في أصل
الفريضة) فما حصل منه تصح المسألة (مثل أبوين وست بنات) أصل
الفريضة من ستة لعين ما مر في المسألة السابقة، للأبوين السدسان اثنان،
(وللبنات أربعة) ينكسر عليهن (وبين نصيبهن وهو الأربعة وعددهن
وهو الستة وفق، وهو النصف، فتضرب الوفق من العدد) لا من النصيب
(وهو ثلاثة) لأنها نصف الستة (في أصل الفريضة وهو ستة، فما
672

اجتمع) بعد الضرب وهو ثمانية عشر (صحت منه) الفريضة، للأبوين
السدسان ستة لكل منهما ثلاثة، وللبنات الست اثنى عشر لكل منهن اثنان.
وكذا لو كن بدل الست ثمانيا ينكسر نصيبهن الأربعة عليهن وبينها وبين
عددهن توافق بالربع تضرب ربع عددهن اثنان في ستة أصل الفريضة تبلغ
اثنى عشر، للأبوين السدسان أربعة، وللبنات الثلثان ثمانية بعددهن.
وإن انكسرت على أكثر من فريق، فإما أن يستوعب الكسر الجميع،
أم لا.
وعلى التقديرين، فإما أن يكون بين نصيب كل فريق انكسر عليه وعدده
وفق، أو تباين، أو بالتفريق.
فإن كان الأول: ردت كل فريق إلى جزء الوفق ثم اعتبرت الأعداد بعد
الرد هل هي متماثلة أو متداخلة أو متوافقة أو متباينة؟
فإن كانت متماثلة اجتزأت بواحد منها وضربته في أصل الفريضة،
كست زوجات وثمانية من كلالة الأم وعشرة من كلالة الأب، للزوجات
الربع من أربعة، ولكلالة الأم الثلث من ثلاثة، وبين العددين تباين، تضرب
أحدهما في الآخر تبلغ اثنى عشر هي الفريضة، للزوجات منها ثلاثة يوافق
عددهن بالثلث، ولكلالة الأم أربعة يوافق عددهم بالربع، ولكلالة الأب
خمسة يوافق عددهم بالخمس، فترد كل فريق إلى جزء وفقه، وهو في
الجميع اثنان، لأنهما ثلث باعتبار عدد الزوجات وربع باعتبار عدد كلالة
الأم وخمس باعتبار الكلالة للأب، فأجزاء الأوفاق فيها متماثلة، فتضرب
أحدها في أصل الفريضة تبلغ أربعا وعشرين، للزوجات منها ستة، ولكلالة
الأم منها ثمانية، وللإخوة للأب عشرة.
وإن كانت متداخلة اجتزأت بالأكثر، كالمثال المتقدم مع جعل كلالة الأم
673

ستة عشر نصيبهم يوافق عددهم بالربع، فتردهم إلى الأربعة، وبينها وبين
الوفق المردود إليه كل من عدد الزوجات وكلالة الأب، وهو الاثنان تداخل
لدخولهما فيها، فيجتزئ بها وتضربها في اثنى عشر أصل الفريضة تبلغ ثمان
وأربعين، للزوجات منها اثنى عشر، ولكلالة الأم ستة عشر عددهم، والباقي
وهو عشرون لكلالة الأب.
وإن كانت متوافقة ضربت وفق أحد المتوافقين في عدد الآخر ثم
المجتمع في أصل الفريضة، كالمثال المذكور، مع جعل كلالة الأم أربعة
وعشرين، وكلالة الأب عشرين الفريضة من اثنى عشر، كما مر، للزوجات
ثلاثة يوافق عددهن بالثلث، ولكلالة الأم أربعة يوافق عددهم بالربع، ولكلالة
الأب خمسة توافق عددهم بالخمس، فرد كل فريق إلى جزء الوفق، وهو
اثنان بالنسبة إلى الزوجات، وستة بالنسبة إلى كلالة الأم، وأربعة بالنسبة إلى
كلالة الأب، وبين كل من أعداد الوفق وما فوقه موافقة بالنصف، فتضرب
وفق الأربعة، وهو الاثنان في ستة تبلغ اثنى عشر، تضربهما في مثلها أصل
الفريضة تبلغ مائة وأربعة وأربعين هي أصل الفريضة، والقسمة واضحة.
وإن كانت متباينة ضربت بعضها في بعض ثم المجتمع في أصل
الفريضة، كالمثال المزبور مع جعل كلالة الأم اثنى عشر، وكلالة الأب خمسة
وعشرين الفريضة من اثنى عشر، كما مر، فيرجع عددهم بعد الرد إلى اثنين
بالنسبة إلى الزوجات، لأنهما جزء وفق عددهن، وثلاثة بالنسبة إلى كلالة
الأم وخمسة بالنسبة إلى كلالة الأب لذلك، والنسبة بين هذه الأعداد التباين
تضرب الاثنين في ثلاثة تبلغ ستة، وتضربها في خمسة تبلغ ثلاثين، تضربها
في أصل الفريضة اثنى عشر تبلغ ثلاثمائة وستين، والقسمة بمراجعة ما مر
ظاهرة.
674

وإن كان الثاني: نسبت أعداد كل فريق إلى الآخر.
فإن تساوت اجتزأت بأحدهما، وضربته في أصل الفريضة، كثلاثة إخوة
لأم وثلاثة لأب أصل الفريضة من ثلاثة، لأنها مخرج الثلث حصة كلالة
الأم، فلها واحد ينكسر على عددهم، ولكلالة الأب اثنان ينكسر على
عددهم أيضا، والنسبة بين عدد الفريقين تساو، تضرب أحدهما وهو ثلاثة
في أصل الفريضة مثلها تبلغ تسعة هي أصل الفريضة، لكلالة الأم ثلثها ثلاثة
لكل منهم واحد، ولكلالة الأب ستة لكل منهم اثنان.
وإن تداخلت اجتزأت بالأكثر وضربته في أصل الفريضة، كالمثال مع
جعل كلالة الأب تسعة الفريضة أيضا من ثلاثة، والنسبة بينها وبين التسعة
تداخل يجتزئ بالتسع تضربها في ثلاثة أصل الفريضة تبلغ سبعا وعشرين،
ثلثها لكلالة الأم تسعة لكل ثلاثة أسهم، والباقي لكلالة الأب ثمانية عشر
لكل سهمان.
وإن توافقت ضربت وفق أحدهما في مجموع الآخر ثم المجتمع في
أصل الفريضة، كأربع زوجات مع ستة أولاد فريضتهم ثمانية مخرج الثمن
نصيب الزوجة، واحد للزوجات، وسبعة للأولاد، تنكسر على الفريقين، ولا
وفق بين نصيبهما وعددهما، وبين عددهما توافق بالنصف، فتضرب اثنين
في ستة ثم المرتفع في ثمانية تبلغ ستة وتسعين، للزوجات اثنى عشر لكل
واحدة ثلاثة، وللأولاد أربعة وثمانون لكل واحد أربعة عشر.
وإن تباينت ضربت أحدهما في الآخر ثم المرتفع في أصل الفريضة،
كزوجتين وخمس إخوة لأم وسبعة لأب أصل الفريضة من اثنى عشر مخرج
الثلث والربع، لأنها المجتمع من ضرب أحدهما في الأخرى، لتباينهما
فللزوجتين الربع ثلاثة، ولكلالة الأم أربعة، ولكلالة الأب خمسة، ولا وفق
675

بين نصيب كل وعدده، والأعداد أيضا متباينة، فتضرب أيهما شئت في
الآخر، ثم المرتفع في الباقي، ثم المجتمع في أصل الفريضة، فتضرب اثنين
في خمسة، ثم المجتمع في سبعة تكون سبعين، تضربها في اثنى عشر أصل
الفريضة تبلغ ثمانمائة وأربعين، فكل من كان له سهم من اثنى عشر أخذه
مضروبا في سبعين.
وإن كان الثالث: رددت العدد الموافق لنصيبه إلى جزء وفقه، ثم نسبت
الوفق إلى العدد الآخر الغير الموافق لنصيبه، واعتبرت النسبة بينهما.
فإن تماثلت اجتزأت بأحدهما، وضربته في أصل الفريضة، كزوجتين
وستة إخوة لأب فريضتهم أربعة مخرج الربع نصيب الزوجة، تنكسر على
الفريقين، للزوجتين واحد يباين عددهما، وللاخوة ثلاثة توافق عددهم
بالثلث اثنين ترد عددهم إليهما، والنسبة بينهما وبين عدد الزوجتين تساو،
فتجتزئ بأحدهما اثنين، تضربهما في أصل الفريضة أربعة تحصل ثمانية،
للزوجتين الربع اثنان لكل منهما واحد، وللإخوة ستة لكل منهم واحد.
وإن تداخلت اجتزأت بالأكثر، وضربته في أصل الفريضة، كأربع
زوجات وستة إخوة لأب الفريضة من أربعة، كما عرفته، للزوجات الأربع
واحد ينكسر عليهن ويباين عددهن، وللإخوة الستة ثلاثة تنكسر عليهم
ويوافق عددهم بالثلث اثنين ترد عددهم إليهما، وبينهما وبين عدد الزوجات
تداخل، فتجتزئ بالأربعة عددهن، تضربها في أصل الفريضة تبلغ ستة عشر،
للزوجات الربع أربعة لكل منهن واحد، وللإخوة الستة اثنى عشر لكل منهم
اثنان.
وإن توافقت ضربت الوفق من أحدهما في مجموع الآخر، ثم الحاصل
في أصل الفريضة، كزوجتين وستة إخوة لأب وستة عشر لأم الفريضة من
676

اثنى عشر، للزوجتين الربع ثلاثة ينكسر عليهما، وبينهما وبين عددهما
تباين، ولكلالة الأب خمسة تنكسر عليهم، وبينها وبين عددهم تباين،
ولكلالة الأم أربعة تنكسر عليهم، وبينها وبين عددهم توافق بالربع ترد
عددهم إليه، وهو أربعة، وبينها وبين عدد كلالة الأب توافق بالنصف،
فتضرب نصف أحدهما في الآخر تبلغ اثنى عشر، تضربها في أصل الفريضة
اثنى عشر تبلغ مائة وأربعة وأربعين ولا يحتاج إلى النظر في عدد الزوجات،
لأنه إما متوافق بالنصف أيضا للأربعة وهو موجب لإطراح نصفه وهو
الواحد، أو متداخل لها، فللزوجتين الربع ستة وثلاثون تنقسم عليهما
صحيحا لكل منهما ثمانية عشر، ولكلالة الأم الثلث ثمانية وأربعون لكل
منهم ثلاثة، والباقي وهو ستون لكلالة الأب لكل منهم عشرة.
وإن تباينت ضربت بعضها في بعض ثم المرتفع في أصل الفريضة،
كزوجات أربع وسبعة إخوة لأب وستة إخوة لأم أصل الفريضة من اثنى
عشر كما مر، للزوجات الأربع الربع ثلاثة تنكسر عليهن وبينها وبين
عددهن تباين، ولكلالة الأب خمسة تنكسر عليهم وبينها وبين عددهم
تباين، ولكلالة الأم الثلث أربعة وبينها وبين عددهم توافق بالنصف ترد
عددهم إليه وهو ثلاثة وبينها وبين كل من السبعة والأربعة تباين، ضربت
الأربعة في ثلاثة، ثم الحاصل في سبعة تبلغ أربعة وثمانين تضربها في أصل
الفريضة يحصل ألف وثمانية، للزوجات منها الربع مائتان واثنتان وخمسون
لكل واحدة ثلاثة وستون، ولكلالة الأم الثلث ثلاثمائة وستة وثلاثون لكل
واحد ستة وخمسون، ولكلالة الأب الباقي أربعمائة وعشرون لكل واحد
ستون.
وما ذكرناه من الأمثلة الاثني عشرة في الأنواع الثلاثة المتقدمة إنما هو
677

في الانكسار المستوعب لجميع الفرق، ويأتي مثلها في غير المستوعب،
ويسهل استخراجها بعد الاستعانة بمراجعة ما قدمنا مثاله من الصورة الأولى
من النوع الثاني: ثلاث زوجات وثلاثة إخوة لأم وثلاثة لأب الفريضة اثنى
عشر مضروب مخرج الربع أربعة في الثلث ثلاثة، للزوجات منها ثلاثة
تنقسم عليهن من دون كسر، ولكلالة الأم أربعة، ولكلالة الأب خمسة
تنكسر عليهم من الطرفين والعدد، والنصيب فيهما متباينة، والأعداد متماثلة
تجتزئ بأحدها، وهو ثلاثة تضربها في أصل الفريضة تبلغ ستة وثلاثين،
للزوجات منها الربع تسعة لكل ثلاثة، ولكلالة الأم الثلث اثنى عشر لكل
أربعة، ولكلالة الأب خمسة عشر لكل خمسة. وباقي الأمثلة واضحة لمن
راعى الضوابط المتقدمة.
(ولو نقصت الفريضة) عن السهام لزيادتها عليها (بدخول الزوج أو
الزوجة فلا عول) فيها عندنا، كما مضى الكلام فيه (و) في أنه حينئذ
(يدخل النقص على البنت أو البنات) من أهل المرتبة الأولى إذا اجتمع
أحدهما معهم (أو) على (من تقرب) إلى الميت (بالأب والأم أو
الأب) من الأخوات من أهل المرتبة الثانية إذا اجتمعتا معهم، وذلك من
المرتبة الأولى (مثل أبوين وزوج وبنت) واحدة الفريضة من اثنى عشر،
مضروب ستة مخرج السدس فريضة كل من الأبوين في اثنين جزء وفق
الأربعة مخرج الربع فريضة الزوج أو بالعكس، بأن تضرب الأربعة في جزء
وفق الستة ثلاثة.
فالحاصل على كلا التقديرين اثنى عشر (فللأبوين السدسان) منها
أربعة (وللزوج الربع) منها ثلاثة والباقي منها (للبنت) وهو خمسة، فقد
دخل النقص عليها بواحدة، لأن فريضتها النصف منها ستة.
678

(وكذا) لو اجتمع (أبوان أو أحدهما وبنت أو بنات) فصاعدا
(وزوج) أو زوجة (النقص يدخل على البنت والبنات).
تضمنت هذه العبارة أمثلة:
منها: اجتماع الأبوين والزوج والبنت الواحدة، وهو تكرار، لتقدمه
سابقا، فالأولى حذف «وبنت» منها.
ومنها: اجتماع أبوين وبنتين وزوج الفريضة اثنى عشر كالمثال السابق،
من دون فرق بينهما إلا من حيث أن هنا بدل البنت بنتين.
ومنها: اجتماع أحد الأبوين وبنتين وزوج الفريضة كسابقها، إلا أن هنا
بدل الأبوين أحدهما فتزاد البنتان نصيب أحد الأبوين المحذوف هنا، ومع
ذلك نقصتا بواحدة، لأن فريضتهما الثلثان منها ثمانية وقد أعطيتا سبعة.
ومنها: اجتماع أبوين وبنتين وزوجة الفريضة من أربعة وعشرين
مضروب ستة مخرج السدس في أربعة جزء وفق الثمانية مخرج الثمن
فريضة الزوجة أو بالعكس، تبلغ ذلك للأبوين ثمانية، وللزوجة ثلاثة،
وللبنتين ثلاثة عشر، مع ان فريضتهما الثلثان ستة عشر فقد نقصتا بثلاثة.
(و) من المرتبة الثانية مثل ما لو اجتمع (اثنان من ولد الأم وأختان
للأب والأم وللأب مع زوج أو زوجة) يأخذ الزوج وكلالة الأم كمال
فريضتهما، و (يدخل النقص على من تقرب بالأب والأم أو بالأب
خاصة) الفريضة في الأول من ستة، مضروب مخرج الثلث فريضة كلالة
الأم، وهو ثلاثة في مخرج النصف فريضة الزوج، وهو اثنان، لتباينهما،
للزوج النصف منها ثلاثة، ولكلالة الأم الثلث اثنان، ولكلالة الأب واحد
نقصتا بثلاثة، لأن فريضتهما الثلثان أربعة. وكذا لو كان بدل الأختين أخت
واحدة، إلا أنها تنقص باثنين، لأن فريضتها النصف ثلاثة، وفي الثاني اثنى
679

عشر، مضروب مخرج الثلث ثلاثة في الأربعة مخرج فريضة الزوجة،
لتباينهما، للزوجة الربع ثلاثة، والكلالة الأم أربعة، ولكلالة الأب خمسة
نقصتا بثلاثة لأن فريضتهما الثلثان ثمانية.
وبالجملة الضابط في صورة نقص الفريضة عن السهام إدخاله على من
ذكرنا.
(ثم إن انقسمت الفريضة) على أرباب السهام (على صحة) من
دون كسر فلا بحث، كما في المثال الأول من الأمثلة المتقدمة، وهو اجتماع
أبوين وزوج وبنت واحدة، وكما فيه لو بدلت البنت الواحدة بخمس (وإلا)
تنقسم عليهم على صحة (ضربت سهام من انكسر عليه) النصيب بل
عدده (في أصل الفريضة) إذا عدم الوفق بين العدد والنصيب وكان
المنكسر عليه فريضا واحدا، كالأمثلة المتأخرة عنه.
ففي الأول: الخامس منها بين عدد البنتين والأختين ونصيبهما خمسة
تباين، تضرب العدد اثنين في الفريضة اثنى عشر تبلغ أربعة وعشرين
للأبوين، أو كلالة الأم ثمانية، وللزوج أو الزوجة ستة، وللبنتين أو الأختين
عشرة لكل منهما خمسة. وكذا في الثاني منها، إلا أن للبنتين هنا أربعة عشر
لكل منهما سبعة، ولأحد الأبوين أربعة، وللزوج ستة. وكذا في الثالث، إلا أن
للبنتين ستة وعشرين لكل منهما ثلاثة عشر، لتضاعف الفريضة فيه بفريضة
الزوجة. وكذا في الرابع، وللأختين فيه اثنان لكل منهما واحد، وكما إذا
اجتمع أبوان وزوج وثلاث بنات الفريضة من اثنى عشر، كما مر، للأبوين
أربعة، وللزوج ثلاثة، وللبنات خمسة تنكسر عليهن وبينها وبين الثلاثة
عددهن تباين يؤخذ به، ويضرب في أصل الفريضة تبلغ ستة وثلاثين،
للأبوين الثلث اثنى عشر، وللزوج الربع تسعة، وللبنات خمسة عشر لكل
680

خمسة، وهكذا لو كن أربعا أو ستا إلى ما دون العشرة، فإن هذه الأعداد
متبائنة لنصيبهن، فالحكم فيها واحد.
ولو كن عشرا وافق عددهن نصيبهن بالخمس. وقد عرفت فيما تقدم
فيما إذا انكسرت الفريضة على فريق واحد أنه يضرب الوفق من عدد
رؤوسهم، لا من النصيب في الفريضة، وهي هنا اثنى عشر تبلغ أربعا
وعشرين، للأبوين الثلث ثمانية، وللزوج الربع ستة، وللبنات العشر عشرة.
ولو كن خمس عشرة فقد وافق عددهن نصيبهن بالخمس أيضا، فترده
إلى ثلاثة، وتضربها في أصل الفريضة تبلغ ستا وثلاثين. والقسمة واضحة.
(ولو زادت الفريضة) عن السهام (كان الرد على ذوي السهام دون
غيرهم، ولا تعصيب) عندنا كما مضى الكلام فيه (و) في أنه (لا يرد
على الزوج) مع الوارث (و) لا (الزوجة) مطلقا (ولا على الأم مع
وجود من يحجبها) من كلالة الأب، ولا على الكلالة المتقربة بها إذا
اجتمعت مع الكلالة المتقربة بالأب، أو بهما على الأشهر الأقوى.
وصورة حجب الأم عن الرد وعدمه (مثل) اجتماع (أبوين وبنت)
واحدة (ف‍) انه (إذا لم يكن) هناك (حاجب) للأم من الإخوة للأب
(فالرد) يكون عليهم جميعا (أخماسا وإن كان) لها (حاجب) فللأم
السدس خاصة.
(و) يختص (الرد) بالأب والبنت (أرباعا) أصل الفريضة من ستة
مخرج السدس فريضة أحد الأبوين، لأن الاثنين مخرج النصف فريضة
البنت الواحدة يداخل الستة، فيكتفي بها، لأنها الأكثر، للأبوين منها اثنان،
وللبنت ثلاثة يبقى واحد يرد عليهم أخماسا أو أرباعا ينكسر عليهم.
وتصحيحه أن (تضرب مخرج سهام الرد) والكسر وهو خمسة أو
681

أربعة (في أصل الفريضة) ستة، تبلغ ثلاثين على الأول، وأربعة وعشرين
على الثاني (فما اجتمع) بعد الضرب (صحت منه الفريضة) فعلى الأول
للأبوين الخمسان اثنى عشر ينقسم عليهما صحيحا وللبنت ثمانية عشر،
وعلى الثاني للأم سدسها خاصة أربعة، والباقي وهو عشرون للأب ربعه
خمسة فريضة منها أربعة وواحد من جهة الرد، وللبنت خمسة عشر
فريضتها منها اثنى عشر وثلاثة حصتها من جهة الرد.
ولو اجتمع أحد الأبوين وبنتان فصاعدا فلأحد الأبوين السدس فريضة،
وللبنتين فصاعدا الثلثان كذلك، والباقي يرد بنسبة السهام أخماسا.
بيانه: أن مخرج السدس ستة ومخرج الثلثين ثلاثة وبينهما تداخل،
فيكتفى بالأكثر وهو الستة لأحد الأبوين سدسها واحد، وللبنتين ثلثاها
أربعة، والواحد الباقي يرد عليهم كل بنسبة حصته. وقد عرفت أنهم اقتسموا
في خمسة للبنتين أربعة أخماس ولأحد الأبوين خمس، فيجب أن يكون
الرد أخماسا بنسبة الحصص، وقد انكسرت الفريضة عليهم في مخرج
الخمس خمسة، فتضربها في أصل الفريضة ستة تبلغ ثلاثين، لأحد الأبوين
خمسها ستة فرضه منها خمسة ورده واحد، وللبنتين أربعة وعشرون
فريضتهما منها عشرون وأربعة من جهة الرد.
(تتمة في) بيان (المناسخات)
جمع مناسخة مفاعلة من النسخ، وهو النقل والتحويل.
(ونعني به) هنا (أن يموت إنسان فلا تقسم تركته ثم يموت أحد
ورثته ف‍) قد (يتعلق الغرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد) فإن
اتحد الوارث والاستحقاق كان كالفريضة الواحدة، ولا يحتاج إلى عمل آخر،
ونعني باتحاد الوارث كون وارث الميت الثاني هو وارث الميت الأول بعينه،
682

وباتحاد الاستحقاق كون الجهة الموجبة لاستحقاق الميراث فيها واحدا
كالبنوة والإخوة والزوجية ونحوها، وذلك كرجل توفي وخلف أربعة إخوة
وأختين والجميع لأب وأم أو لأم فمات أخوان منهم وأخت وليس لهم وارث
إلا الإخوة الباقين فإن المال ينقسم بين الأخوين والأخت الباقين أخماسا
إن تقربوا بالأب، وبالسوية إن تقربوا بالأم، ومن مات منهم ينزل منزلة العدم،
فكأن الميت لم يخلف إلا هؤلاء الباقين.
(وإن اختلف الوارث) خاصة، كما لو مات رجل وترك ابنين فمات
أحدهما وترك ابنا، فإن جهة الاستحقاق في الفريضتين واحدة، وهي البنوة
والوارث مختلف، لكونه في الأولى ابنا وفي الثانية ابنه.
(أو الاستحقاق) خاصة، كما لو مات رجل وترك ثلاثة أولاد ثم مات
أحدهم ولم يخلف غير أخوته المذكورين، فإن جهة الاستحقاق في
الفريضتين مختلفة، لأنها في الأولى البنوة وفي الثانية الإخوة والوارث
واحد.
(أو هما معا) كما لو مات رجل وخلف زوجة وابنا وبنتا ثم ماتت
الزوجة عن ابن وبنت، فإن جهة الاستحقاق في الأولى الزوجية وفي الثانية
البنوة، والوارث فيها الأولاد وفي الأولى الزوجة وأولاده.
(ونهض نصيب) المتوفي (الثاني) وفريضته من الفريضة الأولى بعد
تصحيحها (بالقسمة على وارثه) من دون كسر كان أيضا كالفريضة
الواحدة، وذلك كما في الأمثلة المزبورة.
أما الأول منها: فواضح، لأن فريضة الميت الثاني من الفريضة الأولى
النصف ووارثه ولده الواحد يرجع إليه من غير كسر.
وأما الثاني منها: فلأن الميت الثاني ينزل منزلة العدم، ويقسم ميراث
683

الأول على هؤلاء الموجودين. وينبغي تقييد تنزيل الميت الثاني منزلة العدم
في نحو صورة المثال بكون ميراث الباقين من الميت الثاني على حسب
إرثهم من الأول، وإلا كان من قبيل صورة اختلاف الوارث، كما لو ماتت
امرأة عن أولاد من أب وولد آخر من أب آخر ثم مات أحد الأولاد الذين
من أب فإن ميراث الأولاد جميعهم من الأم بالسوية ذكورية وأنوثية،
وميراثهم بعد ذلك من أخيهم يختلف، فإن الأخ من الأم له السدس خاصة
والباقي لإخوته من الأبوين.
وأما الثالث: فإن فريضة الميت الأول من أربعة وعشرين، مضروب
مخرج الثمن نصيب الزوجة في مخرج الثلث والثلثين نصيب الابن والبنت
الواحدة، للزوجة منها ثلاثة تنقسم على ابنها وبنتها صحيحة.
(وإلا) ينهض نصيبه بالقسمة على الوارث بغير كسر فانظر النسبة بين
نصيب الميت الثاني وسهام ورثته، وراعها بينها بالتوافق والتباين، وبعد ذلك
(فاضرب الوفق من الفريضة الثانية) التي هي السهام، لا الوفق من
النصيب الذي هو فريضة الميت (في) أصل (الفريضة الأولى) التي
أخذت منها فريضة الميت ونصيبه (إن كان بين الفريضتين) يعني نصيب
الميت وسهام ورثته التي هي الفريضة الثانية (وفق).
كأبوين وابن ثم يموت الابن عن ابنين وبنتين، فالفريضة الأولى من ستة
مخرج نصيب أحد الأبوين، ونصيب الابن المتوفى منها أربعة وسهام ورثته
ستة توافق نصيبهم بالنصف، فتضرب ثلاثة وفق الفريضة الثانية في أصل
الفريضة الأولى ستة تبلغ ثمانية عشر منها، تصح المسألة لأبوي الميت الأول
ثلثها ستة، وللابن اثنى عشر تنقسم على ورثته لابنيه منها ثمانية، وللبنتين
أربعة.
684

وكأخوين لأم ومثلهما لأب وزوج مات الزوج عن ابن وبنتين فالفريضة
الأولى اثنى عشر، مضروب مخرج النصف اثنين والثلث لتباينهما، ثم
مضروب المرتفع منهما في اثنين، لانكسارها على فريق واحد، وهو
الأخوان للأب، وبين نصيب الزوج منها وهو ستة وفريضة ورثته أربعة
توافق بالنصف، فتضرب الوفق من الفريضة، وهو اثنان في اثنى عشر، تبلغ
أربعة وعشرين ومنها تصح المسألة للأخوين، للأم ثلثها ثمانية، وللزوج
نصفها اثنى عشر تنقسم على ورثته، للابن منها ستة، وللبنتين ستة لكل
واحدة ثلاثة، وللأخوين للأب أربعة. وكل من هؤلاء يأخذ نصيبه من
الفريضة الأولى مضروبا في اثنين، وهو ما ضربته في أصل الفريضة الأولى.
(وإن لم يكن) بين نصيب الميت الثاني وسهام ورثته وفق بل تباين
(فاضرب) تمام (الفريضة الثانية في) أصل الفريضة (الأولى فما بلغ
صحت منه الفريضتان) كما لو توفت المرأة عن زوج وأخوين لأم وأخ
لأب ثم مات الزوج عن ابنين وبنت فإن فريضة الميت الأول ستة، كما
عرفته نصيب الزوج منها ثلاثة سهام ورثته خمسة، فلا تنقسم فريضة عليها
وبينهما تباين، فتضرب الخمسة في ستة أصل الفريضة تبلغ ثلاثين منها
تصح المسألة، للأخوين للأم منها عشرة، وللزوج نصفها خمسة عشر، تنقسم
على ورثته قسمة صحيحة. وكل من له من الفريضة الأولى شئ أخذه
مضروبا في خمسة.
واعلم أنه قد يقع المناسخات في أكثر من فريضتين، بأن مات بعض
ورثة الميت الثاني قبل القسمة أو بعض ورثة الأول، وحينئذ تنظر في
الفريضة الثالثة، فإن انقسمت على ورثة الميت الثالث على صحة، وإلا عملت
فيها مع ما حصل عندك من الفريضتين السابقتين بعد العمل فيهما على
685

ما قدمناه، كما عملت في فريضة الثاني مع الأول، وهكذا لو مات رابع
وخامس وما زاد، والعمل واحد. وجميع ما تقدم فيما سبق من الأفراد آت
هنا أيضا، والحمد لله.
إلى هنا انتهى الجزء الثاني عشر - حسب تجزئتنا -
ويتلوه الجزء الثالث عشر إن شاء الله تعالى، وأوله:
كتاب القضاء
686