الكتاب: الحدائق الناضرة
المؤلف: المحقق البحراني
الجزء: ١٦
الوفاة: ١١٨٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق وإشراف: محمد تقي الإيرواني
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

الحدائق الناضرة
في
أحكام العترة الطاهرة
تأليف
العالم البارع الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني قدس سره
المتوفى سنة 1186 هجرية
حققه وعلق عليه وأشرف على طبعه
محمد تقي الإيرواني
الجزء السادس عشر
مؤسسة النشر الاسلامي (التابعة)
لجماعة المدرسين بقم المشرفة (إيران)
1

بسم الله الرحمن الرحيم
المقصد الخامس
في الاحصار والصد
قال في القاموس: الحصر كالضرب والنصر -: التضييق والحبس
عن السفر وغيره. وقال: صد فلانا عن كذا: منعه. ونحوه نقل
عن الجوهري. وقال في كتاب المصباح المنير: حصره العدو حصرا
- من باب قتل -: أحاطوا به ومنعوه من المضي لأمره. وقال ابن السكيت
وثعلب: حصره العدو في منزله: حبسه، وأحصره المرض بالألف:
منعه من السفر. وقال الفراء: هذا هو كلام العرب وعليه أهل
اللغة. وقال ابن القوطية وأبو عمر والشيباني: حصره العدو والمرض
وأحصره، كلاهما بمعنى حبسه. انتهى كلامه في المصباح. وقال في
مادة (صد): صددته عن كذا صدا - من باب قتل -: منعته وصرفته.
أقول: ظاهر كلام أهل اللغة مختلف في ترادف (حصر) و (أحصر)
أو تغايرهما، فظاهر ما نقله في المصباح - عن ابن القوطية وأبي عمرو -
الأول، وما نقله عن ابن السكيت وثعلب والفراء - الثاني.
2

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك: المحصر اسم مفعول من
(أحصر) إذا منعه المرض من التصرف، ويقال للمحبوس: (حصر)
بغير همز فهو محصور. وقال الفراء: يجوز أن يقوم كل واحد منهما
مقام الآخر. وخالفه أبو العباس المبرد والزجاج، قال المبرد: نظيره
(حبسه) جعله في الحبس، و (أحبسه) عرضه للحبس، و (اقتله)
عرضه للقتل.
وكذا (حصره) حبسه و (أحصره) عرضه للحصر.
والفقهاء يستعملون اللفظين - أعني المحصر والمحصور - ههنا، وهو جائز
على رأي الفراء. انتهى.
والذي يظهر من ما قدمنا من كلامهم اتحاد الحصر والصد، وأنهما
بمعنى المنع، من عدو كان أو مرض. وهذا هو الذي عليه عامة فقهاء
الجمهور (1) وأما عند الإمامية - وهو الذي دلت عليه أخبارهم -
فهو أن اللفظين متغايران، وإن الحصر هو المنع من تتمة أفعال الحج
أو العمرة بالمرض، والصد هو المنع بالعدو. قال العلامة في المنتهى:
الحصر عندنا هو المنع من تتمة أفعال الحج - على ما يأتي - بالمرض
خاصة، والصد بالعدو، وعند فقهاء المخالفين الحصر والصد واحد، وهما
من جهة العدو. انتهى. ونقل النيشابوري وغيره اتفاق المفسرين
على أن قوله تعالى: (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي) (2) نزلت
في حصر الحديبية (3). ويفترقان أيضا في أن المصدود يحل له بالمحلل
جميع ما حرمه الاحرام حتى النساء، دون المحصور فإنه يحل له ما عدا
النساء. وفي مكان الذبح، فالمصدود يذبحه في محل الصد، والمحصور

(1) المغني ج 3 ص 321 إلى 328 طبع مطبعة العاصمة.
(2) سورة البقرة الآية 195.
(3) المغني ج 3 ص 321 إلى 328 طبع مطبعة العاصمة.
3

يبعث به إلى مكة فيذبح بها إن كان الصد في العمرة، أو إلى منى إن
كان في الحج. وسيجئ تفصيل الكلام في ذلك أن شاء الله تعالى.
ومن الأخبار الدالة على تغايرهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن
معاوية بن عمار (1) قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
المحصور غير المصدود، وقال: المحصور هو المريض، والمصدود هو
الذي رده المشركون، كما ردوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس
من مرض. والمصدود تحل له النساء، والمحصر لا تحل له النساء)
ورواه الكليني بطريقين صحيحين عن معاوية بن عمار مثله (2) ورواه
الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار مثله (3).
ورواه في المقنع مرسلا (4) ثم قال: والمحصور والمضطر يذبحان
بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه، وقد فعل رسول الله (صلى الله
عليه وآله) ذلك يوم الحديبية حين رد المشر كون بدنته وأبوا أن تبلغ
المنحر، فأمر بها فنحرت مكانه.
وما رواه في الكافي في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (5) قال: (المصدود يذبح حيث صد، ويرجع صاحبه فيأتي
النساء. والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل
هذا في مكانه. قلت: أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه
وقد أحل فأتى النساء؟ قال: فليعد وليس عليه شئ، وليمسك الآن
عن النساء إذا بعث).

(1) التهذيب ج 5 ص 423 و 464، والوسائل الباب 1 من الاحصار
والصد.
(2) الوسائل الباب 1 من الاحصار والصد.
(3) الوسائل الباب 1 من الاحصار والصد.
(4) الوسائل الباب 1 من الاحصار والصد.
(5) الوسائل الباب 1 من الاحصار والصد.
4

وما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر
قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن محرم انكسرت ساقه،
أي شئ يكون حاله؟ وأي شئ عليه؟ قال! هو حلال من كل
شئ. قلت، من النساء والثياب والطيب؟ فقال: نعم من جميع
ما يحرم على المحرم. ثم قال: أما بلغك قول أبي عبد الله (عليه
السلام): حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي؟.. قلت:
أخبرني عن المحصور والمصدود هما سواء؟ فقال: لا. قلت: فأخبرني
عن النبي (صلى الله عليه وآله) حين صده المشركون، قضى عمرته؟
قال: لا ولكنه اعتمر بعد ذلك).
وما رواه في الكافي (2) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: (سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي. قال:
يواعد أصحابه ميعادا، إن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر،
فإذا كان يوم النحر فليقص من رأسه، ولا يجب عليه الحلق حتى
يقضي المناسك، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة
والساعة التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل. وإن
كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر
بدنة، أو أقام مكانه حتى يبرأ إذا كان في عمرة، وإذا برئ، فعليه
العمرة واجبة، وإن كان عليه الحج رجع أو أقام ففاته الحج، فإن
عليه الحج من قابل، فإن الحسين بن علي (صلوات الله عليهما) خرج
معتمرا فمرض في الطريق، فبلغ عليا (عليه السلام) ذلك

(1) ج 4 ص 369، والوسائل الباب 1 و 8 من الاحصار والصد.
(2) ج 4 ص 369، والوسائل الباب 2 من الاحصار والصد.
5

وهو في المدينة فخرج في طلبه، فأدركه بالسقيا وهو مريض بها،
فقال: يا بني ما تشتكي؟ فقال: أشكتي رأسي. فدعا علي (عليه السلام)
ببدنة فنحرها، وحلق رأسه، ورده إلى المدينة، فلما برئ من وجعه اعتمر
قلت: أرأيت حين برئ من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلت له النساء؟
قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، قلت: فما
بال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين رجع من الحديبية حلت له النساء
ولم يطف بالبيت؟ قال: ليسا سواء، كان النبي (صلى الله عليه وآله)
مصدودا والحسين (عليه السلام) محصورا) ورواه الشيخ في التهذيب (1)
في الصحيح عن معاوية بن عمار عنه (عليه السلام) مثله على اختلاف في
ألفاظه، وزاد بعد قوله: (فإن عليه الحج من قابل) (فإن ردوا
الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحل لم يكن عليه شئ
ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا).
إلى غير ذلك من الأخبار الآتي جملة منها إن شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك فتفصيل الكلام في هذا المقام يقتضي بسطه في
مطلبين:
الأول - في المصدود، من صد بالعدو بعد تلبسه بالاحرام ولا طريق
له غيره، أو كان وقصرت نفقته عنه، تحلل بالاجماع.
وتفصيل هذه الجملة أنه إذا تلبس بالاحرام - لحج كان أو لعمرة -
تعلق به وجوب الاتمام اجماعا، لقوله (عز وجل): وأتموا الحج
والعمرة لله (2).
ولو صد في احرامه ذلك عن الوصول إلى مكة أو الموقفين

(1) ج 5 ص 421 و 422، والوسائل الباب 2 من الاحصار والصد.
(2) سورة البقرة، الآية 195.
6

ولا طريق غير موضع العدو، أو كان ولا نفقة لسلوكه، ذبح هديه
أو نحره بمكان الصد بنية التحلل فيحل على الاطلاق سواء كان في
الحرم أو خارجه، ولا ينتظر في احلاله بلوغ الهدي محله، ولا يراعى
زمانا ولا مكانا في احلاله. وإنما اعتبرنا نية التحلل لأن الذبح يقع
على وجوه متعددة، والفعل متى كان كذلك فلا ينصرف إلى أحدها إلا
بقصده ونيته، كما تقدم تحقيق ذلك بما لا مزيد عليه في كتاب
الطهارة في بحث نية الوضوء. هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان
الله - تعالى - عليهم).
قال في المختلف: وإليه ذهب الشيخان، وابن البراج، وابن
حمزة، وسلار، وابن إدريس، هو الظاهر من كلام علي بن بابويه،
حيث قال: وإذا صد رجل عن الحج وقد أحرم، فعليه الحج من قابل
ولا بأس بمواقعة النساء، لأنه مصدود، وليس كالمحصور. وقال
أبو الصلاح: وإذا صد المحرم بالعدو أو أحصر بالمرض عن تأدية
المناسك، فلينفذ القارن هديه، والمتمتع والمفرد ما يبتاع به شاة فما
فوقها، فإذا بلغ الهدي محله - وهو يوم النحر فليحلق رأسه، ويحل
المصدود بالعدو من كل شئ أحرم منه. وقال ابن الجنيد: وإذا كان
المصدود سائقا فصدت بدنته أيضا، نحرها حيث صدت، ورجع حلالا
من النساء ومن كل شئ أحرم منه، فإن منع هو ولم يمنع وصول
بدنته إلى الكعبة، أنفذ هديه مع من ينحره وأقام على احرامه إلى
الوقت الذي يواعد فيه نحرها. وقال الشيخ في الخلاف: إذا أحصر
بالعدو جاز أن يذبح هديه مكانه، والأفضل أن ينفذ به إلى منى
أو مكة.
7

أقول: ما نقله في المختلف عن ابن إدريس - من قوله بالقول
المشهور - صحيح بالنظر إلى صدر عبارته في السرائر، إلا أن كلامه
في آ خرها يشعر بالعدول عنه، حيث قال: قال محمد بن إدريس:
وأما المصدود فهو الذي يصده العدو عن الدخول إلى مكة والوقوف بالموقفين
فإذا كان ذلك ذبح هديه في المكان الذي صد فيه سواء كان في الحرم
أو خارجه، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صده المشركون بالحديبية
- اسم بئر - وهو خارج الحرم، يقال: الحديبية بالتخفيف والتثقيل
وسألت ابن العصار الفوهي (1) فقال: أهل اللغة يقولونها بالتخفيف
وأصحاب الحديث يقولونها بالتشديد. وخطه عندي بذلك، وكان إمام
اللغة ببغداد. ولا ينتظر في احلاله بلوغ الهدي محله، ولا يراعي
زمانا ولا مكانا في احلاله. فإذا كان قد ساق هدايا ذبحه، وإن كان
لم يسق هديا، فإذا كان اشترط في احرامه إن عرض له عارض يحله
حيث حبسه، فليحل ولا هدي عليه، وإن لم يشترط فلا بد من الهدي
وبعضهم يخص وجوب الهدي بالمحصور لا بالمصدود. وهو الأظهر،
لأن الأصل براءة الذمة. ولقوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر
من الهدي (2) أراد به المرض، لأنه يقال: (أحصره المرض وحصره
العدو) ويحل من كل شئ أحرم منه، من النساء وغيره، أعني:
المصدود بالعدو. انتهى. وعلى هذا فالأولى نقل ما اختاره في جملة

(1) كذا في السرائر المطبوع باب حكم المحصور والمصدود، وفي هامشه
هكذا: (اللغوي خ ل)، وفي كتب التراجم هكذا: (ابن العصار الرقي
اللغوي) كما في إنباء الرواة ج 2 ص 291 وبغية الوعاة ج 2 ص 175.
(2) سورة البقرة، الآية 195.
8

الأقوال المخالفة للقول المشهور.
والظاهر هو القول المشهور. ويدل على ذلك ما تقدم في موثقة زرارة
عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) من قوله: (المصدود يذبح حيث
صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء، والمحصور يبعث بهديه... إلى آخر)
وما رواه الصدوق (قدس سره) مرسلا (2) قال: (قال الصادق
(عليه السلام): المحصور والمضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه).
وما رواه في الكافي (3) عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين صد بالحديبية قصر
وأحل ونحر ثم انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك
فأما المحصور فإنما يكون عليه التقصير).
وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث صده
المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة).
وهذه الأخبار - كما ترى - صريحة في كون الحكم الشرعي في
المصدود هو التحلل بذبح أو نحر نسكه في محل الصد، ثم الرجوع محلا.
وقال في المدارك: وهذا الحكم - أعني: توقف التحلل على ذبح

(1) الوسائل الباب 1 من الاحصار والصد.
(2) الفقيه ج 2 ص 305، والوسائل الباب 6 من الاحصار والصد.
(3) ج 4 ص 368، والوسائل الباب 6 من الاحصار والصد.
(4) التهذيب ج 5 ص 424، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد
رقم 5.
9

الهدي ناويا به التحلل - مذهب الأكثر. واستدل عليه في المنتهى
بقوله تعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي (1). وبأن النبي (صلى
الله عليه وآله) حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ثم رجع
إلى المدينة (2). قال: وفعله (صلى الله عليه وآله) بيان للواجب،
فيكون واجبا. وقد يقال: أن مورد الآية الشريفة الحصر، وهو خلاف
الصد على ما ثبت بالنص الصحيح. وفعل النبي (صلى الله عليه وآله)
لم يثبت كونه بيانا للواجب، وبدون ذلك يحتمل الندب. وقال ابن
إدريس: يتحلل المصدود بغير هدي، لأصالة البراءة. ولأن الآية الشريفة
إنما تضمنت لهدي في المحصور وهو خلاف المصدود. وقال في الدروس:
ويدفعه صحيحة معاوية بن عمار (3): (أن النبي (صلى الله عليه وآله)
حين صده المشر كون يوم الحديبية نحر وأحل). ويتوجه عليه ما سبق.
وبالجملة فالمسألة محل اشكال، وإن كان المشهور لا يخلو من رجحان،
تمسكا باستصحاب حكم الاحرام إلى أن يعلم حصول المحلل. وتؤيده
رواية زرارة... ثم أورد موثقته التي قد مناها، ثم أورد مرسلة ابن
بابويه التي قد مناها أيضا.
أقول: الظاهر أن هذه المناقشة من المناقشات الواهية، فإن الظاهر
من كلام العلامة في المنتهي أن الحكم بذلك مجمع عليه بين الخاصة
والعامة، حيث لم ينقل فيه الخلاف إلا عن مالك، قال (قدس سره):
وإنما يتحلل المصدود بالهدي ونية التحلل معا، أما الهدي فقد أجمع

(1) سورة البقرة، الآية 195.
(2) التهذيب ج 5 ص 424، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد رقم 5
(3) التهذيب ج 5 ص 424، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد رقم 5
10

عليه أكثر العلماء، وحكي عن ما لك أنه لا هدي عليه (1) لنا: قوله
تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي (2) قال الشافعي:
لا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية
ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) حيث صده المشركون... إلى آخر ما نقله.
وبذلك يظهر أنه لا مخالف إلا ما يظهر من كلام ابن إدريس ونقله
ذلك عن بعضهم.
وأما قوله -: إن مورد الآية الشريفة الحصر، وهو خلاف الصد
على ما ثبت بالنص الصحيح - ففيه أن التحقيق أن يقال: إن المراد
من الحصر في الآية الشريفة إنما هو المعنى اللغوي الذي قدمنا نقله
عن جملة أهل اللغة الشامل للحصر والصد، وهو عبارة عن مطلق المنع
بعدو كان أو مرض أو نحوهما. والفرق بين المصدود والمحصر إنما
هو عرف خاص عندهم (صلوات الله عليهم) كما نطقت به أخبارهم.
ويعضد ما ذكرناه من معنى الآية ما صرح به أمين الاسلام الطبرسي
في كتاب مجمع البيان، حيث قال: وقوله: (فإن أحصرتم) فيه
قولان: أحدهما أن معناه: وإن منعكم خوف أو عدو أو مرض فامتنعتم
لذلك. عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء، وهو المروي عن أئمتنا
(عليهم السلام). والثاني أن معناه: إن منعكم حابس قاهر. عن
مالك (فما استيسر من الهدي): فعليكم ما سهل من الهدي أو فاهدوا
ما تيسر من الهدي إذا أردتم الاحلال. انتهى كلامه (قدس سره).
وبه يزول الاشكال في هذا المجال.

(1) المغني ج 3 ص 321 طبع مطبعة العاصمة.
(2) سورة البقرة، الآية 195.
(3) المغني ج 3 ص 321 طبع مطبعة العاصمة.
11

ويعضد ذلك ما نقله في المنتهى عن الشافعي - ونقله الشارح نفسه
في صدر البحث عن النيشابوري - من اجماع المفسرين على أن نزول
الآية المذكورة في حصر الحديبية (1).
وحينئذ فإذا ثبت أن المراد بالحصر في الآية المذكورة ما يشمل الصد
بالمعنى المذكور فالله - سبحانه - قد أوجب فيه الهدي، لقوله: فما
استيسر من الهدي (2) أي فعليكم، كما ذكره في المجمع. فالآية
ظاهرة في المراد عارية عن وصمة الإيراد. وتعضدها الأخبار المتقدمة.
وأما قوله -: وفعل النبي (صلى الله عليه وآله) لم يثبت كونه بيانا
للواجب - فهو مردود بما تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة، في مسألة
وجوب الابتداء في غسل الوجه بالأعلى، من الوجوه التي ذكرناها ثمة
حيث إن الآية دلت على الغسل بقول مطلق، والوضوءات البيانية
دلت على الابتداء بالأعلى. ومثله ما نحن فيه، فإن الآية قد دلت على
ما تيسر من الهدي في مرض كان أو عدو كما عرفت، والنبي (صلى
الله عليه وآله) قد فعله بيانا، وهو الحافظ للشريعة والمبلغ لا حكامها.
هذا ما أراده العلامة (قدس سره) من وجه الاستدلال، فإنه بنى
الكلام في الخبر على ما ذكره من معنى الآية، لا أن المراد ما توهمه
من أن مجرد فعل النبي (صلى الله عليه وآله) أعم من الوجوب والندب.
ومع قطع النظر عن ما ذكرناه فإن للمستدل أن يتمسك بما ذكره
من استصحاب حال الاحرام، والاستصحاب هنا دليل شرعي باتفاق
الأصحاب - كما تقدم في مقدمات الكتاب - فإن مرجعه إلى عموم الدليل

(1) المغني ج 3 ص 321 طبع مطبعة العاصمة.
(2) سورة البقرة الآية 195.
12

وشموله لجميع الحالات إلا ما يخرج بدليل، مثل قولهم: (كل شئ
طاهر حتى تعلم أنه قذر) (1) ونحوه، فإن الدليل هنا دل على عموم
التحريم بعد انعقاد الاحرام لجميع ما علم تحريمه على المحرم حتى يثبت
المحلل، فالواجب عليه وعلى من يقول بقوله اثبات التحليل بمجرد
الصد من غير هدي بالكلية ليتم له المراد، ودونه خرط القتاد، وبالجملة
فإن التمسك بذلك أقوى دليل في المقام، وتخرج الأخبار شاهدة على
الحكم المذكور، كما لا يخفي على ذوي الأفهام.
ومع قطع النظر عن جميع ذلك فإن لك أن تقول: إن الأحكام الشرعية
أمور متلقاة من الشارع، والذي ورد في الأخبار - سيما
وقد اعتضد بالاتفاق عليه والاجماع - هو وجوب الهدي وتوقف
التحليل عليه. وهذه المناقشة من ابن إدريس بناء على أصله الغير الأصيل
وإن أمكنت إلا أنها من مثله (قدس سره) غير جيدة.
وقد أشار إلى هذه المناقشة شيخه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد
حيث قال: ودليل التحلل بالذبح أو النحر الاجماع المنقول في المنتهى.
ثم ذكر كلام المنتهي والأخبار، إلى أن قال في آخر الكلام: ومع
ذلك يحتمل الرخصة. انتهى.
وأما ما ذكره العلامة من الأقوال المخالفة للمشهور في المسألة فإنه
لم ينقل عليه دليلا من طرف أحد من أولئك القائلين، ولم أقف في
الأخبار على ما يدل على شئ منها إلا على ما نقله عن الشيخ علي بن
بابويه، فإنه مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي، ومنه يعلم أنه مستنده

(1) ارجع إلى الحدائق ج 1 ص 42 و ج 5 ص 255.
13

حيث قال (عليه السلام) (1): وإن صد رجل عن الحج وقد أحرم فعليه
الحج من قابل، ولا بأس بمواقعة النساء لأن هذا مصدود، وليس
كالمحصور. وظاهر هذا الكلام ربما أشعر بعدم وجوب الهدي وأن التحلل
يحصل بدونه، كما ذهب إليه ابن إدريس، إلا أن غايته أنه مطلق بالنسبة
إلى ذلك، فيجب تقييده بما ذكرناه من الآية والروايات.
وأما ما ذكره أبو الصلاح - من إنفاذ المصدود هديه كالمحصور،
وأنه يبقي على احرامه إلى أن يبلغ الهدي محله - فترده الأخبار المتقدمة
بالفرق بينهما في ذلك، وأن المصدود ينحر هديه في موضع الصد
ويتحلل. ويأتي ما يؤيدها أيضا.
وأما تفصيل ابن الجنيد في البدنة - بين إمكان إرسالها فيجب أو
عدمه فينحرها في مكان الصد - ففيه أنه - مع عدم الدليل على هذا
التفصيل - مخالف لا طلاق الأخبار المتقدمة.
وتنقيح البحث في المسألة يتوقف على رسم مقالات: الأولى - لو اتفق
له طريق غير موضع الصد، وكانت له نفقة تقوم به، فظاهر الأصحاب
الاتفاق على وجوب المضي عليه ولا يتحلل، وإن علم أنه لا يدرك
الحج. قالوا: أما وجوب المضي عليه في الصورة المذكورة فلعدم
تحقق الصد يومئذ، وأما عدم جواز التحلل على هذا التقدير وإن
خشي الفوت فلأن التحلل بالهدي إنما يسوغ مع الصد والمفروض
أنه ليس بمصدود. وحينئذ فيجب عليه سلوك تلك الطريق إلى أن
يتحقق الفوات، فيتحلل بعمرة كما هو شأن من فاته الحج. ويقضيه
في السنة الأخرى إن كان واجبا من حجة الاسلام أو نذر غير معين.

(1) ص 29
14

وإلا تخير إن كان مستحبا. وبالجملة فإنه بالتمكن من سلوك طريق
غير الطريق التي صد عنها يكون خارجا عن افراد المصدود، فإن فاته
الحج ترتبت عليه أحكام الفوات في غير هذه الصورة، وإلا فلا.
الثانية - هل يشترط في جواز التحلل بالصد عدم رجاء زوال العذر؟
ظاهر كلام الأصحاب العدم، حيث صرحوا بجواز التحلل مع ظن
انكشاف العدو قبل الفوات.
قال المحقق (قدس سره) في الشرائع: إذ غلب على ظنه انكشاف
العدو قبل الفوات جاز له التحلل لكن الأفضل البقاء على احرامه.
قال شيخنا في المسالك: وجه الجواز تحقق الصد حينئذ فيلحقه
حكمه، وإن كان لا فضل الصبر مع الرجاء فضلا عن غلبه الظن،
عملا بظاهر الأمر بالاتمام.
قال في المدارك بعد نقل ذلك: ولا ريب في أفضلية الصبر كما
ذكره، وإنما الكلام في جواز التحلل مع غلبة الظن بانكشاف العدو
قبل فوات الحج، فإن ما وصل إلينا من الروايات لا عموم فيه بحيث
يتناول هذه الصورة، ومع انتفاء العموم يشكل الحكم بالجواز.
أقول: لا ريب في أن اطلاق الأخبار المتقدمة شامل لما ذكره الأصحاب،
فإن التحلل فيها بذبح الهدي وقع معلقا على حصول الصد الشامل
باطلاقه لما لو ظن انكشاف العدو قبل الفوات وعدمه. وهذا هو الذي
أشار إليه جده بقوله: (وجه الجواز تحقق الصد فيلحقه حكمه)
بمعنى أن هذه الأحكام ترتبت على مطلق الصد وهو هنا مصدود
فيلحقه حكمه.
قال في المدارك بناء على ما ذكره من المناقشة: ولو قيل بالاكتفاء
15

في جواز التحلل بظن عدم انكشاف العدو قبل الفوات كان حسنا.
أقول: قد بينا أن اطلاق النصوص أعم من ما ذكره، فلا سبيل
إلى تقييدها من غير دليل.
الثالثة - قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يجوز للمصدود
في احرام الحج وعمرة التمتع البقاء على احرامه إلى أن يتحقق الفوات
فيتحلل بالعمرة، كما هو شأن من فاته الحج. بل تقدم في كلام
شيخنا الشهيد الثاني أنه الأفضل، وإن جاز التحلل، للأمر بالاتمام
في الآية (1). ويجب عليه اكمال أفعال العمرة إن تمكن، وإلا تحلل
بالهدي. ولو كان احرامه بعمرة مفردة لم يتحقق الفوات بل يتحلل
منهما عند تعذر اكمالها، لو أخر التحلل كان جائزا، فإن يئس من
زوال العذر تحلل بالهدي حينئذ.
الرابعة - اختلف الأصحاب في أنه هل يجب على المصدود الحلق
أو التقصير ويتوقف تحلله عليه بعد الذبح أم لا؟ قولان.
قال في المختلف: قال سلار: وأما المصدود بالعدو فإنه ينحر الهدي
حيث إنتهى إليه، ويقصر من شعره، وقد أحل من كل شئ أحرم
منه. وهو يشعر باشتراط التقصير في الحل. وكذا يفهم من كلام
أبي الصلاح، إلا أنه قال: فليحلق رأسه، ولم يشترط الشيخ ذلك. انتهى.
وقوى الشهيدان في الدروس والمسالك وجوب الحلق أو التقصير.
وهو خيرة العلامة في المنتهى على تردد، من حيث إنه - تعالى - ذكر
الهدي وحده (2) ولم يشترط سواه، ومن أنه (صلى الله عليه وآله) حلق
يوم الحديبية (3).

(1) سورة البقرة، الآية 195.
(2) سورة البقرة، الآية 195.
(3) المغني ج 3 ص 325 طبع مطبعة العاصمة
16

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المنتهى: وضعف الوجه الثاني
من وجهي التردد معلوم من ما سبق.
أقول: أشار بما سبق إلى ما قدمنا نقله عنه من حمل فعل النبي
(صلى الله عليه، آله) على الندب دون الوجوب. وقد عرفت ما فيه.
إلا أن الحلق الذي ذكره العلامة هنا في الوجه الثاني من وجهي التردد
إنما استند فيه إلى الرواية العامية، حيث قال: إذا ثبت هذا فهل
يجب عليه الحلق أو التقصير مع ذبح الهدي أم لا؟ فيه تردد، لأنه
- تعالى - ذكر الهدي وحده (1) ولم يشترط سواه. وقال أحمد في إحدى
الروايتين لا بد منه، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) حلق يوم الحديبية (2)
وهو أقوى. هذه عبارته في المنتهى، فكان الأولى لصاحب المدارك رد الوجه
الثاني بعدم ثبوته في أخبارنا.
أقول: والذي وقفت عليه في أخبارنا بالنسبة إلى ذلك هو رواية
حمران المتقدمة (3) الدالة على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين
صد بالحديبية قصر وأحل ونحر ثم انصرف. وظاهر قوله (عليه السلام)
فيها: (ولم يحب عليه الحلق حتى يقضي النسك) هو أنه (صلى
الله عليه وآله) لم يحلق إلى أن حج في فتح مكة وقضى المناسك.
ويدل على هذا المعنى صريحا وإن لم يتنبه له أحد من أصحابنا
(رضوان الله - تعالى - عليهم) ما رواه في الكافي (4) في الصحيح عن

(1) سورة البقرة، الآية 195.
(2) المغني ج 3 ص 325 طبع العاصمة
(3) ص 9
(4) ج 6 ص 486، والوسائل الباب 62 من آداب الحمام.
17

البزنطي عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: (لأبي عبد الله
(عليه السلام): الفرق من السنة؟ قال: لا. قلت: فهل فرق
رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم. قلت: كيف فرق
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس من السنة؟ قال. من أصابه
ما أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفرق كما فر ق رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فقد أصاب سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وإلا فلا. قلت له كيف ذلك؟ قال: إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) حين صد عن البيت وقد كان ساق الهدي وأحرم أراه الله
- تعالى - الرؤيا التي أخبرك الله بها في كتابه، إذ يقول: لقد صدق الله
رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين
رؤسكم ومقصرين لا تخافون (1) فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن
الله (تعالى) سيفي له بما أراه، فمن ثم وفر ذلك الشعر الذي كان على
رأسه حين أحرم انتظارا لحلقه في الحرم حيث وعده الله. تعالى)، فلما حلقه
لم يعد في توفير الشعر ولا كان ذلك من قبله صلى الله عليه، آله) وربما
ظهر من قوله (عليه السلام): (من أصابه ما أصاب رسول الله (صلى
الله عليه وآله)... إلى آخره) تأخير الحلق إلى أن يحج متى كان
الحج واجبا.
وبالجملة فالظاهر عندي - بناء - على ما عرفت - هو توقف الحل على
التقصير خاصة، كما دلت عليه الرواية المذكورة، ومثلها قوله (عليه
السلام) في المرسلة التي نقلها شيخنا المفيد في المقنعة، وسيأتي نقلها
- إن شاء الله تعالى - في المطلب الثاني (2): (والمصدود بالعدو ينحر هديه

(1) سورة الفتح، الآية 27
(2) ص 43
18

الذي ساقه بمكانه ويقصر من شعر رأسه ويحل) (1) ولا معارض لهما
سوى اطلاق غير هما من الأخبار. وبه يقيد الاطلاق المذكور.
الخامسة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سقوط الهدي
عن المصدود والمحصور مع الشرط في احرامه بأن يحله حيث حبسه،
فنقل في المختلف عن السيد المرتضى (رحمه الله) أنه يسقط، وعن
الشيخ في الخلاف أنه لا يسقط، ونقل عن ابن حمزة أن في سقوط الدم
بالشرط قولين، ثم أحال البحث في ذلك على ما قدمه في المحصور
أقول: والخلاف في الموضعين واحد، ونحن قد قدمنا البحث في
هذه المسألة في مندوبات الاحرام، وأحطنا بأطراف الكلام بابرام
النقض ونقض الابرام، فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.
السادسة اختلف الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في المصدود
والمحصور لو ساق معه الهدي، فهل يكفي في التحلل ما ساقه أو يجب
عليه للتحلل هدي آخر غير هي السياق؟ قولان، أولهما للشيخ
وسلار وأبي الصلاح وابن البراج، وثانيهما للصدوقين، والمحقق في
الشرائع في حكم المصدود وافق الأول وفي النافع وافق الثاني.
قال في المختلف: قال علي بن بابويه: وإذا قرن الحج والعمرة وأحصر
بعث هديا مع هديه، ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله. وكذا قال ابنه في
كتاب من لا يحضره الفقيه. وقال ابن الجنيد - ونعم ما قال - فإذا أحصر
ومعه هدي قد أوجبه الله بعث بهدي آخر عن احصاره، فإن لم يكن
أوجبه بحال من اشعار ولا غيره أجزأه عن احصاره، انتهى. وظاهر
اختيار قول ابن الجنيد، وهو يرجع إلى قول الصدوقين، مع أنه في

(1) الوسائل الباب 1 من الاحصار والصد رقم 6
19

المنتهى وافق القول الأول.
وقال في الدروس بعد نقل قول الصدوقين وابن الجنيد: والظاهر
أن مرادهما أنه قبل الاشعار والتقليد لا يدخل في حكم المسوق إلا أن
يكون منذورا بعينه أو معينا عن نذره. وقيل: يتداخلان إذا لم يكن
السوق واجبا بنذر أو كفارة وشبههما. وأطلق المعظم التداخل.
وقال ابن إدريس بعد نقل عبارة الشيخ علي بن بابويه المتقدمة
عن رسالته: قال محمد بن إدريس: أما قوله (رحمه الله تعالى):
(وإذا قرن الرجل الحج والعمرة) فمراده كل واحد منهما على الانفراد
ويقرن إلى احرامه بواحد من الحج أو العمرة هديا يشعره أو يقلده
فيخرج من ملكه بذلك، وإن لم يكن ذلك واجبا عليه ابتداء،
وما مقصوده ومراده أن يحرم بهما جميعا ويقرن بينهما، لأن هذا
مذهب من خالفنا في حد القرآن، ومذهبنا أن يقرن إلى احرامه سياق
هدي. فليلحظ ذلك ويتأمل. فأما قوله: (بعث هديا مع هديه إذا
أحصر) يريد أن هديه الأول الذي قرنه إلى احرامه ما يجزئه في
تحليله من احرامه، لأن هذا كان واجبا عليه قبل حصره، فإذا أراد
التحلل من احرامه بالمرض الذي هو الحصر عندنا - على ما فسرناه -
فيجب عليه هدي آخر لذلك، لقوله (تعالى): فإن أحصرتم فما
استيسر من الهدي (1) وما قاله قوي معتمد، غير أن باقي أصحابنا
قالوا: يبعث بهديه الذي ساقه. ولم يقولوا: يبعث بهدي آخر.
فإذا بلغ محله أحل إلا من النساء. فهذا فائدة قوله (رحمه الله تعالى).
واستدل في المختلف على ما اختاره من التفصيل المتقدم، فقال: لنا

(1) سورة البقرة، الآية 195
20

مع ايجاب الهدي، أنه قد تعين نحر هذا الهدي أو ذبحه بسبب غير
الاحصار، فلا يكون مجزئا عن هدي الاحصار، لأن مع تعدد السبب
يتعدد المسبب. ومع عدم ايجابه: قوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر
من الهدي (1).
وقال في المدارك بعد نقل قول الصدوقين ومن تبعهما ولم نقف
لهم في ذلك على مستند سوى ما ذكروه من أن اختلاف الأسباب يقتضي
اختلاف المسببات. وهو استدلال ضعيف، لأن هذا الاختلاف إنما يتم في
الأسباب الحقيقية دون المعرفات الشرعية كما بيناه غير مرة. والأصح
ما اختاره المصنف والأكثر من الاكتفاء بهدي السياق، لصدق الامتثال
بذبحه، وأصالة البراءة من وجوب الزائد عنه.
أقول: لا يخفى أن عبارة الشيخ علي بن بابويه المذكورة مأخوذة
من الفقه الرضوي على العادة الجارية التي قد عرفتها في غير موضع،
حيث قال (عليه السلام) في الكتاب المذكور (2): فإذا قرن الرجل
الحج والعمرة وأحصر بعث هديا مع هديه، ولا يحل حتى يبلغ الهدي
محله، فإذا بلغ محله أحل وانصرف إلى منزله، وعليه الحج من قابل.
ولا يقرب النساء حتى يحج من قابل. وإن صد رجل عن الحج..
إلى آخر العبارة المتقدمة في صدر المطلب نقلا عن الشيخ علي بن
بابويه أيضا.
ومن ذلك يعلم أن مستند الشيخ المذكور وابنه في كتاب من لا
يحضره الفقيه إنما هو الكتاب المذكور، فلا يحتاج إلى ما تكلفه العلامة

(1) سورة البقرة، الآية 195
(2) ص 29
21

في المختلف من الاستدلال بتعدد الأسباب، ولا يرد ما أورده في المدارك
عليه، حيث إن المعتمد إنما هو كلامه (عليه السلام)، ولكنهم (رضوان
الله - تعالى - عليهم) معذورون، لعدم ظهور الكتاب المذكور عندهم ووصوله
إليهم، فوقعوا في ما ذكروا وتكلفوا ما تكلفوا.
هذا ما يدل على قول الصدوقين في المسألة المذكورة.
وأما ما يدل على ما هو المشهور بينهم فلم أقف لهم فيه على دليل
إلا ما تقدم نقله عن صاحب المدارك من صدق الامتثال بذبحه،
وأصالة البراءة من الزائد. وغاية ما استدل به في المنتهى هو أن الآية
دلت على وجوب ما استيسر من الهدي، وهو صادق على هدي السياق.
ولا يخفى ما في هذه الأدلة من تطرق المناقشات إليها.
والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي (1) عن رفاعة عن
أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: (قلت: رجل ساق
الهدي ثم أحصر؟ قال: يبعث بهديه. قلت: هل يستمتع من قابل؟
فقال: لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه).
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن رفاعة أيضا عن أبي عبد الله (عليه
السلام) ومحمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
أنهما قالا: (القارن يحصر وقد قال واشترط: فحلني حيث حبستني. قال:
يبعث بهديه. قلنا: هل يتمتع في قابل؟ قال: لا ولكن يدخل في
مثل ما خرج منه).
فإنه لا يخفى أن المتبادر من (هديه) في الروايتين هو هدي السياق

(1) ج 4 ص 271، والوسائل الباب 4 و 7 من الاحصار والصد
(2) الوسائل الباب 4 من الاحصار والصد
22

والإضافة كاللام العهدية في إفادة العهد كما صرحوا به في محله، فالمعنى
هديه الذي ساقه. وبذلك يعظم الاشكال في المسألة.
بقي الكلام في أن مورد الأخبار في المسألة إنما هو المحصر، وأنه
يبعث هديا مع هدي السياق كما في كتاب الفقه، أو هدي السياق
كما هو ظاهر الأخبار التي ذكرناها، والأصحاب لم يفرقوا في هذا
الحكم بين المحصر والمصدود. ولا يخلو من اشكال. والحاقه بالمحصور
في الحكم المذكور يتوقف على الدليل، وليس إلا هذه الأخبار المذكورة.
السابعة - المعروف من مذهب الأصحاب أنه لو لم يكن مع المصدود
أو المحصور هدي وعجز عن ثمنه بقي على احرامه ولم يتحلل، لأن
النص الدال على التحلل إنما تعلق بالهدي، ولم يثبت له بدل، ومتى
انتفت البدلية وجب البقاء على الاحرام إلى أن يحصل المحلل الشرعي.
وبه صرح الشيخ وابن البراج وأبو الصلاح وابن حمزة وسلار وعامة
المتأخرين. قال ابن الجنيد: ومن لم يكن عليه ولا معه هدي أحل إذا
صد، ولم يكن عليه دم. وظاهره أنه يتحلل بمجرد النية.
قال في المختلف: قال الشيخ: إذا لم يجد المحصر الهدي ولا يقدر
على ثمنه لا يجوز له أن يتحلل حتى يهدي ولا يجوز له أن ينتقل إلى
بدل من الصوم أو الاطعام، لأنه لا دليل على ذلك. وقال ابن الجنيد:
إذا لم يكن للهدي مستطيعا أحل، لأنه من لم يتيسر له الهدي. وكلا
القولين محتمل. انتهى.
وقد تقدم مذهب ابن إدريس وتخصيصه الهدي بالمحصور دون
المصدود اختيارا.
أقول: وقد وقفت في المسألة على بعض الأخبار التي لم يتعرض لنقلها
23

أحد من أصحابنا:
منها: ما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن معاوية
ابن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال (في المحصور
ولم يسق الهدي؟ قال: ينسك ويرجع. قيل: فإن لم يجد هديا؟
قال: يصوم).
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) أنه قال (في المحصور ولم يسق الهدي؟
قال: ينسك ويرجع، فإن لم يجد ثمن هدي صام).
إلا أن مورد الأخبار المذكورة المحصر، والحاق المصدود به من غير
دليل مشكل. والواجب الوقوف في الحكم بها على موردها، وإن لم
يقل بذلك أحد منهم. والظاهر أن ذلك من حيث عدم الوقوف على
الروايات المذكورة، كما يشعر به كلام الشيخ المتقدم، وإلا فاطراحها
- مع صراحتها ولا معارض لها - ليس من قواعدهم سيما مع صحتها.
وحينئذ فيختص البقاء على الاحرام بالمصدود خاصة، لحصول البدل
في هدي المحصور فينتقل إليه. وحيث قلنا ببقاء المصدود مع العجز
عن الهدي على احرامه فليستمر عليه إلى أن يتحقق الفوات، فيتحلل
حينئذ بعمرة إن أمكن، وإلا بقي على احرامه إلى أن يجد الهدي أو
يقدر على العمرة، لأن التحلل منحصر فيهما كما لا يخفى.
الثامنة - يتحقق الصد في احرام العمرة بالمنع عن مكة، وفي احرام
الحج بالمنع عن الموقفين أو أحدهما مع فوات الآخر ولا يتحقق بالمنع

(1) الوسائل الباب 7 من الاحصار والصد
(2) الوسائل الباب 7 من الاحصار والصد
24

من مناسك منى، وفي تحققه بالمنع عن مكة بعد الموقفين والتحلل أو
قبله اشكال.
وتفصيل هذه الجملة أنه لا خلاف في تحقق الصد بالمنع عن الموقفين
في الحج، وكذا عن أحدهما إذا كان من ما يفوت بفواته الحج، كما
سيأتي - إن شاء الله تعالى - في تحرير أقسامه الثمانية في موضعه اللائق به.
وأما إذا أدرك الموقفين أو ما به يدرك ثم صد، فإن كان عن
مناسك منى خاصة، فإن له أن يستنيب في الرمي والذبح - كما في
المريض - ثم يحلق ويتحلل. أما لو لم يمكن الاستنابة فاشكال،
لاحتمال البقاء على احرامه تمسكا بالأصل، وجواز التحلل لصدق
الصد، فيتناوله عموم ما دل على جواز التحلل مع الصد. ولعله
الأقرب. وكذا الوجهان لو كان المنع عن مكة ومنى. وجزم العلامة
في المنتهي والتذكرة بالجواز، نظرا إلى أن الصد يفيد التحلل من الجميع
فمن بعضه أولى. وهو قريب.
ولو صد عن مكة خاصة بعد التحلل في منى فقد صرح جماعة
منهم: الشهيد في الدروس - بعدم تحقق الصد، فيبقى على احرامه
بالنسبة إلى الطيب والنساء والصيد إلى أن يأتي ببقية الأفعال.
ونقل ذلك عن المحقق الشيخ علي في حواشي القواعد، قال:
لأن المحلل من الاحرام إما الهدي للمصدود والمحصور أو الاتيان
بأفعال يوم النحر والطوافين والسعي، فإذا شرع في الثاني وأتى بمناسك
منى يوم النحر تعين عليه الاكمال، لعدم الدليل على جواز التحلل
بالهدي، وحينئذ فيبقى على احرامه إلى أن يأتي بباقي المناسك. انتهى.
والحق أن الاشكال المتقدم جار هنا أيضا، فإنه من المحتمل قريبا
25

- بل لعله الأقرب - أن النصوص الدالة على التحلل بالهدي في صورة
الصد شاملة بعمومها لهذه الصورة ومتى صدق عليه أنه مصدود وجب
اجراء حكم المصدود عليه من التحلل بالهدي ونحوه.
بقي الكلام في أنه ينبغي أن يقيد ذلك بعدم خروج ذي الحجة وإلا
اتجه التحلل البتة، لما في بقائه على ذلك إلى العام القابل من الحرج
المنفي بالآية والرواية (1).
ولا يتحقق الصد بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت
اجماعا، على ما نقله جمع من الأصحاب، بل يحكم بصحة حجه،
ويستنيب في الرمي إن أمكن، وإلا قضاه في القابل.
وأما لو كان الصد في عمرة التمتع فلا ريب في أنه يتحقق بالمنع
من دخول مكة، وبالمنع بعد الدخول من الاتيان بالأفعال.
قال في المسالك: وفي تحققه بالمنع من السعي بعد الطواف خاصة
وجهان، من اطلاق النص، وعدم مدخلية السعي (2) في التحلل،
وعدم التصريح بذلك في النصوص والفتوى. ثم قال: والوجهان آتيان
في عمرة الافراد مع زيادة اشكال في ما لو صد بعد التقصير عن طواف
النساء، فيمكن أن لا يتحقق حينئذ الصد بل يبقى على احرامه بالنسبة
إليهن. ثم قال: وأكثر هذه الفروع لم يتعرض لها الجماعة بنفي
ولا اثبات، فينبغي تحقيق الحال فيها.
وظاهر المدارك وقوع الاشكال أيضا في طواف العمرة، حيث قال:

(1) ارجع إلى الحدائق ج 1 ص 151
(2) هكذا أوردت العبارة المحكية عن المسالك في نسخ الحدائق. والوارد
في المسالك في شرح قول المحقق: " ويتحقق الصد بالمنع من الموقفين...) "
هكذا: " وعدم مدخلية الطواف في التحلل ". وهو الصحيح
26

ومن منع من الطواف خاصة استناب فيه مع الامكان، ومع التعذر
يبقى على احرامه إلى أن يقدر عليه أو على الاستنابة. ويحتمل قويا
جواز التحليل مع خوف الفوات، للعموم، ونفي الحرج اللازم من بقائه
على الاحرام. وكذا الكلام في السعي وطواف النساء في المفردة. انتهى.
أقول: لا يخفى - على من أعطى التأمل حقه في روايا ت الحصر
والصد الواردة في هذا الباب - أن المستفاد منها على وجه لا يكاد
يداخله الارتياب إنما هو حصول أحد الأمرين بعد الاحرام وقبل
التلبس بشئ من أفعال الحج أو العمرة، وقرائن ألفاظها ومقتضى أحوالها
شاهدة بما قلناه لمن تأملها بعين الانصاف، فكثير من ما ذكر هنا من
هذه الفروع لا يخلو من الاشكال، سيما مع ما عرفت من أن الصد
المذكور في الأخبار له أحكام تترتب عليه، من وجوب الهدي،
ووجوب الحج من قابل متى كان الحج واجبا، وحل النساء له، ونحو
ذلك. والله العالم.
التاسعة - قد صرح جملة من الأصحاب بأنه إذا حبس بدين،
فإن كان قادرا عليه لم يتحلل، لأنه بالقدرة على ذلك يكون متمكنا
من السير فلا يتحقق الصد في حقه، أما لو عجز فإنه يتحلل. وعلله
في المنتهى يتحقق الصد الذي هو المنع، لعجزه من الوصول باعساره.
واستشكل بعض المتأخرين هذا الحكم بأن المصدود ليس هو الممنوع
مطلقا بل الممنوع بالعدو، وطالب الحق لا تتحقق عداوته.
وأجيب عنه بأن العاجز عن أداء الحق لا يجوز حبسه، فيكون
الحابس ظالما. وبالمنع من اختصاص الصد بالمنع من العدو ولأنهم عدوا
من أسبابه فناء النفقة وفوات الوقت ونحو ذلك.
27

قال في المدارك بعد نقل ذلك: وفيهما معا نظر. ثم قال: وكيف
كان فالأجود ما أطلقه المصنف وغيره من جواز التحلل مع العجز،
لأن المصدود هو الممنوع لغة، إلا أن مقتضى الروايات اختصاصه بما
إذا كان المنع بغير المرض، وذكر العدو في بعض الأخبار إنما وقع على
سبيل التمثيل لا لحصر الحكم فيه. انتهى.
أقول: لا يخفى أن صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في أول المقصد (1)
قد دلت على أن المحصور هو المريض، والمصدود هو الذي رده المشركون
كما ردوا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مرسلة الصدوق المتقدمة (2)
عن الصادق (عليه السلام) قد دلت على أن المحصور والمضطر ينحران
بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه، ورواية الفضل بن يونس الآتية (3)
عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قد دلت على أن الرجل الذي
أخذه سلطان فحبسه ظالما له يوم عرفة، قال: هذا مصدود عن الحج.
ويحصل من مجموع هذه الروايات وضم بعضها إلى بعض أن المصدود
هو الممنوع بعدو كان أو بظالم أو بقلة نفقة أو خوف في طريقه. وبه يظهر
قوة ما استجوده في المدارك وضعف تنظره في ما نقله من الوجهين المتقدمين.
قال العلامة في المنتهي ولا فرق بين الحصر العام وهو أن يصده
المشركون ويصدوا أصحابه وبين الحصر الخاص في حق شخص واحد، مثل
أن يحبسه ظالم بغير حق أو يأخذه اللصوص وحده، لعموم النص،
ووجود المعنى المقتضي لجواز التحلل في الصورتين. وكما أنه لا فرق
بينهما في جواز التحلل فلا فرق بينهما في وجوب القضاء وعدم وجوبه
فكل موضع حكمنا فيه بوجوب القضاء في الصد العام فهو ثابت في

(1) ص 4
(2) ص 9
(3) ص 30
28

الصد الخاص، وما لا يجب فيه هناك فهو لا يجب فيه هنا. انتهى. وهو
جيد، لما عرفت.
العاشرة - اعلم أن جملة من المتقدمين ومتقدمي المتأخرين صرحوا
بالمسألة التي قدمنا ذكرها، من أنه لو حبس بدين فإن كان قادرا على
أدائه لم يكن مصدودا ومع العجز يكون مصدودا. ثم قالوا: وكذا
لو حبس ظلما. ومن جملة المصرحين بذلك المحقق في الشرائع.
وشراح كلامهم في هذا المقام قد اضطربوا في هذا التشبيه وأن
المشبه به ما هو؟ وقد أطال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في توجيه
ذلك. ولنقتصر على نقل ما ذكره سبطه في المدارك، فإنه ملخص ما
ذكره جده (رحمه الله).
قال: (قدس سره) - بعد قول المصنف: (وكذا لو حبس ظلما):
يمكن أن يكون المشبه به المشار إليه ب‍ (ذا) ثبوت التحلل مع العجز
والمراد أنه يجوز تحلل المحبوس ظلما. وهو باطلاقه يقتضي عدم
الفرق بين أن يكون المطلوب منه قليلا أو كثيرا، ولا بين القادر على
دفع المطلوب منه وغيره. ويمكن أن يكون مجموع حكم المحبوس
بدين بتفصيله، بمعنى أن المحبوس ظلما على مال إن كان قادرا عليه
لم يتحلل وإن كان عاجزا تحلل. إلا أن المتبادر من العبارة هو الأول
وهو الذي صرح به العلامة في جملة من كتبه. وأورد عليه أن الممنوع
بالعدو إذا طلب منه مال يجب بذله مع المكنة كما صرح به المصنف
وغيره، فلم لا يجب البذل على المحبوس ظلما إذا كان حبسه يندفع
بالمال وكان قادرا عليه؟ وأجيب عن ذلك بالفرق بين المسألتين، فإن
الحبس ليس بخصوص المنع من الحج ولهذا لا يندفع الحبس لو أعرض
عن الحج، بخلاف منع العدو فإنه للمنع من الميسر حتى لو أعرض عن
29

الحج خلى سبيله. وحينئذ فيجب بذل المال في الثاني لأنه بسبب الحج
دون الأول. وهذا الفرق ليس بشئ، لأن بذل المال للعدو المانع من
الميسر إنما وجب لتوقف الواجب عليه، وهذا بعينه آت في صورة
الحبس إذا كان يندفع بالمال. وبالجملة فالمتجه تساوي المسألتين في
وجوب بذل المال المقدور، لتوقف الواجب عليه سواء كان ذلك قبل
التلبس بالاحرام أو بعده. انتهى.
أقول: الظاهر أن الأصل في هذا الحكم الذي ذكره المتقدمون
إنما هو ما رواه الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب في الموثق عن
الفضل بن يونس عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) (1) قال:
(سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن
يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى سبيله،
كيف يصنع؟ قال: يلحق فيقف بجمع، ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح
ويحلق، ولا شئ عليه. قلت: فإن خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟
قال: هذا مصدود عن الحج، إن كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى
الحج، فليطف بالبيت أسبوعا، ثم يسعى أسبوعا، ويحلق رأسه،
ويذبح شاة، وإن كان دخل مكة مفردا للحج فليس عليه ذبح ولا
حلق) وفي الكافي (ولا شئ عليه) بين قوله: (فليس عليه ذبح)
وقوله: (ولا حلق).
وإلى هذا الفرد أشار العلامة في ما قدمنا نقله عنه في آخر المقالة
السابقة. وبه يظهر أن المشبه به في كلامهم إنما هو المحبوس بالدين

(1) الكافي ج 4 ص 371، والتهذيب ج 5 ص 465، والوسائل الباب
3 من الاحصار.
30

العاجز عن أدائه فإنه يتحلل. وكذا المحبوس ظلما. وأما أن حبسه
لأجل المال أم لا، ويمكن دفعه بالمال أم لا، فهو غير مراد ولا ملحوظ
كما عرفت من الرواية المذكورة. وأما ما ذكروه من التوجيهات
والاشكالات فتكلفات لا ضرورة لها مع ظهور المعنى وصحته.
وبنحو هذه الرواية صرح في كتاب الفقه الرضوي (1) حيث قال
(عليه السلام): ولو أن جلا حبسه سلطان جائر بمكة وهو متمتع
بالعمرة إلى الحج ثم أطلق عنه ليلة النحر، فعليه أن يلحق الناس
بجمع ثم ينصرف إلى منى فيذبح ويحلق ولا شئ عليه، وإن خلى يوم
النحر بعد الزوال فهو مصدود عن الحج إن كان دخل مكة متمتعا
بالعمرة إلى الحج، فليطف بالبيت أسبوعا ويسعى أسبوعا ويحلق رأسه
ويذبح شاة، وإن كان دخل مكة مفردا للحج، فليس عليه ذبح،
ولا شئ عليه.
وهذه العبارة قد نقلها في المختلف عن علي بن الحسين بن بابويه،
قال: ولو أن رجلا.. إلى قوله: وإن كان مفردا للحج فليس عليه
ذبح، ولا شئ عليه. ثم زاد: بل يطوف بالبيت، ويصلي عند مقام
إبراهيم (عليه السلام) ويسعى بين الصفا والمروة، ويجعلها عمرة،
ويلحق بأهله. انتهى. ولا أدري هذه الزيادة هل سقطت من نسخة
الكتاب التي عندي؟ فإنها كثيرة الغلط، أو أنها زيادة من علي بن الحسين
على العبارة المذكورة لمزيد الإيضاح فيها.
ثم إن العلامة - بعد نقل ذلك عن علي بن الحسين (رحمه الله) -
قال: وقد اشتمل هذا الكلام على حكمين، أحدهما أن ادراك الحج

(1) ص 29
31

يحصل بادراك جمع قبل الزوال، وهو مفهوم من كلامه. وفيه نظر.
الثاني - ايجاب الدم على المتمتع مع الفوات. وفيه نظر، فإنه يتحلل
بالعمرة. والأقرب أنه لآدم عليه، ولا فرق بينه وبين المفرد. انتهى.
أقول: قد عرفت أن هذه العبارة إنما هي كلام الرضا (عليه
السلام) في الكتاب المذكور. ومثلها في الدلالة على الحكمين المذكورين
موثقة الفضل بن يونس المذكورة. وسيجئ (إن شاء الله تعالى) تحقيق
كل من المسألتين المذكورتين في المحل اللائق به.
الحادية عشرة - قد تقدم أن المصدود يجوز له التحلل بذبح الهدي
وإن كان الأفضل له التأخير والانتظار لزوال المانع، فلو صابر ولم
يتحلل حتى فات الحج، فإن تمكن من دخول مكة بعد الفوات أو كان
فيها، فإنه يتحلل بالعمرة، لامكانها وانتفاء الصد عنها. ويسقط الهدي
لحصول التحلل بالعمرة. وإن لم يتمكن من دخول مكة، تحلل من
العمرة بالهدي، وإن استحب الصبر مع رجاء زوال العذر.
قال في المسالك: ولا فرق في ذلك بين رجاء زوال العذر قبل خروج
الوقت مع المصابرة وعدمه، بل يجوز الصبر إلى أن يفوت الوقت مطلقا.
وقال في الدروس: وعلى هذا فلو صار إلى بلده ولما يتحلل وتعذر
العود في عامه لخوف الطريق فهو مصدود، فله التحليل بالذبح والتقصير
في بلده.
ويأتي تحقيق الكلام في المسألة (إن شاء الله تعالى) عند الكلام
في مسألة من فاته الحج.
وكيف كان فإن عليه القضاء بعد ذلك لو كان الحج واجبا
مستقرا في ذمته، فلا يجب قضاء المندوب بالأصل وإن كان قد وجب
32

بالشروع فيه، ولا ما وجب في عامه ولم يتحقق التقصير في التأخير،
كما تقدم بيانه في محله.
بقي الكلام في ما إذا غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات،
فإن ظاهر الجماعة جواز التحلل، كما صرح به غير واحد منهم،
وظاهر المدارك المناقشة في الحكم المذكور، مستندا إلى أن ما وصل
إليه من الروايات لا عموم فيه بحيث يتناول هذه الصورة، ومع انتفاء
العموم يشكل الحكم بالجواز، قال: ويلوح من كلام الشارح في
الروضة وموضع من الشرح: إن التحلل إنما يسوغ إذا لم يرج المصدود
زوال العذر قبل خروج الوقت. ولا ريب أنه أولى. انتهى. أقول:
فيه ما تقدم في المقالة الثانية.
ثم إنه لو أنكشف العدو قبل التحلل والوقت باق، وجب عليه
الاتمام، لأنه محرم ولو يأت بالمناسك. ولروايتي الفضل بن يونس
وكتاب الفقه. وأما لو كان انكشافه بعد فوات الوقت، فإنه يتحلل
بعمرة مفردة، كما في الروايتين المشار إليهما أيضا.
الثانية عشرة - قد تقدم أنه لو أفسد المحرم حجه بالوطئ قبل
الموقفين أو أحدهما، وجب عليه بدنة، واتمام حجه، والقضاء من
قابل، فلو صد بعد الافساد، وجب عليه مع ذلك الهدي للتحلل،
إن أراد التحلل ولم يصابر، فالصد أوجب الهدي، والافساد أوجب
الثلاثة المذكورة، إلا أن وجوب الاتمام سقط هنا بالصد.
ثم إنه قد اختلف الأصحاب - كما تقدم - في أنه هل الأولى هي
الفريضة، والثانية عقوبة، أو الفريضة هي الثانية، واتمام الأولى
عقوبة؟ وقد قدمنا أن المختار هو الأول.
33

ثم إنه قد تقدم أيضا أن وجوب القضاء على المصدود إنما هو في
صورة ما إذا كان الحج واجبا مستقرا في الذمة.
وعلى هذا ففي المسألة صور: الأولى - أن يقال إن حجة الاسلام
هي الأولى والثانية عقوبة. وقد صرح جملة من الأصحاب بأن
الواجب على تقدير هذا القول الاتيان بحجتين بعد الصد والتحلل
مع وجوب الحج واستقراره، وبيانه أنه لا اشكال في وجوب الحج
ثانيا بالافساد، سواء قلنا إن الأولى هي حجة الاسلام والثانية عقوبة
أو بالعكس. وحينئذ فمتى قلنا بأن الأولى هي الفرض - وقد عرفت
أن الحج الواجب المستقر متى صد عنه وتحلل منه وجب قضاؤه - وجب
القضاء في هذه الصورة، لأنها أحد جزئيات هذه الكلية. وعلى هذا
فيجب عليه أولا حجة القضاء ثم حج العقوبة للافساد السابق.
الثانية - إن الحج ليس بمستقر والواجب حج العقوبة خاصة،
ويسقط القضاء، لأن القضاء مراعى بفوته مع الاستقرار في الذمة،
كما تقدم تحقيقه في محله، وهنا ليس كذلك كما هو المفروض.
الثالثة - أن يكون الحج مستحبا، وهو وإن وجب بالشروع فيه كما
تقدم، ووجب قضاؤه بالافساد أيضا، واتمامه، كما تقدم في محله، إلا
أنه لا يجب قضاؤه بالصد عنه اتفاقا نصا وفتوى في ما أعلم. وحينئذ
فمتى صد عنه وتحلل منه سقط أداء وقضاء وبقي حج الافساد خاصة.
الرابعة - أن يقال: إن الأولى عقوبة والثانية حجة الاسلام.
ولا ريب ولا اشكال - كما عرفت - في وجوب الحج ثانيا، وهو على
هذا القول يكون قضاء لحج الاسلام.
بقي الكلام في الحج الأول الذي أفسده وهو عقوبة على هذا القول
34

هل يجب قضاؤه أم لا؟ قولان: قيل بالأول، لأنه حج واجب قد
صد عنه، وكل حج واجب صد عنه يجب قضاؤه. وعلى هذا فيجب
حجان. وقيل بالثاني، لأن الصد والتحليل مسقط لوجوب الأولى،
والقضاء يتوقف على الدليل، ولا دليل في المقام، إذ المستفاد من
أخبار القضاء إنما هو بالنسبة إلى حج الاسلام. ومن هنا يظهر منع
كلية الكبرى. وحينئذ فالواجب هنا حج واحد لا غير.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر المحقق الأردبيلي (قدس سره)
المناقشة في الصورة الأولى، حيث احتج بعد أن قال أولا: ثم الظاهر
عدم وجوب غير حج واجب واحد في الصور كلها، سواء قلنا إن الاتمام عقوبة
أو الحج من قابل عقوبة - بأنه بعد الصد عن الاتمام إذا تحلل عنه
بالهدي أو بالعمرة لم يعلم وجوب القضاء لهذا الفاسد مطلقا، سواء
قلنا إنه عقوبة أو الذي شرع فيه أولا، إذا لا يعلم دليل عليه،
وإنما الدليل في الحج الصحيح الذي صد عنه وتحلل عنه مع عدم
وجوب شئ آخر.
ومرجع كلامه (طاب ثراه) إلى أن الدليل الدال على وجوب
القضاء على المصدود مخصوص بالحج الصحيح، ولا عموم فيه على وجه
يتناول الحج الفاسد.
وهو مشكل، فإنا لم نقف في روايات الصد على ما يوجب القضاء
على المصدود حتى أنه يختص ذلك بالصد عن الحج الصحيح دون الفاسد
وإنما المستند في ذلك الروايات الدالة على وجوب الحج على المستطيع
مطلقا (1) والقضاء في كلام الأصحاب ليس مرادا به معناه المعروف،

(1) الوسائل الأبواب المتفرقة من وجوب الحج وشرائطه.
35

وهو الاتيان بالفعل في خارج وقته، لأن الحج لا وقت له وإن وجب
فورا بل المراد به مجرد الفعل. وحينئذ فإذا كانت الأدلة الدالة على وجوب
الحج على المصدود الذي تحلل إنما هي الأخبار الدالة على وجوب الحج
على المستطيع مطلقا - حيث إنه من جملة من يدخل تحت هذا الخطاب -
فلا فرق في ذلك بين ما إذا كان الصد عن حج صحيح أو فاسد في
تناول الخطاب، فإنه لما علم تعلق الخطاب بكل منهما من حيث
الاستطاعة واستقراره في الذمة، فلا تبرأ الذمة إلا بالاتيان به من
المكلف نفسه أو نائبه في حياته أو بعد موته. وهذا - بحمد الله تعالى -
ظاهر لا سترة عليه.
هذا كله إذا تحلل قبل انكشاف العدو وضاق الوقت بعد انكشافه.
أما لو تحلل ثم انكشف العدو والوقت يسع الاتيان بالحج، فإنه
لا خلاف ولا اشكال في وجوب الاتيان بالحج.
قال في المنتهى: وهو حج يقضي لسنته، وليس يتصور القضاء في العام
الذي أفسد فيه في غير هذه المسألة. ولو ضاق الوقت قضى من قابل.
والظاهر أن مبنى كلامه (قدس سره) على ما هو المختار عنده من أن حج
الاسلام هو الثاني والأول عقوبة، فإنه بعد التحلل من ذلك
الحج الفاسد سقطت العقوبة، وحج العقوبة لا يقضي كما تقدم،
فيستأنف عند زوال العذر حج الاسلام. والقضاء هنا بمعنى الاستئناف
والتدارك. ولا يجب عليه سواه، لما عرفت من عدم جوب قضاء حج
العقوبة. فهو حج يقضي لسنته في هذه الصورة خاصة من حيث اتساع
الوقت له، لأنه في غير صورة الصد يجب عليه المضي في الفاسدة التي
ذكرنا أن اتمامها عقوبة، فيتأخر القضاء إلى العام القابل. وفي صورة
36

الصد مع القول بكون الأولى حجة الاسلام والثانية عقوبة لم يكن
حجا يقضي لسنته، لأن الواقع بعد التحلل في السنة الأولى حج الاسلام
ولا يصح وصفها بكونها قضاء لأنه ليس محلها العام الثاني وقدمت
هنا عليه - كما في الصورة الأولى - حتى يقال، إنه حج يقضي لسنته،
وإنما محلها العام الأول.
ولهم في معنى هذه العبارة أعني قولهم: (حج يقضي لسنته)
اختلاف ليس في التعرض له كثير فائدة، والمعتمد عندهم ما ذكرناه.
وأما لو لم يتحلل بالكلية بل صابر إلى أن ينكشف العدو، فإن
انكشف والوقت يسع الاتيان بالحج وجب المضي في الحج الفاسد
وإن كان مندوبا، ووجب القضاء في القابل بالافساد، وإن ضاق الوقت
تحلل بعمرة، ويلزمه بدنة للافساد، ولا شئ عليه للفوات، وعليه
الحج من قابل سواء كان الحج واجبا أو ندبا. لأن التطوع يكون
واجبا بالافساد.
الثالثة عشرة - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو لم
يندفع العدو إلا بالقتال، فإنه لا يجب عليه القتال، سواء غلب على
ظنه السلامة أو العطب.
واستدل عليه في المنتهى بأن في التكليف به مشقة زائدة وخطرا
عظيما، لاشتماله على المخاطرة بالنفس والمال، فكان منفيا بقوله (عز
وجل): وما جعل عليكم في الدين من حرج (1) وقوله (صلى الله عليه
وآله) (2): (لا ضرر ولا ضرار). وهو جيد متى بلغ الأمر إلى ذلك

(1) سورة الحج، الآية 78
(2) الوسائل الباب 5 من الشفعة، والباب 12 من احياء الموات.
37

والحكم بذلك مقطوع به في كلامهم.
نعم بقي الكلام في الجواز، فقال الشيخ في المبسوط: إذا أحرموا
فصدهم العدو، فإن كان مسلما كالا عراب والأكراد، فالأولى ترك قتالهم
وينصرفون إلا أن يدعوهم الإمام أو من نصبه إلى قتالهم، وإن كان
مشركا لم يجب على الحاج قتالهم، لأن قتال المشركين لا يجب إلا
بإذن الإمام أو الدفع عن النفس أو الاسلام، وليس هنا واحد منهما،
وإذا لم يجب فلا يجوز أيضا، سواء كانوا قليلين أو كثيرين. انتهى.
وهو ظاهر في عدم جواز قتال المشركين.
وصرح جملة من الأصحاب - منهم: العلامة والشهيد بالجواز لمشرك
كان أو غيره، مع ظن الظفر، لأنه نهى عن منكر فلا يتوقف على إذن
الإمام (عليه السلام).
قال في الدروس: ومنعه الشيخ التفاتا إلى إذن الإمام في الجهاد.
ويندفع بأنه نهى عن منكر. واستجوده في المدارك، وأيده بأن المانع
أن يمنع توقف الجهاد على الإذن إذا كان لغير الدعوة إلى الاسلام،
قال: فإنا لم نقف في ذلك على دليل يعتد به.
وقال في المسالك - بعد نقل الجواز عن العلامة والشهيد، واحتجاجهما
بأنه نهي عن منكر، فلا يتوقف على إذن الإمام - ما صورته: ويشكل
بمنع عدم توقف النهي المؤدي إلى القتال أو الجرح على إذن الإمام،
وهما قد اعترفا به في بابه. وبأن ذلك لو تم لم يتوقف الجواز على
ظن الظفر، بل متى جوزه كما هو الشرط فيه. وأيضا الحاقه بباب
النهي عن المنكر يفضي إلى وجوبه لا إلى جوازه بالمعنى الأخص، وهم
قد اتفقوا على عدم الوجوب مطلقا. انتهى.
38

ونقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال: لو طمع المحرم في
دفع من صده إذا كان ظالما له بقتال أو غيره كان ذلك مباحا له، ولو
أتى على نفس الذي صده، سواء كان كافرا أو ذميا أو ظالما.
قال في المختلف بعد نقله ذلك: وقول ابن الجنيد لا بأس به، انتهى.
ولا بأس به.
ولو توقف زوال العدو على دفع مال، فقيل بعدم وجوب بذله،
وقيل بالوجوب إذا لم يجحف. وقد تقدم تحقيق المسألة في شرائط
وجوب الحج.
المطلب الثاني - في الاحصار، وهو - كما عرفت - المنع بالمرض من
مكة أو من الموقفين.
والكلام في ما يتحقق به الحصر جار على نحو
ما تقدم في ما يتحقق به الصد.
والكلام في هذا المطلب يقع أيضا في مواضع:
الأول - لا خلاف بين الأصحاب في أن تحلل المحصر يتوقف على
الهدي، وإنما الخلاف في البعث وعدمه، فالمشهور بينهم أنه يجب
بعث الهدي إلى منى إن كان حاجا، وإلى مكة إن كان معتمرا، ولا
يحل حتى يبلغ الهدي محله، فإذا بلغ الهدي محله قصر وأحل من كل
شئ إلا النساء. قاله الشيخ وابنا بابويه وأبو الصلاح وابن البراج
وابن حمزة وابن إدريس. وقال ابن الجنيد بالتخيير بين البعث وبين
الذبح حيث أحصر فيه. وقال سلار: المحصور بالمرض اثنان:
أحدهما في حجة الاسلام والآخر في حجة التطوع، فالأول يجب بقاؤه
على احرامه حتى يبلغ الهدي محله، ثم يحل من كل شئ أحرم منه
إلا النساء، فإنه لا يقربهن حتى يقضي مناسكه من قابل، والثاني ينحر
39

هديه وقد أحل من كل شئ أحرم منه. وعن الجعفي أنه يذبح مكان
الاحصار ما لم يكن ساق.
ويدل على القول المشهور ظاهر الآية، وهي قوله تعالى: ولا تحلقوا
رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله (1).
قال في المدارك: وهي غير صريحة في ذلك، لاحتمال أن يكون
معناة: (حتى تنحر وا هديكم حيث حبستم) كما هو المنقول من فعل
النبي (صلى الله عليه وآله) (2).
وفيه: أن الظاهر من الأخبار أن المراد بمحل الهدي وبلوغه محله
إنما هو مكة أو منى، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
ومن أظهر الأخبار في ذلك ما تقدم في حديث حج الوداع الطويل المتقدم في
المقدمة الرابعة من الباب الأول (3) من احتجاجه (صلى الله
عليه وآله) على عدم الاحلال بسياق الهدي، وأنه لا يجوز لسائق الهدي
الاحلال حتى يبلغ محله، يعني: منى، كما لا يخفى.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: (سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي.
قال: يواعد أصحابه ميعادا، إن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر
فإذا كان يوم النحر فليقص من رأسه، ولا يحب عليه الحلق حتى يقضي

(1) سورة البقرة، الآية 195
(2) وقد تقدم نقله ص 9 و 10
(3) ج 14 ص 315 إلى 319
(4) التهذيب ج 5 ص 421 و 422، والكافي ج 4 ص 369، والوسائل
الباب 2 من الاحصار والصد.
40

المناسك. وإن كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة
التي يعدهم فيها، فإذا كان تلك الساعة قصر وأحل... الحديث)
وفي قوله: (إن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر) ما يشير إلى
تفسير محل الهدي في الآية بأنه هذا المكان في الحج ومكة في العمرة.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه
السلام) (1) قال: (إذا أحصر الرجل بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد
من نفسه خفة.. الحديث) وسيأتي قريبا (2) (إن شاء الله تعالى).
وما رواه في الكافي (3) عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " إذا أحصر الرجل فبعث بهدية فإذا رأسه.. الحديث ".
وما رواه في الكافي (4) عن رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (قلت: رجل ساق الهدي ثم أحصر؟ قال: يبعث بهديه.
قلت: هل يستمتع من قابل؟ قال: لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه)
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر
(عليه السلام) وعن رفاعة في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
أنهما قالا: (القارن يحصر وقد قال واشترط: فحلني حيث حبستني؟
قال: يبعث بهديه. قلت: هل يتمتع في قابل؟ قال: لا ولكن
يدخل في مثل ما خرج منه).

(1) الوسائل الباب 3 من الاحصار والصد
(2) ص 55
(3) ج 4 ص 370، 371 والتهذيب ج 5 ص 334 و 423 بطريقين،
والوسائل الباب 5 من الاحصار والصد.
(4) ج 4 ص 371، والوسائل الباب 4 من الحصار والصد.
(5) الوسائل الباب 4 من الاحصار والصد
41

وما رواه في التهذيب (1) في الموثق عن زرعة قال: (سألته عن رجل
أحصر في الحج. قال: فليبعث بهدية إذا كان مع أصحابه، ومحله أن يبلغ
الهدي محله، ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج، وإذا كان في عمرة
نحر بمكة. وإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم
فقد وفي، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى) وفيه إشارة
إلى ما قدمنا ذكره من معنى بلوغ الهدي محله.
إلا أن بإزاء هذه الأخبار ما يدل على خلافها، ومنها قوله (عليه
السلام) في تتمة صحيحة معاوية بن عمار المذكورة صدر هذه الروايات
بعد ما ذكر ما قدمناه منهما: (وإن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم
فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة.. إلى آخره) وقد تقدم
بكماله في صدر هذا المقصد (2) وذكر فيه حديث الحسين (عليه السلام)
وأنه لما بلغ عليا (عليه السلام) خبره فأتى إليه حلق رأسه ونحر
بدنة عنه ورجع به إلى المدينة.
ومنها: ما رواه الصدوق في الصحيح عن رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: ((خرج الحسين (عليه السلام) معتمرا وقد
ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا، فبرسم، فحلق شعر رأسه ونحرها مكانة
ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب، فقال علي (عليه السلام): ابني
ورب الكعبة، افتحوا له الباب. وكانوا قد حموه الماء فأكب عليه فشرب
ثم اعتمر بعد).

(1) ج 5 ص 423، والوسائل الباب 2 من الاحصار والصد
(2) ص 5 و 6
(3) الفقيه ج 2 ص 305، والوسائل الباب 6 من الاحصار والصد
42

ومنها: ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (!) أنه قال (في المحصور ولم يسق الهدي؟
قال: ينسك ويرجع، فإن لم يجد ثمن هدي صام).
ومنها: مرسلة الفقيه (2) عن الصادق (عليه السلام) (المحصور
والمضطر ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه).
ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بالتخيير كما ذهب إليه ابن الجنيد.
ويحتمل أيضا حمل الأخبار الأخيرة على عدم إمكان البعث، فيجوز
له ذلك في مكان الحصر. ولعل في مرسلة الصدوق ما يشير إلى ذلك.
ويحتمل أيضا حمل أخبار البعث على السياق الواجب والنحر في
محل الحصر على ما لم يكن كذلك.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من الاشكال. والاحتياط في الوقوف على
القول المشهور.
وأما ما نقل عن سلار من التفصيل بين الحج الواجب والمندوب
فيدل عليه ما رواه شيخنا المفيد في المقنعة (3) مرسلا قال: قال (عليه
السلام): المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على احرامه حتى
يبلغ الهدي محله ثم يحل، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من
قابل. هذا إذا كان حجة الاسلام، فأما حجة التطوع فإنه ينحر هديه
وقد أحل من ما كان أحرم منه، فإن شاء حج من قابل وإن شاء لا يجب
عليه الحج. والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه بمكانه ويقصر

(1) الوسائل الباب 7 من الاحصار والصد رقم 2 و 1
(2) ج 2 ص 305، والوسائل الباب 6 من الاحصار والصد
(3) ص 71، والوسائل الباب 1 من الاحصار والصد
43

من شعر رأسه ويحل، وليس عليه اجتناب النساء، سواء كانت حجته فريضة
أو سنة. انتهى.
الثاني - قد عرفت سابقا أنه على تقدير وجوب البعث فإنه يجب
عليه البقاء على احرامه حتى يبلغ الهدي محله، والمراد ببلوغه محله
يعني: حضور الوقت الذي واعد أصحابه للذبح أو النحر في المكان
المعين، كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار وموثقة زرعه، فإذا حضر
ذلك الوقت أحل من كل شئ إلا من النساء، حتى يحج من القابل
إن كان الحج واجبا، أو يطاف عنه إن كان الحج مستحبا.
هكذا ذكره الأصحاب، بل قال في المنتهى: إنه قول علمائنا. مؤذنا
بدعوى الاجماع عليه. والروايات قاصرة عن هذا التفصيل.
أما أنه لا تحل له النساء بمجرد الذبح أو النحر في عام الحصر
فلا اشكال فيه، لقوله. (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار
المتقدمة في صدر المقصد (1): (والمصدود تحل له النساء والمحصور لا تحل
له النساء) وقوله في صحيحته الثانية (2) المتضمنة لحصر الحسين (عليه
السلام). (أرأيت حين برئ من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلت
له النساء؟ قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة).
وأما أنه تحل له بعد الطواف فهو صريح صحيحة معاوية المذكورة
ثانيا. ومثلها قوله (عليه السلام) في كتاب الفقه الرضوي (3)
في المحصور كما تقدم نقل عبارته: ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله،
فإذا بلغ الهدي محله أحل وانصرف إلى منزله، وعليه الحج من قابل
ولا يقرب النساء حتى يحج من قابل.

(1) ص 4
(2) ص 5 و 6
(3) ص 29
44

واطلاق هذه الأخبار شامل لما لو كان الحج واجبا أو مستحبا
بمعنى أن توقف الاحلال على الحج ثانيا والاتيان بطواف النساء أعم
من أن يكون الحج واجبا أو مندوبا.
ولم نقف على دليل يدل على ما ذكروه من الاستنابة في طواف النساء
متى كان الحج مندوبا، بل هذه روايات المسألة كما سمعت. والعلامة
بعد ذكر هذا الحكم في المنتهى لم يستدل عليه بشئ سوى ما يفهم
من كلامه واسناده ذلك إلى علمائنا، المؤذن بدعوى الاجماع عليه
كما قدمنا ذكره.
ونقل عن جمع من المتأخرين الاستدلال عليه بأن الحج المندوب
لا يجب العود لاستدراكه، والبقاء على تحريم النساء ضرر عظيم،
فاكتفى في الحل بالاستنابة في طواف النساء.
وفيه: ما عرفت من أن اطلاق الروايات المتقدمة دال على أنه لا تحل
له النساء حتى يطوف بالبيت - كما في صحيحة معاوية بن عمار - أو حتى
يحج من قابل، كما في عبارة كتاب الفقه. واللازم إما العمل باطلاق
هذه الأخبار، فلا يتحلل إلا بالاتيان به واجبا كان الحج أو مستحبا.
وفيه: ما تقدم من الاشكال الذي ذكره جمع من المتأخرين. وأما حمل
هذه الأخبار على الحج الواجب خاصة والقول بالسقوط في المستحب، وعدم
وجوب الاتيان بطواف النساء لا بنفسه ولا بالاستنابة. ولعله الأقرب.
وتؤيده المرسلة التي تقدم نقلها عن شيخنا المفيد في المقنعة، ويؤيده
قوله في كتاب الفقه: (حتى يحج من قابل) بعد قوله أولا: (وعليه
الحج من قابل) فإنه ظاهر في كون الحج واجبا مستقرا.
وقد ألحق شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بالمستحب الواجب الغير
45

المستقر، فجوز النيابة فيه دون العود له، قال: لما في تركه من الضرر
العظيم، مع كونه من الأفعال القابلة للنيابة. ونقل عن العلامة في
القواعد الجزم به. ثم قال: وقيل يبقى على احرامه إلى أن يطوف
لهن، لا طلاق النص.
وألحق العلامة في القواعد بالحج المندوب الحج الواجب مع العجز
عنه. وحكاه في الدروس بلفظ (قيل) فقال: قيل: أو مع عجزه في
الواجب. وهو مؤذن بتمريضه، قال في المدارك: والقول بالجواز غير بعيد،
دفعا للحرج والضرر اللازم من البقاء على التحريم.
وأنت خبير بما في هذه الإلحاقات بعد ما عرفت من عدم الدليل
على الملحق به.
وبالجملة فالذي يقرب عندي من أخبار المسألة هو وجوب طواف
النساء - وعدم حل النساء إلا بالاتيان به - على من وجب عليه الحج
في العام الثاني، وأما من لم يجب عليه فالتمسك بأصالة البراءة أقوى
دليل في المقام. وتؤيده مرسلة المقنعة المتقدمة، وإن كان ما ذهبوا
إليه هو الأحوط في الدين وتحصل به البراءة بيقين.
قال في الدروس: ولو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء
له، إذ لا طواف لأجل النساء فيها.
قال في المدارك - بعد أن نقل عن المحقق الشيخ علي أنه قواه
وعن جده أنه مال إليه - ما لفظه: وهو غير واضح، إذ ليس في ما
وصل إلينا من الروايات تعرض لذكر طواف النساء، وإنما المستفاد
من صحيحة معاوية بن عمار (1) توقف حل النساء في المحصور على

(1) تقدمت ص 5 و 6
46

الطواف والسعي وهو متناول للحج والعمرتين. ومن هنا يظهر أن
ما ذكره المحقق الشيخ علي أيضا - من أن الأخبار مطلقة بعدم حل
النساء إلا بطوافهن - غير جيد. انتهى.
أقول: قال في المسالك: وتوقف تحريم النساء على طوافهن يتم
مع وجوب طواف النساء في النسك، فلو كان عمرة التمتع فالذي ينبغي
الاحلال من النساء أيضا، إذ ليس فيها طواف النساء. واختاروه في
الدروس. ولكن الأخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا بطوافهن من
غير تفصيل. انتهى. وكلامه - كما ترى - يؤذن بالتردد لا بالميل
إلى ذلك القول كما نقله عنه سبطه.
وأما المحقق الشيخ علي (قدس سره) فإنه قال: وفي الدروس:
لو كانت عمرة التمتع أحل من النساء أيضا، إذ ليس فيها طواف النساء.
وهو قوي متين. لكن الأخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا
بطوافهن من غير تفصيل. ويمكن أن يحتج لذلك بأن عمرة التمتع
دخلت في الحج فالشروع فيها شروع فيه، فيتوقف انقطاع الارتباط
به على طواف النساء. وفيه نظر، لأن الارتباط لا يقتضي منع احرامه
الذي هو فيه من النساء بعد التقصير إلى أن يطوف لهن. انتهى. وهو
- كما ترى - كسابقه يؤذن بالتردد لا التقوية كما ذكره.
وحاصل كلامهما أن عدم طواف النساء في صورة الحصر عن عمرة التمتع
قوى، بالنظر إلى أن عمرة التمتع ليس فيها طواف النساء، إلا أنه بالنظر إلى
اطلاق الأخبار لا يتم ذلك. ويؤيد ما قلناه استدلال المحقق المذكور بما
ذكره للقول المذكور ثم رده. ومنه يظهران النقل عنهما بما ذكره لا يخلو
من مسامحة. نعم كلام الشهيد في الدروس ظاهر في الجزم به. ثم ما نقله
47

عن الشيخ على (قدس سره) من أن الأخبار مطلقة بعدم حل النساء إلا
بطوافهن مذكور أيضا - كما عرفت - في كلام جده، فلا وجه لتخصيصه
الشيخ على بذلك.
وكيف كان فإن ما ذكراه من أن الأخبار مطلقة بعدم حل النساء
إلا بطوافهن، إن أريد به في باب المحصور فليس في الباب ما يتعلق
بذلك إلا صحيحة معاوية بن عمار المذكورة (1) وظاهرها إنما هو
التوقف على الطواف والسعي، وليس فيها تعرض لطواف النساء بخصوصه.
والظاهر أن هذه العبارة خرجت مخرج التجوز، بمعنى أنه لا تحل له
النساء حتى يأتي بأفعال العمرة من الطواف والسعي ونحو هما، فإن
سياق الخبر في اعتمار الحسين (عليه السلام) والظاهر أنها عمرة مفردة.
وإن أريد الأخبار الدالة على وجوب طواف النساء على الحاج والمعتمر
مطلقا (2) وأن هذه الصورة تدخل تحت اطلاق تلك الأخبار، فهو أيضا
غير متجه، لأن الأخبار هناك غير مطلقة بل جملة من الأخبار دلت
على وجوب طواف النساء في الحج ولا خلاف فيه واختلفت في العمرة
المفردة، وإن كان المشهور وجوبه فيها كما سيأتي بيانه في موضعه.
وأما عمرة التمتع فالأخبار مستفيضة بعدم وجوب طواف النساء فيها (3)
والأصحاب إلا من شذ على ذلك. وبالجملة فكلامهما (عطر الله مرقديهما)
لا يخلو من غفلة.
نعم لقائل أن يقول في الإنتصار لما ذكره شيخنا في الدروس بأن ظاهر

(1) ص 5 و 6
(2) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج، والباب 10 من كفارات الاستمتاع
والباب 2 و 82 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 82 من الطواف
48

سياق صحيحة معاوية المتضمنة لتلك العبارة إنما هو اعتمار الحسين
(عليه السلام) عمرة مفردة، فلا عموم فيها لما ادعاه في المدارك من
دخول الحج وعمرة التمتع، غاية الأمر أن وجوب طواف النساء لما
كان متفقا عليه في الحج نصا (1) وفتوى فلا بد من اجراء الحكم فيه من
أدلة خارجة لا من هذه الرواية، وعمرة التمتع لما لم يكن فيها طواف
النساء - كما استفاضت به الأخبار (2) - بقيت خارجة من الحكم،
واثباته فيها في هذه الصورة يحتاج إلى دليل، وليس إلا صحيحة معاوية
المذكورة (3) وظاهرها الاختصاص بالعمرة المفردة كما ذكرنا، وسياق
الخبر حكاية حاله (عليه السلام) فلا عموم فيه كما هو ظاهر. وبذلك
يندفع الاشكال في المقام. والله العالم.
الثالث - لو ظهر أن هديه الذي بعثه لم يذبح وقد تحلل في يوم
الوعد، لم يبطل تحلله. وكذا لو لم يبعث هديا وأرسل دراهم يشتري
بها هدي وواعد بناء على ذلك، فتحلل في يوم الوعد، ثم ردت عليه
الدراهم، فإن تحلله صحيح أيضا، لأن التحلل في الموضعين وقع بإذن
الشارع كما سيظهر لك، فلا يتعقبه مؤاخذة ولا بطلان نعم الواجب
عليه بعد العلم بذلك بعث الهدي من قابل، والامساك عن ما يجب
على المحرم الامساك عنه إلى يوم الوعد.
ويدل على ما ذكرناه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة وقوله (عليه

(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج، والباب 10 من كفارات الاستمتاع
والباب 2 و 82 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 82 من الطواف
(3) ص 5 و 6
49

السلام) في آخرها على رواية الشيخ في التهذيب كما تقدم (1): (وإن
ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحل، لم يكن عليه
شئ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا).
وقوله (عليه السلام) في موثقة زرارة المتقدمة (2) بعد قول
زرارة: (قلت: أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحل
فأتى النساء؟ قال: فليعد وليس عليه شئ، وليمسك الآن عن النساء
إذا بعث).
والمستفاد من الروايتين المذكورتين وجوب الامساك إذا بعث هديه
في القابل أو قيمة يشتري بها. وهو المشهور بين الأصحاب.
وقال ابن إدريس: لا يجب عليه الامساك عن ما يمسك عنه المحرم
لأنه ليس بمحرم.
واستوجهه العلامة في المختلف، وقال: إن الأقرب عندي حمل
الرواية على الاستحباب، جمعا بين النقل وما قاله ابن إدريس. وأشار
بالرواية إلى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة حيث لم ينقل سواها.
واعترضه في المدارك بأن ما ذكره ابن إدريس لا يصلح معارضا للنقل.
وفيه: أن الظاهر أن مراد شيخنا المذكوران ما ذكره ابن إدريس
هو الأوفق بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية، حيث إن الأصل في
الأشياء الإباحة، والأخبار الدالة على تحريم تلك الأشياء إنما دلت
بالاحرام أو في الحرم، ومتى لم يكن محرما ولا في الحرم فلا يحرم عليه
شئ. وهذا جيد على قواعد ابن إدريس. إلا أن الجواب عنه أنه

(1) ص 5 و 6
(2) ص 4
50

بعد أن دل النص الصحيح على ذلك فلا مجال للتوقف فيه. والعلامة
(رحمه الله) إنما لحظ ذلك لا مجرد قول ابن إدريس. وباعتبار
ما ذكرناه يكون من قبيل تعارض الدليلين، هو في غير موضع قد
جمع بينهما في مثل ذلك بالاستحباب، وتكلمنا عليه بامكان الجمع
بتخصيص الاطلاق كما هنا، وهو أولى من الجمع بالاستحباب. وما ذكره
العلامة من توجيه كلام ابن إدريس ليس مخصوصا به بل هو ظاهر
جماعة من الأصحاب كما ذكره في المسالك بل ظاهره في المسالك
الميل إليه وهو من ما يؤذن بقوة قوله عندهم، وليس إلا باعتبار
ما وجهناه به.
ثم أنه قال في المدارك: واعلم أنه ليس في الرواية ولا في كلام
من وقفت على كلامه من الأصحاب تعيين لوقت الامساك صريحا،
وإن ظهر من بعضها أنه من حين البعث. وهو مشكل. ولعل المراد
أنه يمسك من حين احرام المبعوث معه الهدي: انتهى.
أقول: لا يخفى أن ظاهر موثقة زرارة (1) وجوب الامساك إذا
بعث. ثم إنه أي اشكال في القول بوجوب الامساك من حين البعث
حتى أنه يرتكب التخصيص بحين احرام المبعوث معه الهدي؟ وأي
دليل دل على ذلك حتى يفر إليه من هذا الاشكال. بل الاشكال في ما
ذكره أعظم، حيث إنه لا دليل عليه بالمرة ولا قائل به بالكلية
والقول بوجوب الامساك من حين البعث هو ظاهر الأصحاب والأخبار
أما موثقة زرارة (2) فهي ظاهرة في ذلك. وأما صحيحة معاوية بن عمار (3)

(1) تقدمت ص 4
(2) تقدمت ص 4
(3) تقدمت ص 5 و 6
51

فإن قوله: (يبعث من قابل ويمسك أيضا) - يعني: من قابل - فهو
ظاهر في كون وقت الامساك ووقت البعث واحدا.
بقي هنا شئ وهو أن ظاهر موثقة زرارة أنه بالمواعدة واتيان وقت
الوعد يحل حتى من النساء. وهو مشكل، حيث إن ظاهر الأصحاب
أن الحل من النساء متوقف على الطواف كما تقدم، بنفسه إن كان
الحج واجبا، لوجوب المضي عليه، أو نائبه إن كان مستحبا، وهو ظاهر
الأخبار المتقدمة أيضا.
قال في الوافي بعد نقل الخبر المذكور: لعل المراد باتيانه النساء
اتيانه إياهن بعد الطواف والسعي (1).
أقول لا يخفى ما فيه، فإن سياق الخبر أن المحصور يبعث بهديه
ويواعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه، فقال له الراوي:
أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء؟
قال: فليعد وليس عليه شئ، وليمسك الآن عن النساء. هذا صورة
الخبر، فيكف يتم أن اتيانه بعد الطواف والسعي وهو في مكانه؟
مع أن التكليف بالطواف بنفسه أو بنائبه إنما هو في العام القابل كما
في الأخبار وكلام الأصحاب. اللهم إلا أن يحمل اتيانه النساء على
الخطأ والجهل بتوهم حلهن له بالمواعدة كما في سائر محرمات الاحرام
ويكون قوله (عليه السلام): (ليس عليه شئ) يعني من حيث الجهل، فإنه
معذور، كما في غير موضع من أحكام الحج، وأنه بعد العلم بذلك
فليمسك الآن عن النساء إذا بعث.
قال المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد - بعد نقل

(1) لم نجد هذه العبارة في الوافي
52

الخلاف بين المشهور وابن إدريس، واحتجاج ابن إدريس بالأصل، وأنه
ليس بمحرم ولا في حرم، فكيف يمنع من الصيد ونحوه؟ والجواب
عن ذلك بأنه لا استبعاد بعد وجود النص، ويضمحل الأصل به. ويؤيده
ما يدل على بعث الهدي من الآفاق والامساك كما سيجئ -: على أنه قد
يقال: وجوب الامساك عن الصيد ونحوه غير معلوم، وإنما دل الدليل
على وجوب الامساك عن النساء، ولا استبعاد في ذلك، كما إذا قصر
المحصر لا تحل له النساء حتى يطوف، فإن معنى قولهم: (. لا يبطل
احلاله) إنه لا تجب عليه الكفارة بالتحلل بل لما وقع التحلل باعتقاد
أنه محل فلا شئ عليه. ولا ينافيه أن يكون باقيا على احرامه إلى أن
يبعث في القابل. ولكن يلزم كونه باقيا على الاحرام من حين العلم
لا من حين البعث، ولا شك أنه أحوط. بل الظاهر أن ذلك هو
الواجب، لأن المحلل ما حصل في نفس الأمر، وكفاية زعمه غير ظاهر
بعد العلم بفساد زعمه وظنه. فتأمل. انتهى.
أقول: وفيه: أن ظاهره موافقة ابن إدريس في عدم تحريم الصيد ونحوه
من محرمات الاحرام إلا النساء. ولعله اعتمد في ذلك على موثقة زرارة
المتقدمة، حيث نقلها سابقا في كلامه، إلا أنها غير صريحة بل ولا
ظاهره في ذلك وإن أوهمته في بادي الرأي. والظاهر من كلام الأصحاب
وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة هو تحريم جميع محرمات الاحرام عليه
من حين البعث لا خصوص النساء. وبالجملة فإنا نقول: إن هذا المحرم
بعد احرامه قد حرم عليه جميع محرمات الاحرام، ولما أحصر وأذن له
الشارع ببعث الهدي أو ثمنه، وأنه يعدهم بوقت، وجوز له الاحلال
في ذلك الوقت إلا من النساء، ثم قصر وأحل في وقت الوعد بإذن الشارع
53

له في ذلك لا باعتبار زعمه وظنه كما ذكره (قدس سره) - فقد وقع
احلاله في محله، ولا يتعقبه نقص ولا كفارة. وقوله (قدس سره):
ولا ينافيه أن يكون باقيا على احرامه إلى أن يبعث في القابل - ممنوع
فإنه بناء على كون التحلل إنما وقع في الظاهر باعتبار ظنه وزعمه
باعتقاده الذبح عنه، وهو غلط منه، بل التحلل عندنا إنما استند إلى أمر
الشارع له بذلك وتجويزه، كما دل عليه الخبران المتقدمان. ويؤيده
أيضا قوله (عليه السلام) في موثقة زرعة (1): (وإنما عليه أن
يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفي، وإن اختلفوا في
الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى). وحينئذ إذا كان احلاله مستندا
إلى إذن الشارع فهو محل ظاهرا وواقعا، غاية الأمران الشارع أوجب
عليه لتدارك ما فات أن يرسل الهدي وأن يجتنب ما يجتنبه المحرم
وقت الارسال، كما في الأفاقي الآتي ذكره إن شاء الله تعالى. وهذا
غاية ما يفهم من أخبار المسألة. وبذلك يظهر أن ما ذكره - من أن
الأحوط بل الظاهر أنه الواجب كونه باقيا على الاحرام من حين العلم -
غير جيد، بل مجرد وهم نشأ من بنائه تجويز الاحلال على زعمه وظنه
التحلل بالمواعدة وأنهم وفوا بوعده، وقد انكشف خلف الوعد فكان
باقيا على احرامه. وقد عرفت ما فيه، وأن تجويز الاحلال إنما استند
إلى أمر الشارع وإذنه. وليت شعري كيف الجمع بين حكمه أولا
بأن وجوب الامساك عن الصيد ونحوه غير معلوم وإنما دل الدليل
على وجوب الامساك عن النساء، وبين قوله أن يكون باقيا على احرامه من
حين العلم بفساد المواعدة وأنهم لم يذبحوا عنه، لظهور بقائه على

(1) تقدمت ص 42
54

الاحرام الأول؟ ما هو إلا عجب عجيب من هذا المحقق الأريب،
وبالجملة فإني لا أعرف لكلامه (رحمه الله تعالى) هنا وجه صحة.
والله العالم.
الرابع - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو وجد
المحصور من نفسه خفة بعد أن بعث هديه وأمكنه المسير إلى مكة
فالواجب عليه اللحوق بأصحابه، لأنه محرم بأحد النسكين فيجب عليه
الاتيان به واتمامه، للآية (1) والفرض أنه متمكن. ثم إنه إن أدرك
أحد الموقفين الموجب لصحة الحج فقد أدرك الحج وليس عليه الحج من
قابل، وإن لم يدرك ما يوجب صحة الحج فقد فاته الحج وكان عليه
الحج من قابل إن كان واجبا، ويتحلل بعمرة. وسيأتي إن شاء الله (تعالى)
تفصيل ما به يدرك الحج في محله.
ويدل على أصل الحكم ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن
زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال: (إذا أحصر الرجل
بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليعض إن ظن أنه يدرك
الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على احرامه حتى
يفرغ من جميع المناسك ولينحر هديه ولا شئ عليه، وإن قدم مكة
وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة. قلت: فإن مات
وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة؟ قال: يحج عنه إن كانت حجة
الاسلام ويعتمر، إنما هو شئ عليه). قوله: (إن ظن أنه يدرك الناس)

(1) سورة البقرة، الآية 195
(2) الوسائل الباب 3 من الاحصار والصد
55

في الكافي (1)، وفي التهذيب (2) (إن ظن أنه يدرك هديه قبل أن ينحر).
قال في الوافي (3): قوله: (من قابل) قيد للحج خاصة دون العمرة،
وإنما الحج من قابل إذا نحر هديه وفات وقت مناسكه. وقوله:
(أو العمرة) يعني: إذا كان احرامه للعمرة. انتهى
وهو كذلك بناء على عطف العمرة ب‍ (أو)، وأما على العطف بالواو
كما في بعض النسخ، وكذلك نقله في الوسائل والمنتهى في ما حضرني
من نسختهما فالظاهر أن المراد عمرة التحلل. فإن قيل: إن التحلل قد
حصل بذبح الهدي عنه. قلنا: ظاهر كلام الأصحاب واطلاق عباراتهم في
هذا المقام يعطي وجوب التحلل بالعمرة وإن تحقق الذبح عنه بعد وصوله.
قال في المدارك بعد قول المصنف، ولو بعث هدية ثم زال العارض
لحق بأصحابه، فإن أدرك أحد الموقفين في وقته فقد أدرك الحج، وإلا
- تحلل بعمرة بعد صورته: واعلم أن اطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم
الفرق في وجوب التحلل بالعمرة مع الفوات بين أن يتبين وقوع الذبح
عنه وعدمه. وبهذا التعميم صرح الشهيدان، نظرا إلى أن التحلل
بالهدي إنما يحصل مع عدم التمكن من العمرة أما معها فلا، لعدم
الدليل. ويحتمل عدم الاحتياج إلى العمرة إذا تبين وقوع الذبح عنه
لحصول التحلل به. انتهى.
وبالجملة فإنه على تقدير نسخة الواو لا معنى للعمرة إلا عمره التحلل
وعلى تقديره تكون الرواية واضحة الدلالة على ما ذكره الأصحاب
والمعنى حينئذ أنه ينتقل احرامه الذي دخل به للحج إلى العمرة المفردة

(1) ج 4 ص 370
(2) ج 5 ص 422
(3) باب (المحصور والمصدود).
56

ويتحلل بها. وبذلك صرح الأصحاب أيضا.
قال العلامة في المنتهى: إذا فاته الحج جعل حجه عمرة مفردة، فيطوف
ويسعى ويحلق. قاله علماؤنا أجمع. ثم نقل خلاف العامة (1).
والعجب من السيد السند في المدارك حيث ذكر الحكم المذكور ولم
يورد الرواية دليلا لذلك، مع صحتها وصراحتها، وتهالكه على ذكر
الأدلة، ولا سيما مع صحة أسانيدها. ولعله غفل عنها. والله العالم.
الخامس - الظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في أن حكم المعتمر في
أحكام الحصر حكم الحاج، فمتى أحصر فعل ما ذكر في أحكام الحج،
وكان عليه العمرة واجبة إن كانت عمرة الاسلام أو غيرها من الواجبات
وإن كانت نفلا كان الإعادة نفلا أيضا.
بقي الكلام في أنه هل يشترط مضى الشهر هنا أم يقضي عند زوال
العذر مطلقا ظاهر الأصحاب أن الخلاف هنا كالخلاف في أصل المسألة
في الزمان الذي يجب كونه بين العمرتين. قال في الدروس: المعتمر
أفرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتمار ثانيا، فيبنى على الخلاف.
أقول: وسيأتي تحقيق الكلام فيه في محله إن شاء الله (تعالى).
قال في المدارك: ويمكن المناقشة فيه بعدم تحقق العمرة، لتحلله
منها، فلا يعتبر في جواز الثانية تخلل الزمان الذي يجب كونه بين
العمرتين. إلا أن يقال باعتبار مضى الزمان بين الاحرامين. وهو جيد.
وكيف كان فإنما يجب قضاء العمرة مع استقرار وجوبها قبل ذلك
أو مع التفريط، كما تقدم في الحج. والله العالم.
السادس - اختلف الأصحاب (رضوان الله - تعالى - عليهم) في المحصور

(1) المغني ج 3 327 و 328 طبع مطبعة العاصمة
57

إذا كان قارنا ثم تحلل، فهل يجب عليه القضاء بمثل ما خرج منه
فلا يجوز له التمتع أم لا؟ المشهور الأول، وهو قول الشيخ ومن تبعه.
وظاهر هذا القول عدم الفرق بين الواجب والندب، وإن كان الندب
لا يجب فضاؤه، إلا أنه إن قضاه قضاه كذلك. ومنع ابن إدريس من
ذلك وجعل له أن يحرم بما شاء. وقال في المختلف: والأقرب أن
نقول إن تعين عليه نوع وجب عليه الاتيان به وإلا تخير، غير أن الأفضل
الاتيان بمثل ما خرج منه. ونحوه في المنتهى.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة صحيحة رفاعة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه
السلام) (1) أنهما قالا: (القارن يحصر، وقد قال واشترط: فحلني
حيث حبستني؟ قال: يبعث بهديه. قلنا: هل يتمتع في قابل؟ قال:
لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه).
ورواية رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (قلت:
رجل ساق الهدي ثم أحصر؟ قال: يبعث بهديه. قلت: هل يستمتع
من قابل: فقال: لا ولكن يدخل في مثل ما خرج منه).
وبهذه الروايات أخذ الشيخ ومن تبعه من الأصحاب.
قال في المنتهى بعد نقل صحيحة محمد بن مسلم ورفاعة دليلا للشيخ:
ونحن نقول بحمل هذه الرواية على الاستحباب، أو على أنه قد كان
القران متعينا في حقه، لأنه إذا لم يكن واجبا لم يجب القضاء، فعدم
وجوب الكيفية أولى. انتهى. وهو جيد.

(1) التهذيب ج 5 ص 423، والوسائل الباب 4 من الاحصار والصد
(2) الكافي ج 4 ص 371، والوسائل الباب 4 و 7 من الاحصار والصد
58

قال في المدارك: والقول بوجوب الاتيان بما كان واجبا والتخيير
في المندوب لابن إدريس وجماعة، وقوته ظاهرة. انتهى.
أقول: لا يخفى أن مقتضى كلام العلامة في المختلف أن في المسألة
أقوالا ثلاثة: أحدها - ما نقله عن الشيخ، وهو المشهور كما قدمنا
ذكره. الثاني ما نقله عن ابن إدريس، وهو ما ذكرناه من أنه يحرم
بما شاء. وكذلك نقله في المنتهى بهذه العبارة. الثالث ما اختاره
هو (قدس سره) في المنتهى والمختلف كما قدمنا ذكره عن المختلف.
وقال في المنتهى بعد نقل قولي الشيخ وابن إدريس: والوجه عندي أنه
يأتي بما كان واجبا، وإن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه، وإن
كان الاتيان بمثل ما خرج منه أفضل. وهو يرجع إلى ما اختاره في المختلف.
والمحقق في الشرائع نقل قول الشيخ والقول الذي حكيناه عن العلامة
فقال: والقارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا. وقيل:
يأتي بما كان واجبا، وإن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه، وإن
كان الاتيان بمثل ما خرج منه أفضل. هذه عبارته.
والسيد السند (قدس سره) نسب هذا القول الثاني لابن إدريس
وجماعة، كما سمعت من عبارته، وهو وهم منه (قدس سره) فإن
قول ابن إدريس المحكي عنه في المختلف والمنتهي كما سمعت إنما هو
الاحرام بما شاء، وأين هو من هذا التفصيل الذي في العبارة؟ وإنما
هذا قول ثالث في المسألة غير قول ابن إدريس.
وهذه عبارة ابن إدريس في سرائره ننقلها لتكون على يقين ما
قلناه، قال: قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: والمحصور إن كان قد
أحصر وقد أحرم بالحج قارنا فليس له أن يحج في المستقبل متمتعا،
59

بل يدخل بمثل ما خرج منه. قال محمد بن إدريس، وليس على ما قاله
(رحمه الله) دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا اجماع، بل
الأصل براءة الذمة. وبما شاء يحرم في المستقبل. انتهى. وبذلك يظهر
لك أن ما ذكره في المدارك ناشئ عن الغفلة وعدم مراجعة مذهب ابن
إدريس في المسألة.
أقول: وكلام ابن إدريس جيد على أصوله الغير الأصيلة، وإلا
فالسنة قد دلت على ما ذكره الشيخ، وغير أن الشيخ لما كان من عادته
في النهاية الافتاء بمتون الأخبار غالبا ذكر فتواه بصورة الرواية،
والرواية على اطلاقها غير معمول عليها. وبعين ما تؤول به الرواية يؤول
كلامه. والوجه فيه ما ذكره العلامة وغيره من أن الحج الأول، إن
كان واجبا فالقضاء قرانا واجب، وإن كان مستحبا فهو مخير، وإن كان
الأفضل جعله قرانا، وأما كلام ابن إدريس فهو ساقط رأي العين، لأنه
مبني على اطراح الروايات من البين.
السابع - المحصور قبل بلوغ الهدي محله، إن احتاج إلى حلق رأسه
لأذى، ساغ له ذلك، ووجب عليه الفداء صرح به في المنتهى.
واستدل عليه برواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال:
(إذا أحصر الرجل فبعث بهديه، وآذاه رأسه قبل أن ينحر فحلق
رأسه، فإنه يذبح في المكان الذي أحصر فيه، أو يصوم، أو يطعم
ستة مساكين).
أقول: وهذه الرواية قد رواها الشيخ في موضع من التهذيب (2)

(1) الوسائل الباب 5 من الاحصار والصد رقم 1
(2) ج 5 ص 423
60

بهذه الصورة، وعليها اقتصر في الوافي (1) ورواها أيضا في موضع
آخر (2) عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا أحصر
الرجل فبعث بهديه، فآذاه رأسه قبل أن ينحر هديه، فإنه يذبح شاة
في المكان الذي أحصر فيه، أو يصوم، أو يتصدق على ستة مساكين.
والصوم ثلاثة أيام. والصدقة نصف صاع لكل مسكين) والظاهر أن
لفظ حلق الرأس سقط من هذه الرواية. ولعله لذلك اقتصر في الوافي
على نقل الرواية بالنحو الأول.
وكيف كان فالظاهر أن وجوب الشاة أو بدلها إنما هو من حيث
كفارة الحلق لا للتحلل بل التحلل موقوف على حلول وقت المواعدة.
تذنيب
قال الشيخ في النهاية: ومن أراد أن يبعث بهدي تطوعا فليبعثه
ويواعد أصحابه يوما بعينه، ثم ليجتنب جميع ما يجتنبه المحرم من
الثياب والنساء والطيب وغيره. إلا أنه لا يلبي. فإن فعل شيئا من ما
يحرم عليه كانت عليه الكفارة كما تجب على المحرم سواء. فإذا كان
اليوم الذي واعدهم أحل. وإن بعث الهدي من أفق من الآفاق
يواعدهم يوما بعينه باشعاره وتقليده، فإذا كان ذلك اليوم اجتنب
ما يجتنبه المحرم إلى أن يبلغ الهدي محله، وثم إنه أحل من كل شئ أحرم
منه. انتهى.
قال ابن إدريس بعد نقل ذلك: قال محمد بن إدريس: هذا غير

(1) باب (المحصور والمصدود)
(2) ج 5 ص 334، والوسائل الباب 5 من الاحصار والصد رقم 2
61

واضح وهذه أخبار آحاد لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها، وهذه أمور
شرعية يحتاج مثبتها ومدعيها إلى أدلة شرعية، ولا دلالة من كتاب
ولا سنة مقطوع بها وإلا اجماع، وأصحابنا لا يوردون هذا في كتبهم
ولا يودعونه في تصانيفهم، وإنما أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته
ايرادا لا اعتقادا، لأن الكتاب المذكور كتاب خبر لا كتاب بحث ونظر
وكثيرا ما يورد فيه أشياء غير معمول عليها. والأصل براءة الذمة من
التكاليف الشرعية.
وقال العلامة في المختلف بعد نقل كلام ابن إدريس - ونعم ما قال -:
وهذا الانكار من ابن إدريس خطأ، فإن الشيخ قد ذكره في غير كتاب
النهاية، وابن البراج أيضا ذكر، والصدوق وهو شيخ الجماعة
وكبيرهم قد روى في كتاب من لا يحضره الفقيه (1) في الصحيح
عن معاوية بن عمار.. ثم ساق الرواية كما سيأتي إن شاء الله (تعالى)
ونقل عنه أيضا المرسلة الآتية، وساق جملة من روايات المسألة الآتية
إن شاء الله (تعالى)، وقال بعدها: وهذه الأخبار متظاهرة مشهورة
صحيحة السند، عمل بها أكثر العلماء، فكيف يجعل ذلك شاذا من
غير دليل؟ وهل هذا إلا جهل منه بمواقع الأدلة ومدارك أحكام
الشرع؟ انتهى.
أقول: وها أنا أسوق إليك ما وقفت عليه من الأخبار في المسألة:
فمنها: صحيحة معاوية بن عمار المشار إليها آنفا المروية في من لا يحضره
الفقيه (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبعث
بالهدي تطوعا وليس بواجب. فقال: يواعد أصحابه يوما فيقلدونه، فإذا

(1) ج 2 ص 306، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد.
(2) ج 2 ص 306، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد.
62

كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر، فإذا كان يوم
النحر أجزأ عنه. فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين صده المشركون
يوم الحديبية نحر وأحل، ورجع إلى المدينة).
وصحيحة الحلبي (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل بعث بهديه مع قوم سياق، وواعدهم يوما يقلدون فيه هديهم
ويحرمون. فقال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي
واعدهم فيه حتى يبلغ الهدي محله. قلت: أرأيت إن اختلفوا في الميعاد
وأبطأوا في المسير عليه، وهو يحتاج أن يحل هو في اليوم الذي واعدهم
فيه؟ قال: ليس عليه جناح أن يحل في اليوم الذي واعدهم فيه).
وصحيحة هارون بن خارجة (2) قال (إن أبا مراد بعث ببدنة
وأمر الذي بعث بها معه أن يقلد ويشعر في يوم كذا وكذا، فقلت له:
إنه لا ينبغي لك أن تلبس الثياب. فبعثني إلى أبي عبد الله (عليه السلام)
وهو بالحيرة، فقلت له: إن أبا مراد فعل كذا وكذا، وأنه لا يستطيع
أن يدع الثياب لمكان أبي جعفر. فقال: مره فليلبس الثياب ولينحر
بقرة يوم النحر عن لبسه الثياب).
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(إن ابن عباس وعليا (عليه السلام) كانا يبعثان بهديهما من المدينة

(1) التهذيب ج 5 ص 424، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد
(2) التهذيب ج 5 ص 425، والوسائل الباب 10 من الاحصار والصد
(3) التهذيب ج 5 ص 424، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد
والراوي في نسخ الحدائق " عبد الله بن مسكان " وفي كتب الحديث " عبد الله
ابن سنان " كما أوردناه.
63

ثم يتجردان، وإن بعثا بهما من أفق من الآفاق واعدا أصحابهما بتقليدهما
واشعارهما يوما معلوما، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما
يمسك عن المحرم ويجتنبان كل ما يجتنب المحرم، إلا أنه لا يلبي إلا
من كان حاجا أو معتمرا).
ورواية أبي الصباح الكناني (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل بعث بهدي مع قوم، وواعدهم يوما يقلدون فيه
هديهم ويحرمون فيه. فقال: يحرم عليه ما يحرم على المحرم في اليوم
الذي واعدهم حتى يبلغ الهدي محله. فقلت: أرأيت إن أخلفوا في
ميعادهم وأبطأوا في السير، عليه جناح في اليوم الذي واعدهم؟ قال:
لا، ويحل في اليوم الذي واعدهم) ورواه الشيخ في التهذيب (2) في
الصحيح عن الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام).. الحديث
كما قدمناه).
ورواية سلمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) (أن عليا (عليه
السلام) كان يبعث بهديه ثم يمسك عن ما يمسك عنه المحرم، غير أنه
لا يلبي، ويواعدهم يوم ينحر بدنة فيحل).
وروى في من لا يحضره الفقيه (4) مرسلا قال: (قال الصادق
(عليه السلام): ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة؟ فقيل له:
لا يبلغ ذلك أموالنا، فقال أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن

(1) الكافي ج 4 ص 539، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد.
(2) ج 5 ص 424، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد
(3) الكافي ج 4 ص 540، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد.
(4) ج 2 ص 306، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد.
64

يبعث معه بثمن أضحية، ويأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت، ويذبح عنه
فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيأ وأتى المسجد، فلا يزال في الدعاء
حتى تغرب الشمس).
أقول: والكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع: الأول لا يخفي
أن هذه الروايات قد رواها المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في
أصولهم المشهورة، فما بين ما اشتركوا في روايته، وما بين ما انفرد
كل منهم ببعض منها، وهو دليل واضح على صحتها عندهم والعمل بها.
وبذلك يظهران كلام ابن إدريس وطعنه فيها من ما لا ينبغي أن يصغى
إليه، وهل الطعن فيها مع رواية أساطين الطائفة المحقة لها ووجودها
في الأصول المأثورة عنهم (عليهم السلام) إلا طعن في أخبار الشريعة كملا؟
قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك: واعلم أن هذه العبارة قد
وردت في النصوص الصحيحة المتكثرة، وذكرها أكثر الأصحاب في كتبهم،
وأفتوا بمضمونها، واثبات الأحكام الشرعية يحصل بدون ذلك. وحينئذ
فلا يلتفت إلى إنكار ابن إدريس لها، وزاعما أن مستندها أخبار آحاد
لا تكفي في تأسيس مثل ذلك، فإن ذلك منه في حين المنع. انتهى.
الثاني ظاهر الأخبار المذكورة المطابقة لما ادعاه الشيخ من
وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم في مدة المواعدة، والتكفير لو تلبس
بشئ من المحرمات، وظاهر جملة من أصحابنا منهم - شيخنا: الشهيد
الثاني - أن محرمات الاحرام في المدة المضروبة مكروهة لا محرمة.
قال في المسالك: يكره له بعد النية ملابسة تروك المحرم كراهة
شديدة، وفي رواية أبي الصباح عن الصادق (عليه السلام) (يحرم
عليه ما يحرم على المحرم في اليوم الذي واعدهم حتى يبلغ الهدي محله).
65

والظاهر أنه أراد به تأكد الكراهة. انتهى.
أقول: والتصريح بالتحريم كما، وقع في رواية أبي الصباح المروية
بطريق آخر في الصحيح عن الحلبي (1) فكذا في صحيحة الحلبي (2)، وصرح
بالتكفير على لبس المخيط المؤذن بالتحريم في صحيحة هارون بن خارجة (3)
مع اتفاق الروايات الباقية عدا المرسلة الأخيرة (4) في أنه يجتنب ما
يجتنبه المحرم إلى يوم النحر. ولا وجه لاطراح هذه الأخبار كملا والخروج
عن ظاهرها إلا مجرد الاستبعاد الذي ذكره ابن إدريس في المسألة المتقدمة
وهو من ردت عليه قيمة الهدي وأنه يرسل هديا في العام القابل،
ويمسك عن المحرمات وقت الارسال. وهم قد ردوه سابقا، وإلا فما
الموجب لتأويلها بما ذكره؟
ومن أجل ذلك اعترضه سبطه في المدارك أيضا، فقال بعد نقل
ذلك عنه: ويشكل بأن مقتضى روايتي الحلبي وأبي الصباح الكناني
التحريم، ولا معارض لهما يقتضي حملهما على الكراهة.
أقول: وظاهر المحقق في الشرائع أيضا يشعر بذلك حيث صرح
باستحباب الكفارة لو أتى بما يحرم على المحرم. بل يشعر بنوع توقف
في أصل الحكم حيث نسبه إلى الرواية، فقال: وروي أن باعث الهدي
تطوعا يواعد أصحابه وقت ذبحه أو نحره، ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم
فإذا كان وقت المواعدة أحل، لكن هذا لا يلبي. ولو أتى بما يحرم
على المحرم كفر استحبابا. انتهى.
والظاهر أن منشأ جميع ذلك هو الاستبعاد الذي ذكره ابن إدريس
في تلك المسألة ورد لأجله أخبار هذه المسألة. وهود مردود بأن الأحكام

(1) ص 64
(2) ص 63
(3) ص 63
(4) ص 64
66

الشرعية أمور متلقاة من الشارع، فمتى ثبت الحكم عنه ولا معارض له
فالخروج عنه بمجرد التشهي غير جيد. واستفاضة الأخبار في باب
الاحرام ودخول الحرم بتحريم تلك الأشياء لا يقتضي التخصيص بهما
وأنه لا يحرم في صورة غيرهما، بل كما ثبت ذلك الحكم بالأخبار
ثبت هذا، وإن كان ذلك أشد اشتهارا، لاعتضاده بالكتاب (1)
والاجماع من الخاصة والعامة (2). على أن نظير هذه المسألة غير عزيز
في الأخبار وفي كلامهم، فإن الآيات (3) والروايات قد استفاضت
واتفقت على أن ما يخلفه الميت من الأموال فهو للورثة إلا مع الوصية
أو الدين، مع أنه قد ورد في الحبوة بعض الأخبار (5) التي هي أقل
من هذه الأخبار، فخصصوا بها اطلاقات الكتاب والسنة، واستثنوا
تلك الأشياء المذكورة فيها وجعلوها للولد الأكبر. ومثله في قولهم
بانعقاد الاحرام قبل الميقات بنذره، مع استفاضة الروايات بأن
الاحرام لا يكون إلا من الميقات (6)، وقولهم بأن النذر لا ينعقد إلا إذا

(1) يرجع في ذلك إلى كنز العرفان في فقه القرآن ج 1 ص 321 إلى
336 طبع طهران.
(2) يرجع في ذلك إلى المغني لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 267 إلى ص 320
و ص 441 إلى ص 469 طبع مطبعة العاصمة.
(3) يرجع في ذلك إلى كنز العرفان في فقه القرآن ج 2 ص 323 إلى
337 طبع طهران
(4) الوسائل الباب 134 من الدين، والباب 28 من الوصايا، وكتاب
الفرائض والمواريث.
(5) الوسائل الباب 3 من ميراث الأبوين والأولاد.
(6) الوسائل الباب 1 و 9 و 11 من المواقيت في الحج.
67

كان مشروعا قبل ذلك، فخرجوا عن جميع ذلك بحديث أو حديثين
ضعيفين (1) كما تقدم، إلى غير ذلك من ما يقف عليه المتتبع.
وبالجملة فالظاهر هو قول الشيخ المتقدم لاعتضاده بالنصوص المذكورة
الثالث أن الظاهر أن ما اشتملت عليه مرسلة الصدوق، وهي
الأخيرة من الروايات المتقدمة، من إرسال ثمن أضحية وأمر الرسول
بذبحها، وأن يطوف عنه أسبوعا، ثم يأتي يوم عرفة المسجد بعد أن
يلبس - ثيابه والظاهر أن المراد الثياب الحسنة المأمور بها في الجمعة
والعيدين - ويشتغل بالدعاء، صورة أخرى غير ما اشتملت عليه الأخبار
المتقدمة، لعدم تضمنها المواعدة لاشعار الهدي، والاجتناب عن ما
يجتنبه المحرم.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ادراجها في تلك الأخبار
المتقدمة، وتقييد اطلاقها بما في تلك الأخبار وحملها عليها، فقال بعد
ذكر المرسلة المذكورة: وحاصل هذه العبارة - على ما اجتمع من
الأخبار - أن من أراد ذلك وهو في أفق من الآفاق، يبعث هديا أو
ثمنه مع بعض أصحابه، ويواعده يوما لاشعاره أو تقليده، فإذا حضر
ذلك الوقت اجتنب ما يجتنبه المحرم، فيكون ذلك بمنزلة احرامه،
لكن لا يلبي، فإذا كان يوم عرفة اشتغل بالدعاء من الزوال إلى الغروب
استحبابا، كما يفعله من حضرها، ويبقى على احرامه إلى يوم النحر.
ثم قال تفريعا على ما ذكره: أكثر الأخبار وردت ببعث الهدي،
وتبعها المصنف وغيره من أصحاب الفتاوى، ولا شك أنه أفضل،
لكنه غير متعين، فيجوز بعث الثمن خصوصا في من لا يقدر على بعث

(1) الوسائل الباب 13 من المواقيت في الحج
68

بدنة، فإن باقي الأنعام لا يصلح للبعث إلا من قرب. وقد ورد بعث
الثمن في الخبر الذي ذكرناه (1) وذكره الصدوق في الفقيه (2). انتهى.
والظاهر بعده، وإن ما اشتملت عليه المرسلة المذكورة صورة أخرى
خارجة عن مورد تلك الأخبار، وتقييدها بتلك الأخبار - مع اتفاقها
كلها على نوع واحد وتعدد القيود فيها - تعسف محض. وإلى ما ذكرناه
مال سبطه السيد السند (قدس سره) في المدارك.
الرابع ظاهر الأخبار المتقدمة أنه لا فرق في يوم المواعدة لأسعار
الهدي أو تقليده بين اليوم الذي يحرمون فيه أو قبله أو بعده، وإن
اشتمل بعضها على أنه واعدهم يوم يقلدون فيه هديهم ويحرمون،
فإنما هو حكاية حال من حيث الاتفاق على المواعدة بذلك الوقت لا
من حيث تعينه، ولا بين كونه بعد تلبسهم بالحج أو قبله، ولا بين
كون الزمان الذي بينه وبين يوم النحر طويلا أو قصيرا، كل ذلك
لاطلاق النصوص. وبنحو ذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.
إلا أن الظاهر أنه لا بد أن يكون قبل الزوال يوم عرفة ليكون
شريكا بالتشبه في احرامه بالمعرفين لهم في ذلك الموقف، ولو كان
بعده فاشكال.
واستظهر في المسالك الاجزاء، قال: ويمكن استفادته من قوله
(عليه السلام) في الخبر السالف (3): (فإذا كان يوم عرفة لبس
ثيابه) فإن الثياب عرفا شاملة للمخيط. ويمكن أن يريد بها ثياب
الاحرام. وهو الأولى.

(1) تقدم ص 64 و 65.
(2) ج 2 ص 306، والوسائل الباب 9 من الاحصار والصد الرقم 6
(3) تقدم ص 64 و 65.
69

أقول: وهذا إنما يتجه بناء على ما قدمنا نقله من ضم تلك المرسلة
إلى الروايات المتقدمة وتقييدها بها، وجعل ما اشتمل عليه الجميع
حكما في المسألة. وقد أشرنا إلى بعده. ويحتمل - ولعله الأقرب -
حمل مطلق الروايات على مقيدها، وتخصيص يوم المواعدة بالميقات،
وهو اليوم الذي يعقدون فيه الاحرام بالتقليد، وأنه يشاركهم في
الاحرام من ذلك الوقت.
وبالجملة فالظاهر أن الغرض من هذا الفعل هو مشاركة هذا المرسل
للحاج في أفعال الحج التي أولها الاحرام من الميقات. والله العالم.
الخامس - قال شيخنا في المسالك: المراد بالهدي هنا المجزئ في
الحج، فيتخير من النعم الثلاثة، ويشترط فيه شرائطها السابقة من
السن والسلامة من العيوب والسمن وغيرها، وأفضله البدنة، وقد
صرح بها في بعض الأخبار (1)، وبعث البعيد منبه عليه أيضا.
انتهى. وهو جيد.
بقي هنا شئ، وهو أن ما ذكره من التخيير بين الأنعام الثلاثة
وإن تم من حيث صدق الهدي على كل منها، إلا أن الارسال من
الآفاق إنما يتم في البدن خاصة دون غيرها من البقر والغنم، لضعفها
عن الوصول كما لا يخفى، فلو خص الهدي في الأخبار وكلام الأصحاب
بالبدن لكان جيدا. والقول - بأنه يمكن السياق من الأماكن القريبة
ويتم سياق البقر والغنم فيه -: إنه وإن أمكن ذلك إلا أن ظواهر
الأخبار المتقدمة أن السياق إنما هو من الأماكن البعيدة. والله العالم.
السادس - قال في المسالك: يفتقر اجتنابه لما يجتنبه المحرم إلى

(1) الوسائل الباب 10 من الاحصار والصد
70

النية كغيره من العبادات، فينوي اجتناب كذا وكذا من تروك الاحرام
أو ما يجتنبه المحرم لندبه قربة إلى الله تعالى، ويلبس ثوبي الاحرام إلى
وقت المواعدة بالذبح. ويمكن الاجتزاء باجتناب تروك الاحرام من
غير أن يلبس ثوبيه، لأن ذلك هو مدلول النصوص. وتظهر الفائدة
في ما لو اقتصر على ستر العورة وجلس في بيته عاريا، ونحو ذلك.
أما الثياب المخيطة فلا بد من نزعها. وكذلك كشف الرأس، ونحوه.
أقول: الظاهر من قوله (عليه السلام) في صحيحة عبد الله بن
سنان (1) في حكاية حال علي (عليه السلام) وابن عباس: (يبعثان
بهديهما من المدينة ثم يتجردان) هو لبس ثوبي الاحرام في ذلك الوقت
إذا لا يمكن حمله على ما فرضه من ستر العورة والجلوس في بيته،
بل المراد إنما هو نزع المخيط ولبس ثوبي الاحرام، كما وقع التعبير
بذلك في بعض روايات الاحرام (2) ويؤيده قوله في تتمة الرواية:
(ويجتنبان كل ما يجتنب المحرم إلا أنه لا يلبي)) وكذا قوله في رواية
سلمة (غير أنه لا يلبي) فإن تخصيص هذا الفرد بالاستثناء - من ما
يجب على المحرم فعلا وتركا - يشعر بأن ما عداه من لبس ثوبي الاحرام
وغيره لا بد منه. وبالجملة فالظاهر أن استثناء لبس ثوبي الاحرام غير
ظاهر. ويؤيده أن الغرض من ذلك التشبه بالحاج كما يشير إليه
قوله (عليه السلام) في المرسلة التي أدرجها في أخبار المسألة: (ما يمنع
أحدكم أن يحج كل سنة).
السابع - قال في المسالك: وقت ذبح هذا الهدي يوم النحر على

(1) ص 63 و 64
(2) الوسائل الباب 7 من أقسام الحج الرقم 15
71

ما ورد في رواية معاوية بن عمار (1) وباقي الأخبار مطلقة، وإنما فيها
أنه يحل في اليوم الذي واعدهم. ويمكن حمل المطلق على المقيد،
والتخيير مع أفضلية يوم النحر.
أقول: فيه أولا: إنه مع تسليم وجود ما ذكره في الروايات فلا
معنى لما جمع به بينهما، فإن مقتضى رواية معاوية بن عمار أنه يجب
عليه الاجتناب إلى يوم النحر، ومقتضى روايات يوم الوعد أنه يجب
عليه الاجتناب إلى يوم الوعد، فطريق حمل المطلق على المقيد أن
يحمل يوم الوعد على أن يكون يوم النحر. وهو ظاهر. أما إذا حمل
يوم الوعد على ما هو أعم وأخذ على عمومه، فلو فرض أنه واعدهم
قبل يوم النحر أو بعده فكيف يتخير؟ فإنه إن كان النحر أو الذبح
سائغا وجائزا قبل يوم النحر أو بعده فالواجب الوقوف على يوم الوعد
وإلا فلا معنى للمواعدة.
وثانيا: إن ما ذكرة (قدس سره) - من أن ما عدا رواية معاوية
ابن عمار مطلقة، وأن فيها أنه يحل في اليوم الذي واعدهم - ليس كذلك
بل يوم المواعدة في تلك الروايات إنما هو بالنسبة إلى مبدأ الاجتناب
وهو يوم اشعار الهدي أو تقليده لا يوم نحره أو ذبحه. والموجود في
صحيحة معاوية بن عمار وكذا صحيحة عبد الله بن سنان هو أن غاية
الاجتناب إلى يوم النحر، وفي صحيحة الحلبي ورواية أبي الصباح (حتى
يبلغ الهدي محله) وهذا الاطلاق يجب حمله على يوم النحر، لما علم
من أن محل الهدي في الحج منى يوم النحر، وفي رواية سلمة (ويواعدهم
يوم ينحر بدنة) وهذا الاطلاق أيضا يحمل على أن ذلك اليوم

(1) ص 62 و 63
72

الذي حصلت فيه المواعدة هو يوم النحر. فلا منافاة بين هذه
الروايات بوجه.
بقي الكلام في قوله في صحيحة الحلبي (1) بعد أن ذكر (عليه السلام) أن
غاية الاجتناب بلوغ الهدي محله: (قلت: أرأيت إن اختلفوا في
الميعاد وأبطأوا في المسير عليه، وهو يحتاج أن يحل هو في اليوم الذي
واعدهم فيه؟ قال: ليس عليه جناح أن يحل في اليوم الذي واعدهم
فيه) ومثله رواية أبي الصباح الكناني. والظاهر أن المعنى فيهما.
أنه لو فرض أنهم أبطأوا في السير ولم يدركوا الحج، فلم يتفق ذبح
هديه في يوم النحر، وهو قد أحل في يوم النحر، وهو يوم بلوغ
الهدي محله، فأجاب (عليه السلام) بأنه لا شئ عليه. حسبما
تقدم في المحصور الذي كان الحج فيه واجبا، ففي هذه الصورة بطريق
أولى لو لم يكن نص في الباب. لا أن المراد ما ربما يتوهم من أن
المراد المواعدة بيوم غير يوم النحر. والله العالم.
الثامن - قال في المسالك أيضا: أكثر الأخبار اقتصر فيها على
هذه المواعدة والاجتناب. ولكن زاد في الرواية المتقدمة: (أنه يأمر
نائبه أن يطوف عنه أسبوعا وأنه يتهيأ للدعاء يوم عرفة إلى الغروب)
وهو حسن.
والزيادة غير المنافية مقبولة. ولو ترك ذلك أمكن تأدي
الوظيفة، كما لو ترك التقليد الذي تضمنته تلك الروايات.
أقول أشار (قدس سره) بالرواية المتقدمة إلى مرسلة الفقيه.
وهذا الكلام بناء منه على ما قدمنا نقله عنه من جعله هذه الرواية من
جملة روايات هذا الحكم، وقد قدمنا أن الظاهر بعده، بل ما اشتملت.

(1) ص 63
73

عليه هذه المرسلة صورة أخرى. وأما ما ذكره - ما تأدي الوظيفة
المذكورة في هذه المرسلة بترك الطواف والدعاء يوم عرفة الذي تضمنته
الرواية - فهو بعيد. نعم تتأدى به الوظيفة المذكورة في تلك الأخبار
حيث أتى بما هو مذكور في أخبارها. وأما قوله -: كما لو ترك
التقليد الذي تضمنته تلك الروايات - ففيه أن تلك الروايات لم
تتفق على التقليد وإن كان أكثرها قد ضمن ذلك، والسنة حاصلة
بالتقليد كما تقدم في عبارة الشيخ. وظاهر صحيحة عبد الله بن سنان
ورواية سلمة في إرسال علي (عليه السلام) هديه من المدينة عدم
التقليد وأنه يتجرد. والظاهر أن هاتين الروايتين هي مستنده في ما
ذكره من الصورة الأولى، لكنه (قدس سره) ذكر المواعدة أيضا في
هذه الصورة، والروايتان خاليتان من ذلك، بل ظاهرهما أنه يمسك
من حين الارسال كما هو ظاهر رواية سلمة، ويتجرد من حين البعث
كما في صحيحة عبد الله بن سنان. ويؤيده أيضا أن المواعدة هنا لا معنى
لها، لأن ذلك أنما يستقيم إذا توقف احرامه على التقليد أو الاشعار
فيواعد يوما يقلدون فيه ويحرم في ذلك اليوم. وربما أشعرت الروايتان
ولا سيما الأولى باختصاص هذه الصورة بمثل المدينة، لقرب موضع
الاحرام منها، وأنه يلبس ثوبي الاحرام من حين البعث منها، ويتشبه
بالمحرم من ذلك الوقت. ويعضده ما تقدم في بعض في بعض روايات الاحرام (1).
من الأمر بالغسل في المدينة، ولبس ثوبي الاحرام فيها، ثم الخروج
إلى الميقات. فكما أن ذلك جائز في الحج الحقيقي فهو في التشبه به
أولى. ويؤيده ما دل عليه الخبر الأول من تخصيص المواعدة بما إذا

(1) الوسائل الباب 8 من الاحرام الرقم 1
74

كان البعث من أفق من الآفاق، يعني: الأماكن البعيدة عن الميقات
فإنه يواعد يوما يقلد فيه الهدي ويحرم في ذلك اليوم. والله العالم.
الباب الثالث في العمرة
وهي لغة: الزيارة، وشرعا عبارة عن زيارة البيت لأداء المناسك
المخصوصة عنده. وهي على قسمين: عمرة مبتولة، وعمرة تمتع.
وحيث كانت العمرة المتمتع بها إلى الحج مقدمة على الحج، وهي أول
المناسك في مكة بعد الاحرام، حسن عقد هذا الباب لها بعد ذكر
الاحرام وتوابعه. وذكر المفردة بعدها في هذا الباب وقع استطرادا.
وحينئذ فالكلام في هذا الباب يقع في مطلبين: الأول - في عمرة
التمتع وما تتوقف عليه من الدخول إلى مكة، وفيه بحوث:
الأول - قد عرفت في ما تقدم أنه يستحب لمن أراد التمتع أن
يوفر شعر رأسه، وما يتعلق بذلك من الأبحاث، والاحرام وأحكامه
وكيفيته، والغسل له، والمواقيت، وجميع ما يتعلق بذلك، ويترتب عليه
فلا وجه لإعادته، وإنما يبقى الكلام في دخول الحرم ومكة وآدابه:
يستحب عند دخل الحرم الغسل لدخوله، ومضغ شئ من الإذخر
روى الشيخ في التهذيب (1) عن أبان بن تغلب قال: (كنت مع
أبي عبد الله) عليه السلام) مزاملة في ما بين مكة والمدينة، فلما انتهى
إلى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافيا،
فصنعت مثل ما صنع، فقال: يا أبان من صنع مثل ما رأيتني صنعت

(1) الوسائل الباب 1 من مقدمات الطواف. والشيخ يرويه عن الكليني
75

تواضعا لله، محا الله عنه مائة ألف سيئة، وكتب له مائة ألف حسنة
وبني الله (عز وجل) له مائة ألف درجة، وقضى له مائة ألف حاجة).
وروى ثقة الاسلام في الكافي عن أبي عبيدة الحذاء (1) قال: (زاملت
أبا جعفر (عليه السلام) في ما بين مكة والمدينة، فلما انتهى إلى
الحرم اغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم مشى في الحرم ساعة).
وروى في الكافي في الصحيح عن ذريح (2) قال: (سألته عن الغسل
في الحرم، قبل دخوله أو بعد دخوله؟ قال: لا يضرك أي ذلك فعلت
وإن اغتسلت بمكة فلا بأس، وإن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة
فلا بأس) وهذا الخبر ظاهر في الرخصة في التقديم والتأخير.
وعن كلثوم بن عبد المؤمن الحراني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (أمر الله (تعالى) إبراهيم (عليه السلام) أن يحج ويحج
بإسماعيل معه فحجا على جمل أحمر وجاء معها جبرئيل، فلما
بلغا الحرم قال له جبرئيل: يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا
الحرم، فنزلا فاغتسلا.. الحديث).
وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) قال: (إذا انتهيت إلى الحرم - إن شاء الله تعالى - فاغتسل
حين تدخله. وإن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو من
منزلك بمكة).
قوله (عليه السلام): (وإن تقدمت) الظاهر أن معناه: وإن
تقدمت بالدخول على الغسل، بمعنى أخرت الغسل عن الدخول.

(1) الوسائل الباب 1 من مقدمات الطواف
(2) الوسائل الباب 2 من مقدمات الطواف
(3) الوسائل الباب 1 من مقدمات الطواف
(4) الوسائل الباب 2 من مقدمات الطواف
76

وعن أبي بصير (1) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا
دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه. وكان يأمر أم فروة بذلك).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه).
قال صاحب الكافي (3) (عطر الله تعالى مرقده): سألت بعض
أصحابنا عن هذا، فقال: يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر.
ويستحب أيضا لمن دخل مكة أن يدخلها من أعلاها ويخرج من
أسفلها إذا كان قادما من المدينة ومريد الرجوع لها:
وفي الكافي عن يونس بن يعقوب في الموثق (4) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): من أين أدخل مكة وقد جئت من المدينة؟ فقال:
أدخل من أعلى مكة، وإذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة)
ويستحب الغسل أيضا لدخول مكة إما من بئر ميمون أو من فخ،
وأن يمشي حافيا على سكينة ووقار:
فروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (5) قال: (أمرنا أبو عبد الله
(عليه السلام) أن نغتسل من فخ قبل أن ندخل مكة).
وفي الحسن عن أبان عن عجلان (6) قال: (قال أبو عبد الله (عليه
السلام): إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد، فاغتسل،
واخلع نعليك، وامش حافيا وعليك السكينة والوقار).
وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه

(1) الوسائل الباب 3 من مقدمات الطواف
(2) الوسائل الباب 3 من مقدمات الطواف
(3) الوسائل الباب 3 من مقدمات الطواف
(4) الوسائل الباب 4 من مقدمات الطواف
(5) الوسائل الباب 5 من مقدمات الطواف
(6) الوسائل الباب 5 من مقدمات الطواف
77

السلام) (1) أنه قال: (من دخلها بسكينة غفر له ذنبه. قلت: كيف
يدخلها بسكينة؟ قال: يدخلها غير متكبر ولا متجبر).
وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(لا يدخل مكة رجل بسكينة إلا غفر له، قلت: ما السكينة؟
قال: بتواضع).
وعن محمد الحلبي في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(إن الله (عز وجل) يقول في كتابه: وطهر بيتي للطائفين والعاكفين
والركع السجود. فينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلا وهو طاهر قد
غسل عرقه والأذى وتطهر) ورواه في التهذيب (4).
والموجود في القرآن في سورة البقرة (5) (أن طهرا بيتي) وفي سورة
الحج (6) (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) وما ذكر
في الخبر لا يوافق شيئا من الموضعين.
وروى أيضا استحباب دخولها بالثياب الخلقة، ولعله للبعد عن
حصول الكبر.
فروى في كتاب المحاسن في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (7) قال: (انظروا إذا هبط الرجل منكم وادي مكة
فالبسوا خلقان ثيابكم أو سمل ثيابكم، فإنه لم يهبط وادي مكة أحد

(1) الوسائل الباب 7 من مقدمات الطواف
(2) الوسائل الباب 7 من مقدمات الطواف
(3) الكافي ج 4 ص 400، والوسائل الباب 5 من مقدمات الطواف
(4) ج 5 ص 98، والوسائل الباب 5 من مقدمات الطواف. واللفظ
" وطهرا... ".
(5) الآية 119
(6) الآية 27
(7) الوسائل الباب 7 من مقدمات الطواف
78

ليس في قلبه من الكبر إلا غفر له).
والظاهر من استحباب الغسل للدخول أن يكون دخولها بعد الغسل
على وجه لا ينتقض بشئ من النواقض، والمروي الانتقاض بالنوم،
وألحق الشهيدان به باقي النواقض.
ويدل على الانتقاض بالنوم صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (1)
قال: (سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يغتسل لدخول
مكة ثم ينام، فيتوضأ قبل أن يدخل، أيجزئه ذلك أو يعيد؟ قال:
لا يجزئه، لأنه إنما دخل بوضوء).
ورواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) قال:
قال لي: (إن اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك).
ويشير إلى ما ذكره الشهيدان رحمهما الله (تعالى) من إلحاق غير
النوم من الأحداث به قوله (عليه السلام) في الرواية: (إنما
دخل بوضوء).
قال في الدروس في باب طواف الزيارة: بل غسل النهار ليومه
والليلة لليلته ما لم يحدث فيعيده. وانكار ابن إدريس إعادته مع الحدث
ضعيف. وجعله الأظهر عدم الإعادة غريب. انتهى.
أقول: ويدل على ما ذكره زيادة على ما ذكرناه ما رواه الشيخ
عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) (3) قال: (سألته
عن غسل الزيارة، يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد؟ قال:
يجزئه إن لم يحدث، فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله).

(1) الوسائل الباب 6 من مقدمات الطواف
(2) الوسائل الباب 6 من مقدمات الطواف
(3) الوسائل الباب 3 من زيارة البيت
79

وروى في الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي الحسن (عليه
السلام) (1) مثله إلا أنه قال. (يغتسل الرجل بالليل.. إلى أن
قال في آخر الخبر، فليعد غسله بالليل).
ويعضده أيضا ظاهر موثقة الحلبي المتقدمة وقوله فيها: (فينبغي
للعبد أن لا يدخل مكة.. إلى آخره).
وقد تقدم الكلام أيضا في هذا المقام في باب الغسل للاحرام.
ودخول مكة واجب على المتمتع لأجل الاتيان بعمرة التمتع، ثم
يحرم للحج من مكة. وأما المفرد والقارن فلا يجب عليهما، لأن
الطواف والسعي إنما يجب عليهما بعد الموقفين ونزول منى وقضاء بعض
المناسك بها، إلا أنه يجوز لهما بل يستحب، ويبقيان على احرامهما
حتى يخرجا إلى عرفات، ولهما الطواف بالبيت استحبابا قبل خروجهما
إلى عرفات، إلا أنهما يعقدان بالتلبية. وقد تقدم البحث في ذلك في
مقدمات الباب الأول.
وقد تقدم في باب الاحرام أنه يقطع التلبية بعمرة التمتع عند
مشاهدة بيوت مكة، وقد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك.
وقد تقدم أيضا أنه لا يجوز لأحد دخول مكة إلا محرما إلا ما استثنى
وقد تقدم تحقيق القول فيه.
ويستحب أيضا الغسل لدخول المسجد الحرام وأن يكون دخوله على
سكينة ووقار وخضوع وخشوع:
روى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن

(1) الوسائل الباب 3 من زيارة البيت.
80

أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سمعته يقول: الغسل من
الجنابة، ويوم الجمعة.. إلى أن قال: ويوم تزور البيت، وحين
تدخل الكعبة).
وروى الشيخ عن سماعة في الموثق (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن غسل الجمعة. فقال: واجب في السفر والحضر. ثم عد
(عليه السلام) جملة من الأغسال، إلى أن قال: وغسل المحرم واجب،
وغسل يوم عرفة واجب، وغسل الزيارة واجب، إلا من علة، وغسل
دخول البيت واجب، وغسل دخول الحرم، يستحب أن لا يدخله إلا بغسل).
أقول: والمستفاد من جملة ما ذكرناه من الأخبار أنه يستحب هنا
ثلاثة أغسال، أحدها لدخول الحرم، والثاني لدخول مكة، والثالث
لدخول المسجد لزيارة البيت. وبذلك صرح الأصحاب أيضا.
ومنه يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك في هذا المقام، حيث
قال - بعد نقل رواية أبان بن تغلب وصحيحة ذريح وحسنة معاوية بن
عمار وحسنة الحلبي ورواية عجلان - ما لفظه: فهذه جملة ما وصل
إلينا من الروايات في هذه المسألة، ومقتضاها استحباب غسل واحد،
أما قبل دخول الحرم أو بعده، من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح
أو من فخ وهو على فرسخ من مكة للقادم من المدينة، أو من المحل
الذي ينزل فيه بمكة، على سبيل التخيير. وغاية ما يستفاد منها أن
ايقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل. فما ذكره المصنف وغيره - من
استحباب غسل لدخول مكة وآخر لدخول المسجد - غير واضح.
وأشكل منه حكم العلامة وجمع من المتأخرين باستحباب ثلاثة أغسال،

(1) الوسائل الباب 1 من الأغسال المسنونة
(2) الوسائل الباب 1 من الأغسال المسنونة
81

بزيادة غسل آخر لدخول الحرم. وكذا الاشكال في قول المصنف:
(فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله) إذ مقتضى الروايات التخيير
بين الغسل قبل الدخول وبعده لا اعتبار العذر في تأخيره عن الدخول
كما هو واضح. انتهى.
أقول: الظاهر أن منشأ الشبهة عنده (قدس سره) من صحيحة
ذريح وحسنة معاوية بن عمار، وإلا فلا ريب أن رواية أبان بن تغلب
وكذا رواية أبي عبيدة ظاهرة الدلالة في استحباب الغسل لدخول الحرم،
وحسنة الحلبي ورواية عجلان ظاهرتا الدلالة أيضا في استحباب الغسل
لدخول مكة وإن كانت الأولى أظهر، وصحيحة معاوية بن عمار الأخيرة
وكذا موثقة سماعة ظاهرة الدلالة أيضا في استحباب الغسل لدخول
المسجد، وهو المعبر عنه بغسل الزيارة أي زيارة البيت، كما صرح
به في الرواية الأولى منهما. وقد اشتملت موثقة سماعة على عد غسل
الزيارة على حدة وغسل دخول الحرم على حدة، وأكده بقوله: (يستحب
أن لا يدخله إلا بغسل). ومن ذلك قوله (عليه السلام) في رواية محمد
ابن مسلم (1) في عد جملة من الأغسال: (وحين تدخل الحرم، وإذا
أردت دخول البيت) وقوله (عليه السلام) في صحيحة عبد الله بن
سنان (2) في عد الأغسال أيضا: (وحين يحرم وعند دخول مكة والمدينة
ودخول الكعبة وغسل الزيارة) وقوله (عليه السلام) في حسنة
محمد بن مسلم (3): (الغسل في سبعة عشر موطنا.. وساق الكلام إلى أن
قال: وإذا دخلت الحرمين، يوم تحرم، ويوم الزيارة، ويوم تدخل
البيت.. إلى آخره)، فأي أدلة أصرح بالتعدد من هذه الروايات.
وهذه الروايات بانضمام ما تقدم هي معتمد الأصحاب في ماذا كروه من

(1) الوسائل الباب 1 من الأغسال المسنونة
(2) الوسائل الباب 1 من الأغسال المسنونة
(3) الوسائل الباب 1 من الأغسال المسنونة
82

التعدد ولكنه (قدس سره) ظن انحصار الأدلة في تلك الأخبار، كما
يشعر به قوله بعد ذكر الروايات المشار إليها: فهذه جملة ما وصل إلينا
من الروايات في هذه المسألة. والأصحاب (رضوان الله عليهم) بسبب
وضوح الحكم بما ذكروه من هذه الروايات تأولوا صحيحة ذريح
ورواية عجلان - حيث إن ظاهرهما المخالفة لما دلت عليه هذه الأخبار -
بالعذر كما ذكره المحقق، أو الرخصة كما ذكره بعضهم أيضا. وهو
جيد كما ذكرناه.
بقي الكلام في أنه لو لم يحدث بين الأغسال فالظاهر الاكتفاء
بغسل واحد، فإن الغرض من الغسل في هذه المواضع دخوله لها على
طهارة بالغسل، وهو حاصل بما ذكرناه.
البحث الثاني - في الطواف، وهو ركن يبطل الحج بتركه عمدا،
ويجب قضاؤه لو تركه سهوا.
وله مقدمات وكيفية وأحكام، فالكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة:
الأول - في مقدماته، وفيها الواجب والمستحب، ونشير إلى كل
من أفرادهما حين ذكره.
فمنها: الطهارة، وقد نقل اجماع علمائنا كافة على وجوب الطهارة
واشتراطها في الطواف الواجب، نقله العلامة في المنتهى.
وعليه تدل جملة من الأخبار: منها: ما رواه الشيخ والصدوق في
الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(لا بأس أن تقضي المناسك كلها على وضوء إلا الطواف، فإن فيه

(1) الوسائل الباب 5 من الوضوء، والباب 38 من الطواف، والباب
15 من السعي
83

صلاة. والوضوء أفضل).
وما رآه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه
أبي الحسن (عليه السلام) (1) قال: ((سألته عن رجل طاف بالبيت
وهو جنب فذكر وهو في الطواف. قال: يقطع طوافه ولا يعتد بشئ
من ما طاف) وزاد في الكافي (وسألته عن رجل طاف ثم ذكر أنه
على غير وضوء. قال: يقطع طوافه ولا يعتد به).
وما رواه في الكافي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
قال: (سألته عن الرجل يطوف على غير وضوء، أيعتد بذلك الطواف؟
قال: لا).
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) (أنه سئل أينسك
المناسك وهو على غير وضوء؟ فقال: نعم، إلا الطواف بالبيت، فإن
فيه صلاة).
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن رفاعة (4) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): أشهد شيئا من المناسك وأنا على غير
وضوء؟ قال: نعم، إلا الطواف بالبيت، فإن فيه صلاة).
وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن محمد بن مسلم في
الصحيح (5) قال: (سألت أحدهما (عليهما السلام) عن رجل طاف
طواف الفريضة وهو على غير طهور. قال: يتوضأ ويعيد طوافه،

(1) الكافي ج 4 من 420، والتهذيب ج 5 ص 117 و 470، والوسائل
الباب 38 من الطواف
(2) الوسائل الباب 38 من الطواف
(3) الوسائل الباب 38 من الطواف
(4) الوسائل الباب 15 من السعي
(5) الوسائل الباب 38 من الطواف
84

وإن كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين).
ويستفاد من هذه الرواية صحة الطواف المستحب بغير وضوء. وهو
أحد القولين في المسألة وأظهرهما.
ويدل عليه أيضا موثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (قلت له: رجل طاف على غير وضوء؟ فقال:
إن كان تطوعا فليتوضأ وليصل).
وموثقته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (قلت
له: إني أطوف طواف النافلة وأنا على غير وضوء؟ فقال: توضأ
وصل وإن كنت متعمدا).
وصحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) (في رجل طاف
تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير وضوء؟ فقال: يعيد الركعتين ولا
يعيد الطواف).
وروى في الفقيه عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (لا بأس بأن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ
ويصلي، فإن طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ وليصل. ومن طاف
قطوعا وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعد الطواف).
ونقل في المختلف عن أبي الصلاح أنه قال: لا يصح طواف فرض
ولا نفل لمحدث. ونقل عنه في المختلف أنه احتج بقوله (صلى الله عليه
وآله) (5): (الطواف بالبيت صلاة) وموثقة أبي حمزة المتقدمة.

(1) التهذيب ج 5 ص 117، والوسائل الباب 38 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 117، والوسائل الباب 38 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 38 من الطواف
(4) الوسائل الباب 38 من الطواف
(5) سنن البيهقي ج 5 ص 87، وكنز العمال ج 3 ص 10
85

أقول: ومثل هذه الرواية في الدلالة على ما ادعاه رواية زرارة المتقدمة.
والجواب عن الرواية الأولى بعدم ثبوتها، لأنا لم نقف عليها في شئ
من كتب الأخبار وإن تناقلوها بهذا اللفظ في كتب الفروع من غير
سند، وما هذا شأنه فلا اعتماد عليه. ومع تسليمه فالتشبيه لا يقتضي
المساواة من كل وجه. وعن الروايتين أنه يجب تقييد اطلاقهما بما
ذكرناه من الأخبار، كما هو القاعدة المعول عليها.
وهل يستباح بالتيمم مع عدم الماء أم لا؟ قال: في المدارك: المعروف
من مذهب الأصحاب استباحة الطواف بالطهارة الترابية كما يستباح
بالمائية. ويدل عليه عموم قوله (عليه السلام) في صحيحة جميل (1):
((إن الله (تعالى) جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا) وفي
صحيحة محمد بن مسلم (2): (هو بمنزلة الماء). وذهب فخر المحققين
إلى أن التيمم لا يبيح للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث في ما
عداهما من المساجد. ومقتضاه عدم استباحة الطواف به أيضا. وهو
ضعيف. وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الطهارة. انتهى. وهو
جيد. إلا أنه مناف لما قدمه في كتاب الطهارة، لقوله ثمة في مسألة
التيمم للخروج من المسجدين، حيث قال: فإنا لم نقف على ما يقتضي
اشتراط عدم الماء في جواز التيمم لغير الصلاة.
ومنها: إزالة النجاسة عن الثوب والبدن، وهو واجب على الأشهر
وبه صرح الشيخ (رحمه الله تعالى) فقال: لا يجوز أن يطوف وفي

(1) الوسائل الباب 1 من الماء المطلق، والباب 23 و 24 من التيمم.
(2) الوسائل الباب 20 و 23 من التيمم، والراوي هو حماد بن عثمان.
86

ثوبه شئ من النجاسة. وبه قال ابن زهرة وابن إدريس والمحقق
والعلامة وغيرهم.
وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين كون النجاسة من ما يعفى عنها أم لا، بل
صرح الشيخ بذلك على ما نقله في المختلف، فقال: لا فرق
بين الدم وغيره، سواء كان الدم دون الدارهم أو أزيد. وبهذا التعميم
صرح ابن إدريس أيضا. وهو ظاهر المحقق في الشرائع والعلامة في
المنتهى. وقال ابن الجنيد: لو طاف في ثوب احرامه وقد أصابه دم
لا تحل له الصلاة فيه كره ذلك له، ويجزئه إذا نزعه عند صلاته.
وجعل ابن حمزة الطواف في الثوب النجس مكروها، وكذا إذا أصاب
بدنه نجاسة. ونقل في المدارك عن بعض الأصحاب أنه ذهب إلى العفو
هنا عن ما يعفي عنه في الصلاة.
ويدل على القول المشهور ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب (1)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يرى في ثوبه الدم
وهو في الطواف. قال: ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم
يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه).
وما رواه الصدوق في الفقيه (2) في الموثق عن يونس بن يعقوب أيضا
قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رأيت في ثوبي شيئا من
دم وأنا أطوف. قال: فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن
على طوافك).
إلا أن بأزائهما صحيحة البزنطي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله

(1) التهذيب ج 5 ص 126، والوسائل الباب 52 من الطواف
(2) ج 2 ص 246، والوسائل الباب 52 من الطواف
87

(عليه السلام) (1) قال: (قلت له: رجل في ثوبه دم من ما لا تجوز
الصلاة في مثله فطاف في ثوبه؟ فقال: أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه
ويصلي في ثوب طاهر).
قال في المدارك - بعد ذكر رواية يونس بن يعقوب والطعن فيها
بضعف السند ثم ذكر مرسلة البزنطي - ما لفظه: ولا يضر إرسالها،
لأنها مطابقة لمقتضي الأصل وسالمة عن ما يصلح للمعارضة. ومن هنا
يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن الجنيد وابن حمزة. إلا أن الأولى
اجتناب ما لم يعف عنه في الصلاة. والأحوط اجتناب الجميع كما
ذكره ابن إدريس.
أقول: فيه أولا: ما عرفت في غير مقام من أن الطعن في السند
لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم ولا
من لا يرى العمل به من غيرهم.
وثانيا: أن مرسلة البزنطي أيضا ضعيفة بالارسال. وقوله:
(ولا يضر إرسالها) مجازفة ظاهرة، وخروج عن قاعدة اصطلاحه،
فإنه إن كان الخبر الضعيف بأي جهة كانت يصلح للحجية فلا معنى
لرده الخبر الأول، وإلا فلا معنى لاحتجاجه هنا على العمل به بمطابقته
للأصل، بل العمل إنما هو على الأصل السالم من المعارض بزعمه.
وثالثا: أنه لا وجه لحكمه بالكراهة كما ذكره ابن الجنيد وابن
حمزة، لأن الكراهة أيضا حكم شرعي يتوقف اثباته على الدليل الواضح
ومقتضى كلامه اطراح رواية يونس بن يعقوب ورميها من البين،
حيث طعن فيها بأنها مشتملة على عدة من المجاهيل وأن راويها فطحي،

(1) التهذيب ج 5 ص 126، والوسائل الباب 52 من الطواف
88

وحينئذ فتكون عنده في حكم العدم، وقد صرح بالاعتماد على مرسلة
البزنطي كما سمعت من كلامه، واللازم من ذلك هو الجواز من غير
كراهة. ولكنه وأمثاله جروا على هذه القاعدة الغير المربوطة والكلية
الغير المضبوطة، من حمل الأخبار الضعيفة متى رموها بالضعف على
الاستحباب أو الكراهة تفاديا من طرحها بالكلية. وهو غلط محض،
فإن الاستحباب والكراهة أيضا حكمان شرعيان كالوجوب والتحريم
لا يجوز القول بهما إلا بالدليل الصحيح الصريح، كما قدمنا تحقيق
ذلك في ما تقدم.
إذا عرفت ذلك فالمسألة عندي باعتبار تعارض خبري يونس مع
المرسلة المذكورة لا تخلو من توقف، فإن الجمع بين الخبرين المذكورين
لا يخلو من اشكال، فإنه وإن أمكن حمل رواية يونس على الاستحباب
كما صرح به بعض الأصحاب، مع ما فيه من ما تقدم، إلا أنه يمكن
أيضا العمل بها وحمل مرسلة البزنطي على الجاهل بالحكم أو الأصل، وفي
المختلف حملها على الجاهل. وبالجملة فالاحتياط عندي واجب في المسألة
ومنها: إذا كان ذكرا أن يكون مختونا، وهو مقطوع به في كلام
الأصحاب، وموضع وفاق كما يظهر من المنتهى.
ويدل عليه من الأخبار ما رواة الشيخ في الصحيح عن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (الأغلف لا يطوف
بالبيت، ولا بأس أن تطوف المرأة).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان عن إبراهيم بن ميمون
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) (في الرجل يسلم فيريد أن يحج

(1) الوسائل الباب 33 من مقدمات الطواف
(2) الوسائل الباب 33 من مقدمات الطواف
89

وقد حضر الحج، أيحج أم يختتن؟ قال: لا يحج حتى يختتن)
ورواه الشيخ والصدوق أيضا (1).
وعن حريز في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (السلام) (2)
قال: (لا بأس أن تطوف المرأة غير المخفوضة، فأما الرجل فلا يطوف
إلا وهو مختتن) ورواه الشيخ والصدوق أيضا في الصحيح (3).
وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد في الموثق
عن حنان بن سدير (4) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
نصراني أسلم وحضر الحج ولم يكن اختتن، أيحج قبل أن يختتن؟
قال: لا ولكن يبدأ بالسنة).
ونقل عن ابن إدريس أنه توقف في هذا الحكم. وهو ضعيف وإن
كان جيدا على أصوله الغير الأصيلة.
وجزم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بأن الختان إنما يعتبر مع
الامكان، ولو تعذر ولو بضيق الوقت سقط. وقال سبطه في المدارك بعد نقل
ذلك: ويحتمل قويا اشتراطه مطلقا كما في الطهارة بالنسبة إلى الصلاة.
أقول: مرجع كلام شيخنا في المسالك إلى أن الختان من شروط
الصحة كالطهارة وستر العورة ونحوهما بالنسبة إلى الصلاة، وقد تقرر أن
شروط الصحة إنما تجب مع الامكان، ولهذا تجب الصلاة عاريا مع
تعذر ستر العورة، وفي النجاسة مع تعذر الإزالة، نحو ذلك. ومرجع
كلام السيد إلى أنه مثل الطهارة التي لا تجب الصلاة إلا بها وتسقط
بدونها مع تعذرها، لأنها وإن كانت من شروط الصحة أيضا إلا أن

(1) الوسائل الباب 33 من مقدمات الطواف
(2) الوسائل الباب 33 من مقدمات الطواف، والباب 39 من الطواف
(3) الوسائل الباب 33 من مقدمات الطواف
(4) الوسائل الباب 33 من مقدمات الطواف
90

مقتضى الدليل فيها بخصوصها ذلك، كما تقدم تحقيقه في كتاب
الطهارة. والمسألة محل اشكال، لقيام ما ذكره من الاحتمال، فإن
الأخبار بالنسبة إلى شروط الصلاة المذكورة قد صرحت بالوجوب مع
عدمها، ولم تصرح بذلك هنا بالنسبة إلى الختان، كما أنها لم تصرح
بذلك بالنسبة إلى الطهارة في الصلاة، فالحاق هذا الشرط بالطهارة
دون باقي الشروط المذكورة لا يخلو من قوة كما ذكره سبطه.
قال في المسالك بعد قول المصنف: (وأن يكون مختونا ولا يعتبر
في المرأة): ومقتضى اخراج المرأة بعد اعتباره في مطلق الطائف
استواء الرجل والصبي والخنثى في ذلك. وفائدته في الصبي مع عدم
التكليف في حقه بالختان كونه شرطا في صحته، كالطهارة بالنسبة إلى
الصلاة في حقه. وفي الدروس عكس العبارة فجعل الختان شرطا في
الرجل المتمكن خاصة، فيخرج منه الصبي والخنثى كما خرجت المرأة.
والأخبار خالية من غير الرجل والمرأة. ولعل مختار الكتاب
هو الأقوى.
وقال سبطه في المدارك: ومقتضى اخراج المرأة من هذا الحكم بعد
اعتباره في مطلق الطائف استواء الرجل والصبي والخنثى في ذلك، والرواية
الأولى متناولة للجميع، فما ذكره الشارح من أن الأخبار خالية من
غير الرجل والمرأة غير واضح. انتهى.
أقول: أشار بالرواية الأولى إلى صحيحة معاوية بن عمار المشتملة
على الأغلف الشامل باطلاقه للأفراد المذكورة. ولا يخفى أن الرجل
في اللغة يطلق على البالغ وغيره، ففي الصحاح هو الذكر من الناس.
وفي القاموس: الرجل بالضم معروف، وإنما هو لمن شب واحتلم،
91

أو هو رجل ساعة يولد، وحينئذ فيمكن حمل الرجل في هذه الأخبار
على ما هو أعم، فيتكون دالة على دخول الصبي أيضا في الحكم المذكور.
بقي الكلام في الخنثى، ودخولها في صحيحة معاوية بن عمار باعتبار
الأغلف لا يخلو من بعد، لما عرفت في غير مقام من أن الاطلاق إنما
ينصرف إلى الأفراد الشائعة المتكثرة دون الأفراد النادرة الوقوع، بل
لا يبعد اختصاص الأخبار بالرجل والمرأة كما ذكره شيخنا في المسالك
عملا بما ذكرنا واطلاق صحيحة معاوية يقيد بباقي الأخبار. وكون
الرجل يطلق على ما يشمل الصبي وإن صرح به في الصحاح (1) إلا أن
عبارة القاموس تدل على بعده، والعرف يساعده، فإنه يطلق على
البالغ، قال في كتاب مجمع البحرين بعد نقل عبارتي الصحاح والقاموس:
وفي كتب كثير من المحققين تقييده بالبالغ هو أقرب، ويؤيده
العرف.
ومنها: ستر العورة، وهو واجب في الفريضة وشرط في صحة الندب
كما في الصلاة.
واستدل عليه العلامة في المنتهى بقوله (صلى الله عليه وآله) (2)
(الطواف بالبيت صلاة) وقوله (صلى الله عليه وآله) (3): (لا يحج
بعد العام مشرك ولا عريان).
ويظهر من العلامة في المختلف التوقف في ذلك، حيث إنه عزى

(1) ارجع إلى الاستدراكات
(2) مستدرك الوسائل الباب 38 من الطواف، وسنن البيهقي ج 5 ص 87.
(3) الوسائل الباب 53 من الطواف، واللفظ: ".. ولا يطوف
بالبيت عريان "
92

الاشتراط إلى الشيخ وابن زهرة، واحتج لهما بالرواية الأولى من روايتي
المنتهى، ثم قال: ولمانع أن يمنع ذلك وهذه الرواية غير مسندة من
طرقنا فلا حجة فيها.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: وهو جيد. والمسألة محل
تردد، والواجب التمسك بمقتضى الأصل إلى أن يثبت دليل الاشتراط،
وإن كان التأسي والاحتياط يقتضيه. انتهى.
أقول: والذي يدل على ذلك ما رواه العياشي في تفسيره عن حريز
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إن رسول الله (صلى الله
عليه وآله).. ثم ساق الحديث في مضي علي (عليه السلام) بآيات
(براءة) إلى أن قال: إن عليا (عليه السلام) قال: لا يطوف
بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك.
وروى لصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابن عباس (2) في حديث
(أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث عليا (عليه السلام) ينادي:
لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان..).
وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن
محمد بن الفضيل عن الرضا (عليه السلام) (3) قال: (قال أمير المؤمنين
(عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني عن الله (تعالى) أن
لا يطوف بالبيت عريان، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام).
وروى العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (4) في حديث (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث عليا
(عليه السلام) بسورة (براءة) فوافى الموسم فبلغ عن الله (عز وجل)

(1) الوسائل الباب 53 من الطواف
(2) الوسائل الباب 53 من الطواف
(3) الوسائل الباب 53 من الطواف
(4) الوسائل الباب 53 من الطواف
93

وعن رسوله (صلى الله عليه وآله) بعرفة، والمزدلفة، ويوم النحر عند
الجمار، وفي أيام التشريق كلها، ينادي: (براءة من الله ورسوله إلى الذين
عاهدتم من المشركين، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ولا يطوفن
بالبيت عريان).
وعن أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) في حديث قال:
(فلما قدم علي (عليه السلام) مكة وكان يوم النحر بعد الظهر وهو
يوم الحج الأكبر.. إلى أن قال: وقال: ولا يطوفن بالبيت عريان
ولا مشرك).
وعن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) قال، (خطب علي
(عليه السلام) الناس واخترط سيفه وقال: لا يطوفن بالبيت عريان
ولا يحجن بالبيت مشرك.. الحديث).
وعن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) نحوه (3).
وعن حكيم بن الحسين عن علي بن الحسين (عليه السلام) (4) في
حديث (أن عليا (عليه السلام) نادى في الموقف: ألا لا يطوف بعد
هذا العام عريان، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك).
وروى أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن عاصم بن
حميد بن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أمرني عن الله.. إلى آخر ما تقدم في حديث محمد بن الفضيل.
وهذه الأخبار على كثرتها لما لم تكن من أخبار الكتب الأربعة المشهورة

(1) الوسائل الباب 53 من الطواف
(2) الوسائل الباب 53 من الطواف
(3) الوسائل الباب 53 من الطواف
(4) الوسائل الباب 53 من الطواف
(5) لم نجده فيه، والموجود فيه هو الحديث رقم 2
94

خفيت عليهم، وظن جملة منهم خلو المسألة من المستند كما سمعت
من كلام المختلف والمدارك.
ومنها: استحباب الغسل لدخول مكة، وقد تقدم. ومضغ الإذخر.
ودخول المسجد. وقد تقدم نقل الأخبار الدالة على ذلك.
ومنها: استحباب الدخول من باب بني شيبة، واستدل عليه في
المنتهى بأن الني (صلى الله عليه وآله) دخل منه (1).
قال في المدارك: وعلل أيضا بأن (هبل) بضم الهاء وفتح الباء وهو
أعظم الأصنام مدفون تحت عتبته فإذ دخل منه وطأه برجله.
أقول: الظاهر أنه (قدس سره) لم يقف على الخبر الدال على ذلك
حيث اقتصر على مجرد هذا النقل.
والذي وقفت عليه من ما يدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح
عن عبد الله بن سنان (2) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام):
ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحج، وكتب إلى من بلغه كتابه.
ثم ساق الخبر في حكاية حجه (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع..
إلى أن قال (عليه السلام): فلما انتهى إلى باب المسجد استقبل الكعبة
- وذكر ابن سنان أنه باب بني شيبة فحمد الله وأثنى عليه.. الحديث)).
وما رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه وكتاب العلل (3)
بسنده إلى سليمان بن مهران قال: (قلت لجعفر بن محمد (عليهما السلام):

(1) المغني لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 332 طبع طبعة العاصمة
(2) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج الرقم 15
(3) الوسائل الباب 3 من الوقوف بالمشعر، والباب 9 من مقدمات
الطواف.
95

كم حج رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: عشرين حجة مستسرا
في كل حجة يمر بالمأزمين فيبول. فقلت: له يا ابن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ولم كان ينزل هناك فيبول؟ قال! لأنه موضع
عبد فيه الأصنام، ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه (هبل) الذي رمى
به علي (عليه السلام) من ظهر الكعبة لما علا ظهر رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، فأمر به فدفن عند باب بني شبية، فصار الدخول
إلى المسجد من باب بني شيبة سنة لا جل ذلك... الحديث).
قال في المدارك: وهذا الباب غير معروف الآن، لتوسعة المسجد،
لكن قيل إنه بإزاء باب السلام، فينبغي الدخول منه على الاستقامة
إلى أن يتجاوز الأساطين ليتحقق المرور به بناء على هذا القول.
ومنها: استحباب الوقوف عند الباب، والدخول إليه على سكينة
ووقار وخشوع، والسلام على النبي (صلى الله عليه وآله) بالمأثور:
روى في الكافي (1) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: (إذا دخلت المسجد الحرام فأدخله حافيا على السكينة
والوقار والخشوع. وقال: من دخله بخشوع غفر الله له إن شاء
(تعالى). قلت: ما الخشوع؟ قال: السكينة لا تدخله بتكبر
فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل: (السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته، بسم الله وبالله ومن الله وما شاء الله، والسلام
على أنبياء الله ورسله، والسلام على رسول الله (صلى لله عليه وآله)
والسلام على إبراهيم، والحمد لله ر ب العالمين) فإذا دخلت المسجد
فارفع يديك واستقبل البيت، وقل: اللهم إني أسألك في مقامي هذا

(1) ج 4 ص 401، والوسائل الباب 8 من مقدمات الطواف.
96

في أول مناسكي أن تقبل توبتي وأن تجاوز عن خطيئتي وتضع عني
وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام، اللهم إني أشهد أن هذا
بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى للعالمين،
اللهم إني عبدك والبلد بلدك والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك وأؤم
طاعتك مطيعا لأمرك راضيا بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك الخائف
لعقوبتك، اللهم افتح لي أبواب رحمتك واستعملني بطاعتك ومرضاتك)
وروى الشيخ (قدس سره) في التهذيب (1) والصدوق (قدس
سره) في من لا يحضره الفقيه (2) في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: (تقول وأنت على باب المسجد: بسم الله وبالله
ومن الله وإلى الله وما شاء الله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وخير الأسماء لله والحمد لله، والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله)
السلام على محمد بن عبد الله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
السلام على أنبياء الله ورسله، السلام على إبراهيم خليل الرحمان، السلام
على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين،
اللهم صل على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل
محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد
مجيد، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى أنبيائك ورسلك وسلام عليهم وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
اللهم افتح لي أبواب رحمتك واستعملني في طاعتك ومرضاتك واحفظني
بحفظ الايمان أبدا ما أبقيتني، جل ثناء وجهك، والحمد لله الذي جعلني

(1) ج 5 ص 100، والوسائل الباب 8 من مقدمات الطواف
(2) نسبة الحديث المذكور إلى الفقيه يحتمل أن يكون من اشتباه النساخ
97

من وفده وزواره وجعلني ممن يعمر مساجده وجعلني ممن يناجيه، اللهم
إني عبدك وزائرك في بيتك، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره،
وأنت خير مأتي وأكرم مزور، فأسألك يا الله يا رحمان وبأنك أنت
الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وبأنك واحد أحد صمد لم تلد
ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد، وأن محمدا (صلى لله عليه وآله)
عبدك ورسولك (صلواتك عليه وعلى أهل بيته) يا جواد يا ماجد يا جبار
يا كريم، أسألك أن تجعل تحفتك من زيارتي إياك أن تعطيني فكاك رقبتي
من النار، اللهم فك رقبتي من النار (تقولها ثلاثا) وأوسع علي من رزقك
الحلال الطيب وادرأ عني شر شياطين الجن والإنس وشر فسقة العرب والعجم).
المقام الثاني - في كيفيته، وهي تشتمل على الواجب والمندوب،
فالكلام هنا في فصلين:
الفصل الأول في الواجب، وهو أمور: أحدها - النية، وقد تقدم
تحقيق القول فيها في كتاب الطهارة، وفي كتاب الصلاة، وكتاب
الصوم.
وقد بينا أنه لا شئ فيها وراء قصد الفعل لله تعالى.
قال في المدارك! وأما التعرض للوجه، وكون الحج اسلاميا أو غيره
تمتعا أو أحد قسيميه، فغير لازم، كما هو ظاهر اختيار العلامة
في المنتهى، وإن كان التعرض لذلك كله أحوط.
أقول: لا أعرف لهذا الاحتياط وجها ولا معنى بعد معلومية جميع
ذلك للمكلف سابقا، وتعلق القصد به من أول الأمر، واستمراره إلى
وقت الفعل، كما تقدم تحقيقه. والاتيان بهذا التصوير الفكري
والحديث النفسي عند الفعل - وهو المسمى عندهم بالنية - من ما
لا أصل له ولا مستند بالكلية.
98

وحكى الشهيد (قدس سره) في الدروس عن ظاهر بعض القدماء
أن نية الاحرام كافية عن خصوصيات باقي الأفعال.
قال في المدارك: وكأن وجهه خلو الأخبار الواردة بتفاصيل أحكام
الحج من ذكر النية في شئ من أفعاله سوى الاحرام. وربما كان
الوجه في تخصيص الاحرام بذلك توقف امتياز نوع الحج والعمرة عليه.
أقول: فيه: ما قدمنا ذكره في بحث نية الاحرام، من أن ما اشتملت
عليه النصوص - من قوله: (اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج
على كتابك) ونحوه - ليس من قبيل النية التي هي محل البحث حتى
يسمى ذلك نية ويقال إن الأخبار اشتملت على نية الاحرام، إذ النية
إنما هي القصد البسيط الناشئ عن تصور الدواعي الباعثة على الفعل
كما تقدم تحقيقه في المواضع المشار إليها. نعم هذا الكلام يتضمن
الأخبار عن ذلك، وأين أحدهما من الآخر؟ وبذلك يظهر لك ما في
هذا القول المنقول عن بعض القدماء أيضا من أنه لا وجه له.
وبالجملة فإن كلامهم كله يدور على أن النية عبارة عن هذا الحديث النفسي
والتصوير الفكري الذي يحدثه المكلف عند إرادة الفعل ويقارنه به.
وقد عرفت سابقا أن النية ليست ذلك، وإلا فأفعال المكلف المختلفة
المتعددة لا يدخل بعضها تحت بعض، بحيث يصدق عرفا على من
قصد الاحرام خاصة، الذي هو عبارة عن تجنب تلك الأشياء مع الاتيان
بباقي شروطه - من غير ملاحظة شئ آخر - أنه نوى الحج أو العمرة
أو نوعا مخصوصا من أنواع أحدهما. نعم يصدق ذلك في ما إذا قصد
الاحرام لحج التمتع مثلا حج الاسلام أو نحو ذلك، فإن هذا القصد
تعلق بالجميع لا بالاحرام خاصة، واستمراره على هذا القصد كاف كما
99

ذكرناه. ولا يلزم منه خلو كل فعل فعل من تلك الأفعال من القصد
إليه على حدة، إذ المراد أن ذلك القصد الأول مستمر إلى حين ايقاع
ذلك الفعل، فهو لا يقع إلا بقصد. وبالجملة فمرجع الكل إلى
القصد الأصلي الناشئ من تصور الدواعي الباعثة لا إلى هذا التصوير
الفكري الذي يزعمونه. وبذلك يظهر لك أيضا ما في قوله في المدارك:
(ويجب مقارنة النية لأول الطواف، ولا يضر الفصل اليسير. واستدامتها
حكما إلى الفراغ) انتهى، فإنه - كما ترى - ظاهر في أن النية
عبارة عن هذا التصوير الفكري والحديث النفسي، وقد انجر الأمر
فيه إلى ذكره باللفظ وتسمية هذا اللفظ نية، وهو أوهن من بيت
العنكبوت، وأنه لأوهن البيوت.
وثانيها وثالثها - الابتداء بالحجر والختم به، وهو موضع اتفاق
بين العلماء.
والأصل فيه ما رواه الكليني (قدس سره) في الصحيح أو الحسن
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (من
اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر
الأسود) ورواه الصدوق (قدس سره) (2) إلى قوله: (من الحجر
الأسود) ولم يذكر الانتهاء إلى الحجر الأسود.
والسيد السند (قدس سره) في المدارك قد أسند الرواية بتمامها
إلى الشيخين المذكورين، واستدل بها على الحكم المذكور، وهي على
رواية الصدوق (قدس سره) قاصرة عن إفادة المدعي بتمامه كما ذكرناه.

(1) الكافي ج 4 ص 419، والوسائل الباب 31 من الطواف
(2) الفقيه ج 2 ص 249، والوسائل الباب 31 من الطواف
100

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن - والشيخ في الصحيح - عن
الحسن بن عطية (1) قال: (سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل
طاف بالبيت ستة أشواط. قال أبو عبد الله (عليه السلام): وكيف
طاف ستة أشواط؟ قال: استقبل الحجر، وقال: الله أكبر، وعقد
واحدا. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يطوف شوطا. فقال سليمان: فإنه فاته ذلك حتى أتى أهله؟ قال:
يأمر من يطوف عنه).
والمشهور بين المتأخرين - والظاهر أن أولهم العلامة (قدس سره)
وتبعه من تأخر عنه - في كيفية الابتداء بالحجر الأسود جعل أول جزء
من الحجر محاذيا لأول جزء من مقاديم البدن، بحيث يمر عليه
بجميع بدنه بعد النية علما أو ظنا.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم: وهو أحوط، لكن في تعينه
نظر، لصدق الابتداء بالحجر عرفا بدون ذلك. ولخلو الأخبار من هذا
التكليف مع استفاضتها في هذا الباب واشتمالها على تفاصيل مسائل
الحج الواجبة والمندوبة. بل ربما ظهر من طواف النبي (صلى الله عليه
وآله) على ناقته (2) خلاف ذلك. انتهى.
وهو جيد. إلا أن قوله أولا: (وهو أحوط) لا وجه له، بل
هو إلى الوسواس أقرب منه إلى الاحتياط، لما ذكره من الوجوه
المذكورة، ولا سيما حديث طوافه (صلى الله عليه وآله) على ناقته كما

(1) الكافي ج 4 ص 418، والتهذيب ج 5 ص 109، والوسائل الباب
32 من الطواف
(2) الوسائل الباب 81 من الطواف الرقم 2
101

في رواية محمد بن مسلم (1): (واستلم الحجر بمحجنه) معتضدا ذلك
بأصالة العدم وبالجملة فإنا لا نعرف لهم دليلا سوى ما يدعونه
من الاحتياط، والاحتياط إنما يكون في مقام اختلاف الأدلة لا مجرد
القول من غير دليل بل ظهور الدليل في خلافه.
واعتبروا - بناء على ما قدمنا نقله عنهم - محاذاة الحجر في آخر شوط
على نحو ما تقدم في الابتداء، ليكمل الشوط من غير زيادة ولا نقصان.
والكلام فيه كما تقدم من عدم ظهور الدليل على ما ذكروه بل ظهوره
في خلافه، والظاهر الاكتفاء بجوازه بنية أن ما زاد على الشوط لا يكون
جزء من الطواف.
ورابعها - أن يطوف على يساره، يعني: أن يجعل البيت على يساره
حال الطواف، فلوا استقبله بوجهه أو استدبره أو جعله على يمينه في حال
الطواف ولو في خطوة، بطل طوافه، ووجب عليه الإعادة.
واستدل عليه في المنتهى بأن النبي (صلى الله عليه وآله) طاف كذلك
وقال: (خذوا عني مناسككم) (2) ومرجع استدلاله (قدس سره)
إلى التأسي. وبذلك صرح في المفاتيح تبعا للقوم، فقال في تعداد
واجبات الطواف: وأن يجعل البيت على يساره بلا خلاف، للتأسي.
مع أنهم قد صرحوا في الأصول بأن التأسي لا يصلح أن يكون دليلا
للوجوب، لأن فعلهم (عليهم السلام) كذلك أعم من الوجوب
والاستحباب، وكانوا ملازمين على المستحبات كالواجبات.

(1) الوسائل الباب 81 من الطواف رقم 2
(2) المغني ج 3 ص 344 و 377 طبع مطبعة العاصمة، وتيسير الوصول
ج 1 ص 296
102

وأكثر أصحابنا ذكروا الحكم ولم يذكروا عليه دليلا، ولا ناقشوا
في عدم الدليل، كما في المدارك، مع ما علم من عادته من ذكر الأدلة
ومناقشته في الحكم مع عدم وجود الدليل، وكأن ذلك مسلم بينهم
للاتفاق على الحكم المذكور.
والذي وقفت عليه من الأخبار من ما يفهم منه ذلك وإن لم يكن
على جهة التصريح ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1)
قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كنت في الطواف السابع
فأت المتعوذ - وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب - فقل:
اللهم... إلى أن قال: ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر
فاختم به).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (2) قال: (قال أبو عبد الله (عليه
السلام): إذ فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة - وهو بحذاء
المستجار دون الركن اليماني بقليل - فابسط يديك على البيت.. إلى أن قال: ثم ائت الحجر الأسود).
وما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (ثم تطوف بالبيت سبعة
أشواط.. إلى أن قال: فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة - وهو المستجار
دون الركن اليماني - بقليل في الشوط السابع، فابسط يديك على الأرض
والصق خدك وبطنك بالبيت، ثم قل: اللهم.. إلى أن قال: ثم
استقبل الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود فاختم به).

(1) الوسائل الباب 26 من الطواف
(2) الوسائل الباب 26 من الطواف
(3) التهذيب ج 5 ص 104 و 105، والوسائل الباب 26 من الطواف
103

والتقريب في هذه الأخبار أن استحباب الوقوف في هذه الأماكن الثلاثة
في الشوط السابع واستلامه على هذا الترتيب لا يتم إلا مع جعل
البيت على اليسار في حال الطواف كما لا يخفي.
وخامسها - أن يدخل الحجر في الطواف، وهو من ما لا خلاف
فيه بين الأصحاب (رضوان - الله - تعالى عليهم).
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها: ما رواه في الكافي في الصحيح أو
الحسن - وفي من لا يحضره الفقيه في الصحيح - عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (من اختصر في الحجر الطواف فليعد
طوافه من الحجر الأسود) وزاد في الكافي (2) (إلى الحجر الأسود).
وما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (قلت له: رجل طاف بالبيت فاختصر
شوطا واحدا في الحجر؟ قال: يعيد ذلك الشوط).
ورواه الصدوق عن عبد الله بن مسكان عن الحلبي أيضا في الصحيح
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (قلت له: رجل طاف بالبيت
فاختصر شوطا واحدا في الحجر، كيف يصنع؟ قال: يعيد الطواف
الواحد).
وما رواه في الكافي (5) في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري

(1) الوسائل الباب 31 من الطواف.
(2) ج 4 ص 419، والوسائل الباب 31 من الطواف
(3) التهذيب ج 5 ص 109، والوسائل الباب 31 من الطواف
(4) الفقيه ج 2 ص 249، والوسائل الباب 31 من الطواف
(5) ج 4 ص 419، والوسائل الباب 31 من الطواف. واللفظ
104

عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في الرجل يطوف بالبيت؟ قال: يقضي
ما اختصر من طوافه)، وقوله: (يطوف بالبيت) أي وحده من غير
إدخال الحجر في الطواف.
وربما ظهر من هذه الأخبار ونحوها أن الحجر من البيت، ونقل
في الدروس أن المشهور كونه من البيت. ولعل مستندهم هذه الأخبار
وإلا فإنا لم نقف على خبر يدل على ذلك، بل إنما دل جملة من
الأخبار على خلافه:
مثل ما رواه في الكافي (1) عن معاوية بن عمار في الصحيح قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحجر، أمن البيت هو أو فيه
شئ من البيت؟ فقال: لا ولا قلامة ظفر ولكن إسماعيل دفن أمه فيه
فكره أن توطأ فجعل عليه حجرا. وفيه قبور أنبياء).
وعن زرارة في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(سألته عن الحجر هل فيه شئ من البيت؟ فقال: لا ولا قلامة ظفر).
وعن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(إن إسماعيل دفن أمه في الحجر وحجر عليها لئلا يوطأ قبر أم إسماعيل
في الحجر).

في الوسائل يختلف عن اللفظ الوارد في الكافي والوافي والحدائق، وقد
احتمل في الوافي باب (اخراج الحجر من الطواف) سقوط شئ من لفظ
الحديث، وقد وجه الساقط بما يرجع إلى اللفظ الوارد في الوسائل، فليرجع.
(1) ج 4 ص 210، والوسائل الباب 30 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 54 من أحكام المساجد.
(3) الكافي ج 4 ص 210، والوسائل الباب 30 من الطواف
105

وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه (1) مرسلا عن النبي (صلى الله
عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) قال: وصار الناس يطوفون
حول الحجر ولا يطوفون فيه، لأن أم إسماعيل دفنت في الحجر ففيه
قبرها فطيف كذلك لئلا يوطأ قبرها. قال: وروي: أن فيه قبور
الأنبياء (عليهم السلام). وما في الحجر شئ من البيت ولا قلامة ظفر.
ويمكن أن يكون مستند المشهور ما نقل عن العلامة في التذكرة (2):
أن البيت كان لاصقا بالأرض وله بابان شرقي وغربي، فهدمه السيل
قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) بعشر سنين، وأعادت قريش
عمارته على الهيئة التي هو عليها اليوم، وقصرت الأموال الطيبة والهدايا
والنذور عن عمارته، فتر كوامن جانب الحجر بعض البيت، وخلفوا
الركنين الشاميين من قواعد إبراهيم (عليه السلام) وضيقوا عرض
الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه، فبقي من الأساس
شبه الدكان مرتفعا، وهو الذي يسمى الشاذروان. انتهى.
وما ذكره (قدس سره) في قصة بناء الكعبة على هذه الكيفية
لم يرد في شئ من الأخبار الواصلة إلينا في الأصول الأربعة وغيرها.
وقد رويت في كيفية بناء قريش لها روايات عديده، إلا أنها خالية
من ذلك، ومنها: ما رواه في الكافي (3) عن علي وغيره بأسانيد مختلفة
رفعوه، قالوا: إنما هدمت قريش الكعبة لأن السيل كان يأتيهم من
أعلى مكة فيدخلها، فانصدعت وسرق من الكعبة غزال من ذهب

(1) ج 2 ص 125 و 126، والوسائل الباب 30 من الطواف.
(2) ج 1 المسألة الأولى من كيفية الطواف
(3) ج 4 ص 217، والوسائل الباب 11 من مقدمات الطواف
106

رجلاه من جوهر، وكان حائطها قصيرا، وكان ذلك قبل مبعث النبي
(صلى الله عليه وآله) بثلاثين سنة، فأرادت قريش أن يهدموا الكعبة
ويبنوها ويزيد وا في عرضا، ثم شفقوا من ذلك وأخافوا إن وضعوا
فيها المعاول أن تنزل عليهم عقربة، فقال الوليد بن المغيرة: دعوني
أبدأ فإن كان لله رضي لم يصبني شئ وإن كان غير ذلك كففنا. فصعد
على الكعبة وحرك منه حجرا فخرجت عليه حية وانكسفت الشمس
فلما رأوا ذلك بكوا تضرعوا وقالوا: اللهم إنا لا نريد إلا الاصلاح
فغابت عنهم الحية، فهدموه ونحوا حجارته حوله حتى بلغوا القواعد
التي وضعها إبراهيم (عليه السلام)، فلما أرادوا أن يزيدوا في عرضه
وحركوا القواعد التي وضعها إبراهيم (عليه السلام) أصابتهم زلزلة
شديدة وظلمة فكفوا عنه. وكان بنيان إبراهيم (عليه السلام) الطول
ثلاثون ذراعا والعرض اثنان وعشرون ذراعا والسمك تسعة أذرع،
فقالت قريش نزيد في سمكها، فبنوها فلما بلغ البناء إلى موضع
الحجر الأسود تشاجرت قريش في وضعه، فقال كل قبيلة: نحن أولى
به فنحن نضعه. فلما كثر بينهم تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة
فطلع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: هذا الأمين قد جاء
فحكموه، فبسط رداءه - وقال بعضهم: كساء طاروني كان له - ووضع
الحجر فيه، ثم قال: يأتي من كل ربع من قريش رجل. فكانوا
عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، والأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد
العزي، وأبو حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم، وقيس بن عدي من بني
سهم. فرفعوه ووضعه النبي (صلى الله عليه وآله) في موضعه.. الحديث.
ونحوه غيره وإن كان أخصر.
107

وكلها ظاهرة في أن البناء وقع على الأساس القديم الذي كان من
زمان إبراهيم (عليه السلام) لا أنهم نقصوا منه بحيث خرج منه
شئ في الحجر.
ويحتمل أن يكون ما نقله في التذكرة من طرق العامة، فإنهم رووا (1):
(أن عائشة قالت: نذرت أن أصلي ركعتين في البيت. فقال النبي (صلى
الله عليه وآله): صلى في الحجر، فإن فيه ستة أذرع من البيت).
وبالجملة فالظاهر من أخبارنا خروجه كملا عن البيت، وما ذكروه
من هذا القول المشهور لا نعرف له مستندا.
ثم إن ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة برواية الشيخين المذكورين
- وكذا صحيحة حفص بن البختري أو حسنته - هو إعادة ما اختصره خاصة
من واحد أو أكثر دون إعادة الطواف من رأس. ونقل في المدارك أنه
روى نحوه في الصحيح عن الحسن بن عطية عن الصادق (عليه السلام).
ولم أقف على هذه الرواية في ما حضرني من كتب الأخبار.
ولا تكفي الإعادة من موضع دخول الحجر بأن يتم الشوط من ذلك
المكان، بل تجب الإعادة من الحجر الأسود.
ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ (قدس سره) عن الحسين بن سعيد عن
إبراهيم بن سفيان (2) فقال: (كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام):
امرأة طافت طواف الحج، فلما كانت في الشوط السابع اختصرت وطافت في
الحجر وصلت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء، ثم أتت منى.

(1) المغني ج 3 ص 344 طبع مطبعة العاصمة. وليس فيه لفظ " ركعتين "
وسنن البيهقي ج 5 ص 89. ويستفاد منهما بالمعني
(2) الفقيه ج 2 ص 249، والوسائل الباب 31 من الطواف
108

فكتب (عليه السلام): تعيد)، فإنه يجب حمل اطلاقه على ما فصلته
الروايات المتقدمة من إعادة ما اختصرته خاصة. والله العالم.
وسادسها - أن يكمله سبعا، وهو اجماعي نصا وفتوى.
ومن الأخبار الصريحة في ذلك ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار
المتقدمة قريبا (1) من قوله فيها: (ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط
.. الحديث)
وما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب من لا يحضره الفقيه (2)
بإسناده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد
عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي
(عليه السلام) قال: (يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن
أجراها الله (عز وجل) في الاسلام حرم نساء الآباء على الأبناء..
إلى أن قال: ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسن لهم عبد المطلب
سبعة أشواط، فأجرى الله (عز وجل) ذلك في الاسلام).
وما رواه في كتاب العلل والأحكام (3) بسنده عن أبي حمزة الثمالي
عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (قلت: لأي علة صار الطواف
سبعة أشواط؟ فقال. إن الله (تعالى) قال للملائكة: إني جاعل في
الأرض خليفة (4) فردوا عليه وقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها
ويسفك الدماء.. (5) فقال: إني أعلم ما لا تعلمون (6). وكان لا يحجبهم

(1) ص 103.
(2) ج 4 ص 264، والوسائل الباب 19 من الطواف.
(3) ص 406 طبع النجف الأشرف، والوسائل الباب 19 من الطواف
(4) سورة البقرة، الآية 30.
(5) سورة البقرة، الآية 30.
(6) سورة البقرة، الآية 30.
109

عن نوره، فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام، فلاذوا بالعرش سبعة
آلاف سنة، فرحمهم وتاب عليهم، وجعل لهم البيت المعمور في السماء
الرابعة، وجعله مثابة،، وجعل البيت الحرام تحت البيت المعمور،
وجعله مثابة للناس وأمنا. فصار الطواف سبعة أشواط واجبا على العباد
لكل ألف سنة شوطا واحدا).
وعن أبي خديجة (1): (أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول
في حديث: إن الله أمر آدم (عليه السلام) أن يأتي هذا البيت فيطوف
به أسبوعا ويأتي منى وعرفة فيقضي مناسكه كلها، فأتى هذا البيت
فطاف به أسبوعا وأتى مناسكه فقضاها كما أمره الله، فقبل منه التوبة
وغفر له. قال: فجعل طواف آدم (عليه السلام): لما طافت الملائكة
بالعرش سبع سنين، فقال جبرئيل (عليه السلام): هنيئا لك يا آدم
لقد طفت بهذا البيت قبلك بثلاثة آلاف سنة).
وأما الأخبار الدالة على ذلك ضمنا فهي أكثر من أن يأتي عليها
قلم الاحصاء في المقام، وستمر بك إن شاء الله (تعالى) متفرقة في
جملة من الأحكام.
وسابعها - أن يكون بين البيت والمقام، وهو الأظهر الأشهر بين
علمائنا الأعلام (رفع الله - تعالى -. قدرهم في دار المقام).
ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام عن محمد بن مسلم (2) قال: (سألته
عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج منه لم يكن طائفا بالبيت.
قال: كان الناس على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطوفون

(1) العلل ص 407 طبع النجف، والوسائل الباب 19 من الطواف
(2) الكافي ج 4 ص 413، والوسائل الباب 28 من الطواف.
110

بالبيت والمقام وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت، فكان
الحد موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف. والحد قبل اليوم
واليوم واحد، قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلها،
فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير
البيت، بمنزلة من طاف بالمسجد، لأنه طاف في غير حد، ولا
طواف له).
إلا أنه روى الصدوق (قدس سره) في الصحيح عن أبان عن محمد
الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الطواف
خلف المقام. قال: ما أحب ذلك، وما أرى به بأسا، فلا تفعله
إلا أن لا تجد منه بدا).
ويمكن أنه بهذه الرواية أخذ ابن الجنيد، حيث نقل عنه أنه جوز
الطواف خارج المقام عند الضرورة.
وظاهر هذه الرواية هو الجواز على كراهة وأن الكراهة تندفع بالضرورة.
فما ذكره بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا - من الجمع بينها
وبين الرواية السابقة بالحمل على الضرورة، بمعنى أنه يحرم الخروج عن
المقام إلا مع ضرورة الزحام ونحوه - ليس بجيد، لأن ظاهرها الجواز
على كراهة، والضرورة إنما تنتج زوال الكراهة لا التحريم.
وربما فهم من ايراد الصدوق (قدس سره) لها الافتاء بمضمونها،
فيكون قولا آخر في المسألة أيضا. وبذلك يعظم الاشكال في المسألة.
وبالجملة فإن ظاهر كلام الأكثر هو تحريم الخروج عن الحد المتقدم
مطلقا، عملا برواية محمد بن مسلم المتقدمة. والمنقول عن ابن الجنيد

(1) الفقيه ج 2 ص 249 والوسائل الباب 28 من الطواف. لاحظ الاستدراكات
111

هو جواز الخروج مع الضرورة. وظاهر صحيحة الحلبي - وهو ظاهر
الصدوق (قدس سره) - هو جواز الخروج على كراهة إلا مع الضرورة.
فالضرورة على قول ابن الجنيد موجبة لزوال التحريم وعلى ظاهر الرواية
وظاهر الصدوق موجبة لزوال الكراهة، والجمع بين الخبرين بما تقدم
قد عرفت ما فيه. وظاهر العلامة في المنتهي والمختلف حمل صحيحة
الحلبي على الضرورة كما هو مذهب ابن الجنيد، وفيه ما عرفت.
والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال، لعدم وجه يحضرني الآن في
الجمع بين الخبرين المذكورين. والاحتياط لا يخفى.
وثامنها - خروجه بجميع بدنه حال الطواف عن البيت، فلو مشى
على شاذروانه - وهو الخارج عن أساسه - بطل طوافه من غير خلاف
يعرف، لعدم صدوق الطواف به. ولو كان يمس الجدار بيده أو بدنه
وهو خارج عنه حال مشيه، فقيل بالبطلان وهو خيرة العلامة (قدس
سره في التذكرة والشهيد (قدس سره) في الدروس، لأن من مسه
على هذا الوجه يكون بعض بدنه في البيت، فلا يتحقق الخروج عنه
الذي هو شرط في صحة الطواف به. وقيل بالجواز وهو ظاهر اختياره
في القواعد، وجعله في التذكرة وجها للشافعية (1) واستدل عليه بأن
من هذا شأنه يصدق عليه أنه طاف بالبيت، لأن معظم بدنه خارج عنه.
ثم أجاب عنه بالمنع من ذلك، لأن بعض بدنه في البيت، كما لو
وضع إحدى رجليه اختيارا على الشاذروان. والمسألة محل توقف.
والاحتياط في القول الأول.
وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن الشاذروان محيط بالبيت

(1) المجموع للنووي الشافعي ج 8 ص 24
112

كما هو الظاهر لمن شاهد البيت. والمفهوم من كلام العلامة (قدس
سره) في التذكرة - كما تقدم - أنه من الركن الشامي إلى الركن الذي
فيه الحجر الأسود. والعمل بالأول أحوط.
فوائد
الأولى - قد قطع الأصحاب (رضوان الله - تعالى - عليهم) بأنه يجب
مراعاة قدر ما بين البيت والمقام من جميع الجهات. ثم صرحوا بأنه
يجب أن تحسب المسافة من جهة الحجر من خارجه، بأن ينزل منزلة
البيت وإن كان خارجا من البيت، لوجوب إدخاله في الطواف، فلا
يكون محسوبا من المسافة. واحتمل شيخنا في المسالك احتسابه منها
على القول بخروجه وإن لم يجز سلوكه.
أقول: أما الحكم الأول فلا ريب فيه، لما عرفت من دلالة رواية
محمد بن مسلم عليه. وأما الثاني فلا يخلو من الاشكال، لأن مقتضى
ما صرحوا به أولا - وهو مدلول الرواية المذكرة - أن المسافة المعتبرة
من البيت إلى المقام معتبرة من جميع الجهات، ومن جملتها جهة
الحجر. ويؤكده قوله (عليه السلام) في الرواية المذكورة: (فكان
الحد موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف، والحد قبل اليوم
واليوم واحد، قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلها
فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير
البيت.. إلى آخره). وهو - كما ترى - صريح في أن من تباعد من
جميع نواحي البيت بأزيد من هذه المسافة المعتبرة من البيت إلى المقام
كان طائفا بغير البيت، وهذا ظاهر في جهة الحجر وغيرها. فالاستثناء
113

في هذه الجهة يحتاج إلى دليل، ومجرد وجوب إدخاله في الطواف
لا يستلزم ذلك. وبالجملة فإن ما ذكره شيخنا المشار إليه من الاحتمال
لا يبعد تعينه. والمسألة في غاية الاشكال، والاحتياط يقتضي المحافظة
تمام المحافظة على عدم البعد عن الحجر على وجه يلزم منه إلى الخروج
عن تلك المسافة.
الثانية - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن
المقام حقيقة هو العمود من الصخر الذي كان إبراهيم (عليه السلام)
يصعد عليه عند بناء البيت، وعليه اليوم بناء، ويطلق على جمعية مع
ما في داخله المقام عرفا، وربما استعمله الفقهاء في بعض عباراتهم.
وعباراتهم هنا وكذا النصوص مطلقة في كون الطواف بين البيت والمقام
فهل المراد بالمقام هنا هو الصخر المذكور أم المجموع من الحائط وما
فيه؟ قالوا: كل محتمل وإن كان الاستعمال الشرعي في الثاني أقوى.
أقول: لا ريب في ضعف الاحتمال الآخر، فإنه متى كان المقام حقيقة
إنما هو الصخر المذكور فالاطلاق على البناء إنما وقع مجازا بحسب
العرف، والأحكام إنما تترتب على المعنى الحقيقي كما لا يخفى، والاحتمال
الآخر لا وجه له بالكلية.
الثالثة - المستفاد من رواية محمد بن مسلم المتقدمة أن المقام الذي
هو عمود الصخر قد غير عن ما كان عليه في عهد النبي (صلى الله عليه
وآله) وأن الحكم في الطواف منوط بمحله الآن.
ويدل على الثاني أيضا صحيحة إبراهيم بن أبي محمود (1) قال: (قلت
للرضا (عليه السلام): أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث

(1) الوسائل الباب 71 من الطواف.
114

هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال
حيث هو الساعة).
وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة بن أعين (1) (أنه قال لأبي
جعفر (عليه السلام): قد أدرك الحسين (عليه السلام)؟ قال:
نعم أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس
يتخوفون على المقام، يخرج الخارج فيقول: قد ذهب به السيل. ويدخل
الداخل فيقول: هو مكانه. قال فقال: يا فلان ما يصنع هؤلاء؟
فقلت: أصلحك الله (تعالى) يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام.
قال: إن الله (عز وجل) قد جعله علما لم يكن ليذهب به فاستقروا.
وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم. (عليه السلام) عند جدار
البيت، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو
فيه اليوم، فلما فتح النبي (صلى الله عليه وآله) مكة رده إلى الموضع
الذي وضعه إبراهيم، فلم يزل هناك إلي أن ولي عمر، فسأل الناس
من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال له رجل: إنا
قد كنت أخذت مقداره بنسع (2) فهو عندي. فقال: ائتني به. فأتاه
فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان).
أقول: ظاهر هذا الخبر لا يخلو من اشكال، لأنه ربما يفهم من
قوله (عليه السلام): (إن الله (تعالى) قد جعله علما لم يكن ليذهب به)
أنه باعتبار جعله في هذا المكان علامة للطواف لم يكن ليذهب به.

(1) الفقيه ج 2 ص 158، والوافي باب (قصة هدم الكعبة وبنائها ووضع
الحجر والمقام).
(2) النسع بالكسر: سير ينسج عريضا ليشد به الرحل
115

وهذا هو الظاهر من كلام جملة من أصحابنا، حيث أوردوا هذا الخبر
في هذا المقام مؤكدين به لرواية محمد بن مسلم وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود، كما في المدارك وشرح الإرشاد للمحقق الأردبيلي (قدس
سره)، وربما يشعر بأن ما فعلته الجاهلية وفعله عمر احياء لسنتهم كان
أصوب من ما فعله إبراهيم (عليه السلام) ورسول الله (صلى الله عليه
وآله) بعده، حيث إن الله (تعالى) جعله في هذا المكان علما. وهو
مشكل. والظاهر عندي من معنى كلامه (عليه السلام) إنما هو
الإشارة إلى قوله (تعالى): (فيه آيات بينات مقام إبراهيم.. الآية (1))
بمعنى أن وجود هذا الحجر الذي قام عليه إبراهيم (عليه السلام) في
البيت من آياته (عز وجل) لا باعتبار هذا المكان، وإلا فهذا المكان
حد للطواف وضع فيه الحجر أم لم يوضع، كما في زمانه (صلى الله عليه
وآله) حسبما دلت عليه رواية محمد بن مسلم. والمراد بكونه آية من
حيث تأثير قدم إبراهيم (عليه السلام) فيه، فهو آية بينة وعلامة
واضحة على قدرة الله (تعالى). وبهذا الوجه أيضا يصح أن يكون
علما كما ذكره (عليه السلام). وبذلك يظهر أنه لا وجه لا يراد
هذه الرواية في هذا المقام. والله العالم.
الفصل الثاني
في المندوب وهو أمور:
منها: أنه يستحب الوقوف عند الحجر الأسود، وحمد الله (تعالى)
والثناء عليه، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، ورفع اليدين

(1) سورة آل عمران، الآية 96.
116

بالدعاء، واستلام الحجر وتقبيله، فإن لم يمكن مسح عليه بيده،
فإن لم يمكن أشار إليه، والدعاء بما يأتي.
ويدل على هذه الجملة ما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا
دنوت من الحجر الأسود، فارفع يديك، واحمد الله (تعال) واثن عليه
وصل على النبي (صلى الله عليه وآله) واسأل الله أن يتقبل منك. ثم
استلم الحجر وقبله، فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيدك، فإن لم
تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه، وقل: اللهم أمانتي أديتها وميثاقي
تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك
(صلى الله عليه وآله) أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات
والعزى وعبادة الشيطان وعبادة كل ند يدعى من دون الله (تعالى).
فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه، وقل: اللهم إليك بسطت يدي
وفي ما عندك عظمت رغبتي فاقبل سبحتي واغفر لي وارحمني، اللهم إني
أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة).
قال في الكافي (2): وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود
فتستقبله، وتقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن

(1) التهذيب ج 5 ص 101 و 102 عن الكليني، والوسائل الباب 12
من الطواف.
(2) ج 4 ص 403، والتهذيب ج 5 ص 102، والوسائل الباب 12
من الطواف
117

هدانا الله. سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أكبر من
خلقه، وأكبر ممن أخشى وأحذر، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له
الملك وله الحمد يحيى ويميت ويميت ويحيى بيده الخير وهو على كل
شئ قدير. وتصلي على النبي وآل النبي (صلى الله عليه وآله) وتسلم على
المرسلين كما فعلت حين دخلت المسجد. ثم تقول: اللهم إني أؤمن بوعدك
وأوفي بعهدك. ثم ذكر كما ذكر معاوية) قوله: (كما فعلت حين
دخلت المسجد) إشارة إلى ما قدمناه في رواية أبي بصير في آخر البحث
من مقدمات الطواف.
فائدة
استلام الحجر: لمسه إما بالتقبيل أو باليد أو نحو ذلك، قال في
القاموس: استلم الحجر: لمسه إما بالقبلة أو اليد. وأما ما ورد في
صحيحة يعقوب بن شعيب المروية في الكافي (1) - قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن استلام الركن. قال: استلامه أن تلصق بطنك
به، والمسح أن تمسحه بيدك) - فالظاهر حملها على أخص أفراده.
فإن صحيحة معاوية المذكورة قد صرحت بحصول الاستلام بالمس باليد.
قال المرتضى (رضي الله عنه): الاستلام: مس السلام بيده. وقيل إنه مأخوذ
من السلام، بمعنى أنه يحيى نفسه عن الحجر، إذ ليس الحجر
ممن يحييه، وهذا كما يقال: اختدم، إذا لم يكن له خادم سوى نفسه.
وقال في كتاب المصباح المنير: واستلأمت الحجر، قال ابن السكيت:
همزته العرب على غير قياس والأصل استلمت، لأنه من السلام وهي

(1) ج 4 ص 404، والوسائل الباب 15 و 22 من الطواف
118

الحجارة. وقال ابن الأعرابي: الاستلام أصله مهموز من الملاءمة وهي
الاجتماع. وحكى الجوهري القولين. انتهى، ونقل في التذكرة عن
ثعلب أنه حكى في الاستلام الهمز وفسره بأنه اتخذه جنة وسلاحا
من اللامة وهي الدرع.
ومن أخبار المسألة ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن
حريز عن من ذكره عن أبي جعفر. عليه السلام) قال: (إذا دخلت
المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود فقل: أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، آمنت بالله
وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى وبعبادة الشيطان، وبعبادة
كل ند يدعى من دون الله. ثم ادن من الحجر واستلمه بيمينك. ثم
تقول: بسم الله والله أكبر اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي
عندك بالموافاة).
وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب (2) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): ما أقول إذا استقبلت الحجر؟ فقال: كبر وصل على
محمد وآله. قال: وسمعته إذا أتى الحجر يقول: الله أكبر السلام
على رسول الله صلى الله عليه وآله).
والأخبار الدالة على استحباب استلام الحجر مع الامكان كثيرة (3)
إلا أنه قد استثنى من هذا الحكم النساء فلا يستحب لهن:

(1) ج 4 ص 403 و 404، والوسائل الباب 12 من الطواف.
(2) الكافي ج 4 ص 407، والوسائل الباب 21 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 13 و 16 من الطواف.
119

لما رواه في الكافي (1) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (ليس على النساء جهر بالتلبية، ولا استلام الحجر، ولا دخول
البيت، ولا سعى بين الصفا والمروة، يعني: الهرولة).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (2) قال: (إنما الاستلام على الرجل وليس على النساء بمفروض).
وعن فضالة بن أيوب في الصحيح عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (3) قال: (إن الله وضع عن السناء أربعا، وعد منها
الاستلام)).
وروى الصدوق (قدس سره) في من لا يحضره الفقيه (4) في حديث
وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: (يا علي
ليس على النساء جمعة.. إلى أن قال: ولا استلام الحجر).
وبإسناده عن أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (إن الله (تعالى) وضع عن النساء أربعا، وعد منهن استلام الحجر الأسود).
قال (6): وقال الصادق (عليه السلام): (ليس على النساء
أذان.. إلى أن قال: ولا استلام الحجر.. الحديث).

(1) ج 4 ص 405، والوسائل الباب 18 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 468 و 469، والوسائل الباب 18 من الطواف
(3) التهذيب ج 5 ص 93، والوسائل الباب 38 من الاحرام، والباب
18 من الطواف
(4) ج 4 ص 263، والوسائل الباب 18 من الطواف
(5) الفقيه ج 2 ص 210، والوسائل الباب 38 من الاحرام والباب 18 من الطواف
(6) الفقيه ج 1 ص 194، والوسائل الباب 18 من الطواف
120

ومنها: أن يكون حال الطواف ذاكرا الله (عز وجل) داعيا سيما بالمأثور،
ماشيا على سكينة ووقار، مقتصدا في مشيه، وقيل يرمل في ثلاث ويمشي أربعا
ومن الأخبار الواردة بذلك ما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (طف بالبيت
سبعة أشواط، وتقول في الطواف: اللهم إني أسألك باسمك الذي
يمشي به على طلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض، وأسألك
باسمك الذي يهتز له عرشك، وأسألك باسمك الذي تهتز له اقدام
ملائكتك، وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور
فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك، وأسألك باسمك الذي غفرت به
لمحمد (صلى الله عليه وآله) ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت عليه
نعمتك، إن تفعل بي كذا وكذا: ما أحببت من الدعاء. وكلما انتهيت
إلى باب الكعبة فصل على النبي (صلى الله عليه وآله). وتقول في ما
بين الركن اليماني والحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (2). وقل في الطواف: اللهم إني إليك
فقير وإني خائف مستجير فلا تغير جسمي ولا تبدل اسمي).
أقول: طلل الماء بالفتح أي ظهره والجمع أطلال، وجدد الأرض بالجيم
والمهملتين قيل وجهها، وقال في كتاب مجمع البحرين: الجدد بالتحريك:
المستوى من الأرض، ومنه أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء كما
يمشي به على جدد الأرض. وأما قوله: (الذي غفرت به لمحمد (صلى الله
عليه وآله) ما تقدم من ذنبه وما تأخر) فهو إشارة إلى الآية الواردة في

(1) ج 4 ص 406، والوسائل الباب 20 من الطواف
(2) سورة البقرة الآية 200
121

سورة الفتح (1) وقد ورد في تفسيرها ما رواه الصدوق (قدس سره)
في كتاب عيون الأخبار (2) عن الرضا (عليه السلام): أنه سأله
المأمون عن هذه الآية، فقال (عليه السلام): إنه لم يكن أحد عند
مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنهم
كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما، فلما جاءهم (صلى الله
عليه وآله) بالدعوة إلى كلمة الاخلاص كبر ذلك عليهم وعظم، وقالوا:
أجعل الآلهة إلها واحدا.. إلى قولهم: إن هذا إلا اختلاق (3). فلما
فتح الله على نبيه (صلى الله عليه وآله) مكة قال له: يا محمد (صلى الله
عليه وآله) (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك
وما تأخر) عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله (تعالى)
في ما تقدم وما تأخر.
وروى في الكافي (4) في الصحيح إلى عبد السلام بن عبد الرحمان بن
نعيم قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): دخلت الطواف فلم
يفتح لي شئ من الدعاء " إلا الصلاة على محمد وآل محمد، وسعيت فكان
ذلك. فقال: ما أعطى أحد ممن سأل أفضل من ما أعطيت).
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: (يستحب أن تقول بين الركن والحجر: اللهم آتنا في

(1) الرقم 2
(2) ج 1 ص 202
(3) سورة (ص) الآية 5 و 6 و 7
(4) ج 4 ص 407، والوسائل الباب 21 من الطواف
(5) الكافي ج 4 ص 408، والوسائل الباب 20 من الطواف.
122

الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (1). وقال: إن
ملكا يقول: آمين).
وعن أيوب أخي أديم عن الشيخ يعني: موسى بن جعفر (عليه
السلام) (2) قال: قال لي: (كان أبي إذا استقبل الميزاب قال: اللهم
أعتق رقبتي من النار، وأوسع علي من رزقك الحلال، وادرأ عني شر
فسقة الجن والإنس، وأدخلني الجنة برحمتك).
وعن أبي مريم (3) قال: (كنت مع أبي جعفر (عليه السلام)
أطوف فكان لا يمر في طواف من طوافه بالركن اليماني إلا استلمه
ثم يقول: اللهم تب علي حتى أتوب، واعصمني حتى لا أعود).
وعن عمرو بن عاصم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
(كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا بلغ الحجر قبل أن يبلغ
الميزاب يرفع رأسه ثم يقول: اللهم أدخلني الجنة برحمتك - وهو
ينظر إلى الميزاب - وأجرني برحمتك من النار، وعافني من السقم.
وأوسع علي من الرزق الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس
وشر فسقة العرب والعجم).
وعن عمر بن أذينة في الصحيح (5) قال: (سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول لما انتهى إلى ظهر الكعبة حين يجوز الحجر:
يا ذا المن والطول والجود والكرم إن عملي ضعيف فضاعفه لي وتقبله مني
إنك أنت السميع العليم).

(1) اقتباس من الآية 200 في سورة البقرة.
(2) الكافي ج 4، ص 407، والوسائل الباب 20 من الطواف
(3) الكافي ج 4 ص 409، والوسائل الباب 20 من الطواف.
(4) الكافي ج 4، ص 407، والوسائل الباب 20 من الطواف
(5) الكافي ج 4، ص 407، والوسائل الباب 20 من الطواف
123

وروى في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) (1) بسنده
عن سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (كنت
معه في الطواف فلما صرنا بحذاء الركن اليماني أقام (عليه السلام)
فرفع يديه ثم قال: يا الله يا ولي العافية وخالق العافية ورازق العافية
والمنعم بالعافية والمنان بالعافية والمتفضل بالعافية علي وعلى جميع
خلقك، يا رحمان الدنيا الآخرة ورحيمهما، صلى على محمد وآل محمد
وارزقنا العافية ودوام العافية وتمام العافية وشكر العافية في الدنيا
والآخرة، يا أرحم الرحمين)).
وروى الشيخ عن محمد بن فضيل عن أبي جعفر الثاني (عليه
السلام) (2) قال: ((وطواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا
بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن. قال: والنافلة يلقي الرجل أخاه
فيسلم عليه ويحدثه بالشئ من أمر الآخرة والدنيا لا بأس به)
ومقتضى هذه الرواية عدم كراهة الكلام في طواف النافلة بالمباح.
وروى الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن علي بن يقطين (3)
قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الكلام في الطواف،
وانشاد الشعر، والضحك، في الفريضة أو غير الفريضة، أيستقيم ذلك؟
قال: لا بأس به. والشعر ما كان لا بأس به منه) وهو محمول على
الجواز وإن كره في الفريضة.
وروى في الكافي (4) في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عيسى عن من

(1) ج 2 ص 16، والوسائل الباب 20 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 127، والوسائل الباب 54 من الطواف
(3) التهذيب ج 5 ص 127، والوسائل الباب 54 من الطواف
(4) ج 4 ص 412، والوسائل الباب 5 من الطواف.
124

أخبره عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: (دخلت عليه وأنا
أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة.. إلى أن قال: قال رسول الله (صلى
الله عليه وآله): ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس
حاسرا عن رأسه، حافيا، يقارب بين خطاه، ويغض بصره، ويستلم
الحجر في كل طواف، من غير أن يؤذي أحدا، ولا يقطع ذكر الله
(عز وجل) عن لسانه، إلا كتب الله (عز وجل) له بكل خطوة
سبعين ألف حسنة، ومحا عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف
درجة، وأعتق عنه سبعين ألف رقبة، ثمن كل رقبة عشرة آلاف
درهم، وشفع في سبعين من أهل بيته، وقضيت له سبعون ألف حاجة
إن شاء فعاجلة، وإن شاء فآجلة).
وأما الاقتصاد في المشي - وهو التوسط بين الاسراع والبطء، من
غير فرق بين أوله وآخره، ولا بين طواف القدوم وغيره، وهو قول
أكثر الأصحاب (رضوان الله - تعالى - عليهم) -
فيدل عليه ما رواه الشيخ (قدس سره) عن عبد الرحمان
ابن سيابة (!) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الطواف
فقلت: أسرع وأكثر أو أمشي وأبطئ؟ قال: مشي بين المشيين).
وروى الصدوق عن سعيد الأعرج (2) (أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المسرع والمبطئ في الطواف فقال: كل واسع
ما لم يؤذ أحدا).
وأما القول بالرمل في الثلاثة الأول والمشي في الأربعة الباقية فهو

(1) التهذيب ج 5 ص 109. والوسائل الباب 29 من الطواف
(2) الفقيه ج 2 ص 255، والوسائل الباب 29 من الطواف.
125

منسوب إلى الشيخ (قدس سره) في المبسوط وتبعه المتأخرون عنه
لكنه قيده بطواف القدوم، والمنقول في كلامهم الاطلاق. وهو غير جيد.
قال في المدارك: ولم أقف على رواية تدل عليه من طريق الأصحاب
(رضوان الله - تعالى - عليهم). نعم قال العلامة في المنتهى: إن العامة كافة
متفقون على استحباب ذلك (1) ورووا أن السبب فيه أنه لما قدم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكة فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم نهكتهم الحمى ولقوا منها شرا. فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه
وآله) أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين، فلما
رأوهم قالوا: ما نراهم إلا كالغزلان (2). ولا ريب في ضعف هذا
القول، لعدم ثبوت هذا النقل، ولو ثبت لما كان فيه دلالة على
الاستحباب مطلقا. انتهى.
أقول: أما قوله -: إنه لم يقف على رواية تدل عليه - فهو ظاهر،
حيث إن نظرهم مقصور على مراجعة الكتب الأربعة المشهورة، وإلا
فالرواية بذلك موجودة:
كما رواه الصدوق في كتاب علل الشرائع والأحكام (3) عن أبيه
عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله عن ابن فضال عن ثعلبة عن
زرارة أو محمد الطيار قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن
الطواف، أيرمل فيه الرجل؟ فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه

(1) المغني ج 3 ص 336 طبع مطبعة العاصمة.
(2) تيسير الوصول ج 1 ص 276 و 277 طبع مطبعة الحلبي سنة 1352،
والمغني ج 3 ص 336 و 337 طبع مطبعة العاصمة.
(3) ص 412 طبع النجف الأشرف، والوسائل الباب 29 من الطواف.
126

وآله) لما أن قدم مكة - وكان بينه وبين المشركين الكتاب الذي قد علمتم - أمر الناس أن يتجلدوا، وقال: اخرجوا أعضادكم. وأخرج
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عضديه ثم رمل بالبيت ليريهم أنهم
لمن يصبهم جهد، فمن أجل ذلك يرمل الناس، وإني لأمشي مشيا،
وقد كان علي بن الحسين (عليه السلام) يمشي مشيا).
وبهذا الاسناد عن ثعلبة عن يعقوب الأحمر (1) قال: (قال
أبو عبد الله (عليه السلام): لما كان غزاة الحديبية وادع رسول الله (صلى
الله عليه وآله) أهل مكة ثلاث سنين ثم دخل فقضى نسكه، فمر
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفر من أصحابه جلوس في فناء الكعبة
فقال: هو ذا قومكم على رؤوس الجبال لا يرونكم فيروا فيكم ضعفا
قال: فقاموا فشدوا أزرهم وشدوا أيديهم على أوساطهم ثم رملوا).
وأما قوله (قدس سره) -: ولو ثبت لما كان فيه دلالة على
الاستحباب مطلقا - فهو جيد، لأن ما ذكرناه من الروايتين إنما
تدلان على كونه في خصوص ذلك اليوم لاظهار التجلد والقوة لمشركي
قريش. والمفهوم من الخبر الأول أن العامة اتخذوا ذلك سنة على
الاطلاق بسبب هذه القضية، وأنهم (عليهم السلام) كانوا يمشون
مشيا. وهو ظاهر في فصر الرمل على ذلك اليوم للغرض المشار إليه.
ولا تخصيص فيه بالثلاثة الأول. فما ذكره الشيخ (قدس سره)
ومن تبعه من الأصحاب - من الاستحباب مطلقا أو في طواف القدوم -
لا مستند له.

(1) العلل ص 412 طبع النجف الأشرف، والوسائل الباب 29 من
الطواف.
127

ويؤكد ذلك وإن دل على تخصيص الرمل بالثلاثة ما رواه أحمد
ابن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه (1) قال: (سئل ابن عباس
فقيل له: إن قوما يروون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بالرمل
حول الكعبة؟ فقال كذبوا وصدقوا. فقلت، وكيف ذلك؟ فقال:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل مكة في عمرة القضاء وأهلها
مشركون، فبلغهم أن أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) مجهودون
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رحم الله امرأ أراهم من نفسه
جلدا، فأمرهم فحسروا عن أعضادهم ورملوا بالبيت ثلاثة أشواط،
ورسول الله (صلى الله عليه وآله) على ناقته وعبد الله بن رواحه
آخذ بزمامها، والمشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم. ثم حج
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك فلم يرمل ولم يأمرهم بذلك.
فصدقوا في ذلك وكذبوا في هذا).
وعن أبيه عن جده عن أبيه (2) قال: (رأيت علي بن الحسين
(عليه السلام) يمشي ولا يرمل).
أقول: وبذلك ظهر أن الرمل له أصل بسبب هذه القضية، وأن
العامة اتخذوا ذلك سنة لذلك، والأمر عند أئمتنا (صلوات الله
عليهم) ليس كذلك.
والرمل لغة: الهرولة على ما ذكره في القاموس، ورملت رملا
من باب طلب: هر ولت، والهرولة أسرع في المشي مع تقارب الخطى.
وعرفه الشهيد (قدس سره) في الدروس بأنه الاسراع في المشي مع
تقارب الخطى دون الوثوب والعدو، ويسمى الخبب. أقول: الظاهر

(1) الوسائل الباب 29 من الطواف
(2) الوسائل الباب 29 من الطواف
128

أن قوله: (ويسمى الخبب) وراجع إلى الوثوب والعدو، فلا يتوهم رجوعه إلى الرمل.
قال في المصباح المنير: وخب في الأمر خببا
من باب طلب: أسرع الأخذ فيه. ومنه الخبب لضرب من العدو،
وهو خطو فسيح دون العنق.
ومن ما يدل على جواز الركوب اختيارا ما رواه في الكافي (1) في
الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه
لسلام) يقول: طاف رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ناقته
العضباء وجعل يستلم الأركان بمحجنه ويقبل المحجن).
وما رواه في من لا يحضره الفقيه (2) في الصحيح عن محمد بن مسلم
قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: حدثني أبي أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجنه
وسعى عليها بين الصفا والمروة) قال (3): وفي خبر آخر: (أنه كان
يقبل الحجر بالمحجن) ونحو في رواية ابن عباس المذكورة.
ومنها: أن يلتزم المستجار في الشوط السابع ويبسط يديه على حائطه
ويلصق به بطنه وخده ويدعو بالمأثور.
ويدل عليه ما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب (4) في الموثق
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث
قال فيه: (فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة - وهو المستجار دون الركن

(1) ج 4 ص 429، والوسائل الباب 81 من الطواف.
(2) ج 2 ص 251، والوسائل الباب 81 من الطواف.
(3) ج 2 ص 251، والوسائل الباب 81 من الطواف.
(4) ج 5 ص 104، والوسائل الباب 26 من الطواف
129

اليماني بقليل - في الشوط السابع، فابسط يديك على الأرض، والصق
خدك وبطنك بالبيت، ثم قل: اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا
مكان العائذ بك من النار. ثم أقر لربك بما عملت من الذنوب، فإنه
ليس من عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر له إن
شاء الله (تعالى)، فإن أبا عبد الله (عليه السلام) قال لغلمانه: أميطوا
عني حتى أقر لربي بما عملت. ويقول: اللهم من قبلك الروح
والفرج والعافية، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه اللهم لي، واغفر
لي ما اطلعت عليه مني وخفى على خلقك. وتستجير بالله من النار
وتختار لنفسك من الدعاء. ثم استقبل الركن اليماني والركن الذي
فيه الحجر الأسود واختم به، فإن لم تستطع فلا يضرك. وتقول:
اللهم متعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني. ثم تأتي مقام إبراهيم
(عليه السلام)... الحديث) وقد تقدم.
وما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال:
(قال أبو عبد الله (عليه السلام: إذا كنت في الطواف السابع فات
المتعوذ - وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب - فقل: اللهم
البيت بيتك والعبد عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار، اللهم
من قبلك الروح والفرج. ثم استلم الركن اليماني، ثم ائت الحجر
فاختم به).
ولو نسي الالتزام حتى تجاوز المستجار إلى الركن لم يرجع، لما
رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن

(1) ج 4 ص 410، والوسائل الباب 26 من الطواف.
130

(عليه السلام) (1) قال: (سألته عن من نسي أن يلتزم في آخر
طوافه حتى جاز الركن اليماني، أيصلح أن يلتزم بين الركن اليماني
وبين الحجر، أو يدع ذلك؟ قال يترك اللزوم ويمضي. الحديث)
وأطلق المحقق في النافع والعلامة في القواعد الرجوع والالتزام
إذا جاوز المستجار، وبعضهم قيده بعدم بلوغ الركن. واستحب في
الدروس الرجوع ما لم يبلغ الركن. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه:
وهو حسن.
أقول: لا يخفى أن ظاهر الخبر المذكور أن السؤال فيه إنما تعلق
بالالتزام بين الركن اليماني وبين الحجر بعد نسيانه الالتزام في محله،
فأجاب (عليه السلام) بأنه لا يلتزم في هذا المكان، لفوات محل
الالتزام المأمور به، ومجرد سؤال السائل عن نسيان الالتزام حتى جاوز
المستجار لا يدل على أنه بعد تجاوز المستجار يرجع، إذ هذا إنما وقع في
كلام السائل، والغرض من سؤاله إنما هو ما ذكرنا لا السؤال عن
جواز الرجوع وعدمه. وبالجملة فإن القول بالرجوع مطلقا لا دليل
عليه، مع استلزامه الزيادة في الطواف. والقول بالرجوع ما لم يبلغ الركن
لا يفهم من الرواية صريحا ولا ظاهرا وإن أوهمه بادئ النظر في الخبر.
ومنها: أن يلتزم الأركان كلها وإن تأكد الذي فيه الحجر والركن
اليماني على المشهور، بل أسنده العلامة (قدس سره) في المنتهى إلى
علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه. وأوجب سلار استلام اليماني.
ومنع ابن الجنيد من استلام الشامي.

(1) التهذيب ج 5 ص 108، والوسائل الباب 27 من الطواف.
131

والأظهر القول المشهور، ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب (1)
في الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود قال: (قلت للرضا (عليه السلام):
استلم اليماني والشامي والغربي؟ قال: نعم).
وعن جميل بن صالح في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول: ما بال هذين الركنين
يستلمان ولا يستلم هذان، فقلت: إن رسول الله (صلى الله عليه، آله)
استلم هذين ولم يعرض لهذين، فلا تعرض لهما إذ لم يعرض لهما
رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال جميل: ورأيت أبا عبد الله
(عليه السلام) يستلم الأركان كلها).
قال في الإستبصار: يعني: ليس في استلامهما من الفضل والترغيب
في الثواب ما في استلام الركن العراقي واليماني، لا أن استلامهما
محظور أو مكروه. ولا جل ما قلناه حكى جميل أنه رأى أبا عبد الله
(عليه السلام) يستلم الأركان كلها، فلو لم يكن جائزا لما فعله (عليه
السلام). انتهى. وهو جيد.
ومن الأخبار الدالة على تأكيد الاستلام في الركن اليماني ما رواه
في الكافي (3) عن العلاء بن المقعد قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إن ملكا موكلا بالركن اليماني منذ خلق الله السماوات
والأرضين ليس له هجير إلا التأمين على دعائكم، فلينظر عبد بما يدعو.

(1) ج 5 ص 106، والوسائل الباب 25 من الطواف
(2) التهذيب ج 5 ص 106، والوسائل الباب 22 من الطواف
(3) ج 4 ص 408، والسوائل الباب 23 من الطواف.
132

فقلت له: ما الهجير؟ فقال: كلام من كلام العرب، أي ليس
له عمل).
أقول: الهجير في اللغة - كسجيل -: الدأب والعادة والديدن
وهو موافق لتفسيره (عليه السلام).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه
السلام) (1) قال: (الركن اليماني باب من أبواب الجنة لم يغلقه الله
(تعالى) منذ فتحه).
وروى في الفقيه (2) قال: (وقال الصادق (عليه السلام):
الركن اليماني بابنا الذي ندخل منه الجنة. وقال (عليه السلام):
فيه باب من أبواب الجنة لم يغلق منذ فتح).
وعن أبي الفرج السندي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(كنت أطوف معه بالبيت، فقال: أي هذا أعظم حرمة؟ فقلت:
جعلت فداك أنت أعلم بهذا مني. فأعاد علي، فقلت له: داخل البيت.
فقال: الركن اليماني على باب من أبواب الجنة مفتوح لشيعة آل محمد
(صلى الله عليه وآله) مسدود عن غيرهم، وما من مؤمن يدعو بدعاء
عنده إلا صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش ما بينه وبين الله (تعالى) حجاب).
تتمة مهمة
يجب أن يعلم أن من لوازم الطواف صلاة ركعتين وجوبا إن كان

(1) الكافي ج 4 ص 409، والوسائل الباب 23 من الطواف
(2) ج 2 ص 134، والوسائل الباب 22 من الطواف
(3) الكافي ج 4 ص 409، والوسائل الباب 23 من الطواف.
133

واجبا واستحبابا إن كان مستحبا، وهو المعروف من مذهب الأصحاب
(رضوان الله عليهم).
إلا أن الشيخ نقل في الخلاف عن بعض أصحابنا القول باستحبابهما
في الطواف الواجب.
وهو ضعيف مردود بالآية والروايات، لقوله (عز وجل): واتخذوا
من مقام إبراهيم مصلى (1). والأمر للوجوب - بلا خلاف - في القرآن
العزيز إلا مع قيام قرينة خلافه، وإنما الخلاف في أوامر السنة.
ولما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار (2)
قال: (أبو عبد الله (عليه السلام): إذا فرغت من طوافك
فأت مقام إبراهيم (عليه السلام) فصل ركعتين واجعله أمامك، واقرأ
في الأولى منهما سورة التوحيد: (قل هو الله أحد) وفي الثانية (قل
يا أيها الكافرون) ثم تشهد واحمد الله (تعالى) واثن عليه، وصل
على النبي (صلى الله عليه وآله) واسأله أن يتقبل منك. وهاتان الركعتان
هما الفريضة، ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع
الشمس وعند غروبها، ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما).
وروى الشيخ (قدس سره) في الموثق عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) في حديث قال: (ثم تأتي مقام
إبراهيم (عليه السلام) فتصلي ركعتين واجعله إماما. واقرأ فيهما

(1) سورة البقرة، الآية 125
(2) التهذيب ج 5 ص 136، والوسائل الباب 71 و 76 من الطواف.
والشيخ يرويه عن الكليني
(3) التهذيب ج 5 ص 104 و 105، والوسائل الباب 71 من الطواف
134

بسورة التوحيد: (قل هو الله أحد) وفي الركعة الثانية (قل يا أيها
الكافرون) ثم تشهد واحمد الله (تعالى) واثن عليه).
وروى في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم
قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة
وفرغ من طوافه حين غربت الشمس. قال: وجبت عليه تلك الساعة
الركعتان فليصلهما قبل المغرب).
وروى في التهذيب (2) عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) قال: (سألته عن ركعتي طواف الفريضة، قال: لا تؤخر هما
ساعة إذا طفت فصل).
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية في المقام إن شاء الله (تعالى).
وتنقيح البحث في هذا المقام يتوقف على بيان أمور: الأول - المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن محل ركعتي طواف الفريضة خلف
المقام ولا يجوز في غيره، وركعتي طواف النافلة حيث شاء من المسجد.
وقال الشيخ (قدس سره) في الخلاف: يستحب أن يصلي الركعتين
خلف المقام، فإن لم يفعل وفعل في غيره أجزأه. كذا نقل عنه في المختلف
ونقل عنه في المدارك، قال: وقال الشيخ (قدس سره) في الخلاف:
يستحب فعلهما خلف المقام فإن لم يفعل وفعل في غيره، أجزأ. وهو إما
نقل بالمعنى أو في موضع آخر غير ما نقله العلامة (قدس سره). ونقل
في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه أنه قال: لا يجوز أن تصلي ركعتي
طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة، ولا بأس أن

(1) ج 4 ص 423، والوسائل الباب 76 من الطواف.
(2) ج 5 ص 141، والوسائل الباب 76 من الطواف.
135

تصلي ركعتي طواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام. قال:
وكذا جوز ابنه في المقنع صلاة ركعتي طواف النساء في جميع المسجد
الحرام. ونقل عن أبي الصلاح أنه قال: يجب على كل من طاف
بالبيت بعد فراغه من أسبوعه أن يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم
(عليه السلام) ويجوز تأديتهما في غير المقام من المسجد الحرام.
ويدل على المشهور صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، ومثلها موثقته
المذكورة أيضا.
وما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب (1) في الصحيح عن
صفوان عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ليس
لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام، لقول الله
(عز وجل): واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (2) فإن صليتهما
في غيره فعليك إعادة الصلاة).
وعن أبي عبد الله الابزاري (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل نسي فصلى ركعتي طواف الفريضة في الحجر. قال
يعيدهما خلف المقام، لأن الله (تعالى) يقول: واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلى (4) يعني بذلك: ركعتي طواف الفريضة).
وما رواه في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن أبي محمود، وقد
تقدمت قريبا (5).

(1) ج 5 ص 137 و 285، والوسائل الباب 72 من الطواف
(2) سورة البقرة، الآية 125.
(3) التهذيب ج 5 ص 138، والوسائل الباب 72 من الطواف.
(4) سورة البقرة، الآية 125.
(5) ص 114 و 115.
136

وهذه الروايات دالة باطلاقها على وجوب صلاة الركعتين عند المقام
في كل طواف واجب لحج كان أو عمرة أو طواف النساء.
والظاهر أن ما نقل عن الصدوقين قدس سرهما) من استثناء
طواف النساء فمستنده كتاب الفقه الرضوي، حيث قال (عليه
السلام) (1): - بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيهما وترتيبها
في الفضل - ما صورته: وما قرب من البيت فهو أفضل، إلا أنه
لا يجوز أن تصلي ركعتي طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث
هو الساعة. ولا بأس أن تصلي ركعتي طواف النساء وغيره حيث شئت
من المسجد الحرام. وحينئذ فيمكن تخصيص اطلاق تلك الروايات
بهذه الرواية، إلا أن الأحوط الوقوف على اطلاق تلك الأخبار.
وما ذكره أبو الصلاح فلم أقف له على مستند، مع ظهور الأخبار
المذكورة في رده.
وأما ما يدل على أن صلاة طواف النافلة حيث شاء من المسجد فهو
ما رواه ثقة الاسلام في الكافي (2) عن زرارة عن أحدهما (عليهما
السلام) قال: (لا ينبغي أن تصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند
مقام إبراهيم (عليه السلام) وأما التطوع فحيث شئت من المسجد).
وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (كان أبي (عليه السلام) يقول: من طاف بهذا البيت أسبوعا
وصلى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة.).

(1) ص 28.
(2) ج 4 ص 425، والوسائل الباب 73 من الطواف
(3) الكافي ج 4 ص 411 و 412، والوسائل الباب 4 و 73 من الطواف.
137

وعن أبي بلال المكي (1) قال: (رأيت أبا عبد الله (عليه السلام)
طاف بالبيت ثم صلى ما بين الباب والحجر الأسود ركعتين، فقلت له: ما رأيت أحدا منكم صلى في هذا الموضع. فقال: هذا المكان الذي
تيب على آدم فيه).
وروى في كتاب قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
(عليه السلام) (2) قال: (سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر
فيصلي الركعتين خارجا من المسجد. قال:: يصلي بمكة لا يخرج
منها، إلا أن ينسى فيصلي إذا رجع في المسجد أي ساعة أحب ركعتي
ذلك الطواف) ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (3).
الثاني المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يصلي
ركعتي الطواف الواجب في المقام، ولو منعه زحام أو غيره صلى خلفه
أو إلى أحد جانبيه. وهذا الكلام بحسب ظاهره لا يخلو من الاشكال
ولم أر من تنبه له ونبه عليه إلا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، حيث
قال: الأصل في المقام إنه العمود من الصخر الذي كان إبراهيم (عليه
السلام) يقف عليه حين بنائه البيت، وأثر قدميه فيه إلى الآن.. (4)
ثم بعد ذلك بنوا حوله بناء، وأطلقوا اسم المقام على ذلك البناء
بسبب المجاورة حتى صار اطلاقه على البناء كأنه حقيقة عرفية.. إذا
تقرر ذلك فنقول: قد عرفت أن المقام بالمعنى الأول لا يصلح ظرفا
مكانيا للصلاة على جهة الحقيقة، لعدم إمكان الصلاة فيه وإنما تصلح
خلفه أو إلى أحد جانبيه. وأما المقام بالمعنى الثاني فيمكن الصلاة فيه

(1) الوسائل الباب 53 من أحكام المساجد، والباب 73 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 73 من الطواف
(3) الوسائل الباب 73 من الطواف
(4) لاحظ الاستدراكات
138

وفي أحد جانبيه وخلفه، فقول المصنف: (يجب أن يصلي في المقام) إن
أراد به المعنى الأول أشكل من جهة جعله ظرفا مكانيا، ومن جهة
قوله: (ولا يجوز في غيره) فإن الصلاة خلفه أو عن أحد جانبيه جائزة بل
معينة. ومن جهة قوله: (فإن منعه زحام صلى وراءه أو إلى أحد جانبيه)
فإن الصلاة في هذين جائزة مع الزحام وغيره. ولو حصلت الصلاة فيه على
الصلاة حوله مجازا تسمية له باسمة بسبب المجاورة كان المقصود بالذات من
الكلام الصلاة خلفه أو إلى أحد الجانبين مع الاختيار، فيشكل شرطه
بعد ذلك جواز الصلاة فيهما بالاضطرار. اللهم إلا أن يتكلف لقوله:
(خلفه أو إلى أحد جانبيه) بما زاد عن ما حوله من ما يقاربه عرفا،
وتصح الصلاة إليه اختيارا، بأن يجعل ذلك كله عبارة عن المقام مجازا،
وما خرج عن ذلك من المسجد الذي يناسب الخلف أو أحد الجانبين يكون
محلا للصلاة مع الاضطرار والزحام. إلا أن هذا معنى بعيد وتكلف زائد.
وإن أراد المقام بالمعنى الثاني وهو البناء المحيط بالصخرة المخصوصة
صح قوله: (أن يصلي في المقام) ولكن يشكل بالأمرين الآخرين،
فإن الصلاة في غيره أيضا جائزة اختيارا، وهو ما جاوره من أحد جانبيه
وخلفه من ما لا يخرج عن قرب الصخرة عرفا، ولا يشترط فيه الزحام
بل هو الواقع لجميع الناس في أكثر الأعصر. وفي إرادة البناء فساد
آخر، وهو أن المقام كيف أطلق يجب كون الصلاة خلفه أو عن
أحد جانبيه، ومتى أطلق على البناء وفرضت الصلاة إلى أحد جانبيه
صح من غير اعتبار أن يكون عن جانب الصخرة. وهذا لا يصح،
لأن المعتبر في ذلك أنما هو بالصخرة لا بالبناء، فإنه هو مقام إبراهيم
(عليه السلام) وموضع الشرف وموضع اطلاق الشارع. وأيضا قوله:
139

(حيث هو الآن) احتراز عن محله قديما كما تقدم، والمقام المنقول
هو الصخرة لا البناء كما لا يخفى. وهذا الاجمال أو القصور في
المعنى مشترك بين أكثر عبارات الأصحاب (رضوان الله عليهم) وإن
تفاوتت في ذلك. ولقد كان الأولى أن يقول: يجب أن يصلي خلف
المقام أو إلى أحد جانبيه، فإن منعه زحام جاز التباعد عنه مع مراعاة
الجانبين والوراء. انتهى كلامه (زيد مقامه). وهو جيد. وإنما
نقلناه بطوله لحسنه وجودة محصوله.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المستفاد من كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) هو تخصيص الصلاة إلى أحد الجانبين بالزحام، وخير وا
بينه وبين الخلف كما تقدم نقله عنهم. وظاهر كلام الشيخ (قدس
سره) - على ما نقله في المنتهى - ترتب الصلاة في أحد الجانبين على عدم
الامكان خلفه. والمروي في الأخبار الكثيرة - كما تقدم شطر منها -
هو الصلاة خلفه، سيما مرسلة صفوان المتقدمة (1) وقوله (عليه السلام)
فيها: (ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام)
وفي جملة من الأخبار الصلاة عند المقام، والظاهر حمل اطلاقها على
ما ذكر في غيرها من الخلف. وفيها إشارة إلى القرب وعدم التباعد
بحيث تصدق العندية بذلك.
ولم أقف على رواية تدل على أحد الجانبين إلا ما رواه في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن الحسين بن عثمان (2) قال: (رأيت أبا الحسن
موسى (عليه السلام) يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا

(1) ص 136
(2) الوسائل الباب 75 من الطواف
140

من ظلال المسجد) ورواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب (1) بسند
فيه أحمد بن هلال المذموم وزاد في آخر الخبر: (لكثرة الناس).
وهو على رواية الشيخ (قدس سره) ظاهر الدلالة على ما هو المذكور
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من التخصيص بالضرورة،
وعلى تقدير رواية الكافي ينبغي تقييده بذلك أيضا للأخبار الكثيرة
الدالة على التخصيص بخلف المقام، ولا سيما مرسلة صفوان المذكورة،
الثالث - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله - تعالى -
عليهم) بأنه لو نسي ركعتي الطواف وجب عليه الرجوع، إلا أن يشق
عليه فيقضيهما حيث ذكر. وفي الدروس بعد تعذر الرجوع إلى المقام
فحيث شاء من الحرم، فإن تعذر فحيث أمكن من البقاع. ونقل عن
المبسوط وجوب الاستنابة، قال: وتبعه الفاضل.
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي
عن أبي الصباح الكناني (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) في
طواف الحج والعمرة، فقال: إن كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام
إبراهيم (عليه السلام)، فإن الله (عز وجل) يقول: واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلى (3) وإن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع).
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن رئاب عن أبي بصير (4)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يصلي

(1) ج 5 ص 140، والوسائل الباب 75 من الطواف
(2) الوسائل الباب 74 من الطواف
(3) سورة البقرة، الآية 125.
(4) الوسائل الباب 74 من الطواف
141

ركعتي طواف الفريضة خلف المقام - وقد قال الله (تعالى): واتخذوا من
مقام إبراهيم مصلى (1) - حتى ارتحل. فقال: إن كان ارتحل فإني
لا أشق عليه ولا آمره أن يرجع ولكن يصلي حيث يذكر).
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال:
(قلت لا بي عبد الله (عليه السلام): رجل نسي الركعتين خلف مقام
إبراهيم (عليه السلام) فلم يذكر حتى ارتحل من مكة. قال: فليصلهما
حيث ذكر، وإن ذكرهما وهو بالبلد فلا يبرح حتى يقضيهما).
قال في الفقيه (3): وفي رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه
السلام): (إن كان قد مضى قليلا فيرجع فليصلهما أو يأمر بعض
الناس فليصلهما عنه) وطريقه إلى عمر المذكور صحيح (4).
وما رواه في الكافي والتهذيب عن عبيد بن زرارة في الموثق عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (5) (في رجل طاف طواف الفريضة ولم
يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة، ثم طاف طواف النساء
ولم يصل الركعتين، حتى ذكر بالأبطح، فصلى أربع ركعات؟ قال: يرجع
فيصلي عند المقام أربعا).

(1) سورة البقرة، الآية 125
(2) الوسائل الباب 74 من الطواف
(3) ج 2 ص 254، والوسائل الباب 74 من الطواف
(4) جامع الرواة ج 2 ص 538، وشرح مشيخة الفقيه ص 8
(5) الكافي ج 4 ص 425، والتهذيب ج 5 ص 138، والوسائل الباب
74 من الطواف الرقم 6 و 7
142

وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما
السلام) (1) قال: (سئل عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل
الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة، وطاف بعد ذلك طواف النساء
ولم يصل أيضا لذلك الطواف، حتى ذكر وهو بالأبطح. قال: يرجع
إلى مقام إبراهيم (عليه السلام) فيصلي).
وما رواه في التهذيب (2) عن أحمد بن عمر الحلال في الصحيح قال:
(سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل نسي أن يصلي ركعتي
طواف الفريضة فلم يذكر حتى أتى منى. قال: يرجع إلى مقام إبراهيم
(عليه السلام) فيصليهما).
ورواه في الفقيه (3) بسنده عن أحمد بن عمر مثله، ثم قال:
وقد رويت رخصة في أن يصليهما بمنى، رواها ابن مسكان عن عمر بن
البراء عن أبي عبد الله (عليه السلام).
وما رواه في الكافي (4) عن هشام بن المثنى وحنان قالا: (طفنا
بالبيت طواف النساء ونسينا الركعتين، فلما صرنا بمنى ذكرناهما،
فأتينا أبا عبد الله (عليه السلام) فسألناه، فقال: صلياهما بمنى).
وعن هشام بن المثنى (5) قال: (نسيت ركعتي الطواف خلف مقام

(1) الكافي ج 4 ص 426، والتهذيب ج 5 ص 138، والوسائل الباب
74 من الطواف
(2) ج 5 ص 140، والوسائل الباب 74 من الطواف.
(3) ج 2 ص 254، والوسائل الباب 74 من الطواف.
(4) ج 4 ص 426، والوسائل الباب 74 من الطواف
(5) الكافي ج 4 ص 426، والوسائل الباب 74 من الطواف.
143

إبراهيم (عليه السلام) حتى انتهيت إلى منى، فرجعت إلى مكة فصليتهما،
فذكرنا ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: إلا صلاهما حيث
ذكر) أقول: الظاهر أن قوله: (فذكرنا ذلك...) من كلام ابن أبي عمير، وهو الراوي عن هشام المذكور. ورواه في التهذيب (1)
أيضا عن هشام بن المثنى مثله.
وروى في التهذيب (2) في الموثق عن حنان بن سدير قال: (زرت
فنسيت ركعتي الطواف، فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) - وهو بقرن
الثعالب - فسألته، فقال: صل في مكانك) أقول: قرن الثعالب
هو قرن المنازل الذي هو ميقات أهل الطائف.
وعن عمر بن يزيد في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
(أنه سأله عن رجل نسي أن يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام
إبراهيم (عليه السلام) حتى أتى منى. قال: يصليهما بمنى).
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (4)
قال: (سألته عن رجل نسي أن يصلي الركعتين. قال: يصلى عنه)
وعن ابن مسكان (5) عن من سأله عن رجل نسي ركعتي طواف
الفريضة حتى يخرج. قال: يوكل. قال ابن مسكان: وفي حديث آخر:
إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع وليصلهما، فإن الله (عز وجل)
يقول: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى (6).

(1) ج 5 ص 139
(2) الوسائل الباب 74 من الطواف
(3) الوسائل الباب 74 من الطواف
(4) الوسائل الباب 74 من الطواف
(5) التهذيب ج 5 ص 140، والوسائل الباب 74 من الطواف
(6) سورة البقرة، الآية 125
144

قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر: هكذا في النسخ التي رأيناها،
ولعله سقط من الكلام شئ بأن يكون (إن كان جاوز) متعلقا
ب‍ (يوكل) والساقط (وإن لم يجاوز ميقات أهل أرضه) أو (وإلا).
انتهى. وهو جيد.
أقول: والمستفاد من أكثر هذه الأخبار هو جواز الصلاة حيث ذكر
متى شق عليه الرجوع، كما هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
- تعالى - عليهم). والمستفاد من صحيحة عمر بن يزيد المتقدم نقلها
عن كتاب من لا يحضره الفقيه، صحيحة محمد بن مسلم، ورواية ابن
مسكان أنه يوكل من يصلي عنه. والظاهر أنها المستند لمن قال
بوجوب الاستنابة. إلا أن المنقول عن الشيخ هو وجوب الاستنابة إذا
شق عليه الرجوع كما نقله في المدارك. وظاهر صحيحة عمر بن يزيد
هو التخيير بين الرجوع والاستنابة في موضع يمكن فيه الرجوع. وهي
لا تنطبق على مذهبه. والروايتان الأخيرتان مطلقتا فلا تصريح فيهما
بالاستنابة مع تعذر الرجوع، فلعل اطلاقهما محمول على صحيحة عمر
ابن يزيد المذكورة. وبذلك يعظم الاشكال في المسألة بناء على كلام
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم). وربما يؤيد التخيير في مقام
إمكان الرجوع روايات منى، حيث إن بعضها تضمن الرجوع إلى المقام
وبعضها الصلاة في منى، فيجمع بينهما بالتخيير بين الأمرين، ويكون
ذلك مؤيدا لما دلت عليه صحيحة عمر بن يزيد المذكورة.
وبالجملة فإن الوجه الذي تجتمع عليه هذه الروايات هو أن من
لم يمكنه الرجوع فإنه يصلي حيث ذكر، ومن أمكنه تخير بين الرجوع
والاستنابة. والحكم الأول لا اشكال فيه بالنسبة إلى الأخبار، وأما
145

الثاني فالتقريب فيه حمل اطلاق روايتي محمد بن مسلم وابن مسكان
على صحيحة عمر بن يزيد، وحمل روايات منى على التخيير. وبه يزول
الاشكال في هذا المجال وإن لم يقل به أحد من علمائنا الأبدال.
والشيخ (قدس سره) قد جمع في التهذيب (1) بين روايات منى
بحمل الصلاة في منى على ما إذا شق عليه العود. وفيه أن رواية هشام
ابن المثنى الثانية صريحة في أنه عاد إلى مكة وصلاهما في المقام، ومع
ذلك لما أخبر الإمام (عليه السلام) قال: (إلا صلاهما حيث ذكر)
فكيف يتم ما ذكره؟.
وصاحب الفقيه (2) حمل روايات عدم الرجوع على الرخصة، وفي
الإستبصار (3) نحو ذلك.
وأما رواية ابن مسكان وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة ابن يزيد
فلم أقف لهم على الجواب عنها إلا ما ذكره في المدارك من الطعن في
رواية ابن مسكان واطراح صحيحة عمر بن يزيد، ولم يتعرض لصحيحة
محمد بن مسلم ولم ينقلها في المقام. وهو محض مجازفة لا تخفى على
ذوي الأفهام.
وبالجملة فإني لا أعرف وجها تجتمع عليه هذه الأخبار سوى
ما ذكرت.
وأما ما ذكره في الدروس - من ايجاب العود إلى الحرم عند تعذر
العود إلى المقام - فلم نقف له على دليل في الأخبار.
والظاهر الحاق حكم الجاهل بالناسي، لما رواه الصدوق (قدس

(1) ج 5 ص 137 إلى 140
(2) ج 2 ص 253، و 254
(3) ج 2 ص 235 و 236
146

سره) في الصحيح عن جميل بن دراج عن أحدهما (عليهما السلام) (1)
قال (إن الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام
بمنزلة الناسي).
ولا يخفى أن ما نقلناه من الأخبار إنما يتعلق بحكم الناسي
والجاهل، وأما التارك لهما عمدا فلم أقف على خبر يتضمن الحكم فيه
وكذا الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يتعرضوا لذكره إلا ما صرح
به في المسالك، حيث قال بعد ذكر ذلك: والذي يقتضيه الأصل أنه
يجب عليه العود مع الامكان، ومع التعذر يصليهما حيث أمكن.
وقال سبطه في المدارك بعد أن نقل عنه ذلك: ولا ريب أن مقتضى
الأصل وجوب العود مع الامكان، وإنما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما
حيث أمكن مع التعذر أو بقائهما في الذمة إلى أن يحصل التمكن من
الاتيان بهما في محلهما، وكذا الاشكال في صحة الأفعال المتأخرة
عنهما، من صدق الاتيان بها، ومن عدم وقوعها على الوجه المأمور
به. انتهى. وهو جيد.
الرابع - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو مات
ولم يأت بهما وجب قضاؤهما على وليه.
والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة صحيحة عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (من نسي أن يصلي ركعتي
طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه أن يقضي، أو يقضي عنه
وليه، أو رجل من المسلمين). ولم أقف على سواها.
وهي مع عدم التصريح فيها بالموت كما هو موضع المسألة قد دلت

(1) الوسائل الباب 74 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 74 من الطواف.
147

على التخيير بين الولي وغيره من المسلمين. والذي يظهر من الرواية
هو كونها من عداد صحيحة محمد بن مسلم ورواية ابن مسكان المتقدمتين
في الدلالة على أن نسي ركعتي الطواف فإنه يصلي عنه، غاية الأمر
أن هذه تضمنت قضاء الولي مخيرا بينه وبين غيره، وذكر الولي فيها لا يستلزم
الموت كما هو ظاهر ما فهموه من الخبر، بل ربما كان في التخيير بين
قضائه وقضاء الأجنبي إشارة إلى الحياة كما لا يخفى. وبالجملة فإن
الرواية قاصرة عن إفادة المدعى.
وقال في المسالك بعد قول المصنف: (ولو مات قضاهما الولي)
هذا إن تركهما الميت خاصة، ولو ترك معهما الطواف ففي وجوبهما
حينئذ عليه ويستنيب في الطواف أم يستنيب عليهما معا من ماله وجهان،
ولعل وجوبهما عليه مطلقا أقوى، لعموم قضاء ما فاته من الصلوات
الواجبة (1). أما الطواف فلا يجب عليه قضاؤه عنه قطعا وإن كان
بحكم الصلاة.
واعترضه سبطه في المدارك بأن ما ذهب إليه من وجوب قضاء الركعتين
مطلقا متجه، أما قطعه بعدم وجوب قضاء الطواف فمنظور فيه، لما
رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله؟ فقال:
لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال: يأمر من يقضي عنه إن لم يحج
فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره) وهذه الرواية

(1) الوسائل الباب 1 و 6 من قضاء الصلوات.
(2) التهذيب ج 5 ص 128، والوسائل الباب 58 من الطواف. والشيخ
يرويه عن الكليني
148

وإن كانت مخصوصة بطواف النساء لكن متى وجب قضاؤه وجب قضاء
طواف العمرة والحج بطريق أولى. انتهى.
أقول: يمكن أن يقال: إن صلاة الطواف الواجب وإن كانت
واجبة لكن الظاهر أن وجوبها للطواف، بمعنى أنها تابعة له، فإن
أتى بالطواف الواجب أتي بها، وإن أخل به علي وجه لا يمكن
تداركه فلا تصح الصلاة وحدها بدونه بل يكون مؤاخذا بكل من
الأمرين، فإن ثبت قضاء الطواف وجب قضاء الصلاة أيضا، وإلا
فلا بل كان مؤاخذا بالأمرين. وأما أنه يجب قضاء الصلاة خاصة
كما ذكره فلا أعرف له وجها وجيها. والروايات المتقدمة - في ترك
الصلاة نسيانا أو جهلا، والأمر بقضائها أو النيابة فيها - قد تضمنت
الاتيان بالطواف. وهو من ما لا اشكال فيه. وأما الاستناد إلى عموم
قضاء ما فاته من الصلوات الواجبة (1) فيمكن حملها على ما فاته من
الصلوات الواجبة باستقلالها لا ما كان وجوبه مرتبا على غيره مع عدم
الاتيان بذلك الغير. ولا يتوهم من هذا الكلام إنا نمنع الوجوب بل
إنما نمنع الاتيان بالفعل والحكم بصحته مع عدم الاتيان بالطواف،
ونقول إنه متى ترك الطواف فلا تصح منه الصلاة وحدها بل يجب
عليه الطواف أولا ثم الصلاة، فتدبر. والله العالم.
الخامس - المفهوم من الأخبار وكلام الأصحاب أن وقت صلاة
الطواف الفراغ من الطواف، فلا تكره لو اتفقت في الأوقات التي
يكره فيها ابتداء النوافل بل تصلى في كل وقت.
ومن الأخبار في ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن

(1) الوسائل الباب 1 و 6 من قضاء الصلوات
149

محمد بن مسلم (1) قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل
طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس. قال:
وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فيصليهما قبل المغرب).
وفي الصحيح أو الحسن عن رفاعة (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر، أيصلي
الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ فقال: نعم، أما بلغك قول رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة
بعد العصر فتمنعوهم من الطواف).
وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (3) قال: (قال أبو عبد الله
(عليه السلام): إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم (عليه
السلام) فصل ركعتين.. إلى أن قال: وهاتان الركعتان هما الفريضة،
ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس
وعند غروبها، ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما).
وفي الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) (4)
قال: (ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن والحسين (عليهما السلام)
إلا الصلاة بعد العصر وبعد الغداة في طواف الفريضة).
وما رواه الشيخ (رحمه الله) عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (5) قال: (سألته عن ركعتي طواف الفريضة. قال:
لا تؤخرهما ساعة إذا طفت فصل).
وأما ما رواه عن محمد بن مسلم في الصحيح (6) - قال: (سألت أبا جعفر

(1) الوسائل الباب 76 من الطواف
(2) الوسائل الباب 76 من الطواف
(3) الوسائل الباب 76 من الطواف
(4) الوسائل الباب 76 من الطواف
(5) الوسائل الباب 76 من الطواف
(6) التهذيب ج 5 ص 141، والوسائل الباب 76 من الطواف
150

(عليه السلام) عن ركعتي طواف الفريضة. فقال: وقتهما إذا فرغت
من طوافك، وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم أيضا (1) قال: (سئل أحدهما
(عليهما السلام) عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر.
قال: يطوف ويصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها) -.
فحمله الشيخ (قدس سره) على التقية، قال: لأنه موافق للعامة (2).
وأنت خبير بأن ظاهر موثقة إسحاق بن عمار أن العامة لا يمنعون ذلك
وأنهم لم يأخذوا عن الحسن والحسين (عليهما السلام) إلا جواز الصلاة
في هذين الوقتين. ويمكن الجمع بحمل الناس في الموثقة المذكورة على
بعض العامة وإن كان الأكثر على المنع (3).
وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن هذا الحكم مخصوص
بصلاة طواف الفريضة، وأما صلاة طواف النافلة فإنها تكون مكروهة
في هذه الأوقات، نص على ذلك الشيخ (قدس سره) وغيره.
واستدل عليه في الإستبصار (4) بما رواه في الصحيح عن محمد بن
إسماعيل بن بزيع قال: (سألت الرضا (عليه السلام) عن صلاة طواف
التطوع بعد العصر. فقال: لا. فذكرت له قول بعض آبائه (عليهم
السلام): إن الناس لم يأخذوا عن الحسن والحسين (عليهما السلام)
إلا الصلاة بعد العصر بمكة، فقال: نعم ولكن إذا رأيت الناس

(1) التهذيب ج 5 ص 141، والوسائل الباب 76 من الطواف.
(2) ارجع إلى المغني ج 2 ص 91 طبع مطبعة نشر الثقافة الاسلامية
(3) ارجع إلى المغني ج 2 ص 91 طبع مطبعة نشر الثقافة الاسلامية
(4) ج 2 ص 237، والوسائل الباب 76 من الطواف
151

يقبلون على شئ فاجتنبه. فقلت: إن هؤلاء يفعلون. فقال:
لستم مثلهم).
أقول: الذي يظهر من هذا الخبر أن نهيه (عليه السلام) إنما كان
استصلاحا وتقية على السائل ونحوه. وحاصل الخبر - والله سبحانه
وقائله أعلم - أنه لما نهاه عن الصلاة في هذا الوقت احتج عليه بالحديث
المذكور الدال على أنهم يجوزون ذلك، فقال له: نعم الأمر كما
ذكرت ولكن عملهم بذلك لا يدفع الضرر عنكم، لأنهم يعلمون أن هذا
الحكم - وهو جواز الصلاة في هذه الأوقات المكروهة عندهم - من خصائص
مذهبكم، وهم إنما أخذوا عن الحسن والحسين (عليهما السلام) الجواز
في صلاة الطواف خاصة، فهم يؤاخذونكم لأجل ذلك بما لا يؤاخذون
به بعضهم بعضا. وهذا معنى قوله (عليه السلام): (لستم مثلهم)
وأما قوله: (ولكن إذا رأيت الناس..) فالظاهر أن المراد منه أن
اجتماعهم على أمر من الأمور ينبغي أن يكون سببا في بعد كم عنه
وتنحيكم له، فإنهم ليسوا من الحنيفية على شئ، كما استفاضت به
الأخبار (1) وهو اعطاء القاعدة كلية لا لخصوص هذا الموضع. وبالجملة
فالظاهر أن النهي إنما خرج مخرج التقية (2).
ثم إن الشيخ (قدس سره) بعد أن أورد هذا الخبر في الإستبصار (3)
قال: فأما ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين
عن أخيه الحسين عن علي بن يقطين - قال: (سألت أبا الحسن (عليه

(1) الوسائل الباب 9 وغيره من صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به
(2) ارجع إلى المغني ج 2 ص 91 طبع مطبعة نشر الثقافة الاسلامية
(3) ج 2 ص 237، والوسائل الباب 76 من الطواف.
152

السلام) عن الذي يطوف بعد الغداة أو بعد العصر وهو في وقت
الصلاة أيصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال: لا) -
فالوجه في هذا الخبر ما تضمنه من أنه كان وقت صلاة فريضة فلم يجزله
أن يصلي ركعتي الطواف إلا بعد أن يفرغ من الفريضة الحاضرة. انتهى.
أقول: والأظهر في معنى هذا الخبر ما ذكره في الوافي (2) قال:
والأولى أن يحمل وقت الصلاة فيه على وقت صلاة الطواف، يعني:
له وقت يمكنه أن يصلي فيه صلاة الطواف قبل الطلوع أو الغروب
وإنما نهاه (عليه السلام) لمكان التقية (2).
السادس - روى الشيخان ثقة الاسلام والصدوق (رحمهما الله)
عن يحيى الأزرق عن أبي الحسن (عليه السلام) (3) قال: (قلت له:
إني طفت أربعة أسابيع فأعييت، أفأصلي ركعاتها وأنا جالس؟ قال:
لا. قلت: فكيف يصلي الرجل إذا اعتل ووجد فترة صلاة الليل
جالسا وهذا لا يصلي؟ قال: فقال: يستقيم أن تطوف وأنت جالس؟
قلت: لا. قال: فصل وأنت قائم).
أقول: ظاهر هذا الخبر قد تضمن حكمين غريبين لم أر من تنبه لهما:
أحدهما - عدم جواز صلاة ركعتي الطواف جالسا وإن كان في طواف
النافلة كما هو مورد الخبر. والظاهر حمله على التمكن من الصلاة
قائما وإن كان فيه نوع مشقة. ويصير الفرق بينه وبين صلاة النافلة

(1) باب (ركعتي الطواف)
(2) ارجع إلى المغني ج 2 ص 91 طبع مطبعة نشر الثقافة الاسلامية
(3) الكافي ج 4 ص 424، والفقيه ج 2 ص 255 و 256، والوسائل الباب
79 من الطواف
153

في غير الطواف أنه يجوز صلاة النافلة جالسا من غير عذر وإن كان
القيام أفضل، وأما صلاة الطواف وإن كان نافلة فلا يجوز صلاتها
جالسا بل يجب القيام فيها وإن اشتمل على نوع مشقة، أما لو تعذر
القيام أو اشتمل على مشقة لا تتحمل عادة فالظاهر القول بجواز صلاتها
جالسا. وربما يشير إليه ما ورد في رواية إسحاق بن عمار (1) (في من
اعتل عن اتمام طوافه: أنه يطاف عنه ويصلي هو) فإن الظاهر أن
الصلاة هنا من حيث المرض المانع من اتمام الطواف إنما هي من
جلوس. وبالجملة فإن الأمر دائر بين أن يصلي هو من جلوس أو يصلي
عنه، والأوفق بالقواعد الشرعية هو الأول، فإن النيابة إنما تصح مع
تعذر الاتيان بالفعل مطلقا.
وثانيهما - عدم جواز الطواف جالسا -، وهو أعم من أن يزحف
على مقعدته زحفا على الأرض أو يمشي على قدميه وهو جالس، كالممنوع
من الانتصاب والقيام لتشنج أعضائه. ويعضده أن الأخبار قد دلت
بالنسبة إلى المرض المانع من الطواف قائما ماشيا الشامل لهاتين الصورتين
على الطواف به، بأن يحمل إن أمكن، وإلا فإنه يطاف عنه (2) ولم يتعرض
في شئ منها لاستثناء شئ من هاتين الصورتين ولا غير هما. والأخبار
باطلاقها شاملة لهما. والله العالم.
السابع - من المستحب في هاتين الركعتين أن يقرأ فيهما بالتوحيد
والجحد.
وقد تكاثرت بذلك الأخبار، ومنها: ما تقدم في صدر البحث في

(1) الوسائل الباب 45 من الطواف
(2) والوسائل الباب 47 و 49 من الطواف
154

صحيحة معاوية بن عمار، وموثقته المذكورة أيضا.
ومنها: صحيحة جميل بن دراج عن بعض أصحابه (1) قال:
(قال أحدهما (عليهما السلام): يصلي الرجل ركعتي الطواف طواف
الفريضة والنافلة ب‍ قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون) ومثل ذلك
رواية معاذ بن مسلم (2).
وقد تضمنت صحيحة معاوية بن عمار أن التوحيد في الركعة الأولى
والجحد في الثانية، وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى
عليهم)، وقال الشيخ (رحمه الله) في النهاية: إنه يقرأ الجحد في الركعة
الأولى والتوحيد في الثانية. ولم نقف على مستنده، بل قد روى هو
(قدس سره) - زيادة على صحيحة معاوية المذكورة هنا - في كتاب
الصلاة من التهذيب (3) مرسلا بعد أن نقل رواية معاذ بن مسلم عن
أبي عبد الله (عليه السلام) الدالة على استحباب قراءة التوحيد والجحد
في سبعة مواضع، وعد منها ركعتي الفجر وركعتي الطواف، قال:
وفي رواية أخرى: (يقرأ في هذا كله ب‍ قل هو الله أحد وفي الركعة الثانية
ب‍ قل يا أيها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر، فإنه يبدأ ب‍ قل يا أيها
الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو الله أحد). إلا أن شيخنا
الشهيد (قدس سره) في الدروس - بعد أن ذكر قراءة التوحيد في
الأولى والجحد في الثانية - قال: وروى العكس. وهذه الرواية
لم تصل إلينا.

(1) الوسائل الباب 71 من الطواف
(2) الوسائل الباب 71 من الطواف
(3) ج 2 ص 74، والوسائل الباب 15 من القراءة في الصلاة
155

ويستحب أن يدعو بعدهما بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (تدعو بهذا الدعاء في دبر
ركعتي طواف الفريضة، تقول بعد التشهد: اللهم ارحمني بطواعيتي
إياك وطواعيتي رسولك (صلى الله عليه وآله) اللهم جنبني أن أتعدى
حدودك، واجعلني ممن يحبك ويحب رسولك (صلى الله عليه وآله)
وملائكتك و.. عبادك الصالحين).
وروى الحميري في كتاب قر ب الاسناد عن أحمد بن إسحاق عن
بكر بن محمد (2) قال: (خرجت أطوف وأنا إلى جنب أبي عبد الله
(عليه السلام) حتى يفرغ من طوافه، ثم قام فصلى ركعتين فسمعته
يقول ساجدا: سجد وجهي لك تعبدا ورقا، لا إله إلا أنت حقا
الأول قبل كل شئ والآخر بعد كل شئ، وها أنا ذا بين يديك ناصيتي
بيدك، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنب العظيم غيرك، فاغفر لي فإني مقر
بذنوبي على نفسي، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك. ثم رفع رأسه ووجهه
من البكاء كأنما غمس في الماء).
المقام الثالث - في الأحكام، وفيه مسائل: الأولى - قد صرح
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الطواف ركن، من تركه عامدا بطل
حجه، ومن تركه ناسيا قضاه ولو بعد المناسك، وإن تعذر العود استناب.
ومرادهم بالركن ما يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا.
والأركان في الحج عندهم. النية، والاحرام، والوقوف بعرفة، والوقوف
بالمشعر، وطواف الزيارة، والسعي بين الصفا والمروة. وأما الفرائض
التي ليست بأركان، فالتلبية، وركعتا الطواف، وطواف النساء،

(1) الوسائل الباب 78 من الطواف
(2) الوسائل الباب 78 من الطواف
156

وركعتاه. وباقي أفعال الحج من المسنونات. وأركان فرائض العمرة:
النية، والاحرام، وطواف الزيارة، والسعي. وأما ما ليس بركن من
فرائضها، فالتلبية، وركعتا الطواف، وطواف النساء، وركعتاه. كذا
ذكره أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان. وظاهره أن ما عدا
هذه المذكورات التي هي الأركان والفرائض من المسنونات والمستحبات
وهو خلاف ما عليه ظاهر أكثر الأصحاب.
وظاهرهم الاتفاق على أن طواف النساء ليس بركن بل من الفروض
قال في الدروس: كل طواف واجب ركن إلا طواف النساء. وقال في
المسالك إنه ليس بركن اجماعا.
وقال في المدارك - بعد أن ذكر أن المراد بالركن هنا ما يبطل الحج
بتركه عمدا خاصة - ما صورته: ولا ريب في ركنية طواف الحج والعمرة
بهذا المعنى، فإن الاخلال بهما أو بأحدهما يقتضي عدم الاتيان بالمأمور به
على وجه فيبقى المكلف تحت العهدة، إلا أن يقوم على الصحة دليل
من خارج، وهو منتف هنا. إلا أن ذلك بعينه آت في طواف النساء
فإن الحكم بصحة الحج مع تعمد الاخلال به يتوقف على الدليل.
وربما أمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) أنه قال: (وعليه... -. يعني
المفرد - طواف بالبيت بعد الحج) فإن المراد بهذا الطواف طواف
النساء. وكونه بعد الحج يقتضي خروجه عن حقيقته فلا يكون فواته
مؤثرا في بطلانه.
أقول. ومثل هذه الرواية بل أصرح منها ما رواه الشيخ (قدس

(1) التهذيب ج 5 ص 42، والوسائل الباب 2 من أقسام الحج الرقم 6
157

سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
في القارن (لا يكون قران إلا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت،
وركعتان عند مقام إبراهيم (عليه السلام) وسعي بين الصفا والمروة،
وطواف بعد الحج وهو طواف النساء) ونحوه حسنة له أيضا (2).
ثم استدل على ذلك بما رواه ابن بابويه في الصحيح عن أبي أيوب
الخزار (3) قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمكة فدخل عليه
رجل، فقال: أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا، ولم تطف طواف
النساء، ويأبى الجمال أن يقيم عليها. قال: فأطرق ساعة وهو يقول:
لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها. ثم رفع
رأسه إليه فقال: تمضي فقد تم حجها).
أقول: ويمكن تطرق المناقشة في هذه الرواية بدعوى اختصاصها
بحال الضرورة، والمدعى أعم من ذلك.
واستدل بعضهم على ركنية طواف الحج بما رواه الشيخ (قدس
سره) في الصحيح عن علي بن يقطين (4) قال: (سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة فقال:
إن كان على وجه الجهالة في الحج أعاد وعليه بدنة).
وعن حماد بن عيسى في الصحيح عن علي بن أبي حمزة (5) قال:
(سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله. قال:

(1) التهذيب ج 5 ص 41، والوسائل الباب 2 من أقسام الحج الرقم 1
(2) الكافي ج 4 ص 296، والوسائل الباب 2 من أقسام الحج الرقم 12
(3) الفقيه ج 2 ص 245، والوسائل الباب 59 و 84 من الطواف
(4) التهذيب ج 5 ص 127 و 128، والوسائل الباب 56 من الطواف
(5) التهذيب ج 5 ص 127 و 128، والوسائل الباب 56 من الطواف
158

إذا كان على وجهه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة).
وروى الصدوق (رحمه الله) عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن
(عليه السلام) (1) قال: (إنه سئل عن رجل سها أن يطوف
بالبيت.. الحديث) والتقريب فيها أنه إذا وجب إعادة الحج على الجاهل
فعلى العامد بطريق أولى.
وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة في هذا الحكم والطعن في هذه الأخبار
حيث قال - بعد أن ذكر أنه يمكن استفادته بطريق الأولى من رواية
علي بن أبي حمزة وصحيحة علي بن يقطين، ثم ساق الروايتين، وطعن
في رواية علي بن أبي حمزة بعدم الصحة لاشتراك علي بن أبي حمزة وعدم
التصريح بالمسؤول - ما صورته: ويمكن حملها على الاستحباب. ويؤيده
عدم شئ من الكفارة على الجهل والناسي إلا في قتل الصيد في أخبار
صحيحة (2) وكذا الأصل، والشريعة السهلة السمحة (3) فتأمل. والثانية
ليست بصريحة في إعادة الحج، بل الظاهر أن المراد هو إعادة الطواف
المتروك، وتطلق الإعادة على ما لم يفعل كثيرا، لأنه كان واجبا فكان
فعله باطلا. على أنه ليس فيها أنه طواف الحج أو العمرة، للنساء
أو الزيارة. وأنهما في الجاهل، فلا يظهر حال العالم العامد. ونمنع
الأولوية. على أن وجوب البدنة غير مذكور في أكثر كتب الأصحاب

(1) الفقيه ج 2 ص 256، والوسائل الباب 56 من الطواف
(2) الوسائل الباب 31 من كفارات الصيد وتوابعها، وتقدمت في ج
15 ص 135 و 136 و 355 إلى 358 و 431 و 436 و 437 من الحدائق.
(3) الوسائل الباب 48 من مقدمات النكاح وآدابه، ونهج الفصاحة
ص 219
159

(رضوان الله عليهم)، قال في الدروس: وفي وجوب البدنة على العامد
نظر، من الأولوية أي من الطريق الأولى، ومن عدم النص، واحتمال
زيادة العقوبة. فما ظهر دليل على ركنية الطواف مطلقا غير الاجماع
إن ثبت، ولا على وجوب البدنة على العامد، بل ولا على إعادة الحج
على الجاهل. ويؤيده الأصل (1) ورفع القلم (2) والناس في سعة (3) وجميع
ما تقدم في كون الجاهل معذورا، كما في صحيحة عبد الصمد بن بشير (4)
من قوله (عليه السلام): (أيما رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ
عليه). فيمكن أن تسقط البدنة أيضا، وتحمل الرواية على الاستحباب
أو الدم الواجب للمتمتع. والعمل بها أولى. انتهى كلامه (زيد مقامه).
وقال السيد السند في المدارك: والمدارك بالعامد هنا العالم بالحكم
كما يظهر من مقابلته بالناسي، وقد نص الشيخ وغيره على أن الجاهل
كالعامد في هذا الحكم. وهو جيد. وأوجب الأكثر عليه مع الإعادة
بدنة، واستدلوا عليه بما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن

(1) يحتمل أن يريد به البراءة العقلية المستندة إلى حكم العقل بقبح
العقاب من غير بيان
(2) الظاهر أنه يريد به حديث الرفع المعروف وهو قوله صلى الله عليه وآله: " رفع
عن أمتي.. " أو " وضع عن أمتي " وقد ورد في الوسائل في الباب 37 من قواطع
الصلاة، والباب 30 من الخلل الواقع في الصلاة، والباب 56 من جهاد النفس.
(3) في غوالي اللئالي المسلك الثالث من الباب الأول عنه صلى الله عليه وآله " الناس
في سعة ما لم يعلموا ".
(4) الوسائل الباب 45 من تروك الاحرام، وتقدمت في ج 15 ص 77 و 78
من الحدائق
160

علي بن يقطين.. ثم ساق الرواية كما ذكرنا، ثم أردفها برواية علي
ابن أبي حمزة بطريق الشيخ، ثم قال: وهذه البدنة عقوبة محضة لا جبران
لأن النسك باطل من أصله فلا يتعلق به الجبران. قال في الدروس:
وفي وجوب هذه البدنة على العالم نظر، من الأولوية. وفيه منع،
لاختصاص الجاهل بالتقصير في التعليم المناسب لزيادة العقوبة. مع أنه
يكفي في منع الأولوية عدم ثبوت تعليل الأصل كما بيناه مرارا. انتهى.
أقول: لا يخفى أن ما ذكره المحقق الأردبيلي (طاب ثراه) - من
الطعن في الخبرين بما دل على معذورية الجاهل، ولا سيما في ايجاب
الكفارة - جيد لا ريب فيه، لاستفاضة الأخبار بمعذورية الجاهل،
ولا سيما في باب الحج (1)، ومن الأخبار الصريحة في سقوط الكفارة -
وهي ما أشار إليه المحقق المذكور في كلامه من الأخبار الصحيحة
الدالة عليه أنه لا كفارة في أحكام الحج على الجاهل إلا في الصيد خاصة -
صحيحة معاوية بن عمار (2) وفيها (وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة
إلا الصيد، فإن عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد) وفي صحيحته
أو حسنته (3) وقال: (إعلم أنه ليس عليك فداء شئ أتيته وأنت جاهل به
وأنت محرم في حجك ولا في عمر تك إلا الصيد، فإن عليك فيه الفداء بجهالة

(1) يرجع في ذلك إلى ج 1 ص 78 إلى 82، ويرجع إلى ج 15 ص 135
و 136 و 355 إلى 358 و 431 و 436 و 437 من الحدائق.
(2) الوسائل الباب 31 من كفارات الصيد وتوابعها الرقم 1
(3) الكافي ج 4 ص 382 و 383، والوسائل الباب 31 من كفارات
الصيد وتوابعها الرقم 4
161

كان أو بعمد) وفي موثقة له أيضا (1) (وليس عليك فداء شئ أتيته
وأنت محرم جاهلا به إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد،
فإن عليك الفداء بجهل كان أو عمد) وفي كتاب الفقه الرضوي (2) وكل
شئ أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو محرم، أو أتيت في الحل
وأنت محرم، فليس عليك شئ إلا الصيد، فإن عليك فداءه.. إلى
آخره. ويعضد ذلك عموم صحيحة عبد الصمد بن بشير (3) المذكورة في
كلامه وغيرها. إلا أنه ربما أمكن تطرق المناقشة إلى ذلك بحمل
الأخبار المذكورة على الأفعال، بمعنى أن كل ما فعله جهلا فهو معذور
فيه إلا الصيد. فلا تدخل فيه التروك كترك الطواف ونحوه، كما هو
المتبادر من لفظ الاتيان. والظاهر بعده، لتصريح الروايات بمعذورية
الجاهل في جملة من التروك أيضا، كترك الاحرام، وترك الوقوف
بالمشعر مع الوقوف بعرفة، بل الظاهر أن المراد من الاتيان في هذه
الأخبار ما هو أعم من فعل ما لا يجوز له أو ترك ما يجب عليه.
وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد (طاب ثراه) في هذا الباب
وجموده على كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم).
وأعجب من ذلك
مبالغته في تخصيص الكفارة بالجاهل، والمنع من الأولوية من حيث
تقصير الجاهل بالتعلم المناسب لزيادة العقوبة، مع أنه لا ريب أن

(1) التهذيب ج 5 ص 370، والوسائل الباب 31 من كفارات الصيد
وتوابعها الرقم 5
(2) ص 29
(3) الوسائل الباب 45 من تروك الاحرام، وتقدمت في ج 15 ص 77
و 78 من الحدائق.
162

تقصير العالم أشد لتعمده المخالفة في ما علم وجوبه، ومن المعلوم عند
كافة العقلاء أن مخالفة العالم العامد أشد من مخالفة الجاهل، فهو أولى
بالعقوبة والمؤاخذة، فكيف عكس القضية في هذا التحرير، ما هذا
إلا عجب عجيب من هذا الفاضل النحرير. على أنه قد صرح في غير
موضع من ما تقدم في شرحه بالحاق جاهل الحكم بجاهل الأصل، لاشتراكهما
في العلة الموجبة للمعذورية التي هي عدم توجه الخطاب له، للزوم تكليف
الغافل، وهو من ما منعت منه الأدلة العقلية والنقلية.
وأما طعن المحقق المذكور في رواية علي بن أبي حمزة (1) بالضعف
وعدم الصحة فهو عندنا لا يوصل إلى مراد فلا يتم به الإيراد. وعدم
التصريح بالمسؤول وإن وقع في رواية الشيخ إلا أنه مصرح به في رواية
الصدوق، وإن عبر فيها بالسهو عوض الجهل.
وأما قوله مشيرا إلى صحيحة علي بن يقطين (2): (على أنه ليس
فيها أنه طواف الحج أو العمرة.. إلى آخره) ففيه أن الظاهر هنا
هو طواف الحج خاصة، لقوله: (إن كان على وجه الجهالة في الحج)
وقد عرفت أن طواف النساء كما تقدم بيانه خارج عن الحج، والمفروض
هنا أن المتروك من أجزاء الحج. وأيضا فإن طواف الفريضة إنما يطلق
غالبا على طواف الحج كما لا يخفى على من راجع الأخبار وكلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الباب. وبذلك يخرج أيضا طواف
العمرة، وهو أظهر من أن يحتاج إلى بيان، ولا مجال لاحتمال العمرة هنا
وبالجملة فالروايتان ظاهرتا الدلالة على وجوب الإعادة على الجاهل
ووجوب البدنة، ولا مجال للمناقشة في ذلك إلا بارتكاب التمحلات

(1) ص 158
(2) ص 158
163

البعيدة والتأويلات غير السديدة، إلا أنهما معارضتان بالأخبار المستفيضة
الدالة على معذورية الجاهل (1) ولا سيما في باب الحج، كما عرفت
من ورود النصوص بالمعذورية وصحة فعله - وإن تضمن الاخلال
بواجب - في جملة من الأحكام المتقدمة والآتية إن شاء الله تعالى.
مضافا إلى الأدلة المطلقة. والمسألة لذلك محل اشكال. ولا يبعد حمل
الخبرين المذكورين على التقية وإن لم يعلم القائل به الآن من العامة (2)
وربما كان في رواية هذا الحكم عن الكاظم (عليه السلام) الذي كانت
التقية في أيامه أشد ما يؤيد ذلك. وارتكاب تخصيص تلك الأخبار
المتكاثرة مع ما هي عليه من الصراحة في العموم والنص الظاهر لا يخلو
من بعد.
وقد تلخص من الكلام في هذا المقام أن التارك للطواف عمدا لا
دليل على القول ببطلان حجه ووجوب الإعادة عليه إلا الاجماع،
وما يدعى من الأولوية المفهومة من أخبار الجاهل. وأما وجوب البدنة
عليه فليس إلا مفهوم الأولوية المذكورة، وقد عرفت أن ثبوت ذلك في
الأصل محل اشكال ففي الفرع أشكل. مضافا إلى ما أشار إليه في المدارك
من أن ذلك فرع وجود التعليل في الأصل. وأما وجوب الإعادة
والبدنة على الجاهل فهو ظاهر الخبرين، وقد عرفت ما فيه، وإن كان
الاحتياط يقتضيه. والله العالم.

(1) يرجع في ذلك إلى ج 1 ص 78 إلى 82، ويرجع إلى ج 15 ص 135
و 136 و 355 إلى 358 و 431 و 436 و 437 من الحدائق
(2) حكى ابن قدامة في المغني ج 3 ص 416 طبع مطبعة العاصمة قولا
بوجوب إعادة الحج على من ترك طواف الزيارة ورجع إلى بلده.
164

فائدتان
الأولى - المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله - تعالى - عليهم)
أن تمام ذي الحجة وقت الطواف والسعي وأنه يصح الاتيان بهما في
تلك المدة، وإن أثم بالتأخير. وعلى هذا لا يتحقق ترك الطواف
الموجب لبطلان الحج إلا بخروج الشهر. وأما في عمره التمتع فبضيق
الوقت عن التلبس بالحج ولما يفعله، بمعنى أنه لو أتى به فاته الموقفان
وأما في العمرة المجامعة لحج الافراد وحج القران فبخروج السنة بناء
على وجوب ايقاعها فيها. وسيأتي الكلام فيه في محله إن شاء الله
(تعالى). وأما في المجردة فاشكال، إذ يحتمل وجوب الاتيان بالطواف
فيها مطلقا لعدم التوقيت، والبطلان بالخروج من مكة بنية الاعراض
عن فعله.
الثانية - إذا بطل الحج بترك الركن كالطواف ونحوه فهل يحصل
التحلل بذلك، أو يبقى على احرامه إلى أن يأتي بالفعل الفائت في
محله، ويكون اطلاق اسم البطلان مجازا، كما قاله الشهيد (قدس
سره) في الحج الفاسد بناء على أن الفرض الأول، أو يتحلل بأفعال
العمرة؟ احتمالات، ونقل عن المحقق الشيخ علي (قدس سره) في
حواشي القواعد أنه جزم بالأخير، وقال: إنه على هذا لا يكاد يتحقق معنى
الترك المقتضي للبطلان في العمرة المفردة، لأنها هي المحللة من الاحرام عند
بطلان نسك آخر غيرها، فلو بطلت احتيج في التحلل من احرامها إلى أفعال
العمرة. وهو معلوم البطلان. واعترضه في المدارك بأنه غير واضح
165

المأخذ، فإن التحلل بأفعال العمرة إنما يثبت مع فوات الحج لا مع
بطلان النسك مطلقا. قال: والمسألة قوية الاشكال، من حيث استصحاب
حكم الاحرام إلى أن يعلم حصول المحلل، وإنما يعلم بالاتيان بأفعال
العمرة، ومن أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلو الأخبار الواردة في
مقام البيان منه. ولعل المصير إلى ما ذكره (رحمه الله) أحوط. انتهى.
أقول: والمسألة لخلوها من النص محل توقف واشكال. والله العالم.
المسألة الثانية - قد عرفت في سابق هذه المسألة أنهم صرحوا بأن
تارك الطواف نسيانا يجب عليه قضاؤه ولو بعد المناسك، وإن تعذر
العود استناب.
وقال في المدارك بعد أن ذكر أن هذا مذهب الأصحاب (رضوان
الله عليهم) لا أعلم فيه مخالفا: ولم أقف لهم في هذا التفصيل على
مستند، والذي وقفت عليه في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (1) قال:
(سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء
كيف يصنع:؟ قال: يبعث بهدي، إن كان تركه في حج بعث به في
حج، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، ووكل من يطوف عنه ما
تركه من طوافه) واطلاق الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم
يذكر حتى قدم بلادة مطلقا، وأنه لا فرق في ذلك بين طواف العمرة
وطواف الحج وطواف النساء.. إلى أن قال بعد البحث في المسألة:
وقد ظهر من ذلك أن الأظهر وجوب الاتيان بالطواف المنسي، وجواز

(1) التهذيب ج 5 ص 128، والوسائل الباب 58 من الطواف
166

الاستنابة فيه إذا شق العود أو مطلقا، كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر
. انتهى.
أقول: أما ما ذكره (قدس سره) - من أن التفصيل المذكور
مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا يعلم فيه مخالفا - ففيه أنه
قد نقل في البحث بعد هذا الكلام بيسير خلاف الشيخ (قدس سره)
في التهذيب وأنه قال: ومن نسي طواف الحج حتى يرجع إلى أهله
فإن عليه بدنة، وأن عليه إعادة الحج. وهو المستفاد من كلامه في الإستبصار
أيضا. وهو صريح - كما ترى - في ذهاب الشيخ (قدس سره) في
التهذيب إلى أن حكم الناسي هنا حكم العامد والجاهل في المسألة
المتقدمة، من بطلان الحج، ووجوب الإعادة، والكفارة، ولهذا حمل
صحيحة علي بن جعفر المذكورة في التهذيب (1) على طواف النساء،
قال: لأن الاستنابة لا تجوز في طواف الحج، كما سيأتي - إن شاء
الله تعالى - ذكره في المقام. وإلى ما ذكره الشيخ هنا مال المحقق الشيخ حسن
في المنتقي، وادعى أنه مذهب الشيخين، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - نقل
كلامه في ذلك، فكيف يتم ما ذكره من اتفاق الأصحاب (رضوان الله
عليهم) على هذا التفصيل في طواف الحج متى كان تركه نسيانا؟
وأما ما ذكره من العمل باطلاق صحيحة علي بن جعفر - في أن
من نسي طواف الحج أو العمرة أو طواف النساء فله الاستنابة فيه وإن
أمكنه العود - فإن فيه أن الروايات قد تكاثرت بهذا التفصيل في الناسي
لطواف النساء وأنه لا يجوز له الاستنابة إلا مع تعذر الرجوع. وإذا ثبت
ذلك في طواف النساء ففي طواف الحج والعمرة بطريق أولى، لما عرفت من أن طواف النساء خارج عن الحج وطواف الحج من جملة أجزائه،

(1) ج 5 ص 128، والوسائل الباب 58 من الطواف.
167

فهو أولى بوجوب الرجوع إليه مع الامكان، وكذا طواف العمرة.
ومن الأخبار الدالة على وجوب الرجوع في طواف النساء مع الامكان
ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (1) قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل نسي طواف النساء حتى دخل
أهله؟ قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال: يأمر
من يقضي عنه إن لم يحج، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه
وليه أو غيره).
وما رواه في من لا يحضره الفقيه (2) في الصحيح عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت له: رجل نسي طواف
النساء حتى رجع إلى أهله؟ قال: يأمر بأن يقضي عنه إن لم يحج،
فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت).
وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن معاوية بن عمار قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي طواف النساء حتى
رجع إلى أهله. قال: يرسل فيطاف عنه، فإن توفي قبل أن يطاف عنه
فليطف عنه وليه) وهو محمول على ما إذا لم يقدر على الرجوع كما
ذكره الشيخ (قدس سره).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4): (في
رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة. قال: لا تحل له النساء حتى

(1) الوسائل الباب 58 من الطواف الرقم 6
(2) ج 2 ص 245، والوسائل الباب 58 من الطواف.
(3) ج 5 ص 255 و 256 و 488، والوسائل الباب 58 من الطواف
(4) التهذيب ج 5 ص 256، والوسائل الباب 58 من الطواف
168

يطوف بالبيت. قلت: فإن لم يقدر؟ قال: يأمر من يطوف عنه).
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى في تلك المسألة.
وبما ذكرنا أيضا صرح المحقق الشيخ حسن في كتب المنتقى كما
سيأتي إن شاء الله (تعالى) نقل كلامه في المقام.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ (قدس سره) في كتابي الأخبار
حمل الطواف في صحيحة علي بن جعفر المذكورة على طواف النساء،
جمعا بينها وبين صحيحة علي بن يقطين، ورواية علي بن أبي جمزة
المتقدمتين في سابق هذه المسألة، قال (قدس سره) في التهذيب (1): ومن
نسي طواف الحج حتى رجع إلى أهله فإن عليه بدنة وعليه إعادة الحج،
روى ذلك محمد بن أحمد بن يحيى، ثم نقل رواية علي بن أبي حمزة
المتقدمة، ثم صحيحة علي بن يقطين، ثم قال والذي رواه علي بن
جعفر عن أخيه.. ثم ساق صحيحة علي بن جعفر المذكورة، إلى أن قال:
فمحمول على طواف النساء، لأن من ترك طواف النساء ناسيا جاز له
أن يستنيب غيره مقامه في طوافه، ولا يجوز له ذلك في طواف الحج
فلا تنافي بين الخبرين، يدل على ما ذكرناه ما رواه محمد بن يعقوب
عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن رجل عن معاوية بن عمار (2) قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل نسي طواف النساء حتى دخل
أهله؟ قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال: يأمر من
يقضي عنه إن لم يحج..).
واعترضه جملة من أفاضل المتأخرين بأنه لا تنافي بين هذه الأخبار

(1) ج 5 ص 127
(2) الوسائل الباب 58 من الطواف الرقم 6
169

لتحتاج إلى الجمع بما ذكر ه، فإن مورد الخبرين الأولين الجاهل بوجوب
الطواف، ومورد الخبر الثالث الناسي، والخبر الذي استدل به على
تأويلة المذكور غاية ما يدل عليه جواز الاستنابة في طواف النساء،
ولا دلالة فيه على المنع من الاستنابة في طواف الحج كما ادعاه.
بقي الاشكال في دلالة الأخبار المذكورة على التفرقة بين الجاهل
والناسي في هذا الحكم، وجعل الجاهل في حكم العامد دون الناسي.
وقد عرفت ما فيه في المسألة المتقدمة.
وأما ما في الوافي تبعا للمدارك - من أنه لا بعد في أن يكون حكم
الجاهل حكم العامد، لتمكنه من التعلم بخلاف الناسي - ففيه زيادة
على ما عرفت آنفا أن الروايات الصحيحة الصريحة قد تكاثرت بالدلالة
على صحة صلاة الجاهل بالنجاسة (1) واستفاضت وتكاثرت بوجوب
الإعادة على الناسي (2) معللا في بعضها بأن ايجاب الإعادة عليه عقوبة
لتفريطه بعد الذكر في عدم إزالة النجاسة (3). وهو ظاهر - كما ترى -
في أن الجاهل أعذر من الناسي. مضافا إلى الأدلة الصحيحة الصريحة
المستفيضة في معذورية الجاهل (4) فكيف يتم الحكم هنا بأن الجاهل
كالعامد كما ذكروه، وأن الناسي أعذر منه؟
أقول: وقد تصدي المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في المنتقى
إلى تصحيح كلام الشيخ (قدس سره) في هذا المقام، حيث قال أولا

(1) الوسائل الباب ن 40 و 41 من النجاسات
(2) الوسائل الباب 42 من النجاسات
(3) الوسائل الباب 42 من النجاسات الرقم 5
(4) يرجع في ذلك إلى ج 1 ص 78 إلى 82 من الحدائق
170

بعد نقل تأويل الشيخ لخبر علي بن جعفر: ويرد على ما ذكره الشيخ
(قدس سره) أن الخبر الذي أوله مفروض في نسيان الطواف والخبران
الآخران وردا في حكم الجهل، فأي تناف يدعو إلى الجمع ويحوج إلى الخروج
عن ظاهر اللفظ؟ مع كونه متناولا بعمومه المستفاد من ترك الاستفصال
لطوافي العمرة والحج وطواف النساء. وقد اتفق في الإستبصار جعل
عنوان الباب نسيان طواف الحج وايراد هذه الأخبار الثلاثة فيه، مع أن تأويله لحديث علي بن جعفر يخرجه عن مضمون العنوان، وليس في
غيره تعرض للنسيان، فيخلو الباب من حديث يطابق عوانه، وفي
التهذيب أورد الثلاثة في الاحتجاج لما حكاه من كلام المقنعة في حكم
من نسي طواف الحج وأن عليه بدنة ويعيد الحج، وفي ذلك من القصور
والغرابة ما لا يخفى. والجواب أن مبنى نظر الشيخ (قدس سره)
في هذا المقام على أن الجهل والنسيان فيه سواء، وتقريب القول في ذلك أن وجوب إعادة الحج على الجاهل يقتضي مثله في الناسي، إما بمفهوم
الموافقة، لشهادة الاعتبار بأن التقصير في مثل هذا النسيان أقوى منه في
الجهل، أو لأن أعذار كل منهما على خلاف الأصل، لعدم الاتيان
بالمأمور به على وجهه، فيبقى في العهدة، ولا يصار إلى الأعذار إلا
عن دليل واضح. وقد جاء الخبران على وفق مقتضى الأصل في صورة
الجهل، فتزداد الحاجة في العمل بخلافه في صورة النسيان إلى وضوح
دليل، والتتبع والاستقراء يشهدان بانحصار دليله في حديث علي
ابن جعفر، وجهة العموم فيه ضعيفة، واحتمال العهد الخارجي ليس
بذلك البعيد عنه، وفي ذكر مواقعة النساء نوع إيماء إليه، فأين
الدليل الواضح الصالح لأن يعول عليه في اثبات هذا الحكم المخالف
171

للأصل والظاهر المحوج إلى التفرقة بين الأشباه والنظائر؟ والوجه في
ايثار ذكر النسيان - والاعراض عن التعرض للجهل بعد ما علم من كونه
مورد النص - زياد الاهتمام ببيان الاختلاف بين طواف الحج وطواف النساء
في هذا الحكم ودفع توهم الاشتراك فيه. واتفق ذلك في كلام المفيد (قدس
سره) فاقتفى الشيخ (قدس سره) أثره. وليس الالتفات إلى ما حررناه ببعيد
عن نظر المفيد (قدس سره) ولخفائه التبس الأمر على كثير من المتأخر ين
فاستشكلوا كلام الشيخ (قدس سره) واختاروا العمل بظاهر خبر علي
ابن جعفر. إلا أن جماعة منهم تأولوا حكم الهدي فيه بالحمل على
حصول المواقعة بعد الذكر لئلا ينافي القواعد المقررة في حكم الناسي
وأن الكفارة لا تجب عليه في غير الصيد. ويضعف بأن عموم النص
هناك قابل للتخصيص بهذا فلا حاجة إلى التكلف في دفع التنافي بالحمل
على ما قالوه. وسيجئ في مشهوري أخبار السعي ما يساعد على هذا
التخصيص. ولبعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيه كلام يناسب
ما ذكرناه في توجيه كون التقصير في وقوع مثل هذا النسيان أقوى منه في
الجهل. وفي الدروس: وروى علي بن جعفر أن ناسي الطواف يبعث بهدي
ويأمر من يطوف عنه (1). وحمله الشيخ (قدس سره) على طواف
النساء. والظاهر أن الهدي ندب. وإذ قد أوضحنا الحال من الجانبين
بما لا مزيد عليه فلينظر الناظر في أرجحهما وليصر إليه. والذي يقوى
في نفسي مختار الشيخين. والعجب من ذهاب بعض المتأخرين إلى
الاكتفاء بالاستنابة في استدراك الطواف وإن أمكن العود، آخذا بظاهر
حديث علي بن جعفر، مع وضوح دلالة الأخبار السالفة في نسيان

(1) الوسائل الباب 58 من الطواف الرقم 1.
172

طواف النساء على اشتراط الاستنابة بعدم القدرة على المباشرة، وإذا
ثبت ذلك في طواف النساء فغيره أولى بالحكم، كما لا يخفى على من
أمعن النظر. انتهى كلامه (زيد مقامه).
أقول: ما ذكره (قدس سره) - من حمل كلام الشيخ (قدس
سره) على أنه مبني على أن الجهل والنسيان هنا سواء - غير بعيد، وإن
كان وقوع أمثال هذا الاستدلال الناشئ عن الاستعجال وعدم التدبر
في ما يورده من المقال من الشيخ (قدس سره) غير عزيز كما لا
يخفى على من له أنس بطريقته في التهذيب.
وأما ما ذكره في توجيه هذا الحمل الذي ذكره بدقة نظره وحدة
فكره فمن المقطوع به والمعلوم أن هذا لا يخطر للشيخ (قدس
سره) ببال ولا يمر له بفكر ولا خيال، وأين الشيخ (قدس سره)
وهذه التدقيقات مع كونه في الظواهر لا وقوف له ولا ثبات. على أن
باب المناقشة في ما ذكرة (قدس سره) غير مغلق، ولولا خوف الإطالة
بما لا مزيد فائدة فيه مع وجوب الاشتغال بما هو الأهم لا وضحنا
ما فيه، وبالجملة فالتكلف فيه أمر ظاهر كما لا يخفى.
وأما نسبته (قدس سره) العبارة التي في التهذيب وهو قوله:
(ومن نسي طواف الحج حتى يرجع إلى أهله.. إلى آخرها) إلى
الشيخ المفيد في المقنعة - وأن الشيخ (قدس سره) أوردها، واستدل
عليها بالأخبار الثلاثة، حتى أنه جعل هذا القول مذهب الشيخين،
وزيفه وشيده في البين، وزعم أن ما ذكره من هذا التدقيق قد تفطن
له الشيخ المفيد (قدس سره) وإن خفي على المتأخرين - فهو غريب
من مثله (قدس سره) من أرباب التحقيق وذوي الفضل والتدقيق
173

فإنه لا يخفى على من راجع كتاب المقنعة أنه لا عين لهذا الكلام ونحوه
فيها من ما يذكره الشيخ كذلك، لا أثر، وإنما عادة الشيخ (قدس
سره) بعد استيفاء كلام المقنعة والاستدلال عليه أن يذكر فروعا في الباب
ويستدل عليها بمثل هذا ونحوه.
وأما قوله: (والعجب من ذهاب بعض المتأخرين.. إلى آخره)
فالظاهر أنه إشارة إلى ما قدمنا نقله عن المدارك وأوضحنا ما فيه. وهو
مؤيد لما قلناه ومؤكد لما أوضحناه.
بقي الكلام في أن ما ذكره غير واحد منهم - من أن لفظ الفريضة
في صحيحة علي بن جعفر شامل لطوافي الحج والعمرة وطواف النساء،
بتقريب عدم الاستفصال وأن ظاهر الخبر المذكور الاستنابة مطلقا
يجب تقييده بما إذا تعذر العود بناء على المشهور، والأمر بالهدي فيه
يجب حمله عندهم على الندب كما في الدروس، أو المواقعة بعد الذكر
كما في المنتهى.
وأما ما ذكره المحقق المتقدم ذكره - من العمل على ظاهر الخبر في
وجوب الهدي مطلقا وتخصيص أخبار المعذورية بهذا الخبر فهو
لا يخلو من قرب، حيث إن أخبار العذر إنما وردت في الجاهل لا
الناسي، فيكون هذا الخبر لا معارض له، إلا أنهم حيث حملوا الناسي
على الجاهل في المقام احتاجوا إلى تأويل الخبر بأحد الوجهين المتقدمين.
وفيه ما عرفت.
وكيف كان فقد تخلص أن المستند في أصل الحكم المذكور في المسألة
من وجوب الرجوع على الناسي ومع عدم الامكان فالاستنابة - هو
الأخبار الدالة على هذا التفصيل في نسيان طواف النساء كما تقدم،
174

وأنه إذا وجب ذلك في طواف النساء ففي غيره من طواف الحج
والعمرة بطريق أولى، بالتقريب الذي قدمنا ذكره، ولا أعرف للمسألة
دليلا غير ذلك. وأما صحيحة علي بن جعفر فيجب ارجاعها إلى هذا
التقريب، بتقييد اطلاقها بما قدمنا ذكره، وحمل البدنة فيها على أحد
الوجهين المتقدمين. وبذلك تتلائم الأخبار ويتم الاستدلال.
وأما ما ذكره في المنتهي - من الاستدلال على هذا الحكم برواية
علي بن أبي حمزة وصحيحة علي بن يقطين (1) فهو من عجيب الاستدلال
فإنه قال بعد بيان وجوب طواف الحج وركنيته: إذا ثبت هذا، فإن
أخل به عامدا بطل حجه، وإن أخل به ناسيا وجب عليه أن يعود
ويقضيه، فإن لم يتمكن استناب فيه.. إلى أن قال: ويدل على حكم
الناسي ما رواه علي بن أبي حمزة.. ثم ساق الخبر، ثم نقل صحيحة
علي بن يقطين ونسبها إلى علي بن جعفر. وأنت خبير بما فيه، فإن مورد
الروايتين الجاهل، ولا يمكن أن يقال هنا بحمل النسيان على الجهل
وأن حكمهما واحد، لأنه) قدس سره) قد قدم أن حكم الجاهل هنا
كالعامد في وجوب الإعادة والكفارة حسبما دل عليه الخبران المذكوران
وهو المشهور كما تقدم، وحكم الناسي عندهم هو ما ذكره هنا من التفصيل
وبالجملة فالظاهر أن كلامه هنا إنما نشأ من الاستعجال وعدم التدبر
في المقال، كما يظهر من نسبة صحيحة علي بن يقطين إلى علي بن جعفر
والله العالم.

(1) تقدمنا ص 158
175

تنبيهات
الأول - قد عرفت من ما تقدم أن الحكم في الناسي لطواف الحج
وجوب الإعادة إن أمكن، وإلا فالاستنابة.
وقد روى الشيخ والصدوق (قدس سرهما) في الصحيح عن هشام
ابن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن من نسي
زيارة البيت حتى رجع إلى أهله. فقال: لا يضره إذا كان قد قضى
مناسكه).
وهو كما ترى ظاهر في خلاف الحكم المذكور، وحمله الشيخ
(قدس سره) لذلك على طواف الوداع. وهو بعيد. ويمكن أن
يحمل على عدم الضرر في افساد الحج، وإن وجب عليه الرجوع مع
الامكان أو الاستنابة. وغايته أنه مطلق بالنسبة إلى وجوب الرجوع
أو الاستنابة فيجب تقييده بما دل على ذلك من صحيحة علي بن جعفر
المتقدمة (2) نحوها بالتقريب المتقدم.
الثاني - لو نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع أهله، قال
الشيخ (قدس سره) في النهاية والمبسوط: وجب عليه بدنة والرجوع
إلى مكة وقضاء الطواف.
أقول: أما الرجوع إلى مكة وقضاء الطواف فقد تقدم الكلام فيه
وإنما الكلام هنا في وجوب الكفارة، فظاهر كلام الشيخ (قدس سره)

(1) التهذيب ج 5 ص 282، والفقيه ج 2 ص 245، والوسائل الباب 19
من العود إلى منى، والباب من زيارة البيت
(2) ص 166
176

- كما ترى - هو الوجوب مطلقا، وقال ابن إدريس: الأظهر عدم
وجوب الكفارة، لأنه في حكم الناسي. نعم يجب عليه الرجوع إلى
مكة وقضاء طواف الزيارة. وإلى هذا القول ذهب أكثر الأصحاب.
وقال في المختلف: وللشيخ (قدس سره) أن يحتج بما رواه معاوية
ابن عمار في الحسن (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
متمتع وقع على أهله ولم يزر. قال: ينحر جزورا، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما، وإن كان جاهلا فلا بأس عليه) ثم
قال: لا يقال: قوله: (وإن كان جاهلا فلا بأس عليه) ينافي وجوب
الكفارة، لأنا نقول: لا نسلم ذلك، فإن نفي البأس لا يستلزم نفي
الكفارة. ولاحتمال أن يكون المقصود أنه لا ينثلم حجه لنسيانه.
ثم قال: وروى عيص بن القاسم في الصحيح (2) قال: (سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور
البيت. قال: يهريق دما) ثم قال: الأقرب عندي وجوب البدنة
إن جامع بعد الذكر. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل ذلك: وهو احتجاج ضعيف، لاختصاص
الرواية الأولى بالعالم. ولأن المتبادر من الرواية الثانية وقوع الوقاع
قبل الزيارة لا قبل الاتيان بالطواف المنسي. والأجود الاستدلال
بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: (سألته
عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده.. الخبر) وقد تقدم في

(1) الكافي ج 4 ص 378، والتهذيب ج 5 ص 321، والوسائل الباب 9
من كفارات الاستمتاع.
(2) الوسائل الباب 9 من كفارات الاستمتاع
177

صدر المسألة (1).
أقول: لا يخفى أن ظاهر الخبر الأول مطلق لا تخصيص فيه بالعالم
كما ذكره، لأن السؤال وقع عن متمتع وقع على أهله ولم يزر. وهو
أعم من أن يكون عالما أو جاهلا أو ناسيا. فأجاب (عليه السلام
بأنه ينحر جزورا. والعالم إنما ذكره (عليه السلام) باعتبار انثلام
الحج وعدمه، وهو قرينة العموم الذي ذكرناه، فإن حاصل الجواب
أن من فعل ذلك فعليه جزور، إلا أنه إن كان عالما فإنه يثلم حجه
وإن كان جاهلا فلا. والخبر الثاني أيضا كذلك، فإنه شامل باطلاقه
لأن يكون جماعه عمدا أو جهلا أو نسيانا. ومبنى الاستدلال بهاتين
الروايتين على أن من جامع بناء على أنه قد طاف طواف الزيارة فعليه
دم. وهو يرجع إلى من جامع ناسيا للطواف - كما هو أصل المسألة -
وإن كان ذلك قبل الرجوع إلى بلاده. وحينئذ فقوله -: (ولأن المتبادر
من الرواية الثانية وقوع الوقاع قبل الزيارة لا قبل الاتيان بالطواف
المنسي) - من ما لا أعرف له وجها وجيها. وعلى هذا فيكون هذان
الخبران مثل صحيحة علي بن جعفر المذكورة في كلامه، وإن كانت
الصحيحة المذكورة أصرح، لدلالتها على حكم الناسي صريحا ودلالة
الروايتين المذكورتين إنما هو من حيث الاطلاق.
وكيف كان فظاهر أصحاب القول المذكور حمل الروايات المذكورة
على وقوع الجماع بعد الذكر لئلا تنافي القاعدة المقررة من عدم وجوب
الكفارة على الجاهل والناسي، ولما تقدم من أن من جامع ناسيا لاحرامه
فلا كفارة عليه، واجراء هذا الحمل في صحيحة علي بن جعفر المشار

(1) ص 166
178

إليها لا يخلو من تعسف، لأنها تضمنت أنه نسي طواف الفريضة حتى
قدم بلاده وواقع النساء، فهي ظاهرة كالصريح في استمرار النسيان إلى
حال المواقعة. ولهذا قد تقدم في كلام المحقق الشيخ حسن تخصيص
تلك الأخبار بها، ووجوب الهدي المذكور فيها. وعبارة الشيخ المتقدمة
في المقام وإن كانت مطلقة إلا أن ظاهر الأصحاب أنهم فهموا منها وجوب
الكفارة مطلقا مع الذكر وعدمه. وقد عرفت أن صحيحة علي بن جعفر
تدل عليه. والمسألة لا تخلو من الاشكال، والاحتياط فيها مطلوب على
كل حال. والله العالم.
الثالث - ظاهر كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
بل نسبه في الدروس إلى الأشهر أنه لا يشترط في استنابة الناسي
لطواف النساء تعذر العود بل يجوز له الاستنابة وإن أمكن عوده، لكن
يشترط في جوازها أن لا يتفق عوده.
وبه صرح في المسالك حيث قال - بعد قول المصنف: (ولو نسي
طواف النساء جاز أن يستنيب) - ما صورته: لا يشترط في جواز
الاستنابة هنا تعذر العود بل يجوز وإن أمكن، لكن يشترط في جوازها
أن لا يتفق عوده.
وإلى ذلك أيضا مال في المدارك فقال بعد ذكر عبارة الشرائع المتقدمة:
اطلاق العبارة يقتضي أنه لا يشترط في جواز الاستنابة هنا تعذر العود
كما اعتبر في طواف الحج، بل يجوز وإن أمكن. وبهذا التعميم صرح
العلامة في جملة من كتبه وغيره.
ويدل عليه روايات: منها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية
179

ابن عمار (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي
طواف النساء حتى رجع إلى أهله. قال: يرسل فيطاف عنه، فإن
توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه).
وقال الشيخ في التهذيب والعلامة في المنتهى: إنما يجوز الاستنابة إذا
تعذر عليه العود.
واستدل عليه بما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) ((في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة؟
قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت. قلت: فإن لم يقدر؟ قال:
يأمر من يطوف عنه). وهذه الرواية غير صريحة في المنع من الاستنابة
إذا أمكن العود، فكان القول بالجواز مطلقا أقوى. انتهى.
أقول: والذي وقفت عليه من أخبار هذه المسألة هو روايات معاوية
ابن عمار الأربع المذكورة في صدر هذه المسألة (3) ومنها: هاتان
الروايتان. ولا يخفى أن اثنتين من هذه الأربع دلتا على أنه لا تحل
له النساء حتى يطوف بالبيت، وفي إحداهما (فإن لم يقدر؟ قال: يأمر
من يطوف عنه) وفي الثانية وهي المتقدمة ثمة (4): (قال يأمر من
يقضي عنه إن لم يحج). ولا ريب أن تحريم النساء عليه في هذين
الخبرين حتى يطوف بالبيت ظاهر بل صريح في وجوب الطواف عليه
بنفسه، غاية الأمر أنه مع عدم القدرة - كما تضمنه أحد الخبرين
- أو مع عدم حجه بنفسه - كما تضمنه الخبر - الآخر يجوز له الاستنابة

(1 الوسائل الباب 58 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 256، والوسائل الباب 58 من الطواف
(3) ص 168
(4) ص 168
180

والخبران الآخران وإن دلا باطلاقهما على الارسال إلا أنه يجب حمل
هذا الاطلاق على التفصيل المذكور في الخبرين الآخرين جمعا بين الأخبار
ويعضده أنك قد عرفت في صدر المسألة وكذا في كلام المحقق الشيخ
حسن أن المستند للتفصيل المذكور في طواف الحج والعمرة إنما هو
هذه الأخبار الواردة في طواف النساء باجراء الحكم في الفردين
الآخرين بطريق الأولوية.
ومن أخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن رجل نسي
طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور
البيت ويطوف، فإن مات فليقض عنه وليه، فأما ما دام حيا فلا يصلح
أن يقضي عنه. وإن نسي رمي الجمار فليسا بسواء الرمي سنة
والطواف فريضة) وهو ظاهر - كما ترى - في عدم جواز القضاء عنه
ما دام حيا، وجواز القضاء في الرمي مع الحياة لكون الطواف فريضة
مذكورة في القرآن (2)، فأي صراحة أصرح من ذلك. نعم يجب تقييده
بالامكان، جمعا بينه وبين الأخبار المتقدمة.
ومن أخبار المسألة ما رواه ابن إدريس في آخر كتابه من كتاب
نوادر البزنطي عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: يرسل

(1) التهذيب ج 5 ص 253 و 255 و 489، والوسائل الباب 58 من الطواف
(2) وهو قوله تعالى في سورة الحج الآية 37: " وليطوفوا بالبيت
العتيق ".
(3) الوسائل الباب 58 من الطواف
181

فيطاف عنه، وإن قبل أن يطاف عنه طاف عنه وليه). وهو مثل
ذينك الخبرين المطلقين، فيجب تقييد اطلاقه.
وبالجملة فهذه الأخبار بين ما دل جواز الاستنابة على الاطلاق
وبين ما دل على وجوب الحج بنفسه على الاطلاق، وبين ما دل على
التفصيل. والقاعدة في مثل ذلك حمل المطلق على المقيد. وهذا بحمد
الله سبحانه واضح لا سترة عليه.
بقي من أخبار المسألة ما رواه عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) (عن الرجل نسي أن يطوف طواف النساء حتى رجع
إلى أهله؟ قال: عليه بدنة ينحرها بين الصفا والمروة). والظاهر
حملها على المواقعة مطلقا أو مع الذكر، على الخلاف المشار إليه آنفا.
الرابع - اختلف الأصحاب (رضوان الله - تعالى - عليهم) في أنه متى
وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحج فهل يجب إعادة السعي بعده
أيضا أم لا؟ قولان، فذهب الشيخ (قدس سره) في الخلاف - على
ما نقل عنه - إلى الوجوب، واستقربه الشهيد (قدس سره) في
الدروس، فقال: إذا وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحج فالأقرب
وجوب قضاء السعي أيضا، كما قاله الشيخ في الخلاف، ونقل بعض
الفضلاء عن الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد (قدس سره) أنه لم
يذكر الأكثر قضاء السعي لو قضى الطواف. وفي الخلاف: يقضي
السعي بعده.
وقال بعض فضلاء متأخري المتأخرين: ويمكن الاستدلال على قضاء

(1) التهذيب ج 5 ص 489، والوسائل الباب 58 من الطواف.
182

السعي معه بما رواه الكليني والشيخ عنه عن منصور بن حازم (1) في
القوي عندي صحيح عند جماعة حسن عند بعضهم - قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن
يطوف بالبيت. فقال: يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة
فيطوف بينهما).
وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم (2) باسناد فيه اشتراك قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا
والمروة. قال: يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي. قلت:
إن ذلك قد فاته؟ قال: عليه دم، ألا ترى أنك إذا غسلت شمالك
قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك).
أقول: المفهوم من مجموع هذين الخبرين أنه متى أتى بالطواف والسعي
معا إلا أنه لم يرتب بينهما، فإن كان حاضرا وجب عليه الإعادة بما
يحصل معه الترتيب، فإن فاته ذلك ولم يمكن استدراكه في عامه فإن
عليه دما، لاخلاله بالترتيب. وظاهر صحة ما أتى به حيث لم يوجب
عليه الإعادة، وهذا بخلاف محل البحث من نسيان الطواف بالكلية
وعدم حضوره لاستدراكه.
وبالجملة فإنه لم يظهر لي دليل على وجوب السعي، والأصل العدم.
هذا مع ما عرفت في وجوب قضاء الطواف من أصله من إمكان تطرق
المناقشة، لعدم الدليل الواضح سوى الاجماع إن تم. والاحتياط
لا يخفى.
الخامس - لو عاد لاستدراك طوا ف الحج أو طواف العمرة أو النساء

(1) التهذيب ج 5 ص 129، والوسائل الباب 63 من الطواف
(2) التهذيب ج 5 ص 129، والوسائل الباب 63 من الطواف
183

بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الاحرام لدخول مكة، فهل يكتفي
بذلك أو يتعين عليه الاحرام ثم يقضي الفائت قبل الاتيان بأفعال
العمرة أو بعده؟ اشكال، لخلو الحكم من النص. وربما رجح الأول
نظرا إلى الأصل، وأن من نسي الطواف يصدق عليه أنه محرم في الجملة
والاحرام لا يقع إلا من محل. إلا أنه لا يخلو من شوب الاشكال.
السادس - قال في المختلف: طواف النساء واجب اجماعا، فإن
أخل به حرمت عليه النساء حتى يطوف، أو يستنيب فيه فيطاف عنه
وقال ابن بابويه (قدس سره) في الرسالة: ومتى لم يطف الرجل
طواف النساء لم تحل له النساء حتى يطوف. وكذلك المرأة لا يجوز
لها أن تجامع حتى تطوف طواف النساء. إلا أن يكونا طافا طواف
الوداع فهو طواف النساء. وفي هذا الكلام بحثان: الأول حكمه على
المرأة بتحريم الرجل لو أخلت به. وفيه منع، فإن حمله على الرجل
فقياس، وإن استند إلى دليل فلا بد منه، ولم نقف عليه. الثاني -
استغناؤه بطواف الوداع عنه. وفيه اشكال، فإن طواف الوداع عندنا
مستحب، فكيف يجزئ عن الواجب؟ وإن استند إلى رواية إسحاق
ابن عمار عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: (لولا ما من الله
به على الناس من طواف الوداع لرجعوا إلى منازلهم ولا ينبغي لهم أن

(1) الكافي ج 4 ص 513، والتهذيب ج 5 ص 253 باختلاف في اللفظ،
والوسائل الباب 2 من الطواف الرقم 2 و 3. والحديث في الوسائل عن
التهذيب ينتهي بقوله " واجب " فيكون قوله " يعني.. " جزء من الحديث
وفي الوافي باب (طواف النساء) اختتم الحديث بكلمة " نساءهم " وعليه قد
اعتبر " يعني.. " من كلام الشيخ.
184

يمسوا نساءهم، يعني: لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت
أسبوعا آخر بعد ما يسعى بين الصفا والمروة. وذلك على النساء والرجال
واجب)) قلنا: إن في إسحاق بن عمار قولا، ومع ذلك فهي معارضة
بغيرها من الروايات. وابن الجنيد سمى طواف النساء طواف الوداع،
وأوجبه. انتهى.
أقول: لا يخفى عليك أن مستند الشيخ علي بن بابويه في ذكره
إنما هو كتاب الفقه الرضوي حسبما قدمناه بيانه في غير موضع، وهذه
العبارة عين عبارته (عليه السلام) في الكتاب المذكور (1) ولكن الجماعة
لم يصل إليهم الكتاب فاعترضوا عليه بمثل ما هو مذكور هنا وغيره.
وإلى هذه الرواية أشار ابنه في من لا يحضره الفقيه (2) أيضا، حيث
قال بعد رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(قلت له: رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله؟ قال: يأمر
من يقضي عنه إن لم يحج، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت)
وروى في من نسي طواف النساء. أنه إن كان طاف طواف الوداع فهو
طواف النساء.
وظاهر جملة من الأصحاب - منهم: شيخنا الشهيد في الدروس -
حمل الناس في رواية إسحاق بن عمار المذكورة على العامة.
والظاهر أن الوجه فيه من حيث إن العامة لا يرون وجوبه (3) وكان برجوعهم

(1) ص 30 إلى قوله: " حتى تطوف طواف النساء "
(2) ج 2 ص 245 و 246، والوسائل الباب 58 من الطواف الرقم 8 و 9
(3) ارجع إلى المغني ج 3 ص 393 إلى 398 و ص 416 و 417 طبع مطبعة
العاصمة.
185

بدون الاتيان به تحرم عليهم النساء، فوسع الله بكرمه عليهم جعل طواف
الوداع لهم (1) قائما مقامه في تحليل النساء لهم. إلا أنه لما ورد في
أخبارنا كما عرفت من كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه ثبوت
ذلك للناسي أيضا، فالواجب حمل خبر إسحاق على ذلك، فيكون
من نسي طواف النساء منا فإنه تحل له النساء بطواف الوداع، وإن
وجب عليه التدارك. ولا بعد في ذلك بعد قيام الدليل عليه وإن
لم يكن مشهورا عندهم.
وأما ما اعتل به في المختلف من أن طواف الوداع مستحب ولا
يجزي عن الواجب فهو على اطلاقه ممنوع، فإن صيام يوم الشك
مستحب من شعبان ويجزي عن شهر رمضان لو ظهر كونه منه. والله العالم.
وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد تحقيق في هذا المقام في أحكام
منى في ما يتعلق بطواف النساء من التحليل. وقد تقدم أيضا في المسألة
الثانية من المسائل الملحقة بالمطلب الأول من المقدمة الرابعة من الأخبار
ما يدل على توقف حل النساء على الرجال على طواف النساء.
المسألة الثالثة المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله تعالى
عليهم) أنه تحرم الزيادة على السبعة في الواجب وتكره في المندوب.
وظاهر هم تحريم الزيادة ولو خطوة، كما صرح به جملة منهم
واحتجوا على التحريم في الفريضة بأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يفعله
فلا يجوز فعله، لقوله (صلى الله عليه وآله) (2): (خذوا عني مناسككم)
وبأنها فريضة ذات عدد فلا تجوز الزيادة عليها كالصلاة.

(1) المغني ج 3 ص 398 و ص 410 إلى 417 طبع مطبعة العاصمة
(2) تيسير الوصول ج 1 ص 296 طبع مطبعة الحلبي
186

وما رواه الشيخ عن أبي بصير (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض. قال: يعيد
حتى يستتمه) ورواه الكليني (قدس سره) في الكافي (2) بلفظ (يثبته)
عوض قوله: (يستتمه).
وعن عبد الله بن محمد عن أبي الحسن (عليه السلام) (3) قال: (الطواف
المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها، فعليك
الإعادة، وكذلك السعي).
أقول: وتؤيده الأخبار الصحيحة الدالة على وجوب الإعادة بالشك
في عدد الطواف المفروض (4) كما سيأتي (إن شاء الله تعالى)، فلو لم تكن
الزيادة مبطلة لكان المناسب البناء على الأقل دون الإعادة من رأس،
سيما مع بناء الشريعة على السهولة في التكليف (5) إذ غاية ما يلزم
الزيادة، وهي غير مضرة كما هو المفروض، ويؤيده أيضا لزوم القران
لو لم نقل بالابطال، لأنه على تقدير القول بالصحة لو زاد واحدا أضاف
إليه ستة، كما دلت عليه أخبار من طاف ثمانية من البناء على ذلك
الشوط زيادة ستة عليه ليكون طوافا آخر (6) فيلزم القران في الطواف

(1) التهذيب ج 5 ص 111، والوسائل الباب 34 من الطواف
(2) ج 4 ص 417.
(3) التهذيب ج 5 ص 151، والاستبصار ج 2 ص 217 و 239،
والوسائل الباب 34 من الطواف، والباب 12 من السعي
(4) الوسائل الباب 33 من الطواف
(5) ارجع إلى الحدائق ج 1 ص 151 و ج 9 ص 296
(6) الوسائل الباب 34 من الطواف
187

عمدا. وسيأتي إن شاء الله تعالى أن الأظهر تحريمه في الفريضة عمدا.
قال في المدارك بعد نقل هذه الأدلة التي نقلناها عنهم: وفي جميع هذه
الأدلة نظر، أما الأول فلأن عدم فعل النبي (صلى الله عليه وآله) لما
زاد على السبع لا يقتضي تحريم فعله مطلقا، ولا كونه مبطلا للطواف
لخروجه عن الواجب، غاية الأمران ايقاعه على وجه العبادة يكون
تشريعا. وأما الثاني فقياس محض. وأما الرواية الأولى فيتوجه عليها
(أولا) الطعن في السند باشتراك راويها بين الثقة والضعيف. و (ثانيا) اجمال
المتن، إذ يحتمل أن يكونه المراد بالإعادة اتمام طواف آخر، كما يشعر به
قوله (حتى يستتمه). وفي الكافي (1) نقل الرواية بعينها إلا أن فيها
موضع قوله: (حتى يستتمه) (حتى يثبته) وهو أوفق بالإعادة من قوله:
(حتى يستتمه) ومع ذلك فإنما يدل على تحريم زيادة الشوط لا مطلق
الزيادة. وأما الرواية الثانية فقاصرة من حيث السند باشتراك الراوي
أيضا، فلا تصلح لا ثبات حكم مخالف للأصل. وقد ظهر بذلك أنه
ليس على تحريم زيادة ما دون الشوط دليل يعتد به. ومع ذلك فإنما
يتوجه التحريم إذا وقعت الزيادة بقصد الطواف، أما لو تجاوز الحجر
الأسود بنية أن ما زاد على الشوط لا يكون جزء من الطواف فلا
محذور فيه. انتهى.
أقول: الظاهر أن المناقشة هنا في التحريم من المناقشات الواهية
التي لا يلتفت إليها ولا يعرج في مقام التحقيق عليه، وإن كان قد سبقه
إليها شيخه المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد.
أما (أولا) فلأن مرجع كلامه في رد الوجه الأول إلى أن ما زاد على

(1) ج 4 ص 417
188

السبعة وإن كان محرما إلا أنه لا يقتضي بطلان الطواف، لخروجه عن
الواجب، وإنما غايته أن يكون ايقاعه على وجه العبادة تشريعا. وقد
تكرر منه نظير هذا الكلام في مواضع من شرحه هذا. وفيه: أنه لو
تم ذلك للزم أن من زاد في الفريضة ركعة عامدا بناء على استحباب
التسليم تكون صلاته صحيحة، لخروج هذه الركعة عن الواجب،
وإنما غايتها أن تكون تشريعا محرما والعبادة صحيحة. واتفاق الأصحاب
(رضوان الله عليهم) والأخبار على خلافه. وكذا من فرضه التقصير
لو صلى تماما عامدا، فإنه يكون قد أدى الواجب وصحت صلاته وإن
فعل محرما بزيادة الركعتين. والأخبار والأصحاب (رضوان الله عليهم)
على خلافه. وبالجملة فإن الشارع إذا حد العبادة بحد معين وعدد معين،
فتعمد المكلف المخالفة زيادة أو نقصانا، فإنه لا ريب في بطلان عبادته،
لخروجه عن مقتضى الأمر، فلا يخرج عن العهدة، فالتشريع هنا إنما توجه
إلى أصل العبادة لا إلى تلك الزيادة، لكون النية المتعلقة بتلك العبادة قد
تعلقت بالمجموع لا بما دون الزيادة. والعبادات صحة وبطلانا تابعة للنيات،
كما تقدم في مبحث النية من كتاب الطهارة، ولا ريب أن هذه النية المتعلقة
بالجميع غير مشروعة ولا صحية، فيكون المنوي كذلك، لأن النية
أما شرط أو شطر وعلى أي منهما يبطل المشروط أو الكل. ولهذا لو نوى
صلاة القصر وصلى بهذه النية ثم بعد الفراع من التشهد بناء على
استحباب التسليم زاد ركعتين سهوا أو عمدا، فإنه لا يضر بصلاته
الأولى بوجه كما هو الحق في المسألة. وبه صرح السيد المشار إليه في
كتاب الصلاة في صلاة السفر عند ذكر هذه المسألة. نعم لو كانت النية
أولا إنما تعلقت بالطواف المأمور به شرعا ثم إنه بعد تمامه زاد
189

شوطا آخر أيضا، فلا يبعد القول بصحة الطواف المتقدم وتوجه البطلان
إلى هذه الزيادة خاصه، وإن كان ظاهر كلام الأصحاب بطلان الطواف
كلا كالصورة الأولى.
وأما (ثانيا) فإن قوله: (وأما الثاني فقياس محض) ليس
في محله، فإن حاصل الدليل المذكور أن الشارع قد أمر بهذه الفريضة
المحصورة في هذا العدد المخصوص، ولا ريب أن من تعمد الزيادة على
العدد المذكور وأتى بكيفية أخرى، فقد فعل محرما، وكان ما فعله
باطلا. ومرجع هذا الوجه في التحقيق إلى سابقه. والاتيان بالصلاة
إنما وقع على جهة التنظير لا لاتمام الاستدلال، فإن الدليل في حد
ذاته تام كما حررناه وأشرنا إليه آنفا، فلا يلزم ما ذكره من أنه
قياس. وحينئذ فتخرج رواية عبد الله بن محمد المذكورة (1) شاهدا على
ذلك. وتعضدها الروايات ببطلان صلاة من زاد في الصلاة المكتوبة
عمدا تماما أو قصرا (2) وكذا من تعمد الزيادة في وضوئه، لقوله (عليه
السلام) في ما رواه الصدوق (قدس سره) مرسلا (3): (من تعدى
في وضوءه كان كناقضه).
وأما (ثالثا) فإن طعنه في سند الخبرين (أولا) لا يقوم حجة على
المتقدمين، كما تقدم بيانه في غير موضع، بل ولا على من لا يرى
العمل بهذا الاصطلاح. و (ثانيا) أنه قد اعترف في صدر كلامه بأن

(1) ص 187
(2) الوسائل الباب 19 من الخلل الواقع في الصلاة، والباب 17 من
صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 31 من الوضوء
190

هذا الحكم هو المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم)،
وهو مؤذن بدعوى الاتفاق عليه. والأمر كذلك، فإنه لم ينقل الخلافة
فيه. وحينئذ فالخبران وإن ضعف سندهما إلا أنه مجبور بعمل الطائفة
قديما وحديثا بهما. وهو في غير موضع من شرحه قد استدل بالأخبار
الضعيفة بناء على ذلك، كما لا يخفى على من راجعه، وقد أشرنا إلى
جملة من تلك المواضع في شرحنا على الكتاب. إلا أنه (قدس سره) - كما
قدمنا ذكره في غير مقام - ليس له قاعدة يقف عليها ولا ضابطة يرجع إليها.
وأما (رابعا) فإن ما احتمله - من حمل الإعادة في رواية أبي بصير (1)
على اتمام طوا ف آخر - بعيد، بل ربما يقطع ببطلانه، لأن الإعادة إنما
هي فعل الشئ بعد فعلة أولا، بمعنى أن الأول يصير في حكم العدم
والاتيان بطواف آخر - بناء على ما ذكرة - إنما يكون ثانيا والطواف الأول
بحاله. ولفظ (يستتمه) على رواية الشيخ لا منافرة فيه للإعادة
المرادة في الخبر، إذ المعنى أن ما أتى به غير تام، يعني: غير صحيح.
وكثيرا ما يعبر بالتمام والنقصان عن الصحة والبطلان، وكيف كان
فإن الكلمة المذكورة في الكافي قاطعة لهذا الاحتمال كما اعترف به.
على أن الظاهر عندي - كما سيأتي - إن شاء الله (تعالى) التنبيه عليه -
أن رواية أبي بصير المذكورة هنا ليست من أخبار هذه المسألة وإنما
هي من أخبار مسألة من زاد شوطا ثامنا سهوا، كما سيأتي بيانه في
المسألة المذكورة إن شاء الله (تعالى).
وقد استند المحقق الأردبيلي في ما قدمنا نقله عنه إلى جملة من
الأخبار الدالة على أن من طاف ثمانية أشواط فليضم إليها ستة ليكون

(1) ص 187
191

طوافين (1) بحملها على من تعمد الزيادة، فجوز الزيادة في الطواف
عمدا لهذه الأخبار. وسيأتي نقل كلامه (طاب ثراه) والكلام عليه
في تلك المسألة إن شاء الله (تعالى).
نعم يبقى الشك في الزيادة مع النية وإن لم تبلغ شوطا، لظاهر اطلاق
رواية عبد الله بن محمد وظاهر خبر أبي بصير (2) الظاهر في كون استناد
البطلان إلى الطواف التام.
وأما الزيادة لا بنية الطواف بل بنية عدمه فالحق فيه ما ذكره،
فإن العبادات دائرة مدار النيات، وإذا خلت هذه الزيادة عن نية
العبادة بل نوى العدم فالظاهر أنه لا ضرر في ذلك. والله العالم.
المسألة الرابعة - اختلف الأصحاب في حكم القران في الطواف،
فذهب الشيخ إلى التحريم في طواف الفريضة حيث قال: لا يجوز القران
في طواف الفريضة. وقال ابن إدريس: إنه مكروه شديد الكراهة،
وليس المراد بذلك الحظر فإن المكروه إذا كان شديد الكراهة قيل
فيه: لا يجوز. وظاهر جملة من الأصحاب هنا التوقف في الحكم، فإن
المحقق في النافع عزى تحريمه وبطلان الطواف به في الفريضة إلى
الشهرة. وفي المختلف بعد نقل قول الشيخ وابن إدريس أورد روايتي
زرارة وعمر بن يزيد الآتيتين (3) إن شاء الله (تعالى) وقال: إنهما غير
دالتين على التحريم. وظاهره في المدارك أيضا التردد في ذلك، حيث
ذكر أن المستفاد من صحيحة زرارة الآتية (4) كراهة القران في الفريضة

(1) الوسائل الباب 34 من الطواف
(2) ص 178
(3) الوسائل الباب 36 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 36 من الطواف.
192

ثم احتمل حملها على التقية (1) لصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر
الآتية (2). وقال العلامة في المنتهى: القران في طواف الفريضة لا يجوز
عند أكثر علمائنا، وكرهه ابن عمر والحسن البصري والزهري
ومالك وأبو حنيفة، وقال عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق:
لا بأس به (3).
أقول: والذي وقفت عليه من أخبار المسألة ما رواه الصدوق في
الصحيح عن ابن مسكان عن زرارة (4) قال: (قال أبو عبد الله (عليه
السلام): إنما يكره أن يجمع الرجل بين الأسبوعين والطوافين في
الفريضة، فأما في النافلة فلا بأس).
وما رواه في الكافي (5) عن عمر بن يزيد قال: (سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول: إنما يكره القران في الفريضة، فأما النافلة فلا
والله ما به بأس).
وعن علي بن أبي حمزة (6) قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الرجل يطوف، يقرن بين أسبوعين؟ فقال: إن شئت رويت لك
فداك، ولكن ارو لي ما أدين الله (عز وجل) به. فقال: لا تقرن بين
أسبوعين، كلما طفت أسبوعا فصل ركعتين، وأما أنا فربما قرنت الثلاثة

(1) المغني ج 3 ص 346 طبع مطبعة العاصمة
(2) الوسائل الباب 36 من الطواف
(3) المغني ج 3 ص 346 طبع مطبعة العاصمة
(4) الفقيه ج 2 ص 251، والوسائل الباب 36 من الطواف
(5) ج 4 ص 419، والسوائل الباب 36 من الطواف
(6) الكافي ج 4 ص 418 و 419، والوسائل الباب 36 من الطواف
193

والأربعة. فنظرت إليه، فقال: إني مع هؤلاء) (1).
وما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب (2) عن صفوان والبزنطي
قالا (سألناه عن قران الطواف السبوعين والثلاثة. قال: لا إنما
هو سبوع وركعتان. قال: كان أبي يطوف مع محمد بن إبراهيم
فيقرن، وإنما كان ذلك منه لحال التقية) (3).
وما رواه في التهذيب (4) في الصحيح عن صفوان عن أحمد بن محمد
ابن أبي نصر قال: (سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل
يطوف الأسباع جميعا فيقرن. فقال: لا إلا أسبوع وركعتان، وإنما
قرن أبو الحسن (عليه السلام) لأنه كان يطو ف مع محمد بن إبراهيم
لحال التقية) (5).
وما رواه الشيخ في التهذيب (6 عن زرارة في الصحيح قال: (طفت
مع أبي جعفر (عليه السلام) ثلاثة عشر أسبوعا قرنها جميعا وهو
آخذ بيدي، ثم خرج فتنحى ناحية فصلى ستا وعشرين ركعة وصليت معه)
وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (7) قال: (ربما طفت مع أبي جعفر (عليه السلام) - وهو ممسك بيدي - الطوافين والثلاثة،
ثم ينصرف ويصلي الركعات ستا).
وروى عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد (8) بسنده

(1) المغني ج 3 ص 346 طبع مطبعة العاصمة.
(2) ج 5 ص 115، والوسائل الباب 36 من الطواف
(3) المغني ج 3 ص 346 طبع مطبعة العاصمة.
(4) ج 5 ص 116، والوسائل الباب 36 من الطواف
(5) المغني ج 3 ص 346 طبع مطبعة العاصمة.
(6) ج 5 ص 470، والوسائل الباب 36 من الطواف
(7) الوسائل الباب 36 من الطواف
(8) الوسائل الباب 36 من الطواف
194

عن علي بن جعفر (أنه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام) عن
الرجل يطوف السبوع والسبوعين، فلا يصلي ركعتين حتى يبدو له أن
يطوف أسبوعا، هل يصلح ذلك؟ قال: لا يصلح حتى يصلي ركعتي
السبوع الأول ثم ليطف ما أحب).
ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله. (1)
وعنه عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (2) قال: (سألته عن
الرجل هل يصلح له أن يطوف الطوافين والثلاثة ولا يفرق بينهما بالصلاة
حتى يصلي لها جميعا؟ قال: لا بأس، غير أنه يسلم في كل ركعتين).
وعنه عن علي بن جعفر (3) قال: (رأيت أخي (عليه السلام) يطوف
السبوعين والثلاثة فيقرنها، غير أنه يقف في المستجار فيدعو في كل أسبوع،
ويأتي الحجر فيستلمه، ثم يطوف).
وعنه عن علي بن جعفر (4) قال: (رأيت أخي (عليه السلام) مرة
طاف ومعه رجل من بني العباس، فقرن ثلاثة أسابيع لم يقف فيها،
فلما فرغ من الثالث وفارقه العباسي، وقف بين الباب والحجر قليلا،
ثم تقدم فوقف قليلا حتى فعل ذلك ثلاث مرات).
روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز عن
زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) في حديث قال: (ولا قران
بين أسبوعين في فريضة ونافلة).
أقول: ما ذكرة في المدارك وكذا غيره - من الاستناد في كراهة القران
في الفريضة إلى صحيحة زرارة الأولى، حيث قال فيها: (إنما يكره أن
يجمع الرجل بين الأسبوعين في الفريضة) ومثلها رواية عمر بن يزيد -

(1) الوسائل الباب 36 من الطواف
(2) الوسائل الباب 36 من الطواف
(3) الوسائل الباب 36 من الطواف
(4) الوسائل الباب 36 من الطواف
(5) الوسائل الباب 36 من الطواف
195

مردود بأن استعمال لفظ الكراهة في التحريم في الأخبار أكثر كثير،
وبذلك اعترف في المدارك في غير موضوع.
والوجه الذي تجتمع عليه هذه الأخبار عندي هو القول بتحريم
القران في الفريضة والجواز في النافلة، وكذا في الفريضة في حال التقية
أيضا، فأما ما يدل على التحريم في الفريضة فصحيحة زرارة الأولى،
ورواية عمر بن يزيد، ورواية السرائر، ورواية علي بن أبي حمزة،
ورواية صفوان والبزنطي، وصحيحة البزنطي. والنهي عن القران في
الثلاثة الأخيرة وإن كان مطلقا إلا أنه يجب حمله على الفريضة، لما
دلت عليه باقي الأخبار من فعلهم (عليهم السلام) ذلك مكررا، الظاهر
كونه في النافلة.
ويعضد ما اخترناه من تحريم القران ما ذكره المحقق الشيخ حسن
في كتاب المنتقى، حيث قال: قلت: يستفاد من حديث ابن أبي نصر
أن المقتضي لوقوع القران هو ملاحظة التقية، فيحمل كل ما تضمنه
عليها. ويقرب أن يكون فعله في النافلة سائغا، لكنه خلاف الأولى.
ومراعاة حال التقية تدفع عنه المرجوحية. انتهى. وهو جيد.
وأما قوله في رواية السرائر: (لا قران بين أسبوعين في فريضة
ونافلة) فالظاهر أن المراد منه أنه لا يجوز أن يقرن طواف النافلة
بطواف الفريضة، بل يجب أن يصلي ركعتي طواف الفريضة ثم يطوف
النافلة، وعلى ذلك تحمل رواية قرب الإسناد الأولى، ومرجعه إلى أنه
متى أراد أن يطوف بعد طواف الفريضة طوافا مستحبا واحدا أو أكثر
فلا يقرن ذلك بطواف الفريضة بل يصلي لطواف الفريضة ركعتيه ثم
يقرن ما شاء.
196

وعلى هذا تجتمع الأخبار على وجه واضح المنار. ويؤيده أوفقيته
بالاحتياط والمشي على سوي الصراط.
المسألة الخامسة - قد تقدم أنه لا يجوز الطواف في النجاسة على المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)، وحينئذ فلو طاف عالما بها بطل
طوافه على القول المذكور. وهو موضع وفاق بين القائلين باشتراط طهارة
الثوب والجسد في الطواف، للنهي المقتضي للفساد في العبادة.
ولو كان جاهلا بها حتى فرغ فطوافه صحيح اتفاقا بين من قال بذلك
لتحقق الامتثال بفعل المأمور به، وعدم تناول النهي للجاهل. والحكم
هنا عندهم مبني على الحاق جاهل النجاسة في الطواف بجاهلها في الصلاة
وإلا فالمسألة هنا عارية عن النصوص بالخصوص، والأصل يقتضي الصحة
والنهي لا يتوجه إلى الجاهل كما عرفت، فيجب الحكم بالصحة،
وفي جاهل الحكم اشكال، والمعروف من مذهبهم عدم معذوريته كما
عرفت في غير موضع، إلا أن جملة من أفاضل متأخري المتأخرين
ألحقوه بجاهل الأصل في مواضع تقدم التنبيه عليها، للعلة المذكورة ثمة،
وهو عدم توجه الخطاب إلى الجاهل. وهو الأقوى كما عرفت في
مقدمات الكتاب.
وإنما الكلام في الناسي، والمشهور في الصلاة البطلان ووجوب الإعادة
وعليه تدل أكثر الأخبار. والمسألة هنا عارية عن النص. واختار في
المنتهى الحاق الناسي بالجاهل، فقال ولو لم يذكر إلا بعد الفراغ نزعه
أو غسله وصلى ركعتين. وهو ظاهر في حكمه بصحة طوافه. واستظهره
في المدارك مستندا إلى عدم تناول النهي له. وفيه أن الحاق الناسي
بالجاهل قياس مع الفارق، فإن الجاهل لم يتقدم له علم بالكلية بخلاف
197

الناسي، فإنه قد علم وقصر في عدم إزالة النجاسة، ولهذا تكاثرت
الأخبار بوجوب إعادة الصلاة عليه لو صلى في النجاسة ناسيا، معللا في
بعضها بأن ذلك عقوبة له لتقصيره في الإزالة (1) مع استفاضة الأخبار
الصحيحة الصريحة في صحة صلاة الجاهل بها (2) فكيف يتم الحاق
الناسي هنا بالجاهل؟
وأما لو كان جاهلا بها فوجدها في الأثناء فقد صرحوا بوجوب
الإزالة واتمام الطواف. وظاهر كلامهم وجوب ذلك أعم من أن تتوقف
الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه، ولا بين أن يقع العلم
بعد اكمال أربعة أشواط أو قبل ذلك. قيل: والوجه فيه تحقق الامتثال
بالفعل المتقدم، وأصالة عدم وجوب الإعادة.
والأظهر الاستدلال على ذلك بروايتي يونس بن يعقوب المتقدمتين (3)
في مقدمات الطواف المتضمنتين لأن من رأى الدم وهو في الطواف يخرج
ويغسله ثم يعود في طوافه.
ويؤيدهما ما رواه الصدوق (قدس سره) في الصحيح عن حماد بن
عثمان عن حبيب بن مظاهر (4) قال: (ابتدأت في طواف الفريضة فطفت

(1) الوسائل الباب 42 من النجاسات
(2) الوسائل الباب 40 و 41 من النجاسات
(3) ص 87
(4) الفقيه ج 2 ص 247، والوسائل الباب 41 من الطواف. والظاهر أن راوي الحديث غير حبيب الذي استشهد بكربلاء لرواية حماد عنه.
وما في الوسائل من بيان أبي عبد الله بالحسين (ع) ليس في الفقيه والوافي
باب (قطع الطواف)
198

شوطا واحدا، فإذا انسان قد أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته، ثم جئت
فابتدأت الطواف. فذكرت ذلك لا بي عبد الله (عليه السلام) فقال: بئس
ما صنعت كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت. ثم قال أما أنه ليس عليك شئ)
ونقل في المدارك: عن الشهيدين أنهما جزما بوجوب الاستئناف إن
توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف ولما يكمل أربعة أشواط
نظرا إلى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف، والحكم في المسألتين
واحد. ثم قال: وهو مع تسليم الحكم في الأصل لا يخرج عن القياس.
أقول: ما ذكراه (قدس سرهما) محض اجتهاد في مقابلة النصوص
المذكورة، لاطلاق روايتي يونس بن يعقوب (1) وتصريح رواية حبيب
ابن مظاهر بكون القطع وقع بعد طواف شوط، ومع هذا أنكر عليه
الإمام (عليه السلام) الإعادة من رأس وجعل حكمه البناء على
ما طاف.
وقال في المدارك: ولو قيل بوجوب الاستئناف مطلقا مع الاخلال
بالموالاة - الواجبة بدليل التأسي وغيره - أمكن، لقصور الروايتين
المتضمنتين للبناء من حيث السند والاحتياط يقتضي البناء والاكمال
ثم الاستئناف مطلقا. انتهى. وهو في الضعف كسابقه.
واستناده في وجوب الموالاة إلى التأسي مردود بما صرح به هو
وغيره من المحققين بأن فعلهم (عليهم السلام) أعم من ذلك، فلا يصلح
دليلا للوجوب. وأشار بالروايتين إلى رواية يونس بن يعقوب المروية
في التهذيب (2) ورواية حبيب بن مظاهر. وأما رواية يونس بن يعقوب

(1) تقدمنا ص 87
(2) ج 5 ص 126، والوسائل الباب 52 من الطواف
199

المروية في الفقيه (1) فلم يذكرها، ولا يخفى أن هذه الروايات لا معارض
لها في الباب، فردها وطرحها والحال كذلك لا يخلو من مجازفة، بل
جرأ على الأئمة الأطياب (عليهم السلام) سيما مع كون روايتي حبيب
ويونس الأخرى من مرويات من لا يحضره الفقيه التي قد صرح في غير
موضع من شرحه بالاعتماد عليها متى احتاج إليها، لما ضمنه الصدوق
(قدس سره) في صدر كتابه. ولكنه (قدس سره) لا يقف على
قاعدة كما عرفت في غير موضع. والله العالم.
المسألة السادسة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله - تعالى -
عليهم) أنه لو زاد على السبعة سهوا، أكملها أسبوعين، وصلى الفريضة
أولا وركعتي النافلة بعد السعي. وبه صرح الشيخ وعلي بن الحسين بن
بابويه وابن البراج وغيرهم. وقال الصدوق (قدس سره) في المقنع:
يجب عليه الإعادة، قال: وروي: أنه يضيف ستة يجعل واحدا
فريضة والباقي سنة.
واحتج الأصحاب (رضوان الله عليهم) على ما ذهبوا إليه بما رواه
في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) عن أبي أيوب في الصحيح قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط
طواف الفريضة؟ قال: فليضم إليها ستا ثم يصلي أربع ركعات)
قال: وفي خبر آخر: (إن الفريضة هي الطواف الثاني والركعتان
الأوليان لطواف الفريضة، والركعتان الأخريان والطواف الأول تطوع).
وما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن

(1) ج 2 ص 246، والوسائل الباب 52 من الطواف.
(2) ج 2 ص 248، والوسائل الباب 34 من الطواف
200

أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: (إن في كتاب علي (عليه السلام):
إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف
إليها ستا. وكذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستا).
وعن معاوية بن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (إن عليا (عليه السلام) طاف ثمانية فزاد ستة ثم ركع
أربع ركعات).
وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال:
(إن عليا (عليه السلام) طاف طواف الفريضة ثمانية، فترك سبعة
وبنى على واحد وأضاف إليها ستا، ثم صلى ركعتين خلف المقام، ثم
خرج إلى الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلى الركعتين
اللتين ترك في المقام الأول).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما) عليهما
السلام) (4) قال: (سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية.
قال: (يضيف إليها ستة).
وعن رفاعة (5) في الصحيح قال: (كان على) عليه السلام) يقول:
إذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر. قلت: يصلي أربع ركعات؟ قال:
يصلي ركعتين).
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)

(1) التهذيب ج 5 ص 152، والوسائل الباب 34 من الطواف
(2) التهذيب ج 5 ص 112، والوسائل الباب 34 من الطواف.
(3) التهذيب ج 5 ص 112، والوسائل الباب 34 من الطواف.
(4) التهذيب ج 5 ص 111، والوسائل الباب 34 من الطواف.
(5) التهذيب ج 5 ص 112، والوسائل الباب 34 من الطواف.
(6) التهذيب ج 5 ص 112، والوسائل الباب 34 من الطواف.
201

قال: (سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن
فليتم أربعة عشر شوطا ثم ليصل ركعتين).
ومن أخبار المسألة أيضا ما رواه في الفقيه (1) عن علي بن أبي حمزة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سئل وأنا حاضر عن رجل
طاف بالبيت ثمانية أشواط. فقال نافلة أو فريضة؟ فقال: فريضة.
قال: يضيف إليها ستة فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه
السلام) ثم خرج إلى الصفاء والمروة فطاف بينهما، فإذا فرغ صلى ركعتين
أخراوين، فكان طواف نافلة وطواف فريضة).
وما رواه الشيخ (قدس سره) عن أبي كهمس (2) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط. قال:
إن كان ذكر قبل أن يأتي الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه، وإن لم يذكر حتى
بلغه فليتم أربعة عشر شوطا، وليصلي أربع ركعات).
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقل من نوادر أحمد بن
محمد بن أبي نصر البزنطي عن جميل (3) (أنه سأل أبا عبد الله (عليه
السلام) عن من طاف ثمانية أشواط وهو يرى أنها سبعة. قال: فقال: إن
في كتاب علي (عليه السلام): أنه إذا طاف ثمانية أشواط يضم إليها ستة
أشواط ثم يصلي الركعات بعد. قال: وسئل عن الركعات كيف
يصليهن أو يجمعهن أو ماذا؟ قال: يصلي ركعتين للفريضة ثم يخرج

(1) ج 2 ص 248، والتهذيب ج 5 ص 469، والوسائل الباب 34 من الطواف
(2) التهذيب ج 5 ص 113 عن الكليني، والوسائل الباب 34 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 34 من الطواف
202

إلى الصفا والمروة، فإذا رجع من طوافه بينهما رجع فصلى ركعتين
للأسبوع الآخر).
وروى الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة مرسلا (1) قال:
(قال (عليه السلام): من طاف بالبيت ثمانية أشواط ناسيا ثم علم
بعد ذلك فليضف إليها ستة أشواط).
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) قال: (فإن سهوت فطفت طواف
الفريضة ثمانية أشواط فزد عليها ستة أشواط، وصل عند مقام إبراهيم
(عليه السلام) ركعتي الطواف، ثم اسع بين الصفا والمروة، ثم
تأتي المقام فصل خلفه ركعتي الطواف. واعلم أن الفريضة هو الطواف
الثاني، والركعتين الأولتين لطواف الفريضة، والركعتين الآخرتين للطواف
الأول، والطواف الأول تطوع).
أقول: وهذه الرواية هي التي أشار إليها الصدوق في الفقيه (3)
بقوله: (وفي خبر آخر..) كما قدمنا نقله عنه.
ومن ما يدل على ما قدمنا نقله عن المقنع ما رواه في الكافي (4) عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن سماعة عن
أبي بصير قال: (قلت: رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر
ستة طاف أم سبعة أم ثمانية؟ قال: يعيد طوافه حتى يحفظ. قلت:
فإنه طاف هو متطوع ثماني مرات وهو ناس؟ قال: فليتمه طوافين

(1) الوسائل الباب 34 من الطواف
(2) ص 27
(3) ج 2 ص 248، والوسائل الباب 34 من الطواف الرقم 14.
(4) ج 4 ص 417، والوسائل الباب 33 و 34 من الطواف
203

ثم يصلي أربع ركعات. فأما الفريضة فليعد حتى يتم سبعة أشواط).
ورجال هذا الخبر ليس فيهم عندي من ربما يتوقف في شأنه سوى
إسماعيل بن مرار، حيث إنه لم يذكر في كتب الرجال بمدح ولا قدح
إلا أن اكثار إبراهيم بن هاشم الجليل القدر الرواية عنه من ما يشهد
بحسن حالة والاعتماد على روايته. وأما أبو بصير فإنه وإن كان مشتركا
إلا أن الأظهر عندي جلالة يحيى بن القاسم وإن كانوا يعدون حديثه
في الموثق أو الضعيف، وقد عد حديثه في الصحيح الفاضل الخراساني
في الذخيرة، وبين في ذلك فصلا طويلا في كتاب الطهارة في باب غسل
الجنابة. والرواية بناء على اصطلاحهم معتبرة الاسناد.
وما رواه في الكافي وكذا في التهذيب في الصحيح إلى أبي بصير (1)
- وقد عرفت الحال فيه - قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض. قال: يعيد حتى يثبته)
كذا في الكافي (2) وفي التهذيب (3) (حتى يستتمه).
والعلامة في المختلف قد نقل هذه الرواية دليلا للقول المذكور
ووصفها بالصحة أيضا، ثم أجاب عنها بالحمل على حال العمد. أقول
ولهذا إن الأصحاب نظموها في سلك الأدلة الدالة على بطلان الطواف
مع تعمد الزيادة، كما قدمنا نقله عنهم في تلك المسألة. ولا ريب
أن هذا الاحتمال وإن تم في هذه الرواية إلا أنه لا يتم في الرواية
الأولى. فإنها ظاهرة في أن تلك الزيادة وقعت سهوا، لترتب التفصيل
في الجواب على السؤال عن الناسي. والحق أن الخبرين من باب واحد

(1) الوسائل الباب 34 من الطواف
(2) ج 4 ص 417
(3) ج 5 ص 111
204

وأنهما من أخبار الزيادة سهوا لا عمدا. وهما ظاهران في الدلالة على
هذا القول.
ثم أقول: ويدل على هذا القول أيضا ما تضمن من الأخبار المتقدمة
صلاة ركعتين خاصة، مثل صحيحة رفاعة وصحيحة عبد الله بن سنان،
والتقريب فيها أن الطواف الأول صار باطلا باعتبار الزيادة وإن كانت
سهوا كما عرفت، وأن الشوط الثامن قد اعتد به من الطواف الواجب
المأمور به بعد بطلان الأول، وهاتان الركعتان له.
وأما ما ذكره في التهذيب في تأول خبر رفاعة - من حمل صلاة
الركعتين فيه على أنه يقدمهما قبل السعي ثم يصلي ركعتين بعده أيضا
لما مر - ففيه أن السائل سأله عن الصلاة هل هي أربع ركعات أو
ركعتان؟ فأجاب بأنها ركعتان. ولو كان الأمر كما تأوله لأجاب
بالأربع ثم التفريق كما زعمه. وبالجملة فإن ما ذكره في غاية البعد
عن لفظ الخبر.
ولم أر من تنبه لفهم ما ذكرته من هذا المعنى سوى المحدث الكاشاني
في الوافي، حيث قال - في الجمع بين أخبار الركعتين والأربع - ما لفظه:
لا تنافي بين هذه الأخبار، لأن الطائف في هذه الصور مخير بين
الاقتصار على الركعتين ليكون الطواف الثاني إعادة للفريضة والأول ملقى
وبين الأربع ركعات موصولة أو مفصولة ليكون أحد الطوافين نافلة. انتهى
وحاصله الجمع - بين ما يدل على البطلان والإعادة كما ذهب إليه في
المقنع، وبين ما يدل على القول المشهور من إضافة طواف آخر مع صحة
الطواف الأول - بالتخيير بين الأمرين، بمعنى أنه إن شاء نوى ابطال
الطواف الأول واعتد بالشوط الزائد وأضاف إليه ستة أخرى، وإن
شاء اعتد به ونوى طوافا آخر.
وتنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم فوائد: الأولى - أنه على
205

تقدير الاعتداد بالطواف الأول كما هو المشهور هل تكون الفريضة هي
الأول أو الثاني؟
قال في المدارك: نص العلامة (قدس سره) في المنتهى وغيره على
أن الاكمال مع الزيادة على سبيل الاستحباب، ومقتضاه أن الطواف
الأول هو طواف الفريضة. ونقل عن ابن الجنيد وعلي بن بابويه أنهما
حكما بكون الفريضة هو الثاني، وفي رواية زرارة (1) المتقدمة دلالة عليه.
وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه (2) بعد أن أورد رواية أبي أيوب
المتقدمة: وفي خبر آخر: (إن الفريضة هي الطواف الثاني والركعتان
والأوليان لطواف الفريضة والركعتان الأخريان والطواف الأول تطوع)
ولم نقف على هذه الرواية مسندة. ولعله أشار بها إلى رواية زرارة (3)
وعلى هذا فيكون الاتمام واجبا. انتهى.
أقول: أما ما ذكره - من دلالة ورواية زرارة المتقدمة (4) على أن
الفريضة هو الثاني بالنظر إلى قوله فيها: (فترك سبعة وبنى على واحد)
- فهو جيد. إلا أن ما ذكره من أنه لعلها أن تكون معتمد الصدوق في ما
ذكره فليس كذلك كما سيظهر لك. وأما ما ذكره من أنه لم يقف
على الخبر الذي نقله الصدوق (قدس سره) فقد عرفت أن ما نقله
الصدوق إنما هو متن عبارة كتاب الفقه الرضوي بتغيير ما لكنه
معذور حيث لم يصل الكتاب المذكور إليه ولا إلى غيره من المتأخرين.
وبالجملة فالروايات المتقدمة الدالة على الاعتداد بالطواف الأول كلها
مجملة في كون الفريضة الأول أو الثاني، ولا صراحة في شئ منها سوى

(1) تقدمت ص 201
(2) ج 2 ص 248، والوسائل الباب 34 من الطواف
(3) تقدمت ص 201
(4) تقدمت ص 201
206

رواية كتاب الفقه، وظاهر صحيحة زرارة، عليهما يحمل اطلاق تلك
الأخبار بناء على هذا القول. ومن ذلك يظهر لك صحة ما اشتملت
عليه رواية أبي بصير المتقدمة من وجوب الإعادة، فإن الأخبار متى
اجتمعت على أن الفريضة هو الطواف الثاني وأنه يجب اتمامه لكونه
هو الفريضة فقد ثبت وجوب الإعادة المذكورة في ذينك الخبرين،
وليس ذلك إلا من حيث الزيادة المذكورة في الطواف الأول وإن كانت
سهوا. والبناء على الشوط الثامن لا ينافي الإعادة، إذ المراد بالإعادة
هو إلغاء السبعة الأولى والاتيان بسبعة أخرى سواها. وهو حاصل بما
ذكرناه. وبه يظهر قوة ما ذهب إليه في المقتنع.
بقي الكلام في أن الطواف الأول هل يكون باطلا - كما هو ظاهر
كلامه في المقنع - أم صحيحا كما هو ظاهر المشهور؟ وقد عرفت الكلام
فيه آنفا، فإن مقتضى الجمع بين الأخبار التخيير في الاعتداد به وجعله
نافلة فيصل له ركعتين، أو ابطاله وعدم الصلاة له.
الثانية - قد أشرنا في ما تقدم إلى أن المحقق الأردبيلي (قدس سره)
قد استند في القول بجواز الزيادة على الطواف الواجب عمدا إلى جملة
من ورايات هذه المسألة، ووعدنا بالكلام عليه في هذا المقام، فنقول:
قال (عطر الله مرقده) - بعد ذكر نحو ما قدمنا نقله عن المدارك في
تلك المسألة، واحتمال حمل الإعادة في رواية أبي بصير التي استدل بها
الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الاستحباب - ما ملخصه: ويدل على
عدم البطلان والتحريم والحمل المذكور صحيحة محمد بن مسلم، ثم ساق
الرواية كما قدمنا، ثم عطف عليها صحيحة رفاعة، وحمل ذكر الركعتين
فيها على ما قدمنا نقله عن الشيخ (قدس سره) قال: وظاهرهما عام
207

وترك التفصيل قرينة العموم. ثم أورد صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن
وهب، ثم قال: وهما كالصريحتين في أن الزيادة عمدا وأنه جائز، لعدم جواز
أن يسهو (عليه السلام) في الفريضة وزيادته ما لا يجوز زيادته عمدا. انتهى.
أقول: فيه (أولا) إنه لا يخفى أن كل من كان عالما بأن الطواف
المأمور به شرعا إنما هو سبعة أشواط خاصة - كما عليه الاتفاق نصا
وفتوى - فإنه بحسب الغالب بل المتحتم من ذوي الديانة والتقوى أن
لا يأتي بثمانية أشواط إلا عن سهو ونسيان وربما أتى به عن جهل،
وإلا فالعالم بذلك لا يتعمد زيادة شوط عبثا، ولا سيما مثل الإمام
(عليه السلام) حتى أنه بعد ذلك يضيف إليه ستة وجوبا أو استحبابا
بناء على زيادة هذا الواحد، بل كان ينبغي أن يطوف طوافين متصلين
أربعة عشر شوطا متصلة، لا أنه يزيد شوطا عمدا على هذا الطواف
المتقدم لأجل أن يزيد عليه ستة بعد ذلك، فإن زيادة هذه الستة إنما
استند إلى البناء على هذا الشوط الزائد وتتميمه طوافا آخر. وتوهم ذلك
مجر د سفسطة وخيال ضعيف. وهذه السؤالات في هذه الأخبار إنما
تكاثرت بالنسبة إلى من زاد هذا الشوط ناسيا، فأجابوا بأنه يضيف
إليه ستة. وكذلك فعل علي (عليه السلام) على تقدير تسليم صحته.
وبالجملة فإنه مع علمه بأن الطواف سبعة لا غير، وأن من زاد عليه
شوطا وجب عليه أو استحب له اتمام طواف آخر فلا معنى لأن يزيد
هذا الشوط عمدا لأجل أن يجب عليه أو يستحب له اتمام طواف آخر
بل ينبغي أن يزيد طوافا آخر من أول الأمر ويقرن بينهما.
و (ثانيا) أن مقتضى ما ذكره من جواز تعمد ذلك هو جواز القران
في الفريضة عمدا، وقد بينا سابقا أن الظاهر من الأخبار تحريمه
208

في الفريضة. ومع التنزل عن ذلك فلا أقل من القول بالكراهة
ومن البعيد بل الأبعد تكاثر هذه الأخبار في أمر مكروه.
و (ثالثا) أن جملة من أخبار المسألة قد صرحت بكون هذه
الزيادة عن سهو ونسيان، وأن هذا الحكم إنما ترتب على كونها عن سهو
مثل صحيحة عبد الله بن سنان، ورواية أبي كهمس، وصحيحة جميل
المنقولة في السرائر المرتب عليها حديث كتاب علي (عليه السلام)،
ومرسلة الشيخ المفيد (قد س سره) في المقنعة، رواية كتاب الفقيه
الرضوي (1). وحينئذ فيجب حمل ما أطلق من الأخبار على هذه
الروايات المذكور ة، كما هو القاعدة المشهورة والضابطة الغير المذكورة.
و (رابعا) أن تعلقه بزيادة أمير المؤمنين (عليه السلام) المروية في
حديثي معاوية بن وهب وزرارة - مستندا إلى أنه لا يجوز السهو عليه
وأنهما لذلك كالصريحين في جواز الزيادة عمدا - فيه أن مجرد عدم
تجويز السهو عليه لا يستلزم ما ذكره، لما عرفت فيه من الفساد.
والجواز خروج هاتين الروايتين مخرج التقية في النقل. ومثلهما غير عزيز
في الأخبار. ومثلهما الخبر المروي (2) (أنه صلى جنبا ناسيا فأمر مناديه بعد
الصلاة أن ينادي في الناس بقضاء صلاتهم وأنه صلى بهم جنبا) ومثله غيره،
ولا محمل له إلا التقية. وسبيل هذين الخبرين سبيل هذا الخبر.
وأما ما ذكره في المدارك في هذا المقام من ما يعطي الجمود على
ظاهر هذين الخبرين في جواز السهو عليه - مستندا إلى مذهب ابن بابويه
وشيخه، حيث قال بعد نقل صحيحة زرارة: ومقتضى الرواية وقوع السهو من

(1) ص 201 و 202 و 203
(2) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة
209

الإمام (عليه السلام) وقد قطع ابن بابويه بامكانه، ونقل عن شيخه
محمد بن الحسن بن الوليد أنه كان يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو
عن النبي (صلى الله عليه وآله). انتهى. وظاهره الميل إلى ما ذكره
ابن بابويه هنا لأجل التوصل إلى العمل بالرواية المذكورة -
ففيه أن كلام الصدوق (قدس سره) وشيخه لا عموم فيه لجميع
المعصومين (عليهما السلام) وإنما هو مخصوص بالنبي (صلى الله عليه
وآله). ثم لا مطلقا أيضا بل مخصوص بالصلاة والنوم كما هو مورد
تلك الأخبار. وأن سهوه (صلى الله عليه وآله) في ذينك الموضعين كان
من الله (تعالى) لمصلحة في ذلك، فدعوى العموم - كما يفهم من
كلامه وكلام غيره - ليس في محله. ومنه يظهر أنه لا يجوز العمل
بظاهر هذه الأخبار بل الواجب حملها على التقية كما ذكرناه، وبه
يزول الاشكال. والله العالم.
الثالثة - قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه
إنما يثبت اكمال الأسبوعين إذا لم يذكر حتى يبلغ الركن، فإن ذكر
قبل ذلك وجب القطع. واستدل عليه الشيخ برواية أبي كهمس
المتقدمة (1).
قال في المدارك بعد نقل هذه الرواية: وهذه الرواية معارضة بما
رواه الشيخ عن موسى بن القاسم.. ثم أورد صحيحة عبد الله بن سنان
المتقدمة (2) وقال بعدها: وقال الشيخ في الإستبصار: أن هذا الخبر مجمل
ورواية أبي كهمس مفصلة، والحكم بالمفصل أولى منه بالمجمل. وهو جيد
لو تكافأ السندان، لكن الرواية الأولى ضعيفة الاسناد وهذه الرواية

(1) ص 202
(2) ص 201
210

معتبرة الاسناد. انتهى.
أقول: هذه الرواية وإن كانت معتبرة الاسناد كما ذكر إلا أن
ما اشتملت عليه مخالف لأخبار المسألة كملا، فإنها قد اتفقت على أن
البناء على الشوط الزائد واتمامه بستة إنما هو مع اتمام الشوط وحصول
الذكر بعد تمامه، حيث إن الحكم فيها ترتب على حصول الثمانية كملا
وأن السهو إنما عرض بعد تمام الثمانية، وظاهر هذه الرواية هو حصول
الوهم قبل اكمال الثمانية. مع احتمال حمل الوهم فيها على الشك أيضا،
فإن اطلاقه عليه في الأخبار غير عزيز، وحينئذ فكيف يمكن العمل عليها؟
على أن المعارضة لا تختص برواية أبي كهمس كما توهمه، بل جميع
روايات المسألة معارضة لها كما عرفت، ولكن هذه عادته (طاب ثراه)
من التهالك على الأسانيد ولا ينظر إلى ما في متن الخبر من العلل الموجبة
لرده، كما نبهنا عليه في غير موضع من شرحنا على الكتاب.
الرابعة - قد صرح شيخنا الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك
بأن النية الواقعة بعد الذكر تؤثر في الشوط المتقدم، كنية العدول
في الصلاة بالنسبة إلى تأثيرها في ما سبق. انتهى. وهو جيد. ومنه أيضا
تأثير نية الصوم لما تقدم من النهار لو أصبح مفطرا ثم عزم على الصوم
قبل الظهر أو بعده، كما تقدم في كتاب الصوم، فإن صومه
صحيح اتفاقا.
الخامسة - قد صرحت رواية جميل المذكورة المنقولة في مستطرفات
السرائر - وكذا كلامه (عليه السلام) في كتب الفقه - بأنه يصلي ركعتي
طواف الفريضة أولا وصلاة النافلة بعد السعي. وهو المشهور في كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) كما تقدمنا ذكره، وصحيحة زرارة
211

وكذا رواية علي بن أبي حمزة قد صرحتا بالتفريق أيضا لكن من غير
تعيين لركعتي الفريضة، ورواية أبي أيوب وكذا صحيحة معاوية بن
وهب ورواية أبي كهمس (1) قد صرحت بالأربع من غير تعرض للتفريق
فضلا عن بيان الفريضة منهما. والظاهر حمل مطلق هذه الأخبار على
مقيدها في ذلك إلا أنه قد صرح في المدارك بأن تأخير ركعتي طواف
النافلة إلى أن يأتي بالسعي إنما هو على سبيل الأفضلية، قال:
لاطلاق الأمر بصلاة الأربع في رواية أبي أيوب، ولعدم وجوب المبادرة
بالسعي. وفيه ما عرفت من أنه يمكن تقييد هذا الاطلاق بالروايات
الدالة على التفريق وهي الأكثر، وإن كان بعضها قد عين أن صلاة
الفريضة هي الأولى وصلاة النافلة هي التي بعد السعي، وبعضها لم يعين
فيه ذلك، وهذا هو مقتضى القاعدة المقررة عندهم المرتبطة بدلالة
جملة من الأخبار. وأما العمل باطلاق تلك الروايات - وحمل
ما دل على تقديم ركعتي الفريضة على السعي وتأخير ركعتي النافلة
عنه على الاستحباب - فهو وإن جروا عليه في جملة من الأبواب
إلا أنه لا مستند له من سنة ولا كتاب، كما تقدم بيانه.
المسألة السابعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه
لو نقص عدد طوافه، أو قطعه لدخول البيت أو لحاجة أو لمرض أو لحدث،
أو دخل في السعي فذكر أنه لم يتم طوافه فإن تجاوز النصف رجع
فأتم، ولو عاد إلى أهله استناب، لو كان دون النصف استأنف.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع: الأول - في من نقص عدد
طوافه، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليه) هو ما قدمناه

(1) ص 200 و 201 و 202
212

من أنه إن تجاوز النصف رجع وأتم، ولو عاد إلى أهله استناب، ولو
كان دونه استأنف.
ولم أقف له على دليل في الأخبار، والموجود فيها من ما يتعلق
بذلك ما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن الحسن بن عطية (1)
قال: (سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط
قال أبو عبد الله (عليه السلام): وكيف طاف ستة أشواط؟ قال:
استقبل الحجر وقال الله أكبر، وعقدا واحدا، فقال أبو عبد الله (عليه
السلام): يطوف شوطا. فقال سليمان: فإنه فاته ذلك حتى أتى
أهله؟ قال: يأمر من يطوف عنه).
وفي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(قلت: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر؟ قال:
يعيد ذلك الشوط).
وروى المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن صفوان
ابن يحيى عن إسحاق بن عمار (3) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): رجل طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فطاف بين الصفا
والمروة، فبينما هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك بعض طوافه بالبيت؟
قال: يرجع إلى البيت فيتم طوافه، ثم يرجع إلى الصفا والمروة

(1) التهذيب ج 5 ص 109، والكافي ج 4 ص 418، والفقيه ج 2 ص
248، والوسائل الباب 32 من الطواف
(2) التهذيب ج 5 ص 109، والوسائل الباب 31 من الطواف
(3) الكافي ج 4 ص 418، والتهذيب ج 5 ص 109 و 110 عن الكليني،
والفقيه ج 2 ص 248، والوسائل الباب 32 من الطواف
213

فيتم ما بقي).
وهذه الروايات - كما ترى - لا اشعار فيها بما ذكروه من التفصيل
والمنقول عن الشيخ (قدس سره) في التهذيب (1) أنه قال:
ومن طاف بالبيت ستة أشواط وانصرف فليضف إليها شوطا آخر ولا
شئ عليه، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى أهله أمر من يطوف عنه. وهو
ظاهر في البناء مع الاخلال بالشوط الواحد كما هو المذكور في صحيحة
الحسن بن عطية المذكورة. وربما أشعر التخصيص بذكر الشوط الواحد
أن حكم ما زاد عليه خلاف ذلك.
قال في المدارك بعد ذكر نحو ذلك: والمعتمد البناء إن كان المنقوص
شوطا واحدا وكان النقص على وجه الجهل أو النسيان، والاستئناف في
غيره مطلقا. لنا على البناء في الأول وجواز الاستنابة مع تعذر العود:
ما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن الحسن بن عطية. وساق
الرواية المتقدمة ثم ساق صحيحة الحلبي، ثم قال: ولنا على الاستئناف
في الثاني: فوات الموالاة المعتبر بدليل التأسي، والأخبار الكثيرة
كصحيحة الحلبي.. ثم ساق الرواية الآتية - إن شاء الله تعالى - في قطع
الطواف لدخول البيت الدالة على قطع الطواف بعد ثلاثة أشواط وأمر ه
(عليه السلام) بالإعادة، ثم صحيحة البختري الواردة أيضا في قطع
الطواف لدخول البيت، ثم حسنة الحلبي الواردة في من اشتكى وقد
طاف أشواطا، حيث أمر (عليه السلام) بالإعادة في الجميع.
أقول: أما ما ذكره - من البناء في الشوط الواحد مع الجهل أو النسيان -
فهو جيد، لما عرفته من الأخبار، وظاهرها أن الترك كان على أحد
الوجهين المذكورين. وبهذا القيد صرح العلامة في جملة من كتبه،
وهو ظاهر كلام غيره أيضا.

(1) ج 5 ص 109
214

وأما ما ذكره - من الإعادة في ما عدا ذلك - فلا أعرف له وجها
وجيها، أما ما احتج به من فوات الموالاة بدليل التأسي فهو ضعيف،
إذ التأسي - كما صرح به المحققون في الأصول وصرح به هو أيضا
في مواضع من شرحه وإن خالفه في مواضع أخر - لا يصلح للدلالة
على الوجوب، فإن فعلهم (عليهم السلام) أعم من ذلك، نعم هو
دليل على الرجحان في الجملة. وهو ظاهر.
وأما الأخبار المذكورة فموردها غير محل البحث، لأن الظاهر من
كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن ما ذكرناه من هذه المواضع
المشار إليها في صدر المسألة متغايرة لا يدخل بعضها تحت بعض، فإن
الظاهر من قولهم -: من نقص طوافه، ثم عطفهم عليه من قطع طوافه
لدخول البيت، وهكذا - إن كلا منها غير الآخر، فالمراد ممن نقص
طوافه أنه فعل ذلك لا لغرض من الأغراض، بل إما أن يكون تعمد
ترك بعض طوافه أو سها عنه أو جهله. وكذا الأخبار المذكورة، فإن
الظاهر منها أيضا ذلك. وحينئذ فالاستدلال بهذه الأخبار الواردة في
قطع الطواف لدخول البيت أو لمرض أو نحو ذلك ليس في محله، بل
هذه مسائل على حدة يأتي الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
وأعجب من ذلك أن المحقق الأردبيلي استدل على ما ذكره
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة بهذه الأخبار الواردة
في قطع الطواف لدخول البيت ونحوها من الأخبار الواردة في قطعة
لعيادة المريض ونحو ذلك.
وبالجملة فإن المسألة عندي محل اشكال، فإني لا أعرف لهذا
الحكم دليلا سوى الروايات التي تقدمت، وهي قاصرة عن إفادة
215

التفصيل الذي ذكروه.
بقي الكلام في الرواية الثالثة (1) حيث تضمنت ترك بعض طوافه
وهو مجمل، وقد أمر) عليه السلام) بالبناء فيها، والحمل على ما ذكر
في تلك الرواية من الشوط الواحد غير بعيد. إلا أن الظاهر أن مورد
هذه الرواية خارج عن ما نحن فيه. وسيأتي الكلام فيها إن شاء الله
(تعالى) قريبا. والله العالم.
الثاني - في من قطعه لدخول البيت فإنه يجب عليه ما تقدم
من التفصيل بتجاوز النصف وعدمه. والاشكال فيه كما في سابقه،
فإني لم أقف في الأخبار هنا أيضا على ما يدل على ذلك.
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت
خلوة فدخله، كيف يصنع؟ قال: يعيد طوافه، وخالف السنة).
وصحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
(في من كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها؟ قال
يستقبل طوافه).
وصحيحة ابن مسكان (4) قال: (حدثني من سأله عن رجل طاف
بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط ثم وجد خلوة من البيت فدخله
قال: نقض طوافه وخالف السنة، فليعد).
ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر البزنطي

(1) ص 213 الرقم 3
(2) التهذيب ج 5 ص 118، والوسائل الباب 41 من الطواف
(3) الفقيه ج 2 ص 247، والوسائل الباب 41 من الطواف
(4) التهذيب ج 5 ص 118، والوسائل الباب 41 من الطواف
216

عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (1).
وموثقة عمران الحلبي (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط من الفريضة ثم وجد خلوة من
البيت فدخله. قال يقضي طوافه، وقد خالف السنة، فليعد طوافه)
وهذه الروايات - كما ترى - لا إشارة فيها فضلا عن التصريح للتفصيل
الذي ذكروه، بل ظاهر صحيحة حفص بن البختري وجوب الإعادة متى
قطعه لدخول البيت مطلقا. وإلى العمل بها مال في المدارك فاختار
بطلان الطواف بقطعه لدخول الكعبة مطلقا بلغ النصف أو لم يبلغ.
وهو جيد.
الثالث - في من قطعه لحاجة، والروايات في هذه الموضع مختلفة.
فمنها: صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
(في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة؟ فقال: إن
كان طواف نافلة بنى عليه، وإن كان طواف فريضة لم يبن عليه).
وروى ابن بابويه في الصحيح عن صفوان الجمال (4) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يأتي أخاه وهو في الطواف؟
فقال: يخرج معه في حاجته ثم يرجع ويبني على طوافه).

(1) الوسائل الباب 41 من الطواف
(2) الكافي ج 4 ص 414، والوسائل الباب 41 من الطواف
(3) الكافي ج 4 ص 413، والتهذيب ج 5 ص 119، والوسائل الباب
41 من الطواف
(4) الفقيه ج 2 ص 248، والوسائل الباب 42 من الطواف
217

وذكر ابن بابويه (1) أن في نوادر ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا
عن أحدهما (عليهما السلام) أنه قال (في الرجل يطوف فتعرض
له الحاجة؟ قال: لا بأس بأن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع
الطواف. وإذا أراد أن يستريح في طوافه ويقعد فلا بأس به. فإذا
رجع بنى على طوافه وإن كان أقل من النصف).
وروى الشيخ في الصحيح عن النخعي وجميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما
(عليهما السلام) (2) قال (في الرجل يطوف ثم تعرض له الحاجة؟
قال: لا بأس أن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف.
وإن أراد أن يستريح ويقعد فلا بأس بذلك. فإذا رجع بنى على طوافه
وإن كان نافلة بنى على الشوط والشوطين. وإن كان طواف فريضة ثم
خرج في حاجة مع رجل لم يبن ولا في حاجة نفسه).
وروى الشيخ (قدس سره) في التهذيب (3) عن أبان بن تغلب
قال: (كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في الطواف فجاء ني رجل
من إخواني فسألني أن أمشي معه في حاجة، ففطن بي أبو عبد الله
(عليه السلام) فقال: يا أبان من هذا الرجل؟ قلت: رجل من
مواليك سألني أن أذهب معه في حاجته. فقال: يا أبان اقطع طوافك
وانطلق معه في حاجته فاقضها له. فقلت: إني لم أتم طوافي. قال:
احص ما طفت وانطلق معه في حاجته. فقلت: وإن كان في فريضة
قال: نعم وإن كان فريضة. قال: يا أبان وهل تدري ما ثواب

(1) الفقيه ج 2 ص 274، والوسائل الباب 41 من الطواف
(2) التهذيب ج 5 ص 120 و 121، والوسائل الباب 41 من الطواف
(3) ج 5 ص 120، والوسائل الباب 41 من الطواف
218

من طاف بهذا البيت أسبوعا؟ فقلت: لا والله ما أدري. قال:
تكتب له ستة آلاف حسنة وتمحى عنه ستة آلاف سيئة وترفع له
ستة آلاف درجة قال: وروى إسحاق بن عمار: وتقضى له ستة آلاف
حاجة - ولقضاء حاجة مؤمن خير من طواف وطواف، حتى عد عشرة
أسابيع. فقلت له: جعلت فداك أفريضة أم نافلة؟ فقال: يا أبان إنما
يسأل الله العباد عن الفرائض لا عن النوافل).
وروى في الكافي (1) عن سكين بن عمار عن رجل من أصحابنا يكنى
أبا أحمد قال: (كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في الطواف
- ويده في يدي أو يدي في يده - إذ عرض لي رجل له إلي حاجة فأومأت
إليه بيدي فقلت له: كما أنت حتى أفرغ من طوافي. فقال لي أبو عبد الله
(عليه السلام): ما هذا؟ فقلت: أصلحك الله رجل جاءني في حاجة
فقال لي: أمسلم هو؟ قلت: نعم. فقال لي: اذهب معه في حاجته.
فقلت له: أصلحك الله فاقطع الطواف؟ قال: نعم. قلت: وإن كنت
في المفروض؟ قال: نعم وإن كنت في المفروض. قال: وقال أبو عبد الله
(عليه السلام): من مشى مع أخيه المسلم في حاجة كتب الله له
ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة).
أقول: قد دلت صحيحة أبان بن تغلب ومرسلة النخعي وجميل على
أنه يبني على الشوط والشوطين في طواف النافلة ولا يبني في طواف
الفريضة، ورواية أبان بن تغلب ومرسلة سكين على جواز قطع الطواف
والبناء مطلقا. ويعضدهما اطلاق مرسلة ابن أبي عمير وصحيحة صفوان
الجمال. ووجه الجمع بينها يقتضي تخصيص اطلاق هذه الروايات

(1) ج 4 ص 414، والتهذيب ج 5 ص 119، والوسائل الباب
42 من الطواف
219

بالخبرين المذكورين، بمعنى أنه يبني في الفريضة متى قطع للحاجة إلا
في ما إذا قطع على شوط أو شوطين فإنه يعيد.
أقول: ومن أخبار المسألة أيضا ما رواه في الكافي (1) عن أبي عزة
قال: (مر بي أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا في الشوط الخامس من
الطواف، فقال لي: انطلق حتى نعود ههنا رجلا. فقلت له: إنما
أنا في خمسة أشواط فأتم أسبوعي. قال: اقطعه واحفظه من حيث
تقطع حتى تعود إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه).
وما رواه في التهذيب (2) عن أبي الفرج قال: (طفت مع
أبي عبد الله (عليه السلام) خمسة أشواط، ثم قلت: إني أريد أن
أعود مريضا. فقال احفظ مكانك ثم اذهب فعده ثم ارجع فأتم
طوافك).
والأمر في هذين الخبرين سهل، لأنهما إن حملا على الفريضة فلا
اشكال في جواز البناء وإن حملا على النافلة فالحكم أظهر، للاتفاق
نصا وفتوى على جواز البناء على ما دون النصف.
وكيف كان فهذه الأخبار على كثرتها لا تعرض فيها لما ذكروه من
التفصيل بوجه، ولو كان الحكم مبنيا عليه لصرحوا به ولو بالإشارة إليه.
الرابع - في من قطعه لمرض، والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه
الصورة ما رواه في الكافي (3) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا طاف الرجل بالبيت أشواطا

(1) ج 4 ص 414، والوسائل الباب 41 من الطواف
(2) ج 5 ص 119، والوسائل الباب 41 من الطواف
(3) ج 4 ص 414، والوسائل الباب 45 من الطواف
220

ثم اشتكى أعاد الطواف، يعني: الفريضة).
وعن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) (1) (في رجل
طاف طواف الفريضة ثم اعتل علة لا يقدر معها على اتمام الطوف؟
فقال: إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط
فقد تم طوافه، وإن كان طاف ثلاثة أشواط ولا يقدر على الطواف فإن
هذا من ما غلب الله عليه، فلا بأس بأن يؤخر الطواف يوما أو يومين،
فإن خلته العلة عاد فطاف أسبوعا، وإن طالت علته أمر من يطوف
عنه أسبوعا، ويصلي هو ركعتين، ويسعى عنه، وقد خرج من احرامه.
وكذلك يفعل في السعي وفي رمي الجمار).
قال في المدارك - بعد الاستدلال على ما ذكره المصنف من التفصيل
برواية إسحاق بن عمار، وأن هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب
(رضوان الله عليهم) - ما صورته: ويتوجه على هذه الرواية (أولا)
الطعن من حيث السند بأن من جملة رجالها اللؤلؤي، ونقل الشيخ عن
ابن بابويه أنه ضعفه. وأن راويها وهو إسحاق بن عمار قيل إنه فطحي.
و (ثانيا) أنها معارضة بما رواه الكليني في الحسن عن الحلبي.. ثم
ساق الرواية الأولى، ثم قال: والمسألة محل تردد، ولعل الاستئناف
مطلقا أولى. انتهى.
أقول: أما ما طعن به من حيث الاسناد فقد تقدم الجواب عنه
مرارا. وأما من حيث المعارضة برواية الحلبي فغاية ما يلزم أن رواية
الحلبي هنا مطلقة بالنسبة إلى ترتب الإعادة على الأشواط التي هي أعم

(1) الكافي ج 4 ص 414، والتهذيب ج 5 ص 124، والوسائل الباب
45 من الطواف
221

من تجاوز النصف وعدمه، والواجب تقييد هذا الاطلاق برواية
إسحاق بن عمار وما دلت عليه من التفصيل. وحينئذ فهذان الخبران
ظاهران في ما ذكره الأصحاب من التفصيل. فلا اشكال في هذه
الصورة.
الخامس - في من قطعه لحدث، ويدل عليه ما رواه في الكافي (1)
في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما
(عليهما السلام) (في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف
بعضه؟ قال: يخرج فيتوضأ، فإن كان جاز النصف بنى على طوافه،
وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف) ورواه الشيخ (قدس سره)
في التهذيب (2) في الصحيح عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما
(عليهما السلام) مثله. وهذا الخبر أيضا ظاهر في التفصيل المذكور
فلا اشكال.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) بعد ذكر الحائض في أثناء الطواف
وأنها تبني بعد تجاوز النصف لا قبله: وكذلك الرجل إذا أصابته
علة وهو في الطواف لم يقدر على اتمامه خرج وأعاد بعد ذلك طوافه
ما لم يجز نصفه فإن جاز نصفه فعليه أن يبني على ما طاف. انتهى.
أقول: والمراد من العلة بالنسبة إلى الرجل هو ما تضمنه هذا
الموضع وما قبله من المرض والحدث. فالخبر المذكور دليل لهذين
الموضعين. وفيه إشارة إلى عدم البناء في غيرهما وإلا لعده (عليه السلام)
في عدادهما كما لا يخفى.

(1) ج 4 ص 414، والوسائل الباب 40 من الطواف
(2) ج 5 ص 118
(3) ص 30
222

السادس - لو دخل في السعي فذكر أنه لم يتم طوافه، فالمشهور
أنه إن تجاوز النصف رجع فأتم طوافه ثم أتم سعيه، ولم أقف لهذا
التفصيل في هذه المسألة على مستند.
وأطلق الشيخ (قدس سره) على ما نقل عنه، والمحقق في النافع
والعلامة في المنتهى وجملة من كتبه اتمام الطواف من غير فرق بين
تجاوز النصف وعدمه.
واستدلوا على ذلك بموثقة إسحاق بن عمار المتقدمة في الموضع الأول
ومقتضاها البناء مطلقا وإن لم يتجاوز النصف.
ومن ما يؤكد ذلك ما اشتملت عليه زيادة على ما قدمناه منها حيث
قال (1): (قلت: فإنه بدأ بالصفا والمروة قبل أن يبدأ بالبيت؟ فقال:
يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا والمروة. قلت:
فما الفرق بين هذين؟ قال: لأن هذا قد دخل في شئ من الطواف
وهذا لم يدخل في شئ منه). وهو ظاهر - كما ترى - في أنه يكفي
في البناء الاتيان بشئ من الطواف. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر.
والله العالم.
تنبيه
المفهوم من كلام شيخنا الشهيد في الدروس أن مبنى هذا التفصيل في هذه
المواضع على وجوب الموالاة في الطواف، قال (قدس سره) في تعداد واجبات

(1) الكافي ج 4 ص 421، والتهذيب ج 5 ص 130، والفقيه ج 2 ص
252، والوسائل الباب 63 من الطواف
223

الطواف: وحادي عشرها الموالاة فيه، فلو قطعه في أثنائه ولم يطف أربعة
أشواط أعاد، سواء كان لحدث أو خبث أو دخول البيت أو صلاة فريضة
على الأصح أو نافلة أو لحاجة لو لغيره أم لا. أما النافلة فيبني فيها
مطلقا، وجوز الحلبي البناء على شوط إذا قطعه لصلاة فريضة. وهو نادر
كما ندر فتوى النافع بذلك، وإضافته الوتر. وإنما يباح القطع
لفريضة أو نافلة يخاف فوتها، أو دخول البيت، أو ضرورة، أو
قضاء حاجة مؤمن. ثم إذا عاد بنى من موضع القطع. ولو شك فيه
أخذ بالاحتياط. انتهى كلامه (زيد مقامه).
وفيه نظر من وجوه: الأول - أن ما ادعاه من وجوب الموالاة لم نقف
له على دليل إلا ما ذكره في المدارك من التأسي، وقد بينا ما فيه
آنفا.؟ وليس بعد ذلك إلا مجرد الشهرة بينهم، وإلا فالأخبار خالية
منه بل صريحة في ردة، كما عرفت من اطلاق روايتي أبان بن تغلب وسكين
ابن عمار وصحيحة صفوان وغيرها من الروايات المتقدمة.
الثاني - أن ما ذكره من التفصيل في هذه المواضع قد عرفت أن
الأخبار في أكثرها لا تساعد عليه كما أوضحناه، والذي يدل منها
على ذلك أنما هو في صورتي القطع للمرض والحدث حسبما بيناه.
الثالث - أن ما ذكره - من عد الخبث في عداد هذه المذكورات وأنه
يجري فيه هذا التفصيل - من ما ترده الأخبار الواردة في المسألة:
ومنها: ما رواه الصدوق (قدس سره) عن حماد بن عثمان عن حبيب
ابن مظاهر (1) قال: (ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا
فإذا انسان قد أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته ثم جئت فابتدأت

(1) ارجع إلى التعليقة 4 ص 198
224

الطواف فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: بئسما صنعت
كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت. ثم قال: أما أنه ليس عليك شئ).
وعن يونس بن يعقوب (1) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
رأيت في ثوبي شيئا من دم وأنا أطوف؟ قال: فاعرف الموضع ثم اخرج
فاغسله ثم عد فابن على طوافك).
فالأولى صريحة في وجوب البناء قبل النصف، والثانية دالة على ذلك باطلاقها.
الرابع - أن ما عده من صلاة الفريضة وأن هذا التفصيل يجري فيها
من ما لا تساعده الأخبار ولا كلام غيره من الأصحاب (رضوان الله عليهم)
أما الأخبار فمنها: صحيحة عبد الله بن سنان (2) قال: (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل كان في طواف النساء فأقيمت الصلاة. قال:
يصلي معهم الفريضة فإذا فرغ بنى من حيث قطع).
وحسنة هشام عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) أنه قال (في رجل
كان في طواف فريضة فأدركته صلاة فريضة. قال: يقطع طوافه ويصلي
الفريضة ثم يعود فيتم ما بقي عليه من طوافه).
وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (4)

(1) الوسائل الباب 52 من الطواف
(2) الكافي ج 4 ص 415 والتهذيب ج 5 ص 121 والفقيه ج 2 ص
247 والوسائل الباب 43 من الطواف.
(3) الكافي ج 4 ص 415 والتهذيب ج 5 ص 121 والوسائل الباب
43 من الطواف
(4) الكافي ج 4 ص 415 والتهذيب ج 5 ص 122 والفقيه ج 2 ص
247 والوسائل الباب 44 من الطواف
225

قال: (سألته عن رجل يكون في الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه
فيطلع الفجر فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المسجد إذا كان
لم يوتر فيوتر، ثم يرجع إلى مكانه فيتم طوافه، افترى ذلك أفضل أم يتم
الطواف ثم يوتر وإن أسفر بعض الأسفار؟ قال: ابدأ بالوتر واقطع الطواف
إذا خفت ذلك ثم أتم الطواف بعد).
وهذه الأخبار كلها - كما ترى - مطلقة في جواز القطع للصلاة والبناء
بعد الفراغ أعم من أن يكون قبل النصف أو بعده، والخبران الأولان
صريحان في الطواف الواجب، والثالث دال على ذلك باطلاقه، وبذلك
يظهر أن ما نقله عن الحلبي من البناء على شوط إذا قطعه لصلاة الفريضة
لا بعد فيه، لدلالة اطلاق هذه الأخبار عليه.
وأما كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فقد اعترف بتصريح المحقق
في النافع بذلك وإن نسبه إلى الندرة، حيث صرح بجواز القطع للفريضة
والبناء وإن لم يبلغ النصف، وهذا هو ظاهر كلام العلامة في المنتهى،
حيث قال: ولو دخل عليه وقت فريضة وهو يطوف قطع الطواف وابتدأ
بالفريضة ثم عاد فيتم طوافه من حيث قطع. وهو قول العلماء إلا مالكا
فإنه قال يمضي في طوافه ولا يقطعه إلا أن يخاف أن يضر بوقت الصلاة (1)
انتهى وهو ظاهر - كما ترى - في التعميم، فإن اطلاق كلامه يقتضي عدم
القرق بين تجاوز النصف وعدمه، ونحو ه كلامه في غيره وغيره في غيره.
الخامس - أن ما طعن به على المحقق - في إضافة الوتر إلى الصلاة
الواجبة وأنه يقطع لا جلها الطواف ونسبته له إلى الندرة - مردود بما قد مناه
من دلالة صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج على ذلك، فالرد لهذا القول رد

(1 المغني ج 3 ص 413 طبع مطبعة المنار.
226

للرواية، مع أنها لا معارض لها. وهو من ما لا يقول به محصل.
السادس - أن ما ذكره - من أنه إنما يباح القطع (يعني: بعد النصف)
للفريضة أو نافلة يخاف فوتها أو دخول البيت.. إلى آخره - مدخول بأن
الأخبار الواردة في جميع هذه الصور لا دلالة لها على التفصيل الذي ادعاه
سوى أخبار صورتي المرض والحدث، بل ظاهر صحيحة حفص بن البختري
كما عرفت آنفا تحريم القطع لدخول البيت مطلقا وإن كان بعد النصف.
وبالجملة فإن كلامه (قدس سره) في هذا المقام لا ينطبق على ما نقلناه من
أخبارهم (عليهم السلام) بل هي ظاهرة في رده كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
فوائد: الأولى - قال في المدارك - في شرح قول المصنف (قدس سره):
السادسة من نقص من طوافه، فإن جاوز النصف رجع فأتم، وإن كان
دون ذلك استأنف ما لفظه: لا يخفى أن النقص المقتضي لوجوب الاستئناف
إنما يتحقق مع فوات الموالاة وإلا وجب الاتمام قولا واحدا. انتهى.
أقول: فيه (أولا) إن هذه الموالاة المدعاة في كلامهم لم يقم عليها دليل
بل الأخبار - كما أشرنا إليه آنفا - ظاهرة في عدم وجوبها و (ثانيا)
أن أخبار هذه المسألة وهي المتقدمة في الموضع الأول، منها ما هو مطلق
كصحيحة الحسن بن عطية وصحيحة الحلبي، وتقييدهما يحتاج إلى دليل،
ومنها ما هو صريح في عدم وجوب الموالاة وهي موثقة إسحاق بن عمار
الدالة على أن من طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا والمروة وطاف بهما ثم
ذكر نقصان طوافه (1) فإنه لا ريب في فوات الموالاة بهذه المدة، مع أنه (عليه السلام)
أمره بالبناء على ما طافه ولم يأمره بالاستئناف.
الثانية - قال أيضا: وذكر الشارح وغيره أن المراد بمجاوزة النصف

(1) ص 213
227

اتمام الأربع لا مطلق المجاوزة. وما وقفت عليه في هذه المسألة من النص
خال من هذا اللفظ فضلا عن تفسيره. انتهى.
أقول: لا يخفى أنه لم يرد التفصيل الذي ذكروه بالمجاوزة وعدمها
إلا في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة في الموضع الرابع، ومرسلة ابن أبي
عمير المتقدمة في الموضع الخامس، والأولى دلت على صحة الطواف إذا طاف
أربعة وأنه يأمر من يطوف عنه ثلاثة، والثانية دلت على أنه إن كان جاز
النصف يبني على طوافه، وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف
والجمع بين الخبرين يقتضي حمل الجواز عن النصف على اتمام الأربعة كما
تضمنه الخبر الأول. فالحكم بصحة الطواف مع اتمام الأربعة لا ريب
فيه، وإن كان أقل من ذلك فله مراتب: أحدها - أن يكون على النصف
الحقيقي، الثانية - أن ينقص عنه، الثالثة - أن يزيد على وجه لا يتم شوطا
والخبر إنما دل على الإعادة في الثانية، وحكم المرتبتين الباقيتين غير معلوم من
الخبر والاحتياط يقتضي الإعادة وعدم البناء فيهما وتخصيص البناء باكمال الأربعة.
الثالثة - ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه
يجب حفظ الموضع الذي يقطع منه في الصورة التي يجوز القطع فيها ليكمل
منه بعد العود. والظاهر أن الوجه في المحافظة عليه خوف الزيادة
والنقصان في الطواف.
وجوز العلامة في المنتهى البناء على الطواف السابق من الحجر وإن وقع
القطع في أثناء الشوط، بل جعل ذلك أحوط من البناء من موضع القطع
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: وهو صريح في عدم تأثير مثل
هذه الزيادة ولا بأس به. انتهى.
أقول: لا أعرف لنفيه البأس عن ذلك وجها مع تكاثر النصوص بالأمر
228

بالبناء من موضع القطع وعدم وجود ما يعارضها في المقام، فمن ذلك
ما تقدم في الموضع الثالث من الروايات الدالة على أنه يبني على طوافه.
وأصرح منها رواية أبي غرة (1) وقوله فيها: (واحفظه من حيث تقطع حتى
تعود إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه) ورواية أبي الفرج، وقوله
فيها: (احفظ مكانك ثم اذهب فعده ثم ارجع فأتم طوافك) ورواية
يونس بن يعقوب، وقوله فيها: (فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد
فابن على طوافك) والخروج عن مقتضى هذه الأوامر من غير دليل شرعي
مشكل. وبذلك يظهر أن ما ذكره من أن الاحتياط في الإعادة من الحجر
إنما هو ضد الاحتياط. والله العالم.
المسألة الثامنة - لو شك في عدد الطواف فههنا صور:
الأولى - أن يشك في عدده بعد الانصراف منه. والظاهر أنه لا خلاف
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أنه لا يلتفت. ويدل عليه مضافا إلى
الأصل عموم قوله (عليه السلام) (2) في صحيحة زرارة: (إذا خرجت
من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ).
الثانية - أن يكون في الأثناء ويكون الشك في الزيادة. والظاهر أنه
لا خلاف في أنه يقطع طوافه ولا شئ عليه. وعلله في المنتهى بأنه متيقن
الاتيان بالسبع ويشك في الزائد والأصل عدمه. انتهى.
والأظهر الاستدلال عليه بما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح
عن الحلبي (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف

(1) ص 220 و 225
(2) الوسائل الباب 23 من الخلل الواقع في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 35 من الطواف
229

بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف الفريضة أم ثمانية. فقال: أما السبعة
فقد استيقن وإنما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين).
وعن الحلبي في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(قلت له: رجل طاف فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية؟ قال: يصلي ركعتين).
وما نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر أحمد بن محمد
ابن أبي نصر البزنطي عن جميل (2) (أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل طاف فلم يدر سبعا طاف أم ثمانيا. قال:: يصلي ركعتين).
قال في المسالك: إنما يقطع مع شك الزيادة إذا كان على منتهى الشوط
وأما لو كان في أثنائه بطل طوافه، لتردده بين محذورين: الاكمال المحتمل
للزيادة عمدا والقطع المحتمل للنقيصة.
قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: ويتوجه عليه منع احتمال تأثير الزيادة
كما سيجئ في مسألة الشك في النقصان. انتهى.
أقول: مورد روايات المسألة هو وقوع الشك بعد اتمام الشوط المشكوك
في كونه ثامنا أو سابعا، وأنه يبني على السبعة ولا يلتفت إلى الشك أما لو
كان في الأثناء قبل، الاتمام فيحتمل أن يكون الحكم فيه ما ذكره في المسالك
من بطلان الطواف، لما ذكره، ويحتمل الاتمام والبناء على السبعة كما ذكره
في المدارك ليحصل يقين السبعة وما ذكره من منع تأثير احتمال الزيادة
- كما سيجئ في الشك في النقصان - إنما يتم بناء على ما اختاره في
المسألة المذكورة من البناء على الأقل والاتمام. وسيظهر لك - إن شاء الله
تعالى - أنه لا دليل عليه، بل الأدلة واضحة في رده وضعفه مصرحة بوجوب

(1) الوسائل الباب 35 من الطواف
(2) الوسائل الباب 35 من الطواف.
230

الإعادة في الصورة المشار إليها. وبه يظهر قوة ما ذكره جده (قدس سره) فإن
الظاهر أنه لا وجه للحكم بالابطال في صورة الشك في النقيصة دون الاتمام
إلا من حيث احتمال الزيادة الموجبة للبطلان، ومقتضى قوله (عليه السلام)
في صحيحة الحلبي -: (أما السبعة فقد استيقن وإنما وقع وهمه على الثامن)
- أنه لو قطع قبل اتمام الشوط المشكوك فيه لم يحصل يقين السبعة،
لاحتمال أن يكون هو السابع.
الثالثة - أن يكون الشك في الأثناء أيضا ولكن في النقصان. والمشهور
أنه يستأنف في الفريضة.
قال في المختلف: اختلف الشيخان في حكم الشك في نقصان الطواف
فقال الشيخ (قدس سره): لو شك في طواف الفريضة هل طاف ستة
أو سبعة؟ فإن انصرف لم يلتفت، وإن كان في حال الطواف وجب عليه
الإعادة. وكذلك لو شك في ما نقص عن الستة. وقال المفيد
(قدس سره) من طاف بالبيت فلم يدر ستا طاف أم سبعا فليطف
طوافا آخر ليستيقن أنه طاف سبعا. واختار الأول ابن البراج، وبه
قال الصدوق (قدس سره) في كتاب المقنع ومن لا يحضره الفقيه وابن
إدريس، وبالثاني قال الشيخ علي بن بابويه في رسالته وأبو الصلاح، وهو
قول ابن الجنيد أيضا، فإنه قال: وإذا شك في اتمام طوافه تممه حتى
يخرج منه على يقين، وسواء كان شكه في شوط أو بعضه، وإن تجاوز
الطواف إلى الصلاة وإلى السعي ثم شك فلا شئ عليه، وإن كان في
طواف الفريضة كان الاحتياط خروجه منه على يقين من غير زيادة ولا
نقصان، وإن كان في النافلة بنى على الأقل. ثم قال (قدس سره) في
231

المختلف: والمعتمد الأول، ثم ساق الكلام في الاستدلال عليه.
أقول: والمعتمد عندي هو القول للأول، والسيد السند في المدارك قد
اختار القول الثاني، وهو مذهب الشيخ المفيد والشيخ علي بن الحسين بن بابويه
ونحن ننقل كلامه (قدس سره) ونبين ما فيه، ومنه يظهر لك رجحان ما رجحناه
وقوة ما اخترناه.
قال (قدس سره) بعد نقل القول الثاني عن الجماعة المشار إليهم في
كتاب المختلف: وهو المعتمد، لنا: الأصل، وما رواه الكليني (قدس سره)
في الصحيح عن منصور بن حازم (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة. قال: فيعد
طوافه. قلت: ففاته؟ فقال: ما أرى عليه شيئا. والإعادة أحب إلي
وأفضل) وما رواه الشيخ في الصحيح أيضا عن منصور بن حازم (2)
قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني طفت فلم أدر ستة طفت
أم سبعة فطفت طوافا آخر. فقال: هلا استأنفت؟ قلت: قد طفت وذهبت
قال: ليس عليك شئ) وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) أنه قال (في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة. قال: يبني على
يقينه) والبناء على اليقين هو البناء على الأقل. احتج الشيخ (قدس سره) بما

(1) الكافي ج 4 ص 416 والوسائل الباب 33 من الطواف
(2) التهذيب ج 5 ص 110 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(3) الفقيه ج 2 ص 249 والوسائل الباب 33 من الطواف.
232

رواه عن محمد بن مسلم (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل طاف بالبيت فلم يدر أستة طاف أو سبعة طواف فريضة. قال:
فليعد طوافه. قيل: إنه قد خرج وفاته ذلك؟ قال: ليس عليه شئ) وعن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) (في رجل لم يدر
أستة طاف أو سبعة. قال: يستقبل) وعن حنان بن سدير (3)
قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجل طاف
فأوهم فقال إني طفت أربعة وقال: طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
أي الطوافين طواف نافلة أم طوا فريضة؟ ثم قال: إن كان طواف
فريضة فليلق ما في يديه وليستأنف، وإن كان طواف نافلة واستيقن الثلاث
وهو في شك من الرابع أنه طاف فليبن على الثالث فإنه يجوز له)
والجواب عن هذه الروايات: (أولا) بالطعن في السند، بأن في طريق
الأولى عبد الرحمان بن سيابة وهو مجهول، وفي طريق الثانية النخعي وهو مشترك
وراوي الثالثة وهو حنان بن سدير قال الشيخ (قدس سره) إنه واقفي.
(وثانيا) بامكان الحمل على الاستحباب كما يدل عليه قوله في صحيحة
منصور: (والإعادة أحب إلى وأفضل) وكيف كان فينبغي القطع بعدم
وجوب العود لاستدراك الطواف مع عدم الاستئناف كما تضمنته الأخبار
المستفيضة. انتهى كلامه (زيد مقامه).
وفيه نظر من وجوه: الأول - أن ما استدل به من صحيحة منصور فهي
بالدلالة على القول الأول أشبه، إذ أقصى ما تدل عليه أنه لا شئ عليه بعد

(1) التهذيب ج 5 ص 110 والوسائل الباب 33 من الطواف
(2) التهذيب ج 5 ص 110 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(3) التهذيب ج 5 ص 111 والوسائل الباب 33 من الطواف.
233

الذهاب. وهذا من ما لا نزاع فيه كما أشار إليه في آ خر كلامه من قوله:
(كيف كان فينبغي القطع بعدم وجوب العود.. إلى آخره) ومحل
الخلاف إنما هو مع الحضور هل يجب عليه الاستئناف كما هو القول الأول
أو البناء على الأقل كما اختاره؟ والإمام (عليه السلام) في هذه الرواية
لما أخبره الراوي بأنه طاف طوافا آخر أنكر عليه بقوله: (هلا استأنفت)
يعني: أن الحكم الشرعي في هذه الصورة هو الاستئناف، غاية الأمر أنه لما أخبره
بأنه طاف وذهب وفات محل الاستئناف قال: (ليس عليك شئ). وقد
عرفت أنه مع الذهاب لا نزاع في المسألة، فقوله: (ليس عليك شئ)
لا دلالة فيه على ما ادعاه كما هو واضح. ومن ثم استدل العلامة (قدس سره)
في المنتهى بهذه الصحيحة على القول المشهور وهو الحق الواضح الظهور كما
أوضحناه وبيناه بما لا يشوبه شائبة القصور.
الثاني - أن ما استدل به من صحيحة رفاعة فإن فيه أن صورة ما في كتاب
من لا يحضره الفقيه (1) هكذا: وروى عنه رفاعة أنه قال (في رجل
لا يدري ستة طاف أو سبعة. قال: يبني على يقينه. وسئل عن رجل
لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة. قال: طواف نافلة أو فريضة؟ قال: أجبني
فيهما جميعا. قال: إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت، وإن كان
طواف فريضة فأعد الطواف، فإن طفت بالبيت طواف الفريضة ولم تدر
ستة طفت أو سبعة فأعد طوافك، فإن خرجت وفاتك ذلك فليس عليك
شئ) والمحدث الكاشاني في الوافي قد أورد هذه الجملة كما نقلناه، وقال
بعد ذلك: بيان: قوله: (يبني على يقينه) محمول على طواف النافلة كما
يظهر من آخر الحديث. وظاهره أن الجميع حديث واحد رواه رفاعة. وصاحب

(1) ج 2 ص 249 والوسائل الباب 33 من الطواف.
234

الوسائل أورده كذلك أيضا إلى قوله: (وإن كان طواف فريضة فأعد
الطواف) ولم يذكر ما بعده. والظاهر أنه فهم أن الزيادة من كلام
الصدوق (قدس سره) وذكر أنه في المقنع روى قوله: (وسئل عن رجل
.. إلى آخر ما ذكره) مرسلا. والظاهر أنه لأجل ذلك حكم
بكون هذه الزيادة من كلامه لا من الخبر. وظاهره أن قوله: (وسئل..)
غير داخل في خبر رفاعة. والشيخ الحسن في المنتقى نقل حديث رفاعة حسبما
نقله السيد هنا وقال بعده: قلت: وجه الجمع بين هذا الحديث والذي
قبله أن يحمل هذا على إرادة النافلة كما وقع التصريح به في جملة من
الأخبار الضعيفة. انتهى. وكيف كان فالواجب حمل هذا الخبر على ما ذكروه
من النافلة كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
الثالث - ما طعن به على رواية محمد بن مسلم - بأن في طريقها عبد الرحمان
ابن سيابة وهو مجهول - فالجواب عنه ما إفادة الشيخ حسن (قدس سره) في
كتاب المنتقى حيث قال بعد ذكر الخبر المذكور: هذا هو الموضع الذي
ذكرناه في مقدمة الكتاب أنه اتفق فيه تفسير عبد الرحمان بابن سيابة،
ولا يرتاب الممارس في أنه من الأغلاط الفاحشة وإنما هو ابن أبي نجران
لأن ابن سيابة من رجال الصادق (عليه لسلام) فقط، إذ لم يذكر في
أصحاب أحد ممن بعده ولا توجد له رواية عن غيره، وموسى بن القاسم
من أصحاب الرضا والجواد (عليهما السلام) فكيف يتصور روايته عنه،
وأما عبد الرحمان بن أبي نجران فهو من رجال الرضا والجواد (عليهما السلام)
ورواية موسى بن القاسم عنه معروفة مبينة في عدة مواضع، وروايته هو
عن حماد بن عيسى شائعة وقد مضى منهما اسناد عن قريب. وبالجملة فهذا
عند المستحضر من أهل الممارسة غني عن البيان. انتهى. والمحقق المذكور
235

عد الرواية في (صحي) وهو الصحيح عنده. هذا مع الاغماض عن
المناقشة في الطعن، لما عرفت في غير موضع من ما تقدم. وبالجملة فالخبر
المذكور صحيح صريح في المراد.
الرابع - ما طعن به في رواية معاوية بن عمار فإنه مع تسليم ما جرى
عليه من هذا الاصطلاح فهذا الخبر وإن رواه الشيخ (قدس سره) في
التهذيب (1) بهذا السند الذي فيه النخعي إلا أن ثقة الاسلام رواه عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عنه (عليه السلام) (2)
وهذا السند وإن كان حسنا بإبراهيم بن هاشم إلا أنه ذكر في غير موضع
من شرحه أنه لا يقصر عن الصحيح، فقال في شرح المصنف في قطع
الطواف لدخول البيت بعد نقل حسنه أبان بإبراهيم: فإن دخولها في قسم
الحسن بواسطة إبراهيم بن هاشم، وقد عرفت أن روايته لا تقصر عن
الصحيح كما بيناه مرارا. انتهى. أقول: وقد خالفه أيضا مرارا كما
أوضحناه في شرحنا على الكتاب من كتاب الطهارة والصلاة وحينئذ فتكون
الرواية لما ذكره هنا معتمدة حسنة كالصحيح عنده، فيجب العمل بها
وينتفى تطرق الطعن إليها.
الخامس - أن ما ادعاه - بعد طعنه في الأخبار المذكورة - من حملها
على الاستحباب ففيه:
(أولا): ما قدمناه في غير موضع من أنه وإن اشتهر هذا الجمع بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) إلا أنه لا دليل عليه من سنة ولا كتاب.
وقد تقدم الكلام في ذلك موضحا منقحا بما يعني عن الإعادة في الباب.

(1) ج 5 ص 110 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(2) الكافي ج 4 ص 416 والوسائل الباب 33 من الطواف.
236

و (ثانيا): أنك قد عرفت بما حققناه وتبينت بما أوضحناه أنه
لا دليل على ما ادعاه من القول المذكور بالكلية ليحتاج إلى تأويل هذه الأخبار، فإنه ليس إلا صحيحة رفاعة المجملة، والجمع بينها وبين هذه الأخبار الصحاح الصراح في وجوب الإعادة يقتضي حملها على النافلة كما
عرفت وتعرف.
السادس - أن من الأخبار الدالة على القول المشهور زيادة على ما تقدم
ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن منصور بن حازم (1) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر أستة
طاف أم سبعة. قال: فليعد طوافه. قلت: ففاته؟ قال: ما أرى عليه شيئا
والإعادة أحب إلي وأفضل).
وما توهمه في المدارك وقدمنا نقله عنه - من دلالة هذه الرواية على
استحباب الإعادة حيث جعلها مستندا لحملة الأخبار المتقدمة على الاستحباب -
ضعيف، لأن الإعادة التي جعلها (عليه السلام) أحب وأفضل إنما هي
بعد المفارقة إن أمكنه ذلك لا الإعادة مع الحضور، فإنه (عليه السلام)
بعد سؤال السائل أوجب عليه الإعادة، فلما أخبر السائل بأنه فاته ذلك
يعني بمفارقة ذلك المكان قال: (ما أرى عليه شيئا) وهذا مثل غيره من
أخبار المسألة الدالة على أنه مع المفارقة لا يجب عليه العود والإعادة، إلا أنه
في هذا الخبر جعل الإعادة مع الامكان أفضل.
وما رواه أيضا في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال: (سألته
عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة. قال:

(1) الكافي ج 4 ص 416 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 33 من الطواف
237

يستقبل قلت: ففاته ذلك؟ قال: ليس عليه شئ).
وعن أبي بصير (1) قال: (قلت: رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم
يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية؟ قال يعيد طوافه حتى يحفظ.. الحديث)
وعن أبي بصير (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل شك في طواف الفريضة. قال: يعيد كلما شك. قلت: جعلت
فداك شك في طواف النافلة؟ قال: يبني على الأقل).
وما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب (3) عن أحمد بن عمر المرهبي
عن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) قال: (قلت: رجل شك في
طوافه ولم يدر أستة طاف أم سبعة؟ قال: إن كان في فريضة أعاد كل ما شك
فيه، وإن كان في نافلة بنى على ما هو أقل).
وبالجملة فإنه لا دليل لهذا القول الثاني في الأخبار التي وصلت إلينا إلا
أنه مذكور في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال (عليه السلام): (وإن
شككت فلم تدر سبعة طفت أم ثمانية وأنت في الطواف فابن على السبعة
واسقط واحد واقطعه، وإن لم تدر ستة طفت أم سبعة فأتمها بواحدة)
وهو ظاهر الدلالة على القول المذكور.
وهذا هو مستند الشيخ علي بن بابويه كما عرفت من ما تقدم في غير
موضع، ولو نقلت عبارته في الرسالة لعرفت أنها عين عبارة الكتاب المذكور.
هذا كله في الشك في الفريضة، وأما في النافلة فإنه يبني على الأقل

(1) الوسائل الباب 23 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 33 من الطواف.
(3) ج 5 ص 110 والوسائل الباب 33 من الطواف.
(4) ص 27 و 28
238

استحبابا وإن تخير، كما يدل عليه الخبر المتقدم نقله (1) عن الصدوق
(قدس سره) في من لا يحضره الفقيه عن رفاعة كما هو أحد الاحتمالين
المتقدمين، أو هو خبر مرسل مستقل كما هو الاحتمال الآخر. ونحوه من
الأخبار المتقدمة.
المسألة التاسعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه إذا حاضت المرأة في أثناء الطواف قطعته وانصرفت، فإن كان ما طافته
أكثر من النصف بنت عليه متى طهرت، وإن كان أقل استأنفت، وإليه ذهب
الشيخان والشيخ علي بن بابويه، ولابنه قولان: هذا أحدهما ذكرة في المقنع
ثم قال فيه (2): وروي: أنه إن كانت طافت ثلاثة أشواط أو أقل ثم
رأت الدم حفظت مكانها، فإذا طهرت طافت منه واعتدت بما مضى.
والثاني في كتاب من لا يحضره الفقيه (3) قال: وروى حريز عن
محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت
ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما قال: تحفظ مكانها فإذا طهرت
طافت منه واعتدت بما مضى) وروى العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) مثله. قال: وبهذا الحديث أفتى دون الحديث الذي
رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن من سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت. قال: تتم طوافها
وليس عليها غيره ومتعتها تامة، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة لأنها
زادت على النصف، وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج، وإن هي لم

(1) ص 234.
(2) ص 22 الطبع القديم.
(3) ج 2 ص 241 والوسائل الباب 85 من الطواف.
239

تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج
إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر. قال لأن هذا الحديث اسناده منقطع
والحديث الأول رخصة ورحمة واسناده متصل. انتهى.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة زيادة على هذين
الخبرين ما رواه في الكافي (1) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين الصفا والمروة
فجازت النصف فعلمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها
من الموضع الذي علمته، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها
أن تستأنف الطواف من أوله).
وعن أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) قال:
(سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت. قال: إذا حاضت
المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت
ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها
أن تستأنف الطواف من أوله).
وما رواه الشيخ في التهذيب (3) عن ابن مسكان عن إبراهيم بن أبي
إسحاق عن سعيد الأعرج قال: (سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن امرأة
طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت. قال: تتم طوافها
فليس عليها غيره ومتعتها تامة، فلها أن تطوف بين الصفا والمروة، وذلك
لأنها زادت على النصف، وقد مضت متعتها ولتستأنف بعد الحج).

(1) ج 4 ص 448 والسوائل الباب 85 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 85 من الطواف.
(3) ج 5 ص 393 والوسائل الباب 86 من الطواف.
240

وقال في كتاب الفقه (1): ومتى حاضت المرأة في الطواف خرجت من
المسجد فإن كانت طافت ثلاثة أشواط فعليها أن تعيد، وإن كانت طافت
أربعة أقامت على مكانها، فإذا طهرت بنت وقضت ما بقي عليها. ولا تجوز
على المسجد حتى تتيمم وتخرج منه، وكذلك الرجل إذا أصابته علة وهو
في الطواف لم يقدر على اتمامه، خرج وأعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه،
فإن جاوز نصفه فعليه أن يبني على ما طاف. انتهى.
أقول: وهذه الأخبار كلها - ما عدا صحيحة محمد بن مسلم التي استند إليها
الصدوق - صريحة الدلالة واضحة المقالة في أن البناء إنما هو بعد تجاوز
النصف، والشيخ (قدس سره) حمل صحيحة محمد بن مسلم على طواف
النافلة جمعا بين الأخبار. وهو جيد. وما استند إليه الصدوق (قدس سره) -
من أن حديث إبراهيم بن إسحاق الذي ذكره اسناد منقطع - مردود بأن
الشيخ كما ذكرناه رواه متصلا وبين الواسطة وهي سعيد الأعرج، فزال
به الانقطاع الذي طعن به. وبالجملة فإن ما ذهب إليه (قدس سره)
ضعيف، للزوم طرح هذه الأخبار لو عملنا بخبره، ومتى عملنا بهذه الأخبار
فالوجه في خبره ما ذكره الشيخ (قدس سره).
أقول: ومن ما يؤيد أخبار القول المشهور أيضا ما رواه في الكافي والشيخ
في التهذيب في الصحيح عن ابن مسكان عن إسحاق بياع اللؤلؤ عن من سمع
أبا عبد الله (عليه السلام) (2) يقول: (المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت
أربعة أشواط ثم رأت الدم فمتعتها تامة) وزاد في التهذيب: (وتقضي

(1) ص 30
(2) الكافي ج 4 ص 449 والتهذيب ج 5 ص 393 والوسائل الباب
86 من الطواف.
241

ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، وتخرج إلى منى قبل أن
تطوف الطواف الآخر).
أقول: الظاهر أن المراد بالطواف الآخر قضاء ما بقي من الطواف الذي
قطعته بعد الخروج إلى منى متى كان الحيض باقيا. وقد تقدم لنا تحقيق زائد
على ما ذكرناه في هذه المسألة في أبحاث المقدمة الرابعة فليراجع.
المسألة العاشرة - قال الشيخ (قدس سره) في النهاية: لا يجوز للرجل
أن يطوف وعليه برطلة. وقال في التهذيب: يكره للرجل أن يطوف وعليه برطلة
وقال ابن إدريس إنه مكروه في طواف الحج محرم في طواف العمرة، وإلى
هذا القول مال أكثر المتأخرين، قالوا: لأنه في طواف العمرة قد غطى رأسه
وهو محرم، وفي طواف الحج لا مانع من تغطيته فلا موجب للتحريم. والبرطلة
على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) بضم الياء الموحدة واسكان
الراء وضم الطاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة: قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما.
وفي كتاب مجمع البحرين: البرطلة بالضم: قلنسوة، وربما تشدد. وفيه دلالة
على ورودها بالتخفيف أيضا.
والأصل في هذه المسألة ما رواه في الكافي (1) عن زياد بن يحيى الحنظلي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا تطوفن بالبيت وعليك برطلة))
وعن يزيد بن خليفة (2) قال: رآني أبو عبد الله (عليه السلام) أطوف
حول الكعبة وعلي برطلة، فقال لي بعد ذلك: قد رأيتك تطوف حول الكعبة
وعليك برطلة، لا تلبسها حول الكعبة فإنها من زي اليهود) ورواه الصدوق

(1) ج 4 ص 427 والوسائل الباب 67 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 134 والوسائل الباب 67 من الطواف.
242

(قدس سره) أيضا (1).
أقول: أماما ذكره ابن إدريس (قدس سره) من التحريم في طواف
العمرة للعلة التي ذكروها فهي لا تختص بالبرطلة، والنهي عن لبسها قد
ظهر وجهه من هذا الخبر الأخير. وهو مشعر بالكراهة. وظاهر الخبر
المذكور كراهة لبسها مطلقا، حيث علل ذلك بكونها من زي اليهود. وأظهر
منه صحيحة هشام بن الحكم أو حسنته المروية في الكافي (2) عن
أبي عبد الله
(عليه السلام) (أنه كره لباس البرطلة).
المسألة الحادية عشرة - المريض لا يسقط عنه الطواف بل يطاف به إن
أمكن وإلا طيف عنه.
ويدل على الحكم الأول ما رواه في الكافي (3) عن الربيع بن خيثم
قال: (شهدت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يطاف به حول الكعبة في
محمل وهو شديد المرض، فكان كلما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه على
الأرض فأدخل يده في كوة المحمل حتى يجرها على الأرض، ثم يقول:
ارفعوني. فلما فعل ذلك مرارا في كل شوط قلت له: جعلت فداك
يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن هذا يشق عليك. فقال: إني
سمعت الله (عز وجل) يقول: ليشهدوا منافع لهم (4) فقلت: منافع

(1) الفقيه ج 2 ص 255 والوسائل الباب 67 من الطواف.
(2) الفروع ج 2 ص 213 والوسائل الباب 42 من لباس المصلي و 31
من أحكام الملابس.
(3) ج 4 ص 422 والتهذيب ج 5 ص 122 والوسائل الباب 47 من
الطواف الرقم 8. لاحظ التعليقة في الوسائل الحديثة
(4) سورة الخج الآية 28.
243

الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال: الكل).
وروى في من لا يحضره الفقيه (1) عن أبي بصير (أن أبا عبد الله
(عليه السلام) مرض فأمر غلمانه أن يحملوه ويطوفوا به، فأمرهم أن
يخطوا برجله الأرض حتى تمس الأرض قدماه في الطواف).
وروى في التهذيب (2) في الصحيح عن صفوان بن يحيى قال: (سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل المريض يقدم مكة، فلا يستطيع
أن يطوف بالبيت ولا يأتي بين الصفا والمروة. قال: يطاف به محمولا
يخطو الأرض برجليه حتى تمس الأرض قدميه في الطواف، ثم يوقف به
في أصل الصفا والمروة إذا كان معتلا).
وعن حريز في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(سألته عن الرجل يطاف به ويرمى عنه؟ قال: فقال: نعم إذا كان لا يستطيع).
ويدل على الحكم الثاني ما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) أنه قال: (للبطون
والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما).
وفي الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (المريض
المغلوب والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه)).
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (6)

(1) ج 2 ص 251 والوسائل الباب 47 من الطواف.
(2) ج 5 ص 123 والوسائل الباب 47 من الطواف.
(3) التهذيب ج 5 ص 123 والوسائل الباب 47 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 49 من الطواف.
(5) الوسائل الباب 49 من الطواف.
(6) الكافي ج 4 ص 422 والوسائل الباب 49 من الطواف الرقم 3.
244

قال: (المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما الجمار).
وعن حبيب الخثعمي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يطاف عن المبطون والكسير).
وعن يونس بن عبد الرحمان البجلي (2) قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام)
- أو كتبت إليه - عن سعيد بن يسار أنه سقط من جملة فلا يستمسك بطنه
أطوف عنه وأسعي؟ قال: لا ولكن دعه فإن برء قضى هو وإلا فاقض
أنت عنه).
وبالجملة فالطواف عنه دائر مدار عدم إمكان الطواف به بعد التربص
لبرؤه إن لم يضق الوقت عن ذلك، وعدم إمكان الطواف به إما لكونه لا
يستمسك طهارته أو كونه مغلوبا عليه أو نحو ذلك.
ولا يجوز الطواف عن الغير بغير علة مع حضوره. ويدل عليه ما رواه
في الكافي (3) في الصحيح أو الحسن عن إسماعيل بن عبد الخالق قال:
(كنت إلى جنب أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده ابنه عبد الله وابنه
الذي يليه، فقال له رجل: أصلحك الله يطوف الرجل عن الرجل وهو مقيم
بمكة ليس به علة؟ فقال: لا لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلانا فطاف
عني. سمى الأصغر وهم يسمعان).
المسألة الثانية عشرة - قال الشيخ (قدس سره): من نذر أن يطوف على أربع
كان عليه أن يطوف طوافين: أسبوعا ليديه وأسبوعا لرجليه. وقال
ابن إدريس: لا ينعقد هذا النذر. وقال في الشرائع بعد نقل القولين

(1) التهذيب ج 5 ص 124 والوسائل الباب 49 من الطواف
(2) التهذيب ج 5 ص 124 والوسائل الباب 45 من الطواف.
(3) ج 4 ص 422 و 423 والوسائل الباب 51 من الطواف.
245

المذكورين وربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد
النقل. وقال في المنتهى: الذي ينبغي الاعتماد عليه بطلان النذر في حق
الرجل والتوقف في حق المرأة، فإن صح سند الخبرين قيل بموجبهما وإلا
بطل كالرجل.
احتج الشيخ (قدس سره) بما رواه عن السكوني عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة
نذرت أن تطوف على أربع. قال: تطوف أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها).
وعن أبي الجهم عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم
السلام) (2) أنه قال: (في امرأة نذرت أن تطوف على أربع. قال: تطوف
أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها).
احتج ابن إدريس ومن اقتفاه من المتأخرين بأن النذر المذكور غير
منعقد لكونه غير مشروع، ومن شرط انعقاد النذر أن يكون مشروعا قبل
النذر، وبموجب ذلك يجب الحكم ببطلانه، المتأخرون العاملون بهذا
الاصطلاح المحدث، لما كان النذر كما ذكره ابن إدريس والخبران ضعيفان
باصطلاحهم - فلا يصلحان لتخصيص القاعدة المذكورة اطرحوهما. وأما
من لا يرى العمل بالاصطلاح المذكور فإنه يخصص القاعدة المذكورة بهما
وهو المختار، كما خصصت بالاحرام قبل الميقات لمن نذره، للأخبار الواردة

(1) الكافي ج 4 ص 430 والتهذيب ج 5 ص 135 والفقيه ج 2 ص
308 والوسائل الباب 70 من الطواف.
(2) الكافي ج 4 ص 429 والتهذيب ج 5 ص 135 والوسائل الباب 70
من الطواف.
246

بذلك (1) فكذا هنا للخبرين المذكورين. نعم تلك الأخبار الواردة بالاحرام
قبل الميقات فيها ما هو صحيح باصطلاحهم دون هذه، ولذا قال بذلك
الأكثر منهم، وابن إدريس أيضا ثمة كما تقدم ذكره في موضعه.
قال في الدروس: لو عجز إلا عن المشي على الأربع فالأشبه فعله، ويمكن
ترجيح الركوب لثبوت التعبد به اختيارا،
قال في المدارك بعد نقله عنه: ولا ريب في ترجيح الركوب وإن لم
يثبت التعبد به اختيارا، لتعينه في حق المعذور قطعا.
أقول: ما ذكره جيد، إلا أنه يحتمل بناء على العمل بالروايتين
المذكورتين الاجتزاء بالطواف على أربع، لدلالتهما على انعقاد نذره، غاية
الأمر أنه مع القدرة على المشي أوجب عليه طوافين ماشيا: أحدهما ليديه
والآخر لرجليه، ففيهما دلالة على مشروعية الطواف على أربع مع تعذر
المشي في الجملة. والاحتياط في الجمع بين الطواف على أربع والطواف
راكبا. ولله العالم.
المسألة الثالثة عشرة -. الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو حمل محرم محرما
فطاف به ونوى كل منهما الطواف أجزأ.
وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار: منهما: ما رواه في الكافي في الصحيح
أو الحسن والشيح في التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) (في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به، هل
يجزي ذلك عنها وعن الصبي؟ فقال: نعم).

(1) الوسائل الباب 13 من المواقيت.
(2) الكافي ج 4 ص 429 والتهذيب ج 5 ص 125 والوسائل الباب 5
من الطواف.
247

وما رواه في التهذيب (1) في الصحيح عن الهيثم بن عروة التميمي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت له: إني حملت امرأتي ثم طفت
بها وكانت مريضة، وقلت له: إني طفت بها بالبيت في طواف الفريضة
وبالصفا والمروة واحتسبت بذلك لنفسي فهل يجزئني؟ قال: نعم).
وعن محمد بن الهيثم التميمي عن أبيه (2) قال: (حججت بامرأتي
وكانت قد أقعدت بضع عشرة سنة، قال: فلما كان في الليل وضعتها في شق
محمل وحملتها أنا بجانب المحمل والخادم بالجانب الآخر، قال: فطفت بها
طواف الفريضة وبين الصفا والمروة، واعتددت به أنا لنفسي، ثم لقيت
أبا عبد الله (عليه السلام) فوصفت له ما صنعته، فقال: قد أجزأ عنك).
وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن هيثم التميمي (3)
قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل كانت معه صاحبة
لا تستطيع القيام على رجلها. فحملها زوجها في محمل فطاف بها طواف الفريضة بالبيت
وبالصفا والمروة، أيجزئه ذلك الطواف عن نفسه طوافه بها؟ فقال: (أيها الله إذا).
قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر: هذه الكلمة وجدت في الكافي
والفقيه بهذه الصورة، ولعل الصواب في كتابتها (أي ها الله ذا) والمراد: نعم
والله يجزئه هذا. قال في الصحاح: (ها) للتنبيه وقد يقسم بها كما يقال:
(لاها الله ما فعلت) معناه (لا والله) أبدلت الهاء من الواو، وإن شئت
حذفت الألف التي بعد الهاء وإن شئت أثبت، وقولهم: (لاها الله ذا) أصله

(1) ج 5 ص 125 والوسائل الباب 50 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 298 والوسائل الباب 50 من الطواف.
(3) الكافي ج 4 ص 428 والفقيه ج 2 ص 254 والوسائل الباب 50
من الطواف.
248

(لا والله هذا) ففرقت بين (ها) و (ذا)) وجعلت الاسم بينهما
وجررته بحرف التنبيه، والتقدير (لا والله ما فعلت هذا) فحذف واختصر
لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم، وقدم (ها) كما قدم في قولهم (ها هو ذا
وها أنا ذا) وقال الرضي: ويفصل بين اسم الإشارة وبين (ها) بالقسم
نحو (ها الله ذا) قال: ويجب جر لفظة (الله) لنيابة (ها) عن الجار.
وقال في القاموس: (ها) للتنبيه، وتدخل على اسم الله في القسم عند
حذف الحرف يقال (ها الله) بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع اثبات
ألفها وحذفها. قيل: ويحتمل أن يكون (أيها) كلمة واحدة، قال في
الغريبين: (أيها) تصديق وارتضاء كأنه قال: صدقت. أقول: ويشكل حينئذ
تصحيح ما بعدها، والظاهر أن وصلها تصحيف. وكذلك (إذا) في مكان (ذا)
وربما يوجد في بعض النسخ (إذن) بالنون ويمكن تصحيحها بأن (إذن) هو (إذ) الظرفية
والتنوين فيه عوض عن المصاف إليه، فيصير المعنى هكذا: نعم والله يجزئه إذا
كان كذا. وبهذا تصحح (إذا). والأخبار الآتية كلها تعطي الاجزاء
انتهى. وإنما أطلنا بنقله لما يتضمنه من التنبيه على فائدة لطيفة.
المسألة الرابعة عشرة - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه
لا بأس بأن يعول الرجل على غيره في احصاء عدد الطواف.
ويدل على ذلك ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن
سعيد الأعرج (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الطواف
أيكتفي الرجل باحصاء صاحبه؟ فقال: نعم)).
وروى الصدوق (قدس سره) بإسناده عن ابن مسكان عن الهذيل عن
أبي عبد الله

(1) الكافي ج 4 ص 427 والتهذيب ج 5 ص 134 والفقيه ج 2 ص
255 والوسائل الباب 66 من الطواف.
249

(عليه السلام) (1) (في الرجل يتكل على عدد صاحبته في الطواف أيجزئه
عنهما وعن الصبي؟ فقال: نعم، ألا ترى أنك تأتم بالإمام إذا صليت
خلفه، فهو مثله) قال في الوافي: (عنهما) بدل من البارز في (يجزئه)
وإنما أبدل عنه ليعطف عليه (وعن الصبي).
ولو اختلفوا انفرد كل واحد بحكم نفسه. ويدل على ذلك ما رواه في
الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن صفوان (2) قال: (سألته عن
ثلاثة دخلوا في الطواف فقال واحد منهم لصاحبه: تحفظوا الطواف. فلما
ظنوا أنعم قد فرغوا قال واحد: معي سبعة أشواط وقال الآخر: معي
ستة أشواط. وقال الثالث: معي خمسة أشواط. قال: إن شكوا كلهم
فليستأنفوا، وإن لم يشكوا وعلم كل واحد ما في يده فليبنوا). ومعناه أن
ما يذكره كل واحد منهم من العدد الذي معه، إن كان عن يقين منه
بنى عليه وصح طوافه إن كان ما في يده تمام العدد الواجب وإلا أتمه، وإن
كان عن شك أعاد.
وقد تقدمت جملة من الأحكام المتعلقة بالطواف في المقدمات من الباب
الأول فلا وجه لا عادتها.

(1) الفقيه ج 2 ص 254 و 255 والوسائل الباب 66 من الطواف،
والوافي باب (الاتكال على الغير في الطواف).
(2) الكافي ج 4 ص 429 والتهذيب ج 5 ص 134 و 469 والوسائل
الباب 66 من الطواف والوافي باب (الاتكال على الغير في الطواف) ولم يرد في الفقيه.
250

خاتمة
تشتمل على جملة من نوادر الطواف:
روى المشايخ الثلاثة (عطر الله تعالى مراقدهم) في الصحيح عن معاوية
ابن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (يستحب أن تطوف
ثلاثمائة وستين أسبوعا عدد أيام السنة، فإن لم تستطع فثلاثمائة وستين
شوطا، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف).
ومقتضى استحباب ثلاثمائة وستين شوطا أن يكون الطواف الأخير
عشرة أشواط. وقد قطع الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا بعدم
الكراهة، لظاهر النص المذكور. ونقل العلامة في المختلف عن ابن زهرة
أنه يستحب زيادة أربعة أشواط ليصير الأخير طوافا كاملا، حذرا من
كراهة القران، ولو يوافق عدد أيام السنة الشمسية. ونفى عنه البأس في
المختلف، ولا ريب في حصول البأس فيه، لخروجه عن مقتضى الخبر المذكور
على أن القران المختلف في كراهته وتحريمه إنما هو الاتيان بأسبوع كامل مع
الطواف الأول - كما دلت عليه الأخبار المذكورة ثمة - لا مجرد زيادة
شوط أو شوطين مثلا.
وفي كتاب الفقه الرضوي (2): ويستحب أن يطوف الرجل بمقامه بمكة ثلاثمائة
وستين أسبوعا بعدد أيام السنة، فإن لم يقدر عليه طاف ثلاثمائة وستين شوطا

(1) الكافي ج 4 ص 429 والتهذيب ج 5 ص 135 و 471 والفقيه
ج 2 ص 255 والوسائل الباب 7 من الطواف.
(2) ص 27.
251

وروى الشيخ في التهذيب (1) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (يستحب أن يطاف بالبيت عدد أيام السنة، كل أسبوع لسبعة أيام
فذلك اثنان وخمسون أسبوعا).
أقول: ظاهر هذا الخبر لا يخل من الاشكال لأنه بمقتضى ما تقدم من
أن عدد السنة ثلاثمائة وستون يوما فمتى طاف لكل يوم شوطا يكون
عدد الأسابيع أحدا وخمسين أسبوعا وزيادة ثلاثة أشواط. اللهم إلا أن يحمل
على ما ذكروه من عدد السنة الشمسية كما تقدم، فيصير مؤيدا لما نقل عن
ابن زهرة. ولا يخلو من بعد.
وروى في الكافي (2) عن علي بن ميمون الصائغ قال: (قدم رجل
على علي بن الحسين (عليها السلام) فقال: قدمت حاجا؟ فقال: نعم.
فقال: أتدري ما للحاج؟ قال: لا. قال: من قدم حاجا وطاف بالبيت
وصلى ركعتين كتب الله له سبعين ألف حسنة، ومحا عنه سبعين ألف سيئة
ورفع له سبعين ألف درجة، وشفعه في سبعين ألف حاجة وكتب له عتق
سبعين ألف رقبة قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم) ورواه في من
لا يحضره الفقيه (3) مرسلا عنه (عليه السلام).
وروى في التهذيب عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
في حديث أنه قال: (يا أبان هل تدري ما ثواب من طاف بهذا البيت
أسبوعا؟ فقلت: لا والله ما أدري قال: يكتب له ستة آلاف حسنة وتمحى

(1) ج 5 ص 471 والوسائل الباب 7 من الطواف.
(2) ج 4 ص 411 والوسائل الباب 4 من الطواف.
(3) ج 2 ص 133 و 134 والوسائل الباب 4 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 4 نم الطواف.
252

عنه ستة آلاف سيئة، وترفع له ستة آلاف درجة) قال: وروى إسحاق
ابن عمار: وتقضى له ستة آلاف حاجة.
وروى في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (كان أبي يقول: من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى
ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة، ومحا عنه ستة
آلاف سيئة، ورفع له ستة آلاف درجة، وقضى له ستة آلاف حاجة، فما
عجل منها فبرحمة الله وما أخر منها فشوقا إلى دعائه).
وروى في الكافي ومن لا يحضره الفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (من أقام بمكة سنة فالطواف
أفضل له من الصلاة، ومن أقام سنتين خلط من ذا ومن ذا، ومن أقام ثلاث
سنين كانت الصلاة أفضل له من الطواف) ورواه في التهذيب (3) في الصحيح
عن حفص بن البختري وحماد وهشام بن الحكم عنه (عليه السلام).
وروى في الكافي (4) في الصحيح أو الحسن عن حريز عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: (الطواف لغير أهل مكة أفضل من الصلاة،
والصلاة لا هل مكة أفضل).
وروى في التهذيب (5) في الصحيح عن حريز قال: (سألت

(1) الوسائل الباب 4 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 9 من الطواف.
(3) ج 5 ص 447 والوسائل الباب 9 من الطواف.
(4) ج 4 ص 412 والوسائل الباب 9 من الطواف. راجع التعليقة
في الوسائل الحديثة.
(5) ج 5 ص 446 والوسائل الباب 9 من الطواف.
253

أبا عبد الله (عليه السلام) عن الطواف لغير أهل مكة ممن جاور بها أفضل
أو الصلاة؟ فقال: الطواف للمجاورين أفضل، والصلاة لا هل مكة
والقاطنين بها أفضل من الطواف).
أقول: ويمكن أن يستنبط من حديث هشام المتقدم بمعونة هذين الخبرين
المذكورين بعده أن حكم المجاور إنما ينتقل إلى أهل مكة ويصير حكمه
حكمهم في السنة الثالثة. وقد تقدم اختلاف الأخبار في ذلك.
وروى في الكافي (1) عن ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (طواف قبل الحج أفضل من سبعين طوافا بعد الحج) أقول: الظاهر
أن المراد الطواف في عشر ذي الحجة قبل الحج كما ينبه عليه الخبر الآتي.
وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه (2) قال: (طواف في العشر أفضل
من سبعين طوافا في الحج) أقول: وذلك لما لهذه العشرة عند الله (عز وجل)
من الفضل والمزية.
وروى في الكافي ومن لا يحضره الفقيه (3) قال: (سأل أبان أبا عبد الله
(عليه السلام): أكان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) طواف يعرف به؟
فقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطوف بالليل والنهار عشرة
أسابيع: ثلاثة أول الليل وثلاثة آخر الليل واثنين إذا أصبح واثنين
بعد الظهر، وكان في ما بين ذلك راحته).
وعن حماد بن عيسى عن من أخبره عن العبد الصالح (عليه السلام) (4)

(1) ج 4 ص 412 والوسائل الباب 10 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 8 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 6 من الطواف.
(4) الكافي ج 4 ص 412 والوسائل الباب 5 من الطواف.
254

قال: (دخلت عليه يوما وأنا أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة، فلما رأيته
عظم علي كلامه، فقلت له: ناولني يدك أو رجلك أقبلها.. الخبر) وقد تقدم في
الفصل الثاني من المقام الثاني في كيفية الطواف (1).
وعن زياد القندي (2) قال: (قلت لأبي الحسن (عليه السلام):
جعلت فداك إني أكون في المسجد الحرام وانظر إلى الناس يطوفون بالبيت
وأنا قاعد فاغتم لذلك. فقال: يا زياد لا عليك، فإن المؤمن إذا خرج من
بيته يؤم الحج لا يزال في طواف وسعي حتى يرجع).
أقول: لعل الرجل المذكور كان له عذر عن الطواف فيغتم لذلك
فسلاه (عليه السلام) بما ذكره.
وروى في الكافي ومن لا يحضره الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (دع الطواف وأنت تشتهيه).
وروى في الكافي عن رفاعة (4) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يطوف بالبيت ويسعى أيتطوع بالطواف قبل أن يقصر؟ قال: ما يعجبني)
وروى في التهذيب عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
قال: (لا يطوف المعتمر بالبيت بعد طواف الفريضة حتى يقصر).
وفي الكافي عن أبي بصير (6) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام) من وصل أبا أو ذا

(1) ص 124 و 125.
(2) الكافي ج 4 ص 428 والوسائل الباب 38 من وجوب الحج وشرائطه.
(3) الوسائل الباب 46 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 83 من الطواف.
(5) الوسائل الباب 83 من الطواف والباب 9 من التقصير.
(6) الوسائل الباب 18 من النيابة في الحج والباب 51 من الطواف.
255

قرابة له فطاف عنه كان له أجره كاملا، وللذي طاف عنه مثل أجره، ويفضل
هو بصلته إياه بطواف آخر..).
وفي الكافي عن الحسن بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يحدث عطاء قال: كان طول سفينة
نوح ألف ومأتي ذراع وعرضها ثمانمائة ذراع وطولها في السماء مأتي ذراع،
وطافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثم استوت على الجودي).
البحث الثالث في السعي
والكلام في مقدماته وكيفيته وأحكامه يقتضي بسطه في مطالب ثلاثة:
الأول - في المقدمات وهي عشرة، وكلها مندوبة منها: الطهارة، واستحبابها
هو الأشهر الأظهر، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع
عليه، بل قال: و؟ هو قول عامة أهل العلم. ونقل عن ابن أبي عقيل أنه قال:
لا يجوز الطواف والسعي بين الصفا والمروة إلا بطهارة.
ويدل على القول المشهور أصالة البراءة من ما لم يقم على وجوبه دليل.
وما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (لا بأس أن تقضي المناسك كلها
على غير وضوء إلا الطواف، فإن فيه صلاة، والوضوء أفضل على كال حال)

(1) الوسائل الباب 1 من الطواف.
(2) التهذيب ج 5 ص 154 والاستبصار ج 2 ص 241 والفقيه ج 2
ص 250 والوسائل الباب 5 من الوضوء والباب 38 من الطواف والباب 15
من السعي.
256

وفي الصحيح عن رفاعة بن موسى (1) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
أشهد شيئا من المناسك وأنا على غير وضوء؟ قال: نعم إلا الطواف بالبيت،
فإن فيه صلاة).
وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (سألته عن
الرجل يسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء. فقال: لا بأس).
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن امرأة طافت بين الصفا والمروة فحاضت بينهما. قال: تتم سعيها).
وما رواه الصدوق (قدس سره) في الحسن عن صفوان عن يحيى
الأزرق (4) قال: (قلت لأبي الحسن (عليه السلام): الرجل يسعى
بين الصفا والمروة ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يبول، أيتم سعيه بغير
وضوء؟ قال: لا بأس، ولو أتم نسكه بوضوء كان أحب إلي).
ويدل على ما ذهب إليه ابن أبي عقيل ما رواه الكليني (قدس سره) في
الموثق عن ابن فضال (5) قال: (قال أبو الحسن (عليه السلام):
لا تطوف ولا تسعى إلا على وضوء).

(1) الوسائل الباب 15 من السعي.
(2) الوسائل الباب 15 من السعي.
(3) الوسائل الباب 89 من الطواف والباب 15 من السعي.
(4) الفقيه ج 2 ص 250 والكافي ج 4 ص 438 والتهذيب ج 5 ص
154 والوسائل الباب 15 من السعي.
(5) الكافي ج 4 ص 438 والتهذيب ج 5 ص 154 والوسائل الباب 15
من السعي.
257

وعن الحلبي في الصحيح (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن المرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض. قال: لا إن الله (وجل)
يقول: إن الصفا والمروة من شعائر الله) (2).
وروى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه السلام) (3) قال:
(سألته عن الرجل يصلح أن يقضي شيئا من المناسك وهو على غير وضوء
قال: لا يصلح إلا على وضوء).
والجواب: الحمل على الاستحباب كما تضمنته جملة من الأخبار المتقدمة.
ومنها - استلام الحجر، والشرب من زمزم، والصب على الجسد من
مائها من الدلو المقابل للحجر.
ويدل على هذه الجملة جملة من الأخبار: منها - صحيحة معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (إذا فرغت من الركعتين
فأت الحجر الأسود فقبله واستلمه أو أشر إليه، فإنه لا بد من ذلك. وقال:
إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل. وتقول
حين تشرب: اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء
وسقم. قال: وبلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال حين نظر إلى
زمزم: لولا أن أشق على أمتي لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبين).

(1) الوسائل الباب 87 من الطواف والباب 15 من السعي. راجع
التعليقة في الوسائل الحديثة.
(2) سورة البقرة الآية 158.
(3) الوسائل الباب 15 من السعي.
(4) الوسائل الباب 2 من السعي.
258

قال في الوافي (1): الذنوب بفتح المعجمة: الدلو الملأى ماء، والمراد بأخذها إما
استعمالها جميعا في الشرب والصب أو استصحابها معه إلى بلده.
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(إذا فرغ الرجل من طوافه وصلى ركعتين، فليأت زمزم وليستق منها
ذنوبا أو ذنوبين، وليشرب منه، وليصب على رأسه وظهره وبطنه، ويقول: اللهم
اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم. ثم يعود إلى
الحجر الأسود).
وروى الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن ابن أبي عمير عن
حفص بن البختري عن أبي الحسن (عليه السلام) وابن أبي عمير عن
حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (يستحب أن تستقي
من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه وتصب على رأسك وجسدك، ليكن
ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر).
ومنها - الخروج إلى الصفا من الباب المقابل للحجر على سكينة ووقار.
ويدل عليه ما رواه في الكافي (4) في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن
عبد الحميد بن سعيد قال: (سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن
باب الصفا، قلت: إن أصحابنا قد اختلفوا فيه، بعضهم يقول الذي يلي

(1) باب (استلام الحجر والشرب من زمزم).
(2) الكافي ج 4 ص 430 والتهذيب ج 5 ص 144 والوسائل الباب 2
من السعي.
(3) التهذيب ج 5 ص 145 والوسائل الباب 2 من السعي.
(4) ج 4 ص 432 والوسائل الباب 3 من السعي.
259

السقاية، وبعضهم يقول الذي يلي الحجر. فقال: هو الذي يلي الحجر،
والذي يلي السقاية محدث صنعه داود أو فتحه داود) ورواه الصدوق
(قدس سره) بإسناده عن صفوان (1).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
(أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين فرغ من طوافه وركعتيه قال:
ابدأوا بما بدأ الله (عز وجل) به من اتيان الصفا، إن الله (عز وجل)
يقول: إن الصفا والمروة من شعائر الله (3) قال أبو عبد الله (عليه السلام)
ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي وعليك السكينة
والوقار.. الحديث).
قال في المدارك: واعلم أن الباب الذي خرج منه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قدر صار الآن في داخل المسجد باعتبار توسعته. لكن قال الشهيد (قدس سره)
في الدروس: إنه معلم بأسطوانتين معروفتين فليخرج من بينهما. قال والظاهر
استحباب الخروج من الباب الموازي لهما. انتهى. ونحو ذلك قال في المسالك.
ومنها - استحباب الصعود على الصفا حتى يرى البيت، واستقبال الركن
الذي فيه الحجر،
والدعاء بالمأثور، والتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح

(1) الفقيه ج 2 ص 256 والتهذيب ج 5 ص 145 والوسائل الباب 3
من السعي.
(2) الكافي ج 4 ص 431 والتهذيب ج 5 ص 145 و 146 والوسائل الباب
3 و 6 و 4 من السعي.
(3) سورة البقرة الآية 158.
260

مائة مائة، والوقوف بقدر قراءة سورة البقرة.
ويدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) في حديث قال: (فاصعد على الصفا حتى
تنظر إلى البيت وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود، فاحمد الله (عز وجل)
واثن عليه، ثم اذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على
ذكره، ثم كبر الله (تعالى) سبعا واحمده سبعا، وهلله سبعا، وقل:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت،
وهو حي لا يموت وهو على كل شئ قدير (ثلا ث مرات)، ثم صل على النبي
(صلى الله عليه وآله) وقل: الله أكبر الحمد لله على ما هدانا، والحمد لله
على ما أولانا، والحمد لله الحي القيوم، والحمد لله الحي الدائم (ثلاث مرات)،
وقل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، لا نعبد إلا إياه
مخلصين له الدين ولو كره المشركون (ثلاث مرات) اللهم إني أسألك العفو
والعافية واليقين في الدنيا والآخرة (ثلاث مرا ت) اللهم آتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (ثلاث مرات) ثم كبر الله مائة
مرة، وهلله مائة مرة، واحمده مائة مرة، وسبحه مائة مرة، وتقول: إلا إله إلا الله
وحده أنجز وعده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد
وحده وحده، اللهم بارك لي في الموت وفي ما بعد الموت، اللهم إني أعوذ بك
من ظلمة القبر ووحشته، اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.
وأكثر من أن تستودع ربك دينك ونفسك وأهلك. ثم تقول: استودع الله

(1) الكافي ج 4 ص 431 والتهذيب ج 5 ص 145 و 146 والوسائل
الباب 3 و 6 و 4 من السعي.
261

الرحمان الرحيم الذي لا تضبع ودائعه ديني ونفسي وأهلي، اللهم استعملني
على كتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله) وتوفني على ملته وأعذني من
الفتنة. ثم تكبر ثلاثا ثم تعيدها مرتين ثم تكبر واحدة ثم تعيدها،
فإن لم تستطع هذا فبعضه. وقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة
مترسلا).
قال في المدارك: والظاهر أن المراد بقوله: (فاصعد على الصفا حتى
تنظر إلى البيت وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود فاحمد الله..) الأمر
بالصعود والنظر إلى البيت واستقبال الركن لا الصعود إلى أن يرى البيت
لأن رؤية البيت لا تتوقف على الصعود، ولصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (1)
قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن النساء يطفن على الإبل
والدواب أيجزئهن أن يقفن تحت الصفا والمروة؟ فقال: نعم بحيث يرين
البيت) وبما ذكرناه أفتى الشيخ في النهاية، فقال: إذا صعد على الصفا
نظر إلى البيت واستقبل الركن الذي فيه الحجر وحمد الله (تعالى).
ذكر
الشارح أن المستحب الصعود على الصفا بحيث يرى البيت، وأن ذلك يحصل
بالدرجة الرابعة. وهو غير واضح. انتهى.
أقول: ويؤيد ما ذكره (قدس سره) من استحباب رؤية البيت
والنظر إليه مرفوعة علي بن النعمان الآتية:
وروى في الكافي (2) عن علي بن النعمان يرفعه قال: (كان

(1) الوسائل الباب 17 من السعي.
(2) ج 4 ص 432 والتهذيب ج 5 ص 147 والوسائل الباب 4 من السعي.
262

أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم رفع يديه
ثم يقول: اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قط، فإن عدت فعد علي بالمغفرة
فإنك أنت الغفور الرحيم، اللهم افعل بي ما أنت أهله، فإنك إن تفعل
بي ما أنت أهله ترحمني، وإن تعذبني فأنت غني عن عذابي وأنا محتاج إلى
رحمتك، فيا من أنا محتاج إلى رحمته ارحمني، اللهم لا تفعل بي ما أنا أهله
فإنك إن تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولن تظلمني، أصبحت اتقي عدلك ولا
أخاف جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني).
قال في الوافي (1) بعد نقل هذا الخبر: قال في القاموس: قط تختص بالنفي
ماضيا والعامة تقول: (لا أفعله قط) وهو لحن، وفي مواضع من البخاري
جاء بعد المثبت: منها - في صلاة الكسوف (2) (أطول صلاة صليتها قط)
وأثبته ابن مالك في الشواهد لغة، قال: وهي من ما خفى على كثير من النحاة
أقول: فلأمير المؤمنين (عليه السلام) أسوة بالنبي (صلى الله عليه وآله)
في استعمالها بعد المثبت، وهما أفصح الناس (صلوات الله عليهما) (3)
والظاهر أنه لو لم يتمكن من الإطالة والاتيان بالموظف أتى بما يتيسر له

(1) باب (الخروج إلى الصفا والوقوف عليه).
(2) اللفظ في القاموس كما حكاه في الوافي، وفي البخاري باب (الذكر
في الكسوف) ج 2 ص 46 و 47 هكذا: " خسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وآله
فزعا يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود
رأيته قط يفعله " وفي عبارة القاموس الاستشهاد بما رواه أبو داود في
السنن - ج 1 ص 41 مع حاشية عون المعبود -: " توضأ ثلاثا قط ".
(3) انتهى كلام صاحب الوافي.
263

ويدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن جميل (1) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): هل من دعاء موقت أقوله على الصفا والمروة؟
فقال: تقول إذا صعدت على الصفا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شئ قدير. ثلاث مرات)
وعن محمد بن عمر بن يزيد عن بعض أصحابه (2) قال: (كنت
وراء أبي الحسن موسى (عليه السلام) على الصفا أو على المروة وهو لا
يزيد على حرفين: اللهم إني أسألك حسن الظن بك على كل حال وصدق النية
في التوكل عليك).
وعن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) قال: (ليس
على الصفا شئ موقت).
وقد روي أن طول الوقوف على الصفا يوجب زيادة المال، رواه في
الكافي عن الحسن بن علي بن الوليد رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا والمروة).
وروي في التهذيب عن حماد المنقري (5) قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام):
إن أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا).

(1) الكافي ج 4 ص 432 والوسائل الباب 5 من السعي.
(2) الكافي ج 4 ص 433 والتهذيب ج 5 ص 148 والوسائل الباب 5
من السعي.
(3) الوسائل الباب 5 من السعي.
(4) الوسائل الباب 5 من السعي.
(5) الوسائل الباب 5 من السعي.
264

المطلب الثاني في الكيفية
وهي تشتمل على الواجب والمستحب، فالواجب أربعة:
أحدها - النية، والأمر فيها عندنا سهل. قالوا: ويجب أن تكون مقارنة
للحركة.
ولا يجب الصعود على الصفا اجماعا كما نقله في التذكرة، وفي المنتهى
أنه قول أكثر أهل العلم كافة (1) إلا من شذ ممن لا يعتد به. والظاهر
أنه أشار به إلى بعض العامة. وعلله في التذكرة بأن السعي بين الصفا والمروة
يتحقق بدون ذلك، بأن يلصق عقبيه بالصفا فإذا عاد ألصق أصابعه بموضع
العقب. ويدل على ما ذكره صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج المتقدمة (2)
المتضمنة لطواف النساء على الدواب وأنه يجزئهن يقفن تحت الصفا والمروة.
وقال الشهيد (قدس سره) في الدروس: إن الاحتياط الترقي إلى الدرج
وتكفي الرابعة. قال في المدارك: ولا ريب في أولوية ما ذكره خصوصا
مع استحضار النية إلى أن يتجاوز الدرج.
أقول: المفهوم من الأخبار إن الأمر أوسع من ذلك، فإن السعي على
الإبل الذي دلت عليه الأخبار، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يسعى
على ناقته (3) لا يتفق فيه هذا التضييق من جعل عقبه ملصقة بالصفا في

(1) المغني ج 3 ص 404 طبع مطبعة المنار.
(2) ص 262.
(3) الوسائل الباب 81 من الطواف والباب 16 من السعي. واللفظ:
" طاف على راحلته.. وسعى عليها بين الصفا والمروة ".
265

الابتداء وأصابعه يلصقها بالصفا موضع العقب بعد العود فضلا عن ركوب
الدرج، بل يكفي فيه الأمر العرفي، فإنه يصدق بالقرب من الصفا والمروة وإن
كان بدون هذا الوجه الذي ذكروه، وقوله في المدارك: (خصوصا مع
استحضار النية إلى أن يتجاوز الدرج) من ما ينبه على أن مرادهم بالنية
إنما هو الحديث النفسي والتصوير الفكري كما تقدم تحقيقه، وبينا أنه
ليس هو النية حقيقة.
وثانيها وثالثها - البدأة بالصفا والختم بالمروة، وهو قول كافة أهل العلم
من الخاصة والعامة (1) والنصوص به مستفيضة (2) وستأتي جملة منها في
الباب، ومنها - قوله (عليه السلام) في موثقة معاوية بن عمار (3): (تبدأ
بالصفا وتختم بالمروة ثم قصر... الحديث) ومنها - صحيحة معاوية بن عمار
المتقدمة (4) المتضمنة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال حين فرغ من
طوافه وركعتيه: ابدأوا بما بدأ الله به من اتيان الصفا.. الحديث.
ويدل على ذلك الأخبار الدالة على أن من بدأ بالمروة أعاد عامدا كان
أو ناسيا أو جاهلا (5) وما ذلك إلا لعدم اتيانه بالمأمور به على وجهه.
ومن الأخبار في ذلك ما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن

(1) المغني ج 3 ص 406 طبع مطبعة المنار.
(2) الوسائل الباب 6 و 10 من السعي.
(3) الوسائل الباب 6 من السعي.
(4) ص 260.
(5) الوسائل الباب 10 من السعي.
266

معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (من بدأ
بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
في حديث قال: (وإن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا).
وعن علي بن أبي حمزة (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا. قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله
قبل يمينه في الوضوء. أراد أن يعيد الوضوء).
وعن علي الصائغ (4) قال: (سئل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر
عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا. قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله
قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله).
ورابعها - أن يسعى سبعا يحسب ذهابه شوطا وعوده آخر، وهو قول
علمائنا أجمع كما ذكره في المنتهى، بل قول كافة أهل العلم إلا من شذ منهم
كما نقله في المنتهى.
وعليه تدل الأخبار، ومنها - ما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) أنه قال:

(1) الوسائل الباب 10 من السعي.
(2) الوسائل الباب 10 من السعي.
(3) الوسائل الباب 10 من السعي. وفي التعليقة (2) في الكافي ج 4
ص 426 قوله: " أراد أن يعيد الوضوء " من كلام الرواي.
(4) الوسائل الباب 10 من السعي.
(5) الكافي ج 4 ص 434 و 435 والتهذيب ج 5 ص 148 والوسائل
الباب 6 من السعي.
267

(وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة)).
وما رواه في الصحيح عن هشام بن سالم (1) قال: (سعيت بين الصفا
والمروة أنا وعبيد الله بن راشد، فقلت له: تحفظ علي. فجعل يعد ذاهبا
وجائيا شوطا واحدا فبلغ مثل ذلك، فقلت له: كيف تعد؟ قال:
ذاهبا وجائيا شوطا واحدا. فأتممنا أربعة عشر شوطا، فذكرنا ذلك
لا بي عبد الله (عليه السلام) فقال: قد زادوا على ما عليهم ليس عليهم شئ).
ويجب في السعي الذهاب في الطريق المعهود، فلو اقتحم المسجد الحرام
ثم خرج من باب آخر لم يجزئ. قال في الدروس: وكذا لو سلك سوق الليل
قالوا: ومن الواجبات أيضا استقبال المطلوب بوجهه، فلو مشى القهقرى
لم يجزئ، لأنه خلاف المعهود، وهو جيد.
وأنها ها شيخنا الشهيد في الدروس إلى عشرة، وهو الستة المذكورة هنا،
والمقارنة لوقوفه على الصفا في أي جزء منه، ووقوعه بعد الطواف، فلو وقع
قبله بطل مطلقا إلا طواف النساء وعند الضرورة، واكمال الشوط وهو من
الصفا إلى المروة، فلو نقص من المسافة شئ بطل وإن قل، وعدم الزيادة
على السبعة، فلو زاد عمدا بطل، ولو كان ناسيا تخير بين القطع واكمال
أسبوعين، والموالاة المعتبرة في الطواف عند المفيد وسلار والحلبي، وظاهر
الأكثر والأخبار البناء مطلقا. وظهر كلامه عد البدأة بالصفا والختم بالمروة
واحدا لا اثنين كما ذكرناه، فلا يتوهم المنافاة في ما نقلناه عنه.
وأما ما يستحب فيه فأربعة أيضا: أحدها - أن يكون ماشيا فلو سعى
راكبا جاز.

(1) الوسائل الباب 11 من السعي.
268

ويدل عليه صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج المتقدمة قريبا وما
رواه ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال: (قلت له:
المرأة تسعى بين الصفا والمروة على دابة أو على بعير؟ فقال: لا بأس بذلك
قال: وسألته عن الرجل يفعل ذلك، قال: لا بأس به، والمشي أفضل).
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (سألته عن السعي بين الصفا والمروة على الدابة. قال: نعم،
وعلى المحمل).
وعن حجاج الخشاب (4) قال: (سمعت أبا عبد الله) عليه السلام)
يسأل زرارة فقال: أسعيت بين الصفا والمروة؟ فقال: نعم، قال:
وضعفت؟ قال: لا والله لقد قويت، قال: فإن خشيت الضعف فاركب
فإنه أقوى لك على الدعاء).
ويستفاد من هذا الخبر أفضلية الركوب مع الضعف بالمشي عن الدعاء
وإن كان مكروها بدون ذلك، كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار، فلا
منافاة بين الخبرين.
وروى الصدوق (قدس سره) في الصحيح عن محمد بن مسلم (5).
قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: حدثني أبي أن رسول الله

(1) ص 262.
(2) الفقيه ج 2 ص 257 والتهذيب ج 5 ص 155 والوسائل الباب 16
من السعي.
(3) الوسائل الباب 16 من السعي.
(4) الوسائل الباب 16 من السعي.
(5) الوسائل الباب 16 من السعي.
269

(صلى الله عليه وآله) طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجنه، وسعى عليها
بين الصفا والمروة).
وثانيها وثالثها ورابعها - المشي طرفيه، والهرولة ما بين المنارة وزقاق العطارين
والدعاء حالته.
ويدل على ذلك ما رواه الكليني (قدس سره) في الصحيح أو الحسن
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (انحدر
من الصفا ماشيا إلى المروة وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة وهي
طرف المسعى، فاسع ملء فروجك، وقل بسم الله والله أكبر، وصلى الله
على محمد وأهل بيته، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عن ما تعلم وأنت الأعز
الأكرم. حتى تبلغ المنارة الأخرى، فإذا جاوزتها فقل: يا ذا المن والفضل
والكرم والنعماء والجود اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم
امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المروة، فاصعد عليها حتى يبدو لك
البيت، واصنع عليها كما صنعت على الصفا. وطف بينهما سبعة أشواط
تبدأ بالصفا وتختم بالمروة).
قوله (عليه السلام): (فاسع ملء فروجك) جمع فرج وهو ما بين
الرجلين، يقال للفرس: ملأ فرجه وفروجه إذا عدا وأسرع، ومنه
سمي فرج الرجل والمرأة، لأنه ما بين الرجلين.
وروى الشيخ (قده) في الموثق عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: " ثم انحدر ماشيا وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة - وهي

(1) الكافي ج 4 ص 434 و 435 والوسائل الباب 6 من السعي.
(2) التهذيب ج 5 ص 148 والوسائل الباب 6 من السعي.
270

طرف المسعى - فاسع ملء فروجك، وقل: بسم الله والله أكبر، وصلى
الله على محمد وآله، وقل: اللهم اغفر وارحم واعف عن ما تعلم إنك أنت
الأعز الأكرم. حتى تبلغ المنارة الأخرى. قال وكان المسعى أوسع من
ما هو اليوم ولكن الناس ضيقوه. ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى
تأتي المروة، فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت فاصنع عليها كما صنعت على
الصفا. ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة. ثم قص
من رأسك.. الحديث) وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى.
وروى في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (1) قال: (سألته عن
السعي بين الصفا والمروة. قال: إذا انتهيت إلى الدار التي على يمينك
عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أول زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز
الوادي إلى المروة، فإذا انتهيت إليه فكف عن السعي وامش مشيا، وإذا
جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك، فإذا انتهيت
إلى الباب الذي من قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي
وامش مشيا وإنما السعي على الرجال وليس على النساء سعي).
أقول: المراد بالسعي الهرولة وهو الاسراع في السير دون العدو وهو
المشار إليه في الخبرين المتقدمين بقوله: (فاسع ملء فروجك).
وروى في الكافي (2) عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)

(1) الكافي ج 4 ص 434 والتهذيب ج 5 ص 148 والوسائل الباب 6
من السعي.
(2) الكافي ج 4 ص 434 والتهذيب ج 5 ص 149 والوسائل الباب 6
من السعي. راجع التعاليق في التهذيب الطبع الحديث.
271

قال: (كان أبي يسعى بين الصفا والمروة ما بين باب ابن عباد إلى أن
يرفع قدميه من المسيل لا يبلغ زقاق آل أبي حسين).
وعن علي بن أسباط عن مولى لأبي عبد الله (عليه السلام) من أهل
المدينة (1) قال: (رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يبتدي بالسعي من
دار القاضي المخزومي ويمضي كما هو إلى زقاق العطارين).
فروع
الأول - قال الشيخ (قدس سره): لو نسي الرمل حال السعي حتى يجوز
موضعه وذكر، فيرجع القهقرى إلى المكان الذي يرمل فيه.
أقول: ويدل عليه ما رواه الشيخ والصدوق مرسلا عن أبي عبد الله وأبي
الحسن (عليهما السلام) (2) أنهما قالا: (من سها عن السعي حتى
يصير من السعي على بعضه أو كله ثم ذكر، فلا يصرف وجهه منصرفا ولكن
يرجع القهقرى إلى المكان الذي يجب فيه السعي).
ولو تركه اختيارا فلا شئ عليه، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن
سعيد الأعرج في الصحيح (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة. قال: لا شئ عليه).

(1) الوسائل الباب 6 من السعي.
(2) الفقيه ج 2 ص 308 والتهذيب ج 5 ص 453 والوسائل الباب 9
من السعي.
(3) الوسائل الباب 9 من السعي.
272

الثاني - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يجوز الجلوس
في أثناء السعي للراحة.
وعليه تدل صحيحة الحلبي (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال: نعم إن شاء جلس
على الصفا والمروة وبينهما فيجلس).
وصحيحة علي بن رئاب (2) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل
يعيى في الطواف، أله أن يستريح؟ قال: نعم يستريح ثم يقوم فيبني على
طوافه، في فريضة أو غيرها. ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه).
ونقل عن الحلبيين أنهما منعا من الجلوس بين الصفا والمروة إلا مع
الاعياء والجهد.
ويدل على ما ذكراه ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (لا يجلس بين
الصفا والمروة إلا من جهد).
قال في المدارك - بعد أن استدل للقول المشهور بالروايتين وأورد هذه
الرواية دليلا لهما - ما لفظه: والجواب بالحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة. انتهى.
أقول: أما صحيحة علي بن رئاب المذكورة فإنها إن لم تدل على ما ذكراه
فلا تدل على خلافه، لأن السؤال وقع فيها عن الرجل يعيى في الطواف

(1) الفروع ج 4 ص 437 والتهذيب ج 5 ص 156 والوسائل الباب
20 من السعي.
(2) الوسائل الباب 46 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 20 من السعي.
273

أو السعي، هذه هي الصورة التي جوزا فيها الاستراحة. وأما صحيحة الحلبي
فهي مطلقة يمكن تقييد اطلاقها بهاتين الصحيحتين الظاهرتين في مذهبهما
وبالجملة فمذهبهما لا يخلو من قوة، لما عرفت. والاحتياط يقتضي ترك
الاستراحة إلا مع الاعياء والجهد. والله العالم.
الثالث - قال في المنتهى: ليس على النساء رمل، ولا صعود على الصفا
ولا على المروة، لأن في ذلك ضررا عليهن من حيث مزاحمة الرجال.
ولأن ترك ذلك كله أستر لهن فكان أولى من فعله.
أو قول: لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة من عدم الصلوح
لتأسيس الأحكام الشرعية، ولا يخفى أن مزاحمة الرجال في الطواف أعظم
والأولى في الاستدلال على عدم استحباب الرمل لهن ما تقدم في موثقة
سماعة من قوله (عليه السلام): (وإنما السعي على الرجال وليس على
النساء سعي) فإن السعي في الخبر المذكور كما عرفت عبارة عن الرمل،
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) في حديث قال: (ليس على النساء سعي بين الصفا والمروة، يعني: الهرولة) وفي رواية
فضالة بن أيوب عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2): (إن
الله وضع عن السناء أربعا... وعد منهن السعي بين الصفا والمروة).
وروى الصدوق (قدس سره) مرسلا (3) قال: (قال الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 18 من الطواف والباب 21 من السعي.
(2) الوسائل الباب 38 من الاحرام والباب 21 من السعي.
(3) الوسائل الباب 21 من السعي. راجع الحديث 5 من الباب 41 من
مقدمات الطواف وتعليقته في الوسائل الحديثة.
274

ليس على النساء أذان: إلى أن قال: ولا الهرولة بين الصفا والمروة)
إلى غير ذلك من الأخبار.
وأما الصعود على الصفا فالأخبار الواردة به وإن كان موردها الرجال
كسائر الأحكام إلا أنه لا يظهر منها الاختصاص بهم ليكون ذلك ساقط
عن النساء.
الرابع - لو سعى راكبا استحب له أن يحرك دابته شيئا. ويدل عليه
صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(ليس على الراكب سعى ولكن ليسرع شيئا).
(المطلب الثالث)
في الأحكام وفيه مسائل:
المسألة الأولى - السعي ركن فمن تركه عامدا بطل حجه، وهو مجمع
عليه بين علمائنا كما حكاه في التذكرة والمنتهى. ويدل عليه جملة من الأخبار:
فأما ما يدل على وجوبه وفرضه فهو ما رواه في الكافي (2) في الحسن
عن الحسن بن علي الصيرفي عن بعض أصحابنا قال: (سئل أبو عبد الله
(عليه السلام) عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أو سنة؟ " فقال:
فريضة. قلت: أوليس إنما قال الله (عز وجل): فلا جناح عليه أن

(1) الوسائل الباب 17 من السعي.
(2) ج 4 ص 435 والتهذيب ج 5 ص 149 والوسائل الباب 1 من السعي.
275

يطوف بهما (1) قال: كان ذلك في عمرة القضاء، إن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام عن الصفا والمروة، فتشاغل
رجل وترك السعي حتى انقضت الأيام وأعيدت الأصنام فجاؤوا إليه فقالوا:
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن فلانا لم يسع بين الصفا والمروة وقد
أعيدت الأصنام، فأنزل الله (عز وجل): فلا جناح عليه أن يطوف بهما (2)
أي: وعليهما الأصنام).
قال في الوافي (3): بيان: يعني: شرط على المشركين أن يرفعوا
أصنامهم التي كانت على الصفا والمروة حتى تنقضي أيام المناسك ثم يعيدوها
فتشاغل رجل من المسلمين عن السعي ففاته السعي حتى انقضت الأيام
وأعيدت الأصنام فزعم المسلمون عدم جواز السعي حال كون الأصنام على
الصفا والمروة.
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) في حديث
قال: (السعي بين الصفا والمروة فريضة). وروى الصدوق (قدس سره) في
الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم بن أبي عبد الله (عليه السلام) (5)
في حديث قصر الصلاة (قال (عليه السلام): أوليس قال الله (عز وجل):
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه

(1) سورة البقرة الآية 158.
(2) سورة البقرة الآية 158.
(3) باب (السعي بين الصفا والمروة).
(4) الوسائل الباب 1 من السعي.
(5) الفقيه ج 1 ص 278 و 279 والوسائل الباب 1 من السعي.
276

أن يطوف بهما (1) ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض، لأن الله
(عز وجل) قد ذكره في كتابه وصنعه نبيه صلى الله عليه وآله).
وأما ما يدل على بطلان الحج بتركه عمدا فهو ما رواه ثقة الاسلام في
الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
(في رجل ترك السعي متعمدا؟ قال: عليه الحج من قابل).
وفي الصحيح أيضا عنه (3) قال: (قال أبو عبد الله: (عليه السلام)
من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل).
وعنه أيضا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) في حديث
أنه قال: (في رجل ترك السعي متعمدا؟ قال: لا حج له).
واطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الوجوب والابطال
بين كون السعي في الحج أو العمرة.
هذا في ما لو تركه عامدا، أما لو كان ناسيا وجب عليه الاتيان به بعد
الذكر فإن خرج عاد إليه وإن تعذر استناب فيه.
أما وجوب الاتيان به بعد الذكر والعود إليه مع الامكان فظاهر، لتوقف
الامتثال والخروج عن عهدة الخطاب عليه.
ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (قلت: فرجل نسي
السعي بين الصفا والمروة؟ قال: يعيد السعي. قلت: فاته ذلك حتى خرج؟

(1) سورة البقرة الآية 158.
(2) الوسائل الباب 7 من السعي.
(3) الوسائل الباب 7 من السعي.
(4) الوسائل الباب 7 من السعي.
(5) الكافي ج 4 ص 484 والوسائل الباب 8 من السعي.
277

قال: يرجع فيعيد السعي، إن هذا ليس كرمي الجمار إن الرمي سنة
ولسعي بين الصفا والمرة فريضة).
ورواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار أيضا (1)
وزاد في آخره: ((وقال في رجل ترك السعي متعمدا؟ قال: لا حج له).
وأما الاستنابة فيه فلما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب عن
الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (سألته عن رجل نسي
أن يطوف بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله. فقال يطاف عنه)
والرواية وإن كانت مطلقة إلا أن طريق الجمع بينها وبين صحيحة معاوية
المتقدمة حمل تلك على إمكان الرجوع وهذه على تعذره.
ومثل هذه الرواية أيضا ما رواه الصدوق (قدس سره) في الصحيح
عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (3) قال: (سألته
عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة. قال: يطاف عنه).
المسألة الثانية - المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه
لا يجوز في السعي الزيادة على السبعة متعمدا فلو زاد كذلك بطل طوافه.
ويد ل عليه ما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن صفوان عن
عبد الله بن محمد عن أبي الحسن (عليه السلام) (4) قال: (الطواف
المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة فإذا زدت عليها فعليك الإعادة

(1) التهذيب ج 5 ص 150 والوسائل الباب 8 والباب 7 من السعي الرقم 3.
(2) الوسائل الباب 8 من السعي.
(3) الوسائل الباب 8 من السعي عن الفقيه والتهذيب.
(4) الوسائل الباب 12 من السعي.
278

وكذا السعي).
وما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله عليه السلام) (1) قال: (إن طاف الرجل بين الصفا والمروة
تسعة أشواط فليسع على واحد وليطرح ثمانية، وإن طاف بين الصفا والمروة
ثمانية أشواط فليطرحها وليستأنف السعي... الحديث).
أقول: وفقه هذا الحديث أنه إذا طاف تسعة عامدا - كما هو المفروض -
فقد بطلت السبعة بالزيادة عليها شوطا ثامنا، والشوط الثامن لا يمكن أن
يعتد به لبدء سعي جديد، لأن ابتداءه يكون من المروة فيبطل أيضا، وأما
التاسع فهو لخروجه عن الأشواط الباطلة وكون مبدأ من الصفا يمكن أن
يعتد به ويبني عليه سعيا جديدا، ولهذا قال: (فليسع على واحد وليطرح
ثمانية)، وإن طاف ثمانية خاصة فقد عرفت الوجه في بطلان الجميع،
فلهذا أمر في آخر الخبر بأن يطرحها ويستأنف. فالخبر - كما ترى - ظاهر
الدلالة في الابطال بالزيادة على السبعة، وهو صحيح السند.
وبذلك يظهر ما في كلام السيد السند (قدس سره) في المدارك،
حيث إنه لم يورد دليلا على الحكم المذكور إلا رواية عبد الله بن محمد
المذكورة واعترضها بأنها ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة وغيره.
ويمكن دفعه (أولا) بأن الراوي عنه وهو صفوان ممن اجتمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه والسند إلى صفوان صحيح، فيكون الحديث
صحيحا وإن ضعف المروي عنه. و (ثانيا) بأن ضعفها مجبور بعمل الأصحاب
(رضوان الله عليهم) بها، إذ لا مخالف في الحكم كما اعترف به في صدر

(1) الوسائل الباب 12 من السعي.
279

كلامه، فقال بعد نقل عبارة المصنف الدالة على الابطال بالزيادة عمدا:
هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم). هذا مع
تسليم العمل بهذا الاصطلاح وقطع النظر عن الصحيحة التي أوردناها،
وإلا فلا يبقى للتردد مجال في المقام.
هذا مع كون الزيادة عمدا أما لو كانت سهوا فقد ذكر الأصحاب
(رضوان الله عليهم) أنه يتخير بين الفاء الزائد والاعتبار بالسبعة وبين
اكمال أسبوعين فيكون الثاني مستحبا.
أما الأول فيدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عبد الرحمان
ابن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (1) (عن رجل سعى بين
الصفا والمروة ثمانية أشواط، ما عليه؟ فقال: إن كان خطأ طرح واحدا
واعتد بسبعة) قال في الفقيه (2): وفي رواية محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) قال: (يضيف إليها ستة).
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج (3) قال:
(حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا،
فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك، فقال: لا بأس سبعة لك
وسبعة تطرح).

(1) الكافي ج 4 ص 436 والفقيه ج 2 ص 257 والتهذيب ج 5 ص
152 و 472 والوسائل الباب 13 من السعي.
(2) ج 2 ص 257 والوسائل الباب 13 من السعي.
(3) الوسائل الباب 13 من السعي.
280

وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية واعتد
بسبعة. وإن بدأ بالمروة فليطرح وليبدأ بالصفا)).
ومثلهما صحيحة هشام بن سالم المتقدمة (2) في أول هذا المطلب.
وأما الثاني فتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (3)
قال: (إن في كتاب علي (عليه السلام): إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية
أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستا. وكذا إذا استيقن أنه
سعى ثمانية أضاف إليها ستا).
أقول: والظاهر أن هذه الرواية هي التي أشار إليها في الفقيه، وظاهره -
بناء على قاعدته المذكورة في صدر كتابه - القول بالتخيير كما هو المذكور
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث لم يتعرض للطعن في إحدى
الروايتين.
إلا أن صحيحة محمد بن مسلم المذكورة لا تخلو من اشكال (أما أولا)
فلأن السعي ليس مثل الطواف والصلاة عبادة برأسها تقع مستحبة وواجبة
ليكون الثاني نافلة، فإنا لم نقف في غير هذا الخبر على ما يدل على وقوعه
مستحبا، قال في المدارك: ولا يشرع استحباب السعي إلا هنا، ولا
يشرع ابتداء مطلقا. و (أما ثانيا) فمع تسليم وقوعه مستحبا فإن اللازم
من الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من المروة فكيف يجوز أن يعتد به

(1) الوسائل الباب 13 و 10 من السعي.
(2) ص 268.
(3) الوسائل الباب 34 من الطواف والباب 13 من السعي.
281

ويبني عليه سعيا مستأنفا، مع اتفاق الأخبار وكلمة الأصحاب على وجوب
الابتداء في السعي من الصفا وأنه لو بدأ من المروة وجب عليه الإعادة عامدا
كان أو ساهيا كما تقدم.
وبالجملة فالظاهر بناء على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار الأولة من
طرح الزائد والاعتداد بالسبعة الأولة، وأما العمل بهذا الخبر الأولة من
طرح الزائد والاعتداد بالسبعة الأولة، وأما العمل بهذا الخبر فمشكل كما عرفت
والعجب من السيد السند (قدس سره) في المدارك حيث لم يتنبه
لذلك وجمد على موافقة الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب.
ثم إن الظاهر من رواية جميل أن الجاهل كالناسي في هذا الحكم،
لظهورها في جهلهم بالحكم يومئذ.
تنبيهات
الأول - قالوا: لو تيقن عدد الأشواط وشك في ما به بدأ، فإن كان في
المزدوج على الصفا فقد صح سعيه لأنه بدأ به، وإن كان على المروة أعاد
وينعكس الحكم بانعكاس الفرض. والمراد بانعكاس الفرض والحكم أنه إن
كان في الفرد على الصفا أعاد لأنه يقتضي ابتداءه بالمروة، وإن كان على
المروة صح سعيه لأنه يقتضي ابتداءه بالصفا، والظاهر أن الشك هنا إنما هو
باعتبار الدخول في أول الأمر وإلا فبعد ظهور كون العدد زوجا وهو على
الصفا يحصل العلم بالابتداء بالصفا. وكذا في صورة العكس.
الثاني - قال في المنتهى: لو لم يحصر عدد طوافه أعاده، لأنه غير متيقن
لعدد فلا يأمن الزيادة والنقصان. والمراد أنه إذا شك على وجه لا يحصل
282

له عدد يبني عليه فلا ريب في وجوب الإعادة.
ويدل على ذلك قوله في صحيحة سعيد بن يسار الآتية في الباب إن
شاء الله تعالى (1) قال: (وإن لم يكن حفظ أنه سعى ستة فليعد فليبتدئ
السعي حتى يكمل سبعة أشواط).
قيل: ويستثنى من ذلك ما لو شك بين الاكمال والزيادة على وجه
لا ينافي البداة بالصفا - كما لو شك بين السبعة والتسعة وهو على المروة -
فإنه لا يعيد لتحقق الاكمال، وأصالة عدم الزيادة. ولو كان على الصفا أعاد
الثالث - قال في المنتهى: ويجب أن يطوف بينهما سبعة أشواط ويلصق
عقبه بالصفا ويبدأ به إن لم يصعد عليه، ويمشي إلى المروة ويلصق أصابعه
بها ثم يبتدي بها ويلصق عقبه بها، ويرجع إلى الصفا ويلصق أصابعه بها
هكذا سبعا،
فلو نقص ولو خطوة واحدة وجب عليه الاتيان بها، فإن
رجع إلى بلده وجب عليه العود مع المكنة واكمال السعي، لأن الموالاة
لا تجب فيه، ولا نعلم فيه خلافا. ونحوه في التذكرة أيضا.
أقول: ما ذكره - من وجوب الصاق العقب والأصابع في كل شوط
بكل من الصفا والمروة - لا ريب أنه الأحوط، وفهم الوجوب من الأدلة
لا يخلو من خفاء سيما مع جواز السعي على الإبل والدواب كما أشرنا
إليه آنفا. وما ذكره من أنه لو نقص عن السبعة وجب عليه الاتمام فلا
ريب فيه. ويدل عليه قوله (عليه السلام) في صحيحة سعيد بن يسار (2)
المشار إليها آنفا: (فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم

(1) التهذيب ج 5 ص 153 والوسائل الباب 14 من السعي.
(2) التهذيب ج 5 ص 153 والوسائل الباب 14 من السعي.
283

شوطا) ونحوها رواية عبد الله بن مسكان الآتية إن شاء الله تعالى (1) وفي صحيحة
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2): فإن سعى الرجل
أقل من سبعة أشواط ثم رجع إلى أهله، فعليه أن يرجع فيسعى تمامه
وليس عليه شئ، وإن كان لم يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعا) وأما
ما ذكره من عدم وجوب الموالاة فيه فقد تقدم في كلام الدروس ما يدل
على قول الشيخ المفيد وسلار وأبي الصلاح بوجوب الموالاة فيه. وسيأتي
ما ينبه عليه أيضا إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة - لو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم سعيه فأحل وواقع
النساء ثم ذكر ما نقص، كان عليه اتمام ما نقص بلا خلاف ولا اشكال
وعليه بقرة، وكذا لو قلم أظفاره أو قص شعره،
والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب عن
عبد الله بن مسكان (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف
بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة فذكر بعد ما أحل وواقع
النساء أنه إنما طاف ستة أشواط. فقال: عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا

(1) التهذيب ج 5 ص 153 والوسائل الباب 14 من السعي.
(2) التهذيب ج 5 ص 153 الرقم 503 والوافي باب (ترك السعي
والسهو فيه) ولم يروه في الوسائل الباب 14 من السعي ولا في غيره
والظهر أن ذلك لاعتبار كونه من كلام الشيخ على خلاف صاحب الوافي
حيث اعتبره من تتمة الحديث إلى قوله: " فعليه أن يسعى سبعا "
(3) التهذيب ج 5 ص 153 والوسائل الباب 14 من السعي.
284

آخر) ورواه الصدوق (قدس سره) مرسلا (1).
وعن سعيد بن يسار في الصحيح (2) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم
رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه، وقلم أظافيره وأحل، ثم ذكر
أنه سعى ستة أشواط؟ فقال لي: يحفظ أنه سعى ستة أشواط؟ فإن كان
يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما. فقلت:
دم ماذا؟ قال: بقرة. قال: وإن لم يكن حفظ أنه سعى ستة، فليعد
فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط، ثم ليرق دم بقرة).
وفي كتاب الفقه الرضوي (3): وإن سعيت ستة أشواط وقصرت، ثم
ذكرت بعد ذلك أنك سعيت ستة أشواط، فعليك أن تسعى شوطا آخر
وإن جامعت أهلك وقصرت سعيت شوطا آخر وعليك دم بقرة.
وقال في المسالك بعد نقل رواية سعيد المذكورة: وفي معناه رواية معاوية
ابن عمار عنه (عليه السلام) وزاد (قصر) (4) ولم أقف بعد التتبع على
رواية معاوية بن عمار بهذا المعنى (5) ولا نقلها ناقل غيره (قدس سره).

(1) الوسائل الباب 14 من السعي.
(2) التهذيب ج 5 ص 153 والوسائل الباب 14 من السعي.
(3) ص 28.
(4) هذا نهاية كلام صحاب المسالك.
(5) من المحتمل أن مراد صحاب المسالك برواية معاوية بن عمار هي التي تقدمت في
كلام المصنف وقدمنا أنها محل الخلاف بين الوافي والوسائل في أنها من كلام الشيخ
أو من تتمة الحديث، مع اعتبار الباقي الذي لم يحكه في الوافي جزء من الحديث
أيضا لا من كلام الشيخ. راجع التهذيب ج 5 ص 153 الرقم 503.
285

وجملة من المتأخرين قد طعنوا في هذين الخبرين المنقولين في كلامهم
بمخالفة الأصول والقواعد المقررة من وجوه: أحدها - وجوب الكفارة على
الناسي، وهو في غير الصيد مخالف لغيرهما من النصوص والفتاوى. وثانيها -
وجوب البقرة في تقليم الأظفار، والواجب شاة في مجموعها. وثالثها -
وجوب البقرة الجماع، والواجب به مع العمد بدنة، ولا شئ مع
النسيان. ورابعها - مساواة الجماع في الكفارة بقلم الأظفار، والحال أنهما
مفترقان في الحكم في غير هذه المسألة. ولا جل هذه المخالفات نقل عن
بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) حمل الخبرين على الاستحباب.
وبعضهم فرق بين الظان والناسي،، فاسقط الكفارة عن الناسي وجعل
مورد هذه المسألة الظن كما صرح به في الرواية الأولى. وأكثر الأصحاب
تلقوهما بالقبول مطلقا، وهو الحق الحقيق بالاتباع. فإن رد الرواية سيما
إذا كانت صحيحة السند بهذه الأشياء مجرد استبعاد، ولا سيما ما يدعونه
من عدم الكفارة على الناسي فإنه على اطلاقه محل المنع، فإن ذلك سيما في
باب الحج إنما ورد بالنسبة إلى الجاهل ولكنهم الحقوا الناسي به. والمفهوم
من بعض الأخبار وجوب الإعادة بالصلاة في النجاسة ناسيا أن وجوب الإعادة
عليه إنما وقع عقوبة لتقصيره في نسيانه وعدم تذكرة (1).
قال في المسالك بعد ذكر نحو ذلك: ويمكن توجيه هذه الأخبار بأن
الناسي وإن كان معذورا لكن هنا قد قصر حيث لم يلحظ النقص، فإن
من قطع السعي على ستة أشواط يكون قد ختم بالصفا، هو واضح الفساد

(1) الوسائل الباب 42 من النجاسات.
286

فلم يعذر بخلاف الناسي غيره فإنه معذور. لكن يبقى أن المصنف فرض
المسألة في من فعل ذلك قبل اتمام السعي من غير تقييد بالستة، فيشمل
ما لو قطع السعي في المروة على خمسة وهو محل العذر. والمسألة موضع
اشكال وإن كان ما اختاره المصنف من العمل بظاهر الروايات أولى. انتهى
قال في المدارك بعد نقل ذلك عن جده (قدس سره): وما ذكره
من التوجيه جيد بالنسبة إلى الخبرين المتضمنين للحكمين، إذ به يرتفع
بعض المخالفات. لكن قد عرفت أن الرواية الأولى ضعيفة، والرواية الثانية
إنما تدل على وجوب البقرة بالقلم قبل اكمال السعي إذا قطعه على ستة
أشواط في عمرة التمتع، فيمكن القول بوجوبها آخذا بظاهر الأمر، ويمكن
حملها على الاستحباب كما اختاره الشيخ في أحد قوليه وابن إدريس نظرا
إلى ما ذكر من المخالفة. والمسألة محل تردد. انتهى.
أقول: ظاهر كلامه (قدس سره) في المدارك تخصيص وجوب البقرة
في صحيحة سعيد بالقيود المذكورة اقتصارا في ما خالف القواعد المذكورة على
موضع النص. وفيه أن آخر الرواية - وإن كان لم ينقله - صريح أيضا في
وجوب البقرة في ما لو لم يحفظ سعيه وجامع والحال هذه. وهو يشعر بأن
وجوب هذه الكفارة إنما هو من حيث الاحلال قبل الاتيان بالسعي الواجب
مطلقا، كما هو المفروض في صدر المسألة وبه صرح الأصحاب (رضوان
الله عليهم) أيضا. وعلى هذا فلا خصوصية لذكر الستة إلا من حيث
اتفاق وقوعها في السؤال.
وأما ما نقله عن ابن إدريس من أنه حمل هذين الخبرين على الاستحباب
فالذي وقفت عليه في كتاب السرائر لا يشعر بشئ من ذلك، فإنه لم يتعرض
287

للخبرين المذكورين وإنما قال ما هذا لفظه: ومتى سعى الانسان أقل من
سبع مرات ناسيا وانصرف ثم ذكر أنه نقص منه شيئا رجع فتمم ما نقص
منه، وإن لم يعلم كم نقص منه وجب عليه إعادة السعي، وإن كان قد
واقع أهله قبل اتمامه السعي وجوب عليه دم بقرة. وكذلك أن قصر أو قلم
أظفاره كان عليه دم بقرة واتمام ما نقص إذا فعل ذلك عامدا. انتهى.
وظاهره تخصيص وجوب البقرة في الصورة المذكورة بما إذا جامع أو قلم
عامدا، وليس فيه تعرض لذكر من فعل ذلك ظانا الاتمام أو ساهيا كما
هو محل المسألة. على أن كلامه (قدس سره) لا يخلو من نظر، فإنه إن
استند في ما ذكره إلى الروايتين المذكورتين فموردهما - كما عرفت - إنما
هو من ظن الاتمام، والمتبادر من العامد خلافه، وليس غيرهما في
الباب إلا ما قدمناه في مسألة جماع المحرم بعد الموقفين وقبل طواف النساء
من النصوص الدالة على وجوب البدنة في الصورة المذكورة (1) وفي بعضها
بدنة أو بقرة أو شاة باعتبار حال المكلف من سعته وفقره وتوسطه بينهما.
ونحوها الأخبار الواردة في من جامع بعد السعي وقبل التقصير (2) وستأتي
في البحث الآتي إن شاء الله تعالى. والقول بوجوب البقرة هنا من ما لا
أعرف له وجها ولا عليه دليلا. إلا أن ابن فهد في المهذب نقل عن
ابن إدريس في المسألة قولين مثل الشيخ، حيث قال بعد ذكر القول المشهور:
هذا قول المفيد وأحد قولي الشيخ والقول الآخر للشيخ في باب الكفارات
من النهاية من أنه لآدم عليه للأصل، ولا بن إدريس مثل القولين. أقول:

(1) الوسائل الباب 6 و 7 و 8 و 9 و 10 من كفارات الاستمتاع.
(2) الوسائل الباب 5 من كفارات الاستمتاع.
288

لعله في موضع آخر من سرائره أو في غيره. وظاهره أن القول الثاني
يوافق المشهور
وبالجملة فالواجب العمل بالروايتين المذكورتين وعدم الالتفات إلى هذه
الاستبعادات.
وإلى ما ذكرناه مال الشيخ ابن فهد في المهذب حيث قال - بعد ذكر
نحو ما ذكرناه من الاشكالات التي طعنوا بها على الروايات - ما صورته:
والحق ترك الاعتراض واتباع النقل عن أهل البيت (عليهم السلام) لأن
قوانين الشرع لا يضبطها العقل. انتهى. وهو جيد والله العالم.
المسألة الرابعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لو
دخل عليه وقت الفريضة في السعي قطعه وصلى ثم بنى، وكذا لو قطعه
لحاجة له أو لغيره، بل قال في التذكرة لا أعرف فيه خلافا. وكذا في
المنتهى. مع أنه في المختلف نقل عن الشيخ المفيد وسلار وأبي الصلاح
أنهم جعلوا ذلك كالطواف في اعتبار مجاوزة النصف، وهو مؤذن باشتراطهم
الموالاة فيه.
والأصح القول المشهور، للأخبار الدالة عليه، ومنها ما رواه الشيخ
والصدوق (قدس سرهما) في الصحيح عن معاوية بن عمار 1) قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يدخل في السعي بين الصفا
والمروة فيدخل وقت الصلاة، أيخفف، أو يقطع ويصلي ثم يعدو، أو يثبت
كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال: لا بل يصلي ثم يعود، أوليس

(1) الكافي ج 4 ص 438 والفقيه ج 2 ص 258 والتهذيب ج 5 ص 156
والوسائل الباب 18 من السعي.
289

عليهما مسجد؟). وما رواه في الموثق عن الحسن بن علي بن فضال (1) قال: (سأل
محمد بن علي أبا الحسن (عليه السلام) فقال له: سعيت شوطا واحدا
ثم الفجر؟ فقال: صل ثم عد فأتم سعيك).
وعن محمد بن الفضيل (2) (أنه سأل محمد بن علي الرضا (عليه السلام)
فقال له: سعيت شوطا ثم طلع الفجر قال صل ثم عد فأتم سعيك...)
وعن صفوان في الصحيح عن يحيى بن عبد الرحمان الأزرق (3) قال:
(سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا
والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة، ثم يلقاه الصديق له فيدعوه إلى الحاجة
أو إلى الطعام. قال: إن أجابه فلا بأس).
وزاد في الفقيه (4): (ولكن يقضي حق الله أحب إلي من أن يقضي
حق صاحبه).
أقول: في هذه الزيادة اشكال لما تقدم في أخبار قطع الطواف لحاجة
أخيه المسلم (5) من الدلالة الصريحة على أفضلية السعي في حاجة أخيه على
الطواف. ويمكن الجمع بحمل تلك الأخبار على حاجة يضر فوتها بالطواف
وهذا الخبر على ما لا يفوت بالتأخير. وأما الحمل على أن أفضلية الاتمام

(1) الوسائل الباب 18 من السعي.
(2) الوسائل الباب 18 من السعي.
(3) الوسائل الباب 19 من السعي.
(4) ج 2 ص 258 والتهذيب ج 5 ص 472 و 473 والوسائل الباب 19
من السعي.
(5) الوسائل الباب 41 و 42 من الطواف.
290

مخصوص بالسعي فبعيد، لما علم من الأخبار من فضل الطواف على السعي
فإذا جاز القطع في الطواف فبالأولى في السعي.
قال في المدارك: ولم يتعرض الأكثر لجواز قطعه اختيارا في غير هاتين
الصورتين، لكن مقتضى الاجماع المنقول على عدم وجوب الموالاة فيه الجواز مطلقا
ولا ريب أن الاحتياط يقتضي عدم قطعه في غير المواضع المنصوصة.
أقول: لا ريب أن العبادات توقيفية يجب الوقوف في أحكامها زيادة
ونقصانا وصحة وبطلانا على ما رسمه الشارع. وعدم الموالاة في السعي إنما
استفيدت من هذه الأخبار الواردة بجواز قطعه في هذه الموارد، وهو لا
يقتضي جواز القطع مطلقا. على أن ما ذكروه من وجوب الموالاة في الطواف
قد عرفت ما فيه وأن أكثر الأخبار المتقدمة ترده وتنافيه. وبالجملة فالواجب
الوقوف على موارد النصوص وما دلت عليه بالعموم والخصوص.
المسألة الخامسة - قد تقدم أنه لو ذكر في أثناء السعي نقصانا من
طوافه فإنه يرجع ويتم طوافه ثم يبني على ما سعى ويتم سعيه. والمشهور
عندهم التفصيل بتجاوز النصف في طوافه فيعمل كما ذكرناه أو قبله
فيعيدهما معا.
أما لو ذكر في أثناء السعي أنه لم يصل ركعتي الطواف قطع السعي
وأتى بهما ثم أتم سعيه من حيث قطع.
ويدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1)
قال: (سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسى أن يصلي الركعتين حتى
يسعى بين الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقل من ذلك. قال: ينصرف

(1) التهذيب ج 5 ص 143 والوسائل الباب 77 من الطواف.
291

حتى يصلي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتم سعيه).
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال: (في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف بين الصفا
والمروة ثم ذكر. قال: يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين ثم
يعود إلى مكانه).
وبإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) (أنه
رخص له أن يتم طوافه ثم يرجع فيركع خلف المقام).
قال الصدوق (3) (قدس سره): بأي الخبرين أخذ جاز.
وروى الكليني (قدس سره) في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عيسى
عن من ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) أنه قال (في رجل طاف
طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة. قال: يعلم
ذلك الموضع ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود إلى مكانه).
المسألة السادسة - الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى
عليهم) في وجوب ترتب السعي على الطواف، فلو قدمه عليه وجب إعادتهما
لوقوعهما على خلاف الترتيب الشرعي، ويجب ارجاع كل منهما إلى محله.
ويدل على ذلك الأخبار المتقدمة (5) في صدر البحث الدالة على أنه
بعد الفراغ من الطواف وركعتيه يبادر إلى الخروج إلى الصفا والمروة.
وأما ما يدل على الابطال مع الاخلال بالترتيب فمنه ما رواه الشيخ (قده)

(1) الفقيه ج 2 ص 253 والوسائل الباب 77 من الطواف.
(2) الفقيه ج 2 ص 253 والوسائل الباب 77 من الطواف.
(3) الفقيه ج 2 ص 253 والوسائل الباب 77 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 77 من الطواف.
(5) ص 260 و 261.
292

في الصحيح عن منصور بن حازم (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة. قال: يرجع فيطوف بالبيت ثم
يستأنف السعي. قلت: إن ذلك قد فاته؟ قال: عليه دم، ألا ترى
أنك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك).
وما رواه في الكافي عن منصور بن حازم في الصحيح (2) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن
يطوف بالبيت. قال: يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة
فيطوف بينهما).
وعن إسحاق بن عمار في الموثق (3) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
رجل طاف بالكعبة... إلى أن قال: قلت: فإنه بدأ بالصفا والمروة قبل أن
يبدأ بالبيت؟ فقال يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا
والمروة... الحديث) وقد تقدم بتمامه. (4)
وكما لا يجوز تقديم السعي على الطواف كذلك لا يجوز تقديم طواف
النساء على السعي في الحج والعمرة المفردة.
ويدل عليه زيادة على الروايات الدالة على ترتيب المناسك وأن مرتبة
طواف السناء التأخر عن السعي (5) خصوص ما رواه في الكافي (6) عن
أحمد بن محمد عن من ذكره قال: (قلت لأبي الحسن (عليه السلام):

(1) الوسائل الباب 63 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 63 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 63 من الطواف.
(4) ص 213 و 223.
(5) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(6) الوسائل الباب 65 من الطواف.
293

جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء
ثم سعى. قال: لا يكون السعي إلا من قبل طواف النساء. فقلت:
أفعليه شئ؟ فقال: لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء).
وأما ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) في الموثق عن
سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) (1) قال: (سألته
عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة
قال: لا يضره يطوف بين الصفا والمروة، وقد فرغ من حجه).
فقد حمله الشيخ (قدس سره) على الناسي، ولهذا صرح جملة من
الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن من قدم طواف النساء على السعي ساهيا
لم تجب عليه الإعادة. قال في المنتهي: ولا يجوز تقديم طواف النساء على
السعي فلو فعل ذلك متعمدا كان عليه إعادة طواف النساء وإن كان ناسيا
لم يكن عليه شئ. ثم استدل بمرسلة أحمد بن محمد المذكورة، ثم نقل
موثقة سماعة، ونقل جواب الشيخ (قدس سره) عنهما بما ذكرناه
وبالجملة فالظاهر أن الحكم لا خلاف ولا اشكال فيه. والله العالم.
المسألة السابعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه
لا يجوز تأخير السعي عن الطواف إلى الغد. وقال المحقق (قدس سره):
يجوز تأخيره إلى الغد ولا يجوز عن الغد.
والأظهر القول المشهور، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة عن عبد الله
ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (سألته عن الرجل يقدم

(1) الوسائل الباب 65 من الطواف.
(2) الكافي ج 4 ص 421 والفقيه ج 2 ص 252 والتهذيب ج 5
ص 128 و 129 والوسائل الباب 60 من الطواف.
294

مكة حاجا وقد اشتد عليه الحر فيطوف بالكعبة ويؤخر السعي إلى أن
يبرد. فقال: لا بأس به وربما فعلته) وزاد في التهذيب قال: (وربما رأيته
يؤخر السعي إلى الليل) وقال في من لا يحضره الفقيه: وفي حديث آخر
(يؤخره إلى الليل).
وما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: (سألته عن رجل طاف بالبيت
فأعيى أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال: لا).
وما رواه في الكافي عن العلاء بن رزين في الصحيح (2) قال:
(سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيى، أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة
إلى غد؟ قال: لا) ورواه الصدوق (قدس سره) بإسناده عن العلاء بن
رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) مثله (3).
وأما ما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال:
(سألت أحدهما (عليهما السلام) عن رجل طاف بالبيت فأعيى أيؤخر
الطواف بين الصفا والمروة؟ قال: نعم) فيجب حمل اطلاقه على ما تقدم
في الأخبار من التأخير ساعة أو ساعتين أو للاستراحة إلى الليل.
وأما ما ذهب إليه المحقق فلم نقف له على مستند. إلا أن شيخنا الشهيد
(قدس سره) في الدروس قال بعد نقل ذلك عن المحقق: وهو مروي.
ولعل الرواية وصلت إليه ولم تصل إلينا.

(1) لم نقف على هذه الرواية في كتب الحديث في مظانها.
(2) الوسائل الباب 60 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 60 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 60 من الطواف.
295

البحث الرابع
في التقصير وفيه مسائل:
الأولى - لا خلاف في أنه يجب على المعتمر المتمتع بعد السعي التقصير
وبه يحل من كل شئ إلا الصيد لكونه في الحرم، فلو خرج. من الحرم
حل له.
ومن ما يدل على ذلك ما رواه الشيخ (قدس سره) في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا فرغت من
سعيك وأنت متمتع، فقصر من شعرك من جوانبه ولحيتك، وخذ من
شاربك، وقلم أظفارك، وابق منها لحجك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت
من كل شئ يحل منه المحرم وأحرمت منه، فطف بالبيت تطوعا ما شئت).
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) (قال: (وسمعته يقول: طواف المتمتع أن يطوف
بالكعبة، ويسعى بين الصفا والمروة، ويقصر من شعره، فإذا فعل ذلك
فقد أحل).
وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (ثم
ائت منزلك فقصر من شعرك. وحل لك كل شئ)

(1) الكافي ج 4 ص 438 و 439 والتهذيب عن الكليني ج 5 ص 157
والوسائل الباب 1 من التقصير.
(2) التهذيب ج 5 ص 157 والوسائل الباب 1 من التقصير.
(3) التهذيب ج 5 ص 157 والوسائل الباب 1 من التقصير.
296

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (1): قال
(رأيت أبا الحسن (عليه السلام) أحل من عمرته وأخذ من أطراف
شعره كله على المشط ثم أشار إلى شاربه فأخذ منه الحجام، ثم أشار إلى
أطراف لحيته. فأخذ منه ثم قام).
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن وفي من لا يحضره الفقيه في
الصحيح عن جميل بن دراج وحفص بن البختري وغيرهما عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) (في محرم يقصر من بعض ولا يقصر من بعض؟
قال يجزئه).
وعن الحسين بن أسلم (3) قال: (لما أراد أبو جعفر - يعني: ابن الرضا
(عليهما السلام) - أن يقصر من شعره للعمرة أراد الحجام أن يأخذ من
جوانب الرأس، فقال له: ابدأ بالناصية. فبدا بها).
والمعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يجزي
مسمى التقصير.
قال في المنتهي: وأدنى التقصير أن يقص شيئا من شعره ولو كان
يسيرا، وأقله ثلاث شعرات لأن الامتثال يحصل به فيكون مجزئا. ولما
رواه الشيخ (قدس سره) في الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: (سألته عن متمتع قرض أظفاره وأخذ من

(1) الوسائل الباب 10 من التقصير.
(2) الوسائل الباب 3 من التقصير.
(3) الوسائل الباب 10 من التقصير.
(4) الكافي ج 4 ص 439 والفقيه ج 2 ص 237 الرقم 6 والتهذيب
ج 5 ص 158 والوسائل الباب 2 من التقصير.
297

شعره بمشقص. قال: لا بأس) هذا اختيار علمائنا. ثم نقل اختلاف
العامة (1).
وقال في الكتاب المذكور: لو قص الشعر بأي شئ كان أجزأه. وكذا
لو نتفه أو أزاله بالنورة، لأن القصد الإزالة، والأمر ورد مطلقا، فيجزي
كل ما يتناوله الاطلاق. ولو قص من أظفاره أجزأ، لأنه نوع من
التقصير فيتناوله المطلق فيكون مجزئا. وكذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه
أو لحيته أجزأه. انتهى.
أقول: ومن ما يدل على ذلك وأنه لا يتوقف على الآلة المعهودة بل يكفي
كيف اتفق ما تقدم في صحيحة جميل وحفص بن البختري.
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (2) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك أني لما قضيت نسكي للعمرة
أتيت أهلي ولم أقصر؟ قال: عليك بدنة. قال: قلت: إني لما أردت
ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت، فلما غلبتها قرضت بعض شعرها
بأسنانها. فقال رحمها الله كانت أفقه منك عليك بدنة، وليس عليها شئ).
ورواه الصدوق (قدس سره) بإسناده عن حماد بن عثمان (3) قال:.
قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام). وذكر مثله.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (تقصر المرأة من شعرها لعمرتها
مقدار الأنملة) ورواه الكليني في الصحيح إلى ابن أبي عمير مثلة (5).

(1) المغني ج 3 ص 393 طبع عام 1368.
(2) الوسائل الباب 3 من التقصير.
(3) الوسائل الباب 3 من التقصير.
(4) الوسائل الباب 3 من التقصير.
(5) الوسائل الباب 3 من التقصير.
298

وما رواه الشيخ (قدس سره) عن محمد الحلبي (1) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة متمتعة عاجلها زوجها قبل أن تقصر
فلما تخوفت أن يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها بأسنانها وقرضت
بأظافيرها هل عليها شئ؟ قال: لا ليس كل أحد يجد المقاريض).
ومن ذلك يعلم أن ما اشتمل عليه صحيح معاوية بن عمار وصحيح
محمد بن إسماعيل من الأخذ من تلك المواضع المتعددة فمحمول على الفضل
والاستحباب. وبذلك صرح أيضا الأصحاب (رضوان الله عليهم).
الثانية - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه يلزم التقصير
في العمرة ولا يجوز حلق الرأس، ولو حلقه فعليه دم. ذهب إليه الشيخ
في النهاية والمبسوط وابن البراج وابن إدريس والمحقق والعلامة والشيخ
الشهيد وغيرهم، قال في الدروس: والأصح تحريمه ولو بعد التقصير.
وذهب الشيخ في الخلاف إلى أنه يجوز الحلق، والتقصير أفضل، قال
في المختلف بعد نقل قول الخلاف: وكان يذهب إليه والدي (رحمه الله).
والأصح القول المشهور، ويدل عليه ما رواه الشيخ (قدس سره) في
الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) في حديث
قال: (وليس في المتعة إلا التقصير).
وعن أبي بصير (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه. قال: عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم

(1) الوسائل الباب 3 من التقصير.
(2) الوسائل الباب 4 من التقصير.
(3) الوسائل الباب 4 من التقصير.
299

النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق).
وروى الصدوق (قدس سره) في الصحيح عن جميل بن دراج (1)
(أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكة قال إن
كان جاهلا فليس عليه شئ، وإن تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين
يوما فليس عليه شئ، وإن تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر
للحج فإن عليه دما يهريقه).
أقول: قوله: (وإن تعمد بعد الثلاثين يوما) أي بعد دخول الثلاثين
يوما، هو عبارة عن دخول ذي القعدة، وهو الذي يوفر فيه الشعر.
وقد تقدم الكلام في ذلك مع صاحب المدارك.
وبالجملة فإن ما ذهب إليه في الخلاف لا أعرف له وجها بعد ورود الأمر
بالتقصير وعدم ورود ما ينافيه، والعبادات مبنية على التوقيف من الشارع
فالقول به من غير دليل ضعيف البتة.
وأضعف منه ما يظهر من العلامة في المنتهى، حيث إن ظاهره فيه
اختيار القول بالتحريم ووجوب التقصير، ومع ذلك صرح بأنه لو حلق
أجزأه وسقط الدم. وكيف يجزئه ما لم يقم عليه دليل بل الدليل على خلافه
واضح السبيل، حيث إن الشارع رتب على فعله الدم.
وأوجب الشهيد في الدروس أن يكون التقصير بمكة، قال: ولا يجب
كونه على المروة للرواية الدالة على جوازه في غيرها (2) نعم يستحب عليها

(1) الوسائل الباب 4 من التقصير.
(2) من المحتمل أن يريد بذلك رواية عمر بن يزيد المتقدمة ص 296
حيث قال فيها: " ثم ائت منزلك فقصر.. ".
300

وما ذكره (قدس سره) من الوجوب والاستحباب في الموضعين
المذكورين لم أقف له على مستند، إلا أن يكون الوجه في الأول هو وجوب
الكون عليه بمكة إلى أن يأتي بالحج. إلا أنه على اطلاقه ممنوع كما تقدم
بيانه في محله. ولعله قد وصل إليه من الأدلة في أمثال ذلك ما لم يصل إلينا
ثم قال في الدروس أيضا: ولو حلق بعض رأسه أجزأ عن التقصير،
ولا تحريم فيه. ولو حلق الجميع احتمل الاجزاء لحصوله بالشروع.
وعند التقصير يحل له جميع ما يحل للمحل حتى الوقاع للنص (1) على جوازه
قولا وفعلا.
أقول: ما ذكره (قدس سره) من الاحتمال المذكور ليس ببعيد، لكن
ينبغي تقييده بما إذا نوى من أول الأمر التقصير خاصة ثم بعد حصول
التقصير وحصول الاحلال به حلق الباقي، أما لو نوى حلق الجميع من
أول الأمر فالظاهر عدم الاجزاء، لأن المفهوم من الأخبار أن العبادات
صحة وبطلانا وزيادة ونقصانا تابعة للقصود والنيات، والروايات قد وردت
بأن الحلق مقابل للتقصير وأحدهما غير الآخر، فإذا نوى الحلق من أول
الأمر وحلق رأسه والحال أن فرضه شرعا إنما هو التقصير والحلق غير
جائز له فمن المعلوم إنما أتى به غير مجزي بل موجب للكفارة كما دلت عليه
الأخبار المتقدمة. وحينئذ فما ذكره شيخنا المشار إليه لا يصح على اطلاقه
بل ينبغي التفصيل فيه، نظيره ما تقدم بيانه من أنه لو أن مسافرا فرضه
التقصير صلى تماما فإن نوى القصر في أول دخوله في الصلاة وإنما أتمها
بعد مضي صلاته المقصورة، فإنه يأتي بناء على استحباب التسليم صحة

(1) تقدمت الروايات الدالة على ذلك ص 296.
301

صلاته لأن هذه الزيادة قد وقعت خارجة عن الصلاة وإن نوى الاتمام
من أول الأمر بطلت صلاته. وعلى هذا الوجه تحمل الأخبار الدالة على
بطلان صلاة المسافر إذا صلى تماما إلا مع الجهل (1).
الثالثة - لو جامع امرأته قبل التقصير عالما عامدا وجب عليه جزور إن
كان موسرا وبقرة إن كان متوسطا، وشاة إن كان معسرا، كذا صرح به
في المنتهى. ولو كان جاهلا فلا شئ عليه. وكذا الناسي في ظاهر كلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم).
والذي وقفت عليه من أخبار هذه المسألة ما تقدم (2) في المسألة الأولى
من صحيحة الحلبي أو حسنته.
وما رواه في الكافي (3) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت ثم بالصفا والمروة وقد
تمتع ثم عجل فقبل امرأته قبل أن يقصر من رأسه. فقال عليه دم يهريقه
وإن جامع فعليه جزور أو بقرة) ورواه في الفقيه والتهذيب مثله (4)
بأدنى تفاوت.
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن عمار (5) قال:

(1) الوسائل الباب 17 من صلاة المسافر.
(2) ص 298.
(3) ج 4 ص 440 والوسائل الباب 13 من كفارات الاستمتاع.
(4) الفقيه ج 2 ص 237 والتهذيب ج 5 ص 160 و 161 والوسائل
الباب 13 من كفارات الاستمتاع.
(5) الكافي ج 4 ص 440 و 441 والفقيه ج 2 ص 237 والتهذيب ج 5
ص 161 والوسائل الباب 13 من كفارات الاستمتاع.
302

(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع وقع على امرأته قبل أن
يقصر. قال: ينحر جزورا وقد خفت أن يكون قد ثلم حجه) وزاد في
الكافي والفقيه: (إن كان عالما وإن كان جاهلا فلا شئ عليه).
وما رواه الشيخ في الصحيح بالاسناد المتقدم عن معاوية بن عمار (1).
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع وقع على امرأته قبل أن
يقصر. قال: عليه دم شاة).
وما رواه الشيخ عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (قلت: متمتع وقع على امرأته قبل أن يقصر؟ قال: عليه دم شاة).
ولو واقعها بعد التقصير فلا شئ عليه، لما تقدم (3) من الأخبار الدالة
على الاحلال بذلك.
ويدل عليه أيضا خصوص ما رواه الشيخ عن محمد بن ميمون (4) قال:
(قدم أبو الحسن متمتعا ليلة عرفة فطاف وأحل وأتى بعض جواريه، ثم
أهل بالحج وخرج).
والظاهر أن مستند ما ذكره الأصحاب من التفصيل المتقدم ذكره نقلا
عن المنتهى هو الجمع بين أخبار الجزور والبقرة والشاة بالحمل على الموسر

(1) لم نجد هذه الرواية في مظانها في كتب الحديث.
(2) التهذيب ج 5 ص 161 والوسائل الباب 13 من كفارات الاستمتاع.
(3) ص 296.
(4) الوسائل الباب 20 من أقسام الحج والباب 8 من التقصير.
والشيخ يرويه عن الكليني.
303

والمتوسط والمعسر وله نظائر عديدة في أحكام الحج وقد وردت فيها الأخبار
صريحة بهذا التفصيل. وقد دلت صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة على
أن من قبل امرأته قبل أن يقصر فعليه دم يهريقه وبه قال الشيخ (قدس سره)
على ما نقله في المنتهى. ولا بأس به للخبر المذكور.
الرابعة - إذا طاف المتمتع وسعى ثم أحرم بالحج قبل أن يقصر، فإن
فعل ذلك عامدا فالمشهور أنه تبطل عمرته ويصير الحج مفردا. وقيل ببطلان
الاحرام الثاني والبقاء على الاحرام الأول. وإن كان ناسيا فالمشهور أنه
لا شئ عليه. وقيل عليه دم. وقد تقدم تحقيق المسألة ونقل الأخبار التي
فيها مستوفى في المقصد الثالث من مقاصد الباب الثاني (1) فلا ضرورة
إلى الإعادة.
الخامسة - الأفضل لمن قصر من عمرة التمتع أن يتشبه بالمحرمين في
ترك لبس المخيط وكذا أهل مكة أيام الموسم.
ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري
عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (ينبغي للمتمتع
بالعمرة إلى الحج إذا أحل أن لا يلبس قميصا وليتشبه بالمحرمين) ورآه
الصدوق (قدس سره) مرسلا (3).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (لا ينبغي لأهل مكة أن يلبسوا القميص وأن يتشبهوا بالمحرمين شعثا
غبرا. وقال: ينبغي للسلطان أن يأخذهم بذلك).

(1) ج 15 ص 117.
(2) الوسائل الباب 7 من التقصير.
(3) الوسائل الباب 7 من التقصير.
(4) الوسائل الباب 7 من التقصير.
304

وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (1) قال قال (عليه السلام):
(ينبغي للمتمتع إذا أحل أن لا يلبس قميصا ويتشبه بالمحرمين. وكذا ينبغي
لا هل مكة أيام الحج.
ويكره الطواف بعد السعي حتى يقصر، لما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (لا يطوف المعتمر بالبيت بعد
طواف الفريضة حتى يقصر).
السادسة - إذا أتم المتمتع أفعال عمرته وقصر فقد أحل، كما تقدمت (3)
به الأخبار، وعليه أكثر الأصحاب، وسواء ساق الهدي معه أم لا. وذهب
الشيخ في الخلاف وابن أبي عقيل إلى أنه متى ساق الهدي معه فإنه لا يحل
حتى يبلغ الهدي محله، لأنه قارن. وقد تقدم البحث في المسألة مستوفى
في المقدمة المشتملة على تقسيم الحج إلى الأقسام الثلاثة (4) فليراجع.
السابعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) - بل ادعى
العلامة في المنتهى أنه لا يعرف فيه خلافا - هو عدم وجوب طواف النساء
في عمرة التمتع.
ونقل الشهيد في الدروس عن بعض الأصحاب قولا بأن في المتمتع بها
طواف النساء.
وهو مع جهل قائله مردود بالأخبار المستفيضة ومنها الأخبار المتقدمة (5)

(1) الوسائل الباب 7 من التقصير.
(2) الوسائل الباب 9 من التقصير.
(3) ص 296.
(4) ج 14 ص 372.
(5) ص 296.
305

الدالة على أنه متى قصر حل له كل شئ.
ومنها زيادة على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي وصفوان
عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (على المتمتع
بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة، وعليه إذا قدم
مكة طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم (عليه السلام) وسعى
بين الصفا والمروة، ثم يقصر وقد أحل هذا للعمرة. وعليه للحج طوافان
وسعى بين الصفا والمروة...).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) (المتمتع عليه ثلاثة
أطواف بالبيت وطوافان بين الصفا والمروة.. الحديث).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (3) قال (سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل. فقال المتعة. فقلت
وما المتعة؟ فقال: يهل بالحج في أشهر الحج، فإذا طاف بالبيت وصلى
ركعتين خلف المقام وسعى بين الصفا والمروة قصر وأحل... الحديث)
وقد تقدم (4) الكلام على هذا الحديث، وما دل عليه من أفضلية حج
الافراد على حج التمتع، وأنه خرج مخرج التقية.
نعم روى الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (عليه السلام) (5)
قال: (إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا، فطاف بالبيت، وصلى ركعتين

(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(2) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(3) الوسائل الباب 5 من أقسام الحج.
(4) ج 14 ص 397.
(5) الوسائل الباب 82 من الطواف.
306

خلف مقام إبراهيم (عليه السلام)، وسعى بين الصفا والمروة وقصر،
فقد حل له كل شئ ما خلا النساء، لأن عليه لتحلة النساء طوافا وصلاة).
وهو لضعف سنده قاصر عن معارضة الأخبار المستفيضة الصحيحة الصريحة
من ما قدمناه، وحمله الشيخ على طواف الحج. وهو غير بعيد، لأنه ليس
الخبر صريحا ولا ظاهرا في أن طوافه وسعيه كان للعمرة. والله العالم.
تتمة
تشتمل على فائدتين:
الأولى - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن من دخل مكة
بعمرة التمتع في أشهر الحج، لم يجز له أن يجعلها مفردة، ولا أن يخرج
من مكة حتى يأتي بالحج، لأنها مرتبطة بالحج
وقال ابن إدريس: لا يحرم ذلك بل يكره، لأنه لا دليل على حظر
الخروج من مكة بعد الاحلال من مناسكها.
وهو مردود بالأخبار: منها قوله (صلى الله عليه وآله) في صحيحة
معاوية بن عمار (1) (دخلت العمرة في الحج هكذا. وشبك بين أصابعه)
وإذا فعل عمرة التمتع فقد فعل بعض أفعال الحج فيجب عليه الاتيان

(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج الرقم (4) واللفظ هكذا: " ثم
شبك أصابعه بعضها إلى بعض وقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة "
كما في التهذيب ج 5 ص 455 والفروع ج 4 ص 246 بلا كلمة " بعضها
إلى بعض ".
307

بالباقي، لقوله (عز وجل): وأتموا الحج والعمرة لله (1).
وما رواه معاوية بن عمار (2) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال: إن المتمتع مرتبط بالحج، والمعتمر
إذا فرغ منها ذهب حيث شاء).
وعن علي (3) قال: (سأله أبو بصير وأنا حاضر عمن أهل بالعمرة في
أشهر الحج، له أن يرجع؟ فقال: ليس في أشهر الحج عمرة يرجع فيها
إلى أهله ولكنه يحتبس بمكة حتى يقضي حجه، لأنه إنما أحرم لذلك).
وهذا الخبر وإن أوهم في بادي الرأي الحمل على العمرة المفردة من
حيث اطلاقه إلا أن المفهوم من قوله (لأنه إنما أحرم لذلك) أن المراد
بالعمرة فيه إنما هي عمرة التمتع، وإن أصل احرامه إنما هو للحج، لما
عرفت آنفا من ارتباط العمرة بالحج، فالاحرام بالعمرة المتمتع بها احرام
بالحج في الحقيقة، بمعنى لا يجوز الخروج حتى يأتي بالحج.
إلى غير ذلك من الروايات المتقدمة (4) في المقدمات الدالة على أن من
تمتع بالعمرة إلى الحج فليس له الخروج حتى يأتي بالحج أو يرجع قبل العشرة (5)
الثانية - قد صرح العلامة (قدس سرة) في كتاب المنتهي والتذكرة بأن

(1) سورة البقرة الآية 195.
(2) الوسائل الباب 7 من العمرة.
(3) الوسائل الباب 7 من العمرة.
(4) ج 14 ص 362.
(5) هكذا في الخطية أيضا. والظاهر أنه تصحيف كلمة (الشهر) كما
يظهر بمراجعة المسألة في محلها المتقدم ج 14 ص 362 وسيأتي في المسألة
الثالثة من المطلب الثاني اختياره تحديد المسافة بين العمرتين بالشهر.
308

من أحرم بالعمرة المتمتع بها إلى الحج في غير أشهر الحج، كانت صحيحة
وإن لم يجز التمتع بها، بل تصير عمرة مفردة، قال في المنتهى: ولا
ينعقد الاحرام بالعمرة المتمتع بها إلا في أشهر الحج، فإن أحرم بها في
غيرها انعقد للعمرة المبتولة. ونحوه في التذكرة، ولم ينقل خلافا في ذلك
إلا عن المخالفين (1) وربما أشعر بذلك أيضا بعض عبارات غيره.
وهو - مع كونه لا دليل عليه، وبناء العبادات على التوقيف من الشارع -
مردود بأن ما نواه من التمتع باطل، لعدم حصول شرطه الذي هو وقوعه
في أشهر الحج كما اعترف به، والعمرة المفردة غير منوية ولا مقصودة.
وبالجملة فما ذهب إليه (قدس سره) لا أعرف له وجها.
وأغرب من ذلك ما ذكره (قدس سره) أيضا من أن من أحرم بالحج
في غير أشهر الحج لم ينعقد احرامه للحج وانعقد للعمرة.
واستدل على ذلك بما رواه ابن بابويه عن أبي جعفر الأحول عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (2) (في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج؟
قال: يجعلها عمرة) والذي يقرب أن المراد من الرواية هو أن من فرض
الحج في غير أشهر الحج ينبغي له أن ينوي العمرة، لأن الحج لا يكون
صحيحا على ذلك التقدير، والأولى أن يقصد العمرة وينويها.
المطلب الثاني في العمرة المفردة
وفيه مسائل: الأولى - لا خلاف نصا وفتوى أن العمرة واجبة كالحج.

(1) المغني ج 3 ص 499 طبع مطبعة المنار.
(2) الوسائل الباب 11 من أقسام الحج.
309

قال في المنتهى: العمرة واجبة مثل الحج على كل مكلف حاصل فيه شرائط
الحج بأصل الشرع، ذهب إليه علماؤنا (رضوان الله عليهم) أجمع.
أقول: ويدل عليه قوله (عز وجل): وأتموا الحج والعمرة لله (1).
وما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على
من استطاع، لأن الله (عز وجل) يقول وأتموا الحج والعمرة لله (3)
قلت: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزئ عنه؟ قال: نعم)
وعن عمر بن أذينة في الحسن (4) قال: (كتبت إلى أبي عبد الله
(عليه السلام) بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس،
فجاء الجواب باملائه: سألت عن قول الله (عز وجل): ولله على الناس
حج البيت من استطاع إليه سبيلا (5) يعني به الحج والعمرة جميعا،
لأنهما مفروضان. وسألته عن قول الله (عز وجل): وأتموا الحج
والعمرة لله (6) قال: يعني بتمامهما أداءهما، واتقاء ما يتقي المحرم فيهما).
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن الفضل أبي العباس عن
أبي عبد الله (7) في قول الله (عز وجل): وأتموا الحج والعمرة لله (8)

(1) سورة البقرة الآية 195.
(2) الوسائل الباب 1 من وجوب الحج وشرائطه والباب 1 من العمرة
(3) سورة البقرة الآية 195.
(4) الوسائل الباب 1 من وجوب الحج وشرائطه.
(5) سورة آل عمران الآية 97.
(6) سورة البقرة الآية 195.
(7) الوسائل الباب 1 من وجوب الحج وشرائطه والباب 1 من العمرة.
(8) سورة البقرة الآية 195.
310

قال: هما مفروضان).
وعن زرارة بن أعين في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) (1)
في حديث قال: (العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لأن الله تعالى
يقول: وأتموا الحج والعمرة لله (2) وإنما نزلت العمرة بالمدينة).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن يوم الحج الأكبر. فقال: هو يوم النحر
والأصغر هو العمرة).
وعن المفضل بن صالح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (العمرة مفروضة مثل الحج.. الحديث) قال (5): (وقال
أمير المؤمنين (عليه السلام): أمرتم بالحج والعمرة في لا تبالوا بأيهما
بدأتم) قال الصدوق (قدس سره) يعني العمرة المفردة دون عمرة المتمتع
فلا يجوز أن يبدأ بالحج قبلها.
وما رواه في العلل في الصحيح عن عمر بن أذينة (6) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل): ولله على الناس
حج البيت من استطاع إليه سبيلا (7) يعني به الحج دون العمرة؟ قال:

(1) الوسائل الباب 1 من العمرة.
(2) سورة البقرة الآية 195.
(3) الوسائل الباب 1 من الذبح والباب 1 من العمرة.
(4) الوسائل الباب 1 و 5 من العمرة.
(5) الوسائل الباب 1 من العمرة.
(6) الوسائل الباب 1 من العمرة.
(7) سورة آل عمران الآية 97.
311

لا ولكنه يعني الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضان).
وروى في تفسير العياشي عن عمر بن أذينة (1) قال قلت لا بي عبد الله
(عليه السلام ولله على الناس حج البيت (2).. الحديث مثله.
وقد تجب بالنذر وشبهه والاستيجار، والافساد على ما قطع به الأصحاب
والفوات، فإن من فاته الحج يجب عليه أن يتحلل بعمرة مفردة، ويقضيه
في العام المقبل أن كان واجبا وإلا استحب قضاؤه) وبدخول مكة عدا من
استثنى، وبالجملة فالحكم فيه كالحج، وقد تقدم تحقيق هذه المسألة بالنسبة
إلى الحج في المقدمات.
الثانية - قد ذكر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أن أفعالها ثمانية
النية، والاحرام، والطواف وركعتاه، والسعي، وطواف النساء وركعتاه
والتقصير أو الحلق.
أقول: وقد قدمنا الكلام في جميع هذه المعدودات عدا طواف النساء
وما بعده.
فأما وجوب طواف النساء هنا فهو المشهور بين الأصحاب، بل ادعى
عليه في المنتهى الاجماع.
ونقل الشهيد في الدروس عن الجعفي أنه حكم بسقوط طواف النساء
في المفردة.
أقول: وهو ظاهر الصدوق في من لا يحضره الفقيه حيث قال: ولا يجب
طواف النساء إلا على الحاج. ذكر ذلك في باب اهلال العمرة المبتولة واحلالها

(1) الوسائل الباب 1 من العمرة.
(2) سورة آل عمران الآية 97.
312

ونسكها ولم أعثر على من نقله عنه مع أن كلامه ظاهر فيه كما ترى.
وهو الظاهر أيضا من ابن أبي عقيل، كما سيأتي نقل عبارته إن
شاء الله تعالى.
وأما الأخبار الواردة في ذلك فهي مختلفة فما يدل على القول المشهور
ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن رياح (1) قال: ((سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن مفرد العمرة، عليه طواف النساء؟ قال: نعم).
وعن محمد بن عيسى (2) قال (كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي
إلى الرجل (عليه السلام) يسأله عن العمرة المبتولة، هل على صاحبها
طواف النساء؟ وعن العمرة التي يتمتع بها إلى الحج. فكتب: أما العمرة المبتولة
فعلى صاحبها طواف النساء. وأما التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها
طواف النساء).
ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن عمر بن يزيد أو غيره عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (المعتمر يطوف ويسعى ويحلق ولا بد له بعد
الحلق من طواف آخر).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن أبي البلاد (4) قال:

(1) الوسائل الباب 82 من الطواف.
(2) الفروع ج 4 ص 538 والتهذيب ج 5 ص 163 و ص 254
والوسائل الباب 82 من الطواف.
(3) الفروع ج 4 ص 538 والتهذيب ج 5 ص 254 والوسائل الباب
82 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 82 من الطواف الرقم 5 وارجع إلى التعليقة 5
أو التهذيب ج 5 ص 439.
313

(قلت لإبراهيم بن عبد الحميد وقد هيأنا نحوا من ثلاثين مسألة نبعث
بها إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام): أدخل لي هذه المسألة ولا تسمني
له سله عن العمرة المفردة على صاحبها طواف النساء؟ قال: فجاءه الجواب
في المسائل كلها غيرها فقلت له: أعدها في مسائل أخر. فجاءه الجواب عنها
كلها غير مسألتي. فقلت لإبراهيم بن عبد الحميد: إن هنا شيئا أفرد المسألة
باسمي فقد عرفت مقامي بحوائجك. كتب بها إليه فجاء الجواب نعم هو واجب
لا بد منه فلقى إبراهيم بن عبد الحميد إسماعيل بن حميد الأزرق ومعه المسألة والجواب
فقال: لقد فتق عليكم إبراهيم بن أبي البلاد فتقا وهذه مسألته والجواب
عنها. فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها فقال: نعم هو واجب
فلقي إسماعيل بن حميد بشر بن إسماعيل بن عمار الصيرفي فأخبره فدخل
عليه فسأله عنها فقال: نعم هو واجب) وهي في الدلالة على القول المشهور
واضحة الظهور عارية عن القصور.
وأما ما يدل القول الآخر فصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف
بالبيت وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة فليلحق
بأهله إن شاء الله تعالى).
وصحيحة صفوان بن يحيى (2) قال: (سأله أبو حارث عن رجل
تمتع بالعمرة إلى الحج وطاف وسعى وقصر، هل عليه طواف النساء؟

(1) الفقيه ج 2 ص 275 والوسائل الباب 9 من العمرة.
(2) الوسائل الباب 82 من الطواف.
314

قال: لا إنما طواف النساء بعد الرجوع من منى). ورواية أبي خالد مولى علي بن يقطين (1) قال: (سألت أبا الحسن
(عليه السلام عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال: ليس عليه طواف
النساء).
ورواية يونس (2) قال (ليس طواف النساء إلا على الحاج) قال في
المدارك بعد نقل هده الأخبار الأخيرة: وحكى الشهيد في الدروس عن
الجعفي الافتاء بمضمون هذه الروايات، وهو غير بعيد، لاعتبار سند بعضها
وضعف معارضها، ومطابقتها لمقتضى الأصل. إلا أن المصير إلى ما عليه
أكثر الأصحاب أولى وأحوط. انتهى.
أقول: ومن ما يدل على هذا القول زيادة على ما نقله ما رواه في الكافي
عن زرارة (3) قال: (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إذا
قدم المعتمر مكة وطاف وسعى فإن شاء فليمض على راحلته وليلحق بأهله).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: (العمرة
المبتولة يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحل، فإن شاء أن يرتحل من
ساعته ارتحل).
وما رواه الشيخ (قدس سره) في التهذيب في الحسن عن نجية عن
أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: (إذا دخل المعتمر مكة غير متمتع
فطاف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة وصلى الركعتين خلف مقام إبراهيم
فليلحق بأهله إن شاء).

(1) الوسائل الباب 82 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 82 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 82 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 82 من الطواف.
(5) الوسائل الباب 5 من العمرة.
315

ثم أقول: لا يخفى أن ما طعن به في المدارك على الروايات المتقدمة من
ضعف السند فقد عرفت في غير مقام من ما تقدم أنه غير مرضي ولا معتمد
على أن بعض الأخبار المشار إليها صحيحة السند وإن كان لم ينقله أو لم
يطلع عليه، وهو صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد.
والذي يظهر من سياقها هو خروج هذه الأخبار الأخيرة مخرج التقية،
فإن العامة لا يرون طواف النساء في حج ولا عمرة (1) وظاهر الخبر أنه
كان المعمول عليه يومئذ عدم طواف النساء، حتى أنهم استغربوا أمره
(عليه السلام) بذلك، كما يشير إليه قوله: (لقد فتق عليكم إبراهيم
ابن أبي البلاد فتقا) وسؤال كل واحد منهم على حدة منه (عليه السلام)
ويشير إلى ذلك قوله (عليه السلام) في حديث عمر بن يزيد أو
غيره (ولا بد له بعد الحلق من طواف آخر) حيث كنى عنه ولم يصرح به.
ومثله ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (2) (في الرجل يجئ معتمرا عمرة مبتولة؟
قال: يجزئه إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أن يطوف
طوافا واحدا بالبيت. ومن شاء أن يقصر قصر) أقول: قوله (طوافا
واحدا) أي من غير ضم سعى إليه، فإن طواف النساء لا سعي فيه، فإن
هذه الإشارات وعدم التصريح إنما يقع غالبا في مقام التقية. والرواية
- كما ترى - صحيحة السند.
وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور. واتفاق الأصحاب عليه قديما

(1) المغني ج 3 ص 409 و 411 و 469.
(2) الوسائل الباب 9 من العمرة.
316

وحديثا من ما يوذن بكونه مذهبهم (عليهم السلام) وهو أبلغ في الدلالة
من الأخبار كما قدمنا تحقيقه. على أنه مع العمل بأخبار القول المشهور
وحمل ما خالفها على التقية تجتمع الأخبار، وأما مع العمل بالأخبار
الأخيرة فإنه يلزم طرح تلك الأخبار مع صراحتها وصحة جملة منها كما
لا يخفى. والله العالم.
وأما التخيير بين الحلق والتقصير فيدل عليه جملة من الأخبار ومنها
ما في صحيحة عبد الله بن سنان المذكورة.
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف
الفريضة وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو
قصر. وسألته عن العمرة المبتولة، فيها الحلق؟ قال: نعم، وقال: إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال في العمرة المبتولة اللهم اغفر للمحلقين قيل:
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وللمقصرين قال والمقصرين).
ويستفاد من هذا الخبر أن الحلق فيها أفضل. وبذلك صرح الأصحاب
(رضوان الله عليهم) أيضا.
هذا بالنسبة إلى الرجال وأما النساء فالواجب عليهم التقصير لا غير،
كما صرحوا به أيضا.
ويدل عليه ما رواه الصدوق مرسلا (2) قال: (قال الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 5 من التقصير.
(2) الفقيه ج 1 ص 194 والوسائل الباب 5 من التقصير. وارجع
إلى التعليقة 5 في الباب 41 من مقدمات الطواف.
317

ليس على النساء أذان.. إلى أن قال: ولا الحلق إنما يقصرن من
شعورهن) قال: وروي أنه يكفيها من التقصير مثل طرف الأنملة.
المسألة الثالثة - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في توالي العمرتين
وما يجب من الفصل بينهما وعدمه على أقوال مختلفة:
أحدهما - ما ذهب إليه السيد المرتضى وابن إدريس والمحقق في الشرائع
وغيرهم من جواز الاتباع بين العمرتين مطلقا ولو في كل يوم وإن كره في
أقل من عشرة أيام. قال ابن إدريس: اختلف أصحابنا في أقل ما يكون
بين العمرتين، فقال بعضهم شهر، وقال بعضهم يكون في كل شهر يقع
عمرة، وقال بعضهم لا أوقت وقتا ولا أؤجل بينهما مدة ويصح في كل يوم
عمرة. وهذا القول يقوى في نفسي وبه أفتى، وإليه ذهب السيد المرتضى
في الناصريات. وما روي في مقدار ما يكون بين العمرتين أخبار آحاد لا
توجب علما ولا عملا.
واستدل السيد المرتضى في المسائل الناصرية على ما ذهب إليه بقوله
(صلى الله عليه وآله) (1): (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) ولم
يفصل (عليه السلام) بين أن يكون ذلك في سنة أو سنتين أو شهر أو
شهرين.
وثانيها - ما ذهب إليه الشيخ في النهاية والمبسوط من أن أقل ما يكون
بين العمرتين عشرة أيام. وبه قال ابن الجنيد وابن البراج.

(1) كنز العمال ج 3 ص 22 والوسائل الباب 3 من العمرة عن
الرضا (ع).
318

وثالثها - في كل شهر، وإليه ذهب ابن حمزة قال وروي في كل عشرة
أيام. وإليه ذهب العلامة في المختلف، قال والأقرب أنه لا يكون بين
العمرتين أقل من شهر وقال في المنتهى بعد الكلام في المسألة: إذا عرفت
هذا فقد قيل إنه يحرم بين العمرتين أقل من عشرة أيام، وقيل يكره
وهو الأقرب، انتهى. وهو يرجع إلى القول الأول ويخالف ما ذهب إليه
في المختلف.
ورابعها - ما ذهب إليه ابن أبي عقيل من تحريمها في أقل من سنة، قال:
لا يجوز عمرتان في عام واحد، وقد تأول بعض الشيعة هذا الخبر (1) على
معنى الخصوص، فزعم أنها في المتمتع خاصة فأما غيره فله أن يعتمر في
أي الشهور شاء وكم شاء من العمرة. فإن يكن ما تأولوه موجودا في
التوقيت عن لسان الرسول (صلى الله عليه وآله) فمأخوذ به، وإن كان
غير ذلك من جهة الاجتهاد والظن فذلك مردود عليهم وراجع في ذلك كله
إلى ما قالته الأئمة (عليهم السلام) انتهى.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في
الكافي في الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (في كتاب علي (عليه السلام): في كل شهر عمرة).
وعن يونس بن يعقوب في الموثق (3) قال: (سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول: إن عليا (عليه السلام) كأن يقول: في كل شهر عمرة).
وعن علي بن أبي حمزة (4) قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن رجل يدخل مكة في السنة المرة أو المرتين أو الأربع، كيف يصنع؟

(1) الوسائل الباب 6 من العمرة.
(2) الوسائل الباب 6 من العمرة.
(3) الوسائل الباب 6 من العمرة.
(4) الوسائل الباب 6 من العمرة.
319

قال: إذا دخل فليدخل ملبيا وإذا خرج فليخرج محلا. قال: ولكل
شهر عمرة. فقلت يكون أقل؟ فقال: في كل عشرة أيام عمرة. ثم قال
وحقك لقد كان في عامي هذه السنة ست عمر. قلت: ولم ذاك؟ قال:
كنت مع محمد بن إبراهيم بالطائف فكان كلما دخل دخلت معه)) ورواه
الصدوق (قدس سره) بإسناده عن علي بن أبي حمزة مثله (1).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (كان علي (عليه السلام) يقول: لكل شهر عمرة).
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(العمرة في كل سنة مرة).
وفي الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) وفي الصحيح
أيضا عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (5) قال: (لا يكون
عمرتان في سنة).
وما رواه الصدوق (قدس سره) عن إسحاق بن عمار في الموثق (6)
قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام) السنة اثنا عشر أشهر أيعتمر لكل
شهر عمرة).
وعن علي بن أبي الحسن موسى (عليه السلام) (7)
قال: (في كل شهر عمرة. قال: قلت: يكون أقل من ذلك؟ قال:

(1) الوسائل الباب 6 من العمرة.
(2) الوسائل الباب 6 من العمرة.
(3) الوسائل الباب 6 من العمرة.
(4) الوسائل الباب 6 من العمرة.
(5) الوسائل الباب 6 من العمرة.
(6) الوسائل الباب 6 من العمرة.
(7) الفقيه ج 2 ص 278 والوسائل الباب 6 من العمرة.
320

لكل عشرة أيام عمرة).
وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الإسناد (1) عن أحمد بن
محمد بن عيس عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا (عليه السلام)
أنه قال: (لكل شهر عمرة).
أقول: لا يخفى أن أكثر هذه الروايات يدل على القول الثالث. وقد
تقدم أيضا جملة من الأخبار في الموضع السادس عشر من الفصل الثاني في
كفارة الجماع من الباب الثاني (2) صريحة الدلالة في ذلك. نعم يبقى الكلام
في ما دل على العشرة وهو رواية علي بن أبي حمزة، واحتمل المحدث الكاشاني
في الوافي حملها على المتكرر دخوله من خارج، كما تشعر به رواية صاحب
الكافي لهذا الرواية كما قدمناه. وهو غير بعيد، وعلى كل تقدير فالعمل
على هذه الروايات الكثيرة أظهر.
وأما ما دل على مذهب ابن أبي عقيل من صحاح الحلبي وحريز وزرارة
فقد حملها الشيخ ومن تبعه من الأصحاب على عمرة التمتع. وهو في مقام
الجمع غير بعيد، واحتمل المحدث المتقدم ذكره حملها على التقية (3)
مستندا إلى الأخبار الدالة على الشهر، وأنه مذهب علي (عليه السلام)
وما رواه الصدوق عن ابن بكير عن زرارة (4) قال: (سمعت أبا جعفر
(عليه السلام) يقول: من طال بالبيت وبالصفا والمروة أحل أحب أو

(1) الوسائل الباب 6 من العمرة.
(2) ج 15 ص 388 و 389 في الموضع الثالث عشر.
(3) سيأتي في التعليقة 1 ص 322 ما يوضح ذلك.
(4) الفقيه ج 2 ص 203 والوسائل الباب 5 من أقسام الحج.
321

كره إلا من اعتمر في عامه ذلك أو ساق الهدي وأشعره وقلده) فإن بناء
استثناء المعتمر على عدم جواز عمرتين في عام واحد، حيث إنه متى قلنا
بذلك وقد أتى بعمرة سابقة في عامه ذلك. لم يحل بطوافه وسعيه، لعدم
صحة وقوع العمرة منه.
أقول: المفهوم من المنتهى أن جمهور العامة على اعتبار الشهر كما عليه
جملة من أصحابنا، وقال: وكره العمرة في السنة مرتين الحسن البصري
وابن سيرين ومالك والنخعي (1) والمنقول عنهم - كما ترى - القول
بالكراهة والروايات دالة على التحريم. وبه قال ابن أبي عقيل. فلا يتم
ما ذكره من الحمل على التقية.
وكيف كان فالأظهر هو ما دلت عليه جملة روايات الشهر.

(1) قال ابن حزم في المحلى ج 7 ص 68 طبع عام 1349: وأما العمرة
فنحب الاكثار منها لما ذكرنا من فضلها.. وأما العمرة فإننا روينا من
طريق مجاهد قال علي بن أبي طالب: في كل شهر عمرة. وعن القاسم
ابن محمد أنه كره عمرتين في شهر واحد. وعن عائشة أنها اعتمرت ثلاث
مرات في عام واحد. وعن سعيد بن جبير والحسن البصري ومحمد بن
سيرين وإبراهيم النحعي كراهة العمرة أكثر من مرة في السنة وهو قول
مالك. وقال ابن قدامة في المغني ج 3 ص 226 طبع عام 1368: وكره
العمرة في السنة مرتين الحسن وابن سيرين ومالك. وقال النخعي: ما كانوا
يعتمرون في السنة إلا مرة ولأن النبي صلى الله عليه وآله لم يفعله. وقال ابن قدامة أيضا في
نفس الصفحة: قال على (رض): في كل شهر مرة.. وقال أحمد في
رواية الأثرم: إن شاء اعتمر في كل شهر.
322

وأما ما ذهب إليه المرتضى وابن إدريس ومن تبعهما فالظاهر أنه ضعيف
أما ما استند إليه المرتضى فخبر عامي (1) كما نقله في المنتهي، مع
أنه لا دلالة فيه على التقدير ولا عدمه كما ذكره في المختلف
قال في المختلف - ونعم ما قال -: وأما احتجاج ابن إدريس فضعيف
جدا، إذ ليس فيه سوى التشنيع على الشيخ، والحكم باسناد هذا المطلوب إلى أخبار
الآحاد وذلك ليس حجة. وقول السيد المرتضى لا حجة فيه، واستدلاله غير ناهض
وحكمه (عليه السلام) - بأن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما - لا دلالة فيه على التقدير ولا على عدمه. مع أن أصحابنا (رحمهم الله) نصوا على أن المفسد للعمرة يجب عليه الكفارة وقضاؤها في الشهر الداخل. ولو كان
كل وقت صالحا للعمرة لما انتظر في القضاء إلى الشهر الداخل. وأيضا
حكموا على الخارج من مكة بعد الاعتمار بأنه إذا دخل مكة في ذلك الشهر
اجتزأ بعمرته، ولو دخل في غيره وجبت عليه عمرة أخرى، ويتمتع بالأخيرة
وكل ذلك يدل على اعتبار الشهر بين العمرتين. انتهى. وهو جيد.
المسألة الرابعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
بل ربما ادعى عليه الاجماع وجوب الفورية بالعمرة. وهو في عمرة التمتع
ظاهر، لوجوب الفورية بالحج وهي مقدمة عليه. وأما في العمرة المبتولة فيمكن
الاستدلال عليه بالأخبار الدالة على مساواتها للحج في كيفية الوجوب. وقد
تقدمت في صدر المطلب (2).

(1) تقدم أن الصدوق يرويه في الفقيه عن الرضا (ع) كما في الوسائل
الباب 3 من العمرة.
(2) ص 310 و 311.
323

إلا أن كلامهم في هذا الباب لا يخلو من نوع تشويش واضطراب،
فإنهم قد نصوا على الفورية كما سمعت، قال في المنتهى: وهي واجبة على
الفور كالحج. وقال المحقق في كتاب العمرة من الشرائع: ووجوب العمرة
على الفور. ويؤكده أيضا نصهم على أن محلها بعد الفراع من الحج. قال
في الشرائع من كتاب الحج بعد ذكر حج الافراد: وعليه عمرة مفردة
بعد الحج والاحلال منه. ثم نصوا على أنه يجوز وقوعها في غير أشهر الحج.
ومرادهم العمرة التي يجب الاتيان بها بعد الحج لا العمرة المطلقة ليمكن
بذلك رفع التنافي.
قال في المدارك بعد نقل عبارة المحقق من الشرائع في كتاب الحج بما
ذكرناه: أي ويجوز وقوع العمرة المفردة التي يجب الاتيان بها بعد الحج في غير
أشهر الحج. وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب. بل قال في المنتهى:
والعمرة المبتولة تجوز في جميع أيام السنة، ولا نعرف فيه خلافا. ويدل
عليه اطلاق الأمر بالعمرة من الكتاب والسنة الخالي من التقييد. انتهى.
وقال الشهيد في الدروس: ووقت العمرة الواجبة بأصل الشرع عند
الفراغ من الحج وانقضاء أيام التشريق، لرواية معاوية بن عمار (1)
السالفة أو في استقبال المحرم. وليس هذا القدر منافيا للفورية وقيل
يؤخرها عن الحج حتى يمكن الموسى من الرأس. انتهى.
وظاهر كلامه وجوب تأخيرها بعد الحج إلى انقضاء أيام التشريق، كما
نقل عن جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم):
لصحيحة معاوية بن عمار المتضمنة للنهي عن عمرة التحلل في أيام

(1) الوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
324

التشريق، وهي ما رواه في الصحيح (1) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): رجل جاء حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف؟ قال يقيم
مع الناس حراما أيام التشريق، ولا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت
وسعى بين الصفا والمروة وأحل، وعليه الحج من قابل، يحرم من حيث
أحرم) قالوا: فغيرها أولى.
وفي دلالتها على الوجوب سيما بالتقريب المذكور اشكال.
إلا أنه يمكن الاستعانة على ذلك بما رواه الشيخ في الصحيح عن
الحسن بن محبوب عن داود بن كثير الرقي (2) قال: (كنت مع أبي عبد الله
(عليه السلام) بمنى إذ دخل عليه رجل فقال: قدم اليوم قوم قد فاتهم
الحج. فقال نسأل الله العافية. ثم قال: أرى عليهم أن يهريق كل
واحد منهم دم شاة ويحلون، وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم
وإن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا إلى بعض مواقيت
أهل مكة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل).
والتقريب فيه أنه يفهم من الخبرين المذكورين أن العمرة كيف كانت
لا تقع في أيام التشريق.
وأما ما ذكره من التأخير إلى استقبال المحرم فيدل عليه ما ذكره الشيخ
(رحمه الله تعالى) (3) قال: وقد روى أصحابنا وغيرهم عن
أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
(2) الفروع ج 4 ص 475 والفقيه ج 2 ص 284 والتهذيب ج 5 ص
295 والوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
(3) التهذيب ج 5 ص 27 من الوقوف بالمشعر.
(3) التهذيب ج 5 ص 438 والوسائل الباب 21 من أقسام الحج. ولم
يذكر المروي عنه في الحكم الأول.
325

(أن المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة اعتمر بعد الحج، وهو الذي أمر به
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عائشة.. إلى أن قال وقالوا: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة أقام إلى
هلال المحرم واعتمر، فأجزأت عنه مكان عمرة المتعة).
ثم العجب من قوله (قدس سره) بعد ذلك: وليس هذا القدر
منافيا للفورية، وكيف لا يكون منافيا للفورية وظاهرهم تفسيرها بالاتيان
به بعد الحج، والمتبادر منها هي البعدية القريبة الموجبة للاتصال. على أن
شيخنا الشهيد الثاني (عطر الله تعالى مرقده) قد أورد على جواز التأخير
إلى المحرم اشكالا بوجوب ايقاع الحج والعمرة في عام واحد، قال: إلا
أن يراد بالعام اثنا عشر شهرا، ومبدأها زمان التلبس بالحج.
وأما ما ذكره - من نقل القول بالتأخير حتى يمكن الموسى من الرأس -
فهو إشارة إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1)
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المعتمر بعد الحج قال:
إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن). وظاهرها أن الاتيان بها بعد الاحلال
لا قبله. ولا دلالة فيها على التوقيت. ومن يعمل على هذا الاصطلاح المحدث
يتعين عنده الوقوف على هذه الصحيحة، ومن لا يعمل به فالجمع عنده بين
هذه الصحيحة وبين ما دل على التأخير إلى بعد أيام التشريق لا يخلو من اشكال
قال في المدارك: وبالجملة فلم نقف في هذه المسألة على رواية معتبرة
تقتضي التوقيت، لكن مقتضى وجوب الفورية التأثيم بالتأخير، وهولا ينافي

(1) الوسائل الباب 8 من العمرة.
326

وقوعها في جميع أيام السنة كما قطع به الأصحاب (رضوان الله عليهم).
أقول: متى ثبت الدليل على الفورية، والعبادات توقيفية، يجب الوقوف
فيها على ما رسمه صاحب الشرع وقتا وكمية وكيفية، فإن كان ما ذكره الأصحاب
(رضوان الله عليهم) لا عن دليل فهو خروج عن ما رسمه صاحب الشريعة
فلا يكون مجزئا ولا صحيحا، وإن كان عن دليل فقد تصادم الدليلان في
المسألة وعظم الاشكال، إلا أن يترجح أحدهما بما يوجب العمل به وطرح
الآخر. فما ذكره (قدس سره) لا أعرف له على اطلاقه وجها وجيها.
وبالجملة فإن كلامهم في هذه المسألة غير منقح ولا واضح، والأدلة فيها
كما عرفت. والله العالم.
المسألة الخامسة - ميقات العمرة هو ميقات الحج لمن خارجا عن
حدود المواقيت المتقدمة إذا قصد مكة، وأما غيره ممن كان داخلا بينها
وبين مكة أو من أهل مكة أو مجاورا بمكة وأراد العمرة فإنه يخرج إلى
أدنى الحل، وأفضله من أحد المواقيت التي وقتها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ثمة، وهي الحديبية وجعرانة وعسفان والتنعيم.
وظاهر الدروس الترتيب بينها في الفضل، حيث قال: وأفضله الجعرانة
لا حرام النبي (صلى الله عليه وآله) منها، ثم التنعيم، لأمره بذلك، ثم
الحديبية، لاهتمامه بها.
أقول: الظاهر أن احرامه يومئذ من الجعرانة إنما هو من حيث كونه
في طريقه بعد رجوعه من الطائف إلى مكة، فلا يدل على خصوصية توجب
الفضل على غيرها. وقد أهل أيضا من عسفان في بعض عمره، كما يأتي
في الأخبار إن شاء الله تعالى في المقام.
327

ومن الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن
جميل بن دراج (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة
الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية. قال: تمضي كما هي إلى عرفات
فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر، وتخرج إلى التنعيم فتجعلها عمرة)
قال ابن أبي عمير: (كما صنعت عائشة).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) في حديث قال فيه: (واعتمر رسول الله (صلى
الله عليه وآله) ثلاث عمر متفرقات، كلها في ذي القعدة: عمرة أهل
فيها من عسفان وهي عمرة الحديبية، وعمرة القضاء أهل فيها من الجحفة،
وعمرة أهل فيها من الجعرانة، وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين).
وروى هذه الرواية في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (اعتمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ثلاث عمر متفرقات: عمرة ذي القعدة أهل من عسفان وهي عمرة الحديبية
وعمرة أهل من الجحفة وهي عمرة القضاء، وعمرة من الجعرانة بعد ما
رجع من الطائف من غزوة حنين).

(1) التهذيب ج 5 ص 390 والوسائل الباب 21 من أقسام الحج.
(2) الفقيه ج 2 ص 275 والوسائل الباب 22 من المواقيت والباب 2
من العمرة. والظاهر أنها مرسلة وليست من رواية عبد الله بن سنان. ارجع إلى الوافي باب (جواز افراد العمرة في أشهر الحج) والوسائل
البابين المتقدمين.
(3) الفروع ج 4 ص 251 والوسائل الباب 2 من العمرة.
328

وفي صحيحة معاوية بن عمار الطويلة المتقدمة في المطلب الأول من
المقدمة الرابعة (1) المتضمنة لسياق حجه (صلى الله عليه وآله) قال
(إنه لما قالت له عائشة: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أترجع
نساؤك بحجة وعمرة معا وارجع بحجة؟ أنه أقام بالأبطح وبعث بها
عبد الرحمان بن أبي بكر إلى التنعيم وأهلت بعمرة.. الحديث).
وفي صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
لما قال له سفيان: ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة
فيحرمون منها؟ فقلت له: هو وقت من مواقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقال: وأي وقت من مواقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو؟ فقلت
له: أحرم منها حين قسم غنائم حنين ومرجعه من الطائف.. الحديث
وفي صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
(من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر اعتمر من الجعرانة أو الحديبية أو
ما أشبهها).
وأما ما يدل على الاحرام من المواقيت الستة المشهورة لمن كان خارجا فهو
ما تقدم من أنه لا يجوز لأحد قاصد إلى مكة أن يجاوز هذه المواقيت إلا
محرما. وقد تقدمت الأخبار بذلك في المقصد الثالث من الباب الثاني في
الاحرام (4).

(1) ج 14 ص 315 إلى 319.
(2) الفروع ج 4 ص 300 والوسائل الباب 9 من أقسام الحج.
(3) الوسائل الباب 22 من المواقيت.
(4) ج 15 ص 123.
329

المسألة السادسة - قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) بأن
جميع أوقات السنة صالح للعمرة المبتولة، وأن أفضلها رجب.
ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه في الكافي عن معاوية بن عمار
في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (المعتمر يعتمر
في أي شهور السنة شاء، وأفضل العمرة عمرة رجب).
وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2)
في حديث قال: (وأفضل العمرة عمرة رجب).
وروى الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
(أنه سئل أي العمرة أفضل: عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان؟
فقال: لا بل عمرة في رجب أفضل)،
أقول: ويكفي في كونها رجبية حصول الهلال بها في رجب وإن
وقعت الأفعال في شعبان.
روى ذلك ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) في حديث قال: (إني كنت أخرج
لليلة أو ليلتين تبقيان من رجب، فتقول أم فروة: أي أبة إن عمرتنا
شعبانية فأقول لها: أي بنية إنها في ما أهللت وليس في ما أحللت).
وعن عيسى الفراء عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال: (إذا

(1) الوسائل الباب 3 من العمرة.
(2) الوسائل الباب 3 من العمرة.
(3) الوسائل الباب 3 من العمرة.
(4) الوسائل الباب 3 من العمرة. إلا أن هذا الحديث في الفروع
ج 4 ص 293 يرويه معاوية بن عمار كما في الوافي باب (أصناف الحج
والعمرة وأفضلهما) ولم نقف على روايته في الفروع في مظانه عن الخزاز.
(5) الوسائل الباب 3 من العمرة.
330

أهل بالعمرة في رجب وأحل في غيره كانت عمرته لرجب وإذا أهل في غير
رجب وطاف في رجب فعمرته لرجب).
وروى الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال: (إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة
فعمرتك رجبية).
المسألة السابعة - قد قدمنا أن هذه العمرة واجبة مفروضة على الخلق
كوجوب الحج. ويجب أن يعلم أن من تمتع بالعمرة إلى الحج سقط عنه
فرض وجوبها.
ويدل على ذلك ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إذا استمتع الرجل بالعمرة
فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة).
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) في حديث
(قلت: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أيجزئ ذلك عنه قال: نعم).
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر (4) قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن العمرة أواجبة هي؟ قال: نعم. قلت: فمن تمتع يجزي عنه؟
قال: نعم).
وروى الشيخ في الموثق عن يعقوب بن شعيب (5) قال: (قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): قول الله عز وجل: وأتموا الحج والعمرة

(1) الوسائل الباب 3 من العمرة.
(2) الوسائل الباب 5 من العمرة.
(3) الوسائل الباب 1 و 5 من العمرة.
(4) الوسائل الباب 5 من العمرة.
(5) الوسائل الباب 5 من العمرة.
331

لله (1) يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟
قال: كذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله) أصحابه).
وروى الصدوق (قدس سره) عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة
المفروضة (3) ومن اعتمر في أشهر الحج عمرة مفردة فإن شاء ذهب حيث
شاء وإن شاء دخل بها في الحج وجعلها عمرة تمتع.
المسألة الثامنة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
أن صفة العمرة المفردة هوانه إذا دخل مكة، طاف بالبيت طوافا واحد
وصلى ركعتيه ثم سعى بين الصفا والمروة، ثم قصر إن شاء أو حلق، ثم
طاف طواف النساء وقد أحل من كال شئ أحرم منه.
ونقل في المختلف عن أبي الصلاح تقديم طواف النساء على الحلق أو
التقصير، حيث قال ثم يدخل المسجد، فيطوف بالبيت، ويسعى بين
الصفا والمروة، ثم يرجع إلى البيت فيطوف طوافا آخر، وهو طواف النساء
ثم يحلق رأسه.
وعن ابن أبي عقيل أنه قال في وصف العمرة المفردة: فإذا طاف
بالبيت وصلى خلف المقام وسعى بين الصفا، قصر أو حلق، وإن
شاء خرج وإن شاء أقام. ولم يذكر طواف النساء وظاهره موافق لما تقدم
نقله عن الجعفي والصدوق من أنه ليس في العمرة المبتولة طواف النساء.

(1) سورة البقرة الآية 105.
(2) الوسائل الباب 1 و 5 من العمرة.
(3) إلى هنا تنتهي ألفاظ الرواية في كتب الحديث.
332

وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثانية.
بقي الكلام هنا في ما ذكره أبو الصلاح من تقديم طواف النساء على
الحلق والتقصير.
والذي يدل على القول المشهور من تأخر طواف النساء رواية إبراهيم بن
عبد الحميد المتقدمة (1) في المسألة المذكورة. ومثلها صحيحة عبد الله بن
سنان المنقولة ثمة أيضا (2).
ويؤيده أيضا قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (3)
المتقدمة ثمة أيضا: (المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة
وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصر).
والتقريب أنه رتب الحلق أو التقصير على الفراغ من هذه الأشياء
خاصة، فهو يدل على متابعته لها وأنه بعدها بلا فصل.
المسألة التاسعة - المعروف من كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
أن من دخل مكة بعمرة مفردة في غير أشهر الحج فليس له أن يتمتع بها
وإن كان في أشهر الحج فإن له أن يتمتع بها، وإن شاء ذهب حيث شاء
والأفضل أن يقيم حتى يحج ويجعلها متعة. ونقل عن ابن البراج أن من اعتمر
بعمرة غير متمتع بها إلى الحج في شهور الحج ثم أقام بمكة إلى أن أدرك
يوم التروية، فعليه أن يحرم بالحج ويخرج إلى منى ويفعل ما يفعله الحاج،
ويصير بذلك متمتعا. ومن دخل مكة بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز له
أن يقضيها ويخرج إلى أي موضع شاء ما لم يدركه يوم التروية.

(1) ص 313.
(2) ص 316.
(3) الوسائل الباب 5 من التقصير.
333

أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي
عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(لا بأس بالعمرة المفردة في أشهر الحج ثم يرجع إلى أهله) وهذا الخبر
دال باطلاقه على القول المشهور إلا أن يقوم دليل على التقييد.
وفي الصحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
(أنه سئل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم رجع إلى بلاده. قال:
لا بأس، وإن حج من عامه ذلك وأفرد الحج فليس عليه دم، فإن
الحسين بن علي (عليهما السلام) خرج قبل التروية بيوم إلى العراق وقد
كان دخل معتمرا) وفي التهذيب (3) (خرج يوم التروية) وهو الأصح
كما في الحديث الآتي.
وعن معاوية بن عمار (4) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
من أين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال: إن المتمتع مرتبط بالحج والمعتمر
إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسين (عليه السلام) في
ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى. ولا
بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج).
أقول: والظاهر من استدلاله (عليه السلام) بخروج الحسين (صلوات
الله عليه) يوم التروية بعد اعتماره في أشهر الحج هو جواز الخروج قبل
ذلك بطريق أولى. وهو ظاهر في الرد على ما نقل عن ابن البراج.

(1) الوسائل الباب 7 من العمرة.
(2) الفروع ج 4 ص 535 والوسائل الباب 7 من العمرة.
(3) ج 5 ص 436.
(4) الوسائل الباب 7 من العمرة.
334

وما ادعاه بعض المحققين من أن خروج الحسين (عليه السلام)
للضرورة فلا يكون حجة في الدلالة على جواز الخروج مطلقا ينافيه استدلاله
(عليه السلام) بذلك، وذلك فإن القائل بالقول المشهور لم يستدل بخروج
الحسين (عليه السلام) في ذلك اليوم حتى أنه يرد عليه ما ذكره، بل
إنما استدل بقوله (عليه السلام) في الخبر الأول: (لا بأس) وفي الحديث
الثاني (ذهب حيث شاء) ثم استدل (عليه السلام) على الحكم المذكور
بفعل الحسين. والاعتراض بما ذكره هذا المحقق يرجع في الحقيقة إلى
الاعتراض على الإمام (عليه السلام) في هذين الخبرين، وهو أظهر في
البطلان من أن يحتاج إلى بيان.
وبالجملة فإن الخبرين ظاهران في أن المعتمر عمرة مفردة في أشهر الحج
له الخروج أي وقت شاء.
وأظهر منهما في ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن نجية عن أبي جعفر
(عليه السلام) (1) قال: (إذا دخل المعتمر مكة غير متمتع، فطاف
بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، وصلى الركعتين خلف مقام إبراهيم
(عليه السلام) فليلحق بأهله إن شاء. وقال: إنما أنزلت العمرة المفردة
والمتعة لأن المتعة دخلت في الحج ولم تدخل العمرة المفردة في الحج).
وظاهر الخبر المذكور عدم جواز الدخول في حج التمتع بالعمرة المفردة
وإن كانت في أشهر الحج. ولهذا حمله الشيخ على العمرة المفردة في غير أشهر الحج
ومنها: ما رواه الصدوق في الموثق عن سماعة بن مهران عن

(1) الوسائل الباب 5 من العمرة.
335

أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال: (من حج معتمرا في شوال
ومن نيته أن يعتمر ويرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك. وإن هو أقام إلى
الحج فهو متمتع، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن
اعتمر فيهن وأقام إلى الحج فهي متعة، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى
الحج فهي عمرة. وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج
فليس بمتمتع وإنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في
أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز
عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج، فإن هو أحب أن يفرد الحج
فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها).
أقول: ربما يتوهم من هذه الرواية الدلالة على ما ذهب إليه ابن البراج
بأن يقال: المعنى فيها أنه بعد اعتماره إن انصرف إلى بلاده فلا بأس،
وإن أقام إلى الحج - أي إلى يوم الحج وهو يوم التروية الذي يخرجون
فيه إلى الحج - فهو متمتع لا يجوز له الخروج بعد ذلك. والظاهر أنه ليس
المعنى في الخبر ذلك، بل المراد إنما هو أنه إن أراد الذهاب بعد عمرته
فلا بأس، وإن لم يرد الذهاب بل أراد الحج فليحج متمتعا. فظاهر الخبر
تعين التمتع في ما لو أراد الحج والحال هذه، من حيث إن العمرة وإن
كانت إنما وقعت أولا بنية الافراد إلا أنها من حيث الوقوع في أشهر الحج
صارت مرتبطة بالحج متى قصده وأراده. والذي يظهر من كلام الأصحاب
(رضوان الله عليهم) أن الحج متعة إنما هو على جهة الأفضلية والاستحباب

(1) الفقيه ج 2 ص 274 والوسائل الباب 10 من أقسام الحج والباب
7 من العمرة.
336

ولعله نظر إلى أن العمرة أولا إنما كانت عمرة مفردة فهو مخير في الحج
حينئذ لكنه متى اختار التمتع كان له الاكتفاء بتلك العمرة. والذي يظهر
لي من الخبر هو ما ذكرته.
ومنها: ما رواه الصدوق (قدس سره) في الصحيح عن عمر بن يزيد
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (من اعتمر عمرة مفردة فله
أن يخرج إلى أهله متى شاء إلا أن يدركه خروج الناس يوم التروية).
أقول: وهذه الرواية ظاهرة في ما نقل عن ابن البراج.
وما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم (2) قال: أخبرني بعض أصحابنا:
(أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) في عشر من شوال، فقال: إني
أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر. فقال له: أنت مرتهن بالحج. فقال له
الرجل: إن المدينة منزلي ومكة منزلي ولي بينهما أهل وبينهما أموال؟
فقال له: أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة
واحتاج إلى الخروج إليها؟ فقال: تخرج حلالا وترجع حلالا إلى الحج).
أقول: حمله في التهذيبين على من دخل لعمرة التمتع ثم أراد افرادها
وفي الإستبصار جوز حمله على الاستحباب.
ثم أقول: لا يخفى أن هذا الخبر لا يوافق ما ذكرة ابن البراج،
لتخصيصه وجوب الحج بدخول يوم التروية عليه في مكة، وإلا فيجوز له
الخروج قبل ذلك. وهذا الخبر دل على أنه يجب عليه حج التمتع وإن

(1) الوسائل الباب 7 من العمرة.
(2) التهذيب ج 5 ص 436 و 437 والوسائل الباب 22 من أقسام الحج
والباب 7 من العمرة.
337

أحرم في شوال وأنه ليس له الخروج بعد دخوله بعمرته. فهو حينئذ غير
معمول عليه اتفاقا، مع رد الأخبار المتقدمة له، ولا سيما قوله (عليه السلام)
في آخر رواية معاوية بن عمار: (ولا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا
يريد الحج).
ومنها: ما رواه الشيخ في التهذيب (1) في الصحيح عن عمر بن يزيد
عن أبي عبد الله) عليه السلام) قال: (من دخل مكة معتمرا مفردا
للعمرة فقضى عمرته ثم خرج كان ذلك له، وإن أقام إلى أن يدركه الحج
كانت عمرته متعة. وقال: ليس تكون متعة إلا في أشهر الحج).
أقول: وظاهر هذه الرواية وإن أوهم ما نقل عن ابن البراج إلا أنه
يمكن حملها على أنه أقام إلى الحج وعزم عليه وكانت إقامته لأجل الحج
فليتمتع. وهي ظاهرة أيضا في ما قدمناه من تعين المتمتع في الصورة المذكورة
ومنها: رواية عمر بن يزيد أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج
حتى يحج مع الناس).
وحملها الشيخ على من اعتمر عمرة المتمتع. وهو ممكن من حيث اطلاق
العمرة فيها، إلا أنه بالنظر إلى غيرها من ما صرح فيه بالمفردة وأن الحكم
فيها ما ذكر في هذه الرواية يمكن حمل اطلاقها على تلك الروايات المذكورة
ومنها: ما رواه الشيخ عن علي (3) قال: (سأله أبو بصير وأنا حاضر
عن من أهل بالعمرة في أشهر الحج، أله أن يرجع؟ قال: ليس في أشهر

(1) الوسائل الباب 15 من أقسام الحج والباب 7 من العمرة.
(2) الوسائل الباب 7 من العمرة.
(3) الوسائل الباب 7 من العمرة.
338

الحج عمرة يرجع منها إلى أهله، ولكنه يحتبس بمكة حتى يقضي حجه
لأنه إنما أحرم لذلك) والظاهر حمله على عمرة التمتع، كما قدمنا بيانه
في التتمة التي في آخر المطلب الثاني. ويدل عليه قوله في آخر الرواية:
(لأنه إنما أحرم لذلك).
ومنها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (1) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المعتمر في أشهر الحج. قال:
هي متعة)،
وما رواه الصدوق (قدس سره) في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن
سنان (2) (أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المملوك يكون في
الظهر يرعى وهو يرضى أن يعتمر ثم يخرج. فقال: إن كان اعتمر في
ذي القعدة فحسن، وإن كان في ذي الحجة فلا يصلح إلا الحج).
وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (العمرة في العشر متعة).
أقول: قد دلت صحيحة يعقوب بن شعيب على ما دلت عليه مرسلة
موسى بن القاسم المتقدمة من أن من اعتمر في أشهر الحج فليتمتع. وظاهر
صحيحة عبد الله بن سنان تخصيص ذلك بذي الحجة، وأما لو كان في
ذي القعدة فلا بأس أن يخرج. ومثلها رواية عمر بن يزيد بالتقريب
المذكور في ذيلها. وظاهر رواية عبد الرحمان تخصيص ذلك بعشر ذي الحجة
وظاهر صحيحتي عمر بن يزيد المتقدمتين تخصيص ذلك بادراك يوم التروية

(1) الوسائل الباب 15 من أقسام الحج والباب 7 من العمرة.
(2) الوسائل الباب 7 من العمرة.
(3) الوسائل الباب 7 من العمرة.
339

المعبر عنه في الثانية بأن يدركه الحج. وهذه مراتب قد ترتبت في هذه
الروايات للأمر بالحج تمتعا لمن اعتمر مفردا في أشهر الحج. وابن البراج
إنما أخذ بالمرتبة الأخيرة. والروايات المتقدمة - كما عرفت - ظاهر ة الدلالة
في أن له الرجوع مطلقا. ولا يحضرني وجه لهذا الاختلاف. والحكم فيه
مرجا إليهم (عليهم السلام). والله العالم.
المسألة العاشرة - قال في الدروس: ويستحب الاشتراط في احرامها،
والتلفظ بها في دعائه إمام الاحرام، وفي التلبية. ولو استطاع لها خاصة
لم تجب. وإن استطاع للحج مفردا دونها فالأقرب الوجوب. ثم تراعى
الاستطاعة لها. ولا يدخل أفعالها في أفعال الحج، ولا يكره ايقاعها في يوم
عرفة ولا يوم النحر ولا أيام التشريق. ولو ساق فيها هديا نحره قبل أن يحلق
رأسه بالحزورة على الأفضل. ولو جامع فيها قبل السعي عالما عامدا فسدت
ووجبت عليه بدنة، وقضاؤها في زمان يصح فيه الاتباع بين العمرتين.
وعلى المرأة المطاوعة مثله. ولو أكرهها تحمل البدنة. ولو جامع بعد
السعي فالظاهر وجوب البدنة وإن كان بعد الحلق. ولو جامع في المتمتع
بها قبل السعي. فسدت، وسرى الفساد إلى الحج في احتمال. ولو كان
بعده قبل التقصير، فجزور إن كان موسرا، وبقرة إن كان متوسطا،
وشاة إن كان معسرا. وقال الحسن: بدنة. وقال سلار: بقرة. وأطلقا.
وعلى المطاوعة مثله. ولو أكرهها تحمل. ولو قبلها قبل التقصير فشاة. فلو
ظن اتمام السعي فجامع أو قصر أو قلم أظفاره، كان عليه بقرة، واتمام
340

السعي، لروايتي معاوية (1) وسعيد بن يسار (2) وليس في رواية
ابن مسكان (3) سوى الجماع. انتهى.
أقول: أما ما ذكره من استحباب الاشتراط في احرامها فيدل عليه
ما رواه في الكافي عن فضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال (المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه. ومفرد
الحج يشترط على ربه إن لم تكن حجة فعمرة).
وأما التلفظ بها في الدعاء والتلبية فلم أقف فيه على نص في خصوص
العمرة المفردة، ولعله مأخوذ من نصوص التمتع فإنه المذكور فيها.
وأما أنه لو استطاع لها خاصة لم تجب.. إلى آخر ما ذكره في ذلك فهو
أحد الأقوال في المسألة على ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وسبطه
في المدارك.
وقيل إنه لا يشترط في وجوبها الاستطاعة للحج معها بل لو استطاع إليها
خاصة وجبت. وكذا الحج بطريق أولى، واستجوده في المسالك.
وقال في المدارك: وهو أشهر الأقوال في المسألة وأجودها، إذ ليس في ما
وصل إلينا من الروايات دلالة على ارتباطها بالحج، بل ولا دلالة على اعتبار

(1) الظاهر أن مراد الشهيد برواية معاوية هي التي نقلها المصنف عن
الشهيد الثاني ص 285 وأنكر وجودها وقد أوردنا في التعليقة (5) هناك
ما يرتبط بذلك فراجع.
(2) تقدمت ص 285.
(3) تقدمت ص 284.
(4) الوسائل الباب 23 من الاحرام.
341

وقوعها في السنة، وإنما المستفاد منها وجوبها خاصة.
أقول: وهو الظاهر من الأخبار التي قدمناها في صدر هذا المطلب،
ومنها: قول أبي عبد الله (عليه السلام) في صحيحة معاوية (1) بن عمار:
(العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع..) ونحوها
صحيحة زرارة بن أعين المذكور ثمة أيضا (2) وغيرها.
وقيل إن كلا منهما لا يجب إلا مع الاستطاعة للآخر.
قال في المسالك بعد نقل القولين المذكورين: وفصل ثالث فأوجب الحج
مجردا عنها وشرط في وجوبها الاستطاعة للحج. وهو مختار الدروس.
ثم إن ما ذكره في المدارك - من أنه ليس في ما وصل إليه من
الروايات دلالة.. - من ما ينافيه ما قدمنا نقله في المسألة الرابعة (3)
من قول أبي عبد الله (عليه السلام) في المرسلة التي نقلها الشيخ عن
أصحابنا وغيرهم: (إن المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة اعتمر بعد الحج..
الحديث) فإن ظاهره أن محلها الموظف لها بعد الحج وإن جاز تأخيره إلى
أول المحرم كما دل عليه عجز الخبر. والوظائف الشرعية يجب الوقوف فيها
على النقل، والتجاوز إلى غيره يحتاج إلى دليل. فما ذكره في هذا المقام -
وصرح به أيضا في موضع آخر من قوله: وقد قطع الأصحاب (رضوان
الله عليهم) أنه يجب على القارن والمفرد تأخير العمرة عن الحج، وفي
استفادة ذلك من الأخبار نظر. انتهى - محل اشكال.

(1) الفروع ج 4 ص 265 والوسائل الباب 1 من العمرة.
(2) ص 311.
(3) ص 325 و 326.
342

وأما ما ذكره من أنه لا يدخل أفعالها في أفعال الحج - فوجهه ظاهر
من العبادات مبنية على التوقيف، وكل من الحج والعمرة نسك مستقل
فادخال أحدهما في الآخر بأن ينوي الحج قبل تحلله من العمرة أو العمرة
قبل تحلله من الحج غير جائز عند علمائنا. وقد نقل شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك الاجماع على ذلك. ويدل عليه ظاهر قوله (عز وجل):
وأتموا الحج والعمرة لله (1) وقد تقدم الخلاف في من لبى بالحج قبل أن
يقصر من عمرته.
وأما أنه لا يكره ايقاعها في الأيام المذكورة فينافيه ما تقدم منه قبيل هذا
الكلام من قوله: ووقت العمرة الواجبة بأصل الشرع عند الفراغ من
الحج وانقضاء أيام التشريق، لرواية معاوية بن عمار (2) وقد تقدم ايضاح
ذلك في المسألة الرابعة بما يؤذن بقوله بوجوب تأخيرها عن أيام التشريق،
كما هو ظاهر الرواية المذكورة. فكيف يتم ما ذكره هنا من أنه لا يكره
ايقاعها في أيام التشريق على اطلاقه. إلا أن يخص بالواجبة ويكون
الكلام هنا في المستحبة لمن لم يجب عليه الحج، فإنه لا مانع من ايقاعها
في هذه الأيام.
وأما أن من ساق هديا فيها نحره قبل أن يحلق رأسه بالحزورة فهو
مدلول بعض الأخبار، والأخبار في المسألة مختلفة في ذلك. وسيأتي الكلام
عليها إن شاء الله تعالى في محلها.
وأما ما ذكره - من أنه لو جامع فيها قبل السعي.. إلى آخره -

(1) سورة البقرة الآية 195.
(2) تقدمت ص 324 و 325.
343

فقد تقدم تحقيق القول فيه في الموضع السادس عشر من الفصل الثاني في
كفارة الجماع من الباب الثاني (1) وكذا جماع المتمتع قبل السعي أو بعده
قبل التقصير. وقد تقدم في الموضع المشار إليه ما يدل على بعض أحكامه
وقد تقدم قريبا أيضا ما يدل على بعض.
وأما حكم المرأة المطاوعة والمكرهة فهو وإن لم أقف عليه في خصوص
احرام العمرة المفردة لكنه داخل في عموم الأخبار الدالة على جماع المحرم
وأما قوله -: ولو جامع بعد السعي.. إلى قوله: وإن كان بعد الحلق -
فيحتمل أن يكون حكما مستقلا عن ما قبل، ويكون إشارة إلى ما تقدم
في الموضع الثالث عشر من الفصل الثاني في كفارة الجماع من وجوب
البدنة على المجامع بعد السعي. إلا أن قوله: (وإن كان بعد الحلق)
مشكل، حيث إنه بعد الحلق قد أحل فلا تلحقه الكفارة. ويحتمل -
وهو الأنسب بصحة العبارة وإن بعد من حيث نظم الكلام - رجوع ذلك
إلى الاكراه، بمعنى أنه يجب عليه الكفارة بالاكراه بعد السعي وإن كان
بعد الحلق، بعد احلاله واحرامها هي. ويحتمل - ولعله الأقرب - أن
ايجابه البدنة إنما هو من حيث عدم الاتيان بطواف النساء. إلا أني لم
أقف على مصرح به من الأصحاب (رضوان الله عليهم). وقد تقدم في
الموضع المشار إليه آنفا أن وجوب البدنة في العمرة بعد السعي وقبل
التقصير إنما ثبت في عمرة التمتع دون المفردة. فليتأمل. والله العالم.

(1) ج 15 ص 387 الموضع الثالث عشر.
344

الباب الرابع
في الحج وفيه مقاصد:
المقصد الأول
في الوقوف بعرفات.
والبحث عن مقدماته وكيفيته وأحكامه يقع في فصول ثلاثة:
الفصل الأول في المقدمات، وفيه مسائل:
المسألة الأولى - المشهور بين الأصحاب استحباب الاحرام للحج يوم
التروية، ونقل في المختلف عن ابن حمزة القول بالوجوب إذا أمكنه
الاحلال والاحرام بالحج ولم يتضيق الوقت، مستندا إلى الأمر بالاحرام
يوم التروية في جملة من الأخبار الآتية، وحمله الأصحاب على الاستحباب،
استنادا إلى اشتمال تلك الأخبار على جملة من المستحبات.
أقول: ومن ما يدل على جواز وقوعه في غير يوم التروية ما تقدم قريبا (1)
في حديث أبي الحسن (عليه السلام) من أنه دخل ليلة عرفة معتمرا
فأتى بأفعال العمرة وأحل وجامع بعض جواريه ثم أهل بالحج وخرج
إلى منى.

(1) ص 303.
345

وما رواه الشيخ في التهذيب (1) في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث
قال فيه: (وموسع للرجل أن يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم
التروية إلى أن يصبح حيث يعلم أنه لا يفوته الموقف).
وفي الصحيح عن علي بن يقطين (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له وقت أول منه. قال: إذا
زالت الشمس. وعن الذي يريد أن يتخلف بمكة عشية التروية، إلى أية
ساعة يسعه أن يتخلف؟ قال: ذلك موسع له حتى يصبح بمنى) ومعناه أن
أول وقت الخروج إلى منى زوال الشمس من يوم التروية وآخره آخر ليلة عرفة
بأن يصبح في منى لا يتقدم على هذا ولا يتأخر عن هذا. هذا هو الأصل في
أفضلية الوقت وإن جاز التقديم والتأخير على خلاف الفضل، ولذوي الأعذار
كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والظاهر أن ما ذكره علماء الرجال من أن علي بن يقطين روى عن
أبي عبد الله (عليه السلام) حديثا واحدا هو هذا الحديث.

(1) ج 5 ص 176، قد اعتبر في الوافي باب (الخروج إلى منى)
هذا الكلام من تتمة حديث البزنطي عن بعض أصحابه الذي أورده في
الوسائل الباب 3 من احرام الحج والوقوف بعرفة، ولم يعتبره من الحديث
المزبور بل من كلام الشيخ (قدس سره)، وقد جرى المصنف (قدس سره)
على نهج الوافي حيث اعتبره من الحديث. وسيأتي منه نقل الحديث
المذكور في المسألة الثالثة.
(2) الوسائل الباب 3 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
346

وهذه الأخبار ظاهرة في رد ما نقل عن ابن حمزة من القول بالوجوب
في يوم التروية.
ثم إن من المستحب في هذا ليوم أيضا قبل الاحرام الغسل وقص
الأظفار وطلي العانة ونتف الإبطين وأخذ الشارب.
ومن الأخبار في المقام ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا كان يوم
التروية إن شاء الله، فاغتسل، والبس ثوبيك، وادخل المسجد حافيا وعليك
السكينة والوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) أو
في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة، ثم قل في دبر
صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، واحرم بالحج، ثم امض
وعليك السكينة والوقار، فإذا انتهيت إلى الروحاء دون الردم فلب، فإذا
انتهيت إلى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى)
وما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت
أن تحرم، وخذ من شاربك ومن أظفارك، واطل عانتك إن كان لك شعر،
وانتف إبطيك، واغتسل، والبس ثوبيك، ثم ائت المسجد الحرام فصل
فيه ست ركعات قبل أن تحرم، وتدعو الله تعالى وتسأله العون، وتقول:

(1) الفروع ج 4 ص 454 والتهذيب ج 5 ص 167 والوسائل الباب 1
من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) الفروع ج 4 ص 454 والتهذيب ج 5 ص 168 والوسائل الباب
52 من الاحرام.
347

اللهم إني أريد الحج فيسره لي وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي.
وتقول: أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي من النساء والطيب والثياب،
أريد بذلك وجهك والدار الآخرة، وتحلني حيث حبستني لقدرك
الذي قدرت علي. ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت،
وتقول: لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك، فإن قدرت أن يكون رواحك إلى
منى زوال الشمس وإلا فمتى تيسر لك من يوم التروية).
وما رواه الشيخ في التهذيب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صل ركعتين
خلف المقام، ثم أهل بالحج، فإن كنت ماشيا فلب عند المقام، وإن
كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك، وصل الظهر إن قدرت بمنى. واعلم
أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار).
وعن أيوب بن الحر عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(قلت له: إنا قد أطلينا ونتفنا وقلمنا أظفارنا بالمدينة فما نصنع عند
الحج؟ فقال: لا تطل ولا تنتف ولا تحرك شيئا).
وهذا الخبر حمله الشيخ في التهذيب (3) على الحجة المفردة دون المتمتع
بها قال: لأن المفرد لا يجوز له شئ من ذلك حتى يفرغ من مناسك يوم

(1) التهذيب ج 5 ص 169 والوسائل الباب 46 و 15 و 18 من الاحرام
والباب 2 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) الوسائل الباب 7 من الاحرام.
(3) ج 5 ص 168 والوسائل الباب 7 من الاحرام.
348

النحر، وليس في الخبر أنا قد فعلنا ذلك ونحن متمتعون غير مفردين.
وفي الإستبصار جملة من الأخبار عن الجواز وإن كان التنظيف أفضل. قال
في الوافي وهو الأظهر، لأن المتبادر من قوله (عند الحج) الاحرام به
فينبغي حمله على ما إذا كان قريب العهد بالاطلاء والنتف وكان أقل من
خمسة عشر يوما الذي هو النصاب في ذلك. وهو جيد.
فائدة
روى الصدوق (قدس سره) في كتاب علل الشرائع والأحكام (1)
في الحسن عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (سألته لم سمي يوم التروية يوم التروية؟ قال: لأنه لم يكن بعرفات ماء
وكانوا يستقون من مكة من الماء لريهم، وكان بعضهم يقول لبعض ترويتم
ترويتم: فسمي يوم التروية لذلك).
ورواة في المحاسن (2) بالسند المذكور عن أبي عبد الله (عليه السلام)
هكذا: قال: (لأنه لم يكن بعرفات ماء وكان يستقون من مكة الماء
لريهم، وكأن يقول بعضهم لبعض: ترويتم من الماء، فسميت التروية)
وروى في المحاسن (3) أيضا في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله. (عليه السلام) قال: (سميت التروية لأن جبرئيل أتى

(1) ص 435 الطبعة الحديثة.
(2) ج 2 ص 236.
(3) ج 2 ص 336 وفي الوسائل الباب 19 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
349

إبراهيم يوم التروية فقال: يا إبراهيم ارتو من الماء لك ولا هلك. ولم يكن
بين مكة وعرفات ماء، ثم مضى به إلى الموقف فقال له: اعترف واعرف
مناسكك. فلذلك سميت عرفة. ثم قال له: ازدلف إلى المشعر الحرام
فسميت المزدلفة).
وروى في الكافي (1) عن أبي بصير (أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله
(عليهما السلام) يذكران أنه لما كان يوم التروية قال جبرئيل لا إبراهيم تروه
من الماء. فسميت التروية. ثم أتى منى فأباته بها. ثم غدا به إلى عرفات فضرب خباءه
بنمرة دون عرفة فبنى مسجدا بأحجار بيض، وكان يعرف أثر مسجد إبراهيم
حتى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة.. الحديث) وهو طويل يتضمن
قضية ذبح إسماعيل.
ونقل العلامة في المنتهى عن الجمهور (2) وجها آخر، وهو أن إبراهيم
رأى في تلك الليلة التي رأى فيها ذبح الولد رؤياه، فأصبح يروي في نفسه
أهو حلم أم من الله تعالى؟ فسمي يوم التروية، فلما كانت ليلة عرفة رأى
ذلك أيضا فعرف أنه من الله تعالى، فسمى يوم عرفة.
الثانية - اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) - بعد اتفاقهم على
استحباب الاحرام أو وجوبه يوم التروية عند الزوال - في أفضلية الصلاة
المكتوبة في المسجد ووقوع الاحرام في دبرها أو تأخيرها إلى منى، فقال
الشيخ في النهاية والمبسوط: وإذا أراد أن يحرم للحج فليكن ذلك عند
زوال الشمس بعد أن يصلي الفرضين في مكة. وذهب الشيخ المفيد

(1) ج 4 ص 207
(2) المغني ج 3 ص 404 طبع عام 1368 والدر المنثور ج 5 ص 283.
350

والسيد المرتضى إلى تأخير الفرضين إلى منى. ونقل في المختلف عن
الشيخ علي بن الحسين بن بابويه أنه قال: وإذا كان يوم التروية، فاغتسل
والبس ثياب احرامك، وات المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار، وصل
عند المقام الظهر والعصر، واعقد احرامك في دبر العصر، وإن شئت في
دبر الظهر، بالحج مفردا. وقال ابن الجنيد: الأفضل أن يكون عقيب
صلاة العصر المجموعة إلى الظهر، ويصلي ركعتين عند المقام أو في الحجر،
وإن صلى ست ركعات للاحرام كان أفضل، وإن صلى فريضة الظهر ثم
أحرم في دبرها كان أفضل.
وظاهر هذه العبارات أنه لا فرق في ذلك بين الإمام وغيره. وقال الشيخ
في التهذيب أن الخروج بعد الصلاة مختص بمن عدا الإمام من الناس، فأما
الإمام نفسه فلا يجوز له أن يصلي الظهر والعصر يوم التروية إلا بمنى. وحمل
العلامة في المنتهى عبارته بعدم الجواز على شدة الاستحباب، وإلى هذا القول
ذهب أكثر المتأخرين، والظاهر أنه المشهور بينهم. واختار في المدارك التخيير
لغير الإمام بين الخروج قبل الصلاة أو بعدها، وأما الإمام فيستحب له
التقدم والخروج قبل الزوال وايقاع الفرضين في منى. وهو جيد. وعليه
تجتمع الأخبار.
فمن الأخبار الواردة في المقام ما تقدم من صحيحة معاوية بن عمار أو
حسنة، وهي دالة على استحباب الصلاة في المسجد، لكنها مطلقة شاملة
باطلاقها للإمام وغيره ورواية عمر بن يزيد وظاهرها أفضلية التأخير إلى
منى مطلقا.
351

ومنها: ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال:
(قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا انتهيت إلى منى فقل: اللهم إن
هذه منى وهي من ما مننت به علينا من المناسك، فأسألك أن تمن علي
بما مننت به على أنبيائك، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك. ثم تصلي بها
الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، والإمام يصلي بها الظهر
لا يسعه إلا ذلك. وموسع لك أن تصلي بغيرها إن لم تقدر ثم تدركهم
بعرفات..).
وهذا الخبر ظاهر في استثناء الإمام وأنه لا يسعه إلا الصلاة بمنى
ومفهومه أن غيره يسعه ذلك (
ووجه الجمع بين هذه الأخبار بالنسبة إلى غير الإمام هو التخيير.
والظاهر أن الشيخ المفيد والسيد المرتضى قد استندا في ما ذهبا إليه من
تأخير الفريضة إلى منى إلى صحيحة معاوية بن عمار الثانية، ورواية عمر
ابن يزيد.
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2): وإذا كان يوم التروية فاغتسل
والبس ثوبيك اللذين للاحرام، وات المسجد حافيا وعليك السكينة
والوقار، وصل عند المقام الظهر والعصر، واعقد احرامك دبر العصر،
وإن شئت في دبر الظهر بالحج مفردا، تقول: اللهم إني أريد ما أمرت به من
الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله) فإن عرض لي عرض

(1) الفروع ج 4 ص 461 والتهذيب ج 5 ص 177 و 178 والوسائل
الباب 6 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) ص 28
352

حبسني فحلني أنت حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. ولب مثل ما
لبيت في العمرة.. الحديث. ومنه يعلم أن ما تقدم نقله عن الشيخ علي
ابن بابويه فهو مأخوذ من الكتاب على ما تكرر في غير موضع من ما قدمنا.
ومن الأخبار الدالة على اختصاص الإمام بتأخير الصلاة إلى منى زيادة
على ما عرفت في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ما رواه في الكافي في
الصحيح أو الحسن وفي من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن جميل بن
دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (على الإمام أن يصلي
الظهر بمنى، ثم يبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس، ثم يخرج إلى عرفات).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (ينبغي للإمام أن يصلي الظهر من يوم التروية بمنى، ويبيت بها
ويصبح حتى تطلع الشمس، ثم يخرج).
وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما
السلام) (3) قال: ((لا ينبغي للإمام أن يصلي الظهر يوم التروية إلا بمنى
ويبيت بها إلى طلوع الشمس)).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: (على الإمام أن يصلي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف ويصلي الظهر
يوم النفر في المسجد الحرام).

(1) الفروع ج 4 ص 460 والفقيه ج 2 ص 280 والوسائل الباب 4
من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) الوسائل الباب 4 من احرام الحج والوقوف بعرفة
(3) الوسائل الباب 4 من احرام الحج والوقوف بعرفة
(4) الوسائل الباب 4 من احرام الحج والوقوف بعرفة
353

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (1) في الصحيح عن محمد بن مسلم
قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل صلى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) الظهر بمنى يوم التروية؟ فقال: نعم، والغداة بمنى يوم عرفة).
أقول: وهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة في الوجوب كما هو
ظاهر كلام الشيخ المتقدم، والأصحاب تأولوه بالحمل على شدة الاستحباب
ولا يبعد أن مراد الشيخ إنما هو الوجوب حقيقة فإن ظاهر هذه الأخبار
كلها يساعده، ولا ينافي ذلك لفظ (ينبغي ولا ينبغي) في صحيحة جميل
وصحيحة محمد بن مسلم، فإن استعمال ذلك في الوجوب والتحريم في
الأخبار أكثر من أن يحصى كما تقدم بيانه. وليس في شئ من هذه الأخبار
أو غيرها من يوذن بجواز ذلك له في غير منى. فالقول بالوجوب ليس بالبعيد
عملا بظاهرها كما لا يخفى.
أقول: والمراد بالإمام هنا هو من يجعله الخليفة واليا على الموسم لا
الإمام حقيقة وإن كان منتحلا.
ويدل على ذلك ما رواه في الكافي (2) عن حفص المؤذن قال: (حج
إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين ومائة، فسقط أبو عبد الله (عليه السلام)
عن بغلته، فوقف عليه إسماعيل، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام):
سر فإن الإمام لا يقف).
الثالثة - ما تقدم من استحباب الخروج بعد الزوال من يوم التروية

(1) ج 2 ص 280 والتهذيب ج 5 ص 177 والوسائل الباب 4 من احرام
الحج والوقوف بعرفة.
(2) الوسائل الباب 5 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
354

مخصوص بغير ذوي الأعذار كما نبه عليه الأصحاب ودلت عليه الأخبار،
كالمريض والشيخ الكبير ونحوهما ممن يخاف الزحام فإنه يجوز لهم التعجيل
رخصة من غير كراهة، بل يستحب بيوم أو يومين أو ثلاثة.
ويدل على ذلك ما رواه ثقة الاسلام في الموثق عن إسحاق بن عمار عن
أبي الحسن (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن الرجل يكون شيخنا
كبيرا أو مريضا يخاف ضغط الناس وزحامهم، يحرم بالحج ويخرج إلى منى قبل
يوم التروية؟ قال: نعم. قلت: يخرج الرجل الصحيح يلتمس
مكانا ويتروح بذلك المكان؟ قال: لا. قلت: يعجل بيوم؟ قال: نعم
قلت: بيومين؟ قال: نعم. قلت: ثلاثة؟ قال: نعم. قلت: أكثر
من ذلك؟ قال: لا).
وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) عن إسحاق بن عمار قال:
(قلت لأبي الحسن (عليه السلام): يتعجل الرجل قبل التورية بيوم أو
يومين من أجل الزحام وضغاط الناس؟ فقال: لا بأس) وقال في خبر
آخر: (لا يتعجل بأكثر من ثلاثة أيام).
وروى الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض

(1) الفروع ج 4 ص 460 والوسائل الباب 3 من احرام الحج
والوقوف بعرفة.
(2) ج 2 ص 280 عن أبي عبد الله (ع). وفي الوسائل الباب 3 من
احرام الحج والوقوف بعرفة، والوافي باب (الخروج إلى منى) عن
أبي الحسن (ع).
355

أصحابه (1) قال: (قلت لأبي الحسن (عليه السلام): يتعجل الرجل
قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام وضغاط الناس؟ فقال:
لا بأس... الحديث) وقد تقدم تمامه في صدر المسألة الأولى.
الرابعة - ما تقدم من الأحكام في المسائل المتقدمة كله مختص بحج
التمتع، وأما الكلام في القارن والمفرد فلم يتعرض له أصحابنا في البحث.
قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك - بعد نقل قول المصنف: فيستحب
للمتمتع أن يخرج إلى عرفات يوم التروية - ما هذا نصه: خص المتمتع بالذكر
لأن استحباب الاحرام يوم التروية موضع وفاق بين المسلمين. وأما القارن
والمفرد فليس فيه تصريح من الأكثر، وقد ذكر بعض الأصحاب أنه كذلك
وهو ظاهر اطلاق بعضهم. وفي التذكرة نقل الحكم في المتمتع عن الجميع
ثم نقل خلاف العامة في وقت احرام الباقي هل هو كذلك أم في أول
ذي الحجة (2). انتهى.
أقول: وفي المنتهى نحو ما نقله في التذكرة، فإنه قال بعد الكلام في
المتمتع: أما المكي فذهب مالك إلى أنه يستحب أن يهل بالحج من المسجد
بهلال ذي الحجة، وروى عن ابن عمر وابن عباس وطاووس وسعيد بن

(1) التهذيب ج 5 ص 176 والوسائل الباب 3 من احرام الحج
والوقوف بعرفة. وقول المصنف "... الحديث " يبتني على أن للحديث
تتمة وقد بينا ما في ذلك في التعليقة 1 ص 346.
(2) راجع المغني ج 3 ص 404 طبع عام 1368.
356

جبير استحباب احرامه يوم التروية أيضا، وهو قول أحمد... (1) إلى أن
قال (قدس سره): ولا خلاف في أنه لو أحرم المتمتع أو المكي قبل
ذلك في أيام الحج فإنه يجزئه. انتهى.
أقول: المستفاد من الأخبار أن المفرد متى كان من أهل الأقطار مقيما
بمكة وانتقل حكمه إليهم أو أراد الحج مفردا استحبابا، فإنه يحرم بالحج
من أول ذي الحجة إن كان ضرورة، وإن كان قد حج سابقا فمن اليوم
الخامس من ذي الحجة، وبعضها مطلق في الاحرام من أول الشهر، وأنه يخرج
إلى التنعيم أو الجعرانة ويحرم منها لا من مكة.
وقد تقدمت الأخبار في ذلك في المقدمة الرابعة، ولنشر هنا إلى بعضها:
فمنها: صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (2) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): إني أريد الجوار فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال
هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فاحرم منها الحج... إلى أن قال:
ثم قال: إن سفيان فقيهكم أتاني فقال: ما يحملك على أن تأمر أصحابك
يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ فقلت له: هو وقت من مواقيت رسول الله
(صلى الله عليه وآله). فقال: وأي وقت من مواقيت رسول الله (صلى
الله عليه وآله) هو؟ فقلت له: أحرم منها حين قسم غنائم حنين ومرجعه من

(1) المغني ج 3 ص 404 طبع عام 1368.
(2) الفروع ج 4 ص 300 والوسائل الباب 9 من أقسام الحج.
357

الطائف... إلى أن قال: فقال: أما علمت أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه
وآله) أحرموا من المسجد. فقلت: إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم
الدماء وإن هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهل مكة وأهل مكة لا متعة لهم،
فأحببت أن يخرجوا من مكة إلى بعض المواقيت وأن يستغبوا به أياما...
الحديث).
وعن صفوان عن أبي الفضل (1) قال: (كنت مجاورا بمكة، فسألت
أبا عبد الله (عليه السلام): من أين أحرم بالحج؟ فقال: من حيث
أحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الجعرانة... فقلت: متى أخرج؟
قال: إن كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم، وإن كنت قد حججت
قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس).
وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (2) قال: قال (عليه السلام):
(ينبغي للمجاور بمكة إذا كان صرورة وأراد الحج أن يخرج إلى خارج الحرم
فيحرم من أول يوم من العشر، وإن كان مجاورا وليس بصرورة فإنه يخرج
أيضا من الحرم ويحرم في خمس تمضي من العشر).
وفي الصحيح إلى إبراهيم بن ميمون (3) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
أن أصحابنا مجاورون بمكة وهم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟
قال: قل لهم: إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا

(1) الفروع ج 4 ص 302 والوسائل الباب 9 من أقسام الحج. وفي
الخطية: " وفي الصحيح عن صفوان... ".
(2) ص 71 و 72 والوسائل الباب 19 من المواقيت.
(3) التهذيب ج 5 ص 446 والوسائل الباب 9 من أقسام الحج.
358

... الحديث).
وفي موثقة سماعة (1) في من اعتمر في غير أشهر الحج وأقام بمكة:
(فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها
حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج، فإن
هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها).
وهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة في أن الاحرام بالحجة
المفردة للمجاور من خارج الحرم من هذه المواضع وأنها ميقات له، وأن
احرامه من هلال ذي الحجة أو بعد مضي خمسة أيام منه.
ويفهم من بعض الأخبار أيضا أنه يحرم يوم التروية أيضا.
وهو ما رواه في الكافي عن سماعة في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج: في رجب أو
شعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الشهور إلا أشهر الحج، فإن أشهر
الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثم
أراد أن يحرم، فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها ثم يأتي مكة، ولا يقطع
التلبية حتى ينظر إلى البيت، ثم يطوف بالبيت ويصلي الركعتين عند مقام
إبراهيم (عليه السلام) ثم يخرج إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما، ثم
يقصر ويحل، ثم يعقد التلبية يوم التروية).
والتقريب فيها أن هذه العمرة الثانية المشار إليها بقوله: (ثم أراد أن
يحرم...) لا يجوز أن تكون عمرة تمتع لوجوب الاتيان بها من الميقات

(1) الفقيه ج 2 ص 274 والوسائل الباب 10 من أقسام الحج.
(2) الوسائل الباب 8 من أقسام الحج.
359

كما أشارت إليه موثقة سماعة المتقدمة وصرح به غيرها، وهي اتفاق الأصحاب
بل هي عمرة مفردة، فالحج المشار إليه بقولة: (ثم يعقد التلبية يوم
التروية) حج افراد البتة. وقد صرح بأنه يعقد احرامه يوم التروية، وهو
ظاهر في كونه من مكة أيضا. وأما غيره من أقسام المفردين فلا ريب في أن
احرامهم من مكة للأخبار المستفيضة بأن من كان منزله دون الميقات إلى
مكة فإن ميقاته منزله. وأما أنه أي يوم فلم أقف فيه على نص صريح كما
اعترفوا به في ما قدمنا نقله عنهم، ولكن أحدا منهم لم ينبه على هذا الفرد
الذي ذكرناه أيضا.
الخامسة - الظاهر أنه لا خلاف في أن احرام الحج من مكة وأنها
ميقات حج التمتع، وأن أي موضع أحرم فيه منها فهو مجزئ.
ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن صفوان عن
أبي أحمد عمرو بن حريث الصيرفي (1) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك وإن شئت من
الكعبة وإن شئت من الطريق) إلا أن في التهذيب (2) (وهو بمكة) بعد
قوله: (قلت لأبي عبد الله السلام) وفيه (من المسجد) عوض قوله
(من الكعبة).
وقد وقع الاتفاق أيضا على أفضليته من المسجد، وإنما الخلاف في أفضلية
أي موضع منه.
ومن ما يدل على حصول الفضلية من المسجد في أي جزء منه ما تقدم

(1) الوسائل الباب 21 من المواقيت.
(2) ج 5 ص 166 و 477 والوسائل الباب 21 من المواقيت.
360

في صدر البحث من رواية أبي بصير وقوله (عليه السلام) فيها: (ثم
ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات.. إلى آخره).
وما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب في الموثق (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) من أي المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال: من
أي المسجد شئت).
وأما تعيين الأفضل منه فقال الشيخ (قدس سره): أفضل المواضع
التي يحرم منها المسجد، وفي المسجد، عند المقام. وهو قول ابن إدريس،
والظاهر من كلام ابن بابويه والمفيد والعلامة في المختلف، وبه صرح في
الدروس أيضا فقال: والأقرب أن فعله في المقام أفضل من الحجر تحت
الميزاب. وقال في المنتهى: يحرم من مكة، والأفضل أن يكون من تحت
الميزاب ويجوز أن يحرم من أي موضع شاء من مكة، ولا نعلم فيه خلافا.
انتهى. وظاهر كلام أبي الصلاح يشعر بأن أفضله تحت الميزاب أو عند المقام
واستند الأولون إلى ما تقدم من رواية عمر بن يزيد المتقدمة (2) في صدر
البحث من قوله (عليه السلام): (ثم صل ركعتين خلف المقام، ثم
أهل بالحج). ويدل عليه أيضا ما تقدم نقله عن كتاب الفقه الرضوي.
وبه قال الشيخ علي بن بابويه كما تقدم نقل عبارته.
ويدل على قول أبي الصلاح صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (3) ثمة
أيضا وقوله (عليه السلام): (ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر

(1) الفروع ج 4 ص 455 والتهذيب ج 5 ص 166 و 167 والوسائل
الباب 21 من المواقيت.
(2) ص 348
(3) ص 347.
361

ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك...
إلى آخره).
وقال في المختلف في الجواب عن هذه الرواية: والجواب: التخيير لا
ينافي أولوية أحد الأمرين المخير فيهما بأمر آخر غير أمر التخيير كما في
خصال الكفارة. انتهى.
أقول: فيه أنه مسلم لو دلت الرواية المذكورة على الأولوية، ومجرد الذكر
لا يدل على الأولوية، لأنه أحد فردي المخير والأولوية أمر آخر وراء مجرد
ذكره كما لا يخفى.
وأما ما ذكره في المنتهى ومثله غيره أيضا من أفضليته تحت الميزاب
بالخصوص فلم أقف له على دليل، والموجود في الأخبار كما عرفت إنما هو
التخيير أو كونه في المقام.
السادسة - قال في المختلف: قال شيخنا المفيد: إذا كان يوم التروية
فليأخذ من شاربه وليقلم أظفاره ويغتسل ويلبس ثوبيه، ثم يأتي المسجد
الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار، فليطف أسبوعا إن شاء، ثم ليصل
ركعتين لطوافه عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ثم ليقعد حتى تزول
الشمس فإذا زالت فليصل ست ركعات. وقال ابن الجنيد: من أحل من
متعته أحرم يوم التروية للحج قبل خروجه إلى منى عقيب طواف أسبوع
بالبيت وركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) أو غيره. وقال أبو الصلاح:
ويطوف أسبوعا ثم يصلي ركعتي الطواف ثم يخرج بعدهما. ولم يذكر الشيخ
هذا الطواف ولا السيد المرتضى ولا ابن إدريس ولا ابن بابويه. والشيخ عول
على الحديث، فإنه لم يذكر فيه الطواف، والمفيد عول على أنه قادم على
362

المسجد، فاستحب له التحية، والطواف أفضل من الصلاة، ولا نزاع بينهما
حينئذ. بقي أن يقال: إن قصد المفيد استحباب هذا الطواف للاحرام فهو
ممنوع، فإن المجاور يستحب له الصلاة أكثر من الطواف إذا جاور ثلاث
سنين. انتهى.
أقول: قد ذكر هذا الطواف أيضا الصدوق في من لا يحضره الفقيه
في باب سياق مناسك الحج (1) فقال: فإذا كان يوم التروية فاغتسل،
والبس ثوبيك، وادخل المسجد الحرام حافيا وعليك السكينة والوقار، فطف
بالبيت أسبوعا تطوعا.. إلى أن قال: واقعد حتى تزول الشمس، فإذا
زالت الشمس فصل ست ركعات قبل الفريضة، ثم صل الفريضة، واعقد
الاحرام في دبر الظهر وإن شئت في دبر العصر. وحينئذ فما نقله (قدس سره)
عن ابن بابويه من أنه لم يذكر هذا الطواف ليس في محله إلا أن يريد به أباه
الشيخ علي بن الحسين، وهو خلاف المعروف من هذه العبارة في كلامهم
ثم إن ظاهر الشيخ المفيد تقديم مستحبات الاحرام المذكورة على الزوال
وقال أبو الصلاح: فإذا زالت الشمس من يوم التروية، فليغتسل، ويلبس
ثوبي احرامه، ويأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار، فيطوف
بالبيت أسبوعا، ثم يصلي ركعتي الطواف، ثم يحرم بعدهما. وصحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث صريحة الدلالة في ما ذكرة
شيخنا المفيد.
ثم إن ظاهر كلام أبي الصلاح المذكور أن الاحرام عقيب ركعتي
الطواف، وهو ظاهر عبارة ابن الجنيد المتقدمة. وظاهر كلام الشيخ المفيد

(1) ج 2 ص 302.
363

أنه عقيب ست ركعات الاحرام. ونقل في المختلف عن الشيخين أنهما
جعلاه عقيب ست ركعات وأقله ركعتان. وما في المختلف إلى أن الأفضل
عقيب فريضة الظهرين، وهو الذي صرح به الشيخ علي بن بابويه في ما
قدمنا من عبارته، وهو الذي ذكره في كتاب الفقه الرضوي، ويدل عليه
صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة. وما تقدم في رواية أبي بصير من
الاحرام عقيب الست ركعات، ورواية عمر بن يزيد من الاهلال عقيب
الركعتين يمكن حملهما علي غير وقت الفريضة، فإنهما مطلقتان لا تصريح
فيهما بكون الاحرام في وقت مخصوص. وأما ما ذكره الشيخ المفيد من
الاحرام عقيب الست ركعات أو الركعتين فهو مبني على ما نقل عنه آنفا
من تأخير صلاة الظهرين إلى منى. وقد تقدم الكلام فيه.
السابعة - قال الشيخ: إن كان ماشيا لبى من موضعه الذي صلى فيه
وإن كان راكبا إذا نهض به بعيره، فإذا انتهى إلى الردم فأشرف على
الأبطح رفع صوته بالتلبية، وقال الشيخ المفيد (قدس سره): ثم ليلب
حين ينهض به بعيره ويستوي قائما، وإن كان ماشيا فليلب عند الحجر
الأسود، فإذا انتهى إلى الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح فليرفع
صوته بالتلبية حتى يأتي منى. وقال الشيخ علي بن بابويه: فإذا خرجت
إلى الأبطح فارفع صوتك بالتلبية. وقال ابن الجنيد: ويلبي إن شاء من
المسجد أو من حيث يخرج من منزله بمكة، وإن شاء أن يؤخر اجهاره
بالتلبية إلى أن ينتهي إلى الأبطح خارج مكة فعل. وهو يدل على أولوية
الاجهار عند الاحرام. وقال ابن إدريس: فإن كان ماشيا جهر بالتلبية
من موضعه الذي عقد الاحرام فيه، وإن كان راكبا لبى إذا نهض به بعيره
364

فإذا انتهى إلى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية. وقال أبو
الصلاح: ثم يلبي مستسرا فإذا نهض به بعيره أعلن بالتلبية، وإن كان
ماشيا فليجهر بها من عند الحجر الأسود، فإذ انتهى إلى الرقطاء دون الردم
وأشرف على الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى.
أقول: والذي وقفت من الأخبار ما تقدم من صحيحة معاوية
ابن عمار، وظاهرها أن مبدأ التلبية إذا انتهى إلى الروحاء دون الردم فإذا
انتهى إلى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بها.
وما تقدم من رواية أبي بصير، وفيها: أنه يلبي من المسجد الحرام.
وما تقدم من رواية عمر بن يزيد، وفيها: التفصيل بأنه إن كان ماشيا
فمن المقام وهو المكان الذي صلى فيه صلاة الاحرام، وإن كان راكبا فإذا
نهض به بعيره.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (1) قال:. (قلت لأبي جعفر
(عليه السلام) متى ألبي بالحج؟ قال: إذا خرجت إلى منى ثم قال:
إذا جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على يسارك فلب بالحج).
وما رواه الصدوق في الصحيح عن حفص بن البختري ومعاوية بن
عمار وعبد الرحمان بن الحجاج والحلبي جميعا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
أنه قال: (وإن أهللت من المسجد الحرام للحج، فإن شئت لبيت خلف

(1) الفروع ج 4 ص 455 والتهذيب ج 5 ص 167 والوسائل الباب 46
من الاحرام. وفي الخطية والمطبوعة " قلت لأبي عبد الله (ع) ".
(2) الوسائل الباب 46 من الاحرام.
365

المقام، وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء فتلبي قبل أن تصير إلى
الأبطح).
أقول: وبهذه الصحيحة الأخيرة يجمع بين الأخبار المتقدمة، بأن يقال
إنه يتخير بين التلبية من المسجد وبين تأخيرها إلى هذه المواضع المذكورة
في الأخبار وهو الأفضل. وأما الجهر بها فهو إذا أشرف على الأبطح. وما
دلت عليه رواية عمر بن يزيد من التفصيل بين الراكب والماشي يحمل على أنه إذا اختار التلبية من المسجد وإن كان خلاف الأفضل فليعمل بهذا التفصيل.
الثامنة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا طواف
بالبيت بعد احرام الحج. وظاهر الحسن ابن أبي عقيل استحبابه في الصورة
المذكورة، حيث قال: إذا اغتسل يوم التروية وأحرم بالحج طاف بالبيت
سبعة أشواط وخرج منها متوجها إلى منى، ولا يسعى بين الصفا والمروة
حتى يزور البيت فيسعى بعد طواف الزيارة. قال في المختلف بعد نقل
ذلك عنه: ولم يذكر باقي أصحابنا هذا الطواف، فإن قصد بذلك ما
ذكره الشيخ المفيد وابن الجنيد فذلك قبل الاحرام. انتهى. أقول:
أشار بما ذكره الشيخ المفيد وابن الجنيد إلى ما قدمنا نقله عنهما في المسألة
السادسة.
هذا. والمفهوم من كلام الشيخ وغيره من الأصحاب كراهة هذا الطواف، بل
يفهم من كلام الشيخ تحريمه، حيث قال في النهاية والمبسوط: إذا أحرم
بالحج لم يجز له أن يطوف بالبيت إلى أن يرجع من منى، فإن سها فطاف
بالبيت لم ينتقض احرامه غير أنه يعقده بتجديد التلبية. واختاره ابن حمزة
وقال ابن إدريس: لا ينبغي أن يطوف بالبيت إلى أن يرجع من منى،
366

فإن سها فطاف بالبيت لم ينتقض احرامه سواء جدد التلبية أو لم يجدد.
واحرامه منعقد فلا حاجة إلى انعقاد المنعقد. وقال في التهذيب: لا يجوز
لمن أحرم بالحج أن يطوف بالبيت تطوعا إلى أن يعود من منى، فإن فعل
ذلك ناسيا فلا شئ عليه، وقال في المنتهى: ولا يسن له الطواف بعد
احرامه. وقال في الدروس: ولا طواف بعد احرام الحج. واستحسنه الحسن.
أقول: والأظهر ما هو المشهور من كراهته، لما رواه الشيخ في
الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام وقد أزمع بالحج، يطوف بالبيت؟
قال: نعم ما لم يحرم).
وعن صفوان بن يحيى في الصحيح عن عبد الحميد بن سعيد عن
أبي الحسن الأول (عليه السلام) (2) قال: (سألته عن رجل أحرم يوم
التروية من عند المقام بالحج، ثم طاف بالبيت بعد احرامه، وهو لا يرى
أن ذلك لا ينبغي، أينقض طوافه بالبيت احرامه. فقال: لا ولكن
يمضي على احرامه).
ثم إن ما ذكره الشيخ - من أنه بعد الطواف سهوا يعقد احرامه
بتجديد التلبية - مبني على ما تقدم في المقدمة الرابعة (3) من أن من طاف
بعد عقد احرامه ولو في حج التمتع طوافا مستحبا فإنه يعقد احرامه بالتلبية

(1) الفروع ج 4 ص 455 والتهذيب ج 5 ص 169 والوسائل الباب
83 من الطواف.
(2) الوسائل الباب 83 من الطواف.
(3) ج 14 ص 384.
367

لئلا يحل. وما ذكره ابن إدريس هنا مبني على ما ذكره في تلك المسألة
أيضا من أن المحرم لا يحل بمجرد الطواف بل بالنية. وقد تقدم تحقيق
القول في المسألة في الموضع المذكور. إلا أن ظاهر رواية عبد الحميد
المذكورة من ما يدل على عدم بطلان الاحرام بالنسبة إلى حج التمتع.
ويعضده أن جملة الروايات المتقدمة (1) الدالة على تجديد التلبية موردها
القارن والمفرد خاصة. إلا أن مورد هذه الرواية الجاهل أو الناسي.
التاسعة - المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن من نسي
الاحرام بالحج إلى أن يحصل بعرفات جدد الاحرام منها وليس عليه شئ
فإن لم يذكر حتى يرجع إلى بلده، فإن كان قد قضى مناسكه كلها فلا
شئ عليه، قاله الشيخ (قدس سره) ومن تبعه من الأصحاب.
وقال ابن إدريس في السرائر - بعد نقل عبارة الشيخ في النهاية بهذا
المضمون الذي ذكرناه - ما صورته: وقال الشيخ في المبسوط: أما النية
فهي ركن في الأنواع الثلاثة من تركها فلا حج له عامدا أو ناسيا إذا كان
من أهل النية. ثم قال بعد ذلك: وعلى هذا إذا فقد النية لكونه سكران
هذا آخر كلامه. قال محمد بن إدريس: والذي يقتضيه أصول المذهب
ما ذهب إليه في مبسوطه، لقوله تعالى: وما لا حد عنده من نعمة تجزى
إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى (2) وقول الرسول (صلى الله عليه وآله) (3)

(1) ج 14 ص 385.
(2) سورة الليل الآية 19 و 20.
(3) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات، والباب 1 من النية في
الصلاة، والباب 2 من وجوب الصوم.
368

(الأعمال بالنيات) و (إنما لامرئ ما نوى) (1) وهذا الخبر مجمع عليه
وبهذا أفتي وعليه أعمل فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد إن وجدت.
قال في المختلف بعد نقل ذلك: والأقرب عندي أنه إن تمكن من
الرجوع إلى مكة للاحرام فيها وجب وإن لم يتمكن أحرم من موضعه ولو
من عرفات، فإن لم يذكر حتى أكمل مناسكه صح وأجزأه، لنا: أنه مع
التمكن من الرجوع يكون قادرا على الاتيان به على وجهه، فيجب عليه
فعله، ولا يجزئه الاحرام من غيره، لأنه حينئذ يكون قد أتى بغير المأمور به
فيبقى في عهدة التكليف. ومع النسيان يكون معذورا، لقوله (صلى الله
عليه وآله) (2): (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) ولأن إلزام الإعادة
مشقة عظيمة فيكون منفيا، لقوله تعالى (3): (وما جعل عليكم في
الدين من حرج) وما رواه العمركي بن علي الخراساني في الحسن عن
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) (4) قال: (سألته
عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله؟ قال: يقول:
اللهم على كتابك وسنة نبيك. فقد تم احرامه. فإن جهل أن يحرم يوم

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات، والباب 1 من النية في
الصلاة، والباب 2 من وجوب الصوم.
(2) الوسائل الباب 37 من قواطع الصلاة، والباب 30 من الخلل
الواقع في الصلاة، والباب 56 من جهاد النفس. واللفظ في بعضها:
" وضع عن أمتي.. ".
(3) سورة الحج الآية 78،
(4) الوسائل الباب 14 من المواقيت.
369

التروية بالحج حتى يرجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه)
وحجة ابن إدريس غير مناسبة لدعواه. انتهى. وهو جيد.
ويزيده بيانا ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن جميل
ابن دارج عن بعض أصحابنا عن أحدها (عليهما السلام) (1): (في
رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى؟ قال:
تجزئه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه وإن لم يهل).
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (2)
قال: (سألته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم
التروية بالحج حتى رجع إلى بلده ما حاله؟ قال: إذا قضى المناسك كلها فقد
تم حجه).
وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة بمزيد بسط في الكلام وبيان
ما فيها من النقص والابرام في المسألة الثالثة من المقام الثاني من المقدمة
الخامسة في المواقيت (3).
العاشرة - من المستحبات الدعاء بالمأثور عند الخروج إلى منى بما رواه
معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال (إذا توجهت إلى منى فقل: اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني
أملي وأصلح لي عملي).

(1) الوسائل الباب 20 من المواقيت.
(2) التهذيب ج 5 ص 476 والوسائل الباب 20 من المواقيت.
(3) ج 14 ص 466.
(4) الوسائل الباب 6 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
370

وإذا انتهيت إلى منى بما رواه أيضا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)
وقد تقدم في المسألة الثانية (1).
وعند التوجه إلى عرفات بما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار
أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إذا غدوت إلى عرفة
فقل وأنت متوجه إليها: اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت
أسألك أن تبارك لي في رحلتي وأن تقضي لي حاجتي وأن تجعلني ممن
تباهي به اليوم من هو أفضل مني. ثم تلبي وأنت غاد إلى عرفات...
الحديث).
ومن المستحبات أن لا يخرج الإمام من منى إلا بعد طلوع الشمس.
ويدل عليه صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (على الإمام أن يصلي الظهر بمنى ثم يبيت فيها ويصبح حتى تطلع
الشمس ثم يخرج إلى عرفات).
وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال:
(إن من السنة أن لا يخرج الإمام من منى إلى عرفة حتى تطلع الشمس).

(1) ص 352.
(2) الفروع ج 4 ص 461 و 462 والتهذيب ج 5 ص 179 والوسائل
الباب 8 و 9 و 10 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(3) الفروع ج 4 ص 460 والفقيه ج 2 ص 280 والوسائل الباب 4
من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(4) الفروع ج 4 ص 461 والتهذيب ج 5 ص 178 وفيه: عن
أبي إسحاق، والوسائل الباب 7 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
371

وأما غيره فالأفضل له أن يفيض من منى بعد الفجر على المشهور، وقال
أبو الصلاح: لا يجوز له أن يفيض منها قبل الفجر مختارا، وقال ابن البراج
في أقسام التروك المفروضة: ولا يخرج أحد من منى إلى عرفات إلا بعد
طلوع الفجر. وظاهر هم تحريم الخروج قبل الفجر اختيارا.
ولعلهما استندا إلى ما رواه الشيخ عن عبد الحميد الطائي (1) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا مشاة فكيف نصنع؟ فقال: أما أصحاب الرحال
فكانوا يصلون الغداة بمنى، وأما أنتم فامضوا حيث تصلون في الطريق).
وقال في المدارك - بعد قول المصنف (ره): (ويكره الخروج قبل الفجر
إلا لضرورة): هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ثم
نقل قول أبي الصلاح وقال: وهو ضعيف، ثم قال: ويمكن المناقشة في
الكراهة أيضا، لعدم الظفر بما يتضمن النهي عن ذلك. نعم لا ريب أنه
خلاف الأولى.
أقول: ومن روايات المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم وغيره
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (في التقدم من منى إلى عرفات
قبل طلوع الشمس لا بأس به...).
وما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)
المتقدمة (3) في المسألة الثانية منقولة (عليه السلام): (ثم تصلي بها
الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر).
والمفهوم من الأخبار المذكورة أن السنة في الخروج من منى بعد الفجر

(1) الفروع ج 4 ص 461، والتهذيب ج 5 ص 179، والوسائل
الباب 7 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) الوسائل الباب 7 من احرام الحج والوقوف بعرفة والباب 17 من
الوقوف بالمشعر.
(3) ص 352.
372

إلا مع الضرورة، ويلزم من ذلك مرجوحية الخروج قبل الفجر اختيارا،
وبه تثبت الكراهة التي ذكرها الأصحاب. وبذلك تندفع المناقشة التي ذكرها
في المدارك. وثبوت الكراهة لا يتوقف على النهي صريحا كما يفهم من
كلامه (قدس سره) بل تثبت بكون ذلك خلاف الأفضل، للزوم
المرجوحية التي هي مقتضى الكراهة.
ومن المستحبات أيضا أن لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس
على المشهور.
لما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن والشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال (لا يجوز وادي محسر حتى
تطلع الشمس).
ونقل عن الشيخ وابن البراج القول بالتحريم أخذا بظاهر النهي. ولا
يخلو من قرب.
الفصل الثاني في الكيفية
وهي تشتمل علي الواجب والندب، والكلام فيها يقع في
مواضع:
الموضع الأول - النية، قال في المنتهي: وتجب فيه النية خلافا للجمهور (2)

(1) الوسائل الباب 7 من احرام الحج والوقوف بعرفة، والباب 15
من الوقوف بالمشعر. واللفظ في الثاني: " لا تجاوز... "
(2) المغني ج 3 ص 416 طبع عام 1368.
373

لنا: قوله تعالى (1): (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)
والوقوف عبادة. ولأنه عمل فيفتقر إلى النية، لقوله (صلى الله عليه وآله) (2)
(الأعمال بالنيات)) و (إنما لكل امرئ ما نوى) (3) إلى غير ذلك من
الأدلة الدالة على وجوب النية في العبادات، ولأن الواجب ايقاعه على
وجه الطاعة، وهو إنما يتحقق بالنية، ويجب فيها نية الوجوب والتقرب إلى
الله تعالى.
وقال في الدروس: وأما واجبه فخمسة: النية مقارنة لما بعد الزوال
فلا يجوز تأخيرها عنه، فيأثم لو تعمده ويجزئ واستدامة حكمها إلى الفراغ.
وقال في المسالك بعد قول المصنف: (ويجب كونها بعد الزوال) -
ما صورته: في أول أوقات تحققه ليقع الوقوف الواجب - وهو ما بين الزوال
والغروب بأسره بعد النية. ولو تأخرت عن ذلك أثم وأجزأ. ويعتبر فيها
قصد الفعل وتعيين نوع الحج، والوجه، والقربة، والاستدامة الحكمية.
هذا هو المشهور. وفي اعتبار نية الوجه هنا بحث. انتهى.
وقال في المدارك: واعتبر الأصحاب في النية وقوعها عند تحقق الزوال
ليقع الوقوف الواجب وهو ما بين الزوال والغروب - بأسره بعد النية.
وما وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة لا يعطى ذلك، بل ربما ظهر

(1) سورة البينة الآية 5.
(2) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات، والباب 1 من النية في الصلاة
والباب 2 من وجوب الصوم.
(3) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات، والباب 1 من النية في
الصلاة، والباب 2 من وجوب الصوم. واللفظ: " إنما لامرئ ما نوى ".
374

من بعضها خلافه، كقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار
الواردة في صفة حج النبي (صلى الله عليه وآله) (1): (أنه انتهى إلى نمرة
وهي بطن عرفة بحيال الأراك فضربت قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها
فلما زالت الشمس خرج رسول الله (صلى الله عليه وله) ومعه فرسه وقد
اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس وأمر هم ونهاهم، ثم
صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، ثم مضى إلى الموقف فوقف به).
وفي رواية أخرى لمعاوية بن عمار (2) (ثم تلبي وأنت غاد إلى عرفات، فإذا
انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة، وهي بطن عرفة دون الموقف
ودون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر
بأذان واحد وإقامتين، وإنما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك
للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة. قال: وحد عرفة من بطن عرفة وثوية ونمرة
إلى ذات المجاز، وخلف الجبل موقف) وتشهد له رواية أبي بصير عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (لا ينبغي الوقوف تحت الأراك،
فأما النزول تحته حتى تزول الشمس وتنهض إلى الموقف فلا بأس، والمسألة محل
اشكال، ولا ريب أن ما اعتبره الأصحاب أولى وأحوط. انتهى.
أقول: لا اشكال بحمد الملك المتعال بعد اتفاق الأخبار الواردة في

(1) الفروع ج 4 ص 247 والتهذيب ج 5 ص 456 والوسائل الباب
2 من أقسام الحج. وفي الفروع " قريش " بدل " فرسه "
(2) الفروع چ 4 ص 461 و 462 والتهذيب ج 5 ص 179 والوسائل
الباب 8 و 9 و 10 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(3) الوسائل الباب 10 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
375

هذا المجال على الحكم المذكور. وأولوية ما ذكره الأصحاب وأحوطيته مع
عدم دليل عليه - بل دلالة الأخبار على خلافه - ممنوعة. على أنه لم يتحقق
الاجماع على ذلك، وإنما ذكر هذا الحكم جملة من المتأخرين بناء علي مزيد
تدقيقهم في أمر النية التي لا أثر لها في الأخبار بالكلية وبنحو هذه الأخبار
عبر الشيخ في النهاية، فقال: فإذا زالت الشمس اغتسل وصلى الظهر
والعصر جميعا يجمع بينهما ثم يقف بالموقف ويدعو لنفسه ولوالديه...
إلى آخره. وبهذه العبارة عبر في المبسوط أيضا. وبنحو ذلك عبر ابن إدريس
في السرائر فقال: فإذا زالت اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا، يجمع بينهما
بأذان واحد وإقامتين لا جل البقعة، ثم يقف بالموقف ويدعو... إلى
آخره. وقال في المقنعة: فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل ويقطع
التلبية ويكثر من التهليل والتحميد والتكبير، ثم يصلي الظهر والعصر بأذان
واحد وإقامتين.. إلى أن قال: ثم يأتي الموقف. وقال في كتاب من
لا يحضره الفقيه نحو ذلك أيضا في باب سياق مناسك الحج. وهذه العبارات
جارية على نهج الأخبار لا تعرض فيها للنية فضلا عن مقارنتها لأول الزوال
كما ذكره جملة من المتأخرين، وهو من ما ينبهك على ما قدمنا تحقيقه
وأوسعنا مضيقه من أن النية أمر جبلي وحكم طبيعي لا تنفك عنه أفعال
العقلاء في عبادة ولا غيرها. وأما ما ذكروه من المقارنة فلا وجه له ولا دليل
عليه، إذ النية عندنا مستصحبة لا ينفك عنها في حال من الأحوال، وهو
إنما يتمشى على ما تخيلوه من النية بالمعنى الذي صاروا إليه الذي هو
عبارة عن الحديث النفسي والتصوير الفكري بما يترجمه قول القائل:
(افعل كذا لوجوبه قربة إلى الله تعالى) وهذا كما تقدم تحقيقه بمعزل عن
376

النية الحقيقة.
بقي الكلام في أن وقت الوقوف الواجب من مبدأ الزوال كما ذكروه،
فيجب على هذا الكون في الموقف من ذلك الوقت، والأخبار - كما ترى -
لا تساعده، والظاهر أن المراد من كونه من الزوال أنه يقطع التلبية من
ذلك الوقت كما تكاثرت به الأخبار، ويشتغل بالوقوف ومقدماته من الغسل
أولا ثم الصلاة الواجبة والخطبة واستماعها - كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار
من أنه (صلى الله عليه وآله) وعظ الناس - ثم الوقوف بعرفة.
هذا ما يستفاد من الأخبار وكلام متقدمي الأصحاب كما سمعت.
وبذلك يظهر أنه لا اشكال في هذا المجال بحمد الله المتعال وبركة الآل
(عليهم صلوات ذي الجلال).
الموضع الثاني - وجوب الكون فيها إلى الغروب فلا يجزئ الوقوف في
حدودها، وحدها - كما ذكره في الدروس والمسالك وغيرهما - نمرة بفتح
النون وكسر الميم وفتح الراء، وثوية بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد
الياء المثناة من تحت، وذو المجاز، والأراك كسحاب، وهو موضع بعرنة
قرب نمرة، قال في القاموس: وعرفة بضم العين وفتح الراء والنون.
قال في الدروس: وحدها نمرة وثوية وذو المجاز والأراك، ولا يجوز
الوقوف بالحدود. وقال في المسالك بعد ذكر الأماكن الخمسة المتقدمة:
وهذه الأماكن الخمسة حدود عرفة وهي راجعة إلى أربعة كما هو المعروف
من الحدود، لأن نمرة بطن عرفة كما روى في حديث معاوية بن عمار
عن الصادق (عليه السلام) (1) ولا يقدح ذلك في كون كل واحد منهما

(1) الوسائل الباب 9 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
377

حدا فإن أحدهما ألصق من الآخر، وغير هما وإن شاركهما باعتبار اتساعه
في إمكان جعله كذلك لكن ليس لأجزائه أسماء خاصه بخلاف نمرة وعرنة.
ونقل في الدروس عن الحسن وابن الجنيد والحلبي أن حدها من المازمين
إلى الموقف.
أقول: والكل مروي وحدود وإن كان من جهات متعددة.
روى الكليني والشيخ في الصحيح عن أبي بصير - وهو ليث المرادي
بقرينة ابن مسكان عنه - عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (حد
عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف).
وروى في من لا يحضره الفقيه (2) عن معاوية بن عمار وأبي بصير عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (حد منى عن العقبة إلى وادي محسر،
وحد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف. قال: وقال (عليه السلام): حد
عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة وذي المجاز، وخلف الجبل موقف إلى وراء
الجبل) قال في الوافي (3): ولعل المراد بوراء الجبل ما خرج من سفحه.
من خلفه.
وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا

(1) الوسائل الباب 10 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) ج 2 ص 280 والوسائل الباب 6 و 10 من احرام الحج والوقوف
، والوافي باب (حدود عرفات).
(3) باب (حدود عرفات).
(4) الفروع ج 4 ص 461 و 462 والتهذيب ج 5 ص 179 والوسائل
ب 8 و 9 و 10 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
378

انتهيت إلى عرفات فاضرب خباءك بنمرة، وهي بطن عرنة دون الموقف
ودون عرفة - إلى أن قال -: وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي
المجاز، وخلف الجبل موقف).
وروى في الكافي عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(فعرفات كلها موقف، وأفضل الموقف سفح الجبل).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (إذا وقفت
بعرفات فادن من الهضاب والهضاب هي الجبال، فإن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: إن أصحاب الأراك لا حج لهم، يعني: الذين يقفون عند الأراك).
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
الموقف: ارتفعوا عن بطن عرنة. وقال: إن أصحاب الأراك لا حج لهم).
وروى في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) (4)
قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات).
وعن سماعة في الموثق في حديث (5) قال: (قلت: فإذا كانوا

(1) الفروع ج 4 ص 463 والوسائل الباب 11 من احرام الحج والوقوف
بعرفة، راجع التعليق على هذا الحديث في الطبعة الحديثة من الوسائل.
(2) الفروع ج 4 ص 463 والتهذيب ج 5 ص 287 والوسائل الباب 19
من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(3) الفروع ج 4 ص 463 والتهذيب ج 5 ص 287 والوسائل الباب 19
من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(4) الوسائل الباب 10 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(5) التهذيب ج 5 ص 180 والوسائل الباب 11 و 10 من احرام الحج
والوقوف بعرفة، والوافي باب (حدود عرفات).
379

بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يضعون؟ قال: يرفعون إلى
الجبل، وقف في ميسرة الجبل، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وقف بعرفات، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها فنحاها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ففعلوا مثل ذلك. فقال: أيها الناس
إنه ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ولكن هذا كله موقف. أشار بيده
إلى الموقف وقال: هذا كله موقف. فتفرق الناس. وفعل مثل ذلك بالمزدلفة.
وإذا رأيت خللا فتقدم فسده بنفسك وراحلتك، فإن الله يحب أن تسد
تلك الخلال. وانتقل عن الهضاب واتق الأراك ونمرة - وهي بطن عرنة -
وثوية وذا المجاز، فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه).
أقول: وهذه الأخبار - كلها كما - ترى صريحة في عدم جواز الوقوف
في حدودها.
وأما أنه يجب الوقوف فيها إلى الغروب الذي هو عبارة عن زوال
الحمرة المشرقية إلى ناحية المغرب على الأشهر الأظهر فيدل عليه مضافا إلى
اتفاق الأصحاب جملة من الأخبار.
ومنها: ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح (1) قال:
(قال: أبو عبد الله (عليه السلام): إن المشركين كانوا يفيضون قبل أن
تغيب الشمس فخالفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأفاض بعد
غروب الشمس).
وما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب في الموثق (2) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): متى تفيض من عرفات؟ قال: إذا ذهبت

(1) الوسائل الباب 22 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) الوسائل الباب 22 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
380

الحمرة من ههنا وأشار بيده إلى المشرق وإلى مطلع الشمس).
وما رواه في الكافي عن يونس المذكور أيضا في الموثق (1) قال: (قلت
لا بي عبد الله (عليه السلام): متى الإفاضة من عرفات؟ قال: إذا ذهبت
الحمرة، يعني من الجانب الشرقي).
وحيث ثبت أن الواجب الوقوف إلى الغروب فلو أفاض قبل الغروب
فإن كان جاهلا أو ناسيا فلا شئ عليه اجماعا منا، كما ادعاه في التذكرة
والمنتهى بل قال: إنه قول كافة العلماء.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن عن مسمع بن عبد الملك عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) (في رجل أفاض من عرفات قبل غروب
الشمس؟ قال: إن كان جاهلا فلا شئ عليه، وإن كان متعمدا فعليه بدنة)
ووصف في المدارك هذه الرواية بالصحة مع طعنه في روايات مسمع
في غير موضع بأنه غير موثق كما في مسألة كفارة من نظر إلى امرأته
فأمنى، ومنها في كفارة من قبل امرأته. بل صرح في هذا الموضع بضعف
روايته بسببه. وبالجملة فإن له فيه اضطرابا عظيما، فتارة يصف روايته
بالصحة كما هنا، ومثله في كفارة القنفذ والضب واليربوع، وتارة بالحسن
وتارة بالضعف. والمعصوم من عصمه الله تعالى.
وإن كان عامدا جبره ببدنة، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ولا
خلاف في صحة حجه وإن وجب جبره، وإنما اختلف الأصحاب في ما يجب
جبره به، فالأشهر الأظهر وجوب جبره ببدنة.

(1) الوسائل الباب 22 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) الوسائل الباب 23 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
381

ويدل عليه حسنة مسمع المتقدمة.
وصحيحة ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) قال: (سألته
عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس. قال: عليه بدنة ينحرها
يوم النحر فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو
في أهله).
ورواية الحسن بن محبوب عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
(في رجل أفاض من عرفات قبل أن تغرب الشمس؟ قال: عليه بدنة،
فإن لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما).
ونقل عن ابني بابويه أن الكفارة شاة. قال في المدارك ولم نقف لهما
على مستند.
أقول: الظاهران مستندهما كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه السلام) (3):
(وإياك أن تفيض قبل الغروب فيلزمك دم) وقال أيضا (4) بعد ذكر
المشعر: (وإياك أن تفيض منها قبل طلوع الشمس، ولا من عرفات قبل
غروبها فيلزمك الدم).
والدم حيث يطلق في الأخبار وكلام الأصحاب فالمراد به دم شاة،
وينبهك على ذلك ن العلامة في المختلف نقل عن الشيخ في الخلاف أنه
قال: الأفضل أن يقف إلى غروب الشمس في النهار ويدفع عن الموقف بعد
غروبها، فإن دفع قبل الغروب لزمه دم. ثم اعترضه في موضعين من هذا الكلام:
الأول: قوله: (الأفضل) فإنه يوهم جواز الإفاضة قبل الغروب مع أنه
لا خلاف بيننا أنه يجب الوقوف إلى الغروب ولا يجوز قبله، والأخبار

(1) الوسائل الباب 23 من احرام الحج والوقوف بعرفة
(2) الوسائل الباب 23 من احرام الحج والوقوف بعرفة
(3) ص 28
(4) ص 28
382

دالة على ذلك كما تقدم... إلى أن قال: الثاني: إنه أوجب الدم،
وقد عرفت أن الدم إذا أطلق حمل على أقل مراتبه وهو الشاة، عملا بأصالة
البراءة، وقد بينا في المسألة السابقة أن الواجب بدنة، خلافا لابني بابويه انتهى.
قالوا: ولو أفاض عامدا وعاد قبل الغروب لم يلزمه الجبر، لأصالة البراءة
ولأنه لو لم يقف أولا ثم أتى قبل غروب الشمس ووقف حتى تغرب الشمس
لم يجب عليه شئ، فكذا هنا. وحكى العلامة في المنتهى عن بعض العامة
قولا باللزوم (1) لحصول الإفاضة المحرمة المقتضية للزوم الدم فلا يسقط إلا
بدليل. قال في المدارك: وهو غير بعيد وإن كان الأقرب السقوط.
أقول: المسألة عندي محل توقف، لفقد النص في المقام، والتعليلات
التي ذكروها عليلة لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية، والقول العامي
لا يخلو من قوة.
بقي الكلام في أن مورد رواية مسمع الجاهل والعامد. وأما حكم الناسي
فهو غير مذكور فيها، والأصحاب قد أدرجوه في حكم الجاهل وجعلوا
حكمه حكم الجاهل، كما قدمنا نقله عنهم، ودعوى الاجماع عليه وكأنهم
بنوا في ذلك على اشتراكهما في العذر وعدم توجه الخطاب. وفيه منع ظاهر
فإن المفهوم من تتبع الأخبار أن الجاهل أعذر، وأن الناسي بسبب تذكره
أولا وعلمه سابقا لا يساوي الجاهل الذي لا علم له أصلا، ولهذا استفاضت
الأخبار بعدم وجوب قضاء الصلاة على جاهل النجاسة (2) وتكاثرت بوجوب
القضاء على الناسي، حتى علل في بعضها بأنه عقوبة له لنسيانه وعدم

(1) المغني ج 3 ص 414 و 415 طبع عام 1368.
(2) الوسائل الباب 40 من النجاسات.
383

تذكره (1) وبالجملة فإن الحكم بمساواتهما لا دليل عليه إن لم يكن الدليل قائما
على خلافه. والله أعلم.
الموضع الثالث - من المستحبات الغسل بعد الزوال في هذا اليوم للوقوف
ويدل عليه قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (2): (فإذا
زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين
فإنما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة).
وفي صحيحة الحلبي أو حسنته (3) قال: (أبو عبد الله (عليه السلام):
الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس، وتجمع بين الظهر) والعصر بأذان
وإقامتين).
وفي صحيحة عمر بن يزيد (4) قال: (إذا زاغت الشمس يوم عرفة
فاقطع التلبية واغتسل وعليك بالتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح والثناء
على الله. وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين)).
ومنها: الجمع بين الظهر والعصر، وقد عرفت ذلك من الأخبار
المذكورة، ونحوها غيرها أيضا.
ومنها: الدعاء ولا سيما بالمأثور عن أهل العصمة (صلوات الله عليهم).
فروى ثقة الاسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار

(1) الوسائل الباب 42 من النجاسات.
(2) الوسائل الباب 9 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(3) الوسائل الباب 9 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(4) التهذيب ج 5 ص 182 والوسائل الباب 9 من احرام الحج والوقوف
بعرفة. والرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام).
384

عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث (1) قد تقدم صدره غير مرة
قال (عليه السلام): (فإذا وقفت بعرفات فاحمد الله وهلله ومجده
واثن عليه وكبره (مائة مرة) واقرأ قل هو الله أحد (مائة مرة) وتخير
لنفسك من الدعاء ما أحببت، واجتهد فإنه يوم دعاء ومسألة، وتعوذ بالله
من الشيطان، فإن الشيطان لن يذهلك في موطن قط أحب إليه من أن
يذهلك في ذلك الموطن، وإياك أن تشتغل بالنظر إلى الناس واقبل قبل
نفسك، وليكن في ما تقول: اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من النار،
وأوسع علي من رزقك الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم
لا تمكر بي ولا تخدعني ولا تستدرجني يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين
ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين، أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد
وأن تفعل بي كذا وكذا. وليكن في ما تقول وأنت رافع يديك إلى السماء:
اللهم حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني والتي إن منعتنيها لم
ينفعني ما أعطيتني، أسألك خلاص رقبتي من النار، اللهم إني عبدك وملك يدك
وناصيتي بيدك، وأجلى بعلمك، أسألك أن توقفني لما يرضيك عني، وأن
تسلم مني مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم (عليه السلام) ودللت عليها
نبيك محمدا (صلى الله عليه وآله) وليكن في ما تقول: اللهم اجعلني ممن
رضيت عمله وأطلت عمره وأحييته بعد الموت حياة طيبة).
وروى الشيخ في التهذيب (2) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الفروع ج 4 ص 463 و 464 والوسائل الباب 11 و 13 و 14 من احرام
الحج والوقوف بعرفة.
(2) ج 5 ص 182 والوسائل الباب 14 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
385

نحو ذلك وساق الحديث إلى أن قال: (وليكن في ما تقول: اللهم إني
عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك، وارحم مسيري إليك من الفج العميق.
وليكن فيما تقول: اللهم رب المشاعر كلها... - ثم ساقه كما تقدم إلى
قوله -: ولا تستدرجني - ثم قال -: وتقول: اللهم إني أسألك بحولك وجودك
وكرمك ومنك وفضلك يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين... الحديث)
كما تقدم إلى آخره.
وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لعلي (عليه السلام): ألا أعلمك دعاء يوم عرفة وهو دعاء من كان قبلي
من الأنبياء (عليهم السلام)؟ قال: تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير،
وهو على كل شئ قدير، اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرا من ما نقول
وفوق ما يقول القائلون، اللهم لك صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي، ولك
براءتي (2) وبك حولي ومنك قوتي، اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن
وساوس الصدور ومن شتات الأمر ومن عذاب القبر، اللهم إني أسألك
خير الرياح وأعوذ بك من شر ما تجئ به الرياح وأسألك خير الليل وخير
النهار، اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي وبصري نورا، وفي لحمي ودمي

(1) التهذيب ج 5 ص 183 والوسائل الباب 14 من احرام الحج
والوقوف بعرفة.
(2) وفي بعض النسخ (تراثي) بدل (براءتي) ويرجع في تفسير
الكلمتين إلى بيان الوافي باب (الوقوف بعرفات والدعاء عنده).
386

وعظامي وعروقي ومقعدي ومقامي ومدخلي ومخرجي نورا وأعظم لي نورا
يا رب يوم ألقاك إنك على كل شئ قدير).
ورواه في الفقيه (1) عن معاوية بن عمار إلى قوله: (وخير النهار)
وقال (2): وفي رواية عبد الله بن سنان: (اللهم اجعل في قلبي نورا...
الدعاء).
وروى في من لا يحضره الفقيه (3) عن زرعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: (إذا أتيت الموقف فاستقبل البيت وسبح الله (مائة
مرة) وكبر الله (مائة مرة) وتقول: ما شاء الله ولا قوة إلا بالله (مائة مرة) وتقول:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى
ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شئ
قدير (مائة مرة) ثم تقرأ عشر آيات من أول سورة البقرة، ثم تقرأ قل هو
الله أحد (ثلاث مرات) وتقرأ آية الكرسي حتى تفرغ منها، ثم تقرأ
آية السخرة، إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام...
إلى قوله: قريب من المحسنين (4) ثم تقرأ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ
برب الناس حتى تفرغ منهما، ثم تحمد الله على كل نعمة أنعم عليك
وتذكر النعمة واحدة واحدة ما أحصيت منها، وتحمده على ما أنعم عليك

(1) ج 2 ص 324 والوسائل الباب 14 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) ج 2 ص 324 والوسائل الباب 14 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(3) ج 2 ص 322 و 323 والوسائل الباب 14 من احرام الحج والوقوف
بعرفة، والوافي باب (الوقوف بعرفات والدعاء عنده).
(4) سورة الأعراف، الآية 54 و 55 و 56.
387

من أهل ومال، وتحمد الله علي ما أبلاك، وتقول: اللهم لك الحمد على
نعمائك التي لا تحصى بعدد ولا تكافأ بعمل، وتحمده بكل آية ذكر فيها
الحمد لنفسه في القرآن وتسبحه بكل تسبيح ذكر به نفسه في القرآن،
وتكبره بكل تكبير كبر به نفسه في القرآن، وتهلله بكل تهليل هلل به
نفسه في القرآن، وتصلي على محمد وآل محمد وتكثر منه وتجتهد فيه،
وتدعو الله بكل اسم سمى به نفسه في القرآن وبكل اسم تحسنه، وتدعوه
بأسمائه التي في آخر الحشر (1) وتقول: أسألك - يا الله يا رحمان بكل
اسم هو لك، وأسألك بقوتك وقدرتك وعزتك وبجميع ما أحاط به علمك
وبجمعك وأركانك كلها، وبحق رسولك) صلى الله عليه وآله) وباسمك
الأكبر الأكبر، وباسمك العظيم الذي من دعاك به كان حقا عليك أن
تجيبه، وباسمك الأعظم الأعظم الذي من دعاك به كان حقا عليك أن لا
ترده وأن تعطيه ما سأل - إن تغفر لي جميع ذنوبي في جميع علمك في.
وتسأل الله حاجتك كلها من الآخرة والدنيا، وترغب إليه في الوفادة في
المستقبل وفي كل عام، وتسأل الله الجنة (سبعين مرة) وتتوب إليه
(سبعين مرة). وليكن من دعائك: اللهم فكني من النار، وأوسع علي
من رزقك الحلال الطيب، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس وشر فسقة
العرب والعجم. فإن نفد هذا الدعاء ولم تغرب الشمس فأعده من أوله إلى
آخره ولا تمل من الدعاء والتضرع والمسألة).
وروى في الكافي في الصحيح عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن ميمون القداح (2)

(1) الآية 22 و 23 و 24.
(2) الفروع ج 4 ص 464 والوسائل الباب 24 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
388

قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وقف بعرفات، فلما همت الشمس أن تغيب قبل أن
تندفع قال: اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن تشتت الأمر ومن شر
ما يحدث بالليل والنهار أمسى ظلمي مستجيرا بعفوك وأمسى خوفي مستجيرا،
بأمانك، وأمسى ذلي مستجيرا بعزك، وأمسى وجهي الفاني مستجيرا بوجهك
الباقي، يا خير من سئل ويا أجود من أعطى، جللني برحمتك، والبسني عافيتك
واصرف عني شر جميع خلقك. قال عبد الله بن ميمون: وسمعت أبي يقول:
يا خير من سئل، ويا أو سع من أعطى، ويا أرحم من استرحم. ثم سل
حاجتك).
أقول: لعل المراد بقوله: (سمعت أبي...) إن أباه روى الحديث
بهذه الزيادة.
وروى الشيخ بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (إذا غربت الشمس فقل: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا
الموقف وارزقنيه من قابل أبدا ما بقيتني واقلبني اليوم مفلحا منجحا مستجابا
لي مرحوما مغفورا لي بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك عليك،
وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان
والمغفرة وبارك لي في ما أرجع إليه من أهل أو مال أو قليل أو كثير وبارك
لهم في) ورواه الصدوق (قدس سره) بإسناده عن زرعة (2).

(1) التهذيب ج 5 ص 187 والوسائل الباب 24 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) الفقيه ج 2 ص 325 والوسائل الباب 24 من احرام الحج
والوقوف بعرفة.
389

ومن المستحب الدعاء في هذا اليوم أيضا بدعاء الحسين (عليه السلام
وهو مشهور (1) ودعاء ابنه زين العابدين (عليه السلام) في الصحيفة
الكاملة (2).
وقال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة (3) بعد ذكر ما في
رواية أبي بصير المتقدمة: (ثم يدعو بدعاء الموقف فيقول: لا إله إلا الله
الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع
ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم، وسلام
على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك
وخير تك من خلقك وعبادك الذي اصطفيته لرسالتك، واجعله إلهي أول
شافع وأول شفيع وأول قائل وأنجح سائل، اللهم صل علي محمد وآل محمد،
وبارك على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، أفضل ما صليت وباركت
وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم إنك تجيب
المضطر إذا دعاك، وتكشف السوء، تغيث المكروب وتشفي السقيم،
وتغني الفقير، وتجير الكسير، وترحم الصغير وتعين الكبير، وليس فوقك
أمير أنت العلي الكبير يا مطلق المكبل الأسير ويا رزاق الطفل الصغير،
ويا عصمة الخائف المستجير، يا من لا شريك له ولا وزير، اللهم إنك أقرب
من دعى، وأسرع من أجاب، وأكرم من عفى، وخير من أعطى، وأوسع

(1) ويرويه المحدث الثقة الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان في
أعمال يوم عرفة ص 261.
(2) وهو الدعاء السابع والأربعون من الصحيفة السجادية.
(3) ص 64.
390

من سئل، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، ليس كمثلك شئ مسؤول ولا
معط، دعوتك فأجبتني، وسألتك فأعطيتني، وفرعت إليك فرحمتني، وأسلمت
لك نفسي فاغفر لي ذنوبي ولوالدي ولا هلي وولدي ولكل سبب ونسب في
الاسلام لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم إني
أسألك - بعظيم ما سأل: به أحد من خلقك من كريم أسمائك وجميل ثنائك
وخاصة آلائك، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل عشيتي هذه أعظم
عشية مرت علي منذ أنزلتني إلى الدنيا بركة، في عصمة ديني، وخاصة
نفسي، وقضاء حاجتي، وتشفيعي في مسائلي، واتمام النعمة علي، وصرف
السوء عني والبسني العافية، وأن تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية
برحمتك، إنك جواد كريم. اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تجعل هذه العشية
آخر العهد مني حتى تبلغنيها من قابل مع حاج بيتك الحرام والزوار لقبر
نبيك (عليه وآله السلام) في أعفي عافيتك، وأتم نعمتك، واو سع رحمتك
وأجزل قسمك، وأسبغ رزقك، وأفضل الرجاء، وأنا لك على أحسن الوفاء
إنك سميع الدعاء. اللهم صل على محمد وآل محمد، واسمع دعائي، وارحم
تضرعي وتذللي واستكانتي وتوكلي عليك، فأنا لك سلم، لا أرجو نجاحا
ولا معافاة ولا تشريفا إلا بك ومنك، فامنن علي بتبليغي هذه العشية من قابل
وأنا معافى من كل مكروه محذور ومن جميع البوائق. وأعني على طاعتك
وطاعة أوليائك الذين اصطفيتهم من خلقك لخلقك، اللهم صل على محمد وآل
محمد، وسلمني في ديني، وامدد لي في أجلي، وأصح لي جسمي، يا من رحمني
وأعطاني سؤلي، فاغفر لي ذنبي إنك على كل شئ قدير اللهم صل على محمد
وآل محمد، وتمم علي نعمتك في ما بقي من أجلي حتى تتوفاني وأنت عني
راض. اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تخرجني من ملة الاسلام، فإني
391

اعتصمت بحبلك، ولا تكلني إلى غيرك. اللهم صل على محمد وآل محمد،
وعلمني ما ينفعني، واملأ قلبي علما وخوفا من سطوتك ونقمتك. اللهم إني
أسألك - مسألة المضطر إليك، المشفق من عذابك، الخائف من عقوبتك -
أن تغفر لي وتعيذني بعفوك وتحنن علي برحمتك، وتجود علي بمغفرتك
وتؤدي عني فريضتك، وتغنيني بفضلك عن سؤال أحد من خلقك، وأن
تجيرني من النار برحمتك. اللهم صل على محمد وآل محمد، وافتح له فتحا
يسيرا، وانصرني نصرا عزيزا، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا. اللهم
صل على محمد وآل محمد، واظهر حجته بوليك، واحي سنته بظهوره،
حتى تستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك، ولا يستخفي أحد بشئ من
الحق مخافة أحد من الخلق. اللهم إني أرغب إليك في دولته الشريفة
الكريمة التي تعز بها الاسلام وأهله وتذل بها الشرك وأهله. اللهم صل على
محمد وآل محمد، واجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والعابرين في سبيلك،
وارزقنا فيها كرامة الدنيا، الآخرة. اللهم ما أنكرنا من الحق فعرفناه وما قصرنا
عنه فبلغناه. اللهم صل على محمد وآل محمد، واستجب لنا جميع ما دعوناك
وسألناك. واجعلنا ممن يذكر فتنفعه الذكرى. وأعطني اللهم سؤلي في الدنيا
والآخرة. إنك على كل شئ قدير).
أقول قال الصدوق (قدس سره) في من لا يحضره الفقيه (1) - بعدما
أورد ما قدمناه قبل هذا الدعاء - ما صورته: وقد أخرجت دعاء جامعا لموقف عرفة
في كتاب دعاء الموقف، فمن أحب أن يدعو به دعا به إن شاء الله تعالى.
انتهى. والظاهر أنه أشار إلى هذا الدعاء الذي ذكره شيخنا المذكور. والله العالم.

(1) ج 2 ص 324.
392

ومنها: الدعاء للإخوان، روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
علي بن إبراهيم عن أبيه قال: (رأيت عبد الله بن جندب بالموقف،
فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه، ما زال مادا يديه إلى السماء ودموعه
تسيل علي خديه حتى تبلغ الأرض، فلما انصرف الناس قلت: يا أبا محمد
ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك. قال: والله ما دعوت إلا لإخواني
وذلك لأن أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) أخبرني أنه من
دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: (ولك مائة ألف ضعف مثله))
فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة الواحدة لا أدري تستجاب
أم لا) ورواه الصدوق مرسلا نحوه. (2)
وعن أبي عمير (3) قال: (كان عيسى بن أعين إذا حج فصار
إلى الموقف أقبل على الدعاء لإخوانه حتى يفيض الناس. قال: قلت له:
تنفق مالك وتتعب بدنك حتى إذا صرت إلى الموضع الذي تبث فيه الحوائج
إلى الله (عز وجل) أقبلت على الدعاء لإخوانك وتركت نفسك؟ قال:
إني على ثقة من دعوة الملك لي وفي شك من الدعاء لنفسي).
وفي الموثق عن إبراهيم بن أبي البلاد أو عبد الله بن جندب (4) قال:
(كنت في الموقف فلما أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه،
وكان مصابا بإحدى عينيه، وذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم،

(1) الفروع ج 4 ص 465 والوسائل الباب 17 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) الفقيه ج 2 ص 137 والوسائل الباب 17 من احرام الحج
والوقوف بعرفة.
(3) الفروع ج 4 ص 465 والوسائل الباب 17 من احرام الحج
والوقوف بعرفة.
(4) الفروع ج 4 ص 465 والوسائل الباب 17 من احرام الحج
والوقوف بعرفة.
393

فقلت له: قد أصبت بإحدى عينيك وأنا والله مشفق على عينك الأخرى،
فلو قصرت من البكاء قليلا. قال: لا والله يا أبا محمد ما دعوت لنفسي
اليوم بدعوة، فقلت: فلمن دعوت؟ فقال: دعوت لإخواني، فإني سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من دعا لأخيه بظهر الغيب وكل الله
به ملكا يقول: (ولك مثلاه) فأردت أن أكون أنا أدعو لإخواني ويكون
الملك يدعو لي، لأني في شك من دعائي لنفسي ولست في شك من دعاء
الملك لي).
ومنها: أن يضرب خباءه بنمرة، لقوله (عليه السلام) في صحيحة
معاوية بن عمار المتقدمة (1): (فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباءك
بنمرة، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم
عرفة فاغتسل... الحديث).
وفي صحيحته الأخرى الواردة في حج النبي (صلى الله عليه وآله) (2)
(أنه انتهى إلى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك، فضربت قبته وضرب
الناس أخبيتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس...
الحديث) وقد تقدم في المقام (3).
واستشكل في المسالك هنا بفوات جزء من الوقوف الواجب عند الزوال
قال: والذي ينبغي أنه لا تزول الشمس عليه إلا بها. انتهى. وهو مبني على

(1) ص 375.
(2) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(3) ص 375 وذكرنا هناك أن لفظ الكافي " قريش " بدل " فرسه ".
394

ما قدمنا نقله عنه وعن أمثاله من المتأخرين من ايجابهم الوقوف بعرفة من
أول الزوال ومقارنة النية لأوله وقد عرفت الكلام فيه في الموضع الأول
مستوفى.
ومنها: سد الخلل بنفسه أو برحله، لما تقدم في صحيحة معاوية بن
عمار (1) من قوله (عليه السلام): (فإذا رأيت خللا فسده بنفسك
وراحلتك، فإن الله (عز وجل) يحب أن تسد تلك الخلال).
وربما علل استحباب سد الفرج الكائنة على الأرض بأنها إذا بقيت فربما
يطمع أجنبي في دخولها، فيشتغلون بالتحفظ منه عن الدعاء، ويؤذيهم في
شئ من أمورهم.
واحتمل بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) كون متعلق الجار في
(بنفسك وراحلتك) محذوفا صفة للخلل، والمعنى أنه يسد الخلل الكائن
بنفسه وبرحلة، بأن يأكل إن كان جائعا، ويشرب إن كان عطشانا،
وهكذا يصنع ببعيره، ويزيل الشواغل المانعة من الاقبال والتوجه في الدعاء.
وهو معنى حسن في حد ذاته إلا أنه بعيد عن لفظ الخبر والمستفاد من
غيره، بل المراد إنما هو الفرج الواقعة في الأرض.
كما يدل عليه صريحا ما رواه في الكافي عن سعيد بن يسار (2) قال:
(قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) عشية من العشيات ونحن بمنى - وهو
يحثني على الحج ويرغبني فيه -: يا سعيد أيما عبد رزقه الله رزقا من رزقه

(1) الفروع ج 4 ص 263 والوسائل الباب 13 من احرام الحج
والوقوف بعرفة.
(2) الفروع ج 4 ص 263 والوسائل الباب 13 من احرام الحج
والوقوف بعرفة.
395

فأخذ ذلك الرزق فأنفقه على نفسه وعلى عياله، ثم أخرجهم قد ضحاهم
بالشمس حتى يقدم بهم عشية عرفة إلى الموقف فيقيل، ألم تر فرجا تكون هناك
فيها خلل وليس فيها أحد؟ فقلت: بلى جعلت فداك. فقال: يجئ بهم
قد ضحاهم حتى يشعب بهم تلك الفرج، فيقول الله (تبارك وتعالى لا
شريك له): عبدي رزقته من رزقي فأخذ ذلك الرزق فأنفقه فضحى به
نفسه وعياله ثم جاء بهم حتى شعب بهم هذه الفرجة التماس مغفرتي، اغفر
له ذنبه، واكفيه ما أهمه، وارزقه... الحديث).
قال في الوافي (1) بعد ذكر الخبر: (قد ضحاهم بالشمس)) أي أبرزهم
لحرها، والضحى بالضم والقصر: الشمس. قوله: (ألم تر) جملة معترضة
والتقدير فيقيل بهم حتى يشعب بهم تلك الفرج والفرجة بالضم: الثلمة
في الحائط ونحوه. والخلل: منفرج ما بين الشيئين. والشعب: الرتق
والجمع والاصلاح، يعني: عمر تلك المواضع بعبادته وعبادة أهل بيته
وملأها بهم وسدها)) انتهى.
ومنها: الوقوف بميسرة الجبل بعرفة، فإنه الأفضل وإن أجزأ الوقوف
بأي موضع منها.
فروى في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (2) قال: (قف في ميسرة الجبل، فإن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) وقف بعرفات في ميسرة الجبل، فلما وقف جعل الناس

(1) باب (فضل الحج والعمرة وثوابهما)
(2) الفروع ج 4 ص 463 والوسائل الباب 11 من احرام الحج
والوقوف بعرفة.
396

يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون إلى جانبه، فنحاها، ففعلوا مثل ذلك، فقال:
أيها الناس إنه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف ولكن هذا كله موقف.
وأشار بيده إلى الموقف. وقال: هذا كله موقف. وفعل مثل ذلك بالمزدلفة. الحديث).
وعن مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (عرفات كلها موقف،
وأفضل الموقف سفح الجبل... إلى أن قال: وانتقل عن الهضبات واتق
الأراك).
وعن محمد بن سماعة (2) عن سماعة قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم فكيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون إلى
وادي محسر. قلت: فإذا كثروا بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟
فقال: يرتفعون إلى المأزمين. قلت: فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق
عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى الجبل ويوقف في ميسرة الجبل،
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقف بعرفات فجعل الناس يبتدرون
أخفاف ناقته... الحديث) كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار.
ومنها: القيام، ذكره جملة من الأصحاب، وعللوه بأنه أشق، وأفضل

(1) الفروع ج 4 ص 463 والوافي باب (حدود عرفات) والوسائل
الباب 11 من احرام الحج والوقوف بعرفة. راجع التعليقة (2) على هذا
الحديث في الطبعة الحديثة من الوسائل.
(2) التهذيب ج 5 ص 180 والوسائل الباب 11 و 13 و 10 من
احرام الحج والوقوف بعرفة وفي النسخ المخطوطة والمطبوعة اسناد الرواية
إلى محمد بن سماعة.
397

الأعمال أحمزها (1).
وقال الشيخ في الخلاف: يجوز الوقوف بعرفة راكبا وقائما سواء. وفي
المبسوط القيام أفضل. قال في المختلف: وهو الحق، لنا: إنه أشق، وقال
(صلى الله عليه وآله): (أفضل الأعمال أحمزها) (2) ثم نقل عن الشيخ
في الخلاف أنه قال في استدلاله: وأيضا القيام أشق من الركوب، فينبغي
أن يكون أفضل.
وقال في المدارك بعد أن اختار ذلك وعلله بما ذكره الأصحاب أيضا:
وينبغي أن يكون ذلك حيث لا ينافي الخشوع لشدة التعب ونحوه، وإلا
سقطت وظيفة القيام.
وقال في المدارك بعد أن نقل عن المصنف كراهة الركوب والقعود: لم
أقف على رواية تتضمن النهي عن ذلك نعم لا ريب أنه خلاف الأولى،
لاستحباب القيام. وقال بعض العامة: إن الركوب أفضل من القيام،
لما رووه من أن النبي (صل الله عليه وآله) وقف راكبا (3) وهو ضعيف. انتهى.
أقول: والمسألة عندي لا تخلو من شوب التردد، فإن ما ذكروه من استحباب
القيام لم يرد في شئ من أخبار عرفة على كثرتها واشتمالها على جملة من
المندوبات، مع أن هذا الحكم من أهمها لو كان كذلك. وما عللوه به

(1) في نهاية ابن الأثير مادة (حمز): " في حديث ابن عباس:
سئل رسول الله صلى الله عليه وآله: أي الأعمال أفضل؟ فقال:: أحمزها أي أقواها
وأشدها " وفي مجمع البحرين أيضا نسبته إلى حديث ابن عباس.
(2) نفس المصدر.
(3) المغني ج 3 ص 428 طبع مطبعة المنار.
398

من الخبر لا يخلو من شئ
مع أن الظاهر من صحيحة معاوية بن عمار في حكاية وقوفه (صل الله
عليه وآله) (1) وقوله فيها: (فلما وقف جعل الناس يبتدرون أخفاف
ناقته فيقفون إلى جانبه، فنحاها، ففعلوا مثل ذلك) أن وقوفه (صل الله
عليه وآله) كان على الناقة
وأصرح منه أظهر ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب
الإسناد عن محمد بن عيسى عن حماد بن عيسى (2) قال: (رأيت أبا عبد الله
جعفر بن محمد (عليه السلام) في الموقف على بغلة رافعا يده إلى السماء
عن يسار وإلى الموسم حتى انصرف، وكان في موقف النبي (صل الله عليه وآله
وظاهر كفيه إلى السماء وهو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابتيه)
ومنها: عدم الوقوف في أعلى الجبل مع الضرورة.
لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار (3) قال: (سألت أبا إبراهيم
(عليه السلام) عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض؟
فقال: على الأرض)
ونقل عن ابن البراج وابن إدريس أنهما حرما الوقف على الجبل إلا
لضرورة، ولم أقف لذلك على دليل سوى الرواية المذكورة.
وكيف كان فمع الضرورة كالزحام ونحوه تنتفي الكراهة أو التحريم.

(1) الوسائل الباب 11 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(2) الوسائل الباب 12 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(3) الوسائل الباب 10 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
399

لما تقدم في رواية محمد بن سماعة (1). وما رواه في الكافي عن
سماعة (2) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إذا ضاقت عرفة
كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى الجبل)
ومنها: الوقوف على طهارة لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى (عليه السلام) (3) (قال: سألته عن الرجل هل
يصلح له أن يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال: لا يصلح له إلا وهو
على وضوء)
وإنما حملناه على الاستحباب لما تقدم في أحاديث السعي والطواف من
ما يدل على جواز أداء المناسك بغير طهارة إلا الطواف.
وينبغي تقييد ذلك أيضا بما إذا لم يكن وقوفه على غسل وإلا فالغسل
مجزئ عنه، كما هو القول المختار من اجزاء الغسل مطلقا عن الوضوء
كما تقدم تحقيقه في كتاب الطاهرة
الموضع الرابع - المشهور بين الأصحاب أن الدعاء يوم عرفة مستحب،
قال في المنتهى: وهذه الأدعية مستحبة وليست بواجبه إنما الواجب الوقوف
ولا نعلم في ذلك خلافا. ثم أورد الخبرين الآتيين
أقول: وربما أشعر كلام بعضهم بالوجوب، ونقل في الدروس عن الحلبي
أنه أوجب الدعاء والاستغفار. وعن ابن زهرة ايجاب الذكر.
وقال في المختلف: قال أبو الصلاح: يلزم افتتاحه بالنية، وقطع زمانه

(1) تقدم أنها رواية محمد بن سماعة عن سماعة.
(2) الوسائل الباب 11 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(3) الوسائل الباب 20 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
400

بالدعاء والتوبة والاستغفار. قال: وهذا يوهم وجوب هذه الأشياء. والحق
أن الواجب النية والكون به خاصة دون وجوب شئ من الأذكار. وكذا قال
في المشعر. وهو اختيار ابن البراج. لنا الأصل براءة الذمة وما رواه
عبد الله بن جذاعه الأزدي (1) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
رجل وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس، فبقي ينظر إلى الناس ولا يدعو حتى أفاض الناس؟ قال: يجزئه وقوفه. ثم قال: أليس قد صل بعرفات
الظهر والعصر وقنت ودعا؟ قلت: بلى قال: فعرفات كلها موقف،
وما قرب من الجبل فهو أفضل " وعن أبي يحيى زكريا الموصلي (2) قال:
(سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي
أبيه أو نعي بعض ولد، قبل أن يذكر الله بشئ أو يدعو فاشتغل بالجزع والبكاء
عن الدعاء، ثم أفاض الناس. فقال: لا أرى عليه شيئا وقد أساء،
فليستغفر الله، أما لو صبر واحتسب لأفاض من الموقف بحسنات أهل الموقف
جميعا من غير أن ينقص من حسناتهم شئ)

(1) التهذيب ج 5 ص 184 والوسائل الباب 16 من احرام الحج
والوقوف بعرفة. والسند في التهذيب والوافي باب (الوقوف بعرفات والدعاء
عنده) هكذا: عن جعفر بن عامر بن عبد الله بن جذاعة الأزدي عن أبيه. وفي الوسائل عن جعفر بن عامر عن عبد الله بن جذاعة الأزدي
عن أبيه.
(2) التهذيب ج 5 ص 184 والوسائل الباب 16 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
401

الفصل الثالث في الأحكام
وفيه مسائل:
الأولى - لا خلاف بين الأصحاب بل بين علماء الاسلام (1) في أن
الوقوف بعرفة ركن من تركه عامدا فلا حج له.
ويدل عليه ما تقدم في جملة من الأخبار: أن أهل الأراك لا حج لهم (2)
وإذا بطل الحج بالوقوف في غير الموقف فبعدم الوقوف بالكلية بطريق أولى.
فأما ما رواه الشيخ عن ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) - قال: (الوقوف بالمشعر فريضة، والوقوف بعرفة
سنة) -.
فقد رده المتأخرون بالطعن في السند بالارسال، وضعف المرسل.
وأجاب عنه الشيخ بحمل السنة على ما ثبت فرضه من جهة السنة دون
النص بظاهر القرآن، قال: وما عرف فرضه من جهة السنة جاز أن
يطلق عليه الاسم بأنه سنة، وقد بينا ذلك في غير موضع، وليس كذلك
الوقوف بالمشعر، لأن فرضه علم بظاهر القرآن، قال الله تعالى: فإذا
أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام (4) انتهى. وهو جيد.

(1) المغني ج 3 ص 428 طبع مطبعة المنار.
(2) الوسائل الباب 10 و 11 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(3) الوسائل الباب 19 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(4) سورة البقرة الآية 197.
402

وقال في الدروس: ورواية ابن فضال - أنه سنة - مزيفة بالارسال.
ومعارضة بالاجماع. ومؤولة بالثبوت بالسنة.
وينبغي أن يعلم أن الركن منه هو المسمى خاصة، وما عداه فيتصف
بالوجوب، ومن ثم صح حج المفيض قبل الغروب عمدا وإن وجب عليه
جبره بالبدنة أو الشاة على القولين المتقدمين، وصح أيضا حج من أخل به
أول الوقت.
ولا يختص الركن بجزء معين منه بل الأمر الكلي، كما قالوا في
الركن الركوعي من أنه المقارن للركوع.
الثانية - قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الوقت الاختياري
لوقوف عرفة من زوال الشمس إلى الغروب، من تركه عامدا فسد حجه ومن تركه
ناسيا تداركه ما دام وقته باقيا ولو قبل طلوع الفجر من يوم النحر. ولو
فاته اكتفى بالوقوف بالمشعر، والوقت الاضطراري إلى طلوع الفجر من يوم النحر.
وتفصيل هذا الاجمال وما يتلق به من الاستدلال يقع في مواضع.
فأما بيان أن الوقت الاختياري من زوال الشمس إلى الغروب فقد
تقدمت الأخبار الدالة عليه في بيان كيفية الوقوف (1).
وأما أن من ترك الوقوف في هذا الوقت عامدا فسد حجه فقد تقدم بيانه
في سابق هذه المسألة.
وأما بيان الوقت الاضطراري وأنه يجزئ لمن لم يدرك الاختياري فيدل
عليه جملة من الأخبار:
منها: ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار والكليني

(1) ص 380.
403

في الصحيح أو الحسن عنه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
في حديث قال: (وقال في رجل أدرك الإمام وهو بجمع. فقال: إن
ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس
فليأتها، وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع، فقد
تم حجه).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يأتي بعدما يفيض الناس من عرفات. فقال: إن كان في مهل
حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر
قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات، وإن قدم وقد فاتته عرفات
فليقف بالمشعر الحرام، فإن الله تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا
أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض فإن
لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، وعليه
الحج من قابل).
وعن إدريس بن عبد الله (3) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس
من جمع قبل أن يدركها. فقال: إن ظن أن يدرك الناس بجمع قبل

(1) الفقيه ج 2 ص 284 والفروع ج 4 ص 476 والوسائل الباب 22
من الوقوف بالمشعر. راجع التعليقة (1) على هذا الحديث في الطبعة الحديثة
من الوسائل.
(2) التهذيب ج 5 ص 289 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر.
(3) التهذيب ج 5 ص 289 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر.
404

طلوع الشمس فليأت عرفات فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع
ثم ليفض مع الناس، فقد تم حجه).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر، فإذا شيخ كبير
فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما تقول في رجل أدرك الإمام
بجمع؟ فقال له: إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل
طلوع الشمس فليأتها، وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع
فلا يأتها، وقد تم حجه).
وأما أنه لو فاته الوقوف الاضطراري اكتفى بالوقوف بالمشعر فقد دلت
عليه الأخبار المذكورة.
بقي الكلام في أن الأصحاب (رضوان الله عليهم) استدلوا بهذه
الروايات على ما قدمنا نقله عنهم من حكم الناسي، وهي - كما ترى -
لا تعرض فيها لذكر الناسي ولو بالإشارة فضلا عن التصريح وإنما موردها
ضيق الوقت على القادم للحج.
وأما ما ذكره في المدارك بعد أن أورد عليهم نحو ما أوردناه - حيث
قال: ويمكن استفادته من التعليل المستفاد من قوله (عليه السلام) في
رواية الحلبي: (الله أعذر لعبده) فإن النسيان من أقوى الأعذار. بل
يمكن الاستدلال بذلك على عذر الجاهل أيضا كما هو ظاهر اختيار الشهيد
في الدروس -.
فهو محل نظر. وكأنه بناء منه على ما قدمنا نقله عنه في كتاب الصيام

(1) التهذيب ج 5 ص 290 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر.
405

من دعواه أن النسيان من الله (تعالى). وقد بينا ثمة ضعفه، وأن
النسيان إنما هو من الشيطان كما تكررت به آيات القرآن. وبالجملة فإن
الناسي من حيث حصول العلم له أولا فعروض النسيان له إنما هو لاهماله
التذكر وعدم الاعتناء باجرائه على البال. ومن أجل ذلك يضعف القول
بمعذوريته، وإن كان ظاهر كلامه هنا وكذا كلام غيره زيادة معذوريته
على الجاهل. وهو غلط محض، فإن الأخبار قد استفاضت بمعذورية الجاهل
ولا سيما في باب الحج عموما وخصوصا. والوجه فيه ظاهر، كما تقدم
تحقيقه في غير مقام ولا سيما في مقدمات الكتاب. وهم في أكثر المواضع
إنما استندوا في معذورية الناسي إلى أخبار معذورية الجاهل، فلو عكسوا
لأصابوا.
وظاهر الأخبار المذكورة الاكتفاء في الوقوف الاضطراري بمسمى الكون
بعرفة، وبذلك صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) أيضا، قال في
المنتهي: لو لم يقف بعرفة نهارا ووقف بها ليلا أجزأه على ما بيناه، وجاز
له أن يدفع من عرفات أي وقت شاء بلا خلاف.
ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه أطلق أن وقت الوقوف بعرفة من
الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر. وحمله جملة من الأصحاب
على أن مراده بيان مجموع وقتي الاختيار والاضطرار، لا أن ذلك وقت
اختياري لتصريحه في سائر كتبه بالتفصيل المذكور.
وحمله ابن إدريس على أن مراده الوقت الاختياري، فاعترضه بأن هذا
القول مخالف لا قوال علمائنا وإنما هو قول لبعض المخالفين (1) أورده الشيخ

(1) المغني ج 3 ص 433 و 434 طبع مطبعة المنار.
406

في كتابه ايرادا لا اعتقادا.
وقال العلامة في المختلف - ونعم ما قال -: والتحقيق أن النزاع هنا
لفظي، فإن الشيخ قصد الوقوف الشامل للاختياري وهو من زوال الشمس
إلى غروبها، والاضطراري وهو من الزوال إلى طلوع الفجر، فتوهم ابن
إدريس أن الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري، فأخطأ في اعتقاده ونسب
الشيخ إلى تقليد بعض المخالفين، مع أن الشيخ أعظم المجتهدين وكبيرهم.
ولا ريب في تحريم التقليد للمحق من المجتهدين فكيف المخالف الذي
يعتقد المقلد أنه مخطئ، وهل هذا إلا جهالة منه واجتراء على الشيخ
(رحمه الله).
ويستفاد من الأخبار المذكورة أنه لا يجب عليه المضي إلى عرفات في
الصورة المذكورة إلا مع ظن ادراك اختياري المشعر، فلو تردد في ذلك
لم يجب عليه المضي واجتزأ باختياري المشعر، وهو الظاهر أيضا من كلام
الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ونقل عن الشيخ أنه احتمل وجوب
المضي إلى عرفات مع التردد تقديما للوجوب الحاضر. وضعفه ظاهر، ومنه
يستفاد أيضا أن اختياري المشعر مقدم على اضطراري عرفة. وسيأتي
تحقيق ذلك في المقام إن شاء الله تعالى.
الثالثة - إعلم أن أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري
ثمانية: أربعة مفردة، وهي كل واحد من الاختياريين والاضطراريين،
وأربعة مركبة، وهي الاختياريان والاضطراريان واختياري عرفة مع اضطراري
المشعر وبالعكس. قالوا: وكلها مجزئة إلا اضطراري عرفة، قولا واحدا
كما نقله في الدروس وقد وقع الخلاف في اخيتاري عرفة أيضا، وكذا في
407

الاضطراريين، وكذا في اضطراري المشعر وحده.
وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع: الأول أن يقال: أما الاختياريان
واضطراري عرفة مع اختياري المشعر، وكذا اخيتاري المشعر خاصة،
وكذا اختياري عرفة مع اضطراري المشعر، فهي مجزئة قولا واحدا.
ويدل على الأول منها أنه الحج المأمور به وقد أتى به، وعلى الثاني
والثالث الأخبار المتقدمة في المسألة الثانية (1).
وعلى الرابع ما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال:
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجل أفاض من عرفات
فأتى منى؟ قال: فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها وإن كان الناس قد أفاضوا
من جمع).
وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (3) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
رجل أفاض من عرفات بالمشعر. فلم يفق حتى انتهى إلى منى ورمى الجمرة
ولم يعلم حتى ارتفع النهار؟ قال: يرجع إلى المشعر فيقف ثم يرجع
فيرمي الجمرة).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: (من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع
وليأت جمعا وليقف بها وإن كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع).
الثاني - اختياري عرفة خاصة، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)

(1) ص 404 و 405.
(2) الفروع ج 4 ص 472 والوسائل الباب 21 من الوقوف بالمشعر.
(3) الفروع ج 4 ص 472 والوسائل الباب 21 من الوقوف بالمشعر.
(4) الوسائل الباب 4 و 21 من الوقوف بالمشعر.
408

الاجتزاء به حتى أنه ادعى في المسالك عدم الخلاف فيه، حيث قال: إنه
لا خلاف في الاجتزاء بأحد الاختياريين. واعترضه سبطه في المدارك بأنه
مشكل جدا، لانتفاء ما يدل على الاجتزاء باختياري عرفة خاصة مع أن
الخلاف في المسألة متحقق، فإن العلامة في المنتهي صرح بعدم الاجتزاء
بذلك، وهذه عبارته: ولو أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا
فإن كان الفائت هو عرفات فقد صح حجه لادراك المشعر، وإن كان هو
المشعر ففيه تردد... ونحوه قال في التذكرة، فعلم من ذلك أن الاجتزاء بادراك
اختياري عرفة ليس اجماعيا كما ذكره الشارح وأن المتجه فيه عدم الاجزاء
لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، وانتفاء ما يدل على الصحة مع هذا
الاخلال. والله العالم بحقيقة الحال. انتهى.
أقول: روى الكليني في الصحيح أو الحسن عن محمد بن يحيى الخثعمي
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) أنه قال (في رجل لم يقف بالمزدلفة
ولم يبت بها حتى أتى منى. فقال: ألم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟
قلت: فإنه جهل ذلك. قال: يرجع. قلت: إن ذلك قد فاته. قال:
لا بأس).
وروى في التهذيب في الصحيح أيضا عن محمد بن يحيى الخثعمي عن
بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) (في من جهل ولم يقف
بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى. قال: يرجع. قلت: إن ذلك قد

(1) الفروع ج 4 ص 473 والتهذيب ج 5 ص 293 والوسائل الباب
25 من الوقوف بالمشعر راجع التعليقة (1) على الحديث في التهذيب
(2) التهذيب ج 5 ص 292 والوسائل الباب 25 من الوقوف بالمشعر.
409

فاته. قال: لا بأس به).
وهذان الخبران ظاهرا الدلالة على الاجتزاء باختياري عرفة، والتقريب
فيهما أن من الظاهر أن مروره بالمزدلفة والاتيان إلى منى إنما هو من عرفات
بعد الوقوف الاختياري بها، والإمام (عليه السلام) قد أمر بالرجوع
إلى المزدلفة للوقوف بها ولو الاضطراري، ولما أخبره السائل بفوات الوقت
حكم بصحة الحج في الصورة المذكورة.
والشيخ (رحمه الله تعالى) حملهما في التهذيبين - بعد الطعن في الراوي
بأنه عامي، وأنه رواه تارة بواسطة وأخرى بدونها - على من وقف بالمزدلفة
شيئا يسيرا دون الوقوف التام.
وما أدري ما الموجب لتأويلهما؟ سيما مع قولهم بالاجتزاء باختياري
عرفة كما عرفت، ودلالة الخبرين على ذلك من غير معارض في البين.
والخبران ظاهران في أن ترك الوقوف كان عن جهل، فلا يمكن حينئذ
حملهما على ترك الوقوف عمدا، ليكون ذلك موجبا البطلان الحج كما ربما
يتوهم. وبالجملة فإني لا أعرف وجها في ردهما والحال كما عرفت. وما
ذكره من أن محمد بن يحيى الخثعمي عامي، فلم يذكره إلا في هذا الموضع
من الإستبصار، وأما في كتب الرجال فإنه لم يتعرض للقدح فيه بذلك.
مع أن النجاشي قد وثقه، فحديثه صحيح كما ذكرناه.
ولم أعثر على من تنبه لما قلناه من الاستدلال بالخبرين المذكورين على هذه
الصورة مع أن دلالتهما ظاهرة بالتقريب المذكور.
وقال في الدروس - بعد أن اختار اجزاء الثمانية المتقدمة إلا الاضطراري
الواحد منهما، نسب اجزاء اضطراري المشعر إلى رواية صحيحة - ما صورته:
410

وخرج الفاضل وجها باجزاء اختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة وحده، ولعلة
لقول الصادق (عليه السلام) (1): (الوقوف بالمشعر فريضة وبعرفة سنة)
وقوله (عليه السلام) (2): (إذا فاتتك المزدلفة فاتك الحج) ويعارض بما
اشتهر من قول النبي (صلى الله عليه وآله): (الحج عرفة) (3) و (أصحاب
الأراك لا حج لهم) (4)
أقول: ومن هذا الكلام يظهر أن مستندهم في القول بالاجتزاء باختياري
عرفة إنما هو الخبر المذكور عنه (صلى الله عليه وآله) في الموضعين. ولا
يخفى ما فيه من الاجمال الموجب لضعف الاستدلال. وما ذكرناه من
الخبرين المتقدمين أظهر دلالة وأوضح مقالة.
الثالث - الاضطراريان، والأظهر ادراك الحج بادراكهما، كما صرح به
الشيخ في كتابي الأخبار، واستقربه في المختلف واختاره المحقق في الشرائع،
والسيد السند في المدارك.
لما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن العطار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (5) قال: (إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر،

(1) الوسائل الباب 19 من احرام الحج والوقوف بعرفة. واللفظ:
"... والوقوف بعرفة سنة ".
(2) الوسائل الباب 23 و 25 من الوقوف بالمشعر واللفظ: " فقد فاتك الحج ".
(3) مستدرك الوسائل الباب 18 من احرام الحج وسنن البيهقي ج 5
ص 173.
(4) الوسائل الباب 19 من احرام الحج والوقوف بعرفة.
(5) الوسائل الباب 24 من الوقوف بالمشعر.
411

فأقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا، فليقف قليلا
بالمشعر الحرام، وليلحق الناس بمنى، ولا شئ عليه).
وهي صريحة الدلالة في ادراك الحج بادراك الاضطراريين، ولا ينافيها
صحيحة حريز الآتية ونحوها من ما دل على فوات الحج بادراك المشعر بعد
طلوع الشمس، لأنها محمولة على من لم يدرك عرفة بالمرة وإنما أدرك
اضطراري المشعر خاصة، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ولا يخفى أنه على القول بادراك الحج بادراك اضطراري المشعر خاصة
يتعين القول بالصحة بادراكهما معا بطريق أولى، وإنما تصير ثمرة الخلاف
في هذا القول بناء على القول الآخر من عدم ادراك الحج في الصورة المذكورة.
ثم العجب من المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في منسك الحج
حيث قال بعد ذكر عدم الاجزاء في صورة اضطراري المشعر: ومثله القول
في الثالث، فإن الخلاف فيه واقع، وبالاجزاء حديث من مشهوري الصحيح
واضح الدلالة، إلا أن الاعتماد على مثله في حكم مخالف للأصل مشكل.
انتهى. وأشار بالثالث إلى صورة ادراك الاضطراريين. وبالحديث إلى صحيحة
الحسن المذكورة ولا يخفى ما فيه من المجازفة بناء على اعتمادهم على القواعد
الأصولية زيادة على الأخبار المعصومية، فإن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل
ولا معارض له من الأخبار، فيجب القول به على كل حال.
الرابع - اضطراري المشعر خاصة، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في ادراك الحج بادراكه وعدمه، فالمشهور العدم، بل ادعي عليه في المنتهى
أنه موضع وفاق، وقال ابن الجنيد والمرتضى والصدوق في كتاب علل
الشرائع والأحكام بالأول، واختاره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وسبطه
412

السيد السند في المدارك.
قال: (قدس سره) بعد نقل ذلك عن الجماعة المذكورين: وهو المعتمد
لنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن المغيرة (1)
قال: (جاءنا رجل بمنى فقال إني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا. فقال
له عبد الله بن المغيرة: فلا حج لك. وسأل إسحاق بن عمار فلم يجبه
فدخل إسحاق على أبي الحسن (عليه السلام) فسأله عن ذلك، فقال:
إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك
الحج)) وفي الحسن عن جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك
الحج) وقد روى نحو هذه الرواية ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه
بطريق صحيح عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل أن تزول الشمس فقد
أدرك الحج) وقال في كتاب علل الشرائع والأحكام (4): والذي أفتي به
وأعتمده في هذا المعنى ما حدثنا به شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد
(رضي الله تعالى عنه) قال حدثني محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن
يزيد عن محمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) التهذيب ج 5 ص 291 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(2) الوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(3) الفقيه ج 2 ص 243 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(4) ص 451 طبعة النجف سنة 1382 والوسائل الباب 23 من
الوقوف بالمشعر.
413

ونقل الرواية بعينها. وهذه الرواية مع صحتها واضحة الدلالة على المطلوب، ويدل
عليه أيضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن إسحاق
ابن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (من أدرك المشعر
الحرام قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج) وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (2)
قال: (قال لي أبو عبد الله (عليه السلام):: إذا أدرك الزوال فقد أدرك
الموقف) واستدل الشارح (قدس سره) على هذا القول بصحيحة عبد الله
ابن مسكان عن الكاظم (عليه السلام) (إذا أدرك مزدلفة فوقف بها
قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج) وتقدمه في ذلك الشيخ فخر الدين
في شرح القواعد. ولم نقف على هذه الرواية في شئ من الأصول ولا نقلها
أحد غيرهما في ما أعلم. والظاهر أنها رواية عبد الله بن المغيرة فوقع السهو
في ذكر الأب. والعجب أن الكشي قال (3) روى: أن عبد الله بن مسكان
لم يسمع من الصادق (عليه السلام) إلا حديث: (من أدرك المشعر
فقد أدرك الحج) انتهى.
أقول: فيه إنه وإن دلت هذه الأخبار المذكورة على ما ادعاه من القول
للمذكور إلا أن بإزائها أيضا ما يدل على القول المشهور، فكان الواجب في
مقام التحقيق ذكرها والجواب عنها بوجه يحسم مادة الاشكال والنزاع،
وإلا فإن المسألة تبقى في قالب التعويق الموجب لعدم الفائدة في ما ذكره
والانتفاع.

(1) الفقيه ج 2 ص 243 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(2) الفقيه ج 2 ص 243 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(3) الوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
414

ومن الأخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز (1) قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مفرد للحج فاته
الوقفان جميعا. فقال: له إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإن طلعت
الشمس من يوم النحر فليس له حج، ويجعلها عمرة، وعليه الحج من
قابل) والرواية مع صحة سندها صريحة الدلالة في القول المذكور.
ومن ما يدل على ذلك أيضا ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة في المسألة
الثانية (2) لقوله (عليه السلام) فيها: (وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف
بالمشعر الحرام، فإن الله تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر
الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر
الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، وعليه الحج من قابل)
والتقريب فيها أن الظاهر من قوله (عليه السلام): (وإن لم يدرك
المشعر) يعني: على الوجه الذي ذكره أولا من كونه قبل طلوع الشمس
وقبل أن يفيض الناس، كما هو ظاهر السياق المتبادر من هذا الاطلاق.
ونحوها أيضا صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ثمة (3) وقوله (صلى الله
عليه وآله) لذلك الشيخ: (إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم
يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها... الخبر) إلا أن للاحتمال
فيه مجالا.

(1) التهذيب ج 5 ص 291 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(2) التهذيب ج 5 ص 289 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر.
(3) التهذيب ج 5 ص 290 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر.
415

ومن ما يدل على ذلك ما رواه الشيخ عن محمد بن سنان (1) قال:
(سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الذي إذا أدركه الانسان فقد
أدرك الحج. فقال: إذا أتى جمعا والناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس
فقد أدرك الحج ولا عمرة له، وإن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي
عمرة مفردة ولا حج له، فإن شاء أن يقيم بمكة أقام وإن شاء أن يرجع
إلى أهله رجع، وعليه الحج من قابل).
وعن محمد بن فضيل (2) قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج. فقال: إذا أتى جمعا والناس
في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له، وإن لم يأت
جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له، فإن شاء أقام وإن
شاء رجع، وعليه الحج من قابل).
وعن إسحاق بن عبد الله (3) قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشى أن يفوته الموقفان. فقال: له
يومه إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإذا طلعت الشمس فليس له حج
فقلت: كيف يصنع باحرامه؟ فقال يأتي مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين
الصفا والمروة. فقلت له: إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال: إن
شاء أقام بمكة وإن شاء رجع إلى الناس بمنى، وليس منهم في شئ، وإن

(1) التهذيب ج 5 ص 290 والاستبصار ج 2 ص 303 و 306
والوسائل الباب 23 من والوقوف بالمشعر.
(2) التهذيب ج 5 ص 291 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(3) التهذيب ج 5 ص 290 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
416

شاء رجع إلى أهله، وعليه الحج من قابل).
فهذه جملة من الأخبار الدالة على القول المشهور كما ذكرنا. وهو وإن
أجاب عن بعضها بضعف السند بناء على اصطلاحه الغير المعتمد إلا أن
فيها الصحيح كما عرفت، فيجب عليه التصدي للجواب عنه. والشيخ
(رحمه الله) قد أجاب عن الروايات الأولى تارة بالحمل على ادراك الفضيلة
والثواب دون أن تسقط عنه حجة السلام، وتارة بتخصيصها بمن أدرك
عرفات ثم جاء إلى المشعر قبل الزوال. ولا يخفى ما فيهما من البعد عن
سياق الأخبار المذكورة والحق أن الروايات من الطرفين
صريحة في كل
من القولين، وما تكلفه المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في المنتقى هنا - من
الجمع بين الأخبار وارتكاب التأويل وإن زاد في التطويل في جانب أخبار
القول بغير المشهور - فهو لا يخلو من تكلف مع أنه لا يجري في جميع
أخبار المسألة كما لا يخفى على من تأمله.
وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف واشكال. والله العالم بحقيقة الحال.
ثم إن ما ذكره (قدس سره) في الرواية المنقولة عن عبد الله بن مسكان
عن الكاظم (عليه السلام) جيد، فإنا لم نقف عليها بعد التتبع في ما
وصل إلينا من كتب الأخبار. وأما رواية الكشي المذكورة فقد روى مثلها
النجاشي في كتابه، ولعل هذه الرواية كانت مشهورة على ألسنتهم وإن لم
تنقل أصولهم، أو أنها لم تصل إلينا.
417

المقصد الثاني
في الوقوف بالمشعر:
ويسمى جمعا والمزدلفة، قال في الصحاح: المشاعر: مواضع المناسك
والمشعر الحرام أحد المشاعر، وكسر الميم لغة. وقال أيضا: ويقال
للمزدلفة: جمع، لاجتماع الناس بها. وقال في القاموس: المشعر الحرام
وتكسر ميمه: المزدلفة، وعليه بناء اليوم. ووهم من ظنه جبلا بقرب
ذلك البناء. وقال في كتاب مجمع البحرين بعد ذكر قوله (عز وجل):
فاذكروا الله عند المشعر الحرام (1): هو جبل بآخر مزدلفة واسمه: قزح،
ويسعى جمعا ومزدلفة والمشعر الحرام. والظاهر أنه تبع قي ذلك صاحب
المصباح المنير فإنه يقتفي أثره غالبا حيث قال في الكتاب المذكور: والمشعر
الحرام جبل بآخر مزدلفة واسمه قزح، وميمه مفتوحة على المشهور وبعضهم
يكسرها على التشبيه باسم الآلة. أقول: وهذا القول هو الذي أشار إليه في
القاموس ونسب قائله إلى الوهم. ونقل في الدروس عن الشيخ تفسيره
بالجبل المذكور، حيث قال في مسألة استحباب وطئ الصرورة المشعر
برجله: وقال ابن الجنيد: يطأ برجله أو بعيره. وقد قال الشيخ: هو
قرح، فيصعد عليه ويذكر الله تعالى عنده. ثم قال: والظاهر أنه المسجد
الموجود الآن. وسيأتي تتمة الكلام في ذلك أن شاء الله تعالى.
وأما ما ورد في تعليل هذه الأسماء لهذا المكان فقد تقدم في الفائدة

(1) سورة البقرة الآية 197.
418

المنقولة في صدر المقصد الأول في حديث المحاسن من قول جبرئيل لإبراهيم
(عليه السلام): ازدلف إلى المشعر الحرام. فسميت مزدلفة.
وروى ابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (1) قال في حديث إبراهيم (عليه السلام): (إن جبرئيل انتهى
به إلى الموقف وأقام به حتى غربت الشمس، ثم أفاض به، فقال:
يا إبراهيم ازدلف إلى المشعر الحرام. فسميت مزدلفة).
وروى في العلل (2) عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو عن
عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال:
سميت المزدلفة جمعا لأن آدم (عليه السلام) جمع فيها بين الصلاتين
المغرب العشاء).
وروى الصدوق مرسلا عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
(عليهم السلام) (3) (أنه إنما سميت المزدلفة جمعا لأنه يجمع فيها بين
المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين).
ومن ما روى في فضل هذا المكان ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن
معاوية بن عمار (4) قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما لله (عز وجل)

(1) الوسائل الباب 4 من الوقوف بالمشعر عن علل الشرائع ص 436
طبع النجف الأشرف ورواه في الفقيه ج 2 ص 127 بطريق آخر باختلاف
في اللفظ.
(2) ص 437 طبع النجف الأشرف والوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر.
(3) الوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر.
(4) الحديث أورده في المدارك بهذا اللفظ أيضا، وفي الوسائل عن
العلل في الباب 1 من السعي هكذا: (من موضع السعي) وفي العلل
ص 433 من طبع النجف الأشرف باب (علة الهرولة بين الصفا والمروة):
(من موضع المسعى) ولم نقف على غير ذلك في مظانه.
419

منسك أحب إلى الله تعالى من موضع المشعر، وذلك أنه يذل فيه كل
جبار عنيد).
وكيف كان فالكلام في هذا المقصد يقع في مقامات ثلاثة.
الأول - في مقدمات الوقوف، ومنها: الإفاضة من عرفات بعد الغروب
على سكينة ووقار وخشوع داعيا بما تقدم (1) نقله عن الصادق (عليه السلام)
من الدعاء عند مغيب الشمس.
وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال:
(قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن المشركين كانوا يفيضون من قبل
أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأفاض بعد
غروب الشمس. قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا غربت
الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار، وأفض بالاستغفار.
فإن الله (عز وجل) يقول: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا
الله إن الله غفور رحيم (3) فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن يمين
الطريق فقل: اللهم ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي ديني وتقبل مناسكي.

(1) ص 389
(2) الفروع ج 4 ص 467 والتهذيب ج 5 ص 186 و 187 والوسائل
الباب 22 من احرام الحج والباب 1 من الوقوف بالمشعر.
(3) سورة البقرة الآية 198.
420

وإياك والوجيف الذي يصنعه الناس، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: أيها الناس إن الحج ليس بوجيف الخيل ولا ايضاع الإبل، ولكن
اتقوا الله، سيروا سيرا جميلا، ولا توطئوا ضعيفا، ولا توطئوا مسلما،
وتوأدوا، واقتصدوا في السير، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان
يكف ناقته حتى يصيب رأسها مقدم الرجل، ويقول: أيها الناس عليكم
بالدعة. فسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تتبع. قال معاوية بن عمار:
وسمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اللهم اعتقني من النار. يكررها
حتى أفاض الناس، فقلت: ألا تفيض؟ فقد أفاض الناس قال: إني
أخاف الزحام، وأخاف أن أشرك في عنت انسان).
قال في الوافي (1): (من حيث أفاض الناس) أي من عرفات،
وروى في مجمع البيان (2) عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: (كانت
قريش وحلفاؤهم من الحمس لا يقفون مع الناس بعرفة ولا يفيضون منها
ويقولون نحن أهل حرم الله فلا نخرج من الحرم، فيقفون بالمشعر ويفيضون
منه، فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات ويفيضوا منها) وفي تفسير العياشي عن
الصادق (عليه السلام) (3) (يعني بالناس إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن
بعدهم ممن أفاض من عرفات) والكثيب: التل من الرمل (وإياك والوجيف)
في التهذيب (4) هكذا: (وإياك والوضف الذي يصنعه كثير من الناس،

(1) باب (الإفاضة من عرفات).
(2) ج 1 ص 296 طبع صيدا.
(3) الوسائل الباب 19 من احرام الحج والوقوف بعرفة
(4) ج 5 ص 187.
421

فإنه بلغنا أن الحج ليس بوضف الخليل ولا ايضاع الإبل) وكل من الوجيف
بالجيم والوضف بالواو والضاد المعجمة والايضاع بمعنى الاسراع. والتوأدة
التأني. وليست لفظة (وتوأدوا) في التهذيب (1) وفي بعض نسخ الكافي:
(لا تؤذوا) من الايذاء. والدعة قريب من التوأدة في المعنى. والعنت:
المشقة والانكسار والهلاك (2).
وروى في الكافي عن هارون بن خارجة (3) قال: (سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول في آخر كلامه حين أفاض: اللهم إني أعوذ بك
أن أظلم أو أظلم أو أقطع رحما أو أؤذي جارا).
ومنها: استحباب تأخير المغرب والعشاء إلى المزدلفة ولو إلى ربع الليل
بل إلى ثلث الليل، وهو اجماع علماء الاسلام كافة (4).
ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
(عليهما السلام) (5) قال: (لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا وإن ذهب
ثلث الليل).
وعن سماعة في الموثق (6) قال: سألته عن الجمع بين المغرب والعشاء
الآخرة بجمع. فقال: لا تصلهما حتى تنتهي إلى جمع وإن مضى من الليل
ما مضى، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمعهما بأذان واحد وإقامتين

(1) ج 5 ص 187.
(2) انتهى كلام صاحب الوافي.
(3) الفروع ج 4 ص 467 والوسائل الباب 1 من الوقوف بالمشعر.
(4) المغني ج 3 ص 437 و 438 و 439 طبع مطبعة المنار.
(5) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر.
(6) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر.
422

كما جمع بين الظهر والعصر بعرفات).
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال:
(لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا، فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان
واحد وإقامتين، وأنزل بطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر)
وتجوز الصلاة قبله.
وقال الشيخ في النهاية: لا تصل المغرب والعشاء الآخرة إلا بالمزدلفة
وإن ذهب من الليل ربعه أو ثلثه، فإن عاقه عائق عن المجئ إلى المزدلفة
إلى أن يذهب من الليل أكثر من الثلث جاز له أن يصلي المغرب في الطريق
ولا يجوز ذلك مع الاختيار. وهذا الكلام بظاهره موهم لتحريم الصلاة
قبل المشعر.
ونحوه كلام ابن أبي عقيل، حيث قال بعد أن حكى صفة سيرة
رسول الله (صلى الله عليه وآله): وأوجب بسنته على أمته أن لا يصلي
أحد منهم المغرب والعشاء بعد منصرفهم من عرفات حتى يأتوا المشعر الحرام.
ونحو ذلك كلام الشيخ في الخلاف، قريب منه في الإستبصار حيث
ذهب إلى أنه لا تجوز صلاة المغرب بعرفات ليلة النحر.
وحمل العلامة في المختلف كلام الشيخ في النهاية على إرادة الكراهة،
قال: والظاهر أن قصد الشيخ الكراهية، وكثيرا ما يطلق على المكروه أنه
لا يجوز. وهو جيد.

(1) التهذيب ج 5 ص 188 والفروع ج 4 ص 468 والوسائل الباب
6 و 7 من الوقوف بالمشعر. وفي المخطوطة والمطبوعة: (وإن ذهب ثلث
الليل) بعد كلمة (جمعا) ولعله من سهو الناسخ.
423

ومما يدل على جواز الصلاة قبل المشعر ما رواه الشيخ في الصحيح عن
هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (لا بأس أن
يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (عثر محمل أبي بين عرفة والمزدلفة، فنزل وصلى المغرب، وصلى
العشاء بالمزدلفة).
وعن محمد بن سماعة بن مهران (3) قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
الرجل يصلي المغرب والعتمة في الموقف فقال: قد فعله رسول الله (صلى
الله عليه وآله) صلاهما في الشعب).
أقول: لولا أن ظاهر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) الاتفاق على
جواز التقديم - بل ظاهر المنتهى دعوى الاجماع عليه، حيث قال: لو
ترك الجمع فصلى المغرب في وقتها والعشاء في وقتها صحت صلاته ولا إثم
عليه، ذهب إليه علماؤنا - لأمكن العمل بظاهر الأخبار المتقدمة، وحمل
النهي على ظاهره من التحريم وحمل الأخبار الأخيرة على العذر، كما هو
ظاهر المنتهى، حيث إنه خص الأخبار الثلاثة الأخيرة بصورة العذر،
حيث قال في جملة الفروع: السادس - لو عاقه في الطريق عائق وخاف
أن يذهب أكثر الليل صلى في الطريق لئلا يفوت الوقت، رواه الشيخ عن
محمد بن سماعة بن مهران.. ثم ساق الروايات الثلاث. ونحو ذلك
ظاهر كلام الشهيد (قدس سره) في الدروس حيث قال: وتأخير العشاءين
إلى جمع اجماعا، وأوجب الحسن تأخيرهما إلى المشعر في ظاهر كلامه، وله

(1) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر
(2) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر
(3) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر
424

التأخير وإن ذهب ثلث الليل، رواه محمد بن مسلم. ولو منع صلى بعرفة
أو الطريق. والظاهر أن قوله: (ولو منع) إشارة إلى تلك الأخبار
الدالة على الصلاة بعرفة والطريق بحملها على المانع. وحينئذ فإذا كانت
هذه الروايات موردها العذر كما حملت عليه لم يبق للنهي الموجب للتحريم في
تلك الروايات معارض إلا ما يدعى من الاجماع المتقدم ذكره.
وبذلك يظهر أن تأويل تلك العبارات الدالة على التحريم ليس في محله
بل القول بالتحريم لا يخلو من قرب.
ويؤيده ما رواه أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال عن حمدويه وإبراهيم
ابني نصير عن الحسن بن موسى الخشاب عن جعفر بن محمد بن حكيم عن
إبراهيم بن عبد الحميد عن عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة ويعقوب
الأحمر جميعا (1) قالوا: (كنا جلوسا عند أبي عبد الله (عليه السلام)
فدخل زرارة بن أعين فقال: إن الحكم بن عتيبة يروي عن أبيك أنه قال:
تصلي المغرب دون المزدلفة. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) بأيمان
ثلاثة: ما قال هذا أبي قط، كذب الحكم بن عتيبة على أبي (عليه السلام)
وعن محمد بن مسعود (2) قال: كتب إلينا الفضل يذكر عن ابن أبي عمير
عن إبراهيم بن عبد الحميد... ثم ذكر نحوه.
والتقريب فيه أن الظاهر أن مراد الحكم بم نقله هو جواز صلاة المغرب
قبل المزدلفة، فأنكره (عليه السلام) وحلف أن أباه (عليه السلام)
لم يقل ذلك. وأما الحمل على أن المراد أن وظيفة صلاة المغرب والأفضل

(1) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر.
(2) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر.
425

أن تصلي قبل المزدلفة فبعيد جدا، لاتفاق الخاصة والعامة (1) على أن
الأفضل التأخير إلى المشعر وأن السنة ذلك، بل الظاهر أن المعنى إنما هو
الأول، فيكون الخبر مؤيدا لما ذكرناه. والله العالم.
ومنها: الجمع بين الفرضين بأذان واحد وإقامتين وعدم الفصل بالنافلة،
وقد تقدم ما يدل عليه في موثقة سماعة وصحيح الحلبي.
ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الصحيح عن منصور بن حازم عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: (صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان
واحد وإقامتين، ولا تصل بينهما شيئا. وقال: هكذا صلى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم).
وروى الكليني في الصحيح عن ابن مسكان عن عنبسة بن مصعب (3) قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الركعات التي بعد المغرب ليلة
المزدلفة؟ فقال: صلها بعد العشاء الآخرة أربع ركعات).
وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن عنبسة بن مصعب (4)
قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إذا صليت المغرب بجمع
أصلي الركعات بعد المغرب قال: لا، صل المغرب والعشاء ثم صل الركعات بعد).

(1) المغني ج 3 ص 418 طبع عام 1368.
(2) الوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر والحديث للشيخ في التهذيب
ج 5 ص 190 و 480.
(3) الوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر.
(4) التهذيب ج 5 ص 190 والوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر.
426

وقد تقدم (1) ما يدل على ذلك أيضا في صدر المقصد من مرسلة
الصدوق ورواية العلل.
وفي الصحيح عن أبان بن تغلب (2) قال: صليت خلف أبي عبد الله
(عليه السلام) المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة
ولم يركع في ما بينهما. ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة فلما صلى المغرب
قام فتنقل بأربع ركعات).
وهو محمول على بيان الجواز، ومن ثم استدل به بعض الأصحاب على
امتداد وقت نافلة المغرب بامتداد الفريضة، كما تقدم في كتاب الصلاة.
قال في المنتهي: لو صلى بينهما شيئا من النوافل لم يكن مأثوما، لأن
الجمع مستحب فلا يترتب على تركه أثم. ثم استدل بصحيحة أبان المذكورة
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
- وعليه دلت الأخبار المتقدمة في كيفية الجمع - هو أن يكون بأذان
واحد وإقامتين، ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال: يجمع بين المغرب
والعشاء الآخرة بالمزدلفة بأذان واحد وإقامة واحدة مثل صلاة واحدة (3)

(1) ص 419.
(2) التهذيب ج 5 ص 190 والوسائل الباب 6 من الوقوف بالمشعر.
(3) هكذا وردت العبارة في النسخة المطبوعة وما وقفنا عليه من المخطوطة
وفي الخلاف ج 1 ص 172 م 159 هكذا: (يجمع بين المغرب والعشاء
الآخرة بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين وقال أبو حنيفة: يجمع بينهما بأذان
واحد وإقامة واحدة مثل صلاة واحدة. وبعد نقل قول مالك والشافعي
قال: دليلنا اجماع الفرقة وحديث جابر...) ولا يخفى أن العبارة
في نسخ الحدائق مطابقة لعبارة المختلف ج 2 ص 129.
427

واحتج باجماع الفرقة وحديث جابر (1) قال: (جمع رسول الله (صلى الله
عليه وآله) بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين، ولم يسبح بينهما
شيئا) قال في المختلف والجواب: أن الاجماع على ما قلناه، وكذا حديث
جابر. وهذا الاستدلال من الشيخ إنما هو على قول من يكرر الأذان أما
من يكرر الإقامة فلا.
ومنها: أن يكون متطهرا، ونقل في الدروس عن الصدوق (رحمة الله)
استحباب الغسل للوقوف أيضا.
ويدل على استحباب الوقوف على طهر قوله (عليه السلام) في صحيحة
معاوية بن عمار الآتية (2): (أصبح على طهر بعدما تصلي الفجر، فقف
إن شئت قريبا من الجبل وإن شئت حيث شئت... الحديث).
وأما الغسل فلم أقف على ما يدل عليه.
ومنها: استحباب النزول ببطن الوادي عن يمين الطريق والدعاء.
رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي ومعاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: (لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا
فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين. وأنزل ببطن الوادي
عن يمين الطريق قريبا من المشعر. ويستحب للضرورة أن يقف على المشعر

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 6 و 7 و 8.
(2) الوسائل الباب 11 من الوقوف بالمشعر.
(3) الفروع ج 4 ص 468 والوسائل الباب 6 و 7 و 8 و 10 من الوقوف
بالمشعر. وفي كتب الحديث ورد ذكر الحلبي متأخرا عن معاوية بن عمار.
428

الحرام ويطأه برجله ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة، وتقول: اللهم هذه
جمع، اللهم أني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير، اللهم لا تؤيسني
من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي. ثم اطلب إليك أن تعرفني
ما عرفت أولياءك في منزلي هذا وأن تقيني جوامع الشر. وإن استطعت أن
تحيي تلك الليلة فافعل، فإنه بلغنا أن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة
لأصوات المؤمنين لهم دوي كدوي النحل، يقول الله (جل ثناؤه) أنا
ربكم وأنتم عبادي أديتم حقي وحق علي أن أستجيب لكم. فيحط تلك
الليلة عن من أراد أن يحط عنه ذنوبه، ويغفر لمن أراد أن يغفر له).
ومنها: استحباب أن يطأ الصرورة المشعر برجله. ويدل عليه قوله
(عليه السلام) في رواية معاوية المتقدمة (1): (ويستحب للصرورة أن
يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله).
وعن أبان بن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام وأن يدخل البيت).
وروى الصدوق عن سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) (3)
في حديث قال: (قلت: كيف صار الصرورة وطئ المشعر عليه واجبا؟
فقال: ليستوجب بذلك وطئ بحبوحة الجنة).
أقول: قال الشيخ رحمه الله تعالى: المشعر الحرام جبل هناك يسمى قزح.
قال العلامة في المنتهى بعد نقل ذلك عن الشيخ (رحمه الله): ويستحب

(1) وهي رواية معاوية والحلبي المتقدمة الآن.
(2) الوسائل الباب 7 من الوقوف بالمشعر.
(3) الفقيه ج 2 ص 154 والوسائل الباب 3 و 7 من الوقوف بالمشعر.
429

الصعود عليه وذكر الله تعالى عنده، قال الله تعالى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا
الله عند المشعر الحرام (1) وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) أنه أردف
الفضل بن العباس ووقف على قزح، وقال: هذا قزح، وهو الموقف، وجمع كلها
موقف. وروى الجمهور في حديث جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن
أبيه عن جابر (3): أن النبي (صلى الله عليه وآله) ركب القصوى حتى
أتى المشعر الحرام فرقى عليه واستقبل القبلة، فحمد الله وهلله وكبره ووحده،
ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا. قال ابن بابويه: يستحب للصرورة أن يطأ
المشعر برجله أو يطأه ببعيره، وروى الشيخ عن أبان بن عثمان ثم ساق
الرواية المتقدمة. إليه هنا كلام المنتهى.
وظاهره اختيار ما ذهب إليه الشيخ من أن المشعر عبارة عن الجبل المذكور
ولذا أيده بالروايات المذكورة.
ومما يؤكد ذلك ما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب العلل (4) عن عبد الحميد
ابن أبي الديلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (سمي الأبطح أبطح
لأن آدم (عليه السلام) أمر أن ينبطح في بطحاء فانبطح حتى انفجر الصبح
ثم أمر أن يصعد جبل جمع وأمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه،
ففعل ذلك فأرسل الله تعالى نارا من السماء فقبضت قربان آدم).
وبذلك يظهر لك أيضا ما في كلام الدروس، حيث إنه فسره بالمسجد

(1) سورة البقرة الآية 197.
(2) سنن بالبيهقي ج 5 ص 122 وفيه: (وأردف أسامة).
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 6 و 7 و 8.
(4) ص 444 طبع النجف الأشرف والوسائل الباب 4 من الوقوف بالمشعر.
430

وفاقا لصاحب القاموس، كما يظهر من قوله: (وعليه بناء اليوم).
قال في المدارك: واختلف كلام الأصحاب في تفسير المشعر، فقال
الشيخ أنه جبل هناك يسمى قزح، وفسره ابن الجنيد بما قرب من
المنارة، قال في الدروس: والظاهر أنه المسجد الموجود الآن. والذي نص
عليه أهل اللغة أن المشعر هو المزدلفة وعليه دلت صحيحة معاوية بن عمار
المتضمنة لتحديد المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر (1)
لكن مقتضى قوله (ع) في رواية الحلبي المتقدمة (2): (انزل ببطن الوادي
عن يمين الطريق قريبا من المشعر) أن المشعر أخص من المزدلفة.
أقول: أما ما نقله عن أهل اللغة من أن المشعر هو المزدلفة ففيه أنك
قد عرفت من ما قدمناه من عبارة القاموس أنه جعله عبارة عن الموضع الذي
عليه بناء اليوم، ومن عبارة المصباح أنه عبارة عن الجبل الذي ذكره الشيخ
(رحمه الله) وأما عبارة الصحاح فلم يتعرض فيها لذلك. وأما ما دلت
عليه صحيحة معاوية بن عمار فهو تحديد للمكان الذي يجب الوقوف فيه.
ولا ريب أن المشعر يطلق على مجموع هذا المحدود باعتبار كونه أحد المشاعر
التي هي عبارة عن مواضع العبادة مجازا، وأما التسمية الحقيقة في مخصوصة
للجبل أو المكان الذي عليه المسجد الآن. والظاهر هو الأول لما عرفت.
وأيضا فإن الأخبار الدالة على استحباب وطئ الصرورة المشعر لا تلائم هذا
القول الذي توهمه من الوادي المتسع، ونحوها رواية الحلبي التي أشار إليها.

(1) الوسائل الباب 8 من الوقوف بالمشعر.
(2) وهي رواية معاوية والحلبي المتقدمة ص 428.
431

المقام الثاني في الكيفية
وفيه مسائل: الأولى - يجب بعد النية الوقوف بالمشعر، وحده كما
تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (1) من أنه من المأزمين إلى الحياض إلى
وادي محسر. وهذا التحديد مجمع عليه بين الأصحاب كما ذكره في المنتهى.
ويدل عليه زيادة على الصحيحة المذكورة ما رواه الشيخ في الصحيح عن
زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (2) (أنه قال للحكم بن عيينة:
ما حد المزدلفة؟ فسكت: فقال أبو جعفر (عليه السلام): حدها ما بين
المأزمين إلى الجبل إلى حياض محسر)
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) في حديث قال: (ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة).
وفي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4)
قال: " حد المزدلفة من وادي محسر إلى المأزمين " ونحوها موثقة إسحاق
ابن عمار (5).
ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى المأزمين، لما رواه الكليني (رحمه الله)
في الموثق عن سماعة (6) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إذا
كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين ".

(1) الوسائل الباب 8 من الوقوف بالمشعر.
(2) الوسائل الباب 8 من الوقوف بالمشعر.
(3) وهو حديث معاوية والحلبي المتقدم ص 428.
(4) الوسائل الباب 8 من الوقوف بالمشعر.
(5) الوسائل الباب 8 من الوقوف بالمشعر.
(6) الوسائل الباب 9 من الوقوف بالمشعر.
432

والأصحاب ذكروا الارتفاع إلى الجبل، واستدلوا بالرواية. وهو كما
ترى، فإن المأزمين أحد الحدود والجبل حد آخر، كما تضمنته صحيحة
زرارة المتقدمة (1) وجوز الشهيدان وجماعة الارتفاع إلى الجبل اختيارا وفيه أن صحيحة
زرارة المذكورة قد دلت على أنه أحد حدود المشعر الخارجة عنه.
وهو ركن من أركان الحج من تركه عامدا بطل حجه.
ومن الأخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن فضال عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال: " الوقوف بالمشعر
فريضة... الحديث ".
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: " من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعا وليقف بها وإن
كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع ".
وروى الشيخ عن عمران وعبيد الله ابني علي الحلبين عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (4) قال: " إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج ".
وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (5) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
رجل أفاض من عرفات فمر بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى فرمى

(1) ص 432.
(2) الوسائل الباب 19 من احرام الحج والبا ب 4 من الوقوف بالمشعر.
(3) الوسائل 4 و 21 من الوقوف بالمشعر.
(4) الوسائل الباب 23 و 25 من الوقوف بالمشعر.
(5) الوسائل الباب 21 من الوقوف بالمشعر.
433

الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار. قال: يرجع إلى المشعر فيقف به ثم
يرجع فيرمي الجمرة ".
ويدل على ذلك ما تقدم (1) في جملة من الأخبار التي في المسألة الثالثة
من مسائل الفصل الثالث من المقصد الأول من ما يدل على أن من لم يدرك
المشعر إلا بعد طلوع الشمس أو بعد الزوال فقد فاته الحج، وعليه أن
يتحلل بعمرة مفردة.
وبالجملة فإنه لا خلاف بينهم في ركنيته، وأن من تركه متعمدا فقد
بطل حجه، إلا ما يظهر من ابن الجنيد فإنه قال: يستحب أن لا ينام الحاج
تلك الليلة وأن يحيوها بالصلاة والدعاء والوقوف بالمشعر، ومن لم يقف به
جاهلا رجع ما بينه وبين زوال الشمس من يوم النحر حتى يقف به، وأن
تعمد ترك الوقوف به فعليه بدنه.
قال العلامة في المختلف بعد نقل ذلك عنه: وهذا الكلام يحتمل
أمرين: أحدهما: أن من ترك الوقوف بالمشعر الذي حده ما بين المأزمين
إلى الحياض إلى وادي محسر وجب عليه بدنة. والثاني: أن من ترك
الوقوف على نفس المعشر الذي هو الجبل - فإنه يستحب الوقوف عليه عند
أصحابنا - وجب عليه بدنة. وعلى الاحتمالين فيه خلاف لما ذكره علماؤنا،
فإن أحدا من علمائنا لم يقل بصحة الحج مع ترك الوقوف بالمشعر عمدا
مختارا، ولم يقل أحد منهم بوجوب الوقوف على نفس المعشر الذي هو الجبل
وأن تأكيد استحباب الوقوف به، وحمل كلامه على الثاني أولى، لدلالة
سياق كلامه عليه. ويحتمل ثالث: وهو أن يكون قد دخل المشعر ثم

(1) ص 415 و 416.
434

ارتحل متعمدا قبل أن يقف مع الناس مستخفا لما رواه علي بن رئاب عن
الصادق (عليه السلام) (1) قال: (من أفاض من عرفات مع الناس
ولم يلبث معهم بجمع، ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة)
انتهى. أقول: الظاهر رجحان المعنى الثالث الذي ذكره (رحمه الله).
ثم إن في كلامه (قدس سره) دلالة على ما رجحناه من أن المشعر
اسم للجبل كما قد منا نقله عن الشيخ (رحمه الله تعالى).
الثانية: لا يخفى أن الوقوف الركني عند الأصحاب (رضوان لله
تعالى عليهم) عبارة عن الكون بالمشعر والوقوف به مطلقا، وظاهر أنه أعم
من الوقوف ليلة النحر أو يومه، كأنهم أرادوا به ما هو أعم من الاختياري
والاضطراري بمعنييه الآتيين، وأن الوقوف الاختياري ما يكون بعد طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس، والاضطراري إلى زوال الشمس من يوم النحر.
والحكمان الأخيران اجماعيان عندهم.
فأما ما يدل على أنه بعد الفجر فهو ما رواه في الكافي في الصحيح أو
الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(أصبح على طهر بعدما تصلي الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل،
وإن شئت حيث شئت... الحديث).

(1) الفقيه ج 2 ص 283. وفي الفروع ج 4 ص 473 والتهذيب ج 5
ص 294 والوسائل الباب 26 من الوقوف بالمشعر هكذا " عن علي بن رئاب
عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) ".
(2) الوسائل الباب 11 من الوقوف بالمشعر.
435

وأما ما يدل امتداده إلى طلوع الشمس فهو ما تقدم (1) في المسألة الثالثة
من الفصل الثالث من المقصد الأول من الأخبار الدالة على أن من أدرك
المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، ومن لم يدركه في ذلك الوقت
فقد فاته الحج.
وأما ما يدل على امتداد الاضطراري إلى الزوال فالأخبار المتقدمة ثمة
أيضا (2) الدالة على صحة حج من أدركه قبل الزوال.
قال في المنتهى: قد بينا أن وقت الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس، هذا في حال الاختيار، وأما لو لم يتمكن من الوقوف
بالمشعر إلا بعد طلوع الشمس للضرورة جاز، ويمتد الوقت إلى زوال
الشمس من يوم النحر. وقال المرتضى (رحمه الله تعالى): وقت الوقوف
الاضطراري بالمشعر يوم النحر، فمن فاته الوقوف بعرفات وأدرك الوقوف
بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحج.
أقول: وظاهره يؤذن بأن السيد قائل بامتداد الاضطراري إلى غروب
الشمس من يوم النحر، وهذا القول نقله ابن إدريس في السرائر عن
السيد (رضي الله عنه) وأنكره في المختلف أشد الانكار.
قال في المختلف: نقل ابن إدريس عن السيد المرتضى (رضي الله عنه)
في انتصاره أن وقت الوقوف بالمشعر جميع اليوم من يوم العيد، من
أدرك المشعر قبل غروب الشمس من يوم العيد فقد أدرك الحج. وهذا
النقل غير سديد، وكيف يخالف المرتضى جميع علمائنا، فإنهم نصوا على

(1) ص 415 و 416.
(2) ص 413 و 414.
436

أن الوقت الاضطراري للمشعر إلى زوال الشمس يوم النحر، وإنما حصل
الوهم لابن إدريس باعتبار أن السيد (رحمه الله) ذكر مسألة أخرى عقيب
هذه المسألة مؤكدة لمطلوبه، وهي أن من فاته الوقوف بعرفة حتى أدرك
المشعر يوم النحر فقد أدرك الحج خلافا للمخالفين كافة (1) ولم يفصل قبل
طلوع الشمس أو بعد طلوعها، فكيف بعد الزوال. ثم استدل السيد على
مطلوبه باجماع الفرقة، ومعلوم أن أحدا من علمائنا لم يذكر ذلك. انتهى
وهو حسن إلا أنه مناف لنقله ذلك عنه في المنتهى، كما هو ظاهر
عبارته المتقدمة، وكذا عبارته الآتية وقوله فيها: وإلى غروبها منه على
قول السيد.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
أنه لو أفاض قبل الفجر عامدا بعد إن كان به ليلا ولو كان قليلا، لم
يبطل حجه وجبره بشاة. وربما زاد بعضهم كون ذلك بعد الوقوف
بعرفات. وقال ابن الجنيد: يجب عليه دم. قال في المختلف بعد نقل ذلك
عنه: وهو موافق لما قلناه، فإن الدم إذا أطلق حمل على أقل مراتبه.
وعن ابن إدريس أنه يبطل حجه، وقول الشيخ في الخلاف يوهم ذلك،
حيث قال: فإن دفع قبل طلوع الفجر مع الاختيار ولم يجزئه.
احتج الأصحاب على ما ذهبوا إليه بما رواه الشيخ في التهذيب عن
مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2): (في رجل وقف مع الناس

(1) المغني ج 3 ص 428 طبع مطبعة المنار.
(2) الفروع ج 4 ص 473 والتهذيب ج 5 ص 193 عن أبي عبد الله
(عليه السلام) والوسائل الباب 16 من الوقوف بالمشعر.
437

بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس. قال: أن كان جاهلا فلا شئ
عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة).
واعترض هذه الرواية في المدارك بأنها ضعيفة السند باشتمالها على سهل
ابن زياد وهو عامي، بأن راويها - وهو مسمع - غير موثق فيشكل التعويل على
روايته. نعم روى ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه (1) هذه الرواية
بطريق صحيح عن علي بن رئاب عن مسمع فينتفي الطعن الأول. انتهى
أقول: لا يخفى عليك ما في طعنه على الرواية برواية مسمع لها، فإن
حديث مسمع في الحسن عند الأصحاب، فتكون الرواية حسنة. وقد تقدم
قريبا عده رواية مسمع في الصحيح، وتكلمنا عليه ثمة باضطراب كلامه
فيه، وهذا من جملة ذلك. وبالجملة فالرواية حسنة معتبرة لا يتوجه إليها
طعن، فالعمل بها متعين. وهو كثيرا ما يستدل بالحسان بل بالموثقات وأن
ضعفها في الموضع الذي لا يرتضيها، كما لا يخفى على من تأمل كتابه
وطريقه فيه، وقد نبهنا على ذلك في غير موضع.
وقال ابن إدريس: إن من أفاض قبل طلوع الفجر عامدا مختارا بطل
حجه، لأن الوقوف بالمشعر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ركن، فيبطل
بالاخلال به.
وأجاب عنه العلامة في المنتهى بالمنع من ذلك، قال: فإنا لا نسلم له
أن الوقوف بعد طلوع الفجر ركن. نعم مطلق الوقوف ليلة النحر أو
يومه ركن، أما بعد طلوع الفجر فلا نسلم له ذلك. وكون الوقوف يجب
أن يكون بعد طلوع الفجر لا يعطي كون الوقوف في هذا الوقت ركنا.

(1) ج 2 ص 284 عن أبي إبراهيم (عليه السلام).
438

وقول ابن إدريس لا نعرف له موافقا فكان خارقا للاجماع. انتهى
أقول: فيه نظر أما أولا فلأنه قد صرح (قدس سره) - كما قدمنا
نقله عنه - بأن الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس في حال الاختيار...
إلى آخر ما تقدم، وقال بعد هذا الكلام في مسألة أخرى: قد ظهر من
جميع ما تقدم أن الوقت الاختياري بعرفات... إلى أن قال: والوقت الاختياري
للوقوف بالمشعر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والاضطراري من غروب
الشمس ليلة النحر إلى الزوال من يومه على قول الشيخ وإلى غروبها منه
على قول السيد. وهذا الكلام منه في الموضعين ظاهر في أن الوقوف الذي
هو شرط في صحة الحج متى كان مختارا عامدا هو الوقوف من بعد طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس، فإن غيره من الوقتين الآخرين أعني ليلة النحر
وما بعد طلوع الشمس إنما هو وقت اضطراري لأصحاب الأعذار. ومثله
كلام غيره من الأصحاب (رضوان الله - تعالى - عليهم). ولا ريب أن
من أفاض قبل الفجر عالما عامدا فقد تعمد ترك هذا الواجب الذي هو
شرط في صحة الحج، كما هو ظاهر كلامه، وسواء سماه ركنا أم لم يسمه
وهذه التسمية لا مشاحة فيها، حيث إنها أمر اصطلاحي، وإنما الكلام
بالنظر إلى الأدلة، والمفهوم منها ما ذكرناه من أن الوقوف الاختياري هو
من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والوقوفين الاضطراريين عبارة عن
ما يكونان في ذينك الوقتين، ولا ريب أنه متى أخل المكلف بهذا الواجب
الذي دلت الأخبار على أن مدار صحة الحج على ادراكه - كما تقدم -
فإن الحكم بالصحة يحتاج إلى دليل. نعم لما دلت حسنة مسمع المذكورة
على الصحة في الصورة المذكورة وجب الحكم به. وبالجملة فإنا لو خلينا
439

وقول ابن إدريس لكان القول بما ذهب إليه في غاية القوة والمتانة، لما
عرفت، ولكن لما وردت الرواية المعتبرة بالصحة وجب القول بذلك وفاقا
لجمهور الأصحاب.
وأما ثانيا: فإن عدم الموافق لا بن إدريس في ما ذهب إليه لا يقدح في
قوله إذا اقتضته الأدلة الشرعية، كما عرفت لولا الرواية المذكورة. وأما
دعوى كونه خارقا للاجماع فغير ظاهرة، فإن عدم العلم بالموافق له لا يقتضي
انعقاد الاجماع على خلافه.
أقول: ويخطر بالبال في معنى رواية مسمع المذكورة وجه تنطبق به على
القواعد الذكورة، ويصح به قول ابن إدريس، ويبطل به ما اشتهر بين
الأصحاب (رضوان الله - تعالى - عليهم) من الحكم بصحة حج من تعمد
الإفاضة قبل الفجر، وبيانه أن السائل سأل عن رجل أفاض من جمع قبل
الناس بعد أن وقف معهم. والمتبادر من هذا الوقوف هو الوقوف الشرعي
المأمور به، فكأنه وقف بعد الفجر ثم أفاض قبل طلوع الشمس، لأن المبيت
بالمشعر ليلا لا يسمى وقوفا، وعبائرهم متفقة على أن الوقوف المأمور به من
بعد الفجر كما عرفت، فيجب حمل الخبر عليه البتة. فأجاب (عليه السلام)
بأنه إذا أفاض في هذا الوقت جاهلا فلا شئ عليه، لحصول الواجب من
الوقوف الشرعي واغتفار ما بقي من الوقت بالجهل، وإن كانت إفاضته جهلا
قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة. وليس في الرواية تصريح بكون إفاضته
عمدا، والقسمان في الخبر إنما هما للجاهل خاصة. وحاصل المعنى بعد فرض
الإفاضة في كلام السائل بعد الفجر وقبل طلوع الشمس هكذا: إن كان
جاهلا فلا شئ عليه في إفاضته في ذلك الوقت، وإن كانت إفاضته
440

قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة.
وبالجملة فإن الرواية المذكورة مخالفة لظاهر الروايات المتقدمة الكثيرة
الصحيحة الصريحة في أن الوقوف الواجب الذي هو شرط في صحة الحج
وادراكه هو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والاضطراري إلى الزوال
وأن من تركه وجب عليه الرجوع إليه متى أدركه قبل طلوع الشمس أو
قبل الزوال على اختلاف الأخبار في المسألة، وأما ليلة النحر فهي وقت
اضطراري لأصحاب الأعذار الآتي ذكرهم إن شاء الله تعالى، وحينئذ
فكيف يصح تعمد ترك هذا الوقوف والحكم بصحة الحج، كما ذكروا
(رضوان الله - تعالى - عليهم)
وكيف كان فإن لم يكن ما ذكرناه هو الظاهر من الخبر فلا أقل من أن
يكون محتملا فيه قريبا، وبذلك يسقط الاستدلال به. على أن ظاهر الخبر
صحة الحج بذلك وإن لم يكن وقف بعرفة، لأنه مطلق، وغاية ما دل عليه
أنه وقف مع الناس بجمع وأفاض قبلهم، وهو أعم من أن يكون وقف
بعرفة أم لا، وبه يشتد الاشكال فيه، ولهذا أن بعض الأصحاب - كما قدمنا
الإشارة إليه - قيد المسألة بكون ذلك بعد الوقوف بعرفات.
والظاهر أنه من أجل هذا الاجمال في الرواية قال في المسالك: وعلي
ما اخترناه من اجزاء اضطراري المشعر وحده يجزئ هنا بطريق أولى، لأن
الوقوف الليلي بالمشعر فيه شائبة الاختياري، للاكتفاء به للمرأة اختيارا،
وللمضطر والمتعمد مطلقا مع جبره بشاة، والاضطراري المحض ليس كذلك
والظاهر أنه أراد بالاطلاق في قوله: (والمتعمد مطلقا): يعني أعم من أن
يكون قد وقف بعرفات أم لا.
441

واعترضه سبطه في المدارك بأنه يمكن المناقشة فيه بأن الاجتزاء باضطراري
المشعر إنما ثبت بقوله (عليه السلام) في صحيحة جميل بن دراج (1):
(من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك
الحج) ونحو ذلك. ولا يلزم من ذلك الاجتزاء بالوقوف الليلي مطلقا
ورواية مسمع (2) المتضمنة للاجتزاء بالوقوف الليلي لا تدل على العموم،
إذ المتبادر منها تعلق الحكم بمن أدرك عرفة.
أقول: أنت خبير بأن هذه المناقشة واهية لا محصل لها، فإن جده
(قدس سره) لم يستدل على الاجتزاء بهذا الوقوف بصحيحة جميل ونحوها
وإنما استدل على هذا بأنه إذا قام الدليل على الاجتزاء بالامتداد إلى وقت
الظهر الذي هو بعيد من الوقت الاختياري غاية البعد، فلأن يكتفي بما
قرب منه وداخله - وهو الوقوف الليلي المشوب بالاختياري باعتبار اكتفاء
المرأة به اختيارا وجوازه للمتعمد مطلقا مع الجبر بشاة - بطريق أولى.
هذا حاصل كلامه.
وأما قوله: (ورواية مسمع لا تدل على العموم، إذ المتبادر منها
تعلق الحكم بمن أدرك عرفة) فممنوع، إذ لا وجه لهذا التبادر، ولا
اشعار به في الرواية إلا قوله: (وقف مع الناس بجمع) ووقوفه معهم
بجمع لا يستلزم أن يكون قد شاركهم ووقف معهم بعرفة بل هو أعم من
ذلك كما لا يخفى.
وبالجملة فالأقرب عندي في معنى الرواية هو ما قدمته، وهو أن المتبادر

(1) الوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(2) ص 437.
442

من هذا الوقوف إنما هو الوقوف الشرعي الذي هو بعد الفجر، إذ مجرد
البيات بالليل لا يسمى وقوفا شرعا، ولهذا إنهم اختلفوا في وجوبه وعدمه
والمشهور وجوبه، وقال في التذكرة: إنه ليس بواجب وغاية ما استدل به
في المدارك علي وجوبه التأسي، وضعفه ظاهر، وقوله (عليه السلام) في
صحيحة معاوية بن عمار (1): (ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة) وهو
غير ظاهر في الوجوب، لامكان حمله على الفضل والاستحباب لشرف المكان
وفضله. مع عدم استلزام مجرد النزول المبيت، لجواز خروجه إلى موضع
آخر ليلا وإن عاد إليه وقت الوقوف. وبالجملة فإن دلالته على الوجوب
غير ظاهرة، وحينئذ فحاصل معنى الخبر إنما هو السؤال عن من وقف بعد
الفجر وأفاض قبل طلوع الشمس، والتفصيل في الجواب إنما وقع وفي حكم
المفيض الجاهل في هذا الوقت وبذلك تحصل السلامة من هذه الاشكالات
ومخالفة صحاح الروايات وإن خالف ذلك المشهور عندهم.
هذا كله في ما لو أفاض قبل الفجر عامدا أما لو كان ناسيا فظاهرهم
أنه ليس عليه شئ.
قال في المدارك بعد قول المصنف: (ولو أفاض ناسيا لم يكن
عليه شئ): هذا من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
ولم أقف فيه على رواية تدل عليه صريحا. وربما أمكن الاستدلال عليه
بفحوى ما دل على جواز ذلك للمضطر وما في معناه، وفي الحاق الجاهل
بالعامد أو الناسي وجهان. انتهى.
أقول: يمكن القول هنا بصحة حج الجاهل بناء على ما يأتي تحقيقه
- إن شاء الله تعالى - من أن من ترك الوقوف بالمشعر جاهلا مع وقوفه

(1) الوسائل الباب 8 الرقم 3 والباب 10 من الرقم 1 من الوقوف بالمشعر.
443

بعرفات، فإن حجه صحيح، كما تدل عليه روايتا محمد بن يحيى (1) فإنه
متى ثبت صحة حجه بترك الوقوف مطلقا فأولى بالصحة لو أفاض قبل
الفجر مع وقوفه ليلا. وأما على ما هو المشهور بينهم من البطلان فيتجه
ما ذكره هنا من التردد في المسألة.
وفي المسالك بعد أن ذكر هذا التردد رجح الحاق الجاهل بالعامد،
بناء على أن الجاهل بالحكم عندهم كالعامد في جميع الأحكام. وهو خلاف
ما استفاضت به أخبار أهل الذكر (عليهم السلام) (2).
الثالثة - قد صرح الأصحاب (رضوان الله - تعالى - عليهم) - وبه
استفاضت الأخبار - بأنه يجوز الإفاضة ليلا لذوي الأعذار من الضعفاء
والنساء والصبيان ومن يخاف على نفسه من غير جبران، بقال في المنتهى
أنه قول كافة من يحفظ عنه العلم.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار: منها: قوله (عليه السلام) في صحيحة
معاوية بن عمار الواردة في صفة حج النبي (صلى الله عليه وآله) (3):
(ثم أفاض وأمر الناس بالدعة حتى انتهى إلى المزدلفة، وهو المشعر الحرام
فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين، ثم أقام حتى صلى فيها
الفجر، وعجل ضعفاء بني هاشم بالليل، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة جمرة - العقبة -
حتى تطلع الشمس... الحديث).

(!) تقدمنا ص 409
(2) ارجع إلى الجزء الأول من الحدائق المقدمة الخامسة - ص 77.
(3) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
444

وما رواه ابن بابويه عن ابن مسكان في الصحيح عن أبي بصير (1)
- وهو ليث المرادي بقرينة الراوي عنه - قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: لا بأس بأن تقدم النساء إذا زال الليل، فيقفن عند المشعر ساعة،
ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة، ثم يقصرن
وينطلقن إلى مكة فيطفن، إلا أن يكن يردن أن يذبح عنهن، فإنهن يوكلن
من يذبح عنهن).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن سعيد الأعرج (2) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهم بليل؟
قال: نعم تريد أن تصنع كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قلت: نعم. قال: أفض بهن بليل، ولا تفض بهن حتى تقف بهم بجمع
ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى، فيرمين الجمرة فإن لم يكن عليهن
ذبح، فليأخذن من شعورهن، ويقصرن من أظفارهن، ثم يمضين إلى مكة
في وجوههن، ويطفن بالبيت، ويسعين بين الصفا والمروة ثم يرجعن إلى
البيت فيطفن أسبوعا، ثم يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجهن...)
وفي الحسن عن جميل بن دارج عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) للنساء

(1) الفقيه ج 2 ص 283 والوسائل الباب 17 من الوقوف بالمشعر.
(2) الفروع ج 4 ص 474 و 475 والتهذيب ج 5 ص 195 والوسائل
الباب 17 من الوقوف بالمشعر.
(3) الفروع ج 4 ص 474 والتهذيب ج 5 ص 194 والوسائل الباب 17 من الوقوف بالمشعر الرقم (3) والراوي هو أبو بصير عن أبي عبد الله (ع)
والظاهر أن منشأ الاشتباه هو الانتقال من سند الحديث (645) في
التهذيب إلى متن هذا الحديث (646). ولفظ الحديث (645) سيذكره بعد
هذا الحديث مباشرة بهذا السند منسوبا إلى الكافي.
445

والصبيان أن يفيضوا بالليل، وأن يرموا الجمار بالليل، وأن يصلوا الغداة
منازلهم..).
وفي الكافي عن جميل بن دراج في الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا
عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قال: (لا بأس أن يفيض الرجل
بالليل إذا كان خائفا).
وعن علي بن أبي حمزة عن أحدهما (عليهما السلام) (2) قال: (أي
امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس، فليرم الجمرة
ثم ليمض، وليأمر من يذبح عنه، وتقصر المرأة ويحلق الرجل، ثم
ليطف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم يرجع إلى منى. فإن أتى منى ولم يذبح
عنه فلا بأس أن يذبح هو. وليحمل الشعر إذا حلق بمكة إلى منى. وإن
شاء قصر إن كان قد حج قبل ذلك).
إلى غير ذلك من الأخبار أقول: وعلى ما دلت عليه هذه الأخبار يحمل
اطلاق ما رواه الشيخ في التهذيب عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3) قال: (ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع
الشمس، وسائر الناس إن شاءوا عجلوا وإن شاءوا أخروا).

(1) الفروع ج 4 ص 474 والتهذيب ج 5 ص 194 والوسائل
الباب 17 من الوقوف بالمشعر.
(2) الفروع ج 4 ص 474 والتهذيب ج 5 ص 194 والوسائل
الباب 17 من الوقوف بالمشعر.
(3) الوسائل الباب 15 من الوقوف بالمشعر.
446

وما رواه في الصحيح عن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
أنه قال: (في التقدم من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به،
والتقدم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى
لا بأس).
وعلى ذلك حملهما الشيخ (رحمه الله). ويمكن حملهما على التقية أيضا
لما صرح به في المنتهي، حيث قال: قد بينا أن الوقوف بالمشعر يجب أن
يكون بعد طلوع الفجر، فلا يجوز الإفاضة منه قبل طلوعه اختيارا، بل
يجب الكون به بعد طلوع الفجر، وبه قال أبو حنيفة، وقال باقي الفقهاء
يجوز الدفع بعد نصف الليل (2) ثم أورد الأخبار الدالة على ما اختاره.
والمفهوم من صحيحتي أبي بصير وسعيد الأعرج أن أصحاب الأعذار لا يفيضون
حتى ينووا الوقوف الواجب ليلا. وفيه دلالة على أن مجرد الكون بها ليلا
والمبيت لا يكفي عن الوقوف ما لم ينوه.
الرابعة - المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) - حيث
صرحوا بأن الوقوف الواجب بالمشعر من طلوع الفجر - هو أنه تجب فيه
نية الوقوف من ذلك الوقت ولا يجوز تأخيرها. وبذلك صرح شيخنا
الشهيد الثاني في المسالك، حيث قال بعد قول المصنف: (وأن يكون
الوقوف بعد طلوع الفجر) ما لفظه: أي الوقوف الواجب، فيجب كون
النية عند تحقق الطلوع. وقال في موضع آخر: وأما الوقوف المتعارف
بمعنى الكون فهو واجب من أول الفجر، فلا يجوز تأخير نيته إلى أن يصلي.

(1) التهذيب ج 5 ص 193 و 194 والوسائل الباب 17 من الوقوف بالمشعر.
(2) المغني ج 3 ص 422 طبع عام 1368.
447

والمفهوم من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (1) وقوله (عليه السلام)
فيها: (أصبح على طهر بعدها ما تصلي الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل
وإن شئت حيث شئت، فإذا وقفت فاحمد الله (عز وجل) واثن عليه
... الحديث) وقوله (عليه السلام) (2) في كتاب الفقه الرضوي:
(فإذا أصبحت فصل الغداة، وقف بها كوقوفك بعرفة، وادع الله...
إلى آخره) هو جواز تأخير نية الوقوف عن الصلاة وأنها بعدها.
وقوله في المدارك -: وليس في هذه الرواية ذكر للنية - مبني على
ما يتعاطونه من النية المصطلحة بينهم، وقد عرفت أنه لا أثر لها ففي الأخبار
لا في هذا الموضع ولا في غيره، وإلا فمعنى قوله (عليه السلام): (فقف
إن شئت قريبا من الجبل) هو الإشارة إلى النية أي اقصد الوقوف، فإن
مجرد الكون - من غير قصد التقرب به إلى الله (سبحانه وتعالى) وأنه هو
الواجب المأمور به، وأنه يقصد الاتيان به متقربا - لا يوجب حصول
الوقوف المأمور به إلا في صورة النسيان، كما يفهم من بعض الأخبار
الآتية في المقام إن شاء الله تعالى.
وقال في المنتهى: ويستحب أن يقف بعد أن يصلي الفجر، ولو وقف
قبل الصلاة إذا كان قد طلع الفجر أجزأه.
ثم إنه على تقدير المبيت والنية له ليلا هل يكتفي بها عن النية بعد
طلوع الفجر أم لا؟ قال في المسالك: والأقوى وجوب المبيت ليلا،
والنية له عند الوصول، والمراد به الكون بالمشعر ليلا. ثم إن لم نقل

(1) الوسائل الباب 11 من الوقوف بالمشعر.
(2) ص 28.
448

بوجوبه فلا اشكال في وجوب النية للكون عند الفجر. وإن أوجبنا
المبيت فقدم النية عنده، ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر،
ويظهر من الدروس عدم الوجوب. وينبغي أن يكون موضع النزاع
ما لو كانت النية للكون به مطلقا، أما لو نواه ليلا أو نوى المبيت كما
هو الشائع في كتب النيات المعدة لذلك بعد الاجتزاء بها عن نية الوقوف
نهارا، لأن الكون ليلا والمبيت مطلقا لا يتضمنان النهار، فلا بد له من نية
أخرى. والظاهر أن نية الكون به عند الوصول كافية عن النية نهارا، لأنه
فعل واحد إلى طلوع الشمس كالوقوف بعرفة، وليس في النصوص ما يدل
على خلاف ذلك. انتهى.
أقول: إن كلامه (قدس سره) هنا كله يدور على النية المصطلحة
التي هي عبارة عن الحديث النفسي والتصوير الفكري، وقد عرفت ما فيه
في غير موضع، وإلا فمن المعلوم أنه إذا كان الوقوف الواجب الذي عليه
مدار الحج صحة وبطلانا في حال التعمد والاختيار إنما هو الوقوف بعد
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وإن غير هذا الوقت من المتأخر عنه
والمتقدم عليه إنما هو وقت لذوي الأعذار، فنية الوقوف إنما هي في هذا
الوقت خاصة، ولا معنى لنية الوقوف ليلا، إلا أن يكون من قبيل العزم
عليه وهو غير النية الشرعية عندهم. والمستفاد من الخبرين المتقدمين أن
الوقوف الشرعي الذي يجب على المكلف الاتيان به - وعليه مدار صحة
حجه وبطلانه - إنما هو الذي بعد الفجر. والاكتفاء بغيره يحتاج إلى
دليل، فقوله - بعد اختياره أن نية الكون عند الوصول كافية عن النية
نهارا: وليس في النصوص ما يدل على خلافه - ليس في محله، بل هذه
449

النصوص دالة على خلافه. على أن مجرد عدم دلالة النصوص على خلافه
لا يكفي في ثبوته، بل لا بد من دلالة النصوص عليه ليتم الحكم به، وإلا
كان قولا من غير دليل. وهو غير سديد النهج ولا واضح السبيل، لأن حكم
العبادات صحة وبطلانا مبنية على التوقيف والثبوت عن صاحب الشريعة،
فلا بد في كل حكم من أحكامها من دليل واضح وبرهان لائح.
وبالجملة فإن القدر المستفاد من الأخبار والذي يدور عليه كلامهم هو
أن الوقوف الواجب الذي يدور عليه الحج صحة وبطلانا مع الاختيار هو
هذا الوقت المذكور، فيجب قصد التقرب به إلى الله (عز وجل) والنية
به وأداء الواجب به، ومجرد الكون قبله غير كاف.
وأما ما رواه الشيخ والصدوق عن محمد بن حكيم (1) قال: (قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): أصلحك الله، الرجل الأعجمي والمرأة
الضعيفة يكونان مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم
كما هم إلى منى ولم ينزل بهم جمعا. فقال: أليس قد صلوا بها؟ فقد
أجزاهم. قلت: فإن لم يصلوا بها؟ قال: ذكروا الله تعالى فيها؟ فإن كانوا
ذكروا الله فيها فقد أجزأهم)،
وما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2)
قال: (قلت له: جعلت فداك إن صاحبي هذين جهلا أن يقفا بالمزدلفة؟

(1) الفروع ج 4 ص 472 والتهذيب ج 5 ص 293 و 294 والفقيه ج 2
ص 283 والوسائل الباب 25 من الوقوف بالمشعر.
(2) الفروع ج 4 ص 472 والوسائل الباب 25 من الوقوف بالمشعر.
واللفظ هكذا: " عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (ع)... "
450

فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة، قلت: فإنه لم يخبرهما أحد
حتى كان اليوم وقد نفر الناس؟ قال: فنكس رأسه ساعة ثم قال: أليسا
قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ قلت: بلى. قال: أليس قد قنتا في صلاتهما؟
قلت: بلى. فقال: تم حجهما. ثم قال: المشعر من المزدلفة والمزدلفة
من المشعر، وإنما يكفيهما اليسير من الدعاء).
فهو محمول على حال الجهل وعدم إمكان الرجوع مع اتيانهم بما تضمنه
الخبران من الذكر والدعاء، وأن ذلك قائم مقام نية الوقوف في الصورة
المذكورة.
قال في من لا يحضره الفقيه (1): وروي في من جهل الوقوف بالمشعر:
أن القنوت في صلاة الغداة بها يجزئه وأن اليسير من الدعاء يكفي. انتهى
الخامسة - من المستحب في الوقوف ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح
أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال:
(أصبح على طهر بعدما تصلي الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل وإن
شئت حيث شئت، فإذا وقفت فاحمد الله (عز وجل) واثن عليه،
واذكر من آلائه وبلائه ما قدرت عليه، وصل على النبي (صلى الله عليه وآله)
ثم ليكن من قولك: اللهم رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار، وأوسع
علي من رزقك الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم أنت خير
مطلوب إليه وخير مدعو وخير مسؤول، ولكل وافد جائزة، فاجعل جائزتي
في موطني هذا أن تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وأن تتجاوز عن خطيئتي،

(1) ج 2 ص 283 والوسائل الباب 25 من الوقوف بالمشعر.
(2) الفروع ج 4 ص 469 والوسائل الباب 11 من الوقوف بالمشعر.
451

ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي. ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى
الإبل مواضع أخفافها).
وقد تقدم (1) في المقام الأول في صحيحة الحلبي ومعاوية بن عمار دعاء
آخر، لكن ظاهر ذلك الخبر أنه وقت النزول وهذا الدعاء بعد الوقوف.
ونقل العلامة في المختلف عن ابن البراج أنه عد في أقسام الواجب
الذكر لله تعالى والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى آله في الموقفين
ثم قال بعد نقل ذلك عنه: والمشهور الاستحباب. وقد تقدم ما يدل على
ذلك في الوقوف بعرفة من الخبرين المنقولين ثمة.
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (2): وليكن وقوفك
وأنت على غسل، وقل: اللهم رب المشعر الحرام ورب الركن والمقام ورب الحجر
الأسود وزمزم ورب الأيام المعلومات، فك رقبتي من النار، وأوسع علي
من رزقك الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس وشر فسقة العرب
والعجم، اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مدعو وخير مسؤول، ولكل وافد
جائزة، فاجعل جائزتي في موطني هذا أن تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي
وتتجاوز عن خطيئتي، وتجعل التقوي من الدنيا زادي، وتقلبني مفلحا
منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به أحد من وفدك وحجاج بيتك الحرام.
وادع الله (عز وجل) كثيرا... إلى أن قال: فإذا طلعت الشمس
فاعترف لله (عز وجل) بذنوبك سبع مرات، واسأله التوبة سبع مرات.

(1) ص 428 و 429.
(2) ج 2 ص 326.
452

المقام الثالث في الأحكام
وفيه أيضا مسائل: الأولى - قد عرفت من ما تقدم أن المشهور أنه لو
أفاض قبل الفجر عامدا بعد إن كان به ليلا صح حجه وجبره بشاة.
أما لو لم يقف بالمشعر ليلا ولا بعد الفجر عامدا، فالظاهر أنه
لا خلاف بينهم في بطلان حجه.
إلا أنه قد نقل العلامة في المنتهى عن الشيخ أنه قال: من ترك
الوقوف بالمشعر متعمدا فعليه بدنة.
لما رواه حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (من أفاض
من عرفات مع الناس، ولم يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمدا أو
مستخفا، فعليه بدنة).
وظاهره الحكم بصحة حجة ووجوب البدنة عليه جبرا لنقصانه بترك الوقوف.
قال في المنتهى بعد نقل ذلك عنه: والوجه أنه إذا ترك الوقوف بالمشعر
عمدا بطل حجه، لما تقدم من أنه ركن يبطل الحج بالاخلال به عمدا. انتهى.
ونقل هذا القول في الدروس عن ابن الجنيد أيضا، حيث قال: الوقوف
بالمشعر ركن أعظم من عرفة عندنا، فلو تعمد تركه بطل حجه. وقول ابن الجنيد
بوجوب البدنة لا غير ضعيف. ورواية حريز - بوجوب البدنة على متعمد
تركه أو المستخف - به متروكة محمولة على من وقف به ليلا قليلا ثم مضى. انتهى

(1) الفروع ج 4 ص 473 والتهذيب ج 5 ص 294 والوسائل الباب
26 من الوقوف بالمشعر. وارجع إلى التعليقة (1) ص 435.
453

وظاهر (قدس سره) حمل هذه الرواية على ما دلت عليه حسنة مسمع
المتقدمة، وإن تفاوتا باعتبار دلالة على الجبر بشاة وهذه على الجبر
ببدنة، وهو قريب في مقام الجمع.
ولو قيل بحملها على بطلان الحج ووجوب البدنة لم يكن بعيدا، كما
في المجامع قبل أحد الموقفين من الحكم بفساد حجه مع وجوب البدنة،
وإن اختلفا من حيثية أخرى أيضا.
والعجب أنه نقل عن الشيخ (رحمه الله) في المنتهى قبيل هذا الكلام
أنه قال: من فاته الوقوف بالمشعر فلا حج له على كل حال.
واستدل عليه بما رواه عن عبيد الله وعمران ابني علي الحلبيين عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك
الحج) قال: وهذا خبر عام في من فاته ذلك عامدا أو جاهلا أو على كل حال
وهذا الكلام ظاهر في أن فوت الوقوف بالمشعر عنده موجب لبطلان
الحج عمدا أو جهلا أو نسيانا. وهو - كما ترى - ظاهر المنافاة لما ذكره
من الكلام الأول.
وما ذكره (قدس سره) - من بطلان الحج بترك الوقوف وإن كان
جهلا أو نسيانا - هو ظاهر جملة من الأصحاب أيضا.
إلا أن الظاهر عندي من الأخبار والمفهوم منها أن التارك للوقوف جاهلا
عليه الرجوع وإن لم يدرك إلا الاضطراري، وإن استمر به الجهل حتى
فات وقت التدارك صح حجه.
فأما ما يدل على الحكم الأول فصحيحة معاوية بن عمار وموثقة

(1) الوسائل الباب 23 و 25 من الوقوف بالمشعر.
454

يونس بن يعقوب المتقدمتان (1) في المسألة الأولى من مسائل المقام الثاني.
وأما ما يدل على الثاني فروايتا محمد بن يحيى المتقدمتان (2) في المسألة
الثالثة من مسائل الفصل الثالث من المقصد الأول، لدلالتهما على أن من
جهل ولم يقف بالمزدلفة والمبيت حتى أتى منى وفاته التدارك فإنه لا بأس به.
والشيخ (رحمه الله) - بعد أن استدل بخبر الحلبيين المتقدم على بطلان
الحج بترك الوقوف بالمشعر وقال: إن هذا الخبر عام في من فاته ذلك
عامدا أو جاهلا أو على كل حال -
قال: ولا ينافيه ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي، ثم أورد الخبرين
المشار إليهما، وحملهما - بعد الطعن في الراوي - على الوقوف بالمشعر
ولو قليلا. وفيه ما قد بيناه في الموضع الذي نقلنا فيه الخبرين.
وممن وافقنا على دلالة الخبرين على ما ذكرنا من صحة حج الجاهل في
الصورة المذكورة - السيد السند في المدارك حيث قال: وقد ورد في بعض
الروايات ما يدل على عدم بطلان حج الجاهل بذلك، كرواية محمد بن يحيى
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) ثم ساق الخبر كما ذكرناه. ثم ذكر
جواب الشيخ (رحمه الله) وحمله الخبرين على ما ذكرناه. ثم قال بعده:
ولا يخفى ما في هذا الحمل من البعد.
وبذلك يشعر كلام الدروس أيضا حيث قال: ولو ترك الوقوف
بالمشعر جهلا بطل حجه عند الشيخ في التهذيب، ورواية محمد بن يحيى بخلافه.
وتأولها الشيخ على ترك كمال الوقوف جهلا وقد أتى باليسير منه. انتهى.

(1) ص 433
(2) 409.
(3) تقدمت ص 409.
455

الثانية - اختلف الأصحاب (رضوان الله - تعالى - عليهم) في وقت
الإفاضة من المشعر، فقال الشيخ: فإذا كان قبل طلوع الشمس بقليل رجع
إلى منى، ولا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس، ولا يجوز للإمام أن يخرج
من المشعر إلا بعد طلوع الشمس، وإن أخر غير الإمام الخروج إلى بعد طلوع
الشمس لم يكن به بأس. وقال بن أبي عقيل: فإذا أشرق الفجر وتبين
ورأت الإبل مواضع أخفافها أفاض بالسكينة والوقار والدعاء والاستغفار.
قال في المختلف بعد نقل ذلك عنهما: وهذا الكلام من الشيخين (رحمهما الله)
يدل على أولوية الإفاضة قبل طلوع الشمس وكذا قال ابن الجنيد وابن حمزة
ثم نقل عن علي بن بابويه أنه قال: وإياك أن تفيض منها قبل طلوع الشمس
ولا من عرفات قبل غروبها، فيلزمك دم شاة ونقل عن الصدوق أنه قال:
ولا يجوز للرجل الإفاضة قبل طلوع الشمس ولا من عرفات قبل غروبها،
فيلزمك دم شاة. قال: وهذا الكلام يشعر بوجوب اللبث إلى طلوع الشمس
ثم نقل عن المفيد (رحمه الله) أنه قال: فإذا طلعت الشمس فليفض منها
إلى منى، ولا يفض قبل طلوع الشمس إلا مضطرا وكذا قال السيد
المرتضى وسلار. ثم نقل عن أبي الصلاح أنه قال: وليقف داعيا إلى أن
تطلع الشمس، ولا يجوز للمختار أن يفيض منه حتى تطلع الشمس. وعد
ابن حمزة في الواجبات الإقامة بالمشعر للإمام إلى أن تطلع الشمس. وقال
ابن إدريس: وملازمة الموضع إلى أن تطلع الشمس مندوب غير واجب.
هذا كلامه في المختلف.
والعجب أنه مع ذلك قال في المنتهى بعد الكلام في المسألة: إذا ثبت
هذا فلو دفع قبل الاسفار بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لم يكن
456

مأثوما، ولا نعلم فيه خلافا. انتهى. والاختلاف بين الكلامين أظهر من أن يخفى.
أقول: والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في
الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق (1) قال: (سألت أبا إبراهيم
(عليه السلام). أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع؟ قال: قبل
أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إلى. قلت: فإن مكثنا حتى
تطلع الشمس؟ قال: لا بأس).
وعن هشام بن الحكم في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه
السلام (2). قال (لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس).
وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن حكيم (3) قال: (سألت
أبا إبراهيم (عليه السلام): أي ساعة أحب إليك أن تفيض من جمع؟)
وذكر مثل الحديث الأول.
وعن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " ينبغي
للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس، وسائر الناس إن شاءوا عجلوا
وإن شاءوا أخروا ".
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (5) قال:
(ثم أفض حيث يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع أخفافها، قال أبو عبد الله
(عليه السلام): كان أهل الجاهلية يقولوا ن: (أشرق ثبير - يعنون

(1) الوسائل الباب 15 من الوقوف بالمشعر.
(2) الوسائل الباب 15 من الوقوف بالمشعر.
(3) الوسائل الباب 15 من الوقوف بالمشعر. وفي المخطوطة هكذا:
" في الصحيح أو الموثق عن معاوية بن حكيم ".
(4) الوسائل الباب 15 من الوقوف بالمشعر.
(5) التهذيب ج 5 ص 192 والوسائل الباب 15 من الوقوف بالمشعر.
457

الشمس - كيما نغير) وإنما أفاض رسول الله (صلى إليه عليه وآله)
خلاف أهل الجاهلية، كانوا يفيض بايجاف الخيل وايضاع الإبل، فأفاض
رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة،
فأفض بذكر الله تعالى والاستغفار وحرك به لسانك.. الحديث).
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1): (وإياك أن تفيض منها قبل طلوع
الشمس، ولا من عرفات قبل غروبها، فيلزمك الدم. وروي أنه يفيض
من المشعر إذا انفجر الصبح وبان في الأرض أخفاف البعير وآثار الحوافر).
والمفهوم من ما عدا عبارة كتاب الفقه من الأخبار المذكورة هوانه
يجوز التعجيل في الإفاضة قبل طلوع الشمس والتأخير. إلا أن الأول أفضل
وهذه الأخبار مستند الشيخ ومن تبعه وعبارة كتاب الفقه صريحة في
مذهب الصدوقين بل عبارتا هما إنما أخذتا من هذه العبارة كما عرفت في غير موضع
من ما تقدم، وإن غير الأسلوب في عبارة الفقيه، وأما عبارة أبيه في
الرسالة فهي حذو عبارة الكتاب إلا في تفسيره الدم بدم شاة (2) وهو
(عليه السلام) بعد أن أفتى بهذه العبارة نسب القول الآخر الذي دلت
عليه الأخبار المذكورة إلى الرواية. وربما أشعر ذلك بكون الرواية بذلك
إنما خرجت مخرج التقية، حيث إنه (عليه السلام) اعترف بأن ذلك
مروي عن آبائه (عليهم السلام) ومع ذلك عد عنه واجب التأخير إلى
طلوع الشمس، والدم على من خالف ذلك، وجعل الحكم هنا كالحكم في
عرفات لو أفاض منها قبل الغروب.

(1) ص 28.
(2) كلمة " بدم شاة " في المخطوطة.
458

ويعضد ذلك ما ذكره العلامة في المنتهى حيث قال بعد البحث في المسألة
وذكر خبري إسحاق ومعاوية بن حكيم: إذا عرفت هذا فإنه يستحب
الإفاضة بعد الاسفار قبل طلوع الشمس بقليل، على ما تضمنه الحديثان
الأولان، وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي، وكان مالك يرى الدفع
قبل الإسفار (1).
وهو ظاهر في أنما دلت عليه هذه الأخبار مذهب الجمهور، إلا أن
متأخري أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) حيث لم يصل إليهم ما
يخالفها جمدوا عليها، فالعذر لهم واضح، والمتقدمون سيما الصدوقان
لما عثروا على ما خلفها أطرحوها وتمسكوا بغيرها، فإن القول بوجوب اللبث
إلى طلوع الشمس مذهب جمع منهم كما تقدم. والظاهر أنهم لم يصيروا
إلى ذلك مع وصول هذه الأخبار إليهم إلا من حيث الوقوف على دليل
سواها، والدليل من عبارة كتاب الفقه واضح كما عرفت.
وبالجملة فالاحتياط يقتضي التأخير إلى طلوع الشمس، والخروج قبله
لا يخلو من الاشكال، كما عرفت من عبارته (عليه السلام) في كتاب
الفقه، والكتاب عندنا - كما عرفت في غير موضع - معتمد كما اعتمده
الصدوقان (نور الله تعالى مرقديهما). والله العالم.
الثالثة - قد عرفت من ما تقدم أن الواجب في الوقوف النية كغيره من
العبادات من غير خلاف يعرف، وعلى هذا لو نوى الوقوف ثم نام أو جن
أو أغمي عليه صح وقوفه، وهو المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان
الله عليهم) لأن الركن من الوقوف مسماه، وهو يحصل بأن يسير بعد النية

(1) المغني ج 3 ص 423 طبع عام 1368.
459

وقال الشيخ في المبسوط: المواضع التي يجب أن يكون الانسان فيها
مفيقا حتى تجزئه أربعة: الاحرام والوقوف بالموقفين والطواف والسعي
وصلاة الطواف حكمها حكم الأربعة سواء، وكذلك طواف النساء، وكذلك
حكم النوم سواء، والأولى أن نقول يصح منه الوقوف بالموقفين وإن كان
نائما، لأن الفرض الكون فيه لا الذكر. وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك
عنه: هذا غير واضح، ولا بد من نية الوقوف بغير خلاف، والاجماع عليه.
إلا أنه قال في نهايته: ومن حضر المناسك كلها ورتبها في موضعها إلا
أنه كان سكران، فلا حج له، وكان عليه الحج من قابل. وهذا هو الواضح
الصحيح الذي تقتضيه الأصول. قال: والأولى عندي أنه لا يصح منه شئ
من العبادات إذا كان مجنونا، لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال
(الأعمال بالنيات) (1) و (إنما لامرئ ما نوى) (2) والنية لا تصح منه.
وقال تعالى: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) (3)
فنفى (تعالى) أن يجزي أحد بعمله إلا ما أريد وطلب به وجه ربه الأعلى
والمجنون لا إرادة له.
وقال في المختلف بعد نقل القولين المذكورين: واعلم أن الشيخ شرط
العقل في المواضع التي يفوت الحج بتركها، وما عداها يجب عليه فعلها
ولكن يجزئه الحج، فقوله -: (المواضع التي يجب أن يكون الانسان
فيها مفيقا حتى يجزئه أربعة) - يشير بذاك إلى إجزاء الحج، وحينئذ يتم

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات والباب 1 من النية في
الصلاة والباب 2 من وجوب الصوم.
(2) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات والباب 1 من النية في
الصلاة والباب 2 من وجوب الصوم.
(3) سورة الليل الآية 19 و 20.
460

كلامه. وأما الوقوف للنائم فنقول: إذا ابتدأ الوقوف بالنية أجزأه
الكون وإن كان نائما، ولا يجب استمرار الانتباه في جميع الوقت، فإن
قصد الشيخ وأن إدريس ذلك فقد أصابا واتفقا، وإن قصد الشيخ تسويغ
ابتداء الوقوف للنائم من غير نية، أو قصد ابن إدريس استمرار الانتباه
منعنا ما قصداه، أما الأول فلما قاله ابن إدريس، فإنه لا يدل إلا على
ما اخترناه، وأما الثاني فلما قاله الشيخ (رحمه الله). انتهى. وهو جيد.
ثم إن ظاهر كلام الشيخ (رحمه الله تعالى) الفرق بين الاغماء والجنون
وبين النوم، حيث اشترط في صحة تلك الأشياء المذكورة أن يكون مفيقا
وقال بصحة الوقوف وإن كان نائما. وهو غير جيد لاشتراك الجميع في عدم
الاتيان بالنية، والكون في ذلك المكان حاصل للجميع أيضا، فإن اكتفى
بمجرد الكون فينبغي القول بالصحة في الجميع، وإن اشترط فيه أمر زائد
على مجرد الكون وهو النية فيكون ذلك في الجميع أيضا فلا وجه للفرق حينئذ.
قال في الدروس: والواجب فيه ستة. الأول: النية... إلى أن
قال: وخامسها السلامة من الجنون والاغماء والسكر والنوم في جزء من الوقت.
وظاهر عبارة الشرائع الخلاف في ذلك، حيث قال: ولو نوى الوقوف
ثم نام أو جن أو أغمي عليه، صح وقوفه، وقيل لا. ولم نقف لهذا القول
على قائل به.
الرابعة أجمع الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) على أن من فاته
الوقوفان في وقتهما فقد فاته الحج، وسقط عنه بقية أفعاله، وتحلل
بعمرة مفردة.
ويدل عليه جملة من الأخبار: منها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن
461

معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (من أدرك جمعا
فقد أدرك الحج. قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام): أيما حاج
سائق للهدي أو مفرد للحج أو متمتع بالعمرة إلى الحج قدم وقد فاته الحج
فليجعلها عمرة وعليه الحج من قابل).
وعن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) في حديث
قال: (فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فيجعلها عمرة مفردة
وعليه الحج من قابل).
وعن محمد بن سنان (3) قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشى أن يفوته الموقفان. فقال: له
يومه إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإذا طلعت الشمس فليس له حج
فقلت: كيف يصنع باحرامه؟ فقال: يأتي مكة فيطوف بالبيت، ويسعى
بين الصفا والمروة. فقلت له: إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال:
إن شاء أقام بمكة وإن شاء رجع إلى الناس بمنى، وليس منهم في شئ،
فإن شاء رجع إلى أهله، وعليه الحج من قابل).

(1) التهذيب ج 5 ص 294 والوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
(2) التهذيب ج 5 ص 289 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر.
الرقم 2.
(3) التهذيب ج 5 ص 290 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
والراوي للنص المذكور هو (إسحاق بن عبد الله) واللفظ في حديث
(محمد بن سنان) يختلف عنه كما يظهر بمراجعة الرقم (4 و 5) في
الوسائل والرقم (984 و 985) في التهذيب.
462

وعن حريز في الصحيح (1) قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا. فقال: له إلى طلوع الشمس من
يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج، ويجعلها
عمرة، وعليه الحج من قابل).
ورواه في موضع آخر (2) وزاد فيه: (قلت: كيف يصنع؟ قال:
يطوف بالبيت، وبالصفا والمروة، فإن شاء أقام بمكة وإن شاء أقام بمنى
مع الناس، وإن شاء ذهب حيث شاء ليس هو من الناس في شئ).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (3) قال: (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): رجل جاء حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف، قال:
يقيم مع الناس حراما أيام التشريق، ولا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف
بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، وأحل، وعليه الحج من قابل يحرم من حيث أحرم).
وروى المشايخ الثلاثة (عطر الله تعالى مراقدهم) في الصحيح إلى
داود الرقي (4) وفيه خلاف، قال: (كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام)
إذ جاء رجل فقال: إن قوما قدموا يوم النحر وقد فاتهم الحج؟ فقال:
نسأل الله العافية، أرى إن يهريق كل واحد منهم دم شاة، ويحلون،
وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم، إن أقاموا حتى تمضي

(1) التهذيب ج 5 ص 291 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(2) التهذيب ج 5 ص 480 والوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
(3) التهذيب ج 5 ص 295 والوسائل 27 من الوقوف بالمشعر.
(4) الفروع ج 4 ص 475 والتهذيب ج 5 ص 295 و 480 والفقيه
ج 2 ص 284 والوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
463

أيام التشريق بمكة ثم خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا منه
واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل).
وعن ضريس بن أعين في الصحيح (1) قال: (سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة
إلا يوم النحر. فقال: يقيم على احرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة
فيطوف ويسعي بين الصفا والمروة، ويحلق رأسه، وينصرف إلى أهله إن
شاء. وقال: هذا لمن اشترط على ربه عند احرامه، فإن لم يكن اشترط
فإن عليه الحج من قابل).
وهذه الرواية رواها الصدوق عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب
عن ضريس مثله (2) إلا أنه زاد بعد قوله: (ويحلق رأسه): (ويذبح
شاته) وزاد في آخرها: (فإن لم يشترط فإن عليه الحج والعمرة من قابل).
والكلام في هذه الأخبار في مواضع: أحدها: أنها قد اتفقت على
ما ذكرناه من الحكم بأن من فاته الموقفان، بطل حجه، وسقط عنه اتمامه
وتحلل بعمرة مفردة.
ومعنى تحلله بالعمرة على ما ذكره في المنتهى أنه ينقل احرامه بالنية من
الحج إلى العمرة ثم يأتي بأفعالها.
قال في المدارك: ويحتمل قويا انقلاب الاحرام إليها بمجرد الفوات
كما هو ظاهر اختيار العلامة في موضع من القواعد والشهيد في الدروس،

(1) التهذيب ج 5 ص 295 و 296 والوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
(2) الفقيه ج 2 ص 243 والوسائل الباب 27 من الوقوف بالمشعر.
464

لقوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (1): (يقيم
مع الناس حراما أيام التشريق ولا عمرة فيها، فإذا انقضت، طاف بالبيت
وسعى بين الصفا والمروة... الحديث) وفي صحيحة ضريس (2) (يقيم
على احرامه، ويقطع التلبية حين يدخل مكة، فيطوف، ويسعى بين الصفا
والمروة، ويحلق رأسه، وينصرف إلى أهله إن شاء..) دلت الروايتان
على وجوب الاتيان بأفعال العمرة على من فاته الحج من غير تعرض لنقل
النية، فلا تكون النية معتبرة. ولا ينافي ذلك قوله (عليه السلام) في
صحيحة معاوية بن عمار (3): (فليجعلها عمرة) لأن الظاهر أن معنى جعلها
عمرة الاتيان بأفعال العمرة. ولا ريب أن العدول أولى وأحوط. انتهى
أقول: لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الغفلة أو المجازفة، وذلك
فإن الطواف والسعي والتقصير لا مخرج له من أن يكون في حج أو عمرة
إذ لا ثالث، ولم يشرع ذلك خارجا عن الفردين المذكورين، وحينئذ فإذا
انتفى كونها للحج تعين أن تكون للعمرة، ولا معنى لكونها للعمرة وهو لم يقصد بها
للعمرة، لأن العبادات بل الأفعال مطلقا لا يمتاز بعضها عن بعض إلا بالقصود
والنيات، كلطمة اليتيم تأديبا وظلما، ونحوها، فكيف تصير عمرة بمجرد
فوات الحج من غير أن يقصد العدول باحرامه إلى أفعال العمرة؟ والتعبير
بقوله: (يجعلها عمرة) ليس مقصورا على صحيحة معاوية بن عمار، بل
أكثر الروايات المتقدمة قد تضمن ذلك، كصحيحة معاوية المذكورة وصحيحة

(1) برقم 3 ص 463
(2) المتقدمة برقم 1 ص 464
(3) المتقدمة برقم 1 ص 462
465

الحلبي وصحيحة حريز، وهذا هو الذي يوافق القواعد المقررة والضوابط
المعتبرة من وجوب النية في العبادة والقصد إليها، وهو الذي دلت عليه
الأخبار في مقامات العدول في الصلاة وغيرها، من وجوب نية العبادة التي
يريد العدول إليها وقصدها، وما أطلق من الروايات التي ذكرها ونحوها
يجب حمله على هذه الروايات المقيدة حمل المطلق على المقيد. على أن الظاهر
من عبارة الدروس هو التردد لا اختيار الانقلاب بمجرد الفوات كما ذكره
فإنه قال: وهل ينقلب احرامه أو يقلبه بالنية؟ الأحوط الثاني، ورواية
محمد بن سنان (1): (فهي عمرة مفردة) تدل على الأول، ورواية معاوية (2)
(فليجعلها عمرة) تدل على الثاني. انتهى. وظاهره التوقف من حيث
تعارض الروايتين عنده، وإنما صار إلى الثاني. احتياطا لذلك.
وبالجملة فكلامهم هذا مبنى على النية الاصطلاحية التي هي عبارة عن
الحديث النفسي والتصوير الفكري الذي قد عرفت في غير موضع أنه ليس
هو النية حقيقة، وإلا فإنه لا يخفى على ذي دراية أن جملة أفعال العقلاء
لا تصدر إلا عن القصود والنيات، سيما في مقام الاشتراك والتعدد، فلا بد
من القصود المميزة، فكيف يتم أنه يأتي بالعمرة بعد تلبسه بإحرام الحج
من غير أن يقصد إلى كونها عمرة؟ ما هذا إلا غفلة ظاهرة.
وثانيها: أن المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
أنه لا هدي على من فاته الحج تمتعا كان أو افرادا، وهذا هو ظاهر أكثر
الأخبار المتقدمة، لورودها في مقام البيان عارية عن التعرض له.

(1) التهذيب ج 5 ص 294 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.
(2) المتقدمة برقم 1 ص 462.
466

وأما القارن فقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه ينحر هديه
بعد بطلان الحج بمكة لا بمنى، لعدم سلامة الحج. ونقل في الدروس عن
الشيخ علي بن الحسين بن بابويه وابنه الصدوق أنهما أوجبا على المتمتع بالعمرة
يفوته الموقفان العمرة ودم شاة، ولا شئ على المفرد سوى العمرة.
ونقل الشيخ عن بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) قولا بوجوب
الهدي للفوات مطلقا واحتج له برواية داود بن فرقد المتقدمة (1). وأجاب
العلامة في المنتهى عنها بالحمل على الاستحباب، أي كون تلك الحجة مستحبة
لا واجبة، والشيخ حملها على كون االفائت ندبا أو على من اشترط في حال
احرامه، لرواية ضريس المتقدمة (2) حيث إنها مصرحة بأن المشترط تكفيه
العمرة وغيره يحج من قابل. وقد اعترض هذا الحمل الثاني جملة من
الأصحاب - منهم: العلامة في المنتهى والشهيد في الدروس - بأنه إن كان
الحج واجبا لم يسقط وجوبه بالاشتراط حتى أنه لا يجب قضاؤه في العام
القابل، وإن لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط. قال في المنتهي:
والوجه في هذه الرواية الثانية - وأشار بها إلى رواية ضريس - حمل إلزام
الحج في العام القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب. انتهى.
ثم إن العلامة في المنتهى بعد أن اختار حمل رواية داود بن فرقد على الحج
المندوب - كما هو أحد احتمالي الشيخ - اعترض على نفسه، فقال: لا
يقال: لو كان كذلك لما قال في أول الخبر: (وعليهم الحج من قابل إن
انصرفوا إلى بلادهم) فإنه إذا كان الحج تطوعا لا يجب عليه الرجوع من

(1) برقم 4 ص 463.
(2) برقم 1 ص 464.
467

قابل، سواء انصرف إلى بلده أو أقام. لأنا نقول: إنما أوجب عليهم
الرجوع من قابل مع الانصراف لأنهم حينئذ يكونون قد تركوا الطواف
والسعي والتقصير، وهو العمرة التي أوجبنا تحللهم بها، فوجب عليهم
الرجوع من قابل للاتيان بالطواف والسعي، ولا يجب الرجوع لأداء الحج
ثانيا. انتهى. ولا يخفى عليك ما فيه، فإن الخبر صريح في أنه يجب الحج
من قابل لا العمرة كما يدعيه.
وبالجملة فالظاهر عندي هو بعد هذه المحامل، لما فيها من مزيد
التكلفات والبعد عن ظاهر تلك الروايات.
والأقرب عندي حمل وجوب الهدي الذي دلت عليه رواية داود بن فرقد
- ومثلها صحيحة ضريس الأخرى - على التقية، وكذا وجوب إعادة الحج
من قابل إذا كان مندوبا على التقية.
فأما التقية الأولى فيدل عليهما ما ذكره في المنتهى، حيث قال: وهل
يجب على فائت الحج الهدي أم لا؟ فيه قولان: أحدهما: أنه لا يجب
قاله الشيخ (رحمه الله) وهو قول أصحاب الرأي، وثانيهما: يجب عليه
الهدي، وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء (1) ونقله الشيخ عن بعض أصحابنا
وأما التقية الثانية فيدل عليها ما ذكره في الكتاب المذكور أيضا،
حيث قال: إذا كان الفائت واجبا كحجة الاسلام أو منذورة أو غير ذلك
من أنواع الواجبات، وجب القضاء، ولا تجزئه العمرة التي فعلها للتحلل،
وإن لم يكن الحج واجبا، لم يجب عليه القضاء، وبه قال عطاء وأحمد في
إحدى الروايتين ومالك في أحد القولين، وقال الشافعي يجب القضاء وإن

(1) المغني ج 3 ص 528 و 9 52 طبع عام 1368.
468

كان الحج تطوعا، وبه قال ابن عباس وابن الزبير ومروان وأصحاب الرأي (1)
ثم نقل احتجاجهم بقول النبي (صلى الله عليه وآله) (2): (من فاته
الحج فليتحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل) ولأن الحج يلزم بالشروع فيه
فيكون حكمه حكم الواجب.
وعلى ما ذكرناه تكون رواية داود الرقي (3) محمولة على الحج المندوب،
وأنه يجب أن يتحلل منه بالهدي، ثم بعد احلاله فإن أتى بالعمرة فلا
حج عليه من قابل، وإن لم يأت بهما وجب عليه القضاء. وكل من وجوب
الهدي ووجوب القضاء إنما خرج مخرج التقية.
قال في المدارك: وهل يجب الهدي على فائت الحج؟ قيل لا وهو المشهور
بين الأصحاب، تمسكا بمقتضى الأصل السالم. وحكى الشيخ عن بعض
أصحابنا قولا بالوجوب، لورود الأمر به في رواية داود الرقي (4) وهي
ضعيفة السند، فلا يمكن التعويل عليها في اثبات حكم مخالف للأصل. انتهى.
وفيه أن صحيحة ضريس (5) المنقولة من كتاب من لا يحضره الفقيه
قد اشتملت على ذكر الهدي أيضا، وبه يظهر أن مجرد طعنه في رواية
داود لا يقطع مادة الاشكال، بناء على هذا الاصطلاح الواضح الاختلال،

(1) المغني ج 3 ص 528 و 529 طبع عام 1368.
(2) المغني ج 3 ص 528 طبع عام 1368 عن الدارقطني عن ابن عباس
عن رسول الله صلى الله عليه وآله واللفظ: " من فاته عرفات فاته الحج فليحل بعمرة
وعليه الحج من قابل ".
(3) المتقدمة برقم 4 ص 463.
(4) المتقدمة برقم 4 ص 463.
(5) المتقدمة برقم 1 ص 464
469

وإنما الجواب الحق ما قدمناه.
وأما ما قدمنا نقله عن الصدوقين فلم نقف فيه على دليل. والله العالم.
وثالثها: أن أكثر الروايات المتقدمة قد صرحت بأن عليه الحج من قابل
وهو محمول عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الحج الواجب المستقر
فإن المندوب وإن وجب بالشروع إلا أنه متى لم يكن فواته بتقصير المكلف
فإنه لا يلحقه إثم بتركه، ولا دليل على وجوب قضائه فيسقط البتة.
والواجب الغير المستقر، فلو بادر به في عام الوجوب وفاته من غير تفريط
فلا قضاء عليه في ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم).
ونقل في المدارك عن الشيخ في التهذيب أن من اشترط في حال الاحرام
يسقط عنه القضاء، ولو لم يشترط وجب، واحتج بصحيحة ضريس المتقدمة (1)
وظاهره حمل الصحيحة المذكورة على صورة الحج الواجب الغير المستقر.
وفيه ما لا يخفى، فإنه لا قرينة في الخبر -. ولا اشعار فضلا عن التصريح -
تؤذن بهذا الحمل وقد عرفت ما في الرواية من الاشكال ومخالفة الأصول
المقررة. ولا أعرف لها وجها تحمل عليه إلا التقية التي هي في اختلاف
الأحكام الشرعية أصل كل بلية وإلا فارجاع إلى قائلها (عليه السلام)
ورابعها: أنه قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن
هذه العمرة التي يتحلل بها لا تجزئ عن العمرة الواجبة وهي عمر 2 ة الاسلام
لأن سبب هذه فوات الحج فاجزاؤها عن العمرة الواجبة بأصل الاسلام يحتاج
إلى دليل، وليس فليس. وهو جيد.
وخامسها: أنه قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يستحب

(1) برقم 1 ص 464
470

الإقامة بمنى أيام التشريق، ثم الاتيان بالعمرة التي يتحلل بها، واستدلوا
على ذلك بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (1) وقد تقدم (2) في المسألة
الرابعة من المطلب الثاني في العمرة المفردة ما يؤذن بقولهم بالوجوب، كما
هو ظاهر الخبر المذكور.
وسادسها: أن ظاهر الأخبار المذكورة هو وجوب العدول إلى العمرة
والتحلل في أشهر الحج، ولا سيما صحيحة معاوية بن عمار ورواية داود الرقي (3)
المصرحتين بالاتيان بها بعد أيام التشريق. والأصحاب قد ذكروا هنا أنه لو أراد
من فاته الحج البقاء على احرامه إلى القابل ليحج به فهل يجوز له ذلك
أم لا؟ صرح جملة: منهم: العلامة والشهيد بعدم الجواز، ولا ريب أنه
ظاهر الأخبار المذكورة، لدلالتها على الأمر بالعدول الذي هو حقيقة في الوجوب
فلا يجوز البقاء حينئذ.
وسابعها: أن ظاهر الأخبار المذكورة توقف تحلله على الاتيان بأفعال
العمرة، فلو رجع إلى بلاده ولما يأت بها، فلا اشكال في بقائه على احرامه
ولو تعذر عليه العود لخوف الطريق فهو مصدود عن اكمال العمرة، فله
التحلل بالذبح والتقصير في بلده. ولو عاد قبل التحلل لم يحتج إلى تجديد
احرام مستأنف من الميقات وإن طال الزمان، ثم يأتي بأفعال العمرة
الواجبة عليه، ثم يأتي بعدها بما أراد من النسك.
الخامسة - يستحب التقاط حصى الجمار من المشعر، وهي سبعون

(1) برقم 3 ص 463
(2) ص 324 و 325
(3) المتقدمتين ص 463
471

حصاة، فإن أخذ زائدا احتياطا فلا بأس.
ولها شروط واجبة ومستحبة، فمنها: أن تكون من الحرم ولا تجزئ
من غيره.
ويدل عليه ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (حصى الجمار إن أخذته من
الحرم أجزأك، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك. قال: وقال: لا
ترمي الجمار إلا بالحصى) وهي صريحة الدلالة في المطلوب.
ومرسلة حريز عن من أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (2) قال
(سألته من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال: لا تأخذه من موضعين:
من خارج الحرم، ومن حصى الجمار، ولا بأس بأخذه من سائر الحرم).
ومنها: أن الأفضل أن تكون من المزدلفة.
ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (3)
قال: (خذ حصى الجمار من جمع وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك).
وفي الصحيح عن ربعي عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (4).

(1) الفروع ج 4 ص 477 والتهذيب ج 5 ص 196 والوسائل الباب
19 من الوقوف بالمشعر الباب 4 من رمي جمرة العقبة.
(2) الفروع ج 4 ص 478 والتهذيب ج 5 ص 196 والوسائل الباب
19 من الوقوف بالمشعر.
(3) الفروع ج 4 ص 477 والتهذيب ج 5 ص 195 و 196 والوسائل
الباب 18 من لوقوف بالمشعر والباب 4 من رمي جمرة العقبة.
(4) الفروع ج 4 ص 477 والتهذيب ج 5 ص 196 والوسائل الباب
18 من الوقوف بالمشعر.
472

وعن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1) قال: (سألته عن
الحصى التي ترمى بها الجمار. فقال: تؤخذ من جمع، وتؤخذ بعد ذلك
من منى).
وفي كتاب الفقه الرضوي (2): (وخذ حصيات الجمار من حيث شئت
وقد روي أن فضل ما يؤخذ حصى الجمار من المزدلفة).
أقول: يجب حمل قوله (عليه السلام): (من حيث شئت) أي من
الحرم. واطلاقه (عليه السلام) مبني على عدم خروج الحاج بعد الإفاضة من
المشعر إلى منى من الحرم.
ومنها: أن لا تؤخذ من المسجد الحرام ولا من مسجد الخيف.
ويدل عليه ما رواه الكليني في الموثق عن حنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3)
قال: (يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من المسجد الحرام
ومسجد الخيف)
وألحق جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بهما باقي المساجد
لتساويها في تحريم اخراج الحصى منها. وهو جيد إن ثبت ذلك.
قيل: وربما كان الوجه في تخصيص هذين المسجدين في الرواية وكلام
الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنهما الفرد المعروف من المساجد في الحرم لا
لانحصار الحكم فيهما. وهو غير بعيد.

(1) الفروع ج 4 ص 477 والوسائل الباب 18 من الوقوف بالمشعر.
(2) ص 28.
(3) الفروع ج 4 ص 478 والتهذيب ج 5 ص 196 والوسائل الباب
19 من الوقوف بالمشعر،
473

قال في الدروس: ويجوز من الحرم بأسره إلا المساجد مطلقا على
الأشبه، والقدماء لم يذكروا غير المسجد الحرام والخيف.
ومنها: أنه يجب أن تكون أبكارا، أي لم يرم بها قبل ذلك. وقيده
في المدارك: رميا صحيحا. والظاهر من الأبكار: يعني: غير المستعمل
مطلقا. وهو الظاهر من الأخبار، ومنها: قوله (عليه السلام) في مرسلة
حريز المتقدمة (1): (لا تأخذه من موضعين: من خارج الحرم ومن
حصى الجمار...) وفي رواية عبد الأعلى (2): (ولا من حصى الجمار)
والمراد منه ما رمي به الجمار، أعم من أن يكون رميا صحيحا أو باطلا،
فما ذكره من القيد المذكور لا أعرف عليه دليلا واضحا. واستدل على ذلك
أيضا بالتأسي. واطباق الناس على نقل الحصى الدال بظاهره على عدم
الاجزاء مطلقا. وفيه نظر. نعم يصلح ذلك مؤيدا لا دليلا، لما عرفت
غير مرة من عدم دلالة التأسي على الوجوب. واطباق الناس ليس بدليل
شرعي يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.
ومنها: أنه يجب أن تكون أحجارا. وخصصه بعضهم بما يسمى
حصاة، ولا ريب أنه ظاهر الأخبار الواردة، في المسألة، كما تقدم شطر
منها، فإنها إنما تضمنت الحصى لا مطلق الحجر، ولا سيما صحيحة زرارة

(1) برقم 2 ص 472
(2) الفروع ج 4 ص 483 والتهذيب ج 5 ص 266 والوسائل الباب
5 من رمي جمرة العقبة والباب 7 من العود إلى منى. واللفظ: " ولا يأخذ
من حصى الجمار ".
474

أو حسنته (1) لقوله (عليه السلام) في آخرها: (لا ترمى الجمار إلا
بالحصى) فإنها ظاهرة في الحصر في الحصى. وحينئذ فلا يجزئ الرمي
بالحجر الكبير الذي لا يسمى حصاه، ولا الصغير جدا بحيث لا يسمى حصاه
قال في الدروس: وجوز في الخلاف الرمي بالبرام والجوهر. وفيه بعد
إن كان من الحرم وأبعد إن كان من غيره. انتهى. وهو جيد.
وقال في المدارك: ولو رمى بحصاة مستها النار أجزأ ما لم تستحل.
ولو رمى بخاتم فصه من حصى الحرم قيل: أجزأ، لصدق الرمي
بالحصاة، وقيل: لا. وهو الأظهر، لعدم انصراف الاطلاق إليه. وفي
اعتبار طهارة الحصى قولان أظهرهما العدم، تمسكا بالاطلاق. انتهى.
أقول: لم أقف في شئ من الأخبار التي وقفت عليها على ما يدل على
اشتراط الطهارة إلا في كتاب الفقه الرضوي (2) من قوله (عليه السلام):
(واغسلها غسلا نظيفا) والظاهر حمله على الاستحباب والمبالغة في الطهارة.
وبذلك صرح في الدروس فعد من جملة المستحبات أن تكون طاهرة مغسولة
ولا ريب أن الأحوط الطهارة، والأفضل الغسل أيضا.
ومنها: أنه يستحب أن تكون برشا كحلية ملتقطة منقطة رخوة بقدر الأنملة.
ويدل على ذلك من الأخبار رواية هشام بن الحكم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (3): (في حصى الجمار؟ قال: كره الصم منها. وقال:

(1) المتقدمة برقم (1) ص 472
(2) ص 28
(3) الفروع ج 4 ص 477 والتهذيب ج 5 ص 197 والوسائل الباب
20 من الوقوف بالمشعر.
475

خذ البرش) والصم جمع الأصم وهو الصلب المصمت من الحجر، لأن
المستحب الرخو كما يأتي في الرواية الآتية. والبرش جمع الأبرش وهو
ما فيه نكت صغار تخالف سائر لونه. والمراد كونها مختلفة الألوان، لأن
البرشة بالضم في شعر الفرس: نكت تخالف سائر لونه، على ما ذكره
الجوهري وغيره.
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن (عليه السلام) (1)
قال: (حصى الجمار تكون مثل الأنملة، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء
ولا حمراء، خذها كحلية منقطة، تخذفهن خذفا وتضعها على الإبهام
وتدفعها بظفر السبابة.. الحديث).
وفي كتاب الفقه الرضوي (2): (وتكون منقطة كحلية مثل رأس
الأنملة، واغسلها غسلا نظيفا. ولا تأخذ من الذي رمى مرة.. الحديث)
ومن ذلك يعلم أن البرش في الخبر الأول هي المنقطة في الخبرين الأخيرين
فيجب حمل جميعها في كلام الأصحاب على التأكيد.
وقد ذكر الأصحاب أنه يكره أن تكون صلبة ومكسرة. وكراهة
الصلبة ظاهرة من ما تقدم في رواية هشام بن الحكم، لأن الصم هو الصلب
كما قدمنا ذكره. وأما المكسرة وهي المشار إليها بقولهم (الملتقطة)
بمعنى أنه يستحب أن تكون كل من حصيات الرمي ملتقطة من الأرض
لا أنه يكسر واحدة ويجعلها اثنتين، وقد استدل على ذلك بقوله (عليه السلام)

(1) الفروع ج 4 ص 478 والتهذيب ج 5 ص 197 والوسائل الباب
20 من الوقوف بالمشعر والباب 7 و 10 من رمى جمرة العقبة.
(2) ص 28.
476

في رواية أبي بصير (1): (التقط الحصى ولا تكسرن منهن شيئا).
هذا آخر الجزء السادس عشر من كتاب الحدائق الناضرة ويليه الجزء
السابع عشر - إن شاء الله - في باقي أحكام الحج والنوادر والزيارات
والحمد لله أولا وآخرا.

(1) الفروع ج 4 ص 477 والتهذيب ج 5 ص 197 والوسائل الباب
20 من الوقوف بالمشعر.
477