الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ٢٣
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
الجزء الثالث والعشرون
مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة)
لجماعة المدرسين بقم المشرفة (إيران)
1

الكتاب: الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة (ج 23)
المؤلف: العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني (قدس سره)
الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه
محمد وآله الطاهرين.
كتاب النكاح
وفيه مقدمة وفصول، المقدمة - وفيها فوائد:
الأولى: في بدو النكاح وأصله روى الصدوق في الفقيه عن زرارة (1) في
الصحيح " قال: سئل أبو عبد الله (ع) عن خلق حواء وقيل له: إن أناسا عندنا
يقولون: إن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى، فقال: سبحان
الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، أيقول من يقول هذا: إن الله تبارك وتعالى لم
يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه، ويجعل للمتكلم من أهل
التشنيع سبيلا إلى الكلام أن يقول: إن آدم كان ينكح بعضه بعضا إذا كانت من

(1) الفقيه ج 3 ص 239 ح 1، الوسائل ج 14 ص 2 ح 1.
3

ضلعه، ما لهؤلاء! حكم الله بيننا وبينهم، ثم قال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى لما
خلق آدم عليه السلام من طين وأمر الملائكة فسجدوا له ألقي عليه السبات، ثم ابتدع له
حوا فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه، وذلك لكي تكون المرأة تبعا
للرجل، فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها، فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه،
فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن، يشبه صورته، غير أنها أنثى، فكلمها فكلمته
بلغته، فقال لها: من أنت؟ قالت: خلق خلقني الله كما ترى، فقال آدم عليه السلام
عند ذلك: يا رب ما هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه، والنظر إليه؟ فقال
الله تبارك وتعالي: يا آدم هذه أمتي حوا أفتحب أن تكون معك تؤنسك وتحدثك
وتكون تبعا لأمرك؟ فقال: نعم يا رب، ولك علي بذلك الحمد والشكر ما بقيت،
فقال له عز وجل: فاخطبها إلي فإنها أمتي، وقد تصلح لك أيضا زوجة للشهوة،
وألقى الله عز وجل عليه الشهوة، وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شئ فقال:
يا رب فإني أخطبها إليك فما رضاك لذلك؟ فقال عز وجل: رضاي أن تعلمها
معالم ديني، فقال: ذلك لك يا رب علي إن شئت ذلك لي، فقال عز وجل: وقد
شئت ذلك، وقد زوجتكها فضمها إليك، فقال لها آدم عليه السلام: إلى فاقبلي فقالت
له: بل أنت فأقبل إلي فأمر الله عز وجل آدم أن يقوم إليها، ولولا ذلك لكان
النساء هن يذهبن إلى الرجال حتى يخطبن علي أنفسهن فهذه قصة حوا صلوات
الله عليها ".
ثم قال في الفقيه بعد نقل الخبر المذكور وأما قول الله عز وجل (1) " يا أيها
الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما
رجالا كثيرا ونساء " فإنه روي " أنه عز وجل خلق من طينتها زوجها، وبث
منهما رجالا كثيرا ونساء ".

(1) سورة النساء آية 1.
4

والخبر الذي روي أن حوا خلقت من ضلع آدم الأيسر صحيح، ومعناه من
الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر، فلذلك صارت أضلاع الرجل أنقص من أضلاع
النساء بضلع ".
ومنها ما رواه في الفقيه في الصحيح والشيخ في التهذيب في الضعيف عن
أمير المؤمنين عليه السلام في ميراث الخنثى، يعد الأضلاع، والحديث طويل، قال فيه
برواية الشيخ في التهذيب (1) " فقال الزوج: يا أمير المؤمنين امرأتي وابنة عمي ألحقتها
بالرجال ممن أخذت هذه القضية، قال: إني ورثتها من أبي آدم وأمي حوا خلقت
من آدم، وأضلاع الرجال أقل من أضلاع النساء بضلع ".
وفي رواية الفقيه " فقال زوجها: يا أمير المؤمنين ابنة عمي وقد ولدت مني
تلحقها بالرجال؟!! فقال: إني حكمت عليها بحكم الله، إن الله تعالى خلق حوا
من ضلع آدم الأيسر الأقصى، وأضلاع الرجل تنقص، وأضلاع النساء تمام ".
وروي في الفقيه أيضا عن السكوني (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام " أن علي بن
أبي طالب عليه السلام كان يورث الخنثى فيعد أضلاعه، فإن كانت أضلاعه أنقص من أضلاع
النساء بضلع، ورث ميراث الرجال، لأن الرجل تنقص أضلاعه عن ضلع النساء بضلع،
لأن حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام القصوى اليسرى فنقص من أضلاعه ضلع واحد ".
وما رواه العياشي في تفسيره (3) " عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: خلقت حوا من
قصيرا جنب آدم، والقصير هو الضلع الأصغر، وأبدل الله مكانه لحما ".
وفي رواية (4) " خلقت حوا من جنب آدم وهو راقد ".
ومما يؤيد الخبر الأول ما رواه العياشي في تفسيره عن الباقر عليه السلام (5) " أنه

(1) الفقيه ج 4 ص 239 ح 4، التهذيب ج 9 ص 354 ح 5، الوسائل ج 17
ص 575 ح 3.
(2) الفقيه ج 4 ص 238 ح 2، الوسائل ج 17 ص 576 ح 4.
(3) تفسير العياشي ج 1 ص 215 ح 2 و 3 و ص 216 ح 7، البحار ج 11 ص 116.
(4) تفسير العياشي ج 1 ص 215 ح 2 و 3 و ص 216 ح 7، البحار ج 11 ص 116.
(5) تفسير العياشي ج 1 ص 215 ح 2 و 3 و ص 216 ح 7، البحار ج 11 ص 116.
5

سئل من أي شئ خلق الله حوا؟ فقال: أي شئ يقولون هذا الخلق؟ قلت:
يقولون، إن الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم فقال: كذبوا أكان الله يعجزه أن
يخلقها من غير ضلعه؟ فقلت: جعلت فداك يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله من أي شئ
خلقها؟ فقال: أخبرني أبي عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تبارك
وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه - وكلتا يديه يمين - فخلق منها آدم
وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حوا ".
ومن الأخبار المنتظمة في سلك هذا النظام ما رواه في علل الشرايع
بإسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام (1) " أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فأخبرني
عن آدم خلق من حوا أو خلقت حوا من آدم؟ قال: بل حوا خلقت من آدم
ولو كان آدم خلق من حوا لكان الطلاق بيد النساء، ولم يكن بيد الرجال.
قال: فمن كله خلقت أو من بعضه؟ قال: بل من بعضه، ولو خلقت من كله
لجاز القصاص في النساء، كما يجوز في الرجال.
قال: فمن ظاهره أو باطنه؟ قال: بل من باطنه، ولو خلقت من ظاهره
لانكشفن النساء كما ينكشف الرجال، فلذلك صارت النساء متسترات.
قال: فمن يمينه أو من شماله؟ قال: بل من شماله، ولو خلقت من يمينه
لكان للأنثى مثل حظ الذكر من الميراث، فلذلك صار للأنثى سهم، وللرجل
سهمان، وشهادة امرأتين مثل شهادة رجل واحد.
قال: فمن أين خلقت قال: من الطينة الني فضلت من ضلعه الأيسر، قال:
صدقت يا محمد " والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
وبإسناده إلى الحسن بن عبد الله (2) عن آبائه عن جده الحسن بن علي بن

(1) العلل ص 470 طبع النجف الأشرف سنة 1385 ح 31 من باب 222 النوادر
البحار ج 11 ص 101.
(2) علل الشرايع ص 512 ب 286 ح 1
6

أبي طالب عليهما السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل يقول فيه عليه السلام " خلق الله عز وجل
آدم من طين ومن فضلته وبقيته خلقت حوا ".
أقول: والجمع بين هذه الأخبار محتمل بأحد وجهين.
أحدهما - حمل ما تدل على أنه خلقت من ضلعه على التقية، لما عرفت من
نسبة القول بذلك إلى العامة، وتشديدهم في إنكاره، ولا ينافي ذلك أخبار الخنثى،
لأن الحكم عليها بذكورية إنما وقع من حيث كونها مثل الذكور في عدد
الأضلاع، فألحقت بهم، وأما تعليل ذلك بما ذكر فإنما خرج مخرج التقية.
وثانيهما - أن المراد بخلقها من ضلعه الأيسر يعني من طينة ضلعه الأيسر
كما صرح به الخبر الأخير، وأجمل في غيره من الأخبار بأنها خلقت من فضل طينته،
فمعنى قولهم أن حوا خلقت من آدم أو من ضلعه ليس على ما يتبادر في الظاهر
كما فهمه العامة وقالوا به، بل المراد إنما هو باعتبار الطينة، وحينئذ فالتكذيب
للعامة إنما هو فيما فهموه من الخبر وحملوه عليه، وإلى هذا يأول كلام الصدوق
في الفقيه المتقدم فإنه جعله وجه جمع بين الأخبار.
ومثل هذا الاختلاف في الأخبار قد وقع في تزويج آدم بناته من بنيه
وعدمه، فجملة من الأخبار دلت على الأول وجملة دلت على الثاني بأبلغ وجه
في إنكار الأول كما تضمنه بعضها، والجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على الأول
على التقية كما هو قول المخالفين المنسوب إليهم وفي بعض الأخبار بالنسبة إلى
كلا الأمرين أنه كان حلالا ثم حرم، وهو ما رواه في كتاب الإحتجاج عن علي بن
الحسين (1) عليه السلام في حديث طويل وربما جعل وجها للجمع بين الأخبار.
وفيه أن الأخبار إنما تصادمت وتعارضت في فعل آدم ونكاحه حوا مع
كونها خلقت منه، وتزويج بناته بأولاده وقد دلت أخبار المنع على إنكاره في

(1) الإحتجاج ج 2 ص 44 طبع النجف الأشرف.
7

كلا الموضعين أشد الانكار، فكيف يجعل هذا وجها في الجمع بينهما، وهي
ظاهرة في رده.
نعم حمل هذا الخبر على التقية كما حملنا عليه تلك الأخبار لا يخلو من البعد
لأن المخالفين قائلون بوقوع ذلك من آدم من غير نسخ ولا تحريم بعد ذلك إلا أنه
يمكن أيضا رجوعه إلى تلك الأخبار بنوع من الاعتبار، بأن يكون منشأ التقية
فيها فعلة آدم وأن حكمهم بصحة فعله في كلا المقامين تقية، أعم من أن يكون
نسخ ذلك أو لم ينسخ، والله العالم.
الثانية: قد استفاضت الأخبار بل ربما بلغت حد التواتر المعنوي بالحث
على النكاح والترغيب فيه، وعضدتها جملة من الآيات القرآنية.
قال الله عز وجل (1) " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم
إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم، وليستعفف الذين لا يجدون
نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله "، وقال تعالى شأنه (2) " ومن آياته أن خلق لكم
من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات
لقوم يتفكرون " إلى غير ذلك من الآيات.
وروى المشايخ الثلاثة نور الله تعالى مراقدهم، عن القداح (3) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره ".
قال في غيره: (4) " وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أكثر أهل النار العزاب ".
وروي في الكافي عن كليب الأسدي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال رسول الله

(1) سورة النور - آية 32.
(2) سورة الروم - آية 21.
(3) الكافي ج 5 ص 329 ح 6، التهذيب ج 7 ص 239 ح 3، الفقيه ج 3
ص 242 ح 1147.
(4) الفقيه ج 3 ص 242 ح 1149.
(5) الكافي ج 5 ح 328 ح 2.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 7 ح 3 و ص 8 ح 7 و ص 5 ح 11.
8

صلى الله عليه وآله وسلم: من تزوج أحرز نصف دينه ". قال: وفي حديث آخر " فليتق الله في النصف
الآخر أو الباقي ".
أقول: لعل المراد - والله سبحانه وقائله أعلم - أن الداعي إلى ارتكاب
المحرم إما أن يكون من جهة الشهوة الحيوانية، أو من جهة الضرورة البدنية
بالمأكل والملبس، والأول يندفع بالتزويج، ويبقي الباقي وليتق الله سبحانه فيه
بتحصيله من حله.
وروي في الكافي والفقيه (1) " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
إن أراذل موتاكم العزاب ".
وروي في الكافي في الحسن أو الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) " عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: لما لقي يوسف أخاه قال: يا أخي كيف استطعت أن تتزوج النساء بعدي؟ فقال:
إن أبي أمرني وقال: إذا استطعت أن تكون لك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح فافعل ".
وفي الفقيه عن عمرو بن شمر (3) " عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلا، لعل الله أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله ".
وروي في الفقيه في الصحيح عن ابن رئاب عن محمد بن مسلم (4) " عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غدا في القيامة
حتى أن السقط ليجئ محبنطئا (5) على باب الجنة فيقال له: أدخل فيقول: لا حتى
يدخل أبواي قبلي ".

(1) الكافي ج 5 ص 329 ح 3، الفقيه ج 3 ص 242 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 329 ح 4.
(3) الفقيه ج 3 ص 241 ح 1 و ص 242 ح 6. وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 7 ح 3 و ص 5 ح 9 و ص 3 ح 3 و 2
(4) الفقيه ج 3 ص 241 ح 1 و ص 242 ح 6. وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 7 ح 3 و ص 5 ح 9 و ص 3 ح 3 و 2
(5) المحبنطئ بالحاء المهملة ثم الباء الموحدة ثم النون ثم الطاء المهملة يهمز
ولا يهمز هو الممتلئ غضبا وغيضا المستبطئ للشئ، وقيل: هو الممتنع امتناع طلب
لا امتناع إباء (منه - رحمه الله -).
9

وروي في الكافي عن محمد بن مسلم (1) " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: تزوجوا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من أحب أن يتبع سنتي فإن من
سنتي التزويج ".
وروي في الكافي والتهذيب عن القداح (2) " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل
إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال له: هل لك من زوجة؟ فقال لا فقال: أبو عبد الله عليه السلام:
ما أحب أن الدنيا وما فيها لي وإني بت ليلة ليست لي زوجة ".
ثم قال: ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل عزب يقوم ليله
ويصوم نهاره.
ثم أعطاه أبي سبعة دنانير وقال: تزوج بهذه، ثم قال: قال أبي: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: اتخذوا الأهل فإنه أرزق لكم ".
إلى غير ذلك من الأخبار الجارية في هذا المضمار.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا (رضي الله عنهم) في استحبابه
استحبابا مؤكدا لمن تاقت نفسه إليه، بل ادعي على ذلك إجماع المسلمين إلا من
شذوذ منهم، حيث ذهب إلى الوجوب.
وإنما الخلاف فيمن لم تتق نفسه إليه، فالمشهور الاستحباب أيضا لما
تقدم من الآيات والروايات، فإنها دالة بإطلاقها وعمومها على ذلك، وهو
الحق الحقيق بالاتباع، فإن استحباب النكاح لا ينحصر في كسر الشهوة، ليكون
عدمها رافعا لاستحبابه، بل قد عرفت من الأخبار المتقدمة أن له فوائد
وغايات عديدة.
منها: كثرة النسل، وما يترتب عليه من الفوائد المذكورة في الأخبار
كمباهاته صلى الله عليه وآله بهم الأمم، وشفاعة الطفل لأبويه ونحو ذلك.

(1) الكافي ج 5 ص 329 ح 5 و 6، التهذيب ج 7 ص 239 ح 3، الوسائل ج 14 ص 6 ح 14 و ص 7 ح 4.
(2) الكافي ج 5 ص 329 ح 5 و 6، التهذيب ج 7 ص 239 ح 3، الوسائل ج 14 ص 6 ح 14 و ص 7 ح 4.
10

ومنها: الزيادة في الرزق كما دل عليه الخبر الأخير، وفي معناه أخبار أخر
أعرضنا عن التطويل بنقلها، ومنها: مزيد الثواب في عباداته.
ونقل عن الشيخ في المبسوط أن من لا يشتهي النكاح يستحب له أن لا يتزوج
مستدلا بقوله تعالى (1) عن يحيى " سيدا وحصورا " حيث مدحه على كونه حصورا،
وهو الذي لا يشتهي النساء، وقيل: الذي يمكنه أن يأتي ولا يفعله.
واستدل له أيضا بأن في النكاح تعريضا لتحمل الحقوق الزوجية والاشتغال
عن كثير من المطالب الدينية، وحصول الولد الصالح والزوجة الصالحة غير معلوم،
وبالذم المتبادر عن قوله تعالى (2) " زين للناس حب الشهوات من النساء " خرج منه
ما أجمع على رجحانه فيبقى الباقي.
وأجيب بأن مدح يحيى بذلك لعله مختص بشرعه، فلا يلزمنا مثله، ورد
بأن المدح في كتابنا وهو شرعنا وهو مطلق، فلا دلالة على اختصاصه بشرعه
وعلى تقدير نقله عن شرعه ففي تعديته إلى شرعنا مع نقل القرآن له وعدم الإشارة
إلى نسخه دليل إلى ثبوته، وكون شرعنا ناسخا لما قبله من الشرايع يفيد نسخ
المجموع من حيث هو مجموع، وأما الأفراد فلا، للقطع ببقاء كثير منها في شرعنا
كأكل الطيبات ونكاح الحلائل وغير ذلك، إنتهى.
أقول: لا يخفى على من راجع الأخبار وجاس خلال الديار أن المعلوم منها
هو استحباب النكاح مطلقا والتأكيد فيه كما قدمنا ذكره، وأن ما كان في الأمم
السابقة من الرهبانية والتبتل بترك النكاح وغيره منسوخ في شرعنا وأن ما دلت
عليه الآية المزبورة من مدح يحيى بكونه حصورا لا يأتي النساء أو لا يشتهي غير
محمول عليه في شرعنا.
فمن الأخبار الدالة على ما ذكرنا بأوضح دلالة زيادة على ما تقدم ما رواه

(1) سورة آل عمران - آية 39 و 14.
(2) سورة آل عمران - آية 39 و 14.
11

في الكافي (1) " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلي رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مغضبا يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان فوجده
يصلي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال له: يا عثمان لم
يرسلني الله تعالى بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنفية السهلة السمحة أصوم وأصلي
وألمس أهلي، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح ".
وروى في الكتاب المذكور (2) " عن أبي عبد الله عليه السلام إن ثلاث نسوة أتين
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إحداهن: إن زوجي لا يأكل اللحم، وقالت أخرى: إن
زوجي لا يشم الطيب، وقالت أخرى: إن زوجي لا يقرب النساء، فخرج رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يجر ردائه حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام
من أصحابي لا يأكلون اللحم، ولا يشمون الطيب، ولا يأتون النساء أما إني آكل
اللحم وأشم الطيب وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
وروى فيه (3) بسنده " عنه عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النساء أن يتبتلن
ويعطلن أنفسهن عن الأزواج ".
وروى فيه عن عبد الصمد بن بشير (4) " قال: دخلت امرأة على أبي عبد الله عليه السلام
قالت: أصلحك الله إني امرأة متبتلة، قال: وما التبتل عندك؟ قالت: لا أتزوج
قال: ولم؟ قالت ألتمس بذلك الفضل، فقال: إنصرفي: فلو كان ذلك فضلا لكانت
فاطمة عليها السلام أحق بذلك منك، إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل ".
وروي فيه بسنده (5) إلى أبي عبد الله عليه السلام " قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل بيت
أم سلمة فشم ريحا طيبة، فقال: أتتكم الحولاء، فقالت: هو ذا هي تشكو زوجها

(1) الكافي ج 5 ص 494 ح 1 و ص 496 ح 5 و ص 509 ح 1 و 3 و ص 496 ح 4، الوسائل ج 14 ص 74 الباب 48 ح 1 و 2 و ص 117 الباب 84 ح 1 و 2 و ص 75 ح 2.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
12

فخرجت عليه الحولاء فقالت: بأبي أنت وأمي إن زوجي عني معرض، فقال: زيديه
قالت: ما أترك شيئا طيبا إلا أتطيب له به وهو عني معرض، فقال: أما لو يدري
ما له بإقباله عليك، قالت: وما له بإقباله علي؟ فقال: أما إنه إذا أقبل اكتنفه
ملكان فكان كالشاهر سيفه في سبيل الله، فإذا هو جامع تحات عنه الذنوب كما
يتحات ورق الشجر، فإذا هو اغتسل انسلخ من الذنوب ".
ونقل الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل عن المرتضى في رسالة
المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني (1) بإسناده " عن علي عليه السلام قال: إن جماعة
من الصحابة كانوا حرموا على أنفسهم النساء، والافطار بالنهار، والنوم بالليل،
فأخبرت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج إلى أصحابه فقال: أترغبون عن النساء
إني آتي النساء وآكل بالنهار وأنام بالليل، فمن رغب عن سنتي فليس مني،
فأنزل الله سبحانه (2) لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله
لا يحب المعتدين " الحديث.
وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم (3) القمي في تفسيره في تفسير قوله سبحانه
" لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " بسنده " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزلت هذه
الآية في أمير المؤمنين عليه السلام وبلال وعثمان بن مظعون، فأما أمير المؤمنين عليه السلام فحلف
أن لا ينام بالليل أبدا، وأما بلال فحلف أن لا يفطر بالنهار أبدا، وأما عثمان بن
مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا، فدخلت امرأته على عائشة وكانت امرأة جميلة
فقالت عائشة: ما لي أراك معطلة، فقالت: ولمن أتزين؟ فوالله ما قاربني زوجي
منذ كذا وكذا، فإنه قد ترهب ولبس المسوح وتزهد في الدنيا، فلما دخل
رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرته عائشة بذلك، فخرج فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس

(1) الوسائل ج 14 ص 8 ح 9.
(2) سورة المائدة آية 87.
(3) تفسير علي بن إبراهيم ج 1 ص 179.
13

فصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: ما بال أقوام يحرمون علي أنفسهم
الطيبات ألا إني أنام باليل وأنكح وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سنتي فليس مني
فقام هؤلاء فقالوا: يا رسول الله لقد حلفنا على ذلك فأنزل الله (1): لا يؤاخذكم الله
باللغو في أيمانكم... إلى آخر الآية ".
فانظر إلى هذه الأخبار وصراحتها في دفع ما توهمه ذلك القائل من الاستدلال
بالآية المذكورة وضعف مارد به الجواب المتقدم (2)، فإنه لو كان ما ذكره (رحمه الله)
حقا من استحباب ذلك في شرعنا كما كان في تلك الشريعة السابقة لما صدر عنه
صلى الله عليه وآله هذه الانكارات العديدة في هذه الأخبار، والنسبة إلى مخالفة سنته، وإن
ذلك من الرجال والنساء، إنما هو من الرهبانية التي كانت سنة في الأمم السابقة
ونسخت بسنته.
وأما باقي تعليلاته العليلة فهي في مقابلة ما ذكرنا من الأخبار أظهر في الضعف
من أن يقابل بالإنكار.
ونزيده إيضاحا، فنقول: إنه إذا ثبت من الشارع الحث على هذا الفعل
والترغيب فيه، وبيان ما فيه من الأجر والثواب والمنافع الدينية والدنيوية، فهو
من جملة المطالب الدينية المأمور بها، بل هو من أفضلها وأشرفها لما عرفت من زجره

(1) سورة البقرة - آية 225.
(2) أقول: ومن ذلك ما رواه في كتاب مكارم الأخلاق، عن الصادق عليه السلام قال: قيل
لعيسى بن مريم: مالك أن تتزوج؟ قال: ما أصنع بالتزويج؟ قالوا: يولد لك، قال: وما
أصنع بالأولاد، إن عاشوا فتنوا، وإن ماتوا حزنوا. أقول: ومقتضى ما ذكره القائل
المذكور، أن ما روي في شرعنا يلزم أن يكون الحكم فيه كذلك عندنا، فيلزم بمقتضى هذا
الخبر مرجوحية التزويج في شرعنا والأخبار المستفيضة كما عرفت بخلافه، وبالجملة فرواية
ذلك أو ذكره في القرآن أعم من ذلك، والعام لا دلالة فيه على الخاص، والمرجع في تعيين
الأمرين منه إلى السنة والأخبار، ففي مثل هذا الموضع يحمل كلامهم عليهم السلام على مجرد
الحكاية وفي بعض المواضع يحمل على العمل بذلك في شرعنا، كما أوضحنا ذلك في المباحث
المتقدمة (منه - رحمه الله -).
14

صلى الله عليه وآله وسلم لما عدل عنه إلى العبادات، وإنكاره عليهم أتم الانكار، فلولا أنه أفضل لما
حسن هذا الانكار في العدول عنه إلى تلك العبادات.
وأما التمسك بآية (1) " زين للناس حب الشهوات من النساء " الآية، وحصول
الذم فيها لهذه الأشياء، ففيه أنه لا يخفى استفاضة الأخبار وتكاثرها بالأمر بجملة
من هذه الأشياء كالنساء وحب الأولاد وطلبهم لما عرفت من أخبار مباهاته صلى الله عليه وآله وسلم
الأمم بكثرة أمته، وتعليله ذلك بتثقيل الأرض بالتهليل ونحو ذلك، وجمع المال
من الحلال، كما ورد أيضا.
وقد تقدمت الأخبار بذلك في مقدمات كتاب التجارة، واستفاضت الروايات
بالحث على التجارة، كما تقدم أيضا ونحو ذلك.
ولا ريب أن الشهوة إنما هي من الله عز وجل ليس للعبد فيه اختيار.
قال أمين الاسلام الطبرسي (قدس سره) في كتاب مجمع البيان (2): والشهوة
من فعل الله عز وجل ليس للعبد فيه اختيار فلا يمكننا دفعها عن نفوسنا، فلا
يقدر عليها أحد من البشر وهي ضرورية فينا لأنا لا يمكننا دفعها عن نفوسنا، إنتهى.
وحينئذ فإذا ثبت ذلك علم أن الذم لا يترتب على هذه الأشياء من حيث
هي، ولا باعتبار قصد غاية راجحة شرعا منها كامتثال تلك الأوامر الشرعية،
واكتساب الولد، وكسر الشهوة الحيوانية في النكاح، وحب المال للتوصل به
إلى الطاعات والقربات، ونحو ذلك.
وإنما يترتب عليها باعتبار الاختصاص بالانهماك في الشهوة البهيمية، وعدم
قصد شئ من الغايات الأخروية، وعلى هذا لا دلالة في الآية على ما ادعاه ذلك
المستدل.

(1) سورة آل عمران - آية 14.
(2) مجمع البيان ج 2 ص 416.
15

ثم إنهم قد اختلفوا أيضا في أنه على القول بأفضلية النكاح لمن تتق نفسه
إليه هل هو أفضل من التخلي للعبادة، أم التخلي للعبادة أفضل؟ قولان: والمفهوم
من الأخبار المتقدمة هو الأول، سيما الأخبار الأخيرة الواردة في ترهب عثمان
ابن مظعون واختياره الصلاة على النكاح.
والأخبار الدالة على ذم العزاب، والأخبار الدالة على أن ركعتين يصليهما
متزوج خير من عزب يقوم ليله ويصوم نهاره، فإنها دالة بعمومها أو إطلاقها على
أفضلية النكاح، تاقت نفسه أم لم تتق، إذ لا تفصيل فيها.
احتج من قال بالقول الثاني بما يتضمن التزويج من القواطع والشواغل
وتحمل الحقوق.
أقول: لا ريب أن هذا القول إنما يتجه على قواعد الصوفية، المعرضين عن
العمل بالأخبار المعصومية، المبنية قواعد مذهبهم على مجرد الاختراعات الوهمية،
والخيالات الفكرية، وإلا فلا يخفى أن القول بهذا القول موجب لرد تلك الأخبار
المتكاثرة بمجرد هذه الخيالات الفاسدة.
والآمر بذلك عالم بما يترتب عليه من هذه الأمور المذكورة، ومع ذلك
حث وأكد عليه أتم الحث والتأكيد، وليس إلا من حيث رجحانه وأفضليته،
وأن هذه الأشياء موجبة لزيادة الأجر فيه.
وفي بعض الأخبار (1) أن أصحاب عيسى على نبينا وآله وعليه السلام كانوا
يمشون على الماء، وأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكونوا كذلك، فقال عليه السلام، " إن
هؤلاء ابتلوا بالمعاش "، وحاصله أن هؤلاء كلفوا بتكاليف شاغلة لهم عن نيل
تلك المرتبة، ومن الظاهر ثبوت الأمر على هذه التكاليف، وأن مرتبتهم في الفضل
لا ينقص عن أولئك، فأولئك لتجرد نفوسهم بالرهبانية التي كانوا عليها، والسياحة
والتخلي عن الدنيا بكليتها نالوا تلك المرتبة.

(1) الكافي ج 5 ص 71 ح 3، الوسائل ج 12 ص 12 ح 10.
16

وهؤلاء لما كلفوا بخلاف ذلك كما عرفت من الأخبار المتقدمة كان لهم الأجر
على امتثال ما كلفوا به، وإن لم يتيسر لهم الإتيان بما فعله أولئك، فكل له
الفضل بامتثال ما كلف به وأتى به، ولا دلالة في الخبر المذكور على رجحان مرتبة
أولئك بما كانوا يأتون به من المشي على الماء، وأنهم أفضل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وإنما تضمن العذر لهؤلاء بهذه التكليفات التي تكون عائقة من الاتيان بذلك،
ومرجعه إلى ما ذكرناه من أنهم في الفضل والقرب منه سبحانه متحدون.
وإنما الاختلاف في الاتيان بذلك وعدمه من جهة التكاليف المقتضية لذلك
وعدمه، لا من جهة علو المرتبة في أحدهما دون الآخر.
تتمة:
إعلم أنهم قالوا: إن النكاح إنما يوصف بالاستحباب بالنظر إليه في حد
ذاته يعني مع قطع النظر عن اللواحق المتعلقة به، وإلا فإنه ينقسم إلى الأقسام
الخمسة.
فقد يكون واجبا كما إذا خيف الوقوع في الزنا مع عدمه، ولو أمكن
التسري كان واجبا مخيرا، وقد يكون حراما كما إذا أفضى الإتيان به إلى ترك
واجب كالحج والزكاة، وإذا استلزم الزيادة على الأربع، ويكره عند عدم توقان
النفس إليه مع عدم الطول، على قول، والزيادة على الواحدة، عند الشيخ (قده).
وقد يستحب كنكاح القريبة، على قول، للجمع بين صلة الرحم وفضيلة
النكاح، واختاره الشهيد في قواعده، وقيل: البعيدة، لقوله (1) صلى الله عليه وآله وسلم " لا تنكحوا
القرابة القريبة، فإن الولد يخلق ضاويا " أي نحيفا وهو اختيار العلامة في التذكرة
وعلل بنقصان الشهوة مع القرابة.

1) النهاية الأثيرية ج 3 ص 106.
17

أقول: الظاهر أن الخبر المذكور عامي حيث لم ينقل في كتب أخبارنا
وقد ذكره ابن الأثير في نهايته والظاهر أن القول المذكور للعامة تبعهم فيه
العلامة في التذكرة، واستدل عليه بما استدلوا به.
وأما المباح فهو ما عدا ذلك، وابن حمزة فرض الإباحة أيضا لمن يشتهي
النكاح ولا يقدر عليه أو بالعكس، وجعله مستحبا لمن جمع الوجهين، ومكروها
لمن فقدهما.
أقول: لا يخفى أن الأحكام الشرعية يتوقف ثبوتها على الدليل الشرعي المنحصر
عند بعض في الكتاب والسنة، وعند بعض فيهما، على زيادة الاجماع ودليل العقل،
وإثباتها بمجرد التخيلات العقلية، والتعليلات الوهمية، مما منعت عنه الأخبار
المعصومية.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في المباحث الآتية جملة من المواضع التي يحرم
فيها النكاح، ويكره بالأدلة الشرعية، لكن ذلك من حيث المنكوحة، لا من
حيث النكاح.
الثالثة: لا إشكال ولا خلاف في أن لفظ النكاح قد يطلق ويراد به الوطئ،
وقد يطلق ويراد به العقد خاصة في كل من عرفي الشرع واللغة، وظاهر كلام
الجوهري أن استعماله في الوطئ أكثر، حيث قال: النكاح الوطئ، وقد يقال:
العقد، وإنما الكلام في أنه هل هو مشترك بينهما، أو أنه حقيقة في أحدهما
ومجاز في الآخر، وعلى تقدير الثاني فهل هو حقيقة في الوطئ، مجاز في العقد
أو بالعكس؟ إشكال.
ورجح الأول بالنظر إلى استعماله فيهما. والأصل في الاستعمال الحقيقة.
ورجح الثاني بأن المجاز خير من الاشتراك عند التعارض.
ورجح الأول من الثاني لثبوته لغة بكثرة، كما يفهم من عبارة الصحاح،
فيكون حقيقة فيه، والأصل عدم النقل.
18

ورجح الثاني بالتبادر وصحة السلب، وهذا القول مختار السيد السند في
شرح النافع، حيث قال: والظاهر أنه حقيقة في العقد، مجاز في الوطئ، للتبادر
وصحة السلب في قولهم هذا سفاح، وليس بنكاح، ثم نقل القول بالعكس، ورده
بأن الأصل يخرج عنه بالدليل، قال: وقد بيناه.
والقول بأنه حقيقة في الوطئ مجاز في العقد، منقول عن العلامة في
المختلف، مدعيا عليه الاجماع، ونقل عن الشيخ أنه نص على أن النكاح في عرف
الشرع حقيقة في العقد، مجاز في الوطئ، وتبعه ابن إدريس، وقال: إنه لا خلاف
في ذلك.
قيل: إنه لم يرد في القرآن بمعنى الوطئ، إلا في قوله عز وجل (1)
" حتى تنكح زوجا غيره " لاشتراط الوطئ في المحلل، وتنظر فيه في المسالك
بجواز إرادة العقد واستفادة الوطئ من السنة.
ثم لا يمكن دلالته على إرادة الوطئ لاحتمال الاشتراك أو كونه مجازا
في الوطئ والمجاز يفتقر في الحمل عليه إلى القرينة، وهي منتفية هنا، ومجرد
اشتراط الوطئ في المحلل شرعا لا يكفي في القرينة هنا.
أقول: لا يخفى أنه متى كان الحكم الشرعي في التحليل هو الوطئ وأنه
لا يحصل التحليل إلا به دون مجرد العقد، فلا معنى لذكره سبحانه هنا النكاح
بمعنى مجرد العقد أو الأعم، والحال أنه قاصد به بيان ذلك الحكم، ومن العلوم
أن سياق الآية إنما هو في بيان ذلك الحكم الشرعي وهو لا يحصل إلا بحمل النكاح
على الوطئ، وبه يظهر أن ما ذكره (قدس سره) من النظر لا يخلو من نظر.
وبالجملة فإن المسألة المذكورة لا يترتب عليها كثير فائدة في المقام فلا وجه
للتطويل بما وقع من النقض والإبرام.

(1) سورة البقرة - آية 230.
19

الرابعة: قد تكاثرت الأخبار بالأمر بحب النساء وأن النكاح يزيد في الرزق،
وهو مؤيد لما قدمناه في الفائدة الثانية.
فمن الأول: ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (1) في الموثق " قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: من أخلاق الأنبياء حب النساء ".
وما رواه في الكافي والفقيه عن عمر بن يزيد (2) " عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
ما أظن رجلا يزداد في الايمان خيرا إلا ازداد حبا للنساء ". وروى مثله في
الكافي بسند آخر (3) إلا أن فيه " يزداد في هذا الأمر " عوض لفظ " الايمان "،
والمراد بهذا الأمر التشيع، والقول بالإمامة، والأول يرجع إليه في الحقيقة.
وما رواه في الفقيه عن أبي العباس (4) " قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: إن
العبد كلما ازداد للنساء حبا ازداد في الايمان فضلا ". وما رواه في الكافي والفقيه
عن معمر بن خلاد (5) " قال: سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: ثلاث من
سنن المرسلين. العطر وإحفاء الشعر وكثرة الطروقة ".
وعن غير واحد (6) " عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: جعل
قرة عيني في الصلاة، ولذتي في النساء ".
وعن جميل بن دراج (7) " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما تلذذ الناس في
الدنيا والآخرة بلذة أكثر لهم لذة من النساء، وهو قول الله عز وجل (8) " زين
للناس حب الشهوات من النساء والبنين " إلى آخر الآية، ثم قال: وإن أهل الجنة

(1) الكافي ج 5 ص 320 ح 1 و 2 و ص 321 ح 5، واخرج الثاني في الفقيه ج 3 ص 242 ح 1151.
(2) الكافي ج 5 ص 320 ح 1 و 2 و ص 321 ح 5، واخرج الثاني في الفقيه ج 3 ص 242 ح 1151.
(3) الكافي ج 5 ص 320 ح 1 و 2 و ص 321 ح 5، واخرج الثاني في الفقيه ج 3 ص 242 ح 1151.
(4) الفقيه ج 3 ص 242 ح 1150.
(5) الكافي ج 5 ص 320 ح 3، الفقيه ج 3 ص 241 ح 2.
(6) الكافي ج 5 ص 321 ح 9 و 10.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 9 ح 2 و 1 و 3 و ص 11 ح 10 و ص 4
ح 7 و ص 10 ح 5 و 8.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 6.
(8) سورة آل عمران - آية 14.
20

ما يتلذذون بشئ من الجنة أشهى عندهم من النكاح لاطعام ولا شراب ".
أقول: في هذا الخبر رد على بعض القاصرين الزاعمين أن تلذذ أهل الجنة
بالنساء إنما هو بالتقبيل والمعانقة وأنه لا نكاح فيها.
ومما يرد قوله زيادة على الخبر المذكور وصفه عز وجل الحور العين
بالبكارة في مقام المدح لهن، ووعد المؤمنين بهن، ولولا أن المقصود جماعهم لما
كان لهذا المدح معنى بالكلية.
ومن الثاني: ما رواه في الكافي عن هشام بن سالم (1) " عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشكى إليه الحاجة، فقال: تزوج، فتزوج
فوسع عليه ".
وعن الوليد بن صبيح (2) " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من ترك التزويج مخافة
الفقر فقد أساء الظن بالله عز وجل، إن الله عز وجل يقول: إن يكونوا فقراء
يغنهم الله من فضله "، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
وجميع هذه الأخبار ظاهرة في استحباب التزويج والحث عليه لمن تاقت
نفسه أو لم تتق، بل ظاهر الأخبار الأولى، أن من لم تتق نفسه للنساء ولم يحبهن
فهو ناقص الايمان.
والتزويج حينئذ مستحب له ليحصل به تمام الايمان والفوز بعلو الشأن.
الفائدة الخامسة: فيما يحمد من صفات النساء الموجبة لحسنهن وجمالهن،
والأوصاف الموجبة لخيريتهن وشريتهن، وأن لا يقتصر في التزويج على المال والجمال
بل يكون همته الدين والولد ونحوهما مما سيأتي ذكره في الأخبار إن شاء الله تعالى.

(1) الكافي ج 5 ص 330 ح 2.
(2) الفقيه ج 3 ص 243 ح 1153.
وهما في الوسائل ج 14 ص 25 ح 1 و ص 24 ح 2.
21

فمن الأول: ما روي في الكافي عن مالك بن أشيم عن بعض رجاله (1) " عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام - ورواه في الفقيه مرسلا - قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: تزوج سمراء عيناء عجزاء مربوعة، وإن كرهتها فعلي
مهرها " والسمراء المتوسطة بين البياض والسواد، والعيناء العظيم سواد عينها مع
سعة عينها، والعجزاء العظيمة العجز، والمربوعة التي ليست طويلة ولا قصيرة.
وعن ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام (2) " قال: سمعته يقول: عليكم بذوات
الأوراك فإنهن أنجب ". والأوراك: جمع ورك بالفتح والكسر ككتف وهو
ما فوق الفخذ.
وعن محمد بن عبد الله (3) " قال: قال لي الرضا عليه السلام: إذا نكحت فانكح عجزاء ".
وروي في الفقيه مرسلا (4) " قال: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا أراد تزويج امرأة
بعث من ينظر إليها، ويقول للمبعوثة: شمي ليتها فإن طاب ليتها طاب عرفها،
وانظري إلى كعبها، فإن درم كعبها عظم كعثبها " قال: في الفقيه: الليت: صفحة
العنق، والعرف: الريح الطيبة، قال الله تعالى (5) " يدخلهم الجنة عرفها لهم "، أي
طيبها لهم... قوله: درم كعبها أي كثر لحم كعبها، ويقال امرأة درماء إذا كانت
كثيرة لحم القدم، والكعب والكعثب: الفرج.
وعن بكر بن صالح عن بعض أصحابه (6) " عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:
من سعادة الرجل أن يكشف الثوب عن امرأة بيضاء ".

(1) الكافي ج 5 ص 335 ح 2 و ص 334 ح 1 و ص 335 ح 3
والرواية الأولى في الفقيه ج 3 ص 245 ح 1162.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) الكافي ج 5 ص 335 ح 4، الفقيه ج 3 ص 245 ح 1163.
(5) سورة محمد " ص " آية 6.
(6) الكافي ج 5 ص 335 ح 7.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 35 ح 1 و 2 و 3 و ص 36 الباب 19
والباب 20 ح 1.
22

وعن أبي عبد الله عليه السلام " قال: المرأة الجميلة تقطع البلغم والمرأة السوداء
تهيج المرة السوداء " (1).
ومن الثاني: ما رواه في الكافي عن أبي حمزه (2) " قال: سمعت جابر بن عبد الله
يقول: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: خير نساءكم الولود الودود، العفيفة، العزيزة
في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع
قوله وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم تبذل (3) كتبذل الرجل،
ثم قال: (4) ألا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها،
العقيم الحقود التي لا تورع عن قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه
إذا حضر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنعت عنه كما تمنع
الصعبة عن ركوبها، لا تقبل له عذرا، ولا تغفر له ذنبا ".
وعن أبي بصير (5) " عن أبي عبد الله عليه السلام، قال. إن خير نساءكم التي إذا خلت
مع زوجها خلعت له درع الحياء، وإذا خلت مع غيره لبست معه درع الحياء "،
وبهذا المضمون أخبار عديدة.
وروي المشايخ الثلاثة رضوان الله عليهم بأسانيدهم عن الكرخي (6) " قال:

(1) الكافي ج 5 ص 336 باب نادر ح 1 و ص 324 ح 1، الوسائل ج 14 ص 37 ح 1 و ص 14 ح 2.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) قال بعض مشايخنا في حواشيه على كتب الأخبار الظاهر بالتبذل ضد التضاون
كما ذكره الجوهري، والمعنى عدم التشبث بالرجل وترك الحياء رأسا وطلب الوطئ كما
هو شأن الرجل، ويحتمل أن يكون من التبذل بمعنى ترك الزينة أي لا تترك الزينة، كما أنه
لا يستحب للرجل المبالغة فيها أو كما يفعله الرجال وإن لم يكن مستحبا لهم (منه - رحمه الله -).
(4) الكافي ج 5 ص 325 ح 1 و ص 324 ح 2.
(5) الكافي ج 5 ص 325 ح 1 و ص 324 ح 2.
(6) الكافي ج 5 ص 323 ح 3، الفقيه ج 3 ص 244 ح 2، التهذيب ج 7
ص 401 ح 10.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 18 ح 1 و ص 14 ح 3 و ص 13
الباب 6 ح 1.
23

قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج
فقال: انظر أين تضع نفسك، ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك
فإن كنت لا بد فاعلا فبكرا، تنسب إلى الخير والصلاح، وإلى حسن الخلق، واعلم
أنهن كما قال:
ألا إن النساء خلقن شتى * فمنهن الغنيمة والغرام
ومنهن الهلال إذا تجلى * لصاحبه ومنهن الظلام
فمن يظفر بصالحهن يسعد * ومن يغبن فليس له انتقام
وهن ثلاث فامرأة ولود ودود، تعين زوجها على دهره لدنياه وآخرته،
ولا تعين الدهر عليه، وامرأة عقيم لا ذات جمال ولا خلق، ولا تعين زوجها على خير
وامرأة صخابة ولاجة همازة تستقل الكثير، ولا تقبل اليسير " الصخابة: بالصاد
المهملة ثم الخاء المعجمة كثيرة الصياح والكلام، والولاجة: ضبطها بعض المحدثين
بالحاء المهملة، وفسرها بالحمالة زوجها ما لا يطيق، وضبطها بعض بالجيم قال:
أي كثيرة الدخول في الأمور التي لا ينبغي لها الدخول فيها، والهمازة: الغبا.
وروى في الكافي والفقيه (1) " قال: قام النبي صلى الله عليه وآله خطيبا فقال: أيها الناس
إياكم وخضراء الدمن، قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن (2) قال: المرأة
الحسناء في منبت السوء " قيل: الدمن: جمع الدمنة، وهي ما تلبده الإبل والغنم
بأبوالها وأبعارها في مرابضها، فربما نبت فيها النبات الحسناء القصير.
إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

(1) الكافي ج 5 ص 332 ح 4، التهذيب ج 7 ص 403 ح 17، الفقيه ج 3
ص 248 ح 8، الوسائل ج 14 ص 19 ح 7.
(2) قال في المصباح ص 272: الدمن: وزان جمل ما يتلبد من السرجين، والدمنة
موضعه... والجمع الدمن، انتهى. (منه رحمه الله).
24

ومنها يستفاد أنه يستحب أن تكون المرأة كريمة حسب ما تضمنته هذه
الأخبار والظاهر أن المراد بالحسناء في منبت السوء المنهي عنها في الخبر الأخير
هي المرأة الحسناء الغير النجيبة بأن تكون متولدة من زنا، أو يكون الزنا في
آبائها أو أمهاتها، فقد روي أن ولد الزنا لا ينجب إلى سبعة آباء، ولهذا جعل
الأصحاب (رضي الله عنهم) من المستحبات في الزوجة أن تكون كريمة الأصل
وفسروا كرم الأصل بذلك.
قال في المسالك - بعد ذكر المصنف أن من المستحبات أن تكون المرأة
كريمة الأصل - ما صورته: المراد بكرم الأصل أن لا يكون أصلها من الزنا ولا في
آبائها وأمهاتها من هي كذلك، إنتهى. وربما فسر كرم الأصل بالاسلام والايمان،
بمعنى أن لا يكون أصلها من الآباء والأمهات على الكفر.
وفيه أن تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمرأتين وكذا ابنة أبي سفيان يدفع ذلك.
ثم لا يخفى أنه على التفسير الأول فإنه يشكل أيضا بتزويجه بابنة الثاني،
فإنه لا خلاف نصا وفتوى في كونه ابن زنا وكذا حصول الزنا في آبائه أيضا،
اللهم إلا أن يخص (1) كلامه عليه السلام بالمرأة المتولدة من الزنا لا باعتبار آبائها، فإنه
بذلك يزول الاشكال كما لا يخفى.
ومن الثالث. ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (2) " قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: من تزوج امرأة يريد مالها ألجأه الله إلى ذلك المال ".
وما رواه في الكافي والفقيه عن هشام بن الحكم (3) في الصحيح " عن أبي عبد الله

(1) أقول: ويؤيده ما ذكره الصدوق - رحمه الله - في معاني الأخبار حيث قال بعد
ذكر الخبر: قال أبو عبيد: نراه أراد فساد النسب إذا خيف أن يكون لغير رشد، انتهى.
وظاهره الاختصاص بها بأن تكون مولدة من زنا (منه - رحمه الله -).
(2) الكافي ج 5 ص 333 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 333 ح 3، التهذيب ج 7 ص 403 ح 18، الفقيه ج 3
ص 248 ح 1180، وهما في الوسائل ج 14 ص 30 ح 3 و 1.
25

عليه السلام قال: إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها، وكل إلى ذلك، وإذا
تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال ".
قال في الوافي في ذيل الخبر المذكور، " وكل إلى ذلك ": أي لم يوفقه لنيل
حسنها، والتمتع من مالها أو لم يحسنها في نظره، ولم يمكنه من الانتفاع بمالها،
وفي الفقيه " لم يرزق ذلك " عوض " وكل إلى ذلك " واللفظان متقاربان.
أقول: لعل المراد والله سبحانه وقائله أعلم هو أنه إذا كان قصده من التزويج
إنما هو المال فإن الله سبحانه يكله إليه كما في الخبر الثاني أو يلجأه إليه كما
في الخبر الأول يعني يقطع عنه الرزق ويلجأه إلى ذلك المال، فربما أكله حراما
بغير إذن الزوجة، ولا رضاها كما ورد في التعريض بالمال الحرام، فإن أخذه العبد
قاصه الله به من رزقه، وحوسب به وعذب عليه، وهذا هو الظاهر من لفظ الالجاء
لا ما ذكر.
وأما بالنسبة إلى الجمال فلعل المراد به كما في الخبر الثاني أنه لا يوفق
لكون الزوجة ذات دين وتقى ونحو ذلك من الصفات المطلوبة شرعا، بل يكله
الله إلى ما طلبه وأراده من الجمال ويسلبه التوفيق في حصول الصفات الحميدة
المطلوبة شرعا.
نعم ما ذكرناه بعيد في رواية الفقيه وقوله فيها " لم يرزق ذلك " والأصح
هوما في الكافي بقرينة الحديث الأول.
ويحتمل - ولعله الأقرب - أنه إذا أراد الرجل التزويج، وكان همته
في تحصيل زوجة ذات جمال أو مال، فإنه يكله الله إلى إرادته، بمعنى أنه لا يوفق
لذلك.
وإن كان همته الدين وفق للجمال والمال، وحينئذ فالمراد بقوله في الخبر
الثاني " إذا تزوج " أي إذا أراد التزويج، وقوله في الخبر الأول، " من تزوج " يعني من
26

أراد ذلك، والتجوز في مثله بما ذكرناه غير عزيز، كقوله سبحانه (1) " إذا قمتم
إلى الصلاة " و (2) " فإذا قرأت القرآن "، ونحو ذلك، وهو معنى صحيح خال من
التكليف كما لا يخفى.
وما رواه في التهذيب عن بريد العجلي (3) في الموثق " عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما
يحب، ومن تزوجها لما لها لا يتزوجها إلا له، وكله الله إليه فعليكم بذات الدين ".
والأقرب في هذا الخبر حمل صدره على المعنى الثاني الذي ذكرناه وعجزه
على الأول.
وعن بريد " عن أبي جعفر عليه السلام قال: حدثني جابر بن عبد الله أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال: من تزوج امرأة لمالها وكله الله إليه، ومن تزوجها لجمالها رأى
فيها ما يكره، ومن تزوجها لدينها جمع الله له ذلك ".
الفائدة السادسة - في جملة من مستحبات النكاح.
منها: صلاة ركعتين والدعاء بعدها بالمأثور وهذه الصلاة عند إرادة التزويج
وقصده قبل تعيين المرأة وخطبتها فروى ثقة الاسلام عطر الله مرقده، عن أبي بصير (5)
" قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ قلت: لا أدري، قال:
إذا هم بذلك فليصل ركعتين ويحمد الله ثم يقول: اللهم إني أريد أن أتزوج
فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها، وفي مالي وأوسعهن
رزقا، وأعظمهن بركة، وقدر لي ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد
موتي ".

(1) سورة المائدة - آية 5.
(2) سورة النحل - آية 97.
(3) التهذيب ج 7 ص 399 ح 1 و 5 و ص 407 ح 1، الوسائل ج 14 ص 31 ح 4 و 5 و ص 79 ح 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 3.
27

ويستحب أيضا الدعاء بما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن أعين (1) " قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا أراد الرجل أن يتزوج المرأة فليقل: أقررت
بالميثاق الذي أخذ الله، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ".
ومنها الوليمة: فروي في الكافي عن الوشا (2) " عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:
سمعته يقول: إن النجاشي لما خطب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان
فزوجه، دعا بطعام وقال: إن من سنن المرسلين الاطعام عند التزويج.
وعن هشام بن سالم (3) في الصحيح أو الحسن " عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تزوج ميمونة بنت الحارث أولم عليها وأطعم الحيس ".
أقول: الحيس كما ذكره أهل اللغة - بالمهملتين بينهما ياء مثناة من تحت -
تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا حتى يخرج نواه وربما جعل فيه السويق.
وعن السكوني (4) " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الوليمة
أول يوم حق، وبيومين مكرمة، وثلاثة أيام رياء وسمعة ".
وعن ابن فضال (5) رفعه عن أبي جعفر عليه السلام " قال: الوليمة يوم ويومان
مكرمة وثلاثة أيام رياء وسمعة ".
وروي في التهذيب عن موسى بن بكر (6) " عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا وليمة إلا في خمس في عرس، أو خرس، أو عذار، أو وكار
أو ركاز ".
والعرس التزويج، والخرس النفاس بالولد، والعذار الختان والوكار الرجل
يشتري الدار، والركاز الرجل يقدم من مكة.

(1) الكافي ج 5 ص 501 ح 5 و ص 367 ح 1 و ص 368 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 501 ح 5 و ص 367 ح 1 و ص 368 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 501 ح 5 و ص 367 ح 1 و ص 368 ح 2.
(4) الكافي ج 5 ص 368 ح 4 و 3، والثاني في التهذيب ج 7 ص 408 ح 3 مع اختلاف يسير.
(5) الكافي ج 5 ص 368 ح 4 و 3، والثاني في التهذيب ج 7 ص 408 ح 3 مع اختلاف يسير.
(6) التهذيب ج 7 ص 409 ح 6.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 81 ح 4 و ص 64 ح 1 و ص 65 ح 3
و 4 و 2 و 5.
28

قال في المسالك: الوليمة هي الطعام المتخذ للعرس سميت بذلك لاجتماع
الزوجين، فإن أصل الوليمة اجتماع الشئ وتمامه، ومنهم من أطلقها على كل
طعام يتخذ في حادث سرور من إملاك وختان وغيرهما، وسميت بها على ذلك،
لاجتماع الناس عليها ولكن استعمالها في المعنى الأول أشهر، وعليه فإطلاقها
على غيره يحتاج إلى قيد كباقي استعمال المجازات، فيقال: وليمة الختان،
ووليمة البناء وغيرهما، وحيث تطلق فهي محمولة على وليمة العرس، إنتهى.
أقول: المفهوم من كلام أهل اللغة أن الوليمة لا تخصيص ولا ترجيح لها
بما يتخذ في العرس بل استعمالها في العرس كاستعمالها في غيره.
قال في كتاب المصباح المنير: الوليمة اسم لكل طعام لجمع، وقال ابن
فارس: هي طعام العرس، وظاهره كما ترى أن المشهور في معنى الوليمة هذا
المعنى الأول.
وقال في القاموس: والوليمة طعام العرس أو كل طعام يصنع لدعوة وغيرهما، وظاهره
الترديد بين المعنيين المذكورين من غير ترجيح.
ويؤيد ما قلناه أيضا رواية ابن بكر المتقدمة، فإن الظاهر من حصر الوليمة
في الخمس المذكورة إنما هو باعتبار الاستحباب بمعني أنه لا يستحب الوليمة إلا
في هذه المواضع الخمسة فصدق الوليمة على كل طعام يتخذ لجمع ثابت، ولكن
الاستحباب شرعا مخصوص بهذه المواضع، وهو ظاهر فيما ذكره أهل اللغة من
إطلاق الوليمة على كل طعام يتخذ لجمع، كما ذكره في المصباح.
وبذلك يظهر لك ما في قوله " وحيث تطلق فهي محمولة على وليمة العرس "،
بل مقتضى ما ذكرنا أنه لا بد في انصراف هذا اللفظ إلى معنى من هذه المعاني من
القرينة.
وقال في المسالك أيضا: ويقال للطعام المتخذ عند الولادة الخرس والخرسة
وعند الختان العذرة والأعذار، وعند إحداث البناء الوكيرة، وعند قدوم الغائب
29

النقيعة، وللذبح يوم سابع المولود العقيقة، وعند حذاق الصبي الحذاق، وهو بفتح
أوله وكسره تعليم الصبي القرآن أو العلم.
أقول: والذي تضمنه حديث موسى ابن بكر المتقدم أن الخرس النفاس
بالولد، والعذار الختان، والوكار الرجل يشتري الدار (1) ولعل الجمع بين ما ذكر
في الرواية وما ذكره هنا هو أن الأصل ما ذكره في الرواية من إطلاق هذه الأسماء
على هذه المسميات فيها، وإن أطلق على الطعام المتخذ في كل منها تسمية له باسم
سببه.
ثم إن الأصحاب قد ذكروا هنا أمورا وهو أنه لا تقدير للوليمة بل المعتبر
مسماها، وكلما كثرت كان أفضل.
أقول: لا يخفى أن ما ذكروه هو مقتضى إطلاق الأخبار المتقدمة، فإنها
أعم من القليل والكثير، وقد تقدم في حديث هشام أنه صلى الله عليه وآله وسلم أولم على ميمونة
بالحيس.
وروي في كتاب مجمع البيان (2) عن أنس " أنه صلى الله عليه وآله وسلم أو لم على زينت بنت جحش
بتمر وسويق وذبح شاة قال: وبعث إليه " أي أم سليم " بحيس في قعب ثور من
حجارة فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ادعو الصحابة إلى الطعام فدعوتهم فجعل القوم

(1) قال في المصباح: والخرس وزان قفل طعام يصنع للولادة. وقال أيضا: وعذرت
الغلام والجارية عذرا من باب ضرب ختنته وأعذرته بالألف لغة. وفي القاموس: والغلام
ختنته كعذره ويعذره، وللقوم عمل طعام الختان والضيف، وهو ظاهر فيما ذكرنا من الاطلاق
على كل من الأمرين، والوكيرة بالراء المهملة. قال في المصباح: طعام البناء. وقال في
القاموس: والوكيرة طعام يعمل لفراغ البنيان، والذي في الخبر إنما هو اشتراء الدار،
يعني أن الطعام المسمى بهذا الاسم إنما يعمل في شراء الدار وبنيانها، وكلام أهل اللغة
كما ترى بخلافه، وقال في المصباح: والنقيعة طعام يتخذ للقادم من السفر، وقد أطلقت
النقيعة أيضا على ما يصنع عند الاملاك، وأما ما في الخبر من أن الطعام للقادم من مكة يسمى
الركاز فلم أقف عليه في كلام أهل اللغة ولا غيرهم والله العالم. (منه - رحمه الله -).
(2) مجمع البيان ج 4 ص 361 ط صيدا.
30

يجيئون ويأكلون ويخرجون، قلت: يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحدا
أدعوه، فقال ارفعوا طعامكم " الحديث.
وهذه الرواية وإن كان الظاهر أنها عامية إلا أنها ظاهرة في الكثير.
ومن ذلك ما رواه في الكافي (1) " عن بعض أصحابهم عليهم السلام قال: أولم أبو الحسن
موسى عليه السلام وليمة عن بعض ولده، فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيام الفالوذجات في
الجفان في المساجد والأزقة، فعابه بعض أهل المدينة فبلغه ذلك، فقال: ما أتى
الله نبيا من الأنبياء شيئا إلا وقد أتي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم مثله، وزاده ما لم يؤتهم قال
لسليمان: هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب، وقال لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: ما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ".
قالوا: وقتها يعني في العرس عند الزفاف، وأقله مسماها، وأكثره يوم أو
يومان وتكره الزيادة.
أقول: أما ما ذكروه من أن وقتها عند الزفاف فإن فيه أن ظاهر خبر وليمة
النجاشي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتقدم أن الوليمة إنما كانت عند العقد، حيث إنه
صلى الله عليه وآله وسلم جعل النجاشي وكيلا عنه في تزويجه بها، والدخول بها إنما وقع في
المدينة.
وظاهر خبر وليمة زينب بنت جحش إنما هو بعد الدخول بها كما يدل
عليه تتمة حديث أنس المتقدم، حيث قال: بعد ذكر ما قدمناه " فرفعوا وخرج
القوم، وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت، فأطالوا المكث فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقمت معه لكي يخرجوا، فمشى حتى بلغ حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا
فرجع ورجعت معه فإذا هم جلوس في مكانهم فنزلت الآية " يا أيها الذين آمنوا
لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم، الآية ".

(1) الكافي ج 6 ص 281 ح 1، الوسائل ج 16 ص 549 ح 2.
31

وفي تفسير علي بن إبراهيم (1) بعد ذكر الآية قال: فإنه لما تزوج رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم بزينب بنت جحش وكان يحبها فأولم ودعا أصحابه فكان أصحابه إذا
أكلوا يحبون أن يتحدثوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يحب أن يخلو مع
زينب فأنزل الله عز وجل (2) " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا
أن يؤذن لكم " الآية، وموضع الاستدلال في الآية قوله سبحانه (3) " فإذا طعمتم
فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم " الآية
فأمرهم عز وجل بالخروج بعد الأكل وعدم الجلوس، ليخلو (صلوات الله عليه)
بزوجته، وهو ظاهر في أنه بعد الدخول بها لا وقت الزفاف، وأيضا فإن ظاهر
الخبر الدال على كونها يوما أو يومين ظاهر في خلاف ما ذكروه فإنه محتمل
في كون ذلك قبل الدخول وبعده.
وأما الحكم الثاني فقد عرفت الكلام فيه، ودلالة الأخبار على كراهة
ما زاد على اليومين.
بقي الاشكال من وجه آخر وهو أن ظاهر الخبرين المتقدمين أن الوليمة
مطلقا مكروهة فيما زاد على اليومين، وليس فيهما تقييد بالنكاح ولا غيره، وظاهر
خبر وليمة الكاظم عليه السلام " وأنه ثلاثة أيام " عدم الكراهة وهو أيضا مطلق.
ويمكن الجمع بحمل الأوليين على العرس، والأخير على غيره، وأما حمله
على الجواز وإن كان مكروها لأنهم عليهم السلام كثيرا ما يفعلون المكروهات لبيان الجواز
فلا يخلو من بعد.
ومنها - قالوا: ويستحب دعاء المؤمنين لأنهم أفضل وأولى بالمودة وأقرب
إلى إجابة الدعاء، ويستحب لهم الإجابة، ولبعض العامة قول بالوجوب لخبر
ينقلونه، وإن لم يمكن التخصيص بالمؤمنين فلا بأس بإدخال غيرهم معهم لحصول

(1) تفسير علي بن إبراهيم ج 2 ص 195 ط النجف الأشرف.
(2) سورة الأحزاب - آية 53.
(3) سورة الأحزاب - آية 53.
32

الغرض بهم، وأن يعم صاحب الدعوة بها الفقراء والأغنياء، ولا سيما عشيرته وجيرانه
وأهل حرفته فلو خص بها الأغنياء لم يرجح الإجابة ".
ويستحب أن يخص المدعو بالدعوة أو مع جماعة معينين، فأما لو دعا عاما
ونادى ليحضر من يريد ونحو ذلك لم تجب الإجابة ولم يستحب لأن الامتناع
والحال هذه لا يوجب الوحشة والتأذي الذين هما السبب في استحباب الإجابة.
ومنها: الاشهاد والاعلان، والمشهور بين الأصحاب استحباب الاشهاد في نكاح
الدوام وأنه سنة مؤكدة، وليس بشرط في صحة العقد، وهو مذهب جمع من علماء
العامة أيضا وذهب ابن أبي عقيل منا وجمع من العامة، والظاهر أنه المشهور عندهم
إلى أنه شرط في صحة التزويج فلا ينعقد بدونه.
ويدل على الأول أصالة العدم وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
زرارة (1) " قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود فقال:
لا بأس بتزويج البتة فيما بينه وبين الله إنما جعل الشهود في تزويج البتة من أجل
الولد ولولا ذلك لم يكن به بأس ".
والمراد بالبتة يعني الدائم، ويقال هذا اللفظ لكل أمر لا رجعة فيه، وإنما
خص عليه السلام ذلك بالدائم مع اشتراكه مع المنقطع في العلة المذكورة، لأن محل
الخلاف بين الشيعة والعامة، إنما هو في الدائم، والمنقطع باطل عند العامة،
وعند الشيعة ليس بمحل للوهم.
وما رواه في الكافي عن حفص بن البختري (2)، في الصحيح " عن أبي عبد الله
عليه السلام في الرجل يتزوج بغير بينة؟ قال: لا بأس ".
وعن هشام بن سالم (3) في الصحيح أو الحسن " عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

(1) الكافي ج 5 ص 387 ح 1، التهذيب ج 7 ص 249 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 387 ح 3 و 2.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 67 ح 3 و 4 و 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
33

إنما جعلت البينات للنسب والمواريث " قال في الكافي وفي رواية أخرى " والحدود ".
وعن محمد بن الفضيل (1) " قال: قال أبو الحسن موسى عليه السلام لأبي يوسف القاضي
إن الله تعالى أمر في كتابه بالطلاق وذكر فيه الشاهدين ولم يرض بهما إلا عدلين،
وأمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود، فأثبتم شاهدين فيما أهمل، وأبطلتم
الشاهدين فيما أكد ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن مسلم (2) في الموثق " عن أبي جعفر
عليه السلام قال: إنما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث ".
وما رواه في الفقيه عن حنان بن سدير عن مسلم بن بشير (3) " عن أبي جعفر
عليه السلام قال: سألته عن رجل تزوج امرأة ولم يشهد فقال: أما فيما بينه وبين الله
عز وجل فليس عليه شئ، ولكن إن أخذه سلطان جائر عاقبه ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن داود بن الحصين (4) " عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل منهن إذا كانت المرأة
منكرة فقال: لا بأس به (5)، ثم قال لي: ما يقول في ذلك فقهاء كم؟ قلت: يقولون:

(1) الكافي ج 5 ص 387 ح 4.
(2) التهذيب ج 7 ص 248 ح 1.
(3) الفقيه ج 3 ص 251 ح 5.
(4) التهذيب ج 6 ص 281 ح 179.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 67 ح 5 و ص 68 ح 6 و 7 و ج 18
ص 265 ح 35.
(5) أقول: لا يخفى ما في الجزء المذكور في صدر الخبر من الاشكال، فإن
السؤال المذكور في صدر الخبر إنما هو عن ثبوت الحكم بشهادة النساء في النكاح في
صورة ما لو أنكرت المرأة النكاح، فأجاب عليه السلام بأنه يثبت النكاح، بشهادتهن، ثم سأل
عليه السلام عن مذهب فقهاء العامة في ذلك فأخبره السائل بأنهم لا يجيزون شهادتهن في ذلك
بل يشترطون العدلين، والذي تضمنه انكاره عليه السلام على العامة إنما هو في عدم انعقاد
النكاح، حيث حكموا بأنه لا ينعقد إلا بشهادة عدلين لا في الاثبات، وأحدهما غير الآخر
فليتأمل (منه - رحمه الله -).
34

لا تجوز إلا شهادة رجلين عدلين فقال: كذبوا لعنهم الله، هونوا واستخفوا
بعزائم الله وفرائضه، وشددوا وعظموا ما هون الله، إن الله أمر في الطلاق بشهادة
رجلين عدلين، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد، والنكاح لم يجئ عن الله في تحريمه،
فسن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الشاهدين تأديبا ونظرا لئلا ينكر الولد والميراث
وقد ثبت عقدة النكاح، ويستحل الفرج ولا أن يشهد " الحديث.
ويدل على القول الثاني ما رواه الشيخ عن مهلب الدلال (1) " أنه كتب
إلى أبي الحسن عليه السلام إن امرأة كانت معي في الدار، ثم إنها زوجتني نفسها،
وأشهدت الله وملائكته على ذلك، ثم إن أباها زوجها من رجل آخر، فما تقول
فكتب: التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين، ولا يكون تزويج متعة
ببكر استر على نفسك واكتم رحمك الله ".
ورد هذه الرواية جمع من الأصحاب منهم السيد السند (رحمه الله) في شرح
النافع بضعف السند باشتماله على عدة من المجاهيل.
والأظهر عندي حملها على التقية لما دلت عليه الأخبار المتقدمة الدالة
على أن القول بتوقف صحة العقد على الاشهاد مذهب العامة.
والعجب هنا من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث استدل للقول المشهور
بقول الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام: " لا بأس بالتزويج بغير شهود فيما بينه وبين الله،
وإنما جعل الشهود في تزويج البتة من أجل الولد ومن أجل المواريث.
ثم استدل للقول الآخر من رواياتنا برواية المهلب الدلال، وردها بضعف
السند، ثم قال: وبالجملة فليس في الباب حديث صحيح من الجانبين، والاعتماد
على الأصل حيث لا معارض.
فإن فيه أن الروايات الدالة على القول المشهور كما عرفت متكاثرة،

(1) التهذيب ج 7 ص 255 ح 26، الوسائل ج 14 ص 459 ح 11.
35

ومنها التي أوردها، وهي الرواية الأولى وحسنها على تقدير عدها في الحسن إنما
هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا راد لروايته، وإن نظموها في سلك الحسن مع أن
الصحيح هو نظامها في الصحيح كما هو عليه جماعة من متأخري المتأخرين، ومثلها
حسنة هشام بن سالم.
وأما رواية حفص بن البختري فهي صحيحة باصطلاحهم، لأن سندها في
الكافي هكذا علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن
ابن أبي عمير عن حفص بن البختري، فقد اشتملت على سندين أحدهما حسن لا
يقصر عن الصحيح، والآخر صحيح مع تأيد ذلك بباقي الأخبار المذكورة وبه
يظهر لك ضعف ما ذكره من اعتماده على الأصل، ودعوى ضعف الأخبار من
الطرفين فإنه ناش عن عدم الرجوع إلى الأخبار المذكورة وعدم خطورها بباله
ومرورها بخياله.
وأما ما ذكروه من الاعلان زيادة على الاشهاد وهو إظهار العقد بمجمع
من الناس، فعلل بأنه أنقى للتهمة وأبعد من الخصومة.
واستدل عليه في المسالك، ومثله سبطه في شرح النافع بما روي (1) " عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يكره نكاح السر حتى يضرب بدف " ويقال: أتيناكم أتيناكم
فحيونا نحييكم نحييكم " والظاهر أن الخبر المذكور عامي لعدم وجوده في
أخبارنا فيما أعلم.
ومنها الخطبة بالضم 2) أمام العقد وأكملها - كما اشتملت عليه خطبهم

(1) المستدرك ج 2 ص 539 ب 32 ح 3 و ص 543 ب 34 ح 2.
(2) الخطبة - بضم الخاء - بمعنى الموعظة، وهي المشتملة على الحمد والشهادتين
والموعظة، والخطبة - بكسر الخاء - وهو طلب المرأة للتزويج يقال: خطب المرأة إذا
طلب أن يتزوجها فهو خاطب وخطاب مبالغة، والاسم الخطبة بالكسر، ويقال في المعنى
الأول خطبت القوم خطبة بالضم من باب قتل وهي فعلة بمعنى مفعولة مثل نسخة بمعنى منسوخة
وغرفة من الماء بمعنى مغروفة وجمعها خطب فهو خطيب والجمع الخطباء كذا في المصباح.
(منه - رحمه الله -).
36

عليهم السلام المروية عنهم بعد ضم بعضها إلى بعض - ما اشتمل على حمد الله سبحانه
والثناء عليه والشهادتين والصلاة على النبي وآله صلوات الله عليهم والوعظ من
الوصية بتقوى الله عز وجل، ثم العقد، وبذلك صرح العلامة في التذكرة على
ما نقل عنه، وفي بعض الأخبار ما يدل على الاكتفاء بالحمد، ووجه الاستحباب
التأسي بالنبي والأئمة عليهم السلام.
ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه في الكافي عن جابر (1) " عن أبي
جعفر عليه السلام قال: زوج أمير المؤمنين عليه السلام، امرأة من بني عبد المطلب كان يلي
أمرها فقال: الحمد لله العزيز الجبار الحليم الغفار الواحد القهار الكبير المتعال
سواء منكم من أسر القول ومن جهر به، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار،
وأحمده وأستعينه وأؤمن به وأتو كل عليه، وكفى بالله وكيلا، من يهدي الله فهو
المهتد ولا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد من دونه وليا مرشدا،
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل
شئ قدير، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله، بعثه بكتابه حجة على عباده،
من أطاعه أطاع الله، ومن عصاه عصى الله، صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا، إمام الهدى والنبي
المصطفى، ثم إني أوصيكم بتقوى الله، فإنها وصية الله في الماضين والغابرين،
ثم تزوج ".
وعن معاوية بن حكيم (2) قال: خطب الرضا عليه السلام بهذه الخطبة " فقال:
الحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه، وافتتح بالحمد كتابه وجعل الحمد أول
جزاء محل نعمته، وآخر دعوى أهل جنته، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده
لا شريك له، شهادة أخلصها له، وأدخرها عنده وصلى الله على محمد خاتم النبوة،
وخير البرية، وعلى آله آل الرحمة، وشجرة النعمة، ومعدن الرسالة، ومختلف

(1) الكافي ج 5 ص 370 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 373 ح 7، المستدرك ج 2 ص 543.
37

الملائكة، والحمد الله الذي كان في علمه السابق، وكتابه الناطق، وبيانه السابق،
إن أحق الأسباب بالصلة والأثرة وأولى الأمور بالرغبة، فيه سبب أوجب سببا،
وأمر أعقب غنى، فقال جل وعز (1): وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا
وصهرا وكان ربك قديرا، وقال (2): وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من
عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم.
ولو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة ولا سنة متبعة، ولا أثر
مستفيض لكان فيما جعل الله من بر القريب، وتقريب البعيد، وتأليف القلوب،
وتشبيك الحقوق، وتكثير العدد، وتوفير الولد، لنوائب الدهر، وحوادث الأمور،
ما يرغب في دونه العاقل اللبيب، ويسارع إليه الموفق المصيب، ويحرص عليه
الأديب الأريب، فأولى الناس بالله من اتبع أمره وأنفذ حكمه وأمضى قضاءه،
ورجا جزاءه، وفلان بن فلان من قد عرفتم حاله وجلاله دعاه رضا نفسه وأتاكم
إيثارا لكم واختيارا لخطبة فلانة بنت فلان كريمتكم، وبذل لها من الصداق
كذا وكذا فتلقوه بالإجابة، وأجيبوه بالرغبة واستخيروا الله في أمور كم يعزم
لكم على رشد كم إن شاء الله، نسأل الله أن يلحم ما بينكم بالبر والتقوى،
ويؤلفه بالمحبة والهوى، ويختمه بالموافقة والرضا إنه سميع الدعاء لطيف لما
يشاء ".
وعن عبد الله بن ميمون القداح (3) " عن أبي عبد الله عليه السلام إن علي بن الحسين
عليهما السلام كان يتزوج هو يتعرق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول: الحمد لله
وصلى الله على محمد وآله، ويستغفر الله عز وجل، وقد زوجناك على شرط الله
ثم قال: علي بن الحسين عليهما السلام إذا حمد الله فقد خطب ".

(1) سورة الفرقان - آية 54.
(2) سورة النور - آية 32.
(3) الكافي ج 5 ص 368 ح 2، التهذيب ج 7 ص 408 ح 2، الوسائل ج 14
ص 66 ح 2.
38

وعن عبيد بن زرارة (1) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التزويج بغير خطبة
فقال: أوليس عامة ما يتزوج فتياننا ونحن نتعرق الطعام على الخوان نقول:
يا فلان زوج فلانا فلانة، فيقول: نعم وقد فعلت ".
أقول: التعرق أكل اللحم الذي على العظم، قال في كتاب المصباح المنير:
عرقت العظم عرقا من باب قتل، أكلت ما عليه من اللحم وما اشتمل عليه هذا
الخبر من القول سؤالا وجوابا من جملة عقود النكاح، كما سيأتي إيضاحه إن شاء
الله تعالى.
قالوا: ويستحب خطبة أخرى أمام الخطبة " بالكسر " من المرأة أو وليها،
ويستحب للولي أيضا خطبة أخرى أمام الجواب.
أقول: قد روي ذلك (2) في تزويج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخديجة (رضوان الله عليها)
ومنها: أن لا يكون القمر في برج العقرب، ولا يكون في محاق الشهر وليلة
الأربعاء لما رواه الشيخ عن محمد بن حمران (3) عن أبيه " عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى ".
ورواه الصدوق عن محمد بن حمران (4) عن أبيه مثله، ثم قال " وقد روي أنه
يكره التزويج في محاق الشهر ".
وروي في كتاب عيون الأخبار عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني (5) " عن
علي بن محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام في حديث قال: من تزوج والقمر في العقرب
لم ير الحسنى، ومن تزوج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد ".

(1) الكافي ج 5 ح 368 ح 1، التهذيب ج 7 ص 408 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 374 ح 9، المستدرك ج 2 ص 540 ح 3.
(3) التهذيب ج 7 ص 407 ح 2.
(4) الفقيه ج 3 ص 250 ح 1188.
(5) العيون ج 1 ص 288 طبع طهران ح 35.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 66 ح 1 و ص 80 ب 54 ح 1 و 2 و 3.
39

والمراد بالتزويج المنهي عنه عند أكثر الأصحاب العقد بناء على أنه حقيقة
في العقد، وقد تقدم الكلام في ذلك، والأحوط الاجتناب في كلا الأمرين من العقد
والدخول، لما تقدم من الاشكال فيما ذكروه.
وينبغي أن يعلم أن المحاق اسم لليالي الثلاثة من آخر الشهر إن كان الشهر
تاما لأنه عبارة عن الليالي التي يمحق فيها ضوء القمر لطلوعه مع الشمس فتمحقه.
قال أهل اللغة: لليالي الشهر عشرة أسماء: غرر، ثم نقل: ثم تسع، ثم
عشر، ثم بيض ثم درع، ثم ظلم، ثم حنادس، ثم دادى، ثم محاق.
قال في المسالك: والمراد بالعقرب برجه، لا المنازل الأربع المنسوبة إليه
وهي الزبانا (1) والإكليل، والقلب، والشولة، وذلك لأن القمر يحل في بروج
الاثني عشر في كل شهر مرة.
وجملة المنازل التي هذه الأربع، بعضها ثمانية وعشرون مقسومة على البروج
الاثني عشر، فيختص كل برج منها منزلتان وثلث وللعقرب من هذه الأربع
ما لغيره، والذي بينه أهل هذا اللسان للعقرب من المنازل ثلثا الإكليل والقلب
وثلثا الشولة وذلك منزلتان وثلث، فأما الزبانا وثلث الإكليل فهو من برج الميزان
كما أن ثلث الشولة الأخير من برج قوس، وإطلاق العقرب محمول على برجه،
لا على هذه المنازل الأربع، فلا كراهة في منزلة الزبانا مطلقا.
وأما المنزلتان المشطرتان فإن أمكن ضبطها، وإلا فينبغي اجتناب العقد
والقمر بهما حذرا من الوقوع فيما كره منهما، إنتهى.
وروي في الكافي في الموثق عن عبيد بن زرارة وأبي العباس (2) قالا: " قال
أبو عبد الله عليه السلام: ليس للرجل أن يدخل بامرأته ليلة الأربعاء " وينبغي أن يعلم أن

(1) الزبانا يضم الزاء المعجمة ثم الباء الموحدة ثم النون على وزن كسالى، يقال
لبرج العقرب. (منه - رحمه الله -).
(2) الكافي ج 5 ص 366 ح 3، الوسائل ج 14 ص 64 ب 39.
40

من المكروه أيضا التزويج في الأيام السبعة المشهورة في الشهر، ونحوس الشهر، ففي
العشر الأولى الثالث والخامس، وفي العشر الثانية الثالث عشر والسادس عشر، وفي العشر
الثالث، الحادي والعشرون، والرابع والعشرون، والخامس والعشرون.
فقد دلت الأخبار على التحذير من العمل فيها بأي عمل كان، ولزوم الانسان
بيته، وعدم الحركة لشدة نحوستها، كما رواه السيد رضي الدين علي بن طاوس
في كتاب الدروع الواقية عن الصادق عليه السلام. والطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق (1)
عنه عليه السلام، ونحوه أيضا في كتاب زوايد الفوائد.
وأما اليوم الثالث ففي الدروع عنه عليه السلام يوم نحس مستمر فاتق فيه البيع
والشراء وطلب الحوائج والعاملة، وفي المكارم عنه عليه السلام ردي لا يصلح لشئ.
وفي الزوائد عنه عليه السلام يوم نحس قتل فيه قابيل هابيل. لا تسافر فيه ولا تعمل
عملا ولا تلق أحدا.
أما اليوم الخامس ففي الدروع عنه عليه السلام أنه يوم نحس مستمر فلا تعمل فيه
عملا ولا تخرج عن منزلك وفي المكارم عنه عليه السلام ردي نحس، وفي الزوائد عنه عليه السلام
هو يوم نحس وهو يوم نكد عسر لا خير فيه، فاستعذ بالله من شره.
وأما الثالث عشر ففي الدروع يوم نحس فاتق فيه المنازعة والخصومة وكل
أمر، وفي رواية أخرى يوم نحس لا تطلب فيه حاجة، وفي المكارم يوم نحس فاتقوا
فيه جميع الأعمال وفي الزوائد يوم نحس وهو يوم مذموم في كل حال، فاستعذ بالله
من شره.
وأما السادس عشر ففي الدروع يوم نحس لا يصلح لشئ سوى الأبنية، ومن
سافر فيه هلك، وفي المكارم ردي مذموم لكل شئ، وفي الزوائد يوم نحس ردي
مذموم لا خير فيه تسافر فيه، ولا تطلب حاجة، وتوق ما استطعت، وتعوذ بالله
من شره.

(1) المكارم ص 276 طبع النجف الأشرف.
41

وأما الحادي والعشرون ففي الدروع أنه يوم نحس ردي فلا تطلب فيه
حاجة، وفي المكارم يوم نحس مستمر، وفي الزوائد يوم نحس مذموم فاحذره، ولا
تطلب فيه حاجة، ولا تعمل عملا، وأقعد في منزلك، واستعذ بالله من شره.
وأما الرابع والعشرون ففي الدروع أنه يوم نحس ولد فيه فرعون فلا
تطلب فيه أمرا من الأمور، وفي المكارم يوم شوم، وفي الزوائد يوم نحس مستمر
مكروه لكل حال وعمل فاحذره ولا تعمل فيه عملا، ولا تلق أحدا واقعد في منزلك
واستعذ بالله من شره.
وأما الخامس والعشرون ففي الدروع يوم نحس ردي فاحفظ نفسك فيه
ولا تطلب فيه حاجة، فإنه شديد البلاء، وفي المكارم ردي مذموم تحذر فيه من
كل شئ، وفي الزوائد يوم نحس مكره ثقيل نكد فلا تطلب فيه حاجة ولا تسافر
فيه واقعد في منزلك واستعذ بالله من شره.
الفائدة السابعة: قد صرح جملة من الأصحاب (رضي الله عنهم) بأنه يجوز
للرجل النظر إلى امرأة يريد تزوجها، وإن لم يستأذنها، ويختص الجواز بوجهها
وكفيها، وله أن يكرر النظر إليها، وأن ينظرها قائمة وماشية، قالوا: وروي
جواز النظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار صلوات الله
عليهم منها: ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (1) في الصحيح أو الحسن " قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة، أينظر إليها؟ قال: نعم، إنما
يشتريها بأغلى الثمن ".
وعن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري (2) في الصحيح أو الحسن
" عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن
يتزوجها "، أقول: والمعصم كمنبر موضع السوار من اليد.

(1) الكافي ج 5 ص 365 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 30 ح 1 و 2.
(2) الكافي ج 5 ص 365 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 30 ح 1 و 2.
42

وعن الحسن بن السري (1) في الصحيح " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل
يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها؟ قال: نعم، لا بأس
بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ينظر إلى خلفها وإلى وجهها ".
وعن الحسن بن السري (2) " عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله عن الرجل ينظر إلى
المرأة قبل أن يتزوجها؟ قال: نعم فلم يعطي ماله ".
وعن عبد الله بن الفضل (3) عن أبيه عن رجل " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت
له: أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزوجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال:
لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا ".
ومنها ما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبد الله بن سنان (4) في الصحيح من
الأول " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يريد أن يتزوج المرأة فينظر إلى
شعرها؟ فقال: نعم، إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن ".
وما رواه في التهذيب عن غياث بن إبراهيم (5) " عن جعفر عن أبيه عليهما السلام في
رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها، قال: لا بأس، إنما هو مستام فإن
تقيض أمر يكون "، تقيض: أي يقدر ويسبب، بمعنى أنه إن قدره الله تعالى فإنه
يكون، ورواه الحميري في قرب الأسناد، وفيه " وإن يقض أمر يكن "،
وهو واضح.
وعن يونس بن يعقوب (6) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن الرجل يريد أن
يتزوج المرأة، فأحب أن ينظر إليها، قال: تحتجز، ثم لتقعد، وليد خل فلينظر،
قال: قلت: تقوم حتى ينظر إليها؟ قال: نعم، قلت: فتمشي بين يديه؟ قال:
ما أحب أن تفعل ".

(1) الكافي ج 5 ص 365 ح 3 و 4 و 5.
(2) الكافي ج 5 ص 365 ح 3 و 4 و 5.
(3) الكافي ج 5 ص 365 ح 3 و 4 و 5.
(4) التهذيب ج 7 ص 435 ح 1، الفقيه ج 3 ص 260 ح 24.
(5) التهذيب ج 7 ص 435 ح 2 و ص 448 ح 2.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 59 ح 3 و 4 و 5 و ص 60 ح 7 و 8 و 10.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 5.
43

وما رواه الصدوق في العلل عن يونس بن يعقوب (1) في الموثق " قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يريد أن يتزوج المرأة، يجوز له أن ينظر إليها؟ قال:
نعم، ويرقق له الثياب، لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن ".
أقول: والمفهوم من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض، أنه يجوز النظر
إلى الوجه والكفين، ظاهرا وباطنا، وإليه يشير تجويز النظر إلى معاصمها، وهو كما
عرفت موضع السوار من اليد، فإن فيه زيادة تحديد الكفين، الذين هما إلى
مفصل الزند، ولذا يجوز النظر إلى شعرها ومحاسنها. وفسرت بمواضع الزينة
منها، وهو أوسع دائرة من الوجه والكفين، وربما قيل: بتخصيصها بهما،
والظاهر الأول.
قال في كتاب مجمع البحرين: ومحاسن المرأة: المواضع الحسنة من بدنها،
وقوله التي أمر الله بسترها.
وقال في القاموس: والمحاسن: المواضع الحسنة من البدن وهو ظاهر في
المعنى الأول، وظاهر موثقة يونس بن يعقوب، وقوله " تحتجز " (2) بالزاي أخيرا أي
تتزر بإزار أنه يجوز النظر إلى ما فوق الإزار من بدنها وهي عارية، وهو أبلغ في
النظر والمعرفة، وفي رواية العلا أنها تلبس ثوبا رقيقا يرى من تحته الجسد،
ويؤيدهما إطلاق النظر في صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته.
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في مواضع: الأول: ظاهر كلام
الأصحاب، الاقتصار في النظر على الوجه والكفين، ولهذا أنهم نسبوا جواز النظر إلى
شعرها ومحسنها إلي الرواية إيذانا بالتوقف فيه.
قال: في المسالك، والذي يجوز النظر إليه اتفاقا هو الوجه والكفان، من

(1) علل الشرايع ج 2 ص 260، الوسائل ج 14 ص 61 ح 11.
(2) قال في المصباح: واحتجز الرجل بإزاره شده في وسطه وحجزة الإزار، معقده
وحجزة السراويل، مجمع شده، والجمع حجز، مثل غرفة وغرف (منه رحمه الله).
44

مفصل الزند ظهرا وبطنا، لأن المقصود يحصل بذلك فيبقى ما عداه على العموم.
ثم نقل رواية عبد الله بن الفضل الدالة على جواز النظر إلى الشعر والمحاسن،
ورواية عبد الله بن سنان الدالة على النظر إلى الشعر. ورواية غياث بن إبراهيم
الدالة على المحاسن.
وردها بضعف الأسانيد، قال: إنها من حيث السند لا تصلح حجة في جواز
ما دل الدليل على تحريمه.
وفيه: أولا: أن رواية عبد الله بن سنان، وإن كانت ضعيفة برواية الشيخ،
إلا أنها صحيحة برواية الصدوق في الفقيه، لأنه رواها عن عبد الله بن سنان وطريقه
إليه في المشيخة صحيح، كما لا يخفى على من راجعه.
وثانيا: إنا لا نراهم يقفون على هذا الاصطلاح دائما، حتى يتجه طعنه هنا
بذلك ولو اقتصروا في الأحكام الشرعية على القسم الصحيح، الذي لا يعدونه، لانسدت
عليهم طرق إثبات الأحكام، وانغلقت دونها أبواب معالم الحلال والحرام، ولذا تراهم
يرجعون إلى أمثال الأخبار، ويغمضون العين عن هذا الاصطلاح، أو يعتذرون بأعذار
واهية، لا يقبل الاصلاح، كما تقدم الكلام في ذلك في جملة من مواضع كتب العبادات.
ولهذا أن ظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع، وهو الميل إلى ما دلت
عليه هذه الأخبار، حيث قال بعد ذكر رواية عبد الله بن الفضل عن أبيه (1): وهذه
الرواية ضعيفة بالارسال، لكنها موافقة لمقتضى الأصل، وتؤيد بالروايتين
المتقدمتين، فيتجه العمل بها، وأشار بالروايتين المتقدمتين إلى حسنتي محمد بن
مسلم، وهشام بن سالم، ومن معه، ثم قال: ويعضدها أيضا صحيحة الحسن بن
السري: ثم أورد الرواية الثانية من الروايتين المتقدمين، ثم قال: ويدل على
جواز النظر صريحا ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان، ثم ساق

(1) الكافي ج 5 ص 365 ح 5، الوسائل ج 14 ص 59 ح 5.
45

الرواية، وأنت خبير بأن عده هنا رواية الحسن بن السري المذكورة في الصحيح
لا يخلو من السهو، فإن الصحيحة إنما هي الأولى منها، وأما هذه فهي ضعيفة
باصطلاحهم، لأن سندها في الكافي الحسن بن محمد عن معلى بن محمد عن بعض أصحابنا
عن أبان عن الحسن، ثم إنه لا يخفى عليك أن ما ذكره السيد المذكور، من
العذر عن العمل برواية عبد الله بن الفضل جار على ما ذكرناه في كلامنا على جده
(قدس الله روحهما)، وبما ذكرنا يظهر قوة القول بجواز النظر إلى ما زاد على
الوجه والكفين كما ذكروه، سيما روايتي يونس بن يعقوب الدالة إحداهما على
الاحتجاز، والثانية على ترقيق الثياب المؤيدتين بإطلاق حسنة محمد بن مسلم أو
صحيحته، فالقول بجواز النظر مطلقا هو الظاهر من الأخبار المذكورة، كما
لا يخفى على المتأمل المنصف.
الثاني: أنه قد صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، ومثله في الروضة،
بأنه كما يجوز النظر للرجل، كذا يجوز للمرأة قال: لاشتراكهما في المقصود،
وعندي فيه نظر، لأن الأصل في الموضعين هو التحريم، وجواز النظر للرجل قد دل
الدليل على جوازه، وعلل في الأخبار المذكورة بأنه في معنى المشتري للمرأة،
والمستام بها، ومن شأن القاصد لشراء شئ، النظر إليه ليرتفع عنه الغبن والغرر
وهذه العلة لا تجري في نظر المرأة للرجل كما لا يخفى، فقياسها على الرجل قياس
مع الفارق وحكم المنصوص وغيره غير مطابق، كما لا يخفى على الممارس الحاذق.
وبالجملة فالأصل التحريم، ولا يجوز الخروج عنه إلا بدليل واضح،
والاشتراك الذي ذكره ممنوع لما عرفت، مع أنه مع تسليمه لا يصح لأن يكون
دليلا شرعيا يخصص به الأصل المذكور.
الثالث: المفهوم من الأخبار وهو الذي صرح به الأصحاب، هو جواز النظر،
وقال في المسالك: وربما قيل: باستحبابه نظرا إلى ظاهر الأمر الذي أقل مراتبه
46

ذلك، ويمكن منع دلالته عليه لجواز إرادة الإباحة، فإنها بعض مستعملاته.
حيث لا يراد به الوجوب، كقوله تعالى (1) " وإذا حللتم فاصطادوا "، إنتهى.
أقول: ما ادعاه (قدس سره) من وجود الأمر بالنظر في الأخبار، لا أعرف له
وجها، فإن غاية ما اشتملت عليه بأجمعها هو السؤال عن النظر، والجواب بنفي
البأس، وليس في شئ منها على تعددها ما يدل على الأمر بالنظر (2) كما ادعاه،
ومقتضى ما اشتملت عليه مما ذكرناه. إنما هو الجواز كما ينادي به نفي البأس،
بمعنى أنه يباح له ذلك، ولا يكون محرما.
الرابع: قال في المسالك: إعلم أنه سيأتي جواز النظر إلى وجه المرأة
الأجنبية وكفيها في الجملة، فالواجب الاقتصار هنا على هذا القدر، بقي الفرق
بينها وبين الأجنبية وهو من وجوه:
الأول: أن جوازه في الأجنبية موضع خلاف، وهنا موضع وفاق.
الثاني: أنه في الأجنبية مشروط بعدم خوف الفتنة، وهنا لا يشترط، لأنه
يريد التزويج، اللهم إلا أن يخافها قبل وقوع العقد، وفي التذكرة أطلق الجواز
مع خوف الفتنة وبدونها، معللا بأن الغرض إرادة النكاح ومقتضاه أن ذلك،
مناف للفتنة.
الثالث: أنه في الأجنبية مقصور على أول نظرة فلا يجوز التكرار
وهنا يجوز.
الرابع: أنه في الأجنبية مكروه وهنا لا كراهة إن لم يكن مستحبا، إنتهى.

(1) سورة المائدة - آية 2.
(2) غير خفي أن رواية يونس بن يعقوب قد ورد فيها لفظ الأمر صريحا لأنه قال
في الجواب: تحتجز، ثم لتقعد فليدخل فلينظر، فكيف يقول رحمه الله ليس في شئ منها،
على تعددها ما يدل على الأمر بالنظر، لا يقال: ليس فيه أمر استحبابي، وهذا ليس كذلك،
قلنا كونه للاستحباب هنا، غير خفي على المنصف ويمكن أن يراد في الأخبار الصحيحة،
وهذه ليست كذلك وفيه بعد من العبارة. (منه - رحمه الله -).
47

أقول: لا يخفى أنه حيث لحظ (قدس سره) هنا إشكالا فيما ذهبوا إليه،
من التخصيص بالوجه والكفين، أراد التفصي في الخروج عنه، ودفعه بهذه الوجوه
التي ذكرها، وهي لا تسمن ولا تغني من جوع، كما لا يخفى على من له الانصاف
بأدنى رجوع
وذلك فإن وجه الاشكال الذي ألجأه إلى هذا المقال هو أنه إذا ثبت شرعا،
أنه يجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها، وإن لم يرد تزويجها، فأي وجه
للاقتصار عليهما في هذه المسألة، وتعليل ذلك في الأخبار، بأنه مستام، وأنه بمنزلة
المشتري لها.
وأنت خبير بأنه لا وجه للفرق بين المقامين إلا على ما اخترناه من جواز
النظر مطلقا، من غير تخصيص بما ادعوه من الوجه والكفين، إذ مع التخصيص بهما
فإنه لا وجه لهذه التعليلات المتكررة في الأخبار بأنه مستام، وأنه يريد أن
يشريها، وأنه يشتري بأغلى الثمن.
وأما الفروق التي ذكرها فإنه لا وجود لها في الأخبار، وإنما هي من
كلامهم، ونحن إنما نتكلم بناء على ما دلت عليه الأخبار.
وأما الفرق الأول - الذي ذكره من أن جواز النظر للأجنبية موضع خلاف
وهنا موضع وفاق، ففيه أن الكلام ليس مبنيا علي الخلاف هنا والوفاق، وإنما هو
مبني على دلالة الأخبار، في الأجنبية على جواز النظر للوجه والكفين، فإذا جاز
ذلك بمقتضى هذه الأخبار، فأي معنى لهذه التعليلات في هذه الأخبار المذكورة،
مع أنه جائز مطلقا.
وأما الفرق الثاني: ففيه أيضا أن رواية عبد الله بن الفضل قد قيد نفي البأس
بما لم يكن متلذذا، وبها يقيد اطلاق غيرها، وحينئذ فيستوي الأمران،
واشتراط عدم خوف الفتنة، وما نقله عن التذكرة، فهو مردود بالخبر المذكور.
48

وأما الفرق الثالث - ففيه بعد الاغماض، عن المناقشة فيما ادعاه، من عدم
جواز التكرار في الأجنبية، والاقتصار على أول نظرة، أن جواز التكرار هنا،
إنما وقع في كلامهم، وأما الروايات فهي خالية منه، وغاية ما تدل عليه، جواز
النظر بقول مطلق وهذه روايات المسألة كملا قد استوفينا ذكرها.
وأما الفرق الرابع - وهو أنه في الأجنبية مكروه فهو على إطلاقه ممنوع،
وسيأتيك تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى في موضعها، على ما يظهر لك منه حقيقة
الحال، وأما العلاوة التي ذكرها بكونه مستحبا فقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فإنه لا مخرج من هذا الاشكال المذكور، إلا على ما اخترناه من
القول بجواز النظر مطلقا هنا، وأما ما ذكروه من التخصيص في المقام فهو لازم
لهم لزوم الطرق للحمام، والله العالم.
الثالث: الشمهور بين الأصحاب (رضي الله عنهم) بل صرح في المسالك بأنه
موضع وفاق، جواز النظر إلى الأمة - التي يريد شرائها - إلى وجهها، وكفيها،
ومحاسنها، وشعرها، وإن لم يأذن له المولى صريحا، قالوا: لأن عرضها للبيع
قرينة للإذن في ذلك، وإنما الخلاف فيما زاد على ذلك من باقي جسدها عدا
العورة، فقيل: بالجواز، ونقل عن العلامة في التذكرة، أنه قطع به مستندا
إلى دعاء الحاجة إليه للتطلع إليها لئلا يكون بها عيب، فيحتاج إلى الاطلاع عليه،
وقيده في الدروس بتحليل المولى، ومعه يجوز إلى العورة أيضا.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة، ما رواه الصدوق في
الفقيه والشيخ في التهذيب عن أبي بصير (1) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يعترض الأمة ليشتريها، قال: لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها، ويمسها ما لم ينظر
إلى ما لا ينبغي النظر إليه ".

(1) التهذيب ج 7 ص 75 ح 35، الوسائل ج 13 ص 48 ب 20 ح 1.
49

وما رواه في التهذيب عن حبيب بن معلى الخثعمي (1) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
إني اعترضت جواري بالمدينة، فأمذيت، فقال: أما لمن يريد الشراء فليس به
بأس، وأما لمن لا يريد أن يشتري فإني أكرهه ".
وعن الحارث بن عمران الجعفري (2) " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا أحب للرجل
أن يقل جارية، إلا جارية يريد شراءها ".
وما رواه الحميري في كتاب قرب الأسناد عن الحسين بن علوان (3) " عن جعفر
عن أبيه عن علي عليهم السلام إنه كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها
فينظر إليها ".
قال في المسالك بعد ذكره رواية أبي بصير المذكورة، وظاهر الرواية جواز
النظر إلى ما عداه العورة كما اختاره في التذكرة، وإن لم يأذن المولى، مع احتمال
أن يريد بقوله، ما لا ينبغي له النظر إليه، ما هو أعم من العورة، ولم يتعرض
المصنف بجواز اللمس، وفي الرواية تصريح بجوازه، وهو حسن مع توقف الغرض
عليه، وإلا فتركه أحسن، إلا مع التحليل، والحكم هنا مختص بالمشتري، فلا
يجوز للأمة النظر إليه زيادة على ما يجوز للأجنبي، بخلاف الزوجة، والفرق أن
الشراء لا اختيار بها فيه بخلاف التزويج، إنتهى.
أقول: أنظر أيدك الله تعالى إلى عمله بالرواية المذكورة، إذ لم يورد سواها
مع ضعف سندها بأبي بصير، فإنه يحيى بن القاسم، بقرينة رواية علي بن أبي حمزة
عنه، مع ضعف على المذكور وضعف الراوي عن علي، وهو الجوهري، فأغمض عن

(1) التهذيب ج 7 ص 236 ح 49 و 50.
(2) التهذيب ج 7 ص 236 ح 49 و 50.
(3) قرب الإسناد ص 49.
وهذه الروايات في الوسائل ج 13 ص 47 ب 20 ح 2 و 3 و 4.
50

ذلك كله، واستند إليها (1) في المسألة، ونسي مناقشاته التي صدر عنه في غير مقام،
ورده الأخبار بضعف الاسناد ومنه ما تقدم في هذه الفائدة، ومما أوضحنا ما فيه،
وكلامه هنا مؤيد، لما أوردناه عليه ثم، وكم مثله وأمثاله، كما لا يخفى على
المتتبع البصير، والناقد الخبير.
وأما ما ذكره بقوله: والحكم هنا مختص بالمشتري إلى آخره، فلا أعرف
له وجها وجيها، لأن ظاهره جواز نظر الأمة إلى الأجنبي، وأنه يجوز نظرها
للمشتري حسبما يجوز لها في الأجنبي، من غير زيادة على ذلك، وإن جاز ذلك
في الزوجة بالنسبة إلى من يريد التزويج بها، وقد عرفت الكلام في الزوجة،
وأن ما حكم به من جواز نظرها لمن يريد التزويج بها، لا دليل عليه، بل الدليل
الواضح في خلافه، وكذلك الأمة، فإني لم أقف على دليل يدل على جواز نظرها
للأجانب من مستام: يريد شراءها أو غيره، بل مقتضى عموم الأدلة هو التحريم،
وجواز نظر المشتري لها عند إرادة شرائها بالأخبار المذكورة، لا يستلزم جواز
نظرها له، حتى أنه يتكلف للفرق بينها وبين الزوجة بما ذكره.
إذا عرفت ذلك، فالظاهر من الأخبار المذكورة بعد ضم بعضها إلى بعض،
هو ما استظهره (قدس سره) من رواية أبي بصير، وهو جواز النظر، إلى ما سوى
العورة، بحمل ما لا ينبغي النظر إليه، على العورة خاصة، ولا ينبغي هنا، بمعنى
التحريم، كما هو شايع ذايع في الأخبار، واحتمال حمله على سائر الجسد، بعد
تجويز النظر إلى المحاسن، وتجويز المس بعيد جدا وهو الظاهر أيضا من رواية

(1) فإن قيل: لعل اعتماده في ذلك إنما هو على الاتفاق على الحكم المذكور كما
ذكره، والاجماع عنده في بعض المواضع حجة شرعية، وإن خالفه في مواضع أخر كما
تقدم، قلنا فيه - مع الاغماض عن المناقشة في حجية الاجماع -: إنه قد اعتمد عليها،
واستدل بها، على ما لا اجماع فيه وهو اللمس، فإنه حكم بجوازه بها، وإن قيده بتوقف
الغرض عليه، وهو كاف في توجه الطعن إليه. (منه - رحمه الله -).
51

الخثعمي ورواية الجعفري، فإن الظاهر أيضا من اعتراض الجواري، وتقليبهن
على وجه يترتب عليه الامذاء، بحصول الشهوة، إنما يكون غالبا بمطالعة الجسد
وملامسته، وأصرح من ذلك رواية قرب الأسناد الدالة على كشف ساقيها لينظر
إليه، والله العالم.
الفائدة الثامنة: لا خلاف بين الأصحاب (رضي الله عنهم) في تحريم النظر إلى
الأجنبية، وهي من ليست بمحرم ولا زوجة ولا مملوكة، فيما عدا وجهها وكفيها
بل قال في المسالك: إنه موضع وفاق بين المسلمين، ولا فرق في التحريم بين قصد
التلذذ وعدمه، ويدل على ذلك من الأخبار، زيادة على الاجماع المذكور، ما رواه
في الكافي عن علي بن عقبة (1) عن أبيه " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: النظر
سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة ".
ورواه الصدوق في كتاب عقاب الأعمال والبرقي في المحاسن (2) وروى في
التهذيب عن أبي بريد العطار (3) عن بعض أصحابنا " قال: أبو عبد الله عليه السلام: إياكم
والنظر فإنه سهم من سهام إبليس، وقال: لا بأس بالنظر إلى ما وضعت الثياب ".
وفي هذا الخبر دلالة على جواز النظر من وراء الثياب الرقيقة التي تحكي الجسد.
وروي في الكافي عن ابن أبي نجران عمن ذكره (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ويزيد بن
حماد وغيره، عن أبي جميلة " عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: ما من أحد إلا
وهو يصيب حظا من الزنا، فزنا العينين النظر، وزنا الفم القبلة، وزنا اليدين
اللمس صدق الفرج ذلك أم كذب ".
وروى في الكافي عن سعد الإسكاف (5) عن أبي جعفر عليه السلام قال: استقبل شاب

(1) الكافي ج 5 ص 559 ح 12، الوسائل ج 14 ص 138 ح 1.
(2) المحاسن ج 1 ص 109 ح 101 طبع طهران، عقاب الأعمال ص 314.
(3) التهذيب ج 7 ص 435 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 559 ح 11 و ص 521 ح 5، الوسائل ج 14 ص 138 ح 2 و 4.
(5) الكافي ج 5 ص 559 ح 11 و ص 521 ح 5، الوسائل ج 14 ص 138 ح 2 و 4.
52

من الأنصار امرأة بالمدينة، وكان السناء يتقنعن خلف آذانهن، فنظر إليها وهي
مقبلة، فلما جازت، نظر إليها، ودخل في زقاق، قد سماه ببني فلان، فجعل
ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط، أو زجاجة، فشق وجهه، فلما مضت
المرأة، نظر فإذا الدماء تسيل على صدره وثوبه، فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ولأخبرنه قال: فأتاه فما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: ما هذا؟ فأخبره فهبط
جبرئيل عليه السلام، بهذه الآية (1) قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم
ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ".
أقول: فيه دلالة على جواز التقنع يومئذ، على الوجه المذكور، وعدم
وجوب ستر الأذن، ونحوها، وجواز النظر لذلك، وأن تحريم النظر إما مطلقا
أو بقصد التلذذ، أو خوف الفتنة، إنما نزل على أثر هذه الواقعة، إلى غير ذلك من
الأخبار الكثيرة التي لا ضرورة إلى ذكرها، مع الاتفاق على الحكم المذكور.
وأما الوجه والكفان فإنه لا خلاف أيضا بينهم في تحريم النظر إليهما، مع
قصد التلذذ أو خوف الفتنة، وأما مع عدم الأمرين المذكورين، فقد اختلف
الأصحاب في ذلك، فقيل بالجواز مطلقا، وإن كان على كراهية، ونقل عن الشيخ
(رحمه الله)، لقوله تعالى (2) " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " وهو مفسر بالوجه
والكفين، وإن ذلك مما يعم به البلوي، ولاطباق الناس في كل عصر، على خروج
النساء على وجه، يحصل منه بدو ذلك: من غير نكير.
أقول: ويدل على هذا القول ما رواه في الكافي عن مروك بن عبيد (3) عن بعض
أصحابنا " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما يحل للرجل أن يرى من المرأة
إذا لم يكن محرما؟ قال: الوجه والكفان والقدمان "، وهي صريحة في المراد،
وقد تضمنت زيادة القدمين، مع أن ظاهر كلامهم، تخصيص الاستثناء بالوجه

(1) سورة النور - آية 30 و 31.
(2) سورة النور - آية 30 و 31.
(3) الكافي ج 5 ص 521 ح 2، الوسائل ج 14 ص 146 ح 2.
53

والكفين، كما هو ظاهر المحقق في الشرايع، والشارح في المسالك، والسيد السند
في شرح النافع، حيث اقتصروا في الاستثناء على هذين الاثنين، وظاهره عدم
جواز النظر إلى القدمين، ولرواية كما ترى صريحة في استثنائه أيضا ويؤيده ما
صرحوا به في كتاب الصلاة حيث إن المشهور بينهم، أن بدن المرأة كله عورة
ما خلا الوجه والكفين والقدمين، فلم يوجبوا ستره في الصلاة، وهو أظهر ظاهر في
تجويزهم النظر إلى هذه الثلاثة المذكورة.
ومن العجب أن السيد السند في شرح النافع، نقل مرسلة مروك المذكورة،
عارية عن ذكر القدمين.
وما رواه في الكافي عن زرارة (1) " عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى (2)
" إلا ما ظهر منها " قال: الزينة الظاهرة، الكحل والخاتم " (3).
وعن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن قول الله عز وجل " ولا
يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " قال: الخاتم المسكة وهي القلب ".
أقول: والقلب: بالضم، السوار.
وما رواه في الكافي عن الفضيل بن يسار (5) في الصحيح " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الذراعين من المرأة، أهما من الزينة التي قال الله تبارك وتعالى " ولا يبدين
زينتهن إلا لبعولتهن "؟ قال: نعم، وما دون الخمار من الزينة، وما دون السوارين "
قوله عليه السلام: " وما دون الخمار " أي ما يستره الخمار، من الرأس والرقبة، فهو من

(1) الكافي ج 5 ص 521 ح 3، الوسائل ج 14 ص 146 ح 3.
(2) سورة النور - آية 31.
(3) وفي هذا الخبر إشارة إلى الرد على بعض الفضلاء المعاصرين، في بطلان
الوضوء بالكحل في العينين، فإنه أوجب إزالته في كل وضوء أو المنع من الاكتحال بالكلية
وعلى هذا لم تحصل الزينة في جميع الأوقات، وهو خلاف الأخبار. (منه - رحمه الله -).
(4) الكافي ج 5 ص 521 ح 4 و ص 520 ح 1، الوسائل ج 14 ص 146 ح 4 و ص 145 ح 1.
(5) الكافي ج 5 ص 521 ح 4 و ص 520 ح 1، الوسائل ج 14 ص 146 ح 4 و ص 145 ح 1.
54

الزينة، وما خرج عن الخمار من الوجه، فليس منها، " وما دون السوارين " يعني
من اليدين، وهو ما عدا الكفين، وكأن " دون " هنا في قوله " دون الخمار " بمعنى
تحت الخمار، ودون السوار بمعنى تحت السوار، يعني الجهة المقابلة للعلو، فإن
الكفين أسفل، بالنسبة إلى ما فوق السوارين من اليدين.
وفي تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم قال: وفي رواية أبي الجارود (1) عن
أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " فهي الثياب والكحل
والخاتم وخضاب الكف والسوار ". والزينة ثلاثة: زينة للناس، وزينة للمحرم
وزينة للزوج، فأما زينة الناس، فقد ذكرناه، وأما زينة المحرم، فموضع
القلادة فما فوقها، والدملج وما دونه، والخلخال وما سفل منه، وأما زينة
الزوج فالجسد كله.
وفي هذه الأخبار دلالة ظاهرة على استثناء الوجه والكفين.
ومما يدل على الوجه بخصوصه، ما رواه في الكافي عن جابر (2) " عن أبي جعفر عليه السلام
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد فاطمة عليها السلام وأنا
معه فلما انتهينا إلى الباب، وضع يده عليه فدفعه، ثم قال: السلام عليكم، فقالت
فاطمة عليها السلام: السلام عليك يا رسول الله، قال: أدخل؟ قالت: أدخل يا رسول الله،
قال أدخل أنا ومن معي فقالت: يا رسول الله، ليس علي قناع فقال: يا فاطمة خذي
فضل ملحفتك، فقنعي به رأسك، إلى أن قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله ودخلت فإذا
وجه فاطمة عليها السلام أصفر كأنه بطن جرادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما لي أرى وجهك
أصفر قالت: يا رسول الله الجوع، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم مشبع الجوعة، ودافع
الضيقة، أشبع فاطمة، بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال جابر: فوالله لنظرت الدم ينحدر من
قصاصها، حتى صار وجهها أحمر، فما جاعت بعد اليوم ".

(1) تفسير علي بن إبراهيم ج 2 ص 101، المستدرك ج 2 ص 555 ب 84 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 528 ح 5، الوسائل ج 14 ص 158 ح 3.
55

وأنت خبير بأن ما قدمنا ذكره عن أصحاب هذا القول من الكراهة على
تقدير الجواز لا إشارة فيه في هذه الأخبار، فضلا عن الدلالة عليه، والظاهر أنهم
استندوا فيه إلى خوف الفتنة، وهو أمر آخر كما لا يخفى.
وقيل: بالتحريم مطلقا ونقل عن العلامة في التذكرة، لعموم قوله تعالى (1)
" ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن " الآية، ولاتفاق المسلمين على منع النساء، أن
يخرجن مسافرات، ولو حل النظر لنزلن منزلة الرجال، ولأن النظر إليهن مظنة
الفتنة وهي الشهوة، فالأليق بمحاسن الشرع حسم الباب، لأن " الخثعمية (2) أتت
رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع تستفتيه، وكان الفضل بن العباس رديف، رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه وصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وجه الفضل عنها،
وقال: رجل شاب، وامرأة شابة، فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان. "
وأورد على هذه الأدلة، أن النهي مختص بما عدا محل البحث، لقوله عز وجل
" إلا ما ظهر منها "، ودعوى اتفاق المسلمين عليه معارض بمثله، كما تقدم في أدلة
القول الأول ولو ثبت لم يلزم منه تحريم، لجواز استناده إلى المروة والغيرة، بل هو
الأظهر، أو على وجه الأفضلية، وحديث الخثعمية بالدلالة على القول الأول أنسب،
وإليه أقرب، لدلالته على جواز كشف الوجه يومئذ، وعدم تحريم النظر، وصرفه
صلى الله عليه وآله وسلم وجه الفضل بن العباس، إنما وقع لأمر آخر، كما علله به من خوف الفتنة
ولا كلام فيه، كما عرفت لا من حيث حرمة النظر، ولو كان النظر محرما، لنهي
عنه صلى الله عليه وآله وسلم من أول الأمر، لوجوب النهي عن المنكر.
أقول: أنت خبير، بأنهم في هذا المقام لم يلموا بشئ من الأخبار، ولم
يطلعوا عليها بالكلية، وإلا فهي الأولى بالاعتبار والاستدلال في الإيراد والاصدار
ومن تأمل فيما قدمناه من الأخبار ونحوها غيرها لم يختلجه شك في ضعف القول

(1) سورة النور - آية 30.
(2) المسالك ج 1 ص 436، المستدرك ج 2 554 مع اختلاف التعبير.
56

المذكور، وضعف ما بني عليه، من التعليلات العليلة.
وقيل: بجواز النظر على كراهية مرة لا أزيد، وهو اختيار المحقق، والعلامة
في أكثر كتبه.
ووجه الجواز ما تقدم في دليل القول الأول من الأدلة، التي قدمنا نقلها
عنهم، والوجه في تحريم الزائد عن المرة، أن المعاودة ودوام النظر، مظنة الفتنة،
لأن شأنه أن يحدث عنه الميل القبلي، ويترتب عليه الفتنة، كما اتفق للفضل بن
العباس.
وأنت خبير بما فيه، أما أولا - فإن قد تقدم، أنه لا خلاف في التحريم في
مقام الريبة، وخوف الفتنة، وإنما محل البحث مع عدم شئ من ذلك، فالتعلق
بذلك، خروج عن محل المسألة، ومقام البحث، وكون المعاودة، مضنة للفتنة،
لا يوجب التحريم، إلا مع حصول الفتنة بالفعل، لا مجرد إمكان ترتب الفتنة وظنها
إذ قد لا تحصل بالكلية.
وأما ثانيا - فإن ظاهر الأخبار التي قدمناها، دالة على الجواز، وهو جواز
النظر مطلقا، ولا سيما خبر نظر جابر بن عبد الله، لوجه فاطمة صلوات الله عليها،
فهذا القول في الضعف كسابقه.
نعم هنا جملة من الأخبار، دلت على الإباحة مرة، وتحريم المعاودة،
بالنسبة إلى ما عدا هذه المواضع الثلاثة من ساير الجسد.
فروي الصدوق عن ابن عمير عن الكاهلي (1) " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: النظرة
بعد النظرة، تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة ".
وعن السكوني (2) " عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام " قال: لا بأس - إلى أن
قال: - وقال عليه السلام: أول نظرة لك، والثانية عليك لا لك، والثالث فيها الهلاك،

(1) الوسائل ج 14 ص 139 ح 6 و 7، الخصال ج 2 ص 632.
(2) الوسائل ج 14 ص 139 ح 6 و 7، الخصال ج 2 ص 632.
57

" قال: وقال الصادق عليه السلام (1): من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء، أو غض
بصره، لم يرتد إليه بصره، حتى يزوجه الله، من الحور العين "، قال: وفي خبر (2)
" حتى يعقبه الله إيمانا، يجد طعمه ".
وروى في كتاب عيون الأخبار (3) عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث " قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تتبع النظرة النظرة، فليس لك يا علي، إلا أول النظرة ".
وفي حديث الأربعمائة المروي في كتاب الخصال (4) " عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:
لكم أول نظرة إلى المرأة. فلا تتبعوها نظرة أخرى، وأحذروا الفتنة ".
والظاهر أن المراد بالنظرة، التي لا يترتب عليها عقاب ولا ذم، هي ما حصلت
له على جهة الاتفاق، فلو أتبعها بنظرة ثانية، ترتب عليه الذم والإثم، والظاهر أن
المراد بالنظرة الثانية، هو الاستمرار على النظرة، والمداومة بعد النظرة الأولى،
التي حصلت اتفاقا، وكذا الثالثة، وهي طول النظر، زيادة على ذلك، واحتمال
صرفه بصره، ثم عوده يمكن أيضا.
وهذه الأخبار، وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى الجسد وإلى تلك المواضع
الثلاثة المتقدمة، إلا أن تلك المواضع، قد خرجت بالأخبار المتقدمة، فوجب
تخصيص إطلاق هذه الأخبار بها.
تنبيهات:
الأول: المشهور بين الأصحاب جواز النظر، إلى نساء أهل الذمة وشعورهن،
وهو قول الشيخين في المقنعة والنهاية، ما لم يكن ذلك على وجه التلذذ، قال في
النهاية: لا بأس بالنظر إلى نساء أهل الكتاب وشعورهن، لأنهن بمنزلة الإماء، إذا لم
يكن النظر لريبة أو تلذذ، وأما إذا كان كذلك. فلا يجوز النظر إليهن على حال

(1) الوسائل ج 14 ص 139 ح 9 و ص 140 ح 10 و 11 و ص 141 ح 15، الخصال ج 2 ص 632.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
58

وقال في المقنعة: لا بأس النظر إلى نساء أهل الكتاب، وشعورهن لأنهن
بمنزلة الإماء، ولا يجوز النظر إلى ذلك منهن لريبة.
وعلى هذا القول عمل الأصحاب، ما عدا ابن إدريس، وتبعه العلامة في
المختلف، وأما في باقي كتبه فهو مطابق لمذهب الأصحاب
قال ابن إدريس: الذي يقوي في نفسي ترك هذه الرواية، والعدول عنها،
والتمسك بقوله تعالى (1) " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " وقوله (2) " لا تمدن
عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم " والشيخ أوردها في نهايته على جهة الإيراد لا
الاعتقاد، إنتهى.
أقول: والذي وقفت عليه، من الأخبار الواردة في هذا المقام، ما رواه في
الكافي عن السكوني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا حرمة لنساء
أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن " وما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد عن أبي البختري (4) " عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام: قال
لا بأس بالنظر إلى رؤوس النساء من أهل الذمة، وقال: ينزل المسلمون علي أهل
الذمة في أسفارهم وحاجاتهم، ولا ينزل المسلم على المسلم إلا بإذنه ".
ويعضده ما رواه، في الكافي عن عباد بن صهيب (5) " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل التهامة، والأعراب، وأهل السواد
والعلوج، لأنهم إذا نهوا لا ينتهون، قال: والمجنونة والمغلوبة على عقلها، ولا

(1) سورة النور - آية 30.
(2) سورة الحجر - آية 88.
(3) الكافي ج 5 ص 524 ح 1.
(4) قرب الإسناد ص 62.
(5) الكافي ج 5 ص 524 ح 1.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 149 ح 1 و 2 و ص 149 ب 113 ح 1.
59

بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها، ما لم يتعمد ذلك " ورواه في الفقيه إلا أنه قال:
وأهل البوادي من أهل الذمة، مكان أهل السواد والعلوج.
قوله عليه السلام " ما لم يتعمد ذلك " يعني على وجه التلذذ به، والميل إليه، وجملة
من أصحابنا المتأخرين، ومنهم صاحب المسالك وغيره، قد جروا على القول
المشهور، واستدلوا بهذه الأخبار، مع ما هي عليه من الضعف، باصطلاحهم،
وغمضوا العين، لانسداد طريق العذر عليهم، وكل ذلك ناش من ضيق الخناق
في هذا الاصطلاح، الذي هو إلى الفساد، أقرب منه إلى الإصلاح.
ثم إن الظاهر من رواية عباد بن صهيب، هو تعليل الجواز، بعدم امتثالهم
النهي، إذا نهوا عن ذلك، والشيخان وتبعهما جملة من المتأخرين، عللوا ذلك بأنهن
بمنزلة الإماء.
ووجهه في المسالك حيث إن المصنف ممن علل بذلك، قال: إنما كن
بمنزلة الإماء، لأن أهل الذمة في الأصل للمسلمين، وإنما حرمهن التزام
الرجال، بشرائط الذمة، فتبعهم النساء، فكان تحريمهن عارضيا، والإماء كذلك
وإنما حرمهن ملك المسلمين لهن، إنتهى، ولا يخفى ما فيه.
نعم ربما كان بناء هم في ذلك، على ما رواه أبو بصير (1) عن أبي جعفر عليه السلام قال
" إن أهل الكتاب مماليك للإمام " وحينئذ فيكون نسائهم بمنزلة الإماء
في الجملة.
وأما ما ذهب إليه ابن إدريس، فهو جيد على أصله الغير الأصيل، ومذهبه
الذي خالف فيه العلماء، جيلا بعد جيل، والآية التي استند إليها مخصصة بالأخبار
في هذا الموضع، وغيره من المواضع المتقدمة، كمسألة النظر إلى من يريد تزويجها
أو شرائها، ومسألة النظر إلى الوجه واليدين.

(1) الكافي ج 5 ص 358 ح 11، وفي التهذيب عن زرارة برواية أخرى ج 7
ص 478 ح 126، الوسائل ج 14 ص 420 ب 8 ح 1 و ج 15 ص 477 ح 1.
60

الثاني: لا خلاف في أنه يجوز نظر الرجل إلى مثله، ما خلا العورة، والمرأة
إلى مثلها كذلك، والرجل إلى محارمه ما عدا العورة كل ذلك مقيد بعدم التلذذ
والريبة إلا في الزوجين.
قال في المسالك: ولا فرق في ذلك بين الحسن، والقبيح، لعموم، ولا بين
الأمرد وغيره عندنا، وإلا لأمر الشارع الأمرد بالحجاب، ثم لو خاف الفتنة بالنظر
إليه أو تلذذ به، فلا إشكال في التحريم كغيره.
وقد روي أن وفدا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وفيهم غلام حسن الوجه،
فأجلسه من ورائه، وكان ذلك بمرأى من الحاضرين، ولم يأمره بالاحتجاب عن
الناس فدل على أنه لا يحرم، وإجلاسه وراءه تنزها منه صلى الله عليه وآله وتعففا.
ومما يدل على وجوب ستر العورة، في هذه الموضع فيما عدا الزوجين.
ما رواه في الكافي عن أبي عمر والزبيري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال فيه
" فقال تبارك وتعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم فنهاهم
أن ينظروا إلى عوراتهم وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه، ويحفظ فرجه أن ينظر
إليه، وقال " وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن " من أن
تنظر إحداهن إلى فرخ أختها، وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها، وقال: كل شئ
في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا في هذه الآية، فإنها من النظر ".
وينبغي أن يعلم أن المملوكة في حكم الزوجة، مع جواز نكاحها، فلو
كانت مزوجة فالمعروف من كلامهم، أنها كأمه الغير، وكذا المكاتبة والمشتركة.
ولو كانت مرهونة أو مؤجرة أو مستبرأة أو معتدة من وطئ شبهة، فالجواز أقوى
كما اختاره في المسالك أيضا.
بقي الكلام في أن المشهور جواز المرأة إلي مثلها، مسلمة كانت الناظرة،
أو المنظورة أم كافرة، ونقل عن الشيخ في أحد قوليه أن الذمية لا يجوز أن تنظر

(1) أصول الكافي ج 2 ص 36 في ضمن ح 1.
61

إلى المسلمة، حتى الوجه والكفين، لقوله تعالى (1) " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن
إلى قوله... أو نسائهن " والذمية ليست منهن، ويأتي على قوله (قدس سره) أنه
ليس للمسلمة أن تدخل مع الذمية الحمام.
قال: في المسالك والأشهر الجواز، وأن المراد بنسائهن، التي في خدمتهن،
من الحرائر والإماء، فيشمل الكافرة، ولا فرق بين من في خدمتها منهن وغيرها،
إنتهى.
أقول: روى الصدوق في الفقيه، عن حفص بن البختري في الصحيح،
والكليني في الكافي الصحيح أو الحسن عن حفص (2) " عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
لا ينبغي للمرأة، أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية، فإنهن يصفن ذلك
لأزواجهن "، و " لا ينبغي " هنا بمعني لا يجوز لأن النهي في الآية التحريم.
وقال في كتاب مجمع البيان (3) " أو نسائهن " يعني النساء المؤمنات، ولا يحل
لها أن تتجرد ليهودية أو نصرانية أو مجوسية، إلا إذا كانت أمة، وهو معنى قوله " أو
ما ملكت أيمانهن "، أي من الإماء عن ابن جريح ومجاهد، والحسن وسعيد بن
المسيب، قالوا: ولا يحل للعبد أن ينظر إلى شعر مولاته، إنتهى.
وبذلك يظهر لك، ما في المذهب المشهور من القصور، وأن الحكم في المسألة
هو ما ذكره الشيخ (رحمة الله عليه) للصحيحة المذكورة، إلا أن الظاهر أنهم، لم
يقفوا عليها، وإلا لأجابوا عنها.
الثالث: قد استثنى الأصحاب (رضي الله عنهم) من تحريم النظر المتقدم ذكره
مواضع: منها - ما تقدم من إرادة التزويج بالمرأة وشراء الأمة.

(1) سورة النور - آية 31.
(2) الفقيه ج 3 ص 366 ح 31، الكافي ج 5 ص 519 ح 5، الوسائل ج 14
ص 133 ح 1.
(3) مجمع البيان ج 7 ص 138.
62

ومنها المعالجة، وما يتوقف عليه، من فصد وحجامة، ومعرفة نبض العروق
ونحو ذلك، ويدل على ذلك ما رواه في الكافي عن الثماني (1) في الصحيح " عن أبي جعفر
عليه السلام قال: سألته عن المرأة المسلمة، يصيبها البلاء في جسدها إما كسر أو جراح في
مكان، لا يصلح النظر إليه، ويكون الرجل، أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح له
أن ينظر إليها، إذا اضطرت إليه قال: إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت ".
ويدل عليه عموم ما دل على أن ما من شئ حرمه الله، إلا وقد أباحه للضرورة
ولا فرق في ذلك، بين العورة وغيرها، ولو أمكن الطبيب، استنابة من لا يحرم
نظره ومسه، وجب مقدما على نظره ومسه.
ومنها الشهادة عليها تحملا أو أداء، وللمعاملة ليعرفها، إذا احتاج إليها،
ويدل على ذلك، جملة من الأخبار.
منها ما رواه في الفقيه والتهذيب عن علي بن يقطين (2) " عن أبي الحسن الأول
عليه السلام قال: لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة، وليست بمسفرة، إذا عرفت بعينها،
أو حضر من يعرفها، فأما إن كانت لا تعرف بعينها، ولا يحضر من يعرفها، فلا يجوز
للشهود، أن يشهدوا عليها، وعلى إقرارها، دون أن تسفر، وينظرون إليها.
وما رواه في التهذيب عن الصفار (3) " قال: كتبت إلى الفقيه عليه السلام في رجل
ورواه في الفقيه قال: كتب الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام - أراد أن يشهد
على امرأة ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر،
ويسمع كلامها، إذا شهد عنده رجلان عدلان، أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك،
وهذا كلامها، أو لا يجوز له الشهادة عليها حتى تبرزن وتثبتها بعينها؟ فوقع عليه السلام
تتنقب وتظهر للشهود قال في الفقيه: وهذا التوقيع عندي بخطه عليه السلام.

(1) الكافي ج 5 ص 534 ح 1.
(2) الفقيه ج 3 ص 40 ح 131، التهذيب ج 6 ص 255، ح 70.
وهما في الوسائل ج 14 ص 172 ح 1، ح 18 ص 297 ح 1.
(3) الفقيه ج 3 ص 40 ح 132، التهذيب ج 6 ص 255 ح 71.
63

وحمل هذا الخبر في الإستبصار على الاحتياط، أو أنها تتنقب، وتظهر للشهود،
الذين يعرفونها أنها فلانة.
وربما أشعر هذان الخبران، بعدم جواز كشف الوجه، إلا من حيث ضرورة
الإشهاد، وهو خلاف ما دلت عليه الأخبار المتقدمة، المتأيدة بعمل الأصحاب، إلا
أن يحملا على اختيار النساء يومئذ التستر، وإن جاز لهن الاسفار.
ومنها أن تكون المنظورة صغيرة، ليست مظنة الشهوة، فإنه يجوز النظر
إليها أو عجوزا مسنة، تكون من جملة (1) " القواعد من النساء التي لا يرجون نكاحا،
فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن " الآية.
منها أن يكون الناظر صغيرا غير مميز، بالنسبة إلى نظر المرأة، ومرجعه
من لم يبلغ مبلغا، بحيث يصلح لأن يحكي ما يرى وإليه يشير قوله سبحانه (2)
" أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ".
وأما لو كان مميزا، بحيث يترتب على نظره، ثوران الشهوة أو التشويق، فهو
عند الأصحاب كالبالغ فيجب على الولي، منعه من النظر، وعلى المرأة الأجنبية،
الاستتار منه وإن كان مميزا الأعلى الوجه المذكور، فقولان: للجواز، لأن
أمر من لم يبلغ الحلم، بالاستيذان في تلك الأوقات الثلاثة، التي هي مظنة
التكشف والتبذل، دون غيرها، مشعر بالجواز، فإن ظاهره أن جواز الدخول من
غير استيذان في غير تلك الأوقات، لا يكون إلا مع جواز النظر، وإلا لو كان النظر
محرما، لأمر بالاستيذان، ولم يجزله الدخول، إلا بعده، ليأخذوا الأهبة في
التستر، فإن المتبادر من الأمر له، بالاستيذان إنما هو لأجل ذلك.
وللمنع - لعموم قوله تعالى " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء "
فيدخل غيره في النهي، عن إبداء الزينة له، قال: في المسالك: وهذا أقوى، ثم

(1) سورة النور - آية 60 و 31.
(2) سورة النور - آية 60 و 31.
64

قال: والأمر بالاستيذان في تلك الأوقات، لا يقتضي جواز النظر، كما لا يخفى،
إنتهى.
وفيه ما عرفت، من أن المتبادر من الاستيذان، إنما هو لأخذ الأهبة في
التستر، ومن ثم أمر من لم يبلغ الحلم، بالاستيذان في تلك الأوقات الثلاثة، من
حيث كونها مظنة التكشف كما عرفت.
وبالجملة فالمسألة بالنظر إلى ما ذكره محل إشكال وتوقف، إلا أنه يمكن
أن يرجح الجواز، بأنه الأوفق بمقتضى الأصل، حتى يقول دليل التحريم.
وما رواه الصدوق في الفقيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن
أبي نصر (1) " عن الرضا عليه السلام قال: يؤخذ الغلام بالصلاة، وهو ابن سبع سنين، ولا تغطي
المرأة شعرها منه حتى يحتلم ".
وروى الحميري في كتاب قرب الأسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (2) " عن
الرضا عليه السلام قال: لا تغطي المرأة رأسها، من الغلام حتى يبلغ الحلم ".
والتقريب فيهما تلازم جواز كشفها، الرأس له، وجواز نظره لها، إذ لو
حرم عليه النظر لها، لحرم عليها. التكشف له، والخبران مطلقان، بالنسبة إلى
من يحصل منه التلذذ وغيره، ومع عدم تقييدهما بما ذكروه، من استثناء النظر
الذي يترتب عليه التلذذ فالدلالة على الفرد الآخر، لا معارض لها، وبه يظهر صحة
القول بالجواز في المسألة.
الرابع: الظاهر أنه لا خلاف في تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي أعمى كان أو
مبصرا للآية المتقدمة، وهو قوله عز وجل (3) " قل للمؤمنات يغضضن من
أبصارهن " الآية

(1) الفقيه ج 3 ص 276 ح 3.
(2) قرب الإسناد ص 170.
وهما في الوسائل ج 14 ص 169 ح 3 و 4.
(3) سورة النور - آية 30.
65

وما رواه في الكافي عن أحمد (1) بن أبي عبد الله عليه السلام قال: استأذن
ابن أم مكتوم على النبي صلى الله عليه وآله وعنده عائشة وحفصة فقال لهما: قوما فادخلا البيت
فقالتا: إنه أعمى، فقال: إن لم يركما فإنكما تريانه.
أقول: ورواية أحمد بن خالد البرقي عن الصادق عليه السلام لا يخلو عن إشكال ولعله
قد سقط الواسطة من السند.
وما رواه الصدوق في كتاب عقاب الأعمال (2) قال: اشتد غضب الله عز وجل
على امرأة ذات بعل، ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها، فإنها
إن فعلت ذلك أحبط الله كل عمل عملته " الحديث.
وروى الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن أم سلمة (3) " قالت كنت عند
النبي صلى الله عليه وآله وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمر بالحجاب
فقال: إحتجبا فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله أليس أعمى لا يبصرنا، فقال: أفعمياوان
أنتما، ألستما تبصرانه ".
الخامس: المشهور بين الأصحاب تحريم سماع صوت المرأة الأجنبية،
مبصرا كان السامع أو أعمى، وإطلاق كلامهم شامل، لما أوجب السماع، التلذذ
والفتنة أم لا، ولا يخلو من إشكال، لما علم من الأخبار المتكاثرة، من كلام النساء
مع الأئمة عليه السلام، وسؤالهن عن الأحكام، بل غير ذلك أيضا، وسيما كلام فاطمة عليها السلام
مع الصحابة، كسلمان وأبي ذر والمقداد، وخروجها للمطالبة بميراثها في المسجد
من أبي بكر، وحضور جملة من الصحابة يومئذ، وإتيانها بتلك الخطبة الطويلة (4)
المتفق على نقلها، بروايات الخاصة والعامة، أشهر من أن ينكر، مع أنها معصومة

(1) الكافي ج 5 ص 534 ح 2.
(2) عقاب الأعمال ص 338.
(3) مكارم الأخلاق ص 233.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 171 ب 129 ح 1 و 2 و ص 172 ح 4.
(4) الفقيه ج 3 ص 372 ح 10.
66

ومن المعلوم أن خروجها إنما يكون بإذن أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا كله، مما
يدفع ما ذكروه
نعم لا بأس بتخصيص الحكم، بما إذا أوجب التلذذ والفتنة، وعليه يحمل
ما أوهم خلاف ما ذكرناه.
ومنه ما رواه في الفقيه في حديث المناهي (1) " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ونهى أن
تتكلم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم منها، أكثر من خمس كلمات، مما
لا بد لها منه ".
وروى في الخصال عن مسعدة بن صدقة (2) " عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أربع يمتن القلب، الذنب على الذنب، وكثرة مناقشة النساء
يعني محادثتهن، ومماراة الأحمق يقول وتقول: ولا يؤل إلى خير الحديث "، وهو
ظاهر في الكراهة.
وبالجملة فإن من تتبع الأخبار، واطلع على ما تضمنه مما ذكرناه، فإنه
لا يرتاب في الحكم بالجواز، والله العالم.
الفائدة التاسعة: هل يجوز للخصي النظر إلى المرأة المالكة له، وكذا
إلى الأجنبية أم لا؟ قولان: وتفصيل الكلام في ذلك يقتضي بسطه في مقامين.
الأول: في نظر الخصي إلى مالكته، وقد اختلف الأصحاب في ذلك، قال:
الشيخ في المبسوط إذا ملكت الامرأة فحلا أو خصيا، فهل يكون محرما لها،
حتى يجوز له أن يخلو بها ويسافر معها؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما: وهو كالظاهر أنه يكون محرما، لقوله تعالى (3) " ولا يبدين زينتهن

(1) الفقيه ج 4 ص 3 ح المناهي.
(2) الخصال ص 228 ح 65.
وهما في الوسائل ج 14 ص 143 ح 2 و 3.
(3) سورة النور - آية 30.
67

إلا لبعولتهن - إلى قوله - أو ما ملكت أيمانهن " فنهاهن عن إظهار زينتهن لأحد،
إلا لمن استثنى، واستثنى ملك اليمين.
والثاني - وهو الأشبه بالمذهب أنه لا يكون محرما، وهو الذي يقوى في
نفسي، وروى أصحابنا في تفسير الآية، أن المراد به، الإماء دون الذكران، قال
في المختلف - بعد نقل ذلك عنه - وهذا الكلام يدل على تردده، ثم نقل عنه أنه
قال في الخلاف: إذا ملكت الامرأة، فحلا أو خصيا أو مجبوبا، لا يكون محرما
لها، فلا يجوز أن يخلو بها ولا يسافر معها.،
واستدل باجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، قال: وأما الآية فقد روى
أصحابنا، أن المراد بها الإماء دون العبيد الذكران، وهو اختيار ابن إدريس،
ثم قال في المختلف: والحق عندي أن الفحل، لا يجوز النظر إلى مالكته، أما
الخصي ففيه احتمال، أقربه الجواز على كراهية للآية، والتخصيص بالإماء لا وجه
له، لاشتراك الإماء والحرائر في الحكم، إنتهى.
أقول: فيه أن ظاهره أن اختياره الجواز في الخصي، إنما هو للآية، لمنعه
تخصيصها بالإماء، والآية بناء على ذلك شاملة بإطلاقها، للفحل والخصي، فمنعه
الجواز في الفحل، لا يظهر له وجه، إلا أن يدعى إجماعا على خروجه، مع أن ظاهر
عبارة الشيخ المتقدمة، شمول الخلاف للفحل أيضا، والقول بجواز نظره.
وممن صرح بعدم جواز نظر الخصي المحقق في الشرايع، قال: لعموم المنع
وملك اليمين المستثنى في الآية، المراد به الإماء، وهو موافق لما اختاره الشيخ
في الخلاف وابن إدريس، وهو المنقول عن العلامة في التذكرة أيضا، واقتصر
الشهيد في اللمعة، على نقل الخلاف، فقال: وفي جواز نظر المرأة إلى الخصي،
الملوك لها، وبالعكس، خلاف، ولم يرجح شيئا.
والواجب نقل ما وصل إلينا، من الأخبار المعلقة بالمسألة، والكلام بما
يسر الله سبحانه بتوفيقه فهمه منها.
68

فمن ذلك ما رواه في الكافي، في الموثق عن يونس بن عمار ويونس بن يعقوب (1)
جميعا " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شئ من
جسدها، إلا شعرها، غير متعمد لذلك ".
قال الكليني: وفي رواية أخرى " لا بأس أن ينظر إلى شعرها، إذا كان
مأمونا ".
وعن معاوية بن عمار (2) بسندين أحدهما صحيح والآخر حسن في قوة الصحيح،
" قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المملوك يرى شعر مولاته وساقها؟ قال: لا بأس ".
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3) في الصحيح والموثق، بأبان بن عثمان " قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوك يرى شعر مولاته؟ قال: لا بأس ".
وعن معاوية بن عمار (4) في الصحيح، قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام نحوا من
ثلاثين رجلا. إذ دخل أبي، فرحب به أبو عبد الله عليه السلام: وأجلسه إلى جنبه، فأقبل
إليه طويلا، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: إن لأبي معاوية حاجة، فلو خففتم، فقمنا
جميعا، فقال لي أبي: ارجع يا معاوية فرجعت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: هذا ابنك
قال: نعم وهو يزعم أن أهل المدينة يصنعون شيئا لا يحل لهم، قال: وما هو؟
قلت: إن المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الأسود
وذراعيها على عنقه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا بني أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى،
قال: اقرأ هذه الآية (5) " لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن... حتى بلغ...
ولا ما ملكت أيمانهن " ثم قال: يا بني، لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق ".
وما رواه الصدوق عن إسحاق بن عمار في الموثق (6) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
أينظر المملوك إلى شعر مولاته؟ قال نعم وإلى ساقها ".

(1) الكافي ج 5 ص 531 ح 4 و 3 و 1 و 2، الوسائل 14 ص 164 ح 1 و ص 165 ح 3 و 4 و 5.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) سورة الأحزاب آية 55.
(6) الفقيه ج 3 ص 300 ح 16، الوسائل ج 14 ص 165 ح 6.
69

وما رواه الشيخ عن القاسم الصيقل (1) " قال: كتبت إليه أم علي تسأل عن كشف
الرأس بين يدي الخادم؟ وقالت له، إن شيعتك، اختلفوا علي في ذلك، فقال
بعضهم: لا بأس، وقال بعضهم: لا يحل، فكتب عليه السلام: سألت عن كشف الرأس، بين
يدي الخادم، لا تكشفي رأسك بين يديه، فإن ذلك مكروه ".
وما رواه في كتاب قرب الإسناد عن الحسين بن علوان (2) " عن جعفر عن
أبيه عليهما السلام أنه كان يقول: لا ينظر العبد إلى شعر سيدته ".
وروى الشيخ في المبسوط (3) وغيره " أن النبي صلى الله عليه وآله أتى فاطمة صلوات الله
عليها بعبد وهبه لها، وعلى فاطمة عليها السلام ثوب إذا قنعت رأسها، لم يبلغ رجليها، وإذا
غطت به رجليها، لم يبلغ رأسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تلقى قال: إنه
ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك ".
أقول: لم أقف على هذا الخبر في كتب أخبارنا، ويقرب عندي أنه من أخبار
العامة التي يستلقونها أصحابنا في كتبهم الفروعية.
وقد تقدم في عبارتي المبسوط والخلاف، أنه روى أصحابنا أن المراد بما
ملكت أيمانهن، الإماء دون الذكران، وفي كتاب مجمع البيان في تتمة الكلام
المتقدم نقله عنه، في التنبيه الثاني بعد نقل تفسير الآية بالإماء قال: وقيل معناه
العبيد والإماء، وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام.
وأنت خبير بأنه لم يصل إلينا في الأخبار المتعلقة بتفسير الآية المذكورة
إلا رواية معاوية بن عمار (4) في حكاية دخول أبيه على أبي عبد الله عليه السلام، والظاهر

(1) التهذيب ج 7 ص 457 ح 36.
(2) قرب الإسناد ص 50.
وهما في الوسائل ج 14 ص 166 ح 7 و 8.
(3) المبسوط ج 4 ص 161 الطبع الجديد.
(4) الكافي ج 5 ص 531 ح 2، الوسائل ج 14 ص 165 ح 5.
70

أنها هي التي أشار إليها في كتاب مجمع البيان، وإن لم تتضمن الإماء، كما ذكره
في المجمع، إلا أنه مفهوم بطريق أولى.
وأنت خبير بأن أكثر أخبار المسألة وأصحها ظاهرة في الجواز من غير
تقييد بالخصي الذي جعله أصحابنا محل الخلاف إيذانا بالاتفاق على تحريم
نظر الفحل، مع أن هذه الروايات التي ذكرناها وهي جميع روايات المسألة، إنما
تضمنت المملوك والعبد والخادم، وهي عامة شاملة للفحل والخصي، وليس فيها
إشارة - فضلا على التصريح - إلى التخصيص بالخصي، وبذلك يعظم الاشكال في
هذا المجال.
وجملة من أصحابنا قد حملوا الأخبار الدالة على الجواز على التقية، وما
يستأنس به لذلك صحيحة معاوية بن عمار الدالة على دخول أبيه على أبي عبد الله
عليه السلام، فإن أباه كان من كبار العامة، (1) وأعاظمهم، وتعظيم الإمام عليه السلام له - كما
تضمنه الخبر - إنما كان لذلك.
ومما يؤمي إلى التقية في الرواية، إيماء ظاهرا أن عمارا نقل عن أبيه
معاوية أن وضع المرأة يدها على رأس العبد وذراعها على عنقه، لا يحل لهم.
وظاهر سياق كلامه عليه السلام تقرير عمار على ذلك، ولم يرد عليه فيه، وإنما
جوز في آخر الخبر نظر الشعر والساق، وجعل هذا هو معنى الآية، وعدم
تصريحه عليه السلام بالتحريم في الأول إنما كان تقية.
وبالجملة فإن غاية ما يدل عليه الخبر هو الجواز بالنسبة إلى الشعر والساق،
كما تضمنه غيره من الأخبار المذكورة، وسيأتي نقل كلام الشيخ في المقام الآتي،
وحمله الأخبار على التقية، فاعترض على ذلك في المسالك فقال بعد كلام في المقام:

(1) قال النجاشي في ترجمة معاوية بن عمار المذكور: كان وجها في أصحابنا متقدما،
كبير الشأن، عظيم المحل، ثقة، وكان عمار ثقة في العامة، وجها إلى آخر ما ذكره.
(منه - رحمه الله -).
71

وكونه للتقية غير جيد، لأنها مسألة اجتهادية.
والمخالفون مختلفون فيها، فمنهم من جوز له النظر وجعله محرما، ومنهم
من منعه مطلقا، ومنهم من فصل فحرم نظره، إلا أن يكبر ويهرم وتذهب
شهوته - إلى أن قال -: وحينئذ فحمل هذا على التقية غير واضح، ولا ينبغي
التعلق بها، إلا في المسائل التي اتفق عليها من خالفهم، وإلا فلهم أسوة بمن وافق،
فينبغي التفطن لذلك في نظائر هذه المسألة، فإنها كثيرة، تراهم يحملون الحكم
فيها على التقية مع اختلاف المخالفين فيها، ومثل هذا لا يجوز العدول عن مدلول
اللفظ بمجرد الاحتمال البعيد، إنتهى.
أقول: لا يخفى أن تخصيص الحمل على التقية باتفاق العامة على الحكم
خلاف ما دلت عليه مقبولة عمر بن حنظلة (1) لقول السائل فيها بعد أمره عليه السلام
بعرض الخبرين على مذهبهم: فإن وافقهما الخبران جميعا؟ قال: " ينظر إلى
ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر ". ولا ريب أن الخبرين
هنا موافقان لهما، فإن لكل منهما قائلا منهم، وحينئذ فينبغي بمقتضى القاعدة
المذكورة النظر إلى ما كان قضاتهم وسلاطينهم إليه أميل.
ومقتضى كلام الشيخ الآتي إن شاء الله في المقام الثاني، أن القول بالجواز
مذهب سلاطين الوقت، وبموجب ذلك يترجح الحمل على التقية، هذا.
ولا يخفى عليك أن المفهوم، من كلام الأصحاب القائلين بالجواز، هو
جواز النظر مطلقا من غير تقييد بعضو مخصوص، وظاهره جواز النظر إلى ما
يجوز للمحارم نظره، وهو ما عدا العورة.
والأخبار الدالة على الجواز لا دلالة فيها على أزيد من النظر إلى الشعر
والساق، مقيدا النظر إلى الشعور في بعضها بكونه مأمونا وفي آخر بعدم التعمد.

(1) الكافي ج 7 ص 412 ح 5، التهذيب ج 6 ص 301 ح 52، الوسائل
ج 18 ص 75 ح 1.
72

وما أجمل في الرواية المرسلة في كتاب مجمع البيان يمكن حمله على
المفصل، وحينئذ فما يدعونه من جواز النظر مطلقا، لا دليل عليه، وهذا مما
يوهن الاستدلال بها.
ثم إن المفهوم من رواية القاسم الصيقل وقوع الخلاف في المسألة، في
أيامهم عليهم السلام، ويشير إليه حكم معاوية بن عمار في حكايته مع أبيه، أنه كان يعيب
على أهل المدينة بذلك، ومن المعلوم من جلالة قدر الرجل المذكور أنه لا يحكم
بذلك إلا بعد السماع منهم عليهم السلام.
ثم إنه يمكن ترجيح القول بالتحريم بالقاعدة التي ذكرها في التقية
واعتمد عليها في غير موضع، وهو أنه إذا ورد عنهم عليهم السلام خبران مختلفان،
أحدهما عن الإمام السابق، والآخر عن الإمام اللاحق، فإنه يؤخذ بالأخير،
فيكون العمل هنا على رواية القاسم الصيقل، فإن الرواية هنا عن الهادي عليه السلام،
حيث إن الراوي المذكور من رجاله عليه السلام، والروايات الأخر عن الصادق عليه السلام،
وقد عرضت عليه المرأة القولين، فمنعها عن ذلك.
والمراد بالكراهة في كلامه، التحريم بلا إشكال، لأن محل الخلاف هو
الحل والتحريم، كما ينادي به صدر الخبر المذكور.
ومما يؤيد التحريم، أنه الأوفق بالاحتياط في الدين، وهو أحد المرجحات
في مقام اختلاف الأخبار، كما تضمنته رواية زرارة (1) الواردة في طريق الترجيح
سيما مع دلالة الأخبار، كما تقدم الإشارة إليه، على ما هو أعم من الخصي
والفحل، وإن خصوا موضع الخلاف بالأول.
وبالجملة فالمسألة لما عرفت بمحل من الاشكال، والاحتياط فيها مطلوب
على كل حال، والله العالم:

(1) المستدرك الوسائل ج 3 ص 185 ب 9 ح 2.
73

المقام الثاني: في نظر الخصي إلى غير مالكته من الأجانب، وفيه أيضا قولان
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه في الكافي عن عبد الملك
بن عتبة النخعي (1) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أم الولد هل يصلح أن ينظر
إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال: لا يحل ذلك ".
وعن محمد بن إسحاق (2) " قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت: يكون
للرجل الخصي، يدخل على نسائه، فيناولهن الوضوء، فيرى شعورهن؟ قال لا ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (3) في الصحيح:
" قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قناع الحرائر من الخصيان، فقال: كانوا
يدخلون علي بنات أبي الحسن عليه السلام ولا يتقنعن - وزاد في الكافي - قلت: فكانوا
أحرارا؟ قال: لا، قلت: فالأحرار يتقنع منهم؟ قال: لا " وهذا الخبر حمله الشيخ
في التهذيبين، على التقية، قال: والعمل على الخبر الأول أولى وأحوط في الدين.
وفي حديث آخر (4) أنه لما سئل عن هذه المسألة قال " أمسك عن هذا ولم
يجبه " فعلم بإمساكه عن الجواب أنه لضرب من التقية، لم يقل ما عنده في ذلك،
لاستعمال سلاطين الوقت ذلك.
وما رواه الحميري (5) عن صالح بن عبد الله الخثعمي عن أبي الحسن عليه السلام " قال:
وكتبت إليه أسأله عن خصي لي، في سن رجل مدرك، يحل للمرأة أن يراها
وتنكشف بين يديه؟ قال: فلم يجبني فيها ".
وما رواه الحسن بن الفضل الطبرسي (6) في كتاب مكارم الأخلاق " قال: قال

(1) الكافي ج 5 ص 532 ح 1 و 2.
(2) الكافي ج 5 ص 532 ح 1 و 2.
(3) الكافي ج 5 ص 532 ح 3، التهذيب ج 7 ص 480 ح 134.
(4) التهذيب ج 7 ص 480 ح 135.
(5) قرب الإسناد ص 126.
(6) مكارم الأخلاق ص 232.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 166 ح 1 و 2 و ص 167 ح 3 و 6
و ص 168 ح 8 و 9.
74

عليه السلام: لا تجلس المرأة بين يدي الخصي مكشوفة الرأس ".
ونقل أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) عن ابن الجنيد (1) أنه قال في
كتابه الأحمدي: روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام " كراهية رؤية الخصيان
الحرة من النساء حرا كان أو مملوكا ".
وأنت خبير بأن أكثر هذه الأخبار ظاهرة في التحريم، والمنافاة الظاهرة في
صحيحة محمد بن إسماعيل المذكورة. والأظهر حملها على ما ذكره الشيخ من التقية،
ويؤمي إلى ذلك إعراضه عليه السلام في رواية الحميري عن الجواب، وكذا الأمر بالإمساك
في الرواية التي أشار إليها الشيخ في كلامه، فإنه لا وجه لذلك سوى التقية.
وأما لفظ الكراهة في عبارة ابن الجنيد فمن الجائز حملها على التحريم، فإن
المتقدمين كثيرا ما يجرون على الأخبار في التعبير، والكراهة بمعنى التحريم في
الأخبار أكثر كثير، والتخصيص بهذا المعنى المشهور، اصطلاح حادث من
الأصوليين، وقد نبه على ذلك جملة من الأصحاب في حمل كلام الشيخ ونحوه من
المتقدمين على ذلك، ويعضده أنه الأحوط في الدين، وبذلك يظهر أن ما يفهم من
المسالك من الميل إلى الجواز في كلا المقامين ليس بجيد، وإن تبعه في الكفاية
على ذلك. وما ذكره في المسالك من التعليلات معلول، وليس في التعرض لذكره
كثير فائدة.
قال في المسالك: واعلم أن إطلاق الخصي يشمل من قطع خصيتاه وإن بقي
ذكره، والأولى تخصيص محل الخلاف بمن قطع ذكره وخصيتاه معا، كما قطع
به في التذكرة، أما الخصي الذي بقي ذكره، والمجبوب الذي بقي أنثياه
فكالفحل، إنتهى.
أقول: ظاهر كلامه أن الخصي يطلق على هذه الأنواع المذكورة في كلامه

(1) الوسائل ج 14 ص 168 ح 10.
75

والمفهوم من كلام أهل اللغة أن الخصي هو من سلت خصيتاه.
قال في كتاب المصباح المنير: وخصية العبد، أخصيته خصاء - بالمد
والكسر - سللت خصية، فهو خصي فعيل، بمعني مفعول، ونحوه في كتاب
مجمع البحرين.
وقال في القاموس: وخصاه خصاء سل خصيته، فهو خصي ومخصي، وقال في
كتاب شمس العلوم: خصا الفحل خصاء، إذا سل خصيته، ومقتضى ذلك أن من
قطع ذكره وبقي خصيتاه لا يسمى خصيا، فيكون الحكم فيه ما ذكره من
أنه كالفحل.
وأما المجبوب الذي قطع ذكره وبقيت أنثياه فهو الخصي، كما عرفت من
كلام أهل اللغة، فحكمه بأنه كالفحل محل إشكال، إلا أن يثبت ما ادعاه من
التخصيص الذي نقله عن التذكرة، بكونه مقطوع الذكر والأنثيين، ولا أعرف
له وجها، ولا عليه دليلا، فإن الروايات تضمنت الخصي بقول مطلق، والخصي
لغة هو ما عرفت، وليس هنا معنى آخر شرعا ولا عرفا يوجب الاشتراك أو الخروج
عن المعنى المذكور، فليتأمل، والله العالم.
العاشر: (1) قد دلت الآية على استثناء (2) " التابعين غير أولي الإربة من
الرجال " من تحريم النظر إلى الأجنبية، فيجوز لهم النظر حينئذ.
قال في كتاب مجمع البيان (3): واختلف في معناه، فقيل: التابع الذي
يتبعك ليسأل من طعامك، ولا حاجة له في النساء، وهو الأبله المولى عليه، عن
ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام.
وقيل: هو العنين الذي لا أرب له في النساء لعجزه، عن عكرمة والشعبي.

(1) هكذا في الأصل ولم نعرف وجه عنوان العاشر هنا.
(2) سورة النور - آية 31.
(3) مجمع البيان ج 7 طبع صيدا ص 138.
76

وقيل: إنه الخصي المجبوب الذي لا رغبة له في النساء، عن الشافعي، ولم
يسبق إلى هذا القول.
وقيل: إنه الشيخ الهرم لذهاب إربه، عن يزيد بن أبي حبيب.
وقيل: هو العبد الصغير، عن أبي حنيفة وأصحابه. إنتهى.
أقول: والذي وقفت عليه في أخبارنا، ما رواه في الكافي عن زرارة (1) في
الصحيح " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل " أو التابعين غير أولي الإربة
من الرجال - إلى آخر الآية " قال: الأحمق الذي لا يأتي النساء ".
قال في كتاب الوافي: الإربة العقل وجودة الرأي.
أقول: لم أقف لهذا المعنى الذي ذكره على مستند، من لغة أو غيرها،
والموجود في كلام أهل اللغة إنما هو تفسير الإربة بالحاجة، وهو الذي فسر به
في كتاب مجمع البيان.
قال الفيومي في كتاب المصباح المنير: الأرب بفتحتين، والإربة بالكسر
والمأربة بفتح الراء وضمها: الحاجة، والجمع: المآرب، والأرب في الأصل
مصدر من باب تعب، يقال أرب الرجل إلى الشئ، إذا احتاج إليه، فهو آرب
على فاعل. إنتهى.
وما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عليه السلام (2) في الموثق " قال:
سألته عن أولي الإربة من الرجال، قال: هو الأحمق المولى عليه، الذي لا يأتي
النساء ".
وما رواه في التهذيب عن زرارة (3) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " قال سألته
عن أولي الإربة من الرجال قال: هو الأحمق الذي لا يأتي النساء ".
أقول: قد اشتركت هذه الروايات في تفسيره بالأحمق الذي لا يأتي النساء،

(1) الكافي ج 5 ص 523 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 148 ح 1 و 2.
(2) الكافي ج 5 ص 523 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 148 ح 1 و 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 468 ح 81.
77

والحمق نقصان في العقل، وهو يرجع إلى المعنى الأول الذي نقله في كتاب مجمع
البيان عن أبي عبد الله عليه السلام.
وإنما قيده بكونه مولى عليه، لنقصان عقله، ولكن لا بد من تقييده
بمن ذكر في هذه الروايات بأنه لا يأتي النساء، أي ليس له شهوة، توجب إتيانه
النساء، وإلا فمجرد كونه ناقص العقل وأبلها مع حبه لإتيان النساء وتلذذه بذلك
فإنه لا يكون داخلا في الفرد المستثنى، والغالب فيمن لا يشتهي إتيان النساء،
إنما هو الخصي والعنين، والمراد هنا ما هو أعم منهما،
بقي الاشكال هنا في أن الخبر الأول من الأخبار التي نقلناها قد تضمن جعل
الأحمق الذي لا يأتي النساء، تفسيرا للتابعين غير أولي الإربة وهو الظاهر الذي بنى
عليه الحكم المذكور.
والخبران الآخران قد تضمنا جعله تفسيرا لأولي الإربة، وهو غير مستقيم
على ظاهره، لأنهما قد تضمنا السؤال عن أولي الإربة، وأولي الإربة كما عرفت
يعني أصحاب الحاجة إلى النكاح، والجواب قد وقع بأنه الأحمق الذي لا يأتي النساء
وهذا إنما هو غير أولي الإربة، لا أولي الإربة.
اللهم إلا أن يكون الجواب وقع تنبيها على أن الأولى هو السؤال عن غير
أولي الإربة، فإنه هو المحتاج إلى التفسير والبيان، فأجيب بناء على ذلك، ومثله
في القرآن كثير (1).
ومنهما ما رواه في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عن أبيه

(1) ومنه قوله عز وجل " يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس " فإنهم سألوا
عن السبب في اختلاف القمر في زيادة النور ونقصانه، حيث قالوا: ما بال الهلال يبدو
رقيقا مثل الخيط ثم يتزايد قليلا قليلا حتى ينجلي بمثل ويستوي ثم لا يزال ينقض من بعده
كما بدأ، فأجيبوا بالغرض من هذا الاختلاف، وهو أن الأهلة حسب ذلك الاختلاف معالم
يوقت بها الناس أمورهم من المزارع والمتاجر والديون والصوم ونحو ذلك، فقد سألوا
عن السبب وأجيبوا بالغرض من ذلك، فإنه هو الأنسب بالسؤال عنه، ومن ذلك قوله تعالى
78

عن آبائه عليهم السلام " قال: كان بالمدينة رجلان يسمى أحدهما هيت (1) والآخر مانع،
فقالا لرجل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمع: إذا افتتحتم الطائف، إن شاء الله، فعليك
بابنة غيلان الثقفية، فإنها شموع نجلاء مبتلة هيفاء شنباء، إذا جلست تثنت،
وإذا تكلمت غنت، تقبل بأربع، وتدبر بثمان، بين رجليها مثل القدح، فقال
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا أريكما من أولي الإربة من الرجال فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله فغرب
بهما إلى مكان يقال له: العريا، وكانا يتسوقان في كل جمعة " (2).
قيل: والشموع كصبور: المرأة الكثيرة المزاح، والنجلاء الواسعة العين،
ومبتلة بتقدم الباء الموحدة وتشديد التاء المثناة من فوق على وزن معظمة:
الجميلة التامة الخلق، المقطع حسنها على أعضائها، والتي لم يركب بعض لحمها
بعضا، ولا يوصف به الرجل، والهيف بالتحريك: صغر البطن والخاصرة، والشنب
محركة: عذوبة في الأسنان أو نقط بيض فيها، والتتنن بالمثناتين الفوقانيتين
والنونين: ترك الأصدقاء ومصاحبة غيرهم. وقيل: هو بالباء الموحدة ثم النون،
والتبني: تباعد ما بين القدمين أو معناه صارت كأنها بنيان مرصوص من عظمها،
ولعل المراد بالأربع اليدان والرجلان وبالثمان هي مع الكتفين والأليتين،
وبالتشبيه بالقدح عظم فرجها، وقيل: بل كانت في بطنها عكن أربع تقبل بها، وتدبر
بأطرافها التي في جنبيها لكل عكنة طرفان، لأن العكنة تحيط بالطرفين والجنبين،

(1) " يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين "
فإنهم سألوا عن بيان ما ينفقونه، فأجيبوا ببيان المصارف، تنبيها على أن المهم من السؤال
إنما هو ذلك منه رحمه الله.
(1) هيت ضبطه أهل الحديث بالمثناة التحتانية أولا، والفوقانية ثانيا، وقيل بل هو
بالنون والباء الموحدة، وكانا مخنثين بالمدينة.
أقول: والظاهر أنه لذلك حصل الظن بكونهما ليسا من ذوي الإربة، فلما تبين
أنهما ليسا كذلك نفوا من المدينة. (منه - رحمه الله -)
(2) الكافي ج 5 ص 523 ح 3، الوسائل ج 14 ص 148 ح 4.
79

حتى يلحق بالثنتين من مؤخر الامرأة، كذا نقل عن كتاب مجمع الأمثال.
والظاهر أن المراد بقوله في آخر الخبر " وكانا يتسوقان في كل جمعة " أي يأتيان
السوق، والظاهر أن السوق العامة كانت في المدينة في يوم الجمعة كما هو في ساير
البلدان، من جعل سوق عامة يحضرها أهل القرايا والخارجون عن المصر في ذلك
اليوم بخصوصه.
الفائدة العاشرة: المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كراهية
الوطئ في الدبر كراهة مؤكدة، ونقل في المختلف عن ابن حمزة القول بالتحريم،
ونقل هذا القول في المسالك أيضا، عن جماعة من علمائنا منهم القميون وابن حمزة.
والذي وقفت عليه من أخبار المسألة، ما رواه في الكافي عن أبان (1) عن بعض
أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن إتيان النساء في أعجازهن؟ فقال: هي
لعبتك لا تؤذها " وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن علي بن الحكم (2)
" قال: سمعت صفوان بن يحيى يقول: قلت للرضا عليه السلام: إن رجلا من مواليك
أمرني أن أسألك عن مسألة هابك، واستحى منك أن يسألك، قال: وما هي؟ قلت
الرجل يأتي امرأته في دبرها؟ قال: نعم ذلك له، قلت له: فأنت تفعل ذلك؟
قال: إنا لا نفعل ذلك ".
وما رواه في التهذيب عن ابن أبي يعفور (3) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال: لا بأس إذا رضيت، قلت: فأين قول الله عز وجل
: فآتوهن من حيث أمركم الله قال: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث
أمركم الله إن الله تعالى يقول: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم.

(1) الكافي ج 5 ص 540 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 540 ح 2، التهذيب ج 7 ص 415 ح 35.
(3) التهذيب ج 7 ص 414 ح 29.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 101 ح 4 و ص 102 ح 1 و ص 103 ح 2.
80

قال في الوافي بعد ذكر الخبر: إنما استشهد عليه السلام بالآية الأخيرة على أن
المراد بالآية الأولى طلب الولد لمكان الحرث، ولم يستشهد بها على حل الدبر،
فلا ينافي حديث معمر بن خلاد الآتي.
وعن موسى بن عبد الملك عن الحسين بن علي بن يقطين (1)، وعن موسى بن
عبد الملك (2) عن رجل " قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن إتيان الرجل المرأة
من خلفها، فقال: أحلتها آية من كتاب الله عز وجل، قول لوط (3) " هؤلاء بناتي
هن أطهر لكم " وقد علم أنهم لا يريدون الفرج ".
وعن معمر بن خلاد (4) في الصحيح " قال: قال أبو الحسن عليه السلام: أي شئ
يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ قلت: إنه بلغني أن أهل المدينة لا يرون
به بأسا، فقال: إن اليهود كانت تقول: إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج
ولده أحول، فأنزل الله تعالى (5) " نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " من
خلف أو قدام خلافا لقول اليهود، ولم يعن في أدبارهن ".
أقول: وهذه الرواية لا دلالة فيها على ما نحن فيه، لا نفيا ولا إثباتا، وروى
هذه الرواية أيضا في التهذيب عن معمر بن خلاد (6) في الموثق عن الرضا عليه السلام مثله،
إلا أنه قال " أهل الكتاب " بدل أهل المدينة، و " من قبل أو دبر " مكان " خلف أو قدام "،
وحينئذ ففيها دلالة على ما دلت عليه الأخبار المذكورة.

(1) التهذيب ج 7 ص 414 ح 31، الوسائل ج 14 ص 103 ح 3.
(2) أقول: ظاهر أن موسى المذكور رواه تارة عن الحسين بن علي بن يقطين،
وتارة عن رجل، ثم إن في الخبر ما يدل على أن ما يحكيه الأئمة عليهم السلام من الأحكام
عن الأنبياء السابقين والأمم المتقدمة يجري حكمه في هذه الأمة أيضا، إلا أن يقوم دليل
على الاختصاص، وفيه رد على جماعة من أصحابنا الذين منعوا ذلك. (منه - قدس سره -).
(3) سورة هود - آية 77.
(4) التهذيب ج 8 ص 415 ح 32، الوسائل ج 14 ص 100 ب 72 ح 1.
(5) سورة البقرة - آية 223.
(6) التهذيب ج 7 ص 460 ح 49.
81

وما رواه في التهذيب عن يونس بن عمار (1) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أو
لأبي الحسن عليه السلام: إني ربما أتيت الجارية من خلفها - يعني في دبرها - ونذرت
فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا، فعلي صدقة درهم، وقد ثقل ذلك
علي؟ قال: ليس عليك شئ وذلك لك ".
وفيه: دلالة على عدم انعقاد النذر على ترك المباح، ومثله غيره.
وعن حماد بن عثمان (2) في الموثق " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام أو أخبرني
من سأله عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع، وفي البيت جماعة، فقال لي ورفع
صوته: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كلف مملوكه ما لا يطيق فليبعه، ثم نظر في
وجوه أهل البيت، ثم أصغى إلى فقال: لا بأس به ".
وفيه إيماء إلى أن المنع من ذلك محمول على التقية وعن ابن أبي يعفور (3)
في الموثق " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ".
ورواه عنه بسند آخر عن البرقي، رفعه عن ابن أبي يعفور (4) " قال: سألته
عن إتيان النساء في أعجازهن، فقال: ليس به بأس، وما أحب أن تفعله ".
وعن حفص بن سوقة (5) عمن أخبره " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
يأتي أهله من خلفها، قال: هو أحد المأتيين فيه الغسل ".
وعن علي بن حكم عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (6) " قال: إذا أتى الرجل
المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل " وفي الدلالة
نوع مناقشة.

(1) التهذيب ج 7 ص 460 ح 50 و ص 415 ح 33 و 34 و ص 416 ح 38 و ص 414 ح 30 و ص 460 ح 51. وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 104 ح 8 و ص 103 ح 4 و 5 و 6 و 7 و ص 104 ح 9.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
82

وما روى العياشي في تفسيره عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) " قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام وذكر عنده إتيان النساء في أدبارهن، فقال: ما أعلم آية في القرآن
أحلت ذلك إلا واحدة: إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء " الآية.
وعن ابن أبي يعفور (2) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إتيان النساء في
أعجازهن قال: لا بأس، ثم تلا هذه الآية: نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى
شئتم، قال: حيث شاء ".
وعن زرارة (3) " عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: نسائكم حرث لكم
فأتوا حرثكم أنى شئتم، قال: حيث شاء ".
أقول: وهذا تفسير آخر للآية المذكورة، وبه تدل على الجواز إلا أن
المفهوم من كلام الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره أن تفسير الآية بهذا المعنى
إنما وقع من العامة، حيث قال " نسائكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم "
أي متى شئتم، وتأولت العامة في قوله " أنى شئتم " أي حيث شئتم في القبل والدبر.
وقال الصادق عليه السلام " أنى شئتم " أي متى شئتم في الفرج، والدليل على قوله
" في الفرج " قوله " نسائكم حرث لكم " والحرث الزرع، والزرع الفرج في موضع
الولد - إنتهى.
ومقتضى هذا الكلام حمل الخبرين المذكورين على التقية، وكيف كان
فإنه لا يخفى أن هذه الأخبار كلها كما ترى مطابقة الدلالة، متعاضدة المقالة على
الجواز، وإن كان على كراهة.
وأما ما استدل به للقول الآخر فما رواه في الفقيه مرسلا (4) " قال: قال النبي
صلى الله عليه وآله: محاش نساء أمتي على رجال أمتي حرام " واقتصر الصدوق في كتابه على هذه

(1) تفسير العياشي ج 2 ص 22 ح 56 و ج 1 ص 110 ح 330 و ص 111 ح 331.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) الفقيه ج 3 ص 299 ح 3.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 104 ح 12 و 10 و 11 و ص 101 ح 5.
83

الرواية ولم ينقل شيئا من تلك الأخبار العديدة، فلهذا نسب له القول بما دلت
عليه من التحريم.
وما رواه في التهذيب عن سدير (1) " قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله محاش النساء على أمتي حرام ".
قال في الوافي: والمحاش جمع محشة وهو الدبر، وقال الأزهري: ويقال
بالسين المهملة، إنتهى.
وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير: والمحشة الدبر، والمحش المخرج
أي مخرج الغائط.
ومن هنا سمي الكنيف المحش لكونه بيت الغائط، وإن كان في الأصل إنما
هو اسم للبساتين، حيث كانوا يقضون حوائجهم فيها، ثم نقل إلى الكنيف، لما
اتخذوه عوضا عنها.
وما رواه العياشي في تفسيره عن أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته
عن الرجل يأتي أهله في دبرها؟ فكره ذلك، وقال: إياكم ومحاش النساء، وقال:
إنما معنى، نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم: أي ساعة شئتم ".
والتقريب فيه بحمل الكراهة على التحريم كما يدل عليه قوله " وإياكم "
وعن زيد بن ثابت (3) " قال: سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام أتؤتى النساء في
أدبارهن؟ فقال: سفلت، سفل الله بك، أما سمعت يقول الله: أتأتون الفاحشة ما
سبقكم بها من أحد من العالمين ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ ومن تأخر عنه من الأصحاب حملوا هذه
الأخبار على الكراهة أو التقية، قال العلامة في المختلف، بعد نقل خبر السدير

(1) التهذيب ج 7 ص 416 ح 36.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 111 ح 235 و ج 2 ص 22 ح 55.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 101 ح 2 و ص 102 ح 9 و 11.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
84

المذكور: والجواب الحمل على شدة الكراهة، جمعا بين الأدلة، أو على التقية،
لأن أكثر العامة منعوه.
أقول: الظاهر عندي بعد الحمل على الكراهة، لتصريح خبر سدير ومرسلة
الفقيه بالتحريم وحديث زيد بن ثابت، بأن ذلك، الفاحشة التي ذكرها الله في
قوله " أتأتون الفاحشة " وحينئذ فيتعين الحمل على التقية، لأن ذلك هو الأوفق،
بالقواعد المنصوصة عن أهل العصمة صلوات الله عليهم في مقام اختلاف الأخبار.
وأكثر العامة - كما ذكره الأصحاب - على القول بالتحريم، ولم يخالف
من أئمتهم الأربعة إلا مالك حيث وافق الإمامية في القول بالجواز على كراهية
وبذلك يظهر أن ما ذكروه من الكراهة الشديدة، مما لا وجه له متى حملت
هذه الأخبار على التقية.
نعم الكراهة في الجملة مما لا إشكال فيها لقوله عليه السلام في رواية ابن يعفور
المتقدمة بعد حكمه بالجواز " ما أحب أن يفعل "، وقوله عليه السلام في مرسلة أبان التي
هي أول الأخبار " هي لعبتك لا تؤذها ".
وأما قول الرضا عليه السلام في صحيحة علي بن حكم " إنا لا نفعل ذلك "، فالظاهر
أن المراد منه إنما هو أنهم لشرف مقامهم وعلو منزلتهم لا يفعلون مثل ذلك،
كما في حديث المتعة، لما قال له السائل: " فهل يسرك أن بناتك وأخواتك يتمتعن ".
فأعرض عليه السلام عنه حيث ذكر نساءه وبناته عليه السلام، إذ لا دلالة فيه على كراهة المتعة.
ثم ما دلت عليه رواية زيد بن ثابت، من استدلاله عليه السلام على التحريم،
بقول عز وجل " أتأتون الفاحشة، فهو معارض بمرسلة موسى بن عبد الملك.
ورواية عبد الرحمن بن الحجاج المنقولة من تفسير العياشي، الصريحة في
التحليل بالآيتين المذكورتين فيهما، ولا ريب أن المراد بالفاحشة في الآية إنما
هو إتيان الذكران في الأدبار، لا الاتيان في الأدبار مطلقا، والتقية التي حملت
عليها هذه الأخبار بالنسبة إلى ما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله بمعنى التقية في النقل.
85

وأما ما أطال به في المسالك في هذا المقام من المعارضات والمناقشات، حتى
أن الذي يظهر منه هو التوقف، لعدم تصريحه باختيار شئ من القولين، ولا سيما
مناقشته مناقشات في جملة من روايات الجواز، وعدم الصحة في شئ منها بهذا
الاصطلاح المحدث، فهو عندي تطويل بغير طائل، والقول بالجواز أشهر وأظهر
من أن ينكر، وما عارضه لا دليل له ينهض بالمعارضة، مع اقتضاء القاعدة الشرعية
حمله على التقية، والله العالم.
الفائدة الحادية عشر: المشهور بين الأصحاب (عطر الله مراقدهم) كراهة
العزل عن الحرة إلا مع الإذن، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن
إدريس، ونقل عن ابن حمزة أنه عده في المحرمات، وهو الظاهر من كلام شيخنا
المفيد حيث قال: وليس لأحد أن يعزل الماء عن زوجة له حرة إلا أن ترضى منه
بذلك، ونقل هذا القول في المسالك عن الشيخين وجماعة، وظاهرهم الاتفاق على
جواز العزل عن الأمة، والمتمتع بها، والحرة الدائمة مع الإذن، والمراد
بالعزل أنه يجامع المرأة فإذا نزل الماء أخرج ذكره وأفرغه خارج الفرج.
ويدل على القول المشهور - وهو المؤيد بالأخبار والمنصور - ما رواه في
الكافي في الموثق عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (1) " قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن العزل قال: ذاك إلى الرجل ".
وعن محمد بن مسلم (2) في الموثق عن أبي جعفر عليه السلام " قال: لا بأس بالعزل عن
المرأة الحرة إن أحب صاحبها، وإن كرهت ليس لها من الأمر شئ ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم (3) في الصحيح " قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن العزل فقال: ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء ".
ورواه في الكافي عن عبد الرحمن الحذاء (4) " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي

(1) الكافي ج 5 ص 504 ح 1 و 2 و 3 و 4، والرواية الثالثة في التهذيب ج 7 ص 417 ح 4.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 105 ح 2 و 4 و 1 و 3.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
86

ابن الحسين عليهما السلام لم ير بالعزل بأسا، فقرأ هذه الآية (1): وإذا أخذ ربك من بني
آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى، فكل
شئ أخذ الله منه الميثاق فهو خارج وإن كان على صخرة صماء ".
وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم (2) " أنه قال لأبي جعفر عليه السلام الرجل
يكون تحته الحرة يعزل عنها؟ قال: ذلك إليه إن شاء عزل، وإن شاء لم يعزل ".
وعن محمد بن مسلم (3) في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام " أنه سئل عن العزل فقال:
أما الأمة فلا بأس، وأما الحرة فإني أكره ذلك، إلا أن يشترط عليها حين
يتزوجها ".
وعن محمد بن مسلم (4) في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام مثل ذلك، وقال في حديثه
" إلا أن ترضى أو يشترط ذلك عليه حين يتزوجها ".
وعن يعقوب الجعفي (5) " قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا بأس بالعزل
في ستة وجوه المرأة التي أيقنت أنها لا تلد، والمسنة، والمرأة السليطة،
والبذية، والمرأة التي لا ترضع ولدها، والأمة ".
ورواه في عيون الأخبار، وكذا في الخصال.
وما رواه الثقة الجليل سعد بن عبد الله في كتاب بصائر الدرجات عن أبي
بصير (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قلت له: ما تقول في العزل؟ قال: كان علي عليه السلام
لا يعزل وأما أنا فأعزل، فقلت: هذا خلاف، فقال: ماضر داود إن خالفه
سليمان، والله يقول: ففهمناها سليمان ".

(1) سورة الأعراف - آية 72.
(2) التهذيب ج 7 ص 461 ح 56 و ص 417 ح 43 و 44 و ص 491 ح 180، الخصال ص 328 باب الستة.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 106 ح 5 و 1 و 2 و ص 107 ح 4.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(6) الوسائل ج 14 ص 106 ح 6.
87

هذا ما حضرني من أخبار المسألة، وأنت خبير بأنها على تعددها وكثرتها
لا دلالة فيها، ولو بالإشارة على التحريم المدعى.
نعم تدل على الكراهة كما ينادي به قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم " وأما
الحرة فإني أكره ذلك إلا أن يشترط "، وإنما حملنا الكراهة هنا على المعنى
المصطلح، وإن كانت في الأخبار أعم من هذا المعنى ومن التحريم، للجمع بينها
وبين بقية أخبار المسألة الصريحة في الجواز، وخصوص موثقة محمد بن مسلم
المتقدمة " أن له ذلك وإن كرهت "، ولم أقف للقول الآخر على دليل يعتمد عليه.
ونقل عنهم الاستدلال بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1)، " أنه نهى أن يعزل عن
الحرة إلا بإذنها ".
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " في العزل أنه الداء الخفي " والمراد بالداء قتل الولد،
ولأن حكمة النكاح والاستيلاد لا يحصل غالبا مع العزل فيكون منافيا لغرض
الشارع.
وأنت خبير بما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال، ولو لم يعارضه
معارض في هذا المجال.
أما الروايتان فالظاهر أنهما عاميتان لعدم وجودهما في كتب أخبارنا، بما
اعترف بذلك في المسالك.
وأما التعليل الآخر فهو مع قطع النظر عن معارضة بالأخبار المذكورة
لا يصلح لتأسيس حكم شرعي كما عرفته في غير مقام مما تقدم، على أن الغرض
غير منحصر في الاستيلاد كما ادعاه، وبذلك ظهر أن القول المشهور هو المعتمد
المنصور.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنه لو عزل بدون الشرط والإذن فقيل: بأنه لا يجب

(1) كنوز الحقائق المطبوع بهامش الجامع الصغير ج 2 ص 137.
88

عليه للمرأة شئ، لأصالة البراءة خصوصا على القول بكراهة العزل، ولأنه فعل
سائغ فلا يتعقبه الضمان، ولما دلت عليه الأخبار المتقدمة من أن ذلك " إلى الرجل
يصرفه حيث شاء ".
وقيل: بوجوب دية النطفة عشرة دنانير للمرأة، وإن قلنا بالكراهة
ذهب إليه جماعة منهم الشيخ والعلامة والشهيد والمحقق في الشرايع.
وقيل: بوجوب ذلك على تقدير التحريم دون الكراهة، وهو اختيار المحقق
في النافع، وهو الأنسب بالقياس، وإلا فالقول بالوجوب مع القول بجواز العزل،
مما لا يجتمعان، لأنه متى جوز له الشارع العزل وأباحه له، وإن كرهت المرأة
كما عرفت، فكيف يرتب عليه الدية، على أن الرواية التي استندوا إليها هنا
في وجوب الدية، ليست من المسألة المذكورة في شئ، لأن موردها من أفرغ في
حال الجماع فعزل لذلك، فعلى المفرغ دية النطفة عشرة دنانير روي (1) ذلك
صحيحا عن علي عليه السلام والفرغ الموجب للعزل كما تضمنته الرواية غير موجود هنا
وبذلك يظهر أيضا أن حمل الدية على الاستحباب لا وجه له أيضا، لأن الخبر
المذكور كما عرفته خارج عن موضع البحث، والله العالم.
الفائدة الثانية عشر: قدر صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم)، بأنه لا يجوز
ترك وطئ الزوجة أكثر من أربعة أشهر، وكذا لا يجوز الدخول بها قبل إكمال
تسع سنين هلالية، ولو دخل بها والحال كذلك لم تحرم عليه مؤبدا إلا أن
يفضيها، وقيل: تحرم وإن لم يفضها.
وتحقيق الكلام في المقام يقع في موضعين:
الأول: في تحريم الوطئ المدة المذكورة، قال في المسالك: هذا الحكم
موضع وفاق، واستدلوا على ذلك مضافا إلى الاتفاق المذكور بما رواه في الفقيه

(1) الكافي ج 7 ص 343 ح 1، الوسائل ج 19 ص 237 ح 1.
89

والتهذيب في الحسن برواية الفقيه عن صفوان بن يحيى (1) عن الرضا " عليه السلام أنه سأله
عن رجل تكون عنده المرأة الشابة، فيمسك عنها الأشهر والسنة، لا يقربها،
ليس يريد الاضرار بها، يكون لهم مصيبة، أيكون في ذلك آثما؟ قال: إذا
تركها أربعة أشهر كان آثما بعد ذلك ".
ورآه الشيخ بطريق آخر عن صفوان أيضا مثله وزاد " إلا أن يكون بإذنها "
وطعن فيه في المسالك بضعف السند، وهي مبني على رواية الخبر من التهذيب،
وإلا فهو في الفقيه حسن كما ذكره العلامة في الخلاصة.
وأنت خبير بأن مورد الخبر إنما هو الشابة، والمدعى أعم من ذلك (2) فلا
يقوم حجة على المدعى، فلم يبق إلا التمسك بالاجماع المذكور، وفيه ما لا يخفى
ومن ثم إن المحدث الكاشاني والمحدث الحر العاملي قصرا الحكم على الشابة،
وقوفا على منطوق الخبر وهو الأظهر.
قالوا: والمعتبر من الوطئ الواجب ما يحصل به مسماه ويجب به الغسل
وأن يكون في القبل وإن لم ينزل، ومن المحتمل قريبا تخصيصه بالجماع مع
الانزال، فإنه هو الفرد الأغلب المتكرر، والاطلاق إنما يحمل عليه، كما هو
القاعدة المسلمة بينهم، وسياق الخبر أيضا مشعر به.
وفي شمول ذلك للدائمة والمتعة وجهان، اختار أولهما شيخنا الشهيد الثاني

(1) الفقيه ج 3 ص 256 ب 123 ح 1، التهذيب ج 7 ص 412 ح 19
و ص 419 ح 50، الوسائل ج 14 ص 100 ح 1.
(2) وأما ما ذكره في المفاتيح حيث قال: وذكر الشابة في السؤال وإن لم يصلح
للتخصيص، إلا أن عدم النص على العموم يقتضيه، إلا أن يكون للعموم اجماع، ففيه أن
الضمير في قوله عليه السلام " إذا تركها " لا مرجع له. إلا الشابة المسؤول عنها، وكذا
جملة الضمائر المذكورة إنما ترجع إلى الشابة المذكورة، والجواب لم يقع مطلقا كما
توهمه، حتى أنه يعتذر عن عدم تقييد السؤال بما ذكره، بل الجواب وقع عن خصوص
الشابة كما لا يخفى. (منه - رحمه الله -).
90

في الروضة، والثاني في المسالك، وعلله بالوقوف على موضع اليقين، واقتصارا على
من ثبتت لها حقوق الزوجية.
الثاني: في الدخول بها قبل إكمال التسع، ولا خلاف في تحريم الوطئ
قبل إكمال المدة المذكورة، ولا خلاف أيضا في تحريمها مؤبدا مع الافضاء
إنما الخلاف في تحريمها مؤبدا، قبل إكمال المدة المذكورة وإن لم يفضها،
فالمشهور العدم، ونقل عن الشيخ القول بالتحريم.
والذي وقفت عليه من أخبار المسألة ما رواه الكليني عن أبي بصير (1) عن أبي
جعفر عليه السلام " قال: لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين ".
وعن الحلبي (2) في الصحيح " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا تزوج الرجل
الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين ". وما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: لا يدخل بالجارية
حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين ".
قال بعض المحدثين: لعل المراد بالترديد، لاختلافهن في كبر الجثة
وصغرها، وقوة البنية وضعفها. إنتهى وهو جيد.
وروي في الكافي والفقيه عن حماد عن الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: من
وطئ امرأته قبل تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن ".
وما رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد (5) " عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام
قال: من تزوج بكرا فدخل بها في أقل من تسع سنين فعيبت ضمن ".
وعن غياث بن إبراهيم (6) " عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: لا توطئ

(1) الكافي ج 5 ص 398 ح 1 و 2 و 3، وأخرج الثالث في التهذيب ج 7 ص 451 ح 14 وفي الفقيه ج 3 ص 261 ح 25.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) الفقيه ج 3 ص 261 ح 26، التهذيب ج 7 ص 410 ح 10.
(5) التهذيب ج 7 ص 410 ح 11 و 12.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 70 ح 4 و 1 و 2 و ص 71 ح 5 و 6 و 7.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 5.
91

جارية لأقل من عشر سنين، فإن فعل فعيبت فقد ضمن ".
وعن حمران (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سئل عن رجل تزوج جارية بكرا
لم تدرك فلما دخل بها اقتضها فأفضاها؟ فقال: إن كان دخل بها حين دخل بها
ولها تسع سنين فلا شئ عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين، أو كان لها أقل من
ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج، فعلى
الإمام أن يغرمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شئ عليه ".
وما رواه في الكافي عن حميد عن زكريا المؤمن (2) أو بينه وبينه رجل ولا
أعلم إلا حدثني عن عمار السجستاني " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لمولى له
انطلق فقل للقاضي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حد المرأة أن يدخل بها على زوجها
ابنة تسع سنين ".
وما رواه في الكافي عن العدة عن سهل عن يعقوب بن يزيد (3) عن بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن يبلغ سبع
سنين فرق بينهما، ولم تحل له أبدا ".
وقد اتفقت هذه الأخبار على تحريم الدخول بها قبل التسع، ودلت جملة
منها على ضمانه لو عيبت بالدخول، وهو مما لا خلاف فيه عندهم، إلا أن ظاهره
حمل العيب على الافضاء وهو كذلك، فإنه لا عيب هنا سواه غالبا.
والظاهر أن ما ذهب إليه الشيخ من القول بالتحريم المؤبد بالدخول، وإن
لم يحصل الافضاء، قد استند فيه إلى مرسلة يعقوب بن يزيد المذكورة، وهي
ظاهرة فيه كما يخفى.

(1) الفقيه ج 3 ص 272 ح 79.
(2) الكافي ج 5 ص 398 ح 4 و ص 429 ح 12، التهذيب ج 7 ص 451 ح 15 و ص 311 ح 50.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 71 ح 9 و ص 70 ح 3 و ص 381 ح 2.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
92

قال في المسالك بعد ذكر المسألة (1): فقد ذهب الشيخ إلى التحريم استنادا
إلى روايات تدل بإطلاقها عليه، وهي مع ضعف سندها محمولة على الافضاء، وقوفا
على موضع الوفاق وتمسكا بصحة العقد. إنتهى.
أقول: ظاهر كلامه أن هنا روايات أخر تدل على ما دلت عليه هذه الرواية
من التحريم المؤبد بمجرد الدخول، ولا أعرف له وجها، فإن ما ذكرناه من
الأخبار هو جميع ما ورد في المسألة، وليس فيها مما يدل على التحريم المؤبد غير
هذه الرواية، مع ما عرفت من عمومها للافضاء وعدمه، لأنه رتب التحريم المؤبد
على مجرد الدخول، وما عداها من أخبار المسألة، فغاية ما يدل عليه هو النهي عن
الدخول، وأنه مع فعله وحصول العيب فإنه يضمن ذلك، وليس فيها تعرض
للتحريم المؤبد بالكلية، أفضى أو لم يفض.
ورواية حمران المتضمنة للافضاء إنما تضمنت ذلك أيضا، ولا تعرض فيها
للتحريم المؤبد، فما ادعوه من الاتفاق على التحريم المؤبد مع الافتضاض ليس
له مستند في الأخبار، إلا إطلاق مرسلة يعقوب بن يزيد المذكورة.
وبذلك يظهر لك ما في قوله أنها مع ضعف سندها محمولة على الافضاء فإنه
إنما يتم لو كان في الأخبار ما يدل على التحريم المؤبد مع الافضاء، وقد عرفت
أنها خالية من ذلك، وإن أراد بتلك الروايات التي زعمها مستندا للشيخ، هي ما
قدمناه من الروايات المتضمنة للضمان مع العيب ففيه ما عرفت من أنه ليس في
شئ من تلك الأخبار ما يدل على التحريم المؤبد الذي ادعاه الشيخ، وبالجملة،
فإن كلامهم هنا لا يخلو من المجازفة والإجمال، لعدم إعطاء التأمل حقه في روايات
المسألة حسبما يقتضه الحال ويزول به الاشكال.
ومنه يظهر أن ما ذهب إليه الشيخ من القول المذكور، هو المؤيد المنصور
وأن القول المشهور بمحل من القصور.

(1) وهي الخلاف في تحريمها بمجرد الوطئ من غير افضاء (منه - رحمه الله -).
93

وهل المراد بالافضاء أن يصير بجماعه مسلك البول والحيض واحدا بإذهاب
الحاجز بينهما، أو مسلك الغائط والحيض واحدا، اختار في المسالك الأول. ورد
الثاني بأنه بعيد، قال: لبعد ما بين المسلكين، وقوة الحاجز بينهما، فلا يتفق
زواله بالجماع، ولو فرض كان إفضاء.
وكلام أهل اللغة كالقاموس والمصباح هنا مجمل، وفي كتاب مجمع البحرين
هو جعل مسلكي البول والغائط واحدا، والظاهر أنه الأقرب. والله العالم.
الفائدة الثالثة عشر: قد جرت عادة الفقهاء بذكر خصائصه صلى الله عليه وآله عن غيره
في كتاب النكاح لأنها بالنسبة إليه أكثر، وقد ذكر المحقق في الشرايع منها خمسة
عشرة، ستة في النكاح، وتسعة في غيره، وذكر العلامة في التذكرة ما يزيد على سبعين
وأفرد بعضهم لها كتابا ضخما لكثرتها وزيادتها على ما ذكر.
ونحن نذكر خصائص القسم الأول مفصلا حيث إنه من مسائل الكتاب،
وخصائص الثاني مجملا، فيرجع إلى كل فرد منها في محله.
فنقول: الأول من القسم الأول، اختصاصه صلى الله عليه وآله وسلم بجواز الزيادة على الأربع
في النكاح الدائم، فأما عدم جواز الزيادة على الأربع في غيره، فهو مما لا خلاف
فيه، وستأتي الأخبار به في موضعها.
وأما ما يدل على الرخصة له صلى الله عليه وآله وسلم في الزيادة فإنه قد قبض عن تسع نسوة
عائشة، وحفصة، وأم سلمة المخزومية، وأم جيبة بنت أبي سفيان، وميمونة بنت
الحرث الهلالية، وجويرية بنت الحرث الخزاعية، وسودة بنت زمعة، وصفية بنت
حي بن أخطب الخيبرية، وزينب بنت جحش، وجميع من تزوج بهن خمسة عشرة،
وجمع بين إحدى عشر، ودخل بثلاث عشرة، وفارق امرأتين في حياته، إحداهما
الكندية التي رأى بكشحها بياضا، فقال: إلحقي بأهلك والأخرى تعوذت منه
بخديعة الأولين حسد لها.
94

والذي وصل إلى من الأخبار المناسبة للمقام ما رواه الصدوق في الخصال (1)
عن الصادق عليه السلام " تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخمس عشرة امرأة، ودخل بثلاث عشرة
منهن وقبض من تسع فأما اللتان لم يدخل بهما فعمرة والشنباء وأما الثلاث عشرة
اللواتي دخل بهن فأولهن خديجة بنت خويلد، ثم سوده بنت زمعة، ثم أم سلمة
واسمها هند بنت أبي أمية، ثم أم عبد الله، ثم عائشة بنت أبي بكر، ثم حفصة بنت
عمر، ثم زينب بنت خزيمة بن حارث أم المساكين، ثم زينب بنت جحش، ثم أم
حبيبة زملة بنت أبي سفيان، ثم ميمونة بنت الحارث، ثم زينب بنت عميس، ثم
جويرية بنت الحارث ثم صفية بنت حي بن أخطب، والتي وهبت نفسها للنبي
صلى الله عليه وآله خولة بنت حكيم الأسلمي، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه: مارية
القبطية، وريحانة الخندقية.
والتسع اللواتي قبض عنهن: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينت بنت
جحش، وميمونة بنت الحارث، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وصفية، وجويرية
وسودة، وأفضلهن خديجة بنت خويلد، ثم أم سلمة، ثم ميمونة ".
وما رواه في الكافي عن الحلبي (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن
قول الله عز وجل (3) " يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك " قلت: كم أحل له من
النساء؟ قال: ما شاء من شئ قلت: قوله: (4) " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل
بهن من أزواج " فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينكح ما شاء من بنات عمه وبنات
عماته وبنات خاله وبنات خالاته وأزواجه اللاتي هاجرن معه، وأحل له أن ينكح
من عرض المؤمنين بغير مهر، وهي الهبة، ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله فأما

(1) الخصال ج 2 ص 419 ح 13 الطبعة الجديدة.
(2) الكافي ج 5 ص 387 ب 55 ح 1.
وهما في الوسائل ج 14 ص 181 ح 11 و ص 199 ح 6.
(3) سورة الأحزاب - آية 50 و 52.
(4) سورة الأحزاب - آية 50 و 52.
95

لغير رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يصلح نكاح إلا بمهر، وذلك معنى قوله تعالى (1) " وامرأة
مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي " قلت: أرأيت قوله (2) " ترجي من تشاء منهن وتؤوي
إليك من تشاء " قال: من آوى فقد نكح ومن أرجى فلم ينكح، قلت: قوله:
" لا يحل لك النساء من بعد " قال: إنما عنى به النساء اللاتي حرم عليه في هذه
الآية (3) " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتك - إلى آخر الآية " ولو كان
الأمر كما يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له، إن أحدكم يستبدل كلما أراد
ولكن ليس الأمر كما يقولون، إن الله عز وجل أحل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما أراد من
النساء إلا ما حرم عليه في هذه الآية التي في النساء ".
وبهذا المضمون روايات مختلفة، زيادة ونقصانا، فروى في الكافي عن أبي بكر
الحضرمي (4) عن أبي جعفر عليه السلام مثله بأدنى تفاوت إلا أنه ليس فيه حديث الارجاء،
ورواه بطريق آخر عن أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام مثله إلا أنه ليس فيه حديث
الإرجاء ولا الهبة، وزاد أحاديث آل محمد عليهم السلام خلاف أحاديث الناس.
وروى في الكافي والتهذيب عن أبي بصير (6) عنه عليه السلام مثله من دون الزيادة
المذكورة، إلا أنه قال فيه: " أراكم وأنتم تزعمون لكم ما لا يحل لرسول الله صلى الله عليه وآله "
ولا يخفى على من تأمل سياق الآيات هنا ما في هذه الأخبار من الاشكال، بل الداء
العضال، وأشكل وأعضل من ذلك ما ذكره الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره
حيث قال: " لا يحل لك النساء " من بعد ما حرم عليه في سورة النساء قوله " ولا
أن تبدل بهن من أزواج " معطوف على قصة امرأة زيد " ولو أعجبك حسنهن " أي
لا يحل لك امرأة رجل أن تتعرض لها حتى يطلقها وتزوجها أنت، فلا تفعل هذا
الفعل بعد هذا. إنتهى.

(1) سورة الأحزاب - آية 50 و 51.
(2) سورة الأحزاب - آية 50 و 51.
(3) سورة النساء - آية 23.
(4) الكافي ج 5 ص 389 ح 4 و ص 391 ح 8 و ص 388 ح 2.
(5) الكافي ج 5 ص 389 ح 4 و ص 391 ح 8 و ص 388 ح 2.
(6) الكافي ج 5 ص 389 ح 4 و ص 391 ح 8 و ص 388 ح 2.
96

ولا مسرح للفكر هنا ولا كلام غير غض الطرف، ورد هذه الأخبار إلى
قائلها عليه السلام، ولهذا قال المحدث الكاشاني في كتاب الصافي - بعد ذكر نحو ما
قلناه -: أقول: وهذه الأخبار كما ترى، وكذا ما ذكره القمي رزقنا الله فهمها،
وقيل: هذه الآية منسوخة بقوله " ترجي من تشاء منهن، وتؤوي إليك من تشاء "
فإنه وإن تقدمها قراءة، فهو مسبوق بها نزولا.
وما رواه في الكافي عن جميل ومحمد بن حمران (1) " قالا: سألنا أبا عبد الله عليه السلام
كم أحل لرسول الله صلى الله عليه وآله من النساء؟ قال: ما شاء، يقول بيده هكذا وهي له حلال
- يعني يقبض يده - ".
وروى في الكافي بسنده عن أبي بصير (2) وغيره في تسمية نساء النبي صلى الله عليه وآله
ونسبهن وصفتهن: " عائشة، وحفصة، وأم حبيب بنت أبي سفيان بن حرب، وزينب
بنت جحش، وسودة بنت زمعة، وميمونة بن الحارث، وصفية بنت حي بن
أخطب، وأم سلمة بنت أبي أمية، وجويرية بنت الحارث.
وكانت عائشة من تيم، وحفصة من عدي، وأم سلمة من بني مخزوم، وسودة
من بني أسد بن عبد العزى، وزينب بنت جحش من بني أسد وعدادها في بني أمية
وأم حبيب بنت أبي سفيان من بني أمية، وميمونة بنت الحارث من بني هلال،
وصفية بنت حي بن أخطب من بني إسرائيل، ومات صلى الله عليه وآله وسلم عن تسع نساء، وكان
له سواهن التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخديجة بنت خويلد أم ولده وزينب
بنت أبي الجون التي خدعت والكندية ".
وربما علل جواز تجاوز الأربع بالنسبة إليه صلى الله عليه وآله بامتناع الجور عليه
لعصمته، ورد بأن ذلك منتقض بالإمام عليه السلام لعصمته عندنا، وهل له الزيادة على التسع؟
قيل: لا، لأن الأصل استواء النبي والأمة في الحكم، إلا أنه ثبت جواز الزيادة

(1) الكافي ج 5 ص 389 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 390 ح 5، الوسائل ج 14 ص 181 ح 10.
97

إلى التسع بفعله صلى الله عليه وآله وسلم وقيل: بالجواز مطلقا، وهو اختياره في المسالك، قال:
والأولى الجواز مطلقا لما ثبت من العلة، وما ثبت من أنه صلى الله عليه وآله جمع بين إحدى عشرة.
أقول: ويدل على القول بالجواز مطلقا ما تقدم في صحيح الحلبي من قوله
" قلت: كم أحل له من النساء؟ قال: ما شاء من شئ " ومثلها رواية جميل ومحمد بن
حمران المتقدمة.
الثاني من القسم الأول أيضا: العقد بلفظ الهبة لقوله تعالى " وامرأة مؤمنة
إن وهبت نفسها للنبي " صلى الله عليه وآله، ولا يلزم بها مهر ابتداء ولا بالدخول كما هو قضية
الهبة. قالوا: وكما يجوز وقوع الإيجاب منها بلفظ الهبة - كما هو مقتضى الآية -
يجوز وقوع القبول منه كذلك، لأن موردهما يعتبر أن يكون واحدا، ونقل عن
بعض العامة اشتراط لفظ النكاح من جهته صلى الله عليه وآله لظاهر قوله تعالى " يستنكحها "
ورد بأنه لا دلالة فيه، لأن نكاحه بلفط الهبة متحقق.
أقول: الأصل في هذا الحكم ما رواه في الكافي عن محمد بن قيس (1) في الصحيح
أو الحسن عن أبي جعفر عليه السلام " قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فدخلت عليه وهو في منزل حفصة، والمرأة متلبسة متمشطة، فدخلت على رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله إن المرأة لا تخطب الزوج وأنا امرأة أيم لا زوج لي
منذ دهر ولا لي ولد، فهل لك من حاجة؟ فإن تك فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خيرا ودعا لها، ثم قال يا أخت الأنصار جزاكم الله عن
رسوله خيرا، فقد نصرني رجالكم، ورغب في نساؤكم فقالت لها حفصة: ما أقل
حياءك وأجراك وأنهمك على الرجال، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كفي عنها
يا حفصة، فإنها خير منك، رغبت في رسول الله، فلمتها وعيبتها، ثم قال للمرأة:
انصرفي رحمك الله فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك في وتعرضك لمحبتي وسروري

(1) الكافي ج 5 ص 568 ح 53، الوسائل ج 14 ص 200 ح 8.
98

وسيأتيك أمري إن شاء الله، فأنزل الله تعالى (1) " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها
للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين " قال: فأحل الله
عز وجل هبة المرأة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وآله ولا يحل ذلك لغيره ".
وأنت خبير بأن الظاهر أنه بعد نزول الآية على أثر هذه الواقعة، نكح النبي
صلى الله عليه وآله المرأة، ولا إيجاب هنا ولا قبول، غير ما تقدم نقله عن المرأة من هبتها نفسها
له ورضاه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.
الثالث من القسم المذكور: وجوب تخييره النساء بين إرادته ومفارقته،
لقوله عز وجل (2) " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها
فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا - إلى قوله - أجرا عظيما ".
قال في المسالك: وهذا التخيير عند العامة القائلين بوقوع الطلاق بالكناية
كناية عن الطلاق، وبعضهم على أنه صريح فيه، وعندنا ليس له حكم بنفسه، بل
ظاهر الآية أن من اختارت الحياة الدنيا وزينتها يطلقها لقوله تعالى " وإن كنتن
تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا " إنتهى.
أقول: قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (3): وأما قوله عز وجل
" يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها - إلى قوله -
أجرا عظيما " فإنه كان سبب نزولها أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة خيبر
وأصاب كنز آل أبي الحقيق، قلن أزواجه: أعطنا ما أصبت، فقال لهن رسول الله
صلى الله عليه وآله: قسمته بين المسلمين على ما أمر الله، فغضبن من ذلك وقلن: لعلك ترى
أنك إن طلقتنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوجونا، فأنف الله لرسول الله صلى الله عليه وآله
فأمره أن يعتزلهن فاعتزلهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مشربة أم إبراهيم تسعة وعشرين
يوما، حتى حضن وطهرن، ثم أنزل الله هذه الآية وهي آية التخيير، فقال

(1) سورة الأحزاب آية 49 و 28.
(2) سورة الأحزاب آية 49 و 28.
(3) تفسير القمي ج 2 ص 192 ط النجف الأشرف.
99

" يا أيها النبي قل لأزواجك - إلى قوله - أجرا عظيما " فقامت أم سلمة وهي
أول من قامت وقالت: قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن فعانقنه وقلن مثل
ذلك إلى آخره ".
وروى في الكافي عن عيص بن القاسم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن
رجل خير امرأته فاختارت نفسها، بانت منه؟ قال: لا إنما هذا شئ كان
لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة، أمر بذلك ففعل، ولو اخترن أنفسهن لطلقهن، وهو قول
الله عز وجل " قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن
وأسرحكن سراحا جميلا ".
وعن محمد بن مسلم (2) في الموثق عن أبي جعفر عليه السلام " قال سألت أبا جعفر عليه السلام
عن الخيار، فقال: وما هو وما ذاك، إنما ذلك شئ كان لرسول الله صلى الله عليه وآله ".
وعن محمد بن مسلم (3) في الموثق " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني سمعت أباك
يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خير نساءه فاخترن الله ورسوله، فلم يمسكهن
على طلاق (4) ولو اخترن أنفسهن لبن فقال: إن هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة
وما للناس والخيار إنما هذا شئ خص الله به رسوله صلى الله عليه وآله ".
أقول: المفهوم من هذه الأخبار وغيرها مما سيأتي إن شاء الله ذكره في محله
أن هذا التخيير ووجوب ما يترتب عليه من وجوب الطلاق لو اخترن أنفسهن
وحصول البينونة بهذا الطلاق من دون جواز رجعته لو وقع مما خص به رسول الله
صلى الله عليه وآله، ليس لغيره من الناس.

(1) الكافي ج 6 ص 137 ح 3، الوسائل ج 15 ص 336 ح 4.
(2) الكافي ج 6 ص 136 ح 1 و 2، الوسائل ج 15 ص 336 ح 1 و 3.
(3) الكافي ج 6 ص 136 ح 1 و 2، الوسائل ج 15 ص 336 ح 1 و 3.
(4) قوله: فلم يمسكهن على طلاق يعني أنه لم يطلقهن ثم عقد عليهن عقدا آخر،
وإنما أمسكهن بالعقد الأول. (منه - رحمه الله -).
100

بقي الكلام في أنه لو اخترن أنفسهن فهل تحصل البينونة بمجرد الاختيار،
أم لا بد من الطلاق؟ علماءنا على الثاني كما تقدم في كلام صاحب المسالك،
والعامة على الأول كما يشعر به كلام المتقدم (1) أيضا، والأخبار مختلفة، وسيأتي
تحقيق الكلام في هذا المقام في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى مستوفي.
وفي رواية محمد بن مسلم الثانية إشارة إلى حمل الأخبار الدالة على البينونة
بمجرد الاختيار على التقية.
الرابع: تحريم نكاح الإماء عليه بالعقد، ولم أقف له على دليل في أخبارنا
وإنما علل ذلك بتعليلات اعتبارية، علل بأن نكاح الأمة مشروط بالخوف من
العنت، وهو صلى الله عليه وآله معصوم، ومشروط بفقدان طول الحرة، ونكاحه صلى الله عليه وآله وسلم مستغن
عن المهر ابتداء وانتهاء، وبأن من نكح أمة كان ولدها منه رقيقا عند جماعة،
ومنصبه صلى الله عليه وآله وسلم منزه عن ذلك، وبأن كون الزوجة مملوكة للغير محكوما عليها
لغير الزوج مرذول، فلا يليق ذلك بمنصبه صلى الله عليه وآله.
قيل: وفي كل واحدة من هذه العلل نظر، لأن الأولى منقوضة بالإمام،
والثانية بإمكان فقد الطول بالنسبة إلى النفقة، وإن انتفى المهر عنه، وبالمنع من
كون ولد الأمة رقيقا مطلقا، لأنه عندنا يتبع أشرف الطرفين، وبمنع رذالة
التزويج بأمة الغير مطلقا، وجوز بعض العامة نكاحه الأمة المسلمة با لعقد كما
تحل بالملك لضعف المانع، ولكن الأكثر على المنع.
أقول: الظاهر أن أصل القول المذكور إنما هو من العامة، وتبعهم جملة من الأصحاب استحسانا لما ذكروه من التعليلات المذكورة كما عرفت في غير موضع
من الكتب السابقة، ونصوصنا خالية منه هذا.
وأما وطئ الإماء بملك اليمين - مسلمة كانت الأمة أو كتابية - فهو مما

(1) حيث ذكر أن بعضهم يجعله كناية عن الطلاق، وبعضهم يجعله طلاقا صريحا
وعلى كل من الأمرين المذكورين، فلا يتوقف على ذكر الطلاق بعده. (منه - رحمه الله -).
101

لا إشكال في جوازه بالنسبة إليه صلى الله عليه وآله لقوله عز وجل " أو ما ملكت أيمانكم " (1)
" وما ملكت يمينك " (2) وقد ملك صلى الله عليه وآله وسلم القبطية وكانت مسلمة، وملك صفية
وكانت مشركة فكانت عنده إلى أن أسلمت فأعتقها وتزوجها.
الخامس والسادس: تحريم الاستبدال بنسائه اللواتي كن عنده وقت نزول
هذه الآية (3) " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك
حسنهن " الآية، وكذلك تحرم عليه الزيادة عليهن للآية، قيل: كان ذلك مكافاة
لهن على حسن صنيعهن معه، حيث أمر بتخييرهن في فراقه، والإقامة معه على
الضيق الدنيوي، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، واستمر ذلك إلى أن نسخ
بقوله تعالى السابقة عليها (4) " إنا أحللنا لك أزواجك " الآية، لتكون المنة له
صلى الله عليه وآله وسلم بترك التزويج عليهن، وقال بعض العامة أن التحريم لم ينسخ.
أقول: قد عرفت فيما تقدم من صدر هذا البحث ما في المقام من الاشكال،
فإن ما ذكر من التحريم في الموضعين المذكورين هو ظاهر سياق الآيات إلا أن
أخبارنا قد شددت في إنكاره، وعلى هذا فتزول هاتان الخصوصيتان من البين.
السابع: وهو ما ذكره العلامة في التذكرة أنه كان إذا رغب في نكاح امرأة
فإن كانت خلية وجب عليها الإجابة، وحرم على غيره خطبتها، وإن كانت ذات
زوج وجب عليه طلاقها لينكحها، لقضية زينب امرأة زيد بن الحارثة التي حكاه
الله تعالى في كتابه.
أقول: أما الثاني فهو ظاهر من جملة الأخبار التي وردت في تفسير الآيات
بقضية زيد (5).
وأما الأول فلم أقف فيه على خبر بعد التتبع، إلا أن فحوى الأخبار المشار إليها

(1) سورة النساء - آية 3.
(2) سورة الأحزاب - آية 50 و 52 و 50.
(3) سورة الأحزاب - آية 50 و 52 و 50.
(4) سورة الأحزاب - آية 50 و 52 و 50.
(5) مجمع البيان ج 8 ص 359.
102

يفيد ذلك، فإنه إذا وجب على المزوجة أن يفارقها زوجها لأجله، وجب عليها
إجابته لو كانت خالية بطريق أولى، فإن مقتضى وجوب مفارقة الزوج لها هو
تحريمها على جميع الأزواج عداه صلى الله عليه وآله، فتجب عليها إجابته لو كانت خالية
من أول الأمر.
الثامن: تحريم زوجاته صلى الله عليه وآله على غيره لقوله عز وجل (1) " وما كان لكم أن
تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ".
وللأخبار المتكاثرة.
ومنها: ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام " أنه قال:
لو لم تحرم على الناس أزواج النبي صلى الله عليه وآله لقول الله عز وجل: وما كان لكم أن تؤذوا
رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، حرمن على الحسن والحسين عليهما السلام
لقول الله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء " الحديث.
وما رواه في الكتاب المذكور عن ابن أذينة (3) في الحسن " قال: حدثني سعيد بن
أبي عروة عن قتادة عن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج امرأة من بني
عامر بن صعصعة يقال لها سني وكانت من أجمل أهل زمانها، فلما نظرت إليها
عائشة وحفصة قالتا: لتغلبنا هذه على رسول الله بجمالها، فقالتا لها: لا يرى منك
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرصا، فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تناولها بيده، فقالت:
أعوذ بالله، فانقبضت يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها فطلقها وألحقها بأهلها وتزوج
رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة من كندة بنت أبي الجون، فلما مات إبراهيم بن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم، ابن مارية القبطية قالت: لو كان نبيا ما مات ابنه، فألحقها رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم بأهلها قبل أن يدخل بها، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، وولى الناس أبو بكر

(1) سورة الأحزاب - آية 53.
(2) الكافي ج 5 ص 420 ح 1 و ص 421 ح 3، الوسائل ج 14 ص 312 ح 1 و 4.
(3) الكافي ج 5 ص 420 ح 1 و ص 421 ح 3، الوسائل ج 14 ص 312 ح 1 و 4.
103

أتته العامرية والكندية، وقد خطبتا، فاجتمع أبو بكر وعمر فقالا لهما: اختارا
إن شئتما الحجاب، وإن شئتما الباه، فاختارتا الباه، وتزوجتا فجذم أحد الرجلين
وجن الآخر، وقال عمر بن أذينة: فحدثت بهذا الحديث زرارة والفضيل،
فرويا عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: ما نهى الله عز وجل عن شئ إلا وقد عصي فيه
حتى لقد نكحوا أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعده، وذكر هاتين: العامرية،
والكندية، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها
قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ لقالوا: لا، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعظم حرمة
من آبائهم ".
وعن زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام نحوه، " وقال في حديثه: ولاهم يستحلون
أن يتزوجوا أمهاتهم إن كانوا مؤمنين، فإن أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله في الحرمة
مثل أمهاتهم ".
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الحكم اتفاقي بالنسبة إلى المدخول بها، وقالوا:
لم يمت رسول الله صلى الله عليه وآله عن زوجة في عصمته إلا مدخولا بها. وأما من لم يدخل
بها كمن فارقها في حياته بفسخ أو طلاق، كالتي وجد بكشحها بياضا والمستعيذة،
فإن فيها أقوالا.
والمشهور التحريم كالأولى، لصدق نسبة زوجيتها إليه صلى الله عليه وآله بعد الفراق في
الجملة، فيدخل في عموم الآية والأخبار المذكورة.
وقيل: إنها لا تحرم مطلقا، لأنه يصدق في حياته أن يقال: إنها ليست
زوجته صلى الله عليه وآله الآن لاعراضه عنها، وهذا القول مردود بالأخبار المذكورة.
وقيل: إنها إن كانت مدخولا بها حرمت، وإلا فلا، لما روي أن الأشعث بن
قيس نكح المستعيذة في زمان عمر فهم برجمها، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وآله فارقها قبل أن

(1) الكافي ج 5 ص 421 ح 4.
104

يمسها فخلاها ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
أقول: وهو في الضعف كسابقه، وهذه الرواية المذكورة - مع كونها عامية -
معارضة بما تقدم عن الحسن البصري من إذن أبو بكر وعمر للمستعيذة في الباه،
فكيف يهم برجمها عمر كما في هذه الرواية، وهو قد أذن لها في الباه بتلك الرواية.
ثم إن من أنكر على عمر في تغيير شرايع الاسلام غير مقام، حتى ينكر عليه
هنا، وبذلك يظهر لك قوة القول الأول، حسبما دلت عليه الأخبار المذكورة.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن تحريم أزواجه صلى الله عليه وآله على الأمة إنما هو للنهي
الوارد في القرآن لا لتسميتهن بأمهات المؤمنين في قوله " وأزواجه أمهاتهم " ولا
لتسميته صلى الله عليه وآله والدا، لأن هذه التسمية إنما وقعت على وجه المجاز لا الحقيقة،
كناية عن تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن، ومن ثم لم يجز النظر إليهن،
ولو كن أمهات حقيقة لجاز، مع أنه ليس كذلك، ولأنه لا يقال لبناتهن
أخوات المؤمنين، لأنهن لا يحرمن على المؤمنين، ولقد زوج رسول الله صلى الله عليه وآله عليا
فاطمة عليهما السلام، وعثمان البنتين الآخرين، ولا يقال، لآبائهن وأمهاتهن أجداد
المؤمنين وجداتهم أيضا.
هذا كله بالنسبة إلى القسم الأول وهو ما اختص به مما يتعلق بالنكاح.
وأما القسم الثاني وهو ما خرج عن النكاح فهي كثيرة، ولنذكر منها
ما وقفنا عليه في كلامهم:
الأول: وجوب السواك، الثاني: وجوب الوتر، الثالث: وجوب الأضحية.
واستدل عليه في المسالك قال: روي عنه (1) صلى الله عليه وآله أنه قال: ثلاث كتبت
علي ولم تكتب عليكم، السواك، والوتر، والأضحية.
وفي حديث آخر (2) " كتب علي الوتر ولم يكتب عليكم، وكتب علي السواك
ولم يكتب عليكم، وكتبت علي الأضحية ولم تكتب عليكم ".

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 39 مع اختلاف يسير.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 39 مع اختلاف يسير.
105

قال: وبعض العامة منع وجوب الثلاثة عليه، مع ورود هذه الروايات من
جانبهم، وكنا أولى بذلك منه. إنتهى.
وفيه إشارة إلى أن أصل هذا القول والاستدلال عليه بهذه الأخبار إنما هو
من العامة، فإن الأصحاب جروا على مقالتهم بذلك، ولهذا اعترض على هذا المانع
من الوجوب، بأنا نحن أولى بمنع الوجوب، حيث إنه لم يرد عليه دليل عندنا.
وفيه أنه بأي جهة يسوغ لكم متابعتهم في ذلك، والحال هذه وإثبات
الأحكام الشرعية متوقف على الأدلة الواضحة الجلية، من آية قرآنية أو
سنة نبوية.
الرابع: قيام الليل والتهجد فيه، لقوله عز وجل (1) " ومن الليل فتهجد به
نافلة لك " وروى في التهذيب (2) " عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن النوافل فقال:
فريضة، قال: ففزعنا وفزع الرجل، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنما أعني صلاة الليل
على رسول الله صلى الله عليه وآله ".
الخامس: تحريم الصدقة الواجبة عليه، وهي الزكاة المفروضة، وقد تقدمت
الأخبار الدالة على ذلك في كتاب الزكاة (3) فإن قيل: إن الأئمة عليهم السلام شركاء في
ذلك فلا يتحقق الاختصاص، قلنا: حيث كان تحريمها عليهم إنما هو بسببه صلى الله عليه وآله
فالخاصية عائدة إليه.
السادس: تحريم خائنة الأعين عليه، وهي الغمز بها بمعنى الإيماء بها إلى
مباح من ضرب وقتل على خلاف ما تشعر به الحال.
وفي كتاب معاني الأخبار (4) " عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن معناها، فقال:

(1) سورة الإسراء آية 79.
(2) التهذيب ج 2 ص 242 ح 28، الوسائل ج 3 ص 49 ح 6.
(3) ج 12 ص 215.
(4) معاني الأخبار ص 147 ح 1 طبع إيران سنة 1379.
106

ألم تر إلى الرجل ينظر إلى الشئ وكأنه لا ينظر إليه، فذلك خائنة الأعين.
وفي كتاب المجمع (1) في حديث ابن أبي سرج، " فقال له عباد بن بشير:
يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن عيني ما زالت في عينك انتظارا أن تؤمي إلي فأقتله، فقال
صلى الله عليه وآله: إن الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين ".
السابع: أنه أبيح له الوصال المحرم على أمته، وهو عبارة عن الجمع بين
الليل والنهار في الامساك بالنية عن تروك الصوم، أو تأخير عشائه إلى سحوره بالنية
على الخلاف، وقد تقدم في كتاب الصوم (2).
الثامن: أنه تنام يمينه ولا ينام قلبه، " قال: تنام عيني ولا ينام قلبي "، بمعنى
بقاء التفحص والاحساس، ولهذا لا ينقض وضوءه بالنوم، وبذلك تحصل له
خاصية أخرى أيضا.
التاسع: أنه كان يبصر وراءه كما يبصر أمامه، وفي أخبار الأمر بإقامة الصفوف
في الجماعة ما يدل عليه، إلى غير ذلك مما يضيق المقام عن نشره، بل نشر عشر عشره
كما لا يخفى على من راجع الأخبار الدالة على ما خص به صلى الله عليه وآله في الدنيا والآخرة.
تذنيب:
ومن خواص فاطمة (صلوات الله عليها) بالنسبة إلى النكاح أيضا أمور.
الأول: أن تزويجها من الله عز وجل، لما رواه في الكافي عن أبان بن تغلب (3)
عن أبي جعفر عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم
وأزواجكم إلا فاطمة فإن تزويجها نزل من السماء " ونحوها غيرها أيضا
الثاني: أنه لا كفؤ لها إلا أمير المؤمنين عليه السلام من آدم ومن دونه، ويدل

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 40.
(2) ج 13 ص 392.
(3) الكافي ج 5 ص 568 ح 54.
107

عليه ما رواه في التهذيب عن المفضل (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لولا أن الله خلق
أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن لفاطمة سلام الله عليها كفو على ظهر الأرض من آدم
فمن دونه ".
الثالث: تحريم النساء على علي عليه السلام ما دامت فاطمة (صلوات الله عليها) حية
ويدل عليه ما رواه في التهذيب عن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: حرم الله
النساء على علي عليه السلام ما دامت فاطمة عليها السلام حية، قال: قلت: وكيف؟ قال: لأنها
طاهر لا تحيض ".
أقول قد روت العامة أن عليا عليه السلام في حياتها عليها السلام خطب ابنة أبي جهل،
حتى أن الرسول أغاضه ذلك، فخطب على المنبر بذلك وعاتبه.
وقد استقصينا الكلام معهم في هذا المقام في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد
ابن أبي الحديد، وقد وافقنا الشارح المذكور على كذب الخبر المشار إليه، وهذا
الخبر أصرح صريح في رده وكذبه.
الرابع: عدم جواز الجمع بين ثنتين من بناتها في النكاح لما رواه الشيخ في
التهذيب عن ابن أبي عمير (3) عن رجل من أصحابنا " قال: سمعته يقول: لا يحل لأحد
أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة سلام الله عليها، إن ذلك يبلغها فيشق عليها،
قلت: يبلغها؟ قال: أي والله "
ورواه الصدوق في علل الشرايع (4) بسند صحيح، هذه صورته: حدثنا محمد بن
علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن
عثمان عن عمار " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يحل لأحد أن يجمع بين
ثنتين من ولد فاطمة (سلام الله عليها) إن ذلك يبلغها فيشق عليها، قال: قلت:
يبلغها؟ قال: أي والله ".

(1) التهذيب ج 7 ص 470 ح 90 و ص 475 ح 116.
(2) التهذيب ج 7 ص 470 ح 90 و ص 475 ح 116.
(3) التهذيب ج 7 ص 463 ح 63، الوسائل ج 14 ص 387 ح 1.
(4) علل الشرايع باب 375 نوادر العلل ص 590 ح 38.
108

أقول: وهذه المسألة لم يجر لها ذكر في كلام أصحابنا متقدميهم ومتأخريهم
وإنما اشتهر الكلام فيها في أعصارنا هذه، من زمن الشيخ الحر العاملي، حيث اختار
القول بما دل عليه ظاهر الخبر من التحريم. ونحوه جملة ممن تأخر عنه،
وأنكره جملة منهم.
ولنا في المسألة رسالة، وعسى أن نحقق المسألة إن شاء الله في جملة مسائل هذا
الكتاب في الموضع المناسب لذكرها، والله العالم.
الفائدة الرابعة عشر: اختلف الفقهاء في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل كان يجب عليه
القسم بين نسائه، بمعنى أنه إذا بات عند واحدة منهن ليلة وجب عليه أن يبيت عند كل
واحدة من الزوجات الباقيات كذلك أم لا يجب عليه ذلك؟ فقيل: بالأول، وأن
الحكم بالنسبة إليه كغيره، لعموم الأدلة الدالة على وجوب القسم، ولأنه قد علم
من سيرته صلى الله عليه وآله أنه كان يقسم بينهن حتى أنه في مرضه كان يطاف به عليهن،
وكان يقول: هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك، يعني قبله.
وقيل: بالثاني لقول تعالى (1) " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء
ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ".
والتقريب فيها أن الارجاء بمعنى التأخير، وعدم الإيواء الذي هو بمعنى
ضمهن إليه ومضاجعتهن فقد خيره بين إرجائهن وعدم ضمهن إليه ومضاجعتهن
وبين إيوائهن وضمهن إليه ومضاجعتهن، وهو ظاهر في عدم وجوب القسمة عليه
ولهذا نقل في كتاب مجمع البيان شيخنا أمين الاسلام الطبرسي أنه قيل: لما
نزلت آية التخيير أشفق أن يطلقهن، فقلن: يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك
ما شئت، ودعنا على حالنا، فنزلت الآية، وكان ممن أرجى: سودة وصفية
وجويرية وميمونة وأم حبيبة، فكان يعتزلهن ما شاء، وكان ممن آوي إليه عائشة

(1) سورة الأحزاب - آية 51.
109

وحفصة وأم سلمة وزينب، فكان يقسم لهن على السواء لا يفضل بعضهن على بعض
عن ابن رزين. إنتهى.
وبالجملة فإن ظاهر الآية بالتقريب الذي ذكره هو عدم وجوب القسم عليه،
إلا أنه تعددت الرواية عن الصادق عليه السلام (1) بأنه قال في تفسير هذه الآية: " من آوى
فقد نكح، ومن أرجى فلم ينكح ".
وفي رواية أخرى: ومن أرجى فقد طلق، وفي كتاب مجمع البيان (2) " قال
أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: من أرجى لم ينكح، ومن آوى فقد نكح ".
وأنت خبير بأن ظاهر هذا الكلام أن الارجاء عبارة عن الطلاق وعدم النكاح
بالكلية، وأن الإيواء هو إبقاءها على نكاحها وإمساكها، وعلى هذا فلا تعلق لذلك
بالقسم، كما يظهر من لفظ الآية.
ومن الظاهر أنه صلى الله عليه وآله لم يفارق أحدا منهن بعد نزول هذه الآية بأن
طلقها ولم ينكحها، وإن جعل له ذلك، لأنه صلى الله عليه وآله قد مات عن التسع وهن
أزواجه، وحينئذ فإنه لم يحصل ذلك، وإن رخص له فيه.
والمحقق في الشرايع طعن في دلالة الآية المذكورة على ما قلناه، قال: لأن
في الآية احتمالا يدفع دلالتها، إذ يحتمل أن يكون المشية في الإرجاء متعلقة
بالواهبات، وحاصله أنه كما يحتمل أن يكون المشية في الإرجاء والإيواء متعلقة
بجميع نسائه، يحتمل أن يكون المشية والارجاء متعلقة بالواهبات أنفسهن، فلا
دلالة لها على التخيير مطلقا.
وما ذهب إليه المحقق المذكور يكون قولا ثالثا: وهو التفصيل بين من
تزوجهن بالعقد فتجب القسمة لهن، ومن تزوجهن بالهبة فلا تجب.

(1) الكافي ج 5 ص 387 في ضمن حديث 1.
(2) مجمع البيان ج 4 ص 367.
110

والشارح (قدس سره) في المسالك قد رد هذا القول فقال وأطال ونعم ما قال:
وفي هذا عندي نظر لأن ضمير الجمع المؤنث في قوله " ترجي من تشاء منهن "
واللفظ العام في قوله " ومن ابتغيت " لا يصح عوده للواهبات، لأنه لم يتقدم ذكر
الهبة إلا لامرأة واحدة، وهي قوله (1) " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن
أراد النبي أن يستنكحها "، فوحد ضمير الواهبة في مواضع من الآية ثم عقبه
بقوله " ترجي من تشاء منهن " فلا يحسن عوده إلى الواهبات إذ لم يسبق لهن ذكر
على وجه الجمع، بل إلى جميع الأزواج المذكورات في هذه الآية وهي قوله تعالى (2)
" يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك
مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك
وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي " الآية، ثم عقبها بقوله " ترجي من تشاء
منهن " الآية، وهذا ظاهر في عود ضمير النسوة المخير فيهن إلى ما سبق من
أزواجه جمع.
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله لم يتزوج بالهبة إلا امرأة مؤمنة واحدة على ما ذكره
المفسرون والمحدثون، وهو المناسب لسياق الآية فكيف يجعل ضمير الجمع
عائدا إلى الواهبات، وليس له منهن إلا واحدة.
ثم لو تنزلنا وسلمنا جواز عوده إلى الواهبات لما جاز حمله عليه بمجرد
الاحتمال مع وجود اللفظ العام الشامل لجميعهن، وأيضا فإن غاية الهبة أن
تزويجه صلى الله عليه وآله يصح بلفظ الهبة من جانب المرأة ومن الطرفين على ما مر من الخلاف
وذلك لا يخرج الواهبة من أن تكون زوجة فيلحقها ما يلحق غيرها من أزواجه،
لا أنها تصير بسبب الهبة بمنزلة الأمة، وحينئذ فتخصيص الحكم بالواهبات لا وجه
له أصلا.

(1) سورة الأحزاب - آية 49 و 50.
(2) سورة الأحزاب - آية 49 و 50.
111

وقد نظر بعض العلماء في أحكام تزويجه ومخالفته لغيره نظرا مع ما فيه أقرب
مما ذكره المصنف، فبنى الحكم بوجوب القسمة وعدمها، على أن النكاح في
حقه هل هو كالتسري في حقنا أم لا؟ من حيث النظر إلى عدم انحصار أزواجه في
عدد، وانعقاد نكاحه بلفظ الهبة، وبغير ولي ولا شهود، وفي الاحرام - كما نقل -
أنه نكح ميمونة محرما، وهذا يدل على الأول فلا يجب عليه القسمة، وإن كان
نكاحه على حقيقته وجبت، والحق الرجوع في مثل ذلك إلى النص، وترك ما هو عين
النزاع، أو مصادرة على المطلوب.
والذي يستفاد من ظاهر الآية عدم وجوب القسمة عليه مطلقا، وفعله له
جاز كونه بطريق التفضل والانصاف وجبر القلوب، كما قال الله تعالى (1) " ذلك
أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن " والله أعلم. إنتهى
كلامه، وعلت في الخلد أقدامه.
وهو جيد نفيس، إلا أن ما نقله عن بعض العلماء، الظاهر كونه من علماء
العامة، كما يشعر به عد النكاح بغير ولي ولا شهود من المخالفات، وكيف كان فهو
خيال ضعيف، وإن اعتمد عليه في الدلالة لما صار إليه.
بقي الكلام في قوله: والذي يستفاد من ظاهر الآية عدم وجوب القسمة عليه
مطلقا، وظاهره ترجيح القول الثاني من الأقوال الثلاثة المتقدمة.
وفيه أنه جيد، بناء على التقريب الذي قدمناه ذكره في معنى الآية المتضمنة
للتخيير بين الارجاء والإيواء، إلا أن ظاهر الروايات التي قدمنا ذكرها أن
الارجاء والإيواء إنما هو بمعنى الطلاق، وعدم النكاح بالكلية، وإخراجها عن
الزوجية، والامساك بالعقد السابق، ونكاحها وجعلها زوجة كما كانت.
قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره (2): ثم أنزل الله تعالى

(1) سورة الأحزاب - آية 51.
(2) تفسير القمي ج 2 ص 192.
112

هذه الآية، وهي آية التخيير فقال " يا أيها النبي قل لأزواجك - إلى قوله - أجرا
عظيما " فقامت أم سلمة وهي أول من قامت وقالت قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن
فعانقنه وقلن مثل ذلك، فأنزل الله عز وجل " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من
تشاء " فقال الصادق عليه السلام: من آوى فقد نكح، ومن أرجى فقد طلق. إنتهى.
وهو ظاهر كما ترى في أنه بعد أن اخترن الله ورسوله خيره فيهن، بين
طلاق من يريد منهن ونكاح من يريد، وحينئذ فلا تعلق للآية بالقسم المدعى في
المقام بالكلية، وبذلك يبقى الحكم في قالب الاشكال، وثبت بذلك القول الأول
من هذه الأقوال، لعدم ثبوت ما ادعي في دليله من العموم على وجه يتناوله صلى الله عليه وآله
كما لا يخفى على من راجعها. والله العالم.
الفائدة الخامسة عشر: المشهور في كلام الأصحاب جواز أكل ما ينثر في
الأعراس من مأكول، وهل يجوز أخذه واستصحابه مأكولا كان أو غيره؟ قالوا:
نعم بشرط إذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال، وهل يملك بمجرد الأخذ أم لا،
أقوال: وتفصيل هذا الاجمال على وجه يتضح منه الحال يقع في مواضع.
الأول: أنه لا ريب في جواز نثر المال في الأعراس من مأكول وغيره كالجوز
واللوز والسكر والزبيب والتمر والدراهم والدنانير ونحوها، لأصالة الجواز، ولما
في ذلك من حصول السرور المطلوب في هذه المواضع، وهل يوصف مع ثبوت
الجواز بالمعنى الأعم بشئ من الأحكام الخمسة؟ الظاهر العدم.
أما الوجوب فلا ريب في انتفائه لعدم دليل عليه، وأما الاستحباب فكذلك
أيضا، لأنه حكم شرعي يتوقف على وجود دليل عليه، وإن أثبته بعض العامة
وحكم آخرون منهم بالكراهة، لأنه يؤخذ باختلاس وانتهاب، وهو يؤدي إلى
الوحشة والعداوة، ولأنه قد يأخذه غير من يحب صاحبه، وفي إثبات الكراهة التي
هي حكم شرعي بمثل هذه التعليلات نظر.
113

وبالجملة فالثابت أصل الجواز وأما غيره من الأحكام فيحتاج إلى دليل واضح.
الثاني: في الأكل، قالوا: إنه يجوز الأكل من هذا المنثور عملا بشاهد
الحال المستمر في ساير الأعصار ما لم تعلم الكراهة، ولأنه نوع إباحة، فأشبه
إباحة الطعام للضيفان بوضعه بين أيديهم.
وظاهر هذا الكلام هو أن المستند في الجواز استمرار الناس في ساير الأعصار
على الأكل من هذا الذي ينثر عليهم ونثره عليهم بمنزلة وضع الطعام بين يدي
الضيفان، وفيه ما ستعرف إن شاء الله تعالى.
الثالث: في الأخذ، وقد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه لا يجوز أخذه
واستصحابه من غير أن يؤكل في محله، إلا بإذن أربابه صريحا أو بشاهد الحال
وحينئذ فالمرجع في ذلك إلى شاهد الحال، فإن دل على المنع من أخذه امتنع
قالوا: وذلك بأن يوضع على خوان وشبهه بين يدي الآكلين ولا يرمى رميا عاما
فإن ذلك قرينة على إرادة ضبطه، وقصر الإذن على الأكل.
أقول: لا ريب أن هذا الفرض موجب للخروج عن محل البحث، وذلك فإنه
لا يفهم من النثار إلا ما رمي رميا عاما، ونثر على الحاضرين، وأنهم كانوا ينتهبونه
لا ما وضع في آنية مخصوصة بين يدي الآكلين، كوضع الطعام بين يدي الضيف،
فإن هذا لا يسمى نثارا (1) ولا يتعلق به حكم النثار، كما هو ظاهر.
قالوا: ولو اشتبه الأمران، بمعنى أنه لم يعلم بشاهد الحال الإذن ولا عدمه،
فظاهر المحقق في الشرايع المنع من أخذه، لأنه قال: ولا يجوز أخذه إلا بإذن
أربابه نطقا أو بشاهد الحال، ومفهومه جعل الجواز مشروطا بالإذن، ولو بشاهد
الحال، وهو هنا غير حاصل فلا يجوز، واستحسنه الشارح في المسالك أيضا، قال:
لأصالة المنع من التصرف في مال الغير، خرج منه ما إذا استفيد الإذن فيبقى

(1) ويدل على ما ذكرنا ما في المصباح قال: نثرته نثرا من باب قتل وذهب رميته
متفرقا انتهى. (منه - رحمه الله -).
114

الباقي، وظاهر العلامة في التذكرة على ما نقله عنه في المسالك هو جواز الأخذ ما لم
تعلم الكراهة.
قال: وقد روي (1) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حضر في إملاك فأتي بأطباق عليها جوز
ولوز وتمر، فنثرت فقبضنا أيدينا، فقال: ما لكم لا تأخذون. قالوا: لأنك نهينا
عن النهب (2)، فقال: إنما نهيتكم عن نهب العساكر، خذوا على اسم الله تعالى
فجاذبنا وجاذبناه.
أقول: والظاهر أنه إلى هذا الخبر استند العلامة فيما ذهب إليه من الجواز
في الصورة المذكورة، وإن كان عاميا، وهو ظاهر في جواز انتهاب النثار بمجرد نثره،
وهذا هو الذي جرت العادة به بين الناس، ولكن أصحابنا قيدوا الجواز بما ذكروه،
لعدم قيام دليل عندهم على الحل بمجرد ذلك.
الرابع: في تملكه بعد الأخذ قالوا: حيث يجوز أخذه بأحد الوجوه
المجوزة، فهل يملكه الآخذ بمجرد الأخذ أم لا؟
قيل: بالأول اعتبارا بالعادة الدالة على إعراض المالك عنه، فأشبه التقاط
المباحات، ونقل هذا القول عن العلامة في التذكرة، وبه صرح المحقق في الشرايع.
وقيل: بالثاني وأن الأخذ إنما يفيد مجرد الإباحة، لأصالة بقاء ملك
مالكه عليه إلى أن يحصل سبب يقتضي النقل، وما وقع إنما يعلم منه إفادة
الإباحة، قال في المختلف - وهذا هو الأقوى - قال: والفرق بينه وبين مباح الأصل
واضح، لأن ذلك لا ملك لأحد عليه، فإثبات اليد عليه مع نية التملك كاف في
تملكه. بخلاف المملوك إذ أبيح بالإذن، فإن ذلك لا يخرج عن الملك، وإثبات
اليد المأذون له فيه ليس من الأسباب الناقلة للملك شرعا، فيتمسك بالاستصحاب

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 288 مع اختلاف يسير.
(2) قال في المصباح: والنهبة بالضم وزان غرفة، والنهباء بزيادة الألف التأنيث
اسم للمنهوب انتهى. (منه - رحمه الله -).
115

إلى أن يعلم المزيل. إنتهى وهو جيد،
وأنت خبير بأن الأصحاب لم ينقلوا هنا شيئا من الروايات المتعلقة بهذه
المسألة، مع أن الروايات موجودة في كتب الأخبار المتداولة بينهم.
والذي حضرني من ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن إسحاق بن عمار (1)
" قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الاملاك يكون والعرس فينثر على القوم، فقال حرام
ولكن ما أعطوك منه فخذ [ه] " كذا في الكافي وفي التهذيب " ولكن كل ما أعطوك
منه [فخذ] ".
وما رواه في التهذيب عن وهب (2) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " قال: قال علي عليه السلام:
لا بأس بنثر الجوز والسكر "، وفي التهذيبين " أن جواز النثر لا ينافي عدم جواز أخذ
المنثور ونهبه " فلا ينافي الخبر المتقدم.
وما رواه في الكافي والفقيه عن علي بن جعفر (3) في الصحيح عن أخيه أبي الحسن
عليه السلام " قال: سألته عن النثار من السكر واللوز وأشباهه [ما] يحل أكله؟ قال: يكره
أكل ما انتهب ".
وفي رواية الصدوق: " يكره أكل كل ما ينتهب "، ورواه علي بن جعفر في
كتابه أنه " قال: يكره أكل النهب ".
أقول: والكراهية هنا بمعنى التحريم، كما هو شايع ذايع في الأخبار، ولما
كانت العادة في النثار في الأعراس هو رميه ونثره في المجالس، وأن من عادتهم أنهم
كانوا ينتهبونه، كما يشير إليه قوله في صحيحة علي بن جعفر " يكره أكل ما انتهب "
بعد السؤال عن النثار، وهكذا يشير إليه الحديث النبوي المتقدم وقوله فيه

(1) الكافي ج 5 ص 123 ح 8، التهذيب ج 6 ص 370 ح 192.
(2) التهذيب ج 6 ص 370 ح 194.
(3) الكافي ج 5 ص 123 ح 7، الفقيه ج 3 ص 97 ح 21.
وهذه الروايات في الوسائل ج 12 ص 122 ح 4 و 5 و ص 121 ح 2.
116

" وجاذبنا وجاذبناه " خرجت هذه الأخبار بتحريم الأخذ، لاستفاضة الأخبار بتحريم
النهبة والأخذ على هذه الكيفية، وأصحابنا (رضوان الله عليهم) لعدم الوقوف على
هذه الأخبار واعتمادهم على ما رواه في كتب العامة في هذه المسألة استنكروا
جعل المواضع منها لخروجه عن مقتضى القواعد الشرعية، وقيدوها بقيود خارجة
كما تقدمت الإشارة إليها.
ونحن نوضح ما في بعض كلامهم المتقدم، فمن ذلك قولهم في الموضع الثاني
بجواز الأكل عملا بشاهد الحال - إلى آخره - فإن فيه أن الأخبار كما ترى
صريحة في تحريم ذلك إلا أن يعطى بخصوصه.
وأما دعوى شهادة الحال وأنها مستمرة في جميع الأعصار لجواز الأكل
ما لم يعلم الكراهة.
ففيه: أولا: أن صريح رواية إسحاق بن عمار التحريم كما عرفت، فهذه
الدعوى في مقابلتهما غير مسموعة.
وثانيا: أنك قد عرفت أن العادة في النثار هو الأخذ والأكل على جهة
النهبة، وقد علم تحريم النهبة بالأدلة الصحيحة: وحينئذ فإن أريد بهذه الدعوى
هو الجواز، وإن كان بطريق النهبة، فضعفها أظهر من أن ينكر، وإن أريد لا مع
النهبة فهو خروج عن موضوع المسألة كما عرفت، ومن ذلك قولهم في الموضع
الثالث بجواز الأخذ بشاهد الحال، فإن شاهد الحال الذي ذكروه موجب
للخروج عن محل المسألة كما تقدم بيانه، فالقول بالتحريم في المسألة هو الأقوى
لما عرفت في الأكل، فكذا في الأخذ، وأما ما صار إليه العلامة مع اشتباه الحال
من الجواز إلا أن تعلم الكراهة، فهو ضعيف مردود بالأخبار التي ذكرناها، وإن
دل على ما ذكره الخبر العامي الذي أورده.
وأما ما ذكروه في الموضع الرابع من التملك بمجرد الأخذ حيث يجوز الأخذ
117

وعدمه، فقد عرفت من الأخبار التي تلوناها أنه لا يجوز الأخذ إلا أن يعطي
بخصوصه، فإنه يجوز له، وحينئذ فهل يملكه بمجرد ذلك أم لا؟ المشهور بينهم الثاني.
ومما فرعوا على ذلك، جواز رجوع المالك فيه ما دامت عينه باقية في يد
الآخذ على القول المشهور، فلو أتلفه بالأكل أو البيع أو نحو ذلك، زال ملك المالك
عنه. والذي اخترناه في بعض المباحث المتقدمة في جلد المعاملات هو الأول، وأنه
يملكه بمجرد الأخذ، ومن ذلك الهدايا ونحوها.
ثم إنه بعد الوصول إلى هذا الموضع وقفت على خبر في كتاب البحار نقلا
عن الأمالي (1) روى فيه عن الحسين بن أبي العلا في الحسن عن الصادق عليه وعلى
آبائه السلام " قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام دخلت أم أيمن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي
ملحفتها شئ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ما معك يا أم أيمن؟ فقالت: فلانة
أملكوها، فنثروا عليها، فأخذت من نثارها، ثم بكت أم أيمن وقال: يا رسول الله
صلى الله عليه وآله فاطمة زوجتها ولم تنثر عليها شيئا فقال رسول الله: يا أم أيمن لم تكذبين
فإن الله عز وجل لما زوجت فاطمة عليا عليه السلام أمر أشجار الجنة أن تنثر عليهم
من حليها وحللها، وياقوتها ودرها وزمردها واستبرقها فأخذوا منها
ما لا يعلمون " الحديث.
وربما ظهر من هذا الخبر أن النثار سنة وتقريره صلى الله عليه وآله أم أيمن على ما
أخذته من النثار ظاهر في حله، ويمكن على هذا أن يقال في الجمع بين هذا
الخبر وبينما تقدم من الأخبار، أنه إن أخذ النثار على جهة الانتهاب من غير أن
يعلم بشاهد الحال والإباحة والإذن في أخذه فهو محرم، كما دلت عليه الأخبار
المتقدمة، وإليه يشير قوله في صحيحة علي بن جعفر " يكره كل ما انتهب "، وإن
أخذ مع العلم بالإذن والإباحة في أخذه فهو حلال، وعليه يحمل هذا الخبر،
فيكون فيه دليل على ما قدمناه نقله عن الأصحاب، والله العالم.

(1) مستدرك الوسائل ج 2 ص 436 ب 30 ح 1، أما لي الصدوق في المجلس 48 ح 3.
118

الفائدة السادسة عشر: في جملة من حقوق الزوج على امرأته، وحقوقها عليه
روى في الكافي عن محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاءت امرأة إلى النبي
صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولا تعصيه
ولا تصدق من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت
على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة
السماوات وملائكة الأرض، وملائكة الغضب، وملائكة الرحمة، حتى ترجع
إلى بيتها، فقالت: يا رسول الله من أعظم الناس حقا على الرجل؟ قال: والده
قالت: فمن أعظم الناس حقا على المرأة؟ قال: زوجها، قالت: فما لي عليه من
الحق مثل ما له علي؟ قال: لا، ولا من كل مائة واحدة، فقالت: والذي بعثك
بالحق لا يملك رقبتي رجل أبدا ".
وعن عمر بن جبير العزرمي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: جاءت امرأة إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال: أكثر من
ذلك، قالت: فخبرني عن شئ منه، فقال: ليس لها أن تصوم إلا بإذنه - يعني
تطوعا -، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وعليها أن تتطيب بأطيب طيبها، وتلبس
بأحسن ثيابها، وتزين بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية،
وأكثر من ذلك حقوقه عليها ".
أقول: إطلاق هذين الخبرين من حيث المنع من الصوم إلا بإذنه، شامل
لما لو كان الزوج حاضرا أو غالبا، ويحتمل التخصيص بالحضور، نظرا إلى أن
العلة في المنع إنما هو من حيث منافاته للنكاح متى أراده، وهذه العلة منتفية
بالغيبة، والظاهر الأول عملا بالاطلاق.

(1) الكافي ج 5 ص 506 ح 1 و ص 508 ح 7، الوسائل ج 14 ص 111 ح 1 و ص 112 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 506 ح 1 و ص 508 ح 7، الوسائل ج 14 ص 111 ح 1 و ص 112 ح 2.
119

وعن أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقالت: ماحق الزوج على المرأة فقال: أن تجيبه إلى حاجته وإن كانت على ظهر
قتب، ولا تعطي شيئا إلا بإذنه، فإن فعلت فعليها الوزر، وله الأجر، ولا تبيت ليلة
وهو عليها ساخط، فقالت، يا رسول الله وإن كان ظالما، قال: نعم: قالت: والذي
بعثك بالحق لا تزوجت زوجا أبدا ".
وعن سعد بن أبي عمرو الجلاب (2) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أيما امرأة باتت
وزوجها عليها ساخط في حق، لم تقبل لها صلاته حتى يرضى عنها، وأيما امرأة
تطيبت لغير زوجها لم تقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها ".
وعن عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إن رجلا من الأنصار
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهدا أن لا تخرج
من بيتها حتى يقدم، قال: وإن أباها مرض فبعثت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقالت: إن زوجي خرج وعهد إلي أن لا أخرج من بيتي حتى يقدم، قالت: وإن
أبي قد مرض، فتأمرني أن أعوده، فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله: لا اجلسي في بيتك وأطيعي
زوجك، قال، فثقل، فأرسلت إليه ثانيا بذلك، قالت: فتأمرني أن أعوده؟
فقال صلى الله عليه وآله: اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك، قال: فمات أبوها فبعثت إليه إن
أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه؟ فقال: لا اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك، قال:
فدفن الرجل فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله تعالى قد غفر لك ولأبيك بطاعتك
لزوجك ".
وعن جابر الجعفي (4) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يوم النحر
إلى ظهر المدينة على جمل عاري الجسم، فمر بالنساء فوقف عليهن ثم قال: يا معاشر

(1) الكافي ج 5 ص 508 ح 8 و ص 507 ح 2 و ص 513 ح 1 و ص 514 ح 3، الوسائل ج 14 و ص 112 ح 3 و ص 113 ح 1 و ص 125 ح 1 و ص 126 ح 3.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
120

النساء تصدقن وأطعن أزواجكن، فإن أكثركن في النار، فلما سمعن ذلك
بكين، ثم قامت إليه امرأة منهن فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله في النار مع الكفار؟
والله ما نحن بكفار فنكون من أهل النار، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: إنكن
كافرات بحق أزواجكن ".
وعن أبي بصير (1) " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله
النساء فقال: يا معاشر النساء تصدقن ولو من حليكن ولو بتمرة ولو بشق تمرة
فإن أكثركن حطب جهنم، وإنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشيرة فقالت امرأة
من بني سليم لها عقل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله أليس نحن الأمهات الحاملات المرضعات؟
أليس منا البنات المقيمات والأخوات المشفقات؟ فرق لها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:
حاملات والوالدات مرضعات رحيمات، لولا ما يأتين إلى بعولتهن، ما دخلت مصلية
منهن النار ".
وعن سليمان بن خالد (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إن قوما أتوا رسول الله
صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله إنا رأينا أناسا يسجدون بعضهم لبعض، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ".
وعن أبي بصير (3) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء:
لا تطولن صلاتكن لتمنعن أزواجكن ".
إلى غير ذلك من الأخبار الجارية على هذا المنوال، وظاهرها وجوب تلك
الحقوق المذكورة في الخبر الأول عليها وأنها تؤاخذ بتركها لتكرر الأمر بها
متفرقة في الأخبار، نعم مثل التطيب ولبس أحسن الثياب وإظهار الزينة، الظاهر
أنه من المستحبات المؤكدة عليها.

(1) الكافي ج 5 ص 513 ح 2 و ص 507 ح 6 و ص 508 ح 1 الوسائل ج 14 ص 125 ح 2 و ص 115 ح 1 و ص 117 ح 1.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
121

وأما ما يتضمن حقوقها عليه، فمن ذلك ما رواه في الكافي في الموثق عن
إسحاق بن عمار (1) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما حق المرأة على زوجها الذي
إذا فعله كان محسنا؟ " قال يشبعها، ويكسوها، وإن جهلت غفر لها ".
ورواه في الفقيه عن إسحاق بن عمار (2) " قال: سأل إسحاق بن عمار أبا عبد الله
عليه السلام عن حق المرأة على زوجها؟ قال: يشبع بطنها ويكسو جسدها وإن جهلت
غفر لها ".
أقول: الأولان واجبان، والثالث مستحب، ويفصح عنه ما ورد في الفقيه مرسلا (3)
" قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: كانت لأبي عليه السلام امرأة وكانت تؤذيه فكان يغفر لها ".
وروى في الكافي عن عمرو بن جبير العزرمي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: جاءت
امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألته عن حق الزوج على المرأة فخبرها، ثم قالت:
فما حقها عليه؟ قال: يكسوها من العرى ويطعمها من الجوع وإن أذنبت غفر
لها، فقالت: فليس لها عليه شئ غير هذا؟ قال: لا، قالت: لا والله لا تزوجت أبدا
ثم ولت، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إرجعي فرجعت، فقال لها: إن الله عز وجل يقول:
وأن يستعففن خير لهن ".
أقول: لا يخفى ما في عجز الخبر المذكور من الاشكال، فإن هذه الآية إنما
ذكرت في سياق ذكر القواعد من النساء، وهو قوله (5) " والقواعد من النساء اللاتي
لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن
يستعففن خير لهن ".

(1) الكافي ج 5 ص 510 ح 1.
(2) الفقيه ج 3 ص 279 ح 2 و 4.
(3) الفقيه ج 3 ص 279 ح 2 و 4.
(4) الكافي ج 5 ص 511 ح 2.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 121 ح 1 و ج 15 ص 223 ح 3
و ج 14 ص 118 ح 3.
(5) سورة النور - آية 60.
122

وقد فسر الاستعفاف في الأخبار بلبس الجلابيت، فظاهر هذا الخبر تفسيره
بالتزويج، وهو بمراحل من البعد عن سياق الآية.
وما رواه في الكافي عن روح بن عبد الرحيم (1) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
قول الله عز وجل (2) " ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله " قال: إذا أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، وإلا فرق بينهما ".
وما رواه في الفقيه عن عاصم بن حميد عن أبي بصير (3) في الصحيح " قال: سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول: من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها
ما يقيم صلبها، كان حقا على الإمام أن يفرق بينهما ".
أقول: يجب حمله على ما إذا كان قادرا على النفقة متمكنا منها، لما يدل عليه
الخبر الآتي:
وروى في التهذيب عن السكوني (4) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام
" إن امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها، وكان زوجها معسرا، فأبى علي
عليه السلام أن يحبسه وقال إن مع العسر يسرا ".
وروى في الكافي عن جميل (5) بن دراج (6) في الصحيح أو الحسن " قال: لا يجبر

(1) الكافي ج 5 ص 512 ح 7، الوسائل ج 15 ص 224 ح 6.
(2) سورة الطلاق - آية 7.
(3) الفقيه ج 3 ص 279 ح 5، الوسائل ج 15 ص 223 ح 2.
(4) التهذيب ج 6 ص 299 ح 44، الوسائل ج 13 ص 148 ح 2.
(5) أقول: خبر جميل هذه قد رواه المشايخ الثلاثة في موضع آخر بأسانيد متعددة فيها
الصحيح وغيره عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: لا يجبر الرجل إلا
على نفقة الأبوين والولد، قال: قلت لجميل: فالمرأة؟ قال: روى أصحابنا " وفي الكافي وهو
عنبسة بن مصعب وسورة بن كليب، ثم اشترك الجميع عن أحدهما عليهما السلام أنه إذا كساها
ما يواري عورتها وأطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلقها ". الحديث (منه - قدس سره -).
(6) الكافي ج 5 ص 512 ح 8، التهذيب ج 6 ص 293 ح 22، رواه عن
أحدهما عليهما السلام الوسائل ج 15 224 ح 4.
123

الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد، قال ابن أبي عمير: قلت لجميل: والمرأة؟
قال: قد روى عنبسة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها
ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلقها ".
أقول: حاصل معنى الخبر أنه يجبر على نفقة العمودين، وأما الزوجة فإنه
يخير بين الأمرين، إما القيام بها، وإما طلاقها فيجبر على أحدهما فلو امتنع من
الانفاق بعد إلزام الحاكم بذلك جبره على الطلاق، فإن طلق، وإلا طلقها الحاكم
كما يدل عليه قوله " كان حقا على الإمام أن يفرق بينهما ". ومثله قوله في الخبر
الآخر " وإلا فرق بينهما ".
وروى في الكافي عن سفيان بن عيينة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه: وعلي عليه السلام أولى به من بعدي، فقيل له: ما
معنى ذلك؟ فقال: قول النبي صلى الله عليه وآله من ترك دينا أو ضياعا فعلي، ومن ترك مالا
فلورثته، فالرجال ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال، وليس له على
عياله أمر ولا نهي، إذا لم يجر عليهم النفقة، والنبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام ومن بعدهما
ألزمهم هذا، فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم، وما كان سبب إسلام عامة اليهود
إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله وأنهم آمنوا على أنفسهم وعيالاتهم ".
أقول: والضياع - بالفتح - العيال، وهذا الخبر ظاهر في أنه متى لم ينفق
على عياله، فإنه لا يجب عليهم امتثال أمره ونهيه، وظاهره شمول الحكم للقادر
والعاجز، كما يشير إليه قوله " فالرجل ليس له ولاية على نفسه إذا لم يكن له
مال " بمعنى أنه لعدم إنفاقه على نفسه، وإنما ينفق عليه النبي صلى الله عليه وآله أو القائم
مقامه، وأنه لا ولاية له عليها، لأن الولاية لولي النعمة وهو مشكل إلا أن يخص

(1) أصول الكافي ج 1 ص 406 ح 6 طبع طهران، مستدرك الوسائل ج 2 ص 490
باب 9 ح 2 و 3.
124

الحكم بالعاجز عن الانفاق على عياله، وهو أيضا لا يخلو من إشكال، ولا يحضرني
الآن كلام لأحد من أصحابنا رضوان الله عليهم. والله العالم.
الفائدة السابعة عشر: في جملة من مستحبات الباه ومناهيه زيادة على
ما تقدم، فمن الأول استحباب صلاة ركعتين عند إرادة التزويج وقد تقدم الكلام
في ذلك في الفائدة السادسة، وكذا استحباب الوليمة والاشهاد والخطبة أمام العقد،
وقد تقدم ثمة.
وبقي هنا أشياء منها: استحباب صلاة ركعتين والدعاء بعدهما وقت
الدخول بها.
روى في الكافي عن أبي بصير (1) " قال: سمعت رجلا وهو يقول لأبي جعفر عليه السلام
جعلت فداك إني رجل قد أسننت، وقد تزوجت امرأة بكرا صغيرة ولم أدخل
بها، وأنا أخاف إذا دخلت على فراشي أن تكرهني لخضابي وكبري، فقال أبو جعفر
عليه السلام: إذا دخلت عليك إن شاء الله فمرها قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة،
ثم أنت لا تصل إليها حتى تتوضأ وصل ركعتين، ثم مجد الله وصل على محمد وآل
محمد ثم ادع الله ومر من معها أن يؤمنوا على دعائك وقل: اللهم ارزقني إلفها
وودها ورضاها وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس ائتلاف، فإنك
تحب الحلال وتكره الحرام، ثم قال: واعلم أن الألف من الله والفرك (2) من
الشيطان ليكره ما أحل الله عز وجل ".
أقول: الفرك بغض أحد الزوجين الآخر.

(1) الكافي ج 5 ص 500 ح 1، الوسائل ج 14 ص 81 ح 1.
(2) قال في القاموس: الفرك بالكسر وفتح الراء: البغضة عامة كالفروك والفركان
بضمتين مشددة الكاف أو خاص ببغضة الزوجين. انتهى (منه - قدس سره -).
125

وعن أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا دخلت بأهلك فخذ بناصيتها
واستقبل القبلة وقل: اللهم بأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللتها (2) فإن قضيت
لي منها ولدا فاجعله مباركا تقيا من شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله ولا تجعل للشيطان فيه
شركا ولا نصيبا ".
وعن أبي بصير (3) " قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: إذا تزوج أحدكم كيف
يصنع؟ قلت: لا أدري، قال: إذا هم بذلك فليصل ركعتين " الحديث، كما تقدم
في الفائدة السادسة، ثم قال عليه السلام، " فإذا دخلت إليه فليضع يده على ناصيتها وليقل
اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها فإن
قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا، ولا تجعله شرك شيطان قال: قلت
وكيف يكون شرك شيطان؟ قال: إن ذكر اسم الله تنحى الشيطان، وإن فعل
ولم يسم أدخل ذكره وكان العمل منهما جميعا، والنطفة واحدة ".
ورواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير (4) الحديث بأدنى تفاوت، وفيه " قلت:
فبأي شئ يعرف هذا جعلت فداك؟ قال بحبنا وبغضنا ".
وعن الميثمي (5) رفعه " قال: أتى رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: إني تزوجت
فادع الله لي، فقال عليه السلام: اللهم بكلماتك استحللتها، وبأمانتك أخذتها،
اللهم اجعلها ولودا ودودا لا تفرك، تأكل مما راح، ولا تسأل عما سرح ".

(1) الكافي ج 5 ص 500 ح 2، الوسائل ج 14 ص 81 ح 2.
(2) قال الصدوق في معاني الأخبار بعد أن نقل قوله صلى الله عليه وآله " أخذتموهن بأمانة
الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله ": فأما الأمانة فهي التي أخذ الله عز وجل على آدم حين
زوجه حواء، وأما الكلمات التي شرط الله عز وجل بها على آدم أن يعبده ولا يشرك به شيئا
ولا يزني ولا يتخذ من دونه وليا. (منه - رحمه الله -).
(3) الكافي ج 5 ص 501 ح 3، الوسائل ج 14 ص 79 ح 1.
(4) التهذيب ج 7 ص 407 ح 1، الوسائل نفس المصدر السابق.
(5) الكافي ج 5 ص 501 ح 4، الوسائل ج 14 ص 81 ح 3.
126

قال في الوافي: كان المراد تأكل مما جاء وحصل عندها بالعشي كائنا ما كان
ولا تسأل عما ذهب وغاب عنها وهذا قريب من معنى رواح الماشية وسراحها، كما
قال الله عز وجل (1) " حين تريحون وحين تسرحون ".
وقال بعض مشايخنا المحدثين: لعله كناية عن قناعتها بما يأتي به زوجها،
وعدم التفتيش عما أعطاه غيرها، ويمكن أن يكون المراد حقيقة، أي ترضى بلبن
الأنعام بعد الرجوع من المرعى، ولا تسأل عما كان في ضرعها عند السرح. إنتهى.
أقول: والأقرب هو المعنى الأول من هذين المعنيين.
وعن أبي بصير (2) " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد أي شئ يقول الرجل
منكم إذا دخلت عليه امرأته؟ قلت: جعلت فداك أيستطيع الرجل أن يقول
شيئا؟ فقال: ألا أعلمك ما تقول؟ قلت: بلى، قال: تقول: بكلمات الله استحللت
فرجها وفي أمانة الله أخذتها، اللهم إن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله بارا تقيا
واجعله مسلما سويا، ولا تجعل فيه شركا للشيطان، قلت: وبأي شئ يعرف
ذلك (3) قال: أما تقرأ كتاب الله عز وجل، ثم ابتدأ هو (4) - وشاركهم في الأموال
والأولاد - ثم قال: إن الشيطان ليجئ حتى يقعد من المرأة كما يعقد الرجل
منها، ويحدث كما يحدث، وينكح كما ينكح، قلت بأي شئ يعرف ذلك؟ قال:
بحبنا وبغضنا، فمن أحبنا كان نطفة العبد، ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان ".
وعن أبي بصير (5) " قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا أبا محمد إذا أتيت أهلك فأي

(1) سورة النحل - آية 6.
(2) الكافي ج 5 ص 502 ح 2، الوسائل ج 14 ص 96 ح 2.
(3) الظاهر أنه لا يخلو من غلط لأن الظاهر أن السؤال إنما هو عن الدليل على كون
الولد يكون شرك شيطان فأجاب بالآية، والسؤال عن العلامة وما تضمنه قوله في آخر الخبر
بأنه يعرف بحبنا وبغضنا فهو معنى الصحيح الظاهر من الخبر بعده. (منه - رحمه الله -).
(4) سورة الإسراء - آية 64.
(5) الكافي ج 5 ص 503 ح 5، الوسائل ج 14 ص 97 ح 5.
127

شئ تقول؟ قال: قلت: جعلت فداك وأطيق أن أقول شيئا؟ قال: بلى قل:
" اللهم بكلماتك استحللت فرجها وبأمانتك أخذتها فإن قضيت في رحمها شيئا
فاجعله تقيا زكيا، ولا تجعل للشيطان فيه شركا، قال: قلت: جعلك فداك
ويكون فيه شرك للشيطان؟ قال: نعم، أما تسمع قول الله عز وجل في كتابه (1)
" وشاركهم في الأموال والأولاد " وأن الشيطان يجئ فيقعد كما يقعد الرجل،
وينزل كما ينزل الرجل، قال: قلت بأي شئ يعرف ذلك؟ قال: بحبنا وبغضنا ".
وعن هشام بن سالم (2) في الصحيح " عن أبي عبد الله عليه السلام في النطفتين اللتين للآدمي
والشيطان إذا اشتركا؟ فقال: أبو عبد الله عليه السلام ربما خلق من إحداهما، وربما
خلق منهما جميعا ".
وعن البرقي (3) عن علي عن عمه " قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالسا فذكر
شرك الشيطان فعظمه حتى أفزعني، قلت: جعلت فداك فما المخرج عن ذلك؟
قال: إذا أردت الجماع فقل: بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو بديع السماوات
والأرض، اللهم إن قضيت مني في هذه الليلة خليفة، فلا تجعل للشيطان فيه
شركا ولا نصيبا ولا حظا، واجعله مؤمنا مخلصا مصفي من الشيطان ورجزه،
جل ثنائك ".
وعن الحلبي (4) " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في الرجل إذا أتى أهله فخشي أن
يشاركه الشيطان، قال: يقول: بسم الله ويتعوذ بالله من الشيطان ".
أقول: وفي هذه الأخبار فوائد ينبغي التنبيه عليها والنظر إليها:
الأولى: لا يخفي أن ما دل عليه الخبر الأول من استحباب صلاة ركعتين

(1) سورة الإسراء - آية 64.
(2) الكافي ج 5 ص 503 ح 6.
(3) الكافي ج 5 ص 503 ح 4، الوسائل ج 14 ص 96 ح 4.
(4) الكافي ج 5 ص 502 ح 1، الوسائل ج 14 ص 96 ح 1.
128

للرجل وكذا للمرأة في وقت الدخول هو مستند الأصحاب فيما ذكروه من
الاستحباب هنا كذلك، وأنت خبير بأن مورد الخبر وصريحه إنما هو بالنسبة إلى
المسن الذي قد تزوج امرأة صغيرة بكرا، وخاف منها البغض له، والنفور عنه
فأمره الإمام عليه السلام بما تضمنه الخبر من الصلاة منهما معا والدعاء والتأمين حسبما
عرفت، والأصحاب قد صرحوا بالاستحباب مطلقا من غير النظر إلى هذه الخصوصيات
التي اشتمل عليها الخبر، وهو مشكل إذا الخبر يتضمن الصلاة في هذه الحال، وغير
هذا الخبر وخبر أبو بصير المتضمن لاستحباب صلاة الركعتين إذا هم بالتزوج، إنما
تضمن في وقت الدخول الدعاء خاصة كغيره، كما تقدم ذكره هنا، وجملة أخبار
المسألة إنما تضمنت الدعاء خاصة، ولا وجود للصلاة في شئ منها على كثرتها
وتعددها وما وجد فيه الصلاة فقد عرفت أنه مقيد بقيود زائدة على ما يدعونه،
فالحكم بالاستحباب مطلقا كما يدعونه لا يخلو من الاشكال؟ ولم أر من تنبه
لما ذكرناه في هذه الحال.
الثانية: ما تضمنته هذه الأخبار من أنه إذا لم يسم الله عز وجل ويذكره
وقت الجماع، أدخل الشيطان ذكره معه وصار الولد إن اتفق شرك شيطان، وأنه
يعرف ذلك بحبهم عليهم السلام وبغضهم عليهم السلام لا يخلو من الاشكال، لأن من الظاهر بل ربما
يقطع به أن كثيرا من الشيعة ربما جامعوا عمدا أو سهوا أو جهلا ولم يذكروا اسم الله
عز وجل، بل الظاهر أن أكثر عامة الناس على ذلك، مع أن أولادهم في التشيع والمحبة
لأهل البيت عليهم السلام في الغاية والنهاية، وإن اتفق لهم الفسق في شئ من أعمالهم.
ويمكن أن يقال: في التقصي من هذا الاشكال: بأنه لا ريب أنه مع عدم
التسمية فإن الشيطان يدخل ذكره ويمني مع ذلك الرجل، إلا أن الرجل متى
كان مؤمنا فإن الولد إنما يخلق من نطفة الرجل خاصة، فلا يكون للشيطان فيه
نصيب، وإن كان مخالفا خلق الولد من النطفتين معا أو من نطفة الشيطان بخصوصه
وبذلك يكون الولد مبغضا لهم عليهم السلام، ويتفاوت البغض شدة وضعفا بالخلق من
129

النطفتين فيكون أضعف، أو من نطفة خاصة فيكون أشد.
ويشير إلى ما ذكرنا من التفصيل في النطف صحيح هشام بن الحكم المتقدم،
ولعل الاجمال منهم عليهم السلام في هذه الأخبار أوجب ما ذكرناه من الاشكال، لقصد
الزجر والردع لشيعتهم عن التهاون بالتسمية والدعاء في هذه الحال.
الثالثة: الظاهر من اختلاف هذه الأدعية المذكورة طولا وقصرا وزيادة
ونقصانا وتغاير ألفاظها هو الاكتفاء بما يصدق به الذكر والتسمية، والدعاء بمعنى
المذكور فيها وإن لم يكن بهذه الألفاظ، ويشير إليه قوله في رواية الحلبي الأخيرة
يقول: " بسم الله ويتعوذ من الشيطان " وجميع ما ذكر من الأذكار والأدعية في
الأخبار محمول على الفضل والاستحباب.
ومن الأول أيضا: المداعبة والملاعبة قبل الجماع، فروى الصدوق مرسلا (1)
" قال: قال الصادق عليه السلام: إن أحدكم ليأتي أهله فتخرج من تحته فلو أصابت
زنجيا لتشبثت به، فإذا أتى أحدكم فليكن بينهما ملاعبة، فإنه أطيب للأمر ".
وروى في الكافي عن القداح (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إذا جامع أحدكم فلا يأتيهن كما يأتي الطير، ليمكث وليلبث " قال بعضهم: وليتلبث
وعن السكوني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا أراد
أحدكم أن يأتي أهله يعجلها ".
وعن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: ليس شئ تحضره الملائكة إلا
الرهان، وملاعبة الرجل أهله ".
وعن علي بن إسماعيل (5) رفعه " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كل لهو المؤمن باطل
إلا في ثلاث: في تأديبه الفرس، ورميه عن قوسه، وملاعبته امرأته، فإنهن حق ".

(1) الفقيه ج 3 ص 364 ح 21.
(2) الكافي ج 5 ص 497 ح 2 و ص 567 ح 48 عن مسمع و ص 554 ح 1 و ص 50 ح 13.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 82 ح 3 و 1 و 2 و ص 83 ح 1 و 2.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 2.
130

وروى في كتاب قرب الإسناد عن أبي البختري (1) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام
" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة من الجفاء: أن يصحب الرجل الرجل فلا يسأله عن
اسمه وكنيته، وأن يدعى الرجل إلى فلا يجيب وأن يجيب فلا يأكل،
ومواقعة الرجل أهله قبل المداعبة ".
ومن الثاني: وهو ما يتعلق بالمناهي ما تقدم من النهي عن التزويج والقمر في
برج العقرب وفي محاق الشهر وفي الأيام السبعة التي هي نحس كل شهر وليلة
الأربعاء وقد تقدم ذكرها وذكر الأخبار الدالة على ذلك.
بقي هنا أشياء أخر وإن لم تختص بالتزويج، بل موردها الجماع مطلقا،
فمن ذلك: ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن إلى عبد الرحمن بن سالم (2) عن أبيه
عن أبي جعفر عليه السلام " قال: قلت له: هل يكره الجماع في وقت من الأوقات وإن كان
حلالا؟ قال: نعم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (3)، ومن مغيب الشمس إلى
مغيب الشفق، وفي اليوم الذي تنكسف فيه الشمس، وفي الليلة التي ينخسف فيها القمر،
وفي الليلة وفي اليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والريح الحمراء والريح الصفراء،
واليوم والليلة اللذين يكون فيهما الزلزلة، ولقد بات رسول الله صلى الله عليه وآله عند بعض

(1) قرب الإسناد ص 74.
(2) الكافي ج 5 ص 498 ح 1.
وهما في الوسائل ج 14 ص 83 ح 3 و ص 88 ح 1.
(3) أقول: روى الصدوق في الفقيه عن عبد الله بن علي الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إني أكره الجنابة حين تصفر الشمس وحين تطلع وهي صفراء.
أقول: وعلى هذا فينبغي أن يحمل الخبر المذكور في الأصل من قوله " ما بين طلوع الفجر
إلى طلوع الشمس " أي طلوعها وزوال الصفرة عنها بمعنى الكامل، وقوله " من مغيب الشمس "
أي أخذها في المغيب بالاصفرار أولا حسبما دل عليه هذا الخبر. (منه - قدس سره -).
عثرنا على هذه الرواية مرسلا فقط في الفقيه ج 1 ص 47 ح 5، وفي الوسائل
ج 14 ص 99 ح 2 مسندا، أما في الفقيه ج 3 ص 255 ح 4 كلمة " تكره " بدل
" أني أكره " مرسلا أيضا.
131

أزواجه في ليلة انكسف فيها القمر، فلم يكن منه في تلك الليلة ما كان يكون منه
في غيرها حتى أصبح، فقالت له: يا رسول الله البغض كان منك في هذه الليلة؟ قال:
لا، ولكن هذه الآية ظهرت في هذه الليلة فكرهت أن أتلذذ وألهو فيها، وقد
عيرها الله أقواما فقال عز وجل في كتابه: (1) إن يروا كسفا من السماء ساقطا
يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون - ثم قال
أبو جعفر عليه السلام: وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الأوقات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله
عنها وقد انتهى إليه الخبر، فيرزق ولدا فيرى في ولده ذلك ما يحب ".
وعن سليمان بن جعفر الجعفري (2) عن أبي الحسن موسى عليه السلام " قال: من أتى
أهله في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد ".
أقول: ويستفاد من هذا الخبر أن الليلة الأخيرة يجتمع فيها كراهتان
إحداهما من جهة المحاق كما تضمنه هذا الخبر، والثانية من حيث كونها آخر
الشهر كما في الأخبار الآتية، فتأكد الكراهة فيها.
ومقتضى التعليل بسقط الولد، أن المنع عن ذلك إنما هو في جماع يمكن
حصول الولد منه، فلو لم يكن كذلك كجماع الحامل واليائس احتمل قويا عدم
الكراهة، إلا أن يقال: إن علل الشرع ليست عللا حقيقية، يدور المعلول معها
وجودا وعدما، وإنما هي معرفات، فيكفي وجودها في بعض الأفراد، وهذا هو الأقوى.
وعن محمد بن خالد البرقي (3) عن أبيه عمن ذكره عن أبي الحسن موسى عليه السلام
عن أبيه عن جده عليهم السلام " قال: كان فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله عليا قال: يا علي
لا تجامع أهلك في أول ليلة من الهلال، ولا في النصف، ولا في آخر ليلة فإنه

(1) سورة الطور - آية 45.
(2) الكافي ج 5 ص 499 ح 2 و 3، الوسائل 14 ص 90 ب 63 ح 1 و ب 64 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 499 ح 2 و 3، الوسائل 14 ص 90 ب 63 ح 1 و ب 64 ح 1.
132

يتخوف على ولد من يفعل ذلك الخبل، فقال علي عليه السلام: ولم ذلك يا رسول الله؟ فقال:
إن الجن يكثرون غشيان نسائهم في أول ليلة من الهلال وليلة النصف وفي آخر
ليلة، أما رأيت المجنون يصرع في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره ".
وعن مسمع أبي سيار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكره
لأمتي أن يغشي الرجل أهله في النصف من الشهر أو في غرة الهلال، فإن مردة
الشياطين والجن تغشي بني آدم فيجننون ويخبلون، أما رأيتم المصاب يصرح في
النصف من الشهر وعند غرة الهلال ".
وروي الصدوق مرسلا (2) " قال: قال الصادق عليه السلام: لا تجامع في أول الشهر ولا في
وسطه ولا في آخره، فإنه من فعل ذلك فليسلم لسقط الولد - ثم قال: - أوشك أن
يكون مجنونا ألا ترى أن المجنون أكثر ما يصرع في أول الشهر ووسطه وآخره ".
والأخبار بهذا المضمون كثيرة إلا أن ما ذكره من النهي عن المجامعة ليلة
الهلال ينبغي أن يستثنى منه هلال شهر رمضان، لما روي واشتهر بين الأصحاب
من استحباب المجامعة في تلك الليلة، فروى الصدوق مرسلا (3) " قال: قال عليه السلام:
يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقول الله عز وجل: أحل
لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، والرفث: المجامعة ".
وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن العيص (4) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال:
أجامع وأنا عريان؟ فقال: لا ولا مستقبل القبلة ولا مستدبرها " قال: (5) و " قال
علي عليه السلام: لا تجامع في السفينة ".
وروى الصدوق في حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (6) عن

(1) الكافي ج 5 ص 499 ح 5.
(2) الفقيه ج 3 ص 255 ح 3 و ج 2 ص 112 ح 13.
(3) الفقيه ج 3 ص 255 ح 3 و ج 2 ص 112 ح 13.
(4) التهذيب ج 7 ص 412 ح 18، الفقيه ج 3 ص 255 ح 5.
(5) الفقيه ج 3 ص 255 ح 6 و ج 4 ص 3 حديث المناهي.
(6) الفقيه ج 3 ص 255 ح 6 و ج 4 ص 3 حديث المناهي.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 91 ح 2 و 3 و 4 و ص 84 ح 2 و ص 98 ح 3.
133

الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد آبائه عليهم السلام " قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن
يجامع الرجل أهله مستقبل القبلة، وعلى ظهر طريق عامر، فمن فعل ذلك فعليه
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ".
أقول: ما تضمنه الخبر من لعن فاعل ذلك محمول على تأكد الكراهة كما
وقع مثله في الأخبار كثيرا فلا ضرورة إلى حمل الخبر على ما يستلزم محرما غير
ما ذكر كما ارتكبه في الوسائل.
ومن ذلك جماع المحتلم قبل الغسل فروى الصدوق في الفقيه والشيخ
مرسلا (1) وفي العلل مسندا " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يكره أن يغشى الرجل المرأة
وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فإن فعل فخرج الولد مجنونا
فلا يلومن إلا نفسه ".
والأصحاب ذكروا زوال الكراهة بالغسل أولا، أو الوضوء، والرواية إنما
تضمنت الغسل خاصة.
ومنه جماع الحرة بين يدي الحرة، أما الإماء فلا بأس، لما رواه في كتاب
طب الأئمة عن ذريح (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال الباقر عليه السلام: لا تجامع الحرة
بين يدي الحرة، فأما الإماء بين يدي الإماء فلا بأس ".
أقول: بقي هنا فردان مجهولان غير معلوم حكمها، وهو جماع الحرة بين
يدي الأمة، وبالعكس.
ومنه جماع المختضب والمختضبة، لما رواه في الكافي عن مسمع بن عبد الملك (3)
" قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يجامع المختضب قلت: جعلت فداك لم لا

(1) التهذيب ج 7 ص 412 ح 18، الفقيه ج 3 ص 256 ح 7، الوسائل
ج 14 ص 99 ح 1.
(2) الوسائل ج 14 ص 93 ب 66 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 498 ح 8، التهذيب ج 7 ص 413 ح 26 وما فيه موافق
للكافي، الوسائل ج 14 ص 87 ح 1.
134

يجامع المختضب؟ قال: لأنه محتصر ".
قال في الوافي: كأن المحتصر بالمهملتين من الحصر بمعنى القيد والحبس،
ويحتمل إعجام الضاد بمعنى محل حضور الملائكة والجن. إنتهى.
أقول: ويحتمل بناء على الأول أنه بالخضاب ممنوع من الملاعبة والتقبيل
المستحبين أمام الجماع، ومن الغسل بعد الجماع.
وكيف كان فالظاهر أن الأقرب هو ما في التهذيب دون ما في الكافي كما
نقلناه، والذي فيه هكذا: " قلت: جعلت فداك يجامع المختضب؟ قال: لا " ولم
يذكر التعليل بالكلية وهو أوضح، وروى في كتاب طب الأئمة عن إسماعيل بن
أبي زينب (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال لرجل من أوليائه: لا تجامع وأنت
مختضب، فإنك إن رزقت ولدا كان مخنثا ".
ومنه أن يجامع وفي البيت من ينظره لما رواه في الكافي عن ابن أبي راشد (2)
عن أبيه " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته
وفي البيت صبي فإن ذلك مما يورث الزنا ".
وعن عبد الله بن الحسين بن زيد (3) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده لو أن رجلا غشى امرأته وفي البيت صبي
مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا، إذا كان غلاما كان زانيا،
أو جارية كانت زانية وكان علي بن الحسين عليه السلام إذا أراد أن يغشي أهله أغلق الباب
وأرخى الستور وأخرج الخدم ".
وروى في العلل عن حنان بن سدير (4) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:

(1) الوسائل 14 ص 88 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 499 ح 1 والمذكور فيه هو ابن راشد، التهذيب ج 7
ص 414 ح 27، الوسائل ج 14 ص 94 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 500 ح 2، الوسائل ج 14 ص 94 ح 2.
(4) علل الشرايع ج 2 باب 267 ح 1، الوسائل ج 14 ص 95 ح 7.
135

سمعته يقول: لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي، فإن ذلك مما
يورث الزنا ".
وروى في كتاب طب الأئمة عن جابر (1) " قال: أبو جعفر عليه السلام: إياك
والجماع حيث يراك صبي يحسن أن يصف حالك، قلت: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله
كراهة الشنعة؟ قال: لا، فإنك إن رزقت ولدا كان شهرة علما في الفسق
والفجور ".
وعن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه " قال: إياك أن تجامع أهلك
وصبي ينظر إليك، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره ذلك أشد كراهة ".
قال في المسالك: أطلق المصنف الكراهة عند وجود من ينظر إليه، وهو شامل للمميز وغيره، وقيل: يختص ذلك بالمميز، وهو حسن، وتعليل الخبر
يقتضي أن الخطر على الولد السامع بأن يكون زانيا، وأن الضمير المستكن في
" ما أفلح أبدا " يرجع إليه لا إلى المجامع.
ووجه الكراهة حينئذ التعرض لنقص الولد السامع، فلو كان كبيرا دخل
في العموم بل أولى وإن لم يتناوله اسم الغلام والجارية. إنتهى.
أقول: القول بالاختصاص بالمميز منقول عن الشيخ علي - رحمه الله - وهو
جيد لما عرفت من دلالة رواية كتاب طب الأئمة الأولى على ذلك لقوله " يحسن
أن يصف حالك " إلا أنه قد نقل في كتاب البحار عن الراوندي في كتاب النوادر
أنه روى فيه بإسناده (3) عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام " قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم إياكم أن يجامع الرجل امرأته والصبي في المهد ينظر إليهما ".
فإنه ظاهر كالصريح في الكراهة وإن كان غير مميز فإن المهد إنما يوضع
فيه الرضيع ونحوه.

(1) الوسائل ج 14 ص 95 ح 8 و 9.
(2) الوسائل ج 14 ص 95 ح 8 و 9.
(3) المستدرك ج 2 ص 546 باب 50 ح 1.
136

ويمكن الجمع بين الأخبار بالكراهة بنظر الصبي مطلقا وإن تأكدت الكراهة
بالنسبة إلى المميز، وعلى ذلك يحمل الخبر المتقدم.
وأما الرواية التي أشار إليها وهي رواية عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه
فهي وإن أوهمت بظاهرها ما ذكره، إلا أن الرواية الأولى من روايتي كتاب طب
الأئمة صريحة في أنه المولود من ذلك الجماع.
وهذا هو الأنسب بالكراهة للجماع، بمعنى أن ضرر ذلك عائد إليه في
ولده، وإن احتيج في إرجاع الضمير إليه في قوله " ما أفلح " إلى نوع تكلف وتجوز،
حيث إنه بحسب الظاهر إنما ينساق إلى الصبي المذكور أولا.
وهذه الروايات موردها جماع الرجل امرأته وأهله، فلا يدخل فيه الجارية
التي تكون له.
ويدل عليه صريحا ما رواه في التهذيب عن ابن أبي يعفور (1) في الصحيح " عن
أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل ينكح الجارية من جواريه ومعه في البيت من يرى
ذلك ويسمع؟ قال: لا بأس ".
ومنه الجماع عاريا فروى في الكافي عن موسى بن بكر (2) " عن أبي الحسن عليه السلام
في الرجل يجامع فيقع عنه ثوبه، قال: لا بأس ".
وروى الشيخ بإسناده عن محمد بن العيص (3) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له:
أجامع وأنا عريان؟
فقال: لا ولا مستقبل القبلة ولا مستدبرها ".
وروي الصدوق في العلل عن حميد بن الحسين بن زيد العلوي (4) عن أبيه عن

(1) التهذيب ج 8 ص 208 ح 41، الوسائل ج 14 ص 584 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 497 ح 3، الوسائل ج 14 ص 84 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 412 ح 18، الفقيه ج 3 ص 255 ح 5، الوسائل
ج 14 ص 84 ح 2.
(4) علل الشرايع ج 2 ص 518 ط النجف الأشرف، الوسائل ج 14 ص 84 ح 3.
137

جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال: إذا تجامع الرجل والمرأة فلا
يتعريان فعل الحمارين فإن الملائكة تخرج من بيتهما إذا فعلا ذلك ".
أقول: يمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل الخبر الأول على مورده وهو
وقوع الثوب عنه حال الجماع، فإنه لا يكره له الجماع عاريا، والخبرين
الأخيرين لمن قصد الجماع عاريا كما هو ظاهرهما فإنه يكره.
ومنه التزويج في ساعة حارة عند نصف النهار.
روى في الكافي عن ضريس عن عبد الملك (1) " قال: لما بلغ أبو جعفر عليه السلام أن
رجلا تزويج في ساعة حارة عند نصف النهار، فقال: أبو جعفر عليه السلام ما أراهما
يتفقان فافترقا ".
وعن زرارة (2) في الموثق عن أبي جعفر عليه السلام " أنه أراد أن يتزوج امرأة فكره
ذلك أبوه، قال: فمضيت فتزوجتها حتى إذا كان بعد ذلك زرتها فنظرت فلم أر
ما يعجبني فقمت أنصرف فبادرتني القيمة معها إلى الباب لتغلقه علي، فقلت:
لا تغلقيه، لك الذي تريدين فلما رجعت إلى أبي أخبرته بالأمر كيف كان، فقال:
أما إنه ليس لها عليك إلا نصف المهر، وقال: إنك تزوجتها في ساعة حارة ".
أقول: الظاهر أن المراد بالتزويج هنا الدخول، ويحتمل العقد أيضا على
بعد، وإنما بادرته القيمة لإغلاق الباب لأجل الحيلة على أخذ المهر كملا
بالخلوة معها عندهم، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله تعالى.
ومنه الجماع ومعه خاتم فيه ذكر الله أو شئ من القرآن لما رواه علي بن
جعفر في كتابه (3) عن أخيه موسى عليه السلام " قال: سألته عن الرجل يجامع ويدخل
الكنيف وعليه خاتم فيه ذكر الله أو شئ من القرآن أيصلح ذلك؟ قال: لا ".
فيه إشارة إلى كراهية استصحاب العود المشتملة على ذلك في تلك الحال أيضا.

(1) الكافي ج 5 ص 366 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 63 ح 1 و 2.
(2) الكافي ج 5 ص 366 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 63 ح 1 و 2.
(3) الوسائل ج 14 ص 105 ح 1.
138

ومنه الكلام عند الجماع بغير ذكر الله عز وجل، فروى في الكافي والتهذيب
عن عبد الله بن سنان (1) " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام اتقوا الكلام عند ملتقى الختانين،
فإنه يورث الخرس ".
وفي حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (2) " قال: نهي رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم أن يكثر الكلام عند المجامعة، وقال: يكون منه خرس الولد ".
وبإسناده عن أبي سعيد الخدري (3) في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام أنه " قال:
يا علي لا تتكلم عند الجماع فإنه إذا قضى بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس ".
وفي الخصال (4) عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة " قال: إذا أتى أحد كم
زوجته فليقل الكلام، فإن الكلام عند ذلك يورث الخرس ".
أقول: الخبر الأول وإن كان مطلقا في النهي عن الكلام إلا أن ظاهر الثاني
التقييد بالكثير، فالقليل منه غير منهي عنه، ويؤيده الخبر الرابع، وظاهر الخبر
الثالث تخصيص النهي بالرجل دون المرأة، وكذا ظاهر الرابع والاحتياط لا يخفي.
ومنه النظر إلى فرج المرأة فإن المشهور الكراهية وعده ابن حمزة من
المحرمات، والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك:
ما رواه في الكافي عن أبي حمزة (5) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام أينظر الرجل إلى
فرج امرأته وهو يجامعها قال: لا بأس " ورواه الشيخ مثله.
وروى عن سماعة (6) في الموثق " قال: سألته عن الرجل ينظر في فرج المرأة

(1) الكافي ج 5 ص 498 ح 7، التهذيب ج 7 ص 413 ح 25.
(2) الفقيه ج 4 ص 258 و ج 3 ص 358 وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(3) الفقيه ج 4 ص 258 و ج 3 ص 358 وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(4) الخصال ص 637 آخر الحديث.
(5) الكافي ج 5 ص 497 ح 5، التهذيب ج 7 ص 413 ح 23.
(6) التهذيب ج 7 ص 414 ح 28.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 86 ح 1 و ص 87 ح 2 و 3 و 4
و ص 85 ح 2 و 3.
139

وهو يجامعها؟ قال: لا بأس به إلا أنه يورث العمى في الولد ".
وبإسناده إلى أبي سعيد الخدري (1) في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام قال: ولا
ينظرن أحد إلى فرج امرأته، وليغض بصره عند الجماع، فإن النظر إلى الفرج
يورث العمى في الولد ".
وفي وصية النبي (2) صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام المذكورة في آخر كتاب الفقيه: " يا علي
كره الله لأمتي العبث في الصلاة - إلى أن قال: - والنظر في فروج النساء لأنه
يورث العمى ".
وفي كتاب قرب الإسناد للحميري (3) عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن
جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام وابن عباس " إنهما قالا: النظر إلى الفرج عند
الجماع يورث العمى ".
ولعل ابن حمزة استند فيما ذهب إليه من التحريم إلى رواية أبي سعيد
الخدري المتضمنة للنهي عن النظر، والأمر بغض البصر.
وقضية الجمع بين هذه الأخبار هو ما ذكره جل الأصحاب من الجواز على
كراهية للعلة المذكورة فيها، والمفهوم من كلامهم وبه صرح جملة منهم هو عموم
الكراهة لحالة الجماع وغيرها.
وهذه الأخبار وهي أخبار المسألة كلها مقيدة بحالة الجماع، وما أطلق
منها وهي رواية واحدة يمكن حملها على ما قيد.
وربما ينساق إلى الناظر من ظاهر أكثر هذه الأخبار أن العمى للناظر يعني

(1) الفقيه ج 3 ص 359 حديث المناهي و ج 4 ص 258 وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(2) الفقيه ج 3 ص 359 حديث المناهي و ج 4 ص 258 وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم
(3) قرب الإسناد ص 66.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 85 ح 5 و ص 86 ح 7 و 8.
140

بنظره إلى الفرج يحصل العمى (1)، إلا أن ظاهر رواية الخدري أن المراد إنما هو
عمى الولد، بأنه لو وقع بينهما ولد فإنه يخرج أعمى.
ومنه الجماع في موضع لا يوجد فيه الماء من سفر ونحوه لما رواه في الكافي
عن إسحاق بن عمار (2) في الموثق " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون
أهله معه في سفر لا يجد الماء يأتي أهله؟ قال: ما أحب إلا أن يخاف على نفسه،
قلت: فطلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء، فقال: إن الشبق يخاف على
نفسه، قال: قلت: طلب بذلك اللذة، قال هو حلال، قلت: فإنه روي عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أن أبا ذر سأله عن هذا، فقال: ائت أهلك تؤجر، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
آتيهم وأؤجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كما أنك إذا أتيت الحرام أزرت، فكذلك
إذا أتيت الحلال أؤجرت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه
فأتى الحلال أؤجر ".
ومنه الجماع في الليلة التي يريد السفر فيها، فروى في كتاب طب الأئمة (3)
عن جابر الجعفي " عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام " قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
كره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجماع في الليلة التي يريد فيها الرجل سفرا، وقال: إن
رزق ولدا كان جوالة ".
وعن الباقر محمد بن علي عليه السلام (4) أنه " قال: قال الحسين عليه السلام لأصحابه: اجتنبوا

(1) أقول: وبذلك ظهر لك ما في كلام صاحب المسالك حيث قال: وما ذكرناه في تفسير
العمى في نظر الفرج بعمى الولد، ذكره جماعة من الأصحاب، ويحتمل قويا أن يريد عمى
الناظر، إذ ليس هناك ما يدل على إرادة الولد، ولا هو مختص بحالته، وهذا هو الذي
رواه العامة في كتبهم، وعليه يحسن عموم الكراهة للأوقات، وفيه أن رواية أبي سعيد المذكورة قد صرحت بأن المراد إنما هو الولد، وروايات المسألة فورودها المنع من النظر
حال الجماع خاصة، وما أطلق هي رواية واحدة يحمل عليها، وبذلك يظهر لك ما في قوله
" ولا هو مختص بحالته " وحينئذ فما احتمله قويا ليس بذلك القريب. (منه - قدس سره -).
(2) الكافي ج 5 ص 495 ح 3، الوسائل ج 14 ص 76 ح 1.
(3) الوسائل ج 14 ص 189 ح 2 و 3.
(4) الوسائل ج 14 ص 189 ح 2 و 3.
141

الغشيان في الليلة التي تريدون فيها السفر، فإن من فعل ذلك ثم رزق ولدا كان
جوالة ".
أقول: لفظ جوالة لا يظهر الآن لي ضبطه ولا معناه، والذي في الخبر الآتي
أنه ينفق ماله في غير حق، هذا وقد عد جملة من الأصحاب منهم المحقق في كتابه
في جملة الأوقات المكروهة الزوال، ولم يحضرني الآن ما يدل عليه من الأخبار.
وروى الشيخ في التهذيب عن أبي سعيد الخدري (1) " قال: أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا علي إذا أدخلت العروس بيتك فاخلع خفيها
حتى تجلس واغسل رجليها، وصب الماء من باب دارك إلى أقصى دارك، فإنك إن
فعلت ذلك أخرج الله من دارك سبعين ألف لون من الفقر وأدخل فيه سبعين ألف لون من البركة، وأنزل عليه سبعين ألف لون من الرحمة، وترفرف على رأس
العروس حتى تنال بركتها كل زاوية من بيتك، وتأمن العروس من الجذام
والجنون والبرص أن يصيبها ما دامت في تلك الدار، وامنع العروس في أسبوعها من
الألبان والخل والكزبرة والتفاح الحامض من هذه الأربعة الأشياء، فقال علي عليه السلام:
يا رسول الله صلى الله عليه وآله ولأي شئ أمنعها هذه الأشياء الأربعة؟ قال: لأن الرحم يعقم
ويبرد من هذه الأربعة الأشياء عن الولد، والحصير في زاوية البيت خير من امرأة
لا تلد، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما بال الخل يمنع منه؟ قال: إذا
حاضت على الخل لم تطهر أبدا بتمام، والكزبرة شئ تشد الحيض في بطنها وتشدد
عليها الولادة، والتفاح الحامض يقطع حيضها فيصير داء عليها.
ثم قال: يا علي لا تجامع امرأتك في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره، فإن
الجنون والجذام والخبل يسرع إليها وإلى ولدها.

(1) ما عثرنا عليها في التهذيب ولكن وجدناها في الفقيه ج 3 ص 358 ح 1،
وفي الوسائل ج 14 ص 185 ب 147 ح 1.
142

يا علي لا تجامع امرأتك بعد الظهر، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون أحول
والشيطان يفرح بالحول في الانسان.
يا علي لا تتكلم عند الجماع، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون
أخرس، ولا ينظر أحد إلى فرج امرأته، وليغض بصره عند الجماع، فإن النظر إلى
الفرج يورث العمى في الولد.
يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك، فإنه يخشى إن قضي بينكما
ولد أن يكون مخنثا أو مخبلا.
يا علي من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن. فإني أخشى أن
ينزل نار من السماء فتحرقهما.
يا علي لا تجامع امرأتك إلا ومعك خرقة، ولأهلك خرقة، ولا تمسحا بخرقة
واحدة، فتقع الشهوة على الشهوة، فإن ذلك يعقب العداوة بينكما، ثم يؤديكما
إلى الفرقة والطلاق.
يا علي لا تجامع امرأتك من قيام، فإن ذلك من فعل الحمير، فإن قضي
بينكما ولد كان بوالا في الفراش كالحمير البوالة في كل مكان.
يا علي لا تجامع امرأتك في ليلة الأضحى، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون
له ست أصابع أو أربع أصابع.
يا علي لا تجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة، فإنه إن قضي بينكما ولد
يكون جلادا أو قتالا أو عريفا.
يا علي لا تجامع امرأتك في وجه الشمس وتلؤلؤها إلا أن ترخي سترا
يستركما، فإنه إن قضى بينكما ولد لا يزال في بؤس وفقر حتى يموت.
يا علي لا تجامع امرأتك بين الأذان والإقامة، فإنه إن قضي بينكما ولد
يكون حريصا على إهراق الدماء.
143

يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا وأنت على وضوء، فإنه إن قضي
بينكما ولد يكون أعمى القلب بخيل اليد.
يا علي لا تجامع أهلك في النصف من شعبان، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون
مشوما ذا شامة في وجهه.
يا علي لا تجامع امرأتك في آخر درجة منه، يعني إذا بقي منه يومان،
فإنه إن قضي بينكما ولد يكون عشارا وعونا للظالمين، ويكون هلاك فئام من
الناس على يديه.
يا علي لا تجامع أهلك على سقوف البنيان، فإنه إن قضي بينكما ولد
يكون منافقا مرتابا مبدعا.
يا علي إذا خرجت في سفر لا تجامع أهلك تلك الليلة، فإنه قضي بينكما
ولد ينفق ماله في غير حق، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (1) إن المبذرين كانوا
إخوان الشياطين.
يا علي لا تجامع أهلك إذا خرجت إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن، فإنه
إن قضي بينكما ولد يكون عونا لكل ظالم عليك.
وفي رواية الصدوق: الجماع ليلة الاثنين، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون
حافظا لكتاب الله عز وجل، راضيا بما قسم الله عز وجل له.
يا علي إن جامعت أهلك في ليلة الثلاثاء فقضي بينكما ولد فإنه يرزق
الشهادة بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله، ولا يعذبه الله مع
المشركين، ويكون طيب النكهة والفم، رحيم القلب، سخي اليد، طاهر
اللسان من الغيبة والكذب والبهتان.
يا علي إن جامعت أهلك ليلة الخميس، فقضي بينكما ولد فإنه يكون حاكما

(1) سورة الإسراء - آية 27.
144

من الحكام، أو عالما من العلماء، وإن جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس
عند كبد السماء، (1) فقضي بينكما ولد فإن الشيطان لا يقربه حتى يشيب، ويكون
فهما، ويرزقه السلامة في الدين والدنيا.
يا علي إن جامعتها ليلة الجمعة، وكان بينكما ولد، فإنه يكون خطيبا
قوالا مفوها، وإن جامعتها يوم الجمعة بعد العصر، فقضي بينكما ولد، فإنه
يكون معروفا مشهورا عالما، وإن جامعتها ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة، فإنه
يرجى أن يكون من الأبدال، إن شاء الله.
يا علي لا تجامع أهلك في أول ساعة من الليل، فإنه إن قضي بينكما ولد
فإنه لا يؤمن أن يكون ساحرا مؤثرا للدنيا علي الآخرة.
يا علي إحفظ وصيتي هذه كما حفظتها عن جبرئيل ".
أقول: هذا الخبر رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن أبي سعيد
الخدري (2) ورواه الصدوق في العلل والأمالي مسندا عن الطالقاني عن الحسن بن علي
العدوي عن يوسف بن يحيى الأصفهاني عن إسماعيل بن حاتم عن أحمد بن صالح بن

(1) قال السيد في شرح النافع: وأما كراهة الجماع عند الزوال فأطلقه المصنف
وجماعة واستثنى بعضهم من ذلك يوم الخميس، ولم أقف على مستنده، نعم ورد كراهة
التزويج في الساعات الحارة عند نصف النهار. انتهى.
أقول: الظاهر أنه أراد بعدم الوقوف على المستند بالنسبة إلى أصل الحكم من
كراهة الجماع وقت الزوال كما أشرنا إليه وإليه يشير قوله أخيرا، نعم ورد كراهة التزويج
في الساعات الحارة، وإن أراد بالنسبة إلى ما استثنى بعضهم، ففيه أنه قد ورد ذلك في حديث أبي سعيد الخدري المذكور في الأصل بقوله " وإن جامعتها يوم الخميس عند زوال
الشمس إلى آخره ". ويمكن أن يكون المستند في أصل الحكم قوله في حديث الخدري
" لا تجامع امرأتك بعد الظهر، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون أحول " بأن يكون المراد
بعد تحقق الظهر الذي هو عبارة عن الزوال. (منه - رحمه الله -).
(2) الفقيه ج 3 ص 358 ح 1، الاختصاص ص 132، علل الشرايع ج 2
ب 289 ح 5، أمالي الصدوق في المجلس 84 ح 1.
145

سعيد عن عمرو بن حفص عن إسحاق بن نجيح عن خصيب عن مجاهد عن أبي سعيد
الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحديث.
ورواه الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص على ما ذكره في البحار عن عمرو بن
حفص وأبي بصير عن محمد بن الهيثم عن إسحاق بن نجيح إلى آخر ما تقدم.
ولا يبعد أن يكون الخبر المذكور عاميا، ولهذا أن بعض أصحابنا طعن فيه،
قال في المسالك - بعد الاستدلال ببعض ما تضمنه - ما لفظه: وعلى هذه الوصية
تفوح رائحة الوضع، وقد صرح به بعض النقاد. إنتهى.
وقال المحدث الكاشاني في الوافي - بعد نقل الخبر وشرح بعض المواضع
منه كما هي عادته -: ولا يخفي ما في هذه الوصايا وبعد مناسبتها، لجلالة قدر
المخاطب، ولذلك قال بعض علمائنا: أنها مما يشم منها رائحة الوضع. إنتهى.
والظاهر أنه أشار إلى ما قدمنا نقله عن صاحب المسالك، وكان مراد صاحب
المسالك من أنه تفوح منه رائحة الوضع هي ما ذكره المحدث المذكور هنا من
عدم مناسبة هذا الخطاب لجلالة قدر المخاطب به.
وفيه: أن الظاهر أن الخطاب وإن وقع لعلي عليه السلام إلا أن المراد حقيقة إنما
هو الأمة، وقد وقع في القرآن في خطاب الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما هو أعظم من
ذلك، ودلت الأخبار على أن المعني بذلك الخطاب إنما هو الأمة، وهو من باب
إياك أعني واسمعي يا جارة كما صرحت به الأخبار بالنسبة إلى ما وقع في القرآن
من الخطاب الغير المناسب لعلو قدره صلى الله عليه وآله وسلم، وما تضمنه هذا الخبر من ذلك
القبيل.
ومما يؤيده أن جل ما اشتمل عليه هذا الخبر من الأحكام، قد دلت عليه
أخبارنا المروية عن الأئمة عليهم السلام كما عرفت مما قدمناه من الأخبار قبله، ويعضده
رواية هؤلاء المشايخ الأجلاء له في كتبهم، ولا سيما الصدوق في الفقيه بناء على
146

ما ذكره من القاعدة في صدر كتابه، ومن وراء جميع ذلك أنهم صرحوا بأن
العمل بالأخبار الضعيفة في السنن إنما هو عمل في الحقيقة بالأخبار الصحيحة (1)
الدالة على أن " من بلغه شئ من الثواب على عمل فعمله ابتغاء ذلك الثواب كتب
له وإن لم يكن كما بلغه "، وما نحن فيه من ذلك، والله العالم.
تنبيه:
قد اشتهر في كلام الأصحاب أن من جملة المكروهات: الخطبة على خطبة
المؤمن بعد إجابة الأول، بمعنى أنه لو خطب أحد امرأة وأجابه وليها، أو هي إن
لم يكن نكاحها بيد الولي، فإنه يكره لغيره الخطبة لها.
وقد تتبعت ما حضرني من كتب الأخبار حق التتبع، فلم أقف له على
دليل، بل نقل عن الشيخ القول بالتحريم لظاهر النهي.
قال المحدث الكاشاني في المفاتيح: ويكره الخطبة على خطبة المؤمن بعد
الإجابة، للنص، ولما فيه من الايذاء وإثارة الشحناء، وحرمه الشيخ، لظاهر
النهي المؤيد بالنهي الوارد بالدخول في سومه، وعلى التقديرين لو عقد صح
لعدم المنافاة، وبعد الرد جائز بلا كراهة. إنتهى.
وشارح الكتاب المذكور إنما نقل هنا بعض نصوص العامة، قال: كما
رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2) " أنه قال: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ".
وما رواه عنه (3) صلى الله عليه وآله " قال: لا يخطب أحد على خطبة أخيه " وما رواه
عنه (4) صلى الله عليه وآله وسلم " قال: لا يخطب أحد على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك ".
ثم قال: ولما في هذه الاقتحام من الايذاء لأخيه المؤمن ووقوع العداوة

(1) الوسائل ج 1 ص 59 ب 18.
(2) كنوز الحقائق في هامش الجامع الصغير ج 2 ص 172 و 175 و 176.
(3) كنوز الحقائق في هامش الجامع الصغير ج 2 ص 172 و 175 و 176.
(4) كنوز الحقائق في هامش الجامع الصغير ج 2 ص 172 و 175 و 176.
147

والنزاع بينهما، وقال الشيخ بتحريم ذلك، لظاهر النهي المذكور في الخبرين،
ولأن التزويج نوع من السوم الذي في المبايعة لقوله عليه السلام في رواية غياث بن إبراهيم
الواردة في جواز النظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها " لا بأس إنما هو مستام "
- وفي لفظ آخر - " إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن "، والدخول في سوم
أخيه المؤمن منهي عنه. إنتهى.
ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه، فإنه لو صلح تأسيس الأحكام الشرعية
على الأخبار العامية، وأمثال هذه التعليلات الرسمية لأشكل الأمر أي إشكال.
وكيف كان فإنه لو أقدم ذلك الغير على الخطبة في موضع النهي وتزوجها
صح نكاحه بلا خلاف، إذا لا منافاة بين صحة العقد وتحريم الخطبة، كما لو عقد في
وقت يضيق فيه عن الصلاة، خلافا لبعض العامة، والله العالم.
الفائدة الثامنة عشر: في جملة من نوادر الأحكام الداخلة في هذا المقام،
روى الصدوق مرسلا (1) " قال: قال الصادق عليه السلام: ثلاثة يهدمن البدن، وربما
قتلن: دخول الحمام على البطنة، والغشيان على الامتلاء، ونكاح العجائز ".
وروى البرقي في المحاسن (2) " قال: روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاث
يهزلهن البدن، وربما قتلن - إلى أن قال -: ونكاح العجائز، وقال: وزاد فيه
أبو إسحاق النهاوندي، وغشيان النساء على الامتلاء ".
ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله مثله.
أقول: فيه دلالة على كراهية جماع العجوز والجماع على الامتلاء.
وروي في الفقيه مرسلا (3) " قال: أبو الحسن موسى جعفر عليه السلام ثلاثة

(1) الفقيه ج 3 ص 361 ح 6.
(2) المحاسن كتاب المآكل ص 463 ح 425، الكافي ج 6 ص 314 ح 6.
(3) الفقيه 1 ص 75 ح 102.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 191 ب 152 ح 1 و 2 و ج 17 ص 38
ح 4 و ج 1 ص 414 ح 2.
148

من عرفهن لم يدعهن: جز الشعر، وتشمير الثوب، ونكاح الإماء ".
أقول: فيه دلالة على لذة نكاح الإماء زيادة على الحرائر.
وروى الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن مسلم (1) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن
آبائه عليهم السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لامرأة سألته أن لي زوجا وبه علي
غلظة وإني صنعت شيئا لأعطفه علي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: أف لك كدرت
البحار وكدرت الطين ولعنتك الملائكة الأخيار وملائكة السماوات والأرض، قال:
فصامت المرأة نهارها وقامت ليلها وحلقت رأسها ولبست المسوح، فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وآله فقال: إن ذلك لا يقبل منها ".
أقول: لا خلاف بين الأصحاب في تحريم ذلك بأن تفعل المرأة ما يوجب
تقليب قلب زوجها من البغض إلى المحبة ونحو ذلك، ولكن الخبر بحسب ظاهره
غير خال من الاشكال.
أما أولا: فإن ما فعلته إنما كان من جهل والجاهل معذور كما دلت عليه
الأخبار المستفيضة.
وثانيا: أنها بما فعلته من هذه الأمور قد حصلت لها التوبة النصوح،
فكيف لا تقبل توبتها ولا يقبل ذلك منها.
وفي الوافي حمل الخبر تفاديا عما ذكرناه على أن ما فعلته في عطفه عليها كان
من قبيل السحر، والساحر حده القتل، ولذلك قال: " لا يقبل منها " يعني في الظاهر
وإن كانت توبتها مقبولة فيما بينهما وبين الله.
ولا يخفي بعده، إلا أنه لا مندوحة عن الحمل عليه لما عرفت من مخالفة
الخبر بحسب ظاهره لمقتضي الأصول الشرعية والقواعد المرعية.

(1) الفقيه ج 3 ص 282 ب 134 ح 1، الوسائل ج 14 ص 184 ح 1.
149

وروى في الكافي عن الحسن بن الجهم (1) " قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام اختضب،
فقلت: جعلت فداك اختضبت؟ فقال: نعم إن التهيئة، مما يزيد في عفة النساء،
ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة، ثم قال: أيسرك أن تراها على
ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت: لا، قال: فهو ذلك، ثم قال: من أخلاق
الأنبياء التنظيف وحلق الرأس وكثرة الطروقة، ثم قال: كان لسليمان بن داود
ألف امرأة، في قصر واحد ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرية، وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بضع أربعين رجلا، وكان عنده تسع نسوة، وكان يطوف عليهن في كل يوم وليلة ".
أقول: فيه استحباب التزين لمن عنده من النساء الخضاب ونحوه،
واستحباب التطيب وحلق الشعر وكثرة الجماع مع القوة، فلو كان مما يورث
ضعف بدنه فلا.
وفي صحيح هشام بن سالم (2) المتضمن لإهداء الله الهريسة لنبيه صلى الله عليه وآله وأهل
بيته " قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة
والسلام، فأكلوا وأعطي رسول الله صلى الله عليه وآله في المباضعة من تلك الأكلة قوة أربعين
رجلا، فكان إذا شاء غشي نساءه كلهن في ليلة واحدة ".
وروي في الكافي عن هشام بن (3) الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام أو أبي الحسن عليه السلام
" قال " قيل له: إنا نزوج صبياننا وهم صغار، قال: إذا زوجوا وهم صغار لم
يكادوا أن يتألفوا ".
أقول: فيه دلالة على كراهية تزويج الصبي الصغير قبل البلوغ، والمراد
بالتزويج هنا الدخول لا مجرد العقد.
وروى الشيخ في التهذيب عن السكوني (4) " عن جعفر عن أبيه عليهما السلام إن عليا عليه السلام

(1) الكافي ج 5 ص 567 ح 50 و ص 565 ح 41، و ص 398 ح 1، الوسائل ج 14 ص 183 ح 1 و ص 180 ح 7 و ص 72 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 567 ح 50 و ص 565 ح 41، و ص 398 ح 1، الوسائل ج 14 ص 183 ح 1 و ص 180 ح 7 و ص 72 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 567 ح 50 و ص 565 ح 41، و ص 398 ح 1، الوسائل ج 14 ص 183 ح 1 و ص 180 ح 7 و ص 72 ح 1.
(4) التهذيب ج 7 ص 375 ح 82، الوسائل ج 15 ص 53 ب 46 ح 1.
150

قال في المرأة تعطي الرجل مالا يتزوجها فتزوجها، قال: المال هبة والفرج حلال ".
أقول: فيه دلالة على أن مجرد العطية، وسواء كان لغرض يترتب عليها أم لا
هبة صحيحة يملكا المدفوع إليه وإن لم يشتمل على القربة.
إلا أن يقال: إن هذا إنما هو من قبيل الهبة المعوضة، فإنها إنما أعطته
المال في مقابلة تزويجه بهذا، وقد تزوجها، فتكون الهبة لازمة.
وروي في الكافي عن علي بن جعفر (1) " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل
يقبل قبل المرأة؟ قال: لا بأس ".
وعن مسمع (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا نظر
أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأت أهله، فإن الذي معها مثل الذي مع تلك، فقام
رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن لم يكن له أهل فما يصنع؟ قال: فليرفع نظره
إلى السماء وليراقبه وليسأله من فضله ".
وروى الصدوق في كتاب الخصال بإسناده (3) عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة
" قال: إذا رأى أحدكم المرأة تعجبه فليأت أهله، فإن عند أهله مثل ما رأى، فلا
يجعلن للشيطان على قبله سبيلا ليصرف بصره عنها، فإن لم يكن له زوجة فليصل
ركعتين ويحمد الله كثير، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ثم يسأل الله من فضله فإنه
ينتج له من رأفته ما يغنيه ".
وروي في كتاب نهج البلاغة (4) عن أمير المؤمنين عليه السلام " أنه كان جالسا في أصحابه
إذ مر بهم امرأة جميله فرمقها القوم بأبصارهم فقال علي عليه السلام: إن أبصار هذه
الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس

(1) الكافي ج 5 ص 497 ح 4 و ص 494 ح 2، الوسائل ج 14 ص 77 ح 1 و ص 73 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 497 ح 4 و ص 494 ح 2، الوسائل ج 14 ص 77 ح 1 و ص 73 ح 2.
(3) الخصال ج 2 ص 637، الوسائل ج 14 ص 73 ح 3.
(4) نهج البلاغة الحكم رقم 420، الوسائل ج 14 ص 73 ح 4.
151

أهله فإنما هي امرأة كامرأته - الحديث ".
وروى في الكافي عن حماد بن عثمان (1) " قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة
فأعجبته فدخل على أم سلمة وكان يومها، فأصاب منها وخرج إلى الناس ورأسه
يقطر، فقال: أيها الناس إنما النظر من الشيطان، فمن وجد من ذلك شيئا
فليأت أهله ".
أقول: في هذا الأخبار دلالة ظاهرة على ما تقدم من جواز كشف الوجه
واليدين من المرأة الأجنبية، وعدم وجوب سترها، وإلا فلو كان النساء يومئذ
مسترات مخمرات غير مسفرات لم يعلم حال الجميلة من القبيحة حتى يترتب عليه
ما ذكر في هذه الأخبار، قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إنما النظر من الشيطان " يعني حب النظر
ومعاودته بعد حصول النطرة الأولى التي وقعت اتفاقا إذا ترتب عليها اللذة والفتنة.
وأما قوله عليه السلام " فأعجبته " فإنه لا منافاة فيه لمقتضى مقامه صلى الله عليه وآله فإن
استحسان الحسن واستقباح القبيح، والرغبة في الأول والنظرة من الثاني أمر جبلي
وخلق بشري كما لا يخفي.
وروي في الكافي عن عثمان (2) عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إن الله
تعالى غيور يحب الغيرة، ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها ".
وروى في الكافي عن إسحاق بن جرير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا أغير
الرجل في أهله أو بعض مناكحه من مملوكه فلم يغر ولم يغير بعث الله إليه طائرا
يقال له القفندر حتى يسقط على عارضة بابه، ثم يمهله أربعين يوما ثم يهتف به:
إن الله تعالى غيور يحب كل غيور، فإن هو غار وغير وأنكر ذلك فأنكره، وإلا
طار حتى يسقط على رأسه، فيخفق بجناحيه على عينيه، ثم يطير عنه فينزع الله
عز وجل منه بعد ذلك روح الايمان، وتسميه الملائكة الديوث ".

(1) الكافي ج 5 ص 494 ح 1 و ص 535 ح 1 و ص 536 ح 3 الوسائل ج 14 ص 72 ح 1 و ص 107 ح 2 و ص 108 ح 4.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
152

أقول: في الوافي الغيرة: الحمية والأنفة، وقفندر: كسمندر يقال لقبيح
المنظر، وعارضة الباب: هي خشبة العلياء التي يدور عليها الباب.
وروى في الفقيه مرسلا (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وفي الكافي مسندا عن
الحسن بن محبوب عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وكان أبي إبراهيم عليه السلام غيورا وأنا أغير منه، وجدع الله أنف من لا يغار من المؤمنين
والمسلمين ".
وروى في الكافي عن غياث بن إبراهيم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: يا أهل العراق نبئت أن نسائكم يدافعن الرجال في الطريق
أما تستحيون ".
قال في الكافي: وفي حديث آخر (3) إن أمير المؤمنين عليه السلام " قال: أما تستحيون
ولا تغارون نسائكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج ".
أقول: في هذين الخبرين ما يدل على كراهة مزاحمة النساء للرجال في
الزيارات سيما مع الكثرة والغلبة في أيام الفضائل، ومثله في الأسواق أيضا، وإن
كان قليلا.
وروي في الكافي عن حماد بن عثمان (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: خير نساء ركبن الرجال نساء قريش أحناهن على ولد، وخيرهن لزوج "
وعن الحرث الأعور (5) " قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خير
نسائكن نساء قريش ألطفهن بأزواجهن وأرحمهن بأولادهن المجون لزوجها،
الحصان على غيره، قلنا: وما المجون؟ قال: التي لا تمنع ".

(1) الفقيه ج 3 ص 281 ب 133 ح 1 ففيه ارغم، الكافي ج 5 ص 536 ح 4.
(2) الكافي ج 5 ص 536 ح 6 و ص 537 ذيل ح 6 و ص 326 ح 1 و 2.
(3) الكافي ج 5 ص 536 ح 6 و ص 537 ذيل ح 6 و ص 326 ح 1 و 2.
(4) الكافي ج 5 ص 536 ح 6 و ص 537 ذيل ح 6 و ص 326 ح 1 و 2.
(5) الكافي ج 5 ص 536 ح 6 و ص 537 ذيل ح 6 و ص 326 ح 1 و 2.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 109 ح 7 و ص 174 ح 1 و 2 و ص 20 ح 1 و 3.
153

وروى الشيخ في كتاب الأمالي (1) بسنده عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال: كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ".
وروى الصدوق في كتاب معاني الأخبار بسنده فيه عن زيد بن ثابت (2) " قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا زيد تزوجت؟ قلت: لا، قال: تزوج تستعف مع
عفتك، ولا تزوجن خمسا قلت: من هن؟ قال: لا تزوجن شهبرة، ولا لهبرة،
ولا نهبرة، ولا هيدرة ولا لفوتا، قال زيد: قلت: ما عرفت مما قلت شيئا يا رسول الله
قال: ألستم عربا؟ أما الشبهرة: فالزرقاء البذية، وأما اللبهرة: فالطويلة المهزولة
وأما النهبرة: فالقصيرة الدميمة: وأما الهيدرة: فالعجوز المدبرة، وأما اللفوت:
فذات الولد من غيرك ".
وروى في الكافي عن أحمد بن محمد بن عيسى (3) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته ".
وعن بعض أصحابنا (4) قال الكليني: سقط عني إسناده، " قال: إن الله
عز وجل لم يترك شيئا مما يحتاج إليه إلا علمه نبيه صلى الله عليه وآله فكان من تعليمه
إياه أنه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن
جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال: إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر، إذا
أدرك ثمرها فلم تجتن أفسدته الشمس ونثرته الريح، وكذلك الأبكار إذا أدركن
ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة وإلا لم يؤمن عليهن الفساد، لأنهن
بشر، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله فمن نزوج؟ فقال: الأكفاء،
فقال: يا رسول الله ومن الأكفاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض "، وفي معناه

(1) الوسائل ج 14 ص 21 ح 5.
(2) معاني الأخبار ص 318 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 336 ح 1 و ص 337 ح 2.
(4) الكافي ج 5 ص 336 ح 1 و ص 337 ح 2.
وهذه الروايات في، الوسائل ج 14 ص 19 ح 8 و ص 39 ح 1 و 2.
154

أخبار أخر والجميع دال على استحباب تعجيل تزويج الأبكار.
وروى في الكافي عن عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: يكره للرجل
إذا قدم من سفر أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح ".
أقول: فيه دلالة على كراهية دخول المسافر ليلا إلى أهله، وبذلك صرح
الأصحاب أيضا، وإطلاق الخبر يقتضي عدم الفرق في الكراهة بين أن يعلمهم بذلك
قبل الليل وعدمه، وبذلك صرح في المسالك.
وقيل: تختص الكراهة بعدم الاعلام، واختاره في الوسائل، فقال: باب
أنه يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا حتى يعلمهم، ولا أعرف له وجها،
وقال في المسالك: المراد بالأهل من في داره أعم من الزوجة.
أقول: المراد من لفظ الأهل في الأخبار إنما هو الزوجة، ويؤيد ذلك
ما في كتاب المصباح المنير قال: وأهل الرجل يأهل أهولا إذا تزوج، وتأهل
كذلك فيطلق الأهل على الزوجة. إنتهى.
وروى في الكافي عن محمد بن يحيى (2) رفعه " قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله
فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ليس عندي طول فأنكح النساء، فإليك أشكو العزوبية
فقال: وفر شعر جسدك، وأدم الصيام، ففعل فذهب ما به من الشبق ".
وروى الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد (3) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام
" قال: قال علي عليه السلام: ما كثر شعر رجل قط إلا قلت شهوته ".
وروى في الكافي عن سدير (4) " قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يا سدير بلغني عن

(1) الكافي ج 5 ص 499 ح 4 و ص 564 ح 36.
(2) الكافي ج 5 ص 499 ح 4 و ص 564 ح 36.
(3) الفقيه ج 3 ص 303.
(4) الكافي ج 5 ص 569 ح 56، وفيه " قد أصبتها جعلت فداك ".
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 93 ب 65 ح 1 و ص 178 ح 1 و 2
و ص 184 ح 1.
155

نساء أهل الكوفة جمال وحسن تبعل، فابتغ لي امرأة ذات جمال في موضع، فقلت:
قد أصبتها فلانة بنت فلان بن محمد بن الأشعث بن قيس فقال لي: يا سدير إن
رسول الله صلى الله عليه وآله لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم إلى يوم القيامة، وأنا أكره
أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار ".
أقول: فيه دلالة على استحباب التزويج للجمال وحسن التبعل، وفي غيره
من الأخبار ما يدل عليه أيضا.
بقي الكلام في أن ما تضمنه الخبر من كراهية تزويج أحد من أهل النار،
وكراهية إصابة جسده جسده مشكل بالمرأتين المعروفتين تحته صلى الله عليه وآله فإنه عالم
بأنهما من أهل النار، وأظهر منهما امرأتا نوح ولوط على نبينا وآله وعليهما السلام.
وروى في الكافي عن السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إذا جلست المرأة مجلسا فقامت عنه فلا يجلس في مجلسها رجل حتى يبرد ".
ورواه الصدوق (2) مرسلا إلا أنه قال: " فلا يجلس في مجلسها أحد حتى يبرد "
إلى غير ذلك من الأخبار.
الفصل الأول في العقد
والكلام فيه يقع في الصيغة وما يلحقها من الأحكام والأولياء للعقد وما يتعلق
بهم في المقام، وحينئذ فالبحث هنا يقع في مقصدين:
الأول: في الصيغة وما يلحقها من الأحكام، وفيه مسائل:
الأولى: أجمع العلماء من الخاصة والعامة على توقف النكاح على الإيجاب
والقبول اللفظيين.

(1) الكافي ج 5 ص 564 ح 38.
(2) الفقيه ج 3 ص 298 ح 3.
وهما في الوسائل ج 14 ص 174 ب 145.
156

واتفقوا على أن الإيجاب في العقد الدائم يقع بلفظ: زوجتك وأنكحتك،
بل صرح جملة منهم بأنه لا يقع إلا بهذين اللفظين.
قال الشيخ في المبسوط: لا ينعقد عقد الدوام إلا بلفظين: زوجتك وأنكحتك
وبه قال ابن الجنيد والسيد المرتضى وأبو الصلاح وأبو حمزة وابن إدريس.
والأصل في الانعقاد بهما، ما ورد في الكتاب العزيز من قوله تعالى (1) " فلما
قضى زيد منها وطرا زوجناكها " وقوله تعالى (2) " ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من
النساء " فإن المراد منه العقد هنا، للاجماع على تحريم من عقد عليها الأب على ابنه
وإن لم يدخل بها الأب.
واختلفوا في لفظ متعتك، وهل ينعقد به أم لا؟ قولان:
نقل (الأول) منهما في المختلف عن بعض أصحابنا، وهو صريح المحقق في
كتابيه، وإليه يميل كلام السيد السند في شرح النافع.
و (الثاني) منهما اختيار العلامة في جملة من كتبه، واختاره في المسالك ونقله
عن الأكثر.
والوجه فيما ذهب إليه الأولون هو أن المستفاد من الأخبار أن المعتبر من
الألفاظ في العقود ما دل على المطلوب والمقصود، ولفظ متعتك من الألفاظ الدالة
على هذا المعنى.
ويعضد ذلك ما دل عليه الخبر، وقال به جملة من الأصحاب من أنه لو تزوج
متعة وأخل بذكر الأجل انقلب دائما، وذلك فرع صلاحية الصيغة له، فإنه لو لم
يكن الصيغة صالحا لذلك لما لزم الانقلاب.
ويؤيد ذلك أيضا عدم ورود لفظ مخصوص من الشارع لذلك مع عموم
البلوى بهذا الحكم وشدة الحاجة إليه بل المستفاد من الأخبار الواردة في هذا

(1) سورة الأحزاب - آية 37.
(2) سورة النساء - آية 22.
157

الباب وغيره مما تقدم هو اتساع الدائرة في العقد كما تقدم ذكر ذلك في
غير مقام.
وغاية ما احتج به العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من المنع أن الأصل
عصمة الفروج عن الغير، خرج منه ما أجمعوا عليه من الصيغ فيبقي الباقي على المنع
الأصلي إلى أن يثبت الدليل على التحليل.
ولأن المتعة حقيقة في النكاح المنقطع في العرف الشرعي فيكون مجازا في
الدائم لأصالة عدم الاشتراك.
ولا يكفي في صيغ العقد ما يدل بالمجاز، وإلا لم تنحصر الألفاظ وهو باطل
إجماعا. إنتهى.
والجواب عن الأول بثبوت الدليل بما ذكرنا، وعن الثاني بمنع كون
اللفظ المذكور حقيقة في العقد المنقطع، وذلك فإن أصل اللفظ صالح للنوعين،
فيكون حقيقة في القدر المشترك بينهما، ويتميزان بذكر الأجل وعدمه، سلمنا
أنه مجاز في الدائم، ولكن لا نسلم عدم انعقاد العقد بالألفاظ المجازية، خصوصا
إذا كان المجاز مشهورا، ولهذا حكم الأكثر بانعقاد البيع الحال بلفظ السلم.
أقول: والتحقيق عندي في هذا المقام وهو الأوفق بالاحتياط المطلوب سيما
في النكاح كما استفاضت به أخبارهم عليهم السلام هو أن يقال: لا ريب أن الذي تكاثرت به
الأخبار في العقد الدائم إنما هو التعبير بالتزويج أو النكاح خاصة، ولم يرد في شئ
منها على كثرتها وانتشارها التعبير بلفظ المتعة.
وأما لفظه المتعة فإنه لم يعبر به في الأخبار إلا في النكاح المنقطع خاصة،
وظاهر ذلك اختصاص لفظ المتعة بالمنقطع، واشتراك لفظي التزويج والنكاح بين
الدائم والمنقطع وإن احتيج في المنقطع إلى التقييد بذكر الأجل، فالاحتياط
يقتضي الوقوف على ذلك.
وحيث إن المشهور بين الأصحاب بل هو من القواعد المسلمة عندهم أن
158

العقود اللازمة يجب أن يكون لها ألفاظ معينة من الشارع صريحة الدلالة،
وأما العقود الجائزة فليست كذلك بل يكفي فيها كل ما دل على المراد ولم تكن
من قبل الشارع أوجبوا في هذا المقام بهذين اللفظين، واختلفوا في الثالث.
وأنت خبير بأن هذه القاعدة المدعاة لم نقف لها على مستند بل ظاهر الأخبار
وهو أن الأمر أوسع من ذلك فإن المطلوب من العقود يحصل بكل ما دل على
المقصود، لكنا في هذا الباب لما رأينا الأخبار بالنسبة إلى لفظ المتعة إنما تضمنت
التعبير به في المنقطع خاصة حكمنا احتياطا بالتخصيص به وعدم انعقاد الدائم به (1)
فإنه من المحتمل أن تصريح الأخبار بذلك لعلة موجبة للاختصاص وإن كنا
لا نهتدي إلى الآن بوجهها.
ثم إن المشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين أنه يشترط في عقد النكاح
وغيره من العقود اللازمة وقوع الإيجاب والقبول بلفظ الماضي.
قالوا: لأنه دال على صريح الانشاء المطلوب في العقود، بخلاف صيغة
المضارع والأمر فإنهما ليستا موضوعتين للانشاء، ولاحتمال الأول منهما الوعد،
ولأن العقد مع الاتيان باللفظ الماضي متفق على صحته وغير مشكوك فيه، فيقتصر
على المتيقن، ولأن تجويز غيره يؤدي إلى انتشار الصيغة وعدم وقوفها على قاعدة،
فيصير العقد اللازم مشبها للإباحة، والعقود اللازمة موقوفة على ثبوت أمر من
الشارع لأنها أسباب توقيفية فلا يتجوز فيها.
وأنت خبير بما فيه، أما (أولا) فلما ذكره السيد السند في شرح النافع حيث
قال - بعد قول المصنف بأنه يشترط الماضي لأنه صريح في الانشاء، ونعم ما قال -:

(1) نم ربما أشكل ذلك بخبر أبان بن تغلب الدال على أنه مع عدم ذكر الأجل
ينقلب دائما فإن لحكم بانقلابه دائما مشعر بأن لفظ المتعة مما ينعقد به العقد الدائم،
والجواب عن ذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى في المسألة المذكورة، من أن التحقيق
عدم دلالة الخبر على ما ادعوه. (منه - قدس سره -).
159

قد تكرر هذا التعليل في كلام الأصحاب وهو غير مستقيم، فإن الأصل في الماضي
أن يكون إخبارا لا إنشاء، وإنما التزموا بجعله إنشاء بطريق النقل، فاللفظ
بمجرده يحتمل الأخبار والانشاء، وإنما يتعين لأحدهما بقرينة خارجة فلا يكون
صريحا في الانشاء، ومع اقترانه بالقرينة يمكن ذلك في غيره من صيغة الأمر
والاستقبال وبالجملة الاسمية، كما في الطلاق. إنتهى.
و (ثانيا) ما في هذه الوجوه التخريجية من النظر الظاهر لكل من تأمل الأخبار
وجاس خلال تلك الديار.
وقد قدمنا جملة من الأخبار في الفصل الأول في البيع من كتاب المتاجر
دالة على ما قلناه، فارجع إليها لتعلم ما هو الحق الحقيق بالاتباع وإن كان
قليل الاتباع.
ومن ذلك أيضا ما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة (1) " قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن التزويج بغير خطبة، فقال: أوليس عامة ما تزوج فتياننا ونحن نتعرق
الطعام على الخوان نقول: يا فلان زوج فلانا فلانة، فيقول: نعم قد فعلت ".
والقبول هنا قد وقع بلفظ الأمر مقدما على الإيجاب وهو على خلاف
قاعدتهم المذكورة
وما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال:
جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: زوجني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لهذه؟
فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله صلى الله عليه وآله زوجنيها فقال: ما تعطيها؟ فقال: ما لي
شئ، قال: لا، فأعادت فأعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام، فلم يقم أحد غير الرجل،
ثم أعادت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله في المرة الثالثة: أتحسن من القرآن شيئا؟ قال:

(1) الكافي ج 5 ص 368 ح 1 ص 380 ح 5، الوسائل ج 14 ص 66 ح 1 و ج 15 ص 3 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 368 ح 1 ص 380 ح 5، الوسائل ج 14 ص 66 ح 1 و ج 15 ص 3 ح 1.
160

نعم، قال: قد زوجتك على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه " (1).
وفي هذا الخبر مخالفات عديدة لقواعدهم منها: الموضع المذكور، وهو
وقوع القبول بلفظ الأمر، مع أنهم أوجبوا أن يكون بلفظ الماضي، ومنها: تقديم
القبول على الإيجاب، وجملة منهم يوجبون العكس.
وبالجواز كما دل عليه الخبر قاله الشيخ في المبسوط (2) ومنعه ابن إدريس
والعلامة في المختلف وجماعة واختلفوا في تنزيل الخبر، فالشهيد في شرح الإرشاد
نزله على أن الواقع من النبي صلى الله عليه وآله قائم مقام الإيجاب والقبول لثبوت ولايته
المستفادة من قوله عز وجل " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ".
ورد بأن الولي المتولي للعقد عنهما يعتبر وقوع كل من الإيجاب والقبول

(1) أقول: العجب أن شيخنا الشهيد الثاني - رحمة الله عليه - في المسالك نقل
الخبر بوضع آخر قال: كما ورد في خبر السهل الساعدي المشهور بين العامة والخاصة
ورواه كل منهما في الصحيح، وهو أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله فقالت:
يا رسول الله وهبت نفسي لك، وقامت قياما طويلا، فقام رجل وقال: يا رسول الله
صلى الله عليه وآله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل
لك من شئ تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك، التمس ولو خاتما من حديد، فلم يجد شيئا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل معك من القرآن شئ؟ قال: نعم سورة كذا
وسورة كذا سماها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: زوجتك بما معك من القرآن.
ويحتمل أنه أخذه من كتب العامة، وأنه بهذه الكيفية في كتبهم وإلى ذلك تنبه سبطه
في شرح النافع فاعترضه كما ذكرنا أيضا، فقال - بعد نقلها -: قلت: إن هذه الرواية
بهذا المتن لم أقف عليها في كتب روايات الأصحاب. انتهى منه - رحمه الله -).
(2) قال في المبسوط ج 4 ص 194: لو تقدم القبول في النكاح فقال الزوج:
زوجنيها فقال: زوجتكها صح، وإن لم يعد الزوج القبول بلا خلاف لخبر سهل الساعدي.
انتهى، وفيه دلالة على جواز تقدم القبول مع كون القبول بلفظ الأمر، وقال في المختلف
- بعد نقل ذلك -: والوجه المنع، لبعده من الانشاء الموضوع له لفظ الماضي، ولم
يجب عن الخبر بشئ. (منه - رحمه الله -).
161

منه على حده، ولا يكفي أحد من الفقهاء بلفظ واحد عنهما منه (1) وهو موضع وفاق
ولا ضرورة إلى جعل ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وآله مع وجود القبول اللفظي، وقول
جملة من العلماء به.
ومنهم من نزل الخبر على أن يكون الزوج قبل باللفظ بعد إيجاب النبي
صلى الله عليه وآله وإن لم ينقل، ولا يخفى ما فيه من التمحل والبعد من غير موجب لذلك
إلا مجرد ما قدمناه عنهم من الدعاوي العارية عن الدليل والتخريجات التي
لا توصل إلى سبيل.
ولو قامت مثل هذه التأويلات الباردة والتمحلات الشاردة لا نسد أبواب
الاستدلال إذ لا قول إلا وللتأويل فيه مجال، فكيف يقوم لهم الاستدلال على
مخالفيهم في الأصول وأصحاب الملل والأديان، إذا أبدوا لهم مثل هذه الاحتمالات
الغثة مع أنه لو تم لهم في هذا الخبر، فإنه لا يتم في الخبر الأول.
ومنها الفصل الكثير بين الإيجاب والقبول، وهم يوجبون المقارنة وفورية
القبول.
وربما أجيب بأنه لا بأس بذلك إذا كان الكلام الفاصل لمصلحة العقد، وإنما
المانع تخلل الكلام الأجنبي.
وفيه أن الأصل لم يقم عليه دليل يلجئ إلى ارتكاب الحمل على ما ذكروا
من التأويل على أن الظاهر من التذكرة جواز التراخي بين الإيجاب والقبول بما

(1) وهو موضع وفاق ولا ضرورة إلى جعل ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وآله
مع وجود القبول اللفظي وقول جملة من الفقهاء به ومنهم المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد
قال - بعد ذكر المصنف الوقوع بلفظ الأمر ما لفظه -: وهو ظاهر المبسوط لخبر السهل
الساعدي المشهور، والأكثر لم يذكروه، وفيه احتمال يدفع الدلالة وهو جواز أن يكون
الواقع من النبي صلى الله عليه وآله ايجابا وقبولا عنهما لثبوت الولاية المستفادة من قوله تعالى
" النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " أو جواز أن يكون ملحوقا بقبول الزوج وإن لم ينقل
لنا مع أصالة عصمة الفرج فلا يثبت إلا بمثبت. انتهى وفيه ما عرفت. (منه - قدس سره -).
162

يزيد على ما هنا، فإنه قد اعتبر في الصحة وقوع الإيجاب والقبول في مجلس واحد
وإن تراخى أحدهما عن الآخر.
وبالجملة فإن الظاهر من الخبر الاقتصار في العقد على ما وقع فيه كما وقع
في الخبر المتقدم عليه وارتكاب هذه التأويلات الغثة والتمحلات البعيدة مع عدم
الموجب لذلك غير مسموع ولا مقبول، وهاتان الروايتان قد دلتا على انعقاده
بلفظ الأمر.
ونحوهما رواية مؤمن الطاق (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " قال: يقول لها:
زوجيني نفسك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله نكاحا غير سفاح - الحديث ".
وأما ما يدل على انعقاده بلفظ المستقبل المقترن بقصد الانشاء - كأن يقول
الزوج " أتزوجك " مريدا به الانشاء فتقول " زوجتك " وبه قال ابن أبي عقيل والمحقق
وجماعة - فجملة من الأخبار.
منها: رواية أبان بن تغلب (2) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف أقول لها
إذا خلوت بها؟ قال: تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبية لا وارثة
ولا موروثة كذا وكذا يوما، وإن شئت كذا وكذا سنة بكذا وكذا درهما
وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أم كثيرا، فإذا قالت نعم فقد رضيت
فهي امرأتك، وأنت أولى الناس بها - الحديث ".
وما رواه الكليني في الحسن عن ثعلبة (3) " قال: تقول، أتزوجك متعة على
كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير سفاح وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك كذا وكذا
يوما بكذا وكذا درهما وعلي أن عليك العدة ".
وعن هشام بن سالم (4) " قال: قلت: كيف يتزوج المتعة؟ قال: تقول:

(1) التهذيب ج 7 ص 263 ح 61، الوسائل ج 14 ص 467 ح 5.
(2) الكافي ج 5 ص 455 ح 3 و 4 و 5، التهذيب ج 7 ص 265 ح 70 و ص 263 ح 62، الوسائل ج 14 ص 466 ح 1 و 2 و 3.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
163

يا أمة الله أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما، فإذا مضت تلك الأيام كان
طلاقها في شرطها ولا عدة لها عليك ".
وعن أبي بصير (1) في الموثق " قال: لا بد أن يقول فيه هذه الشروط: أتزوجك
متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما نكاحا غير سفاح على كتاب الله وسنة
نبيه وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك على أن تعتدي خمسة وأربعين يوما ".
وإلى القول بالمنع ذهب العلامة، ونقله عن ابن حمزة، وبه صرح الشهيد
في شرح الإرشاد (2)، والعلامة في المختلف نقل رواية أبان ولم يتعرض للجواب عنها، والشهيد ردها بضعف الاسناد.
وفيه ما عرفت من أن الدليل غير منحصر في الرواية المذكورة بل الدال
على ذلك جملة من الروايات، وفيها الحسن باصطلاحهم، وربما يتخيل أنه
لا يلزم من وقوع المتعة بصيغة المستقبل وقوع الدائم بها، لما بينهما من الاختلاف.
وفيه (أولا) أن الغرض من نقل هذه الأخبار ونحوها إنما هو بيان ما في
قواعدهم المذكورة من الفساد والخروج عما وردت به أخبار سادات العباد، فإنك
قد عرفت أن من قواعدهم اشتراط هذه الشروط، أعني ماضوية الإيجاب والقبول
ونحوها مما تقدم في العقود اللازمة.
ولا ريب أن عقد المتعة من جملة العقود اللازمة مع أن الأخبار دلت على جواز
القبول فيه بلفظ الأمر ولفظ الاستقبال وبه يعلم انخرام هذه القاعدة، وعدم
اشتراط الماضوية في العقود اللازمة كما ادعوه.

(1) التهذيب ج 7 ص 263 ح 63، الوسائل ج 14 ص 467 ح 4.
(2) قال في شرح الإرشاد: والثاني وقوعه بلفظ المستقبل وهو قول ابن عقيل وظاهر
المحقق نجم الدين عملا برواية أبان بن تغلب في المتعة، وسيأتي أن كل لفظ صالح للمتعة
صالح للدوام، للنص على انقلاب المتعة دائما من دون لفظ الدوام، وجوابه بعد التمسك
بالأصل منع صحة السند أولا ومنع كلية الكبرى ثانيا، وسيأتي الخلاف في انقلابه دائما
أو بطلانه. انتهى. (منه - رحمه الله -).
164

ودعوى كون ذلك مختصا بعقد المتعة يتوقف على ثبوت دليل على أصل
القاعدة المدعاة مع أنه لا دليل عليها إلا دعواهم المتقدمة وتخريجاتهم المنخرمة.
و (ثانيا) أنه لا ريب أن لفظ التزويج صالح للدائم والمنقطع، وإنما يفترقان
بذكر الأجل وعدمه، ولهذا قيل: إنه لو قصد المتعة وأهمل ذكر الأجل انقلب
دائما فدل على اشتراكهما في اللفظ الدال على العقد بل دل على جواز إيقاع الدائم
بلفظ التمتع كما قيل.
وحينئذ فيلزم من صحة عقد التمتع بالمضارع صحة الدائم به.
قالوا: ولا يشترط في القبول مطابقته لعبارة الإيجاب، بمعنى أن يكونا من
مادة واحدة بل تصح إن اختلفا بأن يقال زوجتك فيقال قبلت النكاح أو رضيت به
أو يقال أنكحتك فيقال قبلت التزويج أو تزوجت.
والوجه في ذلك أن المعتبر من القبول اللفظي ما دل على الرضا بالايجاب أعم
من أن يكون أحد اللفظين المشهورين أو غيرهما دل المعنى المقصود منهما.
ثم إنهم قد اختلفوا فيما لو قال: زوجت بنتك من فلان فقال: نعم فقال
الزوج: قبلت، فقيل: بالصحة، ونقل عن الشيخ - رحمه الله - وبه جزم المحقق
في النافع، وتردد في الشرايع، وعلله في النافع بأن " نعم " يتضمن السؤال بمعنى
أنها وضعت لتصديق ما تقدم فتحذف الجملة بعدها وتقوم هي مقامها فإذا قصد بها
الانشاء فقد أوجب، لأنه في قوة " نعم زوجت بنتي من فلان " فإذا قبل الزوج تم
العقد، ويعضده رواية أبان المتقدمة، وكذا رواية عبيد بن زرارة السابقة أيضا.
وقيل بعدم الصحة ونسبه في المسالك إلى الأشهر بين الأصحاب نظرا إلى
ما تقدم من أن الموضوع شرعا في سببية النكاح وحصوله هو أحد اللفظين أو الثلاثة
على الخلاف المتقدم فيجب الاقتصار عليها، لأن الأسباب الشرعية لا يقاس عليها،
فجزء العقد غير مذكور وإن وجد ما يدل عليه، والمسألة لا تخلو من تردد وإن كان
القول الأول يخلو من قوة.
165

وظاهره في المسالك ما ذكرناه أيضا، حيث إنه اقتصر على مجرد نقل حجج
القولين ولم يرجح شيئا في البين، إلا أنه قال: وقد تقدم في المسائل السابقة ما يؤيد
الأول، وأشار به إلى ما قدمناه أولا، ونحوه سبطه السيد السند في شرح النافع حيث
قال بعد ذكر القول الثاني: ثانيا: وهو أولى، وإن كان الأول لا يخلو من قرب.
ووجه القوة والقرب فيه ما عرفت في غير مقام مما تقدم في الكتب المتقدمة،
أن ما ادعوه من وضع ألفاظ مخصوصة للعقود اللازمة بحيث لا يجوز تجاوزها ولا
الخروج عنها مما لم يقم عليه دليل.
وإنما المستفاد من الأخبار هو كل ما أفهم المقصود ودل عليه في طرف
الإيجاب كان أو القبول، ومن الجائز أن خروج هذين اللفظين أو الثلاثة في هذا
المقام إنما هو من حيث كونها هي الجارية في المحاورات، لا من حيث الاختصاص،
ويؤيد ذلك بالروايتين المشار إليهما هنا.
هذا وما قدمنا نقله عنهم من وجوب الترتيب بتقديم الإيجاب وتأخير القبول
هو أحد القولين في المسألة، وهو المشهور بينهم، وهو الذي صرح به الشيخ في
المبسوط " العدم " (1) مدعيا عليه الاجماع، وهو الأقوى لما عرفت من دلالة جملة من
الأخبار المتقدمة عليه.
ويؤيده أيضا أن غاية ما يفهم من الأخبار هو وجوب اشتمال العقد على
الإيجاب والقبول، وأما وجوب الترتيب كما يدعونه فلا دليل عليه، وحينئذ
فيصح العقد لحصول المقتضي، وهو العقد الجامع لشرائط الصحة.
وربما علل وجوب الترتيب بأن حقيقة القبول الرضاء بالايجاب، فإذا
وجد قبل لم يكن قبولا، وفيه أنه مع الاغماض عن المناقشة في عدم ثبوت الأحكام
الشرعية بأمثال هذه التعليلات العقلية مسلم لو انحصر القبول في لفظ قبلت
أو رضيت مثلا.

(1) أقول: قد تقدم عبارته بذلك في الحاشية المتقدمة فليلاحظ. (منه - قدس سره -).
166

أما مع كونه بلفظ تزوجت ونكحت أو أتزوجك ونحوه كما تقدم في
الأخبار فلا، لأنه في معنى الإيجاب، وإن سمي قبولا اصطلاحا، وفي الحقيقة أن
كلا منهما موجب وقابل.
وربما صار بعض المانعين إلى الفرق بين النكاح وغيره، فمنع من تقديم
القبول في غير النكاح، وجوز فيه، مستندا إلى أن الإيجاب يقع من المرأة، وهي
تستحي غالبا فيمنعها الحياء من أن تبتدئ به فإذا ابتدء الزوج بالقبول المتضمن لكل
ما يطلب في العقد من المهر والشروط السابقة خفت المؤونة على المرأة، ولم يفت
المطلوب، وتعدى الحكم إلى ما لو كان القبول من وكيلها أو وليها تبعا وطردا
للباب، ولا يخفى ما فيه، والاعتماد على ما قدمناه أولا.
المسألة الثانية: المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم جواز
العدول عن العربية إلى الترجمة بالفارسية ونحوها إلا مع العجز.
وقيل: إن اعتبار العربية إنما هو على جهة الاستحباب، وإلا فإنه يجوز
الترجمة اختيارا، والأول مذهب الشيخ في المبسوط حيث قال: إذا كان لا يحسن
العربية صح العقد بلفظ التزويج بالفارسية، وإن كان يحسنها لم ينعقد إلا بلفظ
النكاح أو التزويج، لأنه لا دلالة عليه، وادعى عليه الاجماع.
وتبعه على هذه المقالة من تأخر عنه من الأصحاب إلا ابن حمزة، فإنه قال:
فإن قدر المتعاقدان على القبول والايجاب بالعربية عقد بها استحبابا، وهو ظاهر
في جواز العقد بالترجمة وإن كان قادرا على العربية.
احتج الأصحاب على القول المشهور بأن هذين اللفظين - أعني زوجتك
وأنكحتك - لما كان متعينين في الإيجاب وهما عربيان قد ثبت شرعا التعبير بهما عن
هذا المعنى، وكونهما سببا في عقده لم يجز العدول عنهما إلى غيرهما من الألفاظ
الدالة عليهما بغير العربية، وقوفا على ما حده الشارع ونصبه سببا، ولأصالة بقاء
167

الفروج على التحريم إلى أن يثبت المزيل، ولأن غير العربية وإن أدت معنا هما
كالكنايات الدالة عليهما بالعربية، فكما لا يصح العقد عندنا بالكنايات لا يصح
بغير العربية، ولأن العقود المتلقاة من الشارع كلها عربية، فالعدول عنها عدول
إلى ما لم يثبت شرعا كونه سببا لترتب الأحكام الخاصة.
أقول: ويرد على الوجه الأخير أنه من الجائز أن السبب في ذلك إنما هو من
حيث إنه لما كانوا عربا ومحاوراتهم ومخاطباتهم وما يجري من الكلام بينهم إنما
هو بالعربية، من حيث إنها هي اللغة التي جبلوا عليها، فجرت العقود الواقعة
منهم على هذا المجرى، فلا دلالة في ذلك على خصوصية العقود بذلك كما ادعوه.
احتج ابن أبي حمزة بأن المقصود من الألفاظ دلالتها على الرضا الباطني،
فكل ما دل عليه كفى.
ولأن غير العربية إذا دل عليه اللفظ المطلوب منها كالمترادف الذي يجوز
إقامته مقام رديفه، ولا نسلم أن تجويز ذلك يستلزم تجويز الكناية، للفرق بينهما،
فإن ما دل على اللفظ الصريح صريح، بخلاف الكناية الدالة بالفحوى، كالبيع
والهبة.
وربما أيد ذلك باتفاق الأصحاب ظاهرا على إجزاء الترجمة ممن لا يحسن
العربية، وأنه لا يوجب عليه التوكيل في العقد، ولولا ثبوت كون العقد الواقع
بغير العربية سببا في الحل لما أجزء ذلك، والفرق بين القادر على العربية وغيره غير
مستفاد من النقل.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك التوقف في المسألة حيث اقتصر على
نقل القولين ونقل حججهما كما ذكرناه، ولم يرجح شيئا منهما، ولا طعن في
شئ من دليلهما، وهو أيضا ظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع، بل صريحة
حيث قال بعد ذكر القولين ودليلهما: والمسألة محل إشكال، والظاهر أن منشأ
168

ذلك تأييد كلام ابن حمزة بما تقدم في غير مقام من الأبحاث المتقدمة من أن المدار
في صحة العقود على التراضي من الطرفين والاتفاق من الجانبين، فكل ما أشعر
بذلك من الألفاظ كان كافيا في البين.
ودعوى أن للعقود اللازمة ألفاظا مخصوصة تدور الصحة معها وجودا
وعدما مما لم يقم عليه دليل، وهو جيد كما عرفت فيما تقدم.
إلا أنه قد روى الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري (1) في كتاب قرب
الأسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة " قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام
يقول: إنك قد ترى من المحرم من العجم لايراد منه ما يرد من العالم الفصيح،
وكذلك الأخرس في القراءة للصلاة والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم المحرم
لايراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح، ولو ذهب العالم المتكلم الفصيح
حتى يدع ما قد علم أنه يلزمه ويعمل به، وينبغي له أن يقوم به حتى يكون
ذلك منه بالنبطية والفارسية، فحيل بينه وبين ذلك بالأدب حتى يعود إلى ما قد
علمه وعقله، قال: ولو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجمي المحرم ففعل
فعال الأعجمي والأخرس علي ما قد وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا لشئ من الخير
ولا يعرف الجاهل من العالم ".
أقول: قال في النهاية الأثيرية (2) " فأرسل إلي ناقة محرمة " المحرمة هي
التي لم تركب ولم تذلل ".
وفي الصحاح (3): جلد محرم أي لم تتم دباغته، وسوط محرم: لم يلين بعد،
وناقة محرمة: أي لم تتم رياضتها بعد، وقال: كل من لا يقدر على الكلام أصلا
فهو معجم ومستعجم، والعجم الذي لا يفصح ولا يبين كلامه. إنتهى.

(1) قرب الإسناد ص 24، الوسائل ج 4 ص 802 ح 2.
(2) النهاية الأثيرية ج 1 ص 374.
(3) ج 5 ص 1896.
169

ومنه يعلم إطلاق المحرم في هذا الخبر على من لم يمكنه التكلم بالعربية
الفصيحة والاتيان بالقراءة والدعاء والعقود ونحوها على الوجه العربي، لشبهه
بالدابة التي لم تذلل، ونحوها مما ذكر لعدم لين لسانه وتذليله بالنطق بالعربية
والخبر ظاهره في التفصيل بين من لا يمكنه ذلك بالكلية - فيجزيه ما يأتي به من
الفارسية ونحوها من اللغات، ويصح ما يأتي به من القراءة والتشهد ونحوهما
من التلبيات والعقود وإن لم يكن على نهج العربية، وينبغي تقييده بما إذا
ضاق الوقت عن التعلم أو عدم إمكانه بالكلية، كالألكن والألثغ ونحوهما، ومن
يمكنه الاتيان باللغة العربية الفصيحة، فإنه لا يجزيه ذلك ولا يجوز له، بل
يحال بينه وبين ما يأتي به من غير اللغة العربية بالأدب والمنع.
إلا أن الظاهر أن مورد الخبر وما ذكر فيه من التفصيل إنما هوما ثبت شرعا
أن التكليف به إنما وقع باللغة العربية كالصلاة وقراءة القرآن والدعاء
والتلبيات ونحو ذلك.
وأما ما لم يقم دليل على التكليف به باللغة المذكورة، بل إنما هو من قبيل
الألفاظ الجارية في المحاورات، فليس من الخبر في شئ، لأن التأديب فيما لو
خالف كما صرح به في الخبر إنما يترتب على ما ذكرنا، وإليه يشير قوله " ولو
ذهب العالم المتكلم الفصيح حتى يدع ما قد علم أنه يلزمه ويعمل به وينبغي
أن يقوم به... إلى آخره ".
وحينئذ فلو ثبت ما ادعاه أصحاب القول المشهور من تعيين هذه الألفاظ
المدعاة شرعا لأمكن انصباب الحديث عليه وإدخال العقود فيه، إلا أنك قد عرفت
ما فيه، وأنه لا دليل على ذلك إن لم يكن الدليل على خلافه.
وأما ما رواه وهب بن وهب (1) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام " قال: كل

(1) التهذيب ج 8 ص 38 ح 31، الوسائل ج 15 ص 297 ب 17.
170

طلاق بكل لسان فهو طلاق " فإن قلنا: إنه لا يصح الطلاق شرعا إلا بتلك الصيغة
المشهورة كما هو ظاهر الأصحاب، وجب حمل الخبر على تعذر العربية، ولهذا حمله
جملة من الأصحاب علي ذلك، وإلا جرى فيه ما نحن فيه من هذه المسألة، وصح
الطلاق بأي لسان كان، وبالجملة فالمسألة غير خالية من الاشكال في المقام كما
عرفت من كلام أولئك الأعلام.
بقي الكلام في الاعراب، والظاهر أن كل من جوز التعبير بغير اللغة العربية
اختيارا جوز اللحن لو أتى باللفظ العربي الذي لا يغير المعنى بالطريق الأولى.
وأما من اشترط الصيغة العربية - كما هو المشهور - فبعض منهم اقتصروا
على ذلك، ولم يذكروا وجوب الاعراب، وظاهرهم عدم اشتراطه، لأن تركه
لا يخل بأصل اللفظ العربي، والأصل عدمه، وبعض منهم صرح باشتراطه مع
القدرة لعين ما تقدم في اشتراط العربية، فإن المنقول عن الشارع غير ملحون قطعا،
هذا كله مع الامكان.
وأما مع العجز أو المشقة عادة: فالظاهر أنه لا خلاف في الصحة، وهل يجب
التوكيل؟ الظاهر العدم.
ويؤيده الاكتفاء بإشارة الأخرس في عقوده وإيقاعاته وأنه لا يجب عليه
التوكيل، وإذا اكتفى في ذلك بالإشارة فاللفظ الغير العربي بطريق أولى.
وأما مع إمكان التعلم بغير عسر ولا مشقة، فإنه لا يصح بدونه، قالوا: ولو
عجز دون الآخر تكلم كل منهما بما يحسنه، فإن كان الاختلاف في اللحن فأمره
سهل لفهم كل منهما لغة الآخر، وإن كان الاختلاف في أصل العربية اعتبر فهم
كل منهما لغة الآخر ليتحقق التخاطب والقصد إلى مدلول ما عبر به الآخر، ولو
لم يفهم أحدهما كلام الآخر فلا بد من مترجم ثقة يعرفه المراد.
ولو عجزا معا عن النطق أصلا أو أحدهما اقتصرا أو أحدهما على الإشارة إلى
171

العقد والايماء به أعم من أن يكون العجز بخرس أصلي أو غيره، وحينئذ فيكتفى
بالإشارة كما يكتفى في أذكار الصلاة وساير التصرفات القولية، بشرط كون
الإشارة مفهمة للمراد، دالة على القصد القلبي بحسب ما يعرف حاله، قاله المحقق
الشيخ علي وكأنه لا خلاف فيه.
أقول: لم أقف في الأخبار على ما يدل على نكاح الأخرس وعقده، نعم ورد
في طلاقه جملة روايات دالة على صحة طلاقه بالإشارة كما ذكروه، والظاهر أنه
كذلك.
فمن الأخبار المذكورة ما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن أحمد بن محمد بن
أبي نصر " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة ثم يصمت
فلا يتكلم، قال يكون أخرس؟ قلت: نعم فيعلم منه بغض لامرأته وكراهته
لها، أيجوز أن يطلق عنه وليه؟ قال: لا، ولكن يكتب ويشهد على ذلك، قلت:
أصلحك الله فإنه لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها، قال: بالذي يعرف منه من
أفعاله مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه لها ".
وفي خبر آخر (2) طلاق الأخرس " يلف قناعها على رأسها ويجذبه ".
وفي ثالث (3) " يأخذ مقنعتها فيضعها على رأسها ويعتزلها ".
وفي رابع (4) " في رجل أخرس كتب في الأرض بطلاق امرأته فقال: إذا فعل
ذلك في قبل الطهر بشهود وفهم عنه كما يفهم من مثله ويريد الطلاق جاز طلاقه
على السنة.
المسألة الثالثة: الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم انعقاد النكاح
بعبارة الصبي ولا عبارة المجنون لا إيجابا ولا قبولا لنفسه أو لغيره، لأن عبارة كل
منهما مسلوبة في نظر الشارع إلا أن يكون الجنون أدوارا، فيقع في حال الإفاقة.

(1) الكافي ج 6 ص 128 ح 1 و 2 و 3 و 4، الوسائل ج 15 ص 299 ح 1 و ص 300 ح 2 و 3 و 4.
(2) الكافي ج 6 ص 128 ح 1 و 2 و 3 و 4، الوسائل ج 15 ص 299 ح 1 و ص 300 ح 2 و 3 و 4.
(3) الكافي ج 6 ص 128 ح 1 و 2 و 3 و 4، الوسائل ج 15 ص 299 ح 1 و ص 300 ح 2 و 3 و 4.
(4) الكافي ج 6 ص 128 ح 1 و 2 و 3 و 4، الوسائل ج 15 ص 299 ح 1 و ص 300 ح 2 و 3 و 4.
172

وبالجملة فالمعتبر قصد المكلف إلى العقد، واختلفوا في عبارة السكران
الذي لا يعقل، والمشهور بينهم أنها باطل كما تقدم، فلا تعتبر، لأن شرط صحة
العقد القصد إليه، والسكران الذي بلغ من السكر حدا أزال عقله وارتفع قصده،
نكاحه باطل كغيره من عقوده، ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى.
وذهب الشيخ في النهاية إلى أنه إذا زوجت السكري نفسها ثم أفاقت فرضيت
أو دخل بها فأفاقت وأقرته كان صحيحا.
قال في الكتاب المذكور: وإذا عقدت المرأة على نفسها وهي سكرى كان
العقد باطلا، فإن أفاقت ورضيت بفعلها كان العقد ماضيا، فإذا دخل بها الزوج
حال السكر ثم أفاقت الجارية، فأقرته كان ذلك ماضيا، وتبعه ابن البراج.
وقال ابن إدريس: الذي يقوى عندي أن هذا العقد باطل، فإذا كان باطلا
فلا يقف على الرضاء والإجازة، لأنه لو كان موقوفا وقف على الفسخ والإجازة.
وشيخنا قال: كان العقد باطلا، فكيف يكون في نفسه بعد الإفاقة والرضاء
ماضيا، وأيضا العقد حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ولا دليل على
ذلك من كتاب ولا سنة متواترة ولا إجماع، ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار
الآحاد، إنتهى، وإلى هذا القول ذهب من تأخر عنه.
أقول: والشيخ قد عول في هذه المسألة على ما رواه هو والصدوق في الفقيه عن
محمد بن إسماعيل بن بريع (1) في الصحيح " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة
ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها ثم أفاقت فأنكرت
ذلك ثم ظنت أنه يلزمها ففزعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج،
أحلال هو لها، أم التزويج فاسد لمكان السكر ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال: إذا

(1) التهذيب ج 7 ص 392 ح 47، الفقيه ج 3 ص 259 ح 15، الوسائل
ج 14 ص 221 ح 1.
173

أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منهما، قلت: ويجوز ذلك التزويج عليها؟
فقال: نعم ".
والمتأخرون عن ابن إدريس فمن دونه قد أطرحوا الرواية لما فيها من
المخالفة لمقتضى القواعد.
وقال العلامة في المختلف - بعد أن اختار مذهب ابن إدريس وإيراد الخبر
المذكور حجة للشيخ رحمة الله عليه، ما لفظه -: والتحقيق أن نقول إن بلغ
السكر بها إلى حد عدم التحصيل كان العقد باطلا، ولا ينعقد بإقرارها، لأن مناط
صحة العقود وهو العقل منفي، فينتفي هنا وإن لم يبلغ السكر إلى ذلك الحد صح
العقد مع تقديرها إياه، وعليه تحمل الرواية. إنتهى.
وأورد عليه بأنه إذا لم يبلغ ذلك الحد فعقدها صحيح وإن لم تقرره
وترضى به بعد ذلك فالجمع بين صحة عقدها واعتبار رضاها بعد ذلك غير مستقيم.
أقول: لا ريب أن مقتضى القواعد هو ما عليه القول المشهور، لأن العقد مع
زوال العقل وعدم الشعور بالكلية باطل، لعدم تحقق القصد الذي هو المناط في صحة
العقود، ومتى حكم ببطلانه فالإجازة له بعد الإفاقة لا تؤثر صحة، لأن الإجازة
لا تصحح ما وقع باطلا من أصله وإنما محل الإجازة بالنسبة إلى الموقوف به
كما ذكره ابن إدريس، وهو الذي يكون صحيحا غير لازم، إلا أنه لما كان سند
الرواية المذكورة صحيحا باصطلاحهم ضاق على بعض الأصحاب - هذا الاصطلاح
المحدث - المخرج منها والتقصي على ذلك.
قال في المسالك بعد ذكر الخبر المذكور: وعمل بمضمون الرواية الشيخ في
النهاية ومن تبعه، وله عذر من حيث صحة سندها، ولمن خالفه عذر من حيث
مخالفتها للقواعد الشرعية - إلى أن قال بعد رد تأويل المختلف بما تقدم -: بل
اللازم إما إطراح الرواية رأسا أو العمل بمضمونها، ولعل الأول أولى.
174

وفيه أن ما اعتذر به عن الشيخ ليس في محله، فإن صحة الأخبار عند
المتقدمين من الشيخ وغيره ليس باعتبار الأسانيد كما هو ظاهر، وسبطه السيد السند
في شرح النافع لما كان من قاعدته التهافت على صحة الأسانيد اختار العمل بالرواية
وأغمض النظر عما فيها من مخالفتها لقواعدهم، بل انكسر دلالتها على المخالفة،
فقال: وهذه الرواية مروية في الفقيه بطريق صحيح أيضا، وليس فيها ما يخالف
الأدلة القطعية فيتجه العمل بها.
وفيه ما عرفت مما أوضحناه من مخالفتها الأدلة القطعية، ولكنه لتهافته
على صحة الأسانيد لا يبالي بما اشتمل عليه متن الروايات من المخالفات كما
أوضحنا في غير موضع من كتب العبادات.
وكيف كان ففي ذلك تأييد لما قدمناه في غير موضع من أن الواجب العمل
بالرواية وأن يخصص بها عموم ما دلت عليه تلك القواعد المذكورة.
ويمكن تأييد هذه الرواية بما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1)
" قال: قلت: لأبي عبد الله عليه السلام الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره، أيجوز
طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ قال: فقال: أما التزويج فهو صحيح، وأما طلاقه فينبغي
أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك، فيعلم أنه كان قد طلق، فإن أقر بذلك وأمضاه
فهي واحدة باينة وهو خاطب من الخطاب، وإن أنكر ذلك وأبى أن يمضيه فهي
امرأته " الحديث.
والتقريب فيه أن المشهور بينهم أن عبارة الصبي كما تقدم غير معتبرة
ولا صحيحة، في طلاق كان أو نكاح، بل هي باطلة في حكم العدم.
وهذا الخبر مع صحة سنده باصطلاحهم قد دل على أنه إذا طلق وهو ابن
عشر سنين ثم بعد بلوغه أجاز الطلاق ورضي به، فإن الطلاق يكون صحيحا وهو

(1) ما عثرنا بهذه الرواية في التهذيب ونقلناها عن الفقيه ج 4 ص 227 ح 3،
الوسائل ج 17 ص 528 ح 4.
175

خلاف مقتضى القواعد، فإنه كيف يكون صحيحا بالرضاء به بعد البلوغ وهو باطل
من أصله كما عرفت.
وتزويج الأب له صحيح لازم له، وطلاقه في حال الصغر غير صحيح عندهم
وإجازته بعد البلوغ غير موجبة لصحة ما كان باطلا من أصله فهو عين ما تقدم في
خبر السكرانة، لا يقال: إنه قد وردت أخبار في صحة طلاق ابن عشر، وبها قال
بعض الأصحاب، فيكون هذا منها أيضا.
لأنا نقول: نعم، ولكن هذا الخبر لا يجري ذلك المجرى، لأنه لم يحكم
في هذا الخبر بصحة طلاقه في حال الصغر كما دلت عليه تلك الأخبار، بل جعله
موقوفا على الرضاء والإجازة بعد البلوغ.
وبالجملة فإن الكلام في هذا الخبر عين الكلام في ذلك الخبر فالواجب كما
قدمناه ذكره هو العمل بالخبر وتخصيص القواعد المذكورة بالخبرين المذكورين
فإنهما على نهج واحد في مخالفة القواعد المقررة بينهم وإطراحها سيما مع صحة
السند باصطلاحهم مما لا سبيل إليه، وإن كانوا قد أطرحوا ذلك الخبر في مقابلة
القواعد المذكورة، وقد عرفت اعتضاده بهذا الخبر كما أوضحناه ويعضدهما أيضا
روايات كثيرة تقدمت في كتب المعاملات ظاهرة في مخالفة القواعد المقررة بينهم
قد عمل بها الشيخ وأتباعه، فناقش فيها ابن إدريس ومن تبعه كما لا يخفى على من
جاس خلال الديار، والتقط من لذيذ هذه الثمار، والله العالم.
تذنيب:
قالوا: إذا أوجب ثم جن أو أغمي عليه بطل حكم الإيجاب، فلو حصل
القبول بعد ذلك كان لغوا، وكذا لو سبق القبول وزال عقله، فلو أوجب الولي بعده
كان لغوا، وعللوه بأن العقد اللازم قبل تمامه يكون بمنزلة الجائز، يجوز لكل
منهما فسخه فيبطل بما يبطن به الجائز، ومن جملته الجنون والاغماء ولا فرق في
ذلك بين النكاح والبيع وغيرهما من العقود اللازمة.
176

أقول: لم أقف لهم في هذا المقام شاف يدل على البطلان كما
ذكروه.
وما ادعوه من حمله على العقد الجائز وأن العقد الجائز كالوكالة ونحوها
تبطل بالجنون والاغماء محل منع، فإنا لم نقف لهم فيه أيضا على دليل إلا ما يظهر
من دعوه بعضهم الاجماع على ذلك، وقد عرفت ما في هذه الاجماعات وإلى ذلك أشرنا
في كتاب الوكالة أيضا.
وبالجملة فإني لا أعرف هنا مانعا من صحة العقد لو عرض الجنون أو
الاغماء بعد الإيجاب، ثم حصل القبول بعد زوالهما من غير حاجة إلى تجديد إيجاب
آخر، لصدق حصول العقد الشرعي المشتمل على الإيجاب والقبول.
وما ربما يتخيل من الفصل بين الإيجاب والقبول وعدم الفورية في القبول
فقد تقدم الكلام فيه، وأنه لا دليل عليه، بل الظاهر من الدليل خلافه كما تقدمت
الإشارة إليه في المسألة الأولى في الكلام على حديث الساعدي.
ومما يعضد ما ذكرناه وجود النظير لذلك في مواضع من الأحكام.
منها ما صرحوا به من دخول الصيد الغائب في ملك المحرم بعد زوال
الاحرام، وأن من وكل محرما ثم صار محلا لم يحتج إلى تجديد الوكالة بعد
تحلله من الاحرام، والظاهر من ذلك أن ما وقع من العقد باق على الصحة، وإن
تخلف أثره لمانع، وظاهرهم أن النوم لا يقدح في الصحة، كما لا يقدح في
الوكالة ونحوها من العقود الجائزة، لكن هل يصح الاتيان هنا بالقبول للآخر
حالته؟ قيل: لا، وبه قطع في التذكرة على ما نقله عنه في المسالك، قال: لأن
التخاطب بين المتعاقدين، معتبرة، وهو منتف مع نوم صاحبه، ومن ثم لو خاطب
شخصا بالعقد فقبل الآخر لم يصح به.
قال: ويحتمل الصحة هنا، لأن الإيجاب توجه إلى هذا القابل قبل النوم،
والأصل الصحة، مع أنه في التذكرة أيضا قال في موضع آخر على ما نقله الناقل
177

المتقدم ذكره: لو قال المتوسط للولي، زوج ابنتك من فلان، فقال زوجت،
ثم أقبل على الزوج فقال: قبلت نكاحها، فالأقرب صحة العقد. وهو أصح وجهي
الشافعية، لوجود ركني العقد " الإيجاب والقبول " وارتباط أحدهما بالآخر،
والثاني لا يصح لعدم التخاطب بين المتعاقدين، ولا يخفى ما بين هذين الكلامين من
التنافي، والله العالم.
المسألة الرابعة: إذا اعترف الزوج بزوجية امرأة، أو الزوجة بزوجية
الرجل، وصدق كل منهما الآخر في الصورتين، فإنه لا ريب في الحكم بالزوجية
في ظاهر الشرع، وكذا ما يترتب عليها من الأحكام لعموم " إقرار العقلاء على
أنفسهم جائز " (1) والحق منحصر فيهما.
وأما إذا ادعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر فإن كان للمدعي بينة، وإلا
فالقول قول المنكر بيمينه، ثم إنه لو أقام المدعي البينة، أو حلف اليمين المردودة
وثبت النكاح بذلك ظاهرا فإنه يجب عليهما فيما بينهما وبين الله عز وجل مراعاة
الحكم الواقعي لو لم يوافق الظاهري، فإن كان المثبت الزوج فله طلبها ظاهرا،
والجواب عليها مع عدم كونه واقعا الهرب منه، وهكذا لو لم تكن بينة بل حلف
المنكر انتفى النكاح ظاهرا، فإن كان الواقع كذلك فلا إشكال، وإلا لزم المدعي
أحكام الزوجية.
فإن كان المدعي الرجل حرم عليه التزويج بأمها وابنتها وأختها ابنتي أختها
وأخيها بغير رضاها، والتزويج بخامسة، وبالجملة فإنه يعتبر بالنسبة إليه كونها
زوجة، وكذا يجب عليه التوصل بإعطائها المهر، أما النفقة فلا لاشتراطها بالتمكين.
وإن كانت المدعية المرأة لم يصح لها التزويج بغيره، ولا فعل ما يتوقف
على إذن الزوج بدونه، كالسفر المندوب والعبادات المتوقفة على إذنه، ولو أوقع

(1) الوسائل ج 16 ص 111 ح 2.
178

الرجل المنكر الطلاق ولو معلقا، بأن قال: إن كنت زوجتي فأنت طالق، أو إن
كانت فلانة زوجتي فهي طالق، انتفت عنها الزوجية، وجاز لها التزويج بغيره،
ولكن لا ينتفي عنها حرمة المصاهرة فلا يجوز لها التزويج بابنه ولا ابنته لاعترافها
بالنكاح الموجب للحرمة.
هذا خلاصة ما ذكروه في المقام ولم أقف في المسألة على نص مخصوص إلا أن
جميع ما ذكر فيها مطابق لمقتضى القواعد الشرعية والضوابط المرعية.
المسألة الخامسة: إذا كان لرجل عدة بنات فزوج واحدة منهن ولم يسمها
عند العقد لكن قصدها بالنية، فاختلف الأب والزوج بعد ذلك، قال الشيخ في
النهاية: إن كان الزوج قد رآهن كلهن كان القول قول الأب، وعلى الأب أن
يسلم إليه التي نوى العقد عليها عند عقدة النكاح، وإن كان الزوج لم يرهن كان
العقد باطلا، وتبعه ابن البراج وجملة من المتأخرين منهم المحقق والعلامة
وقال ابن إدريس (1): إن النكاح باطل في الموضعين.
والوجه فيما ذهب إليه الشيخ هو ما رواه الكليني في الصحيح عن أبي عبيدة (2)
" قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل كانت له ثلاث بنات أبكار، فزوج واحدة
منهن رجلا، ولم يسم التي زوج للزوج ولا للشهود، وقد كان الزوج فرض
لها صداقها فلما بلغ إدخالها على الزوج بلغ الرجل أنها الكبري من
الثلاث، فقال الزوج لأبيها: إنما تزوجت منك الصغرى من بناتك، قال: فقال

(1) أقول: نقل الشيخ الفاضل شهاب الدين أحمد بن فهد بن إدريس الأحسائي
في شرحه على الإرشاد هذا القول أيضا عن شيخه، والمراد به الشيخ جمال الدين وقيل:
فخر الدين الشيخ أحمد بن عبد الله بن المتوج البحراني تلميذ الشيخ فخر الدين بن العلامة
- رحمه الله - لأن الشيخ أحمد المذكور أحد تلامذته، وإليه يشير كثيرا في الكتاب
المذكور بشيخنا. (منه - رحمه الله -).
(2) الكافي ج 5 ص 412 ح 1، التهذيب ج 7 ص 393 ح 50، الفقيه ج 3
ص 267 ح 53، الوسائل ج 14 ص 222 ب 15.
179

أبو جعفر عليه السلام: إن كان الزوج رآهن كلهن، ولم يسم له واحدة منهن فالقول في
ذلك قول الأب، وعلى الأب فيما بينه وبين الله عز وجل أن يدفع إلى الزوج
الجارية التي كان نوى أن يزوجها إياه عند عقدة النكاح، وإن كان الزوج لم
يرهن كلهن ولم يسم واحدة منهن عند عقدة النكاح فالنكاح باطل ".
ورواه الشيخ رحمه الله والصدوق أيضا مثله.
والوجه فيما ذهب إليه ابن إدريس هو أن من شروط صحة العقد تعيين
كل واحد من الزوجين حال العقد ليتعلق القصد به ويقع التراضي عليه ويحصل
التعيين بالاسم أو الوصف أو الإشارة إلى معين، أو اتفاقهما على معين بل هو معتبر
في كل عاقد ومعقود عليه.
وعلى هذا فلو زوجه إحدى بناته ولم بعينها عند العقد بأحد الأمور
المذكورة بطل العقد لعدم القصد، وإن قصدها الأب ولم يقصدها الزوج فكذلك
هذا ما تقضيه القواعد الشرعية.
والرواية المذكورة بحسب ظاهرها خارجة عن ذلك ومنافية لما ذكرنا،
لأنها تدل على أن رؤية الزوج لهن كافية في الصحة والرجوع إلى ما عينه الأب،
وإن اختلفا في القصد، وعدم رؤيته كاف في البطلان مطلقا وإن اتفقا في القصد.
مع أن المدار في الصحة والبطلان إنما هو على التعيين وعدمه لا الرؤية.
ومن أجل ذلك أطرح ابن إدريس ومن تبعه الرواية المذكورة (1) حسبما
مضى في رواية تزويج السكرانة نفسها حال سكرها.
ولكن الرواية لما كانت صحيحة السند بالاصطلاح المحدث اضطربت أفكار

(1) وبما ذكرنا من الوجه المذكور في كلام ابن إدريس صرح الشيخ في المبسوط
فقال في فصل ما ينعقد به النكاح: لا يصح النكاح حتى يكون المنكوحة معروفة بعينها على
صفة تكون متميزة عن غيرها، وذلك بالإشارة إليها أو التسمية أو الصفة. انتهى.
(منه - رحمه الله -).
180

المتأخرين في التقصي عنها، ولم يجرؤوا على ردها بالكلية، فذهب جملة منهم
المحقق والعلامة إلى تنزيلها على أن تعليق الحكم بالصحة والبطلان على رؤية
الزوج لهن وعدمها، معناه أنه برؤيته لهن كملا، قد وكل التعيين إلى الأب
لأن الزوج إذا كان قد رآهن وقبل نكاح من أوجب عليها الأب يكون قد رضي
بتعيينه، ووكل ذلك إليه فيلزمه ما عين، ويقبل قول الأب فيما عينه، وإن
لم يكن مفوضا إلى الأب ولا راضيا بتعيينه فيبطل العقد.
واعترض عليه في المسالك بأن تفويض (1) الزوج إلى الأب التعيين إن كان
كافيا عنه مع كونه المتولي للقبول، من غير أن يقصد معينة عنده، فلا فرق بين
رؤيته وعدمها، لأن رؤية الزوج لا مدخل لها في صحة النكاح كما سبق، وإن لم
يكن ذلك كافيا في الصحة بطل على التقديرين.
ودعوى أن رؤيتهن دلت على الرضا بما يعينه الأب، وعدمها على عدمه،
في موضع المنع، لأن كل واحد من الحالين أعم من الرضا بتعيينه وعدمه.
وليس في الرواية على تقدير الاعتناء بها دليل على ذلك، بل عند التنزيل
تخصيص لها في الحالين، وحينئذ فاللازم إما العمل بمدلول الرواية من غير حمل
كما فعل الشيخ، أوردها رأسا والحكم بالبطلان في الحالين كما فعل ابن إدريس
ولعله أوجد، لأن العقد لم يقع على معينة مخصوصة منهما، وهو شرط الصحة
إنتهى، وهو جيد إلا فيما استجوده من رد الرواية رأسا.
وسبطه السيد السند في شرح النافع لما كان من قاعدته الدوران مدار
صحة الأسانيد من غير ملاحظة ما يشتمل عليه متون الأخبار من المخالفات،
جمد على ما ذكره المحقق والعلامة هنا من التنزيل المتقدم، فقال بعد ذكره:
ولا بأس بهذا التنزيل جمعا بين الرواية والأدلة الدالة على الأحكام المتقدمة إنتهى.

(1) ولأن رؤيته لهن أعم من تفويض التعيين إلى الأب، وعدمها أعم من عدمه، والرواية
مطلقة. (منه - قدس سره -).
181

وهو تشبث بما هو أوهن من بيت العنكبوت، وهو من أوهن البيوت، لما
عرفت مما حققه جده (قدس سره)، ولكنه لضيق المجال بالتزام هذا الاصطلاح
الذي هو إلى الفساد أقرب منه إلى الطلاق، لا علاج لهم في ذلك كما يقال: إن
الغريق يتشبث بكل حشيش، ومثله ما تقدم منه في مسألة تزويج السكرانة نفسها
من دعواه عدم مخالفة الرواية للقواعد، وهي في مخالفتها أظهر من الشمس في
دائرة النهار.
قال في المسالك: واعلم أن طريق الرواية في التهذيب ضعيف، لأن فيه من
لا يعرف حاله، وظاهر الأصحاب المشي عليها. لأنهم لم ينصوا عليها بتصحيح،
بل رووها مجردة عن الوصف.
ولكن الكليني رواها بطريق صحيح، ولقد كان على الشيخ روايتها به لأنه
متأخر عنه، فكان أولى باتباعه فيه، ولكن قد اتفق ذلك للشيخ كثيرا ووقع
بسببه من أصحاب الفتاوى خلل حيث رد الرواية بناء على ضعفها ولو اعتبروها
لوجدوها صحيحة، فينبغي التيقظ لذلك، وحينئذ (1) يقوى الاشكال في رد الرواية
نظرا إلى صحتها، وللتوقف في ذلك مجال. إنتهى.

(1) ومما يؤيد ما اخترناه في غير موضع من هذا الكتاب من العمل بالأخبار
وإن خالفت مقتضى قاعدتهم العقلية - ما ذكره الشهيد - رحمه الله - في شرح الإرشاد في
مسألة التزويج بأمة المرأة بدون إذنها كصحيحة سيف بن عميرة وغيرها ما لفظه -: واعلم
أنه لا معارض لهذه الرواية في الحقيقة إلا الدليل العقلي الدال على تحريم التصرف في مال
الغير بدون إذنه، ولكن الأحكام الشرعية أخرجت كثيرا من الأصول العقلية بالأدلة كجواز
أخذ مال الممتنع عن الأداء مقاصة بشروطه بغير إذنه، وجواز أكل المار على النخل
والشجر على المشهور ونحو ذلك، فحينئذ لا يمتنع جواز مثل هذه المسألة من غير إذن
المرأة، إما لعلة خفية لا نعلمها أو لما يلتحق للأمة من الذلة بترك الوطي عند المرأة الذي
هو اضرار، ولا يزول إلا بالوطي... إلى آخر كلامه زيد في مقامه (منه - قدس سره -).
182

أقول: العجب منه (قدس سره) في تكرار هذه الكلام والاعتراض به على
الشيخ (رحمه الله) كما تقدم نظيره قريبا لما قدمناه في مقدمات الكتاب في أول جلد
كتاب الطهارة من تصريح جملة من الأصحاب منهم ابنه المحقق الشيخ حسن في
مقدمات كتاب منتقى الجمال ومثله الشيخ البهائي في مشرق الشمسين بأن جملة
الأخبار المروية في الأصول عند المتقدمين صحيحة، فإن الصحة عنهم ليست
بالنظر إلى الأسانيد.
والمتأخرين إنما عدلوا عن ذلك الذي كان عليه متقدموهم لما خفي عليهم
الوجه في ذلك لخفاء القرائن والأسباب التي أوجبت للمتقدمين الحكم بالصحة
فعدلوا إلى هذا الاصطلاح.
وأما ما ذكره اعتراضا على مثل المحقق والعلامة حيث نقلوا الرواية مع
ضعفها من التهذيب، ولم يردوها بذلك.
ففيه أنهم لا يردون إلا ما تعذر حمله على معنى يجتمع به مع الأخبار الباقية،
وإلا فمتى وجد للخبر معنى مكن الجمع به بينه وبين ما ينافيه ظاهرا، فإنهم
يقدمون ذلك على رده وإطراحه.
وأما ما ذكره من الاعتراض على أصحاب الفتاوى من المتأخرين من عدم
تتبعهم للأسانيد ومراجعة كتب الأصول كملا، حتى أنهم يسارعون إلى رد الخبر
بالضعف بناء على رواية في بعض الأصول مع وجود طريق صحيح له في أصل آخر
فهو جيد، وقد وقع له (قدس سره) مثله في غيره موضع.
وأما ما ذكره من قوة الاشكال لصحة الخبر، وتوقفه في المسألة لذلك بعد
ما عرفت في كلامه المتقدم من ميله إلى مذهب ابن إدريس في المسألة، فهو جار
على ما قدمناه ذكره من اضطراب أصحاب هذا الاصطلاح في الخبر الصحيح السند
متى خالف مقتضى القواعد المقررة بينهم.
183

والحق الحقيق بالاتباع وإن كان قليل الاتباع هو العمل بالخبر صح سنده
باصطلاحهم أو لم يصح مهما أمكن، وفي مثل هذه المواضع تخصص به تلك الأخبار
الدالة على تلك القواعد، والله العالم.
المسألة السادسة: قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يصح اشتراط
الخيار في الصداق، ولا يفسد به العقد، وأما اشتراطه في أصل النكاح فالمشهور أنه
غير جائز، ولو اشترطه كان العقد باطلا، وقيل: بصحة العقد وبطلان الشرط خاصة
والكلام هنا يقع في مقامين.
الأول: في اشتراطه في الصداق والظاهر أنه لا خلاف في صحته، لأن ذكر
المهر في العقد غير شرط في صحته، بل يجوز إخلاء العقد عنه، فاشتراط الخيار فيه
غير مناف لمقتضى العقد، فيندرج في عموم ما دل على وجوب الوفاء بالشروط، ولأن
غايته فسخه وبقاء العقد بغير مهر، فتصير كالمفوضة البضع، وهو جائز شرعا.
ويشترط ضبط المدة الخيار. ولا يتقيد بثلاثة، وإن مثل بها الشيخ في
المبسوط لعدم إفادته الحصر، ثم إن استمر عليه حتى انقضت عدته لزم، وإن فسخه
ثبت مهر المثل كما لو عرى العقد عن المهر، ولكن إنما يوجب بالدخول كما
سيأتي إن شاء الله تعالى، ولو اتفقا على شئ آخر غيره قبل الدخول صح.
الثاني: في اشتراطه في النكاح، والمشهور بطلان العقد، وبذلك قطع الشيخ
في المبسوط وجملة من المتأخرين، محتجين بأن النكاح ليس من عقود المعاوضات
القابلة لخيار الشرط، بل فيه شائبة العبادة، فالشرط يخرجه عن وضعه.
وخالف في ذلك ابن إدريس فحكم بصحة العقد وفساد الشرط، لوجود
المقتضي لصحة العقد باجتماع شرائط الصحة فيه كما هو المفروض، وانتفاء الموانع
وليس إلا اشتراط الخيار فيه.
وإذا كان العقد غير قابل للخيار لغى شرطه، ووجب العمل بمقتضى العقد
184

لأصالة الصحة، وعموم (1) " أوفوا بالعقود "، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان
الآخر وبالغ ابن إدريس فقال: إنه لا دليل على البطلان من كتاب ولا سنة ولا
إجماع، بل الاجماع على الصحة: لأنه لم يذهب إلى البطلان أحد من أصحابنا،
وإنما هو من تخريج المخالفين وفروعهم، واختاره الشيخ على عادته في الكتاب.
واعتمد القائلون بالبطلان - زيادة على ما تقدم - على أن التراضي لم يقع
على العقد إلا مقترنا بالشرط المذكور، فإذا لم يتم الشرط لم يصح العقد مجردا
لعدم القصد إليه كذلك، وصحة العقود مترتبة على القصود، وبالجملة فإن الواقع
غير مقصود، والمقصود غير واقع
أقول: قد تقدم الكلام في هذه المسألة في غير موضع، أعني أنه متى اشتمل
العقد على شرط فاسد، فهل يصح العقد، ويبطل الشرط خاصة، أو يبطل العقد
من أصله؟ قولان: المشهور بين المتأخرين الثاني، وابن الجنيد وابن البراج
على الأول، ولهذا أن الشيخ هنا لم يعلل البطلان بما ذكروه.
وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في مقدمات الكتاب المذكورة في أول جلد
كتاب الطهارة، وفي الفصل الثاني عشر في نكت متفرقة من فصول كتاب التجارة.
وقد بينا أن الأخبار في ذلك مختلفة، فجملة منها يدل على صحة العقد
وبطلان الشرط خاصة.
وبعض يدل على القول المشهور، فالتحقيق في ذلك هو الوقوف على ما دلت
عليه الأخبار في كل جزئي جزئي من الأحكام، ومع عدم وجود نص يجب الوقوف
عن الفتوى.
وأما جعل ذلك قاعدة كلية كما عليه المشهور بناء على ما ذكروه من
التعليلات العقلية فهو مردود بما ذكرناه من اختلاف الأخبار في المقام، ودلالة

(1) سورة المائدة - آية 1.
185

أكثرها وأصحها على خلاف هذه القاعدة، والمسألة هنا لما كانت عارية عن النص،
فالواجب التوقف فيها، والله العالم.
المسألة السابعة: قد صرحوا بأنه يشترط في النكاح امتياز الزوجة من غيرها
بالإشارة أو التسمية أو الصفة، فلو زوجه إحدى ابنتيه لم يصح، وعلل ذلك بأنه
لما كانت الزوجة المعقودة عليها عينها مقصودة للاستمتاع، اشترط تعيينها في صحة
النكاح كما في كل معقود، سواء أريد عينه كالبيع أو منفعته كالعين المؤجرة.
وكذلك يشترط تعيين الزوج لأن الاستمتاع يستدعي فاعلا ومنفعلا معينين
لتعينه، فلو قال: زوجتك إحدى ابنتي أو تزوجت ابنتي من أحد ولديك
لم يصح.
أقول: وفي هذا الكلام تأييد لما ذهب إليه ابن إدريس في المسألة الخامسة
من بطلان عقد الأب على إحدى بناته بمجرد قصده خاصة، من غير معلوميتها
للزوج، وإن رآهن الزوج جميعا لعدم امتياز الزوجة عنده بشئ من هذه الأمور
المذكورة ولا فرق بين المسألتين إلا باعتبار ما يظهر منهم من تخصيص هذه المسألة
بما إذا كانت مجهولة عند الولي والزوج معا كما تدل عليه الأمثلة المذكورة،
وأن تلك المسألة موردها تعيين الزوجة عند الولي ومجهوليتها عند الزوج.
والمفهوم من اشتراط الامتياز في هذه المسألة هو الامتياز عند الجميع على
وجه لا يتطرق إليه النزاع والاختلاف بعد ذلك، كما يظهر من التعليل المذكور
هنا، وتنزيل الخبر على ما ذكره المحقق والعلامة كما تقدم غير شاف ولا واف
بالخروج عن مخالفة الخبر لمقتضى القواعد المذكورة، إلا أنه لا مندوحة عن العمل
بما دل عليه الخبر كما تقدم، حملا على نظائره من الأخبار التي جرت هذا المجرى
مما لا يكاد يعد ولا يحصى كما تقدم جملة من ذلك في الكتب المتقدمة، وسيأتي
أمثاله في الكتب الآتية إن شاء الله تعالى.
186

إذا عرفت ذلك فالإشارة أن تقول: زوجتك هذه، ولو قلت مع ذلك المرأة
أو فلانة كان ذلك تأكيدا، لأن التخصيص حصل بالإشارة إليها، وهكذا في تعيين
الزوج، والتسمية أن تقول: زوجتك فاطمة، حاضرة كانت أو غائبة، وفي معناه ما لو
قال: زوجتك ابنتي ولا ابنة له غيرها، ولو قال: فاطمة ابنتي أو ابنتي فاطمة كان
ذلك تأكيد إن كانا مطابقتين، ولو لم تطابقا بأن أشار إليها ولكن سماها بغير
اسمها أو قال: ابنتي ولكن سماها بغير اسمها ففي صحة العقد أو بطلانه إشكال.
ينشأ من ترجيح الإشارة والتنبيه على الاسم (1) لأنهما - أعني الإشارة والتنبيه -
لازمتان متميزتان، فيحصل التميز بهما ويلغو الاسم فيصح العقد حينئذ.
ومن أنه ليس له بنت بذلك الاسم إذ ليست الحاضرة كذلك فيبطل.
أقول: وقد تقدم نظير ذلك في البيع بأن يقول: بعتك هذا الفرس، ويشير
إلى بغل، وظاهره في المسالك ترجيح الأول، وهو القول بالصحة لما ذكر وهو
محل توقف وتأمل لعدم لا دليل الواضح في ذلك.
وأما الوصف فإنه بأن يقول زوجتك ابنتي الصغيرة أو الكبيرة أو الوسطى أو
البيضاء أو السمراء أو نحو ذلك مع فرض أن له بنات متعددة متميزات بالصفات
المذكورة، والله العالم.
المسألة الثامنة: إذا عقد على امرأة، فادعى آخر زوجيتها، فقد صرح
جمع من الأصحاب بأنه لا يلتفت إلى دعواه إلا بالبينة، بمعنى عدم سماع دعواه
بالكلية مع عدم البينة بحيث لا يترتب عليها اليمين على المرأة، وإن كانت منكرة
كما هو مقتضى القاعدة " اليمين على المنكر " فإن مقتضى القاعدة المنصوصة أنه مع
عدم البينة للمدعي فإن دعواه مسموعة وعلى المنكر اليمين أوردها، ويترتب على

(1) قوله " على الاسم " متعلق بترجيح أي الإشارة والتنبيه مرجحة على الاسم.
(منه - قدس سره -).
187

كل منهما ما هو حكمه شرعا، وكذا لو نكل، والحكم هنا ليس كذلك، بل
سماع الدعوى مخصوص بإقامة المدعي البينة.
قالوا: والوجه في ذلك أن اليمين إنما تتوجه على المنكر إذا كان بحيث
لو اعترف لزمه الحق ويقع للمدعي، والأمر هنا ليس كذلك لأن المرأة لو صادقت
المدعي على دعواه لم يثبت الزوجية لأن إقرارها واقع في حق الغير فلا يؤثر شيئا،
فإن الزوج قد ملك بضعها بالعقد المعلوم المتفق عليه فلا يقبل قولها بعد ذلك في
إسقاطه، وكذا لا يتوجه دعوى إمكان ردها اليمين عليه، لأن اليمين المردودة
إن كانت كالاقرار، فقد عرفت حكمه، وأن إقرارها لو أقرت غير مسموع، لكونه
إقرارا في حق الغير، وإن كانت كالبينة، فالبينة إنما تفيد بالنسبة إلى المتداعيين
دون غيرهما، وهو هنا الزوج، وحينئذ فلا وجه لرد اليمين على المدعي بالكلية
كما في هذا المقام، وإن كان ذلك مقتضى القاعدة المنصوصة.
وذهب آخرون من الأصحاب أيضا إلى قبول الدعوى وتوجه اليمين والرد
وإن لم يسمع في حق الزوج، فإن لذلك فائدة أخرى أيضا وكذا لإقرارها لو
أقرت، وإن لم يؤثر في حق الزوج.
وفائدته على تقدير الاقرار ثبوت مهر المثل على الزوجة للمدعي لو أقرت
لحيلولتها بينه وبين البضع بالعقد الثاني.
ونظيره ما لو باع شيئا على أنه له، ثم أقر به لزيد، فإنه يغرم لمن أقر له
به عوضه مثلا أو قيمة، وعلى تقدير رد اليمين أو نكولها عن اليمين والقضاء للمدعي
بالنكول أو مع اليمين فالحكم كذلك.
وأنت خبير بأن مبنى هذا القول على أن منافع البضع تضمن بالتفويت، كما
هو أحد القولين في المسألة المذكورة، إلا أن الحكم بالتضمين مما لم يقم عليه
دليل يعتد به.
188

واعلم أن الأصحاب لم ينقلوا في هذه المسألة نصا، مع أن النصوص
فيها موجودة.
منها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن عبد العزيز بن
المهتدي (1) " قال: سألت الرضا عليه السلام قلت: جعلت فداك إن أخي مات، وتزوجت
امرأته، فجاء عمي فادعى أنه قد كان تزوجها سرا، فسألتها عن ذلك فأنكرت
أشد الانكار فقالت: ما كان بيني وبينه شئ قط، فقال: يلزمك إقرارها ويلزمه
إنكارها " ورواه الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن هاشم مثله.
وما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن يونس (2) " قال سألته عن رجل تزوج
امرأة في بلد من البلدان فسألها: ألك زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها، ثم إن رجلا
أتاه فقال: هي امرأتي فأنكرت المرأة ذلك ما يلزم الزوج؟ فقال: هي امرأته إلا
أن يقيم البينة ".
وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (3) " قال: سألته عن رجل تزوج أمة
أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة، فقال: إن هذه امرأتي وليست لي بينة،
فقال: إن كان ثقة فلا يقربها، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه ".
والروايتان الأولتان ظاهرتان فيما ذكره الأصحاب من عدم سماع دعواه
إلا أن يقيم البينة، سيما الثانية منهما، ولو كانت دعواه مسموعة مع عدم البينة
- بأن يترتب عليها لزوم اليمين على المرأة لإنكارها، لأن اليمين على المنكر -
لما حسن تخصيص الاستثناء بإقامة البينة في الخبر الثاني، والحكم بكونها امرأة
الثاني إلا مع إقامة الأول البينة، بل كان ينبغي أن يقال: إلا مع إقامة البينة أو
حلفها على نفي الزوجية، ولوجب ذكر ذلك في الخبر الأول، لأن المقام مقام البيان

(1) الكافي ج 5 ص 563 ح 27، الفقيه ج 3 ص 303 ح 35، الوسائل ج 14 ص 266 ح 1
(2) التهذيب ج 7 ص 468 ح 82 و ص 461 ح 53، الوسائل ج 14 ص 226 ح 3 و 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 468 ح 82 و ص 461 ح 53، الوسائل ج 14 ص 226 ح 3 و 2.
189

مع أن ظاهر كلامه عليه السلام هو اندفاع دعواه بمجرد إنكارها وليس له عليها يمين
كما هو على المنكر، وليس إلا لما قدمناه مما صرح به الأصحاب من أنها لو
اعترفت له لم يسمع اعترافها.
بقي الكلام في الخبر الثالث، والمفهوم من قواعد الأصحاب عدم القول به،
إلا أنا قد قدمنا في كتب المعاملات ما يؤيده من الأخبار الدالة على ثبوت أمثال
ذلك بقول الثقة (1)، فالواجب تخصيص الخبرين المذكورين به فإن قوله الثقة
حكمه حكم البينة.
وبما ذكروه من فرض المسألة في الدعوى على المعقود عليها ليترتب الحكم
بعدم سماع الدعوى نظرا إلى ما تقدم من التعليل، يظهر أنها لو كانت خلية من
الزوج لسمعت الدعوى قطعا كغيرها من الدعاوي، ويترتب عليها اليمين مع الانكار
ولزوم العقد بالاقرار، وثبوت النكاح لو نكلت عن اليمين أوردتها عليه فحلت كما هو
مقتضى القاعدة المنصوصة، إلا أن العلامة قال في القواعد في هذا المقام. ولو ادعى زوجية
امرأة لم يلتفت إليه إلا بالبينة سواء عقد عليها غيره أولا وهو كما تري مناف لما
نقلناه عنهم من الفرق بين المسألتين ولا يحضرني شئ من شروح الكتاب المذكور.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أن الظاهر من كلام شيخنا في المسالك الميل إلى
القول الثاني، وهو سماع الدعوى بالنسبة إلى تضمين فائت البضع وإن لم تسمع
بالنسبة إلى الزوج، قال (قدس سره) - بعد ذكر القولين المتقدمين ومبنى القولين
على أن منافع البضع هل تضمن بالتوقيت أم لا؟ -: وقد اختلف فيه الحكم،
فحكموا بضمانه تارة، وبعدمه أخرى، نظرا إلى أن حق البضع متقوم شرعا،
فمن أتلفه وجب عليه عوضه، وهو المهر، والتفاتا إلى أنه ليس مالا للزوج،
وإنما حقه الانتفاع به، ومنابع الحق لا تضمن بالتفويت لأنها لا تدخل تحت

(1) منها ما قدمناه في كتاب الوصية في المسألة السابعة من المقصد الأول من الكتاب
المذكور. (منه - قدس سره -).
190

اليد، وينبه على حكمهم بوجوب مهر المثل لمن انفسخ نكاحها بإرضاعها من
يفسد النكاح، ووجوب رفع المهاجرة المسلمة إلى زوجها الكافر المهر للحيلولة
بينه وبينها بالاسلام: وهو قائم هنا.
وعلى الثاني عدم وجوب مهر للزانية، ولا لزوجها، وثبوت المهر لها في وطئ
الشبهة دونه، والقول بسماع الدعوى، وثبوت الغرم، متجه عملا بالقاعدة المستمرة
من ثبوت اليمين على من أنكر، وزجرا عن الاقدام على مثل ذلك. إنتهى.
وفيه (أولا) أنك قد عرفت أنه لا نص هنا على ما ادعوه من تضمين
فائت البضع كما تقدمت الإشارة إليه، وبذلك أيضا اعترف سبطه السيد السند
(قدس سره) في شرح النافع فقال: والحكم بالتضمين غير واضح. إنتهى.
وإثبات حكم شرعي بمجرد هذه التعليلات العقلية مخالف لما دلت عليه
الأخبار المعصومية والآيات القرآنية من النهي عن القول بغير علم كما استفاضت به
الآيات أو سماع منهم كما تظافرت به الروايات.
و (ثانيا) أن ما استند إليه من العمل بالقاعدة المستمرة من أن اليمين على
من أنكر فهو إنما يتم بالنسبة إلى ما لو وقعت الدعوى فيه، والدعوى هنا إنما
وقعت في الزوجية فالمدعي يدعي أنها زوجته وهي تنكر ذلك، فمورد اليمين إنما
هو نفي الزوجية، وهو قد صرح هنا كغيره من الأصحاب بأن اليمين هنا لا وجه لها
سواء كانت في معنى الاقرار أو البينة.
وأما دعوى كون اليمين - وإن لم تفد ثبوت زوجية الثاني لكنها تفيد دفع
الضمان عنها - موقوف على وجوب ضمان فائت البضع، فالاستدلال بالقاعدة
المذكورة موقوف على ثبوت وجوب الضمان وهو قد استدل على وجوب ثبوت
الضمان بها وذلك دور ظاهر.
و (ثالثا) أن ما ذكره من " حكمهم بوجوب مهر المثل لمن انفسخ نكاحها
191

بإرضاعها من يفسد النكاح، ووجوب دفع المهاجرة المسلمة إلى زوجها الكافر المهر
للحيلولة " إن ثبت بنص عليه فهو المعتمد، وإلا فهو ممنوع، وعلى أن المذكور في
تفسير الآية الدالة على حكم المرأة المهاجرة المسلمة كما هو صرح به في كتاب مجمع
البيان أن الدافع للمهر إنما هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا المرأة المسلمة.
وبالجملة فإن كلامه هنا (قدس سره) واختياره القول المذكور لا أعرف
له وجها، ولا دليلا شرعيا يدل عليه.
ثم إنه على تقدير وقوع الدعوى على امرأة خالية من الزوج وسماع الدعوى
وأنه يترتب عليها ما يترتب على سائر الدعاوي لدخولها تحت القاعدة المنصوصة
كما تقدم، فهل يجوز العقد عليها لغير المدعي قبل انتهاء الدعوى؟ قالوا: وجهان
يترتبان على الخلاف المتقدم، فإن قلنا في المسألة بالقول الثاني، وهو سماع
الدعوى وترتب الفائدة السابقة عليه جاز لها أن يعقد وصح العقد، وكان الحكم
كما تقدم من سماع الدعوى بالنسبة إلى فائت البضع دون أصل الزوجية مع
احتمال البطلان.
وأيضا لأن العقد عليها ثانيا قبل انتهاء دعوى الأول يفيد الحيلولة بينه
وبين البضع، والغرض من دعواه الزوجية إنما هو البضع فيحتمل لذلك عدم
جواز العقد حتى ينهي الأول دعواه لسبق حقه فلا يسقطه الثاني بعقده.
نعم لو تراخى الأول في الدعوى وسكت عنها فجواز العقد أجود حذرا من
الاضرار (1) في بعض الصور، وإن قلنا بالقول الأول، وهو عدم سماع الدعوى على
المعقود عليها بالكلية اتجه عدم جواز تزويجها إلى أن تخرج من حقه بانتهاء

(1) وذلك فإنه متى علم بأنه ليس لها العقد حتى ينهي دعواه فإنه ربما سكت عن
الدعوى لقصد تطويل الأمر عليها وحصول الضرر عليها بترك التزويج ليكون ذلك وسيلة
إلى رجوعها إليه وموافقتها له على دعواه فيلزم من ذلك الضرر والحرج المنفيين آية ورواية.
(منه - قدس سره -).
192

الدعوى لأنها متى تزوجت قبل انتهاء الدعوى لزم بناء على هذا القول عدم سماع
دعواه بالكلية فيجب عليها الصبر عن التزويج إلى أن تنتهي الدعوى، ولكن ينبغي
أن يستثنى منه ما تقدم من قصد الاضرار بها بالسكوت عن الدعوى والمماطلة بها
حتى ترجع إليه.
أقول: والأقرب والأنسب بالأصول أنه يجوز لها التزويج مطلقا كما أنه
يجوز له التصرف في كل ما يدعيه عليه غيره قبل ثبوت دعواه استصحابا للحكم
السابق، والاستصحاب هنا ليس من قبيل الاستصحاب المختلف في حجية، بل
المراد هنا إنما هو استصحاب عموم الدليل، فإن الأصل ملكه لما في يده، والأصل
ملك المرأة أمر نفسها فيجوز بناء على هذا الأصل تصرفه فيما يملكه كيف شاء
حتى يقوم الدليل على المنع.
قولهم إنها بتزويجها تحصل الحيلولة - بينه وبين قصده من تلك الدعوى -
غير مسموع في مقابلة ما ذكرناه من ثبوت ذلك لها شرعا، ويؤكد الجواز ما عرفت
من تطرق الضرر في بعض الصور، واحتمل بعض المحققين في صورة مماطلة
المدعي بالدعوى، وعدم تحليفه لها استقلال الحاكم بالتحليف، لأنه قائم مقام
المالك مع امتناعه مما يلزمه شرعا، والله العالم.
المسألة التاسعة: المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم من غير خلاف
يعرف أنه لو ادعى زوجية امرأة، وادعت أختها زوجية، وأقام كل منهما
البينة، فالحكم لبينة الرجل، إلا أن يكون مع المرأة ترجيح لبينتها من
دخول أو تقدم تاريخ.
والأصل في هذا الحكم ما رواه الكليني في الكافي، والشيخ في التهذيب عن
الزهري عن علي بن الحسين عليه السلام " في رجل ادعى على امرأة أنه تزوجها بولي وشهود

(1) الكافي ج 5 ص 562 ح 26، التهذيب ج 7 ص 454 ح 27، الوسائل
ج 14 ص 225 ب 22.
193

وأنكرت المرأة ذلك، فأقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البينة أنه قد
تزوجها بولي وشهود، ولم يوقتا وقتا، فكتب: أن البينة بينة الرجل ولا تقبل
بينة المرأة، لأن الزوج قد استحق بعض هذه المرأة، وتريد أختها فساد النكاح
فلا تصدق، ولا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها، أو بدخول بها ".
والرواية المذكورة ضعيفة السند جدا باصطلاح المتأخرين لما في سندها
جملة من الضعفاء ورجال العامة، ومنهم الزهري والراوي عنه، وهو الأوزاعي،
ولكن ظاهرهم تلقاها بالقبول كما تلاقاها متقدموهم مع ما في مخالفة متنها
لمقتضى الأصول كما ذكروه.
وفيه تأييد لما قدمناه من أن الواجب هو العمل بالرواية صح سندها أو
ضعف باصطلاحهم. وعدم الالتفات إلي ما فيها من المخالفة لمقتصى الأصول،
ولكنهم لضيق المجال لما في هذا الاصطلاح تارة يردون الرواية وإن صح سندها
بذلك كما تقدم قريبا، وتارة يقبلونها وإن ضعف سندها كما في هذا الموضع،
فإنه لم يصرح أحد منهم بخلاف ذلك.
قال في المسالك بعد ذكر المصنف الحكم المذكورة: هذا الحكم مشهور بين
الأصحاب لا يظهر فيه خلاف بينهم، وهو مخالف للقواعد الشرعية في تقديم بينة
الرجل مع اطلاق البينتين أو تساوي التاريخين لأنه منكر يقدم قوله مع عدم
البينة، ومن كان القول قوله، والبينة بينة صاحبه.
أقول: ويمكن أن يقال في دفع ما ذكره من الاشكال، أنه لا ريب أن
هنا دعويين.
(إحديهما) دعوى الزوج على المرأة التي تزوجها مع إنكارها لدعواه.
و (الثانية) دعوى الأخت على الرجل أنه تزوجها مع إنكار الرجل،
والرجل إنما أقام البينة على دعواه على تلك المرأة التي ادعى تزويجها، ولا ريب
أنه مطابق لمقتضى القاعدة، من أن البينة على المدعي، وبموجب ذلك يثبت تزويجه
194

ولا مدخل هنا للأخت في ذلك حتى أنه يعد منكرا، وأن البينة بينة صاحبه.
نعم هو في دعوى الأخت عليه منكر، ولكنها دعوى أخرى، وليس له بينة
هنا حتى أنها ترد، وإنما البينة بينة المرأة.
وبالجملة فإن هنا دعويين مختلفين، فالرجل في الأولى مدع ووظيفته البينة
وقد أقامها، وفي الدعوى الثانية منكر إلا أن المرأة أقامت عليه البينة، وكل
من الدعويين وإقامة البينة فيهما جار على مقتضى الأصول لكن لما كان اللازم من
ثبوت دعوى الأخت عليه وإقامتها البينة المنافاة لما ادعاه وأقام عليه البينة،
فإنه بثبوت إحدى الدعويين يجب انتفاء الأخرى يرجع الكلام إلى تقديم
إحدى الدعويين، والحكم بصحتها على الأخرى، والإمام عليه السلام حكم بتقديم دعوى
الزوج وصحة نكاحه بالبينة التي أقامها ما لم يقدم تاريخ بينتها أو يحصل الدخول
بها، معللا ذلك بأن الأخت إنما أرادت بهذه الدعوى التي ادعتها فساد النكاح،
ولعل ذلك لأمر ظهر له عليه السلام، وإن خفي الآن وجهه علينا.
وبالجملة فإن محط الكلام ومطرح البحث إنما هو في تقديم إحدى
الدعويين على الأخرى الموجب لصحة المتقدمة وفساد المتأخر، وهذا أمر آخر
خارج عن محل الاشكال في كلامهم، وبذلك يتجه أنه لا مخالفة في الرواية
المذكورة لمقتضى الأصول كما ذكروه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن شيخنا الشهيد الثاني (عطر الله مرقده) في المسالك
قد أنهى صور المسألة وما يتحصل منها إلى ثمانية عشر صورة بما هذا ملخصه بأن
يقال: إذا وقع النزاع على هذا الوجه فإما أن يقيم كل من المدعيين بينة أو لا يقيما
أو يقيم أحدهما دون الآخر، وهو إما الرجل أو المرأة، فالصور أربع.
ثم إنه على تقدير إقامتها البينة إما أن تكون البينتان مطلقتين أو
مؤرختين أو تكون إحديهما مؤرخة والأخرى مطلقة، فإما بينة الرجل أو بينة
195

المرأة، والمؤرختان إما بتاريخ واحد أو مختلفتان بأن تقدم تاريخ الرجل أو
المرأة، فهذه تسع صور.
وعلى جميع التقادير إما أن يكون الرجل دخل بالمرأة المدعية أو لا، فهذه
ثمانية عشر صورة، وموضع النص منها ما إذا أقام كل واحد منهما بينة، وما عداه
ينبغي الرجوع فيه إلى القواعد الشرعية (1) في باب الدعوى، وحينئذ فمع عدم
البينة يكون القول قول الرجل في إنكار زوجية المدعية بيمينه لأنه منكر،
وهو ظاهر،
ودعواه زوجية أختها يرجع فيه إلى القواعد أيضا، سواء أنكرت كما في
الرواية أو اعترفت، هذا إذا لم يكن دخل بالمدعية، أما لو دخل بها ففي الاكتفاء
بيمينه، لأنه منكر أو يرجع إلى يمينها، لأن دخوله بها مكذب لانكاره وجهان
يرجعان إلى تعارض الأصل والظاهر.
قال في المسالك: والأول أقوى، وإن أقام أحدهما بينة خاصة قضى له
سواء كان الرجل أو المرأة، إلا إذا كانت البينة للرجل وقد دخل بالمدعية فالوجهان
لأنه بالنظر إلى إقامة البينة، وثبوت الحق بها يثبت دعواه، وبالنظر إلى أن
دخوله بالأخت مكذب لبينة فلا تسمع، ولعله الأقرب كما يشير إليه النص الوارد
في المسألة وقرب السيد السند في شرح النافع (2) في هذه الصورة توجه اليمين على ذي
البينة، فلا يقضى له بمجرد البينة كما ذكرنا أولا، قال: لجواز صدق البينة
الشاهدة للأخت المدعية للعقد مع تقدم عقده على من ادعاها، والبينة لم تطلع
عليه، وجواز صدق بينة الزوج بالعقد على من ادعى عليها مع تقدم عقد أختها

(1) وعلى هذا فيقدم قولها في سبع صور من هذه الاثني عشر، وهي الستة الجامعة
للدخول مطلقا، وواحدة من الستة الخالية عنه وهي ما لو تقدم تاريخها، ويقدم قوله
في الخالية عنه الباقية. (منه - رحمه الله -).
(2) حيث صرح فيه بأن دعوى الزوج مقدمة على دعوى الأخت وبينته متقدمة إلا
في صورة دخوله بها أو تقدم تاريخ بينة الأخت. (منه - رحمه الله -).
196

عليه، والبينة لا تعلم بالحال، لكن الأخت تحلف على نفي العلم بسبق عقد أختها
لأن اليمين ترجع إلى نفي فعل الغير، والزوج يحلف على القطع لأنه حلف على
نفي فعله. إنتهى، وهو جيد.
وإن أقام كل واحد منهما بينة مطلقة، أو كانت إحديهما مطلقة والأخرى
مؤرخة فالترجيح لبينة الرجل كما هو مقتضى النص إلا مع الدخول لسقوط
بينة بتكذيبه إياها فيحكم لبينة الأخت، وكذا إن ورختا معا وتقدم تاريخ
بينتها، فإنه لا إشكال في تقديمها لثبوت سبق نكاحها في وقت لا يعارضها الأخرى
فيه، ومع تساوي التاريخين أو تقدم تاريخ بينته تقدم بينته إن لم يكن دخل
بالأخت كما هو مقتضى النص.
وقال في المسالك بعد البحث في المسألة: بقي أمران: (أحدهما) أن ظاهر
النص أن من قدم جانبه لا يفتقر معه إلى اليمين، وكذلك أطلق المصنف الحكم تبعا
لظاهره، إذ لوا أفتقر إلى اليمين مع البينة لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإقامة
جزء السبب التام مقامه، وهو ممتنع، والأقوى الافتقار إلى اليمين إلا مع سبق
تاريخ إحدى البينتين.
أما الأول: فلأنه مع التعارض بتساوي التاريخ أو إطلاقه يتساقط البينتان
فلا بد من مرجح للحكم بأحدهما، فمن رجح جانبه افتقر إلى اليمين، ومجرد
الدخول على تقديره لا يوجب سقوط حكم بينته رأسا، بل غاية كونه مرجحا،
فلا بد من اليمين جمعا بين النصوص والقاعدة الكلية.
وأما الثاني: فلأنه مع سبق تاريخ إحدى البينتين تكون السابقة مثبتة
النكاح في وقت لا يعارضها فيه أحد فتعين الحكم بها.
(الثاني) على تقدير العمل بالنصوص هنا ينسحب الحكم إلى مثل الأم والبنت
لو ادعي زوجية إحديهما وادعت الأخرى زوجيته، وجهان: من اتحاد صورة
197

الدعوى إذ لا مدخل للأخت في هذا الحكم بل إنما هو لتحريم الجمع، وهو
مشترك، ومن كون الحكم على خلاف الأصل فيقتصر على مورده. إنتهى.
أقول: قد عرفت مما سبق في الكتاب وفيما تقدم في الكتب السابقة، تكاثر
الأخبار بالخروج على خلاف مقتضى قواعدهم، فلا معنى لارتكاب هذا الوجه الذي
تكلفه، وقيد به الخبر من غير دلالة عليه، ولا إشارة بالكلية إليه خروجا عن
مخالفة مقتضى القاعدة التي ذكرها. شعر: " ما أنت أول سار غره قمر ".
وقد قدمنا آنفا أن حكمه عليه السلام بتقديم بينة الرجل وصحة دعواه وبطلان
دعوى الأخت، لعله لأمر ظهر له عليه السلام بقرائن الحال يومئذ، فإنه عليه السلام جزم وحكم
بصحة دعوى الزوج، وأنه قد استحق بضع هذه المرأة، وحكم ببطلان دعوى
أختها، وأنها تريد فساد النكاح فلا تصدق، إلا على أحد الوجهين المذكورين،
ومن البين أن حكمه بذلك إنما يكون لأمر أوجبه عنده، دون مجرد الدعويين
المذكورين، إلا أن الوجه في ذلك خفي علينا، وتطلب العلل والأسباب في أحكامهم
عليهم السلام غير واجب علينا، بل الواجب التسليم لما حكموا به وإن خفي علينا وجهة
وسببه، فالواجب العمل بما دل عليه الخبر، وغض الطرف عن تطلب العلة
المذكورة.
وما ذكره من أن مجرد الدخول على تقديره لا يوجب سقوط حكم بينة
الرجل رأسا بل غايته كونه مرجحا رد للنص الظاهر، بل الصريح في سقوط حكم
بينته على التقدير المذكور، فإنه عليه السلام قال " لا تصدق ولا تقبل بينتها إلا بوقت قبل
وقتها، أو بدخول بها " فجعل كلا من تقديم التاريخ والدخول موجبا لبطلان دعوى
الزوج، وصحة دعوى الأخت.
فحكمه - بذلك في الأول لما ذكره من التعليل وتوقفه في الثاني على اليمين
لما ذكره خروج عن النص.
198

وبالجملة فإنه قبل النص وعمل به، فالواجب عليه القول بما دل عليه،
وعدم مقابلته بهذه التعليلات في بعض والاغماض عنها في أخرى، وإلا فالواجب
طرحه وسقوط هذه البحث من أصله، والله العالم.
المسألة العاشرة: إذا تزوج العبد بمملوكة ثم أذن له سيده في شرائها،
فإن كان الشراء المأذون فيه إنما وقع لسيده فالعقد الأول باق بحاله، إذ لم
يحصل إلا انتقالها من مالك إلى آخر، وذلك لا يوجب انفساخ عقدها، وإن كان
الإذن في الشراء إنما وقع للعبد أو للسيد ولكن ملكه إياها سيده بعد الشراء.
فإن قلنا أن العبد لا يملك فالنكاح الأول باق بحاله، لأن الشراء والحال
هذه باطل بل هي باقية على ملك الأول، والتمليك من السيد لاغ بل هي باقية
على ملك السيد.
وإن قلنا إن العبد يملك مطلقا أو يملك مثل هذا الفرد من التصرفات
فإنها تنتقل إلى ملك العبد، ويبطل النكاح الأول، كما يبطل نكاح الحر للأمة
إذا اشتراها الزوج، للمنافات بين وطئها بالملك والعقد، بقوله عز وجل (1) " إلا
على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " والتفصيل يقطع الشركة، فإذا ثبت الثاني
انتفى الأول.
ويدل على ما دلت عليه الآية من الأخبار ما رواه في الكافي عن الحسين بن
زيد (2) " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يحل الفرج بثلاث: نكاح بميراث،
ونكاح بلا ميراث، ونكاح بملك اليمين ".
وما رواه الشيخ عن الحسن بن زيد (3) " قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام
فدخل عليه عبد الملك بن جريح المكي فقال له: ما عندك في المتعة؟ قال: أخبرني

(1) سورة المؤمنون - آية 6.
(2) الكافي ج 5 ص 364 ح 3، الوسائل ج 14 ص 57 ب 35 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 241 ح 3، الوسائل ج 14 ص 58 ح 2.
199

أبوك محمد بن علي عليه السلام عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وآله خطب الناس فقال:
أيها الناس إن الله أحل لكم الفروج على ثلاثة معان: فرج موروث وهو البنات
وفرج غير موروث وهو المتعة، وملك أيمانك ".
وروى الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول (1) عن الصادق عليه السلام في
حديث " قال: وأما ما يجوز من المناكح فأربعة وجوه: نكاح بميراث ونكاح بغير
ميراث، ونكاح بملك اليمين، ونكاح بتحليل من المحلل ".
أقول: لا منافاة بين هذا الخبر وما تقدم من الحصر في الثلاثة، فإن التحليل
داخل في ملك اليمين لأنه متى أحل له جاريته فقد ملكه منها ما أحله.
وأما ما يؤيده ما ذكره الأصحاب من أن الجارية إذا اشتراها زوجها بطل
العقد الأول وحل له النكاح بالملك فمنه ما رواه الكليني عن سماعة (2) في الموثق
" قال: سألته عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل، ثم إن الرجل اشترى
بعض السهمين، فقال: حرمت عليه ".
وبإسناد آخر عن سماعة مثله، إلا أنه قال: " حرمت عليه باشترائه إياها،
وذلك أن بيعها طلاقها، إلا أن يشتريها من جميعهم ".
ورواه الصدوق عن زرعه عن سماعة مثله، إلا أنه قال " إلا أن يشتريها جميعا "
وقد تكرر في الأخبار أن بيعها طلاقها، وحينئذ فبيعها على زوجها يحصل
طلاقها كما يحصل با لبيع على غيره، وأما هو فإنه ينكحها بعد الشراء بالملك
حينئذ لما عرفت من حصول الطلاق بالبيع.
وأما في صورة شراء شقص منها كما تضمنه الخبر، فإنها تحرم مطلقا حتى
يشتري الجميع، فيرجع إلى النكاح بالملك، وقد تقدم الكلام في نظير هذه المسألة،
وهو ملك المرأة زوجها، وأنه بملكها له تحرم عليه، وينفسخ نكاحها في كتاب

(1) تحف العقول ص 338، الفقيه ج 3 ص 285 ب 14 ح 1، الوسائل ج 14 ص 58 ح 3
(2) الكافي ج 5 ص 482 ح 4، الوسائل ج 14 ص 553 ح 1.
200

التجارة في المسألة الرابعة من الفصل التاسع في بيع الحيوان من الكتاب المذكور (1).
بقي هنا شيئان: (أحدهما) أنه على تقدير القول بملكه وبطلان العقد
الأول هل يستبيحها العبد بغير إذن من مولاه، أو يتوقف على الإذن، الظاهر كما
تقدم تحقيقه في كتاب البيع هو أن العبد وإن كان يملك لكن تصرفه موقوف على
إذن المولى.
هذا هو الظاهر من الجمع بين أخبار المسألة، وحينئذ فيتوقف وطؤها
على الإذن.
(وثانيهما) أن ما قدمنا ذكره من البطلان لو شراها العبد لنفسه بإذن
السيد، وقلنا بأن العبد لا يملك كما هو أحد القولين في المسألة، وهو اختيار
شيخنا الشهيد الثاني في الروضة والمسالك، وقيل بأنه يقع للمولى، وهو اختيار
شيخنا الشهيد الأول في شرح الإرشاد، قال: وأما بقاء العقد على القول بأنه لا يملك
بالتمليك كما تقدم ذكر الخلاف فيه فلأن الشراء حينئذ للمولى فالملك له وزوال
الملك عن الزوج إلى غير الزوج لا يقتضي فسخ نكاحها لعدم المنافاة. إنتهى.
وعلله في المسالك قال: إن الشراء حينئذ يقع للمولى لأن إذنه فيه للعبد
تضمن أمرين: مطلق الشراء، وكونه مقيدا بالعبد، وإذا بطل المقيد بقي
المطلق المدلول عليه بالمقيد ضمنا، ثم تنظر فيه بأنه لا يلزم من الإذن في الشراء
للعبد، الإذن فيه للمولى، وبقاء المطلق مع انتقاء المقيد في مثل هذه المواضع
ظاهر المنع، ومن الجائز أن يرضى المولى بتملك الأمة المعينة للعبد، ولا يرضى
بتملكها لنفسه، فعدم صحة العقد أصلا أقوى. إنتهى، وهو جيد.
والعجب منه (قدس سره) أنه فرع بقاء العقد - أعني عقد الزوج على
المملوكة مع القول بعدم الملك كما عرفت - على كون الشراء للمولى، مع أنه

(1) ج 19 ص 385.
201

لا خصوصية له بذلك بل هو باق أيضا وإن قلنا بالبطلان وبقائها على ملك مولاها
الأول، والله العالم بحقائق أحكامه.
المقصد الثاني: في الأولياء للعقد وما يتعلق بهم في المقام، وفيه مسائل.
الأولى: المشهور بين الأصحاب أنه لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب والجد
للأب وإن علا، والمولى والوصي والحاكم الشرعي.
وقد وقع الخلاف هنا في مواضع: (أحدها) في الزيادة على هؤلاء بعد ولاية
الأم وآبائها، ذهب إليه ابن الجنيد قال: فأما الصبية غير البالغة فإن عقد إليها
أبوها فبلغت لم يكن لها اختيار، وليس ذلك لغير الأب وآبائه في حياته، والأم
وأبوها يقومان مقام الأب في ذلك، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر نعيم بن نجاح أن
يستأمر أم ابنته في أمرها، وقال " وأمروهن في بناتهن ". إنتهى، وهو ضعيف وحديثه
عامي، وأخبارنا ظاهرة في خلافه كما سيأتيك إن شاء الله في المسائل الآتية.
و (ثانيها) قول ابن عقيل في نقصان الجد من هؤلاء المذكورين، فإنه قال:
الولي الذي أولى بنكاحهن هو الأب دون غيره من الأولياء، ولم يذكر للجد ولاية
وظاهر هذه العبارة المنقولة عنه حصر الولاية في الأب، فيصير خلافه شاملا لمن عد
الجد أيضا من الأولياء المذكورين.
و (ثالثها) الوصي، وسيأتي تحقيق الكلام فيه في بعض المسائل الآتية
إن شاء الله تعالى.
بقي الكلام هنا في مواضع: الأول: أنه هل يشترط في ولاية الجد حياة
الأب أم لا؟ المشهور الثاني، وأنه لا فرق بين حياة الأب وموته بل يثبت له الولاية
مطلقا، وهو ظاهر الشيخ المفيد والمرتضى وسلار حيث أطلقوا الحكم بولاية الجد،
وبه قطع ابن إدريس ومن تأخر عنه.
وذهب الشيخ في النهاية إلى أن حياه الأب شرط في ولاية الجد على البكر
202

البالغة والصغيرة، وموته مسقط لولايته عليهما، ونقله في المختلف أيضا عن ابن
الجنيد وأبي الصلاح وابن البراج والصدوق في الفقيه، وأما ابن أبي عقيل فقد عرفت
أنه ينكر ولاية الجد مطلقا.
ويدل على القول المشهور أنه لا ريب أن للجد ولاية المال، فيثبت له ولاية
النكاح، لما رواه عبد الله بن سنان (1) في الصحيح عن الصادق عليه السلام " قال: الذي بيده
عقدة النكاح هو ولي أمرها ".
ولا خلاف في أن الجد ولي أمر الصغير فيكون بيده عقدة النكاح، واستدل
على ذلك أيضا بأن ولاية الجد أقوى من ولاية الأب، لتقدم مختار الجد على الأب
عند التعارض، كما دلت عليه النصوص الآتية في محلها إن شاء الله تعالى، وإذا كانت
أقوى فلا يؤثر فيها موت الأضعف، وأورد عليه بأنه يجوز أن يكون قوة الولاية
مشروطة بحياة الأب، كما هو مفروض الروايات المشار إليها، فلا يلزم قوتها مطلقا.
واستدل الشيخ في التهذيب على ما ذهب إليه بما رواه عن الفضل بن
عبد الملك (2) " قال: إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا
جاز، قلنا: فإن هوى أبو الجارية هوى، وهوى الجد هوى، وهما سواء في العدل
والرضا، قال: أحب إلي أن ترضى بقول الجد ".
واعترض على ذلك في المسالك بأن فيه - مع ضعف السند - ضعف الدلالة،
قال: فإنها بالمفهوم الوصفي، وهو غير معتبر عند المحققين.
ورد الثاني منهما سبطه السيد السند في شرح النافع بأن هذا المفهوم مفهوم
شرط، وهو حجة عندهم، ثم قال: لكن يمكنه أن يقال حجية المفهوم إنما
يثبت إذا لم يظهر للتقييد وجه سوى نفي الحكم عن السكوت عنه.

(1) التهذيب ج 7 ص 392 ح 46، الوسائل ج 14 ص 212 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 396 ح 5، التهذيب ج 7 ص 391 ح 40، الوسائل
ج 14 ص 218 ح 4.
203

وربما كان الوجه في هذا التقييد التنبيه على الفرد الأخفى، وهو جواز عقد
الجد مع وجوب الأب، وكيف كان فهذه الرواية قاصرة عن إثبات هذا الشرط.
إنتهى.
أقول: والمسألة لا يخلو من شوب الاشكال، وإن كان القول المشهور لا يخلو
من قوة، لأصالة عدم الشرط المذكور، مضافا إلى ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان
المتقدمة، إلا أن ظاهر رواية الفضل باعتبار كون المفهوم فيها مفهوم شرط، وهو
حجة عند المحققين، كما أوضحناه بالأخبار الدالة على ذلك في المقدمات
المذكورة في أول جلد كتاب الطهارة ما ينافي ذلك.
وما ذكره السيد السند من الفائدة في هذا التقييد الظاهر أنه لا يخلو من بعد
فإن هذا الفرد الذي اشتملت عليه الرواية ليس هو الأخفى، بل هو الظاهر، لاستفاضة
الروايات به، ووقوع الاتفاق عليه، وإنما الأخفى هو العكس، ولهذا صار مطرح
الخلاف في المسألة واشتبه الدليل بالنسبة إليه.
الثاني: لو ذهبت بكارة الصغيرة بوطئ أو نحوه فإن ثبوت الولاية عليها للأب
والجد باقية لا تزول بزوالها، لأن مناط الولاية عليها كما دلت عليه النصوص هو
الصغر، أعم من أن تكون باقية على بكارتها أم لا، وإنما يفترق الحكم فيهما
بالنسبة إلى البالغة كما صرحت به النصوص وهو ظاهر لا إشكال فيه.
الثالث: ظاهر الأصحاب الاتفاق على أنه لا خيار للصبية بعد البلوغ إذا
عقد عليها الأب أو الجد، وإنما الخلاف في الصبي، فإن المشهور أنه كذلك ليس
له الخيار.
وقيل: بأن له الخيار بعد البلوغ ذهب إليه الشيخ في النهاية، ونقله في
المختلف أيضا عن ابن إدريس وابن البراج وابن حمزة والخلاف هنا ناش من
اختلاف الأخبار في المسألة، ونحن نذكر جملة الأخبار المتعلقة بهذا المقام.
فأما ما يدل على حكم الصبية، وأنه ليس لها الخيار في الصورة المذكورة
204

فأخبار عديدة:
منها: صحيحة عبد الله بن الصلت (1) المروية في الكافي والتهذيب " قال:
سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها، ألها أمر إذا بلغت؟ قال:
لا " وزاد في الكافي " ليس لها مع أبيها أمر ".
وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (2)
" قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت وهي صغيرة
فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها، أيجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال: يجوز
عليها تزويج أبيها ".
وما رواه في التهذيب عن علي بن يقطين (3) في الصحيح " قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام، أتزوج الجارية وهي بنت ثلاث سنين؟ أو يزوج الغلام وهو ابن ثلاث سنين؟
وما أدنى حد ذلك الذي يزوجان فيه؟ فإذا بلغت الجارية فلم ترض فما حالها؟
قال: لا بأس بذلك إذا رضي أبوها أو وليها ".
وسيأتي أيضا ما يدل على خلاف ذلك، ولهذا نسبة المحقق في الشرايع إلى
أشهر الروايتين.
وأما ما يدل على حكم الصبي فمنه ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي (4)
" قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام، الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره، أيجوز
طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ قال: فقال: أما التزويج فصحيح، وأما طلاقه فينبغي أن
يحبس عليه امرأته حتى يدرك، فيعلم أن كان قد طلق، فإن أقر بذلك وأمضاه

(1) الكافي ج 5 ص 394 ح 6 و 9، التهذيب ج 7 ص 381 ح 16 و 17
(2) الكافي ج 5 ص 394 ح 6 و 9، التهذيب ج 7 ص 381 ح 16 و 17
(3) التهذيب ج 7 ص 381 ح 18.
(4) الفقيه ج 4 ص 227 ح 3.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 207 ح 3 و 1 و ص 208 ح 7 و ج 17
ص 528 ح 4.
205

فهي واحدة بائنة وهو خاطب من الخطاب، وإن أنكر ذلك وأبي أن يمضيه فهي
امرأته " الحديث.
وهو ظاهر في المراد ولم أقف على من استدل به من الأصحاب بل ولا غيره
من الأخبار، واستدلوا في هذا المقام، بأن عقد الولي عقد صدر من أهله في محله،
فكان لازما كسائر العقود المالية.
ولا يخفى ما فيه من تطرق الإيراد إليه، وتوجه الاعتراض عليه، فإن الخصم
يمنع ذلك في هذه الصورة، وهل هو إلا أصل المدعى، فيكون مصادرة.
وعن محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام " في الصبي يزوج الصبية
يتوارثان؟ قال: إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم، قلت: فهل يجوز طلاق
الأب؟ قال: لا " (2).
وما رواه في كتاب بحار الأنوار عن كتاب الحسين بن سعيد بسنده فيه عن
عبيد بن زرارة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الصبي يتزوج الصبية، هل يتوارثان؟
فقال إن كان أبواهما اللذان زوجاهما حيين فنعم، قلنا: فهل يجوز طلاق الأب
قال: لا " والمراد بحياة أبويهما الإشارة إلى كون التزويج وقع منهما دون غيرهما
والتقريب فيهما أنه رتب عليه السلام التوارث الذي هو ثمرة النكاح الصحيح - ولو كان
التوارث قبل بلوغ كل منهما بأن ماتا صغيرين - على مجرد كون تزويجهما من

(1) التهذيب ج 7 ص 388 ح 32، الوسائل ج 14 ص 220 ب 12.
(2) أقول: ومما يدل على عدم التوارث لو ماتا صغيرين بناء على هذا القول صحيحة
الحذاء المذكورة، لأن هذه الصحيحة من أدلة هذا القول كما ذكرناه في الأصل، وقد دلت
على أنهما لو ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا،
وحينئذ فما دلت عليه الرواية من أنهما يتوارثان إذا كان أبواهما زوجاهما الشامل لما وقع
الموت قبل البلوغ ظاهر في عدم التوقف على الاختيار فيه وأنه لا خيار للصبي إذا زوجه
أبوه. (منه - رحمه الله -).
(3) البحار ج 103 ص 330 ح 7، الوسائل ج 17 ص 528 ح 3.
206

الأبوين، ولو توقف صحته على الاختيار بعد البلوغ كما يدعيه ذلك القائل لما
حسن ذلك ولا صح، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر للناظرين.
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (1)، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الصبي يتزوج
الصبية؟ قال: إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز، ولكن لهما الخيار
إذا أدركا، فإن رضيا بذلك فإن المهر على الأب، قلت: فهل يجوز طلاق الأب على
ابنه في صغره؟ قال: لا ".
وهذه الرواية ظاهرة كما ترى في القول المخالف للمشهور بالنسبة إلى الصبي
والصبية، إلا أنها معارضة بما ذكرناه أولا من أخبار الصبية الصحيحة الصريحة
في عدم تخيرها، وكذا الأخبار الواردة في الصبي الظاهرة في ذلك أيضا.
والشيخ في التهذيب قد أجاب عن صحيحة محمد بن مسلم (2) المذكورة فقال:
ليس في هذا الخير ما ينافي ما قدمناه، لأن قوله عليه السلام " لكن لهما الخيار إذا أدركا "
يجوز أن يكون أراد أن لهما ذلك بفسخ العقد، إما بالطلاق من جهة الزوج
واختياره، أو مطالبة المرأة له بالطلاق، أو ما يجري مجرى ذلك مما يفسخ العقد
ولم يرد بالخيار هيهنا عدم إمضاء العقد، وأن العقد موقوف على خيارهما، قال:
والذي يكشف عما ذكرناه قوله في الخبر " إن كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم
جائز " فلو كان العقد موقوفا على رضاهما لم يكن بين الأبوين وغيرهما في ذلك
فرق، وكان ذلك أيضا جائزا لغير الأبوين، وقد ثبت به فرق في الموضعين، فعلمنا
أن المراد ما ذكرنا. هذا كلامه (قدس سره).
وأورد عليه السيد السند في شرح النافع - بعد الطعن بالبعد، وشدة

(1) التهذيب ج 7 ص 382 ح 19، الوسائل ج 14 ص 208 ح 8.
(2) أقول: والعلامة قد أجاب عنها في المختلف بالحمل على ما إذا زوجهما الولي
بغير كفو أو بذي عيب، وهو راجع إلى كلام الشيخ المشار إليه بنحو ذلك، قال في المسالك
بعد ذكر الحملين المذكورين: وهو بعيد لكنه خير من اطراح أحد ح الجانين. (منه - قدس سره -).
207

المخالفة للظاهر - أن ما جعله كاشفا عن ذلك لا يكشف عنه، فإن الفرق بين عقد
الولي وغيره على هذا التقدير يتحقق أيضا لأن عقد غير الوالي يتوقف على
إجازة الصبي، وعقد الولي لا يتوقف على الإجازة وإنما يجوز للصبي فسخه،
وأحدهما غير الآخر، والمسألة محل الاشكال، وطريق الاحتياط واضح إنتهى.
أقول: ما ذكره (قدس سره) من أن عقد الولي لا يتوقف على الإجارة،
وإنما يجوز للصبي فسخه، فيه أن الظاهر من أخبار المسألة هو أنه يتخير الصبي
بعد البلوغ بين الامضاء والفسخ، فإن أمضاه وأجازه كان صحيحا لازما، وإن فسخه
ولم يرض به كان باطلا، وهذا حكم العقد الفضولي، إلا أن العقد صحيح يترتب
عليه أحكام الصحة، إلا أن يفسخه الصبي كما هو حكم الخيار في سائر العقود على
ما ادعاه، ويشير إلى ما ذكرناه ما يأتي في صحيحة الحذاء من قوله عليه السلام " وإن ماتا
قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا "، وكذا
قوله في باقي الرواية فإنه من هذا القبيل، وهو كما ترى ظاهر، بل صريح في أنه
إنما يكون صحيحا لازما بالرضاء والقبول بعد البلوغ، فلو لم يرضيا وماتا قبل
البلوغ بطل العقد فلا ميراث ولا مهر، ومقتضى كلامه هو الصحة وترتب أحكامها
ما لم يفسخ الصبي قبل البلوغ، وحينئذ فاللازم القول بالتوارث ووجوب المهر لو
ماتا قبل البلوغ لصحة العقد وعدم فسخه، والنص كما ترى على خلافه.
وبالجملة فكلامه وإن كان مما يترائى منه الصحة بحسب الظاهر إلا أنك
بالنظر إلى الروايات والرجوع إليها يظهر لك صحة ما ذكرناه، نعم ما ذكره من
أن المسألة محل إشكال جيد كما سيظهر لك إن شاء الله.
وما رواه الشيخ عن يزيد الكناسي (1) " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام في حديث
طويل قال فيه قلت: فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية، فقال يا أبا خالد إن

(1) التهذيب ج 7 ص 383 ح 20، الوسائل ج 14 ص 209 ح 9.
208

الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك وبلغ خمسة عشر سنة،
أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك " الحديث.
أقول: وهذا الخبر هو مستند من ذهب إلى الفرق بين الصبي والصبية،
فخص الخيار بالصبي دونها مع أن هذا الخبر ضعيف السند بجهالة الراوي وخبر
محمد بن مسلم المتقدم دال على اشتراكهما في الخيار، والشيخ قد أجاب عن هذا
الخبر بما تقدم نقله في الجواب عن صحيحة محمد بن مسلم، قال: في المسالك بعد
ذكر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، ولو عمل الجماعة بهذا الخبر الصحيح وأثبتوا
الخيار لهما لكان أولى من تخصيصهم الخيار بالولد استنادا إلى الرواية الضعيفة.
إنتهى.
وفيه ما عرفت في غير مقام مما تقدم أن هذا الكلام إنما يتجه اعتراضا
على أصحاب هذا الاصطلاح المحدث لا على مثل الشيخ وأمثاله من المتقدمين فإن
الأخبار باصطلاحهم كلها صحيحة ولكن الظاهر أنهم لم يخطر ببالهم الصحيحة
المذكورة.
وما رواه في الكافي في الصحيح والتهذيب في الموثق عن أبي عبيدة الحذاء (1)
" قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين،
فقال: النكاح جائز وأيهما أدرك كان له الخيار، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا
ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا قلت: فإن أدرك أحدهما
قبل الآخر؟ قال: يجوز ذلك عليه إن هو رضي، قلت: فإن كان الرجل الذي
أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال: نعم
يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها
بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر، قلت: فإن ماتت الجارية ولم تكن

(1) الكافي ج 5 ص 401 ح 4، التهذيب ج 7 ص 388 ح 31، الوسائل
ج 17 ص 527 ح 1.
209

أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال: لا، لأن لها الخيار إذا أدركت، قلت: فإن
كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال: يجوز عليها تزويج الأب ويجوز
على الغلام، والمهر على الأب للجارية ".
أقول: وهذه الرواية بالنظر إلى صدرها ظاهرة الدلالة على القول الثاني
الذي هو خلاف المشهور إلا أن قوله في آخره " فإن كان أبوها هو الذي زوجها "
مما ينافي ذلك وبعجز الخبر المذكور استدل السيد السند في شرح النافع للقول
المشهور ولم يتعرض للكلام فيما دل عليه صدره.
ويمكن أن يقال ولعله الظاهر أن المراد بالوليين في صدر الخبر غير الشرعيين
فإن إطلاق الولي في الأخبار على هذا المعنى غير عزيز، وحينئذ يكون من قبيل
الفضولي، ولا إشكال حينئذ فيما ترتب عليه من الأحكام، لأن العقد الفضولي في
النكاح صحيح عندنا، وأما ما عداه فالأظهر بطلانه كما تقدم تحقيقه في كتاب البيع
وعلى هذا لا إشكال في الخبر، وبذلك يكون باعتبار ما دل عليه عجزه من جملة أدلة
القول المشهور، وحينئذ تنحصر المخالفة في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.
وقد عرفت ما أجيب به عنها، وما فيه من البعد، ولا يحضرني الآن أقوال
العامة في المسألة.
وبالجملة فإن المسألة من أجل هذه الرواية، وعدم توجه محمل تحمل
عليه لا تخلو من الاشكال، وإن كان القول المشهور هو الأوفق بالأصول المقررة في
هذا المجال، مضافا إلى ما دل عليه من الأخبار الواضحة المقال، والله العالم.
المسألة الثانية: لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استقلال
البكر البالغة بالولاية على مالها وكذا لا خلاف في ولايتها في النكاح مع فقد الأب
والجد أو وجودهما، وانتفاء شرائط الولاية عنهما، واتفاقهم أيضا على أن حكم
الثيب بغير النكاح والموطوءة دبرا حكم البكر في الخلاف الآتي.
وإنما الخلاف في ولاية البكر أو الثيب بغير الجماع البالغة الرشيدة - في النكاح
210

مع وجود الأب أو الجد، واتصافهما بشرائط الولاية - على أقوال خمسة (1):
(أحدها) وهو المختار، استمرار الولاية عليها مطلقا، ونقله شيخنا الشهيد
في شرح نكت الإرشاد عن الشيخ في أكثر كتبه، والصدوق وابن أبي عقيل، ونقله
أيضا عن ظاهر القاضي والصهرشتي.
أقول: وقواه السيد السند في شرح النافع، وإليه كان يذهب والدي
(قدس سره) وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي، وبه جزم شيخنا المحقق
المدقق العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف المقالي البحراني (نور الله مرقده).
و (ثانيها) وهو المشهور بين المتأخرين، استقلالها بالعقد دونهما مطلقا،
ونقل عن الشيخ في التبيان والمرتضى والشيخ المفيد في أحكام النساء وابن الجنيد وسلار
وابن إدريس وهو مذهب المحقق والعلامة، وقواه شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان
ابن عبد الله البحراني في بعض أجوبته عن مسائل سئل عنها، منها المسألة المذكورة.
و (ثالثها) التشريك بينهما وبين الولي، وهو منقول عن أبي الصلاح والشيخ
المفيد في المقنعة، واختاره المحدث الشيخ محمد بن الحر العاملي في الوسائل.
هذه هي الأقوال المشهورة بينهم كما ذكره شيخنا الشهيد في شرح نكت
الإرشاد.
و (رابعها) استمرار الولاية عليها في الدائم دون المنقطع، وهو مذهب الشيخ
في كتابي الأخبار.
و (خامسها) عكسه وهو ثبوت الولاية عليها في المنقطع دون الدائم، وهذا
القول نقله المحقق في الشرايع، وحكى شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد أن
المحقق سئل عن قائله فلم يجب، قال في المسالك - بعد نقل هذه الأقوال الخمسة -:

(1) واعلم أن العامة أيضا مختلفون في هذه المسألة، والمشهور بينهم استقلالها دونهما،
وهو المنقول عن الشافعي ومالك وأحمد، وأما أبو حنيفة فإنه حكم باستقلالهما كما نقله في
التذكرة. (منه - قدس سره -).
211

وزاد بعضهم قولا سادسا، وهو أن التشريك في الولاية تكون بين المرأة وأبيها
خاصة دون غيره من الأولياء، ونسبه إلى المفيد.
واعلم أن الأصل في هذه الأقوال واختلافها في هذا المجال هو اختلاف الأخبار
الواردة في ذلك عنهم عليهم السلام واختلاف الإدراكات فيما دلت عليه والأفهام، ومن
أجل ذلك صارت المسألة منتصلا لسهام النقض والابرام.
وقد عدها الأصحاب من أمهات المسائل ومعضلات المشاكل، وقد صنفت فيها
الرسائل وكثر السؤال عنها والسائل، وأطنب جملة من الأصحاب فيها الاستدلال
لهذه الأقوال وأكثروا فيها من القيل والقال بإيراد آية لا دلالة فيها على المراد
أو خبر عامي ليس في إيراده إلا مجرد تكثير السواد، ودليل اعتباري لا يمنع من
تطرق المناقشة إليه والايراد.
ونحن نقتصر على الأخبار الواصلة إلينا في هذا الباب كما هي العادة الجارية
التي بنينا عليها في الكتاب فنردف كل قول من هذه الأقوال بما يدل من الأخبار
عليه ونوشحه بالبحث عن كل خبر، وما يتطرق من الكلام إليه، ومنه تعالى
أستمد الهداية لتحقيق ما هو الحق والصواب والنجاة من الوقوع في مهاوي الزيغ
والارتياب.
فأقول: الأول من هذه الأقوال: وهو الذي عليه المعول باستقلال الولي
وأنه ليس لها معه أمر، ويدل عليه جملة من الأخبار.
منها ما يدل على استقلاله نصا بحيث لا يقبل التأويل والاحتمال.
ومنها ما يدل على ذلك ظاهرا كما هو المعتمد في الاستدلال فلا يلتفت إلى ما
قابله من التأويل والاحتمال.
فمنها ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن عبد الله بن الصلت (1) " قال: سألت

(1) الكافي ج 5 ص 394 ح 6، التهذيب ج 7 ص 381 ح 16، الوسائل ج 14
ص 207 ح 3.
212

أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الجارية الصغيرة زوجها أبوها، ألها أمر إذا بلغت؟
قال: لا، ليس لها مع أبيها أمر، قال: وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء،
ألها مع أبيها أمر؟ قال: ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام " قال: سألته عن
البكر إذا بلغت مبلغ النساء، ألها مع أبيها أمر؟ قال: ليس لها مع أبيها أمر
ما لم تثيب " وهي كالأولى متنا ودلالة.
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما عليها السلام
" قال: لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ليس لها مع الأب أمر، وقال: تستأمرها
كل أحد ما عدا الأب ".
لا يقال: إنها غير صريحة في البلوغ والرشد، لأنا نقول: وجوب الاستيمار
على كل أحد لها ما عدا الأب لا يكون إلا مع البلوغ والرشد كما هو ظاهر.
ومنها ما رواه علي بن جعفر في كتابه (3) - وهو من الأصول المشهورة - عن
أخيه موسى عليه السلام " قال: سألته عن الرجل يصلح له أن يزوج ابنته بغير إذنها قال
نعم، ليس يكون للولد مع الوالد أمر، إلا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك
فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر ".
وهذه الروايات مع صحتها صريحة الدلالة واضحة المقالة في نفي ولايتها
استقلالا وشركة الموجب لاستقلال الأب بالولاية، ولا مجال فيها للاحتمال
والحمل على خلاف ذلك بالكلية.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي (4) في الصحيح " عن الصادق عليه السلام

(1) الوسائل ج 14 ص 203 ح 11.
(2) الكافي ج 5 ص 393 ح 2، التهذيب ج 7 ص 380 ح 13، الوسائل ج 14
ص 205 ح 3.
(3) الوسائل ج 14 ص 215 ح 8، بحار الأنوار ج 1. ص 253.
(4) الكافي ج 5 ص 393 ح 4، التهذيب ج 7 ص 381 ح 15، الوسائل ج 14
ص 215 ح 7.
213

في الجارية يزوجها أبوها بغير رضا منها، قال: ليس لها مع أبيها أمر، إذا
أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة " وزاد في الكافي قال: " وسئل عن رجل يريد
أن يزوج أخته؟ قال: يؤامرها، فإن سكتت فهو إقرارها، وإن أبت لم يزوجها ".
وأما ما اعترض به في المسالك - من أن هذه الرواية رواها الشيخ عن
الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي، وحماد هذا مشترك بين
الثقة وغيره، فلا يكون صحيحة - فإنه غفلة محضة وتوهم صرف، فإن المعروف
المتكرر في مثل هذا السند هو حماد بن عثمان للتصريح به في مواضع عديدة من
التهذيب، ولرواية ابن أبي عمير عنه في كتب الرجال.
بل صرح به الكليني في سند هذا الخبر على ما نقله بعض الأعلام، وقد صرح
في التهذيب بعد هذا الحديث، وقبله بيسير برواية ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان
عن الحلبي، والجميع في باب واحد، ومثله في باب الاشهاد على الوصية،
وبالجملة فإنه لا يخفى على الممارس صحة ما قلناه وضعف ما طعن به
لا يقال: إنه يحتمل حمل الجارية في الخبر على الصغيرة، لأنا نقول: لا يخفى على من
نظر في قرائن الكلام، وتدبر سياق الخبر التدبر التام، أن قول السائل " بغير رضا
منها " وقوله عليه السلام " وإن كانت كارهة " ظاهر في بلوغ تلك الجارية المسؤول عنها
وقت التزويج، لأنه لا مجال لاعتبار الرضا من غير البالغة وكذا إطلاق الكراهة
بالنسبة إليها، والحمل على عدم الرضا، والكراهة بعد البلوغ، ووقوع العقد قبله
يرده صدر الخبر حيث إن قوله " بغير رضا... إلى آخره " وقع حالا من قوله
" يزوجها " مع وجوب اتحاد زمان الحال وعامله كما قرر في محله.
وحينئذ فتكون هذه الرواية - بناء على ما قلناه من الدلالة بظاهرها على
المطلوب - قد دلت عليه بأبلغ وجه وآكد من حيث الجمع فيها بجواز نكاح
الأب لها وإن كانت كارهة، وبين نفي أمرها معه في ذلك بالمرة.
214

ومنها ما رواه الشيخان المذكوران عن زرارة (1) في الصحيح بطريق الكافي
" قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا ينقض النكاح إلا الأب " والتقريب فيه من
حيث حصر نقض النكاح فيه، وهو لا يجامع الاستقلال ولا الشركة، ولو كان
للبكر استقلال لما كان للأب نقضه، ولو كانت شريكة لما انحصر النقض فيه أيضا.
فإن قيل: إن الحصر هنا غير مراد، لأن الجد أيضا ينقض النكاح، ولخروج
الثيب والمذكر البالغ منه أيضا، قلنا: إنهم قد صرحوا بأن العام المخصوص حجة
في الباقي، فخروج الأفراد المذكورة بدليل من خارج لا ينافي حجية الخبر فيما
بقي من الأفراد داخلا تحت عموم اللفظ أو إطلاقه.
ومنها ما رواه في الكافي والفقيه عن ابن أبي يعفور (2) في الصحيح عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: لا تزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن ".
وهذه الرواية صريحة في المنع من استقلالها من حيث دلالتها على فساد
النكاح بدون إذن الأب، لكنها غير صريحة في المنع من الشركة، إذ غاية ما تدل
عليه أنه ليس لها الانفراد.
واعترض على هذه الرواية في المسالك من حيث السند بأن في طريقها علي بن
الحكم، وهو مشترك بين الثقة وغيره وذلك يمنع من الحكم بصحتها، ومن حيث
الدلالة بأن " من " في قوله " من الأبكار " كما يمكن حملها على البيانية فتعم الصغيرة
والكبيرة يمكن حملها على التبعيضية، فلا تدل على محل النزاع، لأن بعض الأبكار
من الصغار لا يتزوج إلا بإذن أبيها إجماعا.
وفيه أن علي بن الحكم هنا هو الكوفي الثقة بقرينة رواية أحمد بن محمد بن

(1) الكافي ج 5 ص 392 ح 7، التهذيب ج 7 ص 379 ح 8، الوسائل ج 14
ص 205 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 393 ح 1، التهذيب ج 7 ص 379 ح 7، الفقيه ج 3
ص 250 ح 1، الوسائل ج 14 ص 208 ح 5.
215

عيسى عنه، كما هو متكرر في هذه الأسانيد مع احتمال اتحاد غيره به كما اختاره
الميرزا محمد في كتاب الرجال، على أن الصدوق (قدس سره) أورد هذا الخبر عن
العلاء عن ابن أبي يعفور، وله إلى العلاء طرق صحيحة غير مشتملة على
علي بن الحكم.
وأما ما ذكره من حيث الدلالة فلا يخفى ما فيه من البعد على الناظر المنصف،
مع أن ذلك يقتضي عدم الفائدة في التقييد بالأبكار، لأن الصغيرة الثيب حكمها
كذلك.
ومنها ما رواه في الكافي عن الفضل بن عبد الملك (1) في الموثق عن الصادق عليه السلام
" قال: لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها هو أنظر لها،
وأما الثيب فإنها تستأذن وإن كانت بين أبويها إذا أرادا أن يزوجاها ".
وما رواه في التهذيب عن إبراهيم بن ميمون (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا
كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر، وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها
إلا برضى منها ".
وعن عبيد بن زرارة (3) " قال: لا تستأمر الجارية في ذلك إذا كانت بين أبويها،
فإذا كانت ثيبا فهي أولى بنفسها ".
والتقريب في هذه الأخبار الثلاثة أن قرينة المقابلة بالثيب المشروط فيها
الاستئذان إجماعا يدل على أن المراد بالجارية فيها هي البكر البالغ الرشيدة بقرينة
ما عرفت من الأخبار المتقدمة المتفقة على استقلال الأب بالولاية عليها، وأنه لا
أمر لها معه.

(1) الكافي ج 5 ص 394 ح 5، الوسائل ج 14 ص 202 ح 6.
(2) التهذيب ج 7 ص 380 ح 12 و ص 385 ح 23، الوسائل ج 14 ص 214 ح 3 و ص 204 ح 13.
(3) التهذيب ج 7 ص 380 ح 12 و ص 385 ح 23، الوسائل ج 14 ص 214 ح 3 و ص 204 ح 13.
216

ومنها ما رواه في الكافي (1) عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " في المرأة
الثيب، قال: هي أملك بنفسها، تولي أمرها من شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون
قد نكحت رجلا قبله ".
والتقريب فيها من حيث قوله " بعد أن تكون قد نكحت... الخ " الدال
على تقييد أملكيتها بنفسها وتوليتها أمر نفسها بما إذا كان ذلك بعد نكاحها رجلا
قبله، فلو كانت الثيوبة الحاصلة لها لا عن نكاح فليست أملك بنفسها وليس لها أن
تولي أمرها من شاءت لرجوع أمرها إلى الولي حينئذ كالبكر، إذ لا فرق في ثبوت
الولاية عند مثبتها بين كونها بكرا أو ثيبا بغير نكاح كما تقدم ذكره في صدر
المسألة، ودلالة الرواية وإن كانت بالمفهوم إلا أنه في معنى مفهوم الشرط كما
صرح به في الخبر الذي بعده.
ومنها ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير (2) عن رجل عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: لا بأس أن تزوج المرأة نفسها إذا كانت ثيبا بغير إذن أبيها إذا كان
لا بأس بما صنعت ".
والتقريب فيها تعليق نفي البأس على الثيوبة فينتفي بانتفائها عملا بالمفهوم
الشرط الذي هو حجة عند المحققين، وعليه دلت الأخبار أيضا كما قدمناها في
مقدمات الكتاب.
ومنها ما رواه الشيخ (رحمه الله) عن سعد بن إسماعيل عن أبيه (3) " قال: سألت
الرضا (عليه السلام) عن رجل تزوج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها ولا أحد من قرابتها،
ولكن تجعل المرأة وكيلا فيزوجها من غير علمهم، قال: لا يكون ذا " (4).

(1) الكافي ج 5 ص 392 ح 5، الوسائل ج 14 ص 202 ح 4.
(2) التهذيب ج 7 ص 386 ح 25 و ص 385 ح 24، الوسائل ج 14 ص 204 ح 14 و 15.
(3) التهذيب ج 7 ص 386 ح 25 و ص 385 ح 24، الوسائل ج 14 ص 204 ح 14 و 15.
(4) قال الشيخ في التهذيب: قوله عليه السلام " لا يكون ذا " محمول على أنه لا يكون
في البكر خاصة، دون أن يكون متناولا للثيب، ولا يمتنع أن يسئل عن شيئين فيجيب
عن أحدهما ويعدل عن الجواب عن الآخر لضرب من المصلحة، ولو كان راجعا إلى الثيب
لجاز أن يحمل على ضرب من الاستحباب أو التقية. انتهى، وهو جيد. (منه - قدس سره -)
217

وجه الاستدلال أن يقال: أن الثيب قد ثبت بالدليل استقلالها فيجب
اخراجها من الخبر، ويبقى البكر حتى يقوم الدليل على استثنائها، والمتحقق
مما قدمنا من الأدلة إنما هو بقاؤها.
ومنها ما رواه في كتاب البحار عن كتاب الحسين بن سعيد عن ابن أبي
يعفور (1) في الصحيح " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يتزوج الرجل الجارية متعة؟
فقال، نعم، إلا أن يكون لها أب، والجارية يستأمرها كل أحد إلا أبوها ".
ومما يؤيد ذلك جملة من الأخبار الواردة في اختلاف الأب والجد
وتقديم الجد.
ومنها صحيحة محمد بن مسلم (2) " عن أحدهما عليهما السلام إذا زوج الرجل بنت ابنه
فهو جائز على ابنه، ولابنه أيضا أن يزوجها ".
وموثقة عبيد بن زرارة (3) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجارية يريد أبوها
أن يزوجها من رجل، ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر قال: الجد أولى
بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله، ويجوز عليها تزويج
الأب والجد ".
وموثقة الفضل بن عبد الملك (4) " قال: إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان
أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز، قلنا: فإن هوى أبو الجارية هوى، وهوى

(1) المستدرك ج 2 ص 589 ب 10 ح 3، البحار ج 103 ص 330 ح 5.
(2) التهذيب ج 7 ص 390 ح 37 و 36، الوسائل ج 14 ص 217 ح 1 و ص 218 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 390 ح 37 و 36، الوسائل ج 14 ص 217 ح 1 و ص 218 ح 2.
(4) التهذيب ج 7 ص 391، ح 40، الوسائل ج 14 ص 218 ح 4.
218

الجد (1) وهما سواء في العدل والرضا؟ قال: أحب إلي أن ترضى بقول الجد ".
والتقريب فيها أن ما دلت عليه، وإن كان أعم من المدعى إلا أنه يخرج
بدليل ويبقى الباقي.
وأوضح من ذلك دلالة رواية الفضل بن عبد الملك (2) عن الصادق عليه السلام في حديث
" قال: إذا زوج الرجل ابنه فذلك إلى ابنه فإذا زوج الابنة جاز ". والمقابلة
قرينة واضحة ظاهرة في إرادة البلوغ في الموضعين، وبتقدير العدم فالاطلاق كاف،
وإن خرج ما خرج بدليل فيبقي حجة في الباقي، هذا ما وقفت عليه مما يصلح
للدلالة على القول المذكور.
ومنها ما هو نص لا يقبل التأويل كما عرفت،
ومنها ما هو ظاهر الدلالة، واضحة المقالة، والجميع ظاهر في شمول التزويج
دواما ومتعة، وأصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) لم ينقلوا في مقام الاستدلال
لهذا القول إلا القليل من الروايات الأخيرة.
وأما الروايات الأولة الصريحة في المدعى فلم يتعرضوا لها ولم ينقلوا شيئا
منها، والعلامة في المختلف لم ينقل إلا صحيحة ابن أبي يعفور، ورواية إبراهيم
بن ميمون، وصحيحة محمد بن مسلم، وحملها على كراهة تفردها بالعقد، وأولوية
استئذان الأب جمعا بين الأدلة، وفيه ما سيظهر لك إن شاء الله.
الثاني: القول باستقلالها كما هو المشهور بين المتأخرين، واستدل عليه
بجملة من الأخبار:
(أحدها) ما رواه في الكافي والفقيه عن الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وزرارة

(1) هكذا في النسخ هنا ولكنه قد نقل الرواية سابقا هكذا فإن هوى أب الجارية
هوى وهوى الجد هوى إلى آخر الرواية وسقط كلمة " هوى " لتوهم التكرار أو أسقط من
النساخ بعض الألفاظ مما هنا. والله العالم. (منه - رحمه الله -).
(2) التهذيب ج 7 ص 389 ح 35، الوسائل ج 14 ص 207 ح 1.
219

وبريد بن معاوية (1) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: المرأة التي ملكت نفسها غير السفيهة
ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز ".
واعترض على الاستدلال بهذه الرواية السيد السند في شرح النافع، وقبله
جده (عطر الله مرقديهما) في المسالك بأن الحكم فيها بسقوط الولاية وقع منوطا
بأن ملكت نفسها، فإدخال البكر فيها عين المتنازع، وكذا قوله غير المولى عليها،
فإن الخصم يدعي كون البكر مولى عليها، فكيف يستدل به على زوال الولاية.
ثم إنه في المسالك أجاب عن ذلك، فقال: ويمكن التخلص من دعوى كون
البكر مولى عليها وأن الاستدلال بها عين النزاع، بأن يقال: إن البكر الرشيدة
الحرة لما كانت غير مولى عليها في المال صدوق سلب الولاية عليها في الجملة، فيصدق
أن البكر الرشيدة الحرة مالكة نفسها غير سفيهة ولا مولى عليها فتدخل في الحكم،
وهو جواز تزويجها... إلى آخره، وهو حسن أيضا. إنتهى.
واعترضه سبطه السيد السند في شرح النافع فقال: إنه ضعيف، لأن الولاية
في المال أخص من مطلق الولاية، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، ثم قال ونعم
ما قال: والذي يظهر لي أن المراد بالمالكة نفسها غير المولى عليها البكر التي لا أب
لها، والثيب كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية أبي مريم (3) " الجارية البكر التي لها
أب لا تتزوج إلا بأن أبيها، وقال: إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت "
وفي صحيحة الحلبي (3) " في الثيب تخطب إلى نفسها؟ قال: هي أملك بنفسها " وعلى
هذا فلا دلالة في الرواية على المطلوب. إنتهى.

(1) الكافي ج 5 ص 391 ح 1، التهذيب ج 7 ص 277 ح 1، الفقيه ج 3
ص 251 ح 8، الوسائل ج 14 ص 201 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 391 ح 2، الوسائل ج 14 ص 202 ح 7.
(3) الكافي ج 5 ص 392 ح 5، التهذيب ج 7 ص 377 ح 3، الوسائل ج 14
ص 202 ح 4.
220

أقول: وكيف كان فلا أقل أن يكون ما ذكرناه في معنى الرواية مساويا
لما ذكروه من الاحتمال، وبه يبطل الاعتماد عليها في الاستدلال.
و (ثانيها) ما رواه الشيخ عن منصور بن حازم (1) في الصحيح " قال: تستأمر
البكر وغيرها، ولا تنكح إلا بأمرها " وأورد على الاستدلال بهذه الرواية كما ذكره
السيد السند وقبله جده (عطر الله مرقديهما) بأن أقصى ما تدل عليه عدم استقلال
الأب بالولاية، لا جواز انفرادها واستقلالها كما هو المدعى، وحينئذ فلا تنفي
التشريك الذي هو أحد الأقوال في المسألة.
واحتمل بعض المحققين حملها على بكر ليس لها أب جمعا بينهما وبينما تقدم
من الأخبار الصحيحة الصريحة في استقلاله كما عرفت، وهو جيد.
ويمكن الجمع أيضا بما ذكره الشيخ في التهذيب من الحمل على الاستحباب
فإنه قال بعد نقل الخبر المذكور: فهذا الخبر محمول على الأفضل فيما يختص
الأب من أمر البكر، وما يختص غيره محمول على ظاهره من الوجوب وأنه لا يجوز
العقد عليها إلا بأمرها. إنتهى.
وهذا الحمل أيضا لا بأس به في مقام معارضته ما ترجح عليه سندا وعددا
ودلالة (2).
و (ثالثها) ما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام " قال:
إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت

(1) التهذيب ج 7 ص 380 ح 11، الوسائل ج 14 ص 203 ح 10.
(2) قال في المسالك بعد البحث في الرواية وذكر ما يرد عليها وما أجاب به وطول
الكلام فيه: وقد ظهر من جميع ما حققناه أن دلالة الرواية قريبة الأمر، إلا أنها مشتملة على
شبهات كثيرة لا يقاوم ما سيأتي مما يدل صريحا على ثبوت الولاية من النصوص الصحيحة.
انتهى وفيه إشارة إلى صحة القول الذي اخترناه وترجيحه له. (منه - قدس سره -).
(3) التهذيب ج 7 ص 378 ح 6، الوسائل ج 14 ص 215 ح 6.
221

فإن أمرها جائز، تزوج إن شاءت بغير إذن وليها، وإن لم يكن كذلك فلا يجوز
تزويجها إلا بأمر وليها ".
وهذه الرواية ظاهرة في أن المالكة أمرها هي المرفوع عنها حجر التصرف
المالي بناء على أن جملة " تبيع وتشتري... إلى آخره " وقعت تفسيرا لقوله " مالكة
أمرها " وحينئذ فيكون رفع الولاية عنها في النكاح يدور وجودا وعدما مدار رفع
الولاية عنها في المال، وبذلك يتم الاستدلال بها هنا، إلا أن بعض المحققين من
متأخري المتأخرين احتمل أن تكون جملة " تبيع وتشري... إلى آخره " خبرا
ثانيا لكان، لا تفسيرا كما قيل، فعلى هذا لا يكفي ارتفاع الحجر المالي بل لا بد من
مالكية الأمر الذي هو عبارة عما قدمناه من كونها ثيبا أو غير ذات أب، وهو ينتظم
مع ما تقدم في أخبار القول الأول من أن البكر البالغة الرشيدة ليس لها مع أبيها
أمر، فكيف تكون مالكة أمرها، وهو جمع حسن بين الأخبار، وإن كان الأول
أنسب بالسياق.
وعلى تقدير تسليم أن المالكية عبارة عن ارتفاع الحجر المالي كما هو
مطلوب المستدل (1)، فإنه يمكن أن يقال: إن موضوع هذا الخبر أعم من موضوع
تلك الأخبار الصحيحة المتقدمة لأن موضوعه حينئذ المرأة المرتفع عنها الحجر
المالي، وموضوع تلك الأخبار الصحيحة البكر التي بين أبويها.
ومقتضى القاعدة تخصيص العموم المذكور بتلك الأخبار، وحينئذ فيخص
عموم هذه الرواية بما عدا البكر التي بين أبويها كالثيب والبكر التي لا أب لها،
وهذا بحمد الله واضح لا سترة عليه.

(1) توضيحه: أن المرأة التي ارتفع عنها الحجر المالي شاملة للبكر البالغ الرشيدة
التي بين أبويها والثيب والبكر البالغ التي لا أب لها. وقد صرح الخبر بأن أمرها بيدها،
وتلك الأخبار الصحاح صرحت بأن البكر البالغة الرشيدة إذا كانت بين أبويها فلا أمر لها
ولا اختيار فيجب تخصيص هذا العموم بما عداها من الفردين الآخرين (منه - قدس سره -).
222

وبالجملة فإنه لما صرحت تلك الأخبار المتقدمة باستقلال الأب على وجه
لا يمكن دفعه وتأويله مع كثرتها وصحتها فالواجب تطبيق هذا الخبر عليها
لضعفه عن المعارضة سندا وعددا ودلالة.
و (رابعها) ما رواه في الكافي عن أبي مريم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: الجارية
البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها، وقال: إذا كانت مالكة أمرها تزوجت
من شاءت " وجه الاستدلال بها أن تحمل البكر في صدر الرواية على الصغيرة أو غير
الرشيدة، والمالكة أمرها في عجز الرواية على البكر البالغة الرشيدة.
وفيه أن الأول تخصيص لعموم اللفظ من غير دليل، بل الدليل كما عرفت
على خلافه واضح السبيل، والثاني مصادرة على المطلوب، فالأظهر في معنى الرواية
إنما هو إبقاء صدرها على عمومه، وحمل " المالكة أمرها " على الثيب أو البكر التي
لا أب لها بقرينة المقابلة بالبكر التي لها أب لما عرفت من النصوص على أنها
لا تزوج إلا بإذن أبيها فهي بالدلالة على ما تدعيه من استقلال الأب أنسب، وإلى
ما ذكرناه أقرب.
وكيف كان فإنه لا يتم الاستدلال بها مع هذا الاجمال، وقيام ما ذكرناه
من الاحتمال الذي إن لم يكن هو الأظهر فلا أقل أن يكون مساويا، وبه يبطل
الاستدلال.
و (خامسها) ما رواه الشيخ عن سعدان بن مسلم (2) " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها ".
أقول: وهذه الرواية وإن كانت صريحة فيما يدعونه، وليس في أخبار هذا
القول سواها، إلا أنها لضعف السند وقوة المعارض لها في الباب لا تبلغ قوة المعارضة
فلا يترك لأجلها تلك الأخبار المتكاثرة الصحيحة.

(1) الكافي ج 5 ص 391 ح 2، الوسائل ج 14 ص 202 ح 7.
(2) التهذيب ج 7 ص 380 ح 14، الوسائل 14 ص 214 ح 4.
223

على أن من قاعدة أصحاب هذا الاصطلاح من المتأخرين أنهم لا يجمعون
بين الأخبار إلا مع التعارض، ومتى ضعف أحد الطرفين عن المعارضة أطرحوه أو
حملوه على ما ينتظم به مع ذلك الطرف الراجح.
وحينئذ فالواجب بمقتضى هذه القاعدة، إما طرح هذه الرواية أو تأويلها
بما يرجع به إلى تلك الأخبار.
والشيخ (رحمه الله) حملها تارة: على المتعة كما سيأتي إن شاء الله تعالى من
الأخبار الدلالة على الرخصة بذلك بالشرائط المقررة، وتارة: على ما إذا عضلها
الأب، ولم يزوجها من كفو، وثالثا: على التقية ولعله الأقرب.
لا يقال: إن مذهب جمهور العامة استمرار الولاية على البالغة الرشيدة،
وحينئذ فيمكن حمل أخبار القول باستقلال الأب على التقية فإن ذلك مذهب
الشافعي ومالك وأحمد كما قدمنا ذكره وعلى هذا تبقى أخبار القول الثاني سالمة
من المعارض.
لأنا نقول فيه أولا: أن مذهب الشافعي وأحمد عدم الفرق في استمرار
الولاية بين البكر والثيب، ومذهب أبي حنيفة أنه بالبلوغ تستقل بالولاية بكرا
كانت أو ثيبا، فالأول قائل باستمرار الولاية إلى ما بعد البلوغ مطلقا، والثاني
ناف للاستمرار مطلقا.
وأنت قد عرفت من جملة الأخبار التي قدمناها في أدلة القول الأول،
التفرقة بين البكر والثيب كصحيحة عبد الله بن الصلت (1) وصحيحة الحلبي (2) وموثقة
الفضل بن عبد الملك (3)، ورواية إبراهيم بن ميمون (4)، ورواية عبيد بن زرارة (5)

(1) الكافي ج 5 ص 394 ح 6 و 4 و 5.
(2) الكافي ج 5 ص 394 ح 6 و 4 و 5.
(3) الكافي ج 5 ص 394 ح 6 و 4 و 5.
(4) التهذيب ج 7 ص 380 ح 12 و ص 385 ح 23.
(5) التهذيب ج 7 ص 380 ح 12 و ص 385 ح 23.
وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 207 ح 3 و ص 215 ح 7 و ص 214
ح 3 و ص 202 ح 6 و ص 204 ح 13.
224

وحينئذ فهذه الروايات لا يمكن حملها على مذهب القائل منهم بالاستقلال مطلقا
ولا الاستمرار مطلقا.
وأما احتمال التقية باعتبار أنه مذهب المالك، وإن احتمل إلا أن العمل
بما خالف الثلاثة وإن وافق واحدا منهم أقرب إلى جادة الرشاد وأدخل في قالب
السداد، كما دلت عليه مقبولة عمر بن حنظلة من قوله " ينظر إلى ما هم إليه أميل
حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر ".
وثانيا: أنه من القواعد المقررة عندهم أنه إنما يصار إلى الترجيح عند
حصول المعارضة على وجه لا يمكن تطبيق الأخبار بعضها على بعض بوجه من الوجوه.
وأنت قد عرفت - بما ذيلنا به أكثر أخبار القول الثاني - أنه لا منافاة
بينها وبين أخبار القول الأول وأنه لا صراحة بل ولا ظاهرية في شئ منها في
المعارضة سوى رواية سعدان التي قد عرفت القول فيها، وأنها لا تبلغ قوة ولا تنهض
حجة بمعارضة تلك الأخبار وحملها على التقية كما ذكره الشيخ أقرب فإن
أبا حنيفة قائل بارتفاع الولاية بالبلوغ في جميع التصرفات حتى النكاح.
ولا يخفى على المتتبع للسير أن مذهب أبي حنيفة في وقته كان في غاية
القوة بخلاف باقي المذاهب الأربعة، وهو جار في كل ما أوهم استقلال البكر
أو توقف التزويج على رضاها.
وثالثا: أن الترجيح بالتقية وإن ورد في الأخبار، إلا أنه بهذا المعنى (1)
المشهور بين أصحابنا في مثل هذه الأعصار لا يخلو من الاشكال، وذلك فإن مذهب
العامة في الصدر الأول كانت على وجه يعسر ضبطها وتتعذر الإحاطة بها لما ذكره
علماء الفريقين من أن مدار مذاهبهم في الأعصار السابقة على من نصبه خلفاء الجور

(1) إشارة إلى أنه بالمعنى الآخر الذي قدمنا ذكره في مقدمات الكتاب في صدر
جلد كتاب الطهارة، وهو أنهم (عليهم السلام) يوقعون المخالفة بين الشيعة تقية وإن لم يكن
ذلك مذهب أحد من العامة لا اشكال فيه (منه - رحمه الله -)
225

للقضاوة فترجع إليه الفتوى في جميع أقطار البلدان ولهذا قيل: إن المعتمد في
زمن هارون الرشيد على فتاوي أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة، قالوا قد استقضاه
الرشيد واعتنى به حتى لم يقلد في بلاد العراق والشام ومصر إلا من أشار إليه
أبو يوسف.
وفي زمن المأمون على يحيى بن أكثم القاضي، وفي زمن المعتصم على أحمد بن
داود القاضي، وهكذا، وهذه الأربعة المشهورة الآن ليست في الزمن السابق إلا
كغيرهم من المجتهدين الذين ليس لهم مزيد ذكر، ولا مذهب منتشر، والاجتماع
على هؤلاء الأربعة إنما وقع في حدود سنة خمس وستين وستمائة باصطلاح
خليفة ذلك الوقت واستمرت إلى الآن، وحينئذ فكيف يمكن الترجيح بالتقية
والحال هذه.
الثالث: القول بالتشريك، والظاهر أن وجهه عند القائل به هو الجمع بين
الأخبار، وهي في رده وعدم قبوله كالشمس في دائرة النهار، وهو أضعف الأقوال في
المسألة لعدم الدليل الواضح عليه، مع أن أخبار القولين المتقدمين صريحة في
رده لتصريح الأولى منهما باستقلال الأب النافي للشركة واستقلال البكر، وتصريح
الثانية بحسب ظاهرها باستقلال البكر الموجب لعدم الشركة الأب واستقلاله، نعم
فيه احتياط بالخروج عن مخالفة أخبار كل من الطرفين، ولعله لهذا توهم
القائل به أن فيه جمعا بين الأخبار، وهو غلط محض، فإن أحدهما غير الآخر.
وربما توهم الاستدلال عليه ببعض الأخبار مثل موثقة صفوان (1) " قال:
استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته لابن أخيه؟ فقال: إفعل
ويكون ذلك برضاها، فإن لها في نفسها نصيبا، قال: واستشار خالد بن داود
موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته علي بن جعفر عليه السلام؟ فقال: إفعل ويكون ذلك.

(1) التهذيب ج 7 ص 379 ح 10، الوسائل ج 14 ص 214 ح 2.
226

برضاها فإن لها في نفسها حظا ".
وفيه أن الخبر مطلق في كون الابنة بكرا أو ثيبا، والأخبار المتقدمة
صريحة في حكم البكر ومختصة بها وأنها ليس لها مع الأب أمر، كما في أخبار
القول الأول، وأنها تتزوج بغير إذن أبيها كما في أخبار القول الثاني.
ومقتضى القاعدة تقديم العمل بالخاص وتقييد العام به، وحينئذ فيجب حمل
عموم هذا الخبر أو اطلاقه على تلك الأخبار جمعا فيحمل على الثيب حينئذ المأمور
باستئذانها، وأنها لا تتزوج إلا برضاها.
ومثل صحيحة منصور بن حازم (1) المتقدمة في أدلة القول الثاني، فإن البكر
المأمور باستيمارها أعم من التي لها أب أو لا أب لها.
وأخبار القول الأول صريحة في أن التي لها أب ليس لها مع أبيها أمر، فلا
تستأمر حينئذ.
وطريق الجمع حمل إطلاق الخبر المذكور على ما صرحت به تلك الأخبار
فيخص بالبكر التي لا أب لها، وعليه حمل الخبر المذكور كما تقدم، ووجهه
ما ذكرناه.
والمراد بالاستيمار يعني استيمار من عدا الأب، لأن الأب غير مذكور في
الخبر بنفي ولا إثبات وإنما هو مطلق فيحمل على غير الأب.
ومثل صحيحة ابن أبي يعقور (2) المتقدمة في أدلة القول الأول، وغاية الأمر
فيها أنها لا تدل على نفيه، لا أنها تدل عليه، ومرجع ذلك إلى احتمال التشريك
وهذا احتمال ضعيف لا يقاوم ما دل صريحا من الروايات على نفيه واستقلال الأب
بذلك.

(1) التهذيب ج 7 ص 380 ح 11 و ص 379 ح 7، الوسائل ج 14 ص 214 ح 1 و ص 208 ح 5.
(2) التهذيب ج 7 ص 380 ح 11 و ص 379 ح 7، الوسائل ج 14 ص 214 ح 1 و ص 208 ح 5.
227

الرابع: القول باستمرار الولاية عليها في الدائم دون المنقطع، والظاهر
أن وجهه الجمع بين أخبار القول الأول الدالة على استمرار الولاية عليها مطلقا
وبين ما دل من الأخبار على استقلالها في المنقطع كرواية أبي سعيد القماط عمن
رواه (1) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرا
من أبويها، أفأفعل ذلك؟ قال: نعم، واتق موضع الفرج، قال: قلت: وإن
رضيت بذلك؟ قال: وإن رضيت بذلك، فإنه عار على الأبكار ".
ورواية الحلبي (2) " قال: سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها
بلا إذن من أبويها قال: لا بأس ما لم يقتض ما هناك لتعف بذلك ".
ورواية أبي سعيد (3) " قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن التمتع من الأبكار
اللواتي بين الأبوين، فقال: لا بأس، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب ".
وربما دل هذا الخبر على أن المنع من ذلك كان مذهب العامة يومئذ،
وبهذه الأخبار يخصص عموم تلك الأخبار المتقدمة فيخص القول باستمرار الولاية
بالعقد الدائم كما ذهب إليه القائل المذكور، إلا أن ذلك لا يخلو من نوع إشكال
لأن هذه الأخبار لضعفها لا تقوم بمعارضة تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة فيما دلت
عليه من العموم.
سيما مع معارضتها بصحيحة أبي مريم (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: العذراء
التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها ".
وصحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام " قال: البكر لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها "
وهذه الرواية رواها في كتاب قرب الأسناد (5) عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عنه عليه السلام.

(1) التهذيب ج 7 ص 254 ح 21 و 23 و 22 و 24، الوسائل ج 14 ص 458 ح 7 و ص 459 ح 9 و ص 458 ح 6 و ص 459 ح 12.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) قرب الإسناد ص 159، الوسائل ج 14 ص 458 ح 5.
228

وفي هذين الصحيحتين أيضا رد للقول الثاني بالنسبة إلى المتعة، ويمكن أن
يقال في دفع ما ذكر من الاشكال بأن الطعن بضعف هذه الأخبار إنما يتجه عند
أصحاب هذا الاصطلاح المحدث، وأنتم لا تعملون عليه، والأخبار كلها صحيحة
عندكم والروايتان المذكورتان وإن كانتا صحيحتين إلا أن المفهوم من رواية أبي
سعيد المذكورة أن القول بالتحريم بدون إذن الأب مذهب العامة، ولهذا أن
الشيخ حمل صحيحة أبي مريم على الكراهة، وجوز الحمل على التقية لما عرفت.
وحينئذ فيمكن أن يقال في الجمع بين هذه الأخبار تحاشيا عن إطراح شئ
منها من البين، وإعمالا بقدر المقدور للدليلين كما هو ظاهر طريقة الشيخ (رحمه الله)
في الكتابين بإبقاء هذا القول المذكور على ما ذكره قائله، وتخصيص تلك الأخبار
المتقدمة بهذه الأخبار الثلاثة المذكورة، وحمل الصحيحتين المذكورتين على
التقية، ولعله الأقرب، أو على استحباب استئذان الأب، وكراهة ذلك بدونه
دفعا للعيب والعار على أهلها، فمع رضا الأب لا بأس.
ويؤيده هذا التفصيل ما صرح به في صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله
عليه السلام " في الرجل يتزوج البكر متعة، قال: يكره للعيب على أهلها ".
ويؤيد الحمل على التقية رواية مهلب الدلال (1) " أنه كتب إلى أبي الحسن
عليه السلام: امرأة كانت معي في الدار ثم إنها زوجتني نفسها سرا، وأشدت الله وملائكته
على ذلك، ثم إن أباها زوجها من رجل آخر فما تقول؟ فكتب عليه السلام التزويج
الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين، ولا يكون تزويج متعة ببكر، استر على
نفسك، واكتم رحمك الله ".
وحاصل جوابه عليه السلام، أنه إن كان تزويجك هذا دواما فإن الدائم لا يكون
إلا بولي وشاهدين، وإن كان متعة فإن البكر لا يجوز تزويجها متعة، فالنكاح
باطل على التقديرين، وهو ظاهر في أن هذه الفتوى إنما خرجت مخرج التقية

(1) التهذيب ج 7 ص 255 ح 26، الوسائل ج 14 ص 459 ح 11.
229

في كلا الموضعين، فيجب حمل ما دل عليه الصحيحان المذكوران على التقية أيضا،
وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال، والاحتياط لا يخفى على كل حال
الخامس: القول بثبوت الولاية لها في الدائم دون المنقطع، وهو القول
المجهول القائل.
والظاهر أن الوجه في ثبوت الولاية لها في الدائم هو أخبار القول الثاني
بحملها على الدائم دون المنقطع، وسلب الولاية عنها في المنقطع وهو صحيحتا
أبي مريم (1) والبزنطي (2) المتقدمتان وهو قول ضعيف مرغوب عنه لما عرفت في
أخبار القول الثاني من عدم الدلالة، ورجوع أكثرها إلى أخبار القول الأول،
ومع الاغماض عن ذلك وتسليم العمل بها فتخصيصها بالدائم بعد ما عرفت من
الكلام في الصحيحتين المذكورتين، ومعارضتهما بعموم الروايات المتقدمة في أدلة
القول الأول، وخصوص هذه الروايات الثلاثة المذكورة هنا وما حملا عليه لذلك
محل إشكال.
وكيف كان فالاحتياط في أصل المسألة المذكورة بالرضا من الطرفين والإجازة
من الجانبين مما لا ينبغي إهماله، لما تكاثر في الأخبار من تشديد الأمر في الاحتياط
في الفروج، وأن منها يكون التناسل إلى يوم القيامة، والله العالم بحقائق أحكامه
ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه، صلوات الله عليهم أجمعين.
تنبيهات
الأول: المفهوم من كلام أكثر الأصحاب فرض هذه المسألة في الأب والجد
مع البكر، والخلاف في أنهما متى كانا متصفين بشرائط الولاية، فهل الولاية

(1) التهذيب ج 7 ص 254 ح 24، الوسائل ج 14 ص 459 ح 12.
(2) قرب الإسناد ص 159، الوسائل ج 14 ص 458 ح 5.
230

لهما أولها؟ والأخبار التي وردت في هذا المقام أكثرها كما قدمنا ذكره إنما
اشتملت على الأب خاصة، وأن موضوع المسألة إنما هو الخلاف بينها وبينه
دون الجد، ولهذا ذهب بعضهم كما هو القول السادس في المسألة إلى الجمع بين
أخبار المسألة (1) بتخصيص الحكم بالأب وقوفا على مورد هذه الأخبار، وحمل
أخبار ولايتها على ما عدا الأب، فعلى هذا يكون أولى من الجد.
والمحقق في الشرايع فرض المسألة كما هو المشهور في الأب والجد، وفي النافع
خصها بالأب، لأنه في هذا الكتاب كثيرا ما يدور مدار الأخبار وهو ظاهر السيد
السند السيد محمد (قدس سره) في شرح الكتاب (2) أيضا، وبعض متأخري المتأخرين
تكلف لادخال الجد في هذا المقام بحمل قولهم عليهم السلام في تلك الأخبار " بين أبويها "
على أن المراد الأب والجد، فإن الجد أب شرعا.
أقول: قوله - يمكن أيضا حمل الأب في هذه الأخبار على ما هو أعم من الأب
والجد لأنه قد ثبت بالآيات والروايات كون الجد أبا - لا يخلو من بعد إلا أنه
في مقام الجمع والتأويل ليس ببعيد لأنه قد ثبت بالأخبار الواردة في اختلاف الأب
والجد أن ولاية الجد أقوى، وهي كما تدل على كون الجد وليا كالأب، تدل

(1) وملخص ذلك أن الأخبار إنما تعارضت في الأب خاصة بمعنى أنه هل الولاية له
أولها؟ وذلك لأن أخبار أولويتها دلت على أنها هي الأولى، وأخبار أولويته دلت على أنه
هو الأولى، فينبغي أن يقيد أخبار أولويتها بما عدا الأب، بمعنى أنها هي الأولى من كل
أحد إلا الأب، وفيه أن ما كان صريحا في ثبوت ولايتها مثل رواية سعدان الدالة على نفي
البأس عن تزويجها بغير إذن أبيها لا يقبل هذا الحمل، وما لم يكن صريحا كما عرفت فإنه
يمكن حمله على الأخبار الدالة على القول الأول كما أوضحناه في الكتاب، وبالجملة فهو
قول ضعيف مرغوب عنه، والله العالم. (منه - رحمه الله -).
(2) حيث قال: أجمع الأصحاب على جواز انفراد البالغ الرشيدة بالعقد إذا لم
يكن لها أب أو كان ولم يكن بشرائط الولاية، وإنما الخلاف مع وجود الأب الجامع لشرائط
الولاية، وهو ظاهر كما ترى في جعله محل الخلاف في المسألة إنما هو الأب مع البكر دون
الجد. (منه - قدس سره -)
231

على كونه أرجح منه ومقدما عليه، وحينئذ فإذا انتفت ولايتها مع الأضعف
بناء على القول المختار في المسألة فانتفاؤها مع الأقوى بطريق أولى.
على أنه من المحتمل قريبا أن هذه الروايات المصرحة بالأب أو الأبوين
إنما خرجت مخرج التمثيل لا الحصر.
ويؤيده ما تقدم في مسألة تزويج الصبي والصبية، وأنه لا خيار لهما بعد
البلوغ فإن مورد أخبارها (1) على كثرتها إنما هو الأب أو الأبوين ولم يذكر
الجد في شئ منها مع أنه لا قائل هنا بالانحصار في الأب.
الثاني: الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أنه لو عضلها الولي سقط
اعتبار رضاه، وجاز لها الاستقلال بالعقد على نفسها، بل نقل الاجماع على ذلك
جملة من الأصحاب، والعضل في اللغة: المنع، والمراد هنا منعها من التزويج بالكفؤ
إذا طلبت (2) ذلك، وفي معنى العضل الغيبة المنقطعة التي يحصل معها المشقة الشديدة
من اعتبار استيذان الولي على ما ذكره الشيخ في الخلاف، ولا بأس به
ويدل عليه خبر (3) " لا ضرر ولا ضرار " ورفع الحرج، وسعة الشريعة

(1) ونحو ذلك أيضا الأخبار الواردة في من بيده عقدة النكاح وأنه له العفو عن شئ
من المهر، فإنها إنما اشتملت على الأب خاصة مع الوصي والأخ والوكيل ولم يذكر في
شئ منها الجد بالكلية مع أنه لا خلاف في كونه وليا له العفو أيضا كالأب بل هو أولى
من هؤلاء المذكور سيما ما عدا الأب، وليس كذلك إلا لما ذكرناه في الأصل، إما من
حيث اطلاق الأب على الجد أو من حيث إن الغرض من العد مجرد التمثيل دون الحصر في
من ذكر. (منه - قدس سره -).
(2) ثم إنه قد صرح غير واحد منهم بأنه لا فرق بين تحقق العضل إذا منع الولي ترويجها
من الكفر بين أن يكون النكاح بمهر المثل أم لا: لأن المهر حقها فلا اعتراض للأب عليها،
ونحوه فيه، ولهذا أنه لو أسقطته بعد ثبوته سقط كله فبعضه أولى وحينئذ فليس له أن يعضلها
لتحصيل مهر المثل مع رضاها بدونه. (منه - قدس سره -).
(3) الكافي ج 5 ص 292 ح 2، الوسائل ج 17 ص 341 ح 3.
232

المسحة السهلة، والظاهر أن ذلك أيضا هو المستند في العضل، فإني لم أقف على
خبر فيه بخصوصه، والأشهر عند العامة أن المتولي لتزويجها حينئذ هو الحاكم
لأن عبارتها عندهم مسلوبة في النكاح مطلقا ومنهم من جوز لها أن تتولى العقد،
واضطرب كلام العلامة هنا في التذكرة ففي بعض المواضع جوز لها الاستقلال،
ونقله عن جميع علمائنا مصرحا بعدم اشتراط مراجعة الحاكم، وفي آخر اشترط
إذنه وإثبات العضل عنده، وإلا لم يكن لها التزويج وهو قول العامة.
ولو منعها الولي من غير الكفؤ لم يكن ذلك عضلا، قال في المسالك: ولو
فرض إرادتها زوجا وإرادة الولي غيره قدمت إرادتها عند القائل بأولويتها مطلقا
إذا كان كفوا، وعند من اعتبر ولاية الأب ولو على بعض الوجوه ففي تقديم مختاره
نظرا إلى أن رأيه في الأغلب أكمل، ولأنه الولي على تقديره، أو مختارها
لأنه أقرب لعفتها؟ وجهان: أجودهما الثاني. إنتهى.
أقول: لا أعرف لهذه الأجودية ولا لهذه التعليلات الاعتبارية وجها بعد
دلالة النصوص على استقلال الأب، وأنه ليس لها مع أبيها أمر، وتخصيصها بخروج
هذا الفرد منها يحتاج إلى مخصص، وليس فليس.
وكأنهم جعلوا مورد تلك الروايات ومحل الخلاف في المسألة إنما هو
بالنسبة إلى التزويج وعدمه بأن يريد الأب تزويجها وهي غير مريدة للتزويج، أو
بالعكس دون ما إذا أراد أبوها رجلا، وأرادت هي آخر.
وفيه أن إطلاق الروايات المذكورة شامل للأمرين كما لا يخفى على من
تأملها، وأن قولهم عليهم السلام في جملة من تلك الروايات " لا يستأمر البكر إذا كانت بين
أبويها " أعم من أن يكون في أصل التزويج بشخصه لا بعينه وإن أرادت هي غيره،
وكذا قولهم " ليس لها مع الأب أمر " شامل لكل من الفردين المذكورين،
لا سيما مع قوله عليه السلام في بعضها " ما لم تثب " الدال على حصر المخالفة لأمر أبيها
233

في صورة الثيوبة خاصة، فلو كان فردا آخر كما يقولونه لاستثني أيضا في الخبر،
وكذا قوله عليه السلام " إذا أنكحها جاز نكاحه ولو كانت كارهة " ونحو ذلك من الألفاظ
التي اشتملت عليها تلك الأخبار، فإنها ظاهرة في العموم وتخصيصها يحتاج إلى دليل.
الثالث: اتفق الأصحاب على أنه لا ولاية للأب والجد على الذكر البالغ
الرشيد، والمشهور أنه لا ولاية على الثيب البالغة الرشيدة، خلافا لابن أبي عقيل
حيث أثبت ولاية الأب عليها.
والذي يدل على الأول - وإن كان اتفاقيا - جملة من الأخبار.
منها ما رواه الشيخ عن ابن أبي يعفور (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قلت:
إني أريد أن أتزوج امرأة وإن أبوي أرادا أن يزوجاني غيرها، قال: تزوج
التي هويت، ودع التي هوى أبواك ".
وعن زرارة (2) في الموثق عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قد تقدم قال فيه " أنه
أراد أن يتزوج امرأة قال: فكره ذلك أبي فمضيت فتزوجتها " الحديث.
وعن أبان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا زوج الرجل ابنه كان ذلك إلى
ابنه، وإذا زوج ابنته جاز ذلك " بحمل الابن علي البالغ لما تقدم من ثبوت الولاية
على الصغير.
وأما الذي يدل على الثاني فجملة وافرة من الأخبار نذكر بعضها روما
للاختصار.
منها ما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه

(1) الكافي ج 5 ص 401 ح 1، التهذيب ج 7 ص 392 ح 44 الوسائل ج 14
ص 220 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 466 ح 76 و ص 393 ح 52، الوسائل ج 14 ص 221 ح 2 و 3.
(3) التهذيب ج 7 ص 466 ح 76 و ص 393 ح 52، الوسائل ج 14 ص 221 ح 2 و 3.
(4) الكافي ج 5 ص 392 ح 5، الوسائل ج 14 ص 202 ح 4.
234

قال في المرأة الثيب تخطب إلى نفسها، قال: هي أملك بنفسها تولي أمرها من
شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله ".
ورواه في الفقيه عن عبد الحميد بن عواض عن عبد الخالق (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
مثله، وفي هذا الخبر ونحوه مما دل على اشتراط نكاح رجل قبله إشارة إلى
كون الثيوبة غير موجبة للاستقلال بالولاية إلا أن تكون عن نكاح كما تقدمت
الإشارة إليه.
وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام،
عن الثيب تخطب إلى نفسها؟ قال: نعم هي أملك بنفسها تولي أمرها من شاءت إذا
كانت قد تزوجت زوجا قبله " إلى غير ذلك من الأخبار التي تقدمت جملة منها في
المسألة، ولم أقف لما نقل عن أبي عقيل على دليل إلا أنه في المسالك نسبه إلى
الاستناد إلى رواية عامة عامية، قال: ورواياتنا خاصة خاصية، وهي مقدمة عند
التعارض. إنتهى.
أقول: لا يخفى أنه لا تعارض هنا بالكلية إذ هذه الرواية عندنا في حكم
العدم، وكأنهم (رضوان الله عليهم) يراعون في مثل هذه العبارات التقية حيث
إنهم في بلدان المخالفين، ومع هذا قد وقع عليه وعلى الشهيد الأول
(طيب الله مرقديهما) ما وقع من القتل.
الرابع: لا خلاف في ثبوت ولايتهما على المجنون من الأولاد ذكرا كان
أو أنثى بكرا كانت أو ثيبا، هذا مع استمرار الجنون من الصغر إلى ما بعد البلوغ،
أما لو طرء بعد البلوغ والرشد فالمشهور في كلامهم انقطاع ولايتهما لزوالها بالبلوغ
والرشد، فموردها يتوقف على دليل.

(1) الفقيه ج 3 ص 251 ح 6، الوسائل ج 14 ص 201 ح 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 384 ح 21، الوسائل ج 14 ص 204 ح 12.
235

وقيل بثبوتها أيضا عملا باطلاق النص بثبوت ولايتهما عليه، ولم أقف على
نص يدل على ما ذكروه، بل الظاهر من النصوص إنما هو القول الأول.
ومنها قوله عليه السلام في رواية هشام بن سالم (1) " وإن احتلم ولم يؤنس منه رشد
وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله ".
ونحوه ما رواه في الفقيه (2) عن الصادق عليه السلام " أنه سئل عن قول الله تعالى: (3)
فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، قال: إيناس الرشد حفظ المال ".
ونقل في كتاب مجمع البيان (4) عن الباقر عليه السلام تفسيره بالعقل وإصلاح المال،
والمفهوم من ذلك هو اتصال الجنون أو السفه بعد البلوغ بالصغر، فالولاية عليه
إنما ثبتت في هذه الصورة خاصة، وهذه الأخبار وإن كان موردها ولاية المال إلا
أنه لا فرق بين المال والنكاح في ذلك، ولا قائل بالفرق فيما أعلم.
وظاهر النصوص الاتحاد، مثل قول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد الله بن
سنان (5) " الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها " يعني المتولي لأمرها في المال
بيعا وشراء، ونحوها غيرها.
وقد تقدم شطر من الكلام في هذه المسألة في كتاب التجارة في المسألة الخامسة
من المقام الثاني من مقامات الفصل الأول في البيع وأركانه (6) ومتى ثبت عدم ولايتهما
في هذه الصورة، فالولاية للحاكم حينئذ، وحيث ثبت الولاية على المجنون
فلا خيار له بعد الإفاقة، ونقل عليه في المسالك الاجماع، والله العالم.

(1) الكافي ج 7 ص 68 ح 2، الفقيه ج 4 ص 163 ح 1، الوسائل ج 13
ص 430 ح 9.
(2) الفقيه ج 4 ص 164 ح 7، الوسائل ج 13 ص 143 ح 4.
(3) سورة النساء - آية 5.
(4) ج 2 ص 9 طبع صيدا.
(5) التهذيب ج 7 ص 398 ح 46، الوسائل ج 14 ص 212 ح 2.
(6) ج 18 ص 376.
236

المسألة الثالثة: لا خلاف بين الأصحاب (رضي الله عنهم) في أن من جملة
الأولياء المولى والحاكم، وأما الوصي فالأظهر أنه كذلك، فالكلام هنا يقع في
مقامات ثلاثة:
الأول: المولى، فإن له أن يزوج مملوكته صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة
أو مجنونة، ولا خيار لها معه، وكذا الحكم في العبد، ولا يجوز ذلك بغير إذنه:
ونقل على ذلك الاجماع غير واحد منهم.
والوجه في ذلك أن منافع المملوك مملوكة للمولى (1) " والناس مسلطون
على أموالهم " فله نقله إلى من شاء، ولا فرق في ذلك بين تولي المولى عن المملوك
الصيغة أو اجباره بها، ولا يقدح الاكراه هنا لأنه بحق.
ولو تحرر بعض العبد والأمة امتنع الاجبار لعدم ملكية البعض فلا يتسلط
عليه المولى.
الثاني: الحاكم، والمراد به أصالة الإمام العادل: ومع تعذره فالمأذون من
جهته عموما أو خصوصا، والفقيه الجامع للشرائط مع تعذرهما، ونائبه في حكمه،
وثبت ولايته على من تجدد جنونه أو سفهه بعد البلوغ من غير إشكال عندهم
ولا خلاف، وتنتفي عن الصغير مطلقا عند الأصحاب، وعللوه بأنه لا حاجة له إلى
النكاح بخلاف البالغ الفاسد العقل، والأصل عدم ثبوت ولايته فيه وتنظر في ذلك
في المسالك ولم يبين وجه النظر، وقال سبطه السيد السند في شرح النافع - بعد أن
نقل عبارة المصنف الدالة على أنه ليس للحاكم ولاية إلا على من بلغ فاسد
العقل ما لفظه -: وهذا التفصيل أعني اختصاص ولايته بمن بلغ فاسد العقل
هو المعروف من مذهب الأصحاب ولم نقف لهم في هذا التفصيل على مستند، والحق
أنه إن اعتبرت الاطلاقات والعمومات المتضمنة لثبوت ولاية الحاكم وجب القول
بثبوت ولايته في النكاح على الصغير والمجنون مطلقا كما في ولاية المال، وإلا

(1) البحار ج 2 ص 272 ح 7.
237

وجب نفيها كذلك، أما التفصيل فلا وجه له ولعلهم نظروا في ذلك إلى أن الصغير
لا حاجة له إلى النكاح بخلاف من بلغ فاسد العقل، وهو غير واضح، فإن حاجة
الكبير وإن كانت أوضح لكنها ليست منتفية في حق الصغير خصوصا الأنثى،
والمسألة محل إشكال، وللنظر فيها مجال. إنتهى.
أقول: مما يدل على عدم ولاية الحاكم في النكاح على الصغيرة ما تقدم
في الموضع الثالث من التنبيهات التي في المسألة الأولى من قوله عليه السلام في صحيحة
محمد بن مسلم (1) " في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال: إذا كان أبواهما اللذان
زوجاهما، فنعم ".
ونحوها صحيحة عبيد بن زرارة (2)، وصحيحة محمد بن مسلم الثانية (3) وفيها
" الصبي يتزوج الصبية؟ قال: إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما، فنعم جائز ".
فإنها دالة بمفهوم الشرط الذي هو حجة عند محققي الأصوليين وعندنا
للأخبار الدالة عليه كما تقدمت في مقدمات الكتاب، على أنه إذا لم يكن أبواهما
اللذان زوجاهما فلا توارث لبطلان النكاح وأنه غير جائز، كما دلت عليه صحيحة
محمد بن مسلم الثانية، وهي شاملة بعمومها للحاكم وغيره، وهو أظهر ظاهر في رد
ما ذكره.
وما ادعاه من الحاجة إلى النكاح في الصغير أيضا خصوصا الأنثى لا أعرف له
وجها، فإن هذه الحاجة إنما هي باعتبار كسر الشهوة الحيوانية، وهي في الصغيرة
والصغير معدومة.
وأما ما ذكره من أنه إن اعتبرت الاطلاقات والعمومات المتضمنة لثبوت
ولاية الحاكم... إلى آخره، فيه إني لم أقف بعد التتبع للأخبار على شئ

(1) التهذيب ج 7 ص 388 ح 32 و ج 9 ص 382 ح 1 و ج 7 ص 382 ح 19، الوسائل ج 14 ص 220 ب 12 و ج 15 ص 326 ح 2 و ج 14 ص 208 ح 8.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
238

من هذه العمومات والاطلاقات لا في النكاح، ولا في المال، وإن كان ذلك مشهورا
في كلامهم، ومسلما بينهم ومتداولا على رؤوس أقلامهم.
ونقل في المسالك خبرا عن النبي صلى الله عليه وآله (1) " أنه قال: السلطان ولي من
لا ولي له ".
وهذا الخبر لم نقف عليه في أخبارنا، والظاهر أنه عامي، ومع تسليمه فالحكم
مختص بالإمام، إذ المتبادر من السلطان هو إمام الأصل كما لا يخفى، وليس هنا
مما ربما يتوهم منه ذلك، إلا الروايات الدالة على الترافع إلى الحاكم الشرعي،
كمقبولة عمر بن حنظلة (2) ونحوها، وغاية ما تدل عليه الترافع إليه في الحكم
والفتوى، وأنه منصوب من قبلهم عليهم السلام لذلك لا بالنسبة إلى الولاية على مال
يتيم أو نكاح بالغ غير رشيد، أو من تجدد له الجنون أو السفه بعد البلوغ أو نحو
ذلك، فإنه لا أثر لشئ من ذلك في الأخبار وإنما ذلك في كلامهم.
وبالجملة فإن عد الحاكم الشرعي في جملة الأولياء كما ذكروا وإن كان
مسلما بينهم ومتفقا عليه عندهم، إلا أنه خال عن الدليل من الأخبار، نعم يمكن
تخصيص ذلك بالإمام عليه السلام من حيث الولاية العامة، وأنه أولى بالناس من أنفسهم.
وأما من بلغ سفيها فظاهر كلام أكثرهم أن حكمه حكم من تجدد سفهه
في أن الولاية فيه للحاكم وهو على إطلاقه لا يخلو من الاشكال.
والأنسب بقواعدهم هو التفصيل بأن يقال: إن من بلغ فاسد العقل لا يخلو
إما أن يكون الأب والجد موجودا أم لا؟ فإن كان أحدهما موجودا فإن الأظهر
أن الولاية له، لأن ولايته متحققة قبل البلوغ اتفاقا، ولا مانع من استصحابها
في الصورة المذكورة بخلاف ما لو تجدد السفه أو الجنون بعد البلوغ حيت إن

(1) الترمذي كتاب النكاح الباب 15، وأبي داود كتاب النكاح الباب 16.
(2) الكافي ج 7 ص 412 ح 5، الوسائل ج 18 ص 3 ح 4.
239

ولايته زالت بالبلوغ عاقلا فرجوعها يحتاج إلى دليل، وإن لم يكن أحدهما
موجودا فيمكن القول بكونها للحاكم حينئذ.
ولكن ظاهر كلامهم هو الحكم بالولاية للحاكم مطلقا سواء كان أحدهما
موجودا أم لا؟ وتخصيص ولاية الأب أو الجد بحال الصغر خاصة.
وبالجملة فالأظهر بالنظر إلى قواعدهم هو التفصيل في أنه مع وجود الأب
أو الجد، فإن بلغ فاسد العقل فالولاية لهما، وإن تجدد السفه أو الجنون بعد
البلوغ فالولاية للحاكم، وإلى ذلك يميل كلامه في المسالك (1).
ولا خلاف بينهم أيضا في انتفاء ولاية الحاكم على البالغ الرشيد ذكرا كان
أو أنثى، وتدخل في هذا الحكم البكر البالغة الرشيدة فإنه لا ولاية للحاكم عليها،
ولو قلنا بالولاية للأب والجد مع وجودهما، فإنه مع عدمهما تستقل بالولاية،
وليس للحاكم الشرعي عليها ولاية في هذه الحال أيضا كما نبهوا عليه في مسألة
العضل وقد تقدم: والحكم لا خلاف فيه ولا إشكال.
الثالث: اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ولاية الوصي من الأب
أو الجد على تزويج الصغيرة، فقيل بولايته مطلقا، وقيل بالعدم مطلقا، وقيل
إنما تثبت مع نص الموصي على ذلك، وقيل إنما تثبت على من بلغ فاسد العقل
خاصة إذا كان به ضرورة إلى النكاح.
أقول: القولان الأولان للشيخ في المبسوط فإنه قال في فصل ما يجوز للوصي
أن يصنعه في أموال اليتامى في الكتاب المذكور: لا تستفاد ولاية النكاح بالوصية
لأصالة العدم، وللتهمة، وجزم في موضع آخر كما نقله عنه في المختلف، وغيره
في غيره بأن للوصي ولاية النكاح على الصغيرة.

(1) حيث قال: والتسوية بينهما في التفصيل باتصال السفه، وتجدده، فيكون الولاية
في الأول للأب والجد، وفي الثاني للحاكم مطلقا وسيأتي في كلام المصنف ما يدل على
أن الولاية على السفيه مطلقا للحاكم، حيث جعل الإذن في تزويجه إليه من غير قيد. انتهى.
(منه - قدس سره -).
240

والقول الثالث له أيضا في الخلاف حيث قال: إذا أوصى إلى غيره أن يزوج
بنته الصغيرة صحت الوصية وكان له تزويجها ويكون صحيحا سواء عين الزوج
أم لا، وإن كانت كبيرة لم تصح الوصية، ومنع منه بعض الأصحاب. إنتهى.
واختاره العلامة في المختلف والشهيد في شرح نكت الإرشاد، والمحقق
الشيخ علي في شرح القواعد، وظاهر عبارة الشيخ المذكورة أن القول بالمنع
متقدم عليه أيضا.
والقول الرابع هو المشهور بين المتأخرين، وهو مذهب المحقق والعلامة
في غير المختلف فإنهم منعوا من ذلك.
وإن أوصى له بخصوص التزويج قال في التذكرة: إنما تثبت ولاية الوصي
في صورة واحدة عند بعض علمائنا، وهي أن يبلغ الصبي فاسد العقل، ويكون
له حاجة إلى النكاح وضرورة إليه.
وعللوا ذلك على ما نقله في المسالك بثبوت الضرورة، وعجز المحتاج عن
المباشرة، فأشبه ذلك الانفاق عليه.
وأكثرهم لم يذكروا هنا شيئا من الأخبار، وإنما عللوا هذه الأقوال
بتعليلات عقلية، والواجب نقل ما وقفنا عليه في المسألة، ثم الكلام بما يسر الله
فهمه فيها.
ومنها ما رواه في الكافي عن الحلبي (1) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله
عليه السلام في حديث قال فيه: " وقال في قول الله عز وجل (2) " أو يعفو الذي بيده عقدة
النكاح " قال: هو الأب والأخ والرجل يوصي إليه، والرجل يجوز أمره في مال
المرأة فيبيع لها ويشتري لها، فإذا عفى فقد جاز ".

(1) الكافي ج 6 ص 106 ح 3، الوسائل ج 15 ص 62 ح 1.
(2) سورة البقرة - آية 237.
241

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الحلبي وأبي بصير وسماعة (1) " عن
أبي عبد الله عليه السلام... في قول الله عز وجل " إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح "
قال: هو الأب أو الأخ أو الرجل يوصي إليه، والذي يجوز أمره في مال المرأة
فيبتاع لها ويتجر، فإذا عفا فقد جاز ".
وما رواه في التهذيب عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير (2) في الصحيح عن
أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن الذي بيده عقدة النكاح؟ قال: هو الأب والأخ
والرجل يوصي إليه، والذي يجوز أمر ه في مال المرأة، فيبتاع لها ويشتري، فأي
هؤلاء عفا فقد جاز ".
وما رواه في التهذيب أيضا عن أبي بصير ومحمد بن مسلم (3) في الصحيح عن
أبي جعفر عليه السلام " في الذي بيده عقدة النكاح، فقال: هو الأب والأخ والموصى إليه،
والذي يجوز أمره في مال المرأة من قرابتها فيبيع لها ويشتري قال؟ فأي هؤلاء
عفا فعفوه جائز " الحديث.
وأنت خبير بأن هذه الأخبار مع صحة أسانيدها ظاهرة الدلالة في القول
الأول لاتفاقها على عد الموصى إليه في جملة من بيدهم عقدة النكاح الذي هو
بمعني الولاية في التزويج كالأب.
والظاهر من إطلاق الموصى إليه هو من جعله الميت وصيا علي أمواله
وأطفاله ووصاياه وإن لم يصرح له بخصوصية الوصية في النكاح، فإنه أحد من
بيده عقدة النكاح.
هذا هو المتبادر من الروايات المذكورة المنساق إلى الذهن منها، ومن

(1) الكافي ج 6 ص 106 ح 2، الفقيه ج 3 ص 327 ح 6، الوسائل ج 15
ص 62 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 393 ح 49 إلا أن في التهذيب " الجديد والقديم " عبد الله بن المغيرة عن أبي بصير و ص 484 ح 154، الوسائل ج 14 ص 213 ح 4 و 5.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
242

ثم مال إلى هذا القول من محققي متأخري المتأخرين السيد السند في شرح
النافع، وقبله جده في المسالك وإن لم يذكرا من هذه الروايات إلا الروايتين
الأخرتين إلا أنه في شرح النافع زاد على الصغير والصغيرة - اللذين هما محل
البحث - من بلغ فاسد العقل كما ذكره المانعون مستندا إلى أن الحاجة قد
تدعو إلى ذلك، ولعموم " فمن بدله ".
وبالجملة فإن هذه الروايات واضحة فيما قلناه، ظاهرة فيما ادعيناه، إلا
أنه قد روى ثقة الاسلام (نور الله تعالى مرقده) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (1)
في الصحيح " قال: سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين والبنت والابنة صغيرة،
فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه، ثم مات أبو الابن المزوج،
فلما أن مات قال الآخر: أخي لم يزوج ابنه فزوج الجارية من ابنه، فقيل للجارية:
أي الزوجين أحب إليك الأول أو الآخر؟ قالت: الآخر، ثم إن الأخ الثاني
مات، وللأخ الأول ابن أكبر من الابن المزوج، فقال للجارية: اختاري أيهما
أحب إليك الزوج الأول أو الزوج الآخر؟ فقال: الرواية فيها إنها للزوج الأخير،
وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد
إدراكها ".
وهي كما ترى ظاهرة في أن عقد الوصي غير لازم لها، وإنما هو فضولي
يقف على الإجازة.
والسيد السند في شرح النافع لم يتعرض لنقل هذه الرواية، والظاهر أنه
لم يقف عليها، وإلا لأجاب عنها، ومن ثم جزم بالقول بثبوت الولاية مطلقا كما
هو ظاهر الأخبار المذكورة، والعلامة في المختلف قد نقل هذه الرواية حجة للقول

(1) الكافي ج 5 ص 397 ح 3، التهذيب ج 7 ص 387 ح 30 مع اختلاف
يسير، الوسائل ج 14 ص 212 ح 1.
243

الثاني، ولم يجب عنها بشئ، بل اختار مذهب الشيخ في الخلاف، واستدل عليه
برواية أبي بصير، وغض النظر عن الجواب عنها، وغيره من الأصحاب لم ينقلوا
روايات المسألة ولم يتعرضوا لها.
ومن أجل هذه الرواية اختار المحدث الحر العاملي في الوسائل القول
بالمنع كما دلت عليه - وارتكب فيما نقله من الروايات المتقدمة وهو بعضها -
التأويلات البعيدة بالحمل على الوصاية الخاصة بالنكاح أو الحمل على البنت الكبير
الغير الرشيدة أو التقية، ولا يخفى ما في الأخرين من البعد.
أما الأول فيمكن أن يكون وجه جمع بين هذه الرواية والروايات المتقدمة
بأن يحمل إطلاقها على التخصيص بصورة الوصاية إليه بالنكاح ويحمل إطلاق هذه
الرواية على الوصاية العامة من غير تخصيص بالنكاح، ويجعل ذلك دليلا للقول الثالث
وهو جمع حسن بين الأخبار المذكورة.
وأما العمل بظاهر الرواية المذكورة من المنع مطلقا وإن صرح الموصي
بالولاية في النكاح، ففيه إطراح لتلك الأخبار مع صحتها وصراحتها في أن الموصى
إليه من جملة من بيده عقدة النكاح الذي هو بمعني الولاية فيه، ومن ذلك يظهر
أن الأقرب من الأقوال المذكورة هو القول الثالث (1) هذا.

(1) أقول: لا يخفى أن غاية ما استدل به لهذا القول أعني القول الثالث هو ما ذكره
شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد، قال: لأن الحاجة قد تمس إليه وربما تعذر الكفؤ،
فالحكمة تقتضي ثبوتها تحصيلا للمصلحة، ولأنه قائم مقام الأب والجد، ولجريانه مجرى
البالغ فاسد العقل أو سفيها، ولعموم " فمن بدله بعد ما سمعه ". انتهى. وفيه ما لا يخفى كما
عرفت مما أسلفنا ذكره في غير مقام.
وأما الآية فإن الاستدلال بها جيد، واستدل في المختلف على ذلك بصحيحة أبي بصير
المتقدمة، وفيه أن اطلاقها أعم مما ذكره، فإنها ظاهرة في الجواز مطلقا لا بخصوص
التنصيص على النكاح، وهو لا يقول به، ولهذا نقل عنه الشهيد في شرح الإرشاد ظاهر
مذهبه أن الوصي مطلقا يتولى العقد. (منه - قدس سره -).
244

وأما القول الذي عليه المتأخرون من تخصيص ولايته بمن بلغ فاسد العقل
فلا أعرف له وجها وجيها، ولهذا قال السيد السند في شرح النافع: ولم أقف
للقائلين باختصاص ولايته بمن بلغ فاسد العقل على مستند، والمتجه إما ثبوت
ولايته على الجميع، أو نفيها رأسا وهو جيد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد ذكر السيد السند المذكور في الكتاب المشار إليه
- بعد اختياره في المسألة القول بثبوت الولاية للوصي مطلقا كما قدمنا نقله عنه
ما صورته -: وعلى القول بثبوت ولايته فهل يثبت بتعميم الوصية أم لا بد من
التصريح بالوصية في النكاح؟ الأظهر الثاني، لأن النكاح ليس من التصرفات التي
ينتقل إليها عند الاطلاق فيتوقف على التصريح به إنتهى.
أقول: ظاهر كلامه (قدس سره) رجوع القول بثبوت الولاية مطلقا إلى
القول بالتنصيص على النكاح، وأن من أطلق من الأصحاب فإنما مراده التقييد،
فيرجع القولان إلى قول واحد لما ذكره من التعليل.
وفيه أن جده (قدس سره) في المسالك ممن اختار القول بالطلاق، وصرح
بالتعدد، حيث إنه قال في الاستدلال على القول بالاطلاق: ووجه الثبوت مطلقا
أن الوصي العام قد فوض إليه الموصي مما كان له فيه الولاية، وتصرفاته كلها
منوطة بالغبطة وقد يتحقق الغبطة في نكاح الصغير من ذكر أو أنثى بوجود كفو
لا يتفق في كل وقت، ويخاف بتأخره فوته.
ولا نسلم أن مثل هذه الولاية لا يقبل النقل فإن تصرفات الوصي كلها فيما
كان للموصي فعله حيا لم ينقطع بموته مع انقطاع تصرفه.
وتخصيص هذا النوع الذي هو محل النزاع بدعوى عدم قبوله النقل غير مسموع ولعموم قوله تعالى (1) " فمن بدله " ولصحيحة محمد بن مسلم وأبي بصير (2).

(1) سورة البقرة - آية 181. (2) تقدم في ص 242.
245

ثم أورد الرواية الرابعة من الروايات المتقدمة، ثم الثالثة، إلى أن قال:
ولو نص الموصي على التزويج فهو أولى بالحكم، وربما قيل: باختصاص القول
الثاني بذلك، والدلائل عامة. إنتهى.
وقوله " وربما قيل... إلى آخره " إشارة إلى ما اختاره سبطه هنا من
تقييد الاطلاق في تلك العبارات بما إذا نص الموصي على التزويج، ثم رده بأن
الأدلة الدالة على ثبوت الولاية بالوصاية عامة لما لو نص أو لم ينص، وهو كذلك،
فإن الروايات الأربع التي قدمناها ظاهرة في ذلك كما أشرنا إليه ذيلها.
ودعوى أن النكاح ليس من التصرفات التي ينتقل إليه الذهن عند الاطلاق
ممنوعة، وسند المنع ما أوضحه جده في كلامه المذكور، والله العالم.
المسألة الرابعة: ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) - من غير
خلاف يعرف - هو أن المحجور عليه للسفه والتبذير لا يجوز له أن يتزوج، لأنه
ممنوع من التصرفات المالية، ومن جملتها النكاح، لما يترتب عليه من المال من
مهر أو نفقة فيمنع منه مع عدم حاجته، وفسروا الحاجة بداعي الشهوة، أو
الحاجة إلى الخدمة وعلى هذا فإن أوقع عقدا والحال هذه كان فاسدا لفقد شرط
الصحة، ثم إن كانت المرأة عالمة بالحال فلا شئ لها وإن دخل، وإن كانت جاهلة (1)
فلها مع الدخول مهر المثل، لأنه وطئ بشبهة، وإن اضطر إلى التزويج لخدمة

(1) أقول: ما ذكر من التفصيل هنا لو جهلها، أحد الأقوال في المسألة، والظاهر
أنه المشهور بين المتأخرين. وقيل: بوجوب مهر المثل مطلقا، ونقل عن الشيخ في المبسوط،
وقيل: لا شئ لها مطلقا نقله في المبسوط عن قوم، وقال: إنه أقوى لأنها المتلفة لمنفعة
بضعها بتسليم نفسها، وتنظر فيه المحقق الثاني بأن التسليم ليس اتلافا، وإنما المتلف من
استوفى المنفعة، ثم إنه على تقدير القول بالتفصيل بالجهل وعدمه فإن فيه بحث وظاهرهم
أن المراد الجهل بالسفه وزاد العلامة في المختلف أيضا الجهل بالحكم، فلو علمت بالسفه
وجهلت بالحكم فكالجاهلة بالسفه قواه المحقق الثاني، وفيه أنه مناف لما صرحوا به في
غير موضع من عدم معذورية الجاهل إلا في الموضعين المشهورين. (منه - قدس سره -).
246

أو شهوة أو غيرهما من الضرورات، جاز للولي تزويجه، مقتصرا على ما تندفع
به الحاجة كما وكيفا.
أقول: لم أقف لهم في هذا المقام على نص يعتمد إليه ولا مستند شرعي يلجأ
إليه أزيد مما ذكروه كما عرفت.
مع ما عرفت من استفاضة الأخبار باستحباب النكاح، والحث عليه، وما
فيه من الفضل زيادة على الصلاة وذم العزاب على أبلغ وجه، وأن فائدته غير
منحصرة في كسر الشهوة الحيوانية بل له فوائد جمة منها: تكثير النسل، والمباهاة
بهم يوم القيامة، ومنها جلب الرزق، ومنها شفاعة الطفل لأبويها، ومنها زيادة
الثواب في عبادته ونحو ذلك.
ولا ريب أن المحجور عليه هنا وإن كان سفيها مبذرا إلا أنه بالغ عاقل
مكلف بالتكاليف الشرعية واجباتها ومستحباتها داخل تحت هذه الأخبار التي
ذكرناها، وهي شاملة له كغيره من المكلفين، ولا دليل لهم على استثنائه وخروجه
عنها.
وغاية ما تدل عليه أدلة الحجر كما تقدمت في كتاب الحجر هو عدم تمكينه من
المال خوفا أن يصرفه في غير المصارف الشرعية أو العرفية مما يوجب التبذير
المنهي عنه لا أنه يبطل ما يأتي به من المستحبات المتوقفة على دفع المال كالتزويج
مثلا، وإنما يجوز له مع الضرورة والحاجة خاصة.
وقد تقدم في كتاب الحجر ما فيه مزيد إيضاح لما ذكرناه وتأييد بموافقة
بعض المحققين لما اخترناه في المسألة الخامسة من المطلب الثاني في الأحكام من
الكتاب المشار إليه.
وبذلك يظهر لك تطرق المنع في قولهم " لأنه ممنوع من التصرفات المالية "
فإنه على إطلاقه ممنوع، والتحقيق إنما هو المنع عما يحصل منه التبذير والاسراف
المنهي عنه، والحجر عليه إنما هو بسبب خوف صرفه المال في ذلك.
247

ويشير إلى ما ذكرناه قوله عليه السلام في بعض تلك الأخبار (1) " إذا علم الرجل
أن امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهم على
ماله " فإنه ظاهر في أن النهي عن تسليطهم إنما هو لخوف صرفهم المال في الفساد،
وهي الأمور الغير الجائزة.
وكذا قوله عليه السلام في بعضها (2) " لا تعطوهم حتى تعرفوا منهم الرشد " إنما
هو لخوف صرف المال فيما هو خلاف الرشد، وعلى هذا فلا تعلق للحجر بما لو كان
الصرف في الأمور الشرعية، وحينئذ فالواجب بمقتضى ما قلناه على الولي أن
يدفع له من المال - متى أراد التزويج لضرورة كان أم لا - ما يقوم بذلك مهرا
ونفقة ونحوها.
وبذلك يظهر لك ما في تفريعاتهم في المسألة، ثم إنهم قالوا: إنه لو
اضطر إلى التزويج لخدمة أو شهوة أو غيرهما من الضرورات جاز للولي تزويجه
مقتصرا على ما يندفع به الحاجة كما وكيفا.
وهل يشترط تعيين الزوجة؟ فيه وجهان بل قولان: (أحدهما) - واختاره
العلامة في كتبه والمحقق في الشرايع - العدم، فيجوز للولي أن يأذن له في التزويج
وإن لم يعين له الزوجة، لأنه مقيد بمراعاة المصلحة، فلو تجاوزها فسد، وعلى
هذا فيصح الإذن المطلق، وينكح من شاء بمهر المثل أو أقل، فلو نكح والحال
هذه شريفة تستغرق مهر مثلها ما له أو معظمه لم يصح لأنه على خلاف المصلحة
و (ثانيهما) أنه لا بد من تعيين الزوجة بخصوصها أو حصرها في قوم أو
قبيلة أو تعيين المهر، لأن المقتضي للحجر عليه هو حفظ ماله وصيانته عن الاتلاف،
فلو جوزنا إطلاق الإذن، لم يؤمن أن ينكح من يستغرق مهر مثلها ماله، ولا يكفي

(1) مستدرك الوسائل ج 2 ص 496 ح 2.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 220 ح 23، الوسائل ج 13 ص 434 ح 10.
248

لدفع المحذور كون النكاح فاسدا في هذه الحالة، لأنه بالدخول يجب مهر المثل
مع جهلها فيلزم الوقوع في المحذور.
وأنت خبير بأن إطلاق الإذن في القول الأول مقيد عندهم بالمصلحة كما
عرفت، فلو تجاوزها فسد العقد، ومع فساد العقد يلزم مهر المثل مع جهل
الزوجة أيضا.
وبذلك يظهر أن هذا الاختلاف لا ثمرة له هنا، بل لو لم يأذن الولي
بالكلية الموجب عندهم لبطلان العقد قطعا فإنهم صرحوا بوجوب مهر المثل
في صورة جهل الزوجة أيضا.
ثم اعلم أنه قد وقع في جملة من عباراتهم مثل عبارة الشرايع و نحوها القواعد
وغيرهما ما ظاهره المنافاة في المتولي للعقد متى جوزنا التزويج، فإنه في الشرايع
قال: فإن اضطر إلى النكاح جاز للحاكم أن يأذن له، سواء عين الزوجة أو أطلق،
ثم قال: ولو بادر قبل الإذن والحال هذه صح العقد، وفي القواعد: ومع الحاجة
يأذن له الحاكم مع تعيين الزوجة وبدونه، وليس الإذن شرطا، ونحو ذلك عبارته
في الإرشاد (1).
ووجه الاشكال فيها هو أن مقتضى ذكر إذن الحاكم هنا توقف صحة
العقد عليه، ولا يظهر لذكره فائدة هنا إلا بذلك، وإلا فلا فائدة في اعتباره.
ومقتضى قوله في القواعد " وليس الإذن شرطا " وقوله في الشرايع " ولو بادر
قبل الإذن صح " هو عدم اشتراط إذن الحاكم بالكلية.
قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد: واعلم أن ظاهر قوله " وليس
الإذن شرطا " مناف لقوله " ومع الحاجة يأذن له الحاكم " لأن الظاهر أن المراد
من قوله " يأذن له الحاكم " اعتبار ذلك في صحة نكاحه، وعدم الاعتداد به من

(1) حيث قال: وليس للمحجور عليه للتبذير التزويج إلا مع الضرورة فيستأذن
الحاكم فإن عقد بدونه بمهر المثل صح وإلا يطلق الزائد (منه - قدس سره -).
249

دونه، أي ومع الحاجة يأذن الحاكم ولا يستقل من دون إذنه، ولولا ذلك لم يكن
للحجر معنى، فإنه إذا استقل السفيه ببعض التصرفات وأحسن بإمضائها كان ذلك
سببا في الاقدام على أي تصرف كان، ووسيلة إلي إتلاف المال، ومتى كان هذا
هو المراد، كان قوله " وليس الإذن شرطا " منافيا له، لأن مقتضاه جواز الاستقلال
من دونه، وسيأتي في كتابه. إنتهى.
وظاهره في المسالك الجواب عن ذلك باعتبار ترتب الإثم وعدمه بمعنى
أنه مع إذن الحاكم يكون صحيحا ولا إثم عليه، وبدونه يكون صحيحا وإن
أثم قال: لأن النهي في مثل ذلك لا يترتب عليه فساد. إنتهى.
وفيه أن قضية الحجر الفساد بدون إذن الولي، وبطلان التصرف في كل
شئ تعلق به الحجر من نكاح أو بيع أو شراء أو نحو ذلك كما تقدم في كتاب
الحجر (1) ولا ريب أن الحجر قد تعلق هنا بالنكاح لما قدمناه في صدر المسألة،
لكن لما استثنى من ذلك صورة الضرورة والحاجة إلى النكاح وجب الرجوع في
ذلك إلى الولي وهو الحاكم الشرعي، ولهذا أنه (قدس سره) ذكر في آخر
كلامه تفصيلا حسنا بناء على قواعدهم، فقال: والأجود توقف تزويجه على إذن
الحاكم مع وجوده فإن تعذر جاز له التزويج بدونه مع الحاجة مقتصرا على
ما يليق به بمهر المثل فما دون، فإن زاد عليه بطل الزائد، وصح النكاح لأن
الخلل في المهر لا يقتضي فساد النكاح كما في غيره، ويظهر فائدة التوقف على
إذن الولي مع إمكانه في فساد العقد، وعدم استحقاق المهر شيئا لو كانت عالمة بالحال.
إنتهى، والله العالم.
المسألة الخامسة: لو وكلت المرأة المالكة أمرها أحدا في تزويجها فإن
عينت له الزوج فلا إشكال، وإن أطلقت بأن قالت: أنت وكيلي في تزويجي أو

(1) ج 20 ص 342.
250

وكيلي في تزويجي برجل أو كفو، فالمفهوم من كلام الأكثر أنه كالأول في أنه
إنما يتبادر إلى غير الوكيل، فإنه وإن كان من حيث الاطلاق صالحا لدخوله
فيه كغيره إلا أن المفهوم عرفا من كونه مأمورا بتزويجها أن الزوج غيره فلا يدخل
حينئذ عملا بشاهد الحال، واحتمل في التذكرة جواز تزويجها من نفسه مع
الاطلاق معللا بإطلاق الإذن ومساواته لغيره.
ولو عممت الإذن فقالت: زوجني لمن شئت، فهل يكون كالمطلق من حيث
اشتراكهما في الصلاحية لكل واحد ممن يصلح لتزويجها، واقتضاء المغايرة
بين الزوج والمزوج فلا يدخل في الاطلاق، أو يدخل هنا في العموم من حيث
إن العام أقوى من المطلق، لأنه ناص على جزئياته؟ قولان.
واعترض على ذلك في المسالك، ومثله سبطه في شرح النافع بأن الفرق
هنا لا يخلو من نظر من حيث إن الوكيل داخل في الاطلاق، كما هو داخل
في العموم وإن كان العموم أقوى دلالة، إلا أنهما مشتركان في أصل الدلالة.
ولو عممت الإذن على وجه يتناول الوكيل نصا وكذا لو دلت القرائن
مع الاطلاق أو التعميم على تناوله فلا إشكال في دخوله،
والمشهور بين الأصحاب أنه يجوز له تزويجها من نفسه حينئذ، وقيل:
بالعدم حتى لو قالت زوجني من نفسك، فإنه لا يجوز أيضا.
أقول: والذي حضرني من الروايات في هذا المقام ما رواه في الكافي عن
الحلبي (1) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " في امرأة ولت أمرها رجلا، فقالت:
زوجني فلأنا فقال: إني لا أزوجك حتى تشهدي لي أن أمرك بيدي، فأشهدت
له، فقال عند التزويج للذي يخطبها: يا فلان عليك كذا وكذا قال: نعم، فقال
هو للقوم: اشهدوا أن ذلك لها عندي، وقد زوجتها نفسي، فقالت المرأة: لا،

(1) الكافي ج 5 ص 397 ح 1، التهذيب ج 7 ص 391 ح 41، الوسائل ج 14
ص 216 ح 1.
251

ولا كرامة وما أمري إلا بيدي، وما وليتك أمري إلا حياء من الكلام، قال: تنزع
منه ويوجع رأسه ".
والظاهر من هذه الرواية هو من الفرد الأول من الأفراد المذكورة وهو
تعيين الزوج لأن المرأة في أول الأمر قد عينت له الزوج ولكنه لأجل خدعها
والمكر بها طلب منها أن تشهد له على الوكالة المطلقة ليوصل بذلك إلى إدخال
نفسه، ومع ذلك فقد صرحت بعدم إرادته، ومن أجل ذلك أمر عليه السلام بأن يوجع
رأسه، كناية عن تعزيره، وإهانته.
وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (1) " قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن امرأة في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها، أيحل لها أن
توكل رجلا يريد أن يتزوجها تقول له: قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال:
لا، قلت له: جعلك فداك وإن كانت أيما؟ قال: وإن كانت أيما، قلت: فإن وكلت
غيره بتزويجها منه؟ قال: نعم ".
وهذه الرواية كما ترى صريحة في المنع من تزويج الوكيل لها، وإن عينته
وخصته كما هو أحد القولين في المسألة، والظاهر أنه لا وجه لذلك إلا من حيث
كونه موجبا قابلا بكما علل به الشيخ (رحمه الله) حيث ذهب إلى المنع من ذلك.
والمشهور بين المتأخرين الجواز وطرح الرواية المذكورة، وردها بضعف
السند، وطعن في دلالتها أيضا الشهيد الثاني في المسالك، وقبله المحقق الشيخ علي
في الشرح على القواعد باحتمال رجوع النهي إلى قوله " قد وكلتك فاشهد على
تزويجي ".
قال في المسالك: والرواية ضعيفة السند قاصرة الدلالة لجواز كون المنفي هو
قولها " وكلتك فاشهد " فإن مجرد الاشهاد غير كاف. إنتهى.

(1) التهذيب ج 7 ص 378 ح 5، الوسائل ج 14 ص 217 ح 4.
252

أقول: لا يخفى أن المسؤول عنه في الرواية والمستفهم عنه إنما هو أن توكل
من يريد تزويجها، هل يحل لها توكيله أم لا؟ فالجواب بالنهي إنما وقع
عن ذلك.
وبالجملة فالرواية ظاهرة في المدعى، ولا معارض لها فالظاهر هو العمل بها.
نعم يمكن المناقشة فيما قدمناه من أن دلالتها على المنع إنما هو من
حيث لزوم كونه موجبا قابلا، فإنه حيث لم يقم عليه دليل في أنه مانع لا في
هذا المقام ولا غيره، مع جوازه في الأب والجد بلا خلاف، فإن لكل منهما أن
يتولى طرفي العقد، فلا وجه لتقييد الخبر به مع دلالته على المنع مطلقا، فلا يزول
بتوكيله غيره، بخلاف ما لو جعلنا العلة في المنع هو ما ذكرناه، فإنه يزول
بذلك.
وبالجملة فإنه لا معارض للرواية هنا إلا أصالة الجواز، وهو مما يجب
الخروج عنه بالدليل، والدليل موجود ولو كانت الرواية صحيحة باصطلاحهم
لقالوا بمضمونها، ومن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح كالمتقدمين وأكثر متأخري
المتأخرين، فإنه يجب تخصيص الأصل المذكور بها، والله العالم.
المسألة السادسة: لو زوج الولي الصغيرة بدون مهر المثل، فهل لها الاعتراض
بعد الكمال أم لا؟ قولان: وبالأول قال المحقق في الشرايع بعد التردد، والعلامة
في القواعد، والثاني مذهب الشيخ في الخلاف.
وإطلاق كلامهم شامل لما لو كان تزويجها بدون مهر المثل على وجه المصلحة
بها بأن وجد الولي في ذلك الوقت كفوا صالحا وربما لا يحصل في غير ذلك الوقت
إلا أنه لم يبذل لها من المهر إلا ما هو أقل من مهر المثل، أم لم يكن فيه مصلحة
لها ولا مفسدة.
وشامل أيضا لما لو كان هناك نوع مفسدة بأن لا يكون الزوج من الأكفاء
253

الراجحين بحيث لولا العقد عليه لحصل من هو أرجح منه وأولى، ومع ذلك كان
العقد بدون مهر المثل.
والمراد باعتراضها فيه هو أن لها فسخ المسمى فيرجع إلى مهر المثل مع
الدخول.
ثم إن المتبادر من الاعتراض هنا هو الاعتراض في المهر المذكور في العقد،
واحتمل بعضهم أن المراد في أصل العقد أيضا.
وبذلك يظهر أن مرجع الخلاف إلى أنه هل يصح العقد مطلقا ولا اعتراض
بالكلية، أو الاعتراض في المسمى أو في أصل العقد؟ (1) وعلل الأول بأن المفروض
أن الزوج كفو، والولي له العقد شرعا، والمهر عندهم غير شرط في صحة العقد،
والنكاح ليس معاوضة محضة، لأن البضع ليس مالا في الحقيقة، والغرض الأصلي
من النكاح إنما التحصين والنسل، وليس الغرض منه المهر، ولأن الولي يجوز
له العفو عن بعض المهر بعد ثبوته، فإسقاطه ابتداء أولى، ومع تحقق الكفاءة
لا يشترط في صحة العقد وجود المصلحة بل انتفاء المفسدة، وهو موجود بالفرض.
وأنت خبير بأن ظاهر هذا التعليل مؤذن بإرادة العموم من الأول الذي
تقدمت الإشارة إليه.

(1) أقول: نقل المحقق الثاني في شرح القواعد عن الشيخ في المبسوط بأنه حكم
ببطلان المسمى لأن الأموال يراعى قيمتها قيمة المثل فكذا في البضع، ثم قال: وضعفه ظاهر،
فإن الغرض وجود المصلحة المجوزة، والفرق قائم كما بيناه. انتهى.
أقول: وهذا قول رابع في المسألة، ومقتضاه بطلان العقد من أصله كما في البيع
لو كان الثمن أقل من ثمن المثل، ورده بأن الغرض وجود المصلحة التي هي المدار في
الصحة، فلا يبطل حينئذ، والفرق بين النكاح والبيع قائم كما أشرنا إليه في الأصل فلا يقاس
عليه، ويمكن ارجاع هذا القول المحكي إلى ما ذكرناه في الأصل من الاحتمال، وهو
احتمال اعتراضها في أصل العقد بمعنى أن لها فسخه من أصله بالتقريب المذكور فيه، وجوابه
ما عرفت ولا سيما ما ذكر في الأصل والله العالم. (منه - قدس سره -).
254

وعلل الثاني وهو جواز الاعتراض في المسمى مطلقا بأن النكاح عقد
معاوضة في الجملة، وإن لم تكن معاوضة محضة، ومقابلة البضع بأقل من عوض
مثله ينجبر بالتخيير، ومجرد المصلحة في ذلك غير كاف في عدم الاعتراض، كما
لو باع الوكيل بدون ثمن المثل، وإن كان هناك مصلحة للموكل.
والفرق بين البيع والنكاح - حيث حكم بصحة العقد بخلاف البيع بأقل
من ثمن المثل - هو أن المهر ليس ركنا في النكاح كما تقدمت الإشارة إليه،
فلا مدخل له في صحته ولا فساده، وإنما جبر نقصه بالتخيير في فسخه، والرجوع
إلى مهر المثل، والتعليل بجواز عفو الولي لا يدل على المدعى، لأن عفوه ثبت
على خلاف الأصل في موضع خاص، وهو كونه بعد الطلاق قبل الدخول، فلا يتعدى
إلى غيره، لأن الأصل في تصرفه مراعاة المصلحة للمولى عليه.
وعلل جواز الاعتراض في العقد أيضا بأن العقد المأذون فيه شرعا على
وجه اللزوم هو العقد بمهر المثل، ومن ثم لم يجب الالتزام بمجموع ما حصل عليها
هذا العقد.
ثم إن التراضي إنما وقع هنا على العقد المشتمل على المسمى فمتى لم يكن
ماضيا كان لها فسخه من أصله، والأصل في هذا البناء أن الواقع أمر واحد،
وهو العقد المشخص بالمهر المذكور، وإذا لم يكن ذلك لازما لها فسخت العقد.
وأورد عليه بأن أصل العقد صحيح، وإنما المانع من قبل المهر، ويمكن
جبره بفسخه خاصة والرجوع إلى مهر المثل، ولا نسلم أنهما واحد، بل هما اثنان
لا تلازم بينهما فإذا حصل الخلل في أحدهما لا ينقض الآخر.
نعم يتجه على تقدير اختيارها الفسخ في المسمى ثبوت الخيار للزوج في
فسخ العقد وإمضائه لأنه لم يرض بالعقد إلا على ذلك الوجه المخصوص، والحال
أنه لم تتم له، وإلزامه بمهر المثل على وجه القهر ضرر منفي إلا أن يكون
255

عالما بالحال والحكم فيقوى عدم تخيره لقدومه على عقد يجوز أن يؤل إلى ذلك،
كذا حققوه (رضوان الله عليهم).
ولا يخفى عليك أن المسألة عارية من النص، والاعتماد في تأسيس الأحكام
الشرعية على مثل هذه التعليلات العقلية قد عرفت ما فيه في غير مقام مما تقدم
سيما مع تعارضها وتدافعها.
وكيف كان فالظاهر ضعف القول الثالث كما أوضحوه في ذيله، وإنما يبقى
الاشكال في القولين الأولين، ويمكن ترجيح الأول منهما بما ورد من " أن الصغيرة
إذا زوجها أبوها فليس لها بعد بلوغها مع أبيها أمر " فإنه شامل بإطلاقه لأصل
النكاح والمهر وأنه لا اعتراض لها في شئ من الأمرين ولا غيرهما إلا ما قام دليل
على اخراجه واستثنائه كأن يكون بغير الكفؤ مثلا ونحوه.
وتفصيل صور المسألة على ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك يرجع
إلى ست صور:
الأولى: أن يعقد عليها من كفو بمهر المثل على وجه المصلحة ولا اعتراض
لها في شئ مطلقا.
الثانية: الصورة بحالها لكن، لا على الوجه المصلحة، والأصح أنه كالأولى.
الثالثة: كذلك بدون مهر المثل على وجه المصلحة، والأقوى أنه لا اعتراض
لها مطلقا مع احتماله في المسمى.
أقول: وهذه هي الصورة التي هي مطرح البحث المتقدم، وهو (قدس سره)
قد اختار فيها القول الأول مع احتمال القول الثاني، وجزم بنفي الثالث.
الرابعة: كذلك، لكن بدون المصلحة فلها ا لاعتراض في المسمى خاصة،
فلو فسخته اتجه تخيير الزوج في أصل العقد.
الخامسة: أن يزوجها من غير كفو بمهر المثل فلها الخيار في أصل العقد مع احتمال
256

بطلانه من رأس، والوجهان مبنيان على حكم عقد الفضولي في النكاح، وسيأتي
البحث فيه.
السادسة: كذلك بدون مهر المثل فلها الخيار في كل منهما، فإن فسخت
العقد انتفيا، وإن فسخت المهر خاصة رجعت إلى مهر المثل.
المسألة السابعة: المشهور بين الأصحاب صحة عقد النكاح فضولا كما في غيره من العقود، ولزومه موقوف على الإجازة، وادعى المرتضى الاجماع على
صحته في النكاح، وهو ظاهر ابن إدريس أيضا حيث قال في السرائر ما ملخصه:
إنه لا خلاف في أن النكاح يقف على الإجازة إلا في العبد والأمة، فإن بعضهم يوقف
العقد على إجازة الموليين، وبعضهم يبطله. إنتهى.
ونقل عن الشيخ في الخلاف القول ببطلانه من أصله فلا تصححه الإجازة وهو
قول الشيخ فخر الدين بن العلامة في جميع العقود من نكاح وبيع وغيرهما.
والأظهر هنا هو القول المشهور، أما في البيع ونحوه فقد تقدم تحقيق
القول فيه في كتاب التجارة، وأن الحق الذي دلت عليه الأخبار هو القول بالبطلان.
ومما يدل على الصحة هنا ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر
عليه السلام " أنه سئل عن رجل زوجته أمه وهو غائب قال: النكاح جائز إن شاء المتزوج
قبل وإن شاء ترك، فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لأمه ".
وما رواه الكليني والشيخ في الحسن عن زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام " قال:
سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذاك إلى سيده إن شاء أجازه، وإن
شاء فرق بينهما، قلت: أصلحك الله إن الحكم به عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما

(1) الكافي ج 5 ص 401 ح 2، الوسائل ج 14 ص 211 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 478 ح 3، التهذيب ج 7 ص 351 ح 63، الوسائل
ج 14 ص 523 ح 1.
257

يقولون: إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له، فقال أبو جعفر عليه السلام:
إنه لم يعص الله إنما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز ".
وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام
" قال: سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه، فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه؟
فقال: ذلك إلى مولاه، إن شاء فرق بينهما، وإن شاء أجاز نكاحهما، فإن فرق
بينهما فللمرأة ما أصدقها، إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا، وإن أجاز
نكاحه فهما على نكاحهما الأول، فقلت لأبي جعفر عليه السلام: فإن أصل النكاح كان عاصيا،
فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما أتى شيئا حلالا، وليس بعاص الله إنما عصى سيده،
ولم يعص الله إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عز وجل عليه من نكاح في عدة وأشباهه ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن معاوية بن وهب (2) في الصحيح " قال:
جاء رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: إني كنت مملوكا لقوم وإني تزوجت
امرأة حرة بغير إذن مولاي ثم أعتقوني بعد ذلك، فأجدد نكاحي إياها حين أعتقت؟
فقال له: أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال: نعم وسكتوا
عني ولم يعيروا علي، فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم أثبت على
نكاحك الأول ".
ورواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن زياد الطائي (3) " قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: إني كنت رجلا مملوكا " الحديث، على اختلاف في ألفاظه.
ورواه في الخلاف عن أبان بن عثمان أن رجلا يقال له ابن زياد الطائي " قال:

(1) الكافي ج 5 ص 478 ح 2، التهذيب ج 7 ص 351 ح 62، الفقيه ج 2
ص 283 ح 1، الوسائل ج 14 ص 523 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 478 ح 4، التهذيب ج 7 ص 351 ح 62، الوسائل ج 14
ص 525 ب 26 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 343 ح 37، الوسائل ج 14 ص 526 ح 3.
258

قلت لأبي عبد الله " الحديث، كما في التهذيب بأدنى تفاوت.
وما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى عليه السلام عن
أبيه عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام " أنه أتاه رجل بعبده، فقال: إن عبدي تزوج
بغير إذني، فقال علي عليه السلام لسيده: فرق بينهما، فقال السيد لعبده: يا عدو الله طلق،
فقال علي عليه السلام: كيف قلت له؟ قال: قلت له: طلق، فقال علي عليه السلام للعبد: أما
الآن فإن شئت فطلق، وإن شئت فأمسك، فقال السيد: يا أمير المؤمنين أمر كان
بيدي فجعلته بيد غيري؟ قال: ذاك لأنك حيث قلت له طلق أقررت له بالنكاح " (2).
واستدل في المسالك لهذا القول بصحيحة أبي عبيدة الحذاء (3) " قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين، فقال:
النكاح جائز، وأيهما أدرك كان له الخيار ". الحديث، وقد تقدم، ثم قال: لا يقال
الرواية متروكة الظاهر - لتضمنها أن عقد الولي يقع موقوفا وأنتم لا تقولون به،

(1) التهذيب ج 7 ص 352 ح 64، الوسائل ج 14 ص 526 ح 1.
(2) قال الشهيد في شرح نكت الإرشاد بعد نقل خبر علي بن جعفر المذكور: قد
اشتمل هذا الحديث على لطائف:
الأول: أن نكاح العبد بغير إذن السيد لا يقع باطلا، بل موقوفا، ودل عليه ظاهر قوله
" فرق بينهما " فإنه ليس المراد به ايجاب التفريق، بل ظاهره اثبات أن له التفريق.
أقول: الأظهر في الدلالة على ما ذكره ما تقدم في الأخبار الأولة من قوله في حسنة
زرارة " ذاك إلى سيده إلى آخره " فإنه صريح في كونه موقوفا لا باطلا، فما نقله فيه عن
العامة، وقد رده عليه السلام " بأنه لم يعص الله، وإنما عصى سيده " ونحوها من الأخبار.
ثم قال (قدس سره): الثانية: أن الاعتراف بالتابع أو اللازم المساوي اعتراف
بالمطبوع والملزوم، كطلب منكر البيع الإقالة أو الفسخ بالثمن، وعليه دل قوله " أما الآن
فإن شئت فطلق " الخبر.
الثالثة: الإجازة ليست على الفور، بل له أن يجيز ما لم يفسخ لأن قوله " طلق " كان
بعد مكث، وفي هذه نظر. انتهى (منه - قدس سره -).
(3) الكافي ج 5 ص 401 ح 4، الوسائل ج 17 ص 527 ح 1.
259

فلا يصح الاستدلال بها على موضع النزاع لسقوط اعتبارها بذلك - لأنا نقول:
لا يلزم من ثبوت الولاية لأحد على الأطفال أن يجوز له تزويجهم، لأن ولاية
التزويج أخص من مطلق الولاية، وعدم الأخص أعم من عدم الأعم.
ووجه خصوصه يظهر في الحاكم والوصي فإنهما وليان على الأطفال، وليس
لهما تزويجهم كما مر، فيكون حمل الولي هنا على ذلك بقرينة جعل الخيار لها
إذا أدركا.
وفي المختلف حمل الولي هنا على غير الأب والجد، كالأخ والعم فإن كلا
منهما يطلق عليه اسم الولي (1) لكنه ولي غير مجبر.
وفي بعض عبارات الشيخ في المبسوط البكر إن كان لها ولي الاجبار مثل الأب
والجد فلا يفتقر نكاحها إلى إذنها، وإن لم يكن له الاجبار كالأخ وابن الأخ والعم
فلا بد من إذنها، والغرض من ذلك أنه سمي من ذكر من الأقارب وليا، وإن
لم يكن له ولاية النكاح.
وما فرضناه خال من التكلف، والشواهد من الأخبار كثيرة، وإن لم يكن
مثلها في قوة السند.
ثم أورد جملة من الروايات العامة الدالة على ما دلت عليه صحيحة أبي عبيدة
المذكورة، ثم أورد حسنة زرارة المتقدمة.
والعجب منه (قدس سره) في استناده إلى روايات العامة، ورواياتنا كما
عرفت مما تلوناه بذلك متظافرة، وهو لم يذكر منها إلا صحيحة أبي عبيدة
وحسنة زرارة.

(1) أقول: مما يدل على اطلاق الولي على الأخ ما ورد في حديث المرأة التي
أنكرت ولدها، ويقرب منه ما هو مروي في الكافي، قال فيه " ثم قال لها - يعني أمير المؤمنين
عليه السلام -: ألك ولي؟ قالت: نعم، هؤلاء إخوتي، فقال لإخوتها، أمري فيكم وفي
أختكم جائز؟ فقالوا: نعم، ثم إنه عليه السلام زوجها من الغلام - الحديث ".
(منه - قدس سره -)، الكافي ج 7 ص 423 ح 6، الوسائل ج 18 ص 206 ح 2.
260

وأعجب من ذلك ما وقع له والعلامة في المختلف قبله من الاستشكال في
الاستدلال بصحيحة أبي عبيدة حتى استشهدا على ما ذكراه من حمل الولي في صدرها
على غير الأب والجد بما صرحا به، مع أن عجز الرواية أوضح شاهد بما ذكراه
حيث قال في عجزها " فإن كان أبوها الذي هو زوجها قبل أن تدرك قال: يجوز
عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية ".
والتقريب فيها أنه لو لم يحمل صدرها على غير الأب والجد للزم المنافاة
والمضادة بين ما دل عليه صدرها وعجزها، ونحن قدمنا الرواية بتمامها وبينا
الوجه فيها في آخر المسألة الأولى من هذا المقصد.
احتج الشيخ على ما نقله في المسالك على البطلان من رأس بما روي عن
عائشة (1) " أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها
فنكاحها باطل ".
ورواية أبي موسى الأشعري (2) " أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا نكاح إلا بولي ".
ورواية ابن عمر (3) " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أيما عبد نكح بغير إذن مواليه
فنكاحه باطل ".
ورواية الفضل البقباق (4) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يتزوج الأمة
بغير إذن أهلها قال: هو زنا إن الله تعالى يقول: فانكحوهن بإذن أهلهن "
وبأن ا العقود الشرعية تحتاج إلى الأدلة وهي منتفية في محل النزاع.
ثم قال في المسالك: ووافقه على البطلان الشيخ فخر الدين مضيفا إليه سائر
العقود مستدلا عليه بأن العقد سبب الإباحة، ولا يصح صدوره من غير معقود عليه
أو ولية، وبأن رضى المعقود عليه أو وليه شرط، والشرط متقدم.
ثم رده بأن الأولى منهما مصادرة والثانية لا تفيد لأن الرضا شرط اللزوم

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 125.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 125.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 125.
(4) التهذيب ج 7 ص 348 ح 55، الوسائل ج 14 ص 527 ح 1.
261

وهو متأخر عنه لا العقد الذي هو المتنازع فيه، ثم أجاب عن روايات الشيخ بأنها
كلها عامية قال: وقد أتينا بخبر منها ومثلها فتكون رواياتنا أرجح - إلى أن
قال -: والرواية الأخيرة الخاصة بنا ظاهرة في أن زوج الأمة وطأها بذلك العقد
من غير إجازة المولى، ولا شبهة في كونه زنا، ولو ادعى عدم الوطئ حمله على ما لو
فعله كذلك، جمعا بينها وبين ما سلف، وهو جيد.
والعجب من الشيخ - مع روايته للروايات المتقدمة في كتبه الصريحة في
المدعي - كيف يدعي أن الأدلة منتفية في محل النزاع.
وبقي الكلام في الروايات الأولى وما دلت عليه، من أن المهر لازم لأمه مع
عدم قبوله ورضائه بالتزويج.
والشيخ في النهاية قد أفتى بمضمون الرواية فقال: إذا عقدت الأم بابن لها
على امرأة كان مخيرا في قبول العقد والامتناع منه فإن قبل لزمه المهر، فإن أبي
لزمها هي المهر، وتبعه ابن البراج.
وقال ابن إدريس: حمل ذلك على الأب قياس، فإن الأم غير والية على الابن
فإنما هذا النكاح موقوف على الإجازة أو الفسخ، فإن بلغ الابن ورضي لزمه المهر
وإن أبى انفسخ النكاح، ولا يلزم الأم من المهر شئ بحال، إذ هي والأجانب سواء
فكما لو عقد عليه أجنبي كان الحكم ما ذكرناه بغير خلاف، فلا دليل على لزوم
المهر، لأن الأصل براءة الذمة، شغلها يحتاج إلى دليل. إنتهى.
أقول: لا يخفى أن ما أفتى به الشيخ هنا إنما استند فيه إلى الرواية
المذكورة، والرواية ظاهرة في أن الابن بالغ عاقل، وإنما كان غائبا فعقدت الأم
عنه فضولا، وكلام ابن إدريس يشعر بأنه توهم أن المعقود عليه صغير، ولا ولاية
للأم عليه كما للأب، فلا يلزمها المهر كما يلزم الأب لو عقد على ابنه الصغير،
وهو بمعزل واضح عن ظاهر الرواية، وكلام الشيخ المبنى عليها وإن كانت عبارة
262

الشيخ مجملة هنا.
بقي الكلام في ضمانها المهر مع كون عقدها فضوليا، وقضية ذلك أنه إن
أجاز لزمه المهر، وإلا فلا مهر، والعلامة في المختلف وقبله شيخه المحقق في الشرايع
حملا الضمان على ما إذا ادعت الأم الوكالة ولم يثبت، فإنها تضمن المهر لأنها
قد فوتت البضع على الزوجة فضمنت، وهو جيد.
ويدل عليه جملة من الأخبار، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في كتاب
الوكالة في المسألة الثانية من المطلب السابع في التنازع (1) من الكتاب المذكور.
وأما ما ذكره في المسالك بعد ذكر حمل المحقق والعلامة حيث قال: وفيه
نظر لأن ضمان البضع بالتفويت مطلقا ممنوع، وإنما المعلوم ضمانه بالاستيفاء
على بعض الوجوه لا مطلقا، والأقوى عدم وجوب المهر على مدعي الوكالة مطلقا
إلا مع ضمانه فيجب حسبما يضمن عن الجميع أو البعض. إنتهى.
ففيه ما ذكره في الموضع المشار إليه من ورود الأخبار وفيها الصحيح
بالضمان، وأن الظاهر أن الوجه فيه إنما هو العقوبة للوكيل حيث ضيع حق
المرأة بعدم الاشهاد على الوكالة فليرجع إليه من أحب الاطلاع عليه، والله العالم.
المسألة الثامنة: المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف
يعرف إلا من ابن إدريس أنه يجزي في إجازة البكر وإذنها سكوتها، ويعتبر في
الثيب النطق، وقال ابن إدريس - بعد أن حكى قول الشيخ في النهاية أن الأخ إذا
أراد العقد على أخته البكر استأمرها فإن سكت كان ذلك رضا منها، ما صورته -:
المراد بذلك أنها تكون قد وكلته في العقد.
وإن قيل: إذا وكلته في العقد فلا حاجة به إلى استيمارها قلنا: بل
يستحب أن يستأمرها عند العقد بعد ذلك، وكذلك الأب إذا لم يكن وليا

(1) ج 22 ص 109.
263

عليها، ولا له على النكاح، وولت أمرها إليه فإنه يستحب له أن يستأمرها
إذا أراد العقد عليها، وهذا معنى ما روي " أن إذنها صماتها " وإلا السكوت لا يدل
في موضع من المواضع على الرضا.
والذي يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور جملة من الأخبار
الواضحة المنار.
ومنها ما رواه في الكافي عن الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " قال:
وسئل عن رجل يريد أن يزوج أخته، قال: يؤامرها، فإن سكتت فهو إقرارها
وإن أبت لم يزوجها " الحديث.
وما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (2) " قال: أبو الحسن عليه السلام " في
المرأة البكر إذنها صماتها والثيب أمرها إليها " ورواه الحميري في كتاب قرب
الأسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر مثله.
وما رواه في الكافي والفقيه عن داود بن سرحان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل
يريد أن يزوج أخته، قال: يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم
يزوجها ".
ويؤيده ما تقدم في سابق هذه المسألة من حكمه عليه السلام في صحيحة معاوية بن
وهب، " بأن سكوت موالي العبد الذي تزوج بغير إذن منهم، إقرار له على
التزويج ".
وهذه الروايات كما ترى ظاهرة بل صريحة في القول المشهور، وليس في
شئ منها ما يشير إلى حصول الوكالة التي ادعاها ابن إدريس، بل هي ظاهرة في خلاف
ذلك، وما ادعاه من استحباب استيمارها بعد الوكالة مجرد دعوى ألجأه إليه

(1) الكافي ج 5 ص 393 ح 4 و ص 394 ح 8، قرب الإسناد ص 159 الوسائل ج 14 ص 20 ح 4 و ص 206 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 393 ح 4 و ص 394 ح 8، قرب الإسناد ص 159 الوسائل ج 14 ص 20 ح 4 و ص 206 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 293 ح 3، الوسائل ج 14 ص 201 ح 3.
264

ضيق الخناق في الخروج عما وقع عليه الاتفاق، فإنا لم نقف لذلك على دليل
عقلي ولا نقلي كما يخفى.
وينبغي تقييد الاكتفاء بالسكوت عن اللفظ الصريح بما إذا لم يكن ثمة
قرينة دالة على عدم الرضاء، وإلا لم يفد السكوت الإذن.
قيل: ولو ضحكت عند استئذانها فهو إذن، لأنه أدل على الرضاء من
السكوت.
وفيه توقف إذ ربما يكون الضحك عن استهزاء وتعجب، لا عن فرح
وسرور، مع خروجه عن موضع النص المخالف للأصل، فيجب الاقتصار على
مورد النص.
ونقل عن ابن البراج أنه ألحق بالسكوت والضحك البكاء وهو أبعد، بل
ربما كان ذلك قرينة ظاهرة على الكراهة.
والظاهر أن وجه الحكمة فيما دلت عليه هذه الأخبار من الاكتفاء بالسكوت
هو أن البكر غالبا تستحي من الكلام والجواب باللفظ، هذا كله في البكر.
أما الثيب فيعتبر نطقها إجماعا، ويؤيد ما عرفت من وجه الحكمة في البكر
وأن الثيب بسبب الثيوبة ومخالطة الرجال يزول عنها الحياء.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا إشكال في حصول الثيوبة الموجبة لوجوب النطق
بالجماع، لعقد كان أو ملك أو شبهة أو زنا، كبيرة كانت أو صغيرة، لصدق الثيوبة
في الجميع ولزوال الحياء بممارسة الرجال.
وإنما الاشكال في حصول الثيوبة بغير ذلك من طفرة ووثبة وسقطة، أو
بالإصبع ونحو ذلك، فظاهر العلامة إلحاق من كانت ثيوبتها بأحد هذه الأمور
بالبكر لوجود معنى البكر فيمن ذكر حيث لم تخالط الرجال فيبقي الحياء بحاله.
ونفى عنه البعد السيد السند في شرح النافع، مع أن جده اعترضه في المسالك
265

بأن فيه نظر من حيث إطلاق النصوص الشامل لمن ذكر، قال: والاقتصار على
الحكمة غير لازم، ومن الجائز كونها حكمة في الحكم الكلي، وإن تخلفت في
بعض جزئياته.
ومثله كثير في القواعد الشرعية المترتبة على أمور حكمية تضبط بضوابط
كلية، وإن تخلفت الحكمة في بعض مواردها الجزئية كما جعلوا السفر موجبا
للقصر نظرا إلى المشقة بالاتمام فيه غالبا مع تخلفها في كثير من المسافرين المترفهين
ووجودها في كثير من الحاضرين، وكترتب العيب المجوز للرد، على نقصان
الخلقة وزيادتها، نظرا إلى كون ذلك مما يوجب نقصان القيمة غالبا، وقد
تخلف في مثل العبد إذا وجد خصيا، فأبقى على القاعدة وإن زادت قيمته أضعافا
مضاعفة. إنتهى، وهو جيد.
ومن جملة ما ذكره أيضا ما صرحت به الأخبار من العلة في العدة هو أن وجه
الحكمة فيها استبراء الرحم، مع وجوبها في مواضع عديدة يقطع ببراءة الرحم
كمن سافر عن زوجته عشر سنين ثم طلقها في سفره أو مات عنها، ونحوه.
وما ورد من أن مشروعية غسل الجمعة كان لتأذي الناس من روايح آباط
الأنصار في المسجد إذا حضروها، فأمر بالغسل لذلك مع استحباب الغسل أو وجوبه
مطلقا، بل استحباب تقديمه، وقضائه، وإن كان روايح المصلين أطيب من ريح
المسالك، إلى غير ذلك من العلل المذكورة في كتاب علل الأخبار.
ونقل في المسالك عن الشهيد في بعض فوائده أن الثيوبة على أحد الوجوه
المتقدمة الخارجة عن الجماع حكمها كالثيوبة الحاصلة بالجماع، واختاره في
المسلك أيضا قال: لاطلاق النص، والمسألة لا تخلو من نوع إشكال، وإن كان
ما اختاره الشهيدان لا تخلو من قرب ورجحان.
قال في المسالك: وفي الموطوء في الدبر وجهان: من صدق البكارة، وزوال
الحياء، واختار في التذكرة اعتبار النطق فيها. إنتهى.
266

أقول: لا يخفى أن مقتضى تعليق الاكتفاء بالسكوت على البكارة في
النصوص المتقدمة هو الاكتفاء بالسكوت في المنكوحة دبرا لثبوت البكارة، وهذه
العلة التي ذكروها هنا غير منصوصة، بل هي مستنبطة فترجيح العمل بها على
إطلاق النص لا يخلو من الاشكال، والله العالم.
المسألة التاسعة: قد عد جملة من الأصحاب مسقطات الولاية وهي أربعة:
الكفر، وعدم الكمال بالبلوغ والرشد، والرقية، والاحرام.
فتحقيق الكلام في المقام يقع في مواضع أربعة: (أحدها) الظاهر أنه لا خلاف
بين الأصحاب (رضي الله عنهم) في اشتراط الاسلام في الولاية فلا تثبت للكافر - أبا
كان أوجدا أو غيرهما - الولاية على الولد المسلم صغيرا أو مجنونا ذكرا كان أو
أنثى، ويتصور إسلام الولد في هذه الحال بإسلام أمه أوجده على قول، وكذا يتصور
إذا أسلم بعد بلوغه ثم جن، أو كانت أنثى على القول بثبوت الولاية على البكر
البالغ، واستندوا في عدم الولاية في هذه الصورة إلى قوله عز وجل (1) " والمؤمنون
والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ".
وظاهر بعضهم اشتراط ذلك أعم من أن يكون المولى عليه مسلما أو
كافرا، والحكم في الأول إجماعي.
واستدل عليه زيادة على ما سبق بقوله عز وجل (2) " ولن يجعل الله للكافرين
على المؤمنين سبيلا " وقوله (3) " والإسلام يعلو ولا يعلى عليه ".
وأما الثاني وهو أن المولى عليه متى كان كافرا فإنه يشترط في الولي عليه
الاسلام، فلا يجوز ولاية الكافر على الكافر.
فقال في المسالك: إن وجه المنع غير ظاهر، وعموم الأدلة متناولة وقوله

(1) سورة التوبة - آية 71.
(2) سورة النساء - آية 141.
(3) الوسائل ج 17 ص 376 ح 11.
267

تعالى (1) " فانكحوهن بأذن أهلهن " يشهد له.
بل قال الشيخ في المبسوط: إن ولي الكافرة لا يكون إلا كافرا، فلو كان لها
وليان أحدهما مسلم والآخر كافر، كان الذي يتولى تزويجها الكافر دون المسلم
لقوله (2) " والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ".
ومنه يظهر ضعف ما نقل عن ظاهر بعضهم من اشتراط الاسلام في الولي وإن
كان المولي عليه كافرا، وأن الأجود هو أن يتولى الكافر نكاح الكافرة مطلقا إذا لم
يكن لها ولي مسلم، وإلا فالمسلم مع وجوده أولى، خلافا لما ذكره في المبسوط.
ويتصور ولاية المسلم على ولد الكافر فيما إذا كان الأب والجد كافرين فأسلم
الجد بعد بلوغ الولد ثم عرض الجنون للولد، أو يكون الولد البالغ أنثى وقلنا
بالولاية على البكر البالغ.
أقول: لم أقف في المقام على نص مخصوص، ولا أعرف لهم مستندا فيه سوى
ما يظهر من اتفاقهم على الحكم المذكور.
وأما الآيات التي ذكروها في المقام فهي لا تنهض حجة في مقام الخصام، فإن
الظاهر من الآية الأولى والثالثة إنما هو النصرة والمحبة والمساعدة في الأمور،
ولهذا عقب الآية الأخيرة بقوله " إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " لا
الولاية بلا معنى المدعى هنا،
وأما آية " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " فإن المراد بالسبيل
المنفي إنما هو من جهة الحجة والدليل، كما روي عن الرضا عليه السلام في تفسير الآية
المذكورة لا ما توهمه أصحابنا.
واستدلوا عليه بالآية في غير موضع من الأحكام حسبما صرح به الخبر
المشار إليه وأوضح بطلانه، وقد تقدم الكلام في ذلك في غير موضع من الكتاب.

(1) سورة النساء - آية 25.
(2) سورة الأنفال - آية 73.
268

و (ثانيها) في اشتراط الكمال بالبلوغ والرشد، فلا ولاية للصبي ولا المجنون
ولا المغمى عليه ولا السكران الموجب سكره لذهاب عقله، قالوا: والوجه في
ذلك هو أن هؤلاء لعجزهم عن اختيار الأزواج والنظر في أحوالهم وإدراك التفاوت
بينهم المطلوب من الولي لا تثبت لهم الولاية نعم لو زال الجنون والاغماء والسكر
عادت الولاية.
وربما قيل بأن الجنون المنقطع كالمطبق في رفع الولاية وهو ظاهر عبارة
القواعد، قال الشارح المحقق: والأول أقرب مع قصر زمانه، ثم قال: والاغماء
إن كان مما يدوم يوما أو يومين أو أكثر تزول الولاية حال الاغماء، لكن إذا
زال عادت مع وجود مقتضاها كالأبوة والجدودة، وإن قصر زمانها غالبا فهي كالنوم
لا تزول به الولاية. إنتهى (1).
وأشار بقوله " مع وجود مقتضاها " - بمعنى أن عود الولاية إنما يكون مع
وجود المقتضي لها بكونه أبا أوجدا - إلى أنه لو كان وصيا لم تعد الولاية، وقد
نبه على ذلك في آخر كلامه في المقام، فقال: إذا عرفت ذلك فإذا زال المانع
عادت الولاية، وهذا في الأبوة والجدودة ظاهر، وأما في الوصاية فلأنها إذا بطلت
لا تعود الولاية إلا بنص الموصي على عودها بعد زوال المانع. إنتهى.
ومرجع ذلك إلى أن الولاية في الأب والجد مترتبة على الأبوة والجدودة،
وهي موجودة في محل الفرض، والولاية في الوصاية ليست كذلك بل منفكة عنها
فزوالها بالاغماء لا يعود بمجرد بقاء الوصاية، لانفكاكها عنها، بل يحتاج إلى
نص من الموصي على العود، إذ لا بد من دليل على عودها، وليس إلا ذلك،

(1) أقول: ظاهره في المسالك أنه لا فرق بين قصر الجنون والاغماء أو طولهما
في زوال الولاية بهما وعودها بعد زوالهما، قال بعد الكلام في المقام: ولا فرق بين طول
زمان الجنون والاغماء وقصره، لقصور حالته، ووجود الولاية في الآخر، وإنما يفرق
بين الطول والقصر عند من يجعل ولاية الجد مشروطة بفقد الأب كالشافعي فيجعل المانع
القصير غير مبطل للولاية، ولا ناقل لها إلى إلا بعد كالنوم. انتهى. (منه - قدس سره -).
269

ولا يخفى أن هذا الكلام إنما يتجه على تقدير القول في مسألة ولاية الوصي
المتقدمة بأن ولايته مخصوصة بنص الموصي على الولاية.
وأما على القول بأنها تثبت بمجرد الوصاية وإن لم ينص عليها كما هو
مختار جمع من المحققين فإنه لا فرق حينئذ بين الأب والجد وبين الوصي لبقاء
الوصاية التي هي الموجبة للولاية كالأبوة والجدودة.
و (ثالثها) اشتراط الحرية في الولي، فلا ولاية للمملوك على ولده حرا كان
الولد أو مملوكا، لمولى الأب أو لغيره، وهكذا الجد أيضا ليس له ولاية، وعلل
سلب الولاية عنهما بأن الرق ليس أهلا لذلك، فنقصه بالرقية المقتضي لكونه
لا يقدر على شئ، فإنه لا يستطيع تزويج نفسه بغير ولي، ولأن الولاية تستدعي
البحث والنظر، والعبد مشغول بخدمة سيده لا يفرغ لذلك.
وبذلك صرح العلامة في جملة من كتبه، إلا أن ظاهره في المختلف القول
بصحة ولايته، حيث نقل عن ابن الجنيد عدم جواز ولاية الكافر والعبد ثم قال:
أما قوله في الكافر فجيد، لقوله تعالى (1) " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين
سبيلا "، وأما العبد فالأقوى صحة ولايته لأنه بالغ رشيد، فأشبه الحر، وكونه
مولى عليه لا ينافي ولايته. إنتهى.
هذا إذا لم يأذن له مولاه، وإلا فإنه يصح مع إذنه، إلا أنه ينبغي أن
يعلم أن موضع الصحة ما إذا كان الولد مملوكا فأذن له مولاه أيضا في تزويجه.
أما لو كان حرا صغيرا، فإن ثبوت ولايته عليه
بإذن المولى له مشكل، لأن
المقتضي لسلب ولايته هو الرقية ولا يزول بالإذن.
قالوا: ولا فرق في مملوكية الأب أو الجد بين كونه قنا أو مكاتبا أو مدبرا،
ولو تحرر بعضه فكالقن.

(1) سورة النساء - آية 141.
270

أقول: هذا خلاصة كلامهم في المقام، والمسألة خالية من النص فيما أعلم،
إلا أنه لما دل الدليل على كونه مولى عليه بالنسبة إليه نفسه، قلا اختيار له في
تزويج ولا غيره إلا بإذن السيد، فبالنسبة إلى غيره بطريق أولى، ولظاهر الآية
المشار إليها أيضا، وبالجملة فإن الحكم لا إشكال فيه.
و (رابعها) الاحرام، وهو يسلب ولاية عقد النكاح إيجابا وقبولا بغير خلاف
وعلى ذلك يدل جملة من الأخبار.
منها صحيحة عبد الله سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: ليس للمحرم أن
يتزوج ولا يزوج، فإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل " وفي معناها غيرها.
وكما يحرم على العقد إيجابا وقبولا فكذلك يحرم عليه شهادة العقد وإن
وقع من محلين، إلا أنه هنا لا يوجب بطلان العقد كما في الأول وإن أثم بالحضور
والشهادة، لأن الشهادة عندنا ليست شرطا في النكاح.
ولا خلاف في جواز الطلاق للمحرم ومراجعة المطلقة وشراء الإماء، أما
الأول فيدل عليه صحيحة أبي بصير (2) ورواية حماد بن عثمان (3) وأما الثاني فللأصل
السالم من المعارض حيث إن مورد أخبار النهي إنما هو النكاح، والمراجعة ليست
ابتداء نكاح، وأما الثالث فيدل عليه مضافا إلى الأصل صحيحة سعد بن سعد (4)
وتمام تحقيق الكلام في هذا المقام قد تقدم في كتاب الحج، والله العالم.
المسألة العاشرة: قد عرفت مما تقدم أن الأب والجد يشتركان في الولاية
على الصغيرين، فلو بادر كل منهما وعقد على شخص غير من عقد عليه الآخر مع علم
صاحبه أو غير عمله، فإنه يقدم عقد السابق منهما أبا كان أوجدا، وهذا ثمرة

(1) التهذيب ج 5 ص 328 ح 41، الوسائل ج 9 ص 89 ح 1.
(2) الكافي ج 4 ص 372 ح 6 و ص 373 ح 7 و ج 4 ص 373 ح 8، الوسائل ج 9 ص 93 ح 1 و 2 و ص 92 ب 16.
(3) الكافي ج 4 ص 372 ح 6 و ص 373 ح 7 و ج 4 ص 373 ح 8، الوسائل ج 9 ص 93 ح 1 و 2 و ص 92 ب 16.
(4) الكافي ج 4 ص 372 ح 6 و ص 373 ح 7 و ج 4 ص 373 ح 8، الوسائل ج 9 ص 93 ح 1 و 2 و ص 92 ب 16.
271

الاشتراك لكن ولاية الجد أقوى وإن اشتركا في أصل الولاية، ولهذا أنه إذا
اختار الجد زوجا واختار الأب الآخر قدم مختار الجد ولا ينبغي للأب معارضته
في ذلك.
وأظهر من ذلك أنه لو بادر كل منهما وعقد على زوج غير الآخر من غير علم
صاحبه أو مع علمه واتفق العقدان في وقت واحد بأن تقترن قبولها معا، قدم
عقد الجد في هذه الصورة، وعلى كل من الأمرين أعني أولوية الجد وتقديم عقده
مع الاقتران تدل الأخبار الواردة في هذه المسألة.
ومنها ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن عبيد بن زرارة (1) في الموثق " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل، ويريد جدها
أن يزوجها من رجل آخر، فقال: الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن
الأب زوجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجد ".
ورواه في الفقيه عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة (2) بدون قوله " ما لم يكن
مضارا " وبدون قوله " ويجوز عليها تزويج الأب والجد ".
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) عن أحدهما عليهما السلام
" قال: إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، ولابنه أيضا أن يزوجها،
فقلت: فإن هوى أبوها رجلا وجدها رجلا؟ قال: الجد أولى بنكاحها "،
وما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إني كنت يوما
عند زياد بن عبيد الله الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبيه فقال: أصلح الله

(1) الكافي ج 5 ص 395 ح 1، الوسائل ج 14 ص 218 ح 2.
(2) الفقيه ج 3 ص 250 ح 3، الوسائل ج 14 ص 218 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 395 ح 2، التهذيب ج 7 ص 390 ح 37، الوسائل
ج 14 ص 217 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 395 ح 3، الوسائل ج 14 ص 218 ح 5.
272

الأمير إن أبي زوج ابنتي بغير إذني فقال زياد لجلسائه الذين عنده: ما تقولون
فيما يقول هذا الرجل؟ قالوا: نكاحه باطل، قال: ثم أقبل علي فقال: ما تقول
يا أبا عبد الله؟ فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم: أليس فيما تروون
أنتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت ومالك لأبيك؟ قالوا: بلى، فقلت لهم: فكيف يكون
هذا، وهو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه، قال: فأخذ بقولهم وترك قولي ".
وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن هشام بن سالم ومحمد بن
حكيم (1) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " قال إذا زوج الأب والجد كان التزويج
للأول، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى
وما رواه في الكافي والتهذيب عن الفضل بن عبد الملك (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز
قلنا: فإن هوى أبو الجارية هوى، وهوى الجد هوى، وهما سواء في العدل
والرضاء، قال: أحب إلي أن ترضى بقول الجد ".
وما رواه الحميري في قرب الإسناد بإسناده عن علي بن جعفر (3) عن أخيه
موسى عليه السلام ورواه علي بن جعفر في كتابه أيضا عن أخيه موسى عليه السلام " قال: سألت عن
رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته، فهوى جده أن يزوج أحدهما، وهوى أبوها
الآخر، أيهما أحق أن ينكح؟ قال: الذي هوى الجد أحق بالجارية لأنها وأباها

(1) الكافي ج 5 ص 395 ح 4، التهذيب ج 7 ص 390 ح 38، الفقيه ج 3
ص 250 ح 4، الوسائل ج 14 ص 218 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 396 ح 5، التهذيب ج 7 ص 391 ح 40، الوسائل
ج 14 ص 218 ح 3.
(3) قرب الإسناد ص 119 باب ما جاء في الأبوين، الوسائل ج 14 ص 219 ح 8.
273

للجد.
أقول: وهذه الأخبار على تعددها قد اشتركت في الدلالة على أولوية الجد
وأنه ينبغي للأب وكذا الجارية الرضاء بمن اختاره الجد، ولا يتقدم واحد
منهما في الاختيار عليه، كل ذلك على جهة الفضلية والاستحباب.
وأما مع اقتران العقدين على الوجه الذي قدمناه، فإنه يقدم عقد الجد (1)
كما تضمنته صحيحة هشام بن سالم ومحمد بن حكيم.
وخالفنا العامة في هذا الحكم، فجعلوا الأب أولى من الجد على معنى أن
الجد لا ولاية له مع وجد الأب، لأن الأب يتولى بنفسه، والجد يتولى بواسطة
الأب، وعورض دليلهم بأن للجد ولاية على الأب لوجوب طاعته وامتثال أمره
فيكون أولى.
أقول: ومن هنا تضمن خبر عبيد بن زرارة الثاني إفتاء علماء العامة للوالي
ببطلان نكاح الجد، وموافقة الوالي لهم وإعراضه عن فتوى الإمام عليه السلام مع
اعترافهم بالحديث الذي ألزمهم به، كل ذلك عنادا للحق.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المتبادر من الأخبار المتقدمة هو أن المراد بالأب
فيها هو الذي تولدت تلك الجارية من صلبه بلا واسطة، والمتبادر من الجد فيها
هو الأب لهذا الأب المذكور وهل يتعدى الحكم هنا إلى أب الجد وجد الجد وإن

(1) والعجب من شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في الروضة حيث قال - بعد قول
المصنف " لو زوجها الأبوان برجلين واقترنا قدم عقد الجد " ما صورته -: لا نعلم فيه
خلافا، وتدل عليه من الأخبار رواية عبيد بن زرارة، ثم ساق الرواية الأولى من الروايات
التي ذكرناها في الكتاب، ثم كتب في الحاشية: أن هذه الرواية من الموثق ويشكل الحكم
بمجردها إلا أنها من المشاهير إن لم يكن حكمها اجماعيا. انتهى.
ثم إنه في المسالك قد ذكر من روايات المسألة أيضا صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة
هشام بن سالم ومحمد بن حكيم وما ذكره في الروضة إنما ذلك من الاستعجال وعدم المراجعة
لكتب الأخبار. (منه - قدس سره -).
274

علا مع الأب أو هو من أدنى منه حتى يكون أبا الجد أولى من الجد وجد الجد
أولى من الجد.
قال في المسالك: وجهان: من زيادة البعد ووجود العلة، ويقوى تقديم
الجد وإن علا على الأب فيقدم عقده مع الاقتران لشمول النص له، فإن الجد
وإن علا يشمله اسم الجد، لأنه مقول على الأعلى والأدنى بالتواطؤ.
وأما إقامة الجد مع أبيه مقام الأب مع الجد فعدمه أقوى لفقد النص
الموجب له مع اشتراكهما في الولاية، وأن الجد لا يصدق عليه اسم الأب إلا مجازا
كما أسلفناه فلا يتناوله النص.
ومن جعله أبا حقيقة كما ذهب إليه جمع من الأصحاب يلزمه تعدي الحكم
إليه، ففي الأول يبطل العقد لاستحالة الترجيح بغير مرجح، واجتماع الضدين
كما لو زوجها الوكيلان، وعلى الثاني يقدم عقد الأعلى. إنتهى.
أقول: قد عرفت مما قدمناه في غير مقام، ولا سيما في كتاب الخمس قوة
القول الثاني وأن الجد يطلق عليه الأب حقيقة، كما يطلق الابن علي ابن ابنه
وإن سفل حقيقة، وحينئذ فيقدم عقد الأعلى في الصورة التي فرضها، والله العالم.
المسألة الحادية عشر: قالوا: إذا زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح
ولها الخيار، وكذا لو زوج الطفل من كان بها أحد العيوب الموجبة للفسخ، ولو
زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت، وكذا لو زوج الصغير بمملوكة
وقيل: بالمنع هنا.
أقول: وتفصيل هذا الاجماع على وجه يتضح منه الحال.
أما بالنسبة إلى الحكم الأول، فإنهم عللوه بأن كل واحد من المجنون
والخصي كفو، والعيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة فلا تنافي الصحة، وإنما
المانع من الصحة هو تزويجها بغير الكفؤ، ولأن الأصل الصحة، ولأنها لو كانت
275

كاملة كان لها أن تتزوج بمن ذكر، وهكذا بالنسبة إلى الطفل الذي زوج بمن بها
أحد العيوب.
وأما ثبوت الخيار في الموضعين فلمكان العيب الموجب له لو كان هو المباشر
للعقد جاهلا، وفعل الولي له حال صغره. بمنزلة الجهل.
ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه أطلق جواز تزويج الولي الصغيرة بعبد أو
مجنون أو مجهول أو مجذوم أو أبرص أو خصي، محتجا بأن الكفاءة ليس من شرطها
الحرية ولا غير ذلك من الأوصاف، ولم يذكر الخيار، والأوضح ما ذكره غيره من
الأصحاب لما عرفت.
وظاهر إطلاق الأصحاب الصحة هنا يدل على أن تزويج الولي لا يناط
بالمصلحة والغبطة بل يكفي وقوعه بالكفؤ، والفرض أن لا مفسدة في ذلك إذ
لا يترتب عليه فيه حق مالي، والنقص منجبر بالخيار.
وللشافعية وجه بعدم صحة العقد المذكور من حيث إنه لاحظ للمولى
عليه تزويج المعيب سواء علم الولي أو لم يعلم.
ووجه ثالث بالتفصيل بعلم الولي بالعيب فيبطل - كما لو اشتري له المعيب
مع علمه بالعيب - أو الجهل فيصح ويثبت الخيار للولي على أحد الوجهين أولها
عند البلوغ.
قال في المسالك بعد نقل ذلك: وهذا الوجه الأخير موجه.
وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني وهو ما لو زوجها بمملوك إلى آخره، فإن
الوجه عندهم أنه لما كانت الكفاءة غير مشترطة بالحرية وليست الرقية من العيوب
المجوزة للفسخ صح للولي أن يزوج الصغيرة بمملوك لتحقيق الكفاءة، ولا خيار
لها بعد البلوغ لعدم موجبه إذ الفرض أنه لا عيب هنا، وهكذا القول في الطفل
إذا زوجه الولي بمملوكة إن جوزنا للحر تزويج الأمة مطلقا، ولا خيار له
276

بعد البلوغ.
وإن قلنا باشتراطه بالشرطين المشهورين، وهما عدم الطول وخوف العنت
لم يصح هنا لفقد الشرط الثاني، لأن العنت هنا بالنسبة إلى الطفل مأمون، وسيأتي
تمام الكلام في ذلك إن شاء الله.
المسألة الثانية عشر: أجمع الأصحاب (رضي الله عنهم) وغيرهم على أنه
لا يجوز التمتع بأمة الذكر إلا بإذن المالك، وإنما الخلاف في التمتع بأمة
المرأة، فذهب الأكثر إلى أنها كأمة الرجل، بل قال ابن إدريس: إنه لا خلاف
في ذلك إلا رواية شاذة رواها سيف بن عميرة (1) أوردها شيخنا في نهايته ورجع
عنها في المسائل الحائريات. إنتهى.
وقال الشيخ في النهاية والتذهيب، يجوز التمتع بأمة المرأة بغير إذنها.
والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة.
ومنها ما رواه في الكافي عن ابن أبي نصر (2) في الصحيح أو الحسن عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام " قال: لا يتمتع بالأمة إلا بإذن أهلها ".
وعن عيسى بن أبي منصور (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لا بأس بأن يتزوج
الأمة متعة بإذن مولاها ".
وما رواه التهذيب في الصحيح عن ابن أبي نصر (4) " قال سألت الرضا عليه السلام يتمتع
بالأمة بإذن أهلها؟ قال: نعم إن الله تعالى يقول (5): فانكحوهن بإذن أهلهن ".
وبهذا الاسناد " قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يتمتع بأمة رجل بإذنه؟

(1) التهذيب ج 7 ص 257 ح 39، الوسائل ج 14 ص 463 ب 14 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 463 ح 1 و 2. الوسائل ج 14 ص 463 ب 15 ح 1 و 2.
(3) الكافي ج 5 ص 463 ح 1 و 2. الوسائل ج 14 ص 463 ب 15 ح 1 و 2.
(4) التهذيب ج 7 ص 257 ح 35، الوسائل ج 14 ص 464 ح 3.
(5) سورة النساء - آية 24.
277

قال: نعم ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) " قال: سألت
أبا الحسن الرضا عليه السلام هل للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة
حرة؟ قال: نعم إذا رضيت الحرة " الحديث.
وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه هذه الأخبار عدا الأول منها هو أن التمتع
بالأمة بإذن أهلها جائز وصحيح، وهذا مما لا نزاع فيه، ولا تعلق له بما نحن
فيه نفيا وإثباتا. نعم الخبر الأول منها ظاهر في عدم جواز التمتع بالأمة إلا بإذن أهلها
ذكرا كان أهلها أو أنثى، فهي ظاهرة في رد القول المتقدم ذكره.
ويؤيدها أن وطئ الأمة تصرف في مال الغير، وهو موقوف على الإذن كساير
التصرفات.
ورواية أبي العباس (2) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يتزوج الأمة
بغير علم أهلها قال: هو زنا، إن الله يقول، فانكحوهن بإذن أهلهن " ونحوها
روايته الثانية.
وما رواه ثقة الاسلام (عطر الله مرقده) عن سيف بن عميرة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال
لا بأس بأن يتمتع الرجل بأمة المرأة بغير إذنها، فأما أمة الرجل فلا يتمتع
بها إلا بأمره ".
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن سيف بن عميرة عن داود بن فرقد (4) عن

(1) الكافي ج 5 ص 463 ح 3، التهذيب ج 7 ص 257 ح 37، الوسائل
ج 14 ص 464 ح 1.
(2) الفقيه ج 3 ص 286 ح 5، الوسائل ج 14 ص 527 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 464 ح 4، الوسائل ج 14 ص 463 ح 1.
(4) التهذيب ج 7 ص 258 ح 40، الوسائل ج 14 ص 463 ح 3.
278

أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن الرجل يتزوج بأمة بغير إذن مواليها فقال: إن
كانت لامرأة فنعم، وإن كانت لرجل فلا ".
وبهذا الاسناد عن سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة (1) " قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يتمتع بأمة امرأة بغير إذنها، قال: لا بأس به ".
قال في المسالك بعد نقل الثالثة من هذه الروايات: وهذه - مع مخالفتها
لأصول المذهب ولظاهر القرآن - مضطربة السند، فإن ابن عميرة تارة يرويها عن
الصادق عليه السلام بغير واسطة، وتارة بواسطة علي بن المغيرة، وتارة بواسطة داود بن فرقد
واضطراب السند يضعف الرواية وإن كانت صحيحة فكيف بمثل هذه الرواية.
إنتهى.
أقول: لا يخفى أنه لا مانع من أن يرويها الراوي المذكور على هذه الوجوه
المذكورة سيما مع اختلاف المتن، وعد مثل ذلك اضطرابا - يوجب رد الرواية
ممنوع.
وإلى ما ذكرنا يشير كلام سبطه أيضا في شرح النافع أيضا، فقال بعد نقل
ذلك عن جده: أقول: في تسمية الاختلاف الواقع في السند على هذا الوجه
اضطرابا نظر، نعم ما ذكره - من مخالفتها لأصول المذهب وهو قبح التصرف في مال
الغير إلا بإذنه، ومخالفتها لظاهر القرآن وهو قوله عز وجل " فانكحوهن بإذن
أهلهن " فإنه بإطلاقه شامل للذكر والأنثى - جيد، إلا أنه لا يخفى على المتتبع
للأحكام وما وقع لهم فيها في أمثال هذا المقام أنه مع ورود النص الصحيح المخالف
لما ذكروه في كثير من المواضع قد خصصوا به إطلاق الآيات (2) وقيدوا به تلك

(1) التهذيب ج 7 ص 257 ح 39، الوسائل ج 14 ص 463 ح 2.
(2) أقول: ومن ذلك أخبار الحبوة، فإن مقتضى عموم الآيات وأخبار الميراث
هو كون ذلك ميراثا لجميع الورثة، مع أنهم قد خصوها بالولد الأكبر لهذه الأخبار.
ومنها أخبار منع الزوجة من إرث أصول الأبنية والعقارات، فإن مقتضى الآيات
وجملة من الأخبار هو أنها ترث من جميع التركة مع أنهم خصوها بهذه الأخبار.
ومنها من عقد على امرأة ومات في مرضه قبل الدخول بها، فإن مقتضى الآيات
والروايات وأصول المذهب أنها ترثه، لأنها زوجته بلا خلاف، مع أن صحيح زرارة قد
دل على المنع فقالوا بذلك وخصصوا بها تلك الأدلة.
ومنها ما لو طلق هو امرأته في مرض موته فإنها ترث إلى سنة، وإن خرجت من
العدة أو كانت بائنة ما لم يبرء من مرضه أو تزوج هي، فإن مقتضى الأصول والقواعد كتابا
وسنة أنه لا ميراث هنا، لأنها صارت أجنبية لا سبب لها ولا نسب فكيف ترثه، مع أن الرواية
قد دلت على الإرث، وقالوا بمضمونها، إلى غير ذلك من المواضع التي يطول بنقلها
الكلام، وما نحن فيه من هذا القبيل، فكيف يطعنون هنا في هذه الروايات بما نقلنا عنهم
مع قولهم في هذه المسائل بما نقلنا عنهم فتأمل وأنصف. (منه - قدس سره -).
279

القواعد كما تقدم منا التنبيه عليه في غير مقام سيما في كتاب الوصايا في المقصد
الثاني في الموصي من الكتاب المذكور.
وإلى ما ذكرناه يشير كلام شيخنا الشهيد (نور الله مرقده) في شرح نكت
الإرشاد حيث قال - بعد أن ذكر أن أكثر الأصحاب أعرضوا عن العمل بها
لمنافاتها الأدلة، وربما ضعف بعضهم سيفا، - والصحيح أنه ثقة، فإن الشيخ المفيد
(رحمه الله) (2) بالغ في إنكار مضمونها، وكذا ابن إدريس، وأن الشيخ في النهاية عمل

(2) قال شيخنا المفيد - رحمه الله -: في جملة المسائل التي سأله عنها محمد بن
محمد على الحائري وهي معروفة مشهورة عند الأصحاب، سأله عن الرجل يتمتع بجارية
المرأة من غير علم منها، هل يجوز ذلك له؟ فأجاب: لا يجوز ذلك، ولو تمتع كان آثما
عاصيا، ووجب عليه بذلك الحد.
وقد ظن قوم لا بصيرة لهم ممن يفتري على الشيعة ويميل إلى الإمامية أن ذلك جائز
لحديث رووه " ولا بأس أن يتمتع الرجل من جارية امرأة من غير إذنها " وهذا حديث شاذ
نادر، والوجه فيه أنه يطأها بعد العقد عليها بغير إذنها من غير أن يستأذنها في الوطئ
لموضع الاستبراء، فأما جارية الرجل فلم يأت فيه حديث نقل ذلك عنه ابن إدريس في
السرائر. (منه - قدس سره -).
280

بمضمونها ما صورته:
واعلم أنه لا معارض لهذه الرواية في الحقيقة إلا الدليل العقلي الدال على
تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه، ولكن الأحكام الشرعية أخرجت كثيرا
من الأصول العقلية عن الأدلة، كجواز أخذ مال الممتنع عن الأداء مقاصة بشروطه
بغير إذنه وجواز أكل المار على النخل والشجر على المشهور ونحو ذلك.
فحينئذ لا يمتنع جواز مثل هذا لمسألة من غير إذن المرأة، إما لمصلحة
خفية لا نعملها أو لما يلحق الأمة من المشقة بترك الوطئ عند المرأة، الذي هو
اضرار ولا يزول إلا بالوطئ، ولا سبيل في الزنا ولا إلى العقد الدائم لما فيه من شدة
السلطنة والاضرار بمولاتها مع إمكان زوال الضرر بدونه فتعين جواز عقد المتعة
وهو ظاهر فيما قلناه ومؤيد لما ادعيناه، إلا أن ظاهر كلامه بعد ذلك الجمود على
القول المشهور حيث إنه بعد هذا الكلام خص الجواز بشدة الضرر في أقل زمان
يمكن فيه زوالها: قال: لقيام الدليل الدال على الخطر فيما عداه، والمشهور بل
المعتمد تحريم ذلك كله كأمة الرجل. إنتهى.
أقول: الظاهر أن الذي أوجب له الجمود على القول المشهور - بعد ذكره
هذا الكلام الذي نقلناه عنه مع ظهور قوته وعدم تعرض لرده أو الطعن في شئ
من مقدماته - إنما هو الاعتماد على الشهرة والتمسك بها، وإلا فإن ما ذكره
جيد متين مؤيد بما قدمنا ذكره من المواضع العديدة الجازية هذا المجرى في
الأحكام الشرعية.
وبالجملة فإن المسألة وإن كانت لا تخلو من توقف إلا أن هذا القول عندي
لا يخلو من قرب بالتقريب الذي أشرنا إليه وإن كان الاحتياط في الوقوف على
القول المشهور.
وقال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين: يمكن أن يقال
281

في تأويل الأحاديث الأخيرة أن يحمل قوله من غير إذن المولى - إن كانت امرأة
كما تضمنته الأحاديث - على الإذن الصريح، بل يكفي الإذن العادي المفيد للعلم
بالقرائن، باعتبار جري العادة أن النساء كن يتخذن الإماء يتمتعن للانتفاع
بأجورهن، فهذه العادة المستقرة كافية لأنها تفيد العلم ولا حاجة إلى ضرورة الإذن
الصريح، والله أعلم. إنتهى كلامه زيد مقامه.
وظاهر كلامه أن العادة في الزمن السابق أن النساء كن يتخذن الإماء،
ويطلقن لهن في التمتع بمن شاء وشاؤوا لأجل الانتفاع بأجورهن.
فهذه العادة جارية مجرى الإذن الصريح، ومفيدة للعلم والرضاء بذلك
كما يفيده الإذن الصريح، وهو جيد إن ثبتت هذه الدعوى، ولكن ثبوتها محل
إشكال حيث لا نعلم من ادعاها سواه، ولا دليلا دل عليها.
قال السيد السند (قدس سره) في شرح النافع: ويمكن حمل الرواية الأولى
والثالثة على أن المراد بالتمتع بأمة المرأة بغير إذنها الانتفاع بها بالوطئ بعد
انتقالها إليه من المرأة من غير توقف على إخبار المرأة باستبرائها، ويكون ذلك
هو المراد من الإذن، وأما الرواية الثانية فمتروكة الظاهر لاقتضائها جواز التزويج
ولا قائل به. إنتهى.
أقول: أما الرواية التي ذكر أنها متروكة الظاهر فقد أجاب عنها الشهيد
في شرح الإرشاد بناء على نصرته لهذا القول كما قدمناها عنه قال: وأما لفظة
التزويج في الثانية والمراد به - والله يعلم - المتعة إطلاقا للفظ العام على الخاص
وهو إن كان مجازا إلا أنه يصار إليه بقرينة، وهي هنا موجودة، وهي الحديثان
المذكوران. إنتهى وهو جيد.
ولا ريب في أنه أقرب من تأويله الذي ارتكبه في هذه الروايات، وظاهر
كلامه هو انتقال الأمة إليه ببيع ونحوه، وأن له الانتفاع بالجماع لها بعد
282

الانتقال من غير توقف على إخبار المرأة باستبرائها، وأن المراد بجواز التمتع
بها بغير إذن إنما هو ذلك.
ولا يخفى أن هذا لا يتوقف على الانتقال بالبيع بل يكفي العقد عليها بإذن
المالكة لها، وأنه بعد العقد يجوز الانتفاع بالوطئ من غير استبراء.
ولا يخفي ما في كل منهما من التكلف والبعد الظاهر، إلا أنه مع ذلك
لا مندوحة عنه إذ ليس مع علم ذلك إلا طرح الرواية المذكورة عندهم.
وأما على ما حققناه من وجود النظائر العديدة لهذه المسألة وقولهم فيها بما
أنكروه هنا وطعنوا به على هذه الروايات فلا ضرورة إلى ارتكاب هذه التمحلات
العديدة والتكلفات الغير السديدة، إلا أنه لما كان قولهم هو الأوفق بالاحتياط كما
عرفت فينبغي الوقوف عليه.
ولا فرق في المرأة المالكة عندنا بين كونها مولى عليها - بالنسبة إلى النكاح
كالبكر البالغ الرشيد عند من قال بثبوت الولاية عليها - أو لم يكن مولى عليها،
لأن المنع ثمة إنما هو بالنسبة إلى نفسها، كما دلت عليه تلك النصوص المتقدمة
في المسألة فلا يتعدى إلى غيرها كما، لا يتعدى إلى التصرف المالي إجماعا، وهذا
من توابعه.
وأكثر العامة على إلغاء عبارة المرأة في النكاح مطلقا حتى في نكاح أمتها،
فيولي نكاحها أولياء المرأة على قول، والحاكم على قول آخر، وأخبارنا على خلافه
كما عرفت. والله العالم.
المسألة الثالثة عشر: إذا زوج الأبوان الصغيرين لزمها العقد، فإن مات
أحدهما ورثه الآخر على الأشهر الأظهر، ولو كان المزوج لهما غير الأبوين ومات
أحد الزوجين قبل البلوغ بطل العقد وسقط المهر والإرث، ولو بلغ أحدهما فرضي
بالعقد لزم العقد من جهته، فإن مات والحال هذه عزل من تركته نصيب الآخر،
283

فإن بلغ وأجاز أحلف أنه لم يجز لطمع الميراث والرغبة فيه، فإن حلف ورث،
ولو مات الذي لم يجز بطل العقد ولا ميراث.
وتفصيل هذه الجملة يقع في الموضعين: الأول: فيما إذا كان المزوج للصغيرين
الأبوين فإن المشهور عدم الفرق هنا بين الصبي والصبية في لزوم العقد وثبوت
التوارث بينهما.
وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية ومن تبعه ثبوت الخيار للصبي بعد البلوغ
وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام في المسألة الأولى من مسائل هذا المقصد، ونقل
الأقوال والأخبار المتعلقة بذلك.
وعلى تقدير القول المذكور من لزوم عقد الصبية وتوقف عقد الصبي على
الإجازة لو ماتت الصبية قبل البلوغ، فإن كان قبل بلوغ الصبي أيضا عزل ميراثه
إلى أن يبلغ، فإن رضي بالنكاح وأجازه أحلف أنه لم يجز طمعا في الميراث وورث
وإن كان موتها وقد بلغ وأجاز فلا إشكال في استحقاقه الميراث وإن بلغ ولم يظهر
منه الإجازة ولا عدمها فكالأول في الحلف إن أجاز.
وإن مات الزوج قبل البلوغ فالظاهر بطلان النكاح، لأن صحته من جهته
متوقف على إجازته بعد البلوغ وعلى هذا لا ترثه الصبية.
الثاني: فيما لو كان العاقد عليهما غير الأبوين، ولا ريب أنه يكون من قبيل
العقد الفضولي، فإن قلنا ببطلان العقد الفضولي في النكاح فلا إشكال.
وإن قلنا بصحته كما هو الأشهر الأظهر وقف في لزومه على الإجازة فإن كان
هناك ولي لهما وأجاز فلا إشكال أيضا.
وإن لم يكن ثمة ولي أو كان ولكن لم يجزه ولم يرض به وقف على
إجازتهما بعد البلوغ.
فإن ماتا أو أحدهما قبل البلوغ بطل النكاح ولا إرث لعدم الإجازة.
284

وإن بلغ أحدهما مع كون الآخر فأجاز العقد لزم العقد من جهته،
وبقي من جهة الآخر موقوفا على الإجازة، فإن اتفق بلوغه والآخر حي وأجاز
العقد لزم، وإن فرض موت المجيز أولا قبل أن يبلغ الآخر أو بعد بلوغه وقبل
إجازته.
فإن أجاز بعد ذلك أحلف أنه لم يجز طعما في الميراث، وأنه لو كان الآخر
حيا لرضي به بتزويجه وورث نصيبه منه.
والأصل في هذه الأحكام صحيحة أبي عبيدة (1) المروية في الكافي " قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما، وهما غير مدركين، فقال:
النكاح جائز وأيهما أدرك كان له الخيار، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما
ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا، قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال
يجوز ذلك عليه إن هو رضي، قلت: فإن كان الرجل الذي قد أدرك قبل الجارية
ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال: نعم يعزل ميراثها منه
حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج، ثم يدفع
إليها الميراث ونصف المهر، قلت: فإن ماتت الجارية وما لم تكن أدركت أيرثها
الزوج المدرك؟ قال: لا، لأن لها الخيار إذا أدركت، قلت: فإن كان أبوها هو
الذي زوجها قبل أن تدرك قال: يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام
والمهر على الأب للجارية ".
وقد اعترض على الاستدلال بهذه الرواية بشيئين: (أحدهما) فرض الحكم في
الرواية في تزويج الوليين، وهو ماض على الولد، ولا تجري فيه هذه الأحكام.
أقول: وهذا الإيراد قد تقدم الجواب عنه فلا حاجة إلى إعادته.
و (ثانيهما) حكمه عليه السلام فيها بنصف المهر للمرأة على تقدير موته، فإن الأشهر

(1) الكافي ج 5 ص 401 ح 4، الوسائل ج 17 ص 527 ح 1.
285

أن الموت يقتضي تقرير جميع المهر وإن كان قبل الدخول، وإنما ينتصف بالطلاق قبله.
والجواب عنه أنه قد ورد بنحو هذه الرواية جملة من الأخبار أيضا وأفتى
بمضمونها جملة من الأصحاب ولا اختصاص لذلك بهذه الرواية مع احتمال حمل
الرواية على أنه كان قد دفع نصف المهر كما هو المعتاد من تقديم شئ قبل الدخول
وأن الباقي هو النصف خاصة.
قال في المسالك: وهذا الحمل وإن كان لا يخلو من البعد إلا أنه محتمل
لضرورة الجمع.
أقول: وسيأتي تحقيق الكلام في المسألة عند ذكرها إن شاء الله.
بقي الكلام هنا في مواضع: أحدها: أن مورد النص تزويج الوليين الفضوليين
للصغيرين، فلو كانا والحال هذه كاملين قالوا: في انسحاب الحكم المذكور في
الخبر وجهان: (أحدهما) ذلك للمساواة في المعنى، وهو كون العقد الواقع بينهما
فضوليا، ولا مدخل للصغر والكبر في ذلك و (ثانيهما) العدم فإن الحكم بصحة العقد
إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر على خلاف الأصل،
لأن الإجازة جزء السبب (1) ولم يحصل بعد، وحينئذ فيحكم ببطلان العقد فكما
أنه يبطل العقد لو مات أحد المتعاقدين قبل القبول كذلك يبطل بموت أحد
المتعاقدين قبل تحقق الذي يترتب عليه أثره.
وإلى هذا الوجه مال في المسالك ونحوه سبطه السيد السند في شرح النافع
وغيرهما، والظاهر أنه المشهور بينهم. وهو الأنسب بقواعدهم.
قال المحقق الثاني في شرح القواعد: فإن قيل هذا إنما يستقيم (2) على

(1) قوله: لأن الإجازة جزء السبب أي إجازة الآخر منهما. (منه - قدس سره -).
(2) قوله: هذا إنما يستقيم أي بطلان العقد في الصورة المفروضة، وقوله في آخر
العبارة: " وهذا وجه القرب " إشارة إلى قول المصنف في عبارة الكتاب بعد ذكر البطلان
وهو الأقرب. (منه - قدس سره -).
286

القول بأن الإجازة في الفضولي جزء السبب، أما على القول بأنها كاشفة فلا، لأن
الإجازة تكشف سبق النكاح على الموت فكيف لا يثبت الإرث.
قلنا: قد عرفت أن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت العقد إذ لا يتحقق
النكاح بمجردها بل لا بد من اليمين، وثبوت الإرث باليمين مخالف للأصل فلا
يتعدى مورده، وهذا وجه القرب وهو المفتى به. إنتهى.
وثانيها: لو تغير مورد النص بكون العاقد على الصغيرين أحدهما الولي،
والآخر فضولي، فمات من عقد له الولي أولا قبل بلوغ الآخر، فهل الحكم
المذكور في الخبر من أنه ينتظر بلوغ الآخر وإجازته ويورث بعد يمينه أم لا؟
احتمالان: للثاني أنه خلاف مورد النص، ويؤيده ما تقدم في كلام المحقق
الثاني من أن ثبوت الإرث باليمين مخالف للأصل، فيجب الاقتصار فيه على مورد
النص.
وللأول منهما - وهو مختار شيخنا الشهيد الثاني - ما ذكره في المسالك قال:
لأن هذا لا يزيد على مورد النص إلا بلزوم أحد الطرفين وكون المزوج الولي
وهذا لا دخل له في الفرق، بل الحكم فيه أولى، لأن الجائز من الطرفين أضعف
حكما من اللازم من أحدهما، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى
بطريق أولى.
وظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع التوقف في ذلك من حيث إنه
خلاف مورد النص، ومما ذكره جده (قدس سرهما) من التعليل فإنه قال - بعد
نقل ملخص كلام جده المذكور، -: وجزم جدي (قدس سره) بالثاني وهو يتوقف
على ثبوت التعليل، إنتهى، وهو جيد لما أسلفنا لك في غير مقام من عدم صلاحية
أمثال هذه التعليلات لتأسيس الأحكام الشرعية.
وما اختاره شيخنا الشهيد الثاني هنا من الصحة في الصورة المذكورة هو
287

اختيار العلامة في القواعد، والمحقق الشيخ على في شرحه معللا بالتعليل المذكورة
في المسالك.
ونحو هذه الصورة ما لو كان أحدهما بالغا رشيدا عقد على نفسه، والآخر
فضولي عن الصغير فمات الأول منهما، فإنه يعزل نصيب الصغير من الميراث إلى
أن يبلغ ويجيز فيعطى ذلك بعد اليمين على القول المذكور، وكيف كان فالظاهر
أنه لا خلاف في البطلان لو مات الثاني قبل البلوغ أو بعده وقبل الإجازة.
وثالثها: لو كانا بالغين فأوقع أحدهما العقد لنفسه مباشرة والآخر زوجه
الفضولي، قال في المسالك في انسحاب الحكم الوجهان السابقان من تعدى صورة
النص، ومن الأولية بلزوم أحد الطرفين فيكون أقوى كالسابقة وإن كانت أبعد
من جهة الخروج عن النصوص في كونهما مع صغيرين، إلا أن ذلك يجبر
بالأولية المذكورة، ويظهر منهم الجزم بالحكم في هذا أيضا وهو متجه. إنتهى.
وفيه ما عرفت من التوقف على ثبوت هذه الأولوية.
بقي الكلام في أنه لو كان العقد الفضولي وقع عن الزوجة مثلا والعقد مباشرة
وقع من الزوج، فإنه لا ريب في لزوم العقد وإن كان للزوجة من حيث إن عقدها
فضولي فسخه.
وقضية ذلك أنه قبل الفسخ منها أو الإجازة يثبت في حق الزوج تحريم
المصاهرة فليس له أن يتزوج بخامسة لو كان المعقود عليها رابعة، وإلا لزم الجمع
بين خمس زوجات في حال واحد، وهو حرام اتفاقا.
وليس له أيضا أن يتزوج بأخت الزوجة، وإلا لكان جامعا بين الأختين،
ولا بأم الزوجة ولابنتها وإلا لكان جامعا بين الأم والبنت، وكل ذلك محرم.
إجماعا.
أما لو فسخت الزوجة ولم يجز ذلك العقد الفضولي، فإن التحريم في هذه
288

المواضع ينتفي لانتفاء مقتضيه.
وهذا واضح في الأخت، فإنها لا تحرم إلا جمعا لا عينا، وقد انفسخ النكاح
الأول وزوال فلا مانع من التزويج بالأخت، وكذا النبت - أي بنت المعقود عليها -
حيث إنها بعد فسخ الأم العقد لا تحرم، فإنها لا تحرم عينا إلا مع الدخول بأمها،
ولم يحصل هنا فلا تحرم عليه بعد فسخ أمها.
أما الأم لو كان المعقود عليه البنت وفسخت النكاح فإنها عند الأصحاب
محل إشكال، ينشأ من أن الأم تحرم بنفس العقد اللازم علي بنتها وقد حصل،
لأن العقد من طرف المباشر صحيح لازم كما عرفت، فيتعلق به تحريم الأم، ومن
أن العقد إنما يتم من الطرفين، فإذا لم تجز المرأة العقد عليها، وفسخته جرى
مجرى عدمه، فلا ينشر التحريم إلى الأم.
والظاهر من كلام بعض المحققين ولعله الأقرب أن المباشرة من أحد الطرفين
لا تقتضي ثبوت النكاح من ذلك الطرف، لأن النكاح أمر واحد لشئ لا يعقل ثبوته
إلا من الجانبين.
والحكم بثبوت المصاهرة إنما كان، لأن العقد الواقع نقل من المحل الذي
كان قبله، وإن كان سببيته وعدم سببيته الآن غير معلوم، فلم يبق حكم الأصل
كما كان.
ومثله ما لو اشتبهت الزوجة المعقود عليها عقدا صحيحا لازما بغيرها، فإن
تحريم المصاهرة ثابت بالنسبة إليهما، وكذا القول لو اشتبه الطاهر بالنجس،
والحلال بالحرام، قال: وبهذا البيان يظهر أنه بعد الفسخ يتبين أن لا عقد أصلا
ولا تحريم أصلا، وهذا هو الأصح. إنتهى.
ومرجعه إلى أن تحريم المصاهرة في الصورة المذكورة إنما هو من حيث
وقوع الشبهة بهذا العقد في أن المعقود عليها قبل الإجازة أو الفسخ زوجة أم لا،
289

لا أن العقد كان لازما من جهة المباشرة كما ذكروه، فيترتب عليه أحكام
المصاهرة.
والحق أن العقد في الصورة المذكورة يكون موقوفا لا يحكم عليه بلزوم
ولا بطلان إلى أن تلحقه الإجازة أو الفسخ فيظهر حاله بذلك، والحكم باللزوم
بمجرد كونه من أحد الطرفين لا يخلو من مناقشة وإشكال.
ورابعها: قد عرفت أن ثبوت الميراث للمجيز المتأخر متوقف على يمينه
بعد الإجازة، فعلى هذا لو لم يحلف فلا إرث وإن كان تأخر الحلف لعارض من
موت أو جنون أو غيبة أو نحو ذلك، لأن ثبوت الإرث هنا على خلاف الأصل كما
تقدم فيقتصر فيه على مورد النص.
نعم لو كان العارض المانع من الحلف مما يرجى زواله كالغيبة والجنون
والاغماء فإنه يعزل نصيبة من الميراث إلى أن يزول المانع فيحلف ويأخذ نصيبه
أو يحصل اليأس من البرء أو يوجب التأخير ضررا على الوارث بتأخير المال فلا يبعد
حينئذ جواز دفعه إلى الوارث مع ضمانه لو ظهر استحقاق الحالف له، فإن في
ذلك جمعا بين الحقين ودفعا للضرر من البين.
وربما احتمل في أصل المسألة في صورة موته قبل اليمين بثبوت الإرث،
لأنه دائر مع العقد الكامل، والعقد هنا قد كمل بالإجازة من الطرفين، فوجب
أن يثبت الإرث ولا يسقط بعدم اليمين.
ومن هذا الوجه مع ما قدمناه الوجه الموجب للعدم استشكل العلامة
في القواعد فقال: فإن مات بعد الإجازة وقبل اليمين فإشكال.
والظاهر ضعف الاحتمال المذكور، أما (أولا) فإنه لو كان كذلك لم يتوقف
على اليمين ابتداء مع أن النص دل عليها مضافا إلى الاتفاق على ذلك.
وأما (ثانيا) فلأن الإجازة المكملة للعقد إنما يكون مع معلومية تعلق
290

الإجازة بالنكاح واحتمال التهمة بكون الإجازة هنا إنما هي لطمع الميراث دون
النكاح قائم، بل ظاهر.
وبالجملة فإن الإجازة على الوجه المذكور لا يعلم كونها مطابقة للواقع
ونفس الأمر إلا باليمين الدافعة للتهمة، فالمكمل للعقد الموجب لترتب الميراث
عليه الإجازة المقرونة باليمين.
هذا مع كون الحكم بالميراث هنا على خلاف الأصل، فكيف يتوهم ثبوته
بدونه مع التعذر أو اشتراطه مع الامكان.
وخامسها: لو كان المتأخر هو الزوج بعد أن أجازت المرأة وماتت ثم إنه
أجاز ونكل عن اليمين ولم يحلف، فهل يلزمه المسمى في العقد أم لا؟ إشكال.
وعلى تقدير اللزوم فهل يرث منه مقدار نصيبة أم لا؟ إشكال ثان.
ووجه الاشكال الأول ينشأ من أن المهر فرع ثبوت النكاح المتوقف على
اليمين ولم يثبت، ومن أنه بإجازته معترف بثبوته و " إقرار العقلاء على أنفسهم
جائز " (1)، وإنما منع من الميراث لتعلقه بحق غيره وحصول التهمة فيه بخلاف المهر
وإلى هذا الوجه مال في المسالك فقال: والأقوى ثبوته بمجرد إجازته.
ووجه الاشكال الثاني ينشأ من توقف إرثه من المرأة المذكورة على اليمين
ولهذا لا يرث شيئا من باقي تركتها قطعا، وأن الزوجية لم تثبت شرعا، والإرث
فرع ثبوتها ولا يلزم من ثبوت المهر في ذمته بإقراره إرثه منه، لأن ذلك متعلق
بحق غيره بخلاف ثبوت أصل المهر، فإن حقه عليه، فيقبل إقراره فيه.
ومن استلزام إجازته استحقاق نصيبه منه على كل تقدير، لأنه إن كان صادقا
في إجازته فإرثه لنصيبه منه ثابت في ضمن إرثه بجملة الميراث وإن كان كاذبا،
فكل المهر مختص به، فمقدار نصيبه ثابت على التقديرين.

(1) الوسائل ج 16 ص 111 ح 2.
291

وبعبارة أخرى أنه لو قلنا بلزومه المهر ومنعنا الإرث منه لزم التنافي بين
الحكمين، وذلك لأن العقد في نفس الأمر إما صحيح أو باطل، فإن كان صحيحا
لزمه المهر وورث، وإن كان باطلا فلا مهر ولا ميراث، فالحكم بلزوم المهر وعدم إرثه منه مما لا يجتمعان.
وبعبارة ثالثة هو أن العقد إن كان صحيحا ملك الحصة من المهر وغيره
وإن كان باطلا لم يلزمه المهر، وكان بأجمعه باقيا علي ملك مالكه، فملكه لمقدار
الحصة من المهر مقطوع به على كل واحد من التقديرين.
واختار في المسالك الوجه الثاني هنا أيضا فقال بعد الكلام في المسألة: وقد
ظهر بذلك أن القول بإرثه من المهر مقدار نصيب الزوج متعين.
أقول: والمسألة لعدم الدليل الواضح محل تأمل وإشكال، وإلا أن الأقرب
إلى قواعدهم والأنسب بمقتضى ضوابطهم هو عدم المهر في الصورة الأولى لأن ثبوت
المهر فرع ثبوت النكاح ولم يثبت، ومجرد إجازته النكاح مع عدم تأثيرها في
ثبوته لا يترتب عليه فائدة.
وتوضيحه: أن الإجازة لما كانت محتملة لأن يكون للطمع في الميراث كما
تقدم ذكره، لا النكاح، فإنها لا تصلح لأن يترتب عليها شئ من لوازم النكاح
مهرا كان أو ميراثا أو غيرهما، ومعلومية كونها للنكاح إنما يثبت باليمين بعدها
فمع عدم اليمين لا أثر لها شرعا، ولا يترتب عليها أمر من الأمور.
وبذلك يسقط الاستناد إلى حديث " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " فإن
الإجازة على الوجه المذكور من حيث قيام المتقدم فيها لا يستلزم الاقرار
وإنما تستلزم الاقرار لو تمخضت لإجازة النكاح خاصة وهو لا يتحقق إلا
باليمين معها.
وبذلك يظهر اندفاع الاشكال الثاني، لأنه يترتب على ثبوت المهر ولزومه
292

وقد عرفت أنه لا وجه له، والله العالم.
وسادسها، لو انتفت التهمة بالطمع في الميراث بأن يكون ما يلزمه من المهر
بعد الحلف بمقدار ما يرثه منها أو أزيد، فهل يتوقف الحكم المذكور علي اليمين
إشكال، من انتفاء فائدة اليمين على هذا التقدير، لأن العلة فيها هي التهمة ولا تهمة
على هذا التقدير، ومن إطلاق النص والفتوى بتوقف الإرث على اليمين.
ويؤيده ما تقدم قريبا من أن علل الشرع ليست عللا حقيقة يدور المعلول
مدارها وجودا وعدما، بل هي معرفات أو بيان لوجه الحكمة، ولا يجب إطرادها
في أفراد جميع المعلول، بل يكفي وجودها في الأغلب الأكثر، والله العالم.
المسألة الرابعة عشر: إذا أذن المولى لعبده في العقد صح، لكن يبقى
الكلام هنا موضعين:
الأول: أنه إذا أذن له، فإما أن يعين له الزوجة أم لا، وعلى كل
منهما إما أن يعين له قدر المهر أم لا، فهنا أقسام أربعة:
الأول: أن يعينهما معا، ولا إشكال في أنهما يتعينان بذلك، فلو تعدى
عنهما أو عن أحدهما كان موقوفا على الإجازة إن قلنا بصحة العقد الفضولي
وإلا بطل.
الثاني: أن يطلق فيهما معا، وحينئذ فله أن يتزوج بمن أراد من حرة
وأمة و شريفة ووضيعة لكن بمهر المثل أو دونه، بشمول الاطلاق لذلك صرح
العلامة في التذكرة على ما نقل عنه، قال: وإذا أطلق الإذن أطلق الإذن تناول الإذن الحرة
والأمة أو في تلك البلد أو غيره، إلا أنه ليس له الخروج إلى غير بلد مولاه
إلا بإذنه.
وربما استشكل ذلك من حيث اقتضائه تسلط العبد على من يريد مع
تفاوت المهر للقلة والكثرة تفاوتا فاحشا، وإيجاب ما يختاره العبد على السيد
293

بالإذن المطلق وإن كثر، ورد بأن التقصير في ذلك من السيد حيث إنه أطلق
الإذن مع علمه بتناول ذلك، فالضرر مستند إليه.
بقي الكلام في تقييد إطلاق المهر بمهر المثل قالوا: والعلة فيه أنه بمنزلة
ثمن المثل من البيع فيحمل عليه كما لو أذن له في البيع والشراء وأطلق،
فإنه يجب حمل ذلك على ثمن المثل، إلا أن الفرق بينهما أنه لو تجاوزه هنا
لم يوجب بطلان العقد، لأنه مأذون في أصل النكاح ولا ارتباط لصحته بالمهر،
لكن يلزمه المولى مهر المثل والزائد يتبع به العبد بعد تحريره.
وأما لو تجاوزه في البيع والشراء بأن أذن له المولى في البيع والشراء
مطلقا فتجاوز ثمن المثل فإنه يتوقف على الإجازة من المولى فإن حصلت الإجازة
وإلا بطل، لأن الثمن شرط في صحة البيع والشراء، وأنت خبير بما في هذا
الدليل من الوهن - أعني الحمل على ثمن المثل في البيع والشراء - وأنه إنما
وجب تقييد إطلاق المهر في إذن المولى بمهر المثل حملا على ثمن المثل فإنه
لا يخرج عن القياس الموجب للوقوع في ظلمة الالتباس.
نعم يمكن الاستدلال على ذلك بما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة (1) عن
أبي جعفر عليه السلام " قال: سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطلع
على ذلك مولاه، فقال: ذلك إلى مولاه، إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما
فإن فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا
فإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول " الحديث.
فإن الظاهر من الاعتداء بإصداقها صداقا كثيرا إنما هو باعتبار زيادته
عن صداق مثلها، لأن القلة والكثرة لأحد لهما إلا بالإضافة إلى حال تلك

(1) الكافي ج 5 ص 478 ح 2، التهذيب ج 7 ص 351 ح 62، الوسائل
ح 14 ص 523 ح 2.
294

المرأة كما لا يخفى.
وينبغي حمل استحقاقها الصداق على ما إذا كانت جاهلة بالحال، وإلا فلو
علمت بأنه مملوك وأن التزويج بغير إذن سيده فإنه لا صداق لها.
ومع هذا ففيه أيضا ما أورده المحقق الثاني في شرحه على القواعد قال:
ولقائل أن يقول: إن كان العبد أهلا لأن يثبت شئ من المهر في ذمته فليثبت
جميعه.
ثم قال: مع أن هنا إشكالا آخر، وهو أن الزوجة إنما رضيت بمهر
مستحق يمكن المطالبة به فلا يلزمها النكاح، وبعض المسمى إنما يستحقه
إذا أعتق العبد، وقد كان المناسب للقواعد القول بوقوف النكاح والصداق على
إجازة المولى، فإن فسخ الصداق ثبت مهر المثل بالدخول وتخير المرأة. إنتهى.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الجواب عما ذكره المحقق
المشار إليه حيث قال في تقرير وجه الاشكال الذي ذكره المحقق المذكور أولا:
ويشكل هذا في جانب المرأة إذا لم تكن عالمة بالحال، فإنها إنما قدمت
على مهر ثبتت في ذمة المولى معجلا ولم يحصل، ثم قال في دفعة: ويندفع
الاشكال بمنع كون نكاح العبد مطلقا يوجب كون المهر معجلا في ذمة المولى
أو غيره، بل قد يكون كذلك وقد لا يكون كما في هذه الصورة، والمرأة إنما
قدمت علي نكاح العبد بمهر يرجع في أمره إلى التنازع والتقصير منهما، حيث
لم تعرف الحكم، فإنه لما كان من المعلوم أن العبد لا يملك شيئا فتعلقها بثبوت
المهر في ذمة المولى أو ذمته معجلا قدوم على غير معلوم، فالضرر جاء من قبلها.
إنتهى.
ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه، فإن المستفاد من الأخبار أن السيد إذا
زوج عبده فإن المهر لازم للمرأة على السيد أو العبد معجلا.
295

وقوله - قد يكون معجلا وقد لا يكون كما في هذه الصورة - فيه أن
هذا الصورة محل البحث والنزاع، ولم يقم فيها دليل على التأجيل في ذمة العبد
لو كان زائدا عن مهر المثل كما ادعوه حتى أنه يتمسك بها.
والمستفاد من رواية زرارة المتقدمة أن لها الصداق مع الدخول بها في
الصورة المذكورة، بشرط كونه مهر المثل، كما ذكرناه.
وأما مع زيادته على مهر المثل فليس في الخبر تعرض لحكمه، وأنه لازم
للعبد في ذمته، بل الظاهر منها هو وقوفه على إجازة المولى، وأنه لو لم يجزه
بطل وانتفى بالكلية كما هو ظاهر كلام المحقق المذكور.
وروى في الفقيه والتهذيب عن الحسن بن محبوب عن علي بن أبي حمزة (1)
عن أبي الحسن عليه السلام " في رجل زوج مملوكا له من امرأة حرة على مائة درهم،
ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها، قال: فقال: يعطيها سيده من ثمنه نصف
ما فرض لها إنما هو بمنزلة دين لو كان استدانه بإذن سيده ".
والتقريب فيه هو أن ظاهره وجوب المهر على السيد، ولكن لما حصلت
الفرقة بسببه فلها نصف المهر حيث إنه لم يدخل بها.
إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع، فإنها ظاهرة في تعجيل
الصداق وهو مقتضى النكاح كما في غير هذه الصورة.
والقول بالتأجيل كما ادعوه في هذه الصورة، وبقاءه في ذمة العبد إلى أن
يتحرر يحتاج إلى الدليل.
فقوله -: إنها في نكاحها العبد إنما قدمت على نكاح العبد بمهر يرجع في
أمره إلى التنازع وأن التقصير منها بذلك - كلام مموه، فإن المعلوم من الشارع

(1) الفقيه ج 3 ص 289 ح 19، التهذيب ج 7 ص 485 ح 158، الوسائل
ج 15 ص 79 ح 1.
296

عليه السلام بهذه الأخبار التي ذكرنا بعضها هو أن مهرها معجل لا تأخير فيه.
وبالجملة فإن ما يدعونه - من أنه مع تزويجه بالزيادة على مهر المثل
بتبع بالزيادة بعد تحريره، فيجب على المرأة الصبر - يتوقف على الدليل، ولا
دليل عليه كما عرفت، والله العالم.
الثالث: أن يعين المرأة ويطلق المهر، ولا إشكال في أنه بالنسبة إلى المرأة
لا يجوز له التخطي إلى غير المعينة، فإن تخطى كان فضوليا يترتب عليه
ما عرفت من الخلاف في الفضولي.
وأما بالنسبة إلى المهر فإنه بإطلاقه عندهم كما تقدم محمول على مهر
المثل أو أقل، وأنه إن زاد تبع بالزائد بعد عتقه.
الرابع: عكسه، وهو أن يعين المهر ويطلق المرأة، فيتخير في تزويج
من شاء بذلك المهر المعين، هذا مقتضى الإذن فلو تخطى وتزوج بأزيد من
ذلك، قالوا: إنه يتعلق الزائد بذمته كالزائد عن مهر المثل وإن كانت الزيادة هنا
لا يتجاوز مع المعين مهر المثل.
هذا إذا كان المعين بقدر مهر مثل مهر المرأة التي اختارها العبد أو أقل،
أما لو كان أكثر من مهر مثلها، فهل يلزم العقد والمسمى نظرا إلى كونه مأذونا
وأنه يتعلق الزائد عن مهر المثل بذمته ويتبع به بعد التحرير كما لو زاد في
المطلق من حيث إن التجاوز عن مهر المثل حكمه ذلك، وتعين المهر مع إطلاق
الزوجة لا ينافيه؟ وجهان: اختار في التذكرة الأول، واستشكل في المسالك وهو
يؤذن باختياره الثاني.
الموضع الثاني: اختلف الأصحاب في محل المهر المتعلق بالمولى من
المعين لو عينه أو مهر المثل مع الاطلاق، وكذا في نفقة الزوجة، فالمشهور
وهو أحد قولي الشيخ أن جميع ذلك يتعلق بذمة المولى، وذهب في المبسوط إلى
297

أنه يتعلق بكسب العبد بمعنى أنه يجب الاكتساب عليه للمهر والنفقة.
ونقل عن ابن حمزة التفصيل بأنه إن كان العبد مكتسبا فهو في كسبه، وإلا
فهو على السيد، ونقله بعض أفاضل متأخري المتأخرين عن العلامة في المختلف
ولم أجده فيه لا في هذا المقام ولا في باب نكاح الإماء.
احتج من قال بالقول المشهور بأن الإذن في النكاح يستلزم الإذن في
توابعه ولوازمه، كما لو أذن له في الاحرام بالحج فإنه يكون إذنا في توابعه
من الأفعال وإن لم يذكر، ومع تعيين المهر أولى.
وحيث كان المهر والنفقة لازمين للنكاح، والعبد لا يملك شيئا وكسبه من
جملة أموال المولى كان الإذن فيه موجبا لالتزام ذلك من غير أن يتقيد بنوع
خاص من ماله كباقي ديونه، فيتخير بين بذله من ماله وبين كسب العبد إن
وفي، وإلا وجب عليه الاكمال، كذا قرره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك،
وهو جيد، وتخرج الأخبار المتقدمة شاهدة عليه، فإنها وإن كان موردها
المهر خاصة، إلا أنه لا قائل بالفرق بين المهر والنفقة.
احتج من قال بالقول الثاني بأن ذلك يجب في مقابلة عوض يستوفيه
العبد في الحال، والسيد لم يلتزمه في ذمته، ولا هو مستوف بدله، ويأتي بناء
على هذا القول أنه يجب على المولى تخلية العبد للاكتساب نهارا والاستمتاع
بها ليلا، إلا أن يختار الانفاق عليه وعلى زوجته من ماله، فله استخدامه حينئذ.
وأنت خبير بأن القول المذكور بمحل من القصور فلا فائدة في تطويل
الكلام بما يتفرع عليه كما ذكروه.
وأما القول بالتفصيل فوجهه يعلم من القولين الأولين، إلا أنك قد عرفت
وما في الثاني منهما من الضعف في البين.
298

تذنيبان
الأول: قالوا: من تحرر بعضه ليس للمولى إجباره على النكاح، لأنه
صار شريكا لمولاه في المتعلق برقبته، فليس لأحد منهما التصرف إلا بإذن الآخر
ومنه النكاح.
ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة (1) " عن أبي عبد الله عليه السلام في
عبد بين رجلين زوجه أحدهما والآخر لا يعلم، ثم إنه علم بعد ذلك، أله أن
يفرق بينهما؟ قال: للذي لم يعلم ولم يأذن أن يفرق بينهما، وإن شاء تركه
على نكاحه ".
والتقريب فيها أن قضية الشركة عدم صحة تصرف أحد الشريكين إلا
بإذن الآخر، وحينئذ فليس للمولى إجبار العبد المذكور نظرا إلى جهة ملكه
له لمعارضة ذلك بجانب الحرية، والحر لا يجبر على ذلك.
وكذلك ليس للعبد الاستقلال به نظرا إلى جانب الحرية لمعارضتها
بجانب الرقية، بل لا بد من اتفاقهما على ذلك، صدور النكاح عن رأيهما،
ويكون المهر والنفقة بالنسبة، ولو زاد البعض عن مهر المثل أو المعين تعلق
الزائد عندهم بجزئه الحر.
الثاني: لو كانت الأمة لمولى عليه بصغر أو جنون أو نحوهما فقد صرح
الأصحاب بأن نكاحها بيد وليه، فإذا زوجها لزم، وليس عليه مع زوال الولاية
الفسخ.
والوجه في ذلك أن الولي له التصرف شرعا في أموال المولى عليه بأنواع

(1) التهذيب ج 8 ص 207 ح 38، الوسائل ج 14 ص 525 ح 1.
299

التصرفات المنوطة بالمصلحة، ومن جملتها نكاح أمته وإنكاحه أيضا من الولي المخصوص
للنكاح، وعلى هذا فليس له الاعتراض بعد زوال الولاية عنه فيما فعله الولي
من إنكاح أمه أو غيره، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك بين أصحابنا، وإنما نبهوا
بذلك هذا الحكم على خلاف لبعض العامة حيث إن منهم من منع من تزوج
أمة المولى عليه مطلقا، لأنه ينقص قيمتها، وقد تحبل وتهلك.
ومنهم من شرط في جواز تزويج الولي كون المولى عليه ممن يجوز
له مباشرة التزويج بعد نقل ذلك، والكل عندنا ساقط، والفرق بين التصرفين
ظاهر، واشتراط التصرف بالمصلحة يرفع احتمال النقص. إنتهى، والله العالم.
المسألة الخامسة عشر: قالوا، يستحب للمرأة إذا كانت ثيبا أن تستأذن
أباها في العقد، وكذا لو كانت بكرا، وقلنا باستقلالها كما هو أحد الأقوال في
المسألة، وعلل ذلك بأن الأب في الأغلب أخبر بالأنسب من الرجال، وأعرف
بأحوالهم من المرأة، ولا سيما إذا كانت بكرا.
أقول: لم أقف فيه على نص والتجاؤهم إلى هذا التعليل مشعر بذلك أيضا.
قالوا: ويستحب لها أن توكل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد، ولم
أقف في ذلك على نص أيضا، وغاية ما عللوا به أن الأخ مع فقد الأب والجد
أخبر بذلك منها غالبا وأن عليه غضاضة لو لم تعمل باختياره كالأب.
وأيد بما تقدم في رواية أبي بصير (1) أن الأخ من جملة من بيده عقدة
النكاح، قال في المسالك: وحمله على الاستحباب حسن، وربما كان أولى من حمله
على كونه وصيا.
أقول: وفيه ما فيه، فإن الاستحباب من جملة الأحكام الشرعية المتوقفة
على الدليل الواضح، وإثباته بمثل هذه التخرصات الوهمية مجازفة.

(1) التهذيب ج 7 ص 393 ح 49، الوسائل ج 14 ص 213 ح 4.
300

والرواية المذكورة وغيرها قد اشتملت على عد من يبيع لها ويشتري في
جملة من بيده عقدة النكاح، ومقتضى كلامه أنه يستحب لها أيضا توكيله، وهو
لا يقول به ولا غيره.
والحق أن الأخ ونحوه مما ذكرناه لا بد من حمله في عده في هذا المقام
على الوصي أو الوكيل، والحمل على الاستحباب يحتاج إلى ثبوت ذلك بدليل
من خارج، وليس فليس.
قالوا: ويستحب أن تقول على الأكبر من الإخوة لو تعددوا وإن اختلف
والأصغر في الاختيار تخيرت خيرة الأكبر، وعلل باختصاص الأكبر من الإخوة
بمزيد الفضيلة وقوة النظر والاجتهاد في الأصلح، وبما سيأتي من الخبر الدال
على ترجيح عقد الأكبر.
وفيه ما لا يخفى، ولا سيما إذا كان مختار الأصغر في مقام الاختلاف
أكمل وأرجح على أن أكملية رأي الأكبر مطلقا ممنوعة، والخبر المشار إليه
يأتي الكلام فيه.
المسألة السادسة عشر: قد عرفت مما تقدم أن حكم الأخ بالنسبة إلى
تزويج أخته حكم الأجنبي وإن استحب لها توكيله عندهم، وعلى هذا فلو
زوجها الأخوان برجلين، فإما أن يكونا وكيلين أم لا، وعلى الأول فالعقد
للسابق منهما، ولو دخل بها الثاني والحال هذه فحملت منه الحق به الولد
ولزمه مهرها إن كانا جاهلين بالحال أو التحريم وردت إلي السابق بعد العدة.
ولو اقترن العقدان واتفقا في حالة واحدة قيل بتقديم عقد الأكبر منها
والمشهور بين المتأخرين البطلان.
وأما لو لم يكونا وكيلين كانا فضوليين، وتتخير في إجازة عقد أيهما
شاءت، وبأيهما دخلت قبل الإجازة كان العقد له، وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع:
301

الأول: ما لو كانا وكيلين مع سبق أحدهما، ولا ريب في صحة عقد السابق
منهما وبطلان المتأخر، لأنه إنما وقع بعد أن دخلت في عصمة الزوج الأول،
وحينئذ فالحكم فيها أنه إن لم يدخل بها الثاني سلمت للأول.
وإن دخل بها فإن كانا عالمين بالحال فهما زانيان فلا مهر للمرأة لأنها
بغي ولا ولد للزوج لو كان ثمة ولد، لأنه من زنا.
وإن علمت المرأة خاصة فلا مهر لها وألحق الولد بأبيه، وإن علم هو
خاصة لم يلحق به الولد وكان لها المهر.
وإن كانا جاهلين فالحكم كما تقدم من أن لها على الواطئ مهر المثل
وألحق الولد بها وعليها العدة كغيره من وطئ الشبهة الموجب لذلك ثم ترد إلى
الأول ولها عليه المسمى فلها الصداقان معا، وإن اختص الجهل بأحدهما لتحقق
وطئ الشبهة الموجب للعدة، فتعتد عدة الطلاق عند الأصحاب ثم ترد إلى الأول
وظاهر الأصحاب أنه مع علمها وكون النكاح زنا فلا عدة.
ومن أصحابنا وإن كان خلاف المشهور من أوجب العدة من الزنا باستبراء
الرحم بحيضة أو خمسة وأربعين يوما، وهو يأتي هنا على هذا القول، ولا بأس
به لظاهر بعض الأخبار مع أوفقيته بالاحتياط.
والذي وقفت عليه من الأخبار الداخلة في حيز هذا المقام والمنتظمة في
في سلك هذا النظام ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن قيس (1)
عن أبي جعفر عليه السلام " قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة أنكحها أخوها رجلا
ثم أنكحتها أمها بعد ذلك رجلا وخالها أو أخ لها صغير، فدخل بها فحبلت
فاحتكما فيها فأقام الأول الشهود فألحقها بالأول، وجعل لها الصداقين جميعا ومنع
زوجها التي حقت له أن يدخل بها حتى تضع حملها، ثم ألحق الولد بأبيه ".

(1) الكافي ج 5 ص 396 ح 1، الوسائل ج 14 ص 211 ح 2.
302

والخبر محمول على ما ذكره الشيخ من جعلها أمرها إلى أخيه، قال: إذ
لا ولاية لغير الأب والجد.
قيل: (1) ولو جهل السابق أو نسي احتمل القرعة لأنه أمر مشكل للعلم
بثبوت نكاح أحدهما لا طريق إلى استعلامه، والتربص إلى التذكر مع عدم
العلم بحصوله فيه إضرار با بالمرأة، فإذا أقرع بينهما فمن أخرجته القرعة أمر
بتجديد النكاح، ويؤمر الآخر بالطلاق.
ويحتمل إجبار كل منهما على الطلاق لدفع الضرر على المرأة، ويحتمل
فسخ الحاكم بالنسبة إلى كل منهما لأن فيه دفع الضرر مع السلامة من ارتكاب
الاجبار على الطلاق، ومن القرعة التي لا مجال لها في الأمور التي هي مناط الاحتياط
التام، وهي الأنكحة التي تتعلق بها الأنساب والإرث والمحرمية، وقوى العلامة
في القواعد هذا الاحتمال، ونفى عنه الشارح البأس.
الثاني: المشهور بين الأصحاب بطلان العقدين فيما لو كانا وكيلين واقترن
عقداهما في القبول لامتناع الحكم بصحتها معا من حيث تباينهما وامتناع الحكم
بصحة أحدهما لأنه ترجيح من غير مرجح.
وذهب الشيخ في النهاية إلى الحكم بعقد الأكبر من الأخوين، وتبعه ابن
البراج وابن حمزة استنادا إلى ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن وليد بياع
الاسقاط (2)، وهو مجهول " قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عنده عن جارية
كان لها أخوان زوجها الأكبر بالكوفة وزوجها الأصغر بأرض أخرى، قال:
الأول أحق بها إلا أن يكون الأخير قد دخل بها، فإن دخل بها فهي امرأته
ونكاحه جائز ".

(1) والقائل المذكور هو السيد السند في شرح النافع وجده في المسالك والمحقق
الثاني في شرح القواعد. (منه - قدس سره -). (2) التهذيب ج 7 ص 387 ح 29
الكافي ج 5 ص 396 ح 2، الوسائل ج 14 ص 211 ح 4.
303

والشيخ في التهذيبين حمل هذه الرواية على ما إذا جعلت المرأة أمرها إلى
أخويها، واتفق العقدان في حالة واحدة فيكون عقد الأكبر أولى ما لم يدخل
الذي عقد عليه الأصغر.
وفيه (أولا) إن ما ادعاه من المقارنة ينافيه ظاهر قوله في الخبر " الأول
أحق بها إلا أن يكون الأخير قد دخل بها " فإنه مع المقارنة لا يتحقق هنا أول
ولا أخير، وهو ظاهر.
و (ثانيا) إن الحكم بأحقية الأول كما دل عليه الخبر الذي هو كناية
عن تقديم عقد الأكبر كما ادعاه الشيخ يوجب إلغاء العقد الآخر، فكيف يصححه
الدخول بالمرأة بعد إلغائه؟ وهو نوع اضطراب ترد به الرواية.
و (ثالثا) إنه كيف يمكن فرض الاتفاق في العقدين بأن يكون قولهما
في ساعة واحدة، والمفروض في الرواية أن الأكبر زوجها بالكوفة والأصغر
زوجها ببلدة أخرى وأرض أخرى، فالحمل على ما ذكر والحال هذه سفسطة
ظاهرة.
و (رابعا) إن التقييد بالاقتران خلاف ظاهر كلامه في النهاية، حيث إن
ظاهر كلامه ثمة إنما هو الحكم للأكبر أعم من أن يقترن العقدان أم لا كما
سيأتي بذلك نقل عبارته.
وبالجملة فإن الرواية مطلقة بالنسبة إلى عقد كل من الأخوين في كونه
ناشئا عن الإجازة أو فضوليا، ومطلقة أيضا بالنسبة إلى الاقتران وعدمه في
العقدين مع ما عرفت من الاشكالات في حملها على الاقتران.
وحينئذ فالأقرب في معناها كما صرح به جملة من أفاضل متأخري
المتأخرين هو الحمل على ما إذا كان الأخوان فضوليين، ويكون معنى أحقية
الأول بها كون تلك الأحقية أحقية فضل واستحباب، بمعنى أن الأفضل لها
304

ترجيح مختار الأكبر إلا أن يكون الآخر، وهو الذي اختاره الأصغر قد دخل
بها، فإن الدخول يكون كاشفا عن الرضا بالعقد.
الثالث: ما لو لم يكونا وكيلين أو كانا أجنبيين فإنه لا ريب أنهما فضوليان
فتختار من تشاء منهما وإن كان الأفضل لها عند الأصحاب كما تقدم اختيار عقد
الأكبر من الأخوين متقدما كان أو مقارنا أو متأخرا.
هذا مع عدم الدخول بأحدهما بعد العلم بالعقد وإلا كان الدخول إجازة،
إلا أنه ينبغي تقييد استحباب اختيارها عقد الأكبر بما إذا تساوى مختارهما في
الكمال أو ترجح مختار الأكبر، أما لو ترجح مختار الأصغر فإن الأولى لها
اختياره.
الرابع: المشهور بين الأصحاب في تقرير محل الخلاف في هذه المسألة أن محلها ما لو اتفق العقدان في وقت واحد فالمشهور بينهم البطلان كما تقدم،
ونقلوا عن الشيخ في النهاية القول بصحة عقد الأكبر، ونقلوا عنه الإحتجاج على
ذلك بالخبر المتقدم.
واعترضهم في المسالك بأن كلام الشيخ في النهاية وعبارته لا تساعد على
ما ادعوه، قال: بل ظاهرها تقديم عقد الأكبر مطلقا، وكذلك روايته التي هي
مستند الحكم بل الرواية ظاهرة في عدم الاقتران، لأن عقد كل منهما واقع
في بلد فيبعد العلم باقترانهما، وكيف كان فالعبارة أعم منه.
ثم نقل عبارة الشيخ في النهاية، قال: وهذا لفظ الشيخ في النهاية: وإن
كان لها أخوان وجعلت الأمر إليهما ثم عقد كل واحد منهما عليها لرجل كان
الذي عقد عليها له أخوها الكبير أولى بها من الآخر، فإن دخل بها الذي عقد
عليها أخوها الصغير كان العقد ماضيا، ولم يكن للأخ الكبير أمر مع الدخول بها
فإن كان الأخ الكبير سبق بالعقد، ودخل الذي عقد له الأخ الصغير بها فإنها ترد
305

إلى الأول، وكان لها الصداق بما استحل من فرجها وعليها العدة فإن جاءت بولد
كان لاحقا بأبيه.
ثم قال: وإطلاقها الشامل لحالة الاقتران والاختلاف واضح، والرواية
المتقدمة بمعنى ما ذكره، وحاصل فتواه في النهاية تقديم الأكبر مطلقا إلا مع
دخول من زوجه الأصغر في حالة لم يكن الأكبر متقدما بالعقد، وهذا القيد
الأخير زائد على الرواية.
وفي كتابي الأخبار حمل الرواية على ما إذا جعلت المرأة أمرها إلى أخويها
واتفق العقدان في حالة واحدة، فيكون عقد الأكبر أولى ما لم يدخل الذي عقد
عليه الأصغر، وهذا قول آخر للشيخ غير ما قاله في النهاية لأنه جعل تقديم
الأكبر مع الاقتران خاصة بشرط أن لا يدخل بها من زوجه الأصغر.
والقولان للشيخ مغايران لما نقله المصنف، لأنه جعل تقديم الأكبر مع
الاتفاق مطلقا إلى آخر كلامه زيد إكرامه.
أقول: أما الرواية فقد عرفت الكلام فيها وأن تقييدها بالاقتران باطل
من وجوه عديدة كما عرفت.
بقي الكلام في عبارة النهاية، ولا ريب في أنها وإن كانت ظاهرة فيما ذكره
إلا أن من حملها على الاقتران في العقد لعله اعتمد على تطبيقها على الأصول
والقواعد الشرعية التي من جملتها أنه لو سبق الأصغر بالعقد مع كونهما وكيلين
كما هو المفروض فلا ريب في صحة عقده وبطلان عقد الأكبر، فلا معنى
لأولوية عقد الأكبر هنا، فيجب اخراجه على الاطلاق، وكذا لو سبق الأكبر
كما هو مصرح به في الخبر، فيبقى اختصاص الخبر بالاتفاق في العقدين
والمقارنة بينهما.
وحيث إنه لا يفهم من القواعد الشرعية ترجيح في البين حصل الحكم فيه
306

أن عقد الكبير أولى إلا أن يسبق من عقد عليه الصغير بالدخول قبل العلم بعقد
الكبير.
وبالجملة فإن لما عدا صورة الاقتران من سبق الكبير أو الصغير يجب الوقوف
فيه على القواعد الشرعية الموجبة لصحة عقد المتقدم وبطلان المتأخر.
وأما صورة الاقتران - وإن بعد فرضها - فالقائلون بالمشهور من البطلان
اعتمدوا على الدليل العقلي الذي قدمناه ذكره، والشيخ ومن تبعه اعتمدوا على
الرواية بناء على الاقتران.
وقد عرفت عدم قبول الرواية لهذا الحمل، وأن الأولى والأظهر حملها
على ما قدمنا نقله عن جملة منهم من كون الأخوين فضوليين، والله العالم.
الفصل الثاني
في أسباب التحريم
والمشهور في كلامهم حصرها في ستة وهي: النسب، والرضاع، والمصاهرة
واستيفاء العدد، واللعان، والكفر.
ولا يخفى أن الأسباب الموجبة للتحريم أكثر من ذلك كما سيمر بك
إن شاء الله في تضاعيف مباحث الكتاب ومنها المعقود عليها في العدة مع العلم
أو الدخول، والمزني بها وهي ذات بعل أو في العدة الرجعية، والمعقود عليها
كذلك مع الدخول والعلم، والفجور بأبيها وأخيها، والمفضاة بالدخول لأقل
من تسع، والمقذوفة وهي صماء أو خرساء، والمزني بأمها وبنتها، والمعقود
عليها في الاحرام مع العلم بالتحريم.
وكيف كان فالبحث هنا يقع في مطالب ستة جريا علي عادتهم (رضوان
الله عليهم) في جعل محل الكلام في هذه الستة المذكورة. فنقول وبالله التوفيق
307

لبلوغ المأمول ونيل المسؤول:
المطلب الأول: فيما يحرم بالنسب، وهي سبعة أصناف من النساء حسبما
تضمنته الآية أعني قوله عز وجل (1) " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم
وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت " وربما أنهاها بعضهم إلى تسعة،
وهي الأم وإن علت، والبنت وبنتها وإن نزلت، وبنت الابن فنازلا، والأخت
وبنتها فنازلا، وبنات الأخ كذلك، والعمة والخالة فصاعدا فيهما.
والمراد بالأم هنا وإن علت هي كل امرأة ولدتك أو انتهى نسبك إليها
من العلو بالولادة لأب كان أو لأم، وبعبارة أخرى هي كل أنثى ولدتك أو
ولدت من ولدك ذكرا كان أو أنثى، وبعبارة ثالثة هي كل أنثى ينتهي إليها
نسبك بالولادة بواسطة أو بغير واسطة.
والمراد بالبنت وبنتها وإن نزلت، وبنت الابن فنازلا كل من ينتهي إليك
نسبه بالتولد ولو بوسائط، وبعبارة أخرى أن ضابطها كل أنثى ولدتها أو ولدت
من ولدها ذكرا كان أو أنثى بواسطة أو غير واسطة
والمراد بالأخت وابنتها هي كل امرأة ولدها أبواك أو أحدهما وبعبارة
أخرى هي كل امرأة ولدتها أبواك أو أحدهما، أو انتهى نسبهما إليهما أو أحدهما
بالتولد ونحوها ابنة الأخ وإن نزلت، فإنها داخلة تحت الضابط المذكور.
والمراد بالعمة فصاعدا هي كل أنثى هي أخت ذكر ولدتك بواسطة أو
غير واسطة من جهة الأب أو الأم أو منهما.
والخالة فصاعدا وضابطها كل أنثى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أو غير
واسطة.
والمراد بقولنا " فصاعدا " في العمة والخالة ليدخل عمة الأب والأم

(1) سورة النساء - آية 24.
308

وخالتهما وعمة الجد والجدة وخالتهما وهكذا، لا عمة العمة وخالة الخالة
فإنهما قد لا تكونان محرمتين، وقد تكونان محرمتين، فلا يكون التحريم
ضابطة كلية.
فأما بالنسبة إلى العمة فإن عمة العمة قد تكون محرمة كما إذا كانت
العمة القريبة عمته لأبيه وأمه أو لأبيه، فعمة هذه العمة تكون أخت جده لأبيه
فتكون عمته تحرم عليه، مثل عمته القريبة، وقد لا تكون محرمة كما لو
كانت عمته القريبة عمته لأم، بمعنى أنها أخت أبيه من الأم، فعمتها حينئذ
تكون أخت زوج جدته أم أبيه، وأخت زوج الأم لا تحرم، فأخت زوج الجدة
أولى.
وأما بالنسبة إلى خالة الخالة، فإن الخالة القريبة قد تكون خالة لأب
وأم أو لأم، بمعنى أنها أخت أمه من الأبوين أو من الأم، فخالتها على هذا
تحرم عليه لأنها أخت جدته لأمه.
أما لو كانت خالته لأب خاصة، بمعنى أنها أخت أمه من الأب خاصة،
فإنها لا تحرم عليها لأن أم خالته القريبة تكون امرأة جده لا أم أمه، فأختها
تكون أخت المرأة الجد، وأخت امرأة الجد لا تحرم عليه.
وبالجملة فإن المحرم من هذه المذكورات في الآية الشريفة أعم من أن
تكون صدق هذه العنوانات عليه بطريق الحقيقة أو المجاز إلا الأخت فإنه لا مجاز
فيها، وكذا أولاد البنات فنازلا في دخولهم في لفظ البنات بناء على المختار،
وإن كان المشهور إنما هو المجاز.
وحينئذ فإما أن يكون المراد بالمذكور في الآية ما هو أعم من الحقيقة
والمجاز أو أن المراد به الحقيقة خاصة، والمجاز إنما استفيد بدليل من خارج.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن للأصحاب في ضبط المحرمات عبارات تفصيلية
وإجمالية، فالأولى منهما ما ذكرناه، ومن الثاني قولهم: أنه يحرم على الانسان
309

أصوله وفصوله، وفصول أول أصوله (1)، وأول فصل من كل أصل بعده، أي
بعد أول الأصول.
قالوا: فالأصول الأمهات بالنسبة إلى الذكر والآباء بالنسبة إلى الأنثى،
والفصول البنات البنون بالنسبة إلى الأمرين، وفصول أول الأصول الأخوة
بالنسبة إلى الرجل والأخوات للأنثى وأولاد الأخ وأولاد الأخت وإن نزلوا،
وأول فصل من كل أصل بعد الأصل الأول الأعمام والعمات والأخوال والخالات.
ومن الثاني أيضا قولهم: أنه يحرم على الانسان كل قريب عدا أولاد
العمومة والخؤولة وهي أخصر وأظهر، وحينئذ فيحرم على الرجل نساء القرابة
مطلقا إلا من دخل في اسم ولد العمومة والخؤولة، وعلى الأنثى ذكور القرابة
إلا من دخل في أحد الاسمين المذكورين.
تنبيهات
الأول: لا يخفى أن ما تضمنته الآية من التحريم على الرجال مستلزم
للتحريم على النساء، بمعنى أنه كما يحرم على الرجل أمه، يحرم على الأم ابنها
فإن الحكم بتحريم النكاح من أحد الطرفين يقتضي التحريم من الطرف الآخر
لا محالة، وهذا هو النكتة في تخصيص الله عز وجل في الآية المحرمات على
الرجال ولم يذكر العكس، وهكذا الكلام في البنت وباقي المحرمات التي في الآية.
الثاني: لا خلاف بين العلماء في أن النسب يثبت بالنكاح الصحيح، والمراد
به الوطئ المستحق شرعا بعقد صحيح أو تحليل أو ملك وإن حرم لعارض
كالوطئ في الحيض، ولا يعتبر علمه بكون الوطئ جائزا له، فلو وطئ حليلته

(1) أقول: وبعبارة أخرى يحرم على الرجل أصوله وفروعه، وفروع أول أصوله
وأول كل فرع من كل أصل وإن علا. (منه - قدس سره -).
310

بظن أنها أجنبية قادما على الزنا لم يقدح ذلك في كون الوطئ شرعا وإن
أثم بإقدامه على الحرام كما ذكره الأصحاب.
ويحتمل عندي عدم الإثم أيضا من حيث المصادفة واقعا لحل النكاح.
ويلحق به وطئ الشبهة، والمراد به الوطئ الذي ليس بمستحق شرعا مع ظنه
أنه مستحق.
ويمكن إدراجه في تعريف النكاح الصحيح المتقدم ذكره بحمل المستحق
شرعا على ما هو أعم من كونه كذلك واقعا أو باعتبار ظنه.
والحق (1) بوطئ الشبهة وطئ المجنون والنائم ومن في معناه والصبي
الغير المميز.
وبعضهم فسروا وطئ الشبهة بالوطئ الذي ليس بمستحق مع عدم العلم
بتحريمه قال: فيدخل فيه وطئ الصبي والمجنون والنائم وشبهه، فيثبت به
النسب كالصحيح ولو اختصت الشبهة بأحد الطرفين اختص به الولد.
وأما الوطئ بالزنا وهو وطئ المكلف من تحرم عليه بالأصالة مع علمه
بالتحريم، فلا يثبت به النسب إجماعا، لكن هل يثبت به التحريم الذي هو أحد
أحكام النسب، فيحرم على الزاني نكاح المخلوقة من مائه، وعلى الزانية نكاح
المتولد منها بالزنا؟
المشهور في كلام الأصحاب ذلك، قالوا: لأنه من مائه فهو يسمى ولدا
لغة، لأن الولد لغة حيوان يتولد من نطفة آخر من نوعه، والأصل عدم النقل
خصوصا على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية، واستشكله جملة من المتأخرين

(1) أقول: ما أشرنا إليه من الحاق وطئ المجنون ومن بعده بوطئ الشبهة مبني
على تعريف وطئ الشبهة، فمن أخذ في تعريفه ظن أنه مستحق جعله ملحقا لأن الظن
المذكور لا يتيسر حصوله من هؤلاء، ومن أخذ عدم العلم بتحريمه أدخله فيه لصدق عدم
العلم من هؤلاء كما لا يخفى. (منه - قدس سره -).
311

منهم المحقق الثاني في شرح القواعد.
وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك بأن المعتبر إن كان هو صدق الولد لغة
لزم ثبوت باقي الأحكام المترتبة على الولد كإباحة النظر وعتقه على القريب
وتحريم حليلته وعدم القود من الوالد بقتله ونحو ذلك.
وإن كان المعتبر لحوقه شرعا فاللازم انتفاء الجميع، فالتفصيل غير واضح
إلا أن الظاهر من كلام العلامة في التذكرة كما نقل عنه وكذا ولده فخر المحققين
في شرح القواعد دعوى الاجماع على الحكم المذكور.
وحينئذ فالمعتمد في تخصيص التحريم دون غير من متفرعات النسب إنما
هو الاجماع المذكور، ويظهر من المحقق الثاني في شرح القواعد أن عمدة
ما تمسك به في ذلك هو الاحتياط.
أقول: وهو أقوى مستمسك في هذا المقام، إذا لا يخفى أن المسألة المذكورة
من الشبهات بل من أعظمها " حلال بين، وحرام بين، وشبهات بين ذلك، فمن
تجنب الشبهات نجى من الهلكات " (1).
والاحتياط هنا واجب كما حققناه في غير موضع من زبرنا، ولا شك في
أنه في جانب القول المشهور وظاهر العلامة في القواعد التوقف في بعض شقوق
المسألة المذكورة والاستشكال فيها، وهي ما قدمنا ذكره من جواز النظر وعتقه
على القريب ونحوه مما تقدم ذكره وما لم يذكر مما يتفرع على النسب.
ووجه الاشكال مما عرفت من أن مقتضى كونه ولدا لغة الموجب لتحريم
النكاح هو ترتب هذه الأحكام أيضا، ومن أن الأصل تحريم النظر إلى سائر النساء
إلا إلى من ثبت له النسب الشرعي الموجب للتحليل، وهو هنا مشكوك فيه، ونحوه
الانعتاق كما لو ملك أمه للشك في النسب أيضا، وهكذا في باقي الأفراد المذكورة.

(1) الفقيه ج 3 ص 6 ح 18، الوسائل ج 18 ص 114 ح 9.
312

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك أيضا التوقف (1) وإن كان قد صرح
أولا بأن الأقوى عدم ثبوت شئ من أحكام النسب غير التحريم، إلا أنه قال أخيرا
بعد كلام في البين: والانصاف أن القولين موجهان، والاجماع حكم آخر.
وغاية ما تمسك به المحقق الثاني في شرح القواعد - في نصرة القول المشهور
من الفرق بين التحريم وسائر الأحكام المتفرعة على النسب - هو الاحتياط، حيث
قال - بعد ذكر ما عدا التحريم من تلك الأشياء المعدودة وبيان الاشكال في التحاقها
بالتحريم وعدمه ما لفظه -، والأصح عدم الالحاق في شئ من هذه الأحكام أخذا
بمجامع الاحتياط وتمسكا بالأصل حتى يثبت الناقل.
ولا ينافي ذلك تحريم النكاح لأن حل الفروج أمر توقيفي. فيتوقف
على النص وبدونه ينتفي لأصالة عدم الحل، ولا تكفي في الخروج عدم القطع
بالمحرم، لأنه مبني على كمال الاحتياط. إنتهى، وهو مؤيد لما قلناه من أن
المسألة من المتشابهات، فالواجب فيها الأخذ بما فيه الاحتياط.
وأما قوله عليه السلام في جملة من الأخبار (2) " وللعاهر الحجر " بمعنى أن المتولد
من الزنا لا يلحق بمن تولد منه، فالظاهر أنه مخصوص بمن تولد من الزنا على
فراش غيره كما ينادي به أول الخبر " الولد للفراش وللعاهر الحجر "، وحينئذ

(1) أقول: صورة عبارته (قدس سره) هكذا: والأقوى عدم ثبوت شئ من أحكام
النسب غير التحريم، وفيه ما عرفت، فأما الفرق بين التحريم والنظر بأن الأصل تحريم النظر إلى
سائر النساء لا إلى من ثبت له السبب الشرعي الموجب للتحليل بينهما ولم يثبت وإن حل
النظر حكم شرعي فلا يثبت مع الشك في سببه فمثله وارد في التحريم لأنه إن دخل الولد
في قوله تعالى " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم " دخل في قوله تعالى " ولا يبدين زينتهن
إلا لبعولتهن أو آبائهن أو أبنائهن " والانصاف أن القولين موجهان، والاجماع حكم آخر.
انتهى. (منه - قدس سره -).
(2) التهذيب ج 8 ص 183 ح 64، الوسائل ج 14 ص 565 ح 1.
313

فلا يكون في الخبر دلالة على ما نحن فيه بنفي ولا إثبات.
ونقل عن ابن إدريس أنه علل التحريم في هذه المسألة بأن المتولد من
الزنا كافر فلا يحل للمسلم، ورده في المسالك بأنه مبني على أصل مردود،
ومنقوض بما لو تولد من كافر فإنه يلزمه بحله المتولد منه. إنتهى.
أقول: والكلام في إسلام ابن الزنا وكفره قد تقدم في الجلد الثاني من
كتاب الطهارة من مجلدات هذا الكتاب، وما ذكر من النقص وارد.
الثالث: قد عرفت أن النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت أيضا بوطئ
الشبهة، فيمكن اجتماع الأمرين كما إذا وطئ الرجل زوجته ثم وطئها آخر
بالشبهة فأتت بولد فإنه يمكن أن تأتي في الصورة الآتية الممكن فرضها في هذه الحال.
والمثال المشهور في كلام الأصحاب هنا هو ما إذا طلق الرجل زوجته
فوطأت بالشبهة ثم أتت بولد، وسيأتي إن شاء الله بيان الوجه في تخصيص التمثيل
بذلك.
وموضع هذه المسألة إنما هو في بحث أحكام الأولاد الآتي في آخر الكتاب
إلا أن الظاهر أن ذكرهم لها هنا عدم الالحاق من حيث التعلق بأحكام النسب،
وكيف كان فمرجع الاحتمالات في المسألة بالنسبة إلى إلحاق الولد بهما أو
بأحدهما أو عدم الالحاق إلى صور أربع:
أحدها: أن تلد لأقل من ستة أشهر من وطئ الثاني، ولأقصر مدة الحمل
فما دون من وطئ الأول، ولا إشكال في كونه للأول لأن الفراش في هذه المدة كلها
منحصر فيهما، والحاقه بالثاني وهو الواطئ بالشبهة ممتنع لعدم مضي مدة يمكن
ولادته منه، فيتعين الأول سواء طلقها أو لم يطلقها (1).

(1) قوله - سواء طلقها... إلى آخره - إشارة إلى أن الحكم كذلك على أي المقالين
المتقدمين. (منه - قدس سره -).
314

ثانيها: أن تلده لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى الحمل من وطئ الثاني،
ولزيادة عن أقصى الحمل من وطئ الأول، ولا ريب أنه للثاني وهو الواطئ بشبهة
لامتناع إلحاقه بالأول.
ثالثها: أنه تلده لأقل من ستة أشهر من وطئ الثاني ولأكثر من أقصى
الحمل من وطئ الأول ولا إشكال في أنه منتف عنهما معا لفقد شرط اللحوق
بواحد منهما.
رابعها: أن تلده لستة أشهر فصاعدا إلى ما دون الأقصى من وطئ الثاني
ولأقصى مدة الحمل فما دون من وطئ الأول.
ولا ريب أن تولده من كل منهما محتمل لحصول الشرط الموجب للالحاق
في كل منهما، والأصحاب هنا بناء على فرضهم المسألة فيمن طلق امرأته ثم
نكحها آخر بالشبهة كما أشرنا إليه آنفا اختلفوا في حكم هذه الصورة، فذهب
الشيخ فيها إلى اختيار القرعة لأنها لكل أمر مشكل من حيث إنها فراش لكل
منهما وتولده منهما ممكن، فمن أخرجته القرعة حكم له به.
والمشهور بين الأصحاب الحكم به للثاني، لأن فراش الأول قد زال بالطلاق
وفراش الثاني ثابت.
وأنت خبير بأن هذا الخلاف لا يجري في المثال الذي قدمنا ذكره، وهو
من وطأ زوجته، ثم وطأها آخر بشبهة أنها زوجته أيضا لثبوت الفراش الملحق
للنسب فيهما، ولا يجري فيه ما ذكره أصحاب القول المشهور ثمة من أن فراش
الأول قد زال بالطلاق فتعين الالحاق بفراش الثاني حينئذ، والظاهر انحصار
الحكم هنا في القرعة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن كل من حكم بإلحاق الولد به تبعه اللبن وترتب
عليه أحكام الرضاع وغيره، والله العالم.
315

الرابع: لو أنكر الولد ولاعن فلا إشكال في انتفائه عنه، فلو كانت ابنة
حرمت على الملاعن مع الدخول بأمها لأنها ربيبة امرأة مدخول بها، ولو لم
يدخل بأمها قال: في تحريمها على احتمالان:
ووجه احتمال عدم التحريم انتفاؤها عنه شرعا كبنت المزني بها، ويؤكده
هنا أنها لا ينسب إليه لغة كما في الزنا.
ووجه احتمال التحريم أنها غير منفية عنه قطعا، ولهذا لو اعترف بها
بعد اللعان ورثته.
ورد بأن ذلك غير كاف في التحريم، فإن البنت المجهولة النسب التي
يمكن تولدها منه لو ادعى كونها بنته قبل، مع أنها لا تحرم عليه قبل ذلك.
أقول: والمسألة لخلوها من النص لا يخلو من إشكال، وإن كان الاحتمال
الأول أقرب إلى قواعدهم.
قالوا: ومما يتفرع على ذلك القصاص بقتلها، والحد بقذفها، والقطع بسرقة
مالها، وقبول شهادتها عليه إن منعنا من قبول شهادة الولد، هذا على تقدير
الاحتمال الأول لأنها أجنبية لانتفائها عنه باللعان.
وأما على تقدير الاحتمال الثاني، وهو تحريمها عليه لعدم انتفائها عنه
قطعا بالتقريب المتقدم، وللحوق حكم البنتية لها كما لو اعترف بها بعد اللعان.
ونقل عن العلامة في التذكرة أنه استقرب ثبوت هذه الأحكام، قال: لأنه
نفى سببيتها باللعان فانتفت توابعه.
واعترافه بعد ذلك لا يسقط ما ثبت عليه، ولهذا كان الولد يرثه وهو لا يرث
الولد، وذلك دليل على عدم عود النسب مطلقا، وإنما العائد إرثه باعترافه،
لأنه إقرار في حقه ولم ينفذ في حق الولد. إنتهى.
والظاهر أنه لا إشكال في أن اللبن تابع للولد فحيث ينتفي باللعان فإنه
316

ينتفي اللبن عن الملاعن.
إنما الاشكال في أنه هل يعود إليه لو اعترف بالولد كما يعود إليه الولد من
وجه، قال في المسالك: لم يتعرض المصنف ولا غيره لذلك، ثم قال: فيمكن أن
يقال بعدم عود اللبن، لأن النسب لم يعد كما قررناه، وإنما عاد إرثه من
الملاعن خاصة، وذلك أمر آخر.
ويحتمل أن يعود على حد عود الولد بمعنى أنه يؤثر في الحكم بالنسبة
إلى الملاعن لا غيره فلو ارتضع من هذا اللبن مرتضع رقيق الرضاع المحرم ثم ملكه
الملاعن مع اعترافه بالولد المنفي عتق عليه المرتضع أخذ له بإقراره.
ويحتمل عود اللبن مطلقا لأن إرث الولد منه فرع النسب، وجاز أن يكون
عدم إرث الملاعن منه مؤاخذة له على فعله، فيعد ذلك من جملة موانع الإرث
للنسب فلا يتعدى حكمه إلى غيره. إنتهى.
المطلب الثاني: فيما يحرم بالرضاع، قال: قد استفاضت النصوص وعضدها
اتفاق الأصحاب بأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، بمعنى أن كل
امرأة حرمت بالنسب حرمت نظيرتها الواقعة موقعها في الرضاع.
ومن الأخبار المشار إليها ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان (1)
في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سمعته يقول: يحرم من الرضاع ما يحرم
من القرابة ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن نعيم الكناني (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام " أنه سئل عن الرضاع، فقال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ".

(1) الكافي ج 5 ص 437 ح 1، التهذيب ج 7 ص 291 ح 58، الوسائل
ج 14 ص 281 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 437 ح 2، التهذيب ج 7 ص 291 ح 59، الوسائل
ج 14 ص 281 ح 3.
317

وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان (1) في الصحيح أو الحسن عن
أبي عبد الله عليه السلام " قال: لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمها ولا خالها من الرضاعة ".
وما رواه في الكافي والفقيه عن أبي عبيدة الحذاء (2) في الصحيح " قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من
الرضاعة، وقال: إن عليا عليه السلام ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله ابنة حمزة، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وعمه حمزة
عليه السلام قد رضعا من امرأة ".
ونحوها رواية أبان (3) عمن حدثه، وحسنة الحلبي (4) المرويتان في الكافي.
وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان (5) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: سئل وأنا حاضر عن امرأة أرضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتى
فطمته، هل لها أن تبيعه؟ قال: فقال: لا، هو ابنها من الرضاعة، حرم عليها
بيعه وأكل ثمنه، قال: ثم قال: أليس رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب "؟
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي وابن سنان (6) عن أبي عبد الله عليه السلام
" في امرأة أرضعت ابن جاريتها قال: تعتقه ".
وما رواه عن أبي بصير وأبي العباس وعبيد (7) كلهم جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الكافي ج 5 ص 445 ح 10 و 11، الفقيه ج 3 ص 260 ح 21 الوسائل ج 14 ص 300 ح 5 و ص 304 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 445 ح 10 و 11، الفقيه ج 3 ص 260 ح 21 الوسائل ج 14 ص 300 ح 5 و ص 304 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 437 ح 4 و 5، الوسائل ج 14 ص 299 ح 2 و 1.
(4) الكافي ج 5 ص 437 ح 4 و 5، الوسائل ج 14 ص 299 ح 2 و 1.
(5) الكافي ج 5 ص 446 ح 16، التهذيب ج 7 ص 326 ح 50، الوسائل
ج 14 ص 307 ح 1.
(6) التهذيب ج 8 ص 243 ح 111 و 110، الوسائل ج 16 ص 13 ح 1 و ج 13 ص 29 ح 1.
(7) التهذيب ج 8 ص 243 ح 111 و 110، الوسائل ج 16 ص 13 ح 1 و ج 13 ص 29 ح 1.
318

" قال: لا يملك ابنه من الرضاعة ولا أخته ولا عمته ولا خالته فإنهن إذا ملكهن
عتقن وقال: كلما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان بن يحيى (1) عن العبد الصالح عليه السلام
" قال: قلت له: أرضعت أمي جارية بلبني، قال: هي أختك من الرضاع، قال:
فقلت: فتحل لأخي من أمي لم ترضعها بلبنه يعني ليس بهذا البطن ولكن ببطن
آخر، قال: والفحل واحد؟ قلت: نعم، هي أختي لأبي وأمي، قال: اللبن للفحل
صار أبوك أباها، وأمك أمها ".
وعن سماعة (2) في الموثق " قال: سألته عن رجل كان له امرأتان فولدت
كل واحدة منهما غلاما فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض
الناس، أينبغي لابنه أن يتزوج بهذه الجارية؟ قال: لا، لأنها أرضعت بلبن
الشيخ ".
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر (3) " قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن
امرأة أرضعت جارية ولزوجها ابن من غيرها، أيحل للغلام ابن زوجها أن
يتزوج الجارية التي أرضعت؟ فقال: اللبن للفحل ".
وعن أبي بصير (4) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل تزوج امرأة
فولدت منه جارية ثم ماتت المرأة فتزوج أخرى فولدت منه ولدا ثم إنها
أرضعت من لبنها غلاما، أيحل لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوج ابنة المرأة

(1) الكافي ج 5 ص 444 ح 3، التهذيب ج 7 ص 322 ح 36، الوسائل
ج 14 ص 299 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 440 ح 2، التهذيب ج 7 ص 319 ح 25، الوسائل
ج 14 ص 295 ح 6.
(3) الكافي ج 5 ص 440 ح 4، الوسائل ج 14 ص 295 ح 7.
(4) الكافي ج 5 ص 440 ح 5، التهذيب ج 7 ص 319 ح 26، الوسائل
ج 14 ص 294 ح 5.
319

التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟ قال: ما أحب أن يتزوج ابنة فحل
قد رضع من لبنه ".
وعن الحلبي (1) في الحسن " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أم ولد رجل
أرضعت صبيا وله ابنة من غيرها، أتحل لذلك الصبي هذه الابنة؟ فقال: ما أحب
أن يتزوج ابنة رجل قد أرضعت من لبن ولده ".
وأنت خبير بأن لفظ " ما أحب " في هذين الخبرين ليس على ظاهره العرفي
من الكراهة، وإنما هو بمعنى التحريم، ومثله في الأخبار غير عزيز.
وما رواه في التهذيب عن جميل بن دراج (2) في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شئ من ولدها، وإن كان
الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه، وإذا رضع من لبن رجل حرم
عليه كل شئ من ولده، وإن كان من غير المرأة التي أرضعت ".
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: لو أن رجلا تزوج جارية رضيعا فأرضعتها امرأته فسد نكاحه، قال:
وسألته عن امرأة رجل أرضعت جارية، أتصلح لولده من غيرها؟ قال: لا، قلت:
فنزلت بمنزلة الأخت من الرضاعة؟ قال: نعم من قبل الأب ".
وبهذا الاسناد عن الحلبي وعبد الله بن سنان (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أوام ولده، قال: تحرم عليه ".
وفي رواية عثمان (5) عن أبي الحسن عليه السلام " قال: قلت له: إن أخي تزوج

(1) الكافي ج 5 ص 441 ح 6، التهذيب ج 7 ص 319 ح 27، الوسائل
ج 14 ص 295 ح 8.
(2) التهذيب ج 8 ص 321 ح 33، الوسائل ج 14 ص 306 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 444 ح 4، الوسائل ج 14 ص 305 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 445 ح 6، الوسائل ج 14 ص 303 ح 2.
(5) التهذيب ج 7 ص 323 ح 40، الوسائل ج 14 ص 300 ح 7.
320

امرأة فأولدها فانطلقت امرأة أخي فأرضعت جارية من عرض الناس، فيحل لي
أن أتزوج تلك الجارية التي أرضعتها امرأة أخي؟ قال لا، إنما يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب ".
وفي رواية مسمع (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ثمانية لا تحل مناكحتهم - إلى أن قال -: أمتك وهي عمتك من الرضاعة وأمتك
وهي خالتك من الرضاعة " الحديث.
وفي رواية مسعدة بن زياد (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " يحرم من الإماء عشر
لا يجمع بين الأم والبنت - يعني في النكاح - ولا بين الأختين - إلى أن قال -:
ولا أمتك وهي عمتك من الرضاعة، ولا أمتك وهي خالتك من الرضاعة، ولا
أمتك وهي رضيعتك ".
وفي صحيحة محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل فجر بامرأة،
أيتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال: لا ".
إلى غير ذلك من الأخبار، ومرجعها إلى أن كل موضع ثبت فيه المحرمية
بالنسب يثبت المحرمية بمثل ذلك في الرضاع، فالأم من الرضاع تحرم كالأم من
النسب، وكذا البنت والأخت والعمة والخالة، وبنات الأخ وبنات الأخت،
والمحرمات النسبية قد فصلتها الآية بقوله سبحانه (4) " حرمت عليكم أمهاتكم
وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ".
وقد عرفت آنفا أن الأم من النسب هي كل امرأة ولدتك أو انتهى نسبك

(1) الكافي ج 5 ص 447 ح 1، الوسائل ج 14 ص 300 ح 4.
(2) التهذيب ج 8 ص 198 ح 1، الخصال باب العشرة ص 438 ح 27، الفقيه
ج 3 ص 286 ح 4، الوسائل ج 14 ص 301 ح 9، وما نقله (قده) في المتن لا يوافق
كملا مع ما ذكرناه من المآخذ، فلاحظ.
(3) التهذيب ج 7 ص 331 ح 19، الوسائل ج 14 ص 325 ح 2.
(4) سورة النساء - آية 23.
321

إليها من العلو بالولادة لأب كان أم لأم، وحينئذ فهي في الرضاع عبارة عن كل
امرأة أرضعتك أو ولدت مرضعتك أو ولدت من ولدها أو أرضعتها أو أرضعت
من ولدها أو ولدت من أرضعتها ولو بوسائط فهي بمنزلة أمك النسبية في
التحريم عليك، وكذا كل امرأة ولدت أباك من الرضاعة لو أرضعته أو أرضعت
من ولدها أو ولدت من أرضعته ولو بوسائط.
والبنت النسبية وبنتها وإن نزلت وكذا بنت الابن فنازلا، وضابطها من
ينتهي إليها نسبه بالتولد ولو بوسائط.
وفي الرضاع هي كل ابنة أرضعت بلبنك أو لبن من ولدته وإن سفل،
أو أرضعتها المرأة ولدتها وإن سفلت، وكذلك بناتها من النسب والرضاع، فإن
الجميع بمنزلة بنتك النسبية.
والأخت في النسب هي كل امرأة ولدها أبواك أو أحدهما، وفي الرضاع
هي كل امرأة أرضعتها أمك أو أرضعت بلبن أبيك، وكذا كل بنت ولدتها المرضعة
أو الفحل أو أرضعت بلبنهما.
والعمة فصاعدا من النسب كما تقدم أيضا هي كل أنثى هي أخت ذكر
ولدك بواسطة أو غير واسطة من جهة الأب أو الأم أو منهما.
والخالة فصاعد هي كل أنثى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أو بغير واسطة،
وفي الرضاع العمات والخالات هن أخوات الفحل والمرضعة وأخواتك من ولدهما
من النسب والرضاع وكذا كل امرأة أرضعتها واحدة من جداتك أو أرضعت بلبن
واحد من أجدادك من النسب أو الرضاع.
وبنات الأخ وبنات الأخت في النسب كل امرأة تنتهي نسبها إلى من ولدها
أبواك أو أحدهما بالتولد، وفي الرضاع بنات أولاد المرضعة والفحل من النسب
والرضاع، وكذا كل أنثى أرضعتها أختك أو بنات أولادها من النسب والرضاع.
322

وبنات كل ذكر أرضعته أمك أو أرضع بلبن أخيك وبنات أولاده من النسب
والرضاع، فكلهن بنات أخيك وأختك.
فهذه هي المحرمات النسبية التي دلت عليها الآية، وما ينزل منزلتها من
الرضاع وهو المشار إليه بقولهم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " والآية
المتقدمة إنما تضمنت من المحرمات الرضاعية الأم والأخت وباقي محرمات الرضاع
إنما جاء تحريمه من قبل النصوص المتقدمة ونحوها.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن مطلق الرضاع لا يوجب نشر الحمرة بل له في
ذلك شروط مذكورة في الأخبار وكلام الأصحاب، وله أيضا أحكام كما صرح
به علماء نا الأعلام، وحينئذ فالكلام في هذا المطلب يقع في مقامين:
الأول: في الشروط وهي أمور:
الأول: أن يكون اللبن عن نكاح صحيح بشرط حصول الولد، فلو در
اللبن لا كذلك لم ينشر حرمة، وكذا لو كان عن زنا.
والحكم المذكور مما لا خلاف فيه، بل ادعى في المسالك عليه الاجماع،
قال: أجمع علماءنا على أنه يشترط في اللبن المحرم في الرضاع أن يكون من امرأة
عن نكاح، والمراد به الوطئ الصحيح، فيندرج فيه الوطئ بالعقد دائما ومتعة
وملك يمين وما في معناه، والشبهة داخلة فيه. إنتهى.
أقول: ويدل على ما ذكروه - من عدم الحرمة باللبن الذي در من المرأة
من غير نكاح - ما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
سألته عن امرأة در لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية وغلاما بذلك اللبن
هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال: لا ".
ورواه الصدوق بإسناده

(1) الكافي ج 5 ص 446 ح 12، الوسائل ج 14 ص 302 ب 9 ح 1.
323

عن ابن أبي عمير عن يونس عن يعقوب (1) مثله.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (2) " قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: امرأة در لبنها من غير ولادة فأرضعت ذكرانا وإناثا، أيحرم من ذلك ما
يحرم من الرضاع؟ فقال لي: لا ".
وعلى ما ذكرنا من اشتراط النكاح الصحيح فلا تثبت الحرمة باللبن الذي
عن الزنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) " قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن لبن الفحل، فقال: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد
امرأة أخرى فهو حرام ".
والتقريب فيها أنه خص عليه السلام لبن الفحل بما يحصل من امرأته وهو ظاهر
في أنه لا يكون إلا عن النكاح الصحيح ولبن نكاح الشبهة وإن لم يكن عن نكاح
صحيح أيضا إلا أن دخوله قد جاء بدليل آخر.
وقريب من الرواية المذكورة ما رواه في الكافي عن بريد العجلي (4) في
حديث " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب، فسر لي ذلك؟ قال: فقال: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها
ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام، فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله "
الحديث.
والتقريب فيه أن المتبادر من الفحل هنا هو الزوج، فلا يدخل فيه الزاني
والمشهور في كلام الأصحاب إلحاق اللبن الذي عن نكاح الشبهة باللبن الذي عن
النكاح الصحيح، لأن نكاح الشبهة موجب لثبوت النسب كالنكاح الصحيح، واللبن

(1) الفقيه ج 3 ص 308 ح 22، الوسائل ج 14 ص 302 ب 9 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 325 ح 47 و ص 319 ح 24، الوسائل ج 14 ص 302 ح 2 و ص 294 ح 4.
(3) التهذيب ج 7 ص 325 ح 47 و ص 319 ح 24، الوسائل ج 14 ص 302 ح 2 و ص 294 ح 4.
(4) الكافي ج 5 ص 442 ح 9، الوسائل ج 14 ص 293 ح 1.
324

تابع للنسب، وحينئذ فيدخل في قوله عز وجل (1) " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ".
ولابن إدريس هنا كلام لا يخلو من اضطراب وتردد، قال: وإنما التأثير
للبن الولادة من النكاح المباح المشروع فحسب، دون النكاح الحرام والفاسد
ووطئ الشبهة، لأن نكاح الشبهة عند أصحابنا لا يفصلون بينه وبين الفاسد إلا في
إلحاق الولد ودفع الحد فحسب، ثم قال: وإن قلنا في وطئ الشبهة بالتحريم
كان قويا لأن نسبه عندنا صحيح شرعي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله (2) " يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب " فجعله أصلا للرضاع، ثم قال: ولي في ذلك
نظر وتأمل.
قال في المختلف - بعد نقل ذلك عنه وهو يدل على تردده في ذلك -:
والوجه ما قاله الشيخ عملا بالعموم وقول ابن إدريس ممنوع ولا حجة عليه سوى
الإباحة الأصلية، وهي لا تخلو من منع إنتهى، وهو جيد.
وقد تقرر مما ذكرنا أنه لا بد من كون اللبن المذكور عن نكاح صحيح
مع حصول الولد، لكن يبقى الكلام في أنه هل يشترط انفصال الولد وخروجه
أم يكفي مع كونه حملا؟ فلو در اللبن في صورة كونه حملا هل ينشر الحرمة؟
قولان.
جزم العلامة في القواعد بالأول فاكتفى بالحمل وقطع بعدم اشتراط الولادة
وإليه مال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والروضة، وحكاه في التذكرة قولا عن
بعض أصحابنا، وحكى عن الشيخ في المبسوط نحوه، ثم حكى أنه قال قبل
ما ينافيه، وأن الذي نزل عن الأحبال لا حرمة له، وإنما الحرمة لما نزل عن
الولادة.

(1) سورة النساء - آية 23.
(2) الفقيه ج 3 ص 305 ح 5، الوسائل ج 14 ص 293 ح 1.
325

وبالثاني جزم في التحرير فقال: ولا من در لبنها من غير ولادة، ومال إليه
في التذكرة قال: لأن اللبن الذي ينزل عن الأحبال لا حرمة له، وإنما الحرمة
فيما ينزل على الولادة.
وإلى هذا القول مال السيد السند في شرح النافع معللا له بالاقتصار فيما
خالف الأصل على موضع اليقين، وحملا للرضاع المحرم على ما هو المتعارف منه
أعني ما بعد الولادة.
أقول: ويدل عليه ما تقدم في رواية يعقوب بن شعيب من السؤال عمن در
لبنها من غير ولادة فأرضعت ذكرانا وإناثا، فأجاب عليه السلام بأنه " لا يحرم " والخبر
بإطلاقه شامل لما لو كان ثمة حبل أم لا، وظاهر في تعليق الحكم على الولادة (1).
وبهذا الخبر استدل في التذكرة على أن لبن الأحبال لا حرمة له، لقوله
" من غير ولادة " ونحو ذلك خبر يونس بن يعقوب المتقدم أيضا، والتقريب في
الجميع ما عرفت.
وما أشار إليه السيد السند (قدس سره) أيضا من قوله " وحملا للرضاع المحرم
على ما هو المتعارف " جيد وجيه، كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع من أن
الاطلاق إنما ينصرف إلى الأفراد المتكررة الغالبة، دون الفروض النادرة، وبذلك
يظهر قوة القول المذكور، وأن ما خالفه بمحل من القصور.
قال في المسالك - بعد نقل قول التحرير -: ولعله نظر إلى ظاهر رواية
عبد الله بن سنان السابقة حيث قال " ولبن ولدك " فإنه لا يصدق عليه اسم الولد إلا
مع الوضع، وفيه نظر. إنتهى.
وفيه أنه إنما نظر إلى ظاهر الروايتين اللتين ذكرناهما حسبما أوضحناه

(1) أقول وإلى هذا القول الثاني مال المحقق الثاني في شرح القواعد استنادا إلى رواية يعقوب
بن شعيب قال: وهذا أصح وقوفا مع الرواية التي لا معارض لها. انتهى. (منه - قدس سره -).
326

ولكنه (قدس سره) لم تحضره الروايتان المذكورتان، فإنه لم ينقلها في المقام
وتبقى الرواية التي ذكرها مؤيدة لكن لا بالتقريب الذي ذكره بل من حيث عدم
صدق لبن الولد إلا بعد الولادة، فلو كان قبلها فإنما هو من قبيل من در لبنها
من غير حمل بالكلية لدلالة الأخبار على أن غذاء الطفل في بطن أمه إنما هو
بعدم الحيض، وبعد الولادة يحيله الله تعالى إلى اللبن فيغذوه به بعد الولادة، فنسبته
إلى الولد إنما يتم بعد الولادة.
تفريع
حيث علم أن اللبن تابع للنكاح الصحيح الحاصل منه الولد، وحينئذ
فإن اتحد فلا كلام في تبعيته له، وإن تعدد بأن طلق الزوج الأول أو مات عنها
وله منها لبن أو كانت حاملا منه فوضعت وصارت ذات لبن، ثم تزوجت ودخل
بها الزوج الثاني وأحبلها، فقد ذكر جملة من الأصحاب وعلماء العامة أنه قد
يلحق بالأول، وقد يلحق بالثاني، وقد يحتمل الأمرين،
وذكروا في المقام صورا: الأولى: أن يكون إرضاعا بهذا اللبن قبل أن
تنكح زوجا غيره، والحكم ظاهر، فإن اللبن للأول قطعا كما لو كانت في حبالة
فيكون المرتضع منسوبا إلى صاحب اللبن الذي هو الأول حيا كان أو ميتا (1)
كما أنه بذلك صار أب المرضعة، إذ الموت أو الطلاق لا يقطع نسبة اللبن عنه.
قالوا: ولا فرق بين أن يرضع في العدة أو بعدها، ولا بين أن ينقطع اللبن
ثم يعود وعدمه، لأنه لم يحدث ما يحال اللبن عليه، فهو على استمراره منسوب
إليه، لكن إن اشترطنا كون الرضاع وولد المرضعة في الحولين اعتبر كون

(1) قوله " حيا كان أو ميتا " إشارة إلى ما تقدم من قوله " طلقها الزوج الأول أو مات
عنها وله منها لبن ". (منه - قدس سره -).
327

الرضاع قبل مضي حولين من حين الولادة، وإلا فلا.
الثانية: أن يكون الارضاع بعد أن تزوجت بآخر إلا أنها لم تحمل عنه،
فإنه في حكم ما لو لم تتزوج، سواء زاد أو نقص أو انقطع ثم عاد.
الثالثة: أن يكون بعد الحمل من الثاني وقبل الولادة واللبن بحاله لم
ينقطع ولم تحدث فيه زيادة، فهو للأول أيضا، قال في المسالك: عملا بالاستصحاب
حيث لم يتجدد ناقل.
قال في التذكرة: ولا نعلم فيه خلافا، وعلله مع ذلك بأن اللبن كان للأول
ولم يتجدد ما يجعله للثاني فيبقى للأول.
واعترضه في المسالك بأن هذا التعليل إنما يتم لو شرطنا في اللبن
كونه عن ولادة.
أما لو اكتفينا فيه بالحمل وإن لم تضعه كما تقدم من مذهبه لم يتم التعليل
لتجدد ما يمكن معه جعله للثاني، ثم قال: نعم، ما ذكرناه من التعليل أسلم،
من حيث الشك في كون ذلك ناقلا لما كان حقه ثابتا بالاستصحاب، فيبقى الأول
على حكمه إلى أن يثبت المزيل.
أقول: لا يخفى أن ما نقله عن التذكرة من التعليل زيادة على دعوى
الاجماع لا يخرج عن التعليل الذي ذكره هو (قدس سره) إلا من حيث العبارة،
وإلا فمرجع كلام العلامة إلى التمسك بالاستصحاب الذي ذكره.
ثم إن ما يشعر به كلامه من أن مذهب العلامة الاكتفاء بالحمل في اللبن
إن أراد مذهبه في التذكرة فليس كذلك، لما تقدم ذكره وإن أراد في الجملة
- باعتبار كون ذلك مذهبه في القواعد، - فالايراد غير تام لأن هذا الكلام إنما
جرى على مذهبه في التذكرة، وهو جيد.
الرابعة: أن يكون الارضاع بعد أن حملت من الثاني وقبل الوضع، كما
328

تقدم في سابقتها، لكن تجدد في اللبن زيادة يمكن استنادها إلى الحمل من
الثاني، فاللبن عندهم للأول أيضا، وبه قطع في التذكرة استصحابا لما كان،
والحمل لا يزيل ما علم استناده إليه، والزيادة قد تحدث من غير احبال.
ثم نقل عن الشافعي في ذلك قولين: أحدهما كما قطع به، والثاني أنه
إن زاد بعد أربعين يوما من الحمل الثاني فهو لهما عملا بالظاهر (1)، من أن الزيادة
بسبب الحمل الثاني فيكون اللبن للزوجين، وإلا فهو للأول.
قال في المسالك بعد نقل ذلك: وهذا موجه على القول بالاكتفاء بالحمل
وأن العمل على الأول.
الخامسة: أن ينقطع اللبن عن الأول انقطاعا بينا يعني مدة طويلة لا يتخلل
مثلها اللبن الواحد، ثم يعود في وقت يمكن أن يكون للثاني وذلك بعد مضي
أربعين يوما من الحمل الثاني.
وقد قطع الأصحاب من الشيخ ومن تأخر عنه بأن يكون للثاني، لأنه لما
انقطع على الوجه المذكور، ثم عاد كان سببه الحمل فأشبه ما إذ نزل بعد
الولادة، كذا علله في المسالك.
وعلله المحقق الثاني في شرح القواعد بأنه لما انقطع زال حكم الأول
فإذا عاد وقد وجد سبب يقتضيه وجب إحالته عليه لزوال حكم الأول بالانقطاع
وعوده يحتاج إلى دليل بخلاف ما لو تجدد سبب آخر يحال عليه، فإنه يكون
للأول لانتفاء ما يقتضي خلافه، والمرجع إلى أمر واحد.

(1) والوجه في ظهوره أن الزيادة بسبب الحمل الثاني هو أن بلوغ الحمل المدة
المذكورة يستدعي وجود اللبن غالبا، قال في شرح القواعد: ولا اعتبار بهذا التفصيل
عندنا وهو أقرب بما استجوده في المسالك كما نقلناه عنه في الأصل لعدم صحة بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التخرصات. (منه - قدس سره -).
329

وللعامة هنا اختلاف وأقوال هذا (أحدها).
و (الثاني) أنه للأول ما لم تلد من الثاني مطلقا لأن الحمل لا يقتضي اللبن
وإنما يخلقه الله للولد عند وجوده، لحاجته إليه، وهو هذا الولد لا غذاء الحمل.
و (الثالث) أنه لهما مع انتهائه إلى حال ينزل معه اللبن وأقله أربعين يوما
لأن اللبن كان للأول، فلما عاد بحدوث الحمل فالظاهر أن الأول رجع بسبب
الحمل الثاني فكان مضافا إليهما كما لو لم ينقطع.
أقول: وفيه تأييد لما قدمنا ذكره في غير موضع من أن أصل هذه التفريعات
إنما هي للعامة، وجرى عليها الشيخ ومن تأخر عنه، واختاروا منها ما ترجح
في أنظارهم وقوى في أفكارهم، وقد اختاروا مع هذه الأقوال المذكورة الأول
لما قدمناه عنهم من الدليل كما عرفت.
السادسة: أن يكون الارضاع بعد الوضع وهو للثاني خاصة نقل فيه العلامة
في التذكرة الاجماع عن الخاصة والعامة سواء زاد أو لم يزد، انقطع أو اتصل،
قالوا: لأن لبن الأول انقطع بولادة الثاني، فإن حاجة المولود إلى اللبن يمنع
كونه لغيره.
الثاني من الشروط المتقدمة ذكرها: الكمية، وقد اتفق الأصحاب على
أن مجرد الرضاع كيف كان غير كاف في الحرمة، بل لا بد فيه من قدر معين،
وقد اتفق الأصحاب على التقدير بالأثر أو الزمان أو العدد، فالكلام يقع هنا في
مواضع ثلاثة:
(أحدهما) الأثر وهو - عند الأصحاب وعليه دلت الأخبار - عبارة عما أنبت
اللحم وشد العظم، وفي المسالك أنه لا خلاف في أن ذلك ناشر للحرمة.
وأما الأخبار بذلك فهي مستفيضة، ومنها ما رواه في الكافي عن عبد الله بن
330

سنان (1) " قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت
اللحم وشد العظم ".
وعن عبيد بن زرارة (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن الرضاع ما أدنى
ما يحرم منه؟ قال ما أنبت اللحم أو الدم، ثم قال: ترى واحدة تنبته، فقلت:
أصلحك الله اثنتان؟ قال: لا، فلم أزل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات ".
وعن حماد بن عثمان (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لا يحرم
من الرضاع إلا ما أنبت اللحم والدم ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان (4) عن أبي الحسن عليه السلام
" قال: قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاثة؟ فقال: لا، إلا
ما اشتد عليه العظم ونبت اللحم ".
وعن مسعدة بن صدقة (5) في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لا يحرم من
الرضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم، وأما الرضعة والرضعتان والثلاث حتى بلغ
عشرا إذا كن متفرقات فلا بأس ".
وعن عبيد بن زرارة (6) في الصحيح " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا

(1) الكافي ج 5 ص 438 ح 1، التهذيب ج 7 ص 312 ح 1، الوسائل ج 14
ص 289 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 438 ح 2، الوسائل ج 14 ص 287 ح 21.
(3) الكافي ج 5 ص 438 ح 5، التهذيب ج 7 ص 312 ح 2، الوسائل
ج 14 ص 289 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 438 ح 6 و ص 439 ح 10 و 9، التهذيب ج 7 ص 312 ح 3 و ص 313 ح 5 و 4، الوسائل ج 14 ص 288 ح 23 و ص 287 ح 19 و 18.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 4.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 4.
331

أهل بيت كثير فربما كان الفرح والحزن الذي يجتمع فيه الرجال والنساء، فربما
استحيت المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها وبينه الرضاع، وربما
استحى الرجل أن ينظر إلى ذلك، فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: ما أنبت
اللحم والدم، فقلت: وما الذي ينبت الدم واللحم؟ فقال: كان يقال عشر رضعات
قلت: فهل تحرم عشر رضعات؟ فقال: دع ذا، وقال: ما يحرم من النسب فهو
يحرم من الرضاع " وفي هذا الحديث كلام يأتي ذكره إن شاء الله.
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن ابن رئاب (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال: ما أنبت اللحم وشد العظم، قلت: فيحرم عشر
رضعات؟ قال: لا، لأنها لا تنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات ".
ويجب التنبيه هنا على أمور:
(أحدها) أنه هل اشتداد العظم أو نبات اللحم أمران متلازمان فيكفي
أحدهما مع ظهوره أم لا، فلا بد من ظهورهما؟
صرح بالثاني شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، فقال: ومقتضى النصوص
والفتاوى اعتبار اجتماع الوصفين وهما اشتداد العظم ونبات اللحم فلا يكفي أحدهما
وفي بعض عبارات الشهيد ما يدل على الاجتزاء بأحدهما: وهو شاذ لا دليل عليه،
والبناء في ذلك على تلازمهما غير معلوم. إنتهى.
وبالأول صرح سبطه السيد السند في شرح النافع، فقال: والظاهر حصول
التلازم بين ما أنبت اللحم وشد العظم، ومن ثم اكتفى جمع من الأصحاب بأحد
الأمرين. إنتهى.
أقول: لا يخفى أن جملة من النصوص المذكورة هنا وإن تضمنت اشتداد

(1) قرب الإسناد ص 77، التهذيب ج 7 ص 313 ح 6، الوسائل ج 14
ص 283 ح 2.
332

العظم وإنبات اللحم إلا أن جملة أخرى إنما تضمنت إنبات اللحم والدم ولم
يتعرض فيها لاشتداد العظم.
والظاهر أن وجه الجمع بينما دل على الوصفين وبينما دل على إنبات
اللحم خاصة هو التلازم، وأنه حيث يذكر أحدهما يلزمه الآخر، ولعل تخصيص
إنبات اللحم بالذكر في الأخبار من حيث إنه أظهر في الحس وأبين للناظر الخبير.
وبذلك يظهر لك أن دعوى شيخنا في المسالك - أن مقتضى النصوص
اجتماع الوصفين - ليس في محله لأن جملة منها كما عرفت إنما تضمن أحدهما
خاصة ولا وجه للجمع بين الجميع إلا ما ذكرناه.
(ثانيها) هل يعتبر العدالة والعدد في المخبر إذا كان من أهل الخبرة والمعرفة
بذلك لأنها شهادة فلا تثبت إلا بذلك، ولأن الأصل استصحاب الحل السابق
إلى أن يثبت المحرم، أو يكون ذلك من باب الخبر فيكفي فيه الواحد وإن كان
فاسقا إذا كان من أهل الخبرة البصيرة كما في المرض المسوغ للافطار والتيمم
ونحو ذلك.
الذي صرح به جملة من الأصحاب كشيخنا في المسالك والسيد السند في شرح
النافع (1) وهو الأول، إلا أنه في المسالك احتمل الثاني أيضا، وفي شرح النافع
قطع بنفيه جزما.
(ثالثها) ظاهر الأخبار المذكورة من حيث حصر التحريم بالرضاع فيما أنبت
اللحم وشد العظم أن التحريم بالرضاع يوم وليلة وكذا بالخمس عشرة - كما
سيأتي إن شاء الله - إنما هو من حيث كونهما كذلك، وأن هذا الأثر مترتب

(1) قال في شرح النافع: ويشترط التعدد والعدالة ليثبت به التحريم ولا يكفي فيه
أخبار الواحد قطعا بخلاف المرض المبيح للفطر والتيمم حيث اكتفى فيه بواحد آلى
الظن ويحصل بأخبار الواحد وإن كان فاسقا. انتهى. (منه - قدس سره -).
333

على كل منهما وحاصل به.
وإلى ذلك يشير ما تقدم في صحيحة علي بن رئاب (1) من قوله " عشر رضعات
لا تحرم لأنه لا ينبت اللحم ولا يشد العظم عشر رضعات ".
وكذا رواية عبيد بن زرارة (2) وقوله بعد سؤال الراوي عن أدنى ما يحرم من
الرضاع وأنه " ما أنبت اللحم والدم ثم قال: أترى واحدة تنبته الخ ".
وحينئذ فيكون روايات التقادير الثلاثة كلها مطابقة المقدار متوافقة أصل
المعيار ويكون الأصل في التقدير هو إنبات اللحم واشتداد العظم.
والمشهور في كلام أصحابنا المتأخرين أن كلا من هذه الثلاثة أصل برأسه
فأيهما حصل كفى في الحكم وترتب عليه التحريم، فإذا رضع يوما وليلة بحيث
يكون راويا في جميع الوقت كفى وإن لم يتم العدد.
ونقل عن الشيخ في المبسوط أن الأصل هو العدد، والباقيان إنما يعتبران
عند عدم انضباطه وهو اللائح من كلام العلامة في التذكرة حيث قال: الرضاع
المحرم ما حصل بأحد التقادير الثلاثة، فإرضاع يوم وليلة لمن لم يضبط العدد
إلى آخره.
أقول: الظاهر أن الخلاف هنا قليل الجدوى لدلالة النصوص مما تقدم
ويأتي على أن أي هذه الثلاثة وجد ثبت التحريم، إلا أن المفهوم منها - كما
أشرنا إليه - أن حصول التحريم بالعدد والزمان إنما هو من حيث حصول نبات
اللحم أو اشتداد العظم بكل منهما كما يشير إليه الحصر فيه وبهذا صار أصلا لهما
والله العالم.
و (ثانيها) الزمان، والأشهر الأظهر أن أقله يوم وليلة بحيث يرتضع كلما

(1) التهذيب ج 7 ص 313 ح 6، الوسائل ج 14 ص 283 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 438 ح 2، الوسائل 14 ص 287 ح 21.
334

تقاضاه واحتاج إليه بمعنى أن غذائه في هذه المدة من اللبن خاصة لا يداخله
شئ من المأكول والمشروب وإن لم يتم العدد ولم يحصل الأثر، ولا فرق بين
اليوم الطويل والقصير.
وهل يكفي الملفق منهما لو ابتدأ في أثناء أحدهما؟ إشكال في صدق الشرط
وتحقق المعنى المراد.
ومما يدل على أصل الحكم موثقة زياد بن سوقة (1) " قال: قلت لأبي جعفر
عليه السلام: هل للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال: لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم
وليلة، أو خمس عشرة رضعات متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم
يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها " الحديث، وسيأتي بتمامه في الموضع الآتي.
وقال الصدوق في المقنع (2) " لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد
العظم، قال: (3) وسئل الصادق عليه السلام: هل لذلك حد؟ فقال: لا يحرم من الرضاع
أقل من رضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهن، قال:
وروي (4) أنه لا يحرم من الرضاع إلا رضاع خمس عشرة يوما ولياليهن ليس
بينهن رضاع، وبه كان يفتي شيخنا محمد بن الحسن (رحمه الله)، قال: وروي (5)
أنه لا يحرم من الرضاع إلا ما كان حولين كاملين، روي أنه لا يحرم من الرضاع
إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة ". إنتهى.
أقول: ما نقله هنا من رواية خمسة عشرة يوما لم تصل إلينا ولا نقلها ناقل
غير ما في هذا الكتاب وهو قد أفتى بها في كتاب الهداية، فقال: ولا يحرم من
الرضاع إلا رضاع خمسة عشر يوما ولياليهن ليس بينهن رضاع. إنتهى.

(1) التهذيب ج 7 ص 315 ح 12، الوسائل ج 14 ص 283 ح 1.
(2) الوسائل ج 14 ص 286 ح 14 و 15 و 16 و 17.
(3) الوسائل ج 14 ص 286 ح 14 و 15 و 16 و 17.
(4) الوسائل ج 14 ص 286 ح 14 و 15 و 16 و 17.
(5) الوسائل ج 14 ص 286 ح 14 و 15 و 16 و 17.
335

وأما رواية الحولين فهي ما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبيد بن زرارة (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن الرضاع، فقال: لا يحرم من الرضاع إلا ما
ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين ".
ونحوها صحيحة الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لا يحرم من الرضاع
إلا ما كان حولين كاملين " وهما محمولتان عند الأصحاب على أن الحولين ظرف
للرضاع لما اتفقوا عليه من أنه " لا رضاع بعد فطام " وعليه دلت الأخبار أيضا.
وأما رواية السنة فهي ما رواه في الفقيه والتهذيب عن العلا بن رزين (3) في
الصحيح برواية الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن الرضاع، فقال: لا يحرم
من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة ". وهذا الخبر نسبه الشيخ والأصحاب
إلى الشذوذ والمتروكية.
وقد استشكل في هذا المقام السيد السند في شرح النافع من حيث صحة
هاتين الروايتين، وأن عادته التهالك على صحة الأسانيد، والدوران مدارها:
وإن اشتملت متون تلك الأخبار على علل ظاهرة، وتبعه في ذلك الفاضل المولى
الخراساني في كفاية، كما هي عادته غالبا في كتب العبادات مضافا إلى ما هو عليه
في كثير من التشكيكات، وتوسيع دائرة الاحتمالات بأدنى شبهة من الشبهات.
وفيه (أولا) أن هذه الأخبار معارضة بأخبار المواضع الثلاثة كملا، لما
عرفت من أنها متطابقة المقدار متوافقة المعيار.

(1) التهذيب ج 7 ص 317 ح 18، الفقيه ج 3 ص 307 ح 14، الوسائل
ج 14 ص 292 ح 8.
(2) الفقيه ج 3 ص 307 ح 15، الوسائل ج 14 ص 292 ح 10.
(3) التهذيب ج 7 ص 318 ح 23، الفقيه ج 3 ص 307 ح 13، الوسائل
ج 14 ص 286 ح 13.
336

ولا ريب في ترجيح تلك الأخبار وقوتها سندا وعددا ودلالة، واعتضادها
بعمل الطائفة سلفا وخلفا.
و (ثانيا) أن هذه الأخبار مطرحة للاجماع، وإن صح سند بعضها كما ذكره
في المسالك حيث قال - بعد نقل جملة من أخبار المسألة -: بقي في هذا الباب أخبار
نادرة تدل على اعتبار سنة وسنتين لا يعول عليها بالاجماع. إنتهى.
ولا ريب أن شهرة الحكم بين الأصحاب متقدميهم ومتأخريهم فضلا عن
الاجماع عليه متى عارض الخبر وجب طرح ذلك الخبر إن لم يمكن تأويله، وذلك
فإن الأخبار قد خرجت عنهم عليهم السلام على وجوه متعددة وأنحاء متبددة، ولا سيما
وجوه التقية التي هي أوسع تلك الأبواب وبها وقع الاختلاف فيها والاضطراب.
وأما اتفاق شيعتهم على حكم من الأحكام فهو مؤذن بكون ذلك مذهبهم
(عليهم الصلاة والسلام) لأن مذهب كل إمام إنما يعلم بنقل أصحابه وشيعته
وعملهم به، ألا ترى أن مذهب أبي حنيفة إنما يعلم من الحنفية، ومذهب الشافعي
إنما يعلم من الشافعية قولا وفعلا وعملا، ومن هنا خرجت الأخبار بالترجيح بالشهرة
بين الأصحاب في مقام الاختلاف بين الروايات، فقالوا عليهم السلام (1) " خذ بما اشتهر
بين أصحابك، ودع الشاذ النادر - وقالوا - إن المجمع عليه لا ريب فيه " وسر ذلك
ما ذكرناه.
و (ثالثا) أنه لا يخفى على من تلجج بحور الاستنباط والاستدلال وشرب بكأس
ذلك العذب الزلال أنه قد وردت جملة من الأخبار في أحكام متعددة مخالفة لما عليه
كافة الأصحاب، فأعرضوا عنها وأطرحوها وإن كانت صحيحة الأسناد، ولم يقل
بها قائل منهم، ولم ينكر ذلك هذان الفاضلان، بل سلماه ووافقا عليه كالأخبار
الواردة بنجاسة الحديد، والأخبار الدالة على عدم وجوب غسل الجنابة على المرأة

(1) الكافي ج 1 ص 67 ح 10، التهذيب ج 6 ص 301 ح 52، الفقيه ج 3
ص 5، الوسائل ج 18 ص 75 ح 1.
337

بالاحتلام ونحو ذلك، فما بالهما يضطربان في هذا المقام ويخرجان عما عليه
كافة العلماء الأعلام.
وليت شعري أي حكم من أحكام الفقه قد خلا من اختلاف الأخبار، وسلم
من تصادم الآثار، ولكن متى كان المخالف مما أعرض عنه الأصحاب، فإنه يجب
طرحه عندهم بلا ارتياب.
ولله در المحقق (رحمه الله) في أوائل كتاب المعتبر حيث قال ونعم ما قال:
أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكل خبر، وما فطنوا ما تحته
من التناقض، فإن من جملة الأخبار قول النبي صلى الله عليه وآله (1) " ستكثر بعدي القالة
على " - إلى أن قال -: واقتصر بعض عن هذا الافراط فقال: كل سليم السند
يعمل به.
وما علم أن الكاذب قد يصدق، والفاسق قد يصدق، ولم يتنبه إلى أن
ذلك طعن في علماء الشيعة، وقدح في المذهب، إذ لا مصنف إلا وهو يعمل بخبر المجروح
كما يعمل بخبر الواحد المعدل، - إلى أن قال -: وكل هذه الأقوال منحرفة عن السنن،
والتوسط أقرب، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به وما أعرض
الأصحاب عنه أو شذ إطراحه. إنتهى وهو قوي متين وجوهر ثمين، وأنت
قد عرفت أن هذه الأخبار التي استشكلوا بسببها لم يذهب إليها ذاهب.
وما توهمه صاحب الكفاية - من أن نقل الصدوق لها في كتابه يؤذن بقوله
بها بناء على ما ذكره من القاعدة في صد كتابه - مردود بما بيناه في شرحنا
على الكتاب المذكور من المواضع العديدة الخارجة عن هذه القاعدة الموجبة
للتناقض في كلامه لو أريد بها ظاهرها، وهو هنا أظهر ظاهر أيضا، فإنه روى
فيه رواية السنة ورواية السنتين، والتناقض بينهما ظاهر.

(1) ما عثرنا على قوله صلى الله عليه وآله بعد التتبع في مظانه.
338

والتحقيق أن رواية الحولين غير ظاهرة في المخالفة، لأن ما ذكره الشيخ
والجماعة في تأويلها أقرب قريب، فلم يبق إلا رواية السنة، وهي لا تبلغ قوة في
مقابلة جملة تلك الأخبار، مع إمكان احتمال التقية (1) فيها وكذا في الروايتين
الأخيرتين إن حملتا على ظاهرهما.
وقد عرفت في مقدمات الكتاب من الجلد الأول في الطهارة أن الحمل على التقية
لا يتوقف على وجود القائل من العامة وإن كان خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب
والله العالم.
و (ثالثها) العدد، وقد اختلف الأصحاب في أقل ما يحرم به من العدد،
فقيل؟ بعشر رضعات وهو المشهور بين المتقدمين كالشيخ المفيد وابن أبي عقيل
وسلار وابن البراج وأبي الصباح وابن حمزة، واختاره من المتأخرين العلامة في
المختلف، وولده فخر المحققين والشهيد في اللمعة.
وقيل: بخمسة عشرة وهو المشهور بين المتأخرين، وإليه ذهب الشيخ في
النهاية وكتابي الأخبار، واضطرب كلام ابن إدريس فاختار أول هذين القولين
أولا ثم اختار ثانيهما ثانيا، فقال في أول كتاب النكاح: المحرم عشر رضعات
متواليات في الصحيح في المذهب.
وذهب بعض أصحابنا إلى خمس عشرة رضعة معتمدا على خبر واحد رواه
عمار بن موسى الساباطي وهو فطحي المذهب مخالف للحق مع أنا قد قدمناه

(1) أقول: وبالحمل على التقية في هذه الأخبار صرح المحدث الشيخ الحر في
كتاب الوسائل فقال بعد نقل كلام الصدوق في المقنع: أقول: لعل الوجه في هذا الاختلاف
التقية لاضطراب مذهب العامة هنا وكثرة اختلافهم. انتهى.
وكلامه هذا جرى على مقتضى كلام أصحابنا من تخصيص الحمل على التقية بوجود
المخالف من العامة، وأما على ما اخترناه فلا، كما أوضحناه في المكان المشار إليه في الأصل.
(منه - قدس سره -).
339

أن أخبار الآحاد لا يعمل بها ولو رواها العدل، فالأول مذهب السيد المرتضى
وخيرته وشيخنا المفيد، والثاني خيرة شيخنا أبي جعفر الطوسي.
والأول هو الأظهر الذي يقتضيه أصول المذهب، لأن الرضاع يتناول القليل
والكثير فالاجماع حاصل على العشر وتخصيصها، ولأن بعض الأصحاب على أنه يحرم
من الرضاع، بالقليل من الرضاع وبالكثير، ويتعلق بالعموم والأظهر ما اخترناه
ففيه الاحتياط.
ثم قال في أول باب الرضاع: الذي يحرم ما أنبت اللحم وشد العظم على
ما قدمناه فإن علم ذلك وإلا كان الاعتبار بخمس عشرة رضعة على الأظهر من
الأقوال، وقد حكينا الخلاف فيما مضى إلا أنا اخترنا هناك التحريم بعشر
رضعات وقويناه.
والذي أفتي به وأعمل عليه الخمس عشرة رضعة، لأن العموم قد خصصه
جميع أصحابنا المحصلين والأصل الإباحة، والتحريم طارئ، فالاجماع من الكل
يحرم بخمس عشرة رضعة، فالتمسك بالاجماع أولى وأظهر فإن الحق أحق أن
يتبع. إنتهى.
قال العلامة في المختلف بعد نقل ذلك عنه: وهذا يدل على اضطرابه
وقلة مبالاته بما يقول، ونسبته المشايخ إلى الخطأ في الفتوى والاستناد إلى
غير دليل
ثم أي تواتر حصل له بين فتواه بالعشر، وفتواه بخمس عشرة رضعة حتى
نسب الثاني أولا إلى أنه خبر واحد رواه غير الثقة، ثم اعتمد عليه وأفتى به. إنتهى
وهو جيد.
وقيل: بالاكتفاء برضعة واحدة تملأ جوف الولد بالمص أو بالوجور، وإلى
هذا القول ذهب ابن الجنيد قال على ما نقل عنه في المختلف: وقد اختلف الرواية
من الوجهين جميعا في قدر الرضاع المحرم إلا أن الذي أوجبه الفقه عندي واحتياط
340

المرء لنفسه أن كلما وقع عليه اسم رضعة - وهو ما ملأت بطن الصبي إما بالمص أو
بالوجور - محرم للنكاح، ومنشأ هذا الخلاف اختلاف الأخبار في المسألة كما
ستقف عليه إن شاء الله تعالى.
استدل العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من الاكتفاء بالعشر فقال:
والوجه التحريم بالعشر لوجوه.
الأول: عموم قوله تعالى (1) " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من
الرضاعة " وهو يصدق على القليل والكثير ترك العمل به فيما دون العشر، فيبقى في
العشر على إطلاقه.
الثاني: قوله (2) " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " والتقريب ما تقدم.
الثالث: الروايات الدالة على العدد. روى الفضيل (3) بن يسار في الصحيح (4)

(1) سورة النساء - آية 23.
(2) الفقيه ج 3 ص 305 ح 5، الوسائل ج 14 ص 293 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 315 ح 13 و ص 324 ح 42، الوسائل ج 14 ص 285
ح 11 و ص 284 ح 7، وما عثرنا على الرواية بهذا النحو عن الباقر عليه السلام،
ولعل (قدس سره) قد اختلط الروايتين عنه عليه السلام وعن الصادق عليه السلام وجعلهما
رواية واحدة.
(4) أقول: لا يخفى أن صحيحة الفضيل المذكورة قد رواها الشيخ في الصحيح كما ذكرناه
في الأصل، ورواها أيضا في الموثق عن الفضيل بن يسار عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله
" قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبورا، قلت: وما الجبور؟ قال: أم مربية أو ظئر
تستأجر أو خادم تشترى أو ما كان مثل ذلك موقوفا عليه ".
ورواها في الفقيه عن حريز " قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبورا،
قلت: وما المجبور، قال: أم مربية أو ظئر تستأجر أو خادم تشترى.
وأنت خبير بأن المجبور في هاتين الروايتين قد جعله صفة للرضاع وفسره بالأم
والظئر المستأجرة والخادم، وفي الصحيحة المذكورة في الأصل جعله قسيما للفردين الآخرين
خارجا عنهما، وهذه علة أخرى في هذه الرواية توجب اضطرابها. (منه - قدس سره -).
ما عثرنا بهذا النحو الذي نقله (قدس سره) عن الفقيه في التعليقة فلاحظ ج 3
من الفقيه ص 307 ح 12.
341

عن الباقر عليه السلام " قال: لا يحرم من الرضاع إلا المجبورة قلت: وما المجبور؟ قال:
أم تربي أو ظئر تستأجر أو أمة تشترى ثم ترضع عشر رضعات يروى الصبي وينام ".
لا يقال: في طريقه محمد بن سنان وفيه قول، ولأن الرواية اختلفت فإن
كلا من الشيخ والصدوق روى هذا الخبر بصيغة مخالفة لصيغة الرواية الأخرى
فيتعارضان.
لأنا نقول: قد بينا رجحان العمل برواية محمد بن سنان في كتاب الرجال
ولا مدخل لاختلاف الصيغتين في الاستدلال من منعه، لأنا نستدل بقوله " ثم ترضع
عشر رضعات " وهذه الزيادة رواها الشيخ، ولا يلزم من ترك رواية الصدوق لها
الطعن فيها.
وفي الحسن عن حماد بن عثمان (1) عن الصادق عليه السلام " قال لا يحرم من الرضاع
إلا ما أنبت اللحم والدم " ونحوه عن عبد الله بن سنان (2) عن الصادق عليه السلام.
إذا تقرر هذا فنقول الذي تنبت اللحم والعظم عشر رضعات لما رواه عبيد بن
زرارة (3) في الصحيح عن الصادق عليه السلام إلى أن قال " قلت: وما الذي ينبت اللحم
والدم؟ فقال: كان يقال: عشر رضعات ".
وفي الموثق عن عمر بن يزيد (4) عن الصادق عليه السلام " عن الغلام يرضع الرضعة
والثنتين قال: لا يحرم فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات، فقال: إذا كانت

(1) التهذيب ج 7 ص 312 ح 2 و 3 و ص 313 ح 4 و ص 314 ح 10، الوسائل ج 14 ص 289 ح 1 و 2 و ص 287 ح 18 و ص 283 ح 5.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
342

متفرقة فلا ".
دل بمفهومه على التحريم مع عدم التفريق.
الرابع: الاحتياط، فإن التحريم المستند إلى عموم الكتاب والروايات لما
عارضته الإباحة المستندة إلى الأصل والروايات غلب، جانب التحريم، فيبقي البراءة
معه بخلاف الطرف الآخر، وقد روى عنه (1) صلى الله عليه وآله " ما اجتمع الحلال والحرام
إلا غلب الحرام الحلال ".
الخامس: عمل أكثر الأصحاب عليه فيكون راجحا، فيتعين العمل به
لامتناع العمل بالمرجوح. إنتهى كلامه زيد مقامه.
وفيه (أولا) أن ما ذكره من الاستدلال بالآية بالتقريب الذي ذكره مبني
على ثبوت التحريم بالعشر من الأخبار، وأما علي تقدير أن الثابت منها إنما هو
الخمس عشرة، كما سنوضحه إن شاء الله تعالى، فإن للخصم أن يقول: إن الرضاع
في الآية يصدق على القليل والكثير، ترك العمل به فيما دون الخمس عشرة،
فيبقى الخمس عشرة على إطلاقه.
وبالجملة فإن الكلام في الآية موقوف على تعيين ما يستفاد من أخبار العدد
من أن المحرم منه هل هو العشر أو الخمس عشرة؟
وكذا رد في المسالك الاستناد إلى الآية بنحو ما قلناه، حيث قال: ما في
الآية كما خصصت فيما دون العشر برواياتكم، كذلك خصصت فيما دون الخمس
عشرة بروايات الآخرين، ومعهم المرجح كما سنبينه. إنتهى، ومن ذلك علم
الكلام في الدليل الثاني، وهو حديث " يحرم من الرضاع " للاشتراك في الاجمال.
و (ثانيا) أن ما استدل به من رواية الفضيل بن يسار (3) مردود بالقدح فيها.

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبعة الجديدة.
(2) التهذيب ج 7 ص 324 ح 42، الفقيه ج 3 ص 307 ح 12 بتفاوت،
الوسائل ج 14 ص 284 ح 7.
343

متنا وسندا.
أما الأول فإن ما اشتملت عليه من الحصر لا قائل به، بل فساده ظاهر،
للاجماع على عدم انحصار المرضعة فيمن ذكر، لخروج المتبرعة عن هذا الحصر،
مع أن إرضاعها ينشر إجماعا.
وأما الثاني فلتصريح جملة من علماء الرجال بضعف محمد بن سنان، كالشيخ
والنجاشي وابن الغضائري. وقد روى الكشي فيه روايات تشتمل على قدح
عظيم، وأي رجحان يبقى لروايته مع تصريح هؤلاء الذين هم أساطين هذا العلم،
وهم المرجع فيه.
مع أنه في الخلاصة بعد أن نقل كلام هؤلاء الأفاضل، ونقل عن المفيد
توثيقه (1) توقف في أمره وقد اعترض عليه بأنه لا وجه للتوقف، لأن الجارح
مقدم لو فرض التساوي، على أن المفيد قد اختلف قوله فيه أيضا، وبالجملة فضعف
سند الرواية مما لا يعتريه الاشكال.
و (ثالثا): أن ما استند إليه من الروايات الدالة على حصر المحرم فيما
ينبت اللحم ويشد العظم، بتقريب ما دلت عليه صحيحة عبيد بن زرارة (2) من " أن
العشر ينبت اللحم ويشد العظم ".
ففيه أن دلالة الصحيحة المذكورة على ذلك محل إشكال بل ربما كانت

(1) حيث إنه وثقه في الإرشاد وهو الذي نقله عنه الأصحاب كالعلامة في المختلف
وغيره إلا أنه قد ضعفه في رسالته الموضوعة للرد على الصدوق فيما ذهب إليه من أن
شهر رمضان لا يصيبه إليه ما يصيب الشهور من النقصان فإنه طعن في محمد بن سنان ورد
روايته فقد تعارض كلامه فيه فليراجع ذلك (منه - قدس سره -).
(2) الكافي ج 5 ص 439 ح 9، التهذيب ج 7 ص 313 ح 4، الوسائل ج 14
ص 287 ح 18.
344

بالدلالة على خلافه أظهر في هذا المجال، وذلك فإنه عليه السلام نسب القول (1) بذلك
إلى غيره، فقال " كان يقال " وفيه إشعار بعدم اعتباره عنده عليه السلام، ويؤيد ذلك
أن السائل لما فهم منه عدم إرادته كرر السؤال فقال " هل يحرم عشر رضعات " فقال
" داع ذا "، ثم عدل إلى كلام خارج من البين، فقال: " ما يحرم من النسب فهو
يحرم من الرضاع " فلو كان التحريم بالعشر حقا كما يدعونه لما عدل عن الافتاء به
أولا، بل نسبه إلى غيره، ولما أعرض عن جواب السؤال الثاني وعدل إلى كلام
خارج من البين، بل جميع ذلك مما يؤذن بعدم التحريم بالعشر، كما أشرنا إليه.
على أن هذه الرواية معارضة بصحيحة علي بن رئاب (2) المتقدمة الدالة

(1) قال الشيخ في الإستبصار: والجواب عن هذا أنه لم يقل أن عشر رضعات يحرم عن نفسه
بل أضافه إلى غيره فقال " كان يقال " إلى آخره ولو كان ذلك صحيحا لا خير به عن نفسه... الخ.
واعترض الفاضل الداماد في رسالته التي في التنزيل حيث إنه اختار فيها القول
بالتحريم بالعشر فقال ما هذا لفظه: قلت هذا الكلام ضعيف جدا لأنه لو لم يكن ذلك
صحيحا لكان واجبا على الإمام عليه السلام أن ينبه على فساده وأن يعين ما هو الصحيح في
ذلك. انتهى.
أقول: بل الضعيف إنما هو كلامه (قدس سره) حيث إن ما أوجبه على الإمام من
الجواب بما هو الصحيح الواردة عنهم عليهم السلام في تفسير قوله عز وجل " فاسئلوا
أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " لتصريحها بأن الواجب عليكم أن تسألونا وليس علينا أن
نجيبكم بل ذلك إلينا إن شئنا أجبنا وإن شئنا لم نجب.
والوجه في ذلك أنهم بالمصالح في ذلك أعلم فقد يجيبون بما هو الحكم الواقعي
وقد يجيبون بخلافه وقد لا يجيبون بالكلية وقد يجيبون بأجوبة مشتبهة، كل ذلك قد
أباحته التقية.
ولكن هذا الفاضل غفل عن ملاحظة الأخبار المذكورة ولم تخطر بباله ولا يخفى
على من لاحظ الأخبار وجاس خلال تلك الديار صحة ما ذكرناه ودلالتها على ما قلناه
والله العالم. (منه - قدس سره -).
(2) التهذيب ج 7 ص 313 ح 6، الوسائل ج 14 ص 283 ح 2.
345

صريحا على أن العشر لا ينبت اللحم ولا يشد العظم.
و (رابعا) أن ما استند إليه مفهوم رواية عمر بن يزيد (1) ففيه أنه - مع
قطع النظر عن ضعف هذا المفهوم عند الأصحاب وغيرهم وأنه لا يصلح لاثبات حكم
شرعي - معارض بمنطوق موثقة عبيد بن زرارة (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
سمعته يقول: إن عشر رضعات لا يحرمن شيئا ".
وموثقة ابن بكير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سمعته يقول: عشر رضعات
لا تحرم ".
ولا ريب أن المفهوم لو سلم صحة الاستناد إليه لا يعارض المنطوق، وجوابه
في المختلف عن هاتين الروايتين بضعف الاستناد وارد عليه في استدلاله برواية
عمر بن يزيد فإنها في التهذيب مروية عن الحسن بن فضال، وطريق الشيخ إليه
غير معلوم، وفي الكافي مروية بسند فيه المعلي بن محمد وهو ضعيف، فروايته
المذكورة في كلا الكاتبين من قسم الضعيف.
وروايتا عبيد بن زرارة وابن بكير المذكورتان من قسم الموثق، وحينئذ
فروايته أولى بالرمي بالضعف.
و (خامسا) أن ما استند من الاحتياط عندهم ليس بدليل شرعي، مع أنه
قد أورد عليه أنه غير مطرد، بل قد يكون الاحتياط في الجانب الآخر كما لو عقد
على صغيرة بهذا الوصف، أو ورثت مهرا كذلك، فإن الاحتياط القول بعدم
التحريم، من جهة استحقاقها المهر، ونحوه من حقوق الزوجية.
و (سادسا) أن دعواه كون التحريم عليه عمل الأكثر، ومعارض بما ذكره
في التذكرة كما نقل عنه فإنه جعل المشهور هو القول الآخر ورجحه، والحق

(1) الكافي ج 5 ص 439 ح 8، التهذيب ج 7 ص 314 ح 10، الوسائل
ج 14 ص 283 ح 5.
(2) التهذيب ج 5 ص 313 ح 7 و 8، الوسائل ج 14 ص 283 ح 3 و 4.
(3) التهذيب ج 5 ص 313 ح 7 و 8، الوسائل ج 14 ص 283 ح 3 و 4.
346

أن التحريم بالعشر هو المشهور عند المتقدمين، وعدمه هو المشهور عند المتأخرين
وبالجملة فإن كلامه (قدس سره) هنا واستدلاله بما ذكر غير متجه.
والتحقيق أن يقال: إن روايات العشر مضطربة، لا تصلح التعلق بها في إثبات
هذا الحكم، حيث إن جملة منها صريح في نفي التحريم، كصحيحة ابن رئاب (1)
وموثقتي عبيد بن زرارة (2)، وعبد الله بن بكير (3).
ومنها ما هو ظاهر في ذلك، كرواية عبيد بن زرارة (4) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: سألته عن الرضاع أدنى ما يحرم منه " الحديث.
وقد تقدم في صدر الموضع الأول في الأثر، فإن ظاهرها أنه عليه السلام يقول:
" لا " في جواب السؤال عن هذه المعدودات التي من جملتها العشر، ونحوها موثقة
زياد بن سوقة الآتية (5) حيث قال في آخرها " ولو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية
عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتها امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر
رضعات لم يحرم نكاحها ".
فإن الظاهر كما استظهره في الوافي أيضا أن لفظ " أو " في عطف الجارية على
الغلام غلط، وأن صوابه بالواو، وكذا ضمير " أرضعتها " إنما هو ضمير التثنية، وهكذا
ضمير " نكاحها " إنما هو ضمير التثنية، فإن ذلك هو الذي يستقيم به الكلام، ويحصل
به الانتظام، أول وجملة منها متشابهة الدلالة مضطربة المقالة، يشبه أن يكون قد
تجللها غيم التقية، ونزلت بها تلك البلية، مثل صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة
وقوله فيها بعد أن سأله عن الذي ينبت اللحم والدم، " كان يقال: عشر رضعات " إلى آخرها وقد مربيانه.

(1) التهذيب ج 7 ص 313 ح 6 و 7 و 8، الوسائل ج 14 ص 283 ح 2 و 3 و 4.
(2) التهذيب ج 7 ص 313 ح 6 و 7 و 8، الوسائل ج 14 ص 283 ح 2 و 3 و 4.
(3) التهذيب ج 7 ص 313 ح 6 و 7 و 8، الوسائل ج 14 ص 283 ح 2 و 3 و 4.
(4) الكافي ج 5 ص 438 ح 3، الوسائل ج 14 ص 288 ذيل ح 21.
(5) التهذيب ج 7 ص 315 ح 12، الوسائل ج 14 ص 282 ح 1.
347

ومثل رواية عمر بن يزيد (1) المتقدمة، وصحيحة صفوان (2) " قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الرضاع ما يحرم منه؟ فقال: سأل رجل أبي عليه السلام فقال: واحدة
ليس بها بأس، وثنتان حتى بلغ خمس رضعات، قلت: متواليات أو مصة بعد
مصة؟ فقال: هكذا قال له، وسأله آخر عنه فانتهى به إلى تسع، وقال: ما أكثر
ما أسأل عن الرضاع، فقلت: جعلت فداك أخبرني عن قولك في هذا، أنت عندك
فيه حد أكثر من هذا؟ فقال: قد أخبر تك بالذي أجاب فيه أبي قال: قد علمت
الذي أجاب أبوك فيه، ولكني قلت: لعله يكون فيه حد لم يخبر به فتخبرني به
أنت، فقال: هكذا قال أبي ".
ومما يؤيد الحمل على التقية في هذه الروايات ما نقله العامة في صحاحهم
عن عائشة (3) " أنه كان في القرآن عشر رضعات محرمات فنسخت تلاوته ".
وفي رواية أخرى عنها " قالت: كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات
معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وهي ما يقرأ
من القرآن "، رواها مسلم والنسائي والترمذي والسجستاني وابن ماجة القزويني (4)
واكتفى الشافعي من علمائهم وأحمد بن حنبل بخمس لا أقل، وفيهم من قال بثلاث،
واكتفى مالك وأبو حنيفة بالرضعة الواحدة ولعل قوله عليه السلام في صحيحة عبيد بن
زرارة (5) " كان يقال عشر رضعات " إشارة إلى هذه الرواية التي عن عائشة أنها كانت
ثم نسخت.

(1) الكافي ج 5 ص 439 ح 8، التهذيب ج 7 ص 314 ح 10، الوسائل ج 14
ص 283 ح 5.
(2) الكافي ج 5 ص 439 ح 7، الوسائل ج 14 ص 288 ح 24.
(3) مسلم ج 10 ص 29 و 30، الترمذي ج 3 ص 1150، ابن ماجة ح 1 ص 625 ح 1942، سنن البيهقي ج 7 ص 454.
(4) مسلم ج 10 ص 29 و 30، الترمذي ج 3 ص 1150، ابن ماجة ح 1 ص 625 ح 1942، سنن البيهقي ج 7 ص 454.
(5) الكافي ج 5 ص 439 ح 9، التهذيب ج 7 ص 313 ح 4، الوسائل
ج 14 ص 287 ح 18.
348

وبالجملة فاختلال هذه الأخبار وعدم صلوحها للاستدلال - مع قطع
النظر عما عارضها من الأخبار الصريحة في نفي العشر - مما لا يخفي على المتأمل
المنصف، وقد وقع للفاضلين المتقدمين أيضا في هذا الموضع ما وقع لهم سابقا من
الاشكال المتقدم من جهة تلك الأخبار، وقد عرفت ما فيه.
وزاد الفاضل الخراساني في الاشكال هنا برواية عمر بن يزيد (1) " قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: خمس عشر رضعة لا تحرم " وهذا الخبر حمله الشيخ على
الرضعات المتفرقة، ويمكن حمله على الانكار دون الأخبار.
وبالجملة فإنه - بعد ما عرفت وستعرف إن شاء الله من التحقيق - لا يبقي
لهذا الخبر قوة المعارضة لاجماع الفرقة الناجية سلفا وخلفا على رده، وعدم العمل
عليه بل إجماع الأمة، لما عرفت من أقوال العامة في المسألة، ولكن هذا الفاضل
ربما يتشبث بما هو أوهن من بيت العنكبوت، وإنه لأوهن البيوت.
استدل الشيخ ومن بعده للقول الثاني بما رواه في التهذيب عن زياد بن
سوقه في الموثق (2) " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل للرضاع حد يؤخذ به؟
فقال: لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعات متواليات
من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، ولو أن
امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد، وأرضعتها امرأة
أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحها ".
وهي نص في ثبوت التحريم بالخمس عشرة، وصريحة في نفي العشرة، وأيده
بعضهم بأصالة الإباحة واستصحابها.
وهذا القول هو الأظهر عندي وعليه العمل، لما عرفت من روايات العشر،
وتصادمها، وعدم نهوض ما استدل به بالدلالة، وما ستعرف - إن شاء الله - في

(1) التهذيب ج 7 ص 314 ح 9، الوسائل ج 14 ص 284 ح 6.
(2) التهذيب ج 7 ص 315 ح 12، الوسائل ج 14 ص 282 ح 1.
349

روايات القول الثالث من الطعن فيها، وليس لهذه الرواية معارض بعد ما عرفت
إلا رواية عمر بن يزيد المتقدمة، وقد عرفت أنها متروكة بإجماع الأمة.
وإلى هذا القول ما في المسالك أيضا بتقريب آخر غير ما ذكرناه، حيث
قال - بعد الطعن في روايات المسألة ومنها رواية زياد بن سوقة بأن في طريقها
عمار بن موسى وحاله في الفطحية معلوم، ما لفظه -: والحق أن مثل هذه الأخبار
المتناقضة الواهية الأسناد، لا يلتفت إليها من الجانبين، ومتى اعتبرنا ذلك فليس
معنا في ذلك كله أصح سندا من رواية علي بن رئاب الدالة على أن العشر لا يحرم
وفيها - مع صحة السند - التعليل بأن العشر لا تنبت اللحم ولا تشد العظم، والخبر
المعلل مرجح على غيره عند التعارض، فسقط بها اعتبار كل ما دل على الاكتفاء
بالعشر، وتعين القول بالخمس عشرة وإن لم يعتبر أدلته، إذا لا قائل بما فوقه،
ولا ما بينه وبين العشر، وتبقى ما دل على الخمس عشرة شاهدا وإن لم يكن أصلا.
إنتهى.
وفيه من الضعف ما لا يخفى على المتأمل الناظر بعين التحقيق والمتأمل
بالفكر الصائب الدقيق، وذلك فإنه متى فرض أن لا دليل لهذا القول من الأخبار
فالقول به والحكم به مما منعت منه الآيات القرآنية والأخبار المعصومية لما
دلت عليه من النهي والزجر عن القول والفتوى في الأحكام الشرعية بغير دليل
واضح عنهم عليهم السلام.
ومجرد دلالة الأخبار على نفي العشر وعدم القول بما فوق الخمس عشرة
ولا ما بينهما وبين العشرة ليس بدليل شرعي ولا نهج مرعي، لامكان وقوع الحكم
في قالب الاشتباه، إذا الفرض أنه لا دليل للقول بخمس عشرة والقول به بغير
دليل ممنوع منه شرعا، ولا قائل بشئ من ذلك الوجهين المذكورين.
وبالجملة فإن أصحاب هذا الاصطلاح المحدث لوقوعهم - متى تمسكوا به -
في مضيق الالزام يلجئون إلى التمسك بهذه التكلفات العليلة الضئيلة، ولهذا أن
350

سبطه في شرح النافع (1) قال بعد ما نقل ذلك عنه: فإن تم ما ذكره فذاك، وإلا
فللتوقف في ذلك مجال وفيه إيذان بعدم تمامية ذلك عنده
ومما يدل على ما ذهب إليه ابن الجنيد ما رواه الشيخ (2) في الصحيح عن
علي بن مهزيار عن أبي الحسن عليه السلام " أنه كتب إليه يسأله عما يحرم من الرضاع؟
فكتب عليه السلام: قليله وكثيره حرام ".
وعن عمرو بن خالد (3) عن زيد بن علي عليه السلام عن آبائه عن علي عليهم السلام " أنه قال
الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحل له أبدا ".
واستدل له بإطلاق الآية وهي قوله تعالى (4) " وأمهاتكم... من الرضاعة "
وهو يصدق على القليل والكثير وضعف الجيع مما لا يستره ساتر كما لا يخفى على
كل ناظر.
أما صحيحة علي بن مهزيار، ففيها (أولا) أنها بظاهرها لا تنطبق علي مدعاه
من الرضعة التامة التي يملأ البطن لدلالتها على أن القليل والكثير محرم وهو

(1) أقول: صورة عبارته في شرح النافع هكذا " وبالجملة فالأخبار من الطرفين
لا تخلو من قصور من حيث السند، لكن ذكر جلدي (قدس سره) في المسالك أنه إذا
سقط اعتبار ما دل على الاكتفاء بالعشر تعين القول بالخمس عشرة وإن لم يعتبر دليله،
إذ لا قائل بما فوقه، ولا ما بينه وبين العشرة، ويبقى ما دل على الخمس عشرة شاهدا،
فإن تم ما ذكره إلى آخر ما ذكر في الأصل " ومراده أنه إن تم ما ذكره من الملازمة بقوله
" إذا سقط اعتبار ما دل على الاكتفاء بالعشر تعين القول بالخمس عشرة " وفيه إشارة إلى
أن الملازمة غير تامة عنده، إذ مجرد سقوط ما دل على اعتبار العشر لا يستلزم تعين القول
بالخمس عشرة بوجه من الوجوه. (منه - قدس سره -).
(2) التهذيب ج 7 ص 316 ح 16، الوسائل ج 14 ص 285 ح 10.
(3) التهذيب ج 7 ص 317 ح 17، الوسائل ج 14 ص 285 ح 12.
(4) سورة النساء - آية 23.
351

شامل لما دون ذلك.
(وثانيا) أنها معارضة بالأخبار المتقدمة من أخبار المسألة كملا أخبار العدد
وغيرها، فهي محموله على التقية بلا إشكال.
ومثلها رواية عمرو بن خالد فإن رواتها كملا من العامة، وقد تقدم أن
مذهب أبي حنيفة ومالك الاكتفاء بالرضعة الواحدة.
وأما ما ذكره شيخنا في المسالك حيث قال: وتمام الاحتياط المخرج من
خلاف جميع أصحابنا أن لا يشبع الولد من رضاع الأجنبية إذا أريد السلامة من
التحريم ولو مرة واحدة ليخرج من خلاف ابن الجنيد وروايته، ومع ذلك لا يسلم
من خلاف جميع مذاهب المسلمين فقد ذهب جماعة من العامة إلى الاكتفاء بمسماه
وقدره بعضهم بما يفطر الصائم وادعى عليه إجماع العلم. إنتهى، فهو بمحل من
الضعف والقصور، فإن الظاهر أن الاحتياط المندوب إليه والمحثوث في الأخبار
عليه من قولهم عليهم السلام (1) " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ونحوه إنما هو في موضع
يحتمل صحة ذلك القول الذي يراد الخروج من عهدته وأنه مراد له سبحانه.
واحتمال التحريم بما دلت عليه هاتان الروايتان ممنوع لمعارضتها الأخبار
الدالة على خلاف ما دلتا عليه خصوصا وعموما، وهي روايات إنبات اللحم، وشد
العظم، وروايات اليوم والليل، وروايات العدد، مع استفاضة الأخبار (2) منهم عليهم السلام
بعرض الأخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة، والأخذ بخلافهم، فأي مجال
لاحتمال صحة ما اشتملتا عليه، والحال ما ذكرناه.
ثم العجب منه (قدس سره) أيضا في اعتباره الاحتياط بالخروج عن أقوال
العامة ومذاهبهم في هذه المسألة، وأي وجه لهذا الاحتياط مع استفاضة الأخبار
بالأخذ بخلافهم، وأن الرشد في خلافهم، ورمي الأخبار الموافقة لهم، وأنهم

(1) الوسائل ج 18 ص 122 ح 38.
(2) الفقيه ج 3 ص 6، الوسائل ج 18 ص 75 ح 1.
352

ليسوا من الحنفية على شئ، وأنه لم يبق في أيديهم إلا استقبال القبلة، وأنهم
ليسوا إلا كالجد المنصوبة، وأن لا فرق بين صلاتهم وزنائهم، حتى ورد أنه إذا
لم يكن في البلد فقيه تستفتيه في الحكم، فاستفت قاضي العامة، وخذ بخلافه.
وما ادعاه من إسلامهم وإن ذهب هو إليه، وتبعه جمع عليه، إلا أن
المشهور بين متقدمي أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) هو الكفر كما استفاضت
به أخبار أهل الذكر عليهم السلام، وأوضحناه بما لا مزيد عليه في كتابنا الشهاب الثاقب
في معنى الناصب، وقد تقدم في جلد كتاب الطهارة من كتابنا هذا نبذة من الكلام
في ذلك. (1)
وأما الآية فعمومها مخصوص بالأخبار العالية المنار في هذا الحكم وغيره
من سائر أحكام الرضاع بالضرورة والاجماع كما في سائر الآيات المجملة في غير
هذا الحكم من غير خلاف ولا نزاع، والله العالم.
تنبيهات:
الأول: لا يخفى أن لفظ المجبورة في رواية الفضيل بن يسار (2) لا يخلو من
اشتباه، ونقل في الوافي أن المجبورة في بعض نسخ الفقيه بالمهملة قال: وكأن
الجيم هو الأصح كما في نسخة أخرى منه.
وقال في كتاب مجمع البحرين في مادة حبر بالحاء المهملة بعد ذكر
الحديث: وقد اضطربت النسخ في ذلك ففي بعضها بالحاء المهلة كما ذكرناه وفي
بعضها بالجيم كما تقدم، وفي بعضها بالخاء المعجمة، لعله الصواب ويكون
المخبور بمعنى المعلوم إنتهى.
وقال في مادة جبر بالجيم والباء الموحدة بعد نقل الخبر المذكور: قال في

(1) ج 5 ص 187.
(2) التهذيب ج 7 ص 315 ح 13، الوسائل ج 14 ص 285 ح 11.
353

شرح الشرايع: المجبور وجدتها مضبوطة بخط الصدوق (رحمه الله) بالجيم والباء
في كتابه المقنع، فإنه عندي بخطه. إنتهى.
أقول: الظاهر أنه أراد بشرح الشرايع هو كتاب المسالك إلا أني لم أقف
عليه في الكتاب المذكور، ثم إني وجدت في بعض الفوائد المنسوبة إلى الشيخ
الفاضل الفقيه الأوحد الشيخ حسين بن عبد الصمد والد شيخنا البهائي (قدس الله
روحهما) ما صورته: المجبورة بالجيم فكان كلا منهما باعتبار المحبة أو الأجرة
أو الرقية مجبور في الارضاع الدائمي، ويحتمل أن يكون بالجيم والتاء المثناة
من فوق مفتعل من الجوار.
قال في الصحاح: تجاوروا أو اجتوروا: أي اصطحبوا، ولم تعل الواو في
اجتور كما لم تعل في تجاور لأنها بمعناها، ولما كان كل من الثلاث مصاحبا
للرضيع قيل لها المجتور، وإنما يحرم من الرضاع ما كان مصطحبا الرضيع
مجاورا بالشرائط المقررة.
ويحتمل أن يكون مفعولا من خثر بالخاء المعجمة والثاء المثلثة والراء،
يقال: خثر في الحي إذا قام بها، وهذا المعنى يقرب من تاليه.
ويؤيد هذين المعنيين قوله عليه السلام في آخر الخبر " أو ما كان مثل ذلك موقوفا
عليه "، وكذا ما في خبر موسى بن بكر الآتي من قوله " مقيم عليه " وهذان
الاحتمالان قريبان.
ويحتمل أن يكون بالحاء المهملة والتاء المثناة الفوقانية مفعولا من
الحترة بالفتح.
قال في القاموس: التحرة: الرضعة، والمحتور: الذي يرضع شيئا قليلا
ولما كان المرضعة الرضاع المحرم إنما ترضع قليلا قليلا، أي ساعة فساعة في زمان
كثير يمكن الوصف بالقلة والكثرة بالاعتبارين، هذا غاية ما يمكن في تصحيح
ذلك، ولم أجد لأحد كلاما.
354

واعلم أن التذكير إنما هو باعتبار الموصول، فتأمل، وإني وجدت بخط
الشهيد الثاني أنه نقل: أني رأيت بخط صاحب الفقيه المجبور بالجيم ثم الموحدة
ثم قال: لكن المشهور بين المحدثين بالمهملة والتاء المثناة من فوق بالمعني المذكور.
إنتهى كلام زيد إكرامه.
الثاني: قد صرح الأصحاب بأنه يعتبر في الرضعات لتحقق العدد قيود
ثلاثة، كمالية كل واحدة من تلك الرضعات، وتواليها، والارتضاع من الثدي،
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع ثلاثة:
(أحدها) في كمالية الرضعة، والمشهور الرجوع في ذلك إلى العرف، لأنه
المرجع فيما لم يقدر له حد في الشرع فلا تجزي الرضعة الناقصة، وقيل: حد
الكمالية أن يروى الصبي أي الولد مطلقا ويصدر من قبل نفسه، والقولان للشيخ
(رحمه الله) إلا أن ظاهر كلامه في التذكرة أن مرجعهما إلى قول واحد، فإن
الثاني منهما هو الذي يدل عليه العرف، ولا يدل على غيره، ولهذا جمع بينهما
في التذكرة فقال: إن المرجع في كمالية إلى العرف، ثم قال: فإذا ارتضع
الصبي وروي وقطع قطعا بينا باختياره، وأعرض إعراض ممتل باللبن كان ذلك
رضعة. إنتهى، فجعل العبارتين معا أمرا واحدا، والعبارة التي نسبوا للشيخ بهما
القولين المذكورين هي ما ذكره في المبسوط حيث قال: والمرجع في ذلك العرف،
لأن ما لا حد له في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف: غير أن أصحابنا
قيدوا الرضعة بما يروي الصبي منه ويمسك.
قال في المسالك: وهذه العبارة هي مستند الجماعة في جعلهما قولين، وليست
بدالة على ذلك. إنتهى.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار في المقام ما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير
عن بعض أصحابنا (1) رواه عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: الرضاع الذي ينبت اللحم والدم

(1) التهذيب ج 7 ص 316 ح 14، الوسائل ج 14 ص 290 ح 2.
355

هو الذي يرضع حتى يتضلع ويمتلئ وينتهي نفسه ".
وعن ابن أبي يعفور (1) " قال: سألته عما يحرم من الرضاع قال: إذا رضع
حتى يمتلي بطنه، فإن ذلك ينبت اللحم والدم، وذلك الذي يحرم " وقد تقدم
في حديث الفضيل بن يسار (2) " ثم يرتضع عشر رضعات يروى الصبي وينام ".
وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة في المعنى الثاني، وهو الذي يفهم من العرف
أيضا كما عرفت، فيكون مرجع الأمرين المذكورين إلى أمر واحد، وبذلك
يظهر أن من قال بالرجوع إلى العرف - لأنه لأحد له في الشرع كما يدل عليه
كلامه في المبسوط - ليس في محله، فإن مقتضى هذه الأخبار كما عرفت حصول
حد شرعي لذلك، فيجب الوقوف عليه، فلا يحتاج إلى التمسك بالعرف، وإن كان
العرف لا يخرج عن ذلك كما عرفت.
والمراد كما يستفاد من ظاهر الإستبصار أن ذلك تفسير لكل رضعة من
الرضعات التي مجموعها محرم ينبت اللحم والدم، ويشد العظم، أو يحصل به العدد
المحرم، لا أن ذلك وحده كاف في التحريم والانبات، وعلى هذا فإذا ارتضع ثم
قطع باختياره: وأعرض إعراض ممتل كانت رضعة كاملة، وإن قطع لا بنية الاعراض
كالتنفس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال من ثدي إلى آخر، أو قطعت عليه
المرضعة، أو حصل له نوم خفيف، فإن عاد بعد ذلك حتى يعرض بنفسه كان الجميع
رضعة، وإلا لم يعتبر في العدد لعدم كونها كاملة.
و (ثانيها) في توالي الرضعات، وفسر بانفراد المرأة الواحدة بإكمال العدد،
فلو رضع من امرأة بعض العدد المحرم وأكمله من أخرى لم ينشر الحرمة.
ونسب في التذكرة القول بعدم نشر الحرمة في هذه الصورة إلى علمائنا مؤذنا
بدعوى الاجماع عليه، ويدل عليه ما تقدم من قوله عليه السلام: في موثقة زياد بن

(1) التهذيب ج 7 ص 316 ح 15، الوسائل ج 14 ص 290 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 315 ح 13، الوسائل ج 14 ص 285 ح 11.
356

سوقة (1) " أو خمس عشرة رضعات متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها، ولو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات
من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم
يحرم نكاحهما ".
وفسر أيضا بأن لا يفصل بين العدد المذكور برضاع امرأة أخرى وإن
أكملت الأولى العدد، وعليه أيضا يدل الخبر المذكور بل ربما كان هو الأظهر
من لفظ التوالي، فإن المفهوم منه هو حصول العدد المذكور من امرأة واحدة من
غير فصل بين أفراده برضاع امرأة أخرى.
وعلى هذا فلو تناوب على إرضاع الصبي عدة نساء الرجل الواحد بحيث
أكملن العدد المعتبر، فإنه لا ينشر الحرمة بين الرضيع والنسوة ولا بينه وبين
صاحب اللبن، أما الأول فلأنه لم تصر واحدة منهن أما لعدم إكمال العدد الموجب
لنشر الحرمة، وأما الثاني فلأن الأبوة فرع الأمومة فحيث انتفت الأمومة انتفت
الأبوة.
أقول: والأصل في الحكم هو النص المذكور، وهذا مما تصلح لبيان الوجه
فيه، وظاهره في المسالك (2) الاعتماد في الحكم على الاجماع لرده الخبر بالضعف،
وفيه ما لا يخفى.

(1) التهذيب ج 7 ص 315 ح 12، الوسائل ج 14 ص 282 ح 1.
(2) قال في المسالك بعد ذكر الرواية: وهي ناصة على المطلوب، إلا أنك قد
عرفت ما في سندها من الاشكال، ولعل التعويل على الاجماع على ما فيه.
وقد خالف في ذلك العامة كافة، فلم يعتبروا اتحاد المرضعة بل اتحاد الفحل،
والأصل يقتضيه، وتخصيصها باشتراط اتحاد المرضعة يحتاج إلى دليل صالح، والرواية
ليست حجة مطلقا، أما على المخالف فظاهر، وأما علينا فلضعف السند، ومن ثم لم يعتبرها
الأكثر في اشتراط كون العدد خمس عشرة، نظرا إلى ذلك، فيبقى الاحتياج إلى تحقق
الاجماع وحجيته. انتهى.
أقول: لا يخفى أن هذا الاشكال لا خصوصية له بهذه المسألة، بل هو جار في
جميع المسائل التي لم يرد فيه نص صحيح، وهي أكثر من أن تحصى في أبواب الفقه
ولو تم ما ذكروه من الاقتصار في الاستدلال على النص الصحيح لكان الواجب عليهم الخروج
إلى دين آخر غير هذا الدين وشريعة أخرى، كما لا يخفى على المتأمل المنصف، مع أنه
غير موضع قد عمل بالأخبار الموثقة، وكذا غيره، وتستروا بما هو أوهن من بيت العنكبوت
وإنه لأوهن البيوت، والله العالم. (منه - قدس سره -).
357

بقي الكلام في أنه على تقدير التفسير الثاني هل يشترط في الرضاع الذي
يقطع التوالي أن يكون رضعة كاملة أو مطلق الرضاع وإن كان أقل من رضعة؟ مع
اتفاق الجميع على أنه لا يقطع التوالي تخلل المأكول والمشروب بين الرضعات
وجهان: بل قولان:
وبالأول جزم في التذكرة فقال في تفسير التوالي: أن لا يفصل برضاع
امرأة أخرى رضاعا تاما فلو ارتضع من واحدة رضعة تامة، ثم اغتذى بمأكول
أو بمشروب أو رضعة غير تامة من امرأة أخرى، ثم أرضعت الأولى رضعة تامة، ثم
اغتذى أو ارتضع من أخرى إما ثانية أو غيرها رضعة غير تامة، وهكذا خمس عشرة
مرة نشر الحرمة بين المرضعة الأولى وبين المرتضع دون المرضعة الثانية لفقد
الشرط فيه. إنتهى.
وبالثاني جزم في القواعد فقال: لا يشترط عدم تخلل المأكول والمشروب
بين الرضعات، بل عدم تخلل رضاع وإن كان أقل من رضعة.
ووجه هذا القول صدق التفريق وعدم التوالي بذلك، ووجه الأول ظاهر
قوله عليه السلام في الرواية المتقدمة " لم يفصل بينها رضعة امرأة " بناء على أن المتبادر
من إطلاق الرضعة هي الكاملة، ولهذا حمل قولهم عليهم السلام " عشر رضعات أو خمس
358

عشرة رضعة " على الرضعات الكاملة، إلا أنه أيضا يحتمل الحمل على المسمى (1)
فيكون دليلا للثاني أيضا، والمسألة لذلك لا تخلو من شوب التوقف والاشكال.
وظاهره في المسالك الميل إلى الثاني، قال السيد السند في شرح النافع:
وكما يقدح الفصل بالرضعة في توالي العدد المعتبر كذا يقدح في رضاع اليوم
والليلة، بل يقدح تناول المأكول والمشروب أيضا بخلاف العدد، وأما التقدير
بالأثر فالمعتبر حصوله كيف كان. إنتهى، وهو جيد، والله العالم.
(ثالثها) في الارتضاع من الثدي، والمشهور بين الأصحاب اعتباره، وأنه
لو وجر في حلقه أو وصل إلى جوفه بحقنة ونحوها أو جعل جبنا فأكله لم ينشر
حرمة، وقال ابن الجنيد: إن كلما ملأ بطن الصبي بالمص أو الوجور محرم للنكاح
وقد تقدمت عبارته المشتملة على هذا الكلام.
ورده الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن المفهوم من الرضاع المستفاد من
الكتاب والسنة هو ما كان من الثدي، فيقال لمن التقم الثدي ومص اللبن منه إنه
ارتضع، ولا يقال لمن شربه من إناء أو وجر في حلقه إنه ارتضع، وهذا أمر شايع
ذايع بين الناس، فإنهم لشربهم الألبان من الأواني لا يقال: إنهم ارتضعوا من
البهائم وحينئذ فلا يدخل تحت إطلاق الرضاع المذكور في الآيات والأخبار.
ويؤيده ما رواه في الكافي عن الحلبي (2) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إن امرأتي
حلبت من لبنها في مكوك (3) فأسقته جاريتي فقال: أوجع امرأتك وعليك
بجاريتك ".

(1) وهو تحقق الانقطاع وعدم التوالي بأقل من رضعة، ونقل عن ظاهر عبارة
المبسوط وعبارة الشرايع. (منه - قدس سره -).
(2) الكافي ج 5 ص 445 ح 5، الوسائل ج 14 ص 298 ح 1.
(3) المكوك: كتنور - طاس يشرب منه.
359

وفي حديث محمد بن قيس (1) " قال: سألته عن امرأة حلبت من لبنها فأسقت
زوجها لتحرم عليه قال: أمسكها وأوجع ظهرها ".
وفيهما إشعار بأنها إذا استحقت التأديب في سقي لبنها البالغ كما هو ظاهر
الخبرين، فبطريق الأولى إذا أسقته الصغير وإن كان لا يوجب تحريما في الموضعين.
أقول: ومما يدل على القول المشهور قول أبي عبد الله عليه السلام في رواية زرارة (2)
" لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين ".
وفي رواية العلا بن رزين (3) " لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة ".
ولا ينافي ذلك اشتمال الروايتين على ما هو متروك بالاتفاق كما تقدم،
لأن طرح بعض الخبر لقيام الدليل على خلافه لا ينافي طرح ما لا دليل على خلافه.
واستدل في المختلف لابن الجنيد ناسبا الاستدلال إليه، كما هو عادته
غالبا في الكتاب المذكور، فقال: احتج ابن الجنيد بما رواه جميل بن دراج في
الصحيح (4) عن الصادق عليه السلام " قال: إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل
شئ من ولدها " وهو يصدق مع الوجور، ثم أجاب عنه بالمنع من صدق
الرضاع معه.
وظاهر شيخنا في المسالك أن ابن الجنيد إنما استند هنا إلى القياس (5)
تبعا للعامة، قال (قدس سره) بعد نقل قول ابن الجنيد: ووافق ابن الجنيد على ذلك

(1) الكافي ج 5 ص 443 ح 4، الوسائل ج 14 ص 298 ح 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 317 ح 18، الوسائل ج 14 ص 292 ح 8.
(3) التهذيب ج 7 ص 318 ح 23، الفقيه ج 3 ص 307 ح 13، الوسائل
ج 14 ص 286 ح 13.
(4) التهذيب ج 7 ص 321 ح 33، الوسائل ج 14 ص 306 ح 3.
(5) أقول: العجب من أصحابنا في طعنهم على ابن الجنيد في غير موضع كما
عرفت في هذا الكتاب بالعمل بالقياس لما علم من كلام أهل البيت عليهم السلام في ذم
القياس والعملة به، وأن القائل به لا أقل يكون فاسقا، فكيف مع هذا يعتبرون أقوال
ابن الجنيد ويعتمدون بها، والحال كما سمعت، بل الواجب اخراجه من عداد علماء
الشيعة بالكلية كما لا يخفى. (منه - قدس سره -).
360

جماعة من العامة استنادا إلى الغاية المطلوبة من الرضاع وهو إنبات اللحم واشتداد
العظم، وهي حاصلة بالوجور كما تحصل بالرضاعة، ولأنه يصل إلى الجوف كما
يحصل بالارتضاع، فيجب أن يساويه في التحريم.
وبالجملة فمرجع استدلالهم إلى قياس الوجور على الامتصاص من الثدي
لاشتراكهما في العلة المستنبطة أو المومئ إليها في قول النبي صلى الله عليه وآله (1) " لا رضاع
إلا ما شد العظيم وأنبت اللحم " وحينئذ فمرجع النزاع معهم إلى منع القياس مطلقا
واختلاله في المتنازع لا إلى منع صدق الرضاعة والارضاع بهذا الفعل كما هو
المشهور في جوابهم، وحال العامة في القياس معلوم، وابن الجنيد يوافقهم عليه،
إنتهى.
أقول: يمكن أن يكون مستند ابن الجنيد في هذا القول ما رواه الصدوق
في الفقيه مرسلا (2) قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام " وجور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع "
وهي صريحة في مدعاه، وحملها على التقية ممكن، بل هو الظاهر لما عرفت من
اتفاق الأصحاب على خلافه مضافا إلى ظاهر الروايتين المتقدمتين، واتفاقهم سيما
المتقدمين منهم مثمر للعلم العادي بكون ذلك هو مذهب أئمتهم.
وربما يتوهم من نقل الصدوق الرواية المذكورة في كتابه القول بها بناء
على قاعدته في صدر كتابه، فيكون قائلا بما قاله ابن الجنيد.
وفيه ما أوضحناه في شرحنا على الكتاب المذكور من أنه لا يخفي على
المتتبع له أنه لم يقف على هذه القاعدة، ولم يلتزمه ما تضمنه من الفائدة لحصول

(1) سنن أبي داود ج 2 ص 222 ح 2060.
(2) الفقيه ج 3 ص 308 ح 23، الوسائل ج 14 ص 298 ح 3.
361

المناقضة في جملة من المواضع التي أوضحناها ثمة.
وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور، وربما أشعر كلام المحقق في الشرايع
هنا بموافقة ابن الجنيد أيضا حيث قال: ولا بد من ارتضاعه من الثدي في قول
مشهور تحقيقا لمسمى الارتضاع إلى آخره.
قال في المسالك: واعلم أن نسبة المصنف اشتراط الارتضاع من الثدي إلي
قول مشهور يشعر بتردده فيه، أو أنه لم يجد عليه دليلا كما هو المنقول عنه في
اصطلاحه وهو يدل على الميل إلى قول ابن الجنيد، إنتهى، وهو ضعيف.
الثالث: لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه يشترط في
الرضاع المحرم أن يكون المرضعة حية، فلو ارتضع من ميتة العدد أو تمامه لم ينشر
حرمة، ويدل عليه ظاهر الآية وهي قوله تعالى (1) " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم "
حيث نسب إليها بالمباشرة والإرادة للارتضاع، والميتة ليست كذلك.
ويؤيده أن الأصل الإباحة حتى يقوم دليل التحريم، وليس في النصوص
ما يدل على ذلك، والأخبار وإن كان أكثرها مطلقا إلا أن جملة منها دلت على ما
دلت عليه الآية من إسناد الارضاع إلى المرأة الموجب لكونها حية قاصدة مريدة
لذلك، وإذا ضمت الأخبار بعضها إلى بعض بحمل مطلقها على مقيدها ثم
الاستدلال بها.
ويؤيده أيضا أن من القواعد المقررة في كلامهم أن الاطلاق في الأخبار إنما
يحمل على الأفراد المتكررة المتكاثرة، دون الفروض النادرة خصوصا في هذا
الموضع، فإن ذلك إنما هو أمر فرضي لم تقع ولا يكاد يقع.
فإن قيل: إنه لا خلاف في أنه لو التقم الصبي ثدي المرأة وهي نائمة وامتص
من لبنها فإنه يتحقق التحريم بذلك، ومنه يعلم أن القصد إلى الارضاع وفعله
من المرضعة غير شرط.

(1) سورة النساء - آية 23.
362

قلنا: لا ريب في دلالة المذكورة والأخبار بعد ضم بعضها على ما قلناه،
وخروج هذا الفرد المذكور - لقيام الدليل عليه وهو اتفاق الأصحاب على ذلك -
لا يوجب خروج ما لا دليل عليه، بل يجب البقاء على ما دلت عليه تلك الأدلة،
ويكون من قبيل العام المخصوص فلا يرد ما أورده في المسالك من أنه غير شرط
إجماعا، فإن فيه أن ظاهر الآية والأخبار شرطيته.
وخروج هذا الفرد منه بدليل لا ينافي ذلك ولا يوجب التعدي إلى الميتة ونحوها
كما يدعيه، وبذلك يتم الاستدلال كما هو واضح بحمد الملك المتعال، والله العالم.
الثالث: من الشروط المتقدم ذكرها، أن يكون الرضاع في الحولين، وهو
بالنسبة إلى المرتضع موضع وفاق، كما ادعاه جملة منهم، فيجب أن يكون سنه
وقت الرضاع ما دون الحولين، ويكمل عدد الرضعات أو ما به يحصل الأثر أو الزمان
المقرر فيهما فلو ارتضع بعد استكمالهما فإنه لا أثر لذلك الرضاع، وقال
ابن الجنيد: إذا كان بعد الحولين ولم يتوسط بين الرضاعين فطام حرم، ورده
الشهيد في شرح الإرشاد بالضعف لسبق الاجماع عليه، وتأخره عنه.
واستدل على القول المشهور بالآية (1) " والوالدات يرضعن أولادهن حولين
كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة " وقوله (2) " وفصاله في عامين " والتقريب أن مقتضى
تحديد الرضاع بالحولين أنه لا عبرة برضاعه بعدهما وإن كان جائزا كالشهر
والشهرين.
وما رواه في الكافي عن منصور بن حازم (3) في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا رضاع بعد فطام، ولا وصال في صيام، ولا يتم بعد احتلام،
ولا صمت يوما إلى الليل، ولا تعرب بعد الهجرة، ولا هجرة بعد الفتح، ولا طلاق

(1) سورة البقرة - آية 233.
(2) سورة لقمان - آية 14.
(3) الكافي ج 5 ص 443 ح 5، الوسائل ج 14 ص 290 ح 1
363

قبل النكاح، ولا عتق قبل ملك، ولا يمين للولد مع والده، ولا للمملوك مع
مولاه ولا للمرأة مع زوجها، ولا نذر في معصية، ولا يمين في قطيعة " فمعنى قوله (1)
" لا رضاع بعد فطام " أن الولد إذا شرب لبن المرأة بعد ما تفطمه لا يحرم ذلك
الرضاع المناكح.
ورواه الصدوق بإسناد عن منصور بن حازم (2) وطريقه إليه صحيح، وترك
التفسير الذي في آخره.
وعن الحلبي (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لا رضاع
بعد فطام ".
وعن الفضل بن عبد الملك (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: الرضاع قبل الحولين
قبل أن يفطم ".
ووصف السيد السند هذه الرواية - في شرح النافع - بالصحة مع أن في
سندها عبد الله بن محمد، وهونيان أخو أحمد بن محمد بن عيسى، وحاله في الرجال غير
معلوم وهو سهو منه (قدس سره).
وعن حماد بن عثمان (5) " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام " يقول لا رضاع بعد فطام
قلت: وما الفطام؟ قال: الحولان اللذان قال الله عز وجل ".
ويدل على ما ذهب إليه ابن الجنيد ما رواه في التهذيب والفقيه في الموثق
عن داود بن الحصين (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: الرضاع بعد الحولين قبل أن

(1) أقول: هذا التفسير من صاحب الكافي كما صرحنا به في آخر البحث.
(منه - قدس سره -).
(2) الفقيه ج 3 ص 227 ح 1، الوسائل ج 14 ص 290 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 443 ح 1 و 2 و 3، الوسائل ج 14 ص 291 ح 2 و 4 و 5.
(4) الكافي ج 5 ص 443 ح 1 و 2 و 3، الوسائل ج 14 ص 291 ح 2 و 4 و 5.
(5) الكافي ج 5 ص 443 ح 1 و 2 و 3، الوسائل ج 14 ص 291 ح 2 و 4 و 5.
(6) التهذيب ج 7 ص 318 ح 22، الفقيه ج 3 ص 306 ح 7،
الوسائل ج 14 ص 292 ح 7.
364

يفطم يحرم ".
وحمله الشيخ في التهذيبين على التقية وقال في التهذيب أيضا: أنه خبر نادر
شاذ مخالف للأخبار كلها، وما هذا سبيله لا يعترض به الأخبار الكثيرة، وهو
جيد لمخالفته لظاهر القرآن والأخبار المذكورة المؤيدة بعمل الطائفة قديما
وحديثا. بقي الكلام هنا في مواضع أخر.
(أحدها) الأشهر الأظهر أنه لا فرق في التحريم بالرضاع قبل الحولين بين
أن يفطم في ضمن الحولين قبل الرضاع ثم يرتضع في ضمنها أو لم يفطم لصدق
الرضاع في الحولين الموجب للتحريم، وربما ينسب إلى ظاهر كلام ابن أبي
عقيل الخلاف في ذلك وأنه بعد الفطام في الصورة المذكورة لا يحرم حيث قال:
الرضاع الذي يحرم عشر رضعات قبل الفطام، فمن شرب بعد الفطام لم يحرم
ذلك الشرب. إنتهى.
واستدل له في المختلف برواية الفضيل المتقدمة، ثم أجاب عنها بأن المراد
من قوله " قبل أن يفطم " يعني قبل أن يستحق الفطام وهو جيد، فإن الظاهر أن
مرادهم عليهم السلام من قولهم " لا رضاع بعد فطام " يعني بعد تمام المدة المحدودة شرعا
للرضاع، وهي الحولان كما صرحت به رواية حماد بن عثمان (1) حيث قال له
الراوي " وما الفطام؟ قال: الحولان " لا أن المراد حصول الفطام بالفعل أعم من
أن يكون في ظرف المدة أو بعدها، وعلى هذا فالمراد بقولهم عليهم السلام " لا رضاع بعد
فطام " يعني بعد مضي المدة التي يفطم بعدها.
ومن المحتمل قريبا أن مراد ابن أبي عقيل ذلك أيضا فيرتفع الخلاف
وعبارته غير صريحة فيما نسب إليه.
و (ثانيها) قال شيخنا (قدس سره) في المسالك والمعتبر: في الحولين الأهلة،
ولو انكسر الشهر الأول اعتبر ثلاثة وعشرون بالأهلة وأكمل التكسير بالعدد من

(1) التهذيب ج 7 ص 318 ح 21، الوسائل ج 14 ص 291 ح 5.
365

الشهر الخامس والعشرين كغيره من الآجال على الأقوى، وبنحو ذلك صرح المحقق
الثاني في شرح القواعد أيضا.
و (ثالثها) أنه يعتبر ابتداء الحولين من حين انفصال الولد على ما صرح به
في المسالك وغيره في غيره.
و (رابعها) أنه قد صرح جمع من الأصحاب بأن هذا الشرط مخصوص
بالمرتضع الأجنبي، وإليه ذهب عامة علمائنا المتأخرين.
وأما ولد المرضعة فلا يشترط فيه ذلك بل لو ارتضع الأجنبي الرضاع
المحرم بعد مضي الحولين لولد المرضعة نشر الحرمة، وذهب آخرون إلى عموم هذا
الشرط لولد المرضعة، فيشترط أيضا في حصول التحريم بلبنه كونه في الحولين،
فلو ارتضع الأجنبي بلبنه بعد تمام الحولين أو وقع بعض النصاب خارجهما لم ينشر
حرمة ونقل هذا القول عن السيد بن زهرة وعماد الدين بن حمزة وتقي الدين أبي
الصلاح، وقواه العلامة في المختلف ثم توقف في المسألة.
وكلام الشيخين (عطر الله مرقديهما) في هذا المقام مطلق لم يتعرضا فيه
لتخصيص الحكم بالمرتضع، ولا لعمومه للمرتضع وولد المرضعة، بل جعلا الشرط
هو أن يكون الرضاع في الحولين، وأنه بعد الحولين لا يحرم، ونقل في المختلف
الاطلاق في ذلك أيضا عن أكثر علماءنا المتقدمين.
استدل القائلون بالقول الأول بعموم (1) " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم
من الرضاعة " ونحوه من العمومات، والتقريب فيها أنها تدل بعمومها على أن
المرتضع من لبن من زاد سنه على الحولين يصدق على مرضعته أنها أم، واستدلوا
أيضا بأن الأصل عدم الاشتراط.
واستدل المتأخرون بعموم قولهم عليهم السلام في الأخبار المتقدمة (2) " لا رضاع بعد

(1) سورة النساء - آية 23.
(2) الكافي ج 5 ص 443 ح 1، التهذيب ج 7 ص 317 ح 19، الفقيه ج 3
ص 306 ح 6، الوسائل ج 14 ص 290 ح 1 و ص 291 ح 2.
366

فطام " فإنه نكرة في سياق النفي فتعم بالنسبة إلى ولد المرضعة والمرتضع بلبنه،
ورد بأن المتبادر بعد فطام المرتضع دون ولد المرضعة.
ويؤيده كلام الشيخين المتقدمين محمد بن يعقوب في الكافي كما تقدم نقله عنه
في ذيل موثقة منصور بن حازم من قوله " فمعنى لا رضاع بعد فطام إلى آخره "
والصدوق في الفقيه حيث " قال: معناه إذا أرضع الصبي حولين كاملين ثم شرب بعد
ذلك من لبن امرأة أخرى ما شرب لم يحرم ذلك الرضاع، لأنه رضاع بعد فطام "
ومآل الكلامين إلى أمر واحد، وهو تخصيص الحكم بالمرتضع كما قلنا، إلا أن
الشيخ في التهذيبين نقل عن ابن بكير كلاما في تفسير الحديث المذكور خلافا لما
ذكره الشيخان المتقدمان.
روى فيهما بطريقه إلى محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن أبي عبد الله عن
علي بن أسباط (1) " قال: سأل ابن فضال ابن بكير في المسجد فقال: ما تقولون
في امرأة أرضعت غلاما سنتين ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتى تمت
السنتان أيفسد ذلك بينهما؟ قال: لا يفسد ذلك بينهما لأنه رضاع بعد فطام، وإنما
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا رضاع بعد فطام أي أنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية
فقد خرج من حد اللبن فلا يفسد بينه وبين من يشرب منه " إنتهى.
وأنت خبير بأن كلام الشيخين المتقدمين ليس نصا في التخصيص بما ذكراه
بل من الجائز أن يكون تفسيرا للخبر ببعض أفراده فلا ينافي ما فسره ابن بكير من
الفرد الآخر، والمسألة لذلك لا تخلو من الاشكال حيث إن ما فهموه من الخبر من
التخصيص بالمرتضع غاية ما تمسكوا به في ذلك هو التبادر كما تقدم.
وفيه ما لا يخفى، وما تمسكوا به من كلام الشيخين المذكورين لا يدل على
التخصيص بذلك الفرد صريحا فيجوز أن يكون معنى العبارة أعم من الفردين

(1) التهذيب ج 7 ص 317 ح 19، الوسائل ج 14 ص 291 ح 6.
367

المذكورين، وقد فسره الشيخان المذكوران بأحدهما وابن بكير بالآخر سيما
أن الرجل المذكور يعني ابن بكير من أعاظم أفاضل المعاصرين للأئمة عليهم السلام
وثقاتهم وإن كان فطحيا، وبالجملة فالمسألة عندي محل إشكال والاحتياط فيها
لازم على كل حال. والله العالم.
الرابع: من الشروط المتقدمة اتحاد الفحل، بمعنى أن يكون اللبن لفحل
واحد، وتحقيق الكلام في المقام أن يقال: لا خلاف في أنه يشترط في الرضاع
المحرم أن يكون من امرأة واحدة من لبن فحل واحد.
ويدل عليه قوله في موثقة زياد بن سوقة (1) " أو خمس عشرة رضعات
متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ".
وعلى هذا فلو رضع الصبي بعض النصاب من امرأة، والمكملة من أخرى لم
ينشر حرمة وإن اتحد الفحل، وادعي العلامة على ذلك الاجماع.
وكذا لو أرضعته امرأة واحدة من لبن فحلين بأن أرضعته بعض الرضعات
بلبن فحل ثم فارقته، وأرضعت تمام النصاب بلبن فحل آخر، فإن ذلك لا ينشر
الحرمة بين المرتضع والمرضعة، ولا واحد من الفحلين المذكورين، وعلى هذا
الحكم أيضا ادعى الاجماع في التذكرة (2).
بقي هنا شئ وهو أن الأصحاب (رضوان الله عليهم) ذكروا هذا الشرط
بهذا العنوان الذي صدرنا به الكلام وهو اتحاد الفحل، فلو لم يتحد بل تعدد

(1) التهذيب ج 7 ص 315 ح 12، الوسائل ج 14 ص 282 ح 1.
(2) ثم إنه متى اتحد الفحل فإن التحريم لا يتعدى للمرتضعين من أقاربهما، ويؤيده
ما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
امرأة أرضعتني وأرضعت صبيا معي ولذلك الصبي أخ من أبيه وأمه، فيحل لي أن أتزوج
ابنته؟ قال: لا بأس ". (منه - قدس سره -). التهذيب ج 7 ص 323 ح 39، الوسائل
ج 14 ص 280 ح 3.
368

لم ينشر اللبن حرمة.
وهذا يشمل صورتين: إحداهما: ما ذكرناه من ارضاع المرأة بعض النصاب
بلبن فحل وتمامه بلبن فحل آخر وإن ندر الفرض، ويمكن فرض ذلك بأن
يطلقها الزوج الأول بعد أن أرضعت بعض النصاب، ويستقل الصبي بالمأكول
والمشروب دون ارضاع أجنبية في البين إلى أن تتزوج بزوج آخر وتلد منه، فإن
ذلك لا يضر بالتوالي كما تقدم وترضع تمام النصاب بلبنه، فإن تمام هذا الرضاع
لعدم اتحاد الفحل لا يوجب تحريما بين المرتضع والمرضعة. ولا بينه وبين واحد
من الفحلين، وعلى هذا فاشتراط اتحاد الفحل يجري على نحو الشروط المتقدمة،
بمعنى أن التحريم لا يثبت بفقد الشرط.
وثانيهما: اشتراط اتحاد الفحل في حصول التحريم بين المرتضعين الأجنبيين
بمعنى أنها لو أرضعت بلبن فحل صبيا الرضاع المحرم، وأرضعت آخر بلبن فحل آخر
الرضاع المحرم أيضا لم يحصل التحريم بين المرتضعين، فيجوز لأحدهما التزويج
بالآخر لو كانا صبيا وصبية على المشهور بين الأصحاب بل كاد يكون إجماعا.
وذهب أمين الاسلام الطبرسي (قدس سره) إلى التحريم، واختاره المحدث
الكاشاني في الوافي والمفاتيح، وعلى هذا فهذا الشرط ليس على نهج الشروط المتقدمة
لأن التحريم هنا ثابت بين المرتضع الأول وكذا الثاني وبين المرضعة وبين كل من
المرتضعين وفحله الذي شرب بلبنه، وإنما انتفى التحريم بين المرتضعين خاصة،
فاعتبار هذا الشرط إنما هو لثبوت التحريم بين المرتضعين خاصة.
وحاصل هذا الشرط أنه إذا ارتضع ذكر وأنثى من لبن فحل واحد سواء
كان رضاعهما دفعة أم على التعاقب، وسواء كان رضاعهما بلبن ولد واحد أم ولدين
متباعدين فإنه يحرم أحدهما على الآخر، ولو أرضعت مائة بلبن فحل واحد
كذلك حرم بعضهم على بعض.
ولا فرق مع اتحاد الفحل بين أن يتحد المرضعة أو يتعدد بحيث يرتضع
369

أحدهما من إحداهن كمال العدد المعتبر، والآخر من الأخرى كذلك، وإن
بلغن مائة كالمنكوحات بملك اليمين والعقد المنقطع.
ولو فرض في الأولاد المتعددين رضاع ذكر وأنثى من واحدة بلبن فحل
واحد، ثم رضاع آخرين من تلك المرأة بلبن فحل آخر، وهكذا فإنه يأتي بناء
على المشهور من اشتراط هذا الشرط بين المرتضعين تحريم كل أنثى رضعت مع
ذكرها من لبن الفحل الواحد عليه، وعدم تحريمها على الآخر وعلى هذا،
وحينئذ فيكفي الأخوة في الرضاع من قبل الأب، ولا يكفي من جهة الأم وحدها
وهذا معنى قولهم " اللبن للفحل ".
والذي يدل على قول المشهور ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن الحلبي في
الصحيح " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام، أيحل
له أن يتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟ فقال: إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة
واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل، وإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة
من لبن فحلين فلا بأس بذلك ".
وهي صريحة في القول المذكور، وأنه مع اتحاد المرضعة وتعدد الفحل
لا يثبت التحريم بين المرتضعين.
وعن عمار الساباطي (2) في الموثق " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلام أرضع
من امرأة، أيحل له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاعة؟ قال: فقال: لا قد
رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة، قال: قلت: فيتزوج أختها
لأمها من الرضاعة؟ قال: فقال: لا بأس بذلك إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها

(1) الكافي ج 5 ص 443 ح 11، التهذيب ج 7 ص 321 ح 31، الوسائل
ج 14 ص 294 ح 3.
(2) التهذيب ج 7 ص 320 ح 29، الكافي ج 5 ص 442 ح 10، الوسائل
ج 14 ص 294 ح 2.
370

غير فحل الذي أرضعت الغلام، فاختلف الفحلان فلا بأس ".
وما تقدم في موثقة زياد بن سوقة (1) من قول أبي جعفر عليه السلام " من امرأة
واحدة من لبن فحل واحد ".
وما رواه في الكافي عن بريد بن معاوية العجلي (2) في الصحيح " قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل (3) " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا
وصهرا " إلى أن قال: فقلت له: أرأيت قول رسول الله صلى الله عليه وآله " يحرم من الرضاع ما يحرم
من النسب " فسر لي ذلك، فقال: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة
أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وكل امرأة
أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد من جارية أو غلام " فإن ذلك رضاع
ليس بالرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب "
وإنما هو من نسب ناحية الصهر رضاع ولا يحرم شيئا، وليس هو سبب رضاع من
ناحية لبن الفحولة فيحرم ".
والروايتان الأولتان دليل على الصورة الثانية من الصورتين المتقدمتين،
والثالثة شاملة بإطلاقها للصورتين المذكورتين، والرابعة دليل على الصورة الأولى
القابلة باتحاد الفحل في إكمال النصاب وعلى هذا يكون قوله " واحدا بعد واحد "
حالا من " فحلين كانا لها "، و قوله " من جارية أو غلام " مفعول بزيادة من " أرضعت ".
ولا يتوهم أن قوله " واحدا بعد واحد " مفعول ل‍ " أرضعت " ويكون المعنى
أنها أرضعت اثنين أحدهما بعد الآخر من لبن فحلين متعددين كل واحد من لبن
فحل، فتكون الرواية دليلا للصورة الثانية، فإن هذا ظاهر البطلان حيث إنه
عليه السلام نفى حصول التحريم رأسا بمعنى لا يحصل تحريم بهذا الرضاع بالكلية لا بالنسبة

(1) التهذيب ج 7 ص 315 ح 12، الوسائل ج 14 ص 282 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 442 ح 9، الوسائل ج 14 ص 293 ح 1.
(3) سورة الفرقان - آية 54.
371

إلى المرتضع والمرتضعة ولا بالنسبة إلى سائر الطبقات والمراتب من الأخوات
والبنات والعمات والخالات، حيث قال: فإن ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي
عناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مع أنه لا خلاف في تعدي التحريم إلى الطبقات وكذا بين
المرتضع والمرتضعة والفحل، وإنما الخلاف في حصوله بين المرتضعين وحينئذ فلا
يجوز أن تحمل الرواية على ذلك.
والذي يدل على القول الآخر عموم قوله عز وجل (1) " وأخواتكم من الرضاعة "
وعموم الروايات المتقدمة من قولهم عليهم السلام (2) " يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب ".
ولا ريب أن الأخوة من الأم محرمة في النسب فيجب أن يكون في الرضاع
كذلك عملا بالأخبار المذكورة.
وتدل عليه رواية محمد بن عبيدة الهمداني (3) " قال: قال الرضا عليه السلام: ما يقول
أصحابك في الرضاع؟ قال: قلت: كانوا يقولون: اللبن للفحل، حتى جاءتهم الرواية عنك أنك تحرم من الرضاع ما تحرم من النسب، فرجعوا إلى قولك،
قال: فقال لي: وذلك لأن أمير المؤمنين سألني عنها البارحة، فقال لي: اشرح لي
اللبن للفحل، وأنا أكره الكلام، فقال لي: كما أنت حتى أسألك عنها، ما قلت في
رجل كانت له أمهات أولاد شتى، فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا،
أليس كل شئ من ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى محرما على ذلك
الغلام؟ قال: قلت: بلى، قال: فقال لي أبو الحسن عليه السلام: فما بال الرضاع يحرم

(1) سورة النساء - آية 23.
(2) الكافي ج 5 ص 437 ح 3، التهذيب ج 7 ص 292 ح 60، الوسائل
ج 14 ص 281 ح 4.
(3) الكافي ج 5 ص 441 ح 7، التهذيب ج 7 ص 320 ح 30، الوسائل
ج 14 ص 295 ح 9.
372

من قبل الفحل، ولا يحرم من قبل الأمهات؟ وإنما حرم الله الرضاع من قبل
الأمهات، وإن كان لبن الفحل أيضا يحرم ".
قال المحدث الكاشاني (رحمة الله عليه) في الوافي - بعد ذكر صحيحة بريد
المتقدمة حيث إنه اختار هذا القول - ما نصه: وهذا الخبر يدل على أن مع تعدد
الفحل لا يحصل الحرمة وإن كانت المرضعة واحدة.
وهذا مخالف لقوله تعالى " وأخواتكم من الرضاعة " وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم
" يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وقول الرضا عليه السلام في حديث محمد بن عبيدة
الهمداني " فما بال الرضاع " ثم ذكر تمام الخبر إلى أن قال: وقد قالوا صلوات الله
عليهم (1): " إذا جاءكم حديث فأعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه،
وما خالف فردوه " فما بال أكثر أصحابنا أخذوا بهذه الأخبار الثلاثة. انتهى.
وقريب منه ما ذكره في المفاتيح أيضا وزاد فيه احتمال حمل مستند القول
المشهور على التقية.
وما ذكره (قدس سره) جيد، إلا أنه يبقى الاشكال فيما يحمل عليه
الأخبار التي هي مستند القول المشهور، وهو في المفاتيح وإن احتمل الحمل
فيها على التقية، إلا أن جملة من الأصحاب صرحوا بأن مذهب العامة إنما هو
ما ذهب إليه أصحاب هذا القول الآخر، وعلى هذا فالحمل المذكور غير تام.
وممن صرح بذلك شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، فإنه قال - بعد ذكر
الصورتين المتقدمتين وكلام ثمة في البين - ما صورته: وعلى هذا فيكفي الأخوة
في الرضاع من جهة الأب وحده، ولا يكفي من جهة الأم وحدها، وهذا معنى
قولهم " اللبن للفحل ".
وخالفنا الجمهور في الأمرين معا لعدم الدليل على اعتبارهما مع عموم الأدلة
المتناولة لمحل النزاع، واستند أصحابنا في الشرطين معا إلى رواياتهم، ثم ساق

(1) الوسائل ج 18 ص 84 ح 29.
373

الروايات المتقدمة.
وممن صرح بذلك أيضا ابن إدريس في السرائر فقال: وإن كان لأمة من
الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع، فهي أخته لأمه عند المخالفين من العامة
لا يجوز له أن يتزوجها، وقال أصحابنا الإمامية بأجمعهم: يحل له أن يتزوجها،
لأن الفحل غير الأب، إنتهى.
وقال الفاضل العماد مير محمد باقر المشهور بالداماد - في رسالته التي في التنزيل -
ما صورته: من الذايعات عند الأصحاب أن انتشار حرمة الرضاع في الطبقات
الرضاعية اشتراط صاحب اللبن، بل العلامة في التذكرة قد ادعى فيه الاجماع.
وفقهاء العامة وأمين الاسلام أبو علي الطبرسي صاحب التفسير (رحمه الله) من
الخاصة يسقطون هذا الشرط، إنتهى.
وبذلك يظهر لك بطلان ما احتمله في المفاتيح من حمل أخبار القول المشهور
على التقية، وعلى ذلك يعظم الاشكال إلا أنه يمكن أن يقال في جواب ما ذكره
المحدث الكاشاني هنا - بناء على ما ذكرناه من مذهب العامة، وهو ما ذهب إليه
الطبرسي في المسألة -: أنه كما ورد عرض الأخبار على القرآن والأخذ بما وافقه
وطرح ما خالفه كذلك ورد أيضا العرض على مذهب العامة، والأخذ بما خالفهم
وطرح ما وافقهم.
وقد دريت مما نقله هؤلاء الأجلاء أن العامة لا يشترطون اتحاد الفحل
لا في الصورة الأولى ولا الثانية، فتكون هذه الأخبار مخالفة لهم، ورواية
الهمداني موافقة لهم على أن للمنازع أن يناقش في دلالة الآية على ما ادعوه من
شمولها لهذا الفرد، فإن غاية ما يدل عليه التحريم في صورة الأخوة من الرضاعة،
والأصحاب لا يقولون بحصول الأخوة مع تعدد الفحل، بل هو أول المسألة كما
لا يخفى.
374

نعم يبقى الكلام في الروايات الدالة على أنه " يحرم من الرضاع ما يحرم
من النسب "، ولا ريب في تحريم الإخوة من الأم في النسب، فيكون في الرضاع كذلك،
ويمكن أن يقال: إنه لا عام إلا وقد خص، ولا مطلق إلا وقد قيد، فيجب تخصيص
هذه الأخبار الدالة على اشتراط اتحاد الفحل، فتحمل الأخبار المذكورة على
ما سواه لهذا الفرد، وبذلك يظهر قوة القول المشهور والاحتياط في مثل ذلك مما
ينبغي المحافظة عليه، والله العالم.
تنبيه:
قد عرفت أن محل الخلاف في الصورة الثانية هو ما إذا كان المرتضعان
أجنبيين، وحينئذ فلو كان أحدهما ابنها نسبا وإن لم يكن من الفحل الذي أرضعت
بلبنه، فإنه يحرم على هذا المرتضع.
قال في المسالك: لما كان تحريم الرضاع تابعا لتحريم النسب، وكان الإخوة
من الأم كافية في التحريم النسبي، فالرضاع كذلك، إلا أنه خرج من هذه
القاعدة، الإخوة من الأم من جهة الرضاع خاصة بتلك الروايات، فيبقى الباقي
على العموم فيحرم أولاد المرضعة بالنسب على المرتضع وإن كانوا من الأم خاصة،
بأن يكونوا أولاد الفحل، عملا بالعموم مع عدم وجود المخرج عنه، كما يحرم
على هذا المرتضع أولاد الفحل من النسب. وإن لم يكونوا إخوة من الأم لتحقق
الأخوة بينهما في الجملة، إنتهى.
أقول: ويدل عليه بالخصوص أيضا موثقة جميل بن دراج (1) عنه عليه السلام " قال:
إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شئ من ولدها وإن كان الولد من
غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه: وإذا رضع من لبن الرجل حرم عليه كل
شئ من ولده وإن كان من غير المرأة التي أرضعته " وهي صريحة في المراد.

(1) التهذيب ج 7 ص 321 ح 33، الوسائل ج 14 ص 306 ح 3.
375

تذييل فيه تكميل:
قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يستحب أن يختار للرضاع
المرأة العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة لأن الرضاع يؤثر في الطباع والصورة، وأنه
يكره أن تسترضع الكافرة إلا مع الضرورة وعلى هذا ينبغي أن تسترضع الذمية.
ويتأكد الكراهة في المجوسية وأنه يمنعها شرب الخمر وأكل لحم الخنزير،
ولا يسلم لها الولد إلى منزلها، وأنه يكره أن تسترضع من لبن من ولادتها عن
الزناء وإن كانت أمة أحلها مولاها.
أقول: والذي يدل على الحكم الأول جملة من الأخبار منها ما رواه في
الكافي عن محمد بن مروان (1) " قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: استرضع لولدك بلبن
الحسان، وإياك والقباح: فإن اللبن قد يعدي ".
وعن زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام، " قال: عليكم بالوضاء من الظئورة، فإن
اللبن يعدي ".
وعن غياث بن إبراهيم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
انظروا من ترضع أولادكم، فإن الولد يشب عليه ".
وعن محمد بن قيس (4) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تسترضعوا
الحمقاء، فإن اللبن يعدي، وإن الغلام ينزع إلى اللبن - يعني - إلى الظئر
في الرعونة والحمق ".

(1) الكافي ج 6 ص 44 ح 12 و 13، التهذيب ج 8 ص 110 ح 25
و 26، الفقيه ج 3 ص 307 ح 17، الوسائل ج 15 ص 189 ب 79 ح 1 و 2.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) الكافي ج 6 ص 44 ح 10، الوسائل ج 15 ص 187 ب 78 ح 1.
(4) الكافي ج 6 ص 43 ح 8، التهذيب ج 8 ص 110 ح 24، الفقيه ج 3
ص 307 ح 19، الوسائل ج 15 ص 188 ح 2.
376

وما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (1) عن الرضا عليه السلام عن آبائه
عليهم السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء فإن اللبن
يعدي ".
وبهذا الاسناد (2) " قال: ليس للصبي لبن خير من لبن أمه ".
وما رواه في كتاب قرب الأسناد (3) عن جعفر عن أبيه عليهم السلام " إن عليا عليه السلام
كان يقول: تخيروا للرضاع كما تخيرون للنكاح: فإن الرضاع يغير الطباع ".
وأما ما يدل على الثاني على كراهة الارتضاع من الكافرة، فالأخبار المتقدمة
الدالة على أن للبن تأثير في الولد مطلقا كذا قيل.
وفيه أن غاية ما يدل عليه الأخبار المشار إليها هو المنع من القبيحة
الصورة والحمقاء ونحوهما.
وأما اشتراط الايمان والإسلام فلم أقف عليه في شئ من الأخبار، بل
الأخبار دالة على جواز الارتضاع من الكافرة كما رواه في الكافي والفقيه عن
عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: هل يصلح للرجل أن
ترضع له اليهودية والنصرانية والمشركة؟ قال: لا بأس، وقال: امنعوهن من
شرب الخمر " وهو شامل لجميع أصناف الكفار.
وقد تكاثرت الأخبار بالإذن باسترضاع الذمية، وإنما وقع النهي عن
المجوسية.
فروى في الكافي عن سعيد بن يسار (5) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 33 ح 67 و 69 طبع النجف الأشرف الوسائل ج 15 ص 188 ح 4 و 5.
(2) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 33 ح 67 و 69 طبع النجف الأشرف الوسائل ج 15 ص 188 ح 4 و 5.
(3) قرب الإسناد ص 45، الوسائل ج 15 ص 188 ح 6.
(4) الكافي ج 6 ص 43 ح 4 و ص 44 ح 14، التهذيب ج 8 ص 109
ح 22 و ص 110 ح 23، الوسائل ج 15 ص 186 ح 5 و ص 185 ح 1
(5) تقدم آنفا تحت رقم 4.
377

لا تسترضعوا للصبي المجوسية، وتسترضع له اليهودية والنصرانية، ولا يشربن
الخمر ويمنعن من ذلك ".
وعن عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن عن عبد الله بن هلال (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: سألته عن مظائرة المجوسي؟ فقال: لا، ولكن أهل الكتاب ".
وعن الحلبي (2) في الصحيح " قال: سألته عن رجل دفع ولده إلى ظئر
يهودية أو نصرانية أو مجوسية ترضعه في بيتها أو ترضعه في بيته؟ قال: ترضعه
لك اليهودية والنصرانية في بيتك، وتمنعها من شرب الخمر، وما لا يحل مثل
لحم الخنزير، ولا يذهبن بولدك إلى بيوتهن، والزانية لا ترضع ولدك، فإنه
لا يحل لك، والمجوسية لا ترضع لك ولدك إلا أن تضطر إليها ".
والمستفاد من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض هو جواز استرضاع
الذمية من غير كراهة، وكراهة استرضاع المجوسية.
وربما أشعر قوله في خبر الحلبي " إلا أن تضطر إليها " بالتحريم إلا أنك
قد عرفت من رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ما يدل على استرضاع الكافرة مطلقا
وأما ما ذكروه من منعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وأن تذهب
به إلى بيتها، فقد عرفت الدلالة عليه من هذه الأخبار.
ويؤيده تأييدا ما رواه في كتاب قرب الإسناد عن علي بن جعفر (3) عن أخيه
موسى بن جعفر عليه السلام " قال: سألته عن الرجل المسلم هل يصلح له أن يسترضع
اليهودية والنصرانية وهن يشربن الخمر قال: امنعوهن عن شرب الخمر ما
أرضعن لكم ".

(1) الكافي ج 6 ص 42 ح 2، التهذيب ج 8 ص 109 ح 21، الوسائل
ج 15 ص 186 ح 3.
(2) التهذيب ج 8 ص 116 ح 50، الوسائل ج 15 ص 186 ح 6.
(3) قرب الإسناد ص 117، الوسائل ج 15 ص 186 ح 7.
378

وأما ما يدل على الثالث من الأخبار، فأما بالنسبة إلى كراهة الاسترضاع
من لبن الزانية فمنه ما رواه في الكافي عن علي بن جعفر (1) في الصحيح عن أخيه
أبي الحسن عليه السلام " قال: سألته عن امرأة ولدت من زنا هل يصلح أن يسترضع
بلبنها؟ قال: لا يصلح ولا لبن ابنتها التي ولدت من الزنا ".
وعن الحلبي (2) في الموثق " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: امرأة ولدت من
الزنا أتخذها ظئرا؟ قال: لا تسترضعها ولا ابنتها ".
وفي هذين الخبرين زيادة كراهة استرضاع من ولدت من الزنا ولم يذكره
الأصحاب وقد تقدم في صحيحة الحلبي " والزانية لا ترضع ولدك، فإنه لا يحل
لك " وربما أشعر هذه الأخبار بالتحريم سيما الأخير حيث لا معارض لها يدل
على الجواز إلا أن المشهور بين الأصحاب إنما هو الكراهة.
وأما بالنسبة إلى ما ذكروه من استصحاب الكراهة وإن أحل مولى
الجارية الزانية فعلته، فعلل أن إحلال ما مضى من الزنا لا يرفع إثمه، ولا يزيل
حكمه، فكيف يطيب لبنه.
قال في الشرايع - بعد ذكر الحكم المذكور كما هو المشهور - وروي
أنها إن أحلها مولاها فعلها طاب لبنها، وزالت الكراهة، وهو شاذ.
أقول: لا يخفى أنه قد تكاثرت الأخبار برفع الكراهة مع التحليل من غير
معارض، فما ذكروه مجرد اجتهاد في مقابلة النص، لا ينبغي أن يلتفت إليه ولا يعول
عليه.
ومن ذلك ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (3) في الصحيح أو الحسن عن

(1) الكافي ج 6 ص 44 ح 11، الوسائل ج 15 ص 184 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 42 ح 1، التهذيب ج 8 ص 108 ح 16، الوسائل
ج 15 ص 184 ح 4.
(3) الكافي ج 6 ص 43 ح 5، التهذيب ج 8 ص 109 ح 20، الفقيه ج 3
ص 308 ح 21، الوسائل ج 15 ص 184 ح 2.
379

أبي جعفر عليه السلام " قال: لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إلي من لبن
ولد الزنا، وكان لا يرى بأسا بلبن ولد الزنا إذا جعل مولى الجارية الذي فجر
بالجارية في حل "، ورواه الصدوق بإسناده عن حريز عن محمد بن مسلم.
وعن هشام بن سالم وجميل بن دراج وسعد بن أبي خلف (1) جميعا في الصحيح
أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام " في المرأة يكون لها الخادم قد فجرت، فتحتاج إلى
لبنها؟ قال: مرها فلتحللها يطيب اللبن ".
وعن إسحاق بن عمار (2) " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن غلام لي وثب على
جارية لي فأحبلها فولدت واحتجنا إلى لبنها فإني أحللت لهما ما صنعا، أيطيب
لبنها؟ قال: نعم ".
ولا يخفى عليك ما هي عليه من الصراحة في الحكم المذكور مع صحة السند،
فردها وعدم الاعتداد بها من غير معارض مشكل، ومن ثم قال في المسالك بعد ذكر
التعليل الذي قدمنا نقله عنهم، وهذا في الحقيقة استبعاد محض مع ورود النصوص
الكثيرة به التي لا معارض لها:
وحمل بعض الأصحاب الرواية المذكورة على ما إذا كانت الأمة قد تزوجت
بدون إذن مولاها، فإن الأولى له إجازة العقد ليطيب اللبن، وهو مع بعده
يتوقف على وجود المعارض، والله العالم.
المقام الثاني في الأحكام:
وتحقيق الكلام في ذلك يقع في موارد.

(1) الكافي ج 6 ص 43 ح 7، التهذيب ج 8 ص 109 ح 19، الوسائل
ج 15 ص 184 ح 3.
(2) الكافي ج 6 ص 43 ح 6، التهذيب ج 8 ص 108 ح 8، الوسائل ج 15
ص 185 ح 5.
380

الأول: إعلم أن المستفاد من النصوص المتقدمة في صدر هذا المطلب هو
أن المرتضع بالشروط المتقدمة يصير بالنسبة إلى المرضعة والفحل في حكم الولد
النسبي في انتشار الحرمة منه إليهما ومنهما إليه، فالتي انتشرت منه إليهما
هو أنه صار في حكم ابنهما النسبي في تعدي الحرمة إليهما وإلى أصولهما
وفروعهما ومن في طبقتهما سواء كانوا من جهة النسب أو الرضاع بمعنى أن
المرضعة تصير أما والفحل أبا، وآبائهما وأمهاتهما أجدادا وجدات، وأولادهما
إخوة وأولاد أولادهما أبناء الإخوة، وإخوة المرضعة وأخواتها أخوالا وخالات
وإخوة الفحل وأخواته أعماما وعمات، وقد صرحت النصوص المتقدمة ونحوها
بالتحريم عموما في بعض وخصوصا في بعض.
وأما انتشار الحرمة منهما إليه فهي مقصورة على المرتضع وفروعه، لأنه
صار لهما ابنا، وأبناءه أبناء الابن: ولا يتعدى التحريم منهما إلى أصوله ومن كان
في طبقه، فحكم من كان من أصوله وفي طبقته مع المرضعة والفحل وأصولها
وفروعهما ومن في طبقتهما حكم الأجانب، ولا ترى في النصوص أثر التحريم في
شئ من هذه الصور، سوى صورة واحدة يأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى،
خرجت عن القاعدة بالنصوص.
وهذه قاعدة كلية، وضابطة جلية يرجع عليها في الرضاع يعظم بها
الانتفاع خلافا لمن ذهب إلى القول بالتنزيل في المسألة كما سيأتي ذكره
إن شاء الله، فإنهم حكموا بالتحريم أيضا بين الفحل والمرضعة، وبين أصول
المرتضع ومن كان في طبقته، وسيأتي إن شاء الله الكلام في ذلك، وتحقيق القول في
بطلانه وهدم أركانه.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أيضا أن المحرمات الرضاعية التي تضمنها قولهم
عليهم السلام " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " هي التي حلت في الرضاع محل
تلك المحرمات النسبية التي تضمنتها الآية حسبما حررناه في صدر هذا المطلب،
381

فكل من دخل في الرضاع تحت واحدة من تلك الأفراد المعدودة في الآية لحقه
التحريم: وكل من لم يدخل فلا يلحقه تحريم، وهذه ضابطة أخرى في المقام، وقد
استثنى من هذه القاعدة أيضا الصورة المشار إليها آنفا، وقد وقع الاشتباه في حكم
نسوة كثيرة، ولا سيما على القول بالمنزلة، ومن راعى هاتين القاعدتين المذكورتين
حق المراعاة لا يخفى عليه الحال، ولا يعرض له الاشكال.
وقد استثنى العلامة في التذكرة من قاعدة " يحرم من النسب " أربع صور
وليست محلا للاستثناء لعدم دخولها تحت القاعدة المتقدمة كما سيظهر لك إن شاء الله.
الأولى: قال أم الأخ والأخت في النسب حرام لأنها أم، أو زوجة أب،
وأما في الرضاع فإن كانت كذلك حرمت أيضا، وإن لم تكن كذلك لم تحرم،
كما لو أرضعت أجنبية أخاك أو أختك لم تحرم.
والتحقيق أن هذه لا تحتاج إلى الاستثناء لعدم دخولها تحت قاعدة يحرم
من النسب: والاستثناء هو اخراج ما لولاه لدخل، وهذه غير داخلة كما ذكرناه.
وتوضيحه: أن مقتضى القاعدة الثانية التي قدمناها أن كل امرأة حرمت
باعتبار وصف في النسب من أمومة أو بنتية أو نحوهما حرمت نظيرتها في الرضاع،
وأم الأخ والأخت ليست من المحرمات السبع المعدودة في الآية، لأن أم الأخ
والأخت لا يخلو إما أن يكون أما فتحريمها إنما هو من حيث الأمومة كما تضمنته
الآية، لا من حيث كونها أم أخ أو أخت، وإن لزمها في بعض الأحوال، إلا أنه
منفك من الجانبين فقد يكون أما خاصة إذا لم يكن لها ولد سواه، وقد تكون
أم أخ أو أخت ولا تكون أما، وحينئذ فلا يدل تحريم الأم على تحريم أم الأخ
أو الأخت.
وأما أن يكون زوجة أب فتحريمها إنما هو من حيث المصاهرة لا من حيث
النسب، والرضاع إنما يتفرع على النسب لا على المصاهرة.
على أن هذه المصاهرة غير مؤثرة في التحريم لأنها ملائمة لما يحرم بالمصاهرة
382

لا عينه، فإن أم الأخ من حيث إنها أم الأخ ليست إحدى النسوة الأربع المحرمات
بالمصاهرة، وإنما المحرم منكوحة الأب وهي لا تستلزم كونه أم الأخ: كذا
ذكره شيخنا في المسالك.
وأشار بالأربع المحرمات بالمصاهرة إلى قوله عز وجل (1) " وأمهات نسائكم
وربائبكم - إلى قوله - وحلائل أبنائكم وأن تجمعوا بين الأختين " فهذه الأربع
التي وقع التحريم بالمصاهرة، وأم الأخ ليست داخلة في شئ منهما وإن كانت مشابهة
لها في ذلك.
الثانية: قال: أم ولد الولد حرام لأنها إما بنته أو زوجة ابنه، وفي الرضاع
قد لا تكون حراما، مثل أن ترضع الأجنبية ابن الابن فإنها أم ولد الولد
وليست حراما.
أقول: والكلام في هذه كسابقتها أيضا، فإن أم ولد الولد ليست من المحرمات
السبع التي تضمنتها الآية، وقد عرفت بمقتضى القاعدة الثانية أن التحريم في الرضاع
إنما هو بحلول المرأة بسبب الرضاع محل واحدة من تلك السبع.
وتحريمها على تقدير كونها بنتا، إنما هو من حيث البنتية لا من حيث
كونها أم ولد الولد، مع أنه قد لا تكون لها ولد، فلا يلزم من البنتية كونها
أم ولد الولد.
وتحريمها على تقدير كونها زوجة ابنه إنما هو من حيث المصاهرة وقد
عرفت أن الرضاع إنما يتفرع على النسب لا على المصاهرة، على أن هذه المصاهرة
كما عرفت آنفا أيضا غير مؤثرة في التحريم، لكنها ملائمة لما يحرم بالمصاهرة
لا عينه، لأن أم ولد الولد من حيث هي كذلك ليست إحدى النسوة الأربع
المحرمات بالمصاهرة في الآية، وإنما المحرم منها زوجة الابن وحليلته، ومن
المعلوم أن هذه ليست كذلك، وبذلك يظهر بطلان الاستثناء في هذه الصورة أيضا.

(1) سورة النساء - آية 23.
383

الثالثة: قال: جدة الولد في النسب حرام، لأنها إما أمك أو أم زوجتك،
وفي الرضاع قد لا يكون كذلك كما إذا أرضعت أجنبية ولدك فإن أمها جدته،
وليست بأمك ولا أم زوجتك.
أقول: والكلام في هذه الصورة على نهج ما تقدم، فإن جدة الولد ليست
إحدى المحرمات السبع التي تضمنتها الآية، وإن اتفق كونها أما فتحريمها إنما
هو من حيث الأمومة لا من حيث كونها جدة الولد ليتم التفريع عليه في الرضاع.
وأما تحريم أم الزوجة، فإنما هو بالمصاهرة، على أنك قد عرفت ما في
هذه المصاهرة كما في نظائرها المتقدمة، فإن جدة الولد من حيث كونها كذلك
ليست إحدى النسوة الأربع المحرمة في الآية بالمصاهرة، إذ المحرم في تلك الأربع
إنما هو أم الزوجة، ومن المعلوم أن هذه ليست كذلك.
وبالجملة فإن التفريع على جدة الولد غير تام، لأنها إن كانت أما فإنما
هو من حيث الأمومة، وإلا فلا وجه للتفريع.
قال في المسالك - بعد الكلام بنحو ما ذكرناه في ذلك -: ومن هذه الصورة
أيضا يظهر حكم ما لو أرضعت زوجتك ولد ولدها ذكرا كان الولد أو أنثى،
فإن هذا الرضيع يصير ولدك بالرضاع بعد أن كان ولد ولدك بالنسب، فتصير
زوجتك المرضعة جدة ولدك وجدة الولد محرمة عليك كما مر، لكن هنا لا تحرم
الزوجة لأن تحريم جدة الولد ليس منحصرا في النسب، ولا من حيث إنها جدة
كما عرفت.
وكذا القول لو أرضعت ولد ولدها من غيرك، فإن الرضيع يصير ولدك
بالرضاع، وإن لم يكن له إليك انتساب قبله، وتصير زوجتك جدة ولدك، ولا يحرم
بذلك كما قررناه. إنتهى.
أقول: وأصحاب التنزيل الذين وقعوا في شباك الالتباس في الرضاع يقولون
بالتحريم في هذه الصور كلها كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - بيانه.
384

الرابعة: قال: أخت ولدك في النسب حرام عليك، لأنها إما بنتك أو
ربيبتك، وإذا أرضعت أجنبية ولدك فبنتها أخت ولدك، وليست ببنت ولا ربيبة.
أقول: والكلام هنا كما تقدم فإن أخت الولد ليست إحدى المحرمات
السبع التي تضمنتها الآية، ولم تحرم من حيث كونها أخت ولد، وإنما حرمت
إما من حيث البنتية فتكون جهة التحريم إنما هي البنتية وهي التي يتفرع عليها
الرضاع، وإما من حيث كونها ربيبة، وتحريمها إنما هو بالمصاهرة فلا يتفرع
عليها الرضاع بل هذه المصاهرة ليست مؤثرة في التحريم لكنها تلائم ما يحرم
منها وليست عينه، لأن أخت الولد من حيث أخت الولد ليست إحدى الأربع
المحرمات بالمصاهرة إذ المحرم منها إنما هو الربيبة أعني بنت الزوجة، وهذه
ليست كذلك إلا أن التحريم هنا قد ثبت بدليل خارج عن مقتضى القاعدة المتقدمة
على المشهور، وهي الصورة التي تقدمت الإشارة إليها كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله
تعالى، وهي أنه لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ولا رضاعا، ولا
في أولاد المرضعة ولادة.
وإذا تدبرت ما تلوناه وتأملت ما سطرناه، تبين لك أن استثناء هذه الأربع الصور
من القاعدة المستفادة من ذلك الخبر ليس في محله، لعدم دخول ما استثنى في
المستثنى منه، لأن المراد من الخبر أن كلما يحرم بالنسب بأحد العنوانات والجهات
المذكورة في الآية من الأمية والأختية والبنتية ونحوها تحرم نظيرها في الرضاع،
بأن تكون أما أو أختا أو بنتا من الرضاع، وما في هذه الصور ليس شئ منها من
هذه السبع المعدودة كما لا يخفى.
وملخص ما ذكرناه في هذا المقام أنه متى ارتضع الولد من لبن امرأة
وفحلها بالشروط المتقدمة، فإنه تصير المرضعة أما، والفحل أبا، وأولاد الفحل
ولادة ورضاعا إخوة وأخوات: وأولاد المرضعة ولادة خاصة على المشهور إخوة
وأخوات، وأولادها رضاعا على قول الطبرسي إخوة وأخوات أيضا.
385

وأصول المرضعة والفحل وفروعهما ومن في طبقتهما كما هم للولد النسبي،
فينشر التحريم من الجميع على المرتضع بالشروط، وينتشر منه عليهم.
وأما أصول المرتضع ومن كان في طبقته فلا يلحقهم تحريم مع أحد من
هؤلاء المعدودين، ولا خلاف بين أصحابنا المتقدمين والمتأخرين في ابتناء الرضاع
ومسائله على هاتين القاعدتين كما قدمناه في صدر المسألة، إلا أن هنا مواضع
قد وقع الخلاف فيها دخولا في القاعدتين المذكورتين وخروجا باعتبار أدلة من
خارج اقتضت خروجها كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن جملة من متأخري المتأخرين ممن يقرب من
عصرنا هذا قد ذهبوا في الرضاع إلى القول بالتنزيل، فحكموا بتحريم نسوة كثيرة
في الرضاع بناء على ذلك، ولم يقفوا على القاعدتين المذكورتين المتقدمتين.
منهم العلامة المحقق العماد مير محمد باقر المشهور بالداماد، فإنه ممن صنف
رسالة في ذلك وأكثر فيها من الدعاوي الباطلة، والتخريجات العاطلة، حتى
ادعى أن ما ذهب إليه هو القول المشهور.
وقد كتبنا في المسألة رسالة في الرد عليه، وأوضحنا فيها بطلان ما صار
إليه، وسميناها ب‍ " كشف القناع عن صريح الدليل في الرد على من قال في
الرضاع بالتنزيل ".
ومنهم الفاضل الشريف المولى أبو الحسن محمد طاهر العاملي المجاور بالنجف
الأشرف حيا وميتا، فإنه أيضا صنف رسالة في ذلك، وقد نقل أيضا هذا القول
المحقق الثاني في رسالة عن بعض معاصريه، ونقل أنهم أسندوه أيضا إلى شيخنا
الشهيد (رحمه الله) قال (قدس سره) في الرسالة المذكورة: إعلم - أبقاك الله - أنه
قد اشتهر على ألسن الطلبة في هذا العصر تحريم المرأة على بعلها برضاع بعض من
سنذكره، ولا نعرف لهم في ذلك أصلا يرجعون إليه من كتاب أو سنة، أو إجماع
أقول لأحد من المعتبرين، أو عبارة يعتد بها تشعر بذلك. أو دليل مستنبط في
386

الجملة يعول على نقله بين الفقهاء، وإنما الذين شاهدناهم من الطلبة وجدناهم
يزعمون أنه من فتاوي شيخنا الشهيد (قدس سره).
ونحن لأجل مباينة هذه الفتاوى لأصول المذهب استبعدنا كونها مقالة لمثل
شيخنا على غزارة علمه وثقوب فهمه، لا سيما ولم نجد لهؤلاء المدعين لذلك
أسنادا يتصل لشيخنا في هذه الفتاوى ويعتد به، ولا مرجع يركن إليه، ولسنا
نافين هذه النسبة عنه (رحمة الله) استعانة على القول بفساد هذه الفتاوى، فإن الأدلة
على ما هو الحق المبين - واختيارنا المتين بحمد الله - كثيرة جدا لا نستوحش منها
من قلة الرفيق.
نعم اختلف أصحابنا في ثلاث مسائل قد يتوهم منها القاصر عن درجة
الاستنباط أن يكون دليلا لشئ من هذه المسائل أو شاهدا عليها إلى آخر كلامه
زيد في إكرامه.
أقول: والمستفاد من كلام المحقق العماد - المتقدم ذكره في رسالته - أن
منشأ الشبهة عنده فيما ذهب إليه من شيئين: (أحدهما) الحديث المشهور وهو
قولهم عليهم السلام " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " فإنه ادعى أنه دال بعمومه
على ذلك حيث لم يتعرض فيه للدلالة على جهة الحرمة أصلا بل إنما يدل
بمنطوقه وعمومه أن كلما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع، ساكتا من
جهة الحرمة وعلة التحريم رأسا.
و (ثانيها) الأخبار الواردة في نكاح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن كما
سيأتي ذكرها إن شاء الله، حيث إنه قال عليه السلام في بعض تلك الأخبار " فإن ولدها
صارت بمنزلة ولدك " فقال الفاضل المذكور: فهذا التفصيل يعطي التعميم، ويوجب
تحريم كل من تصير بمنزلة محرم.
والجواب عن أولى الشبهتين المذكورتين أنك قد عرفت أن المحرمات
النسبية معدودة مضبوطة في الآية الشريفة، وحينئذ فيكون قوله عليه السلام " يحرم
387

من الرضاع ما يحرم من النسب " مقيدا بتلك الآية، بمعنى أنه يحرم من الرضاع
ما حرمته الآية في النسب، من السبع المذكور التي هي الأم والبنت والأخت إلى
آخرها، وحاصله: أن كل امرأة تصير بالرضاع موضع واحدة من هاتيك السبع
النسبية فإنها تحرم بذلك.
وهو قد اعترف بذلك أيضا حيث قال في رسالته: ضابطة حرم الله تعالى
بالنسب من النساء سبعا ويتبعهن في التحريم مضاهياتهن اللاتي صرن في منزلتهن
بالرضاعة، الأم وإن علت، فأمك من الرضاعة هي كل امرأة أرضعتك أو رجع
نسب من أرضعتك أو نسب صاحب اللبن إليها، ثم ساق الكلام في تعداد الباقي على
هذا النحو إلى آخر المحرمات التي تضمنتها الآية.
وأنت خبير بأن مقتضى هذه الضابطة أن كل امرأة حرمت باعتبار وصف في
النسب ككونها أما أو بنتا أو أختا حرمت نظيرتها في الرضاع، وهي الأم الرضاعية
والبنت الرضاعية والأخت مثلا، ففرعية الرضاع على النسب إنما يقع مع
الاتفاق في تلك الجهات المخصوصة التي باعتبار حرمت المحرمات النسبية لا مع
الاتفاق في وصف ما من الأوصاف وجهة ما من الجهات وإلا لزاد العدد على السبع
مع أنه صرح في ضابطته بأنه سبع، وليس إلا باعتبار ما ذكرناه مثلا: الأم
ثبتت لها جهات متعددة مثل كونها أما وكونها أم أخ وكونها زوجة أب، وهكذا
في باقي المحرمات النسبية، فلو كان التحريم فيها باعتبار كل واحدة من هذه
الجهات لزاد العدد البتة.
وحينئذ فتحريم الأم في النسب إنما وقع من حيث كونها أما لا من حيث
كونها أم أخ أو أخت، وإن لزمها ذلك في بعض الأحيان، فتحريم الأم في الآية
الشريفة إنما وقع من حيث الأمومة التي هي وصف لازم لها في جميع الأحوال
بخلاف الثاني، فإن لزومه منفك من الجانبين، فقد تكون أم أخ وليست بأم
كزوجة الأب التي له منها ولد، وقد تكون أما وليست بأم أخ كما إذا لم يكن
388

لها ولد سواه.
وحينئذ فلا يدل تحريم الأم على تحريم أم الأخ والأخت لا مطابقة ولا
تضمنا ولا التزاما، وتحريم أم الأخ من حيث كونها أم الأخ غير مدلول عليه في
كلام الشارع بالمرة، بل إنما حصل التحريم فيها من حيث كونها أما أو
زوجة أب.
وبالجملة فإنه لا يخفى على من كان له الذوق الثاقب والفهم الصائب أن
التحريم لم يتعلق بذات كل واحدة من هذه المعدودات، وإنما تعلق بها باعتبار
هذه الأوصاف التي اتصفت بها من الأمومة والبنتية والأختية ونحوها، والتعليق
على الوصف يشعر بالعلية، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لكل ذي فهم وروية.
والجواب عن ثاني شبهتيه: أولا: أنه ظاهر مما حققناه في الجواب عن
الشبهة الأولى، لأنه متى تقرر أنه لا يحرم من الرضاع إلا ما يحرم من النسب، وأن
المحرمات النسبية محصورة، وجهات التحريم فيها مضبوطة محصورة أيضا، وهي
تلك الأوصاف المخصوصة - علم أن من وجد في الرضاع متصفا بشئ من تلك
الأوصاف، فإنه يلحقه حكم التحريم ومن لا، فلا.
نعم حيث ورد النص بذلك في هذه الصورة المخصوصة خصصنا به القاعدة
المذكورة بالنسبة إلى ما ورد دون ما ضاهاه وشابهه، جمعا بين الدليلين كما هو
مقتضى القواعد الشرعية في البين.
وثانيا: إنك قد عرفت أن المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب - من غير
خلاف يعرف إلا من هؤلاء الذين لا يقدح خلافهم في الاجماع - أن انتشار الحرمة
من المرتضع إلى المرضعة والفحل مخصوصة بالمرتضع وفروعه لا تتعداهما إلى
أصوله ومن كان في طبقته، فحكم أصوله ومن كان في طبقته مع الفحل والمرضعة
وأصولهما وفروعهما ومن كان في طبقتهما حكم الأجانب.
ولا تكاد ترى في النصوص أثرا للتحريم في شئ من هذه الصور سوى هذه
389

الصورة المذكورة، وعلى هذا اتفقت كلمة الأصحاب أيضا في ما سوى ثلاث صور
يأتي التنبيه عليها إن شاء الله تعالى، قد ذهب شذوذ منهم فيها إلى التحريم بناء
على توهم سبق إلى ذهنه مع التزامهم بأصل القاعدة فجعلوا هذه الصور مستثنيات
منها، وسنبين إن شاء الله تعالى بطلان ما ذهبوا إليه وتوهموه:
وثالثا: أن الظاهر أن وجه ما ذكره ذلك الفاضل من التعميم في الخبر هو
أنه لما نزل ذلك الأخ الرضاعي لولده منزلة ولده، ومن المعلوم أن منزلة ولده
منه توجب تحريمه عليه، وتحريم كل من أقاربه عليه أيضا، وتحريم بعضهم على
بعض، فكذا تثبت هذه المنزلة لهذا الأخ الرضاعي لولده.
وجوابه أن توهم العموم في المقام باطل وهو ظاهر عند المتأمل، وذلك
لأن مورد النص - كما ستقف عليه إن شاء الله - هو تحريم أولاد المرضعة على أب
المرتضع، معللا بما ذكره.
فالمراد بكونهن بمنزلة ولده يعني في التحريم عليه، فكما أن ولده
يحرمون عليه فكذا أولئك، فإنك إذا قلت " أكرم زيدا فإنه بمنزلة أبيك " فإن
المتبادر منه يعني في استحقاق وجوب الاكرام لا مطلقا، فكذا هنا لما قال:
" يحرم عليك نكاحهن لأنهن بمنزلة ولدك "، يعني في التحريم عليك، فالمنزلة إنما
تثبت في التحريم عليه خاصة لا مطلقا حتى أنه يمتنع نكاح إخوة أحد المرتضعة
إخوة الآخر كما هو مذهب الشيخ في الخلاف، كيف والخطاب في الخبر إنما هو
لأب المرتضع.
نعم لو ورد النص مطلقا في أن ولد الفحل بمنزلة ولد أب المرتضع لاتجه
ما ادعاه، والله العالم.
المورد الثاني: في ذكر المسائل التي وقع الخلاف فيها في البين، وبيان ما
هو الحق فيها من القولين.
الأولى: هل يجوز لأب المرتضع أن ينكح في أولاد صاحب اللبن ولادة
390

ورضاعا، وأولاد المرضعة ولادة ورضاعا على قول الطبرسي أم لا؟
ذهب الشيخ في المبسوط وجماعة إلى الأول وقوفا على القاعدة المتقدمة،
حيث إن أولاد الفحل بالنسبة إلى أبي المرتضع إنما صاروا بالرضاع إخوة ولده،
وأخت الولد ليست إحدى المحرمات النسبية التي حرمتها الآية، وإنما حرمت
في الآية لكونها بنتا أو ربيبة وشئ منهما غير موجود فيما نحن فيه.
قال في المسالك - بعد ذكر الأخبار الآتية الدالة على التحريم - ما لفظه
فهذه الروايات الصحيحة هي المخرجة للمسألة من أصل تلك القاعدة، ومع ورود
هذه الروايات في موضع النزاع ذهب جماعة من الأصحاب، منهم الشيخ في المبسوط
إلى عدم التحريم محتجا بما أشرنا إليه من أن أخت الابن من النسب إنما حرمت
لكونها بنت الزوجة المدخول بها فتحريمها بسبب الدخول بأمها، وهذا المعنى
منتف هنا، والنبي صلى الله عليه وآله إنما قال " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " (1) ولم
يقل يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة، ثم نقل عن المختلف أنه قال: وقول
الشيخ في غاية القوة، ولولا الرواية الصحيحة لاعتمدت عليه. إنتهى:
أقول: وعندي في المقام إشكال لم أر من تنبه له ولا نبه عليه، وهو أن
موضوع المسألة المبحوث عنها في كلامهم هو ما قدمنا ذكره من أنه هل يجوز
لأب المرتضع أن ينكح في أولاد صاحب اللبن؟ إلى أخر ما تقدم.
ونقلوا عن الشيخ في المبسوط القول بالجواز كما سمعت، والتعليل بما
عرفت من كلامه في المسالك، وعبارة المبسوط التي نقلها العلامة في المختلف إنما
هي بهذه الصورة حيث قال الشيخ في المبسوط: يجوز للفحل أن يتزوج بأم المرتضع
وأخته وجدته، ويجوز لوالد هذا المرتضع أن يتزوج بالتي أرضعته، لأنه لا نسب
بينهما ولارضاع، ولأنه لما جاز أن يتزوج أم ولده من النسب، فبأن يجوز أن
يتزوج أم ولده من الرضاع أولى، إلى آخر كلامه.

(1) الوسائل ج 14 ص 280 ح 1.
391

وهذه العبارة لا دلالة فيها على محل النزاع ولا تعرض فيها له بوجه، وإنما
تضمنت جواز تزويج الفحل الذي هو صاحب اللبن لأخت المرتضع التي هي ابنة
أب المرتضع، وهي مسألة أخرى عكس ما نحن فيه، سيأتي إن شاء الله تعالى
ذكرها، فإن ما نحن فيه هو تزويج أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن، وهذه
إنما تضمنت تزويج صاحب اللبن في أولاد أب المرتضع.
نعم ذكر أن أب المرتضع يجوز له تزويج المرأة التي أرضعت ابنه، ولم
يتعرض لأزيد من ذلك (1) وكتاب المبسوط لا يحضرني الآن، فليتأمل ذلك.
ونحو ذلك ما نقلوه عن الخلاف من القول بالتحريم في هذه المسألة، مع أن
العبارة هنا كعبارة المبسوط الدالة على الجواز إنما تضمنت عكس المسألة المبحوث
عنها، فإنه قال على ما نقله في المختلف: إذا حصل الرضاع المحرم لم يحل
للفحل نكاح أخت هذا المولود المرتضع، ولا لأحد من أولاده من غير المرضعة.
ومنها، لأن إخوته وأخواته صاروا بمنزلة أولاده.
وهي كما ترى ظاهرة في أن المحرم إنما هو نكاح صاحب اللبن في أولاد أب
المرتضع وقد أسندوا له بهذه العبارة القول بتحريم نكاح أب المرتضع في أولاد صاحب
اللبن، ولم ينقل في المختلف غير هاتين العبارتين في البين على أن كلامه في المختلف
غير ظاهر في هذه المسألة، وإنما تكلم على ما ذكره الشيخ وابن إدريس من
حكم نكاح الفحل في جدة المرتضع وأخته.
وما نقله عنه في المسالك من قوله - وقول الشيخ في غاية القوة ولولا الرواية
الصحيحة لاعتمدت عليه - إنما هو بالنسبة إلى نكاح الفحل في جدة المرتضع كما
سيظهر لك إن شاء الله في المسألة الآتية لا في نكاح أب المرتضع في أولاد صاحب

(1) نعم قد صرح ابن البراج في المهذب بذلك فقال: وكذلك يتزوج بنات المرأة
التي أرضعت ولده، وبناتهن أيضا، لأنهن لم يرضعن من لبنه، ولا بينهن قرابة من رضاع
ولا غيره، وإنما نكاحهن على المرتضع. انتهى. (منه - قدس سره -).
392

اللبن كما هو ظاهره في المسالك.
وبالجملة فإن العلامة لم يتعرض لهذه المسألة هنا بالكلية، وإنما كلامه
على عبارة الشيخ التي ذكرناه، وقد عرفت أنها ليست من محل البحث في شئ.
وبذلك يظهر لك أن نسبة القول بالجواز إلى المبسوط في هذه المسألة التي
هي محل البحث لا يظهر له وجه، إلا أن يكون في موضع آخر، ولكن ظاهر
كلامهم كما عرفت في عبارة المسالك ومثله غيره إنما هو من هذا الموضع الذي
ذكرناه، وهو عجب عجيب كما لا يخفى على المدقق المصيب.
وأما الروايات الواردة في المسألة المبحوث عنها، فمنها ما رواه ثقة الاسلام
والصدوق " عطر الله مرقديهما " في الصحيح عن عبد الله بن جعفر (1) " قال: كتبت إلى
أبي محمد عليه السلام: امرأة أرضعت ولد الرجل، هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة
هذه المرضعة أم لا؟ فوقع عليه السلام: لا، لا تحل له ".
وما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن أيوب بن نوح (2) " قال: كتب علي بن
شعيب إلى أبي الحسن عليه السلام: امرأة أرضعت بعض ولدي، هل يجوز لي أن أتزوج
بعض ولدها؟ فكتب عليه السلام: لا يجوز ذلك، لأن ولدها قد صار بمنزلة ولدك ":
وما رواه في الكافي والتهذيب عن علي بن مهزيار (3) في الصحيح " قال: سأل
عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه السلام إن امرأة أرضعت لي صبيا فهل يحل
لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي: ما أجود ما سألت من ههنا يؤتى أن يقول

(1) الكافي ج 5 ص 447 ح 18، الفقيه ج 3 ص 306 ح 9، الوسائل
ج 14 ص 307 ب 16 ح 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 321 ح 32، الفقيه ج 3 ص 306 ح 8، الوسائل
ج 14 ص 306 ب 16 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 441 ح 8، التهذيب ج 7 ص 320 ح 28، الوسائل ج 14
ص 296 ح 10.
393

الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره، فقلت
له: إن الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي هي ابنة غيرها، فقال: لو كن
عشرا متفرقات ما حل لك منهن شئ، وكن في موضع بناتك ".
والصحيحتان الأولتان دالتان على تحريم أولاد المرضعة، والصحيحة الثالثة
دالة على تحريم أولاد الفحل وإن لم يكونوا من تلك المرضعة.
والمفهوم من كلام السيد السند في شرح النافع أن تحريم أولاد الفحل
لا مستند له من الأخبار، حيث إنه إنما استند في ذلك إلى الأولوية، فقال -
بعد أن أورد الصحيحتين الأولتين -: حكم عليه السلام في هاتين الروايتين بتحريم أولاد
المرضعة، وإذا حرم أولاد المرضعة حرم أولاد صاحب اللبن بطريق أولى.
إنتهى.
والعجب منه أن الرواية منقولة في المسالك أيضا، وسندها صحيح
باصطلاحه، فكيف غفل عن ذلك حتى التجأ إلى هذا التعليل العليل.
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور وقوفا على هذه الروايات الصحاح
الصراح، فيخصص بها عموم تلك القاعدة المتقدمة.
المسألة الثانية: هل يحل للفحل أن يتزوج بأم هذا المرتضع النسبية
أم لا.
المشهور الأول، وبه صرح الشيخ في المبسوط حيث قال - بعد ذكر القاعدة
التي تقدمت الإشارة إليها آنفا -: فيجوز للفحل أن يتزوج بأم هذا المرتضع،
وبأخته وبجدته، ويجوز لوالد هذا المرتضع أن يتزوج بالتي أرضعته، لأنه لا نسب
بينهما ولارضاع، ولأنه لما جاز أن يتزوج بأم ولده من النسب: فبأن يجوز أن
يتزوج بأم ولده من الرضاع أولى.
قالوا: أليس لا يجوز أن يتزوج بأم أم ولده من النسب، ويجوز أن يتزوج
بأم أم ولده من الرضاع؟ فكيف جاز هذا، وقد قلتم إنه يحرم من الرضاع ما
394

يحرم من النسب.
قلنا أم أم ولده من النسب ما حرمت بالنسب بل حرمت بالمصاهرة قبل
وجود النسب، والنبي صلى الله عليه وآله إنما قال " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " ولم
يقل: يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة. إنتهى.
وبه قال ابن حمزة وابن البراج والعلامة في التحرير والقواعد - وهو المختار -
والوجه فيه أنه لا مقتضى للتحريم، والأصل عدمه، وليس إلا كونها جدة ابنه
وهو غير موجب للتحريم، لأن جدة الابن لأمه إنما حرمت بالمصاهرة أعني
الدخول بابنتها، وهذه العلة غير موجودة هنا.
وذهب العلامة في المختلف إلى القول بالتحريم، ونقله فيه عن ابن إدريس،
قال في المختلف بعد نقل عبارة الشيخ في المبسوط المذكورة (1) الدالة على
الجواز: وقال ابن إدريس: وأما تزويجه بأخته وجدته فلا يجوز بحال، لأنا
في النسب لا نجوز له أن يتزوج الرجل بأخت ابنه ولا بأم امرأته بحال، وإنما
الشافعي علل ذلك بالمصاهرة، وليس هيهنا مصاهرة، وكذا في قوله وسؤاله على
نفسه " أليس لا يجوز له أنت تزوج أم أم ولده في النسب، ويتزوج أم أم ولده
في الرضاع ".
وأجاب بأن أم أم ولده في النسب ما حرمت بالنسب، وإنما حرمت بالمصاهرة
قبل وجود النسب، وعلل ذلك بالمصاهرة، فلا يظن ظان بأن ما قلناه كلام
الشيخ أبي جعفر.

(1) أقول: صورة عبارة الشيخ المشار إليها هكذا " والذي يدور عقد الرضاع
عليه جملته أن امرأة الرجل إذا كان بها لبن منه فأرضعت مولودا رضعة على الصفة المتقدم
ذكرها صار كأنه ابنها من النسب حرم على هذا، لأن الحرمة انتشرت منه إليهما ومنهما إليه
فالتي انتشرت إليهما أنه صار كأنه ابنهما من النسب، والحرمة التي انتشرت منهما إليه
وقفت عليه وعلى نسله، دون من هو في طبقته من إخوته وأخواته أو أعلى منه من آبائه
وأمهاته، فيجوز للفحل إلى آخر ما في الأصل. (منه - قدس سره -).
395

والذي يقتضي مذهبنا أن أم أم ولده من الرضاع محرمة عليه، كما أنها
محرمة عليه من النسب لأنه أصل في التحريم من غير تعليل ثم نقل كلام ابن
حمزة في المسألة فقال بعده: والمعتمد تحريم أم أم الولد من الرضاع.
وقول الشيخ في المبسوط وإن كان قويا لكن الرواية الصحيحة على خلافه،
فإن علي بن مهزيار روى في الصحيح ثم ساق الرواية المذكورة كما قدمناها
قريبا، ثم قال: بعدها: فقد حكم عليه السلام هنا بتحريم أخت الابن من الرضاع وجعلها
في منزلة البنت، ولا ريب أن أخت البنت إنما تحرم بالنسب لو كانت بنتا أو
بالسبب لو كانت بنت الزوجة، فالتحريم هنا باعتبار المصاهرة، وجعل الرضاع
كالنسب في ذلك.
وقول الشيخ في غاية القوة، ولولا هذه الرواية الصحيحة لاعتمدت على قول
الشيخ، ونسبة ابن إدريس هذا القول للشافعي غير ضائر للشيخ، وقوله لا يجوز أن
يتزوج بأخت ابنه ولا بأم امرأته وليس هنا مصاهرة غلط لأنهما إنما حرمتا
بالمصاهرة. إنتهى كلام العلامة في الكتاب المذكور.
وقال شيخنا الشهيد في كتاب نكت الإرشاد - عند قول المصنف ولا يحرم
أم أم الولد من الرضاع - ما هذا لفظه: أقول: ربما اشتبه صورة هذه المسألة
بسبب اشتباه متعلق " من " وحكمها فأما صورتها فإن من يحتمل أن يتعلق بمحذوف
حال من الأم الثانية لا من الولد والمحكوم عليه هو الوالد لا الفحل، فالتقدير لا يحرم
على أب المرتضع أم أم المرتضع كاينة من الرضاع وإن كانت أمها نسبا ومعناه أنه
إذا أرضعت ولده امرأة لا تحرم على الوالد أم تلك المرأة، وهذا الحكم صرح به
ابن حمزة، ووجهه أصالة الحل وعدم المصاهرة هنا.
ويحتمل أن يكون حالا من الأم الأولى، والتحريم أيضا منفي عن الوالد،
ومعناه أن مرضعة أم ابنه لا تحرم عليه، وهو بين.
والأولى والمناسب لما ذكره في المختلف وبقية كتبه أن يكون حالا من
396

الولد، والمحكوم عليه بنفي التحريم هو الفحل وهو الذي نص عليه في المبسوط،
وأورد على نفسه أم أم الولد من النسب فإنها تحرم فينبغي أن يكون أم أمه من
الرضاعة كذلك، وأجاب بأن تحريم تلك ما كان بالنسب، بل بالمصاهرة الحاصلة
قبل النسب، والذي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، لا ما يحرم من
المصاهرة.
وأنكره ابن إدريس، وزعم أن هذا حكاية كلام الشافعي، وليس مذهبا
للشيخ بل تحرم أم أم الولد من الرضاع كما تحرم من النسب، واختاره المصنف
(طاب ثراه) عملا بصحيحة علي بن مهزيار، ثم نقل الصحيحة المشار إليها، وقال
بعدها: وجه الدلالة أنه عليه السلام حكم بتحريم أخت الابن من الرضاع، وجعلها
في موضع البنت.
وأخت البنت تحريمها بالنسب إذا كانت بنتا، بالسبب إذا كانت بنت
الزوجة فالتحريم هنا بالمصاهرة، وجعل الرضاع كالنسب في ذلك فيكون في
أم الأم كذلك، وليس قياسا لأنه نبه بجزئي من كلي على حكم الكلي، ثم قال
المصنف ولولا هذه الرواية لاعتمدت على قول الشيخ لقوته، واعتمد هنا وفي
التلخيص على قوله، وهو المختار. إنتهى.
وأنت خبير بأن ما استدل به في المختلف من صحيحة علي بن مهزيار فإنه
لا دلالة فيه لأن موردها هو المنع من نكاح أب المرتضع في أولاد الفحل، وتعليله
عليه السلام التحريم بكونهن في موضع بناته لا يوجب تعدي التحريم إلى أم أم المرتضع
بالنسبة إلى الفحل، وإلا لزم التحريم في كل من كانت في موضع محرم كما يدعيه
أصحاب التنزيل، وهو لا يقول به.
وبالجملة فالخروج عن موضع النص إلى ما شابهه وشاكله من هذه الصورة
أو غيرها قياس محض لا يوافق أصول المذهب.
قال المحقق الثاني (قدس سره) في رسالة المتقدم ذكرها - بعد نقل كلام
397

شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد ولنعم ما قال -:
وفيه نظر أما (أولا) فلأن المشار إليه في ذلك هو تحريم بنت الزوجة
أي جعل الرضاع كالنسب في تحريم بنت الزوجة، أي كما تحرم بالنسب تحرم
بالرضاع، ومعلوم أن تحريمها إذا لم تكن بنتا ليس بالنسب وإنما هو بالمصاهرة،
فلا يستقيم قوله جعل الرضاع كالنسب في ذلك.
وأما (ثانيا) فإنه لا يلزم من ثبوت التحريم في هذا الفرد المعين - مع
خروجه عن حكم الأصل وظاهر القواعد المقررة لورود النص عليه بخصوصه -
تعدية الحكم إلى ما أشبهه من المسائل، فإن ذلك عين القياس، وادعاؤه نفي القياس
عنه واعتذاره بأنه نبه بجزئي من كلي على حكم الكلي لا يفيده شيئا، لأن
تعريف القياس صادق عليه، فقد عرف بأنه تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع
لعلة متحدة فيهما.
والأصل فيما ذكره هو أخت الولد من الرضاع، والفرع هو جدة الولد من
الرضاع والحكم المطلوب بتأديته هو التحريم الثابت في الأصل بالنص وما يظن
كونه علة التحريم هو كون أخت الولد من الرضاع في موضع من يحرم من
النسب أعني البنت النسبية، وهذا بعينه قائم في جدة الولد من الرضاع، فإنه
في موضع جدته من النسب، بل ما ذكره أسوء حالا من القياس، لأنك قد عرفت
أن القياس تعدية الحكم من جزئي إلى آخر لاشتراكهما فيما يظن كونه علة
التحريم وهو (رحمه الله) قد حاول تعدية الحكم من الجزئي إلى الكلي، ونبه
على العلة وثبوتها في الفرع أول كلامه وأغرب في عبارته فسمى ذلك تنبيها على
الحكم ونفى عنه القياس وذلك لا يحصنه من الإيراد والاعتراض ولا يلتبس على
الناظر المتأمل كونه قياسا. إنتهى كلامه زيد مقامه، وهو جيد متين وجوهر
ثمين، وبه يظهر لك قوة القول بالجواز كما هو القول المشهور والمؤيد المنصور.
المسألة الثالثة: هل لأولاد أب المرتضع الذين لم يرتضعوا من لبن هذا
398

الفحل أن ينكح في أولاد الفحل ولادة ورضاعا، وأولاد المرضعة ولادة أم لا؟
قولان: الأشهر الأظهر الأول، واختار ثانيهما الشيخ في الخلاف والنهاية
استنادا إلى ظاهر التعليل المذكور في تلك الروايات المتقدمة في المسألة الأولى،
وهو كونهم بمنزلة ولد الأب، فإن ذلك يقتضي حصول الأخوة بينهم المانع من نكاح
أحدهما في الآخر إذ كونهم بمنزلة ولد الأب يقتضي كونه كالأخوة للعلة، فإنها
منصوصة فيتعدى حكمها.
وأجيب بأن تعدي حكمها مشروط بوجودها في المعدى إليه وهنا ليس
كذلك (1) لأن كونهن بمنزلة ولد الأب ليس موجودا في محل النزاع، وليس
المراد بحجية منصوص العلة أنه حيث يثبت العلة أو ما جرى مجراها يثبت الحكم
كذا نقله شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وشرح اللمعة، وهو متجه.
وما يقال من أنه يلزم من كونهن بمنزلة ولد أب المرتضع ثبوت أخوة
بعضهم مع بعض فيكونون إخوة لأولاد أب المرتضع.
ففيه: أنا نقول قد قدمنا أن المراد من كونهن بمنزلة ولد أب المرتضع
إنما هو في المحرم عليه، بمعنى أنه كما تحرم أولاده عليه يحرم هؤلاء عليه أيضا
وأما أنه يلزم من ذلك كونهما إخوة لأولاده فيحرم نكاح بعضهم في بعض فهو ممنوع
كما سيأتي توضيح ذلك في كلام المحقق الثاني في الرسالة.
ورد ابن إدريس هنا على الشيخ فيما اختاره من التحريم واختار القول
الأول ولننقل كلامهما على ما نقله في المختلف فنقول:

(1) توضيح الجواب المذكور أنه إذا قال الشارع: حرمت الخمر لاسكاره،
فإنه بمقتضى العمل بمنصوص العلة يتعدى التحريم، حيث وجد الاسكار، وحينئذ فلا بد في
المعدى إليه من وجود العلة التي هي هنا الاسكار حتى يترتب عليه التحريم، ومحل البحث
هنا ليس كذلك، فإن العلة في الأصل هي كونهم بمنزلة ولد الأب، وهي غير موجودة في
الإخوة بعضهم من بعض كما لا يخفى. (منه - قدس سره -).
399

قال العلامة: قال الشيخ في الخلاف: إذا حصل الرضاع المحرم لم يحل
للفحل نكاح أخت هذا المولود المرتضع بلبنه، ولا لأحد من أولاده من غير المرضعة
ومنها، لأن إخوته وأخواته صاروا بمنزلة أولاده.
ونحوه قال في النهاية حيث قال: وكذلك تحرم جميع إخوة المرتضع على
هذا الفحل وعلى جميع أولاده من جهة الولادة والرضاع.
وقال ابن إدريس: قول شيخنا في ذلك غير واضح وأي تحريم حصل بين
أخت هذا المولود المرتضع، وبين أولاد هذا الفحل، وليس هي أختهم لا من أمهم
ولا من أبيهم، والنبي صلى الله عليه وآله جعل النسب أصلا للرضاع في التحريم، فقال " يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب " وفي النسب لا يحرم على الانسان أخت أخيه
التي لا من أمه ولا من أبيه، ثم أمر بالتأويل والملاحظة.
وهذا قول ابن إدريس لا بأس به، فإن النظر يقتضيه، لكنه لا يجامع ما
قاله أولا في المسألة السابقة التي حكم فيها بتحريم أم أم الولد وأخته، كما حرمتا
في النسب، وقد عرفت هناك أن التحريم ليس من جهة النسب بل من جهة المصاهرة.
ثم إن الأئمة عليهم السلام حكموا بالتحريم في الرضاع وإن اختلفت العلة، وقد
قال أبو جعفر الثاني عليه السلام (1): " لو كن عشرا متفرقات ما حل لك منهن شئ وكن
في موضع بناتك ".
وما رواه أيوب بن روح (2) ثم ساق الرواية كما قدمناه، ثم قال: وهذا
التعليل يعطي صيرورة أولادها إخوة لأولاده فينشر الحرمة، ونحن في ذلك من
المتوقفين. إنتهى كلامه (قدس سره).
أقول: ما أورده علي ابن إدريس - من جزمه بالتحريم في تلك المسألة،

(1) الكافي ج 7 ص 441 ح 8، التهذيب ج 7 ص 320 ح 28، الوسائل ج 14
ص 296 ح 10.
(2) التهذيب ج 7 ص 321 ح 32، الوسائل ج 14 ص 306 ح 1.
400

وجزمه بالجواز هنا مع كون المسألتين من باب واحد - وارد عليه أيضا من جهة
جزمه بالتحريم كابن إدريس في تلك المسألة وتوقفه هنا فإن الكلام في
الموضعين واحد، فإنه إنما جزم بالتحريم في المسألة السابقة نظرا إلى ظاهر
التعليل في تلك الروايات، كما أسلفنا نقله عنه، والحال أنه هنا كذلك كما يفيده
قوله هنا، وهذا التعليل يعطي صيرورة أولاده إخوة لأولاده فينشر الحرمة.
وبالجملة فالمسألتان من باب واحد فالحكم فيها واحد، ولا وجه للقول في
إحداهما بالتحريم والقول بالثانية بالجواز أو التوقف.
وما احتج به العلامة - من قوله - وهذا التعليل - إلى آخره - عليل كما عرفت
من كلام شيخنا الشهيد الثاني، والذي صرح به العلامة - في غير هذا الكتاب - هو
الجواز، وهو اختيار ابنه فخر المحققين في شرح القواعد أيضا، وبه قال: الشيخ
في المبسوط أيضا على ما نقله المحقق الثاني في الرسالة المتقدم ذكرها، ونقل
عبارته ثمة، ولا مخالف هنا إلا الشيخ في الكتابين المتقدمين، وكفى بأصالة الجواز
متمسكا حتى يقوم الدليل القاطع على خلافه، سيما مع ما ثبت من الجواز في
النسب والتحريم الرضاعي فرع على النسبي، فكيف يحل في الأصل ويحرم في
الفرع؟ نعم لا يبعد القول بالكراهة في الرضاع كما ورد مثله في النسب أيضا.
ويدل على الأول موثقة إسحاق بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل تزوج
أخت أخيه من الرضاعة فقال: ما أحب أن أتزوج أخت أخي من الرضاعة ".
وعلى الثاني ما رواه الراوي المذكور (2) " قال: سألته عن رجل يتزوج
أخت أخيه؟ قال: ما أحب له ذلك ".
وقال: المحقق الثاني في الرسالة الرضاعية - بعد نقل الخلاف في المسألة -
ما هذا لفظه: فإن قيل: النص السالف يدل على التحريم هنا التزاما، لأنه لما

(1) الكافي ج 5 ص 444 ح 2، الوسائل ج 14 ص 279 ح 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 472 ح 101، الوسائل ج 14 ص 280 ح 4.
401

تضمن تحريم الأولاد على أب المرتضع معللا بأنهم بمنزلة أولاده في التحريم
لزم من ذلك أن يكونوا لأولاده كالأخوة، فيحرم بعضهم على بعض، لأن البنوة
لصاحب اللبن والأخوة لأولاده متلازمان، فيمتنع ثبوت إحداهما مع انتفاء الأخرى
وقد ثبت البنوة بالنصوص السابقة، فيثبت الأخوة فيلزم التحريم.
قلنا: نمنع الدلالة الالتزامية، لأن من شرطها اللزوم الذهني البين
بالمعنى الأخص وليس بثابت، بل نمنع التلازم أصلا، فإن ثبوت بنوة شخص الآخر
يقتضي ثبوت الأخوة لأولاده، لا ثبوت الأخوة لإخوة أولاده، وذلك غير مقتض
للتحريم بوجه من الوجوه. إنتهى، وهو جيد.
وبالجملة فإن القول المذكور ضعيف لا يلتفت إليه، وعليل لا يعول عليه،
والتمسك بأصالة الحل أقوى مستمسك حتى يقوم الدليل الواضع على الخروج،
عنه، والله العالم.
المسألة الرابعة: هل يحل للفحل النكاح في إخوة المرتضع بلبنه أم لا؟
والأشهر الأظهر الأول، وبه صرح الشيخ في المبسوط فيما قدمناه من عبارته في
المسألة الثانية، وبالثاني صرح في الخلاف والنهاية، وإليه ذهب ابن إدريس كما
تقدم نقل ذلك أيضا، وكلام من عداهما من الأصحاب متفق النظام متسق
الانسجام على الجواز.
والعجب هنا من المحقق الشيخ علي (قدس سره) في الرسالة حيث قال -
بعد نقله عن الشيخ التحريم وعن العلامة في التحرير والقواعد الجواز - ما هذا لفظه:
والظاهر عدم الفرق بين بنات الفحل بالنسبة إلى أب المرتضع وأخوات المرتضع
بالنسبة إلى الفحل نظرا إلى العلة المذكورة في الحديثين السابقين، فإن كانا حجة
وجب التمسك بمقتضى العلة المنصوصة، وإلا انتفى التحريم في المقامين، وعلى
كل فالاحتياط فيهما أولى وأحرى. إنتهى.
أقول: فيه (أولا) أنه لا يخفى أن العلة المنصوصة في الروايتين المشار إليهما
402

إنما هو صيرورة أولاد الفحل أو المرضعة بمنزلة أولاد أب المرتضع، وأما صيرورة
أولاد أب المرتضع بمنزلة أولاد الفحل في التحريم عليه فليس في الروايات
إشعار به بوجه ولا دلالة لها عليه بنوع بالكلية، وكيف يكون داخلا في العلة
المنصوصة.
وقد عرفت مما تقدم في كلام شيخنا الشهيد الثاني أن العمل بالعلة المنصوصة
يقتضي وجود تلك العلة في المعدى إليه، مثلا قول الشارع حرمت الخمرة لاسكارها
فمتى قلنا بالعمل بمنصوص العلة، فإنه لا بد من حصول الاسكار في الفرد المعدى
ليتعدى التحريم إليه، والعلة التي في الفرع هنا وهي نكاح الفحل في إخوة المرتضع
بلبنه ليست هي التي في الأصل كما عرفت.
و (ثانيا) أنه أي فرق بين هذه الصورة وبين سابقتها حيث يختار الجواز
هناك، وينفي دلالة النصوص على حكم تلك الصورتين، ويرجح التحريم هنا
فإنه إن وقف على ظاهر النص فمورده إنما هو هذا الفرد الخاص، وهو نكاح أب
المرتضع في أولاد صاحب اللبن، وإن تعدى عنه بالنظر إلى ما يتخيل من ظاهر
التعليل وإجراء حكمه في اللازم والمشابه ونحوهما فلا معنى لمنعه هناك الجواز،
والزامه للشهيد في المسألة الثانية بالقول بالقياس فإن الأمر في الجميع واحد.
بل ربما يقال: بأن إجراء حكم التعليل في المسألة الثالثة التي منع فيها
حصول اللزوم بالكلية أظهر منه في هذه المسألة، وذلك لأن البنوة من حيث هي
مستلزمة لإخوة من شارك فيها، فبنوة أولاد الفحل لأب المرتضع مستلزم لإخوة
بعضهم ببعض، بخلاف ما هنا، فإن كون أولاد الفحل بمنزلة أولاد أب المرتضع
لا يستلزم العكس، لأنه لا ملازمة بالمرة كما لا يخفى.
ونحن إنما ضربنا صفحا عن الإخوة، ولم نرتب عليها هناك حكما شرعيا
وإن كان لزومها ظاهرا من حيث إن الأحكام الشرعية لا تبنى على اللزومات العقلية
والمناسبات الذوقية، بل ولا على جهات الأولوية، بل المدار إنما هو على صريح
403

النصوص الجلية، وإنما ذلك مذهب أصحاب الرأي والقياس، كما صرحت به
النصوص عن أهل الخصوص (صلوات الله عليهم).
وربما كان منشأ الشبهة فيما ذكره (قدس سره) هو أنه لما كان أولاد الفحل
إنما صاروا بحكم أولاد المرتضع كما صرحت به النصوص من جهة أخوتهم
للمرتضع، فألحقهم بأبيه النسبي فيجب أن يكون أولاد أب المرتضع بحكم أولاد
الفحل لذلك أيضا.
وفيه - مع الاغماض عن عدم دلالة النص عليه، وكون ذلك علة مستنبطة
بل أبعد - أن صيرورة ولد الفحل بالنسبة إلى أب المرتضع في التحريم عليه كولده
لا يستلزم صيرورة ولد أب المرتضع بالنسبة إلى الفحل كولده في التحريم عليه،
لجواز قوة العلاقة الموجبة لترتب الحكم في الأول دون الثاني، فإن من الجائز
أن يقال: إنه لما اشترك الفحل وأب المرتضع في بنوة هذا المرتضع، وكانت البنوة
بالنسبة إلى أحدهما أقوى منها بالنسبة إلى الآخر.
وبعبارة أخرى: وكانت البنوة بالنسبة إلى أحدهما نسبا وإلى الآخر رضاعا
ولا ريب أن البنوة النسبية أقوى علاقة من الرضاعية، فمن الممكن القريب أن
تلك البنوة النسبية لقوة علاقتها تلحق الأخوة الرضاعية بالأب النسبي بخلاف
البنوة الرضاعية، فإنها لضعف علاقتها لا تلحق الأخوة النسبية بالأب الرضاعي.
وهذا يصلح وجها لما دل عليه النص من الحاق الأخوة الرضاعية بالأب النسبي دون
العكس.
وبالجملة فإن ما ادعاه المحقق المذكور من كون العلة في الحديثين جارية
في كلتا المسألتين لا أعرف له وجها يعتمد عليه ولا دليلا يوجب المصير إليه.
هذا ما وقفت عليه في كتب أصحابنا التي يحضرني الآن من المسائل التي
وقع الخلاف فيها مما ادعى فيها الخروج عن دائرة تلك القاعدة الكلية والضابطة
الواضحة الجلية وقد أوضحنا - بحمد الله تعالى سبحانه ومنه - عدم خروج شئ
404

منها عن جادة ذلك الضابطة المنصوص، سوى المسألة الأولى لتصريح النص بها
على الخصوص، وقد صرح بذلك أيضا المحقق الشيخ علي (رحمة الله عليه) في صدر
الرسالة وقد قدمنا عبارته في المقام الأول، والله العالم.
تنبيهات:
الأول: إعلم أن المستفاد من كلام الأصحاب كما صرح به غير واحد في
هذا الباب وعليه دلت نصوص أهل الخصوص (سلام الله عليهم) هو أنه لا فرق في
تحريم أم المرضعة على المرتضع بين كونها إما نسبية أو رضاعية لدخولهما في
عموم الأمهات التي صرحت الآية بتحريمها، وكذا أختها وأخت الفحل، فإنهما
محرمان عليه، سواء كانت أخوتهما من النسب أو الرضاع، لدخولهما في عموم
الأخوات الموجب لكونهما بالنسبة إلى المرتضع خالة وعمة، وهكذا خالتها
وعمتها تحرمان عليه وإن كانتا من الرضاع، وقد تقدم ذكر ذلك في تفريع
الرضاع على النسب في صدر المطلب.
وقال العلامة (قدس سره) في القواعد: لا تحرم أم المرضعة من الرضاع
على المرتضع ولا أختها منه ولا بنات أخيها وإن حرمن في النسب، لعدم اتحاد
الفحل، وقال المحقق الشيخ علي في شرحه: قد حققنا أن حرمة الرضاع لا تثبت
بين مرتضعين إلا إذا كان الفحل واحدا فيما تقدم، وأوردنا النص الوارد بذلك،
وحكينا خلاف الطبرسي.
فعلى هذا لو كإن لمن أرضعت صبيا أم من الرضاع لم تحرم تلك الأم على
الصبي، لأن نسبتها إليه بالجدودة إنما تتحصل من رضاعه من مرضعة ورضاع
مرضعته منها، ومعلوم أن اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد، فلا تثبت الجدودة
بين المرتضع والأم المذكورة لانتفاء الشرط، فينتفي التحريم.
ومن هذا يعلم أن أختها من الرضاع وعمتها منه وخالتها منه لا يحرمن،
405

وإن حرمن من النسب، لما قلنا من عدم اتحاد الفحل، ولو كان المرتضع أنثى
لا يحرم عليها أبو المرضعة من الرضاع ولا أخوها منه ولا عمها منه ولا خالها منه
لمثل ما قلناه.
وقيل: عموم قوله عليه السلام (1) " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يقتضي
التحريم هنا وأيضا فإنهم قد أطلقوا على المرضعة أنها أم، وعلى المرتضعة بلبن
أب المرضعة أنها أخت، فتكون الأولى جدة والثانية خالة، فيندرجان في عموم
المحرم للجدة والخالة، وكذا البواقي.
قلنا: الدال على اتحاد الفحل خاص، فلا حجة في العام حينئذ، وأما
الاطلاق المذكور فلا اعتبار به مع فقد الشرط، فإنهم أطلقوا على المرتضع أنه
ابن المرضعة، وعلي المرتضعة منها بلبن فحل آخر أنها بنت لها أيضا، ولم يحكموا
بالأخوة المثمرة للتحريم بين الابن والبنت لعدم اتحاد الفحل، إنتهى كلامه
زيد مقامه.
أقول: العجب منهما (عطر الله مرقديهما) فيما ذهبنا إليه وما اعتمدا في
الاستدلال عليه، وذلك فإن اشتراط اتحاد الفحل إنما هو في تلك الصورتين
المخصوصتين المتقدم ذكرهما في الشرط الرابع، وهما حصول التحريم بين
المرتضعين الأجنبيين أو في إكمال النصاب بمعنى أنه لا يحرم أحد ذينك
المرتضعين على الآخر إلا بأن يرتضعا من لبن فحل واحد، أو لا ينشر الرضاع
الحرمة بين المرتضع وبين المرضعة والفحل وتوابعهما حتى يكمل النصاب من
لبن فحل واحد ومرجعه إلى اشتراط ذلك في حصول الأخوة والبنوة خاصة.
وعلى ذلك دلت الروايات المتقدمة كصحيحة الحلبي (2) " قال سألت أبا عبد الله

(1) التهذيب ج 7 ص 291 ح 59 و ص 292 ح 60، الكافي ج 5 ص 437 ح 2
و 3، الوسائل ج 14 ص 271 ح 3 و 4.
(2) الكافي ج 5 ص 443 ح 11، التهذيب ج 7 ص 321 ح 31، الوسائل
ج 14 ص 294 ح 3.
406

عليه السلام " عن الرجل يرضع من المرأة وهو غلام، أيحل له أن يتزوج أختها لأمها من
الرضاعة؟ فقال: إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد
فلا تحل، وإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحد من لبن فحلين فلا بأس
بذلك ".
وموثقة عمار الساباطي (1) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلام رضع من
امرأة، أيحل له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع؟ قال فقال: لا، قد رضعا جميعا
من لبن فحل واحد من امرأة واحدة، قال: قلت: فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟
قال: فقال: لا بأس بذلك إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت
الغلام، فاختلف الفحلان فلا بأس ".
والخبران المذكوران صريحان فيما قلناه، واضحان فيما ادعيناه، فإنه
عليه السلام خص اشتراط اتحاد الفحل بالمرأتين المذكورتين، وهي المرضعة وأختها،
وأنه متى اتحد الفحل بالنسبة إليهما ثبتت الأختية، ومتى ثبتت الأختية فإنها
تحرم على المرتضع لكونها خالته رضاعا، ولو كان اتحاد الفحل شرطا في التحريم
بين المرتضع وأم المرضعة أو أختها أو نحوهما مما تقدم لما حكم عليه السلام بتحريم
أخت المرضعة على المرتضع في هذين الخبرين متى حصلت الأختية بينهما باتحاد
الفحل، لأن الفحل متعدد البتة، فإن فحل المرتضع غير فحل أخت المرضعة،
وبموجب ما ذهبوا إليه لا تحرم مع أنه عليه السلام حكم بالتحريم.
وبه علم أن اشتراط اتحاد الفحل في التحريم ليس على الاطلاق الذي
توهموه بحيث يدخل تحته هذا الفرد الذي عدوه، وإنما هو مخصوص بالأخوة
والبنوة كما ذكرناه، والظاهر أن الفاضلين المذكورين لما يلاحظا الخبرين، ولم
يطلعا عليهما في المقام.

(1) الكافي ج 5 ص 442 ح 10، التهذيب ج 7 ص 320 ح 29، الوسائل
ج 14 ص 294 ح 2.
407

وأما اشتراط اتحاد الفحل في إكمال النصاب لتحصل البنوة بذلك فيدل
عليه صحيحة بريد وقد تقدمت في الشرط الرابع، قال: في المسالك: المشهور
بين أصحابنا أنه يشترط في الرضاع المحرم أن يكون اللبن لفحل واحد، بل
ادعى عليه في التذكرة الاجماع.
وهذا الشرط يشمل أمرين: أحدهما: اتحاد الفحل في اللبن الذي ينشر
الحرمة بين المرتضع والمرضعة وصاحب اللبن، بمعنى أن رضاع العدد المعتبر لا بد
أن يكون لبنه لفحل واحد - إلى أن قال -: الثاني: اشتراط اتحاد الفحل في
التحريم بين رضيعين فصاعدا، بمعنى أنه لا بد في تحريم أحد الرضيعين على الآخر
مع اجتماع الشروط السابقة من كون الفحل وهو صاحب اللبن الذي رضعا منه
جميعا واحدا. إنتهى:
وهو كما ترى ظاهر فيما قلناه من أن هذا الشرط مخصوص بهاتين الصورتين.
وأما شرطية ذلك في التحريم بين المرتضع وأم المرضعة أو أختها من
الرضاعة، فإن ذلك أمر لا يكاد يعقل صحته ووقوعه بالمرة، وبالجملة فإن
كلامهما (رضوان الله عليهما) لا يخلو من غفلة، والله العالم.
الثاني: قال الفاضل العماد مير محمد باقر الشهير بالداماد في رسالته التي في
التنزيل - بعد نقل ذلك عنهما وتخصيص اعتبار الشرط بالأخوة الرضاعية - ما
هذا لفظه: والسر في اعتبار وحدة الفحل هناك أن الأصل في التحريم بالرضاع
هو التحريم بالنسب.
وفي النسب قد يكون أخت أخت الغلام أو أخت أخيه لا يحرم عليه إذا كانت
النسبة مختلفة من جهة الأم ومن جهة الأب فلذلك اعتبر في تحريم الرضاع عدم
اختلاف الفحل كيلا تختلف النسبة، إذ الفحل في الرضاع بمنزلة الأب في النسب،
والأمومة والجدودة لا تصح فيهما، بل إنهما في النسب ملاك التحريم على الاطلاق
فكذلك في الرضاع، وسواء في ذلك قلنا بقول الطبرسي أم بنينا الأمر على القول
408

الذايع: فإذن تحريم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع لا انفراع له على قول
الطبرسي ولا ابتناء له على عدم اعتبار الفحل بل هو من جزئيات ما عليه النص
والاجماع.
فأما أخت المرضعة من الرضاعة بارتضاعهما من امرأة واحدة أجنبية على
قول الطبرسي تحرم على المرتضع مطلقا، وعلى الذايع المشهور إذا كان ارتضاعهما
من تلك المرأة من لبن فحل واحد، وكذلك الكلام في عمة المرضعة وخالتها
من الرضاعة.
والأنثى المرتضعة يحرم عليها أبو مرضعتها من الرضاعة، وكذلك أخو
مرضعتها من الرضاع، أي المرتضع من لبن أبيها الراضع على ما هو الأشهر أو الذي
أرضعته أمها الرضاعية على قول الطبرسي وكذلك عم مرضعتها وخالها من
الرضاعة، إنتهى كلامه زيد مقامه، وهو جيد متين.
المورد الثالث: إعلم أنه قد صرح الأصحاب بأن المصاهرة كما تتعلق
بالنسب وتقتضي التحريم به كذلك تتعلق بالرضاع وتقتضي التحريم به، فمن نكح
امرأة فكما تحرم عليه أمها وبنتها مع الدخول بالأم وأختها جمعا وبنت أخيها
وأختها بدون رضاها على المشهور إذا كان الجميع من جهة النسب، كذاك يحرمن
من جهة الرضاع، فتحرم عليه أمها الرضاعية وبنتها وأختها إلى آخر ما ذكر
في النسب فإنهن يحرمن في الرضاع، وكما تحرم أيضا زوجة الأب وزوجة
الابن النسبيين كذلك زوجتيهما إذا كانا رضاعيين.
ومما فرعوا على ذلك ما لو كان تحته كبيرة فطلقها فنكحت صغيرا وأرضعته
الرضاع المحرم بلبن المطلق فإنها تحرم عليهما مؤبد أما على المطلق فإنها لما
أرضعت بلبنه وكان ابنه وقد نكحته فصارت حليلة ابنه، وأما على الصغير فلأنها
أمه وزوجة أبيه أيضا، وسيأتي - إن شاء الله - أن الرضاع المحرم كما يمنع من
النكاح سابقا يبطله لاحقا، وذكر جمله من الصور المتفرعة على ذلك.
409

ثم اعلم أيضا أنهم صرحوا بأن المصاهرة لا يتعدى إليها تحريم الرضاع،
والذي يحرم من الرضاع إنما هو ما يحرم من النسب لا من المصاهرة، وربما
أوهم ذلك التناقض في كلامهم وليس كذلك، فإن المفهوم من كلامهم أن المصاهرة
على قسمين:
أحدهما: ما يكون ناشئا وفرعا عليه، وهذا هو الذي لا يتعدى إليه تحريم
الرضاع، كما إذا ارتضع صغيرا من امرأة رضاعا محرما، فإن المرضعة تصير
بمنزلة الزوجة للأب النسبي من حيث إنها أم ابنه وأمها بمنزلة أم الزوجة وأختها
بمنزلة أخت الزوجة وبناتها بمنزلة بنات الزوجة وهكذا، فهذه المصاهرة أعني كون
أم المرضعة بالنسبة إلى الأب النسبي أم زوجة وأختها أخت زوجة وهكذا، إنما
نشأ من الرضاع خاصة فمثل هذه المصاهرة لا تؤثر فيها حرمة الرضاع ولا يتعدى
إليها التحريم بأن تحكم بتحريم الأم والأخت مثلا على الأب النسبي بسبب ذلك
الرضاع، بل يجوز له تزويجها.
ومن ذلك المسائل الأربع المتقدمة في سابق هذا المقام، فإن التحريم فيها
مبني على التحريم بهذه المصاهرة، وقد عرفت أن لا تحريم في شئ منها إلا في
الصورة الأولى من حيث تلك النصوص المتقدمة فيها.
وأنت خبير بأن إطلاق المصاهرة على ذلك لا يخلو من تجوز، فإن المصاهرة
على ما ذكروه عبارة عن علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباء كل منهما بسبب
النكاح توجب الحرمة، وهذه العلاقة المدعاة هنا بين الأب النسبي وبين المرضعة
ليست بسبب النكاح، فلا مصاهرة في الحقيقة، وإنما ذلك نوع تجوز باعتبار أنها
لما صارت أم ولده فكأنما بمنزلة الزوجة، فهي مشابهة للزوجة في الأمومة،
فلا يترتب عليها تحريم في الأقارب، لاختصاص ذلك بالمنكوحة.
والقسم الثاني: ما يكون ناشئا عن النكاح، مثل كون المرأة أم الزوجة أو
أختها أو بنتها، فإن هذا الوصف إنما يثبت بنكاح بنت المرأة أو أختها أو أمها،
410

وهذا هو الذي يتعدى إليه تحريم الرضاع بمعنى أنه بعد تحقق النكاح الصحيح،
فكما أنه تحرم الأم النسبية للزوجة، فكذلك تحرم الأم الرضاعية لدخولها
في " أمهات نسائكم "، وبنتها الرضاعية لدخولها مع الدخول بها في " ربائبكم "
وهكذا ولا تنافي ذلك قوله عليه السلام " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " لأن
ما ذكرنا من المصاهرة داخل في النسب.
والضابط هنا أن ينزل الولد من الرضاع منزلة الولد من النسب فأمه حينئذ
بمنزلة الأم، وأبوه بمنزلة الأب، وأخته بمنزلة الأخت، إلى آخر المحرمات،
ثم تلحقهم أحكام المصاهرة النسبية عينا أو جمعا.
وإن شئت زيادة توضيح في المقام ليسهل تناوله لجملة الأفهام فنقول:
إن النسب قد يكون وحده سببا في التحريم، وقد يكون مع المصاهرة وذلك
فإن تحريم الأم على ابنها إنما هو من حيث الأمومة، وتحريم البنت على أبيها
إنما هو من حيث البنتية وهكذا باقي المحرمات السبع فهذا تحريم بالنسب
خاصة، ومثل تحريم أم الزوجة وقع من حيث الأمومة ومن حيث التزويج
بابنتها، والأول هو الجزء النسبي، والثاني المصاهرة، إذ لو لم تكن أما لم تحرم،
ولو لم يتزوج ابنتها لم تحرم أيضا، ومثله تحريم الربيبة وقع من حيث البنتية،
ومن حيث الدخول بأمها، وهكذا جملة محرمات هذه المصاهرة، فالعلة في التحريم
هنا مركبة من جهة النسب والمصاهرة فصح بهذا قوله عليه السلام " يحرم من الرضاع "
ما يحرم من النسب " بحمل المحرم النسبي على ما هو أعم من كونه علة تامة أو
جزء العلة، وفي الغالب إنما يطلق على هذا تحريم المصاهرة، ولذا تراهم في تعداد
أسباب المحرمات يجعلون ما يحرم بالنسب قسيما لما يحرم بالمصاهرة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن التحريم في الرضاع فرع على هذا التحريم بكلا
فرديه، بمعنى أنه إذا أرضعت امرأة بلبن أخرى الرضاع المحرم كانت ابنة لها
والفحل أبا وأولادهما إخوة، وإخوة الفحل وأخواته أعماما وعمات، وإخوة المرضعة
411

وأخواتها أخوالا وخالات وهكذا، فالتحريم هنا في الرضاع فرع النسب بخصوصه،
ثم إذا تزوجت تلك المرأة المرتضعة لحق هؤلاء أحكام المصاهرة من تحريم تلك
الرضاعية على الزوج عينا وبنتها الرضاعية مع الدخول كذلك، وأختها الرضاعية
جمعا وهكذا.
وهذا مما كان التحريم فيه فرعا على النسب والمصاهرة معا فتحرم أم
الزوجة الرضاعية لوقوعها موقع الأم النسبية، وبنت الزوجة الرضاعية مع
الدخول بأمها بوقوعها موقع البنت النسبية المدخول بأمها وهكذا.
وهذا بخلاف ما أسلفناه من القسم الأول من المصاهرة، وهي المصاهرة المترتبة
على الرضاع، فإن مبناها إنما هو على تنزيل المرضعة بالنسبة إلى الأب النسبي
لكونها أما رضاعية بمنزلة الأم النسبية، فتحرم بناتها على الأب النسبي لكونهن
بمنزلة بناته، وأمها لكونها بمنزلة أم الزوجة، وهكذا.
كما عرفت في المسائل الأربع المتقدمة في سابق هذا المقام، فإن مبنى
التحريم فيها على هذه المصاهرة، ويأتي على هذه المصاهرة أيضا تنزيل الفحل
لكونه أبا رضاعيا بمنزلة الأب النسبي، فيحرم عليه النكاح في بنات المرتضع وفي
أم المرضعة وأم الفحل، والقائلون بالتنزيل يحكمون بالتحريم بهذه المصاهرة
كما تقدمت الإشارة عليه، وقد أوضحنا بطلان هذا القول بما لم يسبق إليه سابق
في رسالتنا المتقدم ذكرها، والله العالم.
المورد الرابع: قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الرضاع المحرم
كما يمنع من النكاح لو كان سابقا عليه كذا يبطله لو كان لاحقا له، فكما أن
أمه لو أرضعت بنتا بالشروط المتقدمة صارت أخته وحرمت عليه، فكذا لو تزوج
رضيعة ثم إن أمه أرضعتها الرضاع المحرم فإنها تصير أخته، وينفسخ نكاحها.
وتحرم عليه مؤبدا.
وكذا لو أرضعت جدته من أبيه صبية، فإنها تكون عمته، ولو أرضعتها
412

جدته من أمه صارت خالته، فلا يجوز له نكاحها في الحالين، كذلك لو تزوج صبية
ثم حصل الرضاع الموجب لذلك بعد ذلك، فإنه ينفسخ النكاح الأول ويبطل
لكونها عمته أو خالته فتحرم عليه مؤبدا، وهكذا لو أرضعت زوجة أخيه بلبنه
صبية فإنها تكون بنت أخيه، ويصير هو عمها، فلا يجوز له نكاحها، فكذا لو
تزوجها أولا ثم حصل الرضاع الموجب لذلك بعده فإنه ينفسخ النكاح للعلة المذكورة.
ونحو ذلك لو أرضعتها زوجة أبيه بلبن الأب فإنها تصير أخته فلا يجوز له
نكاحها،، فكذا لو تزوجها أولا ثم حصل الرضاع ثانيا، فإنه ينفسخ النكاح الأول،
ويبطل للعلة المذكورة، وقيد اللبن في زوجة الأخ بكونه لبن الأخ وكذا في
زوجة الأب بكونه بلبن الأب احترازا عما لو كان بلبن الزوج السابق فإنه يمكن
فرضه كما تقدم، وغاية ما يلزم على هذا التقدير أن تكون الصغيرة ربيبة للأخ أو
الأب، والربيبة غير محرمة عليه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه إذا ارتضعت الصغيرة في هذه الفروض بعد العقد
عليها على وجه انفسخ نكاحها فلا يخلو إما أن يكون بسبب مختص بها بأن سعت
إلى الكبيرة وارتضعت الرضاع المحرم والكبيرة نائمة مثلا لا شعور لها بذلك، أو
يكون السبب من الكبيرة بأن تولت إرضاعها، أو يكون السبب مشتركا بينهما
بأن تكون الصغيرة سعت وارتضعت ولم تمنعها الكبيرة من ذلك، وعلى تقدير تولي
الكبيرة لذلك إما أن تكون مختارة أو مكرهة، فهنا صور خمس:
الأولى: أن يكون الرضاع بسبب مختص بالصغيرة، قالوا: لا شئ هنا لها
على الزوج ولا على المرضعة، لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول، فكان
كالردة من قبلها كذلك، ولا فرق بين كونها مفوضة أو ممهورة، وبه جزم المحقق
في الشرايع، وجعله في التذكرة أقوى.
وفيه إيذان باحتمال عدم السقوط ولا يخلو من قوة، لأن المهر قد وحب
بالعقد، والأصل يقتضي بقاءه يقوم الدليل على سقوطه، ولا نص هنا يدل
413

على ذلك.
قولهم، إن الفسخ جاء من قبلها، فيه أن الصغيرة لا قصد لها، فلا يعتبر
بفعلها، بل وجوده كعدمه.
قال في المسالك بعد ذكر نحو ذلك: فيحتمل حينئذ أن يثبت لها نصف
المهر، لأنها فرقة قبل الدخول كالطلاق، وهو أحد وجهي الشافعية، ويضعف بأنه
قياس لا نقول به، فإما أن يثبت الجميع لما ذكر، أو يسقط الجميع من حيث استناده
إليها، وكيف كان فالمذهب السقوط لما عرفت. إنتهى.
أقول: والمسألة لعدم النص محل توقف وإشكال، إلا أن الأنسب بالقواعد
الشرعية والضوابط المرعية هو عدم السقوط لما عرفت، فإنه بعد ثبوته بالعقد
يحتاج سقوطه إلى دليل واضح، وفعل الصغيرة - لتجرده عن القصد وأنه في حكم
العدم - لا يصلح دليلا للسقوط.
الثانية: أن يكون الرضاع بمباشرة الكبيرة وفعلها بأن تولت الارضاع
بنفسها من غير ضرورة تدعو إلى ذلك، وقد اختلف الأصحاب هنا في حكم المهر،
فقيل: إنه يجب للصغيرة على الزوج نصف المهر، لأنه فسخ قبل الدخول من غير
جهة الزوجة، فجرى مجرى الطلاق، وهو مذهب الشيخ في المبسوط وتبعه
عليه جماعة.
وقيل: يجب عليه جميع المهر، لأن المهر يجب جميعه بالعقد كما سيأتي، ولا
ينتصف إلا بالطلاق وهذا ليس بطلاق والحاقه به قياس، فيستصحب وجوبه
إلى أن يثبت المزيل، واختاره في المسالك، ثم إنه متى غرم الزوج المهر أو نصفه
بناء علي القولين المذكورين فهل له الرجوع به على المرضعة أم لا؟ قولان مبنيان
على أن البضع هل يضمن بالتفويت أم لا؟
والقول بالرجوع للشيخ في المبسوط وتبعه عليه جماعة، لأن البضع مضمون
414

كالأموال (1)، هذا إذا قصدت المرضعة بالارضاع إفساد النكاح كما قيده به الشيخ
في المبسوط، والمحقق في الشرايع وغيرهم، فلو لم تقصده فإنه لا شئ عليها،
لأنها على تقدير عدم القصد غير متعدية، كما لو حفر في ملكه بئرا فتردى فيه
أحد، ولأنها محسنة وما على المحسنين من سبيل.
والقول بعد الرجوع علي المرضعة للشيخ أيضا في الخلاف، سواء قصدت
الفسخ أم لم تقصد، لأن منفعة البضع لا تضمن بالتفويت، بدليل ما لو قتلت الزوجة
نفسها أو قتلها قاتل أو ارتدت أو أرضعت من ينفسخ نكاحها بإرضاعه، فإنها لا تغرم
للزوج شيئا.
وبالجملة فالبضع ليس كالمال مطلقا، وإلحاقه به في بعض المواضع لا يوجب
إلحاقه مطلقا، ومما يخرجه عن الالحاق بالمال جواز تفويض البضع وعدم لزوم
شئ على تقدير عدم الطلاق، والمال ليس كذلك.
هذا كله إذا سمي له مهرا في العقد، فلو كانت مفوضة البضع فهل يجب
للصغيرة شئ على الزوج بإرضاع الكبيرة لها؟
قيل: وجبت لها المتعة إلحاقا لهذا الفسخ بالطلاق، ورد ببطلان القياس
مع وجود الفارق، فإن الفسخ بالطلاق جاء من قبل الزوج، وهنا ليس من قبله،
ومن ثم احتمل في المسالك السقوط أصلا، فلا يجب لها شئ بالكلية، قال: كما
لو مات أحدهما لأن عقد النكاح بالتفويض لا يوجب مهرا، لأنه لم يذكر، وإنما
أوجبه الطلاق بالآية، فلا يتعدى مورده، قال: وليس هذا بقياس على الموت كما
قاسه الأول على الطلاق، بل مستند إلى أصل البراءة، ثم احتمل أيضا وجوب
مهر المثل أو نصفه على ما تقدم من الوجهين، لأنه عوض البضع حيث لا يكون هناك

(1) والوجه في ذلك أنه يقابل بمال في النكاح والخلع، ولا يحتسب على المريض
لو نكح بمهر المثل فما دون، وكذا المرتضعة بمهر المثل ويضمن للمسلمة المهاجرة مع كفر
زوجها وبالشهادة بالطلاق ثم الرجوع عنها، كذا ذكره في المسالك (منه - قدس سره -).
415

مسمى لامتناع أن يخلو البضع من عوض. إنتهى.
ثم إنه يأتي هنا ما تقدم أيضا من رجوع الزوج بما يغرمه على المرضعة
وعدمه حسبما تقدم من الخلاف والتفصيل.
الثالثة: أن يكون الرضاع بفعل الصغيرة والكبيرة عالم، لكن لم تعنها
عليه، كما لو سعت الصغيرة إليها وشربت من الثدي، وهي مستيقظة ولم تمنعها ولم
تعنها، وفي إلحاقها بالسابقة في الضمان أو عدم الضمان وجهان: من أنها لم تباشر
الاتلاف، ومجرد قدرتها على منعها لا يوجب الضمان كما لو لم تمنعها من اتلاف
مال الغير مع قدرتها على المنع.
قال في المسالك: ويظهر من المصنف وأكثر الجماعة أن تمكينها بمنزلة
المباشرة، وبه صرح في التذكرة لأن تمكينها من الرضاع بمنزلة الفعل حيث إن
المرتضعة ليست مميزة، ولا يخلو من نظر، ولو قيل هنا باشتراك الصغيرة والكبيرة
في الفعل فيكون السبب منهما ولا يرجع الزوج على المرضعة إلا بنصف ما يغرمه
لكان أوجه من ضمانها مطلقا، وظاهر الأصحاب القطع بإلحاق التمكين بالمباشرة.
إنتهى.
الرابعة: أن تتولى الكبيرة الارضاع، ولكن في موضع الحاجة، بأن لا تجد
مرضعة غيرها مع اضطرار الصغيرة إلى الارتضاع ووجب على الكبيرة الفعل، قالوا:
وفي ضمانها حينئذ و جهان: من كونها مأمورة بالفعل شرعا فكان كالإذن في الاتلاف
فلا يتعقبه الضمان و أنها محسنة، وما علي المحسنين من سبيل، وهو اختيار
الشيخ في المبسوط، ومن تحقق المباشرة للاتلاف قالوا: لأن غرامته لا يختلف
بهذه الأسباب.
قال في المسالك: وظاهر المصنف وصريح بعضهم عدم الفرق، واقتصر في
التذكرة على نقل القولين عن الشافعية، والأول لا يخلو من قرب. إنتهى، وأراد
بالأول ما قلناه أولا من القول بعدم الضمان.
416

الخامسة: أن الكبيرة مكرهة على الارضاع، بأن حملها عليه القادر على فعل
ما توعدها به مع ظنها فعله واستلزامه ضررا لا يتحمل مثله عدة وإن لم يبلغ
حد الالجاء، قال في المسالك: ولا ضمان هنا على المرضعة لأن الاكراه يسقط ضمان
المال المحض، وغاية البضع إلحاقه بالمال، وأما ضمان الزوج للصغيرة فثابت على
كل حال، وحكى في التذكرة فيه عن الشافعية وجهان في أنه على المكرهة أو
المخلوف ولم يرجح شيئا، والمصنف تردد في ضمان المرضعة في جميع الأقسام نظرا
إلى تردده في أن البضع هل يضمن بالتفويت أم لا؟ وقد ظهر مما قررناه وجه
تردده. إنتهى.
أقول: لا يخفى أن هذه التفريعات في هذا المقام كغيرة مما قدمناه في كثير
من الكتب المتقدمة إنما جرى فيه أصحابنا على ما ذكره العامة سيما الشافعية
فإنهم هم الذين يكثر النقل عنهم في التذكرة، وقبله الشيخ في كتبه فيختارون
من ذلك ما رجحوه بهذه التعليلات التي قد عرفت أنها لا يمكن الاعتماد عليها
في تأسيس الأحكام الشرعية، ونصوصنا خالية من ذلك بالكلية، والعمل على
الاحتياط في مثل هذا المقام فإنه هو المأمور به عنهم عليهم السلام، والله العالم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن هنا فروعا قد ذكرها الأصحاب مما يتفرع على
القاعدة المذكورة في أول المقام، ونحن نذكر جملة منها في مسائل.
الأولى: لو أرضعت الجدة من الأم ابن بنتها بلبن جده حرمت البنت على
زوجها، بناء على ما تقدم في المسألة الأولى من المسائل الأربع المذكورة في سابق
هذا المقام، وهي أنه لا يجوز لأب المرتضع أن ينكح في أولاد صاحب اللبن، وأنه
كما كان مانعا من النكاح كذلك يكون مبطلا له بعد وقوعه، فإن هذا الصبي لما
ارتضع بلبن جده وجدته. وكذا لو ارتضع بلبن بعض أزواج جده، فإنه يصير
ولدا للجد والجدة، ويصيران أصحاب اللبن، فلو نكح أبو المرتضع زوجته بعد
هذا الرضاع لصدق أنه قد نكح في أولاد صاحب اللبن، وقد عرفت أنه حرام
417

مانع من النكاح فيكون مبطلا له هنا وموجبا لفسخ النكاح.
وكذا لو كانت البنت التي هي أم المرتضع بنتا للجدة خاصة، وربيبة
لصاحب اللبن فإنه يصدق ذلك أيضا بالنسبة إلى الجدة التي هي صاحبة اللبن،
وأنه لا يجوز له النكاح في بنتها بعد صيرورتها صاحبة اللبن، كما أنه إذا ارتضع
طفل بلبن امرأة وفحلها حرم على أبيه التزويج في أولادهما وأولاد الفحل وأولاد
المرضعة وإن لم يكن من ذلك الفحل، وكذلك يكون ذلك مبطلا للنكاح بعد وقوعه
كما عرفت، أما لو كانت الجدة للأب فإنه لا مانع من ارضاعها ابن ابنها
وهو ظاهر.
الثانية: أنه لو تزوج رضيعة فأرضعتها امرأته الكبيرة حرمتا عليه إن كان
قد دخل بالمرضعة، وإلا حرمت المرضعة خاصة.
وتوضيح ذلك أنه لما امتنع الجمع في النكاح بين الأم والبنت نسبية كانت
البنت أو رضاعية، فلو أرضعت امرأة صبية وتزوج أحد المرضعة فإنه يحرم عليه
تزويج الصبية لكونها ابنة لها، فكذلك لو تزوج رضعية وكبيرة ثم أرضعت الكبيرة
الصغيرة الرضاع المحرم، فإن كان الرضاع بلبن الزوج فإنهما تحرمان معا،
أما الصغيرة فلصيرورتها بالرضاع بنتا له، وأما الكبيرة فلكونها أما للزوجة وهي
تحرم بالعقد على البنت على الأشهر، وسيجئ الكلام فيه في محله إن شاء الله تعالى.
وإن كان الرضاع بلبن غيره، فإن كان قد دخل بالكبيرة حرمتا معا أيضا
لأن الكبيرة أم الزوجة، وأم الزوجة حرام من الرضاع، كما في أم الزوجة من
النسب، وأما الصغيرة فلأنها بنت المدخول بها وإن لم يكن دخل بالكبيرة لم
تحرم الصغيرة مؤبدا وإن انفسخ نكاحها لأنها ربيبة لم يدخل بأمها، وله تجديد
النكاح عليها إن شاء، أما الكبيرة فتحرم عليه بناء على تحريم أم الزوجة مطلقا،
دخل بالبنت أم لم يدخل كما هو الأشهر الأظهر.
ونحو ذلك أيضا لو كان تحته كبيرة فطلقها فنكحت صغيرا وأرضعته بلبن
418

المطلق، فإنها تحرم عليهما معا، أما على المطلق فلأن الصغير صار ابنا له، فهي
زوجة ابنه، وزوجة الابن حرام على أبيه، وأما على الصغير فلأنها أمه من
الرضاع، وزوجة أبيه أيضا.
ثم إنه لا يخفى أن التحريم في الرضاع هنا فرع على النسب والمصاهرة
حسبما قدمنا تحقيقه، وهذا أحد قسمي المصاهرة التي يتفرع عليه الرضاع، وقد
تقدم بيان القسم الذي لا يجوز أن يتفرع عليه الرضاع.
والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح
عن الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لو أن رجلا تزوج جارية رضيعا فأرضعتها
امرأته فسد نكاحه ".
وعن الحلبي وعبد الله بن سنان (2) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام
" في رجل تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أم ولده، قال: تحرم عليه ".
وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن سنان (3) " قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو أن رجلا تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته فسد
نكاحه ".
وما رواه في الفقيه بإسناده عن العلا عن محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر عليه السلام
" قال: لو أن رجلا تزوج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح ".
وأنت خبير بما في هذه الأخبار على تعددها من الاجمال، فإنه يحتمل أن
يراد بالنكاح الفاسد هو نكاح الصغيرة كما هو الأنسب بالسياق، ويحتمل أن يراد
نكاحهما معا كما صرح به الأصحاب من التفصيل في هذا الباب، فإنه الموافق

(1) الكافي ج 5 ص 444 ح 4 و ص 445 ح 6، الوسائل ج 14 ص 302 ب 10 ح 1 و ص 303 ح 2.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 293 ح 67، الوسائل ج 14 ص 302 ب 10 ح 1.
(4) الفقيه ج 3 ص 306 ح 10، الوسائل ج 14 ص 302 ب 10 ح 1.
419

لمقتضى القواعد الشرعية والقوانين المرعية، وكيف كان فهي دالة في الجملة.
بقي الكلام بالنسبة إلى مهر كل منهما بعد حصول التحريم، وقد صرحوا
بالنسبة إلى الكبيرة أنه إن كان قد دخل بها استقر مهرها بالدخول فلا يسقط بالسبب
الطارئ وإن كان من جهتها كما لو ارتدت بعده، وإن لم يدخل بها سقط مهرها،
لأن الفسخ حصل من قبلها كالردة قبله، وفيه إشكال.
وأما الصغيرة فإنه صرح بعضهم بأنها تستحق جميع المهر على الزوج لوجوبه
بالعقد وعدم ثبوت مسقط، وقيل: ترجع عليه بالنصف خاصة كالطلاق، وقوى
في المسالك الأول، والله العالم.
الثالثة: ما لو كان له زوجتان كبيرتان وزوجة رضيعة فأرضعت إحدى
الزوجتين تلك الرضيعة الرضاع المحرم، ثم أرضعتها الثانية كذلك، ولا خلاف في
تحريم الصغيرة والمرضعة الأولى حسبما تقدم في سابق هذا الموضع، وإنما الخلاف
في تحريم المرضعة الثانية، فقيل: بعدم تحريمها، وهو مذهب الشيخ في النهاية
وابن الجنيد، وإليه يميل كلام المحقق في الشرايع حيث نسب القول بالتحريم
إلى أنه الأولى، واحتجوا على ذلك بخروج الصغيرة عن الزوجية إلى البنتية وقت
رضاع الثانية لها، وأم البنت غير محرمة على أبيها، خصوصا على القول باشتراط
بقاء المعنى المشتق في صدق الاشتقاق كما هو رأي جمع من الأصوليين.
وبما رواه في في الكافي والتهذيب عن علي بن مهزيار (1) رواه عن أبي جعفر
عليه السلام " قال: قيل له: إن رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته، ثم أرضعتها
امرأة له أخرى فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية وامرأتاه، فقال أبو جعفر
عليه السلام ": أخطأ ابن شبرمة، حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا، فأما
الأخيرة فلم تحرم عليه، كأنها أرضعت ابنتها ".
وفي التهذيب " لأنها أرضعت ابنته " وهو الصحيح، قال في التهذيب: وفقه

(1) الكافي ج 5 ص 446 ح 13، التهذيب ج 7 ص 293 ح 68، الوسائل
ج 14 ص 305 ب 14 ج 1.
420

هذا الحديث أن المرأة الأولى إذا أرضعت الجارية حرمت الجارية عليه لأنها
صارت بنته، وحرمت عليه المرأة الأخرى لأنها أم امرأته، فإذا أرضعتها المرأة
الأخيرة أرضعتها وهي بنت الرجل لا زوجته، فلم تحرم عليه لأجل ذلك.
وإلى هذا القول مال السيد السند في شرح النافع، وشيخنا المجلسي في
حواشيه على الكافي وهو الأظهر، ويعضده أصالة الإباحة، قال في شرح النافع - بعد
ذكر الرواية -: فهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند لكنها مطابقة لمقتضى
الأصل السالم عن المعارض صريحا فيترجح العمل بمضمونها. إنتهى.
وقيل يتعدى التحريم إلى الثانية أيضا، وهو مذهب ابن إدريس، ونقل
عن الشيخ في المبسوط، وبه صرح المحقق في النافع، والعلامة في المختلف
وأكثر المتأخرين، ومنهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قالوا: لأن هذه
يصدق عليها أنها أم زوجته وإن كان قد انفسخ عقدها، لأن الأصح أنه لا يشترط
في صدق المشتق بقاء المعنى فتدخل تحت قوله " وأمهات نسائكم " ولمساواة الرضاع
للنسب، وهو محرم سابقا ولاحقا فكذا مساويه، كذا ذكره في المسالك ثم قال:
وهو الأقوى.
أقول: مرجع الدليل الأول إلى ثبوت هذه القاعدة الأصولية، وهو أنه
لا يشترط في صدق المشتق بقاء مأخذ الاشتقاق، وقد حققنا في مقدمات الكتاب
من المجلد الأول (1) في كتاب الطهارة ما في ذلك من الاشكال واختلاف الأقوال
وعدم الصلاحية للبناء عليها في الأحكام الشرعية والاستدلال، وأما الثاني فيخص
عموم القاعدة المذكورة بالرواية.
بقي الكلام فيما طعن به في المسالك على الرواية المشار إليها من أنها
ضعيفة السند، قال: لأن في طريقها صالح بن حماد وهو ضعيف، ومع ذلك فهي
مرسلة لأن المراد بأبي جعفر عليه السلام حيث يطلق الباقر عليه السلام، وبقرينة قول ابن
شبرمة في مقابله، لأنه كان في زمنه وابن مهزيار لم يدرك الباقر عليه السلام.

(1) ج 1 ص 121.
421

ولو أريد بأبي جعفر الثاني وهو الجواد عليه السلام بقرينة أنه أدركه وأخذ عنه
فليس فيه أنه سمع منه ذلك، بل قال: قيل له، وجاز أن يكون سمع ذلك
بواسطة، فالارسال متحقق على التقديرين مع أن هذا الثاني بعيد لأن إطلاق
أبي جعفر لا يحمل على الجواد عليه السلام. إنتهى.
أقول: فيه (أولا) أن ما طعن به من ضعف السند فهو عندنا غير مسموع ولا
معتمد كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع مما تقدم مع أن ذلك لا يقوم حجة
على الشيخ وأمثاله من المتقدمين الذين لا وجود لهذا الاصطلاح المحدث عندهم
على أنك قد عرفت أن سبطه الذي هو من المتصلبين في هذا الاصطلاح قد عمل بالخبر
المذكور وخرج عن قاعدة اصطلاحه في الأخبار، لاعتضاد الخبر بأصالة الإباحة.
و (ثانيا) أن دعوى الارسال بعدم صحة اطلاق أبي جعفر عليه السلام على الجواد
عليه السلام ممنوعة كما لا يخفى على من تتبع الأخبار، فإنه في الأخبار غير عزيز، ومنه
خبر الكتاب الذي كتبه إلى شيعته في أمر الخمس، وصورة السند هكذا على ما في
التهذيب (1): محمد بن الحسن الصفار عن أحمد وعبد الله بن محمد عن علي بن مهزيار
" قال: كتب إليه أبو جعفر عليه السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة قال: الذي
أوجبت في سنتي هذه " الخبر، وضمير " قال " يرجع إلى أحمد أو عبد الله " كتب إليه "
يعني إلى علي بن مهزيار.
و (ثالثا) أنه مع تسليم الارسال وأن المروي عنه هو الباقر عليه السلام فمن الظاهر
الذي لا يعتريه الريب أن جلالة الرجل المذكور وعلو منزلته في هذه الفرقة
الناجية يمنع من نقله الخبر مع عدم صحته عنده وثبوته لديه كما في مراسيل
ابن أبي عمير وغيره.
و (رابعا) أن ما جعله قرينة على كون المراد الباقر عليه السلام من قول ابن شبرمة
في مقابلته، فإن ذلك متجه لو خلي المقام مما يدافعه ويضاده، فإنه متى كان

(1) التهذيب ج 4 ص 141 ح 20، الوسائل ج 6 ص 349 ح 5.
422

الظاهر كون المراد بأبي جعفر هو الجواد عليه السلام لرواية علي بن مهزيار عنه،
والأصل عدم الارسال فإن من الجائز الخالي من الاستبعاد أن يكون ذلك السائل
الذي قال له نقل له قول ابن شبرمة في المسألة، وإن كان الرجل المنقول عنه
قد مات منذ سنين عديده وهو عليه السلام خطأ ابن شبرمة في هذه الفتوى، ولا ريب أن هذا
الاحتمال أقرب من تكلفه الارسال في الرواية بالحمل على الباقر عليه السلام.
و (خامسا) أن ما ذكره من أن قول ابن مهزيار " قيل له " لا يستلزم أنه
سمع ذلك مشافهة، بل يجوز أن يكون سمع ذلك بواسطة.
فقيه: أنه مع تسليمه وإن بعد فإن حكايته ذلك عنه عليه السلام ولو بواسطة لو لم
يكن ثابتا محققا عنده لما استجاز أن ينقله لعلمه بما يترتب عليه من العمل به،
وهو لا يقصر عن المشافهة، وبالجملة فإن جميع ما تكلفه لرد الرواية ليس في محله،
ولذا لم يلتفت إليه سبطه في المقام بل عمل بالرواية من غير توقف، والله العالم.
الرابعة: لو تزوج رضيعتين فأرضعتهما امرأته حرمن كلهن إن كان قد
أرضعتهما بلبنه، سواء أرضعتهما على الاجتماع أم على التعاقب. أما تحريم
الصغيرتين فلأنهما صارتا ابنتيه، وأما الكبيرة فلأنها أم زوجتيه وأم الزوجة تحرم
وإن لم تدخل بالزوجة، والأم من الرضاع كالأم من النسب كما تقرر،
وإن أرضعتهما بلبن غيره، فإن كان دخل بالكبيرة حرمن أيضا جميعا مؤبدا، لأن
الرضيعتين وإن لم يكونا بالرضاع ابنتيه لكنهما ابنتا زوجته المدخول بها وهي
أم زوجتيه فيحرمن كلهن.
قالوا: ولا فرق بين كون إرضاعهما دفعة أو علي التعاقب، لأن الكبيرة وإن
خرجت عن الزوجية بإرضاع الأولى إلا أن الرضيعة الثانية قد صارت بنت من
كانت زوجته.
أقول: وهو يرجع إلى ما تقدم من البناء على قاعدة أنه لا يشترط في صدق
المشتق بقاء مأخذ الاشتقاق، وقد تقدم ما فيه، وإن لم يكن دخل بالكبيرة فلا يخلو
423

إما أن تكونا ارتضعتا منها دفعة أو على التعاقب، فإن كان الأول بأن أعطتهما في
الرضعة الأخيرة كل واحدة ثديا وارتويا دفعة واحدة انفسخ عقد الجميع لتحقق
الجمع بين الأم وبنتيها بالعقد، واختص التحريم المؤبد بالكبيرة لأنها أم زوجتيه،
وله تجديد العقد على من شاء من الأختين.
وإن أرضعتهما على التعاقب انفسخ نكاح الكبيرة والأولى خاصة لتحقق
الجمع المحرم فيهما وبقي نكاح الثانية لأن الكبيرة لم تصر لها أما حتى انفسخ
عقدها فلم يتحقق الجمع المحرم، ويبقى حل الصغيرة الأولى موقوفا على مفارقة
الثانية كما في كل أخت الزوجة غير معقود عليها، وقس على هذا ما لو أرضعت له
زوجة ثالثة ورابعة دفعة أو على التعاقب (1).
الخامسة: لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثم أرضعت جدتهما أحدهما
انفسخ نكاحهما، لأن الجدة إن كانت للأب وكان المرتضع الذكر، فإنه يصير عما
لزوجته، لأنه صار أخا أبيها لأمه من الرضاع بعد أن كان ابن عمها فتحرم عليه،
وإن كان المرتضع الأنثى فإنها تصير عمة لزوجها لأنها أخت أبيه لأمه فتحرم
عليه أيضا.
وإن كانت الجدة المرضعة جدة للأم بأن كانا ولدي خالة كما كانا ولدي عم،
فإن كان المرتضع الذكر فإنه يصير خالا لزوجته لأنه صار أخا أمها من الرضاع،
وإن كان المرتضع الأنثى فإنها تصير خالة لزوجها لأنها أخت أمه الرضاع.
والكل مما يحرم نكاحه في النسب فيحرم في الرضاع أيضا، عملا بالخبر المتفق عليه.
السادسة: لو تزوجت المرأة الكبيرة بصغير بأن عقد له عليها وليه الاجباري،

(1) يعني أرضعت الكبيرة زوجة له ثالثة رضيعة، فإنه إن كان قد دخل بالكبيرة حرمت
عليه الصغيرة وهي الثالثة أيضا مؤبدا كما ذكر في الأصل وإلا بقيت الصغيرة زوجة من
غير فسخ وذلك لأن الكبيرة قد بانت منه سابقا، فلا يتحقق الجمع بينها وبين بنتها، وهكذا
لو أرضعت رابعة. (منه - قدس سره -).
424

ثم فسخت منه بعيب أو غيره من الأمور الموجبة للفسخ ثم إنها تزوجت بكبير
وأرضعت ذلك الصغير بلبن زوجها الكبير فإنها تحرم على الزوجين معا، أما على
الصغير فلصيرورته ابنا لها وهي أم له، ولأنها منكوحة أبيه. وأما الكبير فلأنها
كانت زوجة لابنه الرضاعي وحليلة الابن محرمة، وكذا الحكم لو تزوجت بالكبير
أولا، ثم طلقها، ثم تزوجت بالصغير، ثم أرضعته بلبنه، والكلام في المهر هنا
كما سبق.
السابعة: لو طلق زوجته الكبيرة فأرضعت زوجته الصغيرة حرمتا عليه إن
كان دخل بالكبيرة لصيرورتها أم زوجته، وصيرورة الصغيرة بنتا له إن كان الرضاع
بلبنه، وإن لم يكن الرضاع بلبنه تصير بنتا لزوجة المدخول بها.
وإن لم يدخل بالكبيرة حرمت الكبيرة خاصة لما عرفت دون الصغيرة، لأن
البنت لا تحرم على الزوج بمجرد العقد على أمها بل مع الدخول بالأم نعم ينفسخ
النكاح فله تجديده إن شاء.
ولا يخفى عليك أن الحكم بالتحريم هنا مبني على الاكتفاء بمن كانت
زوجته، وقد تقدم ذكر الخلاف في مثل ذلك في المسألة الثالثة، لكنه هنا
منتف حيث لا قائل بخلاف ما ذكرناه، وهو يرجع إلى العمل بالقاعدة الأصولية
المتقدمة على بعض الأقوال، وهو أنه لا يشترط في صدق المشتق بقاء مأخذ
الاشتقاق، إلا أن ثمة نصا على خلاف القاعدة المذكورة، وقائلا بذلك وهنا
لا نص ولا مخالف على الظاهر.
الثامنة: لو كان له زوجتان كبيرة وصغيرة فأرضعت أم الزوجة الكبيرة زوجته
الصغيرة انفسخ نكاحهما معا لصيرورة الصغيرة حينئذ أختا لزوجته الكبيرة والجمع
بين الأختين في النكاح محرم، ولو أرضعت الصغيرة جدة الزوجة الكبيرة أو أختها.
قال في القواعد: إشكال.
ووجه الاشكال على ما ذكره شراح الكتاب أنه على تقدير كون مرضعة
425

الزوجة الصغيرة جدة الكبيرة، فإن كانت جدة لأبيها تصير الصغيرة عمة الزوجة الكبيرة،
وإن كانت جدتها لأمها تكون خالة لها، وعلى تقدير كون المرضعة أخت الزوجة
الكبيرة تكون الكبيرة خالة الصغيرة، فيكون جامعا بين العمة وبنت الأخ، وبين
الخالة وبنت الأخت في الصور الثلاث وكل ذلك منهي عنه، لقوله عليه السلام (1) " لا تنكح
المرأة على عمتها ولا على خالتها ".
ومن أن هذه النسبة بمجردها غير مانعة من النكاح، فإنه لو أذنت العمة
أو الخالة، أو تقدم عقد بنت الأخ أو الأخت ورضيت العمة والخالة جاز الجمع،
ولم يقم دليل على عدم جواز الجمع هنا فيستصحب الحكم السابق.
قال المحقق الثاني في الشرح: والتحقيق أن يقال إن الجمع بين العمة
وبنت أخيها والخالة وبنت أختها في النكاح بغير رضا العمة والخالة ممنوع منه
ولهذا لو عقد أحد الوكيلين علي بنت الأخ والوكيل الآخر على عمتها في زمان
واحد لم يقع كل من النكاحين صحيحا ماضيا ولا واحد منهما بدون رضاهما،
لانتفاع المرجح بل يقعان موقوفين، وكذا لو تزوجهما في ساعة واحدة، وعلي
هذا فيكون الرضاع المحدث بهذه النسبة لاجتماعهما في النكاح، وهو منهي عنه
بدون الإذن والفرض انتفاعه. إنتهى وهو جيد.
وعلى هذا ففي صورة ما إذا أرضعت الصغيرة جدة الكبيرة لأبيها تصير الصغيرة
عمة الزوجة الكبيرة، وينفسخ النكاح هنا لعدم جواز الجمع إلا مع رضا العمة،
والعمة هنا صغيرة لا يمكن اعتبار رضاها في الصورتين.
وفي صورة ما لو أرضعت الصغيرة جدة الكبيرة للأم، تصير الصغيرة خالة الزوجة
الكبيرة فينفسخ النكاح أيضا لعين ما ذكرنا في العمة.
وفي صورة ما لو أرضعت الصغيرة أخت الكبيرة تكون الكبيرة خالة الصغيرة،
فإن رضيت صح النكاح ولا فسخ. لأنه يجوز الجمع بين الخالة وبنت أختها مع

(1) الكافي ج 5 ص 424 ح 2، الوسائل ج 14 ص 375 ح 2.
426

رضا الخالة، ولو أرضعت امرأة أخي الكبيرة تلك الصغيرة صارت الكبيرة عمة
الصغيرة، فإن رضيت لم ينفسخ النكاح أيضا.
وبالجملة فإن الرضاع هنا يجري مجرى النسب في صحة النكاح مع الرضا،
وعدمه مع عدم الرضاء لصدق هذه العنوانات، أعني كونها عمة وخالة وبنت أخ
وبنت أخت على من كانت كذلك نسبا أو رضاعا كما تقدم في الأم والبنت والأخت،
وبذلك يظهر لك ضعف الوجه الثاني من وجهي الاشكال المذكور.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن غاية ما يلزم هنا هو انفساخ العقد لعدم جواز
الجمع لا التحريم المؤبد، والله العالم.
التاسعة: لو كانت له أمة قد وطأها فأرضعت زوجته الصغيرة حرمتا معا،
سواء كان الرضاع بلبنه أو لبن غيره، أما على الأول فلصيرورة الأمة أما لزوجته،
وصيرورة الزوجة بنتا له وأما على الثاني فلكون الأمة أما لزوجته، والزوجة
بنت المدخول بها. أما لو لم يكن الأمة موطوءة، فإنها تختص بالتحريم دون
الزوجة، لأنها أم زوجته، وأما الزوجة فلا موجب لتحريمها.
قال المحقق الثاني في شرح القواعد: والظاهر أنه إذا لم يكن قد وطأ الأمة
لا تحرم الزوجة بإرضاع الأمة إياها إذا لا يحرم على الشخص بنت مملوكته التي
لم يطأها لا عينا ولا جمعا، فلا تحريم حينئذ ولا فسخ. إنتهى.
ويغرم الزوج للصغيرة على تقدير تحريمها عليه المهر جميعا أو نصفه على
ما سبق، وأما رجوع الزوج على الأمة المرضعة، فإن كانت أمته وهي مملوكة
له، لم يرجع عليها بشئ، لأنه لا يثبت له على ماله مال.
نعم لو كانت مكاتبة مطلقة أو مشروطة رجع عليها لانقطاع سلطنته عنها،
وكونها بحيث يثبت عليها مال، وكذا لو كانت مملوكة لغيره قد نكحها بالعقد
أو التحليل، فإنه يرجع عليها، على إشكال في الجميع، منشأه ما تقدم من أن
البضع هل هو كالأموال يضمن بالتفويت أم لا؟ وقد تقدم الكلام في ذلك في الصورة
427

الثانية من الصور الخمس المذكورة في أول هذا المقام، فإن قلنا بالضمان تبعت
الأمة المرضعة متى أعتقت كما في سائر الاتلافات المالية.
العاشرة: لو كان لاثنين زوجتان صغيرة وكبيرة فطلق كل منهما زوجته،
وتزوج كل منهما بزوجة الآخر، ثم أرضعت الصغيرة منهما الكبيرة، قالوا:
حرمت الكبيرة عليهما معا لكونهما أم زوجة، أما بالنسبة إلى زوج الصغيرة في الحال
فواضح، وأما بالنسبة إلى من كانت زوجته ثم طلقها فهو مبني على ما تقدم من
الاكتفاء في التحريم بمثل ذلك أو عدمه؟ وهو يرجع إلى العمل بتلك القاعدة
الأصولية وعدمه، وأما الصغيرة فإنها تحرم على من دخل بالكبيرة لأنها بنت
زوجته المدخول بها، أو من كانت زوجته، دون من لم يدخل بها لأن البنت
لا تحرم على الزوج بمجرد العقد على أمها بخلاف الأم، ومن المعلوم أن أم
الزوجة حرام لقوله سبحانه " وأمهات نسائكم ".
المورد الخامس: إذا ادعى أحد الزوجين الرضاع المحرم فلا يخلو إما
أن يكون المدعي هو الزوج أو الزوجة فالكلام هنا في الموضعين.
الأول: أن يكون المدعي هو الزوج، بأن يدعي على المرأة أنها أمه من
الرضاع أو بنته أو أخته مثلا، فإما أن لا يمكن قبول دعواه بحيث يكذبه الحس
وينافيه الوجدان، بأن يقتضي - الوجدان بالنظر إلى سن كل واحد منهما - أنه
لا يمكن ارتضاعهما من لبنه في الحولين، أو لا يمكن رضاعه من لبنها كذلك أو
لا يمكن ارتضاعهما من امرأة واحدة أو بلبن رجل واحد فإنه لا يلتفت إلى دعواه
ولا يعمل عليها وجاز له أن يتزوجها، وإن كان قد تزوجها صح تزويجه ولم
تحرم عليه، أو يمكن ذلك، وعلى هذا إن كان قبل العقد عليها يحكم عليه
باعترافه، ولا يجوز له التزويج بها ظاهرا سواء صدقته أو كذبته وإن أكذب
نفسه وادعى تأويلا محتملا لعموم " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (1) "، وهذا

(1) الوسائل ج 16 ص 111 ح 2.
428

هو الظاهر من اطلاق الأصحاب الحكم في المسألة.
وربما احتمل قبول قوله إذا أكذب نفسه وادعى تأويلا محتملا بأن قال:
قد اعتمدت في الاقرار على قول من أخبرني، ثم تبين لي أن مثل ذلك لا يثبت
به الرضاع وأمكن في حقه ذلك، إلا أن ظاهر هم هو الأول.
وإن كانت الدعوى المذكورة بعد العقد عليها وقبل الدخول وصدقته
في تلك الدعوى فالعقد باطل، ولا مهر ولا متعة لها لانتفاء النكاح، وإن كانت
بعد الدخول وكانت عالمة بذلك قبل الدخول فلا شئ لها أيضا لأنها بعلمها سابقا
ثم قبولها الدخول تكون بغيا، ولا مهر لبغي، وإن لم تعلم إلا بعد الدخول فهي
حال الدخول جاهلة بالتحريم، والمنقول عن الشيخ أن لها المسمى معللا ذلك
بأن العقد هو سبب ثبوت المهر لأنه مناط الشبهة، فكان كالصحيح المقتضي لتضمين
البضع بما وقع عليه التراضي في العقد.
واختار في المسالك وقبله المحقق الثاني في شرح القواعد أن الذي لها
في هذه الصورة إنما هو مهر المثل، قال في المسالك - بعد نقل قول الشيخ -:
ويحتمل وجوب مهر المثل لبطلان العقد فيبطل ما تضمنه من المهر الموجب له،
وهو وطئ الشبهة، وعوضه مهر المثل، لأن المعتبر في المتلفات المالية، وما في
حكمها هو قيمة المثل، وقيمة منافع البضع هو مهر المثل، وهذا هو الأقوى (1).
انتهى. وعلى هذا النهج كلامه في شرح القواعد (2).

(1) ثم إنه قال - بعد قوله " وهذا هو الأقوى " - هذا إذا كان مهر المثل أقل من
المسمى أو مساويا له، أما لو كان أزيد منه احتمل أن لا يكون سوى المسمى لقدومها على
الرضا عن البضع بالأقل فلا يلزمه الزائد، وثبوت مهر المثل مطلقا، لأن ذلك هو المعتبر في
قيمته شرعا ورضاها بدون وجه شرعي ولا عبرة به، وهذا هو المعتمد. انتهى.
(منه - قدس سره -).
(2) حيث قال: ويحتمل وجوب مهر المثل مع الجهل، لأن العقد باطل فلا يلزم
من جهته مهر لبطلان ما تضمنه، وقد تقرر في الأصول أن الباطل لا يترتب عليه أثره وإنما
الموجب له وطئ الشبهة ولا تعلق له بالمسمى، ولأن الواجب في الاتلاف إنما هو قيمة
المثل فوجب ضمانه: وهو الأصح. انتهى (منه - قدس سره -).
429

هذا فيما إذا صدقته الزوجة، أما لو كذبته فإن أقام بينة على دعواه
التحريم حكم بها وكان كما لو صدقته، وإن لم يكن ثمة بينة حكم عليه بالحرمة
لاعترافه، عملا بالخبر المتفق عليه، ولا يقبل قوله بالنسبة إلى المرأة فإن ادعى
عليها العلم فله إحلافها، ومتى حلفت أو لم يدع عليها العلم وكان ذلك قبل الدخول
فهل الواجب لها عليه نصف الصداق لأنها فرقة من طرف الزوج قبل الدخول
كالطلاق، أو الجميع لوجوبه بالعقد، وتنصيفه بالطلاق لا يقتضي إلحاق غيره به لأنه
قياس لا يوافق أصول المذهب؟ قولان: المشهور الأول، والثاني مختار جملة من
محققي المتأخرين كالمحقق الثاني والشهيد الثاني في شرحي القواعد والمسالك،
وأما بعد الدخول فالواجب الجميع قولا واحدا وحكم بالفرقة بينهما.
الثاني: أن يكون مدعي الرضاع المحرم هو الزوجة، وحينئذ فإن كان
ذلك قبل التزويج حكم عليها به وحرم عليها نكاحه، وهو واضح، فإن كان
بعد التزويج سمعت أيضا دعواها الحرمة وإن كانت قد رضيت بالعقد لجواز جهلها
بالحرمة حال العقد، وإنما تجدد لها باخبار الثقاة بعد ذلك، فلا يكون فعلها
مكذبا لدعواها، وحينئذ فإن صدقها الزوج على دعواها وكان ذلك قبل الدخول
بها ثبتت الفرقة بينهما ولا شئ لها، وإن كان بعد الدخول فلها مهر المثل أو المسمى
على الخلاف المتقدم مع جهلها حال العقد، وإنما حصل العلم بالتحريم لها بعده.
واختار في التذكرة أن لها أقل الأمرين، لأن المسمى إن كان أقل
فلا تستحق ظاهرا غيره، ولا يقبل قولها في استحقاق الزائد بل القول فيه قوله بيمينه،
وإن كان مهر المثل أقل فلا تستحق بدعواها غيره، لأن الوطئ بدعواها لشبهة
لا لعقد، واختار هذا القول في المسالك. وكذا الشيخ علي في شرح القواعد.
430

وأما مع العلم بالتحريم قبله فهي بغي لا مهر لها، وإن كذبها الزوج وكان
ذلك بعد العقد وقبل الدخول لم تقبل دعواها في حقه، وله المطالبة بحقوق الزوجية
وليس لها الامتناع بحسب الظاهر، ولكن ليس لها ابتداءها بالاستمتاع لأنه محرم
بزعمها، ولا مهر لها لفساده بزعمها، ويجب عليها أن تفتدي منه بما أمكنها،
والتخلص من ذلك بكل وجه ممكن.
وإن كذبها الزوج وكان ذلك بعد الدخول بها فالحكم في المهر كما تقدم
من الأقوال الثلاثة، وأما في بطلان العقد فإنه لا يقبل قولها إلا بالبينة، لكن
لها إحلافه لو ادعت عليه العلم فيحلف على نفي العلم بذلك، (1) فإن حلف اندفعت
دعواها وحكم بصحة النكاح ظاهرا، وعليها فيما بينها وبين الله التخلص من
ذلك بحسب الامكان.
وإن نكل ردت اليمين عليها فتحلف على البت لأنه حلف على إثبات فعل،
فإن حلفت حكم بالفرقة بينهما، ووجب بالدخول ما مر، وإن نكلت أو نكلا
معا بقي النكاح ظاهرا.
وحيث يبقى بحسب الظاهر فليس لها الابتداء بالاستمتاع كما عرفت ولا المطالبة
بحقوق الزوجية من نفقة وكسوة ومبيت عندها ونحو ذلك، لاعترافها بأنها
ليست زوجة. نعم لها قبول ذلك مع دفع الزوج.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن عندي في هذا المقام إشكالا ولعله إنما جاء من
قصور فهمي الفاتر، وذلك بالنسبة إلى القول الذي نقلناه عن التذكرة، وذكرنا
أنه اختاره في المسالك وشرح القواعد من القول بالتفصيل، فإن المفهوم من كلامه
في المسالك الذي قدمناه في الموضع الأول - في اختياره القول بمهر المثل في صورة

(1) لما تقرر في كتاب القضاء من أن الحلف على نفي فعل الغير يحلف على نفسي
العلم، والحالف على اثبات فعل الغير أو اثبات فعل نفسه أو نفي فعله إنما يحلف على
القطع والبت. (منه - قدس سره -).
431

ما إذا لم تعلم المرأة بالتحريم إلا بعد الدخول، فهي حال الدخول جاهلة بالتحريم -
أن الواجب لها مهر المثل دون المسمى لبطلان العقد، فيبطل ما تضمنه من
المهر، والموجب له وطئ الشبهة، وعوضه مهر المثل إلى آخره، وكذا صرح فيما
طويناه من كلامه (1) ولم ننقله في تعليل وجوب مهر المثل لها، وإن كان أزيد من
المسمى، قال: لأن ذلك هو المعتبر في قيمته شرعا.
ولا يخفى أن ما نحن فيه من قبيل ذلك، فإن الدخول هنا وقع قبل العلم
بالتحريم، فيكون ذلك وطئ شبهة، وقد تقرر أن وطئ الشبهة موجب لمهر
المثل كائنا ما كان لعين ما نقلناه عن المسالك في تلك المسألة.
وقوله في التذكرة - إن المسمى إن كان أقل فلا يستحق ظاهرا غيره -
مردود بأن المسمى قد بطل ببطلان العقد لعين ما تقدم في تلك المسألة، والواجب
لها شرعا من حيث إن الوطئ من شبهة إنما هو مهر المثل كما عرفت.
قوله - ولا يقبل قولها في استحقاق الزايد، بل القول قوله بيمينه - لا معنى
له لأنا نتكلم على ما يقتضيه هذا العقد الذي ظهر بطلانه هل الواجب فيه ما سمي
في العقد أو مهر المثل، ولا تعلق للكلام هنا بمدع ولا منكر حتى يقال إنه
تدعي الزيادة وهو ينكرها فالقول قوله بيمينه، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر
لا خفاء عليه، والله العالم.
المورد السادس: لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه لا يحكم
بالرضاع المحرم إلا بعد ثبوته شرعا، فتحقيق الكلام في المقام يقع في مواضع.
الأول: اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه هل يثبت بشهادة
النساء منفردات أو منضمات أم لا، فذهب الشيخ في الخلاف وموضع من المبسوط،
وتبعه ابن إدريس وسبطه نجيب الدين يحيى بن سعيد صاحب الجامع إلى العدم

(1) قوله " فيما طويناه من كلام " إشارة إلى ما نقلناه عنه في الحاشية المتقدمة.
(منه - قدس سره -).
432

وهو اختيار العلامة في التحرير، ونقله في المسالك عن الأكثر، وذهب الشيخ
أبو عبد الله المفيد وسلار والشيخ في كتاب الشهادات من المبسوط إلى قبولها، وهو
المنقول عن ابن حمزة وابن الجنيد وابن أبي عقيل. واختاره العلامة في المختلف
والقواعد وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك وقربه المحقق في الشرايع، وتردد
فيه في النافع.
احتج الأولون بأصالة الإباحة، قال في المسالك: ولا يخفى ضعف أصالة
الإباحة مع معارضة الشهادة.
احتج الآخرون بموثقة عبد الله بن بكير (1) عن بعض أصحابنا عن الصادق
عليه السلام " في امرأة أرضعت غلاما وجارية، قال: يعلم ذلك غيرها؟ قال قلت: لا،
قال: لا تصدق إن لم يكن غيرها ".
قال في المسالك: ومفهوم الشرط أنها تصدق حيث يعلم ذلك غيرها: لأن
عدم الشرط يقتضي عدم المشروط وهو عدم التصديق، فيثبت نقيضه، وهو التصديق.
إنتهى.
أقول: والأظهر الاستدلال على هذا القول الأخير بأنه لا ريب أن الرضاع
مما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا كالولادة والبكارة والثيوبة وعيوب النساء الباطنة
كالرتق والقرن والحيض ونحو ذلك، وقد استفاضت الأخبار بأن ما كان كذلك فإنه
تقبل شهادة النساء فيه.
وممن صرح بأن الرضاع مما يعسر اطلاع الرجال عليه شيخنا الشهيد في
اللمعة، وهو ظاهر الشهيد الثاني في شرحها حيث نسبه إلى الأقوى، وبذلك
صرح المحدث الكاشاني في المفاتيح، والفاضل الخراساني في الكفاية.
وأما الأخبار الدالة على قبول شهادة النساء فيما يعسر اطلاع الرجال عليه

(1) التهذيب ج 7 ص 323 ح 38، الوسائل ج 14 ص 304 ح 3.
433

فمنها قول الرضا عليه السلام في رواية محمد بن الفضيل (1) " تجوز شهادة النساء فيما
لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه، وليس معهن رجل ".
وفي رواية أبي بصير (2) " قال: سألت الصادق عليه السلام عن شهادة النساء، فقال:
تجوز شهادة النساء وحدهن على ما لا يستطيع الرجال ينظرون إليه ".
وفي رواية إبراهيم الخارقي (3) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تجوز
شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه ويشهدوا عليه ".
وفي موثقة ابن بكير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال تجوز شهادة النساء في
العذرة وكل عيب لا يراه الرجال ".
وفي صحيحة عبد الله بن سنان (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال تجوز شهادة النساء
وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه ".
وفي رواية داود بن سرحان (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: أجيز شهادة النساء
في الغلام صالح أو لم يصح وفي كل شئ لا ينظر إليه الرجال تجوز شهادة النساء
فيه " إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع، وبذلك يظهر لك قوة
القول الثاني (7).

(1) الكافي ج 7 ص 391 ح 5 و 4، التهذيب ج 6 ص 264 ح 110 و 109،
الوسائل ج 18 ص 259 ح 7 و ص 258 ح 4.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) التهذيب ج 6 ص 265 ح 112، الوسائل ج 18 ص 259 ح 5.
(4) الكافي ج 7 ص 391 ح 7، التهذيب ج 6 ص 271 ح 137، الوسائل
ج 18 ص 260 ح 9.
(5) الكافي ج 7 ص 391 ح 8 و ص 392 ح 13، التهذيب ج 6 ص 264
ح 107 و ص 268 ح 126; الوسائل ج 18 ص 261 ح 10 و ص 261 ح 12.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 5.
(7) وبه قطع المحقق والعلامة والشهيد في شرح شهادات الإرشاد، وصرح بأنه
هو المشهور بين الأصحاب، وعليه اعتمد المحقق الشيخ على في شرح القواعد.
(منه - قدس سره -)
434

الثاني: المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه في كل موضع
يكفي فيه شهادة النساء منفردات لا يكفي فيه أقل من أربع نساء، لما علم من عادة
الشارع في باب الشهادات من اعتبار امرأتين برجل، والأمر بإشهاد رجل وامرأتين.
نعم قد استثني من ذلك صورتان قد خرجتا بنص خاص إحداهما الوصية
بالمال، والثانية ميراث المستهل، فإنه قد دلت النصوص على ثبوت الحق كلا أو
بعضا بنسبة الشاهد، فيثبت الكل بالأربع، وثلاثة الأرباع بالثلاثة، والنصف
بالاثنين، والربع بالواحدة.
وذهب الشيخ المفيد وتبعه سلار إلى أنه يقبل في عيوب النساء والاستهلال
والنفاس والحيض والولادة والرضاع شهادة امرأتين مسلمتين في حال الضرورة،
وإذا لم يوجد إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه، واستندا في ذلك
إلى صحيحة الحلبي (1) " عن الصادق عليه السلام أنه سأله عن شهادة القابلة في الولادة؟
قال: تجوز شهادة الواحدة ".
وأجاب في المختلف عن الرواية بالقول بالموجب، فإنه يثبت بشهادة الواحدة
الربع، مع أنه لا يدل على حكم غير الولادة، ونقل عن ابن أبي عقيل وسلار
القول بقبول الواحدة في الرضاع والحيض والنفاس والاستهلال والعذرة وعيوب
النساء من غير اعتبار الضرورة.
وعن ابن الجنيد القول باعتبار الأربع، والقضاء بشهادة ما نقص عن العدد
في حالة الاختيار ولكن بالحساب من ذلك كما في الاستهلال والوصية قال:
وكل أمر لا يحضره الرجال ولا يطلعون عليه فشهادة النساء فيه جائزة كالعذرة
والاستهلال والحيض، فلا يقضي بالحق إلا بأربع منهن، فإن شهد بعضهن
فبحساب ذلك.

(1) الكافي ج 7 ص 390 ح 2، التهذيب ج 6 ص 269 ح 128، الوسائل
ج 18 ص 258 ح 2.
435

ورد بأن هذا إنما يستقيم على ما قد عول عليه من العمل بالقياس إذا
لا نص هناك في باب الرضاع، ولا تنصيص أيضا على العلة الجامعة. إنتهى، وهو
جيد.
الثالث: قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا يقبل الشهادة
بالرضاع مجملة، فلا يكفي الشهادة بحصوله مطلقا لوقوع الخلاف فيه كمية
وكيفية، واختلاف مذهب الشاهد والحاكم في ذلك.
فلو شهد الشاهد أن بين فلان وفلانة رضاعا محرما لم يقبل ذلك، لجواز
بنائه في شهادته على التحريم بما لا يوافق مذهب الحاكم، بل لا بد أن يشهد أن
فلانا رضع من ثدي فلانة من لبن الولادة أو الحمل المستند إلى النكاح الصحيح
خمس عشرة رضعة مثلا تامات في الحولين من غير أن يفصل بينهما برضاع امرأة
غيرها.
نعم لو علم أن مذهب الشاهد لا يخرج عن مذهب الحاكم بأن يكون من
جملة مقلديه الموثوق بمراعاته مذهبه، فالظاهر أنه لا يحتاج إلى التفصيل المذكور
وإن كان أحوط، ومثله ما لو كان الشاهد فقيها موثوقا به وهو موافق الحاكم في
جميع شرائط الرضاع، قال في شرح القواعد: وهذا قوي، لكن لا نجد به قائلا
من الأصحاب، وبمثله صرح في شرح اللمعة (1).
وصرحوا أيضا بأنه يشترط في صحة شهادته أن يعرف المرأة في تلك
الحال أنها ذات لبن، وأن يشاهد الولد قد التقم الثدي، وأن يكن مكشوفا
لئلا يلتقم غير الحلمة، وأن يشاهد امتصاصه له وتحريك شفتيه والتجرع وحركة
الحلق على وجه يحصل له القطع بذلك لقولهم عليهم السلام " لا تشهد إلا على مثل

(1) حيث قال: ولو علم موافقة رأي الشاهد لرأي الحاكم في جميع الشرائط
فالمتجه الاكتفاء بالاطلاق، إلا أن الأصحاب أطلقوا القول بعدم صحتها إلا مفصلا إلى
آخره. (منه - قدس سره -).
436

الشمس " (1).
أقول: ومن هنا تبين لك صحة ما قدمناه من عسر اطلاع الرجال على
ذلك غالبا.
وهل يعتبر في التفصيل ذكر وصول اللبن إلى الجوف، قال بعضهم: فيه
وجهان، واستقرب العلامة في القواعد عدم الاشتراط لأن ضابط وجوب التفصيل
وقوع الخلاف في شرائط المشهود به، دفعا لاحتمال استناد الشاهد إلى اعتقاد
لا يستصحه الحاكم، ووصول اللبن إلى الجوف ليس من هذا القبيل، فيكفي فيه
إطلاق الشهادة.
وأيضا ليس بمحسوس، فلا يعتبر تصريح الشاهد به، ومن قال إنه يحكم
به، يعول على ما ذكره لتقبل الشهادة كما ذكر في الايلاج في شهادة الزنا.
وأيضا ذلك مناط نشر الحرمة فلا بد من ذكره، وأيضا اختصاص علية
الحكم (2) ببعض الأفراد لا يقدح في عمومه فإن العلة في تحريم الخمر هو الاسكار،
مع أن قليله يحرم وإن لم يسكر، قال المحقق الثاني في شرح القواعد: والأول
أصح، لأن الشهادة بالرضاع يقتضيه، فيكفي عن ذكره.
وقال سبطه - المحقق الداماد بعد نقل ذلك عنه -: وعندي أن الأصح هو
الثاني عملا بمقتضى الأدلة. إنتهى. وأشار بالأدلة إلى ما ذكرناه في الاستدلال
للوجه الثاني والظاهر هو ما ذكره جده (قدس الله روحهما) قال في شرح القواعد:

(1) الوسائل ج 18 ص 250 ح 3.
(2) قوله " وأيضا اختصاص علية الحكم " إلى آخره إشارة إلى الجواب عما ذكره
في أدلة الأول من تعليله بأن ضابط وجوب التفصيل وقوع الخلاف في شرائط المشهود به،
وهذا الفرد ليس محل خلاف، ووجه الجواب ظاهر فإنه لا يجب اطراد العلة في جميع
الأفراد المحكوم فيها بذلك الحكم كما ذكر من مثال الخمر ونحوه تعليل وجوب العدة
باستبراء الرحم وغير ذلك. (منه - قدس سره -).
437

هل يشترط أن يشهد الشاهد بأن الرضيع بقي اللبن في جوفه، لأنه لو قاءه لم
يثمر الرضاع التحريم، مقتضى التعليل السابق اعتباره، لأن هذا من الأمور
المختلف فيها ولم أجد به تصريحا، إلا أنه ينبغي اعتباره.
قال سبطه - بعد نقل ذلك عنه - قلت: لا ريب في وجوب اعتباره وإن لم
يكن هو مما اختلف فيه لما تعرفته، فكيف إذا وقع فيه الخلاف. إنتهى.
هذا كله إذا كانت الشهادة على نفس الرضاع، أما لو كانت على إقرار المقر به
فإنه لا يعتبر ما ذكر من التفصيل وإن أمكن استناد المقر إلى ما لا يحصل به
التحريم عند الحاكم عملا بعموم " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " (1) إلا أن يعلم
استناده إلى مذهب يخالف مذهب السامع أو الحاكم ولا تقبل إلا شهادة رجلين،
لأن الاقرار مما يطلع عليه الرجال غالبا.
الرابع: لو كان له أخت من الرضاع أو بنت أو نحوهما فامتزجت بأهل
قرية، قال العلامة في القواعد: جاز أن ينكح واحدة منهن، ولو اشتبهت بمحصور
العدد عادة حرم الجميع.
قال المحقق الشيخ علي في شرحه على الكتاب: فهنا صورتان: (إحداهما)
أن يكون الاختلاط بعدد غير محصور بالعادة كنسوة بلد أو قرية كبيرة فله نكاح
واحدة منهن، ولولا ذلك لسد عليه باب النكاح لأنه لو انتقل إلى بلدة لم يؤمن
مسافرتها إلى بلدة أخرى قال: ومثله ما لو اختلط صيد مملوك بصيود مباحة
لا تنحصر فإنه لا يحرم الاصطياد، وكذا لو تنجس مكان أرض غير محصورة، فإنه
لا يمنع من الصلاة على تلك الأرض.
(الثانية) أن يكون الاختلاط بعدد محصور في العادة فيمنع من النكاح هنا
لوجوب اجتناب المحرم ولا يتم إلا باجتناب الجميع، ولا عسر في اجتناب العدد
المحصور، ثم قال: والمراد من غير المحصور عسر عدهن على آحاد الناس

(1) الوسائل ج 16 ص 133 ح 2.
438

نظرا إلى أن أهل العرف إذا نظروا إلى مثل ذلك العدد أطلقوا عليه أنه ليس
بمحصور لكثرته، وإلا فلو عمد أحد إلي أكبر بلدة لعد سكانها لأمكنه ذلك.
إنتهى.
قال بعض الفضلاء بعد نقل ذلك: وهذا الكلام لا يخلو من اشكال وإن كان
الاجتناب هو الأحوط فتأمل. إنتهي.
أقول: قد تقدم تحقيق الكلام في جلد كتاب الصلاة، وكذا حققنا المسألة
بما لا مزيد عليه في كتابنا الدرر النجفية، وذكرنا الخلاف في هذا المقام من بعض
متأخري المتأخرين الأعلام.
وأما ما ذكره المحقق المذكور هنا بالنسبة إلى ما هو المراد من غير المحصور
فيمكن الاستدلال له بموثقة حنان بن سدير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه سئل
وأنا حاضر عن جدي رضع من خنزير حتى شب واشتد عظمه، ثم استفحله رجل
في غنم فخرج له نسل ما تقول في نسله؟ قال: أما ما عرفت من نسله بعينه فلا
تقربه، وأما ما لم تعرفه فهو بمنزلة الجبن فكل ولا تسأل عنه ".
بحمل الغنم في الخبر على قطيع كثير العنم كما هو الغالب، وقد حكم عليه السلام
بأنه ما لم يعلم نسل ذلك الفحل بعينه فإنه يجوز له الأكل من تلك الغنم،
وليس إلا من حيث إنه غير محصور عادة كالقرية الكبيرة التي مثل بها.
ويؤيده تمثيله بالجبن الذي استفاضت الروايات بحله وإن عمل بالميتة
لكونه غير محصور فيحتمل أن لا يكون كذلك.
وفي الخبر أيضا احتمال آخر ذكرناه في كتاب الدرر النجفية، وهو أنه
يمكن أن يكون نسله غير محقق ولا معلوم في جملة تلك الغنم، لاحتمال أنه
سرق أو ضل أو ذبح أو بيع أو نحو ذلك، ولا يتحقق العلم بالحرام في المقام، والحكم

(1) الكافي ج 6 ص 249 ح 1، التهذيب ج 9 ص 44 ح 183، الفقيه ج 3
ص 212 ح 77، الوسائل ج 16 ص 352 ح 1.
439

بالتحريم مبني على تيقن العلم ببقائه.
بقي هنا شئ ينبغي التنبيه عليه، وهو أنه لو عقد على واحدة من العدد
المحصور فلا ريب أنه منهي عن ذلك وأن العقد باطل بحسب ظاهر الشرع لما
عرفت من تحريم الجميع عليه في المحصور، ولكن لو ظهر بعد العقد أن المعقود
عليها ليست من المحرمات عينا ولا جمعا، فهل يحكم بصحة العقد بناء على مطابقته
للواقع وانكشاف ذلك له، أو البطلان لسبق الحكم ببطلانه، وأنه وقع مع اعتقاد
العاقد عدم الصحة، وأن الأحكام الشرعية إنما تناط بالظاهر لا بالواقع ونفس
الأمر، مقتضى قواعد الأصحاب وأصولهم هو البطلان لما عرفت، ولا ريب أن
التجديد أحوط.
الخامس: لو حصل الشك في بلوغ النصاب من العدد المعتبر أو في وصول
اللبن إلى الجوف في بعض المرات أو نحو ذلك من الشروط المعتبرة في التحريم لم
تثبت الحرمة، لأن الأصل الإباحة والأصل عدم الحرمة، إلا أن الاحتياط يقتضي
التحريم كما استفاض الأمر به سيما في النكاح محافظة على النسل الممتد إلى
يوم القيامة.
أما لو شك في وقوع الرضاع في الحولين، قالوا: تقابل هنا أصلان أصالة
بقاء الحولين، لأن كون المرتضع في الحولين كان ثابتا قبل الرضاع والأصل البقاء
وأصالة الإباحة لأنها كانت ثابتة قبل الرضاع وقبل النكاح والأصل بقاؤها.
ورجح الثاني بوجوه (أحدها) أن التقابل والتكافؤ أي تقال الأصلين
المذكورين، وعدم إمكان ترجيح أحدهما على الآخر، يقتضي التساقط كما قيل
تعارضا تساقطا، فينتفي التحريم قطعا لانتفاء سببه، ويلزم من انتفائه ثبوت الإباحة
إذ لا يعقل ارتفاع النقيضين.
و (ثانيها) أن الشك في وقوع الرضاع في الحولين يقتضي الشك في تقدم الرضاع
وتأخره، والأصل عدم التقدم.
440

لا يقال: كما أن الأصل عدم التقدم فكذا الأصل عدم التأخر، لأنا نقول
هو كذلك، إلا أن الأصل حصل بطريق آخر، وهو أن التقدم يقتضي تحقق الرضاع
في أزمنة تزيد على أزمنة تأخره، والأصل عدم الزيادة وإن وجد هذا الأصل
مع أصل الإباحة قوى جانبه به.
و (ثالثها) قوله تعالى (1) " وأحل لكم ما وراء ذلكم " بعد قوله تعالى
" وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم " فإن المراد - والله أعلم - اللاتي أرضعنكم الرضاع
المحكوم به شرعا وقوعه في الحولين، لأن ذلك يشترط قطعا، وليس محكوما
بكون الرضاع في محل النزاع واقعا في الحولين لتقابل الأصلين المتقدمين، فيندرج
التنازع في حل نكاحها في عموم قوله " وأحل لكم ما وراء ذلكم ".
قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد: وهو من أبين المرجحات ثم
قال وقد يقال: يرجح التحريم بأنه إذا تعارض الناقل والمقرر رجح الناقل
ولأن التأسيس خير، ولأنه " إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام ".
وضعفه ظاهر، لأن ترجيح الناقل في النصوص من حيث اشتماله على زيادة
لا ينافيها الآخر، أما في الأصلين كما هنا فهو غير واضح، وإنما يغلب الحرام الحلال
إذا ثبت التحريم شرعا، كما لو اشتبهت محرمة بأجنبية. إنتهى.
المورد السابع: في جملة من الأحكام المتفرقة ونظمها يقع في مسائل.
الأولى: قال العلامة وجمع من الأصحاب إنه لو تزوج بنت الأخ أو الأخت
على العمة أو الخالة من الرضاع، فإن كان بإذنهما صح قولا واحدا وإلا بطل.
وقيل: يقع موقوفا على الإجازة، والظاهر الأول للنهي الوارد في صحيحة
أبي عبيدة الحذاء (2) " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تنكح المرأة على عمتها

(1) سورة النساء - آية 24.
(2) الكافي ج 5 ص 445 ح 11، التهذيب ج 7 ص 292 ح 65، الفقيه ج 3
ص 260 ح 21، الوسائل ج 14 ص 304 ح 1.
441

ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة ".
وفي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام (1) "... لا تزوج
بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضا منهما، فمن فعل فنكاحه باطل ".
ولعموم قوله عليه السلام (2) " الرضاع لحمة كلحمة النسب "، وقوله (3) عليه السلام " يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب ".
الثانية: لا خلاف ولا إشكال في أنه إذا أوقب غلاما حرمت عليه أم الغلام
وبنته وأخته مؤبدا إذا كن من النسب للنصوص الواردة بذلك عن أهل العصمة
(صلوات الله عليهم).
والظاهر أنهن لو كن من الرضاع فكذلك لعموم قوله عليه السلام " يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب " وصدق الأم عليها في قوله عز وجل (4) " وأمهاتكم اللاتي
أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة " وكذا الأخت في قوله " وأخواتكم ".
ويؤيد ذلك صحيحة محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل فجر بامرأة
أيتزوج أمها من الرضاعة أو بنتها؟ قال: لا ".
والتقريب فيه أنه حيث حلت الأم من الرضاعة والبنت هنا محل نظيريهما
من النسب فحرمتا عليه فكذلك فيما نحن فيه، الاندراج تحت عموم الخبر النبوي

(1) التهذيب ج 7 ص 333، ح 5، الوسائل ج 14 ص 385 ح 3.
(2) ما عثرنا بهذه العبارة نعم في المصباح وابن أثير في مادة لحم بجملة " الولاء لحمة
كلحمة النسب "، عوالي اللئالي ج 2 ص 307 ح 33.
(3) التهذيب ج 7 ص 291 ح 59، الكافي ج 5 ص 438 ح 2، الوسائل
ج 14 ص 281 ح 3 و 4.
(4) سورة النساء - آية 23.
(5) التهذيب ج 7 ص 331 ح 19، الكافي ج 5 ص 416 ج 8، الوسائل
ج 14 ص 325 ح 1.
442

المذكور.
وربما قيل: بالعدم، لأن الأم حقيقة في النسبية التي ولدته لقوله تعالى (1)
" إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم " فلا تتناول النصوص الواردة بالتحريم لها.
وفيه أن الحصر المذكور في الآية إنما هي إضافي بالنسبة إلى المظاهرة
وتسمية المظاهر لزوجته أما، وإلا فقد عرفت في الآية إطلاق الأم على المرضعة
والأصل في الاستعمال الحقيقة.
الثالثة: اختلف الأصحاب (رضوان الله عنهم) في الرضاع، هل يكون مثل
النسب في كونه سببا في العتق لو ملك من ينعتق به أم لا؟، وقد تقدم تحقيق
الكلام في هذه المسألة في المسألة الثانية من الفصل التاسع في بيع الحيوان من
كتاب البيع.
الرابعة: الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في تحريم الجمع بين الأختين
في النكاح، سواء كانت الأختية من النسب أو الرضاع لتناول النصوص لكل منهما
وقد تقدمت.
ولا فرق بين كون العقد دائما أو منقطعا دخل بإحداهما أم لم يدخل، لأن مناط التحريم الجمع في النكاح وهو صادق بالعقد، وجميع ما يجري من الأحكام
الآتية في النسبية عند ذكر المسألة يجري في الرضاعية.
أما لو جمع بينهما في الملك فالظاهر أنه لا مانع منه ولا قائل بخلاف ذلك
فيما أعلم، لأن الغرض الأصلي في الملك المالية كما قيل، وليس الغرض منه
الوطئ، وإن تعلق به جوازه حتى لو اشترى جارية فوطأها لم يحرم شراء أختها
وإنما يحرم الجمع في النكاح لقوله تعالى (2) " وأن تجمعوا بين الأختين ".
نعم يحرم عليه وطئ الثانية بعد أن وطأ الأولى التي كانت عنده قبل شراء

(1) سورة المجادلة - آية 2.
(2) سورة النساء - آية 23.
443

الثانية، إذ لا خلاف في أنه يحرم عليه الاستمتاع بالثانية ما دامت الأولى في ملكه.
وبالجملة فإنه بوطئ إحدى الأختين المملوكتين يحرم عليه وطئ الأخرى
حتى تخرج الأولى عن ملكه، ويأتي إن شاء الله تحقيق الكلام في المسألة عند
ذكرها في محلها، والغرض هنا التنبيه على أن ما يتعلق بالأختين بالنسب من
الأحكام يجري في الأختين من الرضاع، ومورد أخبار أحكام المسألة الأختان،
الشامل بعمومه لما كان من النسب أو الرضاع.
ولو قيل: إن المتبادر منهما إنما هو الأختية من النسب كما فهمه الأصحاب
قلنا: مع ذلك فإنه بانضمام خبر " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " يتم
الاستدلال كما عرفت في غير مقام.
الخامسة: لا خلاف بين الأصحاب في أنه لا يشترط إذن المولى ولا إذن
الزوج في تحريم الرضاع، قالوا أما الزوج فظاهر لأنه لا يملك الزوجة ولا لبنها
وإن كان منسوبا إليه، وغاية ما هناك أنه يلزم من الرضاع الإثم إذا استلزم
تعطيل بعض حقوقه الواجبة، وهذا لا يوجب نفي تعلق التحريم بالرضاع، وهكذا
القول في المولى لأن تصرفها في لبنها وإن كان محرما بغير إذن المولى لأنه ماله
إلا أنه لا منافاة بين التحريم وبين كون الرضاع محرما، وبالجملة فإن المعتمد
هو إطلاق النصوص الدالة على التحريم فإنه يتناول هذا الارضاع المذكور.
السادسة: ظاهر المشهور من غير خلاف يعرف هو أنه متى فجر بعمته أو
خالته حرم عليه التزويج بابنتهما نسبا، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله.
ومقتضى النص النبوي المتقدم تحريم البنت الرضاعية أيضا حسبما عرفت
في غير هذا الموضع من فرعية الرضاع على النسب في كل موضع حكم بالتحريم
فيه نسبا، وربما سبق إلى بعض الأوهام القاصرة عدم التحريم لعدم تناول نصوص
المسألة للبنت الرضاعية، والأصل الإباحة، وهو ضعيف، فإنك قد عرفت من
الأخبار المتقدمة في صدر هذا المطلب أن هذا الخبر النبوي قاعدة كلية وضابطة
444

جلية في تفريع الرضاع على النسب فإنهم عليهم السلام بعد ذكر الأحكام في تلك الأخبار
يستدلون بهذا الخبر من حيث كونه قاعدة كلية في هذا الباب، كما لا يخفى على
ذوي الأذهان والألباب، والله العالم بحقائق أحكامه.
المطلب الثالث: فيما يحرم بالمصاهرة، وهي على ما ذكره الأصحاب علاقة
تحدث بين الزوجين وأقرباء كل منهما بسبب النكاح توجب الحرمة، ويلحق بالنكاح
الوطئ والنظر واللمس على وجه مخصوص.
قال شيخنا الشهيد الثاني: هذا هو المعروف من معناها لغة وعرفا فلا
يحتاج إلى إضافة وطئ الأمة والشبهة والزناء ونحوه إليها وإن أوجب حرمة على
بعض الوجوه، إذ ذاك ليس من المصاهرة بل من جهة ذلك الوطئ وإن جرت
العادة بالحاقها بها في بابها. إنتهى.
أقول: وكيف كان فلا بد من الكلام على كل من هذه المذكورات وتحقيق
الحال فيها، ثم الكلام فيما يلحق بذلك، فهنا مقصدان:
الأول: في الكلام على هذه المذكورات، وذلك يكون في مقامات.
الأول: في النكاح الصحيح وفيه مسائل:
الأولى: من وطأ امرأة بالعقد الصحيح دواما أو متعة أو بالملك حرم على
الواطئ أم الموطوءة وبناتها وإن سفلن، تقدمت ولادتهن أو تأخرت ولو لم تكن
في حجره.
قال السيد السند في شرح النافع: هذه الأحكام مجمع عليها بين المسلمين
فلا حاجة إلى التشاغل بأدلتها. إنتهى.
ولا يتوهم من ظاهر الآية اشتراط كون الربائب في الحجر حيث وصف
الربائب المحرمات بكونهن في الحجر، فإنه إنما خرج مخرج الغالب، وقد وقع
الاتفاق نصا وفتوى على أن هذا الوصف غير معتبر، والأخبار من الخاصة والعامة
مستفيضة بالتحريم، سواء كن في الحجر أم لا، فالوصف للتعريف لا للتخصيص.
445

فروى الشيخ في التهذيب عن غياث بن إبراهيم (1) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام
" أن عليا عليه السلام قال: إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم،
فإذا لم يدخل بالأم فلا بأس أن يتزوج بالابنة، فإن تزوج الابنة فدخل بها أو لم
يدخل بها فقد حرمت عليه الأم، وقال: الربائب عليكم حرام، كن في الحجر
أو لم يكن ".
وروى في الفقيه (2) " قال: قال علي عليه السلام: الربائب عليكم حرام " الحديث.
وعن إسحاق بن عمار (3) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " أن عليا عليه السلام كان يقول:
الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي قد دخلتم بهن، هن في الحجور وغير
الحجور سواء " الحديث.
وروى في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (4) " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الرجل يتزوج المرأة متعة، أيحل له أن يتزوج ابنتها؟ قال: لا ".
وروى الشيخ عن محمد بن مسلم (5) في الصحيح " قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن
رجل كانت له جارية فأعتقت فتزوجت فولدت، أيصلح لمولاها الأول أن يتزوج
بنتها؟ قال: لا، هي عليه حرام وهي ابنته، والحرة والمملوكة في هذا سواء ".
وما رواه في الفقيه عن العلا عن محمد بن مسلم (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
سألته عن رجل كانت له جارية وكان يأتيها فباعها، فأعتقت وتزوجت فولدت ابنة

(1) التهذيب ج 7 ص 273 ح 2، الوسائل ج 14 ص 351 ح 4.
(2) الفقيه ج 3 ص 262 ح 33، الوسائل ج 14 ص 352 ح 6.
(3) التهذيب ج 7 ص 273 ح 1، الوسائل ج 14 ص 351 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 422 ح 2، التهذيب ج 7 ص 277 ح 11، الوسائل ج 14
ص 350 ح 1.
(5) التهذيب ج 7 ص 277 ح 12، الوسائل ج 14 ص 358 ح 6.
(6) الفقيه ج 3 ص 287 ح 11، الوسائل ج 14 ص 358 ح 6.
446

هل يصلح ابنتها لمولاها الأول؟ قال: هي حرام عليه ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن جميل بن دراج (1) عن بعض أصحابه عن
أحدهما عليهما السلام " في رجل كانت له جارية فوطأها ثم اشترى أمها أو بنتها، قال:
لا تحل له " وزاد في الكافي " أبدا ".
إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة في حكم الإماء الدالة على التحريم ولكن
قد ورد في مقابلتها أخبار أخر - وإن كانت أقل عددا - دالة على عدم التحريم في
الإماء، وإنما ذلك مخصوص بالحرائر.
ومنها ما رواه الشيخ عن رزين بياع الأنماط (2) " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام
رجل كانت له جارية فوطأها فباعها أو ماتت، ثم وجد ابنتها أيطأها؟ قال: نعم،
إنما هذا من الحرائر، أما الإماء فلا بأس " ومثلها رواية أخرى لرزين (3) أيضا عن
أبي جعفر عليه السلام.
ورواية الفضل بن يسار (4) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له
مملوكة يطأها فماتت ثم يصيب بعد، ابنتها قال: لا بأس ليست بمنزلة الحرة "
وأجاب الشيخ عن هذه الأخبار بتأويلات لا يخلو من بعد، ولا أعلم قائلا
بهذه الأخبار، بل قد عرفت مما قدمنا نقله عن صاحب المدارك في شرح النافع
دعوى الاجماع على التحريم في تلك الأشياء المعدودة التي من جملتها هذا الفرد.
وكيف كان فإنه كما يحرم على الواطئ أم الموطوءة وبناتها كما تقدم يحرم
على الموطوءة أبو الواطئ وإن علا وأولاده وإن سفلوا تحريما مؤبدا.
ولو تجرد العقد عن الواطئ حرمت المعقود عليها على أب العاقد وإن علا،

(1) الكافي ج 5 ص 431 ح 3، التهذيب ج 7 ص 276 ح 7، الوسائل ج 14
ص 357 ح.
(2) التهذيب ج 7 ص 278 ح 17 و 18 و ص 279 ح 20، الوسائل ج 14 ص 360 ح 16 و 14 و 15.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
447

وأولاده وإن سفلوا.
أما تحريمها على أب العاقد بمجرد العقد فلقوله تعالى (1) " وحلائل أبنائكم "
الشامل لمن كانت مدخولا بها وغيرها، وقوله تعالى (2) " ولا تنكحوا ما نكح آبائكم "
والنكاح حقيقة في العقد كما صرح به جمع من الأصحاب ولو نوقش بأنه حقيقة
في الوطئ أو مشترك فالآية الأولى كافية في الاستدلال.
وأما تحريمها على ابنه فيدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
زرارة والفضيل (3) عن أبي جعفر عليه السلام في حديث العامرية والكندية، " قال
أبو جعفر عليه السلام: لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها أتحل
لابنه؟ قالوا: لا، فرسول الله صلى الله عليه وآله أعظم حرمة من آبائهم ".
وما رواه في التهذيب عن يونس بن يعقوب (4) " قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام
رجل تزوج امرأة فمات قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ فقال: إنهم يكرهونه "
والمراد بالكراهة هنا التحريم كما هو شايع في الأخبار.
إلى غير ذلك من الأخبار، وحرمت بنتها على العاقد جمعا لا عينا، فلو فارق
الأم ولم يدخل بها جاز له تزويج البنت لقوله تعالى (5) " وربائبكم اللاتي في
حجور كم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح
عليكم " وهو صريح في الحكم المذكور.
وهل تحرم أمها بنفس العقد أم لا تحرم إلا بالدخول بالبنت؟ المشهور
الأول، وذهب ابن أبي عقيل إلى الثاني، والأخبار في المسألة مختلفة، وإن كان
الظاهر هو المشهور وحيث إن بعض محققي متأخري المتأخرين استشكل في

(1) سورة النساء - آية 23 و 22.
(2) سورة النساء - آية 23 و 22.
(3) الكافي ج 5 ص 421 ح 3، الوسائل ج 14 ص 313 ح 4.
(4) التهذيب ج 7 ص 281 ح 27، الوسائل ج 14 ص 315 ح 9.
(5) سورة النساء - آية 23.
448

المسألة غاية الاشكال وبعضا آخر (1) كذلك أيضا قد جعلها مما يرجى حكمه حتى
يظهر الحق لما فيها من الاعضال، رأيت أن أبسط الكلام في المقام بتوفيق الملك العلام
بما لم يسبق إليه سابق من علمائنا الأعلام.
فأقول وبه سبحانه الثقة لادراك المأمول ونيل المسؤول: من الأدلة الدالة
علي القول المشهور قوله عز وجل في تعداد المحرمات " وأمهات نسائكم وربائبكم
اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ".
والتقريب فيها أن ظاهر قوله تعالى " وأمهات نسائكم " في تعداد المحرمات
المعدودة، وهو الشمول للمدخول بهن وغيرهن، فإن الجمع المضاف يفيد العموم
كما قرر في محله، وبهذا المعنى وردت الأخبار المأثورة في تفسير الآية المذكورة
كما ستمر بك إن شاء الله.
ونقل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (2) عن ابن عباس في هذه الآية أنه
قال: أبهموا ما أبهم الله، يعني عمموا حيث عمم بخلاف الربائب، فإنه قيد هن
بالدخول بأمهاتهن فيتقيدن.
وأنت خبير بأنه ظاهر قوله سبحانه " وربائبكم اللاتي في حجوركم من
نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن " نعت للنساء اللواتي هن
أمهات الربائب لا غير، وعلى ذلك أيضا تدل الأخبار الآتية، وبذلك يظهر لك
صحة دلالة الآية بطرفيها على القول المذكور.
وأما على تقدير قول ابن أبي عقيل، فإنهم قد حملوا الآية على أن قيد الدخول
راجع إلى المعطوف والمعطوف عليه، وأن يكون قوله تعالى " من نسائكم " راجعا

(1) أما الأول فهو السيد السند صاحب المدارك في شرحه على النافع، والثاني
هو المحقق المدقق الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن يوسف البحراني صاحب رياض المسائل
وحياض الدلائل (منه - قدس سره -).
(2) المسالك ج 1 ص 477.
449

إلى الجميع أيضا لا إلى الجملة الأخيرة، فيكون المعنى بالنسبة إلى تعلقه بالجملة
الأولى " وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن "،
ورد الحمل المذكور (أولا) بأن الوصف والشرط والاستثناء المتعقب للجمل
يجب عوده للأخيرة، كما حقق في الأصول، إلا مع قيام القرينة الدالة على
خلاف ذلك.
و (ثانيا) أن رجوع " من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " إليهما غير مستقيم
حيث إن (من) على تقدير التعلق بالجملة الأولى تكون بيانية لبيان الجنس وتمييز
المدخول بهن من غير المدخول بهن، فيكون التقدير حرمت عليكم أمهات
نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن.
وعلى تقدير التعلق بربائبكم تكون ابتدائية، لابتداء الغاية كما. تقول:
بنات رسول الله صلى الله عليه وآله من خديجة (رضي الله عنها)، ويمتنع أن يراد بالكلمة
الواحدة في الخطاب الواحد معنيان مختلفان.
و (ثالثا) ما نقله في كتاب مجمع البيان عن الزجاج من أن الخبرين إذا
اختلفا لم يكن نعتهما واحدا، قال: لا يجيز النحويون " مررت بنسائكم وهربت
من نساء زيد الظريفات " على أن يكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء وهؤلاء
النساء. إنتهى.
أقول: ونحوه ما نقله بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين
عن أحمد بن محمد المقري في شرح الوجيز للشافعي حيث قال - بعد كلام في المقام -:
وذهب بعض الأمة المتقدمين إلى جواز نكاح الأم إذا لم يدخل بالبنت، وقال:
الشرط الذي في الآية يعم الأمهات والربائب وجمهور العلماء على خلافه، لأن
أهل العربية ذهبوا إلى أن الخبرين إذا اختلفا لا يجوز أن يوصف الاسمان
بوصف واحد، فلا يجوز " قال عمرو وقعد زيد الظريفان " وعلله سيبويه بالاختلاف
العامل في الصفة لأن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف.
450

وبيانه في الآية أن قوله " اللاتي دخلتم بهن " يعود عند القائل إلى " نسائكم "
وهو مخفوض بالإضافة، وإلى " ربائبكم " وهو مرفوع، والصفة الواحدة لا تتعلق
بمختلفي الأعراب ولا بمختلفي العامل كما تقدم. إنتهى.
و (رابعا) وهو أقواها وأمتنها وأظهرها وأبينها - وإن كانت هذه الوجوه
كلها ظاهرة بينة الدلالة على المطلوب - الأخبار الواردة بتفسير الآية حيث إنها
فصلت بين الجملتين وصرحت بأن الجملة الأولى مطلقة شاملة للمدخول بها
وغيرها، والثانية مقيدة وأن القيد المذكور راجع إليها على الخصوص، ومنه
يعلم دلالة الأخبار أيضا على الحكم المذكور، وتطابق القرآن معها على الدلالة
على القول المشهور ويظهر بطلان ما ادعوه من حمل الآية على ذلك المعنى
أتم الظهور.
فمن الأخبار المشار إليها رواية إسحاق بن عمار (1) " عن جعفر عن أبيه
عليهما السلام " أن عليا عليه السلام كان يقول: الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي قد
دخلتم بهن في الحجور وغير الحجور سواء، والأمهات مبهمات دخل بالبنات أم لم
يدخل، فحرموا وأبهموا ما أبهم الله ".
وهذه الرواية كما ترى صريحة الظهور في القول المشهور، وفيها إشارة إلى
تفسير الآية بالاطلاق في الجملة الأولى والتقييد في الثانية، فإن قوله عليه السلام:
" والأمهات مبهمات " مأخوذ من إبهام الباب، بمعنى إغلاقه، وأمر مبهم لا مأتي له،
أو من أبهمت الشئ إبهاما إذا لم يتبينه، أو من قولهم فرس مبهم، وهو
الذي لا يخالط لونه لون أحمر، والمعنى أنها مغلقة في التحريم لا مدخل للحل
فيها بوجه، أو أنها لم تبين وتفصل أو أنها لم تميز تميز الربائب بوقوع التقييد
بالدخول الذي أوجبه الاستثناء فيهما، فكأنه لم يخلط صفة حرمتها بحل، فهي
كالمصمتة لا يخالطها لون سوى لونها.

(1) التهذيب ج 7 ص 273 ح 1، الوسائل ج 14 ص 351 ح 3.
451

ومنها رواية غياث (1) وقد تقدمت بتمامها في صدر المسألة وهي أيضا صريحة
الدلالة على القول المشهور.
ومنها موثقة أبي بصير (2) " قال: سألته عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل
أن يدخل بها، فقال: تحل له ابنتها ولا تحل له أمها " وهي أيضا صريحة الدلالة
على المراد.
ومنها ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي حمزة (3) " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام
عن رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها، أتحل له ابنتها؟ قال:
فقال: وقد قضى في هذا أمير المؤمنين عليه السلام، لا بأس به إن الله تعالى يقول
" وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا
دخلتم بهن فلا جناح عليكم " ولكنه لو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل
بها لم تحل له أمها، قال: قلت: أليس هما سواء؟ قال: فقال: لا ليس هذه مثل
هذه، إن الله تعالى يقول " وأمهات نسائكم " لم يستثن في هذه كما اشترط في
تلك، هذه هنا مبهمة ليس فيها شرط وتلك فيها شرط.
أقول: وهذه الرواية نص في المطلوب صريحة في المعنى الذي حملنا عليه
الآية، وبه يظهر ضعف تلك التخريجات الباردة والتوهمات الشاردة في حمل الآية
على القول الآخر.
ومما استدل به للقول الآخر صحيحة منصور بن حازم (4) المروية في
الكافي " قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة

(1) التهذيب ج 7 ص 273 ح 2، الوسائل ج 14 ص 351 ح 4.
(2) التهذيب ج 7 ص 273 ح 3، الوسائل ج 14 ص 352 ح 5.
(3) تفسير العياشي ج 1 ص 230 ح 74، الوسائل ج 14 ص 356 ح 7.
(4) الكافي ج 5 ص 422 ح 4، التهذيب ج 7 ص 274 ح 5، الوسائل ج 14
ص 354 ح 1.
452

فماتت قبل أن يدخل بها، أيتزوج بأمها؟ فقال: أبو عبد الله عليه السلام قد فعله رجل
منا فلم نر به بأسا، فقلت: جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلا بقضاء علي عليه السلام في هذه
الشمخية التي أفتاها ابن مسعود أنه لا بأس بذلك.
ثم أتى عليا عليه السلام فسأله، فقال له علي عليه السلام: من أين أخذتها؟ فقال: من
قول الله عز وجل (1) " وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم
بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم " فقال علي عليه السلام: إن هذه
مستثناة، وهذه مرسلة وأمهات نسائكم، فقال أبو عبد الله عليه السلام للرجل: أما تسمع
ما يروي هذا عن علي عليه السلام؟ فلما قمت ندمت وقلت: أي شئ صنعت يقول هو:
قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا، وأقول أنا: قضى علي عليه السلام فيها فلقيته بعد ذلك
فقلت له: جعلت فداك مسألة الرجل إنما كان الذي قلت يقول كان ذلة مني، فما
تقول فيها؟ فقال: يا شيخ تخبرني أن عليا عليه السلام قضى بها وتسألني ما تقول
فيها؟ ".
وروى هذه الرواية أيضا العياشي في تفسيره عن منصور بن حازم (2) وفيها
" فقلت له: والله ما تفخر الشيعة على الناس إلا بهذا، إن ابن مسعود أفتى في
هذه الشمخية أنه لا بأس بذلك " إلى آخر ما تقدم.
قوله عليه السلام " إن هذه مستثناة " إشارة إلى تحريم الربائب، ومعنى كونها
" مستثناة " أي مقيدة، فإن التحريم مقيد بالدخول بالأم، والكلام المقيد من
حيث القيد فيه استثناء لما خرج عن محل القيد، فكأنه قيل حرمت عليكم الربائب
إلا مع عدم الدخول بالأم.
وقوله " هذه مرسلة " راجع إلى تحريم الأمهات، ومعنى كونها " مرسلة "
أي مطلقة مأخوذ من قولهم " دابة مرسلة " أي غير مربوطة: وهو يقابل التقييد

(1) سورة النساء - آية 22.
(2) تفسير العياشي ح 1 ص 231 ح 75، الوسائل ج 14 ص 354 ح 1.
453

الذي في الأولى، والمراد أن تحريم الأمهات مع العقد على البنات مطلق، سواء
دخل بالبنت أم لا، فقوله " وأمهات نسائكم " بدل من قوله " وهذه مرسلة "،
والواو من الكلام المحكي فلا يتوهم كونها عاطفة.
وهذه الرواية مما استدل به لابن أبي عقيل، وهي - عند التأمل الصادق في
سياقها - بالدلالة على القول المشهور أشبه، فإن عدوله عليه السلام عن الجواب الصريح
بالجواز في قوله " قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا "، مع احتمال كون الفعل
المنفي بالياء وضمير الغائب مجهولا أو معلوما إنما كان لنوع علة في المقام،
والظاهر أنه للتقية.
والاستدلال بالخبر مبني على كون الفعل المنفي بالنون، ليكون دالا على
أنهم لا يرون بذلك بأسا، وهو غير متعين.
ويؤيده بأظهر تأييد قول منصور بن حازم ونقله عن علي عليه السلام ما نقله مع
عدم تكذيب الإمام عليه السلام له ولا إنكاره عليه، بل ظاهره تقريره على ذلك، سيما
ما تضمنه الكلام من افتخار الشيعة بقضاء علي عليه السلام في هذه الواقعة المؤيد بما
تضمنته الأخبار المتقدمة من حكاية ذلك عن علي عليه السلام، ونسبته إلى الشيعة بطريق
الجزم يشعر باستفاضته يومئذ إن لم ندع أنه مجمع عليه إذ لا يقصر عن قول
- بعض الفقهاء في كتبهم - وهذا مذهب الشيعة فإنهم يجعلونه مؤذنا بدعوى الاجماع،
بل إجماعا حقيقة، وأن قول الصادق عليه السلام أخيرا لما اعتذر إليه منصور بن حازم
من تعرضه عليه " يا شيخ تخبرني أن عليا عليه السلام قضى فيها وتسألني ما تقول " مراد به: أن قولي قول علي عليه السلام في ذلك وقضائه، فكيف تسألني بعد عملك
بقضاء علي عليه السلام فيها.
وبالجملة فسوق الكلام ينبئ عن الابهام في جوابه عليه السلام لذلك الرجل،
ولعل وجه الابهام ما ذكره بعض مشايخنا الأعلام من متأخري المتأخرين من
أنه حيث كان نقل الشيعة عن علي عليه السلام في هذه الواقعة خلاف ما نقله العامة عنه
454

حيث قال العلامة في التذكرة، ونقل العامة عن علي عليه السلام أنه يشترط في تحريم
الأم الدخول بالبنت كالبنت، وبه قال أنس بن مالك، ومجاهد وداود الأصفهاني
وبشر المريسي كان عدم التصريح بتصحيح ما نقله منصور بن حازم من تقية،
وعدم التصريح بجواب أصل المسألة دفعا لما يدل عليه الجواب من تصحيح أحد
النقلين.
وبالجملة فالرواية لما فيها من الاجمال والاحتمال لا تصلح للاستدلال.
ومنها صحيحة جميل وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام على ما رواه
ثقة الاسلام في الكافي والشيخ في كتابيه (1) " قال: الأم والابنة سواء إذا لم يدخل بها،
يعني إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فإنه إن شاء تزوج أمها وإن
شاء تزوج ابنتها " (2).
وأنت خبير بأنه لا دلالة في هذه الرواية صريحا ولا ظاهرا إلا بمعونة
التفصيل المذكور وهو غير معلوم كونه من الإمام عليه السلام، بل الظاهر أنه من يعض
الرواة، وحينئذ فلا يكون حجة.
وبالجملة فإن حجية الاستدلال به موقوفة على كون ذلك عن الإمام عليه السلام
وهو غير معلوم ولا ثابت. وأما أصل الرواية مع قطع النظر عن هذا التفسير المذكور
فيحتمل أن يكون المعنى فيه أنه إذا تزوج الأم ولم يدخل بها فالأم والبنت

(1) الكافي ج 5 ص 421 ح 1، التهذيب ج 7 ص 273 ح 4 وفيه " الأم والبنت "،
الوسائل ج 14 ص 355 ح 3.
(2) قال الشيخ (رحمه الله) بعد نقل هذا الخبر: هذا الخبر مخالف للقرآن فلا يجوز
العمل عليه، لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام أنهم قالوا إذا
جائكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإذا وافق كتاب الله فخذوه وما خالف فاطرحوه
وردوه إلينا. قال: ويجوز أن يكون ورد مورد التقية لأنه موافق لمذهب بعض العامة، انتهى.
أقول: قد عرفت مما ذكرنا في الأصل أن ما ذكره غير محتاج إليه إلا مع ثبوت
كون تلك الزيادة عنه عليه السلام وهو غير معلوم. (منه - قدس سره -).
455

سواء في أصل الإباحة فإن شاء دخل بالأم وإن شاء فارقها وتزوج البنت، ويؤيده
إفراد الضمير فإنه راجع إلى الأم.
ويحتمل أن يكون معناه أنه إذا تزوج الأم والبنت ولم يدخل بهما فهما
سواء في التحريم جمعا لا عينا.
ومما يؤيد ما ذكرنا - من أن التفسير ليس من أصل الرواية - أن صاحب
الوسائل نقل هذه الرواية في أحبار المسألة من كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن
عيسى (1) عارية عن هذه الزيادة.
نعم روى هذه الرواية الصدوق في الفقيه بما هذه صورته: عن جميل بن
دراج (2) " أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل
بها أتحل له ابنتها؟ قال: الأم والابنة في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت
له الأخرى ".
وهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة على القول المذكور، إلا أنه من
المحتمل قريبا أن قوله - " إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى " - تفسير
بالمعنى من الصدوق (رحمه الله) تبعا لما فسر به في تلك الرواية لما علم من تصرفه
في الأخبار على حسب ما ذهب إليه فهمه.
ويؤيده اختلاف المحدثين في نقل الخبر فبين من نقله عاريا من التفسير
بالكلية وبين ما نقله بلفط يعني كما في الرواية المتقدمة، وبين من نقله بما يوهم
كونه من أصل الخبر كما فعله في الفقيه، ومع هذا الاحتمال فلا يتم الوثوق
والاعتماد على الخبر المذكور.
نعم ربما كان نقل الصدوق للخبر بهذه الكيفية مؤذنا بكون مذهبه ذلك
بناء على قاعدته في كتابه، إلا أن فيه أنا قد تحدينا مواضع عديدة في كتابه

(1) الوسائل ج 14 ص 355 ح 3.
(2) الفقيه ج 3 ص 262 ح 32، الوسائل ج 14 ص 356 ح 6.
456

وقت قراءة بعض الأعلام الكتاب علينا فوجدناه في جملة من المواضع قد جمع فيها
بين الأخبار المتنافية التي لا يمكن جعلها جميعا مذهبا له، ولم يذكر وجه الجمع
فيها بما يوجب رجوع بعضها إلى بعض، كما لا يخفى على من راجع الكتاب،
وتأمله حق التأمل في هذا الباب.
ومنها معلقة محمد بن إسحاق بن عمار (1) " قال: قلت له رجل تزوج امرأة
فهلكت قبل أن يدخل بها تحل له أمها، وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل
بها " وهذه الرواية أوضح ما استدل به لهذا القول.
وكيف كان فالقول الفصل - في هذا المقام والمذهب والذي لا يعتريه شائبة
الابهام - هو أن يقال: لا ريب في صراحة الروايات الأول في الدلالة على القول
المشهور، ولا شبهة في مطابقتها للكتاب العزيز، ولا سيما مع ما ورد من تفسيرها
بذلك عنهم عليهم السلام كما دريت.
وقد استفاض عنهم عليهم السلام عرض الأخبار عند التعارض والاختلاف عليه،
والأخذ بما وافقه وطرح ما خالفه، وهذه الأخبار الدالة على هذا القول الآخر ظاهرا
أو احتمالا مخالفة له فيجب طرحها بمقتضى القاعدة المذكورة، ومع التحاشي
عن طرحها بالكلية فما كان منها قابلا للحمل على ما يجتمع به على تلك الأخبار
يجب أن يصار إليه، تفاديا من طرحها، وما لا يكون قابلا لذلك يجب حمله على
التقية التي هي الأصل في اختلاف الأخبار في جميع الأبواب.
ويعضد ذلك شهرة الحكم بالقول المشهور سابقا ولاحقا كما سمعت من
صحيحة منصور بن حازم (2) بتقريب ما ذيلناها به.
وأما نسبة هذا القول إلى الصدوق كما ذكره في المختلف ففيه ما عرفت،
ويؤيده أيضا أنه قال في كتاب المقنع إذا تزوج البنت فدخل بها أو لم يدخل

(1) التهذيب ج 7 ص 275 ح 6، الوسائل ج 14 ص 356 ح 5.
(2) التهذيب ج 7 ص 274 ح 5، الوسائل ج 14 ص 354 ح 1.
457

فقد حرمت عليه الأم.
وقد روى " أن الأم والبنت في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له
الأخرى " وهو ظاهر في فتواه بالقول المشهور، ونسبة القول الآخر إلى الرواية،
والمعلوم من حاله وعادته أنه لا يختلف فتواه في كتبه كغيره من المجتهدين.
وبالجملة فهو قرينة ظاهرة فيما نقلناه، ويعضد أخبار القول المشهور
موافقتها للاحتياط الذي هو أحد المرجحات المنصوصة عند التعارض كما تضمنه
مرفوعة زرارة.
وبما قررناه في هذه السطور وأوضحناها بما لا يداخله القصور يظهر لك
قوة القول المشهور، وأنه المؤيد المنصور.
وأما من استشكل في هذه المسألة من المحققين المتقدمين، فإن منشأ ذلك
بالنسبة إلى أولهما أنه حيث كان من أرباب هذا الاصطلاح المحدث، ولا يعمل من
الأخبار إلا على الصحيح منها أو الحسن.
وأخبار القول المشهور وإن كانت ضعيفة باصطلاحه، إلا أن المشهور العمل
بها، حصل له الاشكال والتوقف لمعارضة صحة تلك الروايات بشهرة العمل بهذه
الروايات، وهذا الاشكال مفروغ عنه عندنا، حيث إنه لم يقم لنا دليل على صحة
هذا الاصطلاح، بل الأدلة قائمة على خلافه وأنه إلى الفساد أقرب من الصلاح،
كما تقدم إيضاحه في مقدمات الكتاب في الجلد الأول من كتاب الطهارة (1).
وأما ثانيهما فإنه قال - بعد الكلام في المقام بإبرام النقض ونقض الابرام -:
ويمكن ترجيح قول ابن أبي عقيل بأصالة الحل، وقوله عليه السلام (2) " كل شئ هو
لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه " وظاهر الكتاب لا يأباه، بحيث إن

(1) ج 1 ص 14.
(2) الكافي ج 5 ص 313 ح 40 التهذيب ج 7 ص 226 ح 9، الوسائل ج 12
ص 60 ح 4.
458

الخبر المخالف له يعد مخالفا للكتاب المخالفة الموجبة للرد.
واحتمال إطلاق أخبار التحريم شدة الكراهة المقتضي للجمع بين الأخبار
الذي هو أولى من العمل بها المقتضي لطرح أخبار الجواز أصلا ورأسا، والمسألة
قوية الاشكال جدا، ثم ساق الكلام إلى أن قال: هذه المسألة من المعضلات المأمور
بالارجاء حتى يظهر الحق. إنتهى كلامه، علت في الفردوس أقدامه.
وفيه نظر من وجوه: الأول: أن أصالة الحل التي استند إليها فهو مما
يجب الخروج عنها بعد قيام الدليل على خلافها، وقد تقدم ذلك من الكتاب
والسنة على وجه واضح الظهور، بل كالنور على الطور.
الثاني: أن ما استند إليه من خبر " كل شئ لك حلال " مردود بأن
الظاهر أن أفراد هذه الكلية إنما هي موضوعات الحكم الشرعي، لا نفس الحكم
الشرعي كما تقدم إيضاحه في مسألة الإنائين من كتاب الطهارة، وفي مقدمات الكتاب
من جلد كتاب الطهارة، وكذا مثل ذلك في كتاب الدرر النجفية، فأفراد هذه
الكلية إنما هي الأفراد المعلوم حلها ثم يعرض لها ما يوجب الشك في التحريم،
فإنه يجب استصحاب الحكم بحلها المعلوم أو لا حتى يثبت التحريم، فلا يكتفي في
ذلك بالظن فضلا عن الشك.
والغرض من ذلك بيان سعة الشريعة وسهولتها، ودفع الوساوس الشيطانية،
وحينئذ فافرادها الجهل بمعروض الحكم الشرعي، لا أن افرادها الجهل بالحكم
الشرعي، ومن أحب تحقيق الكلام في هذا المقام، فليرجع إلى المواضع المذكورة.
الثالث: قوله " وظاهر الكتاب لا يأباه " فإن فيه ما عرفت سابقا من الوجوه
الدالة على بطلان حمل الآية على هذا المعنى فظهور الآية في إبائه مما لا يستراب
فيه، ولا شك يعتريه كما لا يخفى على من نظر إلى ما قدمناه بعين الانصاف، وبه
يكون مخالفتها موجبة للرد بلا ريب ولا إشكال.
الرابع: قوله " واحتمال إطلاق أخبار التحريم شدة الكراهة فإنه بعيد
459

غاية البعد عن سياق تلك الأخبار سيما ما تضمن منها تفسير الآية مع اعتضادها
بظاهر الآية وعدم صراحة المخالف من الأخبار في المخالفة سوى الرواية الأخيرة
التي يضعف عن مقاومة تلك الأخبار.
وما تمسك به - من لزوم طرح المقابل متى عمل على أخبار التحريم - مردود
بما ذكرنا سابقا من أن الأخبار المقابلة منها ما ليس بصريح في المخالفة، بل
يمكن حمله على تلك الأخبار.
وما كان صريحا أو ظاهرا يمكن حمله على التقية ولو لم يكن قائلا به من
العامة بالكلية كما تقدم بيانه في غير موضع، فكيف مع وجود القائل، فلا يلزم
ما توهمه من طرحها بالكلية.
وبالجملة فأخبار التحريم مع صراحتها مؤيدة بالقرآن، والشهرة في قوله
عليه السلام (1) " خذ بما اشتهر بين أصحابك " والاحتياط الذي هو كما عرفت من جملة
المرجحات، وليعلم أن ما ذكرنا هنا من هذا التحقيق قد سبق لنا قبل تصنيف
هذا الكتاب، فأثبتنا هنا كما هو، لما فيه من الإحاطة بأطراف الكلام في الباب،
والله العالم.
المسألة الثانية: لا خلاف بين الأصحاب (رضي الله عنهم) في أنه لا يحرم
مملوكة الأب على الابن ولا العكس بمجرد الملك، وأما مع وطئ كل منهما
مملوكته، فإنها تحرم على الآخر: قال السيد السند في شرح النافع: هذان
الحكمان اجماعيان منصوصتان.
أقول: أما عدم التحريم بمجرد الملك فلأن الأصل الإباحة حتى يقوم
دليل على التحريم، والمحرمات معدودة في الأخبار وكلام الأصحاب، وليس منها
بمجرد ملك الأب أو الابن بالنسبة إلى الآخر، وهو ظاهر.

(1) عوالي اللئالي ج 3 ص 129 ح 12، مستدرك الوسائل ج 3 ص 185
ب 9 ح 2.
460

وأما حصول التحريم بالوطئ فلقوله عز وجل (1) " ولا تنكحوا ما نكح آبائكم "
بناء على كون النكاح حقيقة في الوطئ، وقوله عز وجل (2) " وحلائل أبنائكم
الذين من أصلابكم " والحليلة: فعلية بمعنى المفعول، والمراد المحللة وهي شاملة
للزوجة والمملوكة.
ويمكن المناقشة بأن التحليل يحصل بمجرد العقد والملك فإنها تكون
محللة بأيهما حصل، والمراد هنا الوطئ، فالآية أعم من المطلوب، والأظهر
الرجوع في ذلك إلى الأخبار.
ومنها رواية زرارة المروية في الكافي (3) قال أبو جعفر عليه السلام في حديث:
" إذا أتى الجارية وهي حلال فلا تحل تلك الجارية أبدا لابنه ولا لأبيه ".
وتدل عليه الأخبار الكثيرة الآتية الدالة على التحريم بالنظر
بشهوة والتقبيل
ونحو ذلك، فإنه إذا أوجب ذلك التحريم أوجبه الوطئ بطريق أولى.
وبالجملة فإن الحكم اتفاقي لا خلاف فيه ولا يجوز لكل من الأب والابن
أن يطأ مملوكة الآخر إلا بعقد أو ملك أو تحليل لقبح التصرف في مال
الغير بغير إذنه عقلا وشرعا، وعموم الأدلة الدالة على ذلك لكل من الأب والابن
بالنسبة إلى مال الآخر جارية كان أو غيرها، نعم يجوز للأب أن يقوم جارية ابنه
الصغير على نفسه ثم يطأها لدلالة الأخبار على ذلك.
ومنها ما رواه في الكافي عن داود بن سرحان (4) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
رجل تكون لبعض ولده جارية، وولده صغار، فقال: لا يصلح أن يطأها حتى

(1) سورة النساء - آية 22.
(2) سورة النساء - آية 22.
(3) الكافي ج 5 ص 419 ح 7، التهذيب ج 7 ص 281 ح 25، الوسائل ج 14
ص 318 ح 5.
(4) الكافي ج 5 ص 471 ح 1، التهذيب ج 7 ص 271 ح 87، الوسائل
ج 14 ص 544 ح 4.
461

يقومها قيمة عدل ثم يأخذها، ويكون لولده عليه ثمنها ".
وعن عبد الرحمن بن الحجاج (1) في الصحيح أو الحسن " قال: قلت له: الرجل
يكون لابنه جارية، أله أن يطأها، فقال: يقومها على نفسه قيمة ويشهد على
نفسه بثمنها أحب إلى " وإطلاقه محمول على الابن الصغير.
وعن محمد بن إسماعيل (2) والظاهر أنه ابن بزيع، فيكون الخبر صحيحا
" قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في جارية لابن لي صغير، أيجوز لي أن أطأها؟
فكتب: لا، حتى تخلصها "
أقول: الظاهر أن المراد بقوله " حتى تخلصها " أي تخرجها عن ملكه
بالشراء وضمان القيمة كما دل عليه غيره من الأخبار.
وأما ما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن الحسن بن محبوب في الصحيح " قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام: إني كنت وهبت لابنتي جارية حيث زوجتها فلم
تزل عندها في بيت زوجها حتى مات زوجها، فرجعت إلى هي والجارية، أفتحل
لي الجارية أن أطأها فقال: قومها بقيمة عادلة، وأشهد على ذلك، ثم إن شئت
تطأها ".
فهو محمول على إذن البنت بذلك، كما يدل عليه ما رواه في الكتابين (4)
المذكورين عن الحسن بن صدقة " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: إن بعض
أصحابنا روى أن للرجل أن ينكح جارية ابنه وجارية ابنته ولي ابنة وابن
ولابنتي جارية اشتريتها لها من صداقها، أفيحل لي أن أطأها؟ فقال: لا، إلا

(1) الكافي ج 5 ص 471 ح 3 و 4، الوسائل ج 14 ص 543 ح 3 و 2.
(2) الكافي ج 5 ص 471 ح 3 و 4، الوسائل ج 14 ص 543 ح 3 و 2.
(3) الكافي ج 5 ص 471 ح 5، التهذيب ج 6 ص 345 ح 91، الوسائل ج 12
ص 198 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 471 ح 6، التهذيب ج 7 ص 89، الوسائل ج 14
ص 544 ح 5.
462

بإذنها، قال الحسن بن الجهم: أليس قد جاء أن هذا جائز؟ قال: نعم ذاك إذا
كان هو سببه، ثم التفت إلي وأومى نحوي بالسبابة فقال: إذا اشتريت أنت
لابنك وكان الابن صغيرا ولم يطأها حل لك أن تقتضها فتنكحها، وإلا فلا، إلا
بإذنهما ".
قال في المسالك: ويجوز للأب تقويم أمة الصغير على نفسه بأن يتملكها بعقد
شرعي مملك لا بمجرد التقويم، إذ لا ينتقل الملك به، وبدون الانتقال لا يباح
الوطئ. إنتهى.
أقول: قد عرفت من هذه الأخبار ومثلها غيرها أيضا مما لم ننقله أنه
لا تعرض فيها ولو بالإشارة إلى هذا العقد، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم
أن الأمر في العقود أوسع دائرة مما ذكروه وضيقوا به من تلك الصيغ الخاصة
بالترتيب والشروط التي ذكروها، فإنه لم يقم على شئ منه دليل، بل الدليل
على خلافه واضح السبيل.
وقد صرح جمع من الأصحاب - منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك -
بأنه لا يشترط وجود المصلحة في ذلك للابن، بل يكفي انتفاء المفسدة، والظاهر
أن المستند في ذلك إطلاق النصوص المذكورة. وهل يتعدى الحكم إلى الجد
أم لا؟ قال في المسالك: وجهان أجودهما ذلك لاشتراكهما في المعنى، وقال سبطه
في شرح النافع: ولا يتعدى ذلك إلى الجد ولا إلى غيره من الأولياء.
أقول: والمسألة محل إشكال من حيث إن مورد النصوص الأب، والحكم
على خلاف الأصول فيقتصر فيه على مورد النص، ومن حيث صدق الأب على
الجد وإن علا، ومشاركته للأب في أحكام كثيرة، ولا ريب أن الأحوط العدم،
وظاهر الأصحاب أيضا أنه لا فرق في جواز ذلك بين كون الأب مليا أم لا، عملا
بإطلاق النصوص.
463

تنبيهات:
الأول: لو وطأ أحدهما مملوكة الآخر من غير شبهة فلا ريب في كونه
زانيا، وإنما الكلام في تحريمها بذلك على الآخر وسيأتي الكلام فيه - إن شاء الله -
في التحريم بالزناء وعدمه، ويحد الابن دون الأب.
قال في المسالك: والفرق بين الأب والابن بعد النص إن الأب أصل له فلا
يناسبه إثبات العقوبة عليه بخلاف العكس. إنتهى.
ولو كان ثمة شبهة، فلا حد على واحد فيهما، ولو حملت مملوكة الأب
من الابن بوطئ الشبهة انعتق الولد، ولا قيمة على الابن، لأن ولد الولد ينعتق
على جده من حين الولادة، ولو حملت مملوكة الابن من الأب لم ينعتق، لأن
المالك للجارية هو الابن، وهو أخو المولود، والأخ لا ينعتق على أخيه، وعلى الأب
فكه بالقيمة، نعم لو كان المولود أنثى عتقت على أخيها.
الثاني: تحرم أخت الزوجة جمعا لا عينا، فيحرم الجمع بينهما في الدائم
والمنقطع، وفي النكاح بالملك سواء كانت الأختية لأب وأم أو لأحدهما، ولو أراد
نكاح الأخت الأخرى بعد أن نكح الأولى فليس له ذلك حتى تخرج الأولى من
العدة أو يكون الطلاق بائنا.
وإذا انقضى أجل المتعة فلا يجوز العقد على أختها حتى تنقضي العدة على
الصحيح، وإن كان المشهور خلافه، حتى قال ابن إدريس في كتابه وقد روي في
المتعة (1) " إذ انقضى أجلها أنه لا يجوز العقد على أختها حتى تنقضي عدتها "، وهي
رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يلتفت إليها، ولا يجوز التصريح عليها. إنتهى
وهو جيد على أصله الغير الأصيل المخالف لما عليه كافة العلماء جيلا بعد جيل.

(1) السرائر ص 290، الكافي ج 5 ص 431 ح 5، التهذيب ج 7 ص 287
ح 45، الوسائل ج 14 ص 369 ح 1.
464

والذي يدل على هذه الأحكام جملة من الأخبار منها ما رواه في الكافي عن
جميل بن دراج (1) في الصحيح عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما السلام " أنه قال في رجل
تزوج أختين في عقدة واحدة، وقال بالخيار يمسك أيتهما شاء ويخلى سبيل
الأخرى ".
وعن أبي بكر الحضرمي (2) قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل نكح امرأة
ثم أتى أرضا فنكح أختها وهو لا يعلم، قال: يمسك أيتهما شاء، ويخلي سبيل
الأخرى ".
وعن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن رجل اختلعت منه
امرأته، أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال: نعم،
قد برءت عصمتها منه، وليس له عليها رجعة ".
وعن الحلبي (4) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل طلق
امرأته أو اختلعت أو بارأت، أله أن يتزوج بأختها؟ قال: فقال: إذا برءت
عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها، قال وسئل عن رجل
كانت عنده أختان مملوكتان فوطئ إحداهما ثم وطئ الأخرى، قال: إذا وطأ
الأخرى فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت الأخرى، قال: أرأيت إن باعها
أتحل له الأولى؟ قال: إن كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على قبله من الأخرى شئ
فلا أرى بذلك بأسا، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الأولى فلا، ولا كرامة ".
وعن زرارة (5) في الحسن " عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل طلق امرأته وهي

(1) الكافي ج 5 ص 431 ح 3 و 2، التهذيب ج 7 ص 285 ح 39 و 41، الوسائل ج 14 ص 368 ح 2 و ص 369 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 431 ح 3 و 2، التهذيب ج 7 ص 285 ح 39 و 41، الوسائل ج 14 ص 368 ح 2 و ص 369 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 144 ح 9، الوسائل ج 15 ص 480 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 432 ح 7 الوسائل ج 15 ص 480 ح 2.
(5) الكافي ج 5 ص 432 ح 8 لكن عن أبي جعفر عليه السلام، التهذيب ج 7
ص 286 ح 44، الوسائل ج 14 ص 371 ح 2.
465

حبلى أيتزوج أختها قبل أن تضع؟ قال: لا يتزوجها حتى يخلو أجلها ".
وعن ابن أبي حمزة (1) عن أبي إبراهيم عليه السلام " قال: سألته عن رجل طلق امرأته
أيتزوج أختها؟ قال: لا، حتى تنقضي عدتها، قال: وسألته عن رجل ملك أختين
أيطؤهما جميعا؟ فقال: يطأ إحداهما، وإذا وطأ الثانية حرمت عليه الأولى التي وطئ
حتى تموت الثانية، أو يفارقها، وليس له أن يبيع الثانية من أجل الأولى ليرجع
إليها، إلا أن يبيع لحاجة أو يتصدق بها أو تموت، قال: وسألته عن رجل كانت له
امرأة فهلكت، أيتزوج أختها؟ فقال: ساعته إن أحب ".
وما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد (2) في الصحيح " قال: قرأت في كتاب
رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة إلى
أجل مسمى فينقضي الأجل بينهما، هل له أن ينكح أختها من قبل أن تنقضي
عدتها؟ فكتب: لا يحل له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها ".
وسيأتي تحقيق الكلام في جملة من هذه الأحكام المذكورة في هذه الأخبار
في الأبحاث الآتية إن شاء الله.
الثالث: قالوا: لو وطئ الأب زوجة ابنه لشبهة لم تحرم على ابنه لسبق
الحل كما هو أحد القولين، لأن وطئ الشبهة إنما يحرم بناء على القول المشهور
به إذا كان سابقا على النكاح، فلو كان متأخرا كما هنا لم يحرم، ولو قلنا بأنه
يحرم سابقا ولاحقا حرمت على الابن.
قالوا: ويتفرع على الخلاف ما لو وطأها الابن ثانيا، فإن قلنا بأنه يحرم
لاحقا فقد حرمت عليه، فلو وطأها ثانيا وكانا عاملين بالتحريم فهو زان ولا مهر

(1) الكافي ج 5 ص 432 ح 9، التهذيب ج 7 ص 290 ح 54 لكن ليست فيه
الفقرة الأولى، الوسائل ح 15 ص 481 ح 3.
(2) الكافي 5 ص 431 ح 5، التهذيب ج 7 ص 287 ح 45، الوسائل ج 14
ص 369 ح 1.
466

لها سوى الأول، وإن كانا جاهلين أو هي جاهلة فإن لها بهذا الوطئ مهر المثل
كغيره من وطئ الشبهة، فيكون لها على الولد مهران حينئذ: المسمى الأول،
ومهر المثل ثانيا، ولها على أبيه أيضا مهر المثل لوطئ الشبهة.
المسألة الثالثة: في الجمع بين العمة وبنت أخيها، والخالة وبنت أختها
أجمع العامة على تحريم الجمع في النكاح بين ما ذكرناه لقوله عليه السلام (1) " ولا تجمع بين
المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها " والضابط عندهم تحريم الجمع بين كل
امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا لحرم عليه نكاح الأخرى.
قال في المسالك: وهذا ضابط حسن، لأنه يدخل فيه الجمع بين الأختين،
وبين النبت وأمها وإن علت وابنتها وإن سفلت، ويبقي الكلام في الجمع بين العمة
مع بنت الأخ، والخالة مع بنت الأخت.
أقول: صحة هذه الضابطة وثبوت كونه ضابطا يتوقف على قيام الدليل
بتحريم الجمع مطلقا في تلك الأفراد، فأي فرد قام الدليل عليه كذلك صح
اندراجه تحت هذا الضابط، ومحل البحث لما كان بمقتضى أدلتهم كونه كذلك
صح اندراجه.
وأما مقتضى أدلتنا وأخبارنا فحيث إنه لم يكن كذلك لجواز الجمع مع
الرضاء والإذن كما سيظهر لك إن شاء الله فإنه لا يندرج تحت الضابط المذكور
بل يكون الضابط المذكور مخصوصا بالأختين والبنت وأمها والأم وبنتها.
وكيف كان فالكلام هنا يقع في موضعين: (أولهما) المشهور بين الأصحاب
(رضوان الله عليهم) حتى كاد يكون إجماعا، بل نقل الاجماع العلامة في التذكرة
وقبله المرتضى في الإنتصار والشيخ في الخلاف، جواز الجمع بين من ذكرناه بشرط
رضاء العمة والخالة، فبدونه يحرم ذلك، ونقل عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد

(1) التهذيب ج 7 ص 332 ح 3 وفيه " لا يحل للرجل أن يجمع إلى آخره "،
الوسائل ج 14 ص 376 ح 7.
467

الجواز مطلقا، وعن الصدوق في المقنع مطلقا، والظاهر هو القول المشهور.
وأما ما يدل على الجواز في الجملة فعموم قوله عز وجل (1) " وأحل لكم
ما وراء ذلكم " بعد أن عدد المحرمات جمعا وعينا.
وما رواه علي بن جعفر (2) " قال: سألت أخي موسى عليه السلام عن الرجل يتزوج
المرأة على عمتها أو خالتها؟ قال: لا بأس، لأن الله عز وجل قال: وأحل لكم
ما وراء ذلكم ".
أقول: وهذه الرواية لم تصل إلينا في كتب الأخبار المشهورة، وإنما نقلها
العلامة في المختلف عن ابن أبي عقيل في ضمن كلامه، وسيأتي نقل صورة عبارته،
وأنا أذكر هنا ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام.
فمنها ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (3) في الموثق عن أبي جعفر عليه السلام " قال:
لا تتزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما، وتزوج
العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما ".
ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم (4) عنه عليه السلام مثله إلا أنه قال:
" لا تنكح وتنكح ".
وعن أبي عبيدة الحذاء (5) " قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا تنكح المرأة
على عمتها ولا على خالتها إلا بإذن العمة والخالة ".
وما رواه الشيخ عن علي بن جعفر (6) عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام " قال:

(1) سورة النساء - آية 24.
(2) الوسائل ج 14 ص 377 ح 11.
(3) الكافي ج 5 ص 424 ح 1، الوسائل ج 14 ص 375 ح 1.
(4) الفقيه ج 3 ص 260 ح 23، الوسائل ج 14 ص 375 ح 1.
(5) الكافي ج 5 ص 424 ح 2، الوسائل ج 14 ص 375 ح 2.
(6) التهذيب ج 7 ص 333 ح 5، الوسائل ج 14 ص 375 ح 3.
468

سألته عن امرأة تزوجت على عمتها وخالتها؟ قال: لا بأس، وقال: تزوج العمة
والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت، ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة
والخالة إلا برضا منهما، فمن فعل فنكاحه باطل ".
وعن محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: تزوج العمة والخالة علي بنت
الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما ".
وبالإسناد عن محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: لا تزوج ابنة الأخت
على خالتها إلا بإذنها، وتزوج الخالة على ابنة الأخت بغير إذنها ".
وعن أبي الصباح الكناني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لا يحل للرجل أن
يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها ".
وعن أبي عبيدة (4) " قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لا تنكح المرأة على عمتها
ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة ".
وما رواه الصدوق والكليني مثله (5).
وعن مالك بن عطية (6) عنه عليه السلام " قال: لا يتزوج المرأة على خالتها، ويتزوج
الخالة على ابنة أختها ".
وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن محمد بن مسلم (7) عن أبي جعفر عليه السلام
" قال: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن تزويج المرأة على عمتها وخالتها إجلالا للعمة

(1) التهذيب ج 7 ص 332 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 376 ح 5 و 6.
(2) التهذيب ج 7 ص 332 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 376 ح 5 و 6.
(3) التهذيب ج 7 ص 332 ح 3 و ص 333 ح 6، الوسائل ج 14 ص 376 ح 7 و 8.
(4) التهذيب ج 7 ص 332 ح 3 و ص 333 ح 6، الوسائل ج 14 ص 376 ح 7 و 8.
(5) الكافي ج 5 ص 445 ح 11، الفقيه ج 3 ص 260 ح 21، الوسائل
ج 14 ص 376 ح 8.
(6) الفقيه ج 3 ص 260 ح 22، الوسائل ج 14 ص 377 ح 9.
(7) العلل ص 499 ب 257 ح 1، الوسائل ج 14 ص 377 ح 10.
469

والخالة، فإذا أذنت في ذلك فلا بأس ".
وما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره بسنده عن محمد بن مسلم (1) في الصحيح
عن أبي جعفر عليه السلام " قال: لا تنكح ابنة الأخت على خالتها، وتنكح الخالة على
ابنة أختها، ولا تنكح ابنة الأخ على عمتها، وتنكح العمة على ابنة أخيها ".
وبسنده عن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام " قال: لا تنكح
الجارية على عمتها ولا على خالتها إلا بإذن العمة والخالة، ولا بأس أن تنكح
العمة والخالة علي بنت أخيها وبنت أختها. "
وما رواه الشيخ عن السكوني (3) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " إن عليا عليه السلام أتي
برجل تزوج امرأة على خالتها فجلده وفرق بينهما ".
هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة، وأنت خبير متى ضم بعضها إلى بعض
يحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها كما هو القاعدة المطردة في غير
مقام من الأحكام فإنها ظاهرة في المراد، عارية عن وصمة الإيراد.
وربما يقال إن هذا الجواب إنما يتم على تقدير جواز تخصيص القرآن
بخبر الواحد، وفيه أنه وإن وقع الخلاف في ذلك في الأصول إلا أن المختار - كما
صرح به جمع من المحققين منهم شيخنا الشهيد الثاني في هذه المسألة - هو الجواز
فلا منافاة.
فأما خبر السكوني المذكور فحمله الشيخ (رحمه الله) على عدم الرضاء وانتفاء
الإذن، وجوز حمله على التقية.
أقول: وهو الأظهر فإن العامة كما عرفت مجمعون على تحريم الجمع
مطلقا، وبذلك يظهر لك قوة القول المشهور، وأنه المؤيد المنصور.
وقال ابن أبي عقيل على ما نقله عنه في المختلف لما عد المحرمات في الآية

(1) الوسائل ج 14 ص 377 ح 12 و 13.
(2) الوسائل ج 14 ص 377 ح 12 و 13.
(3) التهذيب ج 7 ص 332 ح 4، الوسائل ج 14 ص 376 ح 4.
470

قال: فهذه جملة النساء التي حرم الله نكاحهن وأحل نكاح ما سواهن ألا تسمعه
يقول بعد هذه الأصناف الستة " وأحل لكم ما وراء ذلكم " فمن ادعى أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم حرم عليه غير هذه الأصناف وهو يسمع الله يقول " وأحل لكم ما وراء
ذلكم " فقد أعظم القول على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قال: ألا لا يتعلقن على أحد بشئ
فإني لا أحل إلا ما أحل الله ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه، وكيف أقول
ما يخالف القرآن وبه هداني الله عز وجل.
وقد روي عن علي بن جعفر (1) " قال: سألت أخي موسى عليه السلام " ثم ساق الرواية
كما قدمناه، وقال ابن الجنيد: وقول الله عز وجل " وأحل لكم ما وراء ذلكم "
غير حاضر الجمع بين العمة وابنة الأخ أو الخالة وابنة الأخت والحديث الذي
روى فيه إنما هو نهي احتياط لا تحريم.
وقد روي جوازه إذا تراضيا عن أبي جعفر عليه السلام وموسى بن جعفر عليه السلام قال
يحيى بن الحسن وعثمان المثنى: والاحتياط عندي ترك ذلك، ومن عقده لم
ينفسخ كما ينفسخ نكاح الأخت على الأخت، والأم علي البنت إنتهى.
وظاهره في المسالك المنع من دلالة كلاميهما على الجواز مطلقا، كما فهمه
الأصحاب قال: لأنهما أطلقا القول بالجواز واستدلا بالآية، وهو مذهب الأصحاب
وإنما الكلام في أمر آخر وهو غير مناف لما أطلقاه مع أن ابن الجنيد قال -
عقيب ذلك -: وقد روي جوازه إذا تراضيا عن أبي جعفر وموسى بن جعفر عليهما السلام
وعادته في كتابه أن يعد قول الأئمة كذلك مع اختياره له، وحجتهما الآية
والخبر السابق عن الكاظم عليه السلام الدالان على الحل، وجوابه أنهما مطلقان والأخبار
الأخرى مقيدة، فيجب الجمع بحمل المطلق على المقيد. إنتهى.
أقول: الظاهر - بعد ما تكلفه (قدس سره) - أن ظاهر كلاميهما إنما هو
الجواز وإن لم يحصل الرضاء من العمة والخالة، ألا ترى ابن الجنيد حمل الأخبار

(1) الوسائل ج 14 ص 377 ح 11.
471

المطلقة في المنع على الاحتياط الراجع إلى الكراهة، وعضد ذلك بالرواية عن
أبي جعفر وموسى عليهما السلام الدالة على الجواز مع التراضي.
ولو كان الأمر كما زعمه (قدس سره) لكان الواجب على ابن الجنيد أن
يخصص خبر النهي بخبر التراضي، فيقول إنه منهي عنه إلا مع التراضي.
وبالجملة فالظاهر من كلاميهما هو ما نقله الأصحاب عنهما من الجواز
مطلقا.
وأما الصدوق فإنه قال في المقنع: ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على
خالتها ولا على ابنة أخيها ولا علي بنت أختها فعمم المنع ولم يفرق بين دخول
العمة والخالة علي بنت الأخ وبنت الأخت وبين العكس، مع أن الأحبار كما
عرفت قد صرحت بالفرق، وهو (قدس سره) قد نقل جملة من هذه الأخبار في
الفقيه، فقوله بالتعميم هنا عجب خارج عن مقتضى قاعدته وعادته في فتاويه،
ويمكن تقييد إطلاقه هنا بالأخبار المذكورة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور.
أحدها: أن المفهوم من الأخبار المتقدمة وبه صرح الأصحاب أنه ليس له
إدخال بنت الأخ وبنت الأخت على العمة والخالة إلا مع إذن العمة والخالة (1)،
وله إدخال العمة والخالة علي بنت الأخ وبنت الأخت من غير استيذان المدخول
عليها، ولا يعرف هنا مخالف إلا ما يظهر من ظاهر عبارة المقنع، إلا أنك قد
عرفت أن الأخبار على خلافه، فإنها قد صرحت بجواز إدخال العمة والخالة
وإن لم ترض المدخول عليها.
وثانيها: أنه هل يشترط علم العمة والخالة بكون المدخول عليها ابنة أخ

(1) أقول: المخالف في الصورة الأولى ابن أبي عقيل وابن الجنيد في ظاهر
كلاميهما كما عرفت، حيث قالا بالجواز مطلقا وفي الصورة الثانية ظاهر عبارة المقنع كما ذكرنا.
(منه - قدس سره -)
472

أو بنت أخت ويرضيان بذلك أم لا؟ أطلق أكثر الأصحاب الجواز ولم يشترطوا
ذلك، كما نقله السيد السند في شرح النافع، وجزم العلامة في جملة من كتبه
باشتراط ذلك، ومستنده غير ظاهر من الأخبار التي قدمناها، وهي أخبار المسألة
كملا بل ظاهر إطلاقها عدمه.
وثالثها: أنه على تقدير القول باعتباره واشتراطه، فلو أدخلهما جاهلتين
بالحال فهل يقع العقد باطلا أم يتوقف عقد الداخلة على رضاها، أم عقدها وعقد
المدخول بها؟ أوجه: واستوجه في المسالك الوسط منها، محتجا بأن جواز عقد
الداخلة مشروط برضاها فلا وجه لابطاله بدونه، بل يقع موقوفا على الرضاء فإن
حصل صح، وإلا فلا، ولهذا بطل الوجه الأول، وعقد السابقة قد حكم بصحته
ولزومه قبل العقد الثاني فيستصحب.
والحق في ذلك للداخلة، فيتخير في عقد نفسها بين فسخه والرضاء بمصاحبة
المدخول عليها، وبهذا بطل الوجه الثالث، قال: وكون رضاها شرطا في صحة
جواز الجمع لا يدل على أزيد من ذلك، لأن العقد لا يقصر عن عقد الفضولي،
وسيأتي تحقيقه. إنتهى.
واختار سبطه في شرح النافع الأول من الوجوه الثلاثة قال: لأن إلحاق
ذلك بعقد الفضولي لا يخرج عن القياس، وهو جيد.
ورابعها: هل يختص هذا الحكم بالجمع بينهما بالزوجية، فلا يحرم الجمع
في الوطئ بملك اليمين أو يعم التحريم؟: وجهان: استظهر الأول منهما شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك، وسبطه في شرح النافع مستندين إلى أن أكثر الروايات
إنما وردت بلفظ التزويج، وبعضها وإن عبر فيه بلفظ النكاح، لكن الظاهر
منه إرادة العقد سيما مع القول بكونه حقيقة في العقد، وأيدوه بأن المملوكة
ليست أهلا للإذن والسلطنة في النكاح، فلا يكون استيذانها معتبرا.
وعلى هذا فلو كانت العمة والخالة أمتين، وأدخل عليهما بنت الأخ والأخت
473

أمتين جاز ذلك للتعليل المذكور، وأولى بالجواز لو كانت بنت الأخ وبنت الأخت
حرتين، فإنه لا يستأذن العمة ولا الخالة.
ولو كانت العمة والخالة حرتين وأدخلت عليهما بنت الأخ وبنت الأخت
بالملك احتملا اعتبار استيذانهما، لأن توقف إدخال الحرة عليهما على الإذن
يقتضي توقف إدخال المملوكة عليه بطريق أولى، إلا أنه ربما يناقش في ثبوت
الأولوية من حيث عدم استحقاق الأمة للاستمتاع، والاحتياط في أمثال هذه المواضع
مما لا ينبغي تركه بل ربما كان واجبا.
و (ثانيهما) أنك قد عرفت أنه لا يجوز إدخال بنت الأخ وبنت الأخت
على العمة والخالة إلا برضاهما، وحينئذ فلو عقد عليهما وأدخلهما بدون
ذلك، فهل يقع عقد الداخلة باطلا خاصة مع لزوم عقد الأولى المدخول
عليها، أو يبطل عقد الداخلة ويتزلزل عقد المدخول عليها، فلها أن يفسخ عقد
نفسها، أو يتزلزل العقدان السابق والطارئ، أو يتزلزل العقد الطارئ
خاصة بحيث يكون موقوفا على رضا المدخول عليها مع لزوم عقد المدخول
عليها أقوال:
(أولها) للمحقق في كتابيه، والوجه فيه أما بالنسبة في لزوم عقد الأولى
فلانعقاده لازما، والأصل بقاؤه حتى يقوم دليل على خلافه، والنهي في الأخبار
إنما توجه إلى العقد الثاني، فلا موجب لتأثر الأول بوجه.
وأما بالنسبة إلى بطلان العقد الثاني فللنهي عنه في الأخبار المتقدمة المقتضي
للفساد ولتصريح رواية علي بن جعفر (1) المتقدمة بأنه مع عدم رضاء العمة والخالة
باطل، ولأن ظاهر الأخبار المتقدمة أن رضاء العمة والخالة شرط في صحة العقد
لأن قوله عليه السلام " لا يتزوج ابنة الأخ وابنة الأخت على العمة والخالة إلا بإذنهما
يقتضي النهي إلا مع مصاحبة الإذن واتصافه به، فيجب حصوله وقت التزويج بمقتضى

(1) التهذيب ج 7 ص 333 ح 5، الوسائل ج 14 ص 375 ح 3.
474

ذلك.
واعترض عليه هذه الأدلة في المسالك فقال: إن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات
كما حقق في الأصول، والخبر المصرح بالبطلان - مع ضعف سنده - يمكن حمله
على البطلان مع كراهتهما لذلك جمعا بين الأدلة.
قال: ونمنع شرطية الرضاء في صحة العقد، والأخبار لا يدل عليه، لما
عرفت من أن النهي لا يدل على الفساد بنفسه، ودلالتها على اعتبار مصاحبة الإذن
في وقوعه لازما أو غير منهي عنه لا مطلقا.
ثم قال: فإن قيل إن النهي في المعاملات وإن لم يدل على الفساد بنفسه،
لكنه إذا دل على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح، فهو دال على الفساد من
هذه الجهة كالنهي عن نكاح الأخت والعمة والخالة، وكما في النهي عن بيع الغرر، والنهي
في محل النزاع من هذا القبيل.
قلنا: لا نسلم دلالته على عدم صلاحية المعقود عليها للنكاح، فإنها عند
الخصم صالحة له، ولهذا صلحت مع الإذن بخلاف الأخت، وبيع الغرر فإنهما
لا يصلحان أصلا.
وصلاحية الأخت على بعض الوجوه كما لو فارق الأخت لا يقدح، لأنها
حينئذ ليست أختا للزوجة، بخلاف بنت الأخت ونحوها فإنها صالحة للزوجية
مع كونها بنت أخت الزوجة، والأخبار دلت على النهي عن تزويجها، وقد عرفت
أنه لا يدل على الفساد، فصار النهي عن هذا التزويج من قبيل ما حرم لعارض
كالبيع وقت النداء لا لذاته، والعارض هو عدم رضاء الكبيرة، فإذا لحقه الرضاء
زال النهي. إنتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: أما حمله - رواية علي بن جعفر الصريحة بالبطلان - على البطلان
مع كراهتهما لذلك، ففيه من البعد ما لا يخفى، فإن لفظ الرواية هكذا " ولا يتزوج
بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضاء منهما، فمن فعل فنكاحه باطل ".
يعني من فعل بغير الرضا منهما فهو باطل، وهو ظاهر في اشتراط مصاحبة الرضاء
475

للتزويج، وإلا كان التزويج باطلا فالبطلان مترتب على عدم الرضاء وقت التزويج
الذي هو أعم من الكراهة (1).
وأما ما ادعاه - من أن دلالة الأخبار على اعتبار مصاحبة الإذن إنما هو في
وقوعه لازما أو غير منهي عنه لا مطلقا، - فهو تقييد للأخبار من غير دليل، بل
ظاهرها إنما هو مصاحبته مطلقا، لأن قولهم عليهم السلام في جملة من تلك الروايات
المتقدمة " لا يتزوج ابنة الأخ وابنة الأخت على العمة والخالة إلا بإذنهما " ظاهر
في اشتراط وقوع التزويج مطلقا بمصاحبة الإذن بمعنى أنه لا بد في وقوع العقد
من الإذن ليصح ويترتب عليه أحكامه.
وأما ما ذكره من أن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات ففيه ما ذكره
سبطه السيد السند في شرح النافع من أن النهي وإن لم يقتض الفساد في المعاملات
لكن الحكم بصحة العقد الذي تعلق به النهي يحتاج إلى دليل يدل عليه بخصوصه
أو عمومه، وبدونه بجب الحكم بالفساد، وليس على صحة العقد الذي تعلق به
النهي دليل من نص أو إجماع فيجب القول بعدم الترتب عليه لأن ذلك مقتضى
الأصل ومنه يظهر اختياره (قدس سره) لهذا القول.
وحاصله أنه بعد نهي الشارع عن هذا العقد الدال على عدم اعتباره في نظره،
وإلا لما نهي عنه - لا يمكن الحكم بترتب أثر من الآثار عليه كما في غيره من
العقود التي لم يتعلق بها نهي فلا بد للحكم بصحته وترتب آثار العقود عليه من
دليل من خارج.
وبالجملة فإنه بواسطة النهي عنه قد صار محلا للريبة وتطرق البطلان
إليه وإن لم يمكن الجزم ببطلانه، وهو كلام موجه، وكيف كان فإن الظاهر هو
البطلان كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة، ويؤيده أوفقيته للاحتياط المطلوب

(1) لأن عدم الرضا يصدق مع علمهما وكراهتهما ذلك ويصدق مع عدم العلم
بالكلية. (منه - قدس سره -).
476

سيما في النكاح.
و (ثانيها) لابن إدريس، ودليله على بطلان عقد الداخلة النهي الوارد في
الأخبار لدلالته على الفساد، وأما تزلزل عقد المدخول عليها فلم يتعرض لدليله،
وكأنه أخذه من كلام الشيخ الآتي حيث إنه نقل عنه أن العمة والخالة تتخير
بين إمضاء عقد الداخلة وبين فسخ عقديهما والاعتزال، ثم اعترض عليه بالنسبة
إلى إمضاء عقد الداخلة بأنه لوقوعه من غير إذن عقد باطل للنهي عنه في الأخبار،
فلا بد من تجديد عقد جديد عند الرضاء وجمد على باقي كلامه.
وضعف هذا القول أظهر من أن يخفى، فإن عقد الداخلة إذا وقع فاسدا
كما حكم به لم يبق لتخيرها في فسخ عقد نفسها وجه لأن المقتضى للفسخ إنما
هو حصول الجمع بين العمة وبنت أخيها، والخالة وبنت أختها، ومع وقوع العقد
فاسدا لم يتحقق الجمع، فلا موجب للفساد بالكلية.
و (ثالثها) للشيخين ومن تبعهما فإنهما قالا: تخيير العمة والخالة بين إمضاء
عقد الداخلة وفسخه، وبين فسخ عقد أنفسهما السابق والاعتزال، ويكون اعتزالهما
بمنزلة الطلاق وإن أمضيا العقد كان ماضيا، ولم يكن لهما بعد ذلك فسخه.
وعلل القول المذكور بوقوع العقدين صحيحين، وأما الأول فظاهر، وأما
الثاني فلأنه عقد صار من أهله في محله جامعا بشرائطه. ولا يؤثر تجدد
البطلان بفسخ العمة والخالة في صحته الأصلية كغيره من العقود الموقوفة على
رضاء الغير، وإذا وقع صحيحا كانت نسبة العقدين إلى العمة والخالة على السواء،
ولما كان الجمع موقوفا على رضاهما تخيرتا في رفع الجمع بما شائتا من فسخ
عندهما وعقد الداخلة.
وأورد عليه بأن العقد الأول لازم بالأصل، والأصل يقتضي بقاءه على اللزوم
إلى أن يثبت المزيل، وما ذكر لا يصلح له، لأن رفع الجمع يحصل بفسخ العقد
الطارئ، وهو متعلق الرضا، ورفع الجمع وإن كان يحصل بفسخ أحد العقدين
477

إلا أن فسخ السابق قد منع منه مانع شرعي وهو لزومه، فتسلط على رفع الثاني
خاصة، وهو جيد.
و (رابعها) للعلامة في جملة من كتبه وجمع من المتأخرين، ووجهه، أما
بالنسبة إلى لزوم عقد المدخول عليها فلما تقدم.
وأما بالنسبة إلى تزلزل الطارئ من غير أن يكون باطلا فوجهه في المسالك
قال: لعموم " أوفوا بالعقود " (1) فإن المتنازع فيه إذا تعقبه رضاء من يعتبر رضاه
اندرج في هذا العموم فوجب الحكم بصحته، فقبل الرضاء لا يكون فاسدا، وإلا
لم ينقلب صحيحا، ولا معنى للموقوف إلا ذلك.
قال: ولأنه عقد صدر بدون رضاء من يعبر رضاه في صحته، فكان كالفضولي
وقد تقدم صحة الفضولي في النكاح، فهنا أولى، لأن المدخول عليها ليس لها
ألوية مباشرة العقد بل الرضاء به بخلاف الزوجة في عقد الفضولي فإن بيدها
مباشرته والرضاء به، فإذا صح في الأقوى لزم مثله في الأضعف بطريق أولى،
والنهي السابق في الأخبار قد عرفت أنه لا يدل على الفساد على المنع منه بدون
الإذن، وهو أعم من السابق واللاحق، وعلى تقدير إرادة السابق لا يلزم الفساد،
قال: وهذا هو الأقوى. إنتهى كلامه.
وأنت خبير بما فيه أما (أولا) فلما عرفت في غير مقام مما قدمناه من أن
بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات التقريبية لا يخلو من مجازفة.
و (ثانيا) أنك قد عرفت مما قدمنا في القول الأول أن الأظهر هو البطلان
في هذا العقد المتأخر، وإليه يميل كلام سبطه في شرح النافع كما يدل عليه
كلامه الذي قدمنا نقله ثمة.
و (ثالثا) أن المفهوم من الأخبار اعتبار تقدم الإذن، فإن قوله عليه السلام لا يتزوج
إلا بإذن العمة والخالة " يعني لا يقع العقد إلا بعد الإذن، سواء كانت الباء للمصاحبة

(1) سورة المائدة - آية 1.
478

أو السببية، وحينئذ فلا يجزي الرضاء بعد وقوع العقد ليلحق ذلك بالفضولي،
أو يكون أولى منه، وبه يظهر عدم اندراج هذا العقد تحت قوله " أوفوا بالعقود "
كما تكلفه، إلى آخر ما ذيله به فإنها مجرد ادعاء، ويمنعها الخصم.
وبالجملة فكلامه (قدس سره) هنا غير موجه عندي والأظهر عندي في
المسألة هو القول الأول. والله العالم.
المقام الثاني في الزنا: لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن
الزنا المتأخر عن العقد الصحيح لا ينشر حرمة المصاهرة، سواء في ذلك الزنا
بالعمة والخالة أو غيرهما، لأصالة بقاء الحكم الحاصل بالعقد، وقولهم عليهم السلام (1)
" لا يفسد الحرام الحلال " وإنما الخلاف في الزنا المتقدم هل ينشر حرمة المصاهرة
أم لا؟ الأشهر ذلك.
ومما يدل على الحكمين المذكورين ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح
عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام " أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج
ابنتها؟ قال: لا، ولكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر بأمها أو ابنتها أو أختها لم
تحرم عليه امرأته، إن الحرام لا يفسد الحلال ".
وما رواه في التهذيب عن أبي الصباح الكناني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا، وإن كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك
ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه، وإن هو تزوج ابنتها ودخل بها ثم فجر بأمها
بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوزه بأمها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها وهو
قوله: لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا " وفي هذا الخبر إشكال يأتي التنبيه

(1) التهذيب ج 7 ص 329 ح 11، الوسائل ج 14 ص 327 ح 8.
(2) الكافي ج 5 ص 415 ح 1، التهذيب ج 7 ص 329 ح 10، الوسائل
ج 14 ص 326 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 329 ح 11، الوسائل ج 14 ص 327 ح 8.
479

عليه إن شاء الله.
ومما يدل على الأول ما رواه في الكافي في الحسن أو الصحيح عن الحلبي (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل تزوج جارية فدخل بها ثم ابتلى بها ففجر بأمها،
أتحرم عليه امرأته؟ فقال: لا، إنه لا يحرم الحلال الحرام ".
وعن زرارة (2) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه السلام " قال في رجل زنا
بأم امرأته أو بابنتها أو بأختها فقال: لا يحرم ذلك عليه امرأته، ثم قال: ما حرم
حرام قط حلالا ".
وعن زرارة (3) " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل زنى بأم امرأته أو بأختها
فقال: لا يحرم ذلك عليه امرأته إن الحرام لا يفسد الحلال ولا يحرمه ".
وما رواه في الفقيه عن موسى بن بكر عن زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام " قال:
سئل عن رجل كانت عنده امرأة فزنى بأمها أو بانتها أو بأختها فقال: ما حرم حرام
قط حلالا، امرأته له حلال ".
وعن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان (5) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الرجل يصيب من أخت امرأته حراما، أيحرم ذلك عليه امرأته؟ فقال: إن
الحرام لا يفسد الحلال، والحلال يصلح به الحرام ".
ومما يدل على الحكم الثاني ما رواه في الكافي عن منصور به حازم (6) في

(1) الكافي ج 5 ص 415 ح 3، التهذيب ج 7 ص 330 ح 16، الوسائل
ج 14 ص 326 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 416 ح 4، التهذيب ج 7 ص 330 ح 17، الوسائل ج 14
ص 326 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 416 ح 6، الوسائل ج 14 ص 327 ح 4.
(4) الفقيه ج 3 ص 263 ح 41، الوسائل ج 14 ص 327 ح 6.
(5) الفقيه ج 3 ص 263 ح 40، الوسائل ج 14 ص 327 ح 5.
(6) الكافي ج 5 ص 416 ح 5، التهذيب ج 7 ص 330 ح 15، الوسائل
ج 14 ص 323 ح 3.
480

الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل كان بينه وبين امرأة فجور، فهل يتزوج
ابنتها؟ فقال: إن كان من قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها، وإن كان جماعا فلا يتزوج
ابنتها، وليتزوجها هي إن شاء ". ورواه الشيخ بسنده عن ابن يعقوب إلا أنه قال:
فليتزوج ابنتها إن شاء وإن كان جماعا فلا يتزوج ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام " قال:
سألته عن رجل فجر بامرأة، أيتزوج بأمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال: لا ".
والتقريب في هذا الخبر أنه قد تقدم أن الرضاع فرع على النسب فلولا أنه
حرام في النسب لما حرم في الرضاع.
وما رواه في الكافي عن يزيد الكناسي (2) " قال: إن رجلا من أصحابنا تزوج
امرأة فقال لي: أحب أن تسأل أبا عبد الله عليه السلام وتقول له: إن رجلا من أصحابنا
تزوج امرأة قد زعم أنه كان يلاعب أمها ويقبلها من غير أن يكون أفضى إليها،
قال: فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال لي: كذب، مره فليفارقها، قال: فرجعت من
سفري فأخبرت الرجل بما قال أبو عبد الله عليه السلام، فوالله ما دفع ذلك عن نفسه
وخلى سبيلها " (3).
وعن عيص بن القاسم (4) في الصحيح " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
باشر امرأة وقبل، غير أنه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها؟ قال: إذا لم يكن
أفضى إلى الأم فلا بأس، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها ".

(1) الكافي ج 5 ص 416 ح 8، التهذيب ج 7 ص 331 ح 18، الوسائل
ج 14 ص 322 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 416 ح 9، الوسائل ج 14 ص 323 ح 5.
(3) أقول: في هذا الخبر دلالة على أن الإمام عليه السلام قد يجيب بناء على علمه
بالحال من غير التفات إلى ما تضمنه السؤال (منه - قدس سره -).
(4) الكافي ج 5 ص 415 ح 2، الوسائل ج 14 ص 342 ح 2.
481

ونقل ابن إدريس عن الشيخ المفيد والسيد المرتضى عدم التحريم بالزناء
المتقدم واختاره ومال إليه، واختاره أيضا المحقق في النافع، وفي الشرايع نسبه
إلى أصح الروايتين إيذانا بنوع توقف فيه.
والذي يدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ عن سعيد بن يسار (1) في الصحيح
" قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل فجر بامرأة، يتزوج ابنتها؟ قال: نعم يا
سعيد إن الحرام لا يفسد الحلال ".
وعن هاشم بن المثني (2) " قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالسا فدخل عليه
رجل فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراما، أيتزوجها؟ قال: نعم وأمها وابنتها ".
وعن منصور بن حازم (3) في الموثق " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل فجر
بامرأة، هل يجوز له أن يتزوجها بابنتها؟ قال: ما حرم حرام حلالا قط ".
وعن هاشم بن المثني (4) " قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له رجل رجل
فجر بامرأة أتحل له بابنتها؟ قال: نعم، إن الحرام لا يفسد الحلال ".
وعن حنان بن سدير (5) في الموثق " قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ سأله
سعيد عن رجل تزوج امرأة سفاحا، هل تحل له ابنتها؟ قال: نعم إن الحرام
لا يحرم الحلال ".
وعن زرارة (6) " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل فجر بامرأة، هل يجوز

(1) التهذيب ج 7 ص 329 ح 12، الوسائل ج 14 ص 323 ح 6.
(2) التهذيب ج 7 ص 326 ح 1، الوسائل ج 14 ص 324 ح 7.
(3) التهذيب ج 7 ص 329 ح 13، الوسائل ج 14 ص 324 ح 9.
(4) التهذيب ج 7 ص 328 ح 8. الوسائل ج 14 ص 324 ح 10.
(5) التهذيب ج 7 ص 328 ح 9، الوسائل 14 ص 325 ح 11.
(6) التهذيب ج 7 ص 329 ح 13، الوسائل ج 14 ص 324 ح 9.
482

له أن يتزوج ابنتها؟ قال: ما حرم حرام حلالا قط ".
وعن صفوان في الصحيح (1) " قال: سأله المرزبان عن الرجل يفجر بالمرأة
وهي جارية قو آخرين ثم اشترى ابنتها، أيحل له ذلك؟ قال: لا يحرم الحرام
الحلال، ورجل فجر بامرأة حراما أيتزوج بابنتها؟ قال: لا يحرم الحرام الحلال ".
هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على هذا القول، وشيخنا الشهيد الثاني
في المسالك وسبطه في شرح النافع لم ينقلا لهذا القول دليلا من الأخبار إلا رواية
هاشم بن المثنى الثانية، ورواية حنان بن سدير، ورداهما بضعف السند.
وقد عرفت أن فيها الصحيح باصطلاحهم، ولكنهم لقصور التتبع لم يقفوا
عليه، وما ذكروه من الجواب غير حسام لمادة الاشكال.
والشيخ (رحمه الله) في كتابي الأخبار حمل روايتي حنان بن سدير وهاشم بن
المثنى الأولى على ما إذا كان الفجور بإحدهما بعد عقد الأخرى، وباقي الأخبار
على الفجور بما دون الوطئ، من تقبيل ونحوه.
ولا يخفى ما فيه من البعد والتكلف، وما في الفرق بين الروايتين المذكورتين
وغيرهما، فإن تأويله في كل من الموضعين يأتي على الجميع، والمسألة غير خالية
من شوب الاشكال لما عرفت.
واحتمل بعضهم في أخبار القول الثاني الحمل على التقية، وهو غير بعيد،
ولا ريب في ترجيح القول المشهور بموافقة الاحتياط، فالاحتياط يقتضي
الوقوف عليه.
تذنيبات
الأول: المفهوم من كلام أكثر الأصحاب وكذا إطلاق أكثر النصوص أنه
بمجرد العقد على المرأة وكونها زوجة أعم من أن يكون دخل بها أو لم يدخل،

(1) التهذيب ج 7 ص 471 ح 97، الوسائل ج 14 ص 325 ح 12.
483

لو زنا بعد ذلك بأمها أو بنتها لم ينشر حرمة المصاهرة، والمفهوم من رواية أبي
الصباح المتقدمة أن ذلك مخصوص بالدخول بالزوجة لا مجرد العقد، فلو عقد
عليها ولم يدخل فزنا أفسد ذلك الزنا نكاحه، كما لو تقدم على العقد.
ومثلها في ذلك ما رواه في الكافي عن عمار الساباطي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في
الرجل تكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد، أو الرجل
يزني بالمرأة، فهل يحل لأبيه أن يتزوجها؟ قال: لا، إنما ذلك (2) إذا تزوجها
الرجل فوطئها ثم زنى بها ابنه لم يضره، لأن الحرام لا يفسد الحلال وكذلك
الجارية ".
ولم أقف على من تنبه لذلك إلا السيد السند في شرح النافع حيث ذكر
دلالة رواية أبي الصباح الكناني على ذلك ثم قال: ولا أعلم بمضمون هذه الرواية
قائلا، ثم طعن فيها بأن في طريقها محمد بن الفضيل، وهو مشترك بين الثقة
والضعيف.
أقول: قد نقل العلامة في المختلف القول بمضمون هذين الخبرين عن ابن
الجنيد، ولكنه إنما استدل له برواية عمار خاصة.
قال في المختلف: لو سبق العقد من الأب أو الابن علي امرأة ثم زنا بها الآخر
لم تحرم على العاقد، سواء دخل بها العاقد قبل الزناء من الآخر أم لم يدخل،
ذهب إليه أكثر علمائنا، وشرط ابن الجنيد في الإباحة الوطئ، فلو عقد ولم

(1) الكافي ج 5 ص 420 ح 9، التهذيب ج 7 ص 282 ح 32، الوسائل
ج 14 ص 320 ح 3.
(2) قوله " إنما ذلك إلى آخره " يعني إنما تحل في هذه الصورة أعني صورة الوطئ،
وكذلك الجارية إنما تحل في صورة وطئ السيد لها، وإلا فلو زنا بها ابنه قبل الوطئ
حرمت (منه - قدس سره -).
484

يدخل فزنا الآخر حرمت على العاقد أبدا، ثم قال: لنا الأصل الإباحة، ولأنها
ثابتة قبل الزنا بمجرد العقد فيستصحب، ولقوله عليه السلام (1) " لا يحرم الحرام الحلال "
وهي حلال بالعقد، فلا يقتضي الوطئ الحرام تحريما، ثم استدل له بخبر عمار
وأجاب عنه بأنه استدلال بالمفهوم، وهو ضعيف، والسند أيضا ضعيف.
أقول: أما ضعف السند فقد عرفت في غير موضع مما تقدم أنه لا يكون
حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم، وأما ضعف المفهوم
فهو مجبور بصراحة منطوق الرواية الأخرى في ذلك.
وإلى القول بمضمون هذين الخبرين مال بعض (2) مشايخنا المحققين من
متأخري المتأخرين وهو ظاهر الشيخ في الإستبصار (3) أيضا حيث إنه استدل
بخبر عمار على التأويل الذي تأول به روايتي هاشم بن المثنى وحنان بن سدير من
التفصيل الذي اشتمل عليه الخبر المذكور.
والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال، وإن كان العمل - بالخبرين المذكورين
وتخصيص تلك الأخبار بهما - غير بعيد، واحتمال التقية فيهما من حيث إنه قول
ابن الجنيد الذي يجري على مذهب العامة غالبا ممكن أيضا، والله العالم:
الثاني: اختلف الأصحاب (رضي الله عنهم) فيما لو ملك الرجل جارية
فوطأها ابنه أو أبوه قبل أن يطأها المالك، فقال الشيخ في النهاية بالتحريم وبه قال
ابن الجيد وابن البراج.

(1) الكافي ج 5 ص 415 ح 3، التهذيب ج 7 ص 33 ح 16، الوسائل
ج 14 ص 326 ح 2.
(2) هو الشيخ الفاضل المحقق المدقق الشيخ أحمد بن الشيخ الفاضل الشيخ محمد
ابن يوسف البحراني (قدس سره) على ما وجدته بخطه. (منه - قدس سره -).
(3) الإستبصار ج 3 ص 164.
485

وقال الصدوق في الفقيه (1) " وإن زنا الرجل بامرأة ابنه أو بامرأة أبيه أو
بجارية ابنه أو بجارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها ولا يحرم الجارية على
سيدها، وإنما يحرم ذلك إذا كان منه بالجارية وهي حلال، فلا تحل تلك
الجارية أبدا لابنه ولا لأبيه ".
وقال ابن إدريس: لا فرق بين أن يطأ الولد جارية الأب قبل وطئ الأب
أو بعده في عدم التحريم.
احتج الشيخ بما رواه عن عمار الساباطي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل
يكون له الجارية " الخبر كما تقدم في سابق هذا التذنيب.
واحتج ابن إدريس بقوله عليه السلام (3) " لا يحرم الحرام الحلال " وبقوله
تعالى (4) فانكحوا ما طاب لكم " وقوله تعالى (5) " أو ما ملكت أيمانكم " وهذه
ملك يمين، والأصل الإباحة فلا يرجع عن هذه الأدلة القاهرة بأخبار الآحاد، كذا
نقله العلامة في المختلف، ثم قال: ونحن في هذه المسألة من المتوقفين، ورواية
الشيخ ضعيفة السند لكن يعضدها ما تقدم من الروايات الدالة على التحريم لو زنا
الابن بامرأة الأب، والملك وإن أثمر الإباحة، لكن يظهر أثره في الوطئ، إذ قد
يملك من لا يباح له وطؤها. إنتهى.
أقول: قد أورد الدليل لكلام الشيخ وكلام ابن إدريس ولم يورد لكلام

(1) الفقيه ج 3 ص 264 ح 41.
(2) الكافي ج 5 ص 420 ح 9، التهذيب ج 7 ص 282 ح 32، الوسائل
ج 14 ص 320 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 415 ح 3، الوسائل ج 14 ص 326 ح 2.
(4) سورة النساء - آية 3.
(5) سورة النساء - آية 3.
486

الصدوق دليلا، وكلام الصدوق هنا مضمون رواية زرارة (1) " قال: قال أبو جعفر
عليه السلام: إذا زنا رجل بامرأة أبيه أو جارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها،
ولا تحرم الجارية على سيدها، إنما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي حلال،
فلا تحل تلك الجارية أبدا لابنه ولا لأبيه " الحديث.
وأنت خبير بأن ظاهر إطلاق كلامه - وهو ظاهر الرواية المذكورة أيضا -
هو عدم التحريم بالزنا هنا سواء كان مقدما علي الوطئ أو متأخرا: وإنما المحرم
إنما هو الوطئ الحلال خاصة، وهو يرجع على هذا التقدير إلى قول ابن
إدريس.
ومثل هذه الرواية في هذا الاطلاق رواية مرازم (2) " قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام وسئل عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع فقال: أثمت وأثم
ابنها، وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة، فقلت له: أمسكها فإن الحلال
لا يفسده الحرام ".
وموثقة سماعة (3) وسيأتي قريبا إن شاء الله وفيها السؤال " عن رجل عنده
جارية وزوجة، فأمرت الزوجة ابنها أن يثيب علي جارية أبيه ففجر بها، فقال:
قال عليه السلام: لا يحرم ذلك على أبيه " الحديث.
ولا يخفى عليك أن وجه الجمع بين موثقة عمار وهذه الأخبار الثلاثة
هو تقييد إطلاق هذه الأخبار بالموثقة المذكورة، فتحمل حينئذ على كون الزنا
وقع بعد وطئها المالك.

(1) الكافي ج 5 ص 419 ح 7، التهذيب ج 7 ص 281 ح 25، الوسائل
ج 14 ص 319 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 419 ح 8، التهذيب ج 7 ص 283 ح 33، الوسائل
ج 14 ص 320 ح 4.
(3) التهذيب ج 8 ص 179 ح 51، الوسائل ج 14 ص 564 ح 3.
487

ومثل الموثقة المذكورة في التحريم بتقديم الزنا على وطئ المالك حسنة
الكاهلي (1) " قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن رجل اشترى جارية ولم
يمسها فأمرت امرأته ابنه، وهو ابن عشر سنين أن يقع عليها فوقع عليها فما
ترى فيه، فقال: أثم الغلام وأثمت أمه، ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع
عليها "، الحديث.
وبذلك يزول الاشكال ويرجع الكلام هنا إلى ما تقدم في صدر المقام من
الخلاف فيما لو كان الزناء المتقدما على النكاح بالنسبة إلى المرأة الحرة، وابن إدريس
إنما قال، بعدم التحريم من حيث قوله ثم بعدم التحريم كما تقدم.
وبذلك بظهر لك أن توقف العلامة - هنا مع قوله بالتحريم في تلك المسألة
- لا وجه له، وبالجملة فالظاهر أن هذه المسألة أحد جزئيات تلك المسألة المتقدمة،
والله العالم.
الثالث: قد اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) عن أنه لو زنا بالعمة والخالة
حرمت عليه بناتهما، حتى من الشيخ المفيد والسيد المرتضى القائلين بعدم نشر
الحرمة في الزناء السابق، وقد جعلوا هذا الفرد مستثنى من محل الخلاف السابق.
واستدلوا عليه بما رواه ثقة الاسلام (2) في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
أبي أيوب عن محمد بن مسلم " قال: سأل رجل أبا عبد الله وأنا جالس عن رجل نال
من خالته في شبابه ثم ارتدع، أيتزوج ابنتها. فقال. لا، قلت: إنه لم يكن
أفضى إليها، إنما كان شئ دون شئ، فقال: لا يصدق ولا كرامة ".
ورواه الشيخ في التهذيب (3) بطريق موثق عن أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الكافي ج 5 ص 418 ح 4، الوسائل ج 14 ص 319 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 417 ح 10، الوسائل ج 14 ص 329 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 311 ح 49، الوسائل ج 14 ص 329 ح 2.
488

" قال: سأله محمد بن مسلم وأنا جالس عن رجل نال من خالته وهو شباب ثم ارتدع،
أيتزوج ابنتها. قال: لا، قال: إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شئ دون ذلك،
قال: كذب ".
وادعى المرتضى الاجماع على الحكم المذكور في الإنتصار (1)، ونازع ابن
إدريس في المسألة، إلا أنه لم يجتر على المخالفة، قال في كتابه: وقد روي أن
من فجر بعمته أو خالته يحرم عليه ابنتاهما.
أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته وشيخنا المفيد في مقنعته والسيد المرتضى
في انتصاره، فإن كان على المسألة اجماع فهو الدليل عليها، ونحن قائلون وعاملون
بذلك، وإن لم يكن إجماع فلا دليل على تحريم البنتين المذكورتين من كتاب
ولا سنة، ولا دليل عقلي، وليس دليل الاجماع في قول رجلين ولا ثلاثة، ولا من
عرف اسمه ونسبه، لأن وجه كون الاجماع عندنا حجة دخول قول المعصوم - للأمن
من الخطأ - في جملة القائلين بذلك.
قال في المختلف - بعد أن أورد هذا الكلام -: وهذا يشعر بعدم جزمه
بالتحريم وتوقفه فيه، ولا بأس في التوقف في هذه المسألة، فإن عموم قوله تعالى (2).
" وأحل لكم ما وراء ذلكم " يقتضي الإباحة. إنتهى.
أقول: العجب منه (قدس سره) في توقفه هنا مع قوله في الكتاب المذكور
بأن الزنا السابق ينشر حرمة المصاهرة كما هو القول المشهور، فكيف يتوقف
في حكم العمة والخالة مع دخولهما في العمومات الدالة على الحكم المذكور،
والتوقف إنما يحسن من مثل ابن إدريس القائل بعدم نشر الحرمة ثمة، لعدم

(1) حيث قال: مما ظن انفراد الإمامية به القول بأن من زنا بعمته أو خالته حرمت عليه
بنتاهما، ثم ذكر أن بعض العامة وافق على ذلك وأن أكثرهم خالفوا، ثم استدل على
التحريم بالاجماع والأخبار. (منه - قدس سره -).
(2) سورة النساء - آية 24.
489

الدليل عنده على استثنائه من الاجماع الذي يعتمد عليه: وخبر الواحد ليس بدليل عنده.
وبالجملة فإن قوله بالتوقف هنا وقع عن غفلة وسهو، ومن عمل بالرواية -
من القائلين في تلك المسألة بعدم التحريم - قال بالتحريم هنا للرواية، لكن مورد
الرواية إنما هو الخالة خاصة، فإلحاق العمة بها قياس لا يوافق أصول المذهب.
وطعن في المسالك في الرواية المذكورة بأنها ضعيفة السند ردية المتن،
قال: فإن السائل لم يصرح بوقوع الوطئ أولا، وصرح بعدمه ثانيا، وكذبه
الإمام في ذلك، وهذه غير لايق بمقامه، وهو قرينة الفساد، ومع ذلك فهي مخصوصة
بالخالة، فالحاق العمة بها قياس، والاجماع عير متحقق بمثل ذلك.
أقول: أما طعنه بضعف السند فهو مبني على نقله الرواية من التهذيب، فإنها
فيه وإن كانت موثقة، لكنه يعد ذلك من قسم الضعيف، وإلا فهي الكافي حسنة
على المشهور بإبراهيم بن هاشم الذي قد عد حديثه في الصحيح جملة من فضلاء
أصحاب هذا الاصطلاح.
وأما الطعن بالاشتمال على الخالة خاصة فهو جيد كما قدمنا ذكره.
وأما الطعن - برداءة المتن ومثله قول سبطه إن متن هذه الرواية لا يخلو من تهافت
- فلا أعرف له وجها وجيها، إذ ليس فيها أزيد من تكذيبه عليه السلام الناقل فيما نقله
في هذه الواقعة من عدم الافضاء، وحكمه عليه السلام بالافضاء الذي رتب عليه التحريم،
والنهي عن تزويج ابنتها، وقد مر نظيره في رواية يزيد الكناسي.
ومرجع ذلك إلى حكمه بعلمه، فإن أعمال العباد تعرض عليهم، ويعرفون
صحيحها وفاسدها، وفي هاتين الواقعتين علم عليه السلام كذب المخبر فيما أخبر به من
عدم الافضاء، وأي مانع من ذلك وأي تهافت هنا في متن الخبر.
والتحقيق في المقام أن يقال: إن العمل في هذه المسألة على ما تقدم في
تلك المسألة من الخلاف في نشر الحرمة بالزنا السابق وعدمه، فإن قلنا بنشر
الحرمة كما هو المشهور فلا إشكال: لأن هذا الفرد أحد جزئيات تلك المسألة.
490

بل أولى بالتحريم، فإن قلنا بالعدم وجوب الوقوف على هذه الرواية باستثناء الخالة
خاصه من الحكم المذكور.
الحاق:
يشتمل على جملة من أحكام الزنا ذكرناها في هذا المقام استطرادا لتتميم الكلام.
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز التزويج بالزانية وإن كانت
مشهورة بالزناء على كراهية، سواء الزاني وغيره، فقال الشيخان: إن من فجر
بامرأة لم يجز له تزويجها إلا بعد ظهور توبتها، وتبعهما ابن البراج وكذا
أبو الصباح، إلا أنه أطلق الحكم في الزاني وغيره، ومثله أيضا الصدوق في المقنع (1)
وما السيد السند (قدس سره) في شرح النافع إلى التحريم في المشهورة بالزنا
قبل التوبة، والجواز في غيرها على كراهة، وظاهر المحدث الكاشاني في الوافي
والمفاتيح.
أقول: والأخبار في هذا المقام كثيرة، إلا أنها مختلفة جدا على وجه يعسر
انطباقها سيما على القول المشهور، وأصحابنا (رضوان الله عليهم)، لم يستوفوها
كملا في الكتب الاستدلالية، ولم يجمعوا بينها على وجه يحسم مادة الاشكال
في هذا المجال.
ولا يخفى على من راجعها أنها قد خرجت على أقسام ثلاثة.
الأول: ما دل منها على تحريم التزويج بمن اشتهر بالزنا ذكرا كان أو
أنثى ما لم يعرف منه التوبة.
ومنها ما رواه في الكافي والفقيه (2) عن داود بن سرحان عن زرارة في

(1) حيث قال في المقنع: ولا يتزوج الزانية ولا يزوج الزاني حتى يعرف منهما
التوبة قال الله عز وجل " الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك
وحرم ذلك على المؤمنين " انتهى. (منه - قدس سره -).
(2) الكافي ج 5 ص 354 ح 1، باختلاف يسير، التهذيب ج 7 ص 406 ح 34،
الفقيه ج 3 ص 256 ح 2، الوسائل ج 14 ص 335 ح 2.
491

الصحيح برواية الفقيه " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (1) " الزاني
لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك " قال: هن نساء
مشهورات بالزنا، ورجال مشهورون بالزنا، شهروا بالزنا وعرفوا به، والناس
اليوم بتلك المنزلة، من أقيم عليه حد الزنا أو شهر بالزنا لم يبغ لأحد أن يناكحه
حتى يعرف منه التوبة ".
و " لم ينبغ " في الخبر مراد به التحريم كما تكاثر في الأخبار من استعمال
" ينبغي " في الوجوب و " لا ينبغي " في التحريم. ويدل على ذلك قوله عز وجل في
آخر الآية المذكورة في الخبر " وحرم ذلك على المؤمنين " (2).
وصدر الآية وإن كان بلفظ الخبر إلا أن المراد به الانشاء، وهو النهي
عن ذلك.
وقوله عليه السلام " والناس اليوم بتلك المنزلة " إشارة إلى أن الآية وإن نزلت
في الموجدين في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن حكمها جار فيمن تأخر إلى يوم القيامة
كما في جملة من الآيات النازلة في قضايا مخصوصة يومئذ (3).
وما رواه في الكافي (4) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام " في قوله عز وجل

(1) سورة النور - آية 3.
(2) سورة النور - آية 3.
(3) وروى علم الهدى في رسالته المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني باسناده
المذكور ثمة عن علي عليه السلام " قال: وأما ما لفظه خصوص ومعناه عموم فقوله إلى أن
قال: وقوله سبحانه: " الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو
مشرك وحرم ذلك على المؤمنين " فنزلت هذه الآية في نسائكن بمكة معروفات بالزنا
منهن سارة وخثيمة ورباب حرم الله نكاحهن، فالآية جارية في كل من كان من النساء مثلهن "
انتهى. (منه - قدس سره -). وهذه الرواية في الوسائل ج 14 ص 336 ح 5.
(4) الكافي ج 5 ص 355 ح 3، الوسائل ج 14 ص 336 ح 3.
492

الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة قال: هم رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله مشهورين بالزنا، فنهى الله عز وجل عن أولئك الرجال والنساء، الناس
اليوم على تلك المنزلة، من شهر شيئا من ذلك أو أقيم عليه الحد فلا تزوجوه حتى
تعرف توبته ".
وعن حكم بن حكيم في الموثق (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل
" والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك؟ قال: إنما ذلك في الجهر، ثم قال: لو أن انسانا
زنى ثم تاب تزوج حيث شاء ".
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن الحلبي (2) في الصحيح " قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنى ولا يزوج الرجل بالزنى إلا بعد أن تعرف
منهما التوبة ".
وقال عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي (3) " ولا يجوز مناكحة الزاني والزانية حتى
يظهر توبتها، وإن زنى الرجل بعمته أو بخالته حرمت عليه ابنتاهما أن يتزوجهما
ومن زنى بذات البعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها وأراد
الذي زنى بها أن يتزوج بها لم تحل له أبدا، ويقال لزوجها يوم القيامة خذ من
حسناته ما شئت " إنتهى.
وفيه دلالة على تحريم ذات البعل مؤبدا على من زنى بها، وهو مما لا خلاف
فيه وإن ناقش فيه بعض متأخري المتأخرين بعدم وجود المستند، وسيأتي
الكلام فيه إن شاء الله في محله.
أقول: وهذه الروايات كما ترى على تعددها صريحة في التحريم مؤيدة

(1) الكافي ج 5 ص 355 ح 6، الوسائل ج 14 ص 336 ح 4.
(2) الفقيه ج 3 ص 256 ح 1، التهذيب ج 7 ص 327 ح 5، الوسائل ج 14
ص 335 ح 1.
(3) فقه الرضا ص 37، مستدرك الوسائل ج 2 ص 576 ب 11 ح 8.
493

بالآية الشريفة المراد بها النهي المؤكد بقوله في آخرها " وحرم ذلك على المؤمنين "
إلا أن بإزائها جملة من الأخبار التي ظاهرها المعارضة.
ومنها ما رواه في التهذيب عن زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: سئل عن
رجل أعجبته امرأة فسأل عنها؟ فإذا النثاء (2) عليها شئ من الفجور، فقال: لا بأس
أن يتزوجها و يحصنها ".
وهذه الرواية أجاب عنها الشيخ بالحمل على التوبة، والأظهر ما ذكره في
الوافي من الحمل على غير المشهورة.
وعن علي بن يقطين (3) " قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: نساء أهل المدينة،
قال: فواسق، قلت: فأتزوج منهن؟ قال: نعم ".
وعن عباد بن صهيب (4) عن جعفر بن محمد عليه السلام " قال: لا بأس أن يمسك
الرجل امرأته إن رآها تزني، وإن لم يقم عليها الحد فليس عليه من إثمها
شئ ".
وعن زرارة (5) " قال: سأله عمار وأنا حاضر عن الرجل يتزوج الفاجرة
متعة؟ قال: لا بأس، وإن كان التزويج الآخر فليحصن بابه ".
وما رواه في كتاب قرب الإسناد في الصحيح عن علي بن رئاب (6) " قال: سألت

(1) التهذيب ج 7 ص 331 ح 21، الوسائل ج 14 ص 333 ح 2.
(2) النثاء والإثم: بالثاء المثلثة، وهو مقصور كالثناء بتقديم المثلثة، والأول يقال
في الشر، والثاني في الخير خاصة، وقيل إن الأول يستعمل فيهما معا والثاني في خصوص
الخير، وحينئذ فقوله " شئ من الفجور " بدل من النثاء. (منه - قدس سره -).
(3) التهذيب ج 7 ص 253 ح 16، الوسائل ج 14 ص 333 ح 3.
(4) التهذيب ج 7 ص 331 ح 20، الوسائل ج 14 ص 333 ح 1.
(5) التهذيب ج 7 ص 253 ح 15، الوسائل ج 14 ص 333 ح 4.
(6) قرب الإسناد ص 78، الوسائل ج 14 ص 334 ح 6.
494

أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم؟ قال: نعم، وما يمنعه؟
ولكن إذا فعل فليحصن بابه مخالفة الولد ".
أقول: وطريق الجمع - بين هذه الأخبار وما في معناها وبين الأخبار المتقدمة
- حمل هذه الأخبار على غير المشهورة لعدم الإشارة في شئ منها فضلا عن التصريح
بكون المزني بها مشهورة بذلك.
وأما ما فعله في الوسائل تبعا للمشهور - من حمل الأخبار الأولة على الكراهة
جمعا بين الأخبار بزعمه - فهو عن مضامين تلك الأخبار في غاية البعد، بل هو مما
يقطع ببطلانه لصراحتها في التحريم، سيما بمعنونة الآية التي إنما وردت تلك
الأخبار تفسيرا لها إذ لا خلاف في أن صدر الآية وإن كان بلفظ الخبر لكنه مراد به
النهي كما ينادي به قوله عليه السلام في رواية محمد بن مسلم " فنهى الله عز وجل عن
أولئك " ونواهي الله سبحانه للتحريم اتفاقا إلا مع القرينة.
وإنما الخلاف في أوامر السنة ونواهيها، مؤكدا بقوله عليه السلام في آخر الآية
" وحرم ذلك على المؤمنين " فأي مجال للحمل هنا على الكراهة كما زعمه
والحال كما ترى، إلا أنه ينبغي أن يقيد جواز التزويج بها متى كانت غير مشهورة
بأن يحصن بابه، كما تضمنته جملة من الأخبار المذكورة بحمل مطلقها على مقيدها
في ذلك فلو لم يحصن بابه لم يجزله تزويجها لما يأتي في أخبار القسم الثالث من
عدم جواز التزويج بالمرأة التي زنى بها حتى يعرف منها التوبة (1).
الثاني: ما يدل نصا على وجوب التفريق بين الزوجين إذا زنا أحدهما بعد
العقد وقبل الدخول.
ومنها ما رواه في الفقيه عن طلحة بن زيد (2) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " قال:

(1) وفي هذه المسألة تحقيق آخر ذكرناه في آخر الفصل الثاني في المسائل الملحقة
بالعقد في المسألة الخامسة منها فليراجع. (منه - قدس سره -).
(2) الفقيه ج 3 ص 263 ح 37، التهذيب ج 7 ص 490 ح 175، الوسائل
ج 14 ص 616 ح 3.
495

قرأت في كتاب علي عليه السلام أن الرجل إذا تزوج المرأة فزنى من قبل أن يدخل بها لم
تحل له، لأنه زان ويفرق بينهما ويعطيها نصف المهر ".
وما رواه في الفقيه والتهذيب عن علي بن جعفر (1) في الصحيح عن أخيه موسى
عليه السلام " قال: سألته عن رجل تزوج بامرأة فلم يدخل بها فزني ما عليه؟ قال: يجلد
الحد ويحلق رأسه، ويفرق بينه وبين أهله وينفى سنة ".
وعن الحسن بن محبوب عن الفضل بن يونس (2) في الموثق " قال: سألت
أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فزنت؟ قال: يفرق
بينهما وتحد الحد ولا صداق لها ".
وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن السكوني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها الرجل:
يفرق بينهما ولا صداق لها لأن الحدث كان من قبلها ".
وبمضمون هذه الأخبار أفتى الصدوق في كتاب المقنع فقال " وإذا تزوج
الرجل المرأة فزني قبل أن يدخل بها لم تحل له لأنه زان، ويفرق بينهما ويعطيها
نصف الصداق " وفي حديث آخر " يجلد الحد ويحلق رأسه، ويفرق بينه وبين أهله
وينفي سنة، وإذا زنت المرأة قبل دخول الرجل بها فرق بينهما ولا صداق لها،
لأن الحدث من قبلها ".

(1) الفقيه ج 3 ص 262 ح 36، التهذيب ج 7 ص 489 ح 174، الوسائل
ج 14 ص 616 ح 2.
(2) الفقيه ج 3 ص 263 ح 39، التهذيب ج 7 ص 490 ح 177، الوسائل
ج 14 ص 601 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 566 ح 45، التهذيب ج 10 ص 36 ح 126، الفقيه
ج 3 ص 263 ح 38، الوسائل ج 14 ص 601 ح 3.
496

ونقل بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين (1) عن الشيخ المفيد
وسلار وابن البراج وابن الجنيد وأبي الصلاح أنه ترد المحدودة في الفجور،
ويمكن أن يكون مستندهم هذه الأخبار، والمشهور بين المتأخرين عدم الفسخ
والتفريق (2) هذا.
وقد ورد ما يناقض هذه الأخبار فيما دلت عليه من هذه الأحكام وبه أفتى
الصدوق في علل الشرايع (3) حيث قال - بعد ايراد حديث طلحة المذكورة -: والذي
أفتى به وأعتمد عليه في هذا الباب ما حدثني به محمد بن الحسن (رحمه الله) عن محمد بن
الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير
وفضالة بن أيوب عن رفاعة " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزني قبل
أن يدخل بأهله، أيرجم؟ قال: لا قلت: يفرق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل
بها، قال: لا " وزاد فيه ابن عمير " ولا يحصن بالإماء ".
وهو كما ترى صحيح السند صريح الدلالة فيما قلناه، والعجب من اختلاف
فتوى الصدوق في هذه المسألة كما عرفت، فإنه غير معهود من قاعدته، ولا موجود

(1) هو شيخنا المجلسي (قدس سره) في حواشيه على كتب الأخبار.
(منه - قدس سره -).
(2) أقول: العجب من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث إنه إنما احتج
للقائلين بجواز الفسخ في صورة زناء الزوجة باشتماله على العار، فكان موجبا للتسلط على
الفسخ ثم رد بأنه متسلط عليه بالطلاق، فيدفع به الضرر، وغفل عن الروايات التي
نقلناها في الأصل، فإنها صريحة في التفريق، سواء كان الزنا من الزوجة أو الزوج.
(منه - قدس سره -)
(3) علل الشرايع ص 502 ب 264 ط النجف الأشرف، الكافي ج 7 ص 179 ح 8،
الفقيه ج 4 ص 29 ح 4، التهذيب ج 10 ص 16 ح 41، الوسائل ج 18 ص 358
ح 1 و 2.
497

في طريقته عادته.
ومما يؤيد العمل بهذا الخبر ظهور مخالفة هذه الأخبار المقابلة له لما
قدمناه من الأخبار، وما يأتي في القسم الثالث، فإن الأخبار المتقدمة منها ما دل
على جواز تزويج المشهورة بالزنا مع العلم بالتوبة، ومنها ما دل على جواز التزويج
بغير المشهورة وإن لم يعلم منها توبة.
والأخبار الآتية قد دلت على جواز تزويج من زنى بها سابقا بشرط ظهور
التوبة، وجملة منها مطلق في الجواز، والجميع دال على جواز تزويج الزانية
إما مع شرط التوبة أو مع عدمه، وحله من غير أن يترتب عليه شئ، فكيف
يترتب على هذا الزاني وإن كان مرة واحدة قبل الدخول هذه الأحكام المغلظة
من وجوب التفريق، وبطلان النكاح، وأن يحلق رأسه، وينفى من بلده سنة
ونحو ذلك.
ومن الظاهر أن هذا النوع إن لم ينقص عن تلك الأنواع الأخر لم يزد
عليها، فإن خصوصية العقد هنا لا مدخل له في هذه الأحكام المغلظة المترتبة على
هذا الزنا.
ويقرب عندي احتمال خروج هذه الأخبار مخرج التقية، فإن ما اشتملت
عليه من هذه الأحكام المغلطة لا يوافق مقتضى قواعد الشريعة السمحة السهلة المبنية
على التخفيف، سيما مع مقابلتها بما هو أكثر منها عددا وأصح سندا من الأخبار
المشار إليها.
ويمكن الجمع - وإن بعد بين هذه الأخبار وبين صحيحة رفاعة - بحمل
الأخبار المذكورة علي من اشتهر بالزنا مع عدم التوبة وحمل صحيحة رفاعة
على من لم يشتهر أو اشتهر لكن تاب بعد ذلك، والله العالم.
الثالث: ما يدل على حكم الرجل يتزوج المرأة بعد أن زنى بها.
وقد اختلف الأخبار في ذلك، فجملة منها دلت علي الجواز بشرط ظهور
498

التوبة منها، وجملة دلت على الجواز مطلقا.
ومن الأول ما رواه ثقة الاسلام في الكافي والشيخ في التهذيب (1) عن عمار بن
موسى في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن الرجل يحل له أن يتزوج
امرأة كان يفجر بها؟ فقال: إن آنس منها رشدا فنعم، وإلا فليراودونها على
الحرام، فإن تابعته فهي عليه حرام، وإن أبت فليتزوجها ".
وما رواه في الكافي (2) عن إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قلت
له: الرجل يفجر بالمرأة، ثم يبدو له في تزويجها، هل يحل له ذلك؟ قال: نعم
إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور، فله أن يتزوجها
وإنما يجوز له أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها " ورواه الشيخ مثله إلى قوله
" فله أن يتزوجها " ولم يذكر شرط التوبة.
وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أو أبي
عبد الله عليه السلام " قال: لو أن رجلا فجر بامرأة ثم تاب فتزوجها لم يكن عليه شئ
من ذلك ".
وما رواه في التذهيب والفقيه (4) عن أبي بصير في الموثق " قال: سألته عن
رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد، أن يتزوجها، فقال: إذا تابت حل له نكاحها،
قلت: كيف تعرف توبتها؟ قال: يدعوها إلى ما كانا عليه من الحرام فإن امتنعت

(1) الكافي ج 5 ص 355 ح 1، التهذيب ج 7 ص 328 ح 7، الوسائل
ج 14 ص 331 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 356 ح 4، التهذيب ج 7 ص 327 ح 4، الوسائل
ج 14 ص 331 ح 4.
(3) التهذيب ج 7 ص 327 ح 2، الوسائل ج 14 ص 331 ح 5.
(4) التهذيب ج 7 ص 327 ح 6، الفقيه ج 3 ص 264 ح 42، الوسائل
ج 14 ص 332 ح 7.
499

واستغفرت ربها عرف توبتها ".
وفي مرفوعة ابن أبي يعفور (1) " قال: عليه السلام: يتعرض لها فإن أجابته إلى الفجور
فلا يفعل.
وعلى هذه الأخبار اعتمد الشيخان ومن تبعهما في تحريم تزويجها ما لم
يعلم توبتها، كما قدمنا نقله عنهما في صدر الالحاق المذكور، وكذا من أطلق
الحكم في الزوجة وغيرها.
ومن الثاني: وهو ما دل على الجواز مطلقا ما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن
الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: أيما رجل فجر بامرأة ثم
بدا له أن يتزوجها حلالا، قال: أوله سفاح وآخره نكاح، ومثله مثل النخلة
أصاب الرجل من تمرها حراما ثم اشتراها بعد، فكانت له حلالا ".
وما رواه في الكافي (3) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن رجل
فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها؟ فقال: حلال، أوله سفاح وآخره نكاح، أوله
حرام وآخره حلال ".
وما رواه في الفقيه (4) عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " قال
لا بأس إذا زنى رجل بامرأة أن يتزوج بها بعد، وضرب مثل ذلك مثل رجل
سرق تمرة نخلة ثم اشتراها بعد ".
وظاهر المتأخرين الجمع بين هذه الروايات بحمل النهي في الأخبار الأولة
عن تزويجها حتى تعرف توبتها على الكراهة دون التحريم - مستندين كما ذكره في

(1) الكافي ج 5 ص 454 ح 4، الوسائل ج 14 ص 453 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 356 ح 2، التهذيب ج 7 ص 327 ح 3، الوسائل
ج 14 ص 331 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 356 ح 3، الوسائل ج 14 ص 330 ح 1.
(4) الفقيه ج 3 ص 263 ح 41، الوسائل ج 14 ص 332 ح 8.
500

المختلف إلى أصالة الإباحة، وأن الزنا لا حرمة له فأشبه الأجنبي.
وفيه أن الأخبار المذكورة ظاهرة بل صريحة في التحريم بدون ظهور
التوبة ولا معارض لها إلا هذه الأخبار المطلقة، ومقتضى القاعدة كما ذكروه
في غير موضع حمل المطلق على المقيد، فهنا ينبغي أن يكون كذلك وبه يظهر قوة
مذهب القائلين بالتحريم حتى تعرف التوبة.
ومما ذكرنا يظهر قوة القول بالتحريم في المشهورة بالزناء حتى يعرف
منها التوبة بطريق أولى، ويمكن أيضا حمل هذه الأخبار المطلقة في الجواز على
الأخبار الأخيرة من أخبار القسم الأول الدالة علي جواز التزويج بالزانية و " أن
يحصن بابه "، فيجوز التزويج حينئذ بمن فجر بها سابقا وإن لم يظهر منها التوبة
لكن " يحصن بابه "، ويمنعها من الزناء، وبالجملة فإنك إذا راجعت أخبار القسم الأول والقسم الثالث وضممت بعضها
إلى بعض بحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها يظهر لك أنه لا يجوز
التزويج بالزانية المشهورة إلا مع ظهور التوبة منها، وكذا الرجل المشهور بالزناء
وأما التزويج بالزانية الغير المشهورة فيشترط في جواز التزويج بها، إما ظهور
التوبة أو منعها من الزناء الذي عبر عنه بأنه " يحصن بابه ".
وأما أخبار القسم الثاني فالظاهر عندي إرجاعها إلى قائلها عليه السلام والعمل
عندي على صحيحة رفاعة لما عرفت آنفا.
وأما رواية عباد بن صهيب المتقدمة في أخبار القسم الأول الدالة بظاهرها
على جواز إمساك زوجته وإن رآها تزني، فهي لعدم قبولها لما ذكرنا من التأويل
مرجوعة إلى قائلها أيضا لمعارضتها بما هو أكثر عددا وأصح سندا من أخبار
المسألة كملا، كما عرفت بعد جمعها وحمل بعضها على بعض بما هو مقتضى القواعد
الشرعية والضوابط المرعية، والله العالم.
501

تنبيهات
الأول: طعن شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في رواية أبي بصير المتقدمة
- بعد رميها بالضعف - بأن في متنها إشكالا من حيث إن دعائها إلى الحرام يتضمن
اغرائها بالقبيح.
وفيه نظر، أما (أولا) فلأن هذا المضمون كما ورد في هذه الرواية ورد أيضا
في موثقة عمار مرفوعة ابن أبي يعفور (1).
وأما (ثانيا) فلأنه متى حرم تزويجها حتى تعرف توبتها، فلا وجه أكشف
وأظهر من دعائها إلى ذلك، ولو أمكن أيضا بوجه آخر كفى كما دلت عليه موثقة
عمار من قوله " فإن آنس منها رشدا " وموثقة إسحاق بن جرير من قوله " بعد أن يقف على توبتها ".
وبالجملة فإن ما ذكره اجتهاد في مقابلة النصوص وجرأة على أهل
الخصوص.
الثاني: المشهور بين الأصحاب جواز إمساك الزوجة وإن أصرت على
الزنا، وذهب جماعة منهم الشيخ المفيد إلى التحريم مع الاصرار، قال شيخنا
المفيد (عطر الله مرقده): وإذا كان للرجل امرأة ففجرت وهي في بيته وعلم ذلك
من حالها كان بالخيار إن شاء أمسكها وإن شاء طلقها، ولم يجب لذلك فراقها ولا
يجوز له امساكها وهي مصرة على الفجور، فإن أظهرت التوبة جاز له المقام عليها

(1) أقول: ونحو ذلك ما رواه الراوندي في كتاب النوادر عن موسى بن جعفر عليه السلام
عن آبائه عليهم السلام " قال: قال رجل لعلي عليه السلام: إذا زنا الرجل بالمرأة ثم أراد
أن يتزوجها فقال: لا بأس إذا تابا، فقيل: هذا الرجل يعلم توبة نفسه فكيف يعلم توبة
المرأة؟ فقال: يدعوها إلى الفجور، فإن أبت فقد تابت وإن قبلت حرم نكاحها ".
(منه - قدس سره -)، هذه الرواية في مستدرك الوسائل ج 2 ص 576 ب 11 ذيل ح 1.
502

وينبغي له أن يعتزلها بعد ما وقع من فجوزها حتى يستبرئها.
وقال ابن حمزة: وإذا أصرت المرأة عند زوجها على الزنا انفسخ نكاحها
على قول بعض الأصحاب.
وقال سلار: وإن زنت امرأته لم تحرم عليه إلا أن تصر، قال في المختلف
بعد نقل ذلك: والوجه عدم التحريم لقوله عليه السلام " لا يحرم الحرام الحلال " (1)،
وما رواه عباد بن صهيب (2) - ثم ساق الرواية وقد تقدمت (3) ثم قال -: احتج سلار
بأن أعظم فوائد النكاح التناسل، وأعظم حكم الحد والزجر عن الزنا لزوم
اختلاط الأنساب، فلو أبيح له نكاح المصرة على الزنا لزم اختلاط الأنساب، وهو
محذور عنه شرعا، ثم أجاب بأنه لا نسب للزاني. إنتهى.
أقول: ويمكن الاستدلال للقول بالتحريم هنا بالروايات المتقدمة في القسم
الثالث الدالة على أنه لا يجوز تزويج امرأة زنى بها إلا بعد وقوفه على توبتها،
بتقريب أن الاصرار على الزنا كما يمنع ابتداء يمنع استدامة، إذ العلة واحدة في
الموضعين وحديث عباد بن صهيب قد عرفت ما فيه، وحديث " لا يحرم الحرام
الحلال " مخصص بما ذكرناه من الأخبار، وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب
التوقف والاشكال.

(1) التهذيب ج 7 ص 471 ح 97، الوسائل ج 14 ص 325 ح 12.
(2) التهذيب ج 7 ص 331 ح 20، الوسائل ج 14 ص 333 ح 1.
(3) أقول: ومثل هذه الرواية ما رواه شيخنا المجلسي عن كتاب الحسين بن سعيد
بسند صحيح إلى زرارة " قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله
إن امرأتي لا تدفع يد لامس، قال. طلقها، قال: يا رسول الله إني أحبها قال: فأمسكها " فإنها
صريحة في امساكها وإن كانت مصرة على الزنا غير متمكن من احصانها ومنعها، وأخبار
الأقسام الثلاثة في الأصل واضحة بل صريحة في المعارضة للرواية وما في معناها.
(منه - قدس سره -). والرواية في البحار ج 104 ص 12 ح 36.
503

الثالث: المشهور في كلام الأصحاب بل الظاهر أنه لا خلاف فيه أنه لا عدة
على الزانية إذا كانت ذات حمل من الزاني، أم لو لم تكن كذلك فالمشهور أيضا
أنه لا عدة عليها، وقيل: بوجوبها وإليه مال العلامة في التحرير (1).
قال المحدث الكاشاني في المفاتيح: قيل: ولا عدة للزاني مع الحمل بلا خلاف
إذا لا حرمة له، وبدونه قولان: أشهرهما العدم وأثبتها في التحرير، أقول: والأحوط
ثبوتها مطلقا عملا بالعمومات وحذرا من اختلاط المياه وتشويش الأنساب، إنتهى.
والظاهر أنه أراد بالعمومات ما ورد عنهم عليهم السلام في عدة روايات من
قولهم " إذا أدخله وجب الغسل والعدة والمهر والرجم " (2) وقولهم " العدة من
الماء " (3) ونحو ذلك وهو شامل بإطلاقه للزناء.
وأما العلة الثانية وهي المحاذرة من اختلاط المياه وتشويش الأنساب، فهي
لا تنطبق على الاطلاق الذي اختاره، إذ مع الحمل لا يلزم ذلك كما لا يخفى، وإنما
يتجه في غيره صورة الحمل.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك رواية إسحاق بن جرير (4)
المتقدمة في القسم الثالث، وهي دالة على أنه لا يجوز لمن فجر بالمرأة أن يتزوجها
حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور.
وما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول (5) عن أبي جعفر

(1) قال في التحرير: ولو زنت امرأة خالية من بعل فحملت لم يكن عليها عدة من
الزنا، وجاز لها التزويج، ولو لم يحمل فالأقرب أن عليها العدة. انتهى.
(منه - قدس سره -)
(2) الوسائل ج 15 ص 66 ح 9 و ص 65 ح 1.
(3) الوسائل ج 15 ص 66 ح 9 و ص 65 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 356 ح 4، التهذيب ج 7 ص 327 ح 4، الوسائل
ج 14 ص 331 ح 4.
(5) تحف العقول ص 454 الطبعة الثانية، الوسائل ج 15 ص 476 ح 2.
504

محمد بن علي الجواد عليهما السلام " أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا، أيحل له أن
يتزوجها؟ قال: يدعها حتى يستبرئها من نطفته نطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن
تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه ثم يتزوج إذا أراد، فإنما
مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا ".
وما رواه في التهذيب عن زرعة عن سماعة (1) في الموثق " قال سألته عن رجل
له جارية فوثب عليها ابن له ففجر بها، قال: قد كان رجل عنده جارية وله زوجة
فأمرت ولدها أن يثب على جازية أبيه ففجر بها فسئل أبو عبد الله عليه السلام عن ذلك
فقال: لا يحرم ذلك على أبيه، إلا أنه لا ينبغي له أن يأتيها حتى يستبرئها للولد،
فإن وقع فيما بينهما ولد فالولد للأب إن كانا جامعاها في يوم واحد شهر واحد ".
وإلى العمل بهذه الأخبار مال المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي
فقال في بدايته بوجوب العدة على الزانية إذا أرادت أن يتزوج الزاني أو غيره،
وهو جيد، إلا أن عبارته مطلقة في وجوب العدة على الزانية حاملا كانت أم لا.
والمستفاد من الروايات المذكورة من حيث التعليل فيها باستبراء الرحم التخصيص
بغير الحامل كما لا يخفى، وما تعلق به أصحابنا النافين للعدة من حيث " إن ماء
الزاني لا حرمة له " اجتهاد في مقابل النصوص.
وأنت خبير بأن المستفاد من روايتي إسحاق بن جرير ورواية كتاب تحف العقول
تخصيص وجوب الاستبراء بغير ذات البعل إذا أرادت أن يتزوج الزاني وغيره، وهو
الذي صرح به القائلون بوجوب العدة.
أما لو كانت ذات بعل فإشكال ينشأ من دلالة الأخبار (2) على أن " الولد للفراش "،
فيلحق بالزوج، وإن احتمل كونه من الزاني، وحينئذ فلا يضر اختلاط المياه،
لأن الشارع ألحقه بالزوج، ومن ظاهر موثقة سماعة المذكورة، ولعل الموثقة

(1) التهذيب ج 8 ص 179 ح 51، الوسائل ج 14 ص 564 ح 3.
(2) التهذيب ج 8 ص 183 ح 64، الوسائل ج 14 ص 565 ح 1.
505

المذكورة محمولة على استحباب الاستبراء وكراهة الجماع بدونه، ويخرج
لفظ " لا ينبغي " شاهدا بأن يحمل على ما هو المتعارف من الكراهة، إلا أن عبارة
الشيخ المفيد المتقدمة ظاهرة فيما دلت عليه الرواية المذكورة، والاحتياط ظاهر،
والله العالم.
المقام الثالث: في وطئ الشبهة، والمراد به ما ليس بمستحق منه مع عدم
العلم بتحريمه، كالوطئ في نكاح فاسد أو شراء فاسد مع عدم العلم بفسادهما،
وإذا ظن أجنبية أنها زوجته أو أمته فوطأها ونحو ذلك.
وقد اختلف الأصحاب في نشر الحرمة به فالمشهور ذلك، وأنه كالوطئ
الصحيح، وخالف في ذلك ابن إدريس فقال: أما عقد الشبهة ووطي الشبهة فعندنا
لا ينشر الحرمة ولا يثبت به تحريم المصاهرة بحال، وتبعه المحقق في كتابيه ونسب
القول بالتحريم إلى تخريج الشيخ فقال في الشرايع، وأما الوطئ بالشبهة فالذي
خرجه الشيخ (رحمه الله) أنه ينزل منزلة النكاح الصحيح، وفيه تردد، أظهره أنه
لا ينشر.
قال في المسالك: ووجه التحريم مساواته للصحيح في لحوق النسب، وثبوت
المهر به، والعدة، وسقوط الحد، وهي معلولة للوطئ الصحيح كما أن الحرمة
معلولة الآخر، وثبوت أحد المعلولين يستلزم ثبوت الآخر، والمصنف يمنع ذلك
لعدم النص وأصالة بقاء الحل وضعف هذا التخريج، فإنه لا يلزم من ثبوت حكم
لدليل ثبوت آخر يناسبه، كما أن المحرمية منتفية عن وطئ الشبهة بالاجماع، مع
أنها من جلمة معلولات الوطئ الصحيح، وقد سبقه ابن إدريس إلى ذلك.
والأقوى نشر الحرمة به مع سبقه لثبوته في الزنا بالنص الصحيح مع تحريمه،
فيكون في الشبهة أولى، لأنه وطئ محترم شرعا، فيكون إلحاقه بالوطئ الصحيح
في ثبوت حرمة المصاهرة أولى من الزنا، كما يثبت به أكثر أحكام الصحيح.
ولا يقدح تخلف المحرمية، لأنه إباحة بحل النظر بسببه، فجاز اشتراطه
506

بكمال حرمة الوطئ، والموطوءة بالشبهة لا يباح النظر إليها للواطي فلأقاربه
أولى. إنتهى.
أقول: وعلى هذا النهج كلام غير، في تعليل القول المشهور، ومن ذلك علم
حجج القولين المذكورين. والمسألة عندي لا تخلو من توقف وإشكال، فإن ما
احتج به ابن إدريس والمحقق جيد من حيث أصالة الحل، وعدم الدليل على
ما يوجب الخروج عنها، إلا ما ادعوه من مفهوم الأولوية من الأخبار الدالة على
نشر الحرمي بالزناء.
وفيه (أولا) أن هذا لا يقوم حجة على المحقق وابن إدريس، لأنهما يمنعان
القول بنشر حرمة الزناء المتقدم ويقولون إنه لا ينشر الحرمة، ويطرحون هذه
الأخبار، ويعملون على الأخبار المقابلة لها فكيف تقوم عليهم الحجة بهذا الدليل،
وإنما تثبت حجيته عند من يعمل بتلك الأخبار، ويقول بنشر الحرمة بالزناء
السابق على النكاح.
والظاهر أن خلافهم هنا مبني على الخلاف في تلك المسألة كما قدمنا
نقله عنهم وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر، لا سترة عليه.
و (ثانيا) أن كلامهم مبني على حجية مفهوم الأولوية، وقد سبق منا
الكلام فيه في مقدمات الكتاب المذكورة في المجلد الأول في الطهارة (1) وبالجملة
فالمسألة عندي محل توقف، والله العالم.
المقام الرابع: في المس والنظر هل ينشر حرمة المصاهرة أم لا؟ الظاهر
أنه لا خلاف في عدم النشر بنظر ولمس ما يجوز لغير المالك نظره، كالوجه والكفين
ما لم يكن بشهوة، أما ما لا يجوز كالفرج وباطن الجسد فقد اختلف فيه كلام الأصحاب.
وتنقيح الكلام في المقام أن يقال: إذا ملك الرجل أمة وطأها أو نظر منها إلى

(1) ج 1 ص 55.
507

وما لا يجوز لغيره النظر إليه كالوجه والكفين أو لمسه، فهل يحرم بذلك على أبيه
أو ابنه أم لا؟ أقوال:
(أحدها) القول بالتحريم، وهو منقول عن الشيخ في النهاية وأتباعه، واختاره
العلامة في المختلف والتذكرة إلا أن الذي في عبارة النهاية إنما هو النظر والتقبيل
بشهوة حيث قال: لو نظر الأب أو الابن أو قبل بشهوة جارية قد ملكها حرم
على الآخر وطؤها.
و (ثانيها) القول بعدم التحريم بالكلية، وإنما المحرم الوطئ خاصة،
وإليه ذهب ابن إدريس والمحقق والعلامة في غير الكاتبين المتقدمين.
قال ابن إدريس: لا يحرم على أحدهما لو نظر الآخر وقبل وإن كان بشهوة
بل المقتضي للتحريم الوطئ لأصالة الإباحة وقوله (1) " وما ملكت أيمانكم " قال:
وهذا مذهب الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، والفقيه أبي يعلا سلار قال: وبه
أفتى، وغلطه العلامة قي نقله هذا القول عن الشيخين المذكورين، وهو كذلك.
و (ثالثها) اختصاص التحريم بمنظورة الأب وملموسته دون الابن، وهو
مذهب الشيخ المفيد وأبي الصلاح، قال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده): من ابتاع
جارية فنظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل ابتياعها بشهوة فضلا عن لمسها لم تحل
لابنه بملك يمين ولا عقد نكاح أبدا، وليس كذلك حكم الابن إذا نظر من أمة
يملكها إلى ما وصفناه.
وقال في باب السراري: إذا نظر الأب إلى جارية قد ملكها نظرا بشهوة
حرمت على ابنه، ولم تحرم على الأب بنظر الابن دون غيره، ففرق بين الأب
والابن في الحكم المذكور، وبه يظهر لك غلط ابن إدريس ونقله عنه القول بما
ذهب إليه، والظاهر من هذه الأقوال هو القول الأول.

(1) سورة النساء - آية 4.
508

والواجب أولا نقل الأخبار الواردة في المقام ثم تذييلها بما يسر الله تعالى
فهمه منها بتوفيقة وبركة أهل العصمة (صلوات الله عليهم) فنقول:
منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
" في الرجل تكون عنده الجارية يجردها وينظر إلى جسدها نظر شهوة وينظر
منها إلى ما يحرم على غيره، هل تحل لأبيه؟ وإن فعل ذلك أبوه هل تحل لابنه؟
قال: إذا نظر إليها نظر شهوة ونظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحل لابنه،
وإن فعل ذلك الابن لم تحل لأبيه ".
ورواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن إسماعيل. وهو ابن بزيع (2) في الصحيح
" قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يكون عنده الجارية فيقبلها، هل
تحل لولده؟ فقال: بشهوة؟ قلت: نعم، قال: فقال: ما ترك شيئا إذا قبلها بشهوة
ثم قال ابتداء منه: إن جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه، قلت:
إذا نظر إلى جسدها؟ فقال: إذا نظر إلى فرجها وجسدها بشهوة حرمت عليه ".
أقول: وبهاتين الروايتين استدل للقول الأول، وهما صحيحتان صريحتان.
والظاهر أن المراد من النظر إلى ما يحرم على غيره الاحتراز عن الوجه
والكفين حيث إنه يجئ أن النظر إليهما لا يوجبان تحريما وإن كان النظر
بشهوة.
وظاهر الأصحاب أن النظر إليهما بشهوة يوجب التحريم، وظاهر الخبرين
خلافه، وكذا ظاهر الخبرين سيما الثاني أن التحريم بالنظر إلى الجسد لا بد
من تقييده بالشهوة، فلو نظر إليه بغير شهوة لم يوجب تحريما، ومقتضى الخبر قصر
التحريم على الأب والابن.

(1) التهذيب ج 8 ص 212 ح 64، الوسائل ج 14 ص 318 ح 6.
(2) الكافي ج 5 ص 418 ح 2، التهذيب ج 7 ص 281 282 ح 28، الوسائل
ج 14 ص 317 ح 1.
509

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه ".
أقول: يجب تقييد التحريم بكون ذلك عن شهوة كما دل عليه الخبران
الأولان.
ومنها ما رواه في التهذيب عن عيص بن القاسم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
أدنى ما تحرم به الوليدة تكون عن الرجل على ولده إذا مسها أو جردها ".
وما رواه في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام
" في الرجل تكون عنده الجارية فتنكشف فيراها أو يجردها لا يزيد على ذلك،
قال: لا تحل لابنه ".
وعن داود الأبزاري (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن رجل أشتري
جارية فقبلها قال: تحرم على ولده، وقال: إن جردها فهي حرام على ولده ".
أقول: وبصحيحة محمد بن مسلم استدل للقول الثالث من حيث اشتمالها على
تحريم ملموسة الأب على الابن دون العكس.
وفيه: أن غاية ما يدل عليه هو التنبيه على حكم ملموسة الأب بالنسبة إلى
الابن وأما بالنسبة إلى العكس فهو مطلق فيجب تقييده بالخبرين السابقين الصحيحين
الصريحين في حكمهما معا والأخبار الثلاثة متفقة على حكم الابن وتحريم
منظورة الأب وملموسته عليه، والخبران الأولان مصرحان بالعكس.
نعم لو كان ما دل عليه الخبر واقفا على جهة الحصر بحيث لا يتعدى إلى العكس

(1) الكافي ج 5 ص 419 ح 5، التهذيب ج 7 ص 282 ح 29، الوسائل ج 14
ص 417 ح 4.
(2) التهذيب ج 8 ص 208 ح 45، الوسائل ج 14 ص 585 ح 1.
(3) التهذيب ج 8 ص 208 ح 46، الوسائل ج 14 ص 585 ح 2.
(4) التهذيب ج 8 ص 209 ح 48، الوسائل ج 14 ص 585 ح 4.
510

لتم الاستدلال، وهكذا يقال في الأخبار الباقية، فإن موردها تحريم منظورة
الأب وملموسته على الابن دون العكس لا على جهة الحصر، بل هي مطلقة بالنسبة
إلى العكس فيجب تقييدها بالخبرين الأولين.
وكيف كان فإنه يجب تقييد هذه الأخبار بالشهوة أيضا لما عرفت من صراحة
الصحيحين المتقدمين في ذلك، وأيضا فإنه هو الغالب سيما في التقبيل، وبذلك
يظهر ضعف القول المذكور.
ومنها ما رواه الشيخ (1) في الموثق عن علي بن يقطين عن العبد الصالح عليه السلام
" عن الرجل يقبل الجارية ويباشرها من غير جماع داخل أو خارج أتحل لابنه أو
لأبيه؟ قال: لا بأس ".
وهذه الرواية قد استدل بها بالقول الثاني، وحملوا الروايات المنافية على
الكراهة جمعا.
وفيه: أن النهي حقيقة في التحريم فلا يحمل على خلافه إلا مع القرينة
الواضحة الصارفة عن الحقيقة، والرواية المذكورة غير صريحة في التحريم لامكان
حملها على ما ذكره الشيخ من كون ذلك لا بشهوة، والمحرم إنما هو الواقع بشهوة
كما عرفت.
وبالجملة فإن هذا الخبر يضعف عن معارضة الأخبار المتقدمة سندا وعددا
ودلالة، فيجب التأويل في جانبه لا في جانب تلك الأخبار.
وبما ذكرنا يظهر ضعف الاستناد إلى أصالة الإباحة كما ذكره ابن إدريس
لوجوب الخروج عنها بالدليل الدال على التحريم، وقد عرفت ضعف الاستناد
إلى الآية فإنها مخصوصة بالأخبار، على أن مجرد الملك لا يقتضي إباحة الوطئ
فقد يملك من لا يجوز له وطؤها، والله العالم.

(1) التهذيب ج 8 ص 209 ح 47، الوسائل ج 14 ص 585 ح 3.
511

تذنيبات
الأول: لو قلنا بتحريمها على الأب والابن كما هو أحد الأقوال المتقدمة،
فهل يتعدى التحريم إلى أمها وإن علت، وابنتها وإن سفلت: فيحرم على المولى
نكاحها أم لا، الظاهر أن المشهور الثاني، وبالأول صرح الشيخ في الخلاف وابن
الجنيد (1).
واحتج في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم والاحتياط، وفي موضع آخر من
الكتاب المذكور خص التحريم بالنظر إلى فرجها، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وآله (2)
" لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها ".
وما روى عنه (3) صلى الله عليه وآله: " من كشف قناع امرأة حرم عليه ابنتها ".
والظاهر أنه عنى بالأخبار هذه الأخبار مع أنها عامية فإنها غير موردة في
شئ من أخبارنا.
والعلامة في المختلف قد استدل له بصحيحة محمد بن مسلم (4) عن أحدهما عليهما السلام
" عن رجل تزوج امرأة فنظر إلى رأسها وإلى بعض جسدها، أيتزوج ابنتها؟ قال:
لا، إذا رآى ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج ابنتها ".

(1) قال ابن الجنيد: إذا أتى الرجل من زوجته وأمته محرما على غيره كالقبلة
والملامسة والنظر إلى العورة فقد حرمت عليه ابنتها بنسب كانت أو رضاع، وقال الشيخ
في الخلاف: اللمس إذا كان بشهوة مثل القبلة أو اللمس إذا كان مباحا أو شبهة ينشر التحريم،
وتحرم الأم وإن علت والبنت وإن سفلت، واستدل عليه باجماع الفرقة وأخبارهم وقال
في موضع آخر: وإذا نظر إلى فرجها تعلق به تحريم المصاهرة، واستدل باجماع الفرقة
وأخبارهم وطريق الاحتياط، ثم ذكر الروايتين المنقولتين في الأصل. (منه - قدس سره -).
(2) عوالي اللئالي ج 3 ص 333 ح 222 و ح 223، مستدرك الوسائل ج 2 ص 579 ب 20 ح 6.
(3) عوالي اللئالي ج 3 ص 333 ح 222 و ح 223، مستدرك الوسائل ج 2 ص 579 ب 20 ح 6.
(4) التهذيب ج 7 ص 280 ح 23، الوسائل ج 14 ص 353 ح 1.
512

ورواية أبي الربيع (1) قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام " عن رجل تزوج امرأة
فمكث أياما معها لا يستطيعها، غير أنه قدر آي منها ما يحرم على غيره ثم طلقها،
أيصلح له أن يتزوج ابنتها؟ فقال: لا يصلح له وقد رآى من أمها ما رأى ".
ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، وهي مثل رواية أبي الربيع
المذكورة.
ثم أجاب عنها بما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار من حمل النهي فيها على
الكراهة جمعا، أقول: ولا يبعد الحمل على التقية أيضا. وبالجملة فإن الآية
الشريفة أعني قوله عز وجل (2) " فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم "
الصريحة في قصر تحريم البنت على المدخول بالأم، والمس والنظر ونحوهما
لا يسمى دخولا، وكذلك الأخبار الكثيرة المتقدمة الصريحة في عدم تحريم البنت
إلا مع الدخول بالأم.
وخصوص صحيحة العيص بن القاسم - (3) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل باشر امرأة وقبل، غير أنه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها؟ قال: إذا لم
يكن أفضى إلى الأم فلا بأس، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها " - صريح في
عدم التحريم إلا مع الدخول، مع تأيد هذه الأدلة بأصالة الإباحة.
على أن في الاستدلال بهذه الأخبار خروجا عن محل البحث، فإن مورد
هذه الأخبار إنما هو الزوجة، ومحل البحث الأمة، ومن ذلك يظهر ضعف
القول المذكور، وأنه بمحل من القصور لعدم الدليل عليه، وحينئذ فيجب
قصر التحريم على الأب والابن كما تقدم، والله العالم.
الثاني: قد نقل جملة من الأصحاب عن المحقق الشيخ فخر الدين في شرح

(1) التهذيب ج 7 ص 280 ح 24 وفيه " أيصلح "، الوسائل ج 14 ص 353 ح 2.
(2) سورة النساء - آية 23.
(3) الكافي ج 5 ص 415 ح 2، الوسائل ج 14 ص 322 ح 2.
513

القواعد أنه قال بأن القائلين أن الزنا ينشر حرمة المصاهرة اختلفوا في أن النظر
المحرم إلى الأجنبية والمس هل ينشر الحرمة؟ فتحرم به الأم وإن علت، والبنت
وإن نزلت أم لا؟ هذا كلامه (رحمة الله عليه).
قال في المسالك: ولم نقف على القائل بالتحريم، وعلى القول به لا تحرم
المنظورة والملموسة على الفاعل، وإنما نقل الخلاف في أمها وابنتها، وكيف
كان فهو قول ضعيف جدا لا دليل عليه. إنتهى.
ومما يدل على بطلان هذا القول صحيح العيص بن القاسم (1) " قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باشر امرأة وقبل، غير أنه لم يفض إليها، ثم تزوج ابنتها
قال: إن لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها ".
وما رواه المجلسي في كتاب البحار عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن
منصور بن حازم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل كان بينه وبين امرأة فجور، أيحل
له أن يتزوج ابنتها، قال: إن كان قبلة وشبهها فليتزوج بها إن شاء أو بابنتها ".
قال: وروى القاسم بن محمد عن أبان عن منصور (3) مثل ذلك إلا أنه قال:
" فإن جامعها فلا يتزوج ابنتها وليتزوجها "، وفي الخبر دلالة على ما ذكره شيخنا
المتقدم ذكره من قوله " وعلى القول به لا تحرم المنظورة والملموسة على
الفاعل ".
والمشهور أيضا أنه لو وقع اللمس أو النظر وكذا القبلة بشبهة فإنه لا يحرم
ونقل عن الشيخ في الخلاف القول بالتحريم به للأم والبنت فساوى بين المباح من
هذه الأشياء وبين الشبهة.
قال في الكتاب المذكور: اللمس بشهوة مثل القبلة واللمس إذا كان مباحا

(1) التهذيب ج 7 ص 330 ح 14، الوسائل ج 14 ص 322 ح 2.
(2) البحار ج 104 ص 10 ح 25، مستدرك الوسائل ج 2 ص 575 ب 6 ح 4.
(3) البحار ج 104 ص 10 ح 26، مستدرك الوسائل ج 2 ص 575 ب 6 ذيل ح 8.
514

أو بشبهة ينشر التحريم، وتحرم الأم وإن علت والبنت وإن نزلت، واستدل
بإجماع الفرقة وأخبارهم. إنتهى.
ولا ريب في ضعفه كما صرح به جملة من المتأخرين، فإنه مجرد دعوى
لا دليل عليها.
الثالث: المفهوم من كلام جملة من الأصحاب كالعلامة في القواعد والمحقق
في الشرايع جواز لمس الأجنبي للأمة في الجملة، وفيه إشكال.
قال في القواعد: ولا خلاف في انتفاء التحريم بما يحل لغير المالك كنظر
الوجه ولمس الكف، قال الشارح المحقق: ويستفاد من قول المصنف - ثم نقل
العبارة المذكورة - أنه يحل النظر واللمس المذكوران في الأمة للأجنبي وفي
حل اللمس تردد. إنتهى:
وقال المحقق في الشرايع: فما يسوغ لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف
لا ينشر الحرمة.
قال في المسالك: يستفاد منه أيضا أن لمسها جائز في الجملة، ولم يذكروا
جوازه بل القائلون بجواز النظر قصروه عليه، عملا بظاهر قوله تعالى (1) " ولا يبدين
زينتهن إلا ما ظهر منها " فإنه يقتضي إباحة نظر محل ذلك، فاللمس باق على
أصل التحريم، وصرح بعض الأصحاب بتحريم اللمس مطلقا، وفي القواعد في
هذا المحل جوز لمس كف الأمة للأجنبي، وجعله المراد مما يحل لغير المالك
لمسه، ويمكن حمل عبارة المصنف عليه. إنتهى.
أقول: في قوله - ويمكن حمل عبارة المصنف عليه - فيه ما لا يخفى فإن
مرجع العبارتين إلى أمر واحد فلا معنى لقوله " ويمكن ".
وكيف كان فإن ما ذكراه من جواز اللمس في هذا الموضع لا أعرف عليه
دليلا، وغاية ما يستفاد من الأخبار - الدالة على استثناء الوجه والكفين من العورة

(1) سورة النور - آية 31.
515

بالنسبة إلى بدن المرأة - هو جواز النظر إليهما، وأما اللمس فلم أقف له على
دليل، والله العالم.
ختام:
قد صرح جملة من الأصحاب بأن المحرمات المذكورة في باب المصاهرة
بالنكاح الصحيح أو الزنا أو وطئ الشبهة أو النطر واللمس كما تحرم بالنسب
كذلك تحرم بالرضاع، فكل من حرم بالمصاهرة بسبب كالأبوة والبنوة والأمية
والبنتية ونحوها إذا كان من النسب حرم نظيره في الرضاع فيحرم الموطوءة بالعقد
على أب الواطئ الرضاعي كما تحرم على أبيه النسبي وإن علا، وابنه نسبا ورضاعا
وإن نزل، ويحرم على الواطئ أمها رضاعا كما تحرم الأم النسبية وإن علت،
وهكذا ابنتها لعموم " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " (1).
ولا يقال: إن هذا إنما يحرم بالمصاهرة لا بالنسب، فلا يدخل في عموم
الخبر، لأنا نقول: قد بينا في باب الرضاع تفصيل الكلام وشرحه بأوضح بيان
في معنى المصاهرة، وأنها على معنيين مصاهرة مبنية على النكاح، وهي راجعة
إلى النسب فيحرم بها ما يحرم من النسب، ومصاهرة راجعة إلى الرضاع فلا يترتب
عليها تحريم إلا على مذهب القائلين بالتنزيل في الرضاع، وقد أشرنا ثمة إلى
بطلانه.
ومما يعضد ما ذكرنا ما رواه أبو عبيدة الحذاء (2) في الصحيح عن الصادق عليه السلام
" قال: سمعته يقول: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها
من الرضاعة ".

(1) الكافي ج 5 ص 437 ح 2 و 3، التهذيب ج 7 ص 292 ح 60، الوسائل
ج 14 ص 281 ح 4.
(2) الفقيه ج 3 ص 260 ح 21، الكافي ج 5 ص 445 ح 11، التهذيب ج 7
ص 292 ح 65، الوسائل ج 14 ص 304 ح 1 و ص 300 ح 6.
516

وما رواه محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام " قال: سألته عن
رجل فجر بامرأة، أيتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال، لا ".
والتقريب فيه صدق الأم والبنت في موضع التحريم على الرضاعيتين كما
تصدق على النسبيتين، وهكذا في الأب والابن والأخت والعمة والخالة ونحوها
من المحرمات النسبية، والظاهر أن الحكم موضع وفاق عند كل من قال بالتحريم
في المصاهرة. والله العالم.
المقصد الثاني فيما يلحق بما تقدم من المواضع التي أشرنا إليها آنفا
من وقوع التحريم فيها زيادة على ما تقدم في المقامات المتقدمة، وقد تقدم ذلك
في صدر البحث، وحيث كان التحريم في بعضها جمعا وفي بعضها عينا فالكلام هنا يقع
في موردين.
الأول: فيما يحرم جمعا وفيه مسائل.
الأولى: لا خلاف نصا وفتوى في تحريم الجمع بين الأختين في النكاح، وقد
تقدمت جملة من الأخبار الدالة على ذلك في التذنيبات التي في آخر المسألة الثانية
من المطلب الثاني وسيأتي جملة من الأخبار الدالة على ذلك.
وأما ما روي في شذوذ الأخبار عن منصور الصيقل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: لا بأس بالرجل أن يتمتع بأختين " فإنه محمول على ما ذكره الشيخ
(رحمه الله) من أنه يتمتع واحدة بعد أخرى، لا أنه يجمع بينهما.
وبالجملة فإن الحكم المذكور مما لا خلاف ولا إشكال فيه، وحينئذ فلو
تزوجهما فلا يخلو أن يكونا مترتبتين إحداهما بعد الأخرى، أو يقع ذلك في

(1) الكافي ج 5 ص 416 ح 8، التهذيب ج 7 ص 331 ح 19، الوسائل
ج 14 ص 325 ح 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 288 ح 47، الإستبصار ج 3 ص 171 ح 1 فيه " بأختين "،
الوسائل ج 14 ص 370 ح 2.
517

عقد واحد، فالكلام هنا في موضعين:
(أحدهما) أن يتزوجهما بالترتيب إحداهما قبل الأخرى.
والذي صرح به الشيخ في النهاية هو بطلان عقد الثانية خاصة، فإن وطأ
الثانية فرق بينهما، ولا يرجع في نكاح الأولى حتى تخرج التي وطأها من العدة،
وبه صرح ابن البراج وابن زهرة.
وقال ابن إدريس: لا دليل على صحة هذه الرواية، والذي يقتضيه أصول
المذهب أنه لا يمتنع من وطئ امرأته الأولى.
وقال ابن الجنيد، لو تزوج بأخت امرأته وهو لا يعلم فرق بينهما إن كإن لم
يدخل بالثانية، فإن دخل بالأخيرة خير أيتهما شاء، ولا يقرب التي يختار
حتى تنقضي عدة التي فارق، فإن أحب العود إلى التي فارقها لم يكن له أن يعقد
حتى يفارق التي كانت في حباله، إما بطلاق بين أو خلع تبين منه عصمتها ثم
لا يكون له رجعة عليها أو يموت. إنتهى.
أقول: ويدل على القول الأول ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن زرارة (1) في
الموثق " قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج بالعراق امرأة ثم خرج إلي الشام
فتزوج امرأة أخرى فإذا هي أخت امرأته التي بالعراق، قال: يفرق بينه وبين التي
تزوجها بالشام ولا يقرب المرأة حتى تنقضي عدة الشامية، قلت: فإن تزوج امرأة
ثم تزوج أمها وهو لا يعلم أنها أمها؟ قال: قد وضع الله عنه جهالته بذلك، ثم
قال: إذا علم أنها أمها فلا يقربها ولا يقرب الابنة حتى تنقضي عدة الأم منه،
فإذا انقضت عدة الأم حل له نكاح الابنة، قلت: فإن جاءت الأم بولد؟ قال: هو
ولده، ويكون ابنه وأخا امرأته " (2).

(1) الكافي ج 5 ص 431 ح 4، الفقيه ج 3 ص 264 ح 43 التهذيب ج 7 ص
285 ح 40، الوسائل ج 14 ص 368 ح 1.
(2) هذه الرواية عدها في المختلف في الصحيح، ثم اعترض على نفسه بأن في
سندها ابن بكير وهو فطحي، ثم أجاب بأن الكشي قد نقل عنه أنه ممن أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه.
ولا يخفى عليك ما فيه من التكلف لخروجه عن اصطلاحه، وفيه تأييد لما قدمنا ذكره
في الكتاب في غير موضع من خروجهم عن مقتضى اصطلاحهم لضيق الخناق فيه وتسترهم
بالأعذار الواهية. (منه - قدس سره -).
518

ومما يدل على ما ذهب إليه ابن الجنيد ما رواه في الكافي عن أبي بكر
الحضرمي (1) في الحسن " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل نكح امرأة ثم أتى أرضا
فنكح أختها وهو لا يعلم، قال: يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأخرى ".
ونقل عنه في المختلف أنه استدل أيضا - زيادة على الرواية المذكورة -
بأنهما عقدان استباح بهما وطأهما فيتخير لامتناع الجمع، وعدم الأولوية كما
في المقارن.
ثم أجاب في المختلف عن الرواية بأنا نقول بموجبها، والمراد: إمساك
الأولى بالعقد الثابت المستقر، وإن أراد إمساك الثانية طلق الأولى وابتدأ العقد
على الثانية.
أقول: وبهذا أجاب الشيخ (رحمه الله) عن الرواية المذكورة، ولا يخفى ما
فيه من البعد، والمسألة لذلك لا تخلو من شوب الاشكال إلا أنه يمكن ترجيح
القول المشهور بأن النهي عن الجمع إنما توجه هنا إلى الأخيرة، ولهذا لو كان
عالما بكون الثانية أختا للأولى، فإنه لا خلاف ولا إشكال في بطلان عقدها وحينئذ
فصحته ظاهرا قبل العلم لا ينافي بطلانه بعد العلم كما في غيره من نكاح الشبهة.
ومما يؤيد ذلك أيضا صحيحة محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل

(1) الكافي ج 5 ص 431 ح 2، التهذيب ج 7 ص 285 ح 41، الوسائل
ج 14 ص 369 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 430 ح 3، التهذيب ح 7 ص 294 ح 71، الوسائل
ج 14 ص 400 ح 1.
519

كان تحته أربع نسوة فطلق واحدة ثم نكح أخرى فبل أن تستكمل المطلقة العدة
قال: فيلحقها بأهلها حتى تستكمل المطلقة أجلها، وتستقبل الأخرى عدة أخرى
ولها صداقها إن كان دخل بها، فإن لم يكن دخل بها فله ماله ولا عدة عليها، ثم
إن شاء أهلها بعد انقضاء عدتها زوجوه، وإن شاؤوا لم يزوجوه ".
ورواية عنبسة بن مصعب (1) " قال، سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له
ثلاث نسوة فتزوج عليهن امرأتين في عقد واحد، فدخل بواحدة منهما ثم مات
فقال: إن كان دخل بالمرأة التي بدأ باسمها وذكرها عند عقد النكاح فإن نكاحها
جائز، ولها الميراث وعليها العدة، وإن كان دخل بالمرأة التي سميت وذكرت بعد
ذكر المرأة الأولى فإن نكاحها باطل، ولا ميراث لها وعليها العدة ".
والتقريب فيهما دلالتهما على بطلان عقد الخامسة لأنها هي التي توجه
إليها النهي، والمسألتان من باب واحد، إلا أنه يبقى الكلام فيما يحمل عليه
حسنة الحضرمي المذكورة، وليس إلا ما ذكره الشيخ وإن بعد، واحتمال التقية
فيه ممكن، سيما من حيث قول ابن الجنيد به.
ومما يؤيد الرواية الأولى أيضا فيما دلت عليه من الأمر بفراق الأخيرة
ما رواه في الكافي مسندا في الصحيح عن محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام " قال:
قضى أمير المؤمنين عليه السلام في أختين نكح إحداهما رجل ثم طلقها وهي جبلي ثم
خطب أختها فجمعهما قبل أن تضع أختها المطلقة ولدها؟ فأمره أن يفارق الأخيرة
حتى تضع أختها المطلقة ولدها ثم يخطبها ويصدقها صداقا مرتين ".

(1) الكافي ج 5 ص 430 ح 4، التهذيب ج 7 ص 295 ح 72، الوسائل
ج 14 ص 403 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 430 ح 1، التهذيب ج 7 ص 284 ح 38، الوسائل ج 14
ص 366 ح 1.
520

ورواه الصدوق في الفقيه (1) مرسلا " قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام " الحديث
إلا أن الذي فيه " فنكحها " مكان " فجمعها " وفيه " فأمره أن يطلق الأخرى ".
قال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل الخبر كما نقلناه: بيان،
" فجمعها " كذا في أكثر النسخ، والصواب فجامعها، وربما يوجد في بعض
النسخ " فجمعها " وفي الفقيه " فنكحها " وهو أوضح، وفيه " فأمره أن يطلق
الأخرى " وهو يشعر بصحة العقد على الأخيرة، ويدل عليه إيجاب الصداق مرتين،
إلا أن يقال: ذلك لمكان الوطئ.
ثم إن صح العقد على الأخيرة، فما الوجه في التفريق ثم الخطبة وتثنية
الصداق، وإن جعل - يطلق من الاطلاق وحمل النكاح والجمع على الوطئ، وقيل
بابطال العقد الأول على الأخيرة - صحت النسختان وزال الاشكال. إنتهى.
أقول: هذا الخبر قد نقله شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار
من كتاب الحسين بن سعيد (2) بسنده فيه إلى محمد بن قيس هكذا: عن أبي جعفر عليه السلام
عن أمير المؤمنين عليه السلام " في أختين نكح إحداهما رجل ثم طلقها وهي حبلى، ثم
خطب أختها فنكحها قبل أن تضع أختها المطلقة ولدها، أمره أن يفارق الأخيرة
حتى تضع أختها المطلقة ولدها، ثم يخطبها ويصدقها صداقها مرتين ".
وهذه الرواية موافقة لرواية الصدوق في لفظة " نكحها " عوض " فجمعها "
الذي في رواية الكليني، وموافقة لرواية الكليني في لفظ " المفارقة " دون لفظ
" الطلاق " الذي في الفقيه.
وكيف كان فالظاهر بالنسبة إلى المخالفة الأولى أن الحق منهما ما نقله في
الفقيه وفي كتاب الحسين بن سعيد من لفظ " النكاح " بمعنى الوطئ لها.
ويدل عليه أنه هو الذي يترتب عليه المهر كما صرح به في رواية الكافي

(1) الفقيه ج 3 ص 269 ح 62، الوسائل ج 14 ص 366 ح 1.
(2) البحار ج 104 ص 26 ح 6، مستدرك الوسائل ج 2 ص 580 ب 24 ح 1.
521

أيضا من كون الصداق مرتين، وذلك لأنه نكاح شبهة موجب للصداق البتة،
وبالنسبة إلى المخالفة الثانية هو ما في الكافي ورواية الحسين بن سعيد من لفظ
" المفارقة " دون " الطلاق " الذي في رواية صاحب الفقيه.
ويؤيده ما تقدم في رواية زرارة المتضمنة لأمره عليه السلام بأن يفرق بينه وبين
امرأته الشامية التي هي الأخيرة، وهو الأنسب بالقواعد الشرعية، لأنه لما كان
منهيا عنه فهو باطل، وإن لم يأثم لمكان الجهل.
بقي الكلام فيما ذكره ابن إدريس مما قدمنا نقله عنه تجويز نكاح
الأولى قبل أن تخرج الثانية من العدة، ردا على الشيخ فيما ذكره من أنه لا يقرب
الأولى حتى تخرج الثانية من العدة.
وظاهر العلامة في المختلف موافقة ابن إدريس في هذا المقام حيث قال -
بعد الكلام في المسألة -: بقي هنا بحث وهو أنه هل يحرم الأولى مدة عدة
الثانية؟ ظاهر كلامه في النهاية ذلك، والوجه الحمل على الكراهة، عملا بأصالة
الإباحة، ولوجود المقتضي وهو العقد السابق السالم عن المعارض، وهو تجدد العقد
على الأخت، فإنه لا يقتضي تحريما على العلم لقوله عليه السلام (1) " لا يحرم الحرام
الحلال " فكذا مع الجهل، والعدة غير مانعة لأنها ثابتة والجمع بين الأختين
منتف. إنتهى.
أقول: وبالجواز على كراهة صرح في القواعد أيضا، وهو ظاهر المحقق
الشيخ على في شرحه.
وأنت خبير بأن ما ذكره في المختلف وإن كان جيدا في بادئ النظر إلا أنه
عند التأمل في المقام لا يخلو من نظر، فإن الخبر صريح في التحريم كما ادعاه الشيخ
خصوصا قوله عليه السلام في مسألة نكاح الأم على البنت، " ولا يقرب البنت حتى تنقضي
عدة الأم منه، فإذا انقضت عدة الأم حل له نكاح البنت "، ومسألة الأختين ومسألة

(1) التهذيب ج 7 ص 471 ح 97، الوسائل ج 14 ص 325 ح 12.
522

الأم والبنت من باب واحد، وغاية ما يدل عليه كلامه (قدس سره) أنه لا يعرف
وجه التحريم في هذا المقام.
وفيه: أن عدم معرفته له لا يدل على العدم، فلعل للتحريم وجها لا تهتدي
إليه أبصارنا، فيجب التسليم فيما أمروا ونهوا وإن لم نهتد إلى وجهه، والواجب
شرعا هو متابعتهم فيا أمروا ونهوا، لأطلب العلة منهم وبيان الوجه في ذلك،
وبالجملة فالظاهر هو ما ذكره الشيخ (رحمة الله عليه) والله العالم.
تفريع:
لو قلنا ببطلان عقد الأخيرة كما هو أحد القولين فهو ظاهر مع العلم بالمتقدم
والمتأخر، أما لو اشتبه ذلك ولم يعلم السابق من اللاحق، فالظاهر هو تحريمهما
معا كما هو مقتضى قاعدة الاشتباه بمحصور، لأن إحداهما محرمة يقينا لكنها
قد اشتبهت بالأخرى، وبذلك صرح في القواعد أيضا فقال: فلو اشتبه السابق منع
منهما، والأقرب إلزامه بطلاقهما (1).
(الثاني) من الموضعين المشار إليهما آنفا: ما لو تزوجهما معا في عقد واحد،
وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك، فذهب الشيخ وجمع من الأصحاب
منهم ابن البراج وابن الجنيد إلى أنه يختار أيهما شاء، وكذا في الزائد على
الأربع، واختاره العلامة في المختلف وذهب ابن إدريس وابن حمزة إلى بطلان العقد،
وإلى هذا القول ذهب المحقق وأكثر المتأخرين.

(1) قال الشارح المحقق (رحمة الله عليه): والأقرب عند المصنف إلزامه بطلاقهما
بأن يجبره الحاكم على ذلك، ووجه القرب أن البقاء على الزوجية موجب للضرر بالنسبة
إليه وإليهما، لتعلق أحكام الزوجية ومنعه من الاستمتاع، ولأن تحصيل البراءة عن حقوق الزوجية
واجب، ولا يتم إلا بالطلاق، ثم ناقش في ذلك بما هو مذكور ثمة. (منه - قدس سره -)
523

ويدل على ما ذهب إليه الشيخ ما رواه الصدوق في الصحيح عن ابن أبي عمير عن
جميل بن دراج (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال في رجل تزوج أختين في عقدة
واحدة، قال: هو بالخيار يمسك أيتهما شاء، ويخلي سبيل الأخرى، وقال في
رجل تزوج خمسا في عقدة واحدة: يخلي سبيل أيتهن شاء " وزاد في الكافي
" ويمسك الأربع ".
وهذه الرواية قد رواها الكليني والشيخ بطريق فيه ضعف، وردها المتأخرون
بذلك، ولكنها كما عرفت قد رويت بطريق صحيح وهي صريحة في المدعى، فلا مجال
للطعن فيها بوجه.
احتج القائلون بالبطلان بأن العقد على كل واحدة منهما محرم للعقد
على الأخرى ونسبته إليهما على السوية، فلا يمكن الحكم بصحته فيهما لمحذور
الجمع، ولا في إحداهما على التعيين لأنه ترجيح من غير مرجح، ولا بغير معينة:
لأن الحكم بالإباحة عرض معين فلا بد له من محل جوهري معين يقوم
به لأن غير المعين في حد ذاته لا وجود له فإذا بطلت هذه الأحكام لزم الحكم
بالبطلان فيهما، ولأن العقد عليهما معا منهي عنه نهيا ناشئا عن عدم صلاحية
المعقود عليهما على الوجه المخصوص للنكاح، وإن كانت صالحة بغير هذه الجهة،
والنهي على هذا الوجه يقتضي بطلان العقد وإن لم يكن مطلق النهي موجبا لبطلان
المعقود، كذا قرره شيخنا في المسالك.
وفيه ما قدمنا لك ذكره في غير موضع من أن الخروج عن مقتضى الروايات
- الصحيحة الصريحة في الحكم بمجرد هذه الأدلة العقلية - مجازفة محضة في أحكامه
سبحانه، لما عرفته قريبا من أنا مأمورون بالأخذ بأوامرهم (صلوات الله عليهم)

(1) الكافي ج 5 ص 431 ح 3 و ص 430 ح 5، الفقيه ج 3 ص 265 ح 45،
التهذيب ج 7 ص 285 ح 39 و ص 295 ح 73. الوسائل ج 14 ص 367 ح 1
و ص 403 ب 4 ح 1.
524

ونواهيهم وإن لم تدرك أفهامنا غاياتها وعللها، فالخروج عنها بهذه التعليلات
العقلية غير جيد، ولهذا إن شيخنا المذكور إنما جنح إلى هذا التعليل لضعف
الرواية بناء على نقل الكليني والشيخ، وحيث اطلع على نقل صاحب الفقيه لها
بطريق صحيح عدل إلى العمل بالرواية فقال بعد نقلها: وعلى هذا فيتجه العمل
بمضمونها لصحتها في المسألتين بعد تحقيق الحال من الكتاب، فعندي فيه شبهة
تتوقف على المراجعة.
أقول: أراد بالمسألتين مسألة الأختين ومسألة الجمع بين الخمس، وما ذكره
من الشبهة لا أعرف له وجها، فإن الرواية في الفقيه كما ذكره سندا ومتنا صحيح،
أما المتن فقد عرفته، وأما السند فإن طريق الصدوق إلى ابن أبي عمير - كما ذكره
هو (قدس سره) في المسالك أيضا محمد بن الحسن عن الحميري عن أيوب بن نوح
وإبراهيم بن هاشم ومحمد بن عبد الجبار عن محمد ابن أبي عمير - هو في أعلى مراتب
الصحة.
ومما يؤيد ذلك تصريحه عليه السلام بهذا الحكم في الجمع بين الخمس بعقد واحد
والمسألتان من باب واحد، وبما ذكرنا يظهر قوة القول الأول، والله العالم.
الحاق:
الظاهر أن ما تقدم من البحث في الأختين والخلاف في الموضعين يجري
في الخمس، وبذلك صرح في المختلف. فقال: لا يجوز الجمع بين الأختين في
العقد ولا بين الخمس، ولا بين اثنتين وعنده ثلاث إجماعا، فإن فعل دفعة قال الشيخ
في النهاية: يتخير في أي الأختين شاء وفي الزائد على الأربع، وهو قول ابن الجنيد
وابن البراج، ثم نقل قول ابن إدريس المتقدم، وبالجملة فإن المسألتين من
باب واحد.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما تقدم في صحيحة
525

جميل (1) من " أنه متى تزوج خمسا في عقد واحد يخلي سبيل أيتهن شاء ".
وهذا حكم الأختين على أحد القولين كما تضمنته الرواية المذكورة أيضا.
وصحيحة محمد بن قيس (2) المتقدمة في الموضع الأول، وهي نظيرة صحيحة
المتقدمة أيضا الواردة في الأختين.
ورواية عنبسة بن مصعب (3) المتقدمة أيضا في الموضع الأول، إلا أن هذه
الرواية لا تخلو من منافاة لما دلت عليه صحيحة جميل، لأن هذه الرواية قد تضمنت
أنه متى عقد على اثنتين دفعة وعنده ثلاث فإن العقد صحيح بالنسبة إلى من قدم
اسمها في العقد، وباطل بالنسبة إلى المؤخر اسمها.
وصحيحة جميل دلت على أنه متى جمع الخمس في عقد واحد تخير أيتها
شاء، ومقتضاه أنه يتخير أيضا في الاثنتين، إذا لا فرق بين العقد على الخمس دفعة
وبين من تزوج اثنتين وعنده ثلاث.
ومقتضى رواية عنبسة أنه يبطل عقد الخامسة التي تأخر ذكر اسمها،
ولا أعرف وجها للجمع بينهما إلا أن تحمل صحيحة جميل على كون ذكر الخمس
وقع إجمالا لا تفصيلا، بأن قال: زوجتك هذه الخمس نسوة، أو زوجتك الخمس
نسوة المعدودات بيني وبينك، ونحو ذلك.
ومن روايات الخمس أيضا ما رواه في الكافي عن زرارة ومحمد بن مسلم (4)

(1) الكافي ج 5 ص 430 ح 5، التهذيب ج 7 ص 295 ح 73، الفقيه ج 3
ص 265 ح 45، الوسائل ج 14 ص 403 ب 4 ح 1 و ص 367 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 430 ح 3، التهذيب ج 7 ص 294 ح 71، الفقيه 3
ص 265 ح 46، الوسائل ج 14 ص 400 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 430 ح 4، التهذيب ج 7 ص 295 ح 72، الفقيه ج 3
ص 266 ح 48، الوسائل ج 14 ص 403 ب 5 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 429 ح 1، التهذيب ج 7 ص 294 ح 69، الوسائل ج 14
ص 399 ح 1.
526

عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة
حتى تنقضي عدة المرأة التي طلق، وقال: لا يجمع الرجل ماءه في خمس ".
وعن علي بن أبي حمزة (1) " قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون
له أربع نسوة فيطلق إحداهن أيتزوج مكانها أخرى؟ قال: لا حتى تنقضي عدتها ".
ونظير هذين الخبرين في الأختين ما رواه في الكافي عن زرارة (2) عن أبي جعفر
عليه السلام " في رجل طلق امرأته وهي حبلى، أيتزوج أختها قبل أن تضع؟ قال: لا يتزوجها
حتى يخلو أجلها ".
وعن علي بن أبي حمزة (3) عن أبي إبراهيم عليه السلام " قال: سألته عن رجل طلق
امرأة، أيتزوج أختها؟ قال: لا حتى تنقضي عدتها ".
المسألة الثانية: لا خلاف في جواز الجمع بين الأختين في الملك وإن
تناوله النهي في ظاهر الآية وهو قوله تعالى (4) " وأن تجمعوا بين الأختين إلا
أن المراد به ما كان بالعقد أو الوطئ أوبهما إجماعا، ولا خلاف أيضا في أنه لا يجوز
الجمع بينهما في الوطئ بملك اليمين ولا الجمع بينهما في النكاح (5) كما تقدم
في سابق هذه المسألة.

(1) الكافي ج 5 ص 429 ح 2، التهذيب ج 7 ص 294 ح 70، الوسائل ج 14
ص 400 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 432 ح 8، التهذيب ج 7 ص 282 ح 44، الوسائل ج 14
ص 371 ب 28 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 432 ح 9، التهذيب ج 7 ص 290 ح 54، الوسائل
ج 14 ص 374 ح 10.
(4) سورة النساء - آية 23.
(5) أقول: ويدل عليه ما سيأتي إن شاء الله تعالى في الرواية الثانية عشر في قوله
تعالى " وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف " يعني في النكاح. (منه - قدس سره -).
527

وحينئذ فإذا ملك أمتين دفعة أو على التعاقب صح الانتقال والملك إجماعا،
وله نكاح أيتهما شاء، فإذا وطأ إحداهما حرمت عليه الأخرى حتى تخرج
الأولى عن ملكه، فلو خالف ووطأ الأخرى أيضا فقد أثم، ولا حد عليه من حيث
الملك، وإنما يعزر من حيث ارتكاب المحرم كما في كل فاعل محرم.
بقي الكلام في أنه بعد وطئه الثانية فهل تحرم الأولى عليه، أو الثانية،
أو هما معا على بعض الوجوه؟ أقوال منتشرة:
الأول: مذهب الشيخ في النهاية وهو أنه: إن وطأ الأخرى بعد وطئ
الأولى وكان عالما بتحريم ذلك عليه حرمت الأولى عليه حتى تموت الثانية،
فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى لم يجزله الرجوع إليها، فإن
أخرجها عن ملكه لا لذلك جاز له الرجوع إلى الأولى، وإن لم يعلم تحريم ذلك
عليه، جاز له الرجوع إلى الأولى على كل حال إذا أخرج الثانية عن ملكه.
هذا لفظ عبارته في الكتاب المذكور، وتبعه القاضي وابن حمزة واختاره
العلامة في المختلف.
الثاني: قول ابن إدريس، وهو أن الأولى تبقى على الحل والثانية على
التحريم سواء أخرج الثانية عن ملكه أم لا وسواء كان جاهلا بتحريم وطئ الثانية
عليه أم عالما، ومتى أخرج الأولى عن ملكه حلت له الثانية سواء أخرجها لأجل
العود إلى الثانية أم لا.
أما الأول فلأن التحريم إنما تعلق بوطئ الثانية، لأن به حصل الجمع بين
الأختين فيستصحب، و " الحرام لا يحرم الحلال " (1) ولأصالة بقاء الحل، وتحريم الثانية.
وأما الثاني فلأنه متى أخرج إحداهما عن ملكه لم يبق جامعا بين الأختين
لانتفاء سببه، واختار هذا القول المحقق والعلامة في القواعد، ونقله في المسالك
عن الشيخ في المبسوط وأكثر المتأخرين.

(1) التهذيب ج 7 ص 328 ح 9، الوسائل ج 14 ص 325 ح 11.
528

قال ابن إدريس في السرائر: ولا بأس أن يجمع الرجل بين الأختين في
الملك، لكنه لا يجمع بينهما في الوطئ لأن حكم الجمع بينهما في الوطئ حكم
الجمع بينهما في العقد، فمتى ملك الأختين فوطأ واحدة منهما لم يجزله وطئ
الأخرى حتى يخرج تلك من ملكه بالهبة أو البيع أو غيرهما.
وقد روى أنه " إن وطأ الأخرى بعد وطئه الأولى وكان عالما بتحريم ذلك
حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية، فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى
الأولى لم يجزله الرجوع إليها، وإن أخرجها عن ملكه لا لذلك جاز له الرجوع
إلى الأولى، وإن لم يعلم بتحريم ذلك عليه جاز له الرجوع إلى الأولى على كل
حال إذا أخرج الثانية عن ملكه ".
والرواية بهذا الذي سطرناه لم يوردها في كتابه وتصانيفه إلا القليل
من أصحابنا (1).
والذي يقتضيه أصول المذهب ويقوى في نفسي أنه إذا أخرج إحداهما عن
ملكه حلت الأخرى، سواء أخرجها ليعود إلى من هي باقية في ملكه، أو لا
يعود، عالما كان بالتحريم أو غير عالم، لأنه إذا أخرج إحداهما لم يكن جامعا
بين الأختين بلا خلاف.
فأما تحريم الأولى إذا وطأ الثانية ففيه نظر، فإن كان على ذلك إجماع منعقد
أو كتاب أو سنة متواترة رجع إليه، وإلا فلا يرجع عليه إليه، لأن الأصل الإباحة
للأولى، وإنما التحريم تعلق بوطئ الثانية بعد وطئه للأولى، لأنه بوطئه للثانية
يكون جامعا بين الأختين فكيف تحرم الأولى وهي المباحة الوطئ وتحل
المحرمة الوطئ؟
وقد قلنا: إنها رواية أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا مثل ما أورد

(1) إلا أنه بمضمونها قد وردت عدة روايات في كتب أخبارنا كما سيأتي في
الصفحات الآتية.
529

كثيرا من الأخبار في كتابه المشار إليه ايرادا لا اعتقادا. إنتهى.
أقول: لا يخفى أن كلامه وإن كان هو الأوفق بمقتضى القواعد العقلية، إلا
أن الأخبار على خلافه، وعدم اهتدائه للوجه - فيما دلت عليه من الأحكام والعلة
فيها - لا يدل على العدم.
وقال في المختلف - بعد نقل ملخص كلامه والجواب -: الأدلة غير منحصرة
فيما ذكره، وقل أن يوجد شئ منها في الفروع، والأصل إنما يصار إليه مع
عدم دليل يخرج عنه، ولا امتناع في اقتضاء وطئ الثانية تحريم الأولى، فإذا
وجدت الروايات خالية من المعارض وجب الحكم به، وما ذكره استحسان لا يجوز
العمل به. إنتهى، وهو جيد.
أقول: ومن المحتمل قريبا أن يكون تحريم الرجوع إلى الأولى مع العلم
وعدم التحريم مع الجهل إنما وقع عقوبة له كما يظهر من الأخبار الآتية، وقوله
عليه السلام " لا ولا كرامة "، وهذان القولان هما المشهوران في كلام الأصحاب،
والواجب علينا أولا نقل ما وصل إلينا من الأخبار في المقام والكلام فيها
بما يسر الله تعالى فهمه منها ببركة أهل الذكر (صلوات الله وسلامه عليهم).
فأقول: الأول: ما رواه في الكافي في الحسن أو الصحيح عن الحلبي (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام في حديث " قال: وسئل عن رجل كان عنده أختان مملوكتان فوطأ إحداهما
ثم وطأ الأخرى؟ قال: إذا وطأ الأخرى فقد حرمت عليه حتى تموت الأخرى
قلت: أرأيت إن باعها أتحل له الأولى؟ قال: إن كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على
قبله من الأخرى شئ فلا أرى بذلك بأسا، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الأولى
فلا ولا كرامة ".

(1) الكافي ج 5 ص 432 ح 7، التهذيب ج 7 ص 290 ح 53، الفقيه ج 3
ص 284 ح 1، الوسائل ج 14 ص 373 ح 9.
530

الثاني: عن أبي الصباح الكناني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن رجل
عنده أختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى، قال: حرمت عليه الأولى
حتى تموت الأخرى، قلت: أرأيت إن باعها، قال: إن كان إنما يبيعها لحاجته
ولا يخطر على باله من الأخرى شئ فلا أرى بذلك بأسا، وإن كان إنما يبيع
ليرجع إلى الأولى فلا ".
ورواه الصدوق بإسناده عن العلا عن محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام مثله.
الثالث: عن علي بن أبي حمزة (2) عن أبي إبراهيم عليه السلام " قال: سألته عن رجل
ملك أختين أيطؤهما جميعا فقال: يطأ إحداهما، وإذا وطأ الثانية فقد حرمت
عليه الأولى التي وطأها حتى تموت الثانية أو يفارقها، وليس له أن يبيع الثانية
من أجل الأولى ليرجع إليها، إلا أن يبيع لحاجة أو يتصدق بها أو تموت ".
الرابع: ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن الحلبي (3) في
الصحيح بروايتي الشيخين المتقدمين عن أبي عبد الله عليه السلام " قال. قلت له: الرجل
يشتري الأختين فيطأ إحداهما ثم يطأ الأخرى بجهالة قال: إذا وطأ الأخيرة
بجهالة لم تحرم عليه الأولى، وإن وطأ الأخيرة وهو يعلم أنها عليه حرام حرمتا
عليه جميعا ".
الخامس: ما رواه في التهذيب عن عبد الغفار الطائي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الكافي ج 5 ص 431 ح 6، التهذيب ج 7 ص 290 ح 52، الوسائل ج 14
ص 373 ح 9.
(2) الكافي ج 5 ص 432 ح 9، التهذيب ج 7 ص 290 ح 54، الوسائل
ج 14 ص 374 ح 10.
(3) التهذيب ج 7 ص 290 ح 55، الكافي ج 5 ص 433 ح 14، الفقيه ج 3
ص 284 ب 138 ح 2، الوسائل ج 14 ص 372 ح 5.
(4) التهذيب ج 7 ص 291 ح 56، الوسائل ج 14 ص 372 ح 6.
531

" في رجل كانت عنده أختان فوطأ إحداهما ثم أراد أن يطأ الأخرى، قال: يخرجها
من ملكه، قلت: إلى من؟ قال: إلى بعض أهله، قلت: فإن جهل ذلك حتى
وطأها؟ قال: حرمتا عليه كلتاهما " قال في التهذيب " حرمتا عليه جميعا " يعني به
ما دامتا في ملكه، وأما إذا زال ملك إحداهما فقد حلت الأخرى.
السادس: عن أبي بصير (1) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له
أختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى، أيرجع إلى الأولى فيطأها؟
قال: إذا وطأ الثانية فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت، أو يبيع الثانية من
غير أن يبيعها من شهوة لأجل أن يرجع إلى الأولى ".
السابع: عن عبد الله بن سنان (2) في الصحيح " قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول.
إذا كانت عند الرجل الأختان المملوكتان فنكح إحداهما، ثم بدا له في الثانية
فنكحها، فليس ينبغي له أن ينكح الأخرى حتى تخرج الأولى من ملكه يهبها
أو يبيعها، فإن وهبها لولده يجزيه " (3).
الثامن: عن معاوية بن عمار (4) في الموثق " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل كانت عنده جاريتان أختان فوطأ إحداهما، ثم بدا له في الأخرى، قال:
يعتزل هذه ويطأ الأخرى، قال: قلت: فإنه تنبعث نفسه للأولى، فقال:

(1) التهذيب ج 7 ص 291 ح 57، الوسائل ج 14 ص 373 ح 7.
(2) التهذيب ج 7 ص 288 ح 48، الوسائل ج 14 ص 371 ح 1.
(3) أقول: ظاهر الرواية الأولى أنه بعد نكاحهما معا لا تحل له الأولى حتى يخرج
الثانية عن ملكه لا بقصد العود إلى الأولى، وظاهر هذه الصحيحة أنه ليس له نكاح الثانية
مرة أخرى حتى تخرج الأولى عن ملكه مطلقا، ويحصل من الجميع أن حل أحدهما
متوقف على اخراج الأخرى أيتهما كانت. (منه - قدس سره -).
(4) التهذيب ج 7 ص 288 ح 49، الوسائل ج 14 ص 371 ح 2.
532

لا يقربها حتى يخرج تلك عن ملكه " (1).
التاسع: عن علي بن يقطين (2) " قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن أختين مملوكتين
وجمعهما، قال: مستقيم ولا أحبه لك، قال: وسألته عن الأم والبنت المملوكتين،
قال: هو أشدهما ولا أحبه لك ".
العاشر: عن الحلبي (3) في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال محمد بن علي
عليهما السلام في أختين مملوكتين تكونان عند الرجل جميعا قال: قال علي عليه السلام: أحلتهما
آية وحرمتهما آية أخرى، وأنا أنهي عنهما نفسي وولدي ".
الحادي عشر: ما رواه العياشي (4) في تفسيره عن أبي عون " قال: سمعت أبا
صالح الخثعمي قال: قال علي عليه السلام ذات يوم: سلوني، فقال ابن الكوا، أخبرني
عن بنت الأخ من الرضاعة وعن الأختين المملوكتين، فقال: إنك لذاهب في النية

(1) أقول: هذه الموثقة لا تخلو من الاجمال، ولعل الأقرب في معناها أن معنى قوله
" بدا له في الأخرى " أنه أراد نكاحها فقال عليه السلام: إذا أراد أن ينكحها يعتزل مدة يعني
الأولى، والمراد من اعتزالها الكناية عن فراقها واخراجها عن ملكه، فإذا أخرجها وطئ
الأخرى وهي الثانية، فقال له الراوي: " إنه تنبعث نفسه للأولى " فقال عليه السلام: لا يقرب
الأولى حتى يخرج الثانية عن ملكه ولا نكاح الأولى حتى يخرج الثانية عن ملكه، ويكون
الخبر حينئذ جامعا بين ما دلت عليه الأخبار السابقة من توقف حل الثانية على اخراج الأولى،
وأما حمل الاعتزال على ظاهر معناه كما هو ظاهر المسالك فظني بعده لخروجه بذلك عما
دلت عليه الأخبار المذكورة (منه - قدس سره -).
(2) التهذيب ج 7 ص 288 ح 50، الوسائل ج 14 ص 372 ح 4.
(3) التهذيب ج 7 ص 289 ح 51، الوسائل ج 14 ص 372 ح 3.
(4) تفسير العياشي ج 1 ص 232 ح 79، الوسائل ج 14 ص 374 ح 12،
ففيهما " أبا صالح الحنفي ".
533

سل ما يعينك أو ما ينفع، فقال ابن الكوا: إنما نسألك عما لا نعلم، فأما ما نعلم
فلا نسألك عنه، ثم قال: أما الأختان المملوكتان أحلتهما آية وحرمتهما آية،
ولا أحله ولا أحرمه، ولا أفعله أنا ولا أحد من أهل بيتي ".
الثاني عشر: عن عيسى بن عبد الله (1) " قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن أختين
مملوكتين ينكح إحداهما، أتحل له الأخرى فقال: ليس ينكح الأخرى إلا
فيما دون الفرج، وإن لم يفعل فهي خير له نظير تلك المرأة تحيض فتحرم على
زوجها أن يأتيها في فرجها لقول الله عز وجل " ولا تقربوهن حتى يطهرن " وقال
" وأن تجمع بين الأختين إلا ما قد سلف " يعني في النكاح فيستقيم للرجل أن يأتي
المرأة وهي حائض فيما دون الفرج ".
هذا ما حضرني من روايات المسألة، وأنت خبير بأنها قد اتفقت كلها على
أنه بنكاح الثانية بعد أن نكح الأولى تحرم عليه الأولى حتى يفارق الثانية لا لقصد
الرجوع إلى الأولى، وأكثرها مطلق في تحريم الأولى.
والخبر الرابع قيد ذلك بالعلم، فلو وطأ الثانية جاهلا بتحريم وطئها لم
تحرم عليه الأولى، وما أطلق منها في حل الأولى - باخراج الثانية عن ملكه
أعم من أن يكون بقصد الرجوع إلى الأولى أو لا بهذا القصد - مقيد بما دل على
اشتراط أن لا يكون بقصد الرجوع إلى الأولى، وبذلك يظهر لك ضعف القول
المشهور.
وقولهم أن الأولى تبقى على الحل - سواء أخرج الثانية عن ملكه أم لا.
وسواء كان جاهلا بتحريم وطئ الثانية عليه أم لا، وتمسكهم في ذلك بما عرفت
من الدليل المتقدم نقله عنهم - فإنه اجتهاد محض في مقابلة النصوص وجرأة
تامة على أهل الخصوص.

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 232 ح 78، الوسائل ج 14 ص 374 ح 11. ففيهما
" أن تجمعوا ".
534

نعم بقي كلام في أن أكثر الأخبار إنما صرح بتحريم الأولى بعد وطئ
الثانية من غير تعرض لحكم الثانية، بل ظاهرها اختصاص التحريم بالأولى إلى
أن تموت الثانية أو يخرجها من ملكه لا بقصد العود للأولى.
وحينئذ فيشكل الجمع بينهما وبين الرواية الرابعة، وذلك فإنه إن حملت
تلك الروايات باعتبار دلالتها على اختصاص التحريم بالأولى على صورة الجهل،
فالمنافاة لتلك الروايات ظاهرة لتصريحها بعدم تحريم الأولى في صورة الجهل.
وإن حملناها على صورة العلم فالمنافاة أيضا موجودة، فإن صريح الرواية
المذكورة تحريمها معا، وهذه الروايات كما عرفت ظاهرها اختصاص التحريم
بالأولى خاصة، فالمنافاة حاصلة على كل حال.
والتحقيق أن يقال: إنه لا شك في دلالة تلك الروايات على تحريم الأولى
وأما بالنسبة إلى الثانية فغايتها أن تكون مطلقة، إذ لا صراحة ولا ظهور في
الاختصاص بالأولى دون الثانية، وأن الثانية لا تحرم، ومن الممكن بل هو الظاهر
أن عدم التصريح بتحريم الثانية إنما هو من حيث معلومية تحريمها قبل وطؤها
بمجرد وطئ الأولى لما عرفت من أنه بوطئ إحداهما تحرم عليه الأخرى اتفاقا
نصا وفتوى، فتحريمها لما كان معلوما لم يحتج إلى تنبيه عليه.
وأما الأولى فإنها محللة وإنما عرض لها التحريم بوطئ الثانية، فلذلك
احتيج إلى التنبيه إلى تحريمها، فقد عرفت مما قدمناه وجوب تقييد إطلاق
تلك الروايات - من حيث دلالتها بإطلاقها على تحريم الأولى سواء كان وطؤ الثانية
عن علم أو جهل - بتلك الرواية الدالة على تخصيص تحريم الأولى بصورة العمد،
وحينئذ فتحريم الأولى في تلك الأخبار مخصوص بصورة العلم.
وقد تلخص من ذلك أنه متى وطأ الثانية عالما بتحريم ذلك عليه حرمتا
معا، أما الأولى فلما عرفت من دلالة الأخبار على ذلك بعد حمل مطلقا على مقيدها
وأما الثانية فلثبوت التحريم لها قبل وطئها بعد وطئ الأولى، فتكون باقية على
535

التحريم مدة بقائها في الملك، ومتى وطأها جاهلا فظاهر الخبر الرابع عدم تحريم
الأولى، وظاهر الخبر الخامس تحريمها معا.
والشيخ قد جمع بينهما بحمل الخبر الرابع على ما إذا أخرج الثانية عن
ملكه كما يشير إليه كلامه في النهاية الذي قدمناه، والخبر الخامس - كما تقدم
نقله عنه في ذيل الخبر المذكور - على مدة بقائهما في ملكه.
وأما إذا أخرج إحداهما عن ملكه فقد حلت الأخرى، ولا يخفى ما فيه
من البعد، فإن ظاهر الرواية الأولى هو أنه مع الجهل لا تحرم عليه مطلقا وإن لم
يخرج الثانية عن ملكه.
وما حمل عليه الرواية الثانية - من أنه في صورة الجهل حرمتا كلتاهما
ما دامتا في الملك - يجري في صورة العلم، فإنهما في صورة العلم - التي دلت
الرواية الرابعة على أنهما تحرمان معا - مخصوص بمدة بقائهما في الملك أيضا
فلو أخرج إحداهما عن ملكه فالظاهر أنه لا قائل بالتحريم للباقية، وحينئذ فلا
فرق في هذا الحكم بين صورة العلم والجهل.
وهكذا الكلام فيما حمل عليه الرواية الرابعة حيث قيد حل الأولى مع
الجهل بما إذا أخرج الثانية عن ملكه، فإن هذا الحكم حكم العالم أيضا كما
عرفت، فأي فرق هنا بين العلم والجهل.
وبالجملة فإن الظاهر أنه باخراج إحداهما عن ملكه لا بقصد الرجوع إلى
الأخرى بعد وطئهما معا تحل له الباقية، سواء كان وطؤ الثانية عن علم أو جهل
إذ المحرم هو جمعهما في النكاح والوطئ بعقد كان ذلك أو ملك، وبإخراج إحداهما
يزول السبب الموجب للتحريم.
والمسألة عندي هنا محل إشكال لاختلاف الروايتين المذكورتين في صورة
الجهل وعدم استقامة جمع الشيخ المذكور لما عرفت فيه من القصور، ولعله لقصور
فهمي السقيم وفتور ذهني العقيم.
536

وأما ما دل عليه الخبر التاسع من جواز الجمع بين الأختين على كراهة،
كما يشير إليه قوله " مستقيم ولا أحب لك " فحمله الشيخ على الجمع في الملك
دون الوطئ وعلل الكراهة بأنه ربما تشوقت نفسه إلى وطئها فيفعل ذلك فيصير
مأثوما.
وفيه أنه لم يقم لنا دليل على كراهية الجمع في الملك والحمل عليه يحتاج
إلى دليل من خارج، والظاهر هو أن المراد إنما هو الجمع في الوطئ، ولكن
الخبر خرج مخرج التقية كما يظهر من الخبر العاشر والحادي عشر.
وأما ما دل عليه الخبر العاشر من قوله عليه السلام " أحلتهما آية وحرمتهما
آية " فقال الشيخ " رحمة الله عليه ": عنى بالمحللة آية الملك (1)، والمحرمة آية
الوطئ (2)، والنهي إما على التحريم وأراد به الوطئ أو الكراهة وأراد به الجمع.
والظاهر بعدما ذكره (قدس سره) بل عدم صحته، لأن الخبر صريح في
تعارض الآيتين بحسب الظاهر واتحاد مورد الحكمين، مع أنه لم يثبت كراهة
الجمع في الملك كما عرفت.
والأظهر أن المراد بالآية المحلة إنما هي قوله عز وجل (3) " والذين
هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم "، والآية المحرمة
قوله تعالى (4) " وأن تجمعوا بين الأختين " المراد به الجمع في النكاح اتفاقا، وعليه
يدل الخبر الثاني عشر، فمورد الحل والحرمة ليس إلا الوطئ خاصة.
والظاهر أنه إلى هذا أشار في الإستبصار حيث قال بعد الوجه الذي قدمنا

(1) أما آية الملك فهي قوله " أو ما ملكت أيمانكم ".
(2) وأما آية الوطئ فهي قوله عز وجل " وأن تجمعوا بين الأختين ".
(منه - قدس سره -).
(3) سورة المؤمنون - آية 5 و 6.
(4) سورة النساء - آية 23.
537

نقله عنه: ويمكن أن يكون قوله عليه السلام " أحلتهما آية " أي عموم الآية وظاهرها
يقتضي ذلك، وكذلك قوله " وحرمتهما آية " أي عموم الآية يقتضي ذلك، إلا أنه
إذا تقابل العمومان على هذا الوجه ينبغي أن يخص أحدهما بالآخر ثم بين
بقوله " أنا أنهي عنهما نفسي وولدي " ما يقتضي تخصيص إحدى الآيتين وتبقية
الأخرى على عمومها.
وقد روي هذا الوجه عن أبي جعفر عليه السلام، روى ذلك علي بن الحسن بن فضال (1)
ثم ساق سنده إلى يحيى بن بسام " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروي الناس عن
أمير المؤمنين عليه السلام عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلا نفسه
وولده، فقلت: كيف يكون ذلك؟ قال: أحلتها آية وحرمتها آية أخرى فقلنا:
هل الآيتان تكون إحداهما نسخت الأخرى؟ أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل
بهما؟ فقال: قد بين لهم إذ نهى نفسه وولده قلنا: ما منعه أن يبين ذلك للناس؟
قال: خشي أن لا يطاع، فلو أن أمير المؤمنين ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله والحق
كله ". إنتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن في المسألة قولين آخرين شاذين مجهولي القائل
ليس في التعرض لذكرهما كثير فائدة لعدم الدليل عليهما، أشار إليهما المحقق
في النافع وذكر في المسالك أيضا أنه لم يعرف القائل بهما ولا نقلهما غير المصنف،
وأن المشهور - بين نقلة الخلاف - القولان المتقدمان خاصة، ثم تكلف للاستدلال
لهما بما لا يخلو من تكلف وتعسف.
وقال الشيخ في التهذيب: (2) ومتى كان عند الرجل أختان مملوكتان
فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى وهم عالم بأن ذلك حرام عليه، فإنه يحرم عليه

(1) الكافي ج 5 ص 556 ح 8، التهذيب ج 7 ص 463 ح 64، الوسائل
ج 13 ص 301 ح 8.
(2) التهذيب ج 7 ص 289 ذيل ح 51.
538

الأولى حتى يخرج الأخيرة من ملكه.
ثم استدل عليه بالرواية الثانية والأولى والثالثة ثم قال: ومتى وطأ الثانية
وهو لا يعلم تحريم ذلك لم تحرم عليه الأولى، ثم استدل له بالرواية الرابعة
والخامسة، وذيل الخامسة بما قدمنا نقله عنه ذيلها من التأويل.
وعد شيخنا الشهيد الثاني في المسالك هذا قولا خامسا في المسألة باعتبار
إطلاق كلام الشيخ (رحمه الله) أن خروج الثانية عن ملكه موجب لتحليل الأولى
وإن كان بقصد العود إلى الأولى، وهو خلاف تفصيله في النهاية.
أقول: ويؤيده أنه في النهاية قيد حل الأولى مع الجهل باخراج الثانية
عن ملكه، وهنا أطلق ولم يقيده بذلك.
ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن إطلاق الشيخ في عبارته مع وجود هذه
القيود في أدلة المذكورة دليل على إرادتها، وإلا فدليله لا يطابق دعواه، وبه يبطل
القول المذكور لخلوه من الدليل، فالظاهر هو حمل كلامه على إرادة هذه القيود
التي تضمنتها رواياته، وعلى هذا يرجع إلى قوله المتقدم نقله عن كتاب النهاية.
وكلام شيخنا الشهيد الثاني هنا في المسالك ظاهر في التوقف والاشكال في
المسألة، حيث إنه نقل أخبارها على غير وجهه، وبعضا طعن في سنده مع صحته
فنقل الرواية الثانية بغلط في متنها واعترضها بأنها متهافتة المتن.
ونقل الرواية الرابعة من التهذيب واعترضها بضعف السند، وأنها بسبب
ذلك لا تصلح لتخصيص تلك الأخبار المطلقة، وغفل عن سندها في الكافي والفقيه،
فإنه صحيح كما قدمنا ذكره، وحصل له نوع توقف وإشكال في المقام بسبب
ذلك، وهو ناش عن الغفلة في الموضعين.
ثم إنه قال في آخر البحث ونعم ما قال: واعلم أن الأخبار على كثرتها
قد اشتركت في الحكم بتحريم الأولى مع علم الواطئ بالتحريم، فالقول ببقائها
على الحل وإطراح جملة هذه الأخبار وإن ضعف طرقها مشكل، واشتركت أيضا
في أن اخراج الثانية لا بنية العود إلى الأولى يحللها، وهذا أيضا لا شبهة فيه.
539

وبقي ما لو أخرج الأولى عن ملكه، فإنه يحلل الثانية قطعا لزوال المقتضي
للتحريم وهو الجمع.
وبقي الاشكال في حل أيتهما كان مع بقائهما على ملكه، وينبغي التوقف
فيه إلى أن يظهر المرجح، وطريق الاحتياط لا يخفى. إنتهى.
أقول: قوله - وإن ضعف طريقها - مبني على ما نقله في الكتاب المذكور،
وإلا فقد عرفت أن فيها الصحيح والحسن بإبراهيم بن هاشم الذي لا يقصر عن
الصحيح والموثق وغيرهما.
وأما قوله - وبقي ما لو أخرج الأولى عن ملكه، فإنه يحلل الثانية قطعا -
فإن فيه أن هذا ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة، إلا أنه لم ينقلها في
المسالك فهو مستفاد من الأخبار حينئذ.
وأما قوله - وبقي الاشكال في حل أيتهما إلى آخره - فلا يخلو من إشكال
فإنك قد عرفت أن الحكم بجمع الأختين في الوطئ مما اتفقوا على تحريمه
بعقد كان أو ملك، وقد صرحت الأخبار كما صرحوا به أيضا أنه متى وطأ إحداهما
بعد ملكه لهما حرمت عليه الثانية، وتوجه المنع إليها، فلا يجوز له وطؤها.
للزوم الجمع المنهي عنه، وعلى هذا فلو وطأهما معا وارتكب المحرم بوطئ
الثانية بعد الأولى فإنهما يحرمان عليه معا ما دامتا في ملكه وإن حل تملكها،
إلا أن وطئهما محرم عليه، فلا يجوز له وطؤ واحدة منهما إلا أن يخرج الأخرى
عن ملكه.
فما ذكره من الاشكال - في حل أيتهما ما دامتا في ملكه - لا أعرف له وجها،
بل الظاهر هو تحريمها معا ما دامتا في الملك لما وقع عليه الاتفاق نصا وفتوى
من تحريم الجمع في النكاح، وهو يحصل بنكاح إحداهما فإنه يحرم عليه الثانية،
فكيف فيما إذا نكحهما معا تحل له إحداهما حتى أنه يتوقف في أيتهما يعني
الأولى أو الثانية.
وبالجملة فإن قضية تحريم الجمع عدم حل واحة منهما بعد وطئ
540

إحداهما فضلا عن وطئهما معا إلا مع اخراج إحداهما عن الملك لزوال سبب
التحريم، والله العالم.
تذنيب:
لو وطأ أمته بالملك ثم تزوج نسبا أو رضاعا، قال الشيخ: يصح التزويج
وتحرم الموطوءة بالملك ما دامت الزوجة في حباله لعموم (1) " وأحل لكم ما وراء
ذلكم قالوا: وليس مطلق الجمع بين الأختين محرما، فإن اجتمعتا في الملك
ليس محرما قطعا وإن كان الملك يجوز الوطئ، ولأن النكاح أقوى من الوطئ
بملك اليمين فإذا اجتمعتا قدم الأقوى، وإنما كان أقوى لكثرة ما يتعلق به من
الأحكام التي لا تلحق الوطئ بالملك، مضافا إلى أن الغرض من الملك المالية
فلا ينافي النكاح، فعلى هذا تحرم الموطوءة بالملك ما دامت الثانية زوجته.
وظاهر المحقق في الشرايع التردد في ذلك، قال في المسالك: ووجهه أن
الوطئ يصير الأمة فراشا للحوق الولد به، فلم يجز أن يرد النكاح على فراش
الأخت، كما لا يرد نكاح الأخت على نكاح أختها، ولأنه فعل في الأخت ما ينافي
إباحة أختها المفترشة، فلم يجز كالوطئ ثم قال: وأجيب ببطلان القياس مع
وجود الفارق فإن النكاح أقوى من الوطئ بملك اليمين.
أقول: لا يخفى ما في هذه التعليلات العلية من الوهن، وعدم الصلاح لتأسيس
الحكم الشرعي، والمستفاد من الأدلة هو تحريم الجمع بين الأختين في الوطئ
بعقد نكاح كان أو ملك، أعم من أن تستوي الأختان في الأول أو الثاني أو تختلفا
كما هو محل البحث.
وتعليل تقديم النكاح على الملك - بما ذكروه من أن النكاح أقوى لكثرة
ما يتعلق به من الأحكام - مجرد دعوى لا تسمع إلا مع الدليل، فإن الأحكام

(1) سورة النساء - آية 24.
541

الشرعية مبنية على التوقيف بالسماع من حامل الشريعة، ولا تثبت على مجرد
هذه الخيالات العقلية والتخرصات الوهمية.
فكما أنه لو جمع بينهما في العقد حرمتا جميعا على التفصيل المتقدم، وكذا
لو جمعهما في نكاح الملك فكذا هنا، هذا مقتضى الأصول والقواعد الشرعية وأما
الاستناد إلى الآية فقد عرفت أنها مخصصة بما لا تحصى من الأحكام، فالاعتماد في
الاستدلال على مثل ذلك مجازفة.
ثم قال في المسالك أيضا على أثر الكلام المتقدم: ولو انعكس الفرض بأن
تزوج الأمة ثم ملك أختها ووطأها فعل حراما، ولم يقدح ذلك في صحة النكاح،
ولا يجب اخراج الموطوءة عن ملكه، للأصل، ولأن الأقوى يدفع الأضعف. إنتهى.
أقول: لا ريب في صحة النكاح هنا لوقوعه أولا كما لو تزوج الأختين مرتبا،
فإنا قد قدمنا أن عقد الأولى صحيح، لكن يبقى الاشكال في ملك الأخت الثانية
ووطئها، فهل يجب به اخراجها عن ملكه، كما يجب في المملوكتين لتحل
الأولى له ويجوز له وطؤها وإلا للزم الجمع المحرم، أولا يجب وإن حرم وطؤها
بناء على أن الوطئ في الأمة بمنزلة العقد في الحرمة.
وتوضيحه: أنك قد عرفت أنه لا يمتنع الجمع بين الأختين في الملك،
وإنما يمتنع في الوطئ به، فلو ملكهما معا فلا إشكال، ولو وطئ إحداهما
حصل تحريم الجمع بخلاف الحرة، فإن الممتنع هو الجمع في العقد، والجمع
في الوطئ في الإماء كالجمع بالعقد في الحرائر، فكما أن الحرة تحل أختها
بطلاقها المزيل للعقد المحرم، فالأمة تحل أختها بترك وطئها المنزل منزلة العقد
وإن لم يخرجها عن الملك، فإنه بترك الوطئ تكون مملوكة غير فراش، والجمع
في الملك غير محرم وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال، والله العالم.
المسألة الثالثة: هل يجوز الجمع بين اثنين من ولد فاطمة عليها السلام أم لا؟
أقول: هذه المسألة لم يحدث فيها الكلام إلا في هذه الأعصار الأخيرة، وإلا فكلام
542

المتقدمين من أصحابنا (رضوان الله عليهم) والمتأخرين خال من ذكرها والتعرض
لها، وقد اختلف فيها الكلام وكثر فيها النقض والابرام بين علماء عصرنا ومن
تقدمه قليلا، فما بين من جزم بالتحريم، ومن جزم بالحل، ومن توقف في ذلك.
والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن الحسن بن
فضال عن السندي بن الربيع عن ابن أبي عمير (1) عن رجل من أصحابنا " قال: سمعته
يقول لا يحل لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة عليها السلام أن ذلك يبلغها فيشق
عليها، قلت: يبلغها؟ قال: أي والله ".
ورواه الصدوق في كتاب العلل عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن حماد (2) " قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: الحديث ".
فممن جزم بالتحريم في هذه المسألة المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر
العاملي (عطر الله مرقده) والشيخ الفقيه الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني
(قدس الله روحه) على ما وجدته بخط والدي (طيب الله تعالى مرقده) حيث قال
بعد نقل هذا الخبر برواية الصدوق: قد نقل هذا الحديث بهذا السند الفقيه النبيه
الشيخ جعفر بن كمال الدين البحراني (قدس سره) وقال عقيب ذكره ما صورته:
يقول كاتب هذه الأحرف جعفر بن كمال الدين البحراني: هذا الحديث صحيح
ولا معارض له فيجوز أن يخصص به عموم القرآن، ويكون الجمع بين الشريفتين
من ولد الحسن والحسين عليهما السلام في النكاح حراما. إنتهى. كلامه (قدس سره).
وهذا الحديث ذكره الشيخ في التهذيب أيضا إلا أن سنده فيه غير صحيح.
وهذا الشيخ كما ترى قد نقله بهذا السند الصحيح على الظاهر، ولا نعلم من أين

(1) التهذيب ج 7 ص 463 ح 63، الوسائل ج 14 ص 387 ح 1.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 590 ب 385، من نوادر العلل ح 38.
543

أخذه (قدس سره) ولكن كفى به ناقلا. وكتب الفقير أحمد بن إبراهيم. إنتهى
كلام والدي (طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه).
وأقول: إنه قد أخذه من كتاب العلل، ولكن الوالد لم يطلع عليه وليته
كان حيا فأهديه إليه، وممن مال إلى العمل بالخبر المذكور المحدث الفاضل
المولى محمد جعفر الأصفهاني المشهور بالكرباسي صاحب الحواشي على كتاب الكفاية
ذكر ذلك في كتاب النوادر حيث قال - بعد نقل الخبر المذكور بطريقي الشيخين
المذكورين - ما هذا لفظه: أقول: فيه دلالة على عدم جواز الجمع بين ثنتين من
ولد فاطمة عليها السلام ولم أجد معارضا لها حتى يحمل ذلك على الكراهة، وظاهرها
حرمة الجمع، والأحوط ترك الجمع وتخصيص العمومات بها، إلا أنه لا بد من
العلم بكونهما من ولد فاطمة. إنتهى.
وأما شيخنا علامة الزمان ونادر الأوان الشيخ سليمان البحراني (قدس سره)
فقد اختلف النقل عنه في هذه المسألة، فإني وجدت بخط بعض الفضلاء الموثوق
بهم نقلا من خطه (عطر الله مرقده) بعد نقل الخبر المذكور ما صورته: ومال إلى
العمل به بعض مشايخنا وهو متجه لجواز تخصيص عمومات الكتاب بالخبر الواحد
الصحيح، وإن توقفنا في المسألة الأصولية، ولا كلام في شدة المرجوحية
وشدة الكراهة إنتهى.
ونقل تلميذه المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح (عطر الله مرقده) في
كتاب منية الممارسين في أجوبة مسائل الشيخ ياسين عنه التوقف، حيث قال
بعد ذكر المسألة المذكورة: وكان شيخنا علامة الزمان يتوقف في هذه المسألة
ويأمر بالاحتياط فيها حتى إني سمعت من ثقة من أصحابنا أنه أمره بطلاق واحدة
من نسائه لأنه كانت تحته فاطميتان، ونقل عنه أنه يرى التحريم إلا أني لم
أعرف منه غير التوقف.
ثم قال (قدس سره) بعد كلام في البين: إلا أني بعد في نوع حيرة واضطراب
544

ودغدغة وارتياب فأنا في المسألة متوقف والاحتياط عندي لازم.
وقد سألني بعض الإخوان المتورعين عن هذه المسألة سابقا وكان مبتلى بها
حيث إنه جامع بين فاطميتين فكتبت له جوابا يشعر بالتوقف والأمر بالاحتياط،
فامتثل ما كتبته وطلق واحدة، ولا شك أن هذا طريق السلامة والسلوك في مسالك الاستقامة، نسأل الله الوقوف عند الشبهات والتثبت عند الزلات. إنتهى.
أقول: أما ما نقله عن شيخه العلامة من التوقف فإنه لا ينافي الجزم عنه
بالتحريم كما نقلناه ونقله هو عن ذلك الرجل لجواز أن يكون صار إلى التحريم
بعد التوقف أو بالعكس، وما ذهب إليه هو (قدس سره) من التوقف فإنما أراد في
الفتوى بالتحريم وإن كان يقول بتحريم الجمع من حيث الاحتياط كما أشار
إليه بقوله: والاحتياط عندي فيها لازم.
وذلك لأن الأحكام عند أصحابنا الأخباريين ثلاثة، حلال بين، وحرام
بين، وشبهات بين ذلك، والحكم عندهم في موضع الشبهة وجوب الاحتياط،
وليس الفرق بينه وبين من قدمنا نقل القول عنه بالتحريم إلا من حيث المستند،
وإلا فالجميع متفقون على تحريم الجمع في المسألة.
والظاهر أن منشأ توقف شيخنا المذكور عدم وقوفه على رواية الصدوق
للخبر في العلل بالسند الصحيح المذكور، فإنه إنما نقل الخبر برواية الشيخ
وأطال الكلام في سنده نقضا وإبراما لأجل إثبات صحته بطريق المتأخرين إلا
أنه (قدس سره) من متصلبي الأخباريين لا يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث،
فتوقفه هنا غريب لا أعرف له وجها وجيها.
ولبعض الأفاضل المعاصرين (1) اعتراضات عديدة على كلامه في كتاب منية
الممارسين قد أجاد فيها بما أدس، وهو كلام طويل واسع لا يسع المقام نقله إلا

(1) هو الفاضل المحقق السيد عبد الله بن السيد نور الدين السيد نعمة الله الشوشتري
الجزائري (قدس الله أسرارهم جميعا) في أجوبة المسائل الجبلية. (منه - قدس سره -).
545

أنه قال في آخره - بعد نقل الرواية بطريق الصدوق في العلل والكلام في السند -
ما ملخصه. والصحيح أنه من الصحيح، مأخوذا من كتاب ابن أبي عمير أو من تأخر
عنه، وعلى هذا فيلزم على المجتهدين العاملين بالآحاد الصحاح العمل بها، إلا
من قصر العمل على الكتب الأربعة فيبقى الالزام على العاملين بما عداها من
الكتب المشهورة مثل شيخنا البهائي (رحمة الله عليه) وموافقيه.
وكذا يلزم العمل بها على هذا الفاضل ومن وافقه في جواز تخصيص الكتاب
والسنة بخبر الواحد الصحيح، كما صرح به فيما تقدم، فلا وجه لتوقفه في
الحكم، وهل هذا إلا تسليم للقياس ومنع للنتيجة.
قوله - فالشيخ محمد الحر جار على أصله - كلام مقبول، لكني لا أعلم ما
الذي ثبط (1) هذا الفاضل عن موافقته، مع أنه يحذو حذوه في أكثر الأبواب
الأصلية والفرعية؟ ثم ما الذي أرجع الشيخ محمد الحر عن فتياه هذه في وسائل
الشيعة؟ حيث تصدى لتأويل الرواية فقال بعد ما نقلها: قد ورد حصر المحرمات
في النكاح وإباحة ما عداها في القرآن والحديث، وهذا يمكن أن يحمل على
كون البنتين أختين، أو على الكراهة مع الجور عليهما أو على إحداهما في القسم،
لتعليله أنه يشق على فاطمة عليها السلام بعد الموت وذلك بحسب الطينة البشرية في
النساء ولم يذكر أنه يؤذيها، بل هو أعم، ولم يذكر أنه يشق على الرسول
والأئمة (صلوات الله عليهم)، وذلك لا يدل على التحريم مع ما تقدم ومع القرينة.
إنتهى كلامه.
أقول: إلى هنا كلام الفاضل المشار إليه آنفا وهو جيد وجيه كما سيظهر
لك إن شاء الله بما لا يخفى على الفطن النبيه، وهو ظاهر بل صريح في قوله بالخبر
المذكور، إلا أن ما نقله - عن الشيخ محمد الحر - من الكلام الدال على رجوعه، وتأويله

(1) ثبطه عن الأمر وثبطه تثبيطا: قعد به عن الأمر وشغله عنه ومنعه تخذيلا ونحوه
(المصباح المنير ج 1 ص 110).
546

الخبر بما ذكره - عجب عجيب فإن نسخ الوسائل التي عندنا خالية من ذلك
وإنما الذي فيه أنه قال: باب حكم الجمع بين ثنتين من ولد فاطمة عليها السلام،
ثم نقل الراوية بطريق الشيخ، ثم قال: محمد بن علي بن الحسين في العلل عن محمد
ابن علي ماجيلويه، ثم ساق السند إلى حماد كما تقدم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول، وذكر مثله.
هذا صورة ما في كتاب الوسائل الذي حضرني، والظاهر أن ما نقله الفاضل
المذكور حاشية كتبت على الكتاب المذكور لبعض الناظرين في الجواب، فظن
أنها من أصل الكتاب، أو نسخها الناسخ بناء على ذلك فليراجع الكتاب من أحب
الوقوف على تحقيق الحال.
ثم أقول: والظاهر من نقل الصدوق الخبر المذكور وجموده عليه وعدم
تعرضه للقدح هو القول بمضمونه، كما هو المعهود من طريقته والمألوف من عادته
وإن كان ذكره هنا إنما هو من حيث الاشتمال على العلة بالمشقة في المنع، فإن
المعلوم من عادته في كتبه ومصنفاته أنه لا ينقل من الأخبار إلا ما يعتمده ويحكم
بصحته متنا وسندا ويفتي به.
وإذا أورد ما هو بخلاف ذلك نبه على العلة فيه وذيله بما يشعر بالطعن في
متنه أو سنده، وهذا المعنى وإن لم يصرح به إلا في الفقيه، إلا إن المتتبع لكتبه
ومؤلفاته والناظر في جملة مصنفاته لا يخفى عليه صحة ما ذكرناه، وحيث إن
هذا الكلام مما يكبر في صدور القاصرين سيما المعاصرين فيقابلونه بالانكار
والصد والاستكبار، فلا بأس لو أرخينا العنان للقلم في الجري في هذا الميدان
بنقل جملة من المواضع الدالة على ما ذكرناه ساعة من الزمان وإن طال به زمام
الكلام، فإنه أهم المهام.
فنقول: من الواضع المذكورة ما صرح به في باب العلة التي من أجلها
حرم على الرجل جارية ابنه وأحل له جارية ابنته (1)، فإنه أورد خبرا يطابق

(1) العلل ص 525 ب 303 طبع النجف الأشرف، الوسائل ج 14 ص 545 ح 8.
547

هذا العنوان، ويدل على جواز نكاح جارية الابنة لأن الابنة لا تنكح، ثم قال
عقيبه، قال مؤلف هذا الكتاب وساق الكلام إلى أن قال: والذي أفتى به أن
جارية الابنة لا يجوز للأب أن يدخل بها.
ومنها في باب علة تحصين الأمة الحر (1) فإنه أورد خبرا يدل على أن الأمة
يحصل بها الاحصان، ثم قال بعده قال: محمد بن علي رضي الله عنه مصنف هذا
الكتاب: جاء هذا الحديث هكذا فأوردته كما جاء في هذا الموضع لما فيه من ذكر
العلة، والذي أفتي به واعتمد عليه ما حدثني به محمد بن الحسن ثم ساق جملة من
الأخبار الدالة على أن الحر لا تحصنه المملوكة.
ومنها في باب العلة التي من أجلها صار وقت المغرب إذا ذهب الحمرة من
المشرق (2) ثم أورد الخبر بذلك، ثم أردفه بأخبار دالة على التحديد بغروب
الشمس وغيبوبة القرص، ثم قال: قال محمد بن علي مؤلف الكتاب: إنما أوردت
هذه الأخبار على أثر الخبر الذي في أول هذا الباب، لأن الخبر احتجت في هذا
المكان لما فيه من ذكر العلة، وليس هو الذي أقصده من الأخبار التي رويتها في
هذا المعنى، وأوردت ما أقصده وأستعمله وأفتي به على أثره، ليعلم ما أقصده
من ذلك.
ومنها في باب علة منع شرب الخمر في حال الاضطرار (3)، فإنه أورد خبرا
يدل على أن المضطر لا يجوز له أن يشرب الخمر، وقال بعده: قال محمد بن علي بن
الحسين مصنف هذا الكتاب: جاء هذا الحديث هكذا كما أوردته، وشرب الخمر
في حال الاضطرار مباح إلى آخر كلامه.
ومنها في باب العلة التي من أجلها جعلت أيام منى ثلاثة أيام (4) فإنه أورد

(1) العلل ص 511 ب 285 طبع النجف الأشرف، الوسائل ج 18 ص 352 ح 2.
(2) العلل ص 549 ب 60 طبع النجف الأشرف، الوسائل ج 3 ص 126 ح 3.
(3) العلل ص 478 ب 227 طبع النجف الأشرف، الوسائل ج 17 ص 277 ح 13.
(4) العلل ص 450 ب 204 طبع النجف الأشرف، الوسائل ج 9 ص 58 ح 7.
548

حديثا يدل على أن ما أدرك شيئا من أيام منى فقد أدرك الحج، ثم قال: قال
محمد بن علي مصنف هذا الكتاب جاء هذا الحديث هكذا، فأوردته في هذا الموضع
لما فيه من ذكر العلة، والذي أفتي به وأعتمده ما حدثنا به شيخنا محمد بن الحسن،
ثم ساق الخبر بما يدل على تخصيص أدراك الحج بإدراك المشعر قبل الزوال،
وعرفة قبل الزوال.
ومنها في باب العلة التي من أجلها تجزي البدنة عن نفس واحدة، وتجزي
البقرة عن خمسة، (1) فإنه أورد خبرا بهذا المضمون، ثم قال بعده: قال مصنف
هذا الكتاب: جاء هذا الحديث هكذا فأوردته لما جاء فيه من ذكر العلة، والذي
أفتي به وأعتمد به وأن البقرة والبدنة يجزيان عنه سبعة نفر إلى آخره.
ومنها في حديث ورد فيه أن من بر الولد أن لا يصوم تطوعا ولا يحج تطوعا
ولا يصلي تطوعا إلا بإذن أبويه، وإلا كان قاطعا للرحم، (2) ثم قال بعده: قال
محمد بن علي مولف هذا الكتاب: جاء هذا الخبر هكذا، ولكن ليس للوالدين على
الولد طاعة في ترك الحج تطوعا كان أو فريضة إلى آخره.
ونحو ذلك في باب العلة التي من أجلها لا يجوز السجود إلا على الأرض
أو ما أنبتت، (3) وفي باب العلة التي من أجلها قال هارون لموسى عليهما السلام: " يا بن أم
لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي " (4) إلى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبع،
فكلامه ذيل هذه الأخبار وسكوته في سائر المواضع أدل دليل على ما قلناه.

(1) العلل ص 440 ب 184 طبع النجف الأشرف، الوسائل ج 10 ص 116 ح 18.
(2) العلل ص 385 باختلاف يسير طبع النجف الأشرف، الوسائل ج 7
ص 396 ح 2.
(3) العلل ص 341 ب 42 طبع النجف الأشرف، الوسائل ج 3 ص 591 ح 1.
(4) العلل ص 68 ب 58 طبع النجف الأشرف.
549

ومنها أنه قال في كتاب عيون أخبار الرضا (1) بعد نقل حديث في سنده
محمد بن عبد الله المسمعي ما صورته: قال مصنف هذا الكتاب: كان شيخنا محمد بن
الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه سيئ الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي
راوي هذا الحديث، وإنما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب لأنه كان في كتاب
الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي. إنتهي.
أقول: وهذا الكلام ظاهر بل صريح في أنه لا يخرج شيئا من الأخبار في
كتبه إلا وهو صحيح عنده لا يعتريه في صحته شك ولا شبهة، ومتى كان غير ذلك
نبه عليه ذيل الخبر.
ومنها ما في الفقيه (2) في باب من أفطر أو جامع في شهر رمضان بعد أن أورد
خبرا يتضمن أن من جامع امرأته وهو صائم وهي صائمة أنه إن كان أكرهها
فعليه كفارتان وإن كان طاوعته فعليه كفارة ما صورته: قال مصنف هذا الكتاب:
لم أجد ذلك في شئ من الأصول، وإنما تفرد بروايته علي بن إبراهيم بن هاشم.
و منها في كتاب الغيبة بعد أن أورد حديثا عن أحمد بن زياد قال: قال مصنف
هذا الكتاب لم أسمع هذا الحديث إلا من أحمد بن زياد بعد منصرفي من حج
بيت الله الحرام، وكان رجلا ثقة دينا، إلى آخره.
ومنها في الكتاب المذكور بعد نقل حديث عن علي بن عبد الله الوراق
قال: قال مصنف هذا الكتاب: لم أسمع هذا الحديث إلا عن علي بن عبد الله
الوراق، ووجدته بخطه مثبتا فسألته عنه فرواه لي عن سعد بن عبد الله عن أحمد
ابن إسحاق كما ذكرته.

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 20 طبع النجف الأشرف، الوسائل ج 18
ص 81 ح 21.
(2) الكافي ج 7 ص 242 ح 12، التهذيب ج 10 ص 145 ح 5، الفقيه ج 2
ص 73 ح 6، الوسائل ج 7 ص 37 ب 12 ح 1.
550

وفي هذه المواضع الثلاثة دلالة على أن جميع أخباره التي ينقلها ساكتا عليها
موجودة في الأصول العديدة ثابتة الصحة عنده مروية من طرق عديدة، وإذا
ضممت هذه المواضع بعضا إلى بعض عرفت أن نقله لهذا الخبر وكذا غيره من
الأخبار التي يجمد عليها ليس إلا لأنها صحيحة صريحة معمول عليها عنده ومعتمد
عليها لديه.
ثم أقول: ظاهر الشيخ القول بهذا الخبر ونحوه وإن لم يصرح بالحكم
بخصوصه، حيث إنه في كتاب العدة وصدر كتاب الإستبصار قد صرح بأن الخبر
إذا لم يكن متواترا أو تعرى عن إحدى القرائن الملحقة له بالتواتر فإنه خبر
واحد، ويجوز العمل به إذا لم يعارضه خبر آخر ولم يعلم فتوى الأصحاب على
خلافه، وهذا الخبر كما ترى ليس له معارض فيما دل عليه، ولم يقع من أحد
من الأصحاب فتوى بخلافه فيجوز العمل به حينئذ.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المانع من هذا الحكم إما أن يتطرق نزاعه إلى
سند الخبر المذكور أو متنه، فأما السند فالكلام فيه مفروع منه على رأينا في
عدم العمل بهذا الاصطلاح المحدث، ومع التسليم فإن الرواية صحيحة بنقل
الصدوق كما هو المشهور بين الأصحاب من عد أخبار هؤلاء المذكورين في الصحيح،
عن أبان بن عثمان الذي ربما ناقش في صحة خبره من لا يلتفت إليه ولا يعول
عليه كما لا يخفى على الممارس، ومحمد بن علي ماجيلويه الذي هو من عمد مشايخ
الإجازة وقد عد حديثهما في الصحيح العلامة وغيره في غير موضع.
وأما متن الخبر فإنه لا يخفى أن قوله - لا يحل من الألفاظ الصريحة في
التحريم - إذا هو المتبادر منه عند الاطلاق والتبادر إمارة الحقيقة، كما صرح
به محققو الأصوليين، ويؤكده التعليل بالمشقة، وأن ذلك يشق عليها (صلوات
الله عليها)، ومن الظاهر البين أن الأمر الذي يشق عليها يؤذيها، وايذاؤها
محرم بالاتفاق، لأنه إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وآله بالخبر المتفق عليه بين الخاصة
551

والعامة " فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما يؤذيها " (1).
ولو قيل: إن لفظ " لا يحل " قد ورد في مواضع عديدة بمعنى الكراهة،
فلا يكون نصا في التحريم لما رواه الكليني والصدوق (2) (عطر الله مرقديهما) عنه
صلى الله عليه وآله " قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدع عانتها فوق
عشرين يوما ". مع أن ذلك غير واجب بالاجماع.
وحينئذ فيمكن حمل الخبر المذكور على ذلك، وإذا قام الاحتمال بطل
الاستدلال كما ذكروه، ولفظ " المشقة " لا يستلزم الايذاء، وحينئذ فلا ينهض
الخبر دليلا على التحريم.
قلنا: لا يخفى عن الفطن - اللبيب والموفق المصيب ومن أخذ القواعد الشرعية
والضوابط المرعية بأدنى نصيب - أن الواجب هو حمل الألفاظ على حقائقها متى
أطلقت، وإنما تحمل على مجازاتها بالقرائن الحالية أو المقالية لا بمجرد
التخرص والتخمين، إذ لو ساغ ذلك لبطلت جملة القواعد الشرعية، واختلت تلك
الأحكام النبوية، ومن الظاهر لمتتبع الأحكام أن لفظ " لا يحل " من الألفاظ
الصريحة في التحريم حيثما يطلق إلا مع قرينة خلافه.
ومن أمثلته القرآنية قوله تعالى " لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها (3) "
وقوله " لا يحل لك النساء من بعد " (4) وقوله " فلا تحل له من بعده حتى تنكح
زوجا غيره " (5) وقوله " لا هن حل لهم ولاهم يحلون لهن " (6).

(1) العلل ص 186 طبع النجف الأشرف؟ أما الأحاديث العامة فراجع الغدير ج 7
ص 231.
(2) الكافي ج 6 ص 506 ح 11، الفقيه ج 1 ص 67 ح 36، الوسائل ج 14
ص 439 ح 1.
(3) سورة النساء - آية 19.
(4) سورة الأحزاب - آية 52.
(5) سورة البقرة - آية 230.
(6) سورة الممتحنة - آية 10.
552

وأما السنة فأكثر من أن يأتي عليه قلم الاحصاء أو يدخله العد والاستقصاء
والعرف العام والخاص من أقوى الدلائل التي لا يناضلها مناضل.
وأما حديث العانة فإن الحمل على الكراهة إنما وقع من حيث القرينة
الدالة على ذلك، وهي أولا ما دل على استحباب حلقها من الأخبار والاجماع وأن
تركها مكروه.
وثانيا قوله في الخبر " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " فإنه يؤذن بأن
ترك العانة المدة المذكورة مناف لكمال الايمان، وهذا معنى الكراهة والقرينة
موجودة في الخبر.
وأما قوله - وإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال - فكلام شعري وإلزام جدلي،
وتخريج سوفسطائي لا يصح النظر إليه ولا التصريح في مقام التحقيق عليه، وإلا
لا نسد بذلك باب الاستدلال واتسعت دائرة القيل والقال، وانفتح باب الخصام
والجدال، إذا لا قول إلا ولقائل فيه مقال، ولا دليل إلا وللمنازع فيه مجال فإن
باب المجاز أوسع من أن ينتهي إلى حد أو يدخل أفراده الحصر والعد وإن
تفاوتت قربا وبعدا وظهورا وخفاء، وللزم بذلك انسداد باب إثبات الصانع والنبوة
والإمامة، وقامت الحجة لأصحاب الملل والمخالفين فيما يبدونه من التأويلات
في الأدلة التي تقيمها الشيعة والبراهين، بل الحق الحقيق بالقبول هو ما صرح
به جملة من علماء الأصول من أن المدار في الاستدلال على النص والظاهر،
ولا يلتفت إلى الاحتمال في مقابلة شئ منها.
نعم ربما يصار إليه في مقام تعارض الأدلة وأرجحية المعارض فإنه يرتكب
التأويل والاحتمال جمعا بين الأدلة وإن كان خلاف الظاهر كما هو مطرد بينهم.
وأما قوله - إن لفظ المشقة لا يستلزم الايذاء - فهو كلام ناش عن عدم
التأمل في المقام والتدبر لما ذكره العلماء الأعلام في هذا المقام فإنه لا يخفى
أن المشقة لغة بمعنى الثقل والشدة والصعوبة فيقال أمر شاق: أي شديد ثقيل صعب.
553

وقال في القاموس (1): شق عليه الأمر شقا صعب، وقال ابن الأثير في
النهاية (2) وفيه " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ":
أي لولا أن أثقل عليهم من المشقة وهي الشدة.
وقال المفسرون في قوله عز وجل " وما أريد أن أشق عليك " (3):
أي لأحملك من الأمر ما يشتد عليك.
وقال الهروي في كتاب الغربيين: قوله تعالى (4) " لم تكونوا بالغيه إلا بشق
الأنفس " قال قتادة: أي بجهد النفس.
أقول: وإن كانت المشقة كما ذكره هؤلاء الأعلام عبارة عن هذا المعنى
وهو الذي ذكروه، وهو ما يصعب تحمله ويشتد على النفس تحمله والقيام
به ويبلغ به الجهد، فكيف لا تكون مستلزما للأذى، مع أن الأذى إنما هو
الضرر اليسير كما صرح به في القاموس مثل التهديد والغيبة ونحو ذلك.
وقد صرح المفسرون في قوله سبحانه (5) " لن يضروكم إلا أذى " أي
ضررا يسيرا، وعلى هذا فيكون الأذى إنما هو أقل مراتب المشقة، فكيف
لا تكون لازما للمشقة؟ وهل يشك عاقل في أن من وقع في شدة وأمر صعب
لا يتأذى بذلك؟ ولكن من منع ذلك إنما بنى على مقتضى هواه وعقله بغير ارتياب،
من غير مراجعة لكلام العلماء في هذا الباب فضل عن سواء الطريق وأوقع
نفسه وغيره في لجج المضيق.
لا يقال: هذا الخبر قد روته العلماء في كتبهم واطلع عليه الفضلاء منهم

(1) قاموس المحيط ج 3 ص 258.
(2) النهاية ج 2 ص 491.
(3) سورة القصص - آية 27.
(4) سورة النحل - آية 7.
(5) سورة آل عمران - آية 111.
554

ولم يصرح أحدهم بما دل عليه من هذا الحكم في محرمات النكاح من الكتب
الفروعية كما صرحتم به، بل أعرضوا عن التعرض له بالكلية، ولو كان ذلك حقا
لذكروه وفي مصنفاتهم سطروه.
لأنا نقول: هذا القائل إما أن يسلم ما ذكرناه من صحة الخبر وصراحته
كما نقوله أم لا؟ وعلى الثاني يكون الكلام معه في إثبات الدليل وصحته
وصراحته، وهذا خارج عن موضع السؤال فلا وجه لهذا السؤال حينئذ، وعلى
الأول فإن كلامه هذا مردود بما صرح به غير واحد من العلماء المحققين، منهم
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في غير موضع من الكتاب المذكور من جواز
مخالفة الفقيه لما يدعونه من الاجماع إذا قام الدليل على خلافه، فكيف لو لم يكن
ثمة إجماع ولا قائل بخلافه بالكلية، فإنه قال في مسألة ما لو أوصى له بأبيه فقبل
الوصية بعد الطعن في الاجماع: وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره
إذا قام له الدليل على ما يقتضي خلافهم، وقد اتفق ذلك لهم كثيرا، ولكن زلة
المتقدم متسامحة بين الناس دون المتأخرين. إنتهى.
وقد قدمنا كلامه بطوله في كتاب الوصايا، وحينئذ فإذا شاع مخالفتهم في
المسائل الاجماعية مع أن الاجماع عندهم أحد الأدلة الشرعية متى قام الدليل
على خلاف ذلك الاجماع، فكيف لا يجوز القول بما لم يتعرضوا له نفيا ولا إثباتا
إذا قام الدليل عليه، ومجرد رؤيتهم الخبر وروايتهم الخبر وروايتهم له في
كتب الأخبار مع عدم ذكرهم حكمه في الكتب الفروعية لا يصلح لأن يكون دليلا
على رد ذلك الخبر ولا ضعفه، مع عدم تصريحهم بالرد والتضعيف وبيان الوجه
فيه، فكم خبر رووه ولم يتعرضوا للتنبيه على حكمه في الكتب الفروعية،
وهل هذا الكلام إلا مجرد تمويه على ضعفه العقول، ومن ليس له قدم ثابت في
معقول ومنقول.
على أنه لا يشترط عندنا في الفتوى بحكم من الأحكام تقدم قائل به من
555

متقدمي العلماء الأعلام، كما صرح به جملة من محققي أصحابنا، وإن ادعاه شذوذ منهم.
نعم المشهور بينهم اشتراط عدم مخالفة الاجماع على ما عرفت فيه من عدم ما يوجب
الالتفات إليه والسماع، وكيف ولو تم هذا الشرط لما اتسعت دائرة الخلاف
وتعدد الأقوال في المسائل الشرعية على ما هي عليه الآن، كما لا يخفى على ذوي
الانصاف، حتى أنك لا تجد حكما من الأحكام إلا وقد تعددت فيه أقوالهم كما
لا يخفى على من راجع كتاب المختلف، وهذه الأقوال كلها تجددت بتجدد العلماء
عصرا بعد عصر.
وقد نقل بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) انحصار الفتوى زمن الشيخ
(رحمة الله عليه) فيه، وكذا ما بعد زمانه ولم يبق إلا حاك عنه وناقل، حتى انتهت
النوبة إلى ابن إدريس ففتح باب الطعن علي الشيخ والخلاف له، ثم اتسع الباب
وانتشر الخلاف، فإذا كان الأمر كذلك فكيف استجاز هذا القائل المنع من الفتوى
بشئ لم يتعرض له الأصحاب نفيا ولا إثباتا إذا قام الدليل الشرعي عليه، هذا.
وممن جرى على هذا المنوال الذي جرينا عليه في هذا المقال المحدث
الكاشاني (قدس سره) فإنه صرح في المفاتيح بتحريم كتابة القرآن على المحدث
لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (1) موسى عليه السلام " أنه سأله عن الرجل أيحل له
أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال: لا ".
مع اعترافه بأنه لم يجد به قائلا، وهذه الرواية التي أفتى بمضمونها وأعتمد
عليها بمرأى ومنظر من العلماء قبله، مع أنه لم يصرح أحد بما دلت عليه ولم
يقل بما دلت عليه قائل، ولم يرما ذكره هذا القائل مانعا له عن القول بما دلت
عليه، ولا موجبا للطعن علي القائل المذكور بما ذهب إليه.
وهذا المحدث الأمين الاسترآبادي (عطر الله مرقده) في حواشيه على

(1) البحار ج 10 ص 277 ط جديد، التهذيب ج 1 ص 127 ح 36، الوسائل
ج 1 ص 270 ح 4.
556

كتاب المدارك على ما وجدته بخطه صرح بعدم العفو عن نجاسة دم الغير وإن كان
أقل من درهم، إلحاقا له بدم الحيض، لمرفوعة البرقي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس،
وإن كان من دم غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله ".
ولم يقل بمضمون هذه الرواية أحد قبله مع أن الرواية مذكورة في كتب
الأصحاب إلى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبع الماهر والخبير الباهر.
فإن قيل: إن عمومات الآيات مثله قوله سبحانه " وأحل لكم ما وراء ذلكم " (2)
وقوله " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين " (3) وقوله " فانكحوا ما طاب لكم
من النساء " (4) وكذلك عمومات السنة مخالفة لهذا الخبر، وهو قاصر عن معارضتها،
والعمل عليها أرجح، والقول بها أولى.
قلنا: هذا القائل أيضا إما أن يوافقنا على صحة هذا الخبر وصراحته
فيما ندعيه أو لا؟ وعلى الثاني فكلامه هذا لا وجه له، بل الواجب عليه أن يقول
هذا الخبر غير صحيح ولا صريح فيما تدعونه فيكون محل البحث هنا.
وعلى الأول فكلامه هذا ساقط أيضا لاتفاق أجلاء الأصحاب ومعظمهم
قديما وحديثا على تخصيص عمومات الكتاب والسنة وتقييد مطلقاتهما بالخبر
الصحيح الصريح تعدد أو اتحد، وها نحن نتلو عليك جملة من تلك المواضع إجمالا.
فمنها مسألة التخيير في المواضع الأربعة بين القصر والاتمام مع دلالة الآية
والأخبار على وجوب التقصير على المسافر مطلقا.
ومنها مسألة الحبوة. ودلالة الآيات والروايات على أن ما يخلفه الميت

(1) الكافي ج 3 ص 59 ح 7، الوسائل ج 2 ص 1028 ح 2.
(2) سورة النساء - آية 24.
(3) سورة النور - آية 32.
(4) سورة النساء - آية 3.
557

يقسم على جميع الورثة على الكتاب والسنة، مع استثناء أخبار الحبوة لتلك الأشياء
المخصوصة واختصاص أكبر الولد بها.
ومنها منع من ثبت له الإرث بالآيات والروايات من الوالد والولد والزوجة
ونحوهم بالموانع المنصوصة من القتل والكفر والرقية واللعان، فإنه لا خلاف
في منعهم مع دلالة الآيات والروايات على إرثهم مطلقا.
ومنها ميراث الزوجة غير ذات الولد على المشهور، ومطلقا على المختار،
فإن مقتضى إطلاق الآيات والروايات على إرثها من كل شئ من عينه منقول
أو غير منقول، مع دلالة الأخبار، وبها قال الأصحاب على الحرمان من الرباع
على التفصيل المذكور في محله.
ومنها قولهم بعد نشر حرمة الرضاع بين الأجنبيين إذا ارتضعا من امرأة مع
تعدد الفحل لأخبار دلت على ذلك، مع دلالة الآية وهي " وأخواتكم من الرضاعة " (1)
وجملة من الأخبار على نشر الحرمة بذلك.
ومنها مسألة الخمس ودلالة الآية والروايات الكثيرة على وجوب اخراجه
مع دلالة جملة من الأخبار على السقوط مطلقا، أو بخصوص الأرباح.
ومنها ميراث زوجة المريض إذا طلقها في مرضه وخرجت من العدة فإنها
ترثه إلى سنة، مع دلالة الآيات والروايات على أن الميراث لا يكون إلا بسبب
أو نسب، وهذه بعد الخروج من العدة تصير أجنبية.
إلى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها الماهر البصير، ولا ينبئك مثل خبير.
وحينئذ فإذا ثبت جواز تخصيص عمومات الكتاب والسنة بالخبر الصحيح
في هذه المواضع ونحوها، فما المانع منه فيما نحن فيه لولا زيغ الأفهام وزلل
الأقدام في ميدان النقض والابرام.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما يفهم من كلام شيخنا المحدث الصالح المتقدم

(1) سورة النساء - آية 23.
558

ذكره وما نقله عن شيخه العلامة (أجزل الله إكراهما في دار الإقامة) من أن
المخرج من هذه المسألة بعد عقده على اثنتين أنه يطلق واحدة فإنه لا يخلو من
إشكال، لاشعاره بصحة عقد الثانية.
والتحقيق أن هذه المسألة مثل مسألة الجميع بين الأختين حذو النعل
بالنعل، وحينئذ فالمخرج منها هنا كما تقدم ثمة، وهو أنه يفارق الثانية، وإن
طلقها فهو أولى وأحوط ويتجنب الأولى حتى تخرج الثانية من العدة، وإن أراد
الثانية اعتزلها وطلق الأولى. ومتى خرجت من العدة عقد الثانية عقدا مستأنفا.
والله العالم بحقائق أحكامه.
المسألة الرابعة: الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
أنه يجوز للحر نكاح الأمة لمن لا يجد الطول إلى نكاح الحرة وخشي العنت،
والصبر أفضل، وبذلك صرحت الآية في قوله عز وجل " ومن لم يستطع منكم
طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات
- إلى قوله - ذلك لمن خشي العنت منكم وأن صبروا خير لكم " (1).
والطول لغة: الزيادة والفضل، والمراد هنا الزيادة في المال على وجه
يتمكن من المهر والنفقة ولو بالقوة كأصحاب الحرف، إلا أن الظاهر من بعض
الروايات الآتية التخصيص بالمهر، وهو الأقرب، فإن الرزق مضمون.
والعنت لغة: المشقة الشديدة، والمراد به هنا المشقة باعتبار تحمل ضرر
العزوبة أو الوقوع في الزنا الذي تؤدى إليه غلبة الشهوة الحيوانية عليه وإنما
الخلاف فيما إذا فقد أحد الشرطين المذكورين على أقوال ثلاثة.
أحدها: التحريم والظاهر أنه المشهور بين المتقدمين ذهب إليه الشيخ في
المبسوط والخلاف وابن البراج وابن الجنيد وابن أبي عقيل والشيخ المفيد.
وربما ظهر من عبارة ابن أبي عقيل دعوى الاجماع على ذلك، حيث قال:

(1) سورة النساء - آية 25.
559

لا يحل للحر المسلم عند آل الرسول صلى الله عليه وآله أن يتزوج الأمة متعة ولا نكاح إعلان
إلا عند الضرورة، وهو إذا لم يجد مهر حرة وضرت به العزوبة وخاف على نفسه
منها الفجور، وإذا كان كذلك حل له نكاح الأمة.
وإذا كان يجد السبيل إلى تزويج الحرة ولم يخش على نفسه الزنا الحرام
لم يحل له أن يتزوج الأمة متعة ولا إعلانا، فإن تزوجها على هذه الحال فالنكاح
باطل، قال الله تعالى " فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات "
يعني الحرائر " فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات " يعني الإماء ثم
قال " ذلك لمن خشي العنت منكم " والعنت الزنا، فأحل تزويج الإماء لمن لا يجد
طولا أن ينكح الحرائر وحرم نكاحهن على واجدي الطول.
وقد أجاز قوم من العامة تزويج الإماء في حال الضرورة وغير الضرورة
لواجدي الطول وغير واجدي الطول، وكفى بكتاب الله عز وجل ردا عليهم دون
ما سواه، إنتهى.
وهؤلاء القائلون بالتحريم منهم من قال بصحة العقد مع المخالفة وإنما
يأثم خاصة، وبه صرح الشيخ المفيد وابن البراج، وظاهر الباقين البطلان وهو
صريح عبارة ابن أبي عقيل المذكورة، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
وثانيهما: الجواز علي كراهة، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن حمزة وابن
إدريس والمحقق والعلامة، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين.
وثالثها: تحريم الأمة لمن عنده حرة خاصة، نقله الشيخ في الخلاف قولا
في المسألة، والذي يدل على القول الأول ظاهر الآية المتقدمة، والتقريب فيها أنه
تعالى شرط في نكاح الإماء عدم الطول، لأن " من " للشرط، وشرط خوف العنت
بقوله " ذلك لمن خشي العنت منكم " والمشروط عدم عند عدم شرطه، ويدل على
ذلك الأخبار الكثيرة.
560

ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام " قال
سألته عن الرجل يتزوج المملوكة؟ قال: لا بأس إذا اضطر إليها ".
ورواه بطريق آخر في الموثق عن محمد بن مسلم (2) " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام
عن الرجل يتزوج المملوكة؟ قال: إذا اضطر إليها فلا بأس ".
وما رواه في الكافي عن زرارة بن أعين (3) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: سألته عن
الرجل يتزوج الأمة؟ قال: لا، إلا أن يضطر إلى ذلك ".
وعن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الحر يتزوج الأمة؟ قال: لا بأس إذا
اضطر إليها ".
والتقريب فيها ثبوت البأس مع عدم الضرورة وهو يقتضي التحريم، لأن
المراد بالبأس المنفي هو التحريم، وقد دل الخبر على ثبوته مع انتفاء الضرر، وإذا
ثبت اشتراط الجواز بذلك كان مخصصا لعموم الآيات التي استدل بها المجوزون
ورافعا للأصل الذي استندوا إليه أيضا،
استدل القائلون بالقول الثاني بالأصل وعموم قوله تعالى " وأنكحوا الأيامي
منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم " (5) وقوله " ولأمة مؤمنة خير من مشركة " (6)
وقوله " وأحل لكم ما وراء ذلكم " (7).

(1) التهذيب ج 7 ص 421 ح 8، الوسائل ج 15 ص 87 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 334 ح 2، الوسائل ج 14 ص 392 ح 6.
(3) الكافي ج 5 ص 360 ح 6، الوسائل ج 14 ص 391 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 359 ح 1، التهذيب ج 7 ص 334 ح 1، الوسائل ج 14
ص 391 ح 4.
(5) سورة النور - آية 32.
(6) سورة البقرة - آية 221.
(7) سورة النساء - آية 24.
561

ويؤيده ما رواه في الكافي عن يونس بن عبد الرحمن (1) عنهم عليهم السلام " قال: لا ينبغي
للمسلم الموسر أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة " الحديث.
وعن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لا ينبغي للحر أن يتزوج الأمة
وهو يقدر على الحرة ".
وعن ابن بكير (3) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لا ينبغي أن
يتزوج الرجل الحر المملوكة اليوم، إنما كان ذلك حيث قال الله عز وجل (4)
" ومن لم يستطع منكم طولا "، والطول المهر، ومهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة أو
أقل " وهذه الرواية هي التي أشرنا إليها آنفا بأنها تدل على أن الطول عبارة عن
ملك المهر خاصة.
والتقريب في هذه الروايات أنه عبر فيها بلفظ " ينبغي " وهو ظاهر في الكراهة
وأجاب في المختلف - حيث اختار الجواز - عن الآية بأنها تدل من حيث المفهوم
وهو ضعيف، وإذا عارضه المنطوق خرج عن الدلالة.
علي أن المعلق الأمر بالنكاح إما إيجابا أو استحبابا، فإذا انتفى المعلق عليه
انتفى الوصف الزائد على الجواز، وأيضا أنه خرج مخرج الأغلب فلا يدل على
نفي الحكم عما عداه، قال: وكذا الجواب عن الخبر.
ورد بأن مفهوم الشرط حجة عند المحققين، ولا منطوق يعارضه، بل
العموم وهو قابل للتخصيص، وإنما يتم كون المعلق على الشرط الأمر لو قدرنا
الجار في قوله " فمن ما ملكت أيمانكم " متعلقا بمحذوف يدل على الأمر كقوله

(1) الكافي ج 5 ص 360 ح 8، الوسائل ج 14 ص 391 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 360 ح 9، الوسائل ج 14 ص 391 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 360 ح 7، التهذيب ج 7 ص 334 ح 3، الوسائل
ج 14 ص 391 ح 5.
(4) سورة النساء - آية 24.
562

" فلينكح " وليس بلازم، لجواز تقديره بما يناسب الحل بغير الأمر كقوله " فنكاحه
مما ملكت أيمانكم "، ونحو ذلك.
ويؤيده أن الآية مسوقة لبيان الحل والحرمة، لا لبيان الأمر، وإخراج
الشرط مخرج الأغلب خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل بعينه، كتقييد تحريم
الربائب بكونهن في الحجوز. إنتهى، وهو جيد (1).
أقول: لا يخفى أن الاستدلال بالأخبار من الطرفين لا يخلو من الاشكال،
أما أخبار القول بالتحريم فلأنه مبني على أن البأس المذكور فيها بمعنى التحريم
ومفهومه أعم من ذلك، ولذا قيل إن نفي البأس لا يخلو من البأس.
وأما أخبار القول بالجواز فلأنه مبني على أن لفظ " ينبغي " و " لا ينبغي "
بمعنى الأولى وخلاف الأولي، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم أنه وإن كان
كذلك بحسب العرف الآن بين الناس، إلا أن المستفاد من الأخبار المتكاثرة استعماله

(1) كذا نقله في المسالك، وقال سبطه في شرح النافع في الجواب عما ذكره
العلامة: وفيه نظر، فإن المفهوم الواقع في الآية مفهوم شرط، وهو حجة عند المحققين
ومنهم العلامة (قدس سره) ودلالة قوله تعالى " ذلك " يعني نكاح الإماء " لمن خشي العنت منكم "
بمفهوم الحصر، وهو لا يقصر عن المنطوق.
وقوله - وإذا عارضه المنطوق خرج عن الدلالة العامة - وهو غير جيد لعدم تحقق
التعارض فإن الخاص مقدم، والمفروض أنه حجة.
وقوله - إن المعلق الأمر بالنكاح إما ايجابا أو استحبابا - غير واضع، إذ المتبادر
من سوق الآية كون الأمر هنا للإباحة، كما في قوله " وإذا حللتم فاصطادوا " لأنها مسوقة
لبيان الحل والحرمة، لا لبيان الواجب من الوطئ والمندوب، مع أن تقدير الأمر غير
متعين لجواز أن يكون المقدر " فنكاحه من ما ملكت أيمانكم " ونحو ذلك.
وقوله - إن التعليق في الآية والخبر خرج مخرج الأغلب - غير ظاهر، وقد ظهر
من ذلك أن القول بالتحريم لا يخلو عن قوة. انتهى، وهو جيد. (منه - قدس سره -).
563

في الواجب والمحرم، وقد ذكرنا أنه من الألفاظ المتشابهة لا يحمل على أحد
المعنيين إلا بالقرينة، ولا قرينة هنا توجب للحمل على أحدهما.
نعم الاستدلال بظاهر الآية على التحريم بالتقريب الذي تقدم في الجواب
عن كلام العلامة جيد، وسيأتي في أخبار المسألة الآتية إن شاء الله ما يدل عليه
أيضا وإلى القول بالتحريم في المسألة يميل كلام السيد السند في شرح النافع
وقبله جده في المسالك.
والذي يدل على القول الثالث ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن الحلبي (1)
في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: تزوج الحرة على الأمة، ولا تزوج
الأمة على الحرة ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل "، وفي معناه أخبار كثيرة
يأتي ذكرها - إن شاء الله - قريبا.
وأنت خبير بما في هذا الاستدلال من تطرق الاختلال، فإن غاية ما تدل
عليه الروايات المذكورة هو وقوع نكاح الأمة لمن لم يكن عنده حرة في الجملة،
فإن قوله " تزوج الحرة علي الأمة " ظاهر في سبق نكاح الأمة، وأنه صحيح في
الجملة ونحن نقول به، فإنه يجوز نكاح الأمة عند فقد الطول وخوف العنت،
فلعل نكاح الأمة قبل إدخال الحرة عليها كان لذلك، ولا دلالة فيها على جواز
نكاح الأمة مطلقا كما هو المطلوب بالاستدلال.
وبالجملة فإنها تدل على وقوع نكاح الأمة، لا على جوازه مطلقا، ووقوعه
ممكن في تلك الصورة المذكورة.
وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور: (أحدها) قد تقدمت
الإشارة إلى أن القائلين بالتحريم منهم من أبطل العقد من أصله، ومنهم من قال
بصحته وإن أثم بالمخالفة، وكأن الأولين نظروا إلى أن النهي توجه إلى الوطئ

(1) الكافي ج 5 ص 359 ح 2، التهذيب ج 7 ص 344 ح 39، الوسائل ج 14
ص 392 ح 1.
564

فيتبعه العقد فيبطل حينئذ، والآخرين إلى أن المنع راجع إلى العقد وحده
فلا يبطل، لأن النهي في غير العبادات لا يوجب البطلان.
ويمكن الجواب عنه بأن النهي هنا متوجه إلى ركن العقد وهي الزوجة،
كما لو كانت إحدى المحرمات أو إحدى الأختين أو الخمس في الجمع، ومرجعه
إلى ما تقدم في غير موضع من التفصيل في النهي في المعاملات من أنه إن توجه
إلى ذات المعقود عليه بمعنى عدم صلاحيته للدخول تحت العقد فالعقد باطل،
وإن توجه إليه باعتبار أمر خارج كالبيع وقت النداء فهو صحيح وإن أثم وبه
يظهر رجحان القول بالبطلان.
وممن قال بالصحة هنا شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) حيث قال: ولا
يجوز لمن وجد طولا لنكاح الحرائر أن ينكح الإماء، لأن الله اشترط في إباحة
نكاحهن عدم الطول لنكاح الحرائر من النساء.
ثم بعد كلام طويل قال: ومن تزوج أمة وهو يجد طولا لنكاح الحرائر
خالف الله عز وجل وشرطه عليه، إلا أنه لا ينفسخ بذلك نكاحه، ونحوه كلام
ابن البراج (1).
وعلى هذا يتخرج في المسألة قول رابع، وهو أن يخص القول ببطلان العقد
مع التحريم، وهذا القول بصحته وإن حرم.
و (ثانيها) إطلاق كلام الأصحاب في هذا الباب يقتضي أنه لا فرق في المنع
من العقد وتحريمه على القول الأول بين النكاح الدائم والمنقطع.
وبذلك صرح في المسالك جازما به فقال: لا فرق في المنع من العقد على

(1) حيث قال: أباح الله تعالى من تضمنته الآية بشرط عدم الطول النكاح الحرائر
إلا أن يخشى العنت، إلى أن قال: فإن تزوج بأمة وهو يجد الطول إلى نكاح الحرة فقد
خالف كتاب الله تعالى وما شرط عليه، ولا يبطل عقده على الأمة، بل يكون العقد ماضيا.
انتهى. (منه - قدس سره -).
565

القول به بين الدائم والمنقطع لشمول النكاح المشروط لهما، وأما التحليل فإن
جعلناه عقدا امتنع أيضا، وإن جعلناه إباحة فلا، كما لا يمتنع وطؤها بملك
اليمين. إنتهى.
واعترضه سبطه السيد السند (قدس سره) في شرح النافع، فقال الأجود
قصر الحكم على الدائم، لأنه المتبادر من اللفظ عند الاطلاق.
ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (1) " قال:
سألت أبا الحسن عليه السلام هل للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة
حرة؟ قال: نعم، إذا رضيت الحرة، قلت: فإن أذنت الحرة يتمتع منها؟
قال: نعم ".
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (2) " قال: سألت
الرضا عليه السلام عن امرأة أحلت لزوجها جاريتها فقال: ذلك له، قلت: فإن خاف أن
تكون تمزح، قال: وكيف له بما في قلبها، فإن علم بأنها تمزح فلا "، إنتهى.
أقول: أما ما ادعاه من أن المتبادر من لفظ التزويج في أخبار المسألة هو
الدائم فهو جيد، ولكن احتمال شمول المنقطع لاطلاق الزوجة على المتعة قريب
وعليه بني الأصحاب فيما ذكروه من العموم.
وأما الاستدلال بالروايتين المذكورتين فهو جيد، والتقريب فيهما أنه
بوجود الزوجة عنده فقد أحد الشرطين المجوزين للنكاح، لأن الطول حاصل
بوجود الزوجة فلا يجوز النكاح، مع أنه قد جوز له نكاح المتعة هنا بإذن

(1) الكافي ج 5 ص 463 ح 3 بأدنى تفاوت،، التهذيب ج 7 ص 257 ح 37،
الوسائل ج 14 ص 464 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 469 ح 8 مع اختلاف يسير، التهذيب ج 7 ص 242
ح 10، الفقيه ج 3 ص 289 ح 20، الوسائل ج 14 ص 534 ح 1 و 3.
566

الزوجة، وكذا نكاح المحلة، إلا أنه قد روى العياشي في تفسيره عن البزنطي (1)
" قال: سألت الرضا عليه السلام يتمتع بالأمة بإذن أهلها؟ قال: نعم إن الله تعالى يقول:
فانكحوهن بإذن أهلهن ".
وقال محمد بن صدقة البصري: (2) " سألته عن المتعة، أليس هذا بمنزلة الإماء؟
قال: نعم أما تقرء قول الله " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات
- إلى قوله - ولا متخذات أخدان " فكما لا يسع الرجل أن يتزوج الأمة وهو
يستطيع أن يتزوج بالحرة، فكذلك لا يسع الرجل أن يتمتع بالأمة وهو يستطيع
أن يتزوج بالحرة ".
فإن عجز الخبر ظاهر الدلالة على ما ذكره الأصحاب من عدم الفرق في
التحريم بين الدائم والمنقطع، وينبغي أن يحمل صدره على جواز التمتع مع
وجود الشرطين المجوزين، ولا يحضرني الآن وجه شاف في الجمع بين هذه
الأخبار.
و (ثالثها) قالوا: لو وجد الشرطان فتزوج الأمة ثم تجد زوالهما ولو بفقد
أحدهما لم يقدح في صحة النكاح السابق وإن لم يدخل، للحكم بصحته ولزومه
حين إيقاعه فيستصحب، حتى لو فرض طلاقها رجعيا جاز له رجعتها حينئذ،
لأن الرجعية بمنزلة الزوجة. إنتهى.
وفيه إشكال لما عرفت في غير موضع مما تقدم في أمثال هذه التخريجات
والتعليلات ومخالفة النصوص لها في غير موضع، والحكم هنا عار عن النص بنفي
أو إثبات.
و (رابعها) قال في المسالك: لو أمكن زوال العنت بوطئ ملك اليمين مع

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 234 ح 89، التهذيب ج 7 ص 257 ح 35، الوسائل
ج 14 ص 464 ح 3.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 234 ح 90، الوسائل ج 14 ص 496 ح 1.
567

فقده الطول للحرة لم يجز له وطئ الأمة لفقد الشرط المخل لجواز نكاح الأمة
لأن قدرته على رفع العنت بوطئ ملك اليمين يدفع خوف العنت مطلقا كقدرته
على دفعه بالتقوى.
وربما احتمل الجواز، لأنه لا يستطيع طول الحرة وهو الشرط، ويضعف
بأن خوف العنت شرط أيضا وهو منتف. إنتهى، وهو جيد.
و (خامسها) لا ريب أنه بوجود الحرة عنده يكون واجدا للطول فتحرم
عليه الأمة بناء على القول بالتحريم، أما لو لم يحصل القدرة على وطئها - إما
لكونها رتقا أو ضعيفة على الوطئ بمرض أو صغر، أو أنها غائبة عنه، بحيث يخشى
العنت قبل الوصول إليها - فقد صرحوا بأنه يجوز له نكاح الأمة، لفقد شرط
الطول ودفعا للحرج، فإنه لا فرق بين عدمها بالكلية وبين وجودها على إحدى
هذه الكيفيات المذكورة، نعم لو أمكن مع وجودها زوال العنت بالاستمتاع بها
على بعض الوجوه غير الوطئ امتنع نكاح الأمة.
و (سادسها) لو وجدت الحرة وقدر على ما طلبته من المهر، لكن طلبت أزيد
من مهر مثلها بحيث تجحف بالزيادة ففي وجوب بذله وتحريم نكاح الأمة وجهان:
من تحقق القدرة المقتضية لوجود الطول، ومن لزوم الضرر والمشقة بدفع الزيادة
وحمل القدرة على المتعارف.
قال في المسالك: وهو قوي مع استلزام بذل الزيادة الاسراف عادة بحسب
حاله أو الضرر وإلا فالأول أقوى، ولهذا نظائر كثيرة سبق، منها وجود الماء للطهارة
بأزيد من ثمن مثله، ووجود الساتر للعورة، ووجود الراحلة في الحج وغيرها.
إنتهى.
و (سابعها) الظاهر أنه لا إشكال في قبول قوله بخوف العنت وفي فقد الطول
إذا لم يعلم كذبه بوجه من الوجوه، ولو كان في يده مال لم يعلم كونه ملكا له
وادعى أنه لغيره قبل قوله، وكذا لو ادعى أن عليه دينا يمنع الطول ولذلك
568

نظائر كثيرة قد دلت النصوص فيها على قبول قول مدعيها، مثل قبول قول المرأة
في الحيض والطهارة منه، وعدم الزوج، ووفاته، وطلاقه لها، وأداء الزكاة،
وعدم وجوبها ونحو ذلك.
و (ثامنها) قالوا: مما يتفرع على المنع عدم جواز الزيادة على الواحدة حيث
يسوغ النكاح، ويجوز له الواحدة لحصول شرطي الجواز لانتفاء العنت بالواحدة،
هذا إذا تمكن من الوصول إليها بحيث يزول العنت المعتبر في المنع، فلو كانت
بعيدة عنه لا يمكن الوصول إليها بدون العنت جازت الثانية كما تجوز على القول
الآخر مطلقا: أما الثالثة فتحرم مطلقا اتفاقا، والله العالم.
المسألة الخامسة: في الجمع بين الأمة والحرة في النكاح وذلك إما بإدخال
الأمة على الحرة أو العكس أو جمعهما دفعة.
فهنا صور ثلاث: الأولى: إدخال الأمة على الحرة، فقيل: بأنه لا يجوز
نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها، فإن بادر كان العقد على الأمة باطلا، ذهب إليه
ابن الجنيد وابن أبي عقيل وابن إدريس والمحقق في كتابيه للنهي عنه، وتدل
عليه حسنة الحلبي ورواية حذيفة بن منصور الآتيتان إن شاء الله.
وقيل: إنه يكون للحرة الخيار في إمضائه وفسخه من غير أن يبطل في
نفسه لأن الحق في ذلك لها فلا يقصر عن عقد الفضولي، واختاره في المسالك،
قال: وقد تقدم ما يصلح تحقيقا لهذا القول في العقد علي بنت الأخ والأخت بعد
العمة والخالة، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود، خرج منه ما إذا ردته إجماعا فيبقى
الباقي، وهذا هو الأقوى (1).

(1) ثم إنه قال في المسالك: ويمكن أن يريد المصنف بالبطلان هذا المعنى لأنه
كثيرا ما يطلقه في مقابل عدم اللزوم، وعليه حمل العلامة عبارات الأصحاب بذلك - انتهى.
أقول: لا ريب في بعد هذا المعنى، لأن الروايات التي استندوا إليها لا تقبله، كما
سيظهر لك إن شاء الله تعالى فإنها صريحة في البطلان. (منه - قدس سره -).
569

أقول: قد تقدم منا في الموضع المشار إليه ما يدل على وهنه وضعفه وأنه
لا يخرج عن القياس على الفضولي مع ما في الفضولي من الكلام، وقيل: يتخير
الحرة بين فسخ عقد الأمة وعقد نفسها، وهو منقول عن الشيخين وأتباعهما، ونقل
عنهما الاستدلال عليه برواية سماعة الآتية.
أقول: يجب أن يعلم أن الكلام في هذه المسألة متفرع على ما تقدم في
سابق هذه المسألة من الخلاف، وقد عرفت أن الأصح من الأقوال المتقدمة في تلك
المسألة هو التحريم، وحينئذ فيجب الحكم ببطلان العقد كما هو القول الأول،
رضيت الحرة أم لم ترض، وتقييدهم التحريم بعدم رضاء الحرة - المؤذن بأنها لو
رضيت صح النكاح - خلاف إطلاق الأخبار الواردة في المقام.
ومنها ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: تزوج الحرة على الأمة، ولا تزوج الأمة على الحرة، ومن تزوج أمة
على حرة فنكاحه باطل ".
وعن أبي بصير (2) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن نكاح الأمة، فقال: تتزوج
الحرة على الأمة، ولا تتزوج الأمة على الحرة، ونكاح الأمة على الحرة باطل ".
وفي الصحيح إلى الحسن بن زياد (3)، وهو الصيقل (4) كما في سند الخبر
في التهذيب " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: تزوج الحرة على الأمة، ولا تزوج الأمة
على الحرة، ولا النصرانية ولا اليهودية على المسلمة، فمن فعل ذلك فنكاحه باطل ".

(1) الكافي ج 5 ص 395 ح 2، التهذيب ج 7 ص 344 ح 39 الوسائل ج 14
ص 392 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 359 ح 3، الوسائل ج 14 ص 392 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 344 ح 41، الوسائل ج 14 ص 393 ح 5.
(4) وهذا الخبر عده السيد في شرح النافع في الصحيح وهو غفلة، فإن الحسن
ابن زياد هنا مجهول. (منه - قدس سره -).
570

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام " أنه قال.
قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن تنكح الحرة على الأمة، ولا تنكح الأمة على الحرة " الحديث.
وما رواه في الفقيه مرسلا (2) " قال: قال أبو جعفر عليه السلام: تزوج الأمة على
الأمة، ولا تزوج الأمة على الحرة، وتزوج الحزة على الأمة، فإن تزوجت الحرة
على الأمة، فللحرة الثلثان، وللأمة الثلث، ليلتان وليلة ".
وما رواه في التهذيب عن محمد بن الفضيل (3) عن أبي الحسن عليه السلام " قال: لا يجوز
نكاح الأمة على الحرة، ويجوز نكاح الحرة على الأمة " الحديث.
وعن حذيقة بن منصور (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام " عن رجل تزوج أمة على
حرة لم يستأذنها قال يفرق بينهما، قلت: عليه أدب؟ قال: نعم اثنى عشر سوطا
ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر ".
وروى الصدوق في كتاب الخصال (5) بسنده عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن
موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السلام " قال: سئل أبي عليه السلام عما حرم الله عز وجل من
الفروج في القرآن، وما حرم رسول الله صلى الله عليه وآله في سنته، فقال، الذي حرم الله
عز وجل أربعة وثلاثون وجها سبعة عشر في القرآن وسبعة عشر في السنة - إلى أن
قال -: وأما التي في السنة فالمواقعة في شهر رمضان نهارا - إلى أن قال - وتزويج
الأمة على الحرة، وتزويج الأمة لمن يقدر على تزويج الحرة ".
وفي الخبر دلالة على ما اخترناه في المسابقة السابقة من تحريم تزويج الأمة
مع فقد الشرطين المجوزين.

(1) الفقيه ج 3 ص 269 ح 63، الوسائل ج 14 ص 393 ح 6.
(2) الفقيه ج 3 ص ح 270 ح 69، الوسائل ج 14 ص 393 ح 7.
(3) التهذيب ج 7 ص 344 ح 40، الوسائل ج 14 ص 393 ح 4.
(4) التهذيب ج 7 ص 344 ح 42، الوسائل ج 14 ص 394 ح 2.
(5) الخصال ص 532 ح 10 ط النجف الأشرف.
571

ومن ذلك جملة من الأخبار المنقولة في كتاب البحار (1) عن الحسين بن سعيد
في كتابه، وهي ما رواه عن صفوان عن العلا عن محمد عن أحدهما عليهما السلام " قال: سألته
عن الرجل يتزوج المملوكة على الحرة؟ قال: لا، وإذا كانت تحته امرأة مملوكة
فتزوج عليها حرة، قسم للحرة مثلي ما يقسم للأمة، قال: محمد وسألته عن الرجل
يتزوج المملوكة؟ فقال: لا بأس إذا اضطر إليها ".
وعن النضر بن سويد عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر
عليه السلام " في الرجل نكح أمة فوجد طولا إلى حرة، وكره أن يطلق الأمة، قال:
ينكح الحرة على الأمة إن كانت الأمة أولاهما عنده، وليس له أن ينكح الأمة
على الحرة إذا كانت الحرة أولاهما عنده " الحديث.
وعن النضر عن عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: لا ينكح الرجل
الأمة على الحرة، وإن شاء نكح الحرة على الأمة، ثم يقسم للحرة مثلي ما
يقسم للأمة ".
وعن القاسم عن أبان عن عبد الرحمن (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته هل
للرجل أن يتزوج النصرانية على المسلمة والأمة على الحرة؟ قال: لا يتزوج
واحدة منهما على المسلمة، ويتزوج المسلمة على الأمة والنصرانية، وللمسلمة
الثلثان، وللأمة والنصرانية الثلث ".
أقول: هذا ما حضرني من أخبار المسألة، وهي متفقة الدلالة واضحة المقالة
في التحريم الذي تضمنه القول الأول، وبه يظهر أنه هو الذي عليه المعول،
وإطلاقها شامل لما رضيت الحرة أو لم ترض، إذ لا إشعار في شئ منها فضلا عن
الظهور بالصحة مع رضاها إلا ما ربما يشعر به خبر حذيفة بن منصور، وهو - مع
كونه في كلام الراوي - إنما يدل بالمفهوم الضعيف الذي لا دليل على حجيته.

(1) البحار ج 103 ص 342 ح 25 و 26 و ص 343 ح 27 و 30 و ص 344 ح 32.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
572

ومن هذه الأخبار المتكاثرة كما عرفت يظهر قوة القول بالتحريم في المسألة
السابقة، وهو الذي اخترناه وأشرنا سابقا إلى مجئ ما يدل عليه من الأخبار،
وهي هذه الأخبار، مضافا إلى ظاهر الآية المتقدمة ثمة، لأنه لو كان تزويج الأمة
جائزا - مع اختلال أحد الشرطين كما ذهب إليه من ذهب من أصحابنا - لما خرجت
هذه الأخبار مع كثرتها على البطلان في بعض، والنهي في آخر، ولا يجوز في ثالث،
وأن فاعله يستحق للأدب والجلد ثمن حد الزاني في رابع، ونحو ذلك.
وبالجملة فإن دلالة هذه الأخبار على القول المذكور أظهر من أن يعتريها
القصور، بل هي في الظهور كالنور على الطور، والأصحاب لم يذكروا من هذه
الروايات إلا حسنة الحلبي ورواية الحسن بن زياد.
وأجاب عنهما في المختلف بأن معنى أن العقد باطل يعني آئل إلى البطلان،
بتقدير اعتراض الحرة وعدم رضاها، وهو بعيد غاية البعد، مع أنه لا ضرورة تلجئ
إليه، إذ لا معارض للروايتين المذكورتين، ولهذا أنه قال في المختلف في آخر
كلامه: إن القول بالبطلان غير بعيد من الصواب.
وأما القول الثاني: فقد أشرنا آنفا إلى أنه لا يخرج عن القياس بناء على
حمله على الفضولي، مع أنه لا دليل على اعتبار رضاء الحرة في صحة العقد، فيصير
قياسا مع الفارق، وكيف كان فالأخبار المذكورة واضحة في رده وإبطاله.
وأما الثالث: فاستدلوا عليه برواية سماعة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل
تزوج أمة على حرة فقال: إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت، وإن شاءت
ذهبت إلى أهلها ".
قال في المسالك بعد نقل الخبر دليلا للقول المذكور: وهو يدل على
جواز فسخها عقد نفسها، ويسهل بعده القول بجواز فسخها عقد الأمة، لكن الخبر
ضعيف السند. إنتهى.

(1) الكافي ج 5 ص 359 ح 4 بعكس ما في التهذيب، التهذيب، ج 7 ص 345
ح 43، الوسائل ج 14 ص 394 ح 3.
573

أقول: كأنه أراد بهذا الكلام تتميم الاستدلال بالخبر لقصور الخبر المذكور،
حيث إن أقصى ما يدل عليه تخيرها بين فسخ عقد نفسها وعدمه، وأما فسخ
عقد الأمة فلا يدل عليه بوجه، مع أن الذي نقله سبطه السيد السند في شرح
النافع عن الشيخين وابن حمزة وابن البراج أنهم أفتوا بمضمون هذه الرواية،
ومضمونها كما عرفت إنما هو تخيرها بين فسخ عقد نفسها وعدمه.
وظاهر كلام العلامة في المختلف (1) أن مذهب الشيخين وأتباعهما إنما هو
تخير الحرة بين فسخ عقد الأمة إمضائه، وهذا القول الثاني الذي قدمناه.
وبالجملة فإن كلامهم هنا مختلف (2) في نقل مذهب الشيخ وأتباعه في
هذه المسألة، وعلى أي تقدير فإن رواية سماعة المذكورة لا يبلغ قوة في معارضة
ما قدمناه من الأخبار الدالة على بطلان عقد الأمة في الصورة المذكورة، فلا بد
من ارتكاب التأويل فيها وإلا فطرحها.
الثانية من الصور الثلاث الذي تقدم ذكرها: ما لو تزوج الحرة على الأمة
والأخبار المتقدمة صريحة في الجواز، وهو مما لا خلاف فيه.
بقي الكلام في علم الحرة بذلك وعدمه، والذي صرح به الأصحاب (رضوان
الله عليهم) هنا أنه إن كانت الحرة عالمة بزوجية الأمة فلا اعتراض لها بعد
رضاها أولا بذلك، لأن دخولها والحال هذه يتضمن رضاها، وإن لم تعلم كان
لها فسخ عقد نفسها لا فسخ عقد الأمة.
أما عدم تسلطها على فسخ عقد الأمة فللزومه قبل دخولها فلا سبيل لها إلي

(1) حيث قال: إذا تزوج الأمة على الحرة ولم تعلم الحرة فالأقرب أن نكاح الأمة
لا يقع باطلا من أصله، بل إذا فسخت الحرة نكاحها بطل وإلا صح، وبه قال الشيخان
وابن براج وابن حمزة إلى آخره، فإن الضمير في نكاحها إلى الأمة كما لا يخفى.
(منه - قدس سره -).
(2) فشيخنا في المسالك نقله كما قدمنا ذكره في صدر البحث، وسبطه قد نقله كما
أشرنا إليه، وصاحب المختلف قد نقله بوجه ثالث، كما ذكرناه في الحاشية السابقة. (منه - قدس سره -)
574

إبطاله كذا قيل، والأجود أن يقال إنه لا دليل على تسلطها عليه مع ثبوت لزومه أولا.
أما تسلطها على فسخ عقد نفسها فلما رواه الشيخ في الصحيح عن يحيى
الأزرق عن الصادق عليه السلام (1) " قال: سألته عن رجل كانت له امرأة وليدة، فتزوج
حرة ولم يعلمها بأن له امرأة وليدة، فقال إن شاءت الحرة أقامت، وإن شاءت
لم تقم، قلت: قد أخذت المهر فتذهب به؟ قال: نعم بما استحل من فرجها ".
أقول: وروى هذه الرواية الحسين بن سعيد في كتابه أيضا عن علي بن نعمان
عن يحيى الأزرق (2) " قال سألت أبا عبد الله عليه السلام مثله
وروى فيه أيضا على ما نقله شيخنا المجلسي في كتاب البحار عن الحسن بن
محبوب عن يحيى اللحام عن سماعة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل يتزوج امرأة
حرة وله امرأة أمة، لم تعلم الحرة أن له امرأة أمة، فقال: إن شاءت الحرة أن
تقيم مع الأمة أقامت، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها، قلت له: فإن لم يرض
بذهابها أله عليها سبيل؟ قال: لا سبيل له عليها إذا لم ترض بالمقام، قلت:
فذهابها إلى أهلها هو طلاقها؟ قال: نعم إذا خرجت من منزله اعتدت ثلاثة قروء،
أو ثلاثة أشهر، ثم تتزوج إن شاءت ".
وذهب الشيخ في التبيان إلى تخيرها بين فسخ عقد نفسها وفسخ عقد الأمة
وفيه ما عرفت من أن عقد الأمة بسبقه لازم لا يتسلط على فسخه إلا بدليل، ولا
دليل، والضرر يندفع عنها بفسخ عقد نفسها.
الثالثة من الصور المشار إليه: ما لو جمعهما في عقد واحد من غير علم الحرة
ولا تقدم رضاها، فقيل: إن عقد الحرة يقع صحيحا لازما، وعقد الأمة يقع
باطلا، وهو ظاهر المحقق في كتابيه، وهو اختيار جملة من الأصحاب، منهم السيد

(1) التهذيب ج 7 ص 345 ح 44، الوسائل ج 14 ص 394 ح 1.
(2) النوادر ص 67، البحار ج 103 ص 343 ح 29.
(3) البحار ج 103 ص 343 ح 28، مستدرك الوسائل ج 2 ص 582 ب 43 ح 2.
575

السند في شرح النافع.
ويدل عليه ما رواه الشيخ والصدوق عن أبي عبيدة الحذاء (1) في الصحيح عن
أبي جعفر عليه السلام " قال: سئل عن رجل تزوج امرأة حرة وأمتين مملوكتين في عقدة
واحدة، فقال: أما الحرة فنكاحها جائز فإن كان قد سمى لها مهرا فهو لها، وأما
المملوكتان فإن نكاحهما في عقدة واحدة مع الحرة باطل، يفرق بينه وبينهما "
وهي نص في المراد.
وقيل: إن عقد الحرة كما تقدم، وأم الأمة فإنه يقف على رضاء الحرة،
فإن أجازته لزم وإن فسخته انفسخ، وهو منقول عن الشيخين وأتباعهما، قال في
المسالك: وهو الأقوى.
أقول: لا أعرف لقوته وجها، مع عدم دليل في الأخبار عليه، بل دلالتها
على خلافه كما عرفت من الصحيحة المذكورة، حيث صرحت بالبطلان، وأنه
يفرق بينه وبينهما.
وقيل: تتخير الحرة بين فسخ عقد نفسها وعقد الأمة، اختاره العلامة في
المختلف محتجا بأن العقد واحد، وهو متزلزل ولا أولوية.
ورد بأنها إذا لم ترض بعقد الأمة فسر فتحققت الأولوية مع أنها حاصلة
بالرواية الصحيحة، وبوجوب الوفاء بالعقود خرج منه عقد الأمة لحق الحرة
فيبقى الباقي، والضرر مندفع عنها بتخيرها والحكم ببطلان عقد الأمة. إنتهى.
أقول: لا ضرورة إلى هذا التطويل في التعليل، ويكفي في بطلان ما ذكره
ما ذكرناه من وجود النص الصحيح الصريح في لزوم عقد الحرة وبطلان
عقد الأمة.
ونقل الشيخ المجلسي في كتاب البحار عن كتاب نوادر الراوندي أنه روى

(1) الفقيه ج 3 ص 266 ح 49، التهذيب ج 7 ص 345 ح 45، الوسائل
ج 14 ص 395 ح 1.
576

فيه بإسناده (1) عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام " قال: قال علي عليه السلام إذا تزوج
الرجل حرة وأمة في عقد واحد فنكاحهما باطل ".
وهي ظاهرة في بطلان نكاحهما معا، ولا أعرف بها قائلا، وهي تضعف عن
معارضة الصحيحة المذكورة المتقدمة فهي مرجوعة إلى قائلها عليه السلام.
واعلم أن الجمع في عقد واحد يتحقق بأن يزوج الرجل ابنته وأمته لآخر
في عقد واحد، أو يزوج ابنته وأمة غيره بالوكالة لذلك أو بالعكس، أو يزوجهما
بالوكالة فيهما معا، والله العالم.
المورد الثاني فيما يحرم عينا: وفيه أيضا مسائل:
الأولى: قالوا: لا يحل العقد على ذات البعل ولا تحرم به مع الجهل
بكونها ذات بعل، وأما مع العلم فاشكال، نعم لو زنى بها حرمت، وكذا لو زنى
بها في العدة الرجعية من غير خلاف يعرف في الموضعين.
وتفصيل هذا الاجمال بما يزيح عنه غشاوة الاشكال يقع في مواضع.
الأول: هل المراد من قولهم. " لا يحل " هو أنه يحرم عليه العقد ويأثم لو
أوقعه في هذه الحال، أو أن المراد أنه يبطل ويصير لاغيا، لا يترتب عليه أثر
شرعي؟ احتمالان: ونظير ذلك ما صرحوا به في قولهم - لا يجوز استعمال الماء
النجس في الطهارة - فإنه قد صرح بعضهم بأن المراد به تحريم ذلك وترتب
الإثم عليه، لأن استعمال المكلف الماء النجس فيما يعد طهارة في نظر الشارع أو
إزالة نجاسة يتضمن إدخال ما ليس من الشرع فيه، كالصلاة بغير طهارة فيكون
حراما لا محالة.
وقيل: إن المراد به إنما هو عدم الاعتداد به في الطهارة ورفع الحدث.
به صرح العلامة في النهاية، فقال - بعد أن حكم بتحريم ذلك -: لا نعني بالتحريم

(1) البحار ج 103 ص 344 ح 34، نوادر الراوندي ص 38، مستدرك الوسائل
ج 2 ص 583 ب 44 ح 1.
577

حصول الإثم، بل نعني عدم الاعتداد به في رفع الحدث، إنتهى. وهو الأقرب،
فإن الحكم بالتأثيم يتوقف على دليل واضح.
نعم لو اعتقد صحته وصحة ما يترتب عليه كان مشرعا، وإلا فمجرد
الاستعمال لا يوجب ذلك، بل غايته أن يكون لاغيا عابثا، وكيف كان فإنه قد
تقدم ما يدل على تحريم التعريض بالخطبة لذات العدة الرجعية بالآية، فتحريم
العقد على ذات البعد أولى.
الثاني. في أنها هل تحرم على العاقد بذلك العقد فلا يجوز له تزويجها
لو طلقها زوجها أم لا؟ ظاهر الأكثر الجواز، للأصل السالم من المعارض.
قال: السيد السند (قدس سره) في شرح النافع - بعد فتواه بما أفتى به
المصنف من عدم التحريم -: وفي المسألة وجه بالتحريم مع العلم بكونها ذات
بعل، لتحريم المعتدة بمجرد العقد عليها مع العلم بأنها في العدة فذات البعل
أولى، لأن علاقة الزوجية أقوى من علاقة الاعتداد.
ويشكل بأن الأولوية إنما تثبت إذا ثبت التعليل وهو غير ثابت هنا، ومن
الجائز اختصاص المعتدة بمزية اقتضت ذلك، وبالجملة فإلحاق ذات البعل بالمعتدة
في هذا الحكم لا يخرج عن القياس. إنتهى.
أقول: بل الظاهر الاستناد في التحريم هنا إلى الأخبار الدالة بإطلاقها على
ذلك، مثل موثقة أديم بن الحر (1) " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: التي تتزوج ولها
زوج يفرق بينهما، ثم لا يتعاودان أبدا ".
ومرفوعة أحمد بن محمد المروية في الكافي (2) عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد
رفعه " أن الرجل إذا تزوج المرأة وعلم أن لها زوجا فرق بينهما ولم تحل له أبدا ".

(1) التهذيب ج 7 ص 305 ح 29، الوسائل ج 14 ص 341 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 429 ح 11، التهذيب ج 7 ص 305 ح 28، الوسائل
ج 14 ص 343 ح 10.
578

وقوله " وعلم لها زوجا " جملة حالية، فتكون الرواية دالة على أنه مع
العلم بكونها ذات بعل لا تحل له أبدا، والأولى دالة على ذلك أيضا بإطلاقها،
فتكونان هما المسند في الحكم المذكور، وما ذكر من التعليل يكون توجيها
للنص مؤكدا له.
وسيأتي في الموضع الثالث في عبارة كتاب الفقه الرضوي ما يدل على التحريم
مؤبدا (فيما إذا تزوج امرأة لها زوج دخل بها أو لم يدخل) وهي صريحة في التحريم
دخل بها أو لم يدخل، لكن ينبغي تقييدها بالعالم بأن لها زوجا، هذا في صورة
العلم مع عدم الدخول.
وأما في صورة الدخول، فإن كان عالما بأنها ذات بعل فإنها تحرم عليه
اتفاقا، لكونه زانيا بذات بعل، وسيأتي الكلام فيه.
وإن كان جاهلا فإنها تحرم أيضا لموثقة زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام " في
امرأة فقدت زوجها أو نعى إليها فتزوجت، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها، فقال:
تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة، وليس للأخير أن يتزوجها أبدا ".
ورواية زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: إذا نعى الرجل إلى أهله أو أخبروها
أنه قد طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الأول، فإن الأول أحق بها من
هذا الأخير دخل بها الأول أو لم يدخل، وليس للأخير أن يتزوج بها أبدا، ولها
المهر بما استحل من فرجها ".
قوله " ولها المهر بما استحل من فرجها " يعني مع فرض الدخول بها،
وما دلت عليه من أنه " ليس للأخير أن يتزوج بها " مع عدم الدخول يجب تقييده
وإن بعد بالعلم بكونها ذات بعل، وإلا فمع الجهل فإنها لا تحرم عليه.

(1) التهذيب ج 7 ص 308 ح 37، الوسائل ج 14 ص 341 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 149 ح 1 مع اختلاف يسير، التهذيب ج 7 ص 488
ح 169، الوسائل ج 14 ص 342 ح 6.
579

وربما قيل: بعد التحريم في الموضعين، استنادا إلى أصالة الصحة،
واستضعافا للأخبار المذكورة، ومن ثم استشكل السيد السند في شرح النافع لذلك
وهو ضعيف ولا يلتفت إليه، فإن رد هذه الأخبار من غير معارض لا يتجشمه
ذو مخافة من الله سبحانه وتقوى في دينه.
وبالجملة فإن المستقاد من هذه الروايات هو الحكم بالتحريم في صورتي
العلم بكونها ذات بعل، فإن نكاحها محرم دخل بها أو لم يدخل، وفي صورة
الدخول بها علم أو لم يعلم، وهذا حكم العقد في العدة.
نعم يبقى الكلام فيما لو انتفى الأمران: من العلم بكونها ذات بعل والدخول
بها، بأن عقد عليها غير عالم بأنها ذات بعل ولم يدخل بها، والظاهر من كلامهم
من غير خلاف يعرف هو عدم التحريم.
وبما ذكرنا هنا يظهر لك ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروضة والمسالك
حيث قال في الروضة: ففي إلحاق ذات البعل بالمعتدة وجهان: من أن علاقة
الزوجية فيها أقوى، وانتفاء النص ونحوه في المسالك، وقبله العلامة في القواعد
حيث قال: لو تزوج بذات البعل ففي إلحاقه بالمعتدة إشكال، ينشأ من عدم التنصيص
وأولوية التحريم، وقال ابنه في الإيضاح: الأولى عندي الاقتصار على محل
النص، أعني القول بالتحريم في المعتدة خاصة التي هي موضع النصوص دون ذات
البعل حيث لا نص فيها، مع أن النصوص كما شرحناه ظاهرة في التحريم، وأن
حكم ذات البعل والمعتدة واحد في التحريم.
الثالث: أنه لا خلاف بين الأصحاب بل ادعى عليه غير واحد منهم الاجماع (1)
في أنه لو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية فإنها تحرم عليه مؤبدا، وظاهر

(1) قال السيد المرتضى (رضوان الله عليه) في الإنتصار: مما انفردت به الإمامية
القول بأن من زنى بامرأة ولها بعل حرم عليه نكاحها أبدا وإن فارقها بعلها، وباقي الفقهاء
يخالفون في ذلك، والحجة في ذلك اجماع الطائفة. (منه - قدس سره -).
580

المحقق في الشرايع التوقف فيه، حيث نسب الحكم إلى قول المشهور، قال في
المسالك: إنما نسبه إلى الشهرة مع عدم ظهور المخالف لعدم وقوفه على مستند
صالح له من النص، وعدم تحقق الاجماع على وجه يكون حجة كما حققناه
سابقا.
نعم يتوجه على ما تقدم - من إلحاق العقد على ذات البعل بالمعتدة - تحريمها
هنا مع الدخول، لأنه إذا ثبت تحريمها بالعقد المجرد مع لعلم فمع الدخول
أولى، أو نقول: إذا ثبت تحريمها بالدخول مع العقد فمع التجرد عنه أولى
إنتهى.
أقول: هذا الحكم قد استدل عليه الشيخ في التهذيب بمرفوعة أحمد بن
محمد (1) المتقدمة وموثقة أديم بن الحر (2) المتقدمة أيضا، وردهما المتأخرون بضعف
الاسناد وقصور الدلالة، والظاهر أن الشيخ بنى في الاستدلال بهذه الأخبار مع
كون موردها إنما هو التزويج، والمدعى إنما هو الزنا، أما على ما ذكره المحقق
الشيخ علي (قدس سره) في شرح القواعد من شمول هذه الأخبار لمحل النزاع، قال:
لأن ذلك شامل لما إذا أدخل بها عالما بأن لها زوجا فإنه زان حينئذ. وإن
احتمل اختصاص الحكم بحال العقد دون مطلق الزنا. إنتهى.
وما ذكره المحدث الكاشاني (عطر الله مرقده) في الوافي من الجمع بين هذه
الأخبار وبين ما دل على جواز تزويجه لها في الصورة المذكورة مثل صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج (3) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة ولها
زوج وهو لا يعلم، فطلقها الأول أو مات عنها ثم علم الأخير، أيراجعها؟ قال: لا،

(1) الكافي ج 5 ص 429 ح 11، التهذيب ح 7 ص 305 ح 28، الوسائل
ج 14 ص 343 ح 10.
(2) التهذيب ج 7 ص 305 ح 29، الوسائل ج 14 ص 341 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 477 ح 123، الوسائل ج 14 ص 341 ح 3.
581

حتى تنقضي عدتها " وفي بعض النسخ " أيتزوجها " بدل " أيراجعها " وهو أظهر،
وعلى تقدير النسخة التي في الخبر فالمراجعة بمعنى تزويجها مرة أخرى، كما
يدل عليه قوله " حتى تنقضي عدتها " بأن تحمل هذه الروايات على ما إذا لم يثبت
الموت أو الطلاق ثبوتا شرعيا مع علمه بأنها ذات زوج، فإنه يكون حينئذ
زانيا.
بخلاف ما دل عليه صحيح عبد الرحمن، فإنه صريح في عدم علمه بأن لها
زوجا، ومرفوعة أحمد بن محمد ظاهرة في أنه تزوجها مع علمه بأن لها زوجا،
فيكون ذلك زنا البتة، ووقوعه مع الاقتران بالعقد لا يكون سببا في الفرق،
فإن وقوع العقد والحال أنه عالم بالزوج في حكم العدم، هذا.
والظاهر عندي أن الحكم إنما خرج عن المتقدمين بهذه الكيفية استنادا
إلى ما ذكره الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي فإنه صرح به في موضعين من
الكتاب المذكور أحدهما (1) قوله عليه السلام " ومن تزوج امرأة لها زوج دخل بها أو لم
يدخل بها أو زنا بها لم تحل له أبدا " وقال في موضع آخر (2): " ومن زنا بذات
بعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها وأراد الذي زنى بها أن
يتزوج بها لم تحل له أبدا، ويقال لزوجها يوم القيامة: خذ من حسناته
ما شئت ".
وقد ذكر شيخنا المجلسي وأبوه " رضوان الله تعالى عليهما " بأن كثيرا من
الأحكام التي ذكرها المتقدمون عارية من الدليل، واعترضهم فيها المتأخرون
بعدم وجود دليل، أو تكلفوا لها الاستدلال بما لا يدفع الاختلال ولا يزيل الاشكال
فإن أدلتها موجودة في هذا الكتاب، وقد نبهنا على مواضع كثيرة في كتب
العبادات من هذا الكتاب.

(1) فقه الرضا ص 32 و 37، مستدرك الوسائل ج 2 ص 577 ب 16 ح 1 و ص 576 ب 11 ح 8.
(2) فقه الرضا ص 32 و 37، مستدرك الوسائل ج 2 ص 577 ب 16 ح 1 و ص 576 ب 11 ح 8.
582

وأعظم السبب في ذلك أن المتقدمين كثيرا ما يعدون فتاوى علي بن الحسين بن
بابويه في عداد النصوص فيعتمدون في الافتاء عليها، وفتاوى علي بن الحسين في
رسالته إلى ابنه الصدوق جلها مأخوذة من هذا الكتاب كما نبهنا عليه في مواضع
لا تحصى سيما في كتب العبادات، وكذلك كثيرا ما يذكروه الصدوق في الفقيه عاريا
عن النسبة إلى المعصوم فإنه من هذا الكتاب.
وأما ما ربما يعترض به من أن الكتاب لم يثبت كونه عنه عليه السلام فإنه ناشي
عن قصور التتبع، فإن اعتماد الصدوقين على الافتاء بعبائر هذا الكتاب بعينها -
سيما في مقابلة الأخبار المتكاثرة الصريحة الظاهرة - أدل دليل على اعتمادهما عليه
وثبوته عندهما.
وقد تقدم في الجلد الثاني في كتاب الطهارة نقل كلام والد الصدوق في صورة
ظهور هذا الكتاب في الأعصار المتأخرة، واعتماد شيخنا المجلسي وأبيه على
الكتاب المذكور، وما وجدا على نسخة الكتاب بخط جملة من العلماء المتقدمين.
وبالجملة فإن الكتاب عندي معتمد لاعتماد الصدوقين عليه، كما لا يخفى
على المتتبع البصير والفاضل النحرير، ولا ينبئك مثل خبير.
وتقييد العدة في كلامهم بالرجعية عن احتراز البائن، لأن الأولى زوجة،
بخلاف الثانية، والأصل العدم حتى يقوم دليل على خلافه. ثم إنه لا فرق على
على ما اخترناه - كما هو المشهور - بين علم الزاني بكونها ذات بعل أو في عدة أم لا
ولا بين دخول الزوج بها أم لا، ولا بين المتمتع بها والدائم، عملا بعموم النص
المتقدم، ولا يلحق به الزنا بذات العدة البائنة ولا عدة الوفاة، ولا يلحق به الزنا
بذات البعل الموطوءة بالشبهة ولا بالأمة الموطوءة بالملك، عملا بأصالة الحل
وعدم وجود ما يخرج منها.
583

تذنيب:
طعن في المسالك في موثقة زرارة (1) المتقدمة في الموضع الثاني الدالة على
مساواة النكاح للعدة بأنها مع ضعف سندها تضمنت الاكتفاء بعدة واحدة وهم
لا يقولون به، وكذا إطلاق كون العدة ثلاثة أشهر، إلا أن هذا سهل،
أقول: لا ريب في أن وإن كان المشهور بينهم عدم تداخل عدة وطئ الشبهة
وعدة النكاح الصحيح، بل تعتد لكل منهما عدة، وربما ظهر من كلام شيخنا
المذكور في موضع آخر من الكتاب اتفاق الأصحاب على ذلك إلا أن الظاهر من
من الأخبار خلافه، ومنها الخبر المذكور.
ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة موسى بن بكر عن زرارة (2) " قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت وتزوجت، فجاء زوجها الأول
ففارقها، وفارقها الآخر، كم تعتد للناس، قال: ثلاثة قروء، وإنما تستبرئ
رحمها بثلاثة قروء، وتحل للناس كلهم، قال زرارة: وذلك أن الناس قالوا: تعتد
عدتين من كل واحد عدة، فأبى ذلك أبو جعفر عليه السلام وقال تعتد ثلاثة قروء وتحل
للرجال ".
وما رواه في الكافي عن يونس (3) عن بعض أصحابه " في امرأة نعي إليها زوجها
فتزوجت ثم قدم زوجها الأول فطلقها، وطلقها الآخر قال: فقال إبراهيم النخعي:
عليها أن تعتد عدتين فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليه السلام قال: عليها عدة واحدة "
ومن هذين الخبرين يظهر أن تعدد العدة مذهب العامة، فما ورد بذلك

(1) التهذيب ج 7 ص 308 ح 37، الوسائل ج 14 ص 341 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 150 ح 1، التهذيب ج 7 ص 489 ح 171، الفقيه ج 3
ص 355 ح 3 مع اختلاف يسير، الوسائل ج 14 ص 343 ح 7.
(3) الكافي ج 6 ص 151 ح 2، الوسائل ج 15 ص 468 ح 2.
584

في أخبارنا يجب حمله على التقية، وإن اشتهر بينهم العمل عليه، والله العالم.
المسألة الثانية: إذا تزوج الرجل المرأة في العدة فلا ريب في أن العقد
فاسد، ثم إنه إن كان عالما بكونها في عدة وأنه يحرم ذلك، فلا ريب في أنها
تحرم مؤبدا بمجرد ذلك العقد، وإن كان جاهلا بأحدهما لم تحرم عليه إلا
بالدخول.
وهذه الأحكام مع الاتفاق عليها قد تكاثرت بها النصوص عن أهل الخصوص
(صلوات الله عليهم وسلامه).
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له
أبدا، عالما كان أو جاهلا، وإن لم يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للآخر ".
وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) عن أبي إبراهيم
عليه السلام " قال: سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة، أهي ممن لا تحل
له أبدا؟ فقال: لا، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعدما تنقضي عدتها، وقد
يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك، فقلت: بأي الجهالتين يعذر؟
بجهالته أن يعلم أن ذلك محرم عليه؟ أم بجهالته أنها في عدة؟ فقال: إحدى
الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه، وذلك بأنه لا يقدر
على الاحتياط معها، فقلت: فهو في الأخرى معذور، قال: نعم، إذا انقضت عدتها
فهو معذور في أن يتزوجها، فقلت: فإن كان أحدهما متعمدا والآخر يجهل،
فقال: الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبدا ".

(1) الكافي ج 5 ص 426 ح 2، التهذيب ج 7 ص 307 ح 34، الوسائل ج 14
ص 345 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 427 ح 3، التهذيب ج 7 ص 306 ح 32، وفيه " أعذر " بدل
" أهون " وعن أبي عبد الله عليه السلام بدل أبي إبراهيم عليه السلام، الوسائل ج 14 ص 345 ح 4.
585

وما رواه في الكافي والتهذيب عن إسحاق بن عمار (1) في الموثق " قال: قلت
لأبي إبراهيم عليه السلام: بلغنا عن أبيك إن الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل
له أبدا، فقال: هذا إذا كان عالما، فإذا كان جاهلا فارقها وتعتد، ثم يتزوجها
نكاحا جديدا ".
وما رواه الشيخ عن حمران (2) في الحسن " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة
تزوجت في عدتها بجهالة منها بذلك، قال: فقال: لا أرى عليها شيئا، ويفرق
بينها وبين الذي تزوج بها ولا تحل له أبدا، قلت: فإن كانت قد عرفت أن ذلك
محرم عليها ثم تقدمت على ذلك، فقال: إن كانت قد تزوجته في عدة لزوجها الذي
طلقها عليها فيها الرجعة، فإني أرى أن عليها الرجم، وإن كانت تزوجت في عدة
ليس لزوجها الذي طلقها عليها فيها الرجعة، فإني أرى عليها حد الزاني ويفرق
بينها وبين الذي تزوجها، ولا تحل له أبدا ".
أقول: قيد في الإستبصار صدر الخبر بما إذا دخل بها ليصح تأبيد الحرمة
وأنت خبير بأن الخبر بتمامه وما اشتمل عليه من الأحكام لا يتم إلا مع الدخول
بها فالتقييد لا يختص بصدر الخبر، بل لا بد من التقيد في جملة ما اشتمل عليه
من الأحكام، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي (3) في الحسن أو الصحيح عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن تمضي لها
أربعة أشهر وعشرا، فقال: إن كان دخل بها فرق بينهما، ثم لم تحل له أبدا،

(1) الكافي ج 5 ص 428 ح 10، التهذيب ج 7 ص 307 ح 33، الوسائل
ج 14 ص 347 ح 17.
(2) التهذيب ج 7 ص 487 ح 166، الوسائل ج 14 ص 348 ح 10.
(3) الكافي ج 5 ص 427 ح 4، التهذيب ج 7 ص 306 ح 31، الوسائل
ج 14 ص 346 ح 6.
586

واعتدت بما بقي عليها من الأول، واستقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء
وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت بما بقي عليها من الأول، وهو خاطب
من الخطاب ".
وعن محمد بن مسلم (1) في الموثق عن أبي جعفر عليه السلام " قال: سألته عن الرجل
يتزوج المرأة في عدتها؟ قال: إن كان دخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا،
وأتمت عدتها من الأول، وعدة أخرى من الآخر، وإن لم يكن دخل بها فرق
بينهما وأتمت عدتها من الأول، وكان خاطبا من الخطاب ".
قال الشيخ في كتابي الأخبار قوله " وهو خاطب من الخطاب " محمول
على من عقد عليها وهو لا يعلم أنها في عدة، وحينئذ يجوز له العقد عليها بعد
انقضاء عدتها.
وعن سليمان بن خالد (2) في الموثق " قال: سألته عن رجل تزوج امرأة
في عدتها؟ فقال: يفرق بينهما، فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحل من
فرجها، ويفرق بينهما ولا تحل له أبدا، وإن لم يكن دخل بها فلا شئ لها من
مهرها ".
وعن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال في رجل نكح امرأة وهي في
عدتها قال: يفرق بينهما، ثم تقضي عدتها، فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحل
من فرجها ويفرق بينهما، وإن لم يكن دخل بها فلا شئ لها ".
أقول: ينبغي تقييد استحقاقها المهر - بما استحل من فرجها - بما إذا
كانت جاهلة بالتحريم.

(1) الكافي ج 5 ص 428 ح 8، الوسائل ج 14 ص 346 ح 9.
(2) الكافي ج 5 ص 427 ح 6، التهذيب ج 7 ص 308 ح 39، الوسائل
ج 14 ص 346 ح 7.
(3) الكافي ج 5 ص 427 ح 9، الوسائل ج 14 ص 346 ح 8.
587

وما رواه في التهذيب عن زرارة (1) في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام " في امرأة
تزوجت قبل أن تنقضي عدتها، قال: يفرق بينهما، وتعتد عدة واحدة منهما جميعا ".
وعن أبي العباس (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في المرأة تتزوج في عدتها قال:
يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا ".
وما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (3) في الموثق " قال: سألت أبا إبراهيم
عليه السلام عن الأمة يموت سيدها، قال: تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، قلت: فإن
رجلا تزوجها قبل أن تنقضي عدتها؟ قال: يفارقها، ثم يتزوجها نكاحا جديدا
بعد انقضاء عدتها، قلت: فأين ما بلغنا عن أبيك في الرجل إذا تزوج المرأة في
عدتها لم تحل له أبدا، قال: هذا جاهل ".
وما رواه الشيخ عن جميل عن بعض أصحابه (4) عن أحدهما عليهما السلام " في المرأة
تزوج في عدتها، قال: يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا، وإن جاءت
بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر
فهو للأول " ورواه الصدوق بطريقه إلي جميل بن دراج (5) نحوه.
وعن عبد الله بن الفضل الهاشمي (6) عن بعض مشيخته قال: قال: أبو عبد الله
عليه السلام: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة توفي زوجها وهي جبلي فولدت قبل أن
يمضي أربعة أشهر وعشرا، وتزوجت قبل أن تكمل الأربعة الأشهر والعشر فقضى

(1) التهذيب ج 7 ص 308 ح 36، الوسائل ج 14 ص 347 ح 11.
(2) التهذيب ج 7 ص 308 ح 38، الوسائل ج 14 ص 347 ح 12.
(3) الكافي ج 6 ص 171 ح 2، التهذيب ج 8 ص 155 ح 138، الوسائل ج 14
ص 345 ح 15.
(4) التهذيب ج 7 ص 309 ح 41، الوسائل ج 14 ص 347 ح 14.
(5) الفقيه ج 3 ص 301 ح 24، الوسائل ج 14 ص 347 ح 14.
(6) التهذيب ج 7 ص 474 ح 111، الوسائل ج 14 ص 348 ح 16.
588

أن يطلقها، ثم لا يخطبها حتى يمضي آخر الأجلين، فإن شاء موالي المرأة أنكحوها،
وإن شاؤوا أمسكوها وردوا عليه ماله "
أقول يجب حمله على عدم الدخول ويشير إليه قوله " رودوا عليه ماله "
يعني المهر، ولو دخل بها لكان لها المهر عوض البضع، والطلاق هنا عبارة عن
المفارقة لبطلان العقد، وقد تقدم ما يفصح عن جميع ذلك في صحيحة الحلبي أو
حسنته الأخيرة.
وعن علي بن بشير النبال (1) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج
امرأة في عدتها ولم يعلم، وكانت هي قد علمت أنه بقي من عدتها، وأنه قذفها
بعد علمه بذلك، فقال: إن كانت علمت أن الذي صنعت محرم عليها فقدمت على
ذلك، فإن عليها الحد حد الزاني، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئا، وإن
فعلت ذلك بجهالة منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحد، وفرق بينهما، وتعتد
ما بقي من عدتها الأولى وتعتد بعد ذلك عدة كاملة ".
وروى أحمد بن محمد (2) بن عيسى في كتاب النوادر عن النضر عن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يتزوج المرأة المطلقة قبل أن تنقضي عدتها؟
قال: يفرق بينهما ولا تحل له أبدا، ويكون لها صداقها بما استحل من فرجها،
أو نصفه إن لم يكن دخل بها ".
إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع: الأول: ينبغي أن يعلم أن
تفصيل أحكام المسألة أنهما إما أن يكونا عالمين أو جاهلين، أو تكون المرأة
عالمة والرجل جاهلا أو بالعكس.
وعلى كل من هذه التقديرات إما أن يحصل دخول أم لا؟ فهنا صور:
(الأولى) أن يكونا عالمين بالعدة والتحريم ويدخل بها.
(الثانية) الصورة بحالها إلا أنه لم يدخل بها، وفي هاتين الصورتين تحرم
مؤبدا اتفاقا نصا وفتوى كما عرفته من النصوص المذكورة.

(1) التهذيب ج 7 ص 309 ح 42، الوسائل ج 14 ص 349 ح 18.
(2) فقه الرضا: ص 68، الوسائل ج 14 ص 350 ح 21.
589

(الثالثة) أن يكونا جاهلين بالعدة أو التحريم ويدخل بها وهذه كذلك تحرم
مؤبدا نصا وفتوى.
(الرابعة) الصورة بحالها إلا أنه لم يدخل، وهذه لا تحرم اتفاقا نصا وفتوى.
(الخامسة) علم إحداهما وجهل الآخر والذي صرح به جملة من الأصحاب
أنه يلزم كل واحد منهما حكمه، فالعالم يلزمه مقتضى علمه، والجاهل يلزمه
مقتضى جهله. ويدل على ذلك ما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج من
قوله " فقلت: وإن كان أحدهما متعمدا والآخر يجهل، فقال: الذي تعمد لا يحل
له أن يرجع إلى صاحبه أبدا "، وقريب منها رواية علي بن بشير النبال.
وأورد في هذا المقام بأنه كيف يعقل التحريم في أحد الجانبين خاصة مع
أنه متى حرم على أحدهما الآخر لم يجز للآخر التزويج به، لما في ذلك من
المعاونة على الإثم والعدوان.
وفيه أن هذا إنما يتم فيما لو علم الآخر بأن من حرم عليه ذلك قدم
على ارتكاب المحرم، وأما لو كان جاهلا بذلك فلا ورود لما أوردوه، مثلا إذا كانت
الزوجة عالمة بأنها في العدة وأنها يحرم عليها التزويج في هذه الحال، والذي
أراد أن يتزوج بها لا علم له بشئ من ذلك بالكلية فهو جاهل بمعرفة حال
المرأة، وما هي عليه من العلم بالأمرين المذكورين فإنه لا يحصل بتزويجه لها
معاونة على الإثم والعدوان.
وعلى ما ذكرنا تدل رواية علي بن بشير النبال فإنها دلت على أن المرأة
كانت عالمة بأنها في العدة، والزوج غير عالم بذلك ولا عالم بحالها، فإن تزويجه
لها صحيح من الجانبين إن جهلت تحريم التزويج في العدة، وأن قذفه لها بالزنا
والحال هذه موجب للحد عليه.
وإن علمت التحريم فالنكاح من جهته صحيح لا يلحقه إثم بذلك ولا عقوبة،
ومن جهتها باطل فإنها زانية، ويجب عليها حد الزاني، وليس على زوجها
590

بقذفه لها شئ لثبوت الزنا.
وبالجملة فإن ما ذكروه - من هذا الاشكال وتكلفوا للجواب عنه بما لا يخلو
من الاختلال - لا أعرف له وجها وجيها، والحكم هنا باعتبار صحة النكاح من
جهته وبطلانه من أخرى إنما هو بحسب الظاهر، لا بحسب الواقع ونفس الأمر،
كما في المختلفين في صحة العقد وفساده.
الثاني: قد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه لا فرق في العدة بين كونها
رجعية أو بائنة، أو عدة وفاة، أو عدة شبهة، ولا في العقد بين الدائم والمنقطع،
وهو كذلك لاطلاق النصوص المتقدمة.
قال: في المسالك: وفي إلحاق مدة الاستبراء بالعدة وجهان، وعدمه أقوى،
وقوفا على موضع النص واستصحابا للحل في غيره، ومثله يأتي في الوفاة المجهولة
ظاهرا قبل العدة مع وقوعه بعد الوفاة في نفس الأمر، لأن العدة لا تصح إلا بعد
بلوغ الخبر والأقوى عدم التحريم مطلقا أيضا. إنتهى.
وأقول: ينبغي أن يعلم أن الحكم في الوفاة المجهولة مقيد بما إذا علم
الزوج بالوفاة، وإلا فلو لم يعلم ولا حصل دخول فإنه لا تحرم بغير إشكال، وحينئذ
فإذا علم بالوفاة وعقد في تلك المدة المتخللة بين الوفاة وبين العدة، أو دخل والحال
كذلك فالأظهر عدم التحريم المؤبد، لعدم المقتضي لم من كونها معتدة أو ذات
بعل، أما عدم كونها معتدة فلأن العدة إنما تكون بعد العلم بالوفاة أو ما في
معناه وإن طال الزمان، والمفروض عدمه. وأما عدم كونها ذات بعل فظاهر،
لفرض كونه بعد علم الزوج بالوفاة.
وكيف كان فالمسألة لا تخلو من الاشكال، وإن كان ما ذكره (قدس سره) وغيره
من الأصحاب هو الأظهر في بادي النظر لما ذكره، إلا أن الفرع المذكور غريب
يحتاج الحكم فيه إلى دليل واضح وإن كان الأصل الحل، وهو معتمد الأصحاب.
واحتمل بعض هنا التحريم المؤبد، قال: لأنه لو تزوجها بعد هذا الزمان
591

في زمان العدة لاقتضى التحريم ففيه أولى لأنه أقرب إلى زمان الزوجية ورد
بمنع تحقق الأولوية. وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال.
الثالث: قد صرحوا أيضا بأنه مع الدخول فإنها تحرم على أبيه وابنه
مطلقا، لأنه إما زنا أو وطئ شبهة، وقد تقدم أنهما موجبان لذلك على الأصح
وإن كان الثاني منهما عندي لا يخلو عن توقف كما تقدم ذكره.
الرابع: إطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي أنه متى كان العقد في
العدة فإنه يقتضي التحريم المؤبد مع الدخول جاهلا سواء كان الدخول في العدة
أو بعدها، إلا أنه قال في المسالك: ووطئ الجاهل بالتحريم بعد العدة لا أثر له
في التحريم وإن تجدد له العلم، وإنما المحرم الوطئ فيها أو العلم بالتحريم
حالة العقد، وهو مشكل، ولم أقف على من ذكر ذلك غيره، وإلى ما ذكرناه هنا
تنبه صاحب الكفاية أيضا.
الخامس: قد اختلفت الروايات المذكورة هنا في تعدد العدة واتحادها
والمشهور بين الأصحاب وجوب التعدد، حتى قال السيد السند في شرح النافع:
إن القول بإجزاء العدة الواحدة غير معروف القائل.
وفي شرح المختصر لابن فهد أن القائل هنا أبو علي بن الجنيد، ومن أجل
قولهم بوجوب التعدد (1) حمل الشيخ في كتابي الأخبار روايتي زرارة وأبي العباس
المتقدمتين - الدالتين على العدة الواحدة - على ما إذا لم يكن الثاني قد دخل بها.
وهو كما ترى، فإن الخبرين قد صرحا بأنها، تعتد عدة واحدة منهما
جميعا، فكيف تعتد من الثاني وهو لم يدخل بها، ما هذه إلا غفلة ظاهرة،

(1) أقول ظاهره في المسالك الميل إلى القول باتحاد العدة حيث قال: في القول
بالاكتفاء بواحدة مجهول القائل، ولكن مستنده روايات كثيرة، ثم نقل صحيحة زرارة،
بل رواية أبي العباس ونقل جواب الشيخ عنهما، ورده بما ذكرناه في الأصل ولم يرد على
ذلك. (منه - قدس سره -).
592

وجملة من المتأخرين منهم السيد السند في شرح النافع والمحدث الشيخ محمد الحر
جمعوا بين الأخبار بحمل التعدد على الاستحباب، وزاد في الوسائل حمل أخبار العدة
الواحدة على التقية.
أقول: قد عرفت مما قدمناه في التذنيب الذي في آخر المسألة المتقدمة أن
الأظهر إنما هو حمل أخبار التعدد على التقية، لما عرفت من ظهور تلك الروايتين
المتقدمتين ثمة في ذلك.
السادس: قد صرح الشيخ وغيره من الأصحاب بأنه مع الدخول يجب عليه
المهر، وهو مما لا إشكال فيه، لكن هل الواجب هو المسمى في العقد أو مهر المثل؟
الذي صرح به الشيخ والمحقق في الشرايع هو المسمى، نظرا إلى أن المسمى هو
الذي وقع التراضي عليه في العقد، والأظهر ما صرح به آخرون من مهر المثل
لأنه الواجب مع عدم المقدر وهو هنا كذلك لأن العقد وقع باطلا فيبطل ما اشتمل
عليه من المسمى، وقد تقدم ما فيه مزيد إيضاح لذلك.
والظاهر من كلام الأصحاب هو أن المهر مخصوص بالدخول، ومع عدم
الدخول فلا شئ لها، وعليه تدل رواية أبي بصير المتقدمة، وقوله فيها " وإن لم
يكن دخل بها فلا شئ لها " ومثلها رواية سليمان بن خالد أيضا إلا أن رواية
أحمد بن محمد بن عيسى في كتابه النوادر دلت على أنه مع عدم الدخول لها نصف
المهر، وهي دالة على التنصيف في انفساخ العقد الشبهة، ولا أعلم بمضمونها قائلا،
وسيأتي تحقيق المسألة في محله إن شاء الله.
السابع: قال في المسالك في هذا المقام: وفي إلحاق ذات البعل بالمعتدة
وجهان أيضا: من مساواتها لها في المعنى، وزيادة علقة الزوجية فيكون من باب
مفهوم الموافقة، وانتفاء العدة التي هي مورد النص، وإن كان اختصاص العدة بمزية
خاصة.
أقول: قد تقدم تحقيق الكلام في ذلك وأن الظاهر كون الحكم في الموضعين.
593

واحدا للروايات التي تقدمت ثمة، لا بهذه التعليلات العليلة.
الثامن: إذا تزوج في العدة ودخل بها فحملت فمتى كان جاهلا كان النكاح
شبهة فيلحق به الولد، لأنه في حكم النكاح الصحيح كما تقدم، بشرط أن يكون
لستة أشهر فصاعدا من وقت الوطئ، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من حين
الوطئ فهو للأول، وعلى ذلك يدل مرسلة جميل (1) المتقدمة، وقوله فيها، " وإن
جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر
فهو للأول ".
التاسع: ما اشتملت عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) من تقسيم
الجاهل إلى من كان جاهلا بالعدة أو جاهلا بالتحريم وإن علم العدة، وأن كلا
منهما معذور يصح نكاحه ظاهرا مما لا إشكال ولا خلاف فيه.
وتوضيح معنى الخبر على وجه يظهر لكل من نظر أن نقول: قد اشتمل هذا
الخبر على فردي الجاهل بالحكم الشرعي والجاهل ببعض جزئيات الحكم
الشرعي وأفراد موضوعه، ودل على معذورية كل منهما، إلا أن الأول أعذر، لعدم قدرته على الاحتياط، وذلك فإن الجاهل بالحكم الشرعي، وهو تحريم
التزويج في العدة جهلا ساذجا غير متصور له بالمرة، لا يتصور الاحتياط في حقه
بالكلية لعدم تصوره الحكم بالمرة كما عرفت.
وأما الجاهل بكونها في عدة مع علمه فتحريم التزويج في العدة، فهو
جاهل بموضوع الحكم المذكور مع معلومية أصل الحكم له، وهذا يمكنه
الاحتياط بالفحص والسؤال عن كونها ذات عدة أم لا، إلا أنه غير مكلف به، بل

(1) التهذيب ج 7 ص 309 ح 41، الفقيه ج 3 ص 301 ح 24، الوسائل
ج 14 ص 347 ح 14.
(2) الكافي ج 5 ص 427 ح 3، التهذيب ج 7 ص 306 ح 32، الوسائل
ج 14 ص 345 ح 4.
594

ظاهر جملة من الأخبار مرجوحية السؤال والفحص، كما في غير هذا الموضع كما
حققناه في محل أليق، عملا بسعة الشرعية الحنفية.
نعم متى كان الجهل ببعض جزئيات الحكم الشرعي مع العلم بأصل الحكم
فإنه يجب الفحص والسؤال، كما تضمنته صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) " قال:
سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان الجزاء عليهما أو على
كل واحد منهما؟ قال: لا، بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما عن الصيد،
قلت: إن بعض أصحابنا سألني عن ذلك، فلم أدر ما عليه، فقال: عليه السلام إذا أصبتم
بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط ".
وظاهر الخبر أن السائل كان عالما بأصل وجوب الجزاء عليهما، وإنما
الشك في موضعه بأن يكون عليهما معا جزاء واحد يشتركان فيه، أو على كل
واحد جزاء بانفراده (2).

(1) الكافي ج 4 ص 391 ح 1، التهذيب ج 5 ص 466 ح 277، الوسائل
ح 9 ص 210 ح 6.
(2) فهو يرجع إلى الشك في جزئي من جزئيات ذلك الأمر الكلي، وهو وجوب
الجزاء على المحرم، وبالجملة مع العلم بأصل الحكم الشرعي إن حصل الشك في معروضه
ومحله، كما إذا علم بتحريم الميتة وشك في كون هذا اللحم ميتة أم لا؟ وعلم بتحريم
التزويج في العدة ولكن شك في كون تلك المرأة في عدة أم لا؟ فإنه لا يجب عليه الفحص
والسؤال، بل ورد النهي عنه عملا بسعة الشريعة.
وإن حصل الشك في كون هذا الجزئي هل هو من جزئيات ذلك الحكم أم لا؟ وجب
الفحص والسؤال، لأنه شك في نفس الحكم الشرعي، وقد علم من الآيات والأخبار وجوب
البناء على اليقين والعلم، وحينئذ فيجب عليه الفحص والسؤال: وإن تعذر فالوقوف على
جادة الاحتياط. هذا كله مع العلم بأصل الحكم الشرعي، وأما مع عدمه بأن كان جاهلا
به فإن كان جهلا ساذجا بالاصطلاح فهو معذور لعدم امكان الاحتياط في حقه كما
ذكرناه في الجاهل بتحريم التزويج في العدة، وإلا فالواجب عليه الفحص والسؤال،
وإن تعذر العلم بالحكم فليعمل على الاحتياط كما تضمنته رواية بريد الكناسي بالنسبة إلى
العالمة بالعدة إلا أنها لم تقدر بقدرها، قال عليه السلام: " إذا علمت أن عليها العدة لزمت
الحجة فتسأل حتى تعلم ". (منه - قدس سره -).
595

المسألة الثالثة: الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بأن من لاط بغلام فأوقب فإنه يحرم على الواطئ العقد على أم ذلك الموطوء
وأخته وبنته، هذا مع عدم سبق عقدهن على الفعل مذكور، فلو سبق فإن
الفعل المذكور لا يوجب تحريما، عملا باستصحاب الحل السابق، " وأن الحرام
لا تحرم الحلال ".
ومما يدل على الوجه الذي قلناه أخبار عديدة، والذي وقفت عليه من
الأخبار المتعلقة في هذا المقام.
منها: ما رواه في الكافي عن حماد بن عثمان (1) " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام
رجل أتى غلاما، أتحل له أخته، قال: فقال: إن كان ثقب فلا ".
وعن ابن أبي عمير (2) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يعبث
بالغلام قال: إذا أوقب حرمت عليه ابنته وأخته ".
قال في الكافي (3) وبهذا الاسناد عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل يأتي أخا امرأته
فقال: إذا أوقبه فقد حرمت عليه المرأة "، أقول: المراد أنه أتي أخاها قبل أن
يتزوج بها ".

(1) الكافي ج 5 ص 417 ح 1، الوسائل ج 14 ص 340 ح 4.
(2) الكافي ج 5 ص 417 ح 2، الوسائل ج 14 ص 339 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 418 ح 4، الوسائل ج 14 ص 339 ح 2.
596

وعن موسى بن سعدان (1) عن بعض رجاله " قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام
جالسا فقال له رجل: ما ترى في شابين كانا مصطحبين، فولد لهذا غلام وللآخر
جارية، أيتزوج ابن هذا ابنة هذا، قال: فقال: نعم سبحان الله لم لا يحل؟ فقال:
إنه كان صديقا له، قال: فقال: وإن كان فلا بأس، قال: فإنه كان يفعل به، قال:
فأعرض بوجهه، ثم أجابه وهو مستتر بذراعيه، فقال: إن كان الذي كان منه دون
الايقاب فلا بأس أن يتزوج، وإن كان قد أوقب فلا يحل له أن يتزوج ".
وما رواه الصدوق في كتاب عقاب الأعمال (2) " قال: روي عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل لعب بغلام، قال: إذا أوقب لن تحل له أخته أبدا " ورواه البرقي في
المحاسن (3) مثله.
وما رواه الشيخ (4) عن إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل لعب بغلام،
هل تحل له أمة؟ قال: إن كان ثقب فلا ".
وهذه الأخبار كلها كما ترى ضعيفة السند بالاصطلاح المحدث، ولكن
أصحابنا المتأخرين تمسكوا هنا في الحكم المذكور بالاجماع المنقول وجبر
ضعف الأخبار بالشهرة بين الأصحاب، ولا يخفى عليك ما فيه، ولكن ضيق الخناق
بالعمل بهذا الاصطلاح ألجأهم إلى هذه الأعذار الواهية.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أن تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور:
الأول: الظاهر أن الايقاب المترتب عليه التحريم في هذا المقام هو إدخال بعض
الحشفة ولو قليلا وإن لم يترتب عليه الغسل، فإن الغسل إنما يجب بغيبوبة الجميع،

(1) الكافي ج 5 ص 417 ح 3، التهذيب ج 7 ص 310 ح 43، الوسائل
ج 14 ص 340 ح 3.
(2) عقاب الأعمال ص 316 ح 4 ط إيران، الوسائل ج 14 ص 340 ح 5.
(3) المحاسن ص 112 ح 104، الوسائل ج 14 ص 340 ح 5.
(4) التهذيب ج 7 ص 310 ح 45، الوسائل ج 14 ص 340 ح 7.
597

يقال: وقب الشئ يقب وقوبا: إذا أدخل، والدخول يصدق بإدخال بعض الحشفة
وبالجملة فإن الحكم مما لا خلاف فيه لغة وشرعا.
الثاني: ظاهر الأصحاب الاتفاق على تعدي الحكم إلى الأم وإن علت،
والبنت وإن سفلت، فتحرم على الفاعل جدات المفعول لأب كن أو لأم، لصدق
الأم على كل منهن، وكذا القول في البنات، سواء كن بنات أولاد أو بنات بنات،
وتعدي الحكم في الموضعين، إما من حيث شمول اللفظين المذكورين لذلك حقيقة (1)
أو للاتفاق على الحكم المذكور، وظاهره في المسالك أنه لولا ذلك لكان للكلام في التعدي
مجال، قال: لما عرفت من أنهما حقيقتان في المتصلتين دون المنفصلتين بالوسائط.
أقول: لا يخفى أن المستفاد من الآيات والروايات الواردة في الميراث والنكاح
هو العموم والشمول في الأمهات والبنات، والآباء والأولاد لمن ارتفع من الآباء
والأمهات، ومن نزل من الأولاد والبنات، فلو ادعى كون ذلك حقيقة شرعية - لاستعمال
الشارع لهما في هذا المعنى - لم يكن بعيدا.
وقد تقدم الكلام في ذلك وتحقيق القول فيه في مواضع، ولا سيما في كتاب
الخمس، نعم المستعمل في عرف الناس إطلاق الأم والأب على من يولد منهما الولد
بغير فاصلة، والجد والجدة على من كانا بفاصلة وهكذا في البنت وبنت البنت،
وبالجملة فإن الحكم هنا مما لا خلاف ولا إشكال فيه، أما الأخت فلا يتعدى
الحكم إلى بنتها اتفاقا.
الثالث: الظاهر من كلام الأصحاب أنه لا فرق في الفاعل والمفعول بين
الصغير والكبير عملا بالاطلاق، ونسبه في المسالك إلى الأقوى، والظاهر أنه أشار

(1) أقول: قال ابن إدريس هنا: ويدخل في تحريم الأم الجدة وإن علت لأنها أم
عندنا، حقيقة، وكذلك بنت البنت، وكذلك بنت ابن بنته وإن سفلن، لأنهن بناته حقيقة.
انتهى، وهو مبني على ما تقدم نقله عند من مذهبه في كون أولاد الأولاد أولادا حقيقة، كما
تقدم في كتاب الخمس. (منه - قدس سره -).
598

إلى ما ذكره العلامة في القواعد من الاشكال في شمول ذلك للفاعل إذا كان صغيرا.
ووجه الاشكال على ما ذكره بعض شراح الكتاب (1) من حيث عموم " من
وطأ غلاما " المتناول للصغير والكبير، ومن قرينة " حرم عليه " الدالة على اختصاص
الحكم بالمكلفين، فإن الصغير لا يحرم عليه شئ، كما لا يجب عليه شئ ولأصالة عدم
التحريم. إنتهى.
وقال المحقق الشيخ على (رحمه الله) في توجيه الاشكال المذكور، منشأه من
أن التحريم الوارد في النص دليل على أن هذا الحكم إنما هو في البالغ، لامتناع
تعلق التحريم في الصبي، ومن أن النص خرج محرج الغالب، وأن هذا الفعل
إنما يقع غالبا من البالغ، ولأنه بعد البلوغ يصدق عليه أنه رجل أوقب غلاما
تعلق به التحريم، لعموم النص لمن تقدم اطلاقه على البلوغ ومن تأخر عنه.
إنتهى.
أقول: لا يخفى على من راجع أخبار المسألة وهي التي قدمناها لم يشذ
منها شئ - أن موردها بالنسبة إلى الفاعل إنما هو الرجل، وهو ظاهر بل صريح في
الكبير، وبه يظهر أنه لا وجه لقول الشراح الأول أن مستند الاشكال عموم " من
وطأ غلاما " المتناول للصغير والكبير، وقوله في الوجه الثاني من وجهي الاشكال
ومن قرينة " حرم عليه " الدالة على اختصاص الحكم بالمكلفين.
ولا معنى أيضا لما ذكره المحقق الشيخ على في وجهي الاشكال، من الاستناد
إلى التحريم الوارد في النص بمعنى أن الدليل على كونه كبيرا، إنما هو التحريم
الوارد في النص، فإن الصبي لا تحريم بالنسبة إليه، إذا هو غير مخاطب بالمرة، ومن
أن التحريم إنما خرج مخرج الغالب، وذلك فإنه إذا كان المصرح به في الأخبار
بالنسبة إلى الفاعل إنما هو الرجل الذي إنما يطلق على البالغ، ولا سيما بقرينة

(1) أقول: هو الفاضل عميد الحق والدين عبد المطلب بن الأعرج الحسيني أحد
تلامذة العلامة في شرحه المسمى بكنز الفوائد في حل مشكلات القواعد. (منه - قدس سره -).
599

المقابلة بالغلام، فأي وجه لهذه الاعتبارات المتكلفة والتوجيهات المتعسفة، نعم
ما ذكره أخيرا - من قوله - ولأنه بعد البلوغ يصدق عليه أنه رجل إلى آخره -
محتمل إلا أنه مقابل بأصالة الحليلة وعدم التحريم.
وبالجملة فالمسألة لا يخلو من شوب الاشكال، وإن كان الاحتياط فيما ذكروه
(رضوان الله تعالى عليهم)، وكيف كان فإنه على تقدير الشمول للصغير فإن التحريم
يتعلق بالولي قبل بلوغ الفاعل، وبعد البلوغ يتعلق به كما صرحوا به أيضا.
الرابع: هل الأم والنبت الرضاعيتان تدخلان تحت التحريم هنا فتحرمان
كما تحرمان من النسب؟ استشكل العلامة في القواعد في ذلك، ومنشأه من أن
صدق الأم والبنت عليهما إنما هو بطريق المجاز، لأن الحقيقة إنما تصدق على
ما إذا كان بالولادة، فلا يتناولهن النص الوارد بالتحريم، ومن عموم قوله عليه السلام (1)
" يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ".
أقول: وقد تقدم الكلام هنا في هذه المسألة في آخر المطلب الثاني في الرضاع
في المسألة الثانية من مسائل المورد السابع، وقد ذكرنا ثمة أن التحريم هو
الأقوى وهو المشهور، وأن القول الآخر بمحل من القصور.
الخامس: استشكل العلامة في القواعد في شمول المفعول للميت، بمعنى
لو لاط ميتا فهل تحرم عليه تلك المحرمات المذكورة أم لا؟ ومنشأه الاشكال
من العموم الشامل للميت، ومن خروجه بالموت عن كونه مشهية طبعا، وتعلق
أحكام الجناية: فإن المتبادر إلى الفهم من النص إنما هو الحي دون الميت، كذا
ذكره المحقق الشيخ علي، ثم قال: والتحريم ليس ببعيد.
وقال بعض شراح الكتاب (2) في توجيه الاشكال أنه ينشأ من عموم النص

(1) الكافي ج 5 ص 437 ح 2 و 3، التهذيب ج 7 ص 291 ح 59 و ص 292
ح 60، الوسائل ج 14 ص 281 ح 3 و 4.
(2) هو السيد عميد الدين المتقدم ذكره في الحاشية السابقة. (منه - قدس سره -)
600

الصادق على الحي والميت، ومن أنه بالموت خرج عن إلحاق أحكام الأحياء وصار
جاريا مجرى الجمادات. إنتهى.
أقول: أما ما استندوا إليه في وجه التحريم من إطلاق النصوص ففيه ما
صرح غير واحد من الأصحاب - في غير موضع من الأحكام، بل صار كالقاعدة
الكلية - من أن إطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد الغالبة المتكثرة المتكررة
وهي التي يتبادر إليها الاطلاق دون الفروض النادرة التي ربما لا تقع وإنما
تذكر فرضا، وبذلك يظهر لك أن ما ذكره المحقق المتقدم ذكره - من أن
التحريم غير بعيد - في غاية البعد.
السادس: قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لا يحرم على المفعول بسبب ذلك
الفعل شئ، وإنما التحريم على الفاعل خاصة، وقال السيد السند في شرح
النافع: أنه نقل عن بعض الأصحاب تعلق التحريم به كالفاعل، ثم قال: وهو ضعيف
إنتهى، وهو كذلك لعدم الدليل على ذلك.
السابع: ما تضمنته مرسلة موسى بن سعدان (1) عن بعض رجاله من تحريم
بنت الفاعل على ابن المفعول وبالعكس لم أقف على قائل به من الأصحاب، ولا
على من نبه عليه في هذا الباب، بل الظاهر منهم الجواز، إلا أن الخبر لا معارض
له إلا العمومات، ويمكن تخصيصها به حيث لا معارض له على الخصوص إلا أنه
بعد لا يخلو من الاشكال، والاحتياط لا يخفى سيما في الفروج، كما صرحت به
الأخبار.
الثامن، قد تقدم في صدر المسألة أن تحريم المذكورات مشروط بسبق
الفعل على العقد عليهن، فلو سبق العقد عليهن فإنه لا تحرم، وهو مما لا إشكال
فيه لما تقدم، وإنما الاشكال فيما لو فارق من سبق عقدها قبل الفعل، فهل يجوز

(1) الكافي ج 5 ص 417 ح 3، التهذيب ج 7 ص 310 ح 43، الوسائل ج 14
ص 340 ح 3.
601

له تجديد نكاحها بعده أم لا؟
استظهر السيد السند في شرح النافع الأول ولم يبين وجهه، ثم احتمل
عدمه، لصدق سبق الفعل بالنسبة إلى العقد الجديد، والمسألة عندي لا يخلو من
شوب الاشكال لعدم النص والاحتمال المذكور قريب، بل لا يبعد ترجيحه لدخوله
بالنسبة إلى هذا العقد المتأخر تحت إطلاق الأخبار المتقدمة الموجبة للتحريم،
ويؤيده أنه الأحوط في المقام. والله العالم.
المسألة الرابعة: الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
في أنه لو عقد المحرم على امرأة عالما بالتحريم حرمت عليه مؤبدا وإن لم يدخل
بها، ولو كان جاهلا فسد العقد ولم تحرم مؤبدا وإن دخل.
ونقل في المنتهى إجماع الفرقة على الحكمين المذكورين - أعني حكمي
العالم والجاهل - وأسنده في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه،
والأصل في ذلك الأخبار، إلا أنها بحسب الظاهر مختلفة.
فمنها ما يدل على أن النكاح باطل بقول مطلق، ومن ذلك ما رواه الشيخ في
الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: ليس للمحرم أن يتزوج
ولا يزوج، فإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل بقول مطلق "، وبهذا المضمون
روايات عديدة.
ومنها ما يدل على البطلان أيضا مع التصريح بجواز تزويجها بعد الاحرام
كصحيحة محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل
ملك بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحل، فقضى أن يخلي سبيلها ولم يجعل نكاحه
شيئا حتى يحل فإذا أحل خطبها إن شاء، فإن شاء أهلها زوجوه " وهي دالة

(1) التهذيب ج 5 ص 328 ح 41، الفقيه ج 2 ص 68 إلا أن فيه
" ولا يزوج محلا "، الوسائل ج 9 ص 89 ح 1.
(2) التهذيب ج 5 ص 330 ح 47، الوسائل ج 9 ص 92 ح 3.
602

بإطلاقها على عدم التحريم المؤبد أعم من أن يكون عالما أو جاهلا.
ومنها ما دل بإطلاقه على تحريم المؤبد عالما كان أو جاهلا، وهو ما رواه
الشيخ عن أديم بن الحر الخزاعي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إن المحرم إذا
تزوج وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا ".
وفي الموثق عن ابن بكير عن إبراهيم بن الحسن (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان أبدا "
ومنها ما يدل على التحريم المؤبد إن كان عالما بالتحريم، وهو ما رواه
الكليني والشيخ عن زرارة وداود بن سرحان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال
فيه " والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبدا ".
وروى الحسين بن سعيد في كتابه بسنده فيه عن أديم بياع الهروي (4) عن
أبي عبد الله عليه السلام " قال: الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحل له أبدا - إلى أن قال -:
والمحرم إن تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لا تحل له أبدا ".
والشيخ (رحمه الله) قد حمل روايتي أديم بن الحر وإبراهيم بن الحسن -
الدالتين بإطلاقهما على التحريم المؤيد مطلقا - على ما إذا كان عالما، وحمل صحيحة
محمد بن قيس - الدالة على جواز المراجعة بعد الاحرام مطلقا عالما كان أو جاهلا -
على الجاهل، واستند في هذا الحمل إلى رواية زرارة وداود بن سرحان، فإنها
تدل بمنطوقها على التحريم المؤبد مع العلم، وتدل بمفهومها على عدم التحريم

(1) التهذيب ج 5 ص 329 ح 45، الوسائل ج 9 ص 91 ح 2.
(2) الكافي ج 4 ص 372 ح 3، التهذيب ج 5 ص 329 ح 46، الوسائل
ج 9 ص 91 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 426 ح 1، التهذيب ج 7 ص 305 ح 30، الوسائل
ج 14 ص 378 ح 1.
(4) مستدرك الوسائل ج 2 ص 581 ب 32 ح 1.
603

مع الجهل وهو جمع حسن لا يعتريه الاشكال، سيما مع تأيده بالاجماع المدعى في
المقام كما عرفت، والرواية الثانية المنقولة من كتاب الحسين بن سعيد.
وبذلك يظهر ضعف مناقشة صاحب المسالك وسبطه السيد السند في هذا المقام
من حيث ضعف رواية زرارة وداود بن سرحان مع أنهما في غير موضع قد عملا
بالأخبار الضعيفة من حيث جبرها بالشهرة، وقد عرفت دعوى الاجماع هنا وعدم
ظهور المخالف، ويظهر من صاحب المسالك أنه ليس في هذا الباب من الأخبار
إلا رواية زرارة المذكورة، ونقل عن ابن إدريس والشيخ فخر الدين بن العلامة
أنهما أطلقا التحريم مع العلم ومع الدخول في صورة الجهل.
ولا بأس بنقل كلامه ليظهر لك ما في نقضه وإبرامه، قال (قدس سره) -
بعد ذكر عبارة المصنف الدالة على الحكم بالتحريم المؤبد مع العلم وعدمه مع
الجهل - ما لفظه: هذا هو المشهور بين الأصحاب، ومستنده رواية زرارة عن
أبي عبد الله عليه السلام ومن جملتها أن " المحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لا تحل
له أبدا ".
وهي دالة بإطلاقها على التحريم مع العلم وإن لم يدخل، ومفهومها على
عدم التحريم مع عدمه وإن دخل، ويعتضد المفهوم بالأصل فيقوي من ضعفه،
وإنما الكلام في حالة العلم لضعف الرواية إلا أنه لا قائل بعدم التحريم مطلقا
وإن اختلفت كلماتهم في الشرط، فإن الأكثرين اعتبروا من ذكره المصنف.
ومنهم من اقتصر على حال العلم كالمفيد (رحمة الله عليه) (1) وقوفا مع الرواية

(1) أقول: صورة عبارة الشيخ المفيد (رحمه الله) على ما نقله في المختلف: ومن
عقد على امرأة وهو محرم مع العلم بالنهي عن ذلك فرق بينهما ولم تحل له أبدا، انتهى.
وهي وإن لم تدل على الجهل ولا الدخول، لكنها تدل من حيث المفهوم على ما ذكره الشيخ
من عدم التحريم مع الجهل وإن دخل، وحينئذ فلا يعد ذلك قولا مخالفا كما لا يخفى.
(منه - قدس سره -)
604

ومنهم من أطلق التحريم من غير فرق بين العالم وغيره كسلار والصدوق، وجماعة
أطلقوا التحريم مع العلم، ومع الدخول في حالة الجهل، منهم ابن إدريس وقواه
فخر الدين في شرحه إلى غير ذلك من الاختلافات، وليس في الباب من النصوص
سوى ما ذكرناه. انتهى.
أقول: الظاهر أنه تبع العلامة في المختلف (1) في هذا المقام، فإنه بعد أن
نقل عبائر هؤلاء المذكورين في الكتاب كما أشار إليه هنا قال: والذي بلغنا في
هذا الباب ما رواه زرارة عن الصادق عليه السلام " والمحرم إن تزوج وهو يعلم أنه حرام
عليه لا تحل له أبدا ".
وأنت قد عرفت أن الأخبار في المسألة متكاثرة، إلا أنها بحسب الظاهر
مختلفة، وإن ادعيا أنه ليس في الباب إلا رواية زرارة، غفلة عن مراجعة باقي
الأخبار المذكورة، وحينئذ فما ذكره المحقق ونحوه غيره من بيان حكم
العالم والجاهل فالظاهر أنهم قد تبعوا الشيخ فيما قدمنا نقله عنه من الجمع
بين الأخبار، وهو جيد وجيه، كما لا يخفى على الفطن النبيه، وما ذكره الشيخ
المفيد فإنه يرجع إلى الوقوف على رواية زرارة المذكورة منطوقا ومفهوما.
وما ذكره الصدوق وسلار من الحكم بالتحريم المؤبد أعم من أن يكون
جاهلا أو عالما الظاهر (2) أنهما استندا فيه إلى روايتي أديم وإبراهيم المذكورتين.

(1) أقول: وعلى هذا النهج جرى المحقق الشيخ على في شرحه على القواعد فقال
بعد نقل الأقوال التي في المختلف ملخصا: قال المصنف في المختلف: والذي بلغنا في
هذا الباب ما رواه زرارة ثم ساق كلامه إلى آخره، ثم قال: وهو صحيح في موضعه.
(منه - قدس سره -)
(2) بل الأظهر أنه إنما استند في ذلك إلى كتاب الفقه الرضوي كما هي قاعدته
غالبا فإنه عليه السلام قال في الكتاب المذكور " والمحرم إذا تزوج في احرامه فرق بينهما
ولا تحل له أبدا " وقد قدمنا في كتب العبادات أمثال هذا من الصدوق وأبيه (عطر الله مرقديهما).
(منه - قدس سره -)
605

قال في المقنع: ولا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا يزوج المحل، وإذا تزوج
في إحرامه فرق بينهما ولم تحل له أبدا، وهو كما ترى موافق لما دل عليه
الخبران المذكوران وما ذكره ابن إدريس، أما بالنسبة إلى التحريم مع العلم
فدليله واضح من الرواية المذكورة، وأما مع الدخول في صورة الجهل فلا أعرف
عليه دليلا من الأخبار، إلا بأن يكون نوعا من الاعتبار كما هي قاعدتهم الجارية
في هذا المضمار.
قال ابن إدريس في كتاب السرائر في تعداد المحرمات: ويحرم أيضا على
التأبيد المعقود عليها في عدة معلومة أي عدة كانت أو إحرام معلوم، والمدخول
بها فيهما على كل حال، سواء كان عن علم أو جهل بحالهما، ونحوها عبارة أبي الصلاح،
ويمكن أن يكون قد حمل الاحرام على العدة في ذلك.
ومما يدل على عدم التحريم - مع الجهل دخل أو لم يدخل - مفهوم رواية
زرارة وداود بن سرحان وإطلاق صحيحة محمد بن قيس، خرج عنها العالم بتقييدها
بروايتي أديم وإبراهيم وبقي الجاهل، وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور،
فإنه لا يعتريه قصور ولا فتور.
وينبغي أن يعلم أنه إنما يحصل التحريم بالعقد مع صحته لولا المانع
الذي هو الاحرام، وحينئذ فلا عبرة بالفاسد، ولا يترتب عليه تحريم سواء علم
بفساده أم لا.
ونقل عن العلامة في التحرير أنه استقرب إلحاقه بالصحيح إذا اعتقد صحته
والظاهر بعده، ولا فرق في التحريم بين إحرام الحج والعمرة في ذلك، ولا بين الفرض
والنفل، ولا بين كونه عن نفسه أو غيره، ولا بين كون المعقود عليه محرما وعدمه،
كل ذلك لاطلاق النص، ولو انعكس الفرض في الأخير بأن كان الزوج محلا
والزوجة محرمة، فالأصل يقتضي عدم التحريم، ولا نص هنا يوجب الخروج عنه
وفي بعض عبارات الأصحاب ما يدل التسوية بين الأمرين، وكيف كان فالعقد
606

فاسد، والله العالم.
المسألة الخامسة: لا خلاف في أنه يحرم وطئ الصبية قبل بلوغ تسع سنين،
وعلى هذا فلو خالف وتزوج بصبية لم تبلغ تسع سنين فوطأها فقد اختلف كلام
الأصحاب في ذلك.
فقال الشيخ في النهاية: إنه إذا وطأها فرق بينهما ولم تحل له أبدا.
وقال: الشيخ المفيد (عطر الله مرقده): الرجل إذا جامع الصبية ولها دون
تسع سنين فأفضاها كان عليه دية نفسها، والقيام بها حتى يفرق الموت بينهما.
وقال: ابن الجنيد: فإن أولج عليها بالوطئ فأفضاها قبل تسع سنين فعليه
أن لا يطلقها حتى يموت، وينفق عليها ويقوم بأمرها، فإن أحب طلاقها غرم
ديتها ولزمه مع ذلك مهرها.
وقال ابن حمزة لما عد المحرمات وذكر من جملتها التي أفضاها بالوطئ
وهي في حباله: ولها دون تسع سنين، وتبين منه بغير طلاق.
وقال ابن إدريس: إنها تحرم مؤبدا لكن لا تبين منه ولا ينفسخ عقدها
بمجرد ذلك، بل هو بالخيار بين أن يطلقها أو يمسكها ولا يحل له وطؤها أبدا،
وليس بمجرد الوطئ تبين منه وينفسخ عقدها، كما يظن ذلك من لا يحصل شيئا
من هذا الفن، ولا يفهم معنى ما يقف عليه من سواد الكتب.
ومعنى قول الشيخ - فرق بينهما - أي في الوطئ، دون بينونة العقد
وانفساخه، لاجماع أصحابنا على أن من دخل بالمرأة ووطأها دون تسع سنين وأراد
طلاقها طلقها على كل حال، ولا عدة عليها بعد الطلاق، وإذا كانت قد بانت بوطئها
قبل بلوغ التسع فلا حاجة إلى طلاقها. إنتهى.
أقول: ظاهر كلام الشيخ أنه بمجرد الدخول بها تحرم عليه وينفسخ عقدها،
إلا أن ابن إدريس حمل التفريق في كلامه على المنع من الوطئ وإن بقيت زوجته،
607

والمشهور في كلام المتأخرين أن المحرم إنما هو الافضاء لا مجرد الدخول (1)
وإن قلنا إن التحريم إنما هو في الوطئ خاصة.
وظاهر عبارة الشيخ المفيد بقاء الزوجية، وأن الافضاء لها إنما يوجب
الدية، والقيام بها حتى يفرق الموت بينهما، بمعنى أنه لا يجوز له طلاقها
والحال هذه، وأما تحريمها عليه في الوطئ أو خروجها من الزوجية بالكلية فلم
يتعرض له، وكذلك عبارة ابن الجنيد، إلا أنه بالافضاء حرم عليه الطلاق وأوجب
عليها القيام بها، وأنه مع إرادة الطلاق يجب عليه ديتها، ويلزمه مهرها.
وعبارة الشيخ المفيد ظاهرة في وجوب الدية وإن لم يطلق، وأما كلام ابن حمزة
فإنه صريح في البينونة وانفساخ العقد بالافضاء (2). وقد عرفت إنكار ابن إدريس
ذلك أشهد الانكار، وتشنيعه على صاحب هذا القول. والواجب أولا نقل ما وصل
إلينا من الأخبار، فإنها هي التي عليها المدار في الإيراد والاصدار.
ومنها ما رواه الصدوق بطريقه إلى الحسن بن محبوب عن أيوب عن
حمران (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك، فلما

(1) قال المحقق في الشرايع: إذا أدخل بصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه
وطؤها ولم تخرج عن حبالته، ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح. وقال العلامة في
القواعد: لا يحل وطي الزوجة الصغيرة قبل أن تبلغ تسعا فإن فعل لم تحرم على الأصح إلا
مع الافضاء فتحرم مؤبدا، قيل ولا تخرج من حباله وفيه نظر.
ويجب عليه الانفاق عليها إلى أن يموت أحدهما، وإن طلقها وتزوجت بغيره على
اشكال، وعلى هذا النهج كلام غيرهما. (منه - قدس سره -).
(2) بمعنى أن الافضاء هو الموجب للتحريم أعم من أن يكون تحريم الوطي خاصة
أو تحريم بقائها على الزوجية بمعنى أنها لا تكون زوجته بعد ذلك بل تحرم عليه مؤبدا
(منه - قدس سره -)
(3) الفقيه ج 3 ص 272 ح 79، الوسائل ج 14 ص 380 ح 1.
608

دخل بها افتضها فأفضاها فقال: إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شئ عليه،
وإن كانت لم تبلغ تسع سنين وكان لها أقل من ذلك بقليل حين افتضها فإنه
قد أفسدها وعطلها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، وإن أمسكها ولم
يطلقها حتى تموت فلا شئ عليه " وطريق الصدوق إلى الحسن بن محبوب في
الصحيح، فتكون الرواية حسنة بحمران.
وما رواه في الكافي عن يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم
تحل له أبدا ".
وعن بريد بن معاوية (2) عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل افتض جارية يعني
امرأته فأفضاها، قال: عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ سنين، قال: فإن كان
أمسكها ولم يطلقها فلا شئ عليه، وإن كان دخل عليه ولها تسع سنين فلا شئ
عليه إن شاء أمسك، وإن شاء طلق ".
وعن الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن رجل تزوج جارية فوقع
بها فأفضاها، قال: عليه الاجراء عليها ما دامت حية ".
قال الشيخ: هذا محمول على من دخل بعد تسع سنين فلا يلزمه الدية،
بل الاجراء عليها إن أمسكها أو طلقها.
هذا ما حضرني من روايات هذه المسألة.

(1) الكافي ج 5 ص 429 ح 12، التهذيب ج 7 ص 311 ح 50، الوسائل
ج 14 ص 381 ح 2.
(2) الكافي ج 7 ص 314 ح 18، التهذيب ج 10 ص 249 ح 17، الوسائل
ج 14 ص 381 ح 3.
(3) التهذيب ج 10 ص 249 ح 18، الفقيه ج 4 ص 101 ح 19، الوسائل
ج 14 ص 381 ح 4، و ج 19 ص 212 ح 2.
609

وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه الرواية الأولى هو أنه بالافضاء قد عطلها
وأفسدها على الأزواج، فعلى الإمام أن يغرمها ديتها، وإن أمسكها ولم يطلقها
وقام بواجبها فلا دية عليه، والمفهوم منه بقاء النكاح وعدم البينونة بالافضاء،
وأما أنه يحرم عليه نكاحها ويجب التفريق بينهما في النكاح فلا دلالة في الخبر
عليه، بل هو في ذلك مطلق، وهذه الرواية مطابقة لما ذهب إليه ابن الجنيد.
وأما الرواية الثانية فهي مطابقة لما تقدم نقله عن الشيخ في النهاية، من أنه
بالدخول بها يفرق بينهما ولم تحل له أبدا.
وأما الرواية الثالثة فهي كالرواية الأولى في أنه بالافضاء عليه الدية إن
طلقها، وإن أمسكها وقام بواجبها لم يكن عليه شئ، وهي ظاهرة في بقائها على
الزوجية ومطلقة في تحريم الوطئ وعدمه.
وأما الرواية الرابعة فقد دلت على أنه بالافضاء عليه القيام بواجبها وإجراء
النفقة ونحوها عليها ما دامت حية، وهي أشد الروايات إطلاقا وأعظمها إغلاقا
من جهات عديدة.
ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل الدخول الذي اشتملت عليه الرواية
الثانية على الافضاء كما هو القول المشهور، وتقييد إطلاق ما عدا الرواية الثانية
بها حيث ما عدا الرواية الثانية مطلق في تحريم الوطئ وعدمه وإن دلت على
بقاء الزوجية، فيحمل إطلاقها على ما دلت عليه الرواية الثانية من أنه بالافضاء
يجب التفريق بينهما يعني في النكاح، ولا يحل له وطؤها أبدا وإن كانت باقية على
الزوجية، كما دلت عليه الأخبار الباقية، وبه يظهر ضعف قول ابن حمزة من أنها
تبين منه بغير طلاق.
وعلى هذا تلتئم الأخبار ويتلخص من ذلك أنه بالافضاء يحرم عليه وطؤها
ونكاحها وإن كانت زوجته، ولا تبين منه بمجرد ذلك، وأنه إن أمسكها وقام
بواجبها فلا إشكال، ولا يجب عليه شئ أزيد من ذلك، وإن طلقها وجب عليه الدية.
610

وتمام تحقيق القول في المقام يتوقف على رسم فوائد: الأولي: قد عرفت
من كلام ابن إدريس أنه بالافضاء لا يخرج عن الزوجية، وإنما يحرم عليه
وطؤها مؤبدا وإن كانت زوجته، ومن كلام ابن حمزة أنه صريح في الخروج عن
الزوجية كما هو ظاهر الخبر الثاني.
وأيد هذا القول جملة من المتأخرين منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
والمحقق الثاني في شرح القواعد بأن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح إذ
ثمرته حل الاستمتاع، ولأنه يمنع النكاح سابقا فيقطعه لاحقا، كالرضاع واللعان
والقذف للزوجة الصماء والخرساء.
ومن أجل ذلك توقف العلامة في المختلف في هذا المقام وتبعه الفاضلان
المتقدمان، فقال في المسالك - بعد ذكر ما ذكرناه، وأن الحكم بالبينونة هو
الظاهر من مرسلة يعقوب بن يزيد، وعدمه هو الظاهر من رواية بريد بن معاوية
- ما لفظه: والطريق فيهما مظلم فينبغي التوقف فيه، وقال المحقق الثاني:
وتوقف المصنف في المختلف لعدم الظفر بقاطع من الجانبين، وقول ابن حمزة ليس
ببعيد والتوقف طريق السلامة. إنتهى.
أقول: لا ريب أن ما ذكروه من الوجه الاعتباري - وهو أنه كما يمنع التحريم
من النكاح سابقا كذا يبطله لاحقا - جيد، إلا أنك قد عرفت اتفاق حسنة بكير
وإن كانوا لم يذكروها في هذا المقام، ورواية بريد على بقاء الزوجية، وهما
صريحتان في ذلك مع تأيدهما بالاستصحاب، وهو هنا حجة شريعة لأنه عبارة
عن وجوب العمل بمقتضى العقد السابق حتى يثبت المخرج عنه، ومرسلة يعقوب
ابن يزيد وإن كان ظاهرها ما ذكروه، إلا أن تأويلها بالحمل على التفريق والتحريم
المؤبد في النكاح خاصة جمعا بين الأخبار قريب جدا.
وما ذكروه من التقريب الاعتباري وإن كان جيدا إلا أنه من الجائز - بعد
دلالة الخبرين المذكورين على خلافه - أن يكون ذلك عقوبة له ومؤاخذة له
611

بسوء فعله وارتكابه هذا الأمر الفظيع، كما دلت على وجوب الدية عليه، فيكون
ما ذكروه من ذلك الوجه الاعتباري مخصصا بهذه الروايات بالتقريب المذكور.
والأصحاب لم ينقلوا في المقام إلا روايتي يعقوب بن يزيد وبريد بن معاوية
على أنهم قد خرجوا عن العمل بالرواية المذكورة بالنسبة إلى الدخول فحملوه
على الافضاء، مع أنه لا معارض في ذلك لها فإن ما تضمن الافضاء من الروايات إنما
يترتب عليه الدية خاصة، فكيف يتوقفون في الخروج عنها في محل البحث،
والحال أن المعارض موجود وهو أصرح وأرجح.
الثانية: المشهور أن الافضاء هو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا بذهاب
الحاجز بينهما، وقيل: صيرورة مسلك الغائط والحيض واحدا، والظاهر أنه
لا يخلو من بعد، لشدة ما بين المسلكين وقوة الحاجز بينهما فلا يكاد يتفق زواله،
وسيأتي - إن شاء الله - مزيد تحقيق لذلك في كتاب الديات.
الثالثة: قال العلامة في القواعد: ويجب عليه الانفاق عليها إلى أن يموت
أحدهما وإن طلقها وتزوجت بغيره على إشكال.
أقول: الظاهر من كلامهم أنه بالافضاء يجب على الزوج الانفاق عليها إلى
أن يموت أحدهما، وإن خرجت بالافضاء من الزوجية كما هو أحد القولين أو
طلقها فإنه يجب عليه الانفاق عليها، واستندوا في ذلك إلى إطلاق رواية
الحلبي المتقدمة حيث دلت على الأمر بالاجراء عليها ما دامت حية، مع أنك
قد عرفت أن مقتضى حسنة حمران ورواية بريد أنه مع الطلاق فالواجب إنما
هو الدية وهم لم يتعرضوا لذكر الدية في هذه المسألة بالكلية، كما لا يخفى على
من راجع كلامهم.
بقي الكلام فيما إذا تزوجت، فهل يكون الحكم كذلك عملا بإطلاق
الرواية المذكورة أم لا؟ نظرا إلى أن الظاهر أن الأمر بالاجراء عليها إنما هو
لأنها قد خرجت بالافضاء عن أن يرغب فيها الأزواج، فأوجب الشارع على المفضي
612

نفقتها إرفاقا بها، فإذا تزوجت انتفى المقتضي من الارفاق.
ومال المحقق الثاني في شرح الكتاب إلى وجوب الانفاق عليها في الصورة
المذكورة قال بعد الكلام في المسألة: فالذي يجب أن يقال: إن الرواية إن
كانت معتبرة وجب العمل بظاهرها، ولا يسقط وجوب الانفاق بالتزويج. إنتهى.
أقول: لا يخفى أن الاستناد في هذا الحكم إلى الرواية المذكورة لا يخفى ما
فيه من الاشكال لما هي عليه من غاية الاجمال، فإنه لم يصرح فيها ببلوغ التسع
ولا عدمه. فلذا حملها الشيخ على ما بعد بلوغ التسع هذا، مع أن الحكم المذكور
ظاهر تمام الظهور من حسنة حمران ورواية بريد فإنهما قد اتفقتا على الدلالة على
أنها بالافضاء فالواجب على زوجها الدية إن طلقها، أعم من أن تتزوج أم لا،
والقيام بواجبها إن أمسكها، وبذلك يزول الاشكال ويؤول إلى الاضمحلال.
الرابعة: لو وطأ أجنبية قبل البلوغ بزنا أو نكاح شبهة فأفضاها، فهل تثبت
فيها الأحكام المذكورة من التحريم المؤبد والانفاق إلى أن يموت أحدهما أم لا؟
استقرب العلامة في القواعد الأول عدا النفقة فإنه استشكل فيها، وعلل وجه
القرب في التحريم أن هذا الفعل حيث اقتضى التحريم المؤبد في الزوجة ففي
الأجنبية أولى، لأنه أفحش فيناسبه زيادة العقوبة، وذلك لأنه إذا كانت الزوجة
التي قد ملك بالعقد الشرعي نكاحها فتحرم عليه أبدا بالافضاء، فبطريق الأولى
في الأجنبية التي هي يحرم عليه نكاحها.
وأما النفقة فوجه الاشكال فيها ينشأ من أن المقتضي له في الزوجية العقوبة
بارتكاب الوطئ المحرم، وهي في الأجنبية أفحش، ولحصول الضرر بعدم رغبة
الأزواج فيها، ومن أن الظاهر أن النفقة تابعة للزوجية، وهي غير موجودة في محل
الفرض فلا تكون واجبة،
وقال المحقق الشيخ على في الشرح: والذي يقتضيه النظر ثبوت التحريم
المؤبد بإفضاء الأجنبية بزناء أو شبهة من باب مفهوم الموافقة، فإن وطئ الزوجة
613

قبل البلوغ وإن حرم إلا أن وطئ الأجنبية أبلغ منه في التحريم وأفحش، وأما
باقي الأحكام فإن إثباتها مشكل، ولا دليل قويا عليه. إنتهى.
ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه الحق بالافضاء للزوجة الافضاء بوطئ
الشبهة في التحريم ووجوب الانفاق، وعن ابن إدريس أنه منع ذلك.
أقول: والتحقيق في المقام أن جميع ما ذكروه في الأجنبية من الأحكام إنما
هو من قبيل أضغاث الأحكام، وإن تستروا عنه بكونه مفهوم موافقة أو أولوية أو
نحو ذلك من الكلام، فإن المدار عندنا في الأحكام الشرعية إنما هو على النصوص
ودلالتها بالعموم أو الخصوص.
ولا ريب أن القدوم على تحريم ما أحله الله وتحليل ما حرم الله بغير
نص واضح جرأة عظيمة لمخالفة الآيات والروايات، وهذه الأجنبية مما علم حل
نكاحها قبل وقوع الفعل اتفاقا، والقول بتحريمها به يحتاج إلى النص الصريح
كما ورد في الزوجة.
على أن الأمر في الزوجة كما عرفت آنفا محل إشكال، فنحن في عويل من
ذلك لعدم تحقق الجزم بالحكم بكون المحرم هو مجرد النكاح، أو أنها تبين
بذلك بالكلية لما عرفت من إجمال النصوص، فكيف بالملحق بها في ذلك.
الخامسة: لا يخفى أن مورد الأخبار المتقدمة الزوجة، وعلى هذا لا تدخل
الأمة لو أفضاها، والظاهر من الأخبار أيضا الافضاء بالوطئ فلا تدخل فيه الافضاء
بالإصبع ونحوها، وبذلك صرح العلامة في القواعد أيضا فقال: والأقرب عدم
تحريم الأمة والمفضاة بالإصبع، ووجه قربه ظاهر مما ذكرناه.
وبالجملة فإن الدليل الوارد في المسألة غير شامل لهما فادخالهما بغير
دليل مجرد قياس لا يوافق أصول الشريعة.
السادسة: لو كان الافضاء بالوطئ بعد بلوغ الزوجة لم يكن على الزوج
شئ لأن الوطئ مأذون فيه محلل له شرعا، وإذا حصل به الافضاء لم يثبت به
614

شئ من هذه الأحكام لعدم الدليل عليه، بل قيام الدليل على خلافه، لقوله عليه السلام
في حسنة حمران المتقدمة " إن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شئ عليه "، ومفهوم
الشرط في رواية بريد " وإن كان بالنسبة إلى الدية ".
وبذلك يظهر ما في كلام الشيخ في جملة رواية الحلبي - المتضمنة لوجوب
الاجراء عليها - على ما إذا دخل بها بعد بلوغ التسع، وأنه يجب عليه الاجراء
عليها أمسكها أو طلقها، فإن فيه أن مقتضى الأصل المؤيد بما نقلناه من حسنة
حمران أنه بعد بلوغ التسع لا يتعلق به شئ من هذه الأحكام بالكلية، وإنما هي
مخصوصة بالافضاء قبل التسع.
والرواية المذكورة فيها من الاجمال ما يمنع الاعتماد عليها في الاستدلال،
وذلك من جهات عديدة: (أحدها) أن الحكم مخصوص بمن لم تبلغ التسع وهي
مجملة فيه. (وثانيها) التحريم مؤبدا في النكاح خاصة أو التزويج وهي مجملة
فيه (وثالثها) وجوب الدية إن طلقها وهي مجملة فيه، وكيف كان فإنه يجب
حمل إطلاقها في هذه الأحكام على ما فصله غيرها، وجواب الشيخ عنها في هذه
الصورة التي ذكرها لا يحسم مادة الاشكال. والله العالم.
المسألة السادسة: المشهور بين الأصحاب من غير خلاف يعرف أن البنت
المتولدة من الزنا حرام على الزاني، واستدل عليه الشيخ في الخلاف بوجهين:
الأول - أنه إذا زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وانتشرت الحرمة، وطريقة
الاحتياط يقتضي تجنب هذه.
الثاني: قوله تعالى (1) " وربائبكم " وهذه بنتها وبنته لغة وإن لم يكن
شرعا، وقال ابن إدريس بالتحريم أيضا، لكن لا من هذه الحيثية، بل من حيث
إن بنت الزناء كافرة فلا يحل على المسلم نكاحها وليست بنتا له شرعا وعرف
الشارع هو الطارئ على عرف اللغة.

(1) سورة النساء - آية 22.
615

ورد (أولا) بمنع كفر ولد الزنا لعدم الدليل عليه، و (ثانيا) بالمنع من
طريان عرف شرعي في ذلك لقوله تعالى (1) " إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم " فجعل
المولدة مطلقا أما: فتكون المتولدة بنتا على حسب القانون اللغوي.
أقول: والحق في هذا المقام أن يقال: إن المسألة لعدم ورود شئ فيها من
النصوص بالعموم أو الخصوص من المتشابهات " حلال بين، وحرام بين، وشبهات
بين ذلك " كما استفاضت به الأخبار.
والحكم في الشبهات كما دلت عليه الأخبار هو الوقوف عن الفتوى فيها
والعمل بالاحتياط متى احتيج إلى ذلك، فالواجب هنا - في البنت المتولدة من ماء
الزاني بالنسبة إليه، والولد المتولد من الزانية بالنسبة إليها، وكذا بالنسبة
إلى الإخوة وأشباههم في الموضعين - هو العمل بما يقتضيه الاحتياط من المعاملة
تارة بحكم الأجنبي، وتارة بحكم الأولاد النسبية، فتحرم المناكحة بينه وبين
من تولد منه كالولد النسبي، ويحرم النظر واللمس كما يحرم في الأجنبي وعلى
هذا فقس، والله العالم.

(1) سورة المجادلة - آية 2.
616

الفصل الرابع (*)
في استيفاء العدد
والمراد به ما هو أعم من العدد في الزوجات والمطلقات وحينئذ فهنا مقامان:
الأول: في عدد الزوجات وفيه مسائل:
الأولى: لا خلاف بين الأصحاب بل بين علماء الاسلام كما نقله جملة من
الأعلام في أنه لا يجوز للحر أن يجمع بين ما زاد على أربع حرائر بالعقد الدائم،
أما بملك اليمين والعقد المنقطع فله ما شاء.
والأصل في ذلك الكتاب والسنة، قال الله عز وجل (1) " فانكحوا ما طاب
لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " والواو للتخيير كما صرحوا به لا للجمع، وإلا
لجاز نكاح ثماني عشرة والجمع بينهن، لأن معنى مثنى: اثنان اثنان، وثلاث:
ثلاث ثلاث، ورباع، أربع أربع، وهو باطل.
وأما الأخبار بذلك فهي مستفيضة، ومنها ما رواه الصدوق (2) في كتاب عيون
الأخبار عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون " قال: ولا يجوز الجمع بين أكثر من

* الصحيح حسب الظاهر " المطلب الرابع " بدل " الفصل الرابع ".
(1) سورة النساء - آية 3.
(2) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 123 طبع النجف الأشرف، الوسائل ج 14
ص 399 ح 3.
617

أربع حرائر " ورواه في الخصال (1) عن الأعمش عن الصادق عليه السلام مثله، ورواه الحسن
ابن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول (2) مرسلا.
وروى العياشي (3) في تفسيره عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر ".
وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (4) " قال: قال الصادق
عليه السلام لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام ".
ومنها ما رواه في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج عن زرارة ومحمد بن
مسلم (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن، فلا
يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلق، وقال: لا يجمع الرجل ماءه
في خمس ".
وعن علي بن أبي حمزة (6) " قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل يكون له أربع
نسوة فيطلق إحداهن، أيتزوج مكانها أخرى؟ قال: لا حتى تنقضي عدتها "
وعن محمد بن قيس (7) " قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في رجل كانت تحته

(1) الخصال ص 607 طبع إيران، الوسائل ج 14 ص 399 ح 3.
(2) تحف العقول ص 420 طبع إيران، الوسائل ج 14 ص 399 ح 3.
(3) تفسير العياشي ج 1 ص 218 ح 14، الوسائل ج 14 ص 399 ح 4.
(4) مجمع البيان ج 3 ص 6.
(5) الكافي ج 5 ص 429 ح 1، التهذيب ج 7 ص 294 ح 69، الوسائل
ج 14 ص 399 ح 1.
(6) الكافي ج 5 ص 329 ح 2، التهذيب ج 7 ص 294 ح 70، الوسائل ج 14
ص 400 ح 2.
(7) الكافي ج 5 ص 430 ح 3، التهذيب ج 7 ص 294 ح 71، الوسائل
ج 14 ص 400 ح 1.
618

أربع نسوة فطلق واحدة، ثم نكح أخرى قبل أن تستكمل المطلقة العدة، قال:
فليلحقها بأهلها حتى تستكمل المطلقة أجلها، وتستقبل الأخرى عدة أخرى،
ولها صداقها إن كان قد دخل بها، وإن لم يكن دخل بها فله ماله، ولا عدة عليها،
لم إن شاء أهلها بعد انقضاء عدتها زوجوه، وإن شاؤوا لم يزوجوه ".
إلى غير ذلك من الأخبار الواضحة المنار، ولا حاجة إلى التطويل بنقلها مع
كون الحكم اتفاقيا كما عرفت.
ولا خلاف بين أصحابنا في أنه لا يجوز للحر الزيادة على أمتين بأن يكونا
من جملة الأربع، فيحل له حرتان وأمتان، ولا يحل له أربع إماء ولا ثلاث إماء
مع حرة وبدونها، ولا أمتان مع ثلاث حرائر، هذا مع القول بجواز نكاح الأمة
اختيارا، وأما على القول بتقييد نكاحها بالشرطين المتقدمين فتقيد صحة النكاح
بحصولهما، فعلى هذا لو فقد الطول وخاف العنت جاز له نكاح واحدة، ولو تعذر
الوصول إليها لبعد ونحوه بحيث يخاف العنت جاز أخذ ثانية وأما الثالثة فلا يجوز
مطلقا لما عرفت من أنه لا يحل له أزيد من ثنتين.
والذي يدل على أصل الحكم المذكور ما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن ابن
رئاب عن أبي بصير وهو مشترك، والخلاف في الضرير مشهور، إلا أن الأظهر عندي
عد حديثه في الصحيح وفاقا لجملة من متأخري المتأخرين عن أبي جعفر عليه السلام
" قال: سألته عن رجل له امرأة نصرانية، أله أن يتزوج عليها يهودية، فقال:
إن أهل الكتاب مماليك للإمام، وذلك موسع منا عليكم خاصة فلا بأس أن
يتزوج، فقلت: إنه يتزوج عليها أمة، فقال: لا يصلح أن يتزوج ثلاث إماء "
الحديث.
ولا خلاف أيضا بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في أنه لا يجوز للعبد

(1) الكافي ج 5 ص 358 ح 11، التهذيب ج 7 ص 449 ح 5، الوسائل
ج 14 ص 399 ح 2.
619

الزيادة على أربع إماء، أو حرتين، أو حرة وأمتين بالعقد الدائم دون المنقطع أو
ملك اليمين فإن له ما شاء، وخالفنا فيه العامة أجمع، فذهب بعضهم إلى أنه
لا يتجاوز اثنتين مطلقا على النصف من الحر، وذهب الأقل إلى أن له أربعا مطلقا.
والذي يدل على ما ذكره الأصحاب روايات عديدة منها ما رواه في الكافي
والتهذيب في الصحيح (1) عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام " قال: سألته عن العبد
يتزوج أربع حرائر؟ قال: لا، ولكن يتزوج حرتين، وإن شاء تزوج أربع إماء ".
وعن ابن مسكان (2) في الصحيح عن الحسن بن زياد: " وهو مجهول " عن أبي
عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن المملوك ما تحل له من النساء؟ فقال: حرتان أو
أربع إماء " الحديث.
وما رواه الصدوق عن حماد بن عيسى (3) " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال له:
كم يتزوج العبد؟ قال: قال أبي عليه السلام: قال علي عليه السلام: لا يزيد على امرأتين ".
وما رواه الشيخ عن زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: لا يجمع العبد المملوك
من النساء أكثر من حرتين ".
وما رواه في كتاب قرب الأسناد عن الحسين بن علوان (5) عن جعفر عن أبيه
عليهما السلام " أن عليا عليه السلام كان يقول: لا يتزوج العبد أكثر من امرأتين ".

(1) الكافي ج 5 ص 476 ح 1، التهذيب ج 7 ص 296 ح 78، الوسائل ج 14
ص 405 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 477 ح 2، التهذيب ج 8 ص 210 ح 53، الوسائل
ج 14 ص 405 ح 2.
(3) الفقيه ج 3 ص 271 ح 73، الوسائل ج 14 ص 406 ح 3.
(4) التهذيب ج 7 ص 296 ح 76، الوسائل ج 14 ص 406 ح 4.
(5) قرب الإسناد ص 50، وفيه " لا يتزوج العبد إلا امرأتين "، الوسائل ج 14
ص 406 ح 5.
620

ولكل من الحر والعبد أن يضيف إلى ذلك بالعقد المنقطع وملك اليمين
ما شاء، أما عدم الحصر في الإماء فهو موضع وفاق من جميع المسلمين كما نقله بعض
علمائنا المحققين ولعموم قوله تعالى (1) " أو ما ملكت أيمانكم " وجواز ذلك
للعبد بناء على أنه يملك كما هو الأظهر، وقد تقدم ذلك في مقدمات كتاب التجارة.
وأما بالعقد المنقطع فهو المشهور بين أصحابنا حتى ادعى عليه ابن إدريس
الاجماع، ونقل عن ابن البراج أنه حرم الزيادة على الأربع، قيل: والمنقول من
عبارته لا يدل على ذلك صريحا، وكيف كان فإن الأخبار الدالة على الحكمين
المذكورين متكاثرة.
ومن الأخبار الواردة في ملك اليمين ما رواه في الكافي عن الحسن بن زياد (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " قال: ولا بأس بأن يأذن له - يعني المملوك - مولاه
فيشتري من ماله إن كان له جارية أو جواري يطؤهن ورقيقه له حلال ".
وعن إسحاق بن عمار (3) في الموثق " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوك
يأذن له مولاه أن يشتري من ماله الجارية الثنتين والثلاث ورقيقه له حلال؟ قال:
يحد له حدا لا يتجاوزه ".
وعن زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام " قال: إذا أذن الرجل لعبده أن يتسرى من
ماله، فإنه يتسرى كم شاء بعد أن يكون قد أذن له ".

(1) سورة النساء - آية 4.
(2) الكافي ج 5 ص 477 ذيل ح 2، التهذيب ج 8 ص 210 ح 53، الوسائل
ج 14 ص 406 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 477 ح 4، الوسائل ج 14 ص 407 ح 2.
(4) الكافي ج 5 ص 477 ح 5، التهذيب ج 7 ص 296 ح 77، الوسائل ج 14
ص 407 ح 3.
621

وما رواه الشيخ عن محمد بن الفضيل (1) " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المملوك
كم يحل له من النساء؟ فقال: لا يحل له إلا اثنتين، ويتسرى ما شاء إذا كان
أذن له مولاه ".
وأما ما يتعلق بالمتعة من الأخبار فمنه ما رواه في الكافي (2) عن زرارة في الصحيح
عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قلت: ما تحل من المتعة؟ قال: كم شئت ".
وعن عمر بن أذينة (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قلت له:
كم تحل له من المتعة؟ قال: فقال: هن بمنزلة الإماء ".
وروى في الفقيه عن الفضل بن يسار (4) " أنه سأله عن المتعة؟ فقال: هي
كبعض إمائك ".
وما رواه في الكافي والتهذيب (5) عن بكر بن محمد الأزدي في الصحيح " قال:
سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتعة؟ أهي من الأربع؟ فقال: لا ".
وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم عن أبي بصير " قال: سئل أبو عبد الله
عليه السلام عن المتعة أهي من الأربع؟ قال: لا، ولا من السبعين ".

(1) التهذيب ج 8 ص 211 ح 55، الوسائل ج 14 ص 407 ح 4.
(2) الكافي ج 5 ص 451 ح 3، التهذيب ج 7 ص 258 ح 43، الوسائل ج 14
ص 446 ح 3.
(3) الكافي ج 5 ص 451 ح 1، الوسائل ج 14 ص 408 ب 10 ح 2.
(4) الفقيه ج 3 ص 294 ح 13، الوسائل ج 14 ص 448 ح 12.
(5) الكافي ج 5 ص 451 ح 2، التهذيب ج 7 ص 258 ح 42، قرب الإسناد
ص 21، الوسائل ج 14 ص 446 ح 1.
(6) الكافي ج 5 ص 451 ح 4، التهذيب ج 7 ص 258 ح 44، الفقيه ج 3
ص 294 ح 12، الوسائل ج 14 ص 447 ح 7.
622

وما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المتعة،
" قال: ليست من الأربع، لأنها لا تطلق ولا ترث، وإنما هي مستأجرة ".
وعن عبيد بن زرارة (2) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: ذكرت له المتعة
أهي من الأربع؟ قال تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات ".
وما رواه في الكافي (3) عن إسماعيل بن الفضل في الصحيح أو الحسن " قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المتعة؟ فقال: الق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها فإن
عنده منها علما، فلقيته فأملى علي - منها شيئا كثيرا في استحلالها، فكان فيما روى
لي ابن جريح قال: ليس فيها وقت ولا عدد، إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج
منهن كم شاء، وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود،
فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق، ويعطيها الشئ اليسير، وعدتها حيضتان
وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما، فأتيت بالكتاب أبا عبد الله عليه السلام فعرضت
عليه، فقال: صدق وأقر به.
قال ابن أذينة: وكان زرارة بن أعين يقول هذا ويحلف أنه الحق، إلا أنه
كان يقول: إن كانت تحيض فحيضة، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف ".
احتج ابن البراج على ما نقل عنه بعموم الآية المتقدمة وهي " فانكحوا
ما طاب لكم من النساء " (4) الآية، وما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (5) عن

(1) الكافي ج 5 ص 451 ح 5، التهذيب ج 7 ص 259 ح 46، الوسائل
ج 14 ص 646 ح 4 و 5.
(2) الكافي ج 5 ص 452 ح 7، التهذيب ج 7 ص 258 ح 45، الوسائل
ج 14 ص 446 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 451 ح 6، الوسائل ج 14 ص 447 ح 8.
(4) سورة النساء - آية 3.
(5) التهذيب ج 7 ص 259 ح 48، الوسائل ج 14 ص 448 ح 9.
623

أبي الحسن عليه السلام " قال: سألته عن الرجل تكون عنده المرأة، أيحل له أن يتزوج
بأختها متعة؟ قال: لا، قلت: حكى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام إنما هي مثل الإماء
يتزوج ما شاء، قال: لا، هي من الأربع ".
أقول: ويدل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن عمار الساباطي
في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام " عن المتعة، قال: هي أحد الأربعة ".
وأجيب عن الآية - بعد تسليم دلالتها على تحريم الزائد بالحمل على النكاح
الدائم، جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة - وعن الرواية بحمل النهي على الكراهة
وحمل قوله " من الأربع " على الاستحباب، كما تدل عليه رواية البزنطي (2) الأخرى
عن أبي الحسن الرضا عليه السلام " قال: قال أبو جعفر عليه السلام: اجعلوهن من الأربع، فقال
له صفوان بن يحيى: على الاحتياط؟ قال: نعم ".
أقول: الظاهر أن وجه الاحتياط في جعلها من الأربع، لدفع شنعة المخالفين
لأنه متى جعلها من الأربع أمكنه دعوى كونها دائمة لا متعة، بخلاف ما لو زادت
على الأربع فإنه لا يتم له ذلك، وبالجملة فالقول المذكور ضعيف لما عرفت من
الأخبار الدالة على القول المشهور بأوضح دلالة في الظهور، وعدم ظهور ما استدل
به لما عرفت.
قال في المسالك - بعد أن أورد من هذه الروايات صحيحة زرارة وهي الأولى
ثم رواية زرارة الدالة على أنه يتزوج منهن ألفا، ثم رواية أبي بصير الدالة على
أنه لا من الأربع ولا من السبعين، ثم رواية محمد بن مسلم، ثم موثقة عمار، ثم
رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر المتضمنة للاحتياط ووصفها بالصحة - ما صورته:
واعلم أن جميع ما في الباب من الأخبار معلول السند عدا الأخير، لأن
الأول موقوف، والثاني في طريقه جهالة، وكذا الرابع، وفي طريق الثالث ضعف
ومن ثم ذهب ابن البراج إلى تحريم الزيادة فيهن على الأربع، عملا بمفهوم الآية

(1) التهذيب ج 7 ص 259 ح 47 و 49، الوسائل ج 14 ص 448 ح 10 و 11.
(2) التهذيب ج 7 ص 259 ح 47 و 49، الوسائل ج 14 ص 448 ح 10 و 11.
624

وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ثم نقل روايته الأولى التي قدمناها بتمامها ثم
قال: ويؤيده الخبران الأخيران (1) وفي المختلف اقتصر من الحكم على مجرد الشهرة
ولم يصرح بمختاره وعذره واضح، ودعوى الاجماع في ذلك غير سديدة ولو تمت
كانت هي الحجة. إنتهى.
أقول: فيه (أولا) أن من روايات المسألة كما عرفت صحيحة بكر بن محمد
الأزدي، لأن سندها في الكافي هكذا الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق الأشعري
عن بكر بن محمد الأزدي " قال: سألت " الخبر، وهؤلاء كلهم ثقات مشهورون
لا يرتاب أحد في عد حديثهم في الصحيح، إلا أن عذره في ذلك واضح حيث عزب
الخبر عن خاطره ولم يذكره.
ومنها حسنة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، وسندها في الكافي علي بن إبراهيم
عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، وليس في
هذا السند إلا إبراهيم بن هاشم وقد اعترف هو وغيره في غير موضع بأن حديثه
وإن كان حسنا إلا أنه لا يقصر عن الصحيح، وقد عده في الصحيح جملة من محققي
متأخري المتأخرين، وهو الصحيح على الاصطلاح الغير الصحيح، ولهذا أنا في
كل موضع يكون إبراهيم المذكور تردد بين الصحيح أو الحسن.
و (ثانيا) أن ما طعن به على صحيح زرارة من أنه موقوف، والظاهر أنه
أراد أنه مضمر ففيه أنه قد صرح غير واحد من المحققين بأن مثل زرارة في علو
شأنه وسمو مكانه لا يعتمد في أخذ الأحكام على غير الإمام عليه السلام.
و (ثالثا) أن وصفه روايتي أحمد بن محمد بن أبي نصر بالصحة - ليتجه له
الطعن علي القول المشهور بضعف دليل من خالفه - مردود بما ذكره سبطه السيد
السند (قدس سره) في شرح النافع حيث قال: واعلم أن العلامة ومن تأخر عنه

(1) أقول: أراد بالخبرين الأخيرين رواية ابن أبي نصر التي وصفها بالصحة وموثقة
عمار (منه - قدس سره -).
625

وصفوا روايتي أحمد بن محمد بن أبي نصر بالصحة، مع أن الشيخ في كتابي الأخبار
أوردهما مرسلتين بغير إسناد.
وذكر الشيخ في الفهرست أن لابن أبي نصر كتاب الجامع وكتاب النوادر،
وطريقه إلى كتاب الجامع صحيح دون كتاب النوادر فيشكل الحكم بصحة
الروايتين. إنتهي، وهو جيد.
وبالجملة فإن مناقشته هنا بعد ما عرفت من أضعف المناقشات، بناء على
تسليم العمل بهذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح.
الثانية: إذا تزوج الحر بالعقد الدائم أربع حرائر حرم عليه الزائد حتى تموت (1)
واحدة منهن أو يطلق واحدة منهن وتنقضي عدتها إذا طلقها طلاقا رجعيا لأن
الرجعية بحكم الزوجة ومن ثم لزمت نفقتها، وجاز الرجوع إليها بمجرد الفعل

(1) ومما يدل على جواز التزويج مع الموت ما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد *
عن علي بن جعفر ورواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليه السلام) " قال: سألته
عن رجل كانت له أربع نسوة فماتت إحداهن هل يصلح له أن يتزوج في عدتها أخرى قبل
أن ينقضي عدة المتوفاة؟ فقال: إذا ماتت فليتزوج متى أحب ".
إلا أنه قد روى الشيخ عن عمار * في الموثق " قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يكون له أربع نسوة فتموت إحداهن، فهل يحل له أن يتزوج أخرى مكانها؟
قال: لا، حتى يأتي عليها أربعة أشهر وعشر ".
وحملها الشيخ (رحمه الله) على الاستحباب، قال: لأنه إذا ماتت المرأة جاز أن
يتزوج الأخرى مكانها في الحال. انتهى.
أقول: وهذه من جملة غرائب روايات عمار المذكور، كما شنع عليه المحدث
الكاشاني في الوافي (منه - قدس سره -).
* قرب الإسناد ص 109 الوسائل ج 14 ص 402 ح 7.
* التهذيب ج 7 ص 475 ح 114، الوسائل ج 14 ص 401 ح 5.
626

كالاستمتاع فلم يفارق الزوجة في الحكم، وحينئذ فلا تحل الخامسة ما لم تنقضي
العدة لما تقدم من النهي عن جمع مائه في أكثر من أربع حرائر، وهذا كله مما
لا خلاف ولا إشكال فيه.
وإنما الكلام فيما إذا طلقها بائنا، فهل يكون التزويج متوقفا على انقضاء
العدة أيضا كما في الرجعية أم لا؟ إطلاق الأخبار الواردة في المسألة يقتضي ذلك
وأطلق المفيد في المقنعة عدم جواز العقد على الخامسة حتى ينقضي عدة المطلقة.
والذي صرح به جملة من المتأخرين وهو المشهور بينهم أنه متى كان الطلاق
بائنا فهو مثل الموت يتزوج قبل انقضاء العدة وإن كان على كراهية، وعلل جواز
التزويج بخروجها مع البينونة عن عصمة النكاح فصارت كالأجنبية وورد الروايات
بجواز نكاح الأخت مع بينونة الأخت الأخرى قبل انقضاء عدتها.
مثل ما رواه الكليني (1) في الحسن أو الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
" في رجل طلق امرأته أو اختلعت أو بارأت، أله أن يتزوج بأختها؟ قال: فقال:
إذا برأت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها " الحديث.
وعللت الكراهة بتحريمها بحرمة النكاح وبإطلاق النهي عن التزويج قبل
انقضاء العدة، وفيه ما لا يخفى.
أقول: والروايات الواردة في المقام منها ما تقدم من صحيحة زرارة أو حسنته
ورواية علي بن أبي حمزة ورواية محمد بن قيس.
ومنها أيضا ما رواه الشيخ (2) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن
رجل له أربع نسوة فطلق واحدة يضيف إليها أخرى؟ قال: لا، حتى تنقضي
العدة ". الحديث.

(1) الكافي ج 5 ص 432 ح 7، وفيه " بانت " عوض " بارأت " التهذيب ج 7
ص 286 ح 42، الوسائل ج 15 ص 480 ح 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 471 ح 96، الوسائل ج 14 ص 401 ح 4.
627

وما رواه الصدوق (1) (رحمة الله عليه) بطريقه إلى الحسن بن محبوب عن سعد بن
أبي خلف عن سنان بن طريف عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سئل عن رجل كن له
ثلاث نسوة ثم تزوج امرأة أخرى فلم يدخل بها: ثم أراد أن يعتق أمته ويتزوجها
قال: إن هو طلق التي لم يدخل بها فلا بأس بأن يتزوج أخرى من يومه ذلك
وإن طلق من الثلاث النسوة اللاتي دخل بهن واحدة لم يكن له أن يتزوج امرأة
أخرى حتى تنقضي عدة المطلقة ".
وما رواه الحميري في كتاب قرب الإسناد (2) عن عبد الله بن الحسن عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى عليه السلام ورواه علي بن جعفر في كتابه " قال: سألته عن رجل
كانت له أربع نسوة فطلق واحدة، هل يصلح له أن يتزوج أخرى قبل أن تنقضي
عدة التي طلق؟ قال لا يصلح له أن يتزوج حتى تنقضي عدة المطلقة ".
وأنت خبير بأن هذه الروايات على كثرتها وتعددها قد اشتركت في إطلاق
توقف التزويج على انقضاء العدة أعم من أن تكون بائنة أو رجعية وليس في الباب
ما يوجب التخصيص الذي ادعوه. نعم ورد ذلك في الأخت كما تقدم في حسنة
الحلبي أو صحيحه.
وحمل ما نحن فيه على مسألة الأخت - باعتبار اشتراكهما في العلة المذكور
في الأخت من قوله " إذا برأت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة له أن يخطب أختها "
- مشكل فإنه لا يخرج عن القياس الممنوع منه، إلا أن ظاهر قوله في صحيحة
زرارة المتقدمة أو حسنته (3) " لا يجمع الرجل ماءه في خمس " ما يؤيد القول المشهور

(1) التهذيب ج 7 485 ح 156، الفقيه ج 3 ص 265 ح 47، الوسائل
ج 14 ص 401 ح 6.
(2) قرب الإسناد ص 111 الوسائل ج 14 ص 402 ح 8.
(3) قال في المسالك: وفي التذكرة حمل رواية زرارة السابقة على أحد الأمرين
لورود النص في الأختين من حيث عدم الفارق بينهما، وأشار برواية زرارة إلى صحيحته
أو حسنته المتقدمة في صدر المطلب، وبالوجهين إلى ما قدمه من حمل الرواية على الرجعي
أو الكراهة، وهذا الحمل أعني حمل حكم الخمس على حكم الأختين عين القياس الذي قلناه.
(منه - قدس سره -)
628

فإن الطلاق البائن لا يتحقق معه جمع الماء في خمس وإن بقيت العدة لأنها
بالخروج عن عصمة النكاح تصير كالأجنبية.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من نوع إشكال وتوقف، وظاهر السيد السند في
شرح النافع التوقف في ذلك وإن رجح القول المشهور، وقبله جده أيضا في
المسالك، والاحتياط طريق السلامة سيما في الفروج، والله العالم.
الثالثة: لو طلق المرأة وأراد نكاح أختها فليس له نكاح الأخت حتى
تخرج الأولى من العدة، أو يكون الطلاق بائنا وهو مما لا خلاف فيه، والأخبار
به متكاثرة.
فأما بالنسبة إلى الخروج من العدة إذا كان الطلاق رجعيا فمما يدل على
ذلك ما رواه في الكافي (1) عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل طلق امرأته وهي
حبلي، أيتزوج أختها قبل أن تضع؟ قال: لا يتزوجها حتى يخلو أجلها ".
وعن علي بن أبي حمزة (2) عن أبي إبراهيم عليه السلام " قال: سألته عن رجل طلق
امرأته أيتزوج أختها؟ قال: لا حتى تنقضي عدتها " إلى غير ذلك من الأخبار.
وأما بالنسبة إلى الطلاق البائن وأنه يجوز له التزويج ولا يتوقف على
انقضاء العدة فما رواه في الكافي والتهذيب (3) في الصحيح إلى أبي بصير وهو مشترك،

(1) الكافي ج 5 ص 432 ح 8، الوسائل ج 14 ص 371 ب 28 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 432 ح 9، التهذيب ج 7 ص 287 ح 44، الوسائل ج 15
ص 481 ح 3.
(3) الكافي ج 6 ص 144 ح 9، التهذيب ج 8 ص 137 ح 76، الوسائل
ج 15 ص 480 ح 1.
629

إلا أن الأظهر عندي وفاقا لجمع من متأخري المتأخرين عد حديث الضرير في
الصحيح فتكون الرواية صحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن رجل
اختلعت منه امرأته، أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟
قال: نعم قد برءت عصمتها، وليس له عليها رجعة ".
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في
رجل طلق امرأته أو اختلعت منه أو بارأت، أله أن يتزوج بأختها؟ قال: فقال:
إذا برت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها " الحديث.
وما رواه الحسين بن سعيد في كتابه بسنده عن أبي بصير والمفضل بن صالح
وأبي أسامة (2) جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: المختلعة إذا اختلعت من زوجها ولم
يكن له عليها رجعة حل له أن يتزوج بأختها في عدتها ".
بقي الكلام فيما لو كانت متعة قد انقضى أجلها وبقيت في العدة فهل يجوز
العقد على أختها في تلك الحال، المشهور بين الأصحاب الجواز، نظرا إلى ما تقدم
من الخبرين الدالين على أنها في العدة البائنة قد انقطعت عصمتها.
قال ابن إدريس في السرائر: وقد روى في المتعة إذا انقضي أجلها أنه
لا يجوز العقد على أختها حتى تنقضي عدتها، وهي رواية شاذة مخالفة لأصول
المذهب لا يلتفت إليها ولا يجوز التصريح عليها.
أقول: والرواية التي أشار إليها هي ما رواه المشايخ الثلاثة (3) بأسانيدهم،
إلا أن الصحيح منها هو ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد " قال: قرأت في كتاب

(1) الكافي ج 5 ص 432 ح 7، التهذيب ج 7 ص 386 ح 42، الوسائل
ج 15 ص 480 ح 2.
(2) البحار ج 104 ص 26 ح 8 ط جديد، الوسائل ج 15 ص 481 ح 5.
(3) الكافي ج 5 ص 431 ح 5، عن يونس، التهذيب ج 7 ص 287 ح 45،
الفقيه ج 3 ص 295 ح 21، الوسائل ج 14 ص 369 ح 1.
630

رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام: جعلت فداك يتزوج الرجل متعة إلى أجل مسمى
فينقضي الأجل بينهما، هل له أن ينكح أختها قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب عليه السلام
لا يحل له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها " ورواه الحسين بن سعيد (1) في كتابه
كما نقله عنه شيخنا المجلسي في كتاب البحار " قال. قرأت في كتاب رجل إلى
أبي الحسن عليه السلام " الحديث.
وبهذه الرواية أفتي الصدوق في المقنع فقال: وإذا تزوج امرأة متعة إلى
أجل مسمى فلما انقضي أجلها أحببت أن يتزوج أختها؟ فلا يحل له حتى
تنقضي عدتها.
ونقل هذا القول أيضا عن الشيخ المفيد، والظاهر أنهم خصصوا به عموم تلك
الروايات، والشيخ بعد أن طعن في الخبر - بأنه ليس كل ما يوجد في الكتب
صحيحا - جواز تخصيصه بالمتعة، وهو جيد.
واختار العمل بالخبر المذكور أيضا السيد السند في شرح النافع، وهذا
مما يؤيد ما قدمنا ذكره في غير موضع من أن الواجب هو القوف في جزئيات
الأحكام على الأخبار، ولا يلتفت إلى ما يبنون عليه من القواعد وإن كانت مستفادة
من الأخبار، لجواز تخصيصها بذلك الخبر، والمشهور حمل الخبر المذكور على
الكراهة كما ذكره في المسالك.
ولو تزوج الأختين في عقد واحد فالمشهور بين المتأخرين بطلان العقد،
وقيل يتخير، ومتى اختار إحداهما بطل نكاح الثانية، وقد مر تحقيق الكلام
في المسألة مستوفى، وكذا لو تزوجهما على التعاقب، تقدم ذلك في صدر المقصد
الثاني فيما يلحق بما تقدم.
الرابعة: إذا طلق إحدى الأربع بائنا وتزوج اثنتين فالعقد للسابقة إن
وقع الترتيب، وإن اقترنا في العقد فالمشهور بين المتأخرين البطلان، كما ذكروه

(1) البحار ج 104 ص 27 ح 12 ط جديد.
631

فيما لو اتفق اقتران العقد على الخمس.
وقيل: إنه يتخير أيهما شاء كما في الخمس أيضا، وهو قول الشيخ في
النهاية وجماعة، ونقل المحقق في الشرايع أن القول بالتخيير بين الاثنتين رواية،
ثم ردها بضعف السند، وأنكرها الشارح في المسالك، قال: والرواية بالتخيير في
خصوص المسألة ما وقفت عليها.
وهو كذلك فإنه لم يصل لنا في هذا المقام إلا حسنة جميل بن دراج الواردة
في الخمس، وهي ما رواه عن الصادق (1) عليه السلام " في رجل تزوج خمسا في عقدة، قال:
يخلي سبيل أيتهن شاء ويمسك الأربع ".
ورواية عنبسة بن مصعب (2) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام في رجل كانت له ثلاث
نسوة فتزوج عليهن امرأتين في عقدة فدخل بواحدة منهما ثم مات فقال: إن كان
دخل بالمرأة التي بدأ باسمها وذكرها عند عقدة النكاح فإن نكاحها جائز ولها
الميراث وعليها العدة، وإن كان دخل بالمرأة التي سميت وذكرت بعد ذكر المرأة
الأولى فإن نكاحها باطل، ولا ميراث لها ".
ولا أعلم قائلا بمضمون هذه الرواية، ومقتضى كلام الأصحاب في الخمس
من البطلان كما هو المشهور أو التخيير كما هو القول الآخر يجري في هذه المسألة
أيضا فإما أن يبطل العقد من رأس أو يتخير، ولو وجدت هذه الرواية التي نقلها
لما كان عنها معدل لتأيدها بحسنة جميل، وإن خالفها رواية عنبسة.
وكيف كان فإن التعارض هنا بين الحسنة المذكورة والرواية الأخرى ظاهر
إذا لا فرق بين العقد على الخمس دفعة ولا بين العقد على اثنتين دفعة مع وجود

(1) الكافي ج 5 ص 430 ح 5، التهذيب ج 7 ص 295 ح 73، الوسائل
ج 14 ص 403 ب 4 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 430 ح 4، التهذيب ج 7 ص 295 ح 72، الوسائل
ج 14 ص 403 ب 5 ح 1.
632

الثلاث عنده وإحداهما دلت على التخيير والثانية على صحة عقد من تقدم اسمها
ومقتضاها أنه في العقد على الخمس دفعة يبطل من تأخر ذكر اسمها عن الرابعة.
ولا أعرف وجها للجمع بينهما إلا أن يقال -: وإن كان لا يخلو من بعد إلا
أنه في مقام الجمع قريب - بحمل حسنة جميل الدالة على التخيير على ما إذا وقع
العقد عليهن إجمالا بأن قال زوجتك هذه الخمس النسوة أو زوجتك الخمس النسوة
المعلومة بيني وبينك، أو الثنتين المعلومتين بيني وبينك، وحينئذ فيتخير
إحداهن - ورواية عنبسة على وقوع الخمس أو الاثنتين تفصيلا بذكر اسم كل
واحدة بعد الأخرى.
المقام الثاني: في عدد المطلقات المحرمات، وهي ثلاث أو تسع فالكلام
هنا في موضعين.
الأول: في الثلاث مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف أن كل امرأة
حرة استكملت الطلاق ثلاثا حرمت حتى تنكح زوجا غير المطلق، سواء كانت
مدخولا بها أو لم يكن، راجعها أو تركها، وسواء كان زوجها حرا أو عبدا.
وكل أمة استكملت طلقتين حرمت على المطلق حتى تنكح زوجا غيره
حرا كان زوجها أم عبدا، فالاعتبار حينئذ بالثلاث واثنتين إنما هو باعتبار
الزوجة.
والعامة جعلوا الاعتبار بحال الزوج، فإذا كان حرا اعتبر في التحريم الثلاث
وإن كانت الزوجة أمة، وإذا كان عبدا اعتبر طلقتان وإن كان تحته حرة، فعلى هذا
لو كان حرا تحته حرة فالاعتبار بالثلاث إجماعا من الجميع، وكذا لو كان عبدا
تحته أمة فالاثنتان اتفاقا، وإنما يظهر الخلاف في الحر تحته أمة والعبد تحته حرة
ومستند الأصحاب فيما ذكروه الأخبار المتكاثرة الدالة على أن الاعتبار بحال
الزوجة لا بحال الزوج.
633

ومنها ما رواه في الكافي عن أبي بصير (1) " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن طلاق
الأمة فقال: تطليقتان ".
وعن عيص بن القاسم (2) في الصحيح " قال ابن شبرمة قال: الطلاق للرجل،
فقال: أبو عبد الله عليه السلام الطلاق للنساء، وتبيان ذلك أن العبد يكون تحته الحرة
فيكون تطليقها ثلاثا، ويكون الحر تحته الأمة فيكون طلاقها تطليقتين ".
وعن زرارة (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه السلام " قال: سألته عن حر
تحته أمة أو عبد تحته حرة كم طلاقها وكم عدتها؟ فقال: السنة في النساء في الطلاق
فإن كانت حرة فطلاقها ثلاثا وعدتها ثلاثة أقراء، وإن كان حر تحته أمة فطلاقها
تطليقتان وعدتها قرءان ".
وعن عبد الله بن سنان (4) في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: طلاق المملوك
للحرة ثلاث تطليقات، وطلاق الحر للأمة تطليقتان ".
إلى غير ذلك من الأخبار الجارية على هذا المنوال، ولا فرق في الطلقات
المحرمة على هذا الوجه بين كونها للعدة وغيرها بخلاف المحرمة أبدا.
الثاني: في التسع لا خلاف ولا إشكال في أنه إذا استكملت المطلقة تسعا
للعدة ينكحها بينها رجلان بعد الثالثة وبعد السادسة، فإنها تحرم على المطلق أبدا.
والمراد بطلاق العدة هو أن يطلقا بالشرائط ثم يراجعها في العدة ويطأها،
ثم يطلقها في طهر آخر، ثم يراجعها في العدة ويطأها، ثم يطلقها الثالثة، ثم

(1) الكافي ج 6 ص 169 ح 2، التهذيب ج 8 ص 154 ح 132، الوسائل
ج 15 ص 391 ح 4 و ص 473 ح 6.
(2) الكافي ج 6 ص 167 ح 3، الوسائل ج 15 ص 391 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 167 ح 1، التهذيب ج 8 ص 134 ح 65 الوسائل
ج 15 ص 469 ب 40 ح 1.
(4) الكافي ج 6 ص 167 ح 4، الوسائل ج 15 ص 394 ح 7.
634

ينكح زوجا غيره بعد العدة، ثم يفارقها وتعتد منه فيتزوجها الأول، ويفعل
كما فعل أولا، ثم بعد الطلقة السادسة يتزوجها آخر، ثم يرجع إلى زوجها
الأول بعد العدة ويعمل بها كما تقدم، فإنها في التطليقة التاسعة تحرم عليه مؤبدا.
ومن هنا يعلم أن إطلاق كون التسع للعدة إنما وقع تجوزا فإن الثالثة
من كل ثلاث إنما هي للسنة لا للعدة، والظاهر أن وجه التجوز باعتبار
أن الأكثر للعدة، فأطلق اسم الأكثر على الأقل، أو باعتبار المجاورة.
قال في المسالك: وتظهر فائدة الاعتبارين فيما لو طلق الأولى للعدة والثانية
للسنة فإن المعنين ينتفيان عن الثالثة ويصدق على الثانية اسم العدية بالاعتبار
الثاني دون الأول، وفيما لو كانت الثانية للعدة والأولى للسنة، فعلى الأول يختص
بها الاسم وعلى الثاني يصدق الاسم على الطرفين بمجاورتهما.
ومع ذلك ففي اعتبار التحريم بمثل هذا إشكال، من وجود العلاقة فيهما
كما اعتبرت في الثالثة إجماعا، ومن أن تعليق الحكم على المعنى المجازي على
خلاف الأصل لا يصار إليه في موضع اشتباه، وهذا هو الأقوى فيجب الاقتصار
بالتحريم المؤبد على موضع اليقين، وهو وقوع التسع على الوجه الأول وإكمال
التسع للعدة حقيقة مع التفرق، ولا يغتفر الثالثة كما اغتفرت في الأولى لكونها
على خلاف الأصل كما ذكرناه فيقتصر بها على موردها، وهو وقوعها بعد عديتين.
وعلى هذا إن وقع في كل ثلاث واحدة عدية احتسبت خاصة، وإن وقع
في بعض الأدوار عديتان احتمل إلحاق الثالثة بهما - كما في مورد النص لوجود
العلاقة بالمعنين - وعدمه لخروج مجموع الواقع عن مورده، وللتوقف في الحكم
بالتحريم مطلقا فيما خرج عن موضع النص والاجماع - مجال. انتهى.
أقول: لا يخفى على من راجع الأخبار المتعلقة بهذه المسألة أنه لا دلالة
في شئ منها على ما ذكروه من اشتراط كون تلك الطلقات التسع الموجبة للتحريم
المؤبد عدية، بل هي ظاهرة في الأعم من الطلقات العدية أو السنية، بل بعضها
635

ظاهر في طلاق السنة، ولا أعرف لهم مستندا غير الاجماع، فما ادعاه (قدس سره)
من النص في قوله - وللتوقف فيما خرج عن موضع النص والاجماع مجال -
لا أعرف له وجها.
والذي وقفت عليه من نصوص المسألة هو ما رواه ثقة الاسلام (1) (عطر الله مرقده)
عن زرارة وداود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام وابن بكير عن أديم بياع الهروي
عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال: الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحل له أبدا، والذي
يتزوج المرأة في عدتها وهو يعلم لا تحل له أبدا والذي يطلق الطلاق الذي لا يحل له
حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات، وتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا، والمحرم
إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبدا ".
ورواه الحسين بن سعيد (2) في كتابه عن أديم بياع الهروي عن أبي عبد الله عليه السلام
نحوه، إلا أنه لم يذكر " وتزوج ثلاث مرات ".
والتقريب فيها أنهم قد صرحوا بأن الطلقات المحرمة ثلاثا التي لا تحل إلا
بعد نكاح أخرى أعم من أن يكون عدية أم للسنة، وهو عليه السلام في هذا الخبر قد
صرح بأن هذه الثلاث إذا تكررت ثلاث مرات حرمت مؤبدة، وهو ظاهر في
أن التحريم المؤبد يحصل بالتسع مطلقا، للعدة كانت أم للسنة.
ومنها ما رواه في الكافي (3) أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال
في رجل - إلى أن قال -: وسألته عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم يراجع
ثم يطلق، قال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيتزوجها رجل آخر فيطلقها
على السنة ثم ترجع إلى زوجها الأول فيطلقها ثلاث تطليقات فتنكح زوجا

(1) الكافي ج 5 ص 426 ح 1، التهذيب ج 7 ص 305 ح 30، الوسائل ج 14
ص 378 ح 1 و ج 15 ص 358 ح 4.
(2) مستدرك الوسائل ج 3 ص 13 ح 8.
(3) الكافي ج 5 ص 428 ح 9، الوسائل ج 15 ص 357 ح 2.
636

غيره فيطلقها، ثم ترجع إلى زوجها الأول فيطلقها ثلاث مرات على السنة ثم
تنكح، فتلك التي لا تحل له أبدا " الحديث.
وهو كما ترى لا إشارة فيه إلى طلاق العدة فضلا عن التصريح به، بل
هو ظاهر في أن الثلاث الأولى إنما كانت للسنة، والثلاث الثانية مجملة والثلاث
الثالثة قد صرح بأنها على السنة.
قال في الوافي: وقوله في آخر الحديث " ثم تنكح "، كأنه لتتميم الأمر
وذكر الفرد الأخفى، وإلا فلا مدخل لنكاح الغير في تأبيد الحرمة. إنتهى.
أقول: وأنت خبير بأن الخبر السابق على هذا الخبر قد تضمن ذلك على
رواية الكافي لقوله فيه " وتزوج ثلاث مرات " فإن المرة الثالثة هي التي بعد
التاسعة وظاهر هذين الخبرين هو اشتراط النكاح بعد التاسعة في التحريم المؤبد
على الزوج الأول، إلا أنه لا قائل به.
والعجب من المحدث الحر العاملي في الوسائل حيث عنون الباب بما يوافق
المشهور ولم يورد فيه خبرا يدل على ذلك، بل أطال فيه بالأخبار الواردة بالتحريم
بالثلاث وأورد هذه الرواية، وحمل السنة فيها على المعنى الأعم من غير معارض
لها في الباب بل الأخبار كما تقدم ويأتي لا يعتريها فيما ذكرناه الشك ولا الارتياب.
ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة (1) في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله
عليه السلام وإبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام " قال: إذا طلق
الرجل المرأة فتزوجت ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول ثم طلقها فتزوجها رجل،
ثم طلقها هكذا ثلاثا لم تحل له أبدا ".
وهي كما ترى صريحة في طلاق السنة دون العدة للشروط بالرجوع في العدة
والدخول بها كما عرفت، نعم ذلك في حديث رواه الصدوق في الخصال في حديث
قد اشتمل على جوامع محرمات النكاح، إلا أن الظاهر أنه ليس هو المستند لهم

(1) الكافي ج 5 ص 428 ح 7، التهذيب ج 7 ص 311 ح 48، الوسائل
ج 14 ص 408 ب 11 ح 2 وما عثرنا على هذه الرواية في الفقيه.
637

سيما المتأخرين الذين عملهم مقصور على أخبار الكتب الأربعة المشهورة كما صرحوا
به ولا بأس بنقله بطوله لما اشتمل عليه من تعداد المحرمات كتابا وسنة وكتابنا
هذا كما أنه كتاب فقه وفروع، فهو كتاب أخبار كما أشرنا إليه سابقا.
والخبر المذكور ما رواه الصدوق في الكتاب المذكور (1) بسنده عن موسى
ابن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام " قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عما حرم الله عز وجل
من الفروج في القرآن وعما حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله في سنته فقال: الذي حرم الله
عز وجل أربعة وثلاثون وجها سبعة عشر في القرآن، وسبعة عشر في السنة.
فأما التي في القرآن فالزنا، قال الله عز وجل: ولا تقربوا الزنا " (2) ونكاح
امرأة الأب قال الله عز وجل: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء " (3)
و " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ
وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم
وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا
دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا
بين الأختين إلا ما قد سلف " (4) والحائض حتى تطهر، قال الله عز وجل: ولا تقربوهن
حتى يطهرن " (5) " والنكاح في الاعتكاف قال الله عز وجل " ولا تباشروهن وأنتم
عاكفون في المساجد " (6).
وأما التي في السنة فالمواقعة في شهر رمضان نهارا " وتزويج الملاعنة بعد
اللعان، والتزويج في العدة، والمواقعة في الاحرام، والمحرم يتزوج أو يزوج والمظاهر
قبل أن يكفر، وتزويج المشركة، وتزويج الرجل امرأة قد طلقها للعدة تسع

(1) الخصال ص 532 ح 10 من أبواب الثلاثين وما فوقه.
(2) سورة الإسراء - آية 32.
(3) سوره النساء - آية 22 و 23.
(4) سوره النساء - آية 22 و 23.
(5) سورة البقرة - آية 222 و 187.
(6) سورة البقرة - آية 222 و 187.
638

تطليقات، وتزويج الأمة على الحرة وتزويج الذمية على المسلمة، وتزويج المرأة
على عمتها وخالتها وتزويج الأمة من غير إذن مولاها: وتزويج الأمة لمن يقدر
على تزويج الحرة، والجارية من السبي قبل القسمة، والجارية المشتراة قبل أن
يستبرءها والمكاتبة التي قد أدت بعض المكاتبة ".
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) - بعد أن ذكر طلاق السنة وأنها تحرم
بعد الثلاثة ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ولم يتعرض لذكر التسع - ما لفظه:
وأما طلاق العدة فهو أن يطلق الرجل امرأته على طهر من غير جماع ثم يراجعها
من يومه أو من غد أو متى ما يريد من قبل أن تستوفي قرؤها، وأدنى المراجعة
أن يقبلها أو ينكر الطلاق فيكون إنكار الطلاق مراجعة، فإذا أراد أن يطلقها
ثانية لم يجز ذلك إلا بعد الدخول بها.
وإذا أراد طلاقها تربص بها حتى تحيض وتطهر فيطلقها، فإن أراد مراجعتها
راجعها، فإن طلقها الثالثة فقد بانت منه ساعة طلقها، فلا تحل له حتى تنكح
زوجا غيره، فإذا انقضت عدتها منه فتزوجها رجل آخر فطلقها أو مات عنها وأراد
الأول أن يتزوجها فعل.
فإن طلقها ثلاثا واحدة بعد واحدة على ما وصفناه لك فقد بانت منه لا تحل
له حتى تنكح زوجا غيره، فإن تزوجها غيره وطلقها أو مات عنها وأراد الأول
أن يتزوجها فعل، فإن طلقها ثلاث تطليقات على ما وصفته واحدة بعد واحدة فقد
بانت منه ولا تحل له بعد تسع تطليقات أبدا، واعلم أن كل من طلق تسع تطليقات
على ما وصفت لم تحل له أبدا. إنتهى كلامه عليه السلام ملخصا.
وأنت خبير بأن ظاهره الدلالة على ما هو المشهور من اشتراط كون التسع
للعدة فإنه بعد ذكر طلاق السنة لم يتعرض للتسع، وإنما ذكر التسع في الطلاق
العدي وظاهره اختصاص التسع المحرمة أبدا بالطلاق العدي، كما يشير قوله

(1) فقه الرضا ص 31 و 32، مستدرك الوسائل ج 3 ص 12 و 13.
639

" واعلم أن كل من طلق تسع تطليقات على ما وصفت لم تحل له أبدا "، والذي
وصفه إنما هو الطلاق العدي كما عرفت.
وأصرح من ذلك ما صرح به علي بن إبراهيم في تفسيره (1) حيث قال: وأما
المرأة التي لا تحل لزوجها أبدا، فهي التي طلقها زوجها ثلاث تطليقات للعدة على طهر
من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين، وتتزوج زوجا غيره فيطلقها ويتزوج بها
الأول الذي طلقها ثلاث تطليقات ثم يطلقها أيضا ثلاث تطليقات للعدة على طهر
من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين فتتزوج زوجا آخر ثم يطلقها فيتزوجها الأول
الذي قد طلقها ستة تطليقات على طهر وتزوجت زوجين غير زوجها الأول ثم
طلقها الزوج الأول ثلاث تطليقات للعدة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين
عدلين، فهذه التي لا تحل لزوجها الأول أبدا، لأنه قد طلقها تسع تطليقات،
وتزوج بها تسع مرات وتزوجت ثلاثة أزواج، فلا تحل للزوج الأول أبدا ".
وفتوى مثل هذه الثقة الجليل بذلك لا يكون إلا عن وصول خبر إليه بذلك
حيث إنه من عمدة أرباب النصوص الذين لا يعولون إلا عليها بالعموم أو الخصوص
مع أن الأخبار التي قدمناها كما عرفت ظاهرة في خلاف ذلك.
وبالجملة فالمسألة لما عرفت محل إشكال واعضال لعدم حضور وجه بالبال
يحمل عليه الأخبار المتقدمة، وعدم إمكان الخروج عما عليه الأصحاب بعد الاعتضاد
بما ذكرناه من الخبرين وكلام هذا الثقة الجليل، والله العالم.
هذا في الحرة وأما في الأمة فلم أقف في النصوص علي الحكم فيها، قال
شيخنا في المسالك: أما الأمة فيحتمل تحريمها بالست، لتنزيلها منزلة التسع
للحرة، ولأن نكاح الرجلين يتحقق فيها كتسع الحرة، وبالتسع كالحرة، لأنها
إذا طلقت تسعا نكحها بعد كل طلقتين رجل صدق أنه نكحها بين التسع رجلان

(1) تفسير القمي ج 1 ص 79.
640

فيجتمع الشرطان المعتبران في التحريم المؤبد وهما التسع ونكاح الرجلين،
بخلاف الست لتخلف الأول.
ويحتمل عدم تحريمها مؤبدا مطلقا، لأن ظاهر النص كون مورده الحرة،
فيتمسك في الأمة بأصالة بقاء الحل، ولأن شرط التحريم المؤبد وقوع التسع
للعدة ينكحها بينها رجلان، وذلك منتف في الأمة على كل حال لتوقف التسع
على نكاح أربعة رجال، وهو مغاير لظاهر اعتبار الرجلين خاصة.
وبالجملة فالحكم بالتحريم المؤبد بمثل هذه المناسبات مشكل، ووروده
في كيفية مخصوصة لا يوجب تعديه إلى غيرها، لجواز أن يكون للهيئة الاجتماعية
من كون الطلقتين متواليتين للعدة وثالثة بعدها محرمة، وهكذا ثلاث مرات توجب
حكما لا يحصل بدونها. إنتهى.
وما أفاده في هذه الجملة جيد وجيه كما لا يخفي على الفطن النبيه وإن خالفه
في بعض المواضع وكذا غيره من البناء على أمثال هذه المناسبات في الأحكام، والله العالم.
المطلب الخامس: في اللعان، ولا خلاف في كونه موجبا للتحريم المؤبد
نصا وإجماعا، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله في باب اللعان ونقل الأخبار في
ذلك، وكذا الحكم لو قذف الزوج امرأته الخرساء والصماء بما يوجب اللعان
بأن يرميها بالزنا مع دعوى المشاهدة وعدم البينة، والحكم مقطوع به في كلامهم
وظاهرهم أنه موضع وفاق، وإنما الكلام في الوصفين المذكورين هل يشترط
اجتماعهما أو يكفي أحدهما، عبر جملة منهم بالوصفين المذكورين كما ذكرناه
واكتفى الأكثر بأحد الأمرين.
وأما الروايات الواردة في المقام فمنها ما رواه في الكافي (1) عن هشام بن سالم
في الصحيح عن أبي بصير وهو مشترك عندهم، وحديثه معدود في الضعيف لحكمهم
بضعف الضرير.

(1) الكافي ج 6 ص 166 ح 18، التهذيب ج 8 ص 193 ح 34، الوسائل
ج 15 ص 603 ح 2.
641

والأظهر عندي أنه صحيح " قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل قذف امرأته
بالزنا وهي خرساء صماء لا تسمع ما قال، قال: إن كان لها بينة فشدوا عند الإمام
جلد الحد وفرق بينهما ثم لا تحل له أبدا، وإن لم تكن لها بينة فهي حرام عليه
ما أقام معها، ولا إثم عليها منه ".
يعني أنه إن كان لها بينة على أنه قذفها في هذه الحال وشهدت عند الإمام
جلد الحد، وهذه الرواية رواها الشيخ بلفظ " أو " بين خرساء صماء حيث إن
المفيد في المقنعة ذكر ذلك بلفظ " أو " فأورد الشيخ هذه الرواية دليلا له بهذا اللفظ
مع أنه أوردها في باب اللعان كما في الكافي بغير لفظ (أو) وكذا نقله عنه السيد
السند في شرح النافع.
ومنها ما رواه ثقة الاسلام (1) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي ومحمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل قذف امرأته وهي خرساء، قال: يفرق بينهما ".
وعن محمد بن مروان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في المرأة الخرساء كيف يلاعنها
زوجها؟: قال: يفرق بينهما ولا تحل له أبدا ".
ويظهر من النظر في مجموع هذه الأخبار الاكتفاء بالخرس انضم إليه الصم
أم لا إن ثبت انفكاكه عنه، وإنما يحصل الاشكال على تقدير الانفكاك في الصمم
وحده، حيث إن الدليل خال منه إلا أن المفهوم من كلام أهل اللغة هو الانفكاك
وأن الصمم إنما هو عبارة عن آفة تنزل بالسامعة فلا تسمع الصوت، والخرس
آفة تنزل باللسان تمنع من الكلام.
وبالجملة فإن محل الشك وجود الصم خاصة من حيث الاختلاف في
نقل رواية أبي بصير المتقدمة، فعلى ما نقله الشيخ في التهذيب بلفظ (أو) يتجه

(1) الكافي ج 6 ص 164 ح 9، التهذيب ج 8 ص 193 ح 32، الوسائل
ج 15 ص 602 ب 8 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 167 ح 20، التهذيب ج 8 ص 193 ح 35، الوسائل
ج 15 ص 603 ح 4.
642

ترتب الحكم عليه بانفراده وعلى ما نقله صاحب الكافي فلا، وفي التحرير استشكل
حكم الصماء خاصة، والظاهر أن وجهه ما ذكرناه.
وكيف كان فإنهم صرحوا بأنه لا فرق في الزوجة بين كونها مدخولا بها
وعدمه عملا بإطلاق النص، ومتى حرمت قبل الدخول ثبت جميع المهر استصحابا
لما وجب عليه بالعقد، وتنصيفه على خلاف الأصل فيقتصر على مورده.
ولي في هذا الحكم توقف لورود التنصيف في غير الطلاق فيحتمل أن
هذا منه ولو لم يدع المشاهدة لم تحرم ووجب عليه الحد، ولو أقام البينة بما
ادعاه لم تحرم أيضا، إلا أنه لا حد عليه، ولا يسقط الحد عنه بالقذف مع الحكم
بتحريمها عليه لعدم المنافاة، وعليه تدل رواية أبي بصير، وإن سقط باللعان من
حيث إقامته مقام الشهود المسقطة للحد عنه، ويبقى الحد في ذمته لو لم ترافعه
إلى الحاكم الشرعي أو لم يسمعه أحد ويحرم عليه بذلك فيما بينه وبين الله.
ولو انعكس الفرض بأن قذفت السليمة الأصم أو الأخرس فالمشهور بين الأصحاب
أنه لا تحريم وعن الصدوق القول بالتحريم مؤبدا، ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام (1)
عن ابن محبوب عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام " في امرأة قذفت زوجها وهو
أصم، قال: يفرق بينها وبينه ولا تحل له أبدا ".
ورد هذه الرواية المتأخرون بالارسال وهو ضعيف عند من لم يعمل بهذا
الاصطلاح المحدث، وهم كافة المتقدمين وجملة من متأخري المتأخرين.
إلى هنا تم الجزء الثالث والعشرون حسب تجزئتنا بحمد الله ومنه وقد بذلنا الجهد
غايته في تصحيحه ومقابلته مع النسخ المطبوعة واستخراج أحاديثه، ويليه
الجزء الرابع والعشرون في بقية كتاب النكاح إن شاء الله تعالى.

(1) الكافي ج 6 ص 166 ح 19، التهذيب ج 8 ص 193 ح 33، الوسائل
ج 15 ص 603 ح 3.
643