الكتاب: مشارق الشموس (ط.ق)
المؤلف: المحقق الخوانساري
الجزء: ٢
الوفاة: ١٠٩٩
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي زين مدارس العلوم الفاخرة بدروس أحكام الشريعة الزاهرة وحفظ من العفا والدروس معالم مبانيها العامرة بما أحكمها من تأييد شرايع
الملة الباهرة فسبحانه ما أسبغ علينا بإيضاح قواعدها وإبداء مسالكها جلايل نعمه الباطنة والظاهرة وما أقصر عن درك سرائر نعمه ودقايق أياديه
أيدي مداركنا القاصرة كلت أقلام التحرير والسن البيان والتقرير عن إحصاء آلائه وعجزت مقدرة العقول والأفهام دون تذكرة نعمائه هو الذي في السماء
إله وفي الأرض إله لا يحصى غيره إلاه ولا يؤدي حقيقة ثنائه سواه فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها نحمده حمدا ينتظم منه إلى رحمته وسيلة ونشكره
شكرا يكتسب به لمزيد نعمته ذريعة ونشهد أن لا إله إلا هو العزيز الحكيم وإن محمدا رسوله النبي الكريم وهو حبيبه ومصطفاه وخير الخلف ومجتباه أشرف من جاء
بآيات الهداية وبينات الارشاد وخير من دل على ما فيه صلاح العباد وذخيرة المعاد صحيفته فطرته غاية المراد مما جاد به قلم الصنع والايجاد وفريده
خلقته نهاية المرام من خلف إصداق تلك السبع الشداد شرح ما سطر في متن اللوح المحفوظ في سفحة صدره المشروح مبسوط والنجاة من تموج بحر الخلاف
وتفرق أهواء الاتلاف باتباع أهل بيته الذين مثلهم كمثل سفينة نوح مربوط فبشرى لمعشر شيعتهم ما أقرب جودي الفلاح من مستوى فلك ولا يتهم
وسحقا للمتخلف عن مشارب شرعتهم ما أبعد ساحل النجاح عمن لم يركب في بحار الفتن سفائن هدايتهم لا تحسبن العابد بمفازة من العذاب وإن اجتهد في
كل باب إلا إذا كان له في سدة بابهم وجهة هو موليها ولا تظنن المجتهد يحوم حول الصواب وإن نطق بما يبهر الألباب إلا إذا استند بأخبار عن سدنة
جنابهم يحدثها ويرويها ففيهم السند ومنهم المستند فعنهم وإلا فالحديث مخلق وفيهم وإلا فالمحدث كاذب فلا وربك لا تطلع على خزاين القرآن
إلا بلمعة من هدايتهم ولا تبلغ إلى روض الجنان إلا ببدرقة من دلالتهم هم مطالع أنوار أشرقت بها الظلم ومواقع نجوم أقسم بها بارئ النسم عليه وعليهم
جميعا صلوات الله الملك القدوس ما دامت في السماء مشارق الشموس واستفيدت العلوم من الذكرى والدروس أما بعد فأقول وأنا
المفتقر إلى عفو ربه الباري رضي الدين محمد بن حسين الخوانساري إن علم شرايع الاسلام ومعرفة الحلال والحرام مما لا ينكر ذو بصيرة شرفه وقدره ومن يرد الله
أن يهديه يشرح له صدره ومما من الله تعالى به على والدي العلامة أحله الله من فضله محل الأبرار في دار المقامة وكساه فيها ملابس العز وحلل الكرامة
إن أيده بما أفاض عليه من النفس الملكية التي هي ملاك تحصيل الملكات الفاضلة والسعادات العاجلة والأجلة لاستكمال قوة الفكر والنظر واستجماع ما
يحتمله من المعارف العقلية منه البشر حتى صار كأنه العقل الحادي عشر وأوتي من الحكمة ما لم يؤت معشاره معاشر أولى الفضل والخطر وبما رحمة منه يسر له
الجمع بين المعقول والمنقول وضم الفروع إلى الأصول إلى أن يبرع في الاجتهاد على الاعلام وفاق وحصل في ذلك الاجماع والوفاق وإذ قد رأى بصائب
نظره سواد المؤلف المهذب الرايع والمصنف الكامل النافع المشتمل على رؤس المسايل الدينية الموسوم بالدروس الشرعية في فقه الامامية أجزل الله أجز مؤلفه
ذاك الحبر الخبير العارف بمعازب الدين ومناهج اليقين والعالم النحرير المتمسك بالحبل المتين من ولاء الأئمة الطاهرين البين كماله من بيانه وكلامه الشاهد
338

شهادته بارتفاع درجته وعلو مقامه خطة رحبة الفضاء فسيحة الارجاء طيبة الأرض والماء زاكية الفروع والنماء عمرها وأحياها لا بل بسطها و
دحاها وزينا بحدائق ذات بهجة لمن رآها وسبل على الطالبين أكلها وجناها وذلك بأن شرع في شرحه على بسط صار مثل كل كلمة من الأصل كجنة بربوة
أصابها وابل وكل نقطع من المتن كحبة أنبتت سبع سنابل ولكن بعدما سطر شطرا فيه لعيار الأنظار معتبر ولمبالغ الأفكار مختبر وأحيى بحياة التحقيق
متنزهات من التدقيق متسمة بالخصب والنضارة مرتبطة بكتاب الطهارة حال بينه وبين إتماما ما أسسه وبناه بل بين العلماء وفوزهم بمنتهى المطلب و
قصاراه ما يحياه الدهر العيون من نظرة سوء لكل ما يستطر فيه العيون فعادت عوايقه وعواديه وصرف همه عن الاكمال صروف أيامه ولياليه فمضى طاب
له الثرى والوطر منه ما قضى ولعمر الحبيب إن هذا الغبن على العلماء بلا فخار ولا صلف لخليق بالتحسر حقيق بالأسف ثم لما وصل إلى نوبة تذكار العلوم
ودروسها ونشر صحايفها وطروسها حاولت إن اجتني ما تصل إليه يدي على قصرها من قطوف تلك الروضة البهية واقتدي في شرح هذا الكتاب بسنته
السنية علما مني بأن ما أشرحه وإن بلغ في تنقيحه العلى في جنب ذاك الشرح الأسى الذي هو على ما رآه مطالع نجوم الدلالة والهداية وهو كما سماه مشارق شموس
الدراية والرواية ليس إلا كضوء نجم السهى في معرض أشمس والضحى وضياء الشمعة في سنا بدر الدجى غير أني استنجزت من روحانيته وسألت الله سبحانه
سيب سحاب منته فإنه الفياض الذي ماء جوده لا يغيض وعين إحسانه لا تنقص بل تفيض وله الحمد على أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا إن هدينا
فشرعت في شرح ما اتفق في تضاعيف المباحثات من مذاكرة أبوابه وغوص ما تيسر من لجج بحره وعبابه وقد وفقت بمنه وطوله لاتمام هذا
المجلد المشتمل على مسايل الصوم والاعتكاف في زمان أهله عن ذكر ما يلهيهم بالصمت صاموا وفي زوايا الطاعات على فرش الامن والأمان اعتكفوا
وناموا عمرت المدارس بدروس المسائل الشرعية وزينت المحافل بذكرى العلوم الدينية وذلك في أيام سلطنة السلطان الأعدل الأعظم والخاقان
الأفخم الأكرم حافظ نواميس الملة البيضاء مروج قوانين الشريعة السمحاء ممهد بساط العدل والاحسان مؤسس مباني البر والامتنان الذي عم
فضله عامة الأنام وبذل جهده في إشاعة شعائر الاسلام فعلى عهد دولته العلية من مآثر رغبته في المعارف اليقينية ترى في أيدي مواطني الأمصار
أكثر من خواتيم العقيق صحف الحكمة اليمانية وتنظر في مطارح أنظار قاطني البراري والقفاز أزيد من أوراق الشقيق أجزاء الكتب الايمانية طوت عواصف الأعاصير في عصره
طوامير الضلال والبدع وغيرت الأرواح والديم ديار كل رسم مخترع بادت منها بياضها وسوادها وبانت عنها سلماها وسعادها نهى عن الفحشاء و
المنكر فلم يبق من ظباء الغواني في دور الملاهي عين ولا أثر وكمن من نائرة بأسه في المكامن من كان فيه مثقال ذره من الشر كالشر وفي مخابي الحجر إن لم
ينم الأطفال في مهد القرار لو تعنت الأظئار بملهيات الأسجاع والاشعار فليس ببدع من خوف تعزيره وإن نفر عن الخبائث طباع السباع في الفلوات
كما تنفر الغزلان من الكلاب الضاريات فغير بعيد من نفاذ تحذيره سوى في الآفاق موازين العدل والانصاف ومحا عن الأطراف آثار الجور والاعتساف
لقد رؤوف رأفة الغريب الحميم بكافة العباد وبسط ظل المرحمة على الحاضر والباد خسرت صفقة من باعه متاع الود الغير السليم وما ربحت تجارة من
عامله بصحيح الولاء وقلبه سقيم شهاب سطوته حفظ سماء الدين عن مردة الشياطين وقبايب دولته أعجز عن عد الأفلاك كتعداد النجوم نظر المحاسبين شجرة
نسبه في مشجرات الأنساب كسدرة المنتهى في العز والاعتلاء ودوحة حسبه في رياض الأحساب كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء رافع لواء ولاء
الأئمة الاثني عشر المؤيد من عند الله بجنود الفتح والظفر ظل الله في الأرضين قهرمان الماء والطين السلطان بن السلطان بن السلطان والخاقان
بن الخاقان بن الخاقان شاه سلطان حسين الصفوي الموسوي الحسيني بهادرخان لا زال مختلف الشيعة بابه ومصدر أحكام الشريعة جنابه فجعلت تلك
المجلدة تحفة لخزانتها العامرة بالعمارة المخلدة وإن أشرقت من حضرته عليها أنوار القبول فأضاءها وأبهاها لاستحقت أن يقرء في شأنها وشأن مشارق الشموس والشمس وضحيها والقمر إذا تليها وها أنا أشرع في المقصود بعون الله الفياض الودود..
كتاب الصوم وهو لغة مطلق الامساك أو الامساك عن
الطعام وشرعا أو في عرف أهله توطين النفس لله تعالى على ترك الثمانية أي التقرير معها وحملها على ترك الثمانية حملا ناشيا عن قصد القربة إليه تعالى والخوف
والغرض رده إلى أمر وجودي وفعل من القلب مقدور قابل لتعلق التكليف به وإليه يرجع الكف الذي ذكره في اللمعة أيضا كما اشتهر بين الأشاعرة والنية إنما
يتعلق في الصوم بإحداث هذا الحمل وإيجاد ذلك التوطين والقهر على الامتناع بتجديد الخوف من عقاب الله تعالى كما صرح به الشيخ ره في المبسوط ونقله المصنف
في البيان فلا يرد ما أورد عليه من أن التوطين المذكور عبارة عن النية وهي خلاف الصوم وقيل أيضا لو جعل الجاد في قوله من طلوع الفجر متعلقا بتوطين
النفس فسد من وجه أخر وهو لزوم وجوب استحضار النية في جميع أجزاء اليوم وبطلان صوم الذاهل عن التوطين المذكور والنائم وهو معلوم البطلان وهذا
أيضا غير ظاهر لان المعتبر هو العزم الحكمي بحيث لو التفت كان عازما على الترك امتثالا لأمر الله تعالى ولو لم يكن بهذه الحيثية بل صار بحيث لو التفت
339

فعل أو ترك لا لامره تعالى فهو غير صائم نعم بقي الكلام في المسألة العقلية أي لزوم تعلق التكليف بالامر الوجودي وهو كلام آخر قد طال التشاجر فيه بينهم ثم إن المصنف (ره)
ذكر في البيان أن الصوم لغة الامساك وشرعا إما الامساك عن المفطرات مع النية فيكون تخصيصا للمعنى اللغوي والنية شرط أو توطين النفس على الامساك عنها
فيكون نقلا عن المعنى اللغوي والنية جزء وجعله النية شرطا على التقدير الأول لعله لأجل عدم ارتكاب النقل وحكمه بجزئيه النية على التقدير الثاني
لا يخلو عن شئ إذ على ما حققه في ضمن الفائدة ونقله عن الشيخ في المبسوط من بيان متعلق النية في الصوم كما ذكرنا يلزم خروج النية عن التوطين وإضمارها في
التعريف واعتبار جزئيتها مع عدم اشتراطها بشرايط الصوم غير لازم وفى المسالك حكم باستلزام التوطين النية وهو أولى من حكم المصنف بجزئيتها والتقى
الحلبي ره جعل متعلق النية إحداث كراهة الأمور المذكورة أي المفطرات التي عددها لكون الصوم لطفا في الجواب العقلي إن كان واجبا ولطفا في الندب العقلي
إن كان ندبا وغرضه أيضا رد الصوم إلى الامر الوجودي وقوله لكون الصوم لطفا آه بيان لوجه الوجوب والندب الذي يعتبرون التعرض له في النية ولعل المراد
بالواجب العقلي والندب بالعقلي تحصيل القرب الخاص بجنابه تعالى وتأدية الشكر والمصلحة المخصوصة التي تحصل من تلك العبادة للمكلف ويشيرون إلى ذلك في بحث اللطف حيث
يقولون إن كان اللطف من فعل المكلف يحبب على الله تعالى أن يشعره ويوجبه عليه ونعم ما ذكره المصنف في البيان من أن العامي لا يلزمه معرفة هذا الامر الوجودي
على ما ذكروه لعسر هابل هي من فرض العلماء ثم اعلم إن أمر التعريف هين جدا إذا بعد البحث عن واجبات الصوم وشرايطه يحصل التميز التام له وينكشف غاية
الانكشاف البتة والغرض من التعاريف ليس إلا ذلك لن يشكل الامر في أن المكلف هل يجب عليه أن يعرف جميع مفطرات الصوم ويقصد تركها حتى يصح منه الصوم
أو يكفيه معرفة البعض وعدم الاتيان بالباقي فعلى الأول يلزم فساد صوم الجاهل ببعض المفسدات كالارتماس أو تعمد القئ مثلا وإن لم يأت به في صوم
وظاهر أنهم لا يقولون به كيف لا ويلزم على هذا فساد صوم أكثر العوام الذين لا يعرفون جميع المسايل المتعلقة بالصوم وكذا فساد صوم الأكابر الذين سئلوا
الأئمة (عليهم السلام) عن هذه المسايل إلى حين السؤال وسماع الجواب وفساده ظاهر وعلى الثاني يلزم الحكم بصحة صوم من لم يعرف من الصوم إلا ترك الكذب على الله
تعالى مثلا فصام ولم يتفق إتيانه بباقي المفطرات والتزام ذلك أيضا مشكل جدا ويرد هذا الاشكال في نظائر الصوم أيضا من العبادات المشتملة على التروك العديدة
الملتئمة منها كالاحرام والظاهر أن المعتبر والمصحح في أمثاله هو قصد العبادة المخصوصة المتلقاة من الشارع بجملة شرايطها الشرعية بعد معرفة معظم التروك المعتبرة
فيها مع عدم الاتيان بباقي المفسدات ولو على سبيل الاتفاق وأما العظمة وشدة الاهتمام والاعتبار فإنما يعلم بالقراين الشرعية والامارات الدينية فالمعظم في
الصوم مثلا ترك الطعام والشراب حتى كأنه صار حقيقة في ذلك عند العامة من المسلمين وأما ترك الجماع وإن كان عظيما بالنسبة إلى باق التروك من حيث الذكر
معهما في الكتاب الكريم ولكفر مستحله كمستحلها إلا أن يدعى شبهة ممكنة لكنه ليس في مرتبتهما من الشهرة كما يشهد به تتبع أحوال المسلمين وعرفهم ويدل
عليه أيضا رواية زرارة وأبى بصير قالا جميعا سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وأتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال قال ليس
عليه شئ وتلك الدلالة لو يحمل الشئ المنفى في قوله (عليه السلام) على الكفارة دون القضاء وقس عليه نظايره من العبادات ثم المراد بالثمانية هي وما في حكمها كما سيأتي
مفصلا فلا يقدح في التعريف خروج بعض المفطرات طاهرا وكان الأولى بقيد الطلوع والغروب اللذين ذكرهما فيما بعد لتجديد البداية والنهاية بيوم
يصح وقوع الصوم فيه شرعا حتى يتم التعريف الأكل والشرب المعتاد كأكل الخبز واللحم والفواكه وغيرها من المأكولات العادية وشرب الماء والأشربة المتداولة و
غيره كأكل الحصى والبرد والتراب وأمثالها وشرب مياه الأنوار وعصارة الأشجار ونظائرها وعد ماء الورد
منها كما فعله الشيخ (ره) في المبسوط مستبعد أما دليل
ترك المعتاد منها فإجماع المسلمين والآية الكريمة والروايات الكثيرة للخاصة والعامة أما دليل غيره فالعمومات الواردة في الكتاب والسنة وعدم ظهور عرف
واستعمال الأكل والشرب في العادي حتى يتجه التخصيص مع أن العادة قد يختلف باختلاف الاشخاص والبلدان وتجدد الدهور والأزمان وتبعية مثل هذا
الحكم الشرعي الدائمي العام المتسق النظام لها واختلافه باختلافها مستعبد جدا والشهرة التي تكاد تقرب من الاتفاق وتعاضد العمومات قال العلامة (ره)
في المنتهى أما ما ليس بمعتاد فذهب علمائنا إلى أنه يفطر وإن حكمه حكم المعتاد سواء تغذى به أو لم يتغذى به ونقل عن بعض العامة القول بعدم الافطار في غير المعتاد و
عن أبي حنيفة القول بعدم الكفارة في غير ما يتغذى به أو يتداوى به ثم ذكر في الفرع السابع من الفروع التي ذكرها إن حكم الازدراد حكم الاكل فلو ابتلع المعتاد أو غيره أبطل
صومه على ما سلف في الاكل هذا على المذهب المشهور واختار السيد المرتضى إن ابتلاع الحصاة وما أشبهها ليس بمفسد انتهى والظاهر منه على ما ترى إن السيد
يفرق بين الاكل والازدراد ولعل وجه تخصيصه حينئذ جواز الابتلاع بالحصاة وما أشبهها الامر بالاجتناب الوارد في الأخبار الكثيرة عن الطعام والشراب
كصحيحة محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلث خصال الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء وصحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الخيط الأسود فقال بياض النهار من سواد الليل قال وكان بلال يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله
340

وابن أم مكتوم وكان أعمى يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر فقال النبي صلى الله عليه وآله إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب فقد أصبحتم
وصحيحة أبي بصير ليس المراد كما صرح به في الفقيه قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت متى يحرم الطعام على الصايم وتحل الصلاة صلاة الفجر فقال لي إذا
اعترض الفجر وكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام وتحل الصلاة صلاة الفجر وغيرها من الاخبار وعلى هذا فهذا القول من السيد لا ينافي الوفاق
الذي يظهر من قوله أولا أما ما ليس بمعتاد فذهب علماؤنا إلى أنه يفطر لان خلاف السيد في إزدراد غير المعتاد وقد صرح فيه بالشهرة كما عرف والحاصل
إن بناء كلامه في هذا الكتاب على التفرقة بين الاكل والازدراد وما في المختلف فقد استعمل الاكل شاملا للازدراد ولهذا نسب فيه إلى السيد وابن
الجنيد القول بأن الأشبه أكل غير المعتاد وشربه ينقص الصوم ولا يبطله والمقصود هو الازدراد الذي ذكره في المنتهى كما يظهر من كلام السيد (ره) على ما نقله
محمد بن إدريس في السراير وعلى هذا فليس بناء كلام العلامة على ما أفاده بعض المحققين طاب ثراه من أنه ظن في المنتهى رجوع السيد وابن الجنيد عن هذا القول
أو ما اعتبرهما لظنه حصول الاجماع بعدهما أو أول قولهما بمجرد الاحتمال لا الفتوى لأنه نقل عن السيد أنه قال الأشبه ثم أفاد هذا المحقق (ره) إن
الظاهر أن لا خلاف في أن ابتلاع ما يخلف تحت الأسنان من الملح والسكر ونحوهما مبطل وهذا دليل على السيد وابن الجنيد لان الواقع في الأدلة هو النهى
عن الاكل وقد سلبا كونه أعم من العرفي وغيره وفيه أيضا نظر لان مستندهما في بطلان الصوم بابتلاع أمثال ما ذكره الأخبار الواردة في الاجتناب
عن الطعام والشراب كما عرفت لشمول الاكل الوارد في حيز النهى فلا دليل فيه عليهما مع أن تسليم التعميم في التناول لا يستلزم تسليم النعم في المناول واعلم
إن الظاهر من اللغة شمول الاكل للازدراد فحكمه حكمه كيف لا ومن المعلوم أن لا مدخل لخصوصية المتناول في العرض المستفاد من الشرع في الصوم فخلاف السيد
مما لا وجه له مع حكمه بخلافه ودعواه الاجماع عليه حيث قال في المسائل الناصرية لا خلاف فيما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه إذا اعتمده أنه يفطره
مثل الحصاة والخرزة وما لا يؤكل ولا يشرب وإنما خالف في ذلك الحسن بن صالح وقال أنه لا يفطره وروى نحوه عن أبي طلحة والاجماع متقدم ومتأخر عن
هذا الخلاف فسقط حكه انتهى ثم الخبر الذي رواه مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أن عليا (عليه السلام) سئل عن الذباب يدخل في حلق
الصيام قال ليس عليه قضاء أنه ليس بطعام وإن كان فيه دلالة على عدم فساد الصوم بابتلاع غير المعتاد لكنه لا يصلح للتعويل لضعف سنده ودلالته إذ
يمكن أين يكون غرضه (عليه السلام) أن لا مجال هنا لاحتمال العمد وذلك لأنه ليس طعام فلا يتعارض ما قدمناه وأما صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر
(عليه السلام) في الصائم يكتحل فقال لا بأس به ليس بطعام ولا شراب ورواية ابن أبي يعفور قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) من الكحل للصائم فقال لا بأس به أنه ليس بطعام
يؤكل فضعف دلالتها على هذا المطلب غير خفي
والجماع قبلا أو دبرا لآدمي أما قبلا سواء أنزل أم لا فللاجماع ودلالة الآية والاخبار وأما دبرا
مع الانزال فلا جماع أيضا والأخبار الدالة على إفساد الانزال للصوم وبدونه أما في دبر المرأة فلدخوله في المباشرة المنهية وترك الاجتناب المضر
وسوق الأدلة يدل على الافساد أيضا مع عدم القايل بالتحريم وعدم الافساد وادعى الشيخ (ره) في الخلاف عليه الاجماع ولا يفرقون بين الفاعل والقابل
والخبر الذي رواه أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها
غسل فغير معول عليه كما ذكره الشيخ لقطع إسناده مع إمكان تأويله بعدم غيبوبة الحشفة وكذا الكلام فيما رواه أحمد بن محمد عن بعض الكوفيين
يرفعه إلى أبى عبد الله (عليه السلام) قال في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة قال لا ينقض صومها وليس عليها غسل ولا يبعد اتحاد الخبرين
لان على بن الحكم كوفي وأما في دبر الذكر فالمشهور بينهم إفساده للصوم وادعى الشيخ (ره) عليه أيضا الاجماع وقال العلامة (ره) إن إفساده للصوم وإيجابه
للقضاء والكفارة أحكام تابعة لا يجابه للغسل لان الغسل معلول الجنابة وهي علة للأحكام المذكورة فإذا أحصل المعلول دل على وجود العلة فيلزم
وجود المعول الاخر والكلام بعد ثبوت إيجابه للغسل في علية الجنابة مطلقا للأحكام المذكورة ولكن لا ينبغي الجرئة على خلاف ما اشتهر بينهم خصوصا
مع دعوى الاجماع ثم المراد بالجماع مواراة الحشفة أو قدرهما من المقطوع كما سبق في كتاب الطهارة وغيره على الأقرب حكم وطئ البهيمة حكم وطئ الدبر
في أنه إن أوجب الغسل أوجب الأحكام المذكورة على ما ذكروه فلا يقدح فيه إن إيجاب وطئ الذكر للغسل أظهر من إيجاب وطئ البهيمة له ولكن الشيخ ره في
الخلاف حكم في وطئ الذكر بوجوب القضاء والكفارة مدعيا للاجماع عليه كما عرفت ثم قال إذا أتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء والكفارة فإن أولج ولم
ينزل فليس لأصحابنا فيه نص لكن مقتضى المهذب إن عليه القضاء لأنه لا خلاف فيه فأما الكفارة فلا تلزمه لان الأصل براءة الذمة وليس في
وجوبها دلالة وهنا الكلام كما نرى لا يخلو عن تدافع أورده ابن إدريس ويمكن أن يقال إن غرضه (ره) أن لا نص فيه باعتبار الكفارة وإن كان منصوصا
من حيث الوطأ بل يمكن أن يكون الاجماع منهم على إيجاب الوطئ مطلقا للقضاء ولا يكون لهم نص في خصوص المسألة فلا تناقص وحيث لا يقول بإيجابه للغسل
341

كما صرح به في آخر هذه المسألة فيتم قوله وليس في وجوبها دلالة وقول المصنف (ره) على الأقرب متعلق بالتعميمين كما عرفت الاخلاف فيهما والاستمناء
أي طلب الامناء بغير الجماع ويفسد مع حصوله أما بدونه فغيره مفسد وإن حرم والدليل عليه الاجماع والأخبار الدالة على إفساد الانزال للصوم
كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمنى قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع
ووجوب الكفارة يدل على الافساد خصوصا بقرينة قوله (عليه السلام) مثل ما على الذي يجامع ورواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
وضع يده على شئ من جيد امرأة فأدفق فقال كفارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة ورواية سماعة قال سألته
عن رجل لزق بأهله فأنزل قال عليه إطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين ويؤيد ما ذكرناه أيضا رواية محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه سأل
هل يباشر الصائم أو يقيل في شهر رمضان فقال أنى أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق إلا يسبقه منيه ورواية حفص بن سوقة عمن ذكره عن أبي عبد
الله (عليه السلام) في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء رمضان فيسبقه الماء فينزل فقال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في رمضان وهذا
الخبر بظاهره غير معمول به ويحتمل زيادة لفظ القضاء سهوا أو سقوطها من قوله يجامع في رمضان أو يحمل على فعل ذلك بعد الزوال أو على الماثلة في
ثبوت أصل الكفارة لا في خصالها والشيخ (ره) في التهذيب أوله بما بعد الزوال وبصدور الفعل على جهة الاستخفاف والتهاون وسيأتي تفاصيل ما في
حكم الاستمناء فيما بعد إنشاء تعالى وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق أعم من أن يكون بمجرم كالتراب أو بمحلل كالدقيق وإن كان الحكم في المحرم أغلط بل ولا يختص
تحريه فيه على رأيهم بالصوم وألحق المتأخرون بالغبار الدخان وبخار القدر ونحوه والتقييد بالغليظ أو الكثير وقع في أكثر عباراتهم كعبارة المفيد (ره) والشيخ (ره)
في جمله كتبه وابن إدريس في السراير والعلامة في كتبه والمحقق في المعتبر ويظهر من كلامهم خصوصا من كلام العلامة في المختلف حيث يذكر احتجاج الطرفين
إن محل البحث والخلاف هو الغبار الغليظ فترك المقيد في اللمعة والشرايع كأنه من باب الاختصار للاشتهار وليس الامر كما أفاده الشهيد الثاني (ره) من أن
القيد لا وجه له كما سيظهر والحوالة في الغلظة إلى العرف كما هو دأبهم في الأمور التي لا تحديد لها في الشرع والمراد بالحلق مخرج الخاء المعجمة وتحريمه وإفساده
للصوم قول معظم الأصحاب وادعى محمد بن إدريس عليه الاجماع وقال المفيد في موضع من المقنعة ويجتنب الصايم الرايحة الغليظة والغير تصل إلى الحلق
فإن ذلك نقص في الصيام وحكم في موضع آخر منها بوجوب القضاء على من تعمد الكون في مكان فيه يره كثيرة أو رايحته غليظة فدخل حلقه شئ من ذلك
وقال العلامة في المنتهي على قول السيد المرتضى ينبغي عدم الافساد بذلك والمراد بقول السيد ما نقله ونقلناه إن ابتلاع الحصاة وما أشبهها ليس بمفسد ويظهر من كلام بعض المتأخرين كالمحقق في المعتبر التوقف في ذلك ومستندهم في هذا الحكم إن ازدراد كل شئ يفسد الصوم والغبار من هذا الباب
لأنه نوع من المتناولات وإن كان غير معتاد فيحرم ويفسد الصوم وأنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم فكان مفسدا له قالوا يؤيده ما رواه سليمان بن
جعفر المروزي قال سمعته يقول إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رايحة غليظ أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم
شهرين متتابعين فإن ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح وظاهر كلام المبسوط والمسالك ورود أخبار أخر في هذا الباب ولكن ما رأيناها في كتبهم
المتداولة وأنت خبير إن عدم دخول ذلك في الازدراد والاكل وخروج العباد عن المتناول خصوصا مع عدم الغلظة واضح جدا والمنع من مطلق إيصال شئ
ينافي الصوم إلى الجوف لا دليل عليه كيف ولو كان الامر كذلك للزم التحفظ عن استنشاق الهواء غالبا لعدم خلوه في الأغلب عن مخالطة الذرات كما يظهر
لمن نظر في الكوى التي تشرق منها الشمس وأيضا لا فرق بين الاجزاء المائية وغيرها في إفساد الصوم فيلزم التجنب عن استنشاق الأنجرة كما قالوا ويلزم منه المنع
عن دخول الحمام لعدم خلوه في الأغلب عن البخار الغليظ وخصوصا على رأى من لا يقول باعتبار الغلظة مع تجويزهم ذلك وإقدام قاطبة المسلمين عليه عصرا
بعد عصر من غير توقف وتأمل في غلظة بخاره وعدمها وورود النص بجوازه مطلقا من غير استفصال كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أن سال عن
الرجل يدخل الحمام وهو صائم فقال لا بأس ما لم يخش ضعفا ورواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم فقال ليس
به بأس وأيضا لو كان التحرز عن إيصال الغبار المحرم إلى الجوف واجبا مطلقا لكان أمره بين المسلمين وشيوع التجنب عنه في حركاتهم وأعماله أظهر من أن يخفى ولكان
حديث ذلك في الروايات والاخبار بحيث لا يبقى عليه غبار وأما استنباط هذا الأصل الكلى وفي الصوم عن الأخبار الواردة في المنع عن الاحتقان وجلوس
المرأة في الماء والاكتحال والسعوط والاستياك بالسواك الرطب ونظايرها فغير سديد لضعف هذا الاستنباط أو تعارض هذه الأخبار لمثلها من الأخبار الواردة
في الجواز وظهور الفرق بين إيصال جسم محسوس إلى الجوف كالكحل والدواء وبين إيصال ما سلب عنه اسمه بالبث والاضمحلال في الهواء كيف لا ومناط
أمثال تلك الأحكام الفرعية الاطلاقات العرفية لا التدقيقات العقلية نعم أو خالطت الهواء صغار تدركها الطرف واللمس متميزة موسومة باسمها
342

فلا شبهة في المنع عن ابتلاعها وإيصالها إلى الجوف عمدا ولو بتبعية استنشاق الهواء وأيضا لو ظهر من الغبار أو الدخان في الرطوبات التي في فضاء
الفم أثر المحسوس يطلق عليه اسم شئ فلا يجوز ابتلاعها ويجب التحفظ والتحرز عن إيصالها إلى الحلق ويحتمل أن يكون مرادهم بالغبار الغليظ ذلك
أي ما اشتمل على الاجزاء الصغار المحسوسة بحيث يؤثر بمجرد الوصول والعبور وحينئذ فكون الامر على ما هو المشهور في غاية الظهور وأما التمسك بخبر سليمان بن
جعفر فضعفه ظاهر بجهالة حال الراوي وإضمار المروى عنه واشتغاله على إفساد المضمضة والاستنشاق وشم الرايحة الغليظة مطابق للصوم ووجوب الكفارة
فيها مطلقا وتعيين الصوم في الكفارة مع تعارضه لموثقة عمرو بن سعيد عن الرضا (عليه السلام) قال سئلته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل
الدخنة في حلقه قال جايز لا بأس به قال وسئلته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه قال لا بأس هذا ما تعلق بهذه المسألة بحسب ما استدلوا به
عليها ولكن الشهرة العظيمة بين الأصحاب خصوصا مع عدم ظهور مصرح بالخلاف ودعوى ابن إدريس للاجماع لا يرخص في الخلاف وينبغي مراعاة
الاحتياط في مثل هذا العبادة المهمة التي من معظم التكاليف الشرعية ثم إن الشهيد الثاني (ره) حكم بأن وجوب القضاء والكفارة في تعمد الاخلال
بالكف عن إيصال الغبار قطعي مع عدم اعتباره للغلظة وبعد ما عرفت حقيقة الحال تعرف أنه (ره) أعلم بما قال وحكم أبو الصلاح بأن من وقف في
غيرة مختار فعليه القضاء ولا وجه أصلا لايجاب الوقوف مطلقا للقضاء وكأنه قصد مع إيصال الغبار إلى حلقه وتسامح في العبارة للشهرة
والبقاء على الجنابة عمدا مع علمه بها ليلا حتى يطلع الفجر وسيجئ ما هو في حكم هذا البقاء وحرمته في صوم شهر رمضان وإيجابه القضاء قول معظم الأصحاب وادعى
ابن إدريس عليه الاجماع وهو الظاهر من كلام السيد المرتضى أيضا في الانتصار وأما في غيره من الصيام فسيأتي القول فيه ولتحرير له في الصوم مطلقا ظاهر
كلام الصدوق في المقنع حيث قال في أثناء فتاويه في باب ما يفطر الصائم وما لا يفطره وسئل حماد بن عثمان أبا عبد الله عليه السلام عمن أجنب في شهر رمضان
من أول الليل وآخر الغسل حتى يطلع الفجر فقال له قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجامع نسائه من أول الليل ويؤخر الغسل حتى يطلع الفجر ولا
أقول كما يقول الأقشاب يقضى يوما مكانه انتهى والأقشاب جمع قشب بالكسر وهو من لا خير فيه والظاهر أن فاعل يقضى من أجنب والغرض الاستدلال بفعله
صلى الله عليه وآله على جواز البقاء على الجنابة وعدم إيجابه للقضاء ورد قول الجماعة بعدم الجواز والايجاب للقضاء ويحتمل على بعد أن يكون الفاعل رسول
الله صلى الله عليه وآله ويكون قول هؤلاء إن النبي صلى الله عليه وآله كان يجنب ويؤخر الغسل ويقضى يوما آخر مكانه فأنكر (عليه السلام) تلك الشتمة منهم
وردها ولكن هذا القول بعيد من العام أيضا ثم إن ما أفاده الصدوق في المقنع لا يظهر من كلامه في الفقيه حيث ذكر فيه الأخبار الدالة على وجوب
القضاء على ناسي الغسل وعلى النائم بعد الاستيقاظ من نوم الجنابة وعلى أن الذي يقضى شهر رمضان إذا طلع عليه الفجر جنبا لا يصوم ذلك اليوم
ويصوم غيره والقول بالتحريم وعدم وجوب القضاء مما لا قائل به هنا حجة القول المشهور أو لا على ما أفاده العلامة في المختلف إن الانزال نهارا موجب
للقضاء والكفارة فكذا استصحاب الانزال بل هذا آكد لان في الأول قد انعقد الصوم في الابتداء وهنا لم ينعقد وضعف هذا الاحتجاج واضح للفرق
البين بين الانزال واستصحاب الجنابة وظهور عدم استلزام إفساده وكون إفساد الانزال بل المباشرة باعتبار إحداث الجنابة غير ظاهر وعلى تقدير
ثبوته فلا يدل تنافى إحداثها للصوم ونقضه إياه على تنافي استمرارها له ألا ترى إنهم لا يقولون بوجوب الغسل فورا على المحتلم في نهار شهر رمضان
وثانيا الأخبار الكثيرة المستفيضة الدالة عليه وفيها الصحيح وقوى السند والاحتجاج بها قوى خصوصا مع شهرة هذا القول بين الأصحاب وموافقة
للاحتياط وأما قول الصدوق فدليله الأصل والآية الكريمة لدلالتها على جواز المباشرة إلى طلوع الفجر وإذا أجازت المباشرة إلى الطلوع لزم تسويغ
أن يصبح الرجل جنبا واللزوم ظاهر وأما استفادة الجواز منها فالظهور وقوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم وقوله فالآن باشروهن في الليل
كله كيف والجواز في البعض كان قبل هذا التخفيف أيضا وقوله حتى يتبين لكم بيان لغاية الثلاثة ويدل على هذا القول أيضا الاخبار من العامة
والخاصة والجواب إن المخرج عن حكم الأصل الأخبار الكثيرة وتجويز المباشرة في تمام الليل أصالة في الآية الكريمة لا يستلزم عدم تحريمها في الجزء الأخير
منه بالعرض باعتبار الاخلال بالطهارة التي هي شرط الصوم كما لا يستلزم عدم تحريم الثلاثة في الجزء الأخير من باب المقدمة مع إمكان القدح في ظهور إطلاق
قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث وقوله فالآن باشروهن في تمام الليل ويكفي للتخفيف جواز المباشرة بعد العشاء في الجملة خصوصا إذا جاز في أكثر
أجزاء الليل إلا قدر لحظة للغسل وكذا يمكن القدح في تعلق حتى بالمعطوف عليه إذا لا يلزم التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في جميع الأحكام ومع تسليم الظهور
نقول يجوز صرف الآية على الظاهر للخبر وأما الاخبار فتأول بالتقية ونحوها للجمع والخبر
العامي يؤيد احتمال التقية والحقنة بالمايع اختلفوا في حكم الحقنة
فمنهم من قال لا يجوز للصائم أن يحتقن وأطلق ومنهم من قال إنها تفسد الصوم والمطلق وذهب العلامة في المختلف إلى إفساد مطلقها للصوم وإيجابها
343

القضاء من غير كفارة ونقل السيد عن بعضهم وجوب القضاء والكفارة فيها من غير تفضيل وسيأتي وقال السيد أيضا في المسايل الناصرية على ما
نقله العلامة فأما الحقنة فلا خلاف في أنها تفطر وقال ابن الجنيد يستحب له الامتناع من الحقنة
لأنها تصل إلى الجوف وفصل جمع من الأصحاب فقالوا
تكره بالجامدات وتحرم بالمايعات وبعضهم لم يوجب بها القضاء كالشيخ في بعض كتبه والعلامة في المنتهى وبعضهم أوجب بها القضاء كالشيخ في المبسوط
والمصنف هنا إذ تقرر هذا فتقول قد ظهر أن القول بحرمة الاحتقان بالمايع هو المشهور بينهم غاية الاشتهار ويدل عليه صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي
الحسن (عليه السلام) إنه سئله عن الرجل يحتقن يكون به علة في شهر رمضان فقال الصايم لا يجوز له أن يحتقن وتعارضها صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى
بن جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان قال لا بأس ويمكن الجمع بينهما بحمل الأولى على المايع كما
هو الظاهر من الاحتقان والثانية على الجامد فيصير دليل القول بالتفصيل ويدل على ذلك ما رواه في التهذيب في الموثق على بن الحسن عن أبيه وفي الكافي عن
محمد بن الحسن عن أبيه قال كتبت
إلى أبى الحسن عليه السلام ما تقول في التلطف يستدخله الانسان وهو صايم فكتب لا بالجامد والتلطف عبارة عن إدخال شئ
في الفرج ويمكن حمل الصحيحة الثانية على الضرورة أيضا فيصير دليل القول بالتحريم مطابق ولولا تلك الشهرة لقلنا بجواز حمل لا يجوز في الأولى على الكراهة
حتى ينطبق على قول ابن الجنيد وأما القضاء والكفارة فلا دليل على وجوبها والأصل براءة الذمة عنهما وأمر الاحتياط واضح خصوصا بالقضاء في الحقنة
بالمايع لشهرته في الجملة واستدل العلامة في المختلف على وجوب القضاء في الحقنة مطابق بالصحيحة الأولى لان تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية وقد علق
فيها حكم عدم جواز الاحتقان فوجب القضاء والخلط فيه واضح لان معلول الصوم عدم جواز الاحتقان كما ذكره فلو فعل الصائم ذلك المحرم لا يلزم
خروجه عن الصوم وذلك ظاهر ويمكن أن يقال من قبله (ره) إن لا ريب في أن المفهوم من تحريم شئ لأجل الصوم منافاة ذلك الشئ للصوم ومنافرته له وأشراط
الصوم بعدمه فوجوده يضر بالصوم ويهدمه البتة والظاهر المتبادر من ذلك افساده للصوم فنقول به ونعول عليه إلى أن يدل دليل شرعي على عدم إفساده له
فنعدل حينئذ عن الظاهر ونقول بأن تحريمه لا يجابه نقصا في الصوم وحطاله عن الكمال المطلوب وإن لم يبلغ حد الفساد الذي يوجب القضاء ولكن ادعاء هذا
الظهور في حيز المنع وهو (ره) أيضا لا يقول بذلك
كما يظهر مما ذكره في حكم الارتماس لا يقال إذا ثبت إن ذلك الفعل يوجب نقصا في الصوم فإذا فعلناه في الصوم
نعلم أن ذلك الصوم ليس هو الصوم الكامل المطلوب للشارع فلا بد من الحكم بوجوب القضاء إلى أن يظهر سقوطه شرعا وافتقار الحكم بوجوب القضاء إلى أمر جديد
لا يضر بذلك لثبوت إجماعهم على وجوب القضاء على كل مكلف بالصوم تارك له لأنا نقول قد عرفت إن بمجرد ثبوت إن ذلك الفعل يوجب نقصا في الصوم
لا يظهر اعتبار تركه في ماهية الصوم وجزئيته لها حتى يلزم من انتفائه انتفاؤها واعتباره في كمال الصوم وكذا التردد في اعتباره فيه أو في الماهية لا يكفي
في الحكم بوجوب القضاء على فاعل ذلك الفعل إذ لا اجماع على وجب القضاء على من لم يأت بالصوم على جهة الكمال أو على المتردد في الاتيان به بل الاجماع
على وجوب القضاء على الا ترك له يقينا وهو ظاهر واستدل في المختلف أيضا على وجوب القضاء بأنه قد أوصل إلى جوفه المفطر فأشبه مالوا ابتلعه لاشتراكهما
في الاغتذاء وضعف هذا القياس واضح مع أن الحقنة لا يصل إلى المعدة وموضع الاغتذاء كما أفاده في المنتهى والارتماس على الأقوى قال المصنف في الشرح
هو ملاقاة الرأس لمايع غامر ولو بقي البدن ومراده ملاقاة الرأس بتمامه للمايع بحيث يغمره المايع ويعلوه فخرج صب الماء على الرأس كما سيأتي جوازه
والوقوف تحت الميزاب والمجرى في حكم الصب إلا أن يكون الماء كثيرا جدا فيشبه الوقوف تحت مجراه بالغمر ويشكل الحكم فيه والاحتياط يقتضى التجنب عنه وطرد
الحكم في مطلق المايع لا يخلو عن إشكال لورود الماء في الاخبار والفتاوي وعدم صدق اسمه على بعض المائعات مع نقص نفوذه عنه كاللبن ولم أقف على
نصره من الأصحاب على هذا التعميم نعم ذكره في المنتهى عدم الفرق بين الارتماس بالجاري والراكد والطاهر والنجس لعموم النهي وهو كذلك ويحتمل شمول
الحكم للمضاف وما يجرى مجرى الماء في الميعان والنفوذ لا يبعد أن يكون غرض المصنف مما قاله في الشرح تفسير الارتماس وإن اختص الحكم ببعض أفراده
وقال الشهيد الثاني في المسالك المراد بالارتماس غمس الرأس في الماء دفعة واحدة عرفية وإن بقي البدن ومراده بالدفعة مقابل التعاقب بحيث لا يحصل
الاجزاء جميعا في الماء لا مقابل التدريج وإن حصل الجمع فيه في الان الأخير إذ لا وجه لاخراج ذلك عن حكم الارتماس بل الحكم فيه آكد باعتبار طول
المكث وزيادة النفوذ وعلى هذا فالتقييد بالعرفية لا وجه إلا أن يكون غرضه إدخال التعاقب السريع الذي يصدق عليه الدفعة عرفا ولا يخلو عن
تكلف وقال صاحب المدارك ولا يبعد تعلق التحريم بغسل النافذ كلها دفعة وإن كانت منابت الشعر خارجة من الماء ولا يخلو عن الاشكال لان صدق
344

الارتماس عرفا على هذا الغمس غير معلوم ولا سبيل إلى تحقيق علة الحكم يمكن القول بوجودها في الفرض ثم الظاهر أن مراد المصنف من الارتماس هنا غمس جمع الجسد
لتعرضه لحكم غمس الرأس فيما بعد بقوله ولو غمس رأسه في الماء دفعة أو على التعاقب ففي إلحاقه بالارتماس نظر لا يقال لا وجه لنظره (ره) لورود رمس الرأس
في أكثر الاخبار لان رمس الرأس في العرف كناية عن رمس جميع الجسد وحينئذ فرمس الرأس وحده في محل النظر كالرمس على سبيل التعاقب لصدق رمس الرأس لغة
وظهوره في تمام الجسد والدفعة عرفا ولهم في الارتماس أقوال أحدها التحريم وإيجاب القضاء والكفارة وهو قول المفيد والسيد في الانتصار والشيخ
في بعض كتبه قال في المبسوط يجب القضاء والكفارة في الارتماس في الماء على أظهر الروايات والمصنف نسبه إلى الشهرة وضعف المأخذ كما سيأتي وقال في
المختلف رواه ابن بابويه في كتابه ويحتمل أن يكون نظره إلى ما في المقنع حيث قال في باب ما يفطر الصائم وما لا يفطره اجتنب في صومك خمسة أشياء يفطرك
وعد منها الارتماس في الماء وقال في الباب الذي يليه من جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه متعمد فعليه عتق رقبة إلى أخر ما ذكره ولكن ليس ذلك
بعنوان الرواية صريحا وما قيل من أن نظره إلى ما رواه في الفقيه من بعض الأخبار الدالة على المنع من الانغماس في الماء للصائم فبعيد جدا وثانيها
التحريم وإيجاب القضاء خاصة نقله في المختلف عن أبي الصلاح وثالثها التحريم من دون قضاء أو كفارة واليه ذهب الشيخ في الاستبصار والمحقق في المعتبر
والعلامة في المنتهى والمختلف وبعض المتأخرين وقال في الاستبصار لست أعرف حديثا في إيجاب القضاء والكفارة أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء و
قال ابن إدريس هذا يناقص ما ذكره في المبسوط كما نقلنا ويحتمل أن يكون نظره (ره) في المبسوط إلى الأخبار الدالة على التحريم باعتبار أن التحريم يدل
على الافساد كما عرفت في الاحتقان والافساد عمدا يوجب القضاء والكفارة وفي رواية محمد بن مسلم زيادة دلالة على وجوبهما كما سيأتي ومنظوره
في الاستبصار عدم ذكر القضاء أو الكفارة صريحا في الاخبار وميله فيه إلى عدم وجوبهما باعتبار ضعف دلالة التحريم على الافساد وكذا دلالة
الافساد على وجوب الكفارة ولكنه بعيد من دأب الشيخ (ره) جدا ورابعها الكراهة ونسبه في المنتهى إلى السيد والظاهر أيضا من كلام الشيخ في التهذيب
وخامسها أنه سايغ مطلقا نقله في المنتهى عن ابن أبي عقيل والجمهور والقول بالتحريم قوى للأخبار الدالة عليه منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر
(عليه السلام) وقد تقدمت وهذا الرواية مذكورة في الفقيه وزيادات التهذيب بتبديل ثلث خصال بأربع خصال وكان الثلث لعد الطعام والشراب
خصلة واحدة ولعطف الارتماس ثلث خصال ووجه هذه الرواية على التحريم إن مفهوم الكلام أن عدم الاجتناب عن الأربع يضر الصائم
وأقله إيجاب الاثم إن لم يوجب القضاء والكفارة أيضا وحمل الضرر على ما يشمل فوت الكمال ليوافق القول بالكراهة الارتماس فمنع بعده على اللفظ
يخل بالحصر أيضا لان المكروهات كثيرة ولا يمكن إدخال بعضها في الأربع كإنشاد الشعر مثلا بخلاف المحرمات إذا ليس فيها ما لا يمكن إرجاعها إلى الأربع
إلا الكذب على الله والرسول وهو محرم بالأصالة وليس أصل تحريمه لأجل الصوم وإن تأكد فيه ثم إن عطف الارتماس على ما يوجب القضاء والكفارة لا
يدل على إيجابه لها إذ المفهوم من الكلام ليس الاشتراك الأربع في أصل الضرر وأما التساوي فيه فلا يفهم أصلا واستحقاق العقاب الذي نقول به في الارتماس
أعظم ضرر فلا تدل الرواية على أزيد منه ولا يمكن الاحتجاج بها على وجوب القضاء أو الكفارة كما ذكره المصنف (ره) في الشرح وقال أبو الصلاح إنما يتضرر
في الصوم ببطلانه فيجب القضاء وضعفه ظاهر ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الصائم يستنقع في الماء ولا يرتمس رأسه ومنها صحيحة حريز عنه
(عليه السلام) قال لا يرتمس الصايم ولا المحرم رأسه في الماء ومنها صحيحة محمد بن مسلم أبى جعفر (عليه السلام) قال الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه
ويتبرد بالثبوت وينضج المروحة وينضج البوريا ولا يرمس رأسه في الماء ومنها رواية إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل صائم ارتمس في الماء
متعمدا أعليه قضاء ذلك اليوم قال ليس عليه قضاء ولا يعودن ومنها رواية حنان بن سدير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم يستنقع
في الماء قال لا بأس ولكن لا ينغمس فيه والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمل الماء بفرجها ومنها رواية الحسن الصيقل قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الصائم يرتمس في الماء قال لا ولا المحرم قال وسألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول قال لا والنهى وما في معناه في هذا الروايات يدل
ظاهرا على التحريم خصوصا في صحيحة حريز ورواية الحسن لان النهى فيهما في المحرم على التحريم فكذا في الصائم ولا تعارض هذا الروايات موثقة عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يكره للصائم أن يرتمس في الماء إذا الكراهة في الاخبار لا تحمل على المعنى الاصطلاحي وبالمعنى اللغوي لا تنافي
الحرمة وحيث لم يوجد دليل تام على وجوب القضاء أو الكفارة فالأصل يقضى بعدم وجوبهما ويؤيده رواية إسحاق بن عمار أيضا ولكن الاحتياط
فيهما خروجا عن خلاف من أوجبهما جيد ثم أعلم أن على القول بإفساد الارتماس للصوم فلا ريب في جوازه في النافلة كجواز الاتيان بباقي
المفطرات فيها وأما على القول بالتحريم وعدم الافساد فيحتمل شمول الحكم للصوم المندوب أيضا الاطلاق النصوص وكلام الأصحاب وجواز
345

فعل ما يفسد الصوم فيه لا يقتضى جواز فعل ما ينافر الصوم ولا يفسده كالتكفير في الصلاة المندوبة وحكم بعض المحققين طاب ثراه ببعد تحريمه في المندوب
وبتخصيص عموم الاخبار بالواجب وكأنه ره نظر إلى أنه إذا أجاز في المندوب تناول المفطر بالاتفاق فجاز فعل ما هو مظنته له بطريق أولى وقد عرفت ما فيه و
يحتمل أن يكون نظره إلى قصور الاخبار عن إفادة العموم باعتبار ظهور اختصاص النهى بالواجب وقال في المسالك وتظهر فائدة التحريم فيما لو ارتمس في غسل
مشروع فإنه يقع فاسدا للنهي عن بعض أجزائه المقتضى للفساد في العبادة وكأنه (ره) أراد بالفايدة حكم فساد عبادة يترتب على هذا التحريم حيث حكم
بعدم ترتب فساد الصوم عليه وليس الغرض ما يتوهم من ظاهر العبارة من أن ثمرة الحكم بالتحريم والبحث عنه ذلك لظهر أن ثمرته التجنب عن هذا الفعل حتى
لا يستحق به العقاب ولا حاجة له إلى فايدة أخرى وقال صاحب المدارك الحكم بفساد الغسل جيدان وقع الغسل في حال الاخذ في الارتماس من الماء
فيجب الحكم بصحته لان ذلك واجب محض لم يتعلق به نهى أصلا وأنت خبير ببعد الاحتمال الثالث في الغسل بعنوان الارتماس ولهذا لم يلتفت إليه في
المسالك لان الوارد في الاخبار إجزاء الارتماس عن الغسل ولا يطلق الارتماس على رفع الرأس من الماء وإخراجه عنه ثم أفاد في المسالك أن المرتمس
الناسي يرتفع حدثه لعدم توجه النهى إليه وأما الجاهل فبحكم العامد والظاهر أن الناسي أعم من ناسي حكم حرمة الارتماس في الصوم ومن ناسي أصل الصوم
وإن كان الأول أظهر في مقابل الجاهل وفي إلحاق الجاهل بالعامد في هذا الحكم تأمل كما ذكره صاحب المدارك لعدم توجه النهى إليه وإن أثم بتقصير في
تحصيل العلم وقال بعض المحققين طاب ثراه اعلم إن الاخبار صريحة في تعلق الحكم بغمس الرأس فقط في الماء فلا يبعد التعميم في الانغماس والظاهر صحيحة
الغسل مع الانغماس مطلقا إلا أن يعلم كون وصل الماء إلى الرأس بالارتماس المحرم وهو بعيد فتأمل فيه فإنه دقيق ومراده (ره) بالتعميم في الانغماس الحكم
بحرمة الانغماس سواء كان بالرأس مع الجسد أو بالرأس فقط وقوله والظاهر صحة الغسل إلخ ناظر إلى ما ذكره في المسالك من فائدة التحريم والمراد بالاطلاق
في قوله مع الانغماس مطلقا التعميم في الغسل بالارتماس والترتيب وفي حال المغتسل باعتبار العلم والنسيان والجهل وحكمه بصحة الغسل مع العمد أما
باعتبار إن الماء يصل إلى الرأس في حال الاخذ في دفعه من الماء ولا نهى فيه كما نقلنا عن المدارك وقد عرفت ما فيه وعلى هذا فالاحتمال الذي استثناه
وحكم ببعده هو أن يكون الرأس تحت الماء بحيث يماس سطحه سطح ظاهر الماء بنقله فيكون الماء حينئذ فوق بعض أجزاء الرأس بحيث لا يحكم عليه عرفا بالحجم و
الثخن لغاية وقته فلا يمكن الحكم بصحة الغسل باعتبار حركة الرأس في هذا الماء الرقيق حال الاخراج إذا لا يقال عرفا لكمال رقته إن الرأس تحرك فيه حال
الخروج حتى يمكن أن يقال إن تلك الحركة غير منهية شرعا وبعد هذا الاحتمال واضح وأما باعتبار إن الماء يتموج عند الارتماس ويصل إجزاؤه
إلى الرأس متعاقبة ولا يدخل وصول تلك الأجزاء في الارتماس المنهى عنه بل ليس ذلك لا بحكم صب الماء على الرأس وفساد هذا الاعتبار أيضا
واضح والاحتمال البعيد المستثنى على هذا هو إن يعلم بدخول الرأس في الماء من دون حدوث تموج وتصادم فيه
يصير موجبا لوصول الاجزاء
المتباعدة إليه على التعاقب وبعده في غاية الظهور ووقت ترك الثمانية أو توطين النفس عليه من طلوع الفجر الثاني المستطير في الأفق الذي لا
يزال يزد حتى يضئ جميع السماء والأول يخرج مستدقا مستطيلا كذب السرحان ثم يمحى أثره وكونه مبدء وقت الامساك في الصوم مما أطبق عليه
الخاصة والعامة إلا الأعمش فإنه قال يجب الامساك من طلوع الفجر الذي يملا البيوت والطرق وهو منفرد بهذا القول الذي يخالف الآية الكريمة
والأخبار الكثيرة وإجماع الأمة إلى غروب الشمس الانتهاء به متفق عليه وإنما اختلفوا فيما يتحقق به الغروب وقد مر من الصنف ره في الصلاة وسيجئ أيضا
في ذكر وقت الافطار إن الغروب يعلم بذهاب الحمرة المشرقية على الأقوى لا باستتار القرص وذهاب الحمرة المشرقية عبارة عن ذهاب الحمرة من طرف
المشرق إلى أن تبلغ أعلى الرأس دايرة نصف النهار واستتار القرص هو غيبوبته عن العين مع انتفاء الحايل بينهما وقال ابن أبي عقيل علامة سقوط
القرص أن يسود أفق السماء من المشرق وذلك إقبال الليل وكأنه عبر بهذا عن ذهاب الحمرة تبعا للفظ رواية محمد بن علي قال صحبت الرضا (عليه السلام)
في السفر فرأيته يصلى المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعنى السواد ويقرب منها ما ردوه عن النبي صلى الله عليه وآله قال إذا أقبل الظلام من هنا وأشار
إلى المشرق وأدبر النهار من ههنا وأشار إلى المغرب فقد أفطر الصائم وقال الشيخ في المبسوط الافطار سقوط القرص وعلامته زوال الحمرة
من ناحية المشرق وهو الذي يجب عنده صلاة المغرب ومتى اشتبه الحال للحوايل يجب أن يستظهر إلى أن يتيقن دخول الليل ومتى كان بحيث يرى الآفاق
وغابت الشمس عن الابصار ورأى ضوئها على بعض الجبال من بعيدا وبناء عال مثل منارة إسكندرية في أصحابنا من قال يجوز له الافطار والأحوط
عندي أن لا يفطر حتى يغيب عن الابصار في كلما يشاهد فإنه يتيقن معه تمامه الصوم انتهى وهذا هو الوجه عند العلامة في المختلف والمنتهى ولا ريب في أنه
أحوط وأوفق لمراعات الليل الواقع في الآية الكريمة ويؤيده أصل بقاء النهار والتحريم وإن من كان في أعلى الجبل أو فوق المنارة في هذا الوقت يحرم
346

عليه الافطار ومخالفته في مثل هذا الحكم للواقفين على الأرض مستبعد جد أو يدل عليه أيضا ما رواه يزيد بن معاوية العجلي قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعنى ناحية المشرق فقد غابت الشمس في شرق الأرض وغربها وما رواه ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال وقت سقوط القرص ووجوب الافطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتنفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد
وجب الافطار وسقط القرص والقمة بالكسر أعلى الرأس والأعلى من كل شئ كما ذكر في القاموس قال المصنف (ره) بعد نقل هذا الخبر عن الكافي وهذا صريح في أن زوال
الحمرة علامة سقوط القرص ومراسيل ابن أبي عمير في قوة المسانيد وأمر إرساله سهل كما أفاده (ره) لكن في طريقه سهل بن زياد وعلاج ضعفه صعب وما رواه
على بن أحمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق وتدري كيف ذاك قلت لا قالا لان
المشرق مطل على المغرب هكذا ورفع بيمينه فوق يساره فإذا غابت ها هنا ذهبت الحمرة من ها هنا والمطل بالمهلة المشرف يقال مطل عليه أي أشرف ولعل
المراد أن المرئي من جو جهة المشرق إلى دائرة نصف النهار له إشراف على أفق المغرب فكلما كانت الشمس فوق الأفق توجد الحمرة وأثر ضوء الشمس في هذا الجانب
فإذا غابت تحت الأفق ذهبت الحمرة من ههنا ويظهر من هذا الاخبار تفسير الأخبار الواردة في اعتبار سقوط القرص وغيبته فالعامل بها جامع بينهما
وهو أولى من العمل بظاهر الأخبار الكثيرة الواردة في الغيبة وإن كان بعضها أقوى سندا ففي صحيحة عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها وفي صحيحة أخرى له عن أبي عبد الله (عليه السلام) ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم والوجوب
السقوط وفي حسنة زرارة بن إبراهيم بن هاشم قال قال أبو جعفر (عليه السلام) وقت المغرب إذا غاب القرص وقال محمد بن بابويه (ره) في المقنع يحل لك الافطار إذا
بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب الشمس وهو قول أبيه أيضا في الرسالة والمستند رواية أبان عن زرارة قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن وقت إفطار
الصايم قال حين تبدو ثلاثة أنجم ويمكن حملها على حالة اشتباه العلامة الدالة على أول الوقت فلا بد حينئذ من الاحتياط والاخذ بالعلامة الدالة على
الوقت يقينا وقال الشيخ في الزيادات ما تضمنه هذا الخبر من ظهور ثلاثة أنجم لا يعتبر به والمراعى ما قدمناه من سقوط القرص وعلامة ذهاب الحمرة
من ناحية المشرق وهذا كان يعتبره أصحاب أبي الخطاب وغرضه (ره) من هذا الكلام القدح في صحة هذا الخبر لمخالفته للاخبار ألحقه وموافقته لرأى أصحاب أبي
الخطاب وكونه في حكم الصحيح بحسب الاصطلاح لا يضره إذا ليس بناء علمه بالاخبار على مجرد ذلك كما يظهر من كلامه في مواضع كثيرة يحكم فيها بطرح
الاخبار وبأنها من الآحاد التي لا توجب علما ولا عماد وما أورده بعض الفضلاء بقوله أقول بعيد
جدا أن يفتى الباقر (عليه السلام) لمثل زرارة بفتوى أصحاب أبي
الخطاب فإنما نشاء عن الغفلة عن مراد الشيخ من المكلف بالبلوغ والعقل والظرف متعلق بالتوطن أو المميز على القول بشرعية صومه كما هو رأى المصنف
وسيأتي وكذا على القول بصحته وإن لم يكن شرعيا كما زعمه بعض الأصحاب بناء على أن الصحة من خطاب الوضع وهو لا يتوفق على التكليف بخلاف الشرعية وأما
على رأى من منعهما فلا والمرجع في التمييز إلى العرف ويحصل بأن يفرق بين ما هو شرط في العبادة وغير شرط في العبادة وغير شرط وما هو واجب وغير واجب إذا نبه عليه المسلم
وصف لكل من المكلف والمميز فالمراد به أعم من الحقيقي أي البالغ العاقل المقر بالشهادتين ولو بالإشارة مع الخرس غير المنكر لشئ مما علم ثبوته من الدين ضرورة
ولا يشرط عمل الأركان ولا التبري من ساير الأديان وقال بعضهم باشتراط التبري والحكمي من ولده الصغير أبا كان المسلم أو أما ومسبيته الذي انفرد عن
أبويه إن قلنا بتبعيته للسابي في الاسلام أيضا لا في خصوص الطهارة والقول الأول للشيخ وأتباعه والمصنف (ره) في هذا الكتاب كما سيأتي في الكفارات من أن
إسلام المسبى بانفراد المسلم به وقوة أيضا في بعض فوايده والثاني لمحمد بن إدريس والعلامة في القواعد وبعض المتأخرين وقد توقف العلامة فيه في
أكثر كتبه ويظهر من كلام المحقق في الشرايع أيضا التوقف حيث جعل التبعية له في الاسلام قولا وليس هذا موضع البحث عن هذا المسألة وذكر حجج الفريقين
ولو سبى مع الأبوين فبحكمهما البتة ولو سبى مع أحدهما فبحكمهما كما صرح به الشيخ ولو ماتا على الكفر بعد سبيهما معه فرأى الشيخ عدم الحكم بإسلامه وإسلام
ولد الزنا بالمباشرة بعد البلوغ وبتبعية السابي أيضا على القول بالتبعية وفي تحققه بالولادة من المسلم وجهان من انتقائه عنه شرعا وتولده
منه حقيقة فلا يقصر عن السابي وسيأتي في الكفارات (الخالي عن السفر) الجايز في بعض أقسام الصوم كما سيأتي تفصيله (والمرض) الذي يضر معه الصوم (ودم الحيض
والنفاس) ولو في جزء من النهار واتفاقا وحدثهما على الأقرب على تفصيل سيأتي وفي حكمهما الاستحاضة مع عدم الاتيان بغسلي النهار (والجنابة) عند طلوع
الفجر في غير النومة الأولى مع العزم على الغسل كما سيأتي وعن حكمها كالمتيمم إذا لم يتمكن من الغسل والاحتياج لهذا القيد بعد عد البقاء على الجنابة في جمله
الثمانية لاخراج صوم الناسي لهما أو النائم عليها على وجه الفساد على وجه متعلق بالخلو عن السفر وما بعده كما عرفت والاغماء والسكر وطول النوم على
وجه يأتي بيانه في الدرس الآتي واكتفى باعتبار الطول إجمالا عن ذكر الوجه كما ذكره في السفر وما بعده قبل وعند هذا تم تحديده للصوم الشرعي وشرع في
347

ذكر شرايطه وأحكامه فبدء بالنية وقال على سبيل التفريع على كونه عبادة شرعية بل محض توطين النفس لله تعالى على ترك الثمانية فيشترط
(نيه الوجوب) أي قصد الصوم بعنوان الوجوب إن كان واجبا فاكتفى بذكر الوصف عن ذكر الموصوف الذي هو الأصل لظهوره أو الندب كما
عرفت إن كان مندوبا ولا ريب في لزوم التعرض لأحدهما مع صلاحية الزمان لوقوع الصوم فيه والشخص لصدوره عنه على الوجهين لتميز العبادة
ويتشخص تشخصا لا يحصل إلا بالقصد أما لو تعين أحدهما لأحدهما بأصل الشرع أو بسبب عارض كشهر رمضان وما يتعلق به النذر بخصوصه أو يوم
غير أيام الشهر لمن ليس عليه صوم ومن عليه صوم وقلنا بعدم جواز النفل لمن اشتغلت ذمته بالفرض فالتعرض أولى خروجا عن خلاف من أوجبه كالمصنف
في هذا الكتاب كما ذكره مرارا أو سيجئ زيادة بحث في ذلك ولفظ الاشتراط يشعر بما سبق منه في نية الصلاة من أنهما تشبه الشرط من وجه وتفصيله في الذكرى
وشبه نية الصوم بالشرط أقوى من شبه نية الصلاة بجواز تقديمها على الفجر الذي هو أول وقت الصيام (والقربة) وفاقا بأن يقصد فعله لله تعالى امتثالا
لامره أو طلبا للتوجه إلى جنابه به أو للرفعة عنده بواسطته تشبيها بالقرب المكاني والأخير أقرب باللفظ ولكن المعتبر أحدها وإيثار هذه اللفظية
لورودها كثيرا في الكتاب والسنة وقد مر من المصنف في بحث الوضوء تفسيرها بموافقة إرادة الله تعالى واعتبر ابن زهرة في النية قصدا لطاعة لله لان بذلك الفعل عباده
والقربة وفسرها بطلب المنزلة الرفيعة عنده نيل ثوابه لأنه الغرض المطلوب بطاعته وضعفه ظاهر (ليلا) ظرف زمان للنية متعين في الواجب المعين كصوم
رمضان والنذر المعين للعالم العامد ويتضيق وقتها حين يطلع الفجر ولا يجوز تأخيرها عن طلوعه وإن يحصل العلم به فلوا أخرها عن ذلك عامدا يفسد
ذلك اليوم ويجب عليه قضاؤه دون الكفارة للأصل وما قيل من أن فوات الشرط والركن أشد من فوات متعلق الامساك فضعيف والدليل عليه إن
الصوم عبادة واجبة في كل النهار والامساك العدمي الذي هو حقيقة الصوم لا تصير عبادة إلا بالنية ولهذا ورد في نية الصوم من الآثار ما ليس في غيرها كما
ستقف عليه فلو وقعت في النهار لزم خلو جزؤ منه البتة عن العبادة المأمور بها وحيث لا يمكن اعتبارها مقارنة للجزء الأول منه كما في ساير العبادات
لتعذر ذلك في العبادة المستغرقة للوقت أو تعسره أجاز الشارع إيقاعها قبله في الليلة أو في أول أن يتحقق طلوعه كما سيجئ من تجويز المصنف (ره) مقارنتها
لطلوع الفجر وتعين ذلك اليوم شرعا للصوم غير مفيد للاتيان به مع الاخلال بشرطه عمدا في بعض أجزائه واعتقاد ذلك للناسي والجاهل ومن تجدد عزمه
على صوم غير معين لدليل شرعي يدل على الاعتقاد لا يدل على اغتفاره للعامد العالم بوجوبه على التعيين بالطريق الأولى بل ظهور عذرهم يقيد كمال
أولويتهم هذا ما يدل عليه بحسب الاعتبار وأما بحسب الآثار فالخبر المشهور عنه صلى الله عليه وآله لا صيام لمن لا يبت الصيام من الليل وقوله صلى الله عليه وآله
من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له خرج عنه من خرج بالدليل كصاحب الاعذار وبقى الباقي وقوله (عليه السلام) في الخبر الأول لا يبت وفي رواية لم يبت من
البيت بمعنى القطع والعزم أما بفتح المضارعة وضم الموحدة مضارع بت أو بضم المضارعة وكسر الموحدة مضارع لبت والمعنى لا صيام لمن لم ينوه ويجزمه
فيقطعه من الوقت الذي لا صوم فيه وهو الليل ثم أنه لا فرق بين أجزاء الليل في ذلك لعدم دليل شرعي يدل على التخصيص فيصح إيقاعها في أي جزء كان منه و
قال بعض الشافعية إنما تصح النية في النصف الثاني من الليل دون الأول لاختصاصه بأذان الصبح والدفع من مزدلفة وفساده أظهر من أن يخفى أو نهار
(للناسي إلى زوال الشمس) يعنى إن الناسي لها ليلا في الواجب المتعين يوقعها عند التذكر فورا ويجزيه ذك إلى الزوال إذا لم يكن أحدث ما ينقض الصيام وأما
بعد الزوال فلا وكذا لو أخرهما عن التذكر عامدا أما صحة الصوم لو أوقعها عند التذكر إلى الزوال فظاهرهم أنه موضع وفاق عند الأصحاب قال
في المختلف ويظهر من كلام ابن أبي عقيل إن الناسي كالعامد في رمضان وأنه لو أخل بالنية من الليل لم يصح صومه وحكم بعض الأصحاب بندور قوله تصحيحا
للوفاق أقول وليس كالأمة ظاهرا في حكم الناسي لأنه على ما نقله في المختلف هكذا ويجب على من كان صومه فرضا عند آل الرسول (عليهم السلام) أن يقدم النية
في اعتقاد صومه ذلك من الليل ومن كان صومه تطوعا أو قضاء رمضان فأخطاء أن ينوى من الليل فنواه بالنهار قبل الزوال أجزاه وإن نوى بعد الزوال لم يجزه
ولا دلالة في هذا الكلام على حكم الناسي في رمضان إلا في مفهومه قوله فأخطأ أن ينوى من الليل إن حملنا الخطأ على النسيان وهو غير ظاهر بل الظاهر أنه عبر عن
عدم إيقاع النية في الليل بالخطأ ويرجع إلى بيان حكم العامد كما لا يخفى واستدل على المشهور في المختلف بقوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطأ
والنسيان وإيجاب القضاء يستلزم عدم رفع حكم النسيان وقال خالي طاب ثراه وفيه نظر لان المراد في الخبر دفع المؤاخذة والعقاب فلا يدل على عدم القضاء
وأنت خبير بأن التخصيص مما لا دليل عليه ظاهرا ووجب القضاء مع النسيان في بعض العبادات بالدليل إلا يدل
على عدم العموم ولكن لا يبعد دعوى تبادر فهم
الخاص من الفظ مع أنهم قد بحثوا عن ذلك واستقر رأى المحققين على أن المراد بالخبر هو الخاص أي رفع المؤاخذة لا رفع جميع الأحكام واختار محمد بن إدريس
الحمل على العموم وقد صدر عن أكثرهم الاستدلال به في مقام العموم واستدل عليه أيضا بفحوى الأخبار الدالة على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا أزال عذرهما
348

قبل الزوال وكذا من الجاهل إذ أعلم ويمكن منع الأولوية وبدونها لا يفيد القياس ولكن لا يبعد القول بأنه يفهم من جملة الاخبار إن وقت النية يمتد إلى
الزوال مع العذر واحتج في المختلف لمن قال بعدم الصحة بأنه لم يأت بالشرط فلا يخرج عن عهدة التكليف بالمشروط وفي أن من المعلوم أن لا تكليف عليه
عاجلا إلا بالامساك عند التذكر والمفروض أنه قد خرج عن عهدته وإيجاب القضاء يحتاج إلى دليل شرعي وهو منفى وشمول الاجماع الواقع على وجوبه
على كل تارك للصوم لذلك مع كما شهرة القول بسقوط عنه مستبعد لا يقال إلا دليل على أن هذا الامساك صوم شرعا مع خلو بعض النهار عن شرطه
فيكون تاركا للصوم فيجب عليه القضاء بحكم الاجماع ووجه شهرة الحكم بسقوطه إن وقت النية للناسي عند التذكر إلى الزوال عندهم وحيث لا دليل
عليه شرعا كما عرفت فلا وجه لهذا الحكم ولا تخل هذه الشهرة بدخوله تحت الاجماع لأنا نقول إنا لا نعلم أنه ليس صوما شرعا لوقوع الصوم الواجب
والمستحب كذلك شرعا فلا يمكننا الحكم بوجوب القضاء عليه بمجرد الاخلال الناشئ عن العذر بهذا الشرط المعلوم اشتراطه للخالي عن العذر لا مطلقا خصوصا
مع شهرة القول باغتفار ذلك للناسي وأما عدم الصحة لو أوقعها بعد الزوال فالظاهر أنه إجماعي وخلاف ابن الجنيد في الفرض الغير المعين حيث قال ويستحب
للصايم فرضا وغير فرض أن يبيت الصيام من الليل لما يريد به وجائز أن يبتدء بالنية وقد بقي بعض النهار ويحتسب به من واجب إذا لم يكن أحدث ما ينقض
الصيام ولو جعله تطوعا كان أحوط ويظهر ما ذكرنا من قوله ويحتسب وقوله ولو جعله تطوعا كان أحوط وإن أمكن بتكلف توجيهه على العموم أيضا كما لا
يخفى ويدل عليه أيضا الأخبار الدالة على تحديد وقت النية بالزوال كما سيأتي وللمناقشة فيه مجال وأما عدم الصحة لو أخرها عن التذكر عامدا
فدليله ما سبق في تأخير العالم العامد عن الفجر (وكذا الجاهل بوجوب ذلك اليوم) هذا حكم المعذور بالجهل في الواجب المعين كيوم الشك إذا لم يثبت الهلال في الليل ويثبت
في النهار فإنه ينوى عند الثبوت فورا ويصح صومه إذا لم يكن أحدث ما ينقض الصيام إن كان ذلك إلى الزوال وإن كان بعده فيجب عليه الامساك ولكن لا يصحح
صومه ولا يسقط عند القضاء كما ذكرنا في الناسي ويدل عليه بخصوصه ما روى إن ليلة الشك أصبح الناس فجاء اعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فشهد برؤية
الهلال فأمر النبي صلى الله عليه وآله مناديا ينادى من لم يأكل فليصم ومن أكل فليمسك وهذا الخبر وإن ضعف سندا أو متنا لكن يؤيد ما مهدناه
في الناسي وأما التحديد بالزوال فوجه فأذكرناه وأطلق ابن الجنيد فقال وإن أصبح يوم الشك غير معتقد لصيام فعلم أنه من رمضان فصام معتقدا
لذلك أجزء عنه وقال في المختلف بناؤه على أصله من جواز تجديد النية بعد الزوال وكون أصله ذلك في الواجب المعين لا يظهر صريحا من كلامه
كما عرفت ولا ظهور لهذا الاطلاق أيضا في عدم التحديد لان لفظ أصبح وتفريع فعلم عليه لا يخلو عن دلالة على قبل الزوال (أو من تجدد له العزم
على صومه غير معين زمانه كالقضاء) المشهور بين الأصحاب إن وقت النية في الواجب الغير المعين كالقضاء والنذور المطلقة يمتد إلى الزوال من غير عذر
والدليل عليه ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السلام) في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم
ليقضيه من شهر رمضان وإن لم يكن نوى ذلك من الليل قال نعم ليصمه وليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا وما رواه الشيخ عنه أيضا في الصحيح قال وسئلته
عن الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار يصوم ذلك اليوم ويقضيه من رمضان وإن لم يكن نوى ذلك من الليل قال نعم يصومه ويعتد به إذا لم يحدث
شيئا وعن هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الرجل يصبح ولا ينوى الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأى في الصوم فقال إن
هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى وما رواه الكليني عن الحلبي في الحسن بن إبراهيم بن
هاشم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في تتمة خبر قلت فإن رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار يصوم قال نعم وما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان يريد أن يقضيها متى ينوى الصيام قال هو بالخيار إلى زوال الشمس فإذا زالت فإن كان قد نوى الصوم
فليصم وإن كان نوى الافطار فليفطر سئل فإن كان نوى الافطار يستقيم أن ينوى الصيام بعد ما زالت الشمس قال لا وما رواه ابن بكير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار قال يصوم إن شاء وهو بالخيار إلى نصف النهار
واعلم إن المخالف في هذه المسألة ابن الجنيد حيث يقول بجواز تجديد النية بعد الزوال أيضا على ما يقتضيه إطلاق كلامه كما نقلنا فكان أصل جواز
أحداث النية في النهار مما ليس فيه خلاف إلا في ظاهر كلام المفيد حيث قال فيجب لمكلف الصيام أن يعتقده قبل دخول وقته تقربا إلى الله تعالى بذلك
ويحتمل أن يكون كلامه في الواجب المعين في ظاهر كلام ابن أبي عقيل أيضا إن حمل الخطأ فيه على النسيان كما عرفت فالعمدة في المذهب المشهور بيان إن حد
الزوال وما رواه عبد الرحمن لا يدل إلا على جواز التجديد قبل الزوال وأما على المنع بعده فلا والظاهر أن المراد بالصوم في صحيحة هشام الصوم المستحب
فيخرج عما نحن فيه وعلى تقدير العموم لا منع فيها عن التجديد بعد الزوال لكن يمكن أن يقال إن قوله (عليه السلام) وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت
349

الذي نوى لا يخلو عن دلالة على المطلوب لان القضاء لا بد أن يكون يوما كاملا والفرق في ذلك بين الواجب والندب مستبعد ولكن يلزم على هذا
أن لا يجوز التجديد قبل الزوال أيضا لما روى عن ابن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من أصبح وهو يريد الصيام ثم بدا له أن يفطر فله أن يفطر ما
بينه وبين نصف النهار ثم يقضى ذلك اليوم فإن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم فإنه يحسب له من الساعة التي نوى فيها وحمل بعد ما ارتفع
النهار على ما بعد الزوال بعيد وحكم حسنة الحلبي حكم صحيحتي عبد الرحمن بل أضعف لا تصريح فيها بوجوب الصوم وخبر عمار يدل على المطلق لكنه ضعيف السند
وقس عليه خبر ابن بكير ويدل على ما اختاره ابن الجنيد صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب
ولم ينو صوما وكان عليه يوم من شهر رمضان أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار قال نعم له أن يصوم ويعتد به من شهر رمضان وما رواه أحمد بن
محمد بن أبي نصر عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان فيصبح فلا يأكل إلى العصر يجوز له أن يجعله قضاء من
شهر رمضان قال نعم وأجاب العلامة (ره) في المختلف عن الخبر الأول باحتمال أن يكون قد نوى قبل الزوال ويصدق عليه أنه قد ذهب عامة النهار على سبيل المجاز
وعن الثاني أولا بالارسال وثانيا باحتمال أن يكون قد نوى صوما مطلقا مع نسيان القضاء فجاز له صرفه إلى القضاء وما ذكره (ره) وإن كان بعيدا
لكن لا يخلو عن قوة لتعارض الخبرين للاخبار السالفة والشهرة العظيمة على ما عرفت فلا يمكن التعويل على العمل بظاهرهما في الخروج عن عهدة التكليف
اليقيني بالقضاء وقد أشار ابن الجنيد أيضا في آخر كلامه إلى الاخذ بالاحتياط كما نقلنا (أو النفل والأقرب امتداد أو النفل بامتداد النهار لا الفرض) المشهور أن
وقت النية في النفل أيضا إلى الزوال لما يدل عليه الاخبار أنه لا يستقيم أن ينوى الصوم بعد ما زالت الشمس ولأن النية ينبغي أن يكون من أول النهار أو قبله
وإذا نوى قبل الزوال جاز ذلك تخفيفا واعتبار النية مع معظم النهار بمنزلتها مع جميعه فإذا ذهب معظمه فات وقت النية وذلك من مثل من أدرك الامام بعد
الرفع من الركوع وفوت معظم الركعة فإنه لا يحتسب له الركعة بخلاف من أدركه قبل الرفع وأنت خبير بأن ما في الاخبار لا عموم له بحيث يشمل المندوب أيضا إلا خبر ابن
بكير وهو غير نقي السند وضعف ما ذكروه ثانيا ظاهر بقي أن الأصول يقتضى الحكم بعدم صحته إلى أن يثبت شرعا ما يوجب الحكم بها فالكلام فيه وسنشير إليه
وقال السيد المرتضى ره وجماعة يمتد وقتها في النفل إلى الغروب وقال الشيخ (ره) في المبسوط ومتى فاتت بعد الزوال فقد فات وقتها إلا في النوافل خاصة فإنه
روي في بعض الروايات جواز تجديده بعد الزوال وتحقيقها أنه يجوز تجديدها إلى أن يبقى من النهار بمقدار ما يبقى زمان بعدها يمكن أن يكون صايما
فأما إذا كان انتهاء النية مع انتهاء النهار فلا صوم بعده إلى حال أقول وهذا التحقيق حقيق بالقبول ثم أنه لا ريب في أن ما سبق من الاخبار يدل على ما ذكروه
خصوصا صحيحة هشام بن سالم ويدل عليه أيضا ما رواه أبو بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة قال هو بالخيار ما بينه و
بين العصر وإن مكث حتى العصر ثم بدا له يصوم ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم إنشاء الله تعالى وحمله على تجديد النية بعد العزم على الافطار في أثناء يوم الصوم
على ما فعله في المختلف بقرينة قوله الصائم المتطوع فبعيد جدا بل الظاهر أن قوله (عليه السلام) وإن مكث حتى العصر كلام مستأنف لبيان حكم آخر وما روى صحيحا
عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يدخل على أهله فيقول عندكم شئ وإلا صمت فإن كان عندهم شئ أتوا به و
إلا صام وما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال على (عليه السلام) إذا لم يعرض الرجل على نفسه صياما ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب
شرابا ولم يفطر فهو بالخيار إنشاء أفطر فالأقرب كما ذكره المصنف (ره) امتداد النفل بامتداد النهار والظاهر تخصيص الثواب بزمان النية إذا
كانت بعد الزوال كما يفهم من خبر هشام ولكن المصنف في البيان رجح عدم تخصيص الثواب بزمان النية بل يترتب ثواب الصوم على انعقاده وقال ولا استبعاد
في تأثير النية فيما مضى بوضع الشرع وهو كذلك إن ثبت الوضع وتدل عليه رواية هشام فيما قبل الزوال بخلاف ما بعده وأما خبر ابن سنان فيدل على الاحسان
من حين النية مطلقا كما عرفت (خلافا لابن الجنيد) في الفرض مطلقا أو فيما لم يتعين زمانه منه على احتمالي كلامه حيث يقول بجواز الابتداء فيه هنا وقد بقي
بعض النهار كما عرفت (وفي التهذيب روايتان بجواز نية القضاء بعد الزوال) هما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ومرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي
عبد الله (عليه السلام) وقد سبق ذكرهما في دليل مختار ابن الجنيد مع ما ذكره العلامة في تأويلها (ويشترط فيما عدا شهر رمضان تعيين سبب الصوم
وإن كان نذر معينا وشبهه على الأقوى) إشارة إلى اشتراط انضياف أمر آخر إلى ما اعتبره سابقا في النية من أصل الفعل والوجه والقربة فيما عدا شهر رمضان
مطلقا وإلى عدم اشتراطه فيه وذلك الامر هو تعيين سبب الصوم من قضاء أو نذر أو كفارة أو حاجة أو استسقاء ونحوها فهذا الكلام يشتمل على أحكام
الأول أنه لا يعتبر في نية صوم شهر رمضان تعيين السبب كان نوى الصائم شهر رمضان وجوبا قربة إلى الله تعالى بل يكفي أن ينوى أنه صائم وجوبا قربة إلى الله تعالى
ويؤذن كلام المنتهى وللمختلف بوفاق الأصحاب وعلى ذلك احتج عليه بأن الغرض من نية التعيين كما عرفت في اعتبار الوجه هو تميز أحد وجهي الفعل عن الاخر
350

فإذا لم يكن للفعل الأوجه واحد بحسب أصل الشرع كالصوم في شهر رمضان حيث لا يقع فيه غير شرعا استغنى عن نية التعيين مثل رد الودايع وتسليم الأمانات
وهذا يدل على عدم اعتبار نية الوجوب أيضا في شهر رمضان كما ذكرنا سابقا وكذا يدل على أنه لو عين سببا لا يقع الاعلى وجه الوجوب فلا يحتاج إلى
نية ولعل المصنف (ره) لا يقول باعتبار الوجه في النية من جهة التميز بل لما يقوله المتكلمون من وجوب إيقاع الفعل لوجهه ولكن إثبات ذلك مشكل جدا وأيضا
هذا الاحتجاج كما يدل على عدم اعتبار تعيين السبب في صوم شهر رمضان يدل على عدم اعتباره في النذر المعين وشبهه أيضا والفرق كما يفهم من المختلف إن
التعيين في الأول بأصل الشرع لان هذا الزمان لا يصلح شرعا إلا لهذا الصوم بخلاف الثاني لان التعين فيه لعارض من قبل الناذر وكان الزمان
في نفسه بحسب أصل الشرع صالحا لغيره فيفتقر إلى التعيين بحسب النية كالنذر المطلق فغير نافع أصلا لان التميز الواقعي إن كان يعنى عن التعيين بحسب النية لعدم
الحاجة إلى المميز فيهما وإلا فلا ولا دليل بحسب الشرع يدل على اعتبار التعيين بأصل الشرع وعدم اعتباره بسبب العارض وهو ظاهر والقياس على النذر
للمطلق قياس مع الفارق لعدم تعيين الزمان فيه له أصلا واحتج المحقق ره في المعتبر ثانيا على الحكم المذكور وبقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه فإذا
حصل مع نية التقرب فقد حصل الامتثال فكان ما زاد منفيا واعترض عليه بأن امتثال الامر فرع تعقل المأمور إن
الامر أمره بذلك الفعل فإذا لم يعتقد
أن الصوم غدا مما أمر الشارع بالاتيان به فيه لم يكن تمثلا للتكليف بالصوم غدا وإن اعتقد ذلك فقد لزم تعيين السبب إذا لا نعنى بقولنا لزمه أن
ينوى إن صايم غدا صوم شهر رمضان إلا ألزم التعرض في النية لأنه الصوم الذي أمره الشارع في هذا الزمان الخالص بل نقول إن لم يعتقد المأمور أنه
من أيام الشهر الذي أمر الشارع بصيامه لم يكن متمثلا لهذا التكليف وإن اعتقد ذلك فقد ثبت ما قلناه والجواب إن المكلف إذا فهم التكليف واستشعر
الخصوصيات ولكن كان وقت الاتيان بالفعل ذاهلا عن هذا الخصوصيات على سبيل التفصيل وعلم إجمالا إن هذا الفعل مطابق لمطلوب الشارع وإن
اتيانه به وسيلة للتقرب إليه فلا ريب في أنه بعد إتيانه به على هذا الوجه تمثل لامره مطيع لحكمه خارج عن عهدة تكليفه مع عدم تعيين السبب في النية كيف
لا وهو حينئذ غير متذكر لشئ من الخصوصيات وإن كان بحيث يمكنه التذكر إذا التفت إليها وتصدى لاحضارها بل ويمكن أن يكون متمثلا وإن لم يتسير له
التذكر للخصوصية مع رجوعه إلى وجدانه والتفاته إلى الخصوصيات أيضا مثل أن لا يكون في ذكره إلا طلب الشارع لصوم لم يقيد بغير هذا اليوم فلو
صام ذلك اليوم بقصد القربة كان متمثلا وإن كان الاطلاق أو التقيد باليوم على سبيل الانفراد أو في ضمن الشهر أو الأسبوع يكون له مشكوكا فإن أردتم
بالتعيين هذا الالتفات الاجمالي إلى الامر المشتمل على السبب فلا تنازع معكم ويلزمكم الخروج وعن محل النزاع وإن أردتم شيئا أزيد منه فلا يثبت بما
ذكرتم وأفاد خالي طاب ثراه إن إتمام هذا الاحتجاج يتوقف على إثبات إن النية خارجة عن حقيقة الصوم شرطا لها وإن الصوم حقيقة شرعية في مهية الامساك المغير
مطلقا من غير اعتبار استجماع شرايط الصحة في معناه الحقيقي حتى إذا انتقى بعض شرايط الصحة صدق الصوم حقيقة إذ حينئذ نقول من أراد إثبات أمر زايد على
القدر المسلم يحتاج إلى دليل لان إثبات الشرط يقتضى تقييد المطلق وهو متقدر بقدر الضرورة واقتضاء الدليل وأما على التقديرين الآخرين
كان تحصيل العلم بالبراءة من التكليف الثابت يقتضى الاتيان بالفرد الذي يثبت كونه فردا للمأمور به فردا يحصل به الأمثال وهو إنما يحصل بالاتيان
بالفرد الذي وقع الاتفاق على أجزائه أو دل الدليل عليه وحيث كان إثبات الامرين المذكورين لا يخلو عن عسر كانت البراءة اليقينية من التكليف
الثابت يقتضى اعتبار قصد التعيين لكن عند انتفائه لا يلزم الحكم بوجوب القضاء لان القضاء بتكليف جديد منوط بفوات الفعل أداء ولم يثبت في
موضع البحث انتهى كلامه وأقول خلاصة احتجاج المحقق (ره) ليس إلا أن الشارع أمرنا بصوم شهر رمضان بقوله عن من قايل فمن شهد منكم الشهر فليصمه ولا يفهم من
الصوم بعد تتبع عرف أهل الشرع وقاطبة المسلمين أزيد من هذا الامساك المخصوص فإذا حصل مقرونا بنية التقرب المعلوم اعتبارها في العبادة
فقد حصل الامتثال ومن ادعى لزوم شئ زايد على ذلك فعليه البيان لان الأصل براءة الذمة حتى يثبت اشتغالها فالايراد عليه بأن عليك
إثبات عدم اعتبار كذا وكذا كما يرجع إليه كلامه ليس إلا كإلزام المنكر بإقامة البينة على براءة ذمته من حق المدعى وذلك من الغرايب وإن أراد
(ره) تحصيل العلم بالبراءة تحصيل العلم بالاتيان بفرد كان مستجمعا لجميع الشرايط التي اعتبرها الشارع في الواقع فعلى التقدير الأول أيضا لا يحصل
هذا العلم إلا مع العلم بحصر الشرايط بالنص والاجماع الحكم الثاني أنه يعتبر في النذر المعين وشبهه من العهد واليمين المعنين تعيين السبب وهذا قول الشيخ (ره)
في المبسوط والجمل والخلاف واستقر به العلامة في المختلف ورأى السيد وابن إدريس في ذلك عدم الافتقار إلى التعيين وقواه في المنتهى حجة القول لثاني
ما ذكرناه أولا في عدم الافتقار إلى التعيين في صوم شهر رمضان بانضمام عدم الفرق بين التعيين بأصل الشرع وبالعارض كما ذكرنا وحجة القول الأول أولا
ما ذكرناه في مقام بيان الفرق وقد عرفت ضعفه وثانيا إن الأصل وجوب التعيين إذا الافعال إنما يقع على الوجوه المقصورة ترك ذلك في شهر رمضان لأنه
351

زمان لا يقع فيه غيره فيبقى الباقي على أصالته وفيه إن كون الأصل وجوب التعيين غير ظاهر بل إنما يحكم به لأجل حصول التميز وحيث لا يفتقر إليه باعتباره
عدم إمكان وقع الفعل شرعا إلا على وجه واحد فلا يحكم به سواء كان ذلك بأصل الشرع أو بالعارض ولو كان الأصل ذلك مطلقا فالترك في
شهر رمضان لا وجه له لظهور فساد التقليل الذي ذكره حينئذ كما لا يخفى فالأقرب بحسب الدليل عدم لزوم التعيين ولكنه الأحوط كما أفاد الشهيد الثاني
في المسالك وهل يلحق بالنذر والمعين المنذور المطلق إذا نذر تعينه الظاهر نعم لامتناع وقوع غير ذلك المعين في هذا الزمان ولو بالعارض فلا تفتقر
إلى التعيين وقيل لا لان غيره من الأزمنة صالح لو قوع هذا الصوم فيه وإنما أفاد النذر فوريته خاصة فكان كالواجب المطلق ولا يخفى ضعفه لان عدم
قابلية هذا الزمان لوقوع الغير فيه شرعا كان في التمييز وإن كان الفعل يكون قابلا للوقوع في غيره إذا الغرض تمييز الفعل عن غيره فحيث لا يكون الزمان قابلا
لغيره فذلك بمنزلة بخلاف العكس لو فرض إمكانه ومثل المنذور المطلق إذا نذر تعييه القضاء المضيق بتضيق شهر رمضان وكذا الواجب الواحد
الذي يكون في ذمة المكلف وقلنا بامتناع المندوب عمن في ذمته واجب وكذلك النذر المطلق لو تضيق بظن الموت وقال المصنف (ره) في البيان هو أولى بالاشتراط
لان الظن قد يخطى ولا يخفى ما فيه لان التعيين الحاصل من مطلق الظن يكفي في المقصود وهو التميز الحكم الثالث أنه تعتبره فيما عدا ما ذكر تعيين السبب وهو كذلك
إذ لا بد من تمييز العبادة المأتى بها عن غيرها ولا يحصل ذلك مع إمكان صدور التعدد إلا بقصد السبب أو ما جرى مجراه كقصد الندب أو الوجوب إذا كان في
ذمة المكلف واجب واحد وقلنا بجواز المندوب عمن في ذمته واجب وقال المصنف (ره) في البيان يكفي القربة في الندب إذا تعين كأيام البيض ورجح في بعض تحقيقاته
كفايتها في مطلق المندوب لتعيينه شرعا في جميع الأيام إلا ما استثنى واستحسنه الشهيد الثاني (ره) في الروضة والظاهر كفايتها في أصل انعقاد الصوم ندبا كما يشعر
به تعليله وهذا لا سبب له يعين في النية وأما الندب الخاص وتحصيل ثوابه فيفتقر إلى نية التعيين وعلى هذا فلا يرجع هذا التحقيق إلى شئ إلا أن يكون الغرض
أن المندوب ينعقد بمحض نية القربة من دون تعيين السبب بخلاف الفرض (وفي المبسوط فسر نية القربة بأن ينوى صوم شهر رمضان ولا ريب أنه أفضل) نية القربة
في اصطلاحهم يقابل نية التعيين قال الشيخ (ره) في المبسوط في الصوم المتعين بزمان لا يمكن أن يقع فيه غيره والشرع على ما هو عليه وهو صوم شهر رمضان وما هذه
حالة لا يحتاج في انعقاده إلى نية التعيين ويكفي فيه نية القربة ومعنى نية القربة أن ينوى أنه صائم متقربا إلى الله تعالى ونية التعيين أن ينوى أنه صائم شهر رمضان
فإن جمع بينهما كان أفضل وإن اقتصر على نية القربة إجزائه ولا يطابق هذا كما ترى لما نقله المصنف (ره) ويحتمل أن يكون إلى ما نقله محمد بن إدريس قال في
السراير قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه ومعنى نية القربة أن ينوى أنه صائم شهر رمضان ثم أورد عليه أنه يؤدى إلى أن لا فرق بين نية التعيين ونية القربة وأشار
العلامة (ره) في المختلف في جواب إيراده إلى غلطه في النقل وعلى أي تقدير فلا ريب في أن ضم التعيين أفضل ونعم ما قاله في المسالك ولا ريب أن إضافة الوجوب
إلى القربة أحوط وضم التعيين إليها أفضل والتعرض للأداء مع ذلك أكمل ثم أن هذا الكلام من الشيخ يؤذن بجواز الاقتصار على ما ذكره في نية التعيين من
دون ضم القربة وصرح بذلك في بيان حكم التعيين بالنذر وحيث قال فهذا يحتاج إلى نية التعيين ونية القربة معا ومتى أتى بنية القربة لم يجزه عن نية التعيين
وإن أتى بنية التعيين أجزئه عن نية القربة لان التعيين لا ينفك من القربة ويرد عليه ما أورده في المعتبر بقوله وفيه ضعف لأنهما أمران متغايران يجوز
قصد أحدهما مع الغفول عن الاخر وقال في المختلف لتوجيه كلامه الأول ليس المراد الاقتصار على ما ذكره في التعيين خاصة بل لا بد من التقرب كما في نية
القربة ولا يطابق هذا التوحيد لما قاله ثانيا كما نقلنا (وكذا الأفضل أن ينوى الأداء) لا ريب في أنه أفضل وأما الوجوب فلا دليل عليه إلا في عبادة لا يحصل
التمييز لها إلا بالتعرض له ولا تجب تجديدها بعد الاكل والنوم لحصول الشرط وهو تبييت النية وعدم صلاحية ما ذكر للمانعية (أو الجنابة على الأقوى
سواء عرضت ليلا أو نهار بالاحتلام) قال في البيان بعد الجزم بعدم بطلان النية بالنوم والتناول ليلا بعدها وفي الجماع وما يوجب الغسل تردد من أنه مؤثر
في صيرورة المكلف غير قابل للصوم فيزيل حكم النية ومن حصول شرط الصحة وزوال المانع بالغسل وما قواه في هذا الكتاب أقوى لظهر ضعف الوجه الأول من
وجهي التردد وقوله بالاحتلام متعلق بالعروض نهارا للاحتراز عن العمد لفساد الصوم به وكان ذكره على سبيل المثال الغير العمد ويتعدد النية بتعدد الأيام
في غير شهر رمضان إجماعا وإن كان شهر معينا أو أياما متتابعة معينة بالنذر وشبهه كما قال في المنتهى لو نذر شهر معينا أو أياما معينة متتابعة لم يكتف
فيها بالنية الوحدة أما عندنا فلعدم النص وأما عندهم فللفرق بين صوم لا يقع فيه غيره وبين صوم يجوز أن يقع فيه سواه ومراده (ره) بعدم النص عدمه و
عدم ما يجرى مجراه مما يعمل به كالاجماع والغرض إخراج القياس أو المراد عدم نص الأصحاب فيه بجواز الاكتفاء وعدم اتفاقهم على ذلك فلا يرد ما أورده
في المدارك أنه مشترك بين صوم شهر رمضان وغيره لان عمدة اعتماد من لا يكتفي بالنية الواحدة في شهر رمضان على الاجماع الذي ادعاه السيد والشيخ كما سيأتي وقوله يجوز أن يقع فيه سواه أي بأصل الشرع وإن امتنع بالعارض
وحاصل هذا الكلام إن الأصل تعدد النية في صيام أيام متعددة لان صوم كل يوم عبادة وكل عبادة يفتقر إلى نية خرج عن ذلك شهر رمضان أما عندنا
352

فلدليل ليس في غيره وهو ما ادعياه من الاجماع وأما عندهم فالقياس لا يجرى في غيره وهو ما ذكره سابقا من أنه نوى في زمان يصلح جنسه لنية الصوم لا
يتخلل بينه وبين فعله زمان لا يصلح جنسه لصوم سواه فجاز ذلك كما لو نوى اليوم الأول من ليلته فيبقى الباقي على أصالته (وفيه قولان أجودهما التعدد)
قال في البيان وفي شهر رمضان خلاف فذهب الأكثر إلى الاكتفاء بنية واحدة من أوله ونقل فيه المرتضى والشيخ الاجماع والأقرب وجوب تعددها
وقال في اللمعة المشهور بين القدماء الاكتفاء بنية واحدة للشهر وادعى المرتضى فيه الاجماع وقال الشهيد الثاني (ره) في شرحه ووافقهم من المتأخرين
المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف استنادا إلى أنه عبادة واحدة وكذلك قال في المسالك أيضا وما نسبه إلى المحقق في المعتبر فباعتبار أنه قال فيه بأولوية
تجديد النية لكل يوم في ليلة وهذا يدل على اختياره الاجتزاء بالواحدة وأما ما نسبه إلى العلامة في المختلف فغير صحيح لأنه (ره) قال فيذهب الشيخان والمرتضى
وسلار وأبو الصلاح إلى أن شهر رمضان تكفى فيه نية واحدة من أوليه والأقرب المنع ثم جرى على ذلك إلى آخر نقل الأدلة والأبحاث وكأنه طاب ثراه
اعتمد على حفظه في هذا النقل ولم يتيسر له الرجوع إلى الكتاب ثم أن المفهوم من عباداتهم وأدلتهم انحصار قولهم في الاثنين الأول جواز الاكتفاء بالنية
الواحدة في الشهر مطلقا والثاني عدم جواز الاكتفاء بها فيه مطلقا فما وقع في بعض القيود من الاجتزاء بالنية الواحدة لناسي النية الخاصة لليوم دون
الذاكر أحداث قول ثالث كما صرح به في المسالك ومستند القول الأول أولا قياسات مأخوذة من العامة لا يعمل بها عندنا منها ما ذكرناه ومنها
أن صوم الشهر عبادة واحدة حرمته حرمة واحدة يخرج منه بمعنى واحد هو الفطر فصار كصلاة واحدة ومنها أن حرمته حرمة واحدة فتؤثر فيه النية الواحدة
كما أثرت في اليوم الواحد لما وقعت في ابتدائه وضعف هذه القياسات وإمكان بيان الفرق ظاهر جدا وثانيا وهو العمدة الاجماع الذي ادعاه المرتضى
والشيخ وقال السيد في مسايل الرسية على ما نقله في المختلف يعنى النية الواحدة في ابتداء شهر رمضان عن تجديدها في كل ليلة وهو المذهب الصحيح
الذي عليه إجماع الإمامية ولا خلاف بينهم ولا رووا خلافه وأجاب عنه في المختلف بمنع الاجماع وقال في المنتهى ولم يثبت عندنا ذلك وقال في المعتبر لا
نعلم ما ادعياه من الاجماع وكان حاصل المنع وعدم التسليم في أمثال تلك المواضع يرجع أما إلى ظهور الخلاف بحيث لا يفيد نقل الواحد والاثنين الظن
بالاجماع فلا بد حينئذ من تأويل في كلام الناقل خصوصا إذا علم من دأبه التسامح في ذلك كثيرا وأما إلى أن التتبع يفيد أن بناء نقل هذا الاجماع على عدم
التصريح بالخلاف باعتبار عدم تعرضهم للحكم وذلك لا يفيد الظن بالوفاق لان من عدم التعرض للرد بسبب عدم التعرض للحكم لا يحصل الظن بالتسليم
وإنما يتيسر ذلك لمثل العلامة والمحقق من المتتبعين لأقوال القدماء العارفين بتفاصيل فتاويهم واختلافاتهم العالمين بدأب الناقلين وطريقتهم
واستنادهم في النقل وثالثا إشعار قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه بأنه عبادة واحدة فيكفي فيه نية واحدة وضعف إشعار قوله عز وجل بذلك
واضح ومستند القول الثاني ما عرفت من أن صوم كل يوم عبادة منفردة لا يفسد بفساد ما قبله ولا بما بعده فيفتقر إلى نية متصلة به حقيقة أو حكما
كغيره من العبادات ويؤيده ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل وقال خالي طاب ثراه واستدل على هذا القول بأن مقتضى
الدليل وجوب المقارنة خرجنا عنه في القدر المتقين للنص والاجماع وبقى غيره على مقتضى الأصل قال وفيه تأمل لان إثبات وجوب المقارنة بحسب الدليل
لا يخلو عن اشكال نعم لقائل أن يقول تحصيل العلم بالبراءة ومن التكليف الثابت يقتضى وجوب تجديد النية بناء على ما ذكرنا سابقا من عدم ثبوت كون
النية شرطا خارجا وعدم ثبوت كون الصوم حقيقة شرعية في نفس الامساك من غير اعتبار استجماعه للشرايط المؤثرة في الصحة انتهى أقول ارتباط ما ذكره
من الدليل بالمطلوب غير واضح لان بناء قول الخصم على أن صوم الشهر عبادة واحدة كما مر التصريح بذلك في كلامهم مراد أو لا ريب أن المقارنة أو ما في حكمها
إنما يعتبر للجزء الأول من العبادة فيكفي بناء عارية وقوع النية في الليل الأول من الشهر فإنما يثبت المطلوب أعني وجوب تعدد النية بإثبات أن صوم
كل يوم عبادة منفردة كما ذكرنا في الدليل وليس ذلك في كلامه (ره) أصلا لا في الدليل ولا في مقام الرد بل بناء كلامه على البحث عن وجوب المقارنة
وعدمه وقوله إثبات وجوب المقارنة بحسب الدليل لا يخلو عن إشكال لا يخلو عن نظر لان إثبات وجوب المقارنة بحسب الدليل على وجه يدعونه وإن كان لا يخلو
عن إشكال لكن لا ريب في النية السابقة بالأيام والليالي مع الذهول وقت الأداء بالكلية عنها في حكم العدم ولا فايدة لها أصلا في جعل
هذا الفعل عبادة بل يحكم العقل بأن صدور هذا الفعل على سبيل الاتفاق أو لغرض آخر كان منظورا للفاعل وقت الفعل وباعثا على فاعليته
ولا يعد ذلك امتثالا لأمر الامر وانقياد الحكمة كما لو يكن سبق تلك النية أيضا يشهد بذلك المتأمل مع سلامة الوجدان نعم يمكن القول
بكفاية الالتفات الاجمالي إليها فلو كان غرض القايل بوجوب التجديد الالتفات التفصيلي لكان لهذا البحث وجه سديد وما ذكره من أن
تحصيل العلم بالبراءة من التكليف الثابت يقتضى وجوب تجديد النية فمحل تأمل أما أولا ذكرناه سابقا من العلم بالبراءة إنما يعتبر مما علم التكليف به
353

لا مما يحتمله العقل والمكلف به المعلوم فيما نحن فيه ليس أزيد من الامساك المخصوص فليس عليه إثبات عدم شئ آخر بل على مدعى الزيادة الاثبات
وأما ثانيا فلعدم فائدة هذا التحقيق فيما نحن فيه إذ لا كلام في اعتبار النية في الصوم المكلف به سواء كانت بعنوان الجزئية أو الشرطية إنما الكلام في أن صوم الشهر هل هو عبارة واحدة بتكليف واحد فيعتبر فيه نية واحدة أو عبادات متعددة وتعلق بكل يوم تكليف مستقل فيفتقر إلى نيات عديدة
فإنما المفيد البحث عن الوحدة والتعدد لا عن جزئية النية للصيام وعن الحقيقة الشرعية للصوم لا يقال لا ريب في أن الصوم الشرعي مطلوب منا في كل
يوم وإذا كانت النية جزء أو شرطا له فلا بد منها في كل يوم لأنا نقول إذا كان صوم الشهر عبادة واحدة كما يقول به المكتفى بالنية الواحدة فالنية الواحدة
المتعلقة به الواقعة في أوله تؤثر فيه كله ويمكن أخذها واعتبارها في كل يوم منه كما صرح به السيد (ره) في كلامه الذي نقله هذا الفاضل حيث قال
فكذا القول في النية الواحدة إذا فرضنا أنها لجميع شهر رمضان فإنها مؤثرة شرعا في صيام جميع أيامه ولو قيل نعلم أن الصوم الشرعي مطلوب منا
بالاستقلال في كل يوم من غير ارتباطه بما قبله فيرجع ذلك إلى دعوى العلم بأن صوم كل يوم عبادة منفردة ولظاهر حينئذ إنها يحتاج إلى نية جديدة ولا
افتقار إلى تجشم ما ذكره من الزيادات فإن قلت هل يمكن أن يقال لما أشكل علينا إثبات الوحدة واحتمل التعدد فلا بد في العلم بالبراءة من التكليف الثابت
من تعدد النية قلت لا يمكن القول بذلك إذ يلزم على هذا بناء على احتمال الوحدة من النية الواحدة أيضا ولا قايل بوجوب الجمع بينهما نعم قد ذكر الشهيد
الثاني (ره) إن الاحتياط في ذلك كما سيأتي قد اعترف هذا الفاضل أيضا بما ذكرنا في آخر البحث حيث قال نعم لا يبعد القول بأن كل واحدة عبادة مستقلة و
المجموع أيضا عبادة مستقلة أخرى فلو قيل بذلك لم يبعد أن يقال المجموع أيضا يحتاج إلى نية على حدة كما إن الاجزاء يحتاج إليها لكن لا أعرف أحدا صرح
بهذا انتهى وبالجملة لا ينفع هذا القول القائلين بوجوب التعدد كما لا يخفى ثم إن القول بأولوية التعدد كما اختاره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى
والمصنف في اللمعة مما لا ريب فيه إذ الظاهر أن القائلين بكفاية نية واحدة للشهر لا يقولون بتعينها بل يجوزون إيقاعها لكل ليلة كما تشعر به عباراتهم
ويظهر من المنتهى اتفاقهم على أولوية ذلك حيث قال فيه إن قلنا بالاكتفاء بالنية الواحدة فإن الأولى تجديدها بلا خلاف وحمل ذلك على الجمع بين نية
المجموع والنية لكل يوم بعيد جدا وعلى هذا فالاحتياط في التعدد فيكون أولى فما ذكره الشهيد الثاني (ره) في مقام الرد على القول بأولوية التعدد
غير جيد قال في الروضة بعد شرح قول المصنف والأولى أي إيقاعها لكل ليلة أولى وفي أولوية تعددها عند المجتزي بالواحدة نظر لان جعله عبادة
واحدة يقتضي عدم جواز تفريق النية على أجزائها خصوصا عند المصنف فإنه قطع بعدم جواز تفريقها على أعضاء الوضوء وإن نوى الاستباحة المطلقة
فضلا عن نيابتها لذلك العضو نعم من فرق بين العبادات وجعل بعضها مما يقبل الاتحاد والتعدد كمجوز تفريقها في الوضوء يأتي عنده الجواز من
غير أولوية لأنها يناسب الاحتياط وهو منفي وإنما الاحتياط هنا الجمع بين نية المجموع والنية لكل يوم انتهى ووجه عدم الجودة إن الاحتياط في
التعدد لاتفاقهم على جوازه كما عرفت فيكون أولى كما اعترف به وقطع المصنف بعدم جواز تفريق النية على أعضاء الوضوء لا يقتضي عدم تجويزه
التفريق في مطلق العبادة كما يظهر من الرجوع إلى الذكرى فكيف في خصوص هذه العبادة التي إمكان اعتبار جهة الوحدة والتعدد فيها في غاية
الظهور ثم قال في البيان وعلى القول بالاكتفاء بالنية الواحدة للجميع هل يكفي لما بقي منه أو لأيام معدودة محصورة منه يحتمل ذلك لان ذلك أحق
من الجميع والوجه المنع لأنا نجعل رمضان عبادة واحدة أو ثلثين عبادة فلا يجوز أن يجعل قسما آخر انتهى أقول ما ذكره من الاحتمال كلام العلامة
في المنتهى وما استوجهه من المنع لا يخلو من شئ إذ على تقدير كونه عبادة واحدة كما هو المفروض فلا ريب في أنه ليس على حد الصلاة ونحوها مما
يفوت بعضها بفوات البعض بل يجب الاتيان بالباقي ويجب له النية فيكون نيته نية واحدة كنية الكل ونعم ما قاله (ره) في المنتهى لكن هذه كلها
قياسات لا يعتمد عليها (ولو تقدمت عليه في شعبان لم تجز على الأقوى) رد لما ذكره الشيخ (ره) في الخلاف بقوله أجاز أصحابنا في نية القربة في
شهر رمضان خاصة أن تتقدم على الشهر بيوم أو أيام وفي المبسوط والنهاية والجمل قال بجواز اجتزاء الناسي ومثله كمن أغمي عليه أو نام بالنية المتقدمة على
الشهر وقال المصنف (ره) في البيان ولو ذكر عند دخول الشهر لم يجز العزم السابق قولا واحدا قال العلامة (ره) في المنتهى ويمكن أن يحتج للشيخ بأن المقارنة
غير شرط ولهذا جاز تقديمها من أول الليل وإن تعقبها الأكل والشرب والجماع وإذا جاز ذلك جاز أن تتقدم بيوم أو يومين أو ثلثه لتقارب الزمان
هنا كما هو ثم ولو تم هذا الدليل على جواز الاكتفاء بالنية المتقدمة في غير الشهر وللعامد أيضا مع ظهور ضعفه كما أفاده (ره) للفرق لقوله (صلى
الله عليه وآله) لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل ولأن الأصل عندهم المقارنة كما عرفت وخروج التقديم بالليل للنص والاجماع والعسر فبقي الزايد
على المنع وكلامه في الخلاف يؤذن بالوفاق ولكنه في محل المنع بنحو ما عرفت في المسألة السابقة ويشترط الجزم مع علم اليوم وفي يوم الشك المترددة
354

قول قوي أما اشتراط الجزم مع علم اليوم فلان النية للفصل بين وجوه الفعل ولا يحصل ذلك إلا بالجزم بالسبب والوجه والقربة وكفاية الاطلاق
وانصرافه إلى الواقع في بعض الأفعال وعدم اعتبار الوجه في الأكثر لا ينافي لزوم مع التعرض وإخلال التردد مع التذكر نعم يشكل إمكان تحقق
التردد في النية مع علمه بتعين السبب أو الوجه في الواقع شرعا مثلا من يعلم تعين صوم غد لشهر رمضان بعنوان الوجوب شرعا كيف يمكنه التردد في نية
صومه بين صوم شهر رمضان والنذر أو بين الوجوب والندب لان النية ليست مجرد التصور والاخطار بالبال بل هي عبارة عن الاعتقاد والقصد ومع جزمه
بامتناع تحقق أحد الطرفين لا يجوز وقوعه حيت يمكن أن يتحقق له التردد في القصد والنية وذلك كلام آخر ولكن من قال تبادي رمضان بنية غيره فرضا
أو نقلا مع علمه ينبغي أن يقول بالصحة مع التردد وإن أمكن الفرق حينئذ أيضا ولكن المصنف لا يقول به كما سيأتي وأما صوم يوم الشك والمراد به هنا يوم الثلثين
من شعبان مطلقا فأما أن ينوي به الوجوب من شهر رمضان أو من غيره أو الندب من شعبان وسيأتي حكمها وأما أن يردد في نيته بأنه إن كان من شهر رمضان
فهو صائم فرضا وإن كان من شعبان فهو صائم نقلا وللشيخ فيه قولان أحدهما الاجزاء ذكره في المبسوط والخلاف وهو مذهب الحسن نسبه إليه في المختلف
ولكن الكلام الذي نقله عنه ليس بصريح فيه واختاره أيضا ابن حمزة والعلامة في المختلف والمصنف في الكتاب وفي البيان والثاني لعدم ذكره في باقي كتبه
واختاره ابن إدريس والمحقق والتحقيق إن الناوي إن كان عارفا بالأحكام الشرعية وأراد بأنه إن كان من شهر رمضان فهو صيام فرضا أنه إن ظهر من شهر
رمضان وثبت ذلك فيظهر له وجوب صومه ويحتسب من الشهر وأما قبل الثبوت فهو بعنوان الندب وكذا إن لم يثبت فهذا اعتقاد لا يمكنه سلبه عن نفسه
وتكليفه بقصد غير ذلك كتكليف بما لا يطاق وإن أراد أنه إن كان من شهر رمضان في الواقع وإن لم يظهر ويثبت فهو واجب فذلك مما لا يمكنه اعتقاده و
قصده وإن لم يكن من أهل المعرفة والفقه وجهله بالحكم الشرعي صار سببا لحيرته وتردده ولما علم إن صوم شهر رمضان وأحب وصوم شعبان ندب فيزعم ويقصد
إنه إن كان من شهر رمضان في الواقع فهو صيام فرضا وإن كان آخر شعبان فهو صيام نفلا فالظاهر أن إتيانه بالصوم مع قصد القرب تكفيه ولا يوجب هذا الجمل
بالوجه فساد صومه إذ لا دليل على اعتباره في أمثال تلك المواضع والاحتياط في القضاء إن ظهر إنه من رمضان بعد الزوال أو قبله ولم يجدد النية ولكن
يلزمه فيه أيضا التردد في النية النية ولو لم يفرع الوجوب والندب في الترديد على التقديرين بل نوى ليلة الشك أن يصوم غدا بنية إنه واجب أو ندب فحكمه
حكم السابق بل أولى بالفساد وقرب المصنف (ره) في البيان فيه البطلان (ويجب استمرارها حكما فلو نوى الافطار في الأثناء أو ارتد ثم عاد فالمشهور الاجزاء
وإن أثم) المراد باستمرار حكمها في المشهور عدم إحداث إرادة مخالفة للإرادة الأولى ولو في بعض مميزات المنوي وظاهر كلامهم الاتفاق على وجوب استمرار
حكمها فيأثم بتركه وإنما الخلاف في اشتراط الصوم به وبطلانه بتركه ووجه وجوبه على القول بعدم اشتراط الصوم به تحريم العزم على الحرام ولكن الظاهر من
كلامهم إنهم يدعون أزيد من ذلك ولعل وجهه إنه لو أحدث إرادة مخالفة للإرادة الأولى يلزم رفعها بالكلية لتضادها إياها فلا يكون الصوم
في هذا الزمان الخاص ناشيا عن غرض امتثال الامر الخاص وواقعا على الوجه المطلوب شرعا ولا ريب في أنه مأمور بذلك في تمام اليوم فيلزم مخالفه الامر
والاثم وليس غروب النية والذهول عنها بالنوم وغيره بهذه المثابة فإنه ما لم يحدث إرادة مخالفة للإرادة الأولى فهو بحيث لو التفت وتذكر يعلم
إن فعله لقصد الامتثال ويقال في العرف إن هذا الفعل يصدر عنه بالإرادة الناشئة عن غرض الامتثال وقصد القربة وفي اشتراط الصوم بذلك
خلاف فالمشهور كما ذكره المصنف عدمه فلو نوى الافطار في الأثناء أو ارتد ثم عاد إلى النية الأولى صح صومه عندهم وأجزء مع فوات حكم العزم على
الامساك الذي هو أحد أجزاء النية في الأول ظاهرا إن لم يكن مسلما عند السيد (ره) كما سيأتي ادعاؤه عدم فوات حكم النية بذلك وفوات حكم القربة
التي هي الجزء الاخر في الثاني وقس عليهما غيرهما من منافيات النية كعزم الخروج عن الصوم وذهب إلى هذا القول الشيخ في المبسوط والخلاف قال في المبسوط
إذا جدد نية الافطار في خلال النهار وإن كان قد عقد الصوم في أوله فإنه لا يصير مفطرا حتى تناول ما يفطر وكذلك إن كره الامتناع عن الأشياء المخصوصة
لأنه لا دليل على ذلك وقال في الخلاف إذا نوى في أثناء النهار إنه قد ترك الصوم أو عزم على أن يفعل ما يناف الصوم لم يبطل صومه وكذلك للصلاة
إن نوى أن يخرج منها أو شك هل يخرج أم لا لا تبطل صلاته وإنما يبطل الصوم والصلاة بفعل ما ينافيهما ثم ذكر بعض مذاهب العامة ثم قال دليلنا
إن نواقض الصوم والصلاة قد نص لنا عليها ولم يذكروا في جملتها هذه النية فمن جعلهما من جملة ذلك كان عليه الدلالة وكان هذا القول منه (ره) على
سبيل الاحتمال في مقام البحث وإلا فالأقوى عنده البطلان كما قال في كتاب الصلاة من الخلاف إذا دخل في
صلاته ثم نوى إنه خارج منها أو نوى
إنه سيخرج منها قبل إتمامها أو شك هل يخرج منها أو يتمها فإن صلاته لا تبطل ثم نقل الخلاف عن الشافعي ثم قال دليلنا إن صلاته قد
انعقدت صحيحة بلا خلاف وإبطالها يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه وأيضا فقد روى نواقض الصلاة وقواطعها ولم ينقل في جملة
355

ذلك شئ مما حكيناه ويقوى في نفسي إنها تبطل لان من شرط الصلاة استدامة حكم النية وهذا ما استدامها وأيضا قوله (عليه السلام) إنما الأعمال
بالنيات وقول الرضا (عليه السلام) لا عمل إلا بالنية يدل عليه وهذا عمل بغير نية ولأنه يبعد أن يكون الصلاة صحيحة إذا نوى الدخول فيها ثم نوى فيما
بعد في حال القيام والركوع والسجود إلى آخر التسليم إنه يفعل هذه الأفعال لا للصلاة فيكون صلاته صحيحة فهذا المذهب أولى وأقوى وأحوط
انتهى ورجع أيضا إلى هذا القول أي صحة الصوم وإجزائه مع تجدد العزم على الاتيان بالمفطر في أثناء النهار السيد الاجل المرتضى بعد ما كان فتواه
أولا البطلان وعدم الاجزاء وادعى أخيرا إن الاجزاء هو الصحيح الذي يقتضيه الأصل هو مذهب جميع الفقهاء واختار هذا القول أيضا المحقق والعلامة (ره)
في المنتهى ومقابل المشهور قولان أحدهما الاجزاء ووجوب القضاء والكفارة معا ذهب إليه أبو الصلاح كما نقله في المختلف والثاني عدمه ووجوب
القضاء خاصة اختاره العلامة في المختلف ونقل فيه كلام السيد بطوله وأطال الكلام في الرد عليه والمصنف أيضا في الكتاب وفي البيان استوجهه
أما دليل الشيخ فما نقلناه عن الخلاف مع ما ذكره في الرد عليه وخلاصة ما يستفاد من كلم السيد إن الأكل والشرب ينافيان الصوم دون عزم الأكل والشرب
والعزم المذكور وإن كان ينافي نية الصوم ولكن لا ينافي حكمها وحكم النية غير النية نفسها لان النية إذا وقعت في ابتداء الصوم استمر
حكمها في باقي اليوم وإن لم يكن مقارنة لجميع أجزائه بل إذا وقعت في أول الشهر يؤثر في جميع أيامه ألا ترى إن منافاة كل من الغروب والنوم والاغماء
للنية إن وقع في وقتها وقارنها أشد من منافاة العزم على الافطار لها مع أنه لم يجب أن ينقطع استمرار حكم النية لتجدد شئ منها فكذلك لا يلزم
أن ينقطع لتجدد العزم على الافطار بالطريق الأولى والنية إنما يعتبر في الابتداء وقد حصلت ولا اعتبار بها في سائر أجزاء اليوم وإلا لوجب تجديدها
في كل آن ولا يقول به أحد وإنما الاعتبار بحكمها وهذا العزم لا ينافيه ولعلك يمكنك أن تعلم ما فيه مما ذكرناه في بيان وجوب حكم النية إذ قد عرفت
إنه لو أحدث عن (نا) مخالفا للعزم الأولى يسند العقل والعرف صدور الفعل إلى الإرادة الناشية عنه دون الناشية عن العزم الأول فيلزم بطلان حكمه
ولا تعنى ببطلان حكمه إلا ذلك كما علمت وهذا بخلاف تجدد الغروب وأمثاله لان إسناد صدور الفعل معها عرفا وعادة إلى الإرادة الناشية عن العزم
الأول أليس إذا سافر زيد إلى بلدة بعيدة عن بلده وشرع في السفر بقصد الوصول إلى تلك البلدة ثم ذهل وقت النزول والارتحال في جميع منازل
الطريق عن هذا القصد وذلك الوصول وسئل سايل فقال ما الباعث لزيد على هذه الحركة وهذا السفر فيقولون الإرادة الناشية عن قصد الوصول إلى
هذه البلدة بخلاف ما لو انفسخ عزمه في أثناء الطريق ولكن عرض له خوف عن جاير لو لم يتحرك أو سمع بجاير في سمت حركته فتحرك حتى وصل إلى تلك
البلدة فإنه لو سئل حينئذ عن باعث حركته لقيل الإرادة الناشية عن قصد التخلص عن أذى هذا الجاير أو إنقاذ ذلك الجاير ويمكن أن يقال على هذا إن من تجدد
له الارتداد وقصد الرياء أو الخروج عن الصوم مثلا في أثناء النهار فلا ريب في أنه يخرج في هذا الزمان لأجل ذلك عن حكم النية الأولى البتة وأما من تجدد
له العزم على تناول المفطر ولكن لم يتناول شيئا فالحكم بخروجه حينئذ عن حكم النية الأولى لا يخلو عن إشكال إذ لا حجر في اسناد تركه حينئذ أيضا إلى التوطين
الأول لا عقلا ولا عرفا نعم لو كان له مع تجدد هذا العزم باعث على الترك كحضور شخص يحتشمه ونحو ذلك بحيث لو لم يكن ذلك لتناول البتة لكان
كفه حينئذ مستندا عقلا وعرفا إلى هذا الباعث ويرجع إلى أحد الفروض السابقة ولو عرض له العزم على تناوله بعد حين فعدم خروجه بذلك عن حكم
النية أظهر ولقد اعترف العلامة بمثل ما قلناه في كتاب الصلاة من المختلف وهذه عبارته فنقول إن نوى قطع الصلاة أو إنه خارج منها أو نوى بفعل
يفعله غير الصلاة من أفعال الصلاة بطلت صلاته لأنه قطع حكم النية قبل اتمام فعله فأبطل الفعل وأما إذا نوى إنه سيخرج من الصلاة أو سيفعل
ما ينافيها من حدث أو كلام فإن صلاته لا تبطل بمجرد النية فإن المنافي للصلاة إنما هو الكلام لا العزم عليه وما استدل به الشيخ ومذكور في
كلام السيد أيضا من أنهم عليهم السلام ذكروا لنا شرايط الصوم وآدابه وفرايضه وسننه ونواقضه وقواطعه ولم يتعرضوا لشئ مما حكيناه أصلا فإنما
يجري في عزم تناول المفطر دون ساير ما ذكره معه لكثرة ورود الحكم بحبط العمل وبطلانه بالشرك والرياء وعدم الخلوص لله تعالى في الآيات الكريمة والروايات
الشريفة وإذا عرفت هذا فاعلم إنه يمكن حمل كلام السيد (طاب ثراه) على ما ذكرنا لولا ما تجدد في طي كلامه من عبارات مختلفة توجب توقف الناظر في إسناد
صدور كلامه إلى هذا القصد وعليك الرجوع إلى المختلف لتعرف ما قلناه وقال العلامة في الرد عليه (طاب ثراه) ما حاصله إن ما ذكره من عدم
المنافاة بين عزمه على الأكل والشرب وبين الصوم ممنوع لان الصوم عبارة عن توطين النفس على الكف عن المفطرات أو إحداث كراهة لها والعزم المذكور
لا يجامع شيئا منهما وفيه إن مع عدم المنافاة غير مناسب لان الصوم إذا انعقد صحيحا فالأصل بقاء صحته إلى أن يثبت عروض المنافي وبعد الحمل
على المنع اللغوي نقول قد عرفت إنه لا بد من إرجاع التوطين المذكور إن اعتبرناه طول النهار إلى حكم النية وأثرها ونحو ذلك لئلا يلزم فساده
356

بالنوم والغروب وأمثالهما والسيد (ره) يقول ببقاء حكم النية وأثرها مع العزم المذكور والقدح فيه يرجع إلى البحث الثاني ثم قال قوله هذا العزم
وإن نافي النية لكنه لا ينافي حكمها ليس بجيد لان النية إنما يبقى حكمها لو لم توجد نية أخرى تخالفها وهنا قد وجد ما ينافي النية الحقيقة فمنافاته
لتوهم النية أعني استمرارها أولى ولو لم تكن المنافاة ثابتة لكن إذا أصبح في اليوم الثاني بنية الافطار وعزم الاكل ورفض الصوم لزم أن يكون صومه
صحيحا منعقدا للنية السابقة من أول الشهر فإنها عنده مؤثرة في جميع الشهر على ما اختاره وليس كذلك قطعا ثم قياسه صورة النزاع على غروب النية
ليس بجيد لأنا سوغنا له هناك اعتبار النية للاستصحاب فإن الأصل بقاء ما كان على ما كان إلى أن يظهر المنافي ولا منافاة بين غروب النية في
ثاني الحال وبين النية في ابتداء الزمان لتغاير الزمان ومن شرط المنافاة اتحاد الأزمنة بخلاف حكم النية وهو الاستمرار عليها في ثاني الحال وعزم
الاكل في ثاني الحال لاتحاد الزمان هنا فكانت المنافاة هنا أصله بخلاف المقيس عليه لانتفاء شرط المنافاة هناك وثبوته هنا قال وأنت
خبير بما فيه لان ما ينافي النية الحقيقة لو فرض وقوعه في زمانها إن كان لكان منافيا البتة لتوهمها أعني استمرارها وحملها لو وقع في ثاني الحال كما
اعترف به فيلزم منافاة الغروب وأمثاله لاستمرار النية وحكمها لظهور منافاتها للنية الحقيقة لو فرضنا وقوعها في وقت النية ومقارنتها
إياها كما أشار إليه السيد (ره) بقوله إن وقع في وقتها وقارنها وإلا فلا يتم بيان منافاة تجدد النية المخالفة لحكم النية الأولى بما ذكره وفرض
الغروب في ثاني الحال وادعاء عدم منافاته للنية باعتبار اختلاف الزمان وفرض النية المخالفة في زمان النية الأولى حتى يظهر منافاتها لها
ويلزم منافاتها لاستمرارها إن وقع في ثاني الحال على ما يظهر من كلامه (ره) في مقام بيان الفرق فخلط وتحكم لا وجه له أصلا ولو قيل لا نسلم
إن كان ما ينافي النية ينافي حكمها نعم النية المنافية لها بخصوصها تنافي حكمها فلا بد من بيان ذلك كما فعلنا ولا حاجة إلى تلك الكلمات الغير
المتلايمة أصلا وقوله (ره) ولم تكن المنافاة ثابتة اه فيمكن دفعه أيضا إن كان بناء كلام السيد (ره) على التوجيه الذي ذكرنا لان من أصبح في اليوم
الثاني بنية الافطار وعزم الاكل ورفض الصوم لا ريب في أنه عازم على الخروج عن الصوم ومنافاة هذا العزم للنية السابقة وحكمها مما يقول
به السيد (ره) أيضا بناء على هذا التوجيه وأفاد خالي (طاب ثراه) وقبله الفاضل المحقق الأردبيلي إنه يمكن أن يستدل على المذهب المشهور بما تقدم
من قوله (عليهم السلام) في صحيحة محمد بن مسلم لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلث خصال الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء أقول إدخال
العزم في الصنع وإدخال العازم عليها في المجتنب عنها لا يخلو عن إشكال كما لا يخفى ثم اعلم إن الظاهر من كلام القائلين بالقول المشهور وإنهم يعتبرون
العود إلى النية الأولى في الصحة فلو أخل باستمرار حكم الأولى وبقى على ذلك مستمرا يلزم فساد صومه والفرق بحسب الدليل لا يخلو عن إشكال واعتبار
قلة الزمان في الصحة لا وجه له مع أن عدم العود لا يستلزم الكثرة مطلقا نعم على قول من يقول بجواز تأخير النية عمدا إلى الزوال يظهر الفرق لو عاد
إلى النية الأولى قبل الزوال وأما دليل مذهب العلامة والمصنف (ره) فحاصله يرجع إلى أن الصوم قد فسد في جزء من النهار لانتفاء شرطه وهو النية
حقيقة أو حكما والصوم لا يبعض فيلزم فساده ونجيب القضاء وقد عرفت الكلام في الاشتراط وانتفاء الشرط مفصلا وأما سقوط الكفارة
فللأصل السالم عن المعارض وأما دليل مذهب أبي الصلاح فما ذكرنا في بيان وجوب القضاء مع ادعاء إن فوات الشرط أو الركن أعظم من فوات
متعلق الامساك واعلم إن الحكم بوجوب الكفارة مما لا وجه له وأما وجوب القضاء فمحل إشكال عظيم والاحتياط واضح خصوصا مع نوع قوة في
دليل وجوبه كما عرفت (وكذا لو كره الامتناع عن المفطرات يأثم ولا يبطل) حاصل كراهة الامتناع عن المفطرات يرجع إلى قصد الخروج عن الصوم وقد
ظهر حكمه في المسألة السابقة (أما الشهرة لها مع بقاء إرادة الامتناع والاستمرار عليها) حكما فلا إثم بل تحمل مشقة الصبر عليها موجب لمزيد
الثواب (ولو تردد في الافطار أو في كراهة الامتناع فوجهان مرتبان على الجزم وأولى بالصحة) لو قلنا بأن الجزم على تناول المفطر أو كراهة
الامتناع عن المفطرات يوجب فساد الصوم باعتبار زوال شرطه هو النية الحقيقة أو الحكمة فالتردد فيهما أيضا كذلك لان التردد ينافي الجزم
الذي هو حقيقة النية فينافي حكمها أيضا كما عرفت ولو قلنا بأن الجزم عليهما لا يوجب فساده الصوم لعدم تسليم الاشتراط أو المنافاة لبقاء حكم
النية كما أفاده السيد (ره) فحكم التردد أيضا ذلك مع أنه أولى بعدم المنافاة فيكون أولى بالصحة (والوجه الفساد في الجميع) أي نية الافطار والارتداد
وكراهة الامتناع عن المفطرات والتردد في الافطار أو في الكراهة في أثناء النهار وقد عرفت وجه ما استوجهه مفصل (ولو نوى إفطار غد ثم جدد
قبل الزوال فوجهان مرتبان وأولى بالابطال) وجه اعتبار التجديد قبل الزوال ما عرفت من أن وقت النية في الفرض إلى الزوال للمعذور فكيف
لغيره ووجه أولوية الابطال إنه يلزم خلوه في جزء من النهار عن الصوم وعن حكم الصيام لعدم انعقاد للصوم قبله والصوم لا يتبعض فيلزم
357

البطلان بخلاف ما لو تجدد له عزم الافطار في الأثناء إذ يمكن القول حينئذ ببقاء الصوم الذي انعقد صحيحا قبله كما عرفت وحكم العلامة في المنتهى
بالبطلان من غير نقل خلاف ولكن المحقق (ره) رجح الجواز وكان ذلك يبتنى على القول بجواز تأخير النية إلى الزوال اختيارا أو إنها تؤثر في الجزء السابق
مع العمد كما تؤثر مع النسيان وأما ابتناؤه على القول جواز الاكتفاء بنية واحدة للشهر كما ذكره في المسالك على سبيل الاحتمال فغير جيد لان الظاهر أن المجتزى بها لا يقول بالاجتزاء بها مع نية الافطار ورفض الصوم كما ظهر مما نقلناه من المختلف ولو قال به فلا وجه لاعتبار التجديد قبل الزوال
ولو نوى الندب فظهر الوجوب كما لو نوى صوم آخر شعبان ندبا ثم ظهر إنه من شهر رمضان (جدد نية الوجوب) ليصرفه عن الندب الذي نواه أولا ويميزه عنه
وإن لم تقل باشتراط التعرض للوجه مع التعين لان المطلق ينصرف إلى المتعين بخلاف ما لو عين غيره كما سيأتي أن الأقرب عدم تأدى رمضان بنية
غيره فرضا أو نقلا مع علمه (وإجزاء وإن كان بعد الزوال) لاجزاء صوم هذا اليوم لو ظهر الوجوب بعد مضيئه كذلك كما سيأتي فلو ظهر في الأثناء وجدد النية
فبالطريق الأولى (وكذا لو نوى الوجوب عن سبب) كقضاء رمضان مثلا (فظهر استحقاق صوم اليوم بغيره) كشهر رمضان أو النذر المعين (جدد التعيين) بعزم
السبب الذي ظهر ثانيا لما ذكرناه في تجديد نية الوجه (وهنا يجب التعيين في رمضان) وإن لم يشترط التعين فيه إن لم يعين غيره أولا كما سبق واحتمل
في البيان عدم وجوب التعيين هنا أيضا استحبابا لما كان في أصل صوم رمضان من عدم اشتراط التعيين
فروع (لو عدل من فرض إلى فرض لم يجز مع تعيين الزمان للأول) هذه المسألة يتفرع على مسألة وجوب استمرار حكم النية فلا يجوز العدول بالنية من فرض تعين الزمان له كصوم شهر
رمضان أو النذر المعين بهذا اليوم إلى فرض آخر كالنذر المطلق أو قضاء رمضان لان الزمان باعتبار تعينه للأول لا يقع فيه الثاني إجماعا كما سيأتي
والنية الثانية ينافي استمرار حكم الأولى فلا يجوز وهل يجزي الصوم حينئذ عن الفرض الأول أو يبطل ويجب عليه القضاء يتفرع على مسألة تجدد النية
الخروج على قول المصنف من عدم تأدى رمضان بنية غيره مع علمه وأما على القول بالتأدي فيجزى عنه البتة (ولو صلح الزمان لهما) كالقضاء والنذر المطلق
(فالأقرب المنع أيضا) الحكم بالمنع على رأى المصنف (ره) لا يخلو عن إشكال إن كان العدول قبل الزوال بل الظاهر انعقاد الثاني قد مر منه إن وقت النية في الصوم
الذي لم يتعين زمانه ممتد إلى الزوال وسيجئ إنه لا يجب إتمام اليوم المنذور مطلقا بالشرع وكذلك القضاء حيث يسند تحريم إفطاره قبل الزوال إلى ظاهر الحسن
والحلبي فلا مانع على هذا ظاهرا من العدول وانعقاد الثاني والقول بأن جواز تجديد النية قبل الزوال لمن لم ينو صوما آخر قبله إذ لو نوى يلزم
احتساب جزء من النهار له فلا يحتسب ثانيا من صوم آخر لا يخلو عن بعد نعم لو كان العدول بعد الزوال فلا ينعقد الثاني على رأيه (ره) لمضى وقت
وأما التحريم في المنذور مطلقا فلا على رأيه (ره) (ولو كان بعد الزوال في قضاء رمضان لم يجز قطعا) لا لحاقه حينئذ بالمعين باعتبار وجوب القضاء والكفارة
في إبطاله بعد الزوال (ولو عدل من فرض غير معين إلى النفل فوجهان مرتبان وأولى بالمنع) على تقدير جواز العدول من الفرض إلى الفرص جاز
العدول منه إلى النقل أيضا لجريان الوجه الذي ذكرنا للجواز فيه أيضا كما لا يخفى وإلا فلا لاشتراك ما يتخيل من الوجه في المنع بينهما بل النفل أولى
بعدم الجواز لكمال بعده عما نواه أولا فلا ينصرف إليه ما انعقد فيه الأول صحيحا بخلاف الفرض لاشتراكهما في الوجوب وإنما يتغير عزم السبب
خاصة وسيجئ ما يستفاد منه كلام على هذه الأولوية عن قريب ويجوز العدول من نفل إلى نفل لصوم الحاجة والاستسقاء ما دام محل النية
وهو الزوال على قول وتمام النهار على الأقرب عند المصنف كما سبق باقيا والفرق بينه وبين العدول من الفرض إلى الفرض كما فعله المصنف (ره) تكلف
على رأيه كما لا يخفى (ويتأدى رمضان بنية النفل على عدم علمه) فلو صام آخر شعبان ندبا ثم انكشف إنه من رمضان يقع عنه ولا يجب عليه قضاؤه
للاجماع كما ادعاه في المسالك ويظهر من كلامهم واستدل عليه في المنتهى بأنه صوم شرعي غير منهي عنه فكان مجزيا عن الواجب لان رمضان لا يقع فيه
غيره ونية الوجوب ساقطة للعذر كناسي النية إلى قبل الزوال أقول بل تعين السبب والوجه الغير المطابقين للعبادة المطلوبة لا يلتفت إليه وينصرفان
إلى ما هو الواقع منهما لعذر الجهل وهذا ظاهر أوجه قياسي على وتيرة العامة باعتبار أن أكثر أبحاثه في هذا الكتاب معهم والمعتمد ما عرفت من الوفاق
وما أشار إليه (ره) من الروايات الكثيرة الدالة على المطلوب كما روى في الصحيح عن سعيد الأعرج قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إني صمت اليوم الذي
يشك فيه وكان من شهر رمضان أفأقضيه قال لا هو يوم وفقت له وفي الحسن بإبراهيم بن هاشم عن معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك فقال هو شئ وفق له وفي الموثق سماعة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
رجل صام يوما ولا يدرى من رمضان هو أو من غيره فجاء قوم شهدوا أنه كان من رمضان فقال بعض الناس عندنا لا يعتد به فقال بل فقلت
إنهم قالوا أصمت وأنت لا تدرى أمن رمضان هذا أم من غيره فقال بل فاعتد به فإنما هو شئ وفقك الله له إنما يصام يوم الشك من شعبان
358

ولا يصومه من شهر رمضان لأنه قد نهى أن ينفرد الانسان بالصيام في يوم الشك وإنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان فإن كان من شهر رمضان أجزء عنه
بتفضل الله تعالى عز وجل وبما قد وسع على عباده ولولا ذلك لهلك الناس وكان المراد بقوله (عليه السلام) لأنه قد نهى أن ينفرد الانسان بالصيام
في يوم الشك أنه قد نهى أن ينفرد الانسان من بين سائر الناس بالجزم على الصيام الواجب صيام شهر رمضان في يوم الشك مع أن الناس كلهم في
شك منه ولا يصومونه بنية رمضان بل يعدونه بحكم الأصل والاستصحاب من أيام شعبان أو الكلام قد خرج على سبيل القلب أي أنه قد نهى الانسان أن
يجعل يوما الشك منفردا بالعزم على الصيام الواجب فيه من بين ساير أيام شعبان لأنه شرعا من شهر شعبان إلى أن يثبت دخوله في شهر رمضان
كما عرفت ويحتمل على بعد أن يكون المراد أنه قد نهى أن ينفرد الانسان بخصوص الصيام الواجب في يوم الشك من دون ساير الأحكام الشرعية المتعلقة
بأول شهر رمضان كانقضاء العدد وحلول أجال الديون والإجارات ونحوها من الأمور المنوطة بدخول الشهر لظهور أنه لا يحكم بها شرعا في يوم الشك
ما لم يحصل له اليقين بدخول الشهر وقوله (عليه السلام) لولا ذلك لهلك الناس أي ولولا تفضله وتوسيعه تعالى في تلك المادة أو مثلها على عبيده
بجعلهم في سعة مما لا يعلمون حتى يثبت لهم التكليف الذي لا ريب فيه ثم قبوله منهم بمحض فضله ومنه ما أتوا به تبرعا بعد ثبوت تكليفه وظهور
اشتغال ذمتهم بعبادته شرعا لهلكوا يقينا أليس لو كلفهم بتحصيل اليقين في يوما لشك مع خروجه عن حيز قدرتهم للزم هلاكهم بل ولو
أمرهم ببذل الجهد والطاقة في تحصيل اليقين به وأمثاله من الأشياء التي ترتبط بها الأحكام الشرعية للزم العسر والضيق العظيم وعدم
استطاعة كثير من الناس بسلوك طريق الشرع القويم كما يشهد به من يشاهد حاله ويطابق قوله فعاله وفي الموثق عن سماعة أيضا قال سألته
عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدري أهو من شعبان أو من رمضان فصامه فكان من شهر رمضان قال هو يوم وفق له ولا قضاء عليه
وليس في التهذيب لفظة فكان وكأنها سقطت سهوا لان الشيخ أخذ الحديث عن الكافي وتوجد فيه وعن بشير النبال عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال سئلته عن صوم يوم الشك فقال صمه فإن يك من شعبان كان تطوعا وإن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له وعن الزهري عن علي بن الحسين (عليه السلام)
في حديث طويل في ذكر وجوه الصوم وصوم يوما الشك أمرنا به ونهينا عنه أمرنا به إن نصومه مع صيام شعبان ونهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في
اليوم الذي يشك فيه الناس فقلت له جعلت فداك فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع قال ينوي ليلة الشك أنه صايم من شعبان فإن كان من
شهر رمضان أجزء عنه وإن كان من شعبان لم يضره فقلت له وكيف يجزى صوم تطوع عن فريضة فقال لو إن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا
وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك لأجزء عنه لان الفرض إنما وقع على اليوم بعينه والضمير في قوله (عليه السلام) بصيامه راجع إلى
اليوم الذي يشك فيه الناس وقوله في اليوم الذي يشك فيه الناس كالبيان ويحتمل رجوعه إلى الرجل والمراد بقوله (عليه السلام) نهينا عنه أن
ينفرد الرجل بصيامه ما ذكرناه في الحديث السابق ولكنه (عليه السلام) لما قال أولا أمرنا به أن نصوم منضما إلى صيام شعبان وبنيته سئل الراوي
وقال فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع وأجابه (عليه السلام) بما أجاب ويحتمل أيضا أن يكون بناء سؤاله على الغفلة عن فهم المراد من قوله (عليه السلام)
نهينا عنه أن ينفرد الرجل بحمله على النهي عن صيامه منفردا غير منضم إلى شئ من صيام شعبان فأجابه (عليه السلام) ببيان المراد ويحتمل أيضا أن يكون
ما فهمه الراوي صحيحا ويكون المراد أنه ينبغي أن يكون صوم يوم الشك منضما إلى صيام شئ من شعبان ولا يكون منفراد ثم أفاد في جواب السؤال
أن مع اضطراره إلى ذلك لعدم اتفاق صيامه لشئ من شعبان يصومه منفردا بنيه شعبان وحديث سماعة أيضا يحتمل نحو ذلك المعنى وأما
ما يدل على وجوب القضاء كما روى في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان
فقال (عليه السلام) عليه قضاؤه وإن كان كك فلا يعارض ما قدمناه من الأخبار الكثيرة لان هذا خبر مجمل ويستفاد التفصيل من الأخبار المتقدمة
فيجب حمله على ما يوافق التفضيل الذي يستفاد منها لئلا تتناقض الاخبار وذلك أما بتقدير في الكلام أي يصوم بنية رمضان اليوم
الذي يشك فيه كونه من رمضان أو يجعل قوله من رمضان متعلقا بقوله يصوم لا بقوله يشك وقال في المنتهى ويدل على هذا الحمل قوله (عليه السلام)
وإن كان كذلك لان التشبيه إنما هو للنية ولا يخفى ما فيه لان هذا الكلام منه (عليه السلام) ليس لبيان الفرد الخفي من وجوب القضاء إذ ظاهر إن وجوب
القضاء ليس إلا في هذه الصورة بخصوصها بل لا بد من تقدير في سؤال الراوي أي قول فيظهر أنه من رمضان ونحوه حتى يصح حكمه (عليه السلام) بوجوب
القضاء عليه ثم يصير معنى الكلام على هذا الحمل الذي رجحه العلامة أنه يجب عليه القضاء وإن كان الفرض مطابقة قصده للواقع واليوم لما نواه
فإنه لما لم يكن عالما بهذه أولا فلا يصح منه هذا القصد ولا يحتسب له هذا الصوم ولو حمل على الصوم المطلق يصير المعنى أنه يجب عليه القضاء
359

وإن كان اليوم كما ظهر من شهر رمضان وكان يوم صوم كما فعله أو كان احتمل وحيث يشك فيه كونه من رمضان لأنه لما لم يكن عالما بذلك
أولا لا يحتسب له ذلك وبالجملة لا فرق بين المعين يعتد به حتى يمكن أن يستدل بهذا القول على أحد الحملين وقد ظهر بما ذكرنا حال قول
الراوي فيكون كك في حسنة معاوية بن وهب السابقة وما أفاده الفاضل المحقق الأردبيلي من أن التشبيه إنما هو للنية فلا بد من أن يكون قوله
من شهر رمضان صله ليصوم ويدل حينئذ على إجزاء صوم يوم الشك إذا كان بنية رمضان لا يخلو من ضعف ثم اعلم إن الظاهر أنهم لا يفرقون بين يوم الشك
وغيره من الأيام لو صام فيه بنية النفل من الجهل فإذا ثبت فيه الحكم بما ذكرناه ثبت المطلق كما ذكره المصنف (ره) ويدل عليه قوله (عليه السلام) في
رواية الزهري لو إن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا اه والأقرب سريانه في غيره من الواجبات المعنية أي الأقرب سريان الحكم بالتأدي لو
فعل ندبا مع عدم العلم في غير صوم شهر رمضان من الواجبات المعنية من الصيام أو مطلقا كما لو نذر الصدقة بدرهم مخصوص وتصدق به ندبا بغير علم ثم
انكشف له أنه الدرهم المنذور بالصدقة ووجه الأقرب ظهور اشتراك علة الحكم ولقوله (عليه السلام) في خبر الزهري لان الفرض إنما وقع على اليوم بعينه مزيد
دلالة على ذلك وترجيح المصنف في هذه المسألة للقول بسريان الحكم في غيره من الواجبات المعينة وفي مسألة اشتراط تعيين سبب الصوم للقول بالفرق لا يخلو
عن شئ كما لا يخفي (ويتأدى رمضان وكل معين بنيه الفرض غيره بطريق الأولى) لأنه أقرب إلى صوم رمضان من النقل لمشاركته له في الوجوب بخلاف
النفل وإنما يخالفه في السبب خاصة ويعذر للجهل كما يعذر في التخالف بالوجه له وأنت خبير بان دعوى الأقربية لا يخلو عن إشكال بل يمكن دعوى الأبعدية
لان نية الندب ليست إلا قصد الاتيان بالفعل لطلب يجوز معه الترك قربة إلى الله تعالى ومن المعلوم إن جواز الترك لا مدخل له في الاتيان بالفعل
فلا يرجع إلا إلى قصد الاتيان بالفعل للطلب مع خطور تجويز الترك بالبال ونية صوم رمضان حيث لا تفتقر إلى تعيين السبب كما عرفت ليست إلا ما ذكر
مع إخطار تأكد للطلب بالبال فبينهما كمال القرب ويؤيد ما ذكرناه ما أفاده العلامة (ره) في النهاية في بيان احتمال صحة وضوء من نوى الوجوب
قبل دخول الوقت بقوله ولأنه آكد فيدخل تحته حكما إن المميز جواز الترك وهو غير مراد انتهى ويجري ما ذكره (ره) في صحة كل ندب فعل بنية الوجوب
كما قاله بعضهم وهذا بخلاف ما لو نوى القضاء أو النذر بصوم يوم الشك فإنها يخالف نية رمضان غاية الاختلاف كما ترى وهذا ما وعدناك مخبئة
في بحث العدول من الفرض إلى النفل فتذكر وبالجملة جعل هذا النكات العقلية مناط للحكم الشرعي في غاية الاشكال ويمكن أن يقال إن الحكم بفساد
هذه العبادة التي أمرنا الشارع بها وأتينا بها على النهج الصحيح الشرعي مستبعد جدا وحيث لا يقع في رمضان غيره للوفاق الذي يظهر من كلامهم
على ذلك فلا بد من أن يحتسب من رمضان ويؤيده ما ورد في الاخبار من احتساب النفل منه وكذا قوله (عليه السلام) في خبر الزهري لان الفرض إنما
وقع على اليوم بعينه وقد ظهر من هذا أن بناء الوجه الذي أفاده العلامة (ره) في المنتهى ونقلناه في المسألة السابقة ليس على القياس بل حاصله ما
قلناه وقال صاحب المدارك يحتلم إجزاؤه عما نواه لأنه كان مأمورا بإيقاعه على ذلك الوجه والامتثال يقتضي
الاجزاء وأفاد خالي طاب ثراه أن
ذلك الاحتمال غير بعيد أقول وقد ظهر منفعه مما ذكرنا من أنه يظهر من كلامهم الوفاق على عدم وقوع غير رمضان فيه من دون تخصيصه بصورة
العلم كما تعرفه من تتبع كلماتهم وحيث عد صاحب المدارك هذا احتمالا فالأولى لمن صام يوم الشك عن واجب كان عليه ثم انكشف أنه من رمضان أن ينوي ما
يصومه بعد مضى الشهر عما في ذمته من الواجب الذي كان عليه أو قضاء يوم من الشهر أن اكتفى بصوم يوم واحد والأحوط له أن يصوم يومين أحدهما للواجب
الذي كان عليه والاخر لقضاء رمضان حتى تحصل له البراءة اليقينية ولا يضره زيادة الصوم إنشاء الله (وفي تأدي رمضان بينة غيره فرضا أو نقلا
مع علمه قولان أقربهما المنع) وبطلان الصوم فلا يقع عن رمضان ولا عن غيره وهذا قول ابن إدريس وظاهر كلام ابن بابويه واستجوده العلامة في
المختلف أولا وحكم أخيرا بعدم خلو القول الاخر عن قوة والقول بعدم المنع للمرتضى على ما نقل عنه وظاهر كلام الشيخ في المبسوط والخلاف وحكم
المحقق في المعتبر بأولويته حجة ما استقر به المصنف إن الافعال تقع على الوجه المنوي دون غيره فلا يقع رمضان لأنه غير منوي ولا عن غيره لعدم
صلاحيته الزمان له كما عرفت وعذر الجاهل بالشهر والناسي واضح باعتبار ارتفاع حكم الخطاب عنهما للجهل والنسيان بخلاف العامد فلهذا يحكم
فيهما بإلغاء الزيادة من تعيين السبب والوجه الغير المطابقين للواقع دون العامد ويؤيده أيضا مفهوم قوله (عليه السلام) في رواية الزهري المتقدمة لو
أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بعد ذلك لأجزء عنه واحتج المحقق (ره) على ما اختاره في المعتبر وقبله
الشيخ بأن النية المشروطة خالصة وهي نية القربة وما زاد لغو لا عبرة به فكان الصوم حاصلا بشرطه فيجزي عنه والجواب كما ذكره العلامة
في المختلف عدم تسليم إلغاء الزيادة فإن جزئيات الكلي متضادة وإرادة أحد الضدين تنافي إرادة الضد الاخر أقول وهذا بخلاف ما لو لم ينو السبب
360

واكتفى بينه القربة فإن المطلق ينصرف إلى المتعين بخلاف المعين الاخر المنافي له فما قواه أخيرا في المختلف من أن نية التعيين إنما يفتقر إليها
للتمييز بين الفرض وغيره وهذا الزمان لا يصلح لان يقع فيه الصوم إلا على وجه الفرض فلا يفتقر فيه إلى نية التعيين ويكفي فيه الاتيان بالمطلق و
هو موجود في نية النفل وقضاء رمضان وغيره ذلك من الوجوه التي يقع عليها الصوم وتلك الوجوه لا تأثير لها في هذا الصوم إذ لا يقع هذا الفعل
عليها فيكون لاغية محل نظر وتأمل لا يخفى لما عرفت من أن المطلق بإطلاقه يمكن انصرافه إلى المتعين بخلاف المعين المشتمل على المنافي فوجوده
في ضمنه غير نافع وعدم صلاحيته الزمان شرعا لوقوع فعل لا يقتضي تبديل تعينه الحاصل بالنية بل الظاهر اقتضاءه لفساده وهو مطلوب الخصم و
قال خالي طاب ثراه احتج العلامة في المختلف على ما رجح من عدم الاجزاء بالتنافي بين نية صوم رمضان ونية غيره وبأنه منهي عن نية غيره والنهي
مفسد وبأن مطابقة النية للمنوي واجبة وفيه نظر أما الأول فلان التنافي مسلم لكن لم لا يجوز أن يكفي في صحة صيام رمضان نية الامتثال
مع التقرب ولا يعتبر فيها نية خصوصية كونه صوم رمضان لا بد لنفي ذلك من دليل وأما الثاني فلان النهي متعلق بخصوصية كونه غير صوم رمضان
وهي أمر خارجة عن حقيقة العبادة فلا يستلزم النهي عنها بطلان الصوم وأما الثالث فلان وجوب مطابقة النية بجميع إجزائها وخصوصياتها
للمنوي غير مسلم وإن أراد المطابقة في الجملة فهي حاصلة في موضع البحث انتهى أقول ما نقله لا يوافق كلام العلامة في المختلف كما يظهر لمن يراجعه
ثم ما ذكره منه الانظار فغير ظاهر الورود أما الأول فلما عرفت من أن الاطلاق يكفي في صوم رمضان ولكن تعيين الغير مخل حيث سلم التنافي ويظهر
أيضا من تتبع الشرع والعرف إلا ترى أن من صلى أربع ركعات بنية العصر وإن كان في الوقت المختص لا يقال له شرعا ولا عرفا أنه صلى
الظهر مع كمال المطابقة بينهما في جميع الخصوصيات والافعال كيف وقد قال (عليه السلام) إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى و
بالجملة جواز كفاية نية الامساك مع التقرب في صحة صوم رمضان لا يقتضى جواز نية صوم آخر فيه وهذا هو موضع البحث وأما الثاني فلان العبادة
تابعة للنية لحصول تعينها بها ففساد النية يوجب فسادها ولو لم يؤثر الخصوصية الزايدة في النية في العبادة فلا وجه للنهي عنها كما لا
يخفى وأما الثالث فلان مطابقة النية للمنوي في جميع الخصوصيات وإن كان غير مسلم ولكن عدم المخالف بما يوجب تغير حقيقة المنوي مما لا بد منه
كما يظهر من دليل اعتبارهم للنية في جميع العبادات وكمال تشددهم في أمرها وخصوصياتها مع عدم ورودها في النصوص كذلك وهذا القدر
يكفي فيما نحن فيه وبالجملة القول بصحة هذا الصوم في غاية الاشكال والاحتياط اللازم في مثل هذا العبادات المهمة يقتضي الاتيان بالقضاء
والواجب الذي كان عليه إن كان ما أنواه واجبا (وينسحبان) أي القول بالبطلان والقول بتأدي الواجب في الزمان على التعيين في (المعين غيره)
كاليوم المنذور صومه بخصوصه (لو نوى فيه غيره) من واجب أو نفل والقول بالمنع فيه أظهر على ما هو الأقوى عند المصنف من اشتراط تعيين سبب
الصوم فيه وعدم كفاية الاطلاق لعروض تعينه كما سبق (ولا يجزى عما نواه في الموضعين إجماعا) لعدم صلاحيته الزمان لوقوع الغير فيه بأصل
الشرع لو بالعارض (ويتأدى قضاء رمضان بنية أدائه في الجاهل بالشهور) ولحبس أو أسر إذا تجرى أو اختار شهرا للصيام واتفق ذلك بعد شهر
رمضان ووجهه الثابت في ذمته حينئذ القضاء وقصده عن الأداء الذي نواه حقيقة براءة الذمة عن الصيام الذي تعلق بها وجوبه باعتبار
شهر رمضان فيجريه ما فعله عن القضاء وكان اللايق بهذه المسألة أن يذكر بعد مسألة أن يذكر بعد مسألة وجوب التحري على الجاهل ولكن المصنف ره قدمها
لمناسبتها لسياق المسائل السابقة ولو ظهر سبق صومه على رمضان لم يجز لأنه أتى به قبل وقته فلا يجزيه ولو كان ظهور ذلك قبل الشهر فيصومه
عند حضوره لأنه مكلف بصيامه شرعا ولا مسقط له ولو كان بعد انقضاء الشهر فعليه قضاؤه لعدم إتيانه به في وقته (وحكم المعين كذلك) لو توخاه
عند الجهل ثم ظهر تأخره أو سبقه بتقريب ما سبق ويجب على هذا أي الجاهل بالشهور (في كل سنة شهر بحسب ضنه ولو فقد الظن تخير) لأنه مكلف بصيام
شهر رمضان في عرض السنة فإن أمكنه تحصيل الظن به يجتهد ويبني عليه لتعذر اليقين وإلا فيأتي بالمكلف به بقدر الاستطاعة لاستحالة تكليف ما
لا يطاق ثم إن استمر الاشتباه أو ظهر موافقته للشهر أجزئه لأنه أدى فرضه شرعا مع عدم ظهور المخالفة فيجب الحكم بالاجزاء وإن ظهر التقدم أو
التأخر فقد سبق حكمها والأحكام المذكورة في هذه المسائل مما اتفقت الفرقة عليه بل أكثرها قول عامة أهل العلم إلا الحسن بن صالح بن علي
ما ذكره في المنتهى والأصل فيها ما رواه الشيخ في التهذيب عن سعد بن عبد الله عن الحسن بن علي عن عبد الله بن المغيرة جد الحسن الذي يروي عنه عن
عبيس بن هاشم عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له رجل أسرته الروم ولم يصم شهر رمضان ولم يدر أي
شهر هو قال يصوم شهرا يتوخاه ويحسب به فإن كان الذي صامه قبل رمضان لم يجزه وإن كان بعد شهر رمضان أجزئه وليس في سند هذه الرواية
361

شئ إلا الكلام الذي في مذهب أبان وقال صاحب المدارك بعد نقل الرواية وفي طريق هذه الرواية عيسى بن هاشم وهو مجهول لكن الصدوق
فيمن لا يحضره الفقيه رواها بطريق صحيح عن أبان بن عثمان عن عبد بن الرحمن بن أبي العلا والظاهر أنه تحريف وإن الصواب عبد الرحمن بن أبي عبد الله فتكون
الرواية صحيحة انتهى وأقول التحريف في نسخة في لفظ عيسى بن هشام والصواب عبيس بن هاشم كما نقلناه عن النسخ الصحيحة ويدل عليه أيضا رواية عبد الله بن
المغيرة عنه فإنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وإلا قرار له بالفقه وتستبعد روايته عن عيسى بن هشام للمجهول وقالوا فيه له كتاب يرويه محمد بن
الحسين عنه (ويجعله هلاليا إن أمكن له العلم) بالأهلة وإلا عدديا ثلثين يوما لان الأصل عدم النقص فلو ظهر نقص الهلال من رمضان إن جعله
هلاليا وظهر تأخره عن الشهر (قضى يوما) إن كان ما اختاره غير شوال وذي الحجة وإن كان أحدهما قضى يومين ويتحرى أيضا ناذر الدهر لو تحير في الشهور
لحبس أو أسر فيحدث نية التعيين لرمضان وحكمه في جميع الصوم كما سلف بتقريب ما سبق ولو قيده بالسفر وسافر لم يتحر في إفطاره أي إفطار شهر رمضان
ولا إفطار العيدين لتيقن الوجوب بالنذر والشك في المسقط من الشهر والعيد ولا ينقض اليقين بالشك أبدا ويمكن إجراء هذا الكلام في صيام شهر
رمضان للحاضر الناذر للدهر مع تحيره والحال أنه قد حكم فيه بوجوب أحدث نية التعيين لرمضان بالتحري وبناء الفرق على أنهم يقولون بوجوب الفطر في
يوم العيد مع العلم بكونه عيدا ولا علم في الصورة المفروضة ويقولون بوجوب الاتيان بصيام شهر فعرض السنة على المكلف فيجب الاتيان به على المتحير
الناذر المفروض ولكن لو تحرى شهرا بنية رمضان فلا يبعد القول بلحوق وجوب الفطر في اليوم الأول من الشهر الثاني كما يظهر من المسالك حيث قال
ويلحقه حكم شهر رمضان من وجوب المتابعة والكفارة في أقسام يوم منه تجب به ولحوق أحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة وقال في المدارك
وللمناقشة في ذلك مجال لأصالة البراءة من جميع ذلك واختصاص النص بالصوم وباعتبار قلة الحاجة إلى تلك المسألة لا اهتمام في البحث عن خصوصياتها
ويجرى التحري بالمعنى الأعم في كل صوم متعين مع عروض الالتباس وعدم إمكان تحصل العلم بالمعين وحكمه في جميع الصور كما سلف ولا تجب في النية
المقارنة لطلوع الفجر كما تجب في العبادات الغير المنطبقة على الزمان لتعسرها في الزمانية كما عرفت مفصلا مع وجود النص الدال على خلافها في الصوم
وإن كان جايزا إن أمكنت المقارنة والكلام في إمكانها وإن أراد مجرد الفرض على ما يظهر من المنتهى فلا يشتمل على فائدة كما لا يخفى ولو لزم التأخر بجزء
من النهار فالأحوط عدم الجواز كما عرفت وجهه وظاهر كلام المفيد والحسن منعه وقد نقلنا كلامهما سابقا فتذكر وكونه ظاهر كلامهما لا صريح
باعتبار واحتمال أن يكن مرادهما بوجوب التقدم عدم جواز إحداثها في أثناء النهار ولم يتعرضا للمقارنة لبعدها ولا يخفى بعده درس
لا يجب الصوم كساير العبادات على الصبي وإن أطاق للاجماع وقوله صلى الله عليه وآله ردع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفق
وعن النائم حتى يستيقظ وفي رواية عن أحمد بن حنبل غير معتمدة عندهم أنه يلزمه الصوم لقوله صلى الله عليه وآله إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام
وجب عليه صيام شهر رمضان والرواية مرسلة ويمكن حمل الوجوب فيها على التشدد في التمرين وكذا ما ورد في رواية إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله
عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال الصبي إذا أطاق أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان وقد وردت هذه الرواية في الكافي
والمهذب بإسناد مختلفة وتغيير في بعض الألفاظ وقال المحقق (ره) في المعتبر بعد نقل رواية أحمد بن حنبل وفي رواية لنا عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال الصبي إذا أطاق الصوم ثلاثة أيام وجب عليه صوم شهر رمضان وقد انفرد بها السكوني ولا عمل على ما ينفرد به نعم يمرن عليه لسبع ويشدد عليه
لتسع التمرين تفعيل من المراثة وهي الصلابة والعادة يقال مرن بالفتح على الشئ يمرن مرونا ومرانة إذا تعوده واستمر عليه ويقال مرنت يده على
العمل إذا صلبت والمراد هنا حمل الولي للصبي على الصوم ليعتاده ويصلب عليه فلا يجد فيه مشقة بعد البلوغ ثم أن الشيخ (ره) قال في النهاية يسقط
فرض الصوم عمن ليس بكامل العقل من الصبيان والمجانين وغيرهما ويستحب أن يأخذ الصبيان بالصيام إذا أطاقوه أو بلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك
واجبا عليهم والتردد في قوله إذا أطاقوه أو بلغوا تسع سنين إشارة إلى مكان جعل كل مهما مبدء التمرين أو إلى تحديد الأولى بالثاني بحسب الغالب
وفي بعض النسخ الواو بدل أو قال (ره) في المبسوط ويستحب أخذه بذلك إذا أطاقه وحد ذلك بتسع سنين فصاعدا وذلك بحسب حاله في الطاقة
ونقل عنه في المختلف سبع سنين بدل تسع وقال المفيد (ره) في المقنعة ويؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ الحكم أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات
قبل أن يبلغ الحكم بذلك جاءت الآثار وكأنه أراد (ره) بالأخذ التشدد في الامر بالصوم سواء بلغ الوجوب المصطلح أم لا وأراد بالآثار الأخبار المتقدمة
عن السكوني وقال ابن الجنيد يستحب أن يعود الصبيان وإن لم يطيقوا الصيام ويؤخذوا إذا طاقوا صيام ثلاثة أيام
تباعا والظاهر أنه أراد
بالتعويد الامر بالصيام في بعض الأيام أو بعض النهار وبالأخذ والامر بصيام الشهر كله كما قال ابنا بابويه يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر
362

ما يطيقه فإذا أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطروا إذا صام ثلاثة أيام ولاء أخذ بصوم الشهر كله وقال
المحقق (ره) في المعتبر ويؤخذ الصبي بالصوم إذا بلغ ست سنين وأطاق الصوم استحبابا وقال في الشرايع يمرن الصبي والصبية على الصوم قبل البلوغ
ويشدد عليهما لسبع مع الطاقة وقال في المسالك والمدارك يفهم من قوله ويشدد عليهما السبع عليما أنهما يؤمران به قبل السبع من غير تشديد مع
الطاقة أقول مفهوم كلامه إشارة إلى ما ذكره في المعتبر من الاخذ بالصوم إذا بلغ ست سنين كما نقلنا وقال العلامة (ره) في المختلف والأقرب ما ذكره
في المبسوط أي أنه يؤمر بالصيام إذا بلغ سبع سنين لنا أنه تمرين على العبادة وكان مستحيا للسبع مع الطاقة لأنه ادعى إلى فعل الطاعة مع البلوغ
ويفيد النفس ملكة القبول للطاعات وأداء الواجبات ومنعا لها عن الأخلاق الذميمة ويؤيده ما رواه الكليني والشيخ عنه في الحسن عن
الحلبي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بنى سبع سنين ما أطاقوا من صيام اليوم فإن كان إلى نصف النهار أو أكثر
من ذلك أو أقل فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعودوا الصيام ويطيقوه فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء سبع سنين ما أطاقوا من صيام
فإذا غلبهم العطش أفطروا أقول الغرث بالغين المعجمة والثاء المثلثة الجوع وفي أكثر نسخ الحديث بدل قوله إذا كانوا أبناء سبع سنين إذا
كانوا بني تسع سنين وعلى هذا فتأيده لما اختاره في المختلف ضعيف جدا وقال صاحب المدارك المعتمد ما اختاره الشيخ في النهاية أي الاخذ
بالصوم عند بلغ التسع واستدل على ذلك بخبر الحلبي كما هو في أكثر النسخ وبما رواه في الفقيه مرسلا أنه قال الصادق (عليه السلام) الصبي يؤخذ
بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيق فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت فإن غلب عليه الجوع والعطش أفطر ثم قال ولا ينافي ذلك
ما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في كم يؤخذ الصبي بالصيام فقال ما بينه وبينه خمس عشرة سنة
أو أربع عشرة سنة فإن هو صام قبل ذلك فدعه ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته لان أخذ الصبي بالصوم بين الأربع عشرة والخمس
عشرة لا ينافي استحباب أخذه قبل ذلك وذكر الشارح أن مقتضى هذه الرواية عدم تحديد مبدء وقت التمرين وهو غير جيد إذ لو كان كذلك
لم يبق لقوله فإن هو صام قبل ذلك فدعه معنى وكذا قوله ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته انتهى أقول ما ذكره الشارح جيدا ولا
يرد عليه ما أورده لان المراد بأخذ الصبي ما بينه وبين خمسة عشرة وأربع عشرة أما الاخذ الوجوبي بناء على ما هو الغالب من ظهور أمارة البلوغ
في عرض هذه المدة فيكون قوله (عليه السلام) فإن هو صام قبل ذلك فدعه إشارة إلى التمرين ولا تحديد له كما ذكره الشارح (ره) وأما الاخذ بعنوان تأكد
الاستحباب فقوله فإن هو صام قبل ذلك فدعه للاستحباب المطلق ومن البين أن النزاع في مبدء وقت هذا الاخذ ولا تحديد له في هذا الخبر ولو
قيل إن عدم التعرض للمبدء لا يدل على عدم التحديد فمع كمال وهنه كلام آخر ولا ربط له بقوله إذ لو كان كذلك لم يبق لقوله اه وذلك ظاهر
جدا ثم أقول وفي رواية سماعة قال سئلته عن الصبي متى يصوم قال إذا قوى على الصيام وقال في المسالك هذا الرواية أيضا تدل على
عدم التحديد وهو أيضا جيد والذي يظهر من جملة هذه الأخبار والأقوال إن مناط الاخذ الطاقة والعرض التمرين والتعويد ومختلف
ذلك بحسب اختلاف الاشخاص والأمزجة في القوة والضعف وكذا بحسب مراتب الاستحباب في التكاد وعدمه وقد يستحب عند بلوغ السبع أو التسع
أخذه بصوم بعض النهار لو أطاقه خاصة وأمثال هذه الاختلافات في الأمور المسنونة كثيرة جدا فلا تنافي بينها أصلا والصبية في حكم الصبي
على ما يظهر من أقوالهم والظاهر من كلامهم استحباب التمرين ولا تعد في القول بوجوبه على الولي في الجملة ويكون صوما شرعيا بمعنى استحقاق الثواب
ودخوله في اسم الصيام اختلفوا في أن عبادة الصبي هل هي شرعية يستحق عليها الثواب وتدخل تحت الاسم شرعا أم لا بل هي لمجرد التمرين ومحض
الاعتياد من دون توجيه خطاب إليه وطلب منه فذهب الشيخ وجماعة منهم المصنف إلى الأول قال في صوم المبسوط والصبي إذا نوى صح ذلك منه
وكان صوما شرعيا وقال المحقق في الشرايع نية الصبي المميز ويصح من الصبي المميز لقوله (عليهم السلام) مروهم بالصلاة
لسبع ولا يجب لقوله (عليه السلام) رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وقال فيه ثانيا في بيان أنه لو بلغ بعد الفجر لا يجب عليه الصوم ويستحب له
الامساك لنا إن الصبي ليس من أهل الخطاب فلا يتناوله الامساك وجوبا وأما الاستحباب فلانه تمرين على الصوم وليس بتكليف يتوقف
على توجه الخطاب وإذا لم يصح خطابه في بعض النهار لم يصح في باقية لان صومه بعض اليوم لا يصح وكذا البحث في المجنون والكافر وهذا القول منه
يشعر بعدم الشرعية ولكن يمكن توجيهه على وجه تتطابق عليه كلماته كما لا يخفي وذهب العلامة وجماعة منهم الشهيد الثاني إلى الثاني قال في
المختلف بعد نقل قوله الشيخ وعندي في ذلك إشكال والأقرب أنه على سبيل التمرين وأما أنه تكليف مندوب إليه فالأقرب المنع وقال في المسالك أما صحة
363

نيته وصومه فلا إشكال فيها لأنها من باب خطاب الوضع وهو غير متوقف على التكليف وأما كون صومه شرعيا ففيه نظر لاختصاص خطاب
الشرع بالمكلفين والأصح أنه تمريني لا شرعي حجة قول الشيخ أن الامر بالامر بالشئ أمر بذلك الشئ بمعنى أن الظاهر من حال الامر كونه مريدا لذلك الشئ
وإن ما ورد في تضاعيف الاخبار من رفع البلا وتخفيف العذاب بعبادة الصبي وقارئته يؤذن بترتيب الأجر والثواب عليها وإن إتيان شخص
كامل العقل كبعض الصبيان بفعل حسن يعرف حسنه ويفعله لوجه الله تعال من دون أن يستحق عليه الأجر والثواب غير معقول ويمكن القدح في الأول
بمنع كونه من باب الأمر بالشئ بل هو من قبيل الامر بتعليم الحيوان وتربيته وحفظه ثم بمنع تلك المقدمة وفي الثاني بأنه لاجر من أدبه ورباه
أو بمحض التفضل لعظمة اسمه وبركته التوجه نحو جنابه وفي الثالث بالنقض استحقاق العقاب وبأن شرط الاستحقاق التكليف وتوجه الخطاب و
بانتفاء الشرط ينتفي المشروط حجة قول العلامة (ره) أن التكليف مشروط شرعا بالبلوغ كما يظهر من خبر رفع القلم وغيره ومع انتفاء الشرط ينتفي
المشروط وتخصيصه بالتكليف بالواجب والمحرم لا وجه له بالنظر إلى ظاهر الخبر فما قاله في المدارك من أن الشرع إنما اقتضى توقف التكليف بالواجب والمحرم
على البلوغ بحديث رفع القلم ونحوه غير جيد ثم أن إشكال المسألة قوي وفائدتها نادرة لان الثواب أمر مخزون في علم الله ويظهر في الآخرة إنشاء الله
تعالى بمزيد فضله وشمول إحسانه ولا ريب في ظهور بركة امتثالهم للأوامر واجتنابهم عن النواهي في العاجل ولا اهتمام للفقيه بالبحث عن ذلك
والاختلاف فيه نعم ربما تظهر فايدة الخلاف في إتيانه بالعبادة نيابة عن أبيه بعد موته فعلى القول
بالشرعية لا يلزم عليه الاتيان بما فعله حاله
الصغير ثانيا عند البلوغ والظاهر على القولين عدم جواز إجارته للعبادة لتوقفها على النية التي لا تعرف إلا من قبل الفاعل ولا يمكن التعويل
شرعا على قول الصبي وكذا في جواز صلاته بعد البلوغ بالوضوء الذي فعله وفي مجئ الخلاف في وجوب اتمام صومه لو نواه أول النهار وبلغ
بعد الزوال كما سيأتي قبل وتظهر الفائدة في استحقاق ما لو نذر أو وقف أو أوصى للصائمين مثلا ولا يخلو عن إشكال لما عرفت آنفا من توقف
العبارة على النية وعدم إمكان التعويل فيها على قول الصبي إلا أن يأخذ نصيبه بعد البلوغ واعلم إن معنى الصحة في العبادة ليس إلا مطابقة
الامر أو سقوط القضاء فيترتب الحكم بصحة عبادة الصبي على شرعيتها ولكن الشهيد في المسالك والروضة حكم بالصحة دون الشرعية كما عرفت وكأنه (ره)
جعلها بمعنى مطابقة الامر الذي توجه نحو الولي أو المكلفين أو بمعنى ترتب الأثر كما في المعاملة والأثر هنا خروج الولي عن العهدة مثلا والظاهر أن
وصفها بالصحة الكذائية مجرد اصطلاح لا يترتب عليه فائدة شرعية مع أن عبارته في الروضة تشعر بأنها مسألة خلافية وقال صاحب المدارك
بعد نقل كلام المسالك وهو غير جيد لان الصحة والبطلان اللذين هما موافقة الامر وذلك الفتى لا يحتاج إلى توقيف من الشارع بل يعرف بمجرد العقل
ككونه مؤديا للصلاة وتاركا لها فلا يكون من حكم الشرع في شئ بل هو عقلي مجرد كما صرح به ابن الحاجب وغيره انتهى وأنت خبير بأن بناء كلامه في
الحكم بأن الصحة من خطاب الوضع على ما هو المشهور ومحل البحث عن هذه المسألة علم الأصول وعدم كونها من باب خطاب الوضع بل عقلية صرفة
لا يضر بما هو غرضه هنا بل يؤكده مع أن الامر في لا صحة بمعنى سقوط القضاء على ما ذكره أي من باب خطاب الوضع وليس بمجرد العقل فلا وجه
للاعراض عن البحث عن تصحيح الصحة وبيان فائدتها والتعرض لهذا إلا يراد الذي لا وقع له أصلا ولو أطاق بعض النهار خاصة بعد بلوغ حد التمرين
فعل كما مر في حسنة الحلبي وغيرها (وقيل إنما يؤمر إذا أطاق ثلاثة أيام تباعا) الظاهر أن القايل المفيد (ره) وقد مر شرح قوله مفصلا (ولو بلغ في أثناء
النهار أمسك مستحبا إن كان لم يتناول) ليكون صوما مندوبا وقد مر أن وقت نية النقل يمتد بامتداد النهار فيكفيه النية عند البلوغ إن لم
يكن نوى من أول النهار وأما عدم الوجوب فلان الصوم عبادة لا تقبل التجزية وهو في أول النهار لم يكن مكلفا به فلا يقع التكليف به في باقيه وفي
الخلاف يجب قال في الخلاف الصبي إذا بلغ والنهار لم يكن مكلفا به فلا يقع التكليف به في باقيه وفي
الخلاف يجب قال في الخلاف الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم والمريض إذا برء وقد أفطروا أول النهار أمسكوا بقية النهار تأديبا ولا يجب ذلك بحال
فإن كان الصبي نوى الصوم من أوله وجب عليه الامساك وإن كان المريض نوى ذلك لم يصح لان صوم المريض لا يصح عندنا وكلامه كما ترى أخص مما
نقله المصنف ولعل دليله ما قاله في المختلف من أنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار فيجب عليه اتمامه وهذا بخلاف
المرض إذ لا يصح منه الصوم في أول النهار وقت مرضه ولا يمكن الحكم شرعا بانعقاد صومه وأجاب عنه في المختلف بمنع شرعية صوم الصبي وانعقاده أقول وعلى
القول بشرعية عبادة الصبي كما هو رأى الشيخ والمصنف يمكن القدح فيه بأن البلوغ لا يقتضي التكليف بالصوم في أثناء النهار لما عرفت من عدم قبوله
للتجزية ولا مدخل لانعقاده ندبا في وجوبه وهو ظاهر ثم أن ظاهر كلامه في المبسوط أن الصبي كالكافر إذا زال عذره بعد الفجر وقبل الزوال
ولم يتناول شيئا يجدد نية الصوم وجوبا وقال المحقق في المعتبر وهو قوي لان الصوم ممكن في حقهما ووقت النية باق لا يقال لم يكن الصبي مخاطبا
364

لأنا نقول لكنه صار الان مخاطبا ولو قيل لا يجب صوم بعض اليوم قلنا متى إذا تمكن من نية يسري حكمها إلى أول النهار أو إذا لم يتمكن وههنا هو متمكن
من نية يسرى حكمها إلى أوله
وكذا البحث في المغمى عليه انتهى وحكم صاحب المدارك بعد نقل هذا الكلام بظهور قوته والظاهر أنه لا يخلو عن شئ لان الأصل
براءة الذمة وعدم تبعيض الصوم معلوم من الشرع والحكم بسريان النية ووجوب الصوم عندد زوال بعض الاعذار وقبل الزوال كالسفر والمرض والنسيان
بدليل يفيد ذلك فيها بخصوصها كالاجماع والاخبار لا يقتضي عموم الحكم وكليته مع ظهور اختلاف حال الاعذار بحسب الشرع ألا ترى أن حكم الحيض
والنفاس بخلاف هذا وصحيحة العيص كما سيأتي وبما تؤيد خلافه في الكافر والصبي غير صالح للتكليف شرعا بخلاف المسافر والمريض وحكم في المسالك على
وفق المحقق في الشرايع بأظهرية عدم وجوب الصوم على الصبي لو كمل بعد طلوع الفجر وتأديبا إن تناول عطف على قوله مستحبا وهذا أيضا مستحب
مشروط بالنية حتى يستحق عليه الثواب ولكنه ليس بصوم وأما استحبابه فلحرمة الزمان وليأمن تهمة من يراه وليتشبه بالصائمين وربما أمكن استفادته
من الأخبار الواردة في امساك بقية اليوم في نظائره من أولى الاعذار عند زوال عذرهم والمعتمد وفاقهم كما قيل على استحباب الامساك في سبعة مواطن
هذا أحدها كما سيأتي (ولو شك في البلوغ فلا وجوب للأصل) والاستصحاب ولو ظن أنه يمنى بالجماع أم
يجب التعرض له لعدم ظهور إمارة البلوغ الذي هو
مناط الوجوب بعد ولو وجد على ثوبه المختص منيا فالأقرب البلوغ مع إمكانه لحصول الظن المتاخم للعلم بأنه منه بسبب الاختصاص ويكفي في الحكم
بأمثال هذه الأمور شرعا مثل هذا الظن والبلوغ بخروج المني مذهب علماء الاسلام كافة كما قاله في التذكرة واعتبار مكان كونه منه عادة بحسب سنه
وحاله لئلا يعارض التعذر العادي لهذا الظن فيجزئه عن حد القوة والغلبة قال في المدارك ولو وجد على ثوبه المختص به منيا حكم ببلوغه إذا علم
انتفائه عن غيره واكتفى الشهيد في الدروس في تحقق بلوغه بإمكان كونه منه وأقول ليس معنى كلام المصنف ما فهمه كما ترى ولو كان مشتركا فلا
لعدم حصول الظن بأنه منه باعتبار الاشتراك (ولو اشترك بين صبيين فأحدهما بالغ فالأولى تعبدهما) لحصول الظن القوي ببلوغ أحدهما ولا يمكن
الحكم به على واحد بخصوصه فالاحتياط في تعبدهما (ولا يجب على المجنون) ولو كان جنونه في بعض النهار أداء وقضاء على المشهور لأنه ليس محلا للتكليف ولا متوجها نحوه الخطاب لزوال عقله فلا يجب عليه الأداء ولا القضاء والحديث رفع القلم ولأن القضاء بأمر جديد ولم يثبت في حقه وحكم بعض اليوم
كالكل لان الصوم لا يبعض وظاهر كلام الشيخ في الخلاف إن المجنون إذا أفاق في أثناء النهار نوى وصح صومه ولا قضاء عليه ولو نوى ليلا وأصبح مجنونا حتى
ذهب اليوم صح صومه وقال في المبسوط إن أصبح صايما ثم جن في بقية يومه أو أغمي فالحكم فيه سواء في أن صومه صحيح وحكم في المدارك بأن قوله الشيخ بصحة
صوم المجنون مع سبق النية لا يخلو عن قرب والظاهر بعده كما ترى ويسقط بعروضه وإن كان بسبب المكلف لخروجه به عن حد التكليف كما عرفت وهذا مع عدم
علمه بالسببية أو عدم عود عقله وأما مع العلم والإفاقة فسقوط القضاء لا يخلو عن إشكال لما سيأتي من أنه لو أغمي عليه بفعله قضى كالسكران و
الفرق بين الاغماء والجنون في هذا الحكم غير ظاهر ولو قيل إن الاغماء مرض ولهذا يلحق الأنبياء فيصح تكليف المغمى عليه بالقضاء بخلاف الجنون فإنه يزيل
العقل والتكليف بالمرة قلنا لا ريب في إزالة الاغماء كالجنون للفهم الذي هو مناط التكليف فلو صح تكليف المغمى عليه باعتبار إن الإزالة نفعله أو باعتبار أن التكليف بالقضاء
حقيقة عند الإفاقة والفهم صح أيضا تكليف المجنون به ودليل وجوب القضاء كما قال في المنتهى من أن الاخلال بسببه فلا يكون معذورا به الاختصاص
له بالمعنى عليه ونظير حديث رفع القلم الدال على سقوط القضاء عن المجنون وارد في المغمى عليه أيضا كما سيأتي قال الشيخ في المبسوط وإن كان جنى جناية زال معها عقله على وجه لا يعود بأن يصير مجنونا مطبقا فإنه لا يلزم قضاء ما يفوته في تلك الأحوال وظاهره اعتبار عدم عود العقل في سقوط
القضاء كما قلنا وقال الشهيد الثاني في شرح الارشاد في بحث سقوط القضاء عن المجنون ويجب تقييده بكون سبب الجنون ليس مع فعله وإلا وجب
عليه القضاء كالسكران (ولا تمرين في حقه) قال العلامة في المنتهى ولا يؤمر بالصوم كما يؤمر الصبي به بلا خلاف لأنه غير مميز بخلاف الصبي فإنه مميز وقال
الشهيد الثاني (ره) بعد نقل هذا التعليل في الروضة ويشكل ذلك في بعض المجانين لوجود التميز فيهم أقول الحكم باستحباب التمرين يفتقر إلى الدليل
ومشاركته للصبي في العلة لا يقاوم دعوى الوفاق الذي يظهر من كلام المنتهى على عدمه (ولا على المغمى عليه المشهور) عدم صحة صوم المغمى عليه
ولو في بعض اليوم وعدم وجوب القضاء عليه كما عرفت في المجنون وربما نسب إلى المفيد (ره) في المقنعة القول بصحة صوم المغمى عليه مع سبق النية
ولا يظهر من كلامه أزيد من أنه بحكم الصائم في سقوط القضاء لو نوى وأما لو لم يسبق منه النية فعليه القضاء وهذا كلامه إذا أغمي
على المكلف للصيام قبل استهلال الشهر ومضى عليه أيام ثم أفاق كان عليه قضاء ما فاته من الأيام فإن استهل الشهر عليه وهو يعقل فنوى
صيامه وعزم عليه ثم أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه لأنه في حكم الصائم بالنية والعزيمة على أداء
365

فرض الصيام انتهى وحكمه بسقوط القضاء عنه مع النية في محله وإنما الكلام معه في الحكم بالقضاء مع عدمها ولعل نظره (ره) إلى الجمع بين الاخبار
الدال بعضها على سقوط القضاء وبعضها على عدم سقوطه وكلام الشيخ في المبسوط والخلاف ظاهر في الحكم بالصحة مع سبق النية ونقله في المختلف
عن السيد المرتضى وسلار وابن البراج واحتج في المنتهى على عدم الصحة بأنه بزوال عقله يسقط التكليف عنه وجوبا وندبا فلا يصح منه الصوم مع سقوطه
وقال في المدارك يتوجه عليه المنع من الملازمة فإن النايم غير مكلف قطعا مع أن صومه لا يفسد بذلك إجماعا أقول ويظهر من تتمة كلامه في المنتهى
هذا الايراد مع جوابه حيث قال احتج أبو حنيفة بأن النية قد صحت وزال الشعور بعد ذلك لا يمنع من صحة الصوم كالنوم والجواب الفرق فإن
النوم جبلة وعادة ولا يزيل العقل ولهذا متى نبه تنبه والاغماء عارض يزيل العقل فأشبه الجنون فكان حكمه حكمه انتهى وبسط في المسالك القول
في بيان الفرق بين النايم والمغمى عليه ثم قال في جواب ما قيل من عدم شرعية صوم النايم لأنه غافل ويستحيل تكليف الغافل فصومه غير مكلف به فلا
يكون شرعيا ولا صحيحا حقيقة قلنا تكليف النايم والغافل وغيرهما ممن يفقد شروط التكليف قد ينظر فيه من حيث الابتداء به بمعنى توجه الخطاب
إلى المكلف بالفعل وأمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب وقد ينظر فيه من حيث الاستدامة بمعنى أنه لو شرع في الفعل قبل النوم والغفلة و
غيرهما ثم عرض له ذلك في الأثناء والقسم الأول لا إشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق من غير فرق بين أنواع الغفلة وهذا
هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأصولين وغيرهم امتناعه كما يرشد إلى ذلك دليلهم عليه وإن أطلقوا الكلام فيه لأنهم احتجوا عليه بأن الاتيان
بالفعل المعين لغرض امتثال الامر يقتضي العلم به المستلزم للعلم بتوجه الامر نحوه فإن هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعا إذ
لا يتوقف صحتها على توجه الذهن إليها فضلا عن إيقاعها على الوجه المطلوب كما سنبينه وأما الثاني فالعارض قد يكون مخرجا عن أهلية الخطاب
والتهيؤ له أصلا كالجنون والاغماء على أصح القولين وهذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتدائه وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم والسهو والنسيان مع
بقاء العقل وهذه المعاني وإن منعت من ابتداء التكليف بالفعل لكن لا يمنع من استدامته إذا وقع على وجهه وقال صاحب المدارك بعد نقل هذا
القول هذا كلامه وهو غير جيد فإن كلام الأصوليين مطلق في امتناع تكليف الغافل وكذا الدليل الذي عولت عليه الامامية في امتناع ذلك من
كونه قبيحا عقلا لجريانه مجرى تكليف البهايم والجمادات صريح في سقوط التكاليف كلها عنه وكذا حديث رفع القلم وبالجملة فالمستفاد من الأدلة
العقلية والنقلية عدم تكليف الغافل بوجه وأنه لا فرق بين المجنون والمغمى عليه والنائم في ذلك لاشتراك الجميع في تحقق الغفلة المقتضية لقبح التكليف
معها سواء في ذلك الابتداء والاستدامة على أن اللازم من كون النائم مكلفا بالاستدامة كونه أثما بالاخلال بها وهو باطل ضرورة وكيف كان فلا
ضرورة إلى ما ارتكبه الشارح من التكليف في هذا المقام بعد ثبوت عدم منافاة النوم للصوم بالنص والاجماع انتهى أقول بناء إيراده ليس إلا على الغفلة
عن الفرق بين ابتداء التكليف واستدامته على الوجه الذي قرره (ره) وأوضحه غاية الوضوح لان الأدلة العقلية والنقلية إنما تدل على امتناع الابتداء
لا الاستدامة والاستمرار بالمعنى الذي ذكره إذ لا يرجع حاصله إلا إلى بقاء طلب الفعل الذي أمر المكلف به بعد تفهيمه إياه وشروعه في حال التذكرة بالقصد و
العزم المعبر فيه ببقاء صدوره عنه بهذا العزم ولو حكما أي من دون تجدد عزم له ينافيه أو زوال العقل بالكلية بحيث يستلزم زوال حكم هذا
العزم ولا إباء للعقل ولا الشرع عن ذلك أصلا وكيف يمكن القول بإتيان المكلف بالفعل المكلف به وقبول المكلف ذلك منه ومجازاته له عليه
بالاجر والثواب مع عدم مطلوبية الفعل رأسا وسقوط التكليف عنه ورفعه بالكلية بل مع امتناع بقائه كما ادعاه ولو كان الامر على ما ذكره للزم
فساد أكثر عبادات المكلفين وعدم شرعيتها لظهور ندور صدور عمل عن مكلف يقارن التذكر من البداية إلى النهاية وما ذكره في العلاوة فمع أن ظاهر عبارته توهم الخلط بين استدامة التكليف والتكليف بالاستدامة يرد عليه إن الاثم إنما يكون بسبب الاخلال العمدي ولا يتصور ذلك من
النائم والساهي وقوله وكيف كان فلا ضرورة إلى ما ارتكبه الاخر غير مستقيم لان عدم منافاة النوم للصوم بالنص والاجماع لا يفيد في حل دليل
الخصم على عدم شرعية صوم النائم وعدم إمكان وصفه بالصحة ولا يبطل تأويله للنص والاجماع بأن المراد أنه في حكم الصحيح وذلك ظاهر جدا وإن تذكرت
ما حققناه لك سابقا في مسألة استمرار حكم النية ينفعك في هذا المقام ثم اعلم أن القول بصحة صوم المغمى عليه مع سبق النية والقول بفساده مع عدم
وجوب القضاء متقاربان وإنما تظهر الفائدة فيما لو زال الاغماء في أثناء النهار فيجب عليه الامساك على القول الأول ويستحب على الثاني فالعمدة
في هذه المسألة البحث عن وجوب القضاء وعدمه مع عدم سبق النية أو المداواة بالمفطر (ولا يقتضي لسبق النية وإفطاره ومداواته بالمفطر) لما عرفت
من سقوط التكليف عنه أداء وقضاء كالمجنون فلا يلزم من إفطاره مع سبق النية وجوب القضاء وتدل أيضا على سقوط القضاء صحيحة أيوب بن
366

نوح قال كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسئلة عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا فكتب لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة وصحية علي بن
مهزيار قال سئلته عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته من الصلاة أم لا فكتب لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة ورواية علي بن محمد القاساني
قال كتبت إليه وأنا بالمدينة أسئلة عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته فكتب (عليه السلام) لا يقضي الصوم وحسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال كلما غلب الله عليه فليس على صاحبه شئ لا يقال المغمى عليه مريض فيجب عليه القضاء للآية الكريمة وأيضا الاخبار وارده في وجوب قضاء
الصلاة عليه ولا قايل بالفرق مع أن ما ذكرتم من الاخبار تشمل على سقوط قضاء الصلاة فيضعف العمل بها لأنا نجيب عن الأول بمنع كونه مريضا مطلقا
وعلى تقدير التسليم نقول بتخصيص حكم الآية بالاخبار وعن الثاني بحمل الأخبار الدالة على قضاء الصلاة على الاستحباب للجمع كما قاله الشيخ (ره) في التهذيب
واستشهد على ذلك بأخبار تدل عليه وأمر الاحتياط واضح خلافا للمبسوط حيث قال فيه إذ دخل عليه شهر رمضان وهو مغمى عليه أو مجنون أو نائم
وبقى كذلك يوما أو أياما كثيرة أفاق في بعضها أو لم يفق لم يلزمه قضاء شئ مما مر به إلا ما أفطر فيه أو طرح في حلقه على وجه المداواة له فإنه يلزم
حينئذ القضاء لان ذلك لمصلحته ومنفعته وأنت خبير بأن كون المداواة للمصلحة لا يقتضي الحكم بلزوم القضاء بعد ما عرفت أدلة سقوط عنه وما نقله
المصنف (ره) أوفق لكلام المبسوط مما نقله صاحب المدارك من القول بسقوطه عن المغمى عليه مطلقا وكلامه ثانيا في بيان حكم المغمى عليه وإن كان يشعر بما
نقله لكنه مخصوص بعزمه على الصوم قبل الاغماء وإن كان قبل دخول الشهر كما صرح به وبعدم الافطار بقرنية هذا الكلام (وقال المفيد يقضي ما
لم ينو قبل الاغماء فيجزي) قد عرفت شرح كلامه مفصلا (ولا يصح من السكران) لفساد عقله ومن شروط الصحة كمال العقل (وإن وجب عليه) فيترتب العقاب
على هذا الافساد ويجب الامساك عليه ولو أفاق في أثناء النهار ويلزمه القضاء مطلقا وهذا بناء على ما هو الغالب في السكران من فعله للسبب عالما أما
لو وجر المسكر في حلقه بالاكراه أو تناول شيئا ولم يعلم به فأداه التناول إلى السكر فليس عليه شئ كما سيأتي لما عرفت في المغمى عليه والنائم بحكم الصائم
اليقظان في وصف صومه بالصحة شرعا مع سبق النية وإن استمر نومه إلى الليل والظاهر وفاق العامة والخاصة على عدم ابطال النوم للصوم وعدم منعه
عنه وروي عن النبي صلى الله عليه وآله الصائم في عبادة إن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما وعن الصادق (عليه السلام) نوم الصائم عبادة وصمته
تسبيح وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب وعن الكاظم (عليه السلام) قبلوا فإن الله تبارك وتعالى يطعم الصائم ويسقيه في منامه إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
ونقل عن إدريس إن النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا ولكن الظاهر أنه يقول باستحقاق الثواب وعدم وجوب القضاء للاتفاق وقد مر الكلام في ذلك
مفصلا (أو انتباهه قبل الزوال وتجديدها) لما مر سابقا في بحث وقت النية فأما لو لم تسبق منه النية ولم ينتبه قبل الزوال أو لم يجددها فعليه القضاء
لفوات وقت النية وفوات الصوم بفواتها (ولو نام أياما قضى ما لم ينو له) فلو لم ينو أصلا قضى الجميع ولو نوى فغير اليوم الأول (وفي المبسوط يصح كلها
مع سبق النية بناء على إجزاء النية للأيام) قال (ره) فيه ومن بقي نائما قبل دخول الشهر أو بعده أياما وقد سبقت منه نية القرينة فلا قضاء عليه وقد
مر أن الأجود عند المصنف تعدد النية بتعدد الأيام فلا يصح اليوم الأول (والكافر يجب عليه الصوم) لاتفاقهم على أنه مكلف بالفروع ومعاقب على
تركها (ولا يصح منه) لاشتراطه بنية القربة ولا تتمشى منه وإن كان كفره بغير جحد الإلهية لان المعتبر من القربة في العبادة المحضة كالصلاة والصوم ترتب
أثرها من الثواب لا محض طلبها بالاتفاق وإنما الخلاف في عتقه وصدقته ووقفه باعتبار إن الغرض منها نفع الغير فجانب المالية فيها أغلب من جانب
العبادة ويمكن الاكتفاء فيها بمحض طلب القربة باعتبار النصوص الدالة على اعتبار القربة فيها (إلا ما أدرك فجره مسلما) لارتفاع المانع في تمام وقت
العبادة حينئذ وفي المبسوط لو أسلم قبل الزوال أمسك وجوبا وكان صوما صحيحا وقد مر وجهه سابقا مع ما فيه ورواية العيص بن القاسم في الصحيح تدفعه قال
سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسملوا فيه قال ليس عليهم
قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر لا يقال لعل قوله أو يومهم الذي أسلموا فيه عطف على قوله ما مضى فالسؤال
عن قضاء اليوم الذي أسلموا فيه باعتبار كفرهم في جزء منه لعدم تعرضه لذكر شئ آخر من منافيات الصوم والجواب عدم وجوب القضاء عليهم بهذا
الاعتبار ولا ينافي ذلك وجوب صومه عليهم إذا كان إسلامهم قبل الزوال كما هو رأى الشيخ لأنا نقول كما له بعد هذا المعنى عن قوله (عليه السلام) في الجواب
ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسملوا فيه غير خفي ومع ذلك فلا يرتبط الاستثناء بسابقة (ولو ارتد المسلم في الأثناء فالوجه فساد الصوم وإن عاد خلافا
للمبسوط والمعتبر) قال في المبسوط أما المرتد عن الاسلام إذا رجع فإنه يلزم قضاء الصوم وجميع ما فاته من العبادات في حال ارتداده لأنه كان بحكم الاسلام
لالتزامه له أولا فلأجل ذلك وجب عليه القضاء فأما إن ارتد ثم عاد إلى الاسلام قبل أن يفعل ما يفطره فلا يبطل صومه بالارتداد لأنه لا دليل عليه وقال في المعتبر
367

لو عقد الصوم مسلما ثم ارتد ثم عاد لم يفسد صومه وقد مر البحث عن تلك المسألة سابقا والمصنف (ره) نسب القول بالاجزاء في السابق إلى الشهرة وجعل الوجه
الفساد كما حكم هنا ولا وجه لإعادته (ولا يجب) الصوم إلا ما يستثني (على المسافر حيث يجب عليه القصر) أما لو تخير في القصر ففي الأماكن الأربعة لا يجوز له
الصوم لاختصاص الاخبار بجواز اتمام الصلاة فيها للمسافر فالأدلة المتضمنة لوجوب الافطار عليه سالمة عن المعارض وفي قاصد أربعة فراسخ
ولم يرد الرجوع ليومه فبين القائلين بتخييره في قصر الصلاة في صومه خلاف قال الشيخ في النهاية والمبسوط لم يجز له الافطار وهو مخير في التقصير في
الصلاة وكان نظره إلى اختصاص الاخبار بقصر الصلاة وقال المفيد يتخير فيهما ويحتمل أن يكون مستنده الأخبار الواردة في قصر الصلاة مع الأخبار
الدالة على التلازم بين القصر والافطار كقوله الصادق (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن وهب هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت ولو
أراد الرجوع من يومه فقال في المختلف قصر في الصلاة والصوم إجماعا ونقل في المنتهى عن الشيخ قولا بالتخيير (ولا يصح منه صوم رمضان) للآية والاخبار
والاجماع منا وأكثر العامة على الصحة واختلفوا في الأفضلية ومستندهم رواية عايشة إن النبي صلى الله عليه وآله قال لحمزة الأسلمي وقد سئله عن
الصوم في السفر إن شئت صم وإن شئت فأفطر ورواية أنس قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فصام بعضنا وأفطر بعضنا فلم يعب الصائم على المفطر
ولا المفطر على الصايم وتحملا على صوم الندب على تقدير صحتهما (وإن نذره) لفساد النذر بفساد متعلقه (ولو صام رمضان ندبا أو كان عليه صوم شهر
مقيد بالسفر فصامه عنه فظاهر الشيخ الجواز ومنعه الفاضلان) قال في المبسوط إذا كان مسافرا سفر يوجب التقصير فإن صام بنية رمضان لم يجزه وإن صام
بنيته التطوع كان جايزا وإن كان عليه صوم نذر معين ووافق ذلك شهر رمضان فصام عن النذر وهو حاضر وقع عن رمضان ولا يلزمه القضاء لمكان النذر
وإن كان مسافرا وقع عن النذر وكان عليه القضاء لرمضان ثم حكم بمثل ذلك على من أوقع صوم واجب آخر كان عليه غير النذر في رمضان ثم قال وعلى الرواية
التي رويت أنه لا يصام في السفر واجب لا يصح هذا الصوم بحال أقول بناء ما ذكره من أنه إذا صام عن النذر وهو حاضر وقع عن رمضان على ما مر من تأدى
رمضان بنيه غير فرضا أو نقلا وقال العلامة في المختلف بعد نقل كلام الشيخ والأقرب إن صومه نقلا أو عن نذر مقيد بالسفر باطل لنا قوله تعالى
فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وإيجاب العدة يستلزم إيجاب الافطار وقوله (عليه السلام) ليس من البر الصيام في السفر أقول فرض النذر
مقيدا بالسفر لاعتقاده أنه لو لم يقيد يختص بالحضر لا يقال يتوجه على احتجاجه بالآية إن إيجاب العدة يستلزم عدم صحته صوم رمضان في السفر لا إيجاب
الافطار وعلى احتجاجه بالرواية وقد احتج بها المحقق (ره) أيضا في المعتبر إن بناء كلام الشيخ على جواز التعبد بالصوم الواجب لا بالأصالة والصوم
المندوب في حال السفر وعلى هذا فيختص الرواية بصوم رمضان فلا تدل على خلاف مطلوب الشيخ لأنا نجيب عن الأول بأن الله تعالى أمر من شهد الشهر
من المكلفين بصومه من غير اعتبار قيد أو خصوصية في هذا الصوم ثم أوجب العدة على المعذور بالمرض أو السفر فعلم منه ظاهرا أنه لا يجوز للمريض و
المسافر الصوم مطلقا في هذا الشهر خصوصا بقرينة ملاحظة حال المريض وحكمه وقد اعترف الشيخ (ره) أيضا بذلك في التهذيب حيث قال ومتى
خرج على ما ذكرناه من وجوه السفر وجب عليه الافطار يدل على ذلك قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من
أيام أخر فالواجب يظاهر اللفظ الصيام لمن شهد وفرض بصريحه القضاء على من يكون مريضا أو مسافرا فلو لا إن الافطار واجب لما وجب عليه عدة من
أيام أخر ثم استدل بأخبار تدل على ذلك كرواية عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز وجل فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال
ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه ورواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول قال رسول الله صلى
الله عليه وآله إن الله تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالتقصير والافطار أيسر أحدكم إذا تصدق بصدقة أن ترد عليه ورواية يحيى بن أبي العلاء عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال الصايم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر ثم قال إن رجلا
اتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله أصوم شهر رمضان
في السفر فقال لا فقال يا رسول الله أنه علي يسير فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالافطار في شهر
رمضان أتعجب أحدكم أن لو تصدق بصدقة أن ترد عليه ونجيب عن الثاني بأن المفروض أصل جواز التعبد بالصوم الغير الواجب بالأصالة مجملا في
حال السفر لا إيقاعه في خصوص شهر رمضان فيبقى تحت عموم المنع المستفاد من هذا الخبر حتى يظهر خلافه ولا يلزم من مجرد تطرق التخصيص إلى الخبر
تخصيصه بمحض صوم رمضان والحاصل إن العبادة وظيفة متلقاة من الشارع فيتوقف على النقل وقد ورد هذا المنع المستفيض الذي يخصص
العمومات الواردة في التعبد بالصيام بغير حال السفر وليس بعد ذلك في الآثار ما يدل على جواز التعبد بالصوم الغير الواجب بالأصالة مطلقا في السفر
حتى في شهر رمضان بل الظاهر من اتفاقهم على عدم وقوع صوم آخر مطلقا في هذه الشهر في الحضر كما مر سابقا ومن الروايتين الواردتين في جواز الصوم المندوب
368

في السفر خلاف ذلك أعني رواية إسماعيل بن سهل عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال خرج أبو عبد الله (عليه السلام) من المدينة في أيام بقين من شعبان فكان
يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر فقيل له أتصوم شعبان وتفطر شهر رمضان فقال نعم شعبان إلى أن شئت صمته وإن شئت لا وشهر رمضان
عزم من الله عز وجل على الافطار ورواية حسن بن بسام الجمال عن رجل قال كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم رأينا
هلال شهر رمضان فأفطر فقلت له جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من رمضان وأنت مفطر فقال لان ذلك تطوع ولنا إن نفعل ما شئنا
وهذا فرض فليس لنا أن فعل إلا ما أمرنا ثم قال في المختلف في الاحتجاج عن قبل الشيخ بأنه زمان لا يجب صومه عن رمضان فأجزء عن غيره كغيره من الأزمنة
التي لا يتعين الصوم فيها والجواب الفرق بأن هذا الزمان لا ينفك عن وجوب الصوم عن رمضان وجوب الافطار بخلاف غيره من الأزمنة ولأنه يجب إفطاره
في السفر فأشبه العيد في عدم صحة صومه انتهى أقول أما ما ذكره من عدم انفكاك هذا الزمان عن وجوب الصوم ووجوب الافطار فقد عرفت وجهه من دلالة الآية
وغيرهما وأما ما ذكره بقوله ولأنه يجب إفطاره اه فضعفه ظاهر ولكنه ذكره جريا علي دابة ودأب الشيخ وبعض القدماء من ذكر بعض الاستدلالات القياسية على
وطيرة العامة في كتبهم لان أكثر أبحاثهم معهم ولا يصح في السفر غيره أي غير صوم رمضان أيضا من الواجبات لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال
ليس من البر الصيام في السفر وللاخبار المستفيضة من طريق الخاصة كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم فقال
ليس من البر الصوم في السفر ولا يخصص الجواب بقرنية خصوص السؤال من غيره ضرورة وصحية عمار بن مروان على ما في الفقيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول
من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيدا وفي معصية لله عز وجل أو رسول لمن يعصي الله عز وجل أو طلب عدوا وشحناء أو سعاية أو ضرر على
قوم من المسلمين ورواه الكافي بسند ضعيف عن محمد بن مروان وكذا في بعض نسخ التهذيب عنه وفي أكثرهما عمار بن مروان وبالجملة فالسيد لا يخلو عن اضطراب ولا
يبعد دعوى ظهوره في صوم رمضان باعتبار جعله الأصل الصوم والصيد يحمل على الصيد لهو أو بطرا للجمع وكان السفر في معصية الله إشارة إلى كون السفر
نفسه معصية كسفر الفار من الزحف والهارب من غريمه مع قدرته على وفاء الحق والخارج بعد الزوال يوم الجمعة أو عرفة من غير فعل ما يجب عليه فيهما
والسالك لطريق مخوف يغلب معه ظن العطب على النفس أو على ماله المجحف والعبد للإباق والزوجة للنشوز ولا يبعد شموله لسفر للآبق والناشر وإن لم
يقصد ذلك بالسفر وقال الشهيد الثاني (ره) هذا الحديث وإن كان صدره يدل على مطلق المعصية لكن عجزه يخص ذلك ما كانت غاية المعصية كغيره وأقول
يشكل فهم التخصيص من مجرد عطف الاسفار التي غايتها المعصية على ذلك بكلمة أو والظاهر أن لفظ رسول مصدر مجرور والمراد الرسالة المتضمنة للمعصية
كأخذ عهد لجاير أو أمر شخص بقتل نفس محترمة أو أخذ مال محترم ونحو هذا والشحناء العداوة والمراد بطلبها السعي في إلقائها وافشائها بين المسلمين بل
المحترمين وصحيحة علي بن مهزيار قال كتب بندار مولى إدريس يا بن رسول الله نذرت أن أصوم كل يوم سبت فن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة فكتب (عليه السلام)
وقرأته لا تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك وإن كنت أفطرت من غير علة تصدق بعد كل يوم لسبعة مساكين
نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى وحكم المحقق (ره) في المعتبر بضعف هذا الرواية وأنت خبير بأن جهالة الكاتب لا تضر بصحتها لان مقتضى الرواية إخبار
على بن مهزيار بقراءة المكتوب فكان وجه ضعفها الاضمار واشتمالها على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا نوى ذلك وإطعام سبعة مساكين في
كفارة النذر ولكن قوله فكتب (عليه السلام) يؤيد أن المكاتب هو الامام والتعويل على مجرد قول الكاتب في إسناد خط الجواب والتعبير بهذه العبارة بعيد عن
الثقة ويمكن الاعتذار عن الثاني بأن الاستثناء عن السفر لظهور عذر المريض ولكن يرد حينئذ أنه يحتمل أن يكون ذلك عبارة عن الصوم ويكون المعنى إلا أن
تكون نويت الصوم من الليل وخرجت اليوم إلى السفر فيتم حينئذ صوم ذلك اليوم وعن الثالث بما قاله الشيخ في التهذيب من أن الكفارة إنما يلزم بحسب أحوال
المفطرين فيمن تمكن من عتق رقبة يجب عليه ذلك ومن لم يتمكن من ذك وتمكن من إطعام سبعة مساكين أخرجه وإن لم يتمكن من ذلك يقضى ذلك
اليوم وليس عليه شئ والحق إن هذه التكليفات لا تخرج الرواية عن الضعف الذي حكم به المحقق (ره) وموثقة زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إن أمي
كانت جعلت عليها نذرا إن الله رد عليها بعض ولدها من شئ كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت فخرجت معنا مسافرة
إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أو تفطر فقال لا تصوم وضع الله عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها فقلت فما ترى إذا هي رجعت إلى
المنزل أتقضيه قال لا قلت أفتترك ذلك قال لا أني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره قوله (عليه السلام) وضع الله عنها حقه أي صيام شهر رمضان الواجب
بالأصالة فكيف تصوم يوما جعلت هي على نفسها بالنذر مع أن ما أوجبه الله تعالى أضيق وبعدم السقوط أليق وهذا لا يخلو عن دلالة على منافاة السفر
للصوم وعدم جواز إيقاعه فيه ولو كان منذورا مقيدا وفي هذا الخبر تصريح بسقوط القضاء إذا اتفق المنذور وصومه في السفر ولكن السفر الذي في الخبر
369

يحتمل الوجوب وموثقة عمار الساباطي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقول لله على أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل فعرض له أمر لا بد له من
أن يسافر أيصوم وهو مسافر قال إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره والصوم في السفر معصية وعموم هذا الخبر والحكم فيه بالحرمة واضح
ويمكن حمل الفريضة على الواجب بالأصالة وغيره على واجب آخر ليخرج المندوب وموثقة زرارة بأبان بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لم يكن رسول الله صلى الله
عليه وآله يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره وكان يوم بدر في شهر رمضان ولا غيره وكان يوم بدر في شهر رمضان وكان الفتح في شهر رمضان وعموم هذا
الخبر واضح ولكن دلالته على الحرمة غير واضحة ورواية كرام عبد الكريم بن عمر والخثعمي وقد وثقة بعضهم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أني جعلت على
نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم فقال صم ولا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه من رمضان وهذا الخبر يدل على حرمه صوم
الشك ولا يمكن تأويله بحرمة صومه بنية أنه من رمضان ورواية سماعة قال سئلته عن الصيام في السفر فقال الصيام في السفر قد صام كل أناس على عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله فسماهم العصاة فلا صيام في السفر إلا الثلاثة أيام التي قال الله عز وجل في الحج رواية محمد بن حكيم قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لو أن رجلا مات
صايما في السفر ما صليت عليه ورواية أبان بن تغلب عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا و
قصروا وإذا أحسنوا استبشروا وإذا أساؤا استغفروا وشرار أمتي الذين ولدوا في النعم وغذوا به يأكلون طيب الطعام ويلبسون لين الثياب وإذا تكلموا لم
يصدقوا أو لا يبعد دعوى ظهوره في صوم رمضان كما عرفت في صحية عمار بن مروان ورواية قاسم بن أبي القسم الصيقل قال كتب إليه يا سيدي رجل نذر أن
يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي
فكتب إليه قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها وتصوم يوما بدل يوم إنشاء الله والمراد من الجمعة الأسبوع وهذا الخبر ينافي في خبر زرارة
باعتبار الحكم بالقضاء ويمكن حمله على الاستحباب أو حمل السفر على الجايز ولكن سقوط القضاء باعتبار اتفاقه في السفر الواجب كما يفهم من خبر زرارة
وعدم سقوطه باعتبار اتفاقه في اليوم الذي حرم صومه أو كان مريضا فيه على ما يفهم من هذا الخبر مستبعدا جدا والأخبار الواردة في هذه الباب غير ما
ذكرناه كثيرة واستثنى الأصحاب من ذلك مواضع كما قال المصنف (إلا ثلاثة الهدى) من جملة العشرة التي يجب على من لم يجده لاطلاق الآية ورواية سماعة
المتقدمة وصحيحة رفاعة بن موسى قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتمتع لا يجد الهدى قال فليصم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة قلت فإنه
قدم يوم التروية قال يصوم ثلثه أيام بعد التشريق قلت لم يقم عليه جمالة قال يصوم يوم الحصبة وبعد بيومين قال قلت وما الحصبة قال يوم نفره قلت
يصوم وهو مسافر قال نعم أفليس هو يوم عرفة مسافرا أنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عز وجل فصيام ثلاثة أيام في الحج نقول في ذي الحجة وهذا
الخبر يدل على أن المسافة أربعة فراسخ وحسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن متمتع لم يجد هديا قال يصوم ثلاثة أيام في الحج
يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة قال قلت فإن فاته ذلك قال فليصم ليلة الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده قلت فإن لم يقم عليه جماله
أيصومها في الطريق قال إنشاء صامها في الطريق وإنشاء إذا رجع إلى أهله قوله (عليه السلام) فليصم ليلة الحصبة أي فلينوا الصوم تلك الليلة وقوله و
إنشاء إذا رجع إلى أهله أي إذا علم إن رجوعه في ذي الحجة فإنه إن لم يصم هذه الثلاثة الأيام في ذي الحجة حتى أهل هلال المحرم فعليه دم شاة وليس له صوم
ويدل أيضا على جواز صوم هذه الثلاثة في السفر إخبار آخر وينافها ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) قال الصوم الثلاثة
الأيام إن صامها فأخرها يوم عرفة وإن لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصوم (يصومها) في أهله ولا يصومها في السفر ويمكن حمله عليه استحباب التأخير
إذا علم وصوله إلى أهله في ذي الحجة وقال الشيخ (ره) أراد (عليه السلام) لا يصومها في السفر معتقدا أنه لا يسعه غير ذلك بل يعتقد أنه مخير في صومها في السفر
وصومها إذا رجع إلى أهله واختار ابن أبي عقيل عدم جواز صومها في السفر وثمانية عشرة البدنة للمفيض من عرفات قبل الغروب عالما عامدا مع عجزه
عنها لصحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن يغيب الشمس قال عليه بدنة ينحرها يوما لنحر فإن لم يقدر
صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله والنذر المقيد بالسفر قال في المنتهى من نذر صوم يوم معين وشرط في نذره صوم سفرا أو حضرا
فإنه يجب عليه صومه وإن كان مسافر اختاره الشيخان واتباعهما العموم قوله تعالى يوفون بالنذر وقوله تعالى والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ولأن
الأصل صحة النذر وإذا صح لزم ويؤيده ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليهم السلام) قال سئلته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم
مسمى قال يصومه أبدا في السفر والحضر قال الشيخ الوجه فيه إذا شرط على نفسه أن يصوم في السفر والحضر لما رواه على بن مهزيار قال كتب بندر مولي إدريس
إلى اخر ما تقدم ذكره ثم قال في المنتهى ولا نعلم خالفا لهما من علمائنا فوجب المصير إليه أقول الحكم بصحة النذر مع ورود أخبار كثيرة بالمنع عن متعلقه
370

كما عرفت غير سديد ولا يكن الحكم بشمول النذر الوارد في الآية له لان المراد النذر الشايع الذي هو طاعة والكلام في جواز هذا النذر فلم يبق إلا
الرواية ورواية إبراهيم مع ضعف سندها يحتاج متنها إلى التأويل وقد عرفت حال رواية علي بن مهزيار والمحقق في المعتبر نسب القول إلى الشهرة لمكان ضعف
الرواية والظاهر أن من يذهب إلى تحريم الصوم سفرا ندبا يلزمه القول بعد انعقاد نذره سواء كان منفرد أو منضما إلى الحضور وبالجملة فالاجماع غير معلوم
ولكن الحكم بخلاف هذه الشهرة أيضا مشكل فالاحتياط في عدم التعرض لايقاع هذا لأنذر وظاهر عبارة المصنف وعبارة بعضهم جواز نذر صوم يوم
معين في السفر منفرد أو صرح به الشهيد الثاني في الروضة وجوز المرتضى صحة صوم المعين إذا وافق
السفر وإن لم يقيد النذر بالسفر لعموم أو أمر إيفاء النذر
والعهود ولا يعمل بما ينافيها من الآحاد وبه روايتان أما الدالة على الجواز فرواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة وأما الدالة على المنع فكثيرة كما
عرفت وتدل عليه أيضا موثقة عبد الله بن سنان قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصوم يوما قد وقته على نفسه أو يصوم أشهر الحرم فيمر به
الشهر والشهر أن لا يقضيه قال فقال لا يصوم في السفر ولا يقضي شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها في كل شهر ولا يجعلها بمنزلة
الواجب إلا إني أحب لك أن تدوم على العمل الصالح قال وصاحب الحرم الذي كان يصوم مكان كل شهر من أشهر الحرم ثلثه أيام و
الظاهر أن سؤال الراوي عن حال من يصوم يوما من كل شهر قد وقت صومه على نفسه هل يلزمه الاتيان به والمحافظة على فعل في كل حال حتى في السفر وعن
حال من كان من عادته أن يصوم أشهر الحرم فيمر به الشهر والشهر إن منها لا يتفق له الصوم فيه فهل عليه قضاء ذلك الصيام والقضاء في قوله لا يقضيه بمعنى
الفعل فأجاب (عليه السلام) عن الأول بأنه لا يصوم في حال السفر وعن الثاني بعدم قضاء صوم التطوع إلا الثلة الأيام فإنها تقضي ولكن لا بعنوان إن اللزوم
ولا يجعلها الانسان بمنزلة الواجب بأن يهتم بها كما يهتم بشأن الواجب حتى لا يرخص نفسه للافطار فيها أصلا بل يفعلها أداء وقضاء بعنوان
استحباب المداومة على العمل الصالح وفعل الخير ثم ذكر (عليه السلام) إن صاحب العادة بصوم أشهر الحرم يجزيه في إدارك نحو الفضيلة المعتادة أن يصوم بدل
كل شهر فإنه فيها ثلثه أيام بحكم من جاء الحسنة فله عشر أمثالها وهذا أيضا نوع استثناء عن قوله ولا يقضي شيئا من صوم التطوع ورواية مسعدة بن صدقة
عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) في الرجل يجعل على نفسه أياما معدودة مسماة في كل شهر فتمر به الشهور إنه لا يصوم في السفر ولا يقضيها إذا شهد
وأنت خبير بأن حمل التوقيت والجمل في الخبرين على اشتراط غير مقرون وبما يلزم الوفاء به شرعا كالنذر وشبهه غير مستبعد خصوصا في الخبر الأول و
ابنا بابويه جزاء الصيد قاله على في رسالته وابنه في مقنعه وقال في المختلف احتج على هذا القول بالأصل وبأنه يدل على جزاء وجب في الحرم فجاز صومه في
السفر كالثلاثة في بدل الهدى والجواب عن الأول بأن الأصل يعدل عنه لدليل أقوى والقياس ممنوع ومنقوض بالسبعة والمفيد ما عدا رمضان في فحوى
كلامه هذا القول منه (ره) في غير مقنعه ومخالف لما قاله فيها واحتج عليه بالأصل والجواب المنع من بقاء حكمه مع قيام المنافي الدال على خلافه وقد
عرفته مفصلا والكل متروك قول السيد وابني بابويه والمفيد (ره) وقد عرفت وجه الترك والأقرب كراهة الندب سفرا اختلفوا في صيام التطوع في السفر
سوى ما يستثنى فقال ابن بابويه في الفقيه فأما صوم التطوع في السفر فقد قال الصادق (عليه السلام) ليس من البر الصوم في السفر وظاهره القول بعدم الجواز وقريب
منه قوله في المقنع وكذا قول سلار وقال المفيد بأولوية الاجتناب عنه للاحتياط وقال الشيخ في النهاية يكره صيام النوافل في السفر على كل حال وقد
ورد رواية في جواز ذلك فمن عمل بها لم يكن ما ثوما إلا إن الأحوط ما قدمنا وقال في المبسوط يكره صوم التطوع في السفر وروى جواز ذلك وكأنه (ره)
أراد بالكراهة المنع ولزوم التجنب وبالجواز الرخصة ثم جعل الاحتياط كما قاله المفيد وقال ابن حمزة صيام النفل في السفر ضربان مستحب وجايز فالأول
صيام ثلثه أيام عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله) لصلاة الحاجة والثاني ما سوى ذلك وروى كراهة صوم نافلة في السفر والأولى أثبت والظاهر أن مراده بالمستحب
المأمور به المرغب فيه وبالجايز ما فهم من الشرع الرخصة في الاتيان به وأراد بالكراهة المنع والخطر أقول وأما الأخبار الدالة على المنع عن الصيام في
السفر فقد عرفتها ويزيدها بيانا ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح بمكة والمدينة ونحن سفر قال فريضة
فقلت لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة فقال تقول اليوم وغدا فقلت نعم فقال الجوهري سفرت خرجت إلى السفر فأنا مسافر وقوم سفر
مثل صاحب وصحب وكأنه (عليه السلام) أراد بقوله تقول اليوم وغدا أن يعلم إن له العزم على إقامة ثلاثة أيام حتى يأمره بالصوم في المدينة أم لا ويحتمل أن يكون أيضا
شدة الكراهة في صورة عدم قصد الإقامة رأسا وقال الشيخ في التهذيب بعد نقل هذه الرواية ولو خلينا وظاهر هذه الأخبار لقلنا إن صوم
التطوع في السفر محظور كما إن صوم الفريضة محظور غير إنه ورد فيه من الرخص ما نقلنا عن الخطر إلى الكراهة وذكر في ذلك خبرين مرسلين في غاية ضعف السند
أعني خبر إسماعيل بن سهل عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) وخبر حسن بن بسام الحمال عن رجل عنه (عليه السلام) وقد ذكرنا هما سابقا ثم إن في هذا المقام إشكالين
371

الأول إنه كيف يصح اطلاق المكروه على هذا الصيام لان العبادة إن كانت صحيحة يحصل بها التقرب ويستحق عليها الاجر البتة فلا بد من أن يتصف وجودها
بالرجحان ولا يتصور رجحان عدمها حتى يتصف بالكراهة وإن كانت غير صحيحة شرعا فلا يجوز أن ينوي بها التقرب لو نوى بها يتصف بالخطر والتشريع لا محالة
والعمل بغير نية ليس بعمل يتصف بحكم من الأحكام الشرعية والثاني إنه كيف يمكن العمل بهذين الخبرين الضعيفين في تجويز صيام النافلة في السفر مع تعارضهما للأخبار الصحيحة
وإشارة إلى دفع الاشكال الأول بقوله إن المراد كونه أنقص ثوابا من الصوم في الحضر كنظائره من مكروه العبادة وحينئذ فلا ينافي أصل الاستحباب وقد ذكر هذا التحقيق في تمهيد القواعد وقبله المحقق الشيخ على (ره) أيضا وإلى دفع الاشكال
الثاني بقوله الأخبار الصحيحة دالة على المنع من الصوم سفرا من غير تقييد بالواجب لكن ورد أخبار مرسلة بجواز المنذور بالمسافر وعمل بها أكثر الأصحاب حاملين
للاخبار الأول على الكراهة للمندوب وجمعا بينهما وبين ما دل على الجواز وقد عرفت ما فيها إلا إن دلايل السنن يتسامح فيها ويمكن الاحتجاج
للجواز بحديث من بلغة شئ من أعمال الخير وحينئذ فالقول بالكراهة لا بأس به وقد أوردوا على ما أفاده لدفع الاشكال الأول إيرادين الأول إن نقص
الثواب وقلته يوجد في كثير من العبادات بالنسبة إلى الأخرى كالصلاة في البيت بالنسبة إلى المسجد الأعظم ولا
يطلقون الكراهة عليهما أصلا والثاني إنه لو كان بمعنى نقص الثواب بدون رجحان للعدم فلا وجه لترك النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)
تلك العبادات ونهيهم الناس عنها كما نقل عنهم (عليهم السلام) لان قلة الثواب لا يقتضي الترك ونهى الناس عنها خصوصا فيما لا بدل له إذ فيه تفويت
ثواب بلا عوض أقول والحق إن العبادة الصحيحة الشرعية لا بد لها من جهة حسن لأجلها يستحق فاعلها الأجر والثواب ولا يعقل صحة العبادة وشرعيتها
مع خلوها عن مطلق الاجر ومن البين إنه لا يمكن استحقاق الأجر والثواب على تركها أيضا من تلك الجهة نعم ربما يقارن العبادة صفة وخصوصية
يكون عدمها راجحا على وجودها رجحانا يوجب ترتب الثواب على تركها من دون ترتب عقاب على الاتيان بها إذ مع ترتب العقاب لا يوصف العبارة
المشخصة المخصوصة بتلك الخصوصية بالصحة والشرعية إلا على فرض الاحباط إن جوزناه وعلى هذا فيوصف تلك الخصوصية بالكراهة الاصلاحية
ويمكن وصف هذه العبارة أيضا بالكراهة بهذه الاعتبار خصوصا إذا كان الثواب المترتب على ترك تلك الخصوصية أزيد من الثواب المترتب على
نفس تلك العبادة ولا يستبعد العقل عن ذلك مثلا الصوم المندوب في السفر باعتبار اشتماله على محاسن الصيام وترك مشتهيات النفس وملاذها لوجه
الله تعالى موجب للاجر والثواب ولكن السفر باعتبار الحركات الشاقة المتعبة التي يتفق فيه غالبا مع قلة النوم وتغير أكثر العادات يوجب كمال الضعف
البدن والقوى وهنها وكلالها والصوم أيضا موجب لذلك الضعف والكلال ولا ريب في أن انتظام أمور السفر من القيام بالحركات اللازمة وحمل الأشياء
الثقيلة والمحافظة على العبادات الواجبة المهمة ودفع المحاربين والقطاع والتحرز عن أذى الوحوش والسباع يستدعى مزيد قوة للبدن وانبساط
للنفس فيحتمل أن يكون الصوم في السفر موجبا لفوات كثير من تلك المنافع الدينية والدنيوية وعلى هذا فمن صام فيه باعتبار الحسن المعلوم للصوم وعدم
القطع والظن بترتب المفاسد المحتملة يتسحق عليه الأجر والثواب ومن ترك فيه الصوم للاحتياط في حفظ النفس والعرض والمال عن تطرق خلل في الحال أو المال فربما
استحق أجرا أوفر وثوابا أزيد إنه من البين أن حسن مراعاة الاحتياط في أمثال تلك الأمور العظيمة أزيد بكثير في نظر العقل والشرع من حسن القيام بالصيام
ولو صار فوت منفعة مهمة تلك المنافع بسبب الصوم متيقنا أو مظنونا بالظن الغلب لصار الصوم محظورا محرما ولكن مجرد الاحتمال لا يوجب ذلك كما
إن مجرد احتمال المفسدة لا يوجب سقوط الواجب الشرعي وبالجملة فمثل هذا الصوم ثواب تركه على وجه مخصوص بنية مخصوصة أزيد من ثواب فعله على وجه
خاص بقصد خاص فيمكن وصفه بالكراهة ويظهر الباعث على تركهم (عليهم السلام) له ونهيهم الناس عنه ويبعد حمل كلام المسالك على ما ذكرنا
لأنه قال المراد كونه أنقص ثوابا من الصوم في الحضر ولو كان مراده ما ذكرناه لقال المراد كونه أنقص ثوابا من ترك الصوم على وجه وللمتكلف أن يجمل كلامه
على إرادة إنه أنقص ثوابا من الصوم في الحضر باعتبار اشتماله على خصوصية ناقصة هي احتمال ترتب المفسدة لا باعتبار اشتمال الصوم في الحضر على مزية زايدة
كالمزية التي للصلاة في المسجد بالنسبة إلى الصولة في البين فينبثق على ما ذكرناه ويندفع عنه لا يرادان ولكنه بعيد عن العبارة غاية البعد و
يمكن أن يقال إن العبادات تختلف في الأحكام الشرعية بحسب المصالح المختلفة لها مثلا المصلحة التي في صوم شهر رمضان يقتضي أن يكون هذا
الصوم واجبا حتما لا يرخص أحد في تركه إلا على أحد الوجوه المقررة بحسب الشريعة وأما صوم أول يوم من رجب فلا يصح أن يكون بعنوان الوجوب واللزوم بحسب أصل
الأصل الشرع بل بعنوان تأكد الاستحباب وكمال الرغبة ولو صامه أحد بقصد الوجوب الشرعي لكان تشريعا حراما وصوم ساير الأيام التي لم يرد في صومها
تأكيد من الشارع ينبغي أن يكون الاستحباب من دون تأكد واهتمام فربما كان اقتضاء المصلحة في بعض أفراد الصوم كالصوم في السفر أن يكون بعنوان
الندرة والشذوذ لبعض آحاد الناس باعتبار إن رغبته أكثرهم فيه واهتمامهم به وخصوصا في أكثر الأيام يوجب تطرق المفاسد في كثر من الاسفار فذلك
372

هو الباعث عل يتركهم (عليهم السلام) له ونهيهم الناس عنه مع تجويزهم إياه حتى لا يخرج هذا الصوم عن حده اللاحق به في مراتب الاستحباب إلى حد آخر من الرغبة و
الاهتمام بحيث لا يليق به بحسب وغاية المصالح فمثل هذا الصوم المستحب لغير المرغوب فيه الذي ورد فيه النهي من الشارع بحسب المصلحة ويترتب الثواب على تركه في كثير
من الوجوه يسمى بالمكروه ويؤيد ما ذكرناه ما رواه الصدوق (ره) في الفقيه عن عبد الله بن المغيرة عن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أوصى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) وحده وأوصى علي (عليه السلام) إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) جميعا وكان الحسن (عليه السلام) أمامه فدخل رجل يوم عرفة على الحسن (عليه السلام)
وهو يتعدى والحسين (عليه السلام) صائم ثم جاء بعده ما قبض الحسن (عليهم السلام) فدخل على الحسين (عليه السلام) يوم عرفة وهو يتغدى وعلي بن الحسين (عليه السلام) صائم فقال الرجل إني
دخلت على الحسن (عليه السلام) ويتغدى وأنت صائم ثم دخلت عليك وأنت مفطر وعلي بن الحسين (عليه السلام) صائم فقال إن الحسين (عليه السلام) كان إماما فأفطر لئلا
يتخذ صومه سنة ويتأسى به الناس فلما انقبض كنت أنا الامام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي ثم اعلم إن الأردبيلي (طاب ثراه) أفاد
إن الكراهة في العبادات بالمعنى المشهور الأصول الذي هو أحد الأقسام الخمسة ولا بعد في قول الشارع لو فعلت هذه العبادة في وقت كذا أو مكان
كذا على هذا الوجه فلا ثواب ولا عقاب ولو لم تفعل أكان أحب إلى ثم قال فإن قيل إن نوى الصوم فصار تشريعا حراما لأنه ليس بمشروع كما هو المفروض وإن
يتو فلا يكون صوما مكروها قيل له يمكن اختيار الأخير وإن المراد بالصوم المكروه ليس كونه صوما شرعيا ومكروها بل بالشبهة كالحرام فإن الحرام
ليس بصوم مشروع وحرام أو المراد بقصد الصوم والعبادة في الجملة لا مع تحقق جميع شرايطها أو يكون النهي عن مجرد التشبيه بالصائمين والعابدين وإن لم
يكن من النية والشرايط المعتبرة في الصحة أقول هذه الاحتمالات الثلاثة مع كمال تقاربها في غاية الضعف إذ من المعلوم إن محل البحث حكم الصوم المصطلح
الشرعي في السفر وأمر الشارع ونهيه أيضا رجع إليه ولا ريب في اعتبار النية المشتملة على قصد القرية وساير الشرايط فيه وكذا الكلام في الصوم الحرام واطلاق
الصوم عليه أو اشتماله على النية لا يقتضى الصحة والشرعية وكراهة أصل الامساك في السفر مع أنها مما لا يقول به أحد ظاهرا خارجة عن محل البحث ثم قال (طاب
ثراه) ويمكن اختيار الأول أيضا وعدم تسليم التشريع لجواز أن يكون جعل بعض الأشياء مما يتقرب به إلى الله مكروها بالمعنى الذي قلناه بنص من الشارع
ولا محذور ولا يلزمه اعتقاد إنه صوم ورد الشرع به بل يكفي للفعل مع النية احتمال كونه مما يتقرب به
وتجويز الشارع له واحتمال إرادته من نهيه الترخص فقط
وقلة الثواب مثلا وعلى تقدير لزوم الاعتقاد والجزم في نية هذه العبادة مثلا للكراهة فنقول يلزم كون الاعتقاد حراما وتشريعا وأما الفعل على
هذا الوجه الذي لم يظهر شرعيته لم يثبت كونه حراما وإنما البحث فيه لا في النية والاعتقاد كما أشير إليه في الذكرى في تقديم الاستنشاق على المضمضة بقصد
الاستحباب من جواز كون القصد والجزم حراما دون الاستنشاق وأقول القول بجواز التعبد بالصوم في السفر وقصد التقرب إلى الله به بإذن الشرع وتجويزه
مع خلوه عن الأجر والثواب رأسا بل مع اشتماله على نقص بحسن تركه على ما يظهر من أول كلام هذه المحقق مذهبهم إذ الظاهر أنهم يقولون بعدم
جواز خلو العبادة المستقرب بها المأذون فيها شرعا عن الاجر إذ مع حصول القرب بها يحصل الاجر البتة ومع عدم حصوله لا يعقل تجويز الشارع للتقرب
بها وما يظهر ثانيا من كلامه من أن حكم الشارع بالكراهة على الصوم في السفر يرجع إلى كراهة الصيام فيه باحتمال تجويز الشارع فعدم استقامته واضح إنه
خروج عن محل البحث أيضا لان البحث ليس في حكم الصوم الناشي عن شبهه صحة أو احتمال تجويز من الشارع بل في أصل حكم الصوم المصطلح الشرعي في السفر
وما ذكره أخيرا من الحكم بحرمة نية الصوم وكراهة أصله فغير صحيح إذ لا يعتبر حال الفعل شرعا بدون تخصيصه وتميزه بالنية والفعل المتميز بالنية المحرمة لابد
وأن يتصف بالحرمة والحكم المصنف (ره) في الذكرى شئ آخر حاصلة إن اعتقاد شرعيته تقدم الاستنشاق على المضمضة لا عن شبهة محرم وذلك مما لا ريب
فيه ومن المعلوم إن ذلك الاعتقاد ليس نية الفعل ولا ربط له بتميز الاستنشاق تخصيصه ثم حكم بأن الظاهر أن الاستنشاق المتقدم ليس بمحرم إذ ليس فيه
إلا ترك استحباب الترتيب وليس ذلك من الحكم بحرمة النية وجواز أصل الفعل في شئ كما لا يخفى على المتأمل فتأمل ثم أن ما ذكره في المسالك لدفع الاشكال
الثاني فلا يخلو عن شئ لان دليل السنة والاستحباب إنما يجوز التسامح فيه مع عدم دليل دال على خلافه وأما مع وجود الحديث الدال على الحرمة مثلا كما
فيما نحن فيه فالعمل بالخبر الضعيف الدال على الاستحباب وحمل النهي الوارد في الخبر الصحيح على الكراهة لا يخلو عن إشكال والاحتجاج على الجواز بخبر من بلغه
شئ ففي غاية الاشكال إذ لا يبعد دعوى ظهور لبلوغ المعتبر بحسب الشرع الحاصل بتبليغ العدل إذ قد ورد في الكتاب الكريم الامر بالثبت في خبر الفاسق
وعلى تقدير تسليم العموم فلا ريب في تبادر أن المراد البلوغ الذي لا يعارضه خبر آخر دال على الاثم ونفى الخبر خصوصا إذا كان المعارض أصح وأقوى
منه وعلى التقديرين لا ينفع الاحتجاج به فيما نحن فيه إلا ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة الظاهر وفاقهم على هذا الاستثناء ويدل أيضا عليه صحيحة
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت يوما الأربعاء وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي الباقر
373

وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط إليها نفسه حتى نزل عذره من السماء وتقعد عندها يوم الأربعاء ثم تأتي ليلة الخميس التي يليها مما يلي مقام النبي
صلى الله عليه وآله ليلتك ويومك وتصوم يوم الخميس ثم تأتى الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى الله عليه وآله ومصلاه ليلة الجمعة فتصلى عندها ليلتك
ويومك وتصوم يوم الجمعة وإن استطعت أن لا تتكلم بشئ من هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل فإن
ذلك مما يعد فيه الفضل ثم احمد الله في يوم الجمعة واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله وسل حاجتك وليكن فيما تقول اللهم ما كانت لي إليك من
حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسالكها فأني أتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله نبي الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها
وكبيرها فإنك حري أن تقضي حاجتك إنشاء الله تعالى وأظهر الخبر وإن كان صوم خصوص الأربعاء والخميس والجمعة على النهج المذكور ولكن الأصحاب أطلقوا و
يحتمل أن يكون مرادهم الأيام المعروفة المخصوصة كما تشعر به عبارة بعضهم (وألحق المفيد المشاهد) أي مشاهد الأئمة (عليهم السلام) بالمدينة المشرفة حيث
قال في مقنعته في عداد المستثنيات وصوم ثلاثة أيام للحاجة أربعاء وخميس وجمعة متواليات عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وفي مشهد من مشاهد الأئمة
(عليهم السلام) ولعل وجه الالحاق اشتراكها في شهود المعصوم والملائكة ومزيد البركة والاهتمام بطلب الحاجات لما هو المرجو فيها من استحبابه الدعوات (وابنا
بابويه وابن إدريس الاعتكاف في المساجد الأربعة) أي وألحق الثلاثة بصوم ثلاثة أيام الحاجة بالمدينة صوم ثلاثة أيام للاعتكاف في المساجد الأربعة الحرمين
وجامع الكوفة والبصرة ولم نقف على مأخذ تام له كالسابق (وإنما سيفطر إذا خرج قبل الزوال على الأقرب تبيت النية أولا) فلا عبرة بالتبييت مطلقا بل
الاعتبار برعاية انتصاف النهار فيفطر إن خرج قبله ويتم إن خرج بعده والمراد بالخروج في كلمهم تجاوز الحدين أو أحدهما على الخلاف وقد تقدم في
الصلاة وهذا أحد الأقوال في المسألة إليه ذهب المفيد وابن الجنيد ومحمد بن بابويه في المقنع وهو المعتمد عن العامة في المختلف ولكن مال في آخر كلامه إلى
التخيرين الفطر والاتمام لو خرج بعد الزوال الرواية رفاعة بن موسى في الصحيح واختاره الشهيد الثاني في المسالك والروضة ونسبوه إلى أبي الصلاح أيضا
وقال في المدارك إلا أن أبا الصلاح أوجب الامساك مع الخروج بعد الزوال والقضاء والذي يظهر من المختلف إن أبا الصلاح يقول بذلك في عازم السفر من
الليل حيث قال فيه وقال أبو الصلاح إذا عزم على السفر قبل طلوع الفجر وأصبح حاضرا فإن خرج قبل الزوال أفطر وإن تأخر إلى أن تزول الشمس أمسك بقية يومه
وقضاءه والقول الثاني اتحاد شرايط قصر الصلاة والصوم من غير زيادة في الصوم فمن سافر في جزء من أجزاء النهار أفطر وإن خرج قبل الغروب ولم يبيت النية
من الليل وهذا قول علي بن بابويه والحسن بن أبي عقيل والسيد المرتضى ورجحه ابن إدريس ثانيا بعد اختياره أولا لقول المفيد والقول الثالث اشتراط تثبت
النية في الافطار وهو قول المحقق في المعتبر والشرايع ويشترط الشيخ مع ذلك الخروج قبل الزوال قال في النهاية وإذا خرج الرجل إلى السفر بعد طلوع الفجر أي
وقت كان من النهار وكان قد بيت نية من الليل للسفر وجب عليه الافطار إن لم يكن قد بيت نيته من الليل ثم خرج بعد طلوع الفجر كان عليه
اتمام ذلك اليوم وليس عليه قضاؤه وإن خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه الافطار على كل حال وكان عليه القضاء ومتى بيت نيته للسفر من الليل ولم
يتفق له الخروج بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقيته النهار وعليه القضاء وحاصل ما ذكره إن مع عدم التبييت لا يجوز له الافطار وليس عليه القضاء و
مع التبييت إن خرج قبل الزوال وجب عليه الافطار والقضاء وإن خرج بعد الزوال فعليه الامساك والقضاء وظاهره الوجوب وصرح في التهذيب باستحباب
الامساك وجوز له الافطار أيضا وقوله في المبسوط قريب مما قاله في النهاية وبه قال ابن البراج أيضا وقال ابن حمزة في الوسيلة المسافر لا يخلو من أربعة أوجه
أما أن يخرج قبل الصبح من منزله أو بعد الصبح قبل الزوال ناويا للسفر من الليل أو غير ناو أو خرج بعد الزوال فالأول يفطر عند خفاء الاذان أو توارى
الجدارن والثاني يفطر ويقضي والثالث لا يفطر ولا يقضى والرابع يصوم ويقضى وحكمه على الرابع أي الخارج بعد الزوال بالقضاء مطلقا سواء كان ناويا
من الليل أو لم يكن لا وجه له مع أنه قد حكم على الثالث أي الخارج قبل الزوال غير ناو بسقوط القضاء فكيف يحكم على من خرج كذلك بعد الزوال بالقضاء
وتخصيص الرابع بالناوي بعيد عن العبارة جدا ويحتمل وقوع سهو في الكتاب به بأن يكون ما كتبه في الرابع حكم الثالث وبالعكس وعلى هذا فالمخالفة بين قوله
وقول النهاية في أمرين الحكم بالقضاء على الخارج قبل الزوال من دون تبييت النية والحكم بعدم القضاء على الناوي الخارج بعد الزوال وقال صاحب
المدارك والمعتمد ما اختاره المفيد وقال في آخر كلامه لو قيل بالتخيير مطلقا إذا أصبح في بلده كما هو ظاهر صحيحة رفاعة بن موسى لم يكن بعيدا وبذلك
يحصل الجمع بين الخبار وأفاد خالي طاب ثراه بعد حكمه بإشكال المسألة إن الظاهر تحقق التخيير مطلقا ورجحان الافطار إذا خرج قبل الزوال أو خرج مع
نية السفر من الليل وقد ذكر قبله المحقق الأردبيلي (ره) ذلك في مقام الجمع بين الاخبار على سبيل الاحتمال لعدم العلم بذهاب أحد من الأصحاب إليه فأما حجة
ما اختاره المصنف والمفيد فصحيحة الحلبي في الفقيه وحسنة إبراهيم بن هاشم في التهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر
374

وهو صائم قال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم وإن خرج بعد الزوال فليتم صومه وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإمامة
بها فعليه صوم ذلك اليوم وإذا دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه وإنشاء صام وهي تدل بمنطوقها ومفهومها على تمام مختار المصنف المفيد وقوله عليه
السلام فلا صيام عليه وإن شاء صام أي يجوز له الافطار قبل الدخول وإسقاط الصوم ويجوز له الامساك فيجب عليه الصوم بعد الدخول وسيجئ بعيد هذا
أنه تخيير في صوم رمضان تابع لسببه وقال الشيخ في التهذيب بعد نقل هذين الخبران فهذان الخبران وما يجرى مجريهما فالوجه فيهما أنه إذا خرج قبل الزوال وجب عليه الافطار
إذا كان قد نوى من الليل السفر وإذا خرج بعد الزوال فإنه يستحب له أن يتم صومه ذلك فإن أفطر فليس عليه شئ وإذا لم يكن قد نوى السفر من الليل
فلا يجوز له الافطار على وجه وبعد هذا التأويل واضح والباعث له عليه اعتبار التبييت والأخبار الدالة عليه غير صحيحة كما سيأتي ذكرها ولكن
دأب الشيخ عدم طرح الخبر ما أمكن الجمع وأشار بقوله وما يجرى مجريهما إلى ما رواه الكليني عن عبيد بن زرارة في الحسن بن إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله (عليه
السلام) في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر قال إن خرج قبل الزوال فليفطر وإن خرج بعد الزوال فليصم وقال بعرف ذلك بقول علي (عليه السلام)
أصوم وأفطر حتى إذا أزالت الشمس عزم على (عليه السلام) يعني الصوم ولعل المراد بالصوم في قول علي (عليه السلام) أصوم وأفطر الواجب الغير المعين والمندوب وقد
روى عنه) عليه السلام) أيضا أنه قال الصائم تطوعا بالخيار ما بينه وبين نصف النهار فإذا انتصفت النهار فقد وجب الصوم المراد بالعزم أعم من الوجوب
والاستحباب المؤكد ومعرفة هذه المسألة من هذا القول باعتبار إنه يفهم منه إن وقت استقرار الصوم وتأكده بعد الزوال فالسفر فيه لا يضر به
ولا يوجب الافطار بخلاف قبل الزوال ويحتمل أيضا على بعد أن يكون المراد بالصوم صوم الشهر والافطار باعتبار تجد السفر فيكون مفاده حكم هذه
المسألة بغية والأظهر حمله على العموم ليشمل جميع ما ذكرناه وما رواه أيضا عن عبيد بن زرارة في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا خرج الرجل
في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام وإذا خرج قبل الزوال أفطر واستدل العلامة في المختلف على الجزء الأول من مذهب المفيد أي على وجوب الافطار
مع الخروج قبل الزوال بأنه مسافر فدخل تحت قوله تعالى أو على سفر وبأن أكثر النهار مضي وهو مسافر فكان له حكم جميعه على ما عهد في عرف الشرع من
اعتبار الأكثر باعتبار الجمع في المبيت بمنى وبأن هذا الزمان محل النية في الصوم للساهي والجاهل فوجب أن يكون محل النية في الافطار لمن تجدد له عزم السفر
المنافي للصوم واستدل على اتمام الصوم لو خرج بعد الزوال بقوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل وبأنه شرع في الصوم وعقده عقدا مشروعا فوجب أن
يكون صحيحا وبأنه مأمور قبل الفجر بالصوم فوجب أن يكون مجزيا لما ثبت إن الامر للاجزاء وبأنه قد مضى أكثر النهار صائما فوجب اعتباره في جمع
النهار كما مر وبأنه سفر لا يوجب قصر صلاة ذلك النهار فوجب أن لا يوجب قصر صومه أما المقدمة الأولى فقد بنياها في كتاب الصلاة وأما الثانية
فللأخبار الدالة على أن السفر الموجب لقصر الصوم هو الموجب لقصر الصلاة وأقول أما الاتيان فأحد يهما تدل على وجوب الافطار في السفر مطلقا
وسيأتي الاستدلال بها للقول الثاني والاخر على وجوب اتمام الصيام بعد الفجر مطلقا فالاستدلال بالآية الأولى على وجوب الافطار لو سافر قبل
الزوال وبالثانية على وجوب الاتمام تعاقب ما بعد الزوال غير مستحسن واعتبار حكم الأكثر في الميع كليته غير معهودة من الشرع لظهور التخلف في أكثر الموارد ألا
ترى أن الصيام في أكثر النهار لو أفطر وقت العصر لا يكون له حكم الصائم والصائم في أكثر أيام الشهر لو أفطر في البعض ليس له حكم صائم الشهر إلى ذلك مما لا يحصى وثبوت الحكم في بعض الموارد الجزئية بالنص الوارد
فيه بخصوصه لا يقيد فيما إلا نص فيه ولو تثبت بالنص والاخبار فلا حاجة إلى ضم ذلك وكون الزمان الذي قبل الزوال محلا لنية الصوم للساهي
والجاهل بنص من الشارع لا يوجب أن يكون محلا لنية الافطار لمن تجدد له عزم المنافي مع أن الافطار بل فساد الصوم بعروض المنافي ليس
مثل الصوم في الحاجة إلى نية تخصصت بوقت خاص والشروع في الصوم وانعقاده شرعا وكذا تعلق الامر به قبل الفجر لا اختصاص له بالخارج بعد الزوال ومنافاة السفر للصوم تستفاد من الآية بعنوان الصوم
والاخبار تفيد التفصيل بدون الضم وما ذكره من أنه سفر لا يوجب قصر صلاة ذلك اليوم فوجب أن لا يوجب قصر صومه ينتقض بسفر المسافر
الذي يدخل بلده وقت العصر فان هذا السفر أيضا لا يوجب قصر صلاة هذا اليوم على رأيه مع أنه يوجب قصر صومه البتة والقول بأنه موجب لقصر
الصلاة لو فعلها في الوقت تكلف واعلم إن ذكر أمثال هذه الوجوه الضعيفة من راد بهم بعد ثبوت الحكم بالدليل المعتمد عليه كالنصوص
التي ذكرها فيما نحن فيه وأما حجة القول الثاني أعني قول علي بن بابويه فعموم قوله تعالى ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر حيث أوجب
الافطار على المسافر وهو يصدق على الخارج قبل الغروب بيسير فيجب عليه الافطار كما أن المريض يفطر متى عرض له ذلك وإن السفر مناف للصوم
والصوم عبادة لا تقبل التجزئة وقد حصل المنافي في جزم منه فأبطله وما رواه عبد الاعلى مولى آل سام في الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال
375

يفطر وإن خرج قبل مغيب الشمس بقليل والجواب أما عن الأولى فبان الحكم في الآية الشريفة على سبيل الاجمال والنصوص الصحيحة تفيد التفصيل كما عرفت وذكر البيضاوي
في تفسير قوله تعالى أو على سفر أو راكب سفر وفيه إيماء بأن من سافر أثناء اليوم لم يفطر وضعفه ظاهر إذا يحتمل أن كون وجه العدول منقوله مسافرين إلى قوله على سفر إفادة
أصل تشبيه السفر بالمركوب من دون إيماء إلى حكم أو الاشعار بأن مطلق الشروع في الحركة لا يوجب الافطار بل لا بد من استيلاء على السفر بقطع قدر خاص و
وصول حد مخصوص أو إفادة أن المسافر إذا عزم على الإقامة في أثناء السفر وضعف استيلاؤه على السفر وركوبه عليه الرخصة له في الافطار ومع وجود
هذه الاحتمالات لا يمكن القدح في كون ظاهر الآية الاطلاق بمجرد ادعاء هذا الايماء وقد تشبث بذلك صاحب المدارك في ذيل جواب الاستدلال بعموم
الآية مع أنه ينافي مذهبه أيضا وحمله على الايماء على اعتبار السفر في أكثر اليوم ضعف في ضعف وأما عن الثانية فبأن منافاة السفر للصوم مطلقا إنما يعلم
من عموم الآية الشريفة والأخبار الواردة في هذا الباب وقد سبق ذكرها وهذا العموم لا يعارض الأخبار الصحيحة الدالة على التفضيل ولا يوجب طرحها
وأما عن الثالثة فبأن الرواية في غاية الضعف ولا تصلح لمعارضة غيرها من الاخبار والشيخ حملها في التهذيب بعدم تسليم السند على من بيت نية السفر
وحمل قوله يفطر على جواز الافطار وإن كان الامساك أولى له كما هو رأيه وأما حجة القول الثالث فقال المحقق في المعتبر لنا قوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل
وهو على إطلاقه ولا يلزم ذلك علينا لان مع نيته من الليل يكون صوما مشروطا في نيته ولأنه إذا عزم من الليل لم ينو الصوم فلا يكون صوما تاما ولو قيل
يلزم على ذلك لو لم يخرج أن يقضيه التزمنا ذلك فإنه صام من غير نية إلا أن يكون جدد نيته قبل الزوال ويؤيد ذلك من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) روايات
منها رواية رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله في الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح قال يتم صوم يومه ذلك ورواية علي بن يقطين عن أبي
الحسن موسى (عليه السلام) في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله قال إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله وإن لم يحدث نفسه من الليلة ثم
بدأ له في السفر من يومه أتم صومه وعن أبي بصير قال إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتم الصوم واعتد به من شهر رمضان وأقول إطلاق الآية الشريفة
لا تقاوم ظاهر الآية والنصوص الدالة على خلافه كما عرفت وما ذكره من أنه إذا عزم من الليل لم ينو الصوم فغير صحيح إذ لا ريب في وجوب الصوم عليه شرعا وعدم
جواز الافطار له ما لم يتحقق السفر فلا بد له من نية شرعية وتلك النية ليست إلا العزم على الامساك حتى يتحقق المجوز للافطار شرعا ومثل هذا الشرط
لا يضر بالنية ولا العبادة بل لا يخلو نية عن هذا الاشتراط حقيقة وإن لم يخطر بالبال تفضيلا ليس كل صايم يصوم بشرط أن لا يعرض له مرض ينافي الصوم ويوجب
الافطار ولا يتفاوت الحال بطن الحدوث وعدمه والاخبار التي ذكرها لعدم صحة سندها لا تعارض الصحية أما خبر رفاعة بن موسى فمن الموثق ويحتمل أن يكون
المراد بإتمام الصوم عدم الخروج إلى السفر في أثناء اليوم استحبابا أو يكون المراد التشبيه بالصائمين ندبا لانعقاد صومه في بلده في أول اليوم شرعا وخبر علي بن يقطين
أيضا من الموثق ويحتمل ما ذكرناه في الخبر السابق مع زيادة هي أن الغالب إن الخارج قبل الزال يحدث نفسه في الليل بالسفر فكأنه (عليه السلام) عبر عن الخارج قبل
الزوال أو بعده بما عبر بناء على الغالب والخبر الثالث مع إرساله موقوف على أبي بصير غير مسند إلى أحد من الأئمة (عليهم السلام) ويحتمل التأويل على نحو ما ذكرناه
في الخبرين السابقين ثم إن مذهب الشيخ (ره) قريب من مذهب المحقق واستدل عليه بالاخبار المنقولة في المعتبر وبخبر أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر وعليك قضاء ذلك اليوم وهذا الخبر ضعيف السند
والدلالة أيضا لان التقييد بقوله فنويت الخروج من الليل لا يدل على اشتراط نية الخروج من الليل وبخبر سليمان بن جعفر الجعفري قال سئلت أبا الحسن الرضا
(عليه السلام) عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح قال إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا أن يدلج دلجة وهذا الخبر
مع ضعف سنده لا دلالة له على مذهب الشيخ وإنما يدل على اعتبار الخروج قبل الفجر في جواز الافطار وهو غير المذهب ويدل عليه أيضا بعض أخبار أخر ولكنها
ضعيفة الاسناد كخبر سماعة قال سئلته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر قال إذا أطلع الفجر ولم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم وإن خرج من أهله قبل طلوع
الفجر فليفطر ولا صيام عليه الحديث وأيضا خبر سماعة قال فقال أبو عبد الله (عليه السلام) من أراد السفر في رمضان فطلع الفجر وهو في أهله فعليه صيام ذلك اليوم
وإذا سافر لا ينبغي أن يفطر ذلك اليوم وحده وليس تفريق التقصير والافطار فمن قصر فليفطر وصحية رفاعة بن موسى تدل على تخيير من أصبح في بلده بين الصوم
والافطار حيث قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يريد السفر في رمضان قال إذا أصبح في بلده ثم خرج فإنشاء صام وإنشاء أفطر وقال العلامة في
آخر كلامه في المختلف واعلم أنه ليس بعيدا من الصواب يخير المسافر بين الفطر والاتمام إذا خرج بعد الزوال الرواية رفاعة وإنما قيدنا ذلك بالخروج بعد
الزوال جميعا بين الاخبار وأنت خبير بعد حمل هذا الخبر على ما بعد الزوال ولكنه خبر واحد صحيح السند غير
مشهور القايل يعارض ظاهره لظاهر الأخبار الصحيحة
المعمولة فلا بد من تأويله وقال بعض المحققين طاب ثراه في تأويله إن المراد بإنشاء صام أنه إنشاء أبطل السفر ورجع عن نيته وصام وإنشاء التزم وأفطر
376

أقول لفظ ثم خرج يأبى عن هذا الحمل كل الاباء ويفطر المسافر للنزهة لإباحة سفره بحكم الأصل فيجب عليه الافطار والقضاء كما مر خلافا للحسن حيث أوجب عليه
الصوم والقضاء وكذا على من خرج في شئ من أبواب المعاصي ونحوه قال ابن الجنيد أما وجوب الصوم على العاصي بسفره فظاهر وأما وجوبه على المسافر للنزهة
فلان السفر مناف للصوم فلا يجوز له فعل كالافطار خرج عنه ما ورد فيه الرخصة وبقى الباقي ولما رواه أبو بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخروج
إذا دخل رمضان فقال لا إلا فيما أخبرك به خروج إلى مكة أو غزو في سبيل الله أو ما تخاف هلاكه أو أخ تريد وداعه وقال أنه ليس أخا من الأب والام ولما ورد
بمضمونه كما سيأتي ذكره وأما وجوب القضاء عليهما فلان صوم الانسان في السفر ليس بصوم وإنما أمر بالامساك عن الافطار لئلا يكون مفطرا في شهر رمضان
في غير الوجه الذي أباح الله عز وجل له الافطار فيه كما إن المفطر في يوم من شهر رمضان عامدا قد أفسد صومه وعليه أن يتم صومه ذلك إلى الليل ولعموم
قوله تعالى ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر والجواب أما عن دليل وجوب الصوم على المسافر للنزهة فهو إن السفر مسقط للصوم ولا نسلم
عدم جواز فعل المنافي إذا كان مسقطا وهذا بخلاف الافطار لأنه مفسد غير مسقط وضعفه سند الرواية بمنع عن الاحتجاج بها مع معارضتها للأصل
وعموم الاخبار كما سبق ذكر بعضها وسيأتي البعض وأيضا لا تدل بظاهرها إلا على عدم جواز الخروج إلى السفر بعد دخول الشهر إلا فيما استثناه مع أن
ظاهر كلام الحسن أعم من ذلك لشموله لمن دخل عليه الشهر في السفر والحكم بمجرد ذلك أيضا على وجوب الصوم على من خرج كذلك لا يخلو عن إشكال إذ لا يبعد
أن يكون الحكم بوجوب الصوم في السفر الحرام مخصوصا بما إذا كانت الحرمة في غير جهة منافاة السفر للصوم وكذا الكلام في ظاهر قوله (عليه السلام) في صحيحة عمار بن
مروان المتقدمة أو في معصية الله عز وجل والأولى حمل النهي عن الخروج الوارد في تلك الرواية على الكراهة كما يستفاد من حسنة الحلبي بن إبراهيم بن هاشم في
الكافي وصحيحته في الفقيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان
أن يسافر فسكت فسئلته غير مرة فقال يقيم أفضل إلا أن يكون حاجة لا بد من الخرج فيها أو يتخوف على ماله وأما عن دليل وجوب القضاء على من
خرج في شئ من أبو المعاصي فبأنا لا نسلم أن السفر مطلقا مناف للصوم بل السفر الذي يجب فيه التقصير ينافي باعتبار إسقاطه له والسفر الذي لا يوجب القصر
حيث لا يسقطه فلا دليل على منافاته له والمسافر بهذا السفر لكونه مأمورا بالصوم إذا امتثل فالظاهر أنه يخرج عن العهدة ولا يمكن الحكم عليه بوجوب القضاء
لأنه بأمر جديد وفساده صوم المفطر عامدا في يوم شهر رمضان واضح جدا فيجب عليه القضاء وأما الآية الكريمة فلا تدل على مطلوبه إذا الظاهر منها أنه تعالى
أمر الشاهد بالصوم والمريض والمسافر بالافطار وصيام العدة وحيث لا يسوغ لهذا المسافر الافطار كما ظهر من السنة فلا يشمله حكم وجوب صيام العدة أيضا
كما لا يخفى ولا يحرم السفر على من شهد الشهر حاضر أي ولا يحرم السفر على من أدرك هلال الشهر حال كونه حضرا غير مسافر للأصل والآية إذا الظاهر والله تعالى
يعلم إن المعنى أن من حضر منكم ولم يكن مسافرا في الشهر كله أو بعضه مع القدرة على الصوم فيجب عليه صيام ما حضر فيه ومن كان فيه مريضا غير قادر أو
على سفر فلا يصوم ويجب عليه صوم عدة أيام المرض أو السفر من أيام أخر فنصب الشهر على الظرف وحذف الجار وإفادتها لجواز السفر فيه غاية الظهور حيث
جعل سبحانه المريض والمسافر فيه مطلقا مقابلا للمقيم القادر وبين ما اشتركا فيه من الحكم ومن عليهما بتخفيف حكم وجوب الصوم من غير نكير وأكد رأفته
بإظهار إرادة التيسير ولقوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر لان المنع من السفر يتضمن الحرج والضرر وينافي إرادة اليسر وعدم إرادة العسر ولما
استفدته من الاخبار السالفة ولصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام فقال لا بأس
به بأن يسافر ويفطر ولا يصوم قال محمد بن بابويه بعد ذكر هذه الرواية في الفقيه وقد روي ذلك أبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) ولصحيحة حماد بن
عثمان قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل من أصحابي قد جائني خبره من الاعراض وذلك في شهر رمضان أتلقاه وأفطر قال نعم قلت أتلقاه وأفطر أو أقيم
وأصوم قال تلقه وأفطر والاعراض بالمهملتين والضاد المعجمة قربى بين الحجاز واليمن قاله الجواهري وفي بعض النسخ أعوص بالعين والصاد المهملتين وهو
قرية قرب المدينة وواد بديار بأهله قاله في القاموس ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يشيع أخاه مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة
قال إن كان في شهر رمضان فليفطر قيل أيهما أفضل يصوم أو يشيعه قال يشيعه إن الله عز وجل قد وضعه عنه وقد روى هذا الخبر بأدنى تغيير في الفقيه مرسلا
عن الصادق (عليه السلام) ورواه في المختلف عن أبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) وكأنه نشاء عن سقوط بعض الكلمات عن نسخة الفقيه التي كانت عنده
(ره) والعبارة في النسخ الصحيحة بعد ذكر خبر محمد بن مسلم هكذا وقد روى ذلك أبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) وسئل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يشيع إلى وروى في الكافي أيضا
بأدنى تغيير عن أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ولما رواه سعيد بن يسار قال سئلت أبا عبد الله عن الرجل يشيع أخاه في شهر رمضان فيبلغ
مسيرة يوم أو مع رجل من إخوانه أيفطر أو يصوم قال يفطر وكأنه أراد بقوله أو مع رجل من إخوانه يسافر بقصد رفاقة رجل من إخوانه خلافا للحلبي
377

أبي الصلاح التقي فإنه قال إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختار أو احتج بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وبرواية أبي بصير المتقدمة
وبما رواه الحسين بن المختار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تخرج في رمضان إلا للحج أو العمرة أو مال تخاف عليه الفوت أو لزرع يحين حصاده وبأن السفر مناف
للصوم فلا يجز له فعله كالافطار وقد تقدم الكلام في الآية الشريفة وكأنه جعل الشهر مفعولا به المعنى فمن شهد منكم هلال الشهر فليصمه كقولك
شهدت الجمعة أي صلاتها ويكون قوله تعالى ومن كان مريضا أو على سفر مخصصا له ولا بد أن يحمل على من كان مريضا أو مسافرا حين شهد هلال الشهر
حيت يصير دليلا له ويحتاج حينئذ إخراج من شهد الهلال صحيحا مقيما ثم عرض له المرض في أثناء الشهر أو سمح له السفر ضرورة عن حكم وجوب الصوم إلى دليل
من الخارج ولا ريب في بعده وكمال رجحان التفسير الأول وعلى تقدير التساوي أيضا لا يمكنه الاستدلال بل لا بد من الظهور وانتفاؤه ظاهر والعلامة (ره) في
المختلف حمل قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر على من حضر جميع الشهر في بلده ولا يخفى ما فيه وقد عرفت حال الاحتجاج بخبر أبي بصير وقوله (عليه السلام) أو أخ تريد وداعه
كما نقلنا عن الكافي ينافي ظاهر قول أبي الصلاح حيث قال لم يحل له السفر مختارا ولكن في الفقيه والتهذيب بدل ذلك أو أخ تخاف هلاكه والعلامة (ره) في
المختلف وصف هذا الخبر في هذه المسألة بالمسألة بالصحة وقال في مقابل استدلال الحسن به والجواب بعد صحة السند وكان نظره ره إلى ما وقع في بعض نسخ
الفقيه كذا روى أبو حمزة عن أبي بصير والظاهر أنه من سهو الكتاب والصحيح كما رأته في النسخة القديمة الصحيحة موافقا الكافي والتهذيب روى علي بن أبي حمزة
عن بصير وعلى هو قايد أبي بصير يحيى بن القاسم ورواية قاسم بن محمد الجوهري كما وقع في الكتابين وخبر حسين بن المختار يشارك هذا الخبر في ضعف السند وباقي
الكلام وقد عرفت الجواب عن الاستدلال بمنافاة السفر للصوم ولو تم هذا الدليل الدال على ما هو أعم بما ذهب إليه أبو الصلاح نعم يكره إلى ثلث وعشرين
دليل أصل الكراهة الأخبار الدالة على المنع مع قصورها عن إفادة التحريم كما عرفت وصحية الحلبي المتقدمة ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له
جعل فداك يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه فيحضرني نية زيارة قبر أبي عبد الله (عليه السلام) فأزوره وأفطر ذهبا وجائيا أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما
أفطر بيوم أو يومين فقال أقم حتى تفطر قلت له جعلت فداك فهو أفضل قال نعم أما تقرء كتاب الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وأما حد الكراهة فيستفاد
مما رواه علي بن إسباط عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط قال الله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه فليس للرجل إذا
دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حج أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه وليس له أن يخرج في إتلاف مال أخيه فإذا أمضت ليلة ثلث وعشرين فليخرج
حيث شاء وزوال الكراهة في الرواية بمضي ليلة ثلاثة وعشرين وفي عبارة المصنف (ره) بدخولها وقال أكثر الأصحاب يكره السفر إلى أن يمض من الشهر ثلث وعشرون
يوما وأنت خبير بأن القول بالكراهة مطلق باعتبار هذه الأخبار الضعيفة مع ما مر في صحيحة حماد بن عثمان من الامر يتلقى القادم المؤمن والافطار وفي صحيحة
محمد بن مسلم من أفضلية المشايعة لا يخلو عن إشكال وسيجئ في كلام المصنف (ره) استثناء التشييع والتأني عن هذا الحكم ولو قدم قبل الزوال ولم يتناول
أمسك واجبا بنية صوم رمضان ولا قضاء ولا أعرف فيه مخالفا من الأصحاب ويخدش بذلك ما مر من الحسن والتقي إن السفر مناف للصوم كالافطار ويدل
عليه ما سبق عن المحقق أنه يتمكن من أداء الواجب على وجه نؤثر النية في ابتدائه فوجب وما رواه أحمد بن محمد قال سئلت الحسين (عليه السلام) عن رجل قدم من
سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال قال يصوم وما رواه أبو بصير قال سئلته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فقال إن قدم قبل زوال
الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به وما رواه يونس قال قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله قال يكف عن الاكل بقية
يومه وعليه القضاء وقال في المسافر يدل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه يعني إذا كانت جنابته من احتلام
والظاهر أن يعنى كلام يونس وحملها على جنابة لم تخل بصحة الصوم ولا يعارض هذه الأخبار بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا
سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة
بها فعليه صوم ذلك اليوم وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه وإنشاء صام لان المراد بقوله (عليه السلام) فلا صيام عليه وإنشاء صام كما عرفت سابقا
أنه لا يتعين عليه صوم ذلك اليوم بل يتخير بين الاكل والامساك قبل الدخول فأما لو أمسك ودخل فيتعين عليه الصيام كما يظهر من أخبار أخر وإلا
يقدم قبل الزوال والتناول بل بعد أحدهما (أمسك) بالنية استحبابا (تأديبا) لما مر فيمن بلغ في أثناء النهار ولما سبق آنفا في رواية يونس ولقول
علي بن الحسين (عليه السلام) في رواية الزهري وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أهله أمر بالامساك بقية يومه وليس بفرض ولما رواه سماعة
قال سئلته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس وقد أكل قال لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا ولا يواقع في شهر رمضان إن كان له أهل وحمله على
النهى التنزيهي عن التناول قبل الدخول بعيد ثم الظاهر من قول المصنف تأديبا أنه لا يقول بأنه صوم مستحب وإن دخل بعد الزوال ولم يتناول ولعله لعدم
378

وقوع صوم آخر في رمضان وهذا بخلاف من بلغ في أثناء النهار كما مر من ظاهر كلامه حسب ما شرحناه فإنه باعتبار عدم تكليف في أول النهار يمكنه إيقاع الصوم
المندوب فيه ويحتمل أن يكون استثناء المصنف (ره) من خصوص عدم التناول ويكون المعنى وإن تناول أمسك تأديبا وكأنه أوفق باصطلاحهم في التأديب فيكون
حكم الدخول بعد الزوال مسكوتا عنه ها هنا لما سيأتي بعد حيث يقول ويستحب الامساك للمسافر والمريض بزوال عذرهما وقد تناولا أو كان بعد الزوال و
قال الشيخ في النهاية والمسافر إذا قدم أهله وكان قد أفطر فعليه أن يمسك بقية النهار تأديبا وكان عليه القضاء وإن لم يكن قد فعل شيئا ينقص الصوم
وجب عليه الامساك ولم يكن عليه القضاء وظاهره وجوب الصوم مع عدم تحقق الافطار في الخارج وإن كان القدوم بعد الزوال وجزى على هذا
الاطلاق في تتمة كلامه ويشكل ذلك بفوات وقت النية وبما يستفاد من الاخبار من اعتبار الزوال وفي رواية سماعة وقد ذكرنا صدرها سابقا وإن قدم
بعد زوال الشمس أفطر ولا يأكل ظاهر أو الأولى اعتبار القيد في كلامه ليوافق فتواه في المبسوط والتهذيب والاحتياط في الامساك والقضاء ولو علم القدوم
قبل الزوال تخير في الافطار والامساك للأصل ولصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقدم من سفر قي شهر رمضان فيدخل أهله
حين يصبح أو ارتفاع النهار قال إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل أهله فهو بالخيار إنشاء صام وإنشاء أفطر ولحسنة رفاعة بن موسى بن إبراهيم قال
سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة
أو ارتفاع النهار قال إذا طلع الفجر وهو خارج
لم يدخل فهو بالخيار إنشاء صام وإنشاء أفطر وللصحيحة السابقة عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا سافر الرجل إلى آخر الخبر ولما ورد
في تتمة رواية سماعة المتقدمة وإن قدمن سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إنشاء وهو أي الامساك أفضل لما فيه من المسارعة إلى الخير
وعدم تضييع صوم يوم من شهر رمضان مع ما فيه من مزيد الأجر والثواب لرواية رفاعة تعليل لقوله تخير في الافطار والامساك وقد مر ذكر الرواية
(وهو تخيير في صوم رمضان تابع لسببه) من الافطار المجوز في حال السفر فيفوت الصوم والامساك المجوز حتى يدخل قبل الزوال وقبل فوات وقت النية فيتعين
عليه الصيام (كما يتخير المسافر بين نية المقام وعدمه فيتبعه الصوم) ذكر نظيرا واضحا له ليزيل عن الوهم بعده (والقدوم يحصل برؤية الجدران أو سماع)
الاذان رأى المصنف (ره) في هذا الكتاب كما مر منه في الصلاة وفي ساير كتبه إلا اللمعة إن القصر إنما يكون ذهابا وعودا عند خفاء الامارتين فالقدوم وزوال
الترخص في العود إنما يحصل بإدراك أحدهما والمدارك لأحدهما بحكم المقيم سواء كان خارجا إلى السفر أو راجع منه وإليه ذهب العلامة والشهيد الثاني وأكثر
المتأخرين وقال الشيخ علي بن بابويه إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه وبه رواية مرسلة عن الصادق (عليه السلام) أنه قال إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن
تعود إليه أولا حجة في المرسلة ويمكن حملها على الخروج والعود المعهودين من الشرع واعتبر أكثر المتقدمين في الترخص على ما قاله الشهيد أن أحد الامر من
خفاء الجدران وعدم سماع الاذان والظاهر أنهم يعتبرون في القدوم إدراكهما معا وجعل جماعة منهم المرتضى (ره) نهاية القصر دخول المنزل ولكن السيد
يعتبر في الذهاب خفاء الامارتين معا وظاهر كلام الحسن والمفيد وسلار وأبي الصلاح وصريح ابن إدريس اعتبار الاذان خاصة وظاهر الصدوق في
المقنع اعتبار الحيطان ويظهر من كلام الشيخ أولا في المبسوط وإن المعتبر الحيطان قال حصل حايل فالاذان ولكن صرح بعد ذلك في موضعين باعتبار
أحدهما كما قاله في النهاية والخلاف واحتج في المختلف على اعتبار الامرين معا في الذهاب بقوله تعالى إذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا
من الصلاة إن خفتم فعلق نفي البأس بالضرب في الأرض ولا يتحقق في المنازل فلا بد من اعتبار الخروج عن البلد وإنما يتحقق ذلك بغيبوبة الاذان
والجدران واحتج أيضا بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يريد السفر متى يقصر قال إذا توارى من البيوت وما رواه
عبد الله بن سنان في الصحيح عنه (عليه السلام) قال سئلت عن التقصير قال إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الاذان فأتم وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه
الاذان فقصر وإذا قدمت من سفر فمثل ذلك أقول ضعف احتجاجه بالآية الشريفة واضح لان مراده بالمنازل إن كان دور البلد فعدم تحقق الضرب ما دام
المسافر فيما بينهما في محل المنع لان الضرب في اللغة السير قال الجوهري ضرب في الأرض ضربا ومضربا بالفتح أي سار في ابتغاء الرزق وفسر البيضاوي ضربتم
بسافرتم والظاهر صدق اسم الساير والمسافر لغة على من خرج من منزله بقصد السفر وإن كان بين جدران البلد وعمارتها وعدم صدق الاسم شرعا أول
البحث وإن كان منازل المسافرين فلا يتفرع عليه قوله فلا بد من اعتبار الخروج عن البلد ولا يمكنه التشتت بالوفاق مع ما عرفت من ذهاب علي بن
بابويه إلى أن المناط الخروج عن المنزل ثم ادعاء أن الخروج عن البلد لا يتحقق إلا بغيبوبتهما معا ففي مرتبة أصل الدعوى لان أكثر المتقدمين كما عرفت
على تحققه بغيبوبته أحدهما نعم يمكن أن يقال إن اشتراط الخوف في الآية يشعر بأن القصر إنما يكون في موضع تحقق الخوف في الأغلب فلا بد من اعتبار
الخروج عن البلد ولا يقول أحد بأن المناط مجرد الخروج عن البلد فلا بد من اعتبار الغيبوبة وأما اعتبار غيبوبتهما معا فلا دلالة في الآية الكريمة
379

عليه وأما احتجاجه بالخبرين ففيه أولا إن الظاهر من خبر محمد بن مسلم اعتبار مواراة الشخص عن البيوت لا مواراة البيوت عن الشخص كما يقولونه ويمكن ادعاء
ظهور إن هذا من باب القلب كما فهمه الأصحاب لان اللايق في هذا المقام نصب علامة للمسافر يمكنه العلم بها بسهولة في بادي النظر حتى يعمل بها وظاهر
أنها مواراة البيوت عنه لا مواراته عنها وثانيا إن كل خبر لا يدل إلا على اعتبار إمارة واحدة فكيف يمكن الاحتجاج بهما على اعتبار الامارتين معا لا يقال في
اعتبار الامارتين عمل بمدلولهما معا كما افاده الشهيد الثاني حيث قال في شرح الارشاد والجمع بين الخبرين يحصل بالعمل بمدلولها معا والمتقدمون جمعوا بينهما
بالتخيير وليس بواضح ولعله أراد بالتخيير الاكتفاء بكل واحد منهما كما هو زعم المتقدمين وفيه تكلف لأنا نقول المستفاد من خبر محمد بن مسلم جواز القصر بل
وجوبه عند المواراة وخبر عبد الله بن سنان يدل على وجوب التمام عند السماع ووجوب القصر عند عدمه فإذا تخلف المواراة عند عدم السماع وحكمنا
عليه بوجوب التمام كما يلزم من القول باعتبارهما معا فما عملنا بظاهر خبر عبد الله وإذا تخلف عدم السماع عن المواراة وحكمنا عليه بوجوب التمام فما
عملنا بظاهر شئ من الخبرين البتة فقد ظهر إن على رأى المتأخرين لا بد من ارتكاب تكلف حمل الامر بالقصر وما في معناه عند تحقق العلامة على أنه لا بد في القصر
من تحققها وعلى طريقة القدماء لا بد من ارتكاب تكلف حمل الامر بالتمام عند سماع الاذان على هذا المعنى ولا يبعد ادعاء إن التكلف على طريقتهم أقل منه على
طريقة المتأخرين والعجب إن الشهيد الثاني مع أنه قد أسقط عن رواية عبد الله بن سنان حديث الامر بالتمام عند السماع حكم بعدم وضوح ما فعله المتقدمون
كما ترى وهو أعرف بما قال والذي أظنه إن بناء تحديده (عليه السلام) للقصر تارة بعدم سماع الاذان وتارة بخفاء الجدران على ما هو الغالب من عدم انفكاكهما
في أكثر المواضع والمعتبر خفائهما معا والفرض من ذكر كل منهما منفردا تسهيل الامر على المكلف بالتعويل على ما تيسر له منهما مع الاعتماد على ما هو الغالب وعلى هذا
فلو فرضنا موضعا على سبيل الندرة يوجد فيه أحدهما دون الاخر فيجب عليه فيه التمام في الذهاب ويعضده الاستصحاب أيضا وأما في العود فالظاهر أيضا الحكم
فيه بالتمام لخبر عبد الله بن سنان بضميمة ما قلناه في وجه ذكر إحدى الامارتين ولأن اعتبار تحقق الامارتين في الخروج إنما هو لكون ما دون ذلك في حكم البلد
فلا يقصر فيه واحتج العلامة في المختلف على هذا المطلب بأن حد ابتداء السفر أحدهما فيكون هو نهايته إذ الأقرب لا يعد قاصده مسافرا كما في الابتداء
وكان خلاصته ما ذكرناه وأراد بحد ابتداء السفر الحد الذي لا يكون الشخص عنده مسافر شرعا وبالتجاوز عنه يصير مسافرا وضمير أحدهما للمشاهدة والسماع
وكون أحدهما حد ابتداء السفر لأجل أن ابتداء السفر على رأيه كما عرفت انتفائهما معا وقوله إذا الأقرب لا يعد قاصده مسافر إلا يخلو عن تكلف والأظهر أن يقال لان
من كان في هذا الحد لا يعد مسافر والمحقق (ره) اعتبر في الإياب الاذان وحده عملا بظاهر النص إذ لا نص في جانب العود على اعتبار المواراة واحتج من جعل المبسوط
فيه دخول المنزل بما رواه العيص بن القاسم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته وما رواه إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي
إبراهيم (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله قال بل يكون مقصرا حتى يدخل
أهله ويؤيده الأصل والاستصحاب أيضا والجواب أنه لا بد للجمع من حمل البيت والأهل على ما دون الخفاء فإنه يحكم المنزل والداخل فيه بحكم المقيم وفرض
دخول بيوت الكوفة في الخبر الثاني لا يأبى عن ذلك فإنها كانت واسعة الخطة فلعله دخل منها ما لا يسمع فيه أذان محلته وربما يشعر بذلك موثقة عبد الله
بن بكير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة له بها دار ومنزل فيمر بالكوفة وإنما هو مجتاز لا يريد المقام إلا بقدر
ما يتجهز يوما أو يومين قال يقيم في جانب المصر ويقصر قلت فإن دخل أهله قال عليه التمام ويحتمل أيضا أن يكون الكوفة نهاية السفر في الذهاب فسأل الراوي
عن حكم وجوب التمام أو القصر في منتهى الذهاب وأجاب (عليه السلام) بعدم وجوب التمام من دون قصد الإقامة حتى يرجع ويدخل بلده وأهله ويمكن أيضا أن يكون
السؤال عن الصلاة التي وجبت في الطريق قبل الحد ويكون المراد بقوله أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله أنه يقصر الصلاة التي يجب في الطريق حتى يدخل أهله
وتجب عليه الصلاة بعد الدخول وكمال التكلف في الكل واضح والباعث على ارتكابه صحة خبر عبد الله بن سنان وصراحته مع ما يلزم من العمل بظاهر هذين
الخبرين القول بوجوب التمام وانقطاع القصر بدخول الحد في البلدة التي من نية المسافر الإقامة فيها في أثناء السفر أو يكون له بها ملك مع الاستبطان والقول
بوجوب القصر وعدمه انقطاعه بدخول البلدة التي يتوطن فيها على الدوام حتى يدخل منزله وأهله مع اشتراك نية الإقامة والملك وهم مستبعد جدا
والمسألة باعتبار تعارض الاخبار كما ترى لا يخلو عن إشكال ويزيد فيمن يدخل بلده مجتازا ولا يدخل منزله كما مر في رواية ابن بكير وينبغي الاخذ بالاحتياط حيث
ثم المتبادر من الاذان الاذان المتوسط الشايع في البلاد لا المفرط في العلو أو المنخفض وكذا المتبادر من الجدران الجدران الشايعة لا المنائر والقباب
والقلاع الرفيعة ويعتبر المعتدلة والأرض المستوية عادة ويقدر المختلفة جدا بالمستوية ولا بد من اعتبار نفس الصوت لا تميز الفصول وصورة
الجدار لا الشبح ليتقارب الامارتان ويعتبر آخر الجدران والاذان من البلد ما لم تتسع الخطة فتعتبر المحلة إذ من المعلوم إن المراد من البيوت الواردة في
380

النص البيوت التي ينسب في العرف خروجه إليها وتلك هي التي ذكرناها وما قيل من أن اعتبار المحلة ما لا وجه له لا وجه له وقس عليها الخال في الاذان ولا
(يحرم الجماع) في نهار شهر رمضان (على المسافر) الذي يسوغ له الافطار لان المنع عنه باعتبار وجوب الصوم وقد زال ذلك بالسفر ولصحيحة محمد بن مسلم قال سئلت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أيواقعها قال لا بأس به وصحيحة عمر بن يزيد قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان أله أن يصيب من النساء قال نعم وحسنة على بن الحكم عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال سئلت أبا
الحسن (عليه السلام) يعنى موسى (عليه السلام) عن الرجل يجامع أهله في السفر وهو في شهر رمضان فقال لا بأس به وليس في أكثر نسخ التهذيب في سند هذه الرواية
عبد الملك ونسبتها في المختلف أيضا إلى على بن الحكم ووصفها بالصحة ولكن الظاهر أن سقوطه من سهو الكتاب حيث يوجد في الكافي وبعض نسخ التهذيب أيضا
ومع وجوده فوصفها بالصحة كما في المدارك مشكل لان الثقة عبد الملك بن عتبة الصيرفي النجفي الكوفي صاحب الكتاب وأما ابن عتبة الهاشمي اللهبي المكي فتوثيقه
غير مذكور في كتب الرجال ولكن ذكروا إن الهاشمي كان يروى عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبى عبد الله (عليه السلام) وإن النخعي كان يروى عن أبي عبد الله وأبى الحسن (عليهما السلام) المذكور
هنا الهاشمي مع أنه يروى عن أبي الحسن (عليه السلام) وبالجملة سند هذه الرواية لا يخلو عن اشتباه وحسنة سهل قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل أتى أهل في شهر
رمضان وهو مسافر قال لا بأس وموثقة أبى العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يسافر ومعه جارية في شهر رمضان هل يقع عليها قال نعم وموثقة
داود بن الحصين قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر في رمضان ومعه جارية أيقع عليها قال نعم خلافا للنهاية حيث قال ولا ينبغي له أن
يتملأ من الطعام ولا أن يروى من الشراب ولا يجوز له أن يقرب الجماع بالنهار إلا عند الحاجة الشديدة إلى ذلك ومستنده صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال إذا سافر الرجل في رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في رمضان فإن ذلك محرم عليه وصحيحة ابن سنان قال سلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يسافر في شهر رمضان ومعه جارية له أله أن يصيب منها بالنهار فقال سبحان الله أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان إن له في الليل سبحا طويلا قلت أليس له
أن يأكل ويشرب ويقصر فقال إن الله عز وجل رخص للمسافر في الافطار والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع التعب والنصب ووعث السفر ولم يرخص له في مجامعة
النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان وأوجب عليه قضاء الصيام ولم يوجب عليه تمام الصلاة إذا أب من سفره ثم قال والسنة لا تقاس وأنى إذا سافرت في شهر
رمضان ما آكل إلا القوت وما أشرب كل الري والسبح الفراغ قال قتادة في قوله تعالى إن لك في النهار سبحا طويلا فراغا طويلا ووعثاء السفر مشتقة وكان
ذكر جملة وأوجب عليه قضاء الصيام البيان عدم صحة القياس وما أكل إلا القوت أي الضروري وفى الفقيه كل القوت وهو أظهر ورواية عبد الله بن سنان قال
سألته عن الرجل يأتي جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر فقال أما يعرف هذا حق شهر رمضان إن له في الليل سبحا طويلا والشيخ في التهذيب جمع بين
هذه الأخبار والاخبار السالفة الدالة على الجواز بحمل أخبار الإباحة على من غلبت الشهوة ولم يتمكن من الصبر عليها ويخاف على نفسه الدخول في محظور
ثم قال مع أنه ليس في شئ من هذه الأخبار سوى خبر محمد بن مسلم ان للمسافر أن يطأ ليلا أو نهارا وإنما
وردت متعرية من اقتران ذكر الزمان بها ويمكن أن يكون
المراد بها الليل دون النهار وأنت خبير ببعد التأويلين جد العدم التعرض للضرورة في شئ منها وعدم اختصاص جواز الوطي في الليل بالسفر والجمع تحل
أخبار المنع على الكراهة الشديدة على ما هو المشهور أولى كما يشعر به بعض ألفاظ خبري ابن سنان وقوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم فإن ذلك محرم عليه لا ينافي
هذا فإن المحرم كثيرا ما يطلق في الاخبار بمعنى ما ينبغي ويليق تركه من دون إرادة استحقاق العقاب على فعله فلا ينافي الكراهة بالاصطلاح الجديد
المشهور والمراد بالبأس المنفى في أخبار الجواز استحقاق العقاب وقال الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني بعد نقل هذه الأخبار المتنافية ظاهرا
الفضل عندي أن يوقر الرجل شهر رمضان ويمسك عن النساء في السفر بالنهار إلا أن يكون تغلبه الشهوة ويخاف على نفسه فقد رخص له أن يأتي الحلال
كما رخص للمسافر الذي لا يجد الماء إذا غلبه الشبق أن يأتي الحلال قال ويؤجر في ذلك مما أنه إذا أتى بالحرام أثم وقال أبو جعفر محمد بن بابويه في الفقيه
والنهى عن الجماع للمقصر في السفر إنما هو نهى كراهة لا نهى تحريم (وحرمة الحلبي على كل مفطر إلا مع الضرورة وكذا التملي من الطعام والشراب)
قال في المختلف وقال أبو الصلاح لا يجوز لمن سقط عنه فرض الصوم ببعض الاعذار أن يتملأ من الطعام والشراب بل يقتصر على ما يمسك الرمق ولا
يجوز له الجماع مختارا ما لم يخف فسادا في الدين ولعل دليله على عدم جواز التملي ما مر من قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان وأنى
إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت وما أشرب كل الري وما روى في من يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه أنه يشرب ما يمسك الرمق خاصة
وعدم إفادة خبر ابن سنان للتحريم واضح وسيجئ البحث عمن يفطر الخوف التلف هل يبقى صومه ويقصر على ما يمسك به الرمق لحفظ النفس أو يفيد
ويجب عليه القضاء ودليله على عموم تحريم الجماع على كل مفطر عموم العلة التي يستفاد للحرمة من خبري ابن سنان أعني لزوم مراعاة حرمة شهر
381

رمضان وإن له في الليل سبحا طويلا وقد عرفت عدم ثبوت أصل الحرمة بهما فضلا عن عمومها والوجه الكراهة في الجمع كما عرفت ولا يجب الصوم
(على المريض المتضرر به) للآية والاجماع والاخبار ووجوب حفظ النفس والنهى عن إلقاءها في التهلكة ولو لم يتضرر به يجب عليه بإجماع الفرقة ظاهر أو عليه
أكثر العلماء أيضا كما قال في المنتهى قال وحكى عن قوم لا اعتداد بهم إباحة الفطر لكل مريض سواء زاد في المرض أو لم يزد واحتجوا بعموم قوله تعالى فمن كان منكم مريضا
والجواب أنه مخصوص في المسافر والمريض معا بحصول المشقة الكثيرة به كما يشعر به قوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولكن الشارع اعتبر في السفر مظنة
كثرة المشقة التعذر ضبطها في نفسها فرخص في السفر الطويل الذي بين حده وجعله مناطا للحكم بالقصر والمرض بعكس السفر حيث لا يمكن ضبط أصل المرض
الذي يحصل معه المشقة الكثيرة بسبب الصوم لما ترى من اختلاف الأمراض في ذلك جدا ويمكن ضبط كثرة المشقة إذ الانسان على نفسه بصيرة فكثير ما يحصل له
الظن بالضرر القوى بسبب الصوم بالوجدان أو التجربة أو إخبار من يفيد قوله الظن فجعل ذلك مناطا للرخصة ويدل عليه أيضا من الاخبار وما روى في الفقيه عن
حريز في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الصايم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر وقال (عليه السلام) كلما أضربه الصوم فالافطار له واجب ورواه في الكافي
في الحسن بن إبراهيم بدون قوله وقال (عليه السلام) إلى آه ويحتمل على بعد أن يكون هذا خبرا مرسلا في الفقيه لا من تمام خبر حريز وما روى في الفقيه أيضا عن بكير بن
محمد الأزدي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سأله أبى وأنا أسمع عن حد المرض الذي يترك الانسان فيه الصوم قال إذا لم يستطع أن يتسحر ورواه في الكافي
عن بكر بن أبي بكر الحضرمي وذكره ومن رجال الصادق (عليه السلام) ورواه في التهذيب عن أبي بكر وكأنه الحضرمي الممدوح وبالجملة فسنده لا يخلو عن اضطراب وقوله
(عليه السلام) إذ لم يستطع أن يتسحر يحتمل أن يكون معناه إذا لم يستطع أن يشرب الدواء أو يأكل الغداء في السحر بحيث لا يضره الصوم وما رواه عمر بن أذنيه في
الحسن بن إبراهيم قال كتبت إلى أبى عبد الله (عليه السلام) أسئله ما حد المرض الذي يفطر فيه صاحبه والمرض الذي يدع صاحبه الصلاة قال بل الانسان على نفسه
بصيرة وقال ذلك إليه هو أعلم بنفسه وقوله يدع صاحب الصلاة أي من قيام كما وقع في بعض نسخ الكافي والمراد يقال في الموضعين أنه كتب في الجواب وما رواه
محمد بن مسلم في الصحيح وفي مسنده محمد بن عيسى عن يونس قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما حد المريض إذا نقه في الصيام قال ذلك إليه هو أعلم بنفسه إذا
قوى فليصم يقال نقه من مرضه بالكسر نقها بالفتح ونقه بالفتح نقوها وهو ناقة والجمع نقه بضم النون وتشديد القاف وما رواه زرارة في الموثق
قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) ما حد المرض الذي يفطر فيه الصائم ويدع الصلاة من قيام فقال بل الانسان على نفسه بصيرة وهو أعلم بما يطيقه
وقوله تعالى بل الانسان على نفسه بصيرة أي حجة بنية على أعمالها لأنه شاهد بها أو عين مبصرة بها التاء للمبالغة كقولك رجل راوية وطاغيته و
علامة قال الأخفش جعله في نفسه بصيرة كما يقال فلان جود وكرم وذلك أنه يعلم بالضرورة متى رجع إلى عقله إن طاعة خالفه واجبة وعصيانه منكر
فهو حجة على نفسه بعقله السليم وقيل إن المراد شهادة جوارحه فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه فالمراد بالانسان هنا الجوارح وقيل الانسان
مبتداء وعلى نفسه بصيرة جمله وقعت خبر للمبتدأ ولا يخفى بعده وما رواه سماعة في الموثق وفى سنده محمد بن عيسى عن يونس قال سئلته ما حد المرض
الذي يجب على صاحب فيه الافطار كما يجب عليه في السفر من كان مريضا أو على سفر قال هو مؤتمن عليه مفوض إليه فإن وجد ضعفا فليفطر وإن وجد
قوة فليصمه كان المرض ما كان وقوله من كان مريضا أو على سفر أي يحكم ذلك من الكتاب الكريم وما رواه سليمان بن عمر وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
اشتكت أم سلمة رحمة الله عليها عينها في شهر رمضان فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تفطر وقال عشاء الليل لعينك روى ثم إن المتضرر به
أما بحسب وجدانه زيادة المرض بالصبر على الجوع أو العطش أو عدم شرب الدواء أو بحسب التجربة في مرض سابق عليه مثله أو بحسب ظنه الحاصل بقول عارف
يخبر بزيادة المرض بسبب الصوم أو بطؤ برئة أو شدة الألم به بحيث لا يحتمل عادة ولو كان العارف المخبر فاسقا أو كافرا لان المجوز للافطار الظن الحاصل من
قوله لوجوب التحرز عن الضرر المظنون ولو اشتبه الحال فلا يسقط الصوم لشمول التكليف وعدم الظن بالمسقط ولو كان صحيحا ويخشى المرض بالصيام
قال في المنتهى فيه تردد ينشأ من وجوب الصوم بالعموم وسلامته من معارضة المرض ومن كون المرض إنما أبيح له الافطار لأجل الضرر وهو حاصل هنا
لان الخوف من تجدد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله وأقول لا يبعد القول برجحان الوجه الثاني ويؤيده عموم قوله تعالى ما جعل عليكم في الدين
من حرج يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقوله (عليه السلام) في صحيحة حريز المتقدمة كلما أضربه الصوم فالافطار له واجب
وما وقع من إفطار الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما ولو صام المريض المتضرر به لم يجزه للنهي المفسد للعبادة ووجوب صيام العدة
عليه بحكم الآية وخالف فيه بعض الجمهور ولو كان جاهلا بالحكم بسقوط الصوم عن المريض لأنه أتى بخلاف ما هو فرضه فلا يجزيه وهذا بخلاف المسافر كما
سبق في باب الصلاة من قوله لو أتم المسافر جاهلا فلا إعادة في الصلاة ولصوم لورود الأخبار الكثيرة في المسافر كصحيحة عبد الله بن أبي شعبة قال قلت
382

لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل صام في السفر فقال إن كان بلغه
ن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه
وغيرها من الصحيحة والحسنة وهل يلحق بجاهل الحكم ناسيه قيل نعم لاشتراكهما في العذر وقيل لا ولعله الصحيح قصر لما خالف الأصل على مورد النص ولشمول
قوله (عليه السلام) إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فعليه القضاء ظاهرا له ولا يمكن إلحاق المريض بالمسافر لبطلان القياس على إشكال في عدم
الاجزاء لرواية عقبة من إجزاء صيام المريض فتحمل على الجاهل أو على من لا يضره روى عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل صام رمضان وهو مريض قال يتم
صومه ولا يعيد يجزيه قال الشيخ في التهذيب يحتمل أن يكون إنما أجزء صومه عنه لأنه صام وتكلف في حال لم يضر الصوم به ولم يكن قد بلغ إلى حد وجب عليه الافطار
وذكر المصنف (ره) على سبيل الاحتمال حمله على الجاهل ولا يخفى بعده لقوله (عليه السلام) يتم صومه لان الجاهل لو علم في الأثناء يجب عليه الفطر والقضاء البتة فلا بد من ارتكاب
تكلف في تصحيح هذا القول وعلى كل من التأويلين يزول الاشكال ويحصل الجمع بين الأدلة كما أفاده المصنف (ره) ولكن على ما احتمله (ره) يلزم الحكم بالاجزاء عن
الجاهل كما في المسافر وبرؤه كقدوم المسافر فإن برئ قبل الزوال والتناول أمسك واجبا بنية صوم رمضان ولا قضاء عليه وإن برئ بعد أحدهما أمسك
تأديبا وعليه القضاء وقد مر ما يستفاد منه هذا الاحكام وقال في المدارك وهذا قول علمائنا أجمع وقال ويدل على وجوب الصوم إذا حصل البرء قبل
الزوال والتناول فحوى ما دل على ثبوته في المسافر فان المريض أعذر منه أقول وضعفه واضح إذ لا أولوية للأعذر بوجوب الصوم عليه بالنسبة إلى المعدود
بل من الظاهر أن الامر بالعكس وكأنه أراد أن الأعذر أولى بقبول الصوم منه لو نواه وأتى به ثم يستدل من ذلك على الوجوب وضعف ذلك أيضا غير خفى على
المتأمل ثم قد ورد في رواية الزهري عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في عد وجوه صوم التأديب وكذلك من أفطر لعله من أول النهار ثم قوى بقيه يومه أمر بالامساك
عن الطعام بقيه يومه تأديبا وليس بفرض وقد وقع في كلام المفيد في المقنعة وجوب هذا الامساك حيث قال وإذا أفطر المريض أياما من شهر رمضان أو يوما
ثم صح من بقية يوم قد كان أكل فيه أو شرب فإنه يجب عليه الامساك ويجب عليه مع ذلك القضاء لليوم الذي أمسك فيه والظاهر
كما أفاده الشيخ في التهذيب إن مراده بالوجوب الترغيب والتأديب وتأكد الاستحباب ويشعر بذلك قوله بعد هذا وكذلك إذا طهرت الحايض في بقية يوم قد كانت أكلت فيه أو شربت
أمسكت تأديبا وعليها القضاء ولا يجب الصوم على الحايض والنفساء ولو في جزء من النهار كان رأت الدم في آخر النهار أو طهرت منه في أوله وكما لا يجب
عليهما لا يصح منهما ويجب عليهما القضاء كل ذلك للاجماع والنصوص المستفيضة فرووا عن عايشة قالت كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة وعن أبي سعيد قال قال النبي صلى الله عليه وآله أليس أحديكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذلك من نقصان
دينها ومن طريق الخاصة صحيحة عيص بن القاسم قال سئلت أبا عبد الله عن امرأة تطمث في شهر رمضان قيل أن يغيب الشمس قال تفطر حين تطمث وحسنة الحلبي بن إبراهيم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عنا امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر قال نعم وإن كان وقت المغرب فلتفطر وسألته عن
امرأة رأت الطهر في أول النهار من شهر رمضان فتغتسل فلم تطعم كيف تصنع في ذلك اليوم قال تفطر ذلك اليوم فإنما فطرها من الدم وفسر البيضاوي العشاء
بآخر النهار وقال الجوهري وزعم قوم إن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر والمراد بوقت المغرب ما قرب منه وموثقة منصور بن هار بعلي بن الحسين (عليهم السلام)
ووصفها في المنتهى بالصحة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أي ساعة رأت المرأة الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت وإذا رأت الطهر في ساعة من النهار قضت
صلاة اليوم والليلة والقضاء بمعنى الفعل ورواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة أصبحت صائمة في رمضان فلما ارتفع النهار حاضت قال تفطر قال وسئلته عن امرأة ذات الطهر أول النهار قال تصلى
وتتم يومها ويقضى وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر قال تفطر وتقضى ذلك
اليوم وغيرها من الأخبار الكثيرة جدا ولا تعارض هذه الأخبار بما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل
الزوال فهي في سعة أن تأكل وتشرب وإن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل ولتعتد بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب لأنه خبر واحد في سنده على بن
الحسن بن فضال وهو فطحي المذهب وعلي بن إسباط وهو أيضا كك وإنما الخلاف في أنه هل رجع عن هذا الرأي الفاسد أو مات عليه وأبو بصير وهو لاشتراكه
غير معلوم التوثيق ويشتمل متنه ظاهرا على الامر باغتسال الحايض أول حيضها وذلك غير معهود من الشرع وحمله على الغسل بعد انقضاء أيام الحيض
وانقطاع الدم أو على تطهير الأعضاء والثياب مستبعد وكأنه قد سقط شئ من البين وقال الشيخ (ره) في كتابي الاخبار هذا الخبر وهم من الراوي لأنه إذا كان
رؤية الدم هو المفطر فلا يجوز لها أن تعتد بصوم ذلك اليوم وإنما يستحب لها أن تمسك بقية النهار تأديبا إذا رأت الدم بعد الزوال كما تدل عليه موثقة
محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال قال تفطر وإذا كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمض
على صومها ولتقض ذلك اليوم ثم إنه قد نقل العلامة في المنتهى قولا وكأنه من بعض العامة بوجوب الصوم على الحايض والنفساء ولكن يجب عليهما الافطار
383

ولهذا يجب عليهما القضاء وفساده كما أفاده رحمه الله واضح للتنافي الظاهر بين وجوب الصوم والفطر ووجوب القضاء بأمر جديد نعم لهما أهلية التكليف
وشملهما الخطاب العام بالصيام ظاهر أو خرجنا عنه باعتبار المانع الذي ظهر ما نعيته عن الشرع قال أراد القائل بالوجوب مجرد هذا فلا نزاع إلا تجب
اللفظ ولو زال في الأثناء استحب الامساك لما مر من أن الظاهر وفاقهم على ذلك وفي رواية أبي بصير المتقدمة قال وسألته عن امرأة رأت الطهر أول النهار قال
تصلى وتتم يومها ويقضى وموثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المرأة تطلع الفجر وهي حايض في شهر رمضان فإذا أصبحت طهرت وقد أكلتا ثم
صلت الظهر والعصر كيف تصنع في ذلك اليوم الذي طهرت فيه قال تصوم ولا تعتد به وفى رواية الزهري عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في عد وجوه صوم التأديب
وكذلك الحايض لو طهرت أمسكت بقية يومها وقال أبو حنيفة بوجوب هذا الامساك مع القضاء وكذا قال بوجوب الامساك والقضاء لساير أولى الاعذار
إذا زال عذرهم في أثناء النهار لان زوال العذر لو طرء قبل طلوع الفجر لوجوب الصوم فإذا طرء بعد الفجر وجب الامساك كما لو قامت البينة في أثناء النهار بعد الافطار
بأن اليوم من شهر رمضان والجواب بالفرق كما أفاده العلامة في المنتهى لان الافطار أبيح ظاهر أو باطنا لصاحب العذر في أول النهار فإذا أفطر أو حصل الفطر له
بالغدر كالحيض والنفاس أو فات عنه وقت نيه الصوم باستمرار العذر إلى الزوال كان له أن يستديم الافطار إلى آخر النهار كما لو استمر العذر إليه وهذا بخلاف
قيام البينة فإنه لم يكن له الفطر باطنا وإنما أبيح له ظاهر الاجل الجهل فلما انكشف له الحال حرم عليه الافطار لو طهرت ليلا فتركت الغسل قضت
ولا كفارة على الأقرب قال العلامة في المنتهى لم أجد لأصحابنا نصا صريحا في حكم الحيض في ذلك يعنى أنها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال
ويبطل الصوم لو أخلت به حتى يطلع الفجر والأقرب ذلك لان حدث الحيض يمنع الصوم فكان أقوى من الجنابة وابن أبي عقيل قال الحايض والنفساء إذا طهرتا من
دمهما ليلا فتركتا الغسل حتى يطلع الفجر عامدتين وجب عليهما القضاء خاصه انتهى والظاهر أن الأقرب عنده وجوب القضاء والكفارة معا كما ذكره في المختلف
ويظهر أيضا من دليله حيث حكم بأن حدث الحيض أقوى من الجنابة إذ رأيه ترك غسل الجنابة عما يوجب القضاء والكفارة معا فكذا ترك غسل الحيض بطريق
الأولى وابن أبي عقيل يقول في ترك غسل الجنابة بالقضاء خاصة وكذا هنا وفى النهاية تردد في ذلك وقال بعد عد المحرمات على الحايض وهذا التحريم باق
ما دامت ترى الدم فإن انقطع ارتفع تحريم الصوم وإن لم تغتسل بخلاف الاستمتاع على رأى وما يفتقر إلى الطهارة لاستمرار التحريم إلى الاغتسال ويحتمل
استمرار تحريم الصوم إلى الاغتسال لان الحيض حدث ينافي الصوم وإنما يرتفع بالغسل انتهى وقال في المدارك وجزم العلامة في النهاية بعدم وجوب القضاء
وكأنه لسقوط قوله ويحتمل إلى اه من نسخته وتردد المحقق أيضا في المعتبر وقال وفيه أي بطلان الصوم بترك الغسل تردد وروى على بن الحسن عن علي بن إسباط عن
عمه يعقوب الأحمر عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم لكن
على بن الحسن فطحي وابن إسباط واقفي انتهى والمذكور في كتب الرجال كما ذكرنا سابقا إن ابن إسباط كان فطحيا وإعراضه عن ذكر اشتراك أبي بصير يحتمل أن يكون للاختصار
كما يحتمل أن يكون لأجل وجدانه القرنية على أنه الثقة والمصنف (ره) في الذكرى اقتصر على نقل الأقوال والخبر والشهيد الثاني حكم بإلحاق الحايض والنفساء إذا انقطع دمهما
بالجنب ثم إن ما ذكره في المنتهى من أن حدث الحيض يمنع الصوم فكان أقوى من الجنابة فضعيف جدا إذ العلة في وجوب التحفظ عن حدث الجنابة في خصوص وقت طلوع
الفجر من يوم الصيام دون ساير أوقات النهار غير معلومة من الشرع فكيف يمكن قياس حدث آخر عليه مع أن المعلوم منع أصل الحيض عن الصيام في أي جزء كان من النهار
بخلاف نزول المنى وأما الحالة الوهمية التي تبقى في البدن بعد زوال وانقطاع الدم في النهار في القوة والضعف بالنسبة إلى الحالة التي تحصل بنزول المنى غير
معلوم واختلاف تلك الحالة مع أصل الحيض في الأحكام الشرعية المترتبة عليهما واضح كما ترى من أن أصل الحيض يمنع عن الطلاق وعن وجوب قضاء الصلاة
وعن الصلاة بالتيمم بخلاف تلك الحالة ويمكن أن يقال أيضا إن حدث الحيض أقوى من الاستحاضة وهي تخل بالصيام مع ترك الغسل على ما سيأتي فهو بطريق
الأولى والظاهر أنه أقوى مما ذكره في المنتهى وإن ضعف في نفسه وأما الخبر فقد عرفت حال طريقه وكيف كان فالاحتياط في القضاء البتة والحكم بوجوب الكفارة في
غاية البعد وعلى القول بوجوب القضاء فالحكم بسقوطه بالنوم مع العزم على الغسل كما في حدث الجنابة لا يخلو عن نظر إلا أن يكون المسلم الوجوب على التارك
العامد
(ويصح الصوم من المستحاضة إذا اغتسلت غسلي النهار) لا ريب في أن المستحاضة إذ أتت بما عليها من الغسل بحسب حال دمها صح صومها وعبارة الشيخ في المبسوط
تشعر باعتبار تجديد القطن والخرقة وتجديد الوضوء أيضا وكأنه (ره) بتكلف في العبارة لبيان تمام ما عليها إن تفعله وأما التخصيص بغسل النهار فلما ذكره
في المنتهى من أنها لو أخلت بالغسل الذي للعشائين فالأقرب صحة صومها إذ ذلك إنما يقع بعد انقضاء صوم ذلك اليوم وأقول لا ريب في أن اشتراط صحة الصوم
السابق بالغسل اللاحق مستبعد ولكنها لو تركت غسل العشائين ففي صحة صومها اللاحق إذا اغتسلت قبل الفجر إشكال لان المعلوم من الشرع إن دفع حكم
الحدث عنها إنما يكون بالاتيان بهذه الأغسال فمع الاخلال بشئ منها كما فرضنا يشكل الحكم بصحة الصوم باعتبار تداخل الغسلين في الفجر على ما يظهر من عبارة
384

المصنف وصرح به الشهيد الثاني في الروضة نعم حينئذ لو أتت بالأغسال في الليلة الآتية يصح صومها في اليوم الثاني إذا اغتسلت للظهرين لا يق فيجئ هذا
الاشكال في صحة صلاة الفجر أيضا لو أخلت بغسل العشائين واغتسلت لها لأنا نقول المستفاد من الأخبار الواردة في باب الصلاة أنها تغتسل عند صلاة
كذا وتصليها فنحكم بصحة كل صلاة اغتسلت لها وليس في الصوم نص صريح لنتبع لفظه وإنما المعلوم صحة صومها مع الاتيان بالأغسال فمع الاخلال
بواحد منها في اليوم أو الليلة السابقة عليه يشكل أمر صحة الصوم والحق إن غاية ما يستفاد من النص كما يظهر مما سيأتي أن المستحاضة لو تركت الأغسال يجب
عليها قضاء الصوم فالمفتقر إلى الدليل الحكم بعدم الصحة ووجوب القضاء مع الاخلال ببعض الأغسال وأما الصحة فتقتضيها امتثال الامر بالصيام الوارد في الشرع
ظاهرا (فلو تركت) غسلا من غسلي النهار (فكالحايض) أي قضت ولا كفارة واعلم إن المشتهر بينهم فساد صوم المستحاضة بدون الاتيان بما عليها من الأغسال
أما مطلقا أو مع التقييد بالنهارية كما عرفت ودليلهم عليه ظاهرا صحيحة على بن مهزيار قال كتبت إليه امرأة ظهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم
من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا
فكتب (عليه السلام) تقضى صومها ولا تقضى صلاتها لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة (عليها السلام) والمؤمنات من نسائه بذلك ويشكل الاحتجاج
بها لجهالة المكتوب إليه واشتمالها على سقوط قضاء الصلاة عن المستحاضة وأيضا علي (عليه السلام) أمر فاطمة (عليها السلام) بذلك مع أن ذلك لم يقع منها
ولم تر حمرة قط ويمكن الاعتذار عن الأول بأن استفسار على بن مهزيار في أمثال تلك المسائل عن غير المعصوم ونقله في طي رواياته عن الأئمة (عليهم السلام)
مستبعد وأيضا لو كان المرجع غير الامام لما قال فكتب (عليه السلام) كما هو المضبوط في نسخ الحديث وعن الثالث بأن المراد من أمرها (عليه السلام) أن تأمر النساء
بذلك كما وقع ذلك صريحا في أخبار أخر واعتذر الشيخ (ره) في التهذيب عن الثاني بأنه إنما لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أن عليها لكل صلاتين
غسلا ولا تعلم ما يلزم المستحاضة فأما مع العلم بذلك والترك له على العمد يلزمها القضاء وأنت خبير بأنه يلزم على ما ذكره الشيخ أن يكون الجاهل
معذورا في الطهارة للصلاة دون الصيام وهو في الصلاة خلاف ما اشتهر بينهم وتدل عليه الاخبار وفي الصوم خلاف ما ذكره في التهذيب سابقا
من أن الجاهل معذور كما ورد في رواية زرارة وأبى بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قالا جميعا سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان
وأتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال قال ليس عليه شئ إلا أن نقول بأن الجهل بالطهارة أعظم أو يقول بأن المراد من الشئ المنفى
في الخبر الكفارة دون القضاء كما ذكرنا سابقا ويمكن الاعتذار عن الثاني أيضا بأن المقصود أنها تقضى صوم الشهر كله بخلاف الصلاة إذ لا تقضى صلاة
أيام حيضها من جملة الشهر ولا يخفى بعده ويمكن أن يق أيضا إن السائل سأل عن حكم المستحاضة والإمام (عليه السلام) عدل عن جوابه وذكر حكم الحايض لأجل
التقية لان الاستحاضة من باب الحدث الأصغر عندهم فلا يوجب الغسل وعلى هذا لا يصير الخبر دليلا لمطلوب القوم مع وضوح بعد هذا لاحقا
وكيف كان فالاحتجاج بمثل هذا الخبر في غاية الاشكال مع أن الظاهر منه ترك جميع الأغسال وقوله من الغسل لكل صلاتين من باب الاختصار في بيان
ما هو المقرر المعلوم فلا يمكن الاحتجاج به على وجوب القضاء بترك البعض وإن قيد بالنهاية كما معه العلامة والمصنف رحمهما الله بل يمكن القول بأن الاعتبار
بخصوص غسل الفجر على قياس حدث الجنابة ولكن الاحتياط يقتضى العمل بما اشتهر بينهم ويصح الصوم أيضا من الجنب إذا لم يتمكن من الغسل للامتثال المقتضى
للاجزاء والحكم بوجوب القضاء يحتاج إلى دليل لم يوجد والتنافي بين صحة الصوم والجنابة حتى في حال الاضطرار لا يطهر من الشرع مع أن التيمم على ما
هو الأقرب عند المصنف (ره) رافع لحكمها والأقرب وجوب التيمم عليه وعلى ذات الدم وهذا هو الأقوى عند الشهيد الثاني في المسالك ولعل وجهه إن
حدث الجنابة وما في حكمها مانع من الصوم فيستصحب إلى أن يثبت المزيل وهو الغسل أو ما يقوم مقامه في الإباحة ويشكل بأن مدخلية التيمم في إباحة الصوم
لا بد من أن يثبت من الشرع ففي إثبات وجوبه بها شرعا شبه دور ولو قيل قد ظهر من الشرع مدخلية التيمم في إباحة بعض ما يحرم على الجنب كالصلاة و
الطواف وقراءة العزائم فيرجع إلى قياس لا نعمل به وربما استدل عليه أيضا بعموم قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا وقوله عز وجل ولكن يريد ليطهركم
وبعموم ألفاظ الأخبار الواردة في التيمم كقول النبي صلى الله عليه وآله جعلت لي الأرض مسجدا طهورا وقوله صلى الله عليه وآله لأبي ذر يكفيك الصعيد عشر
سنين وقول الصادق في صحيحة جميل فان الله تعالى جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا وفي صحيحة داود بن سرحان في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح
أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد فقال لا يغتسل وتيمم ونظايرها كثيرة وفي صحيحة زرارة في رجل تيمم قال يجزيه ذلك إلى أن يجد الماء وفي صحيحة حماد بن
عثمان قال سئلت أبا عبد الله عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة فقال لا هو بمنزلة الماء وعدم ظهور دلالة هذه الأدلة على المطلوب كما ترى
يمنع عن الخروج عن حكم أصل البراءة بمجردها ولا ريب في أن التيمم إنما يجب بوجوب أمر مشروط به في الشرع واشتراط الصوم به غير ظاهر منه وربما تبادر الذهن
385

إلى أن التيمم لو كان شرطا في صحه الصوم كالغسل لكان ذكره في الاخبار صريحا ولكن الاحتياط في العمل به مع وجود تلك الأدلة وتصريح بعض الأصحاب
بوجوبه واستفادة التسوية بين الطهارتين من كلام بعضهم حيث قال الشيخ في المبسوط وإذا تيمم جاز أن يفعل جميع ما يحتاج في فعله إلى الطهارة وقال
المحقق في المعتبر إذا صح تيممه استباح كل ما يستبيحه المتطهر مما الطهارة شرط فيه وقال العلامة في المختلف بعد نقل صحيحة جميل أنه (عليه السلام) سوى بين الجعلين
وإنما يتساويان تشاركا في جميع الأحكام المطلوبة منها ثم على القول بوجوب التيمم يحتمل اعتبار ضيق الوقت فيه رجاء للتمكن من الغسل كما يعتبر في
التيمم للصلاة ولم أجد منهم نصا عليه وهل يجب عليه القضاء لو تركه عمدا أو نسيانا أو جهلا الظاهر كما قاله في المسالك الوجوب لعدم إتيانه بالصوم
على الوجه الشرعي خصوصا في صورة للعمد وأما الكفارة فوجوبها يحتاج إلى دليل لم يوجد وإن قلنا بها في ترك الغسل لعدم مساواة البدل للمبدل من
بكل وجه وهل يحرم النوم عليه مع عدم ظن الانتباه قبل الفجر لتجديد التيمم قيل نعم لانتفاء فائدة التيمم لو جاز نقضه قبل الفجر ولأن النوم ناقض للتيمم كنقض
الجنابة للغسل فكما لا يجوز تعمد البقاء على الجنابة إلى أن يطلع الفجر فكذا لا يجوز نقض التيمم والعود إلى حكم الجنابة قبله والدليل الثاني لا يزيد على الأول
إلا بتفصيل وقيل لا يجب لان انتقاض التيمم بالنوم لا يحصل إلا بعد تحققه وبعد يسقط التكليف لاستحالة تكليف
الغافل وقال صاحب المدارك ولا
يخلو من قوة وأقول ضعفه ظ لان التكليف بالمنع إنما يتوجه إلى العامد المتوجه إلى النوم الناقض له يقينا ولا يندرج ذلك تحت تكليف الغافل المستحيل
(ولو تمكن) من الغسل ليلا (وتعمد البقاء على الجنابة) حتى يطلع الفجر (فسد) الصوم إن كان من شهر رمضان كما مر مفصلا وكذا قضاؤه لما رواه ابن سنان في الصحيح
قال كتب أبى إلى أبي عبد الله (عليه السلام) وكان يقضى شهر رمضان وقال أنى قد أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر فأجابه لا تصم هذا
اليوم وصم غدا وقال المحقق الأردبيلي طاب ثراه ولعل معنى أصبحت بالغسل أنه أردت أن أصبح غير جنب وأقول الظاهر أن المعنى أصبحت متلبسا بوجوب الغسل
أو بإعداد أسبابه وقوله وأصابتني جنابة بيان لذلك وما رواه أيضا ابن سنان في الصحيح قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقضى رمضان فيجنب من
أول الليل ولا يغتسل حتى آخر الليل وهو يرى إن الفجر قد طلع قال لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره وما رواه سماعة بن مهران قال سئلته عن رجل أصابته
جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر فقال عليه أن يتم صومه ويقضى يوما آخر فقلت إذا كان ذلك من الرجل
وهو يقضى رمضان قال فليأكل يومه ذلك وليقض فإنه لا يشبه رمضان شئ من الشهور وقال خالي طاب ثراه ولعل الغرض إنه لا يلزم عليه الامساك كما في
شهر رمضان فإنه لا يشبه رمضان شئ من الشهور واشتبه على بعض المتأخرين فقال بعد نقل هذا الخبر ولعل في هذا دلالة على أن له صوم النافلة إذا أصبح
جنبا بل نذر المعين أيضا من غير احتياج إلى القضاء وأقول ما ذكره هذا البعض مأخوذ من كلام المحقق الأردبيلي حيث قال ويدل على اختصاص الحكم
المذكور أي عدم انعقاد الصوم صحيحا لو أصبح جنبا على تقدير ثبوته بصوم شهر رمضان قوله في رواية سماعة ورمضان لا يشبه شئ من الشهور وما أفاده
طاب ثراه في حل الخبر لا ظهور له بالنسبة إلى ما فيهما حتى يمكنه الحكم باشتباه الامر عليهما إذ لا استبعاد في فهم العموم من قوله لا يشبه رمضان نعم بعد قيام
هذا الاحتمال لا يمكن الاستدلال وأما إن كان الصوم واجبا مطلقا أو معينا من غير شهر رمضان فاشتراطه بالطهارة محل تردد لاختصاص الأخبار الواردة
في هذا الباب بصوم رمضان أداء أو قضاء ولا يمكن القياس والأصل عمد الاشتراط واستفادة منافاة حدث الجنابة للصوم من هذه الأخبار لا يخلو عن
إشكال خصوصا مع اعتقاده في بعض الصور كالنومة الأولى مع العزم على الغسل ولكن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات مط ينادى بإجماعهم عليه
واشتهاره بينهم وظاهر أنه لا يشتهر حكم بينهم إلا لمأخذ قوى فذلك موجب للتردد وكما قال المحقق في المعتبر ولقايل أن يخص هذا الحكم برمضان دون غيره
من الصيام وقال العلامة في المنتهى هل يخص هذا الحكم برمضان فيه تردد ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم ولا قياس يدل عليه ومن
تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات وقال صاحب المدارك لا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي التردد فإن تعميم الأصحاب لا يعارض أصالة البراءة أقول
وهذا الكلام عندي ضعيف كما ظهر وجهه ثم إن هذا الكلام من العلامة (ره) ينافي ما استدل به في المختلف على وجوب القضاء والكفارة على متعمدا لبقائه
الجنابة في شهر رمضان من أن الانزال نهارا موجب للقضاء والكفارة وكذا استصحاب الانزال بل هذا آكد لان الأول قد انعقد الصوم في الابتداء و
هنا لم ينعقد ووجه التنافي واضح جدا وأما إن كان الصوم مندوبا فسيأتي حكمه وكذا يفسد الصوم لو نام الجنب ليلا بعد علمه بالجنابة غير ناو للغسل
فأصبح جنبا سواء كان عازما على ترك الغسل أم ذاهلا عنه أصلا بخلاف ما لو كان ناويا للغسل فيتضمن هذا الكلام حكم لنتصور الأولى لو نام عازما
على ترك الغسل وفساد الصوم في هذه الصورة واضح لعدم الفرق بينه وبين العامد إذ لا أثر للنوم الكذائي الثانية لو نام ذاهلا عن الغسل وتركه الحكم
فساد الصوم أيضا لان الطهارة شرط لصحته وهو بنومه قد فرط في تحصيل الشرط ولما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهم السلام) قال سئلته عن
386

رجل تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قيل أن يغتسل قال يتم صومه ويقضى ذلك اليوم إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء يسخن أو يستقى
فطلع الفجر فلا يقضى يومه وقوله (عليه السلام) إلا أن يستيقظ استثناء عن وجوب القضاء فإن الاستيقاظ يسقط في صورتي أحديهما أن يغتسل قبل الفجر وترك
ذكرها لظهور حكمها والثانية أن ينظر ماء يسخن ولعل المراد به أن يعوقه عن الغسل عايق وعدم حكمه عليه حينئذ بالتيمم يشعر بعدم اعتباره إلا أن يحتمل على أنه
كان من ظنه بقاء الليل فاتفق طلوع الفجر وظهر خلاف ظنه وما رواه ابن أبي يعفور في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يجنب في رمضان ثم
يستيقظ ثم ينام حتى يصبح قال يصوم يومه ويقضى يوما آخر وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له والظاهر أن المراد بقوله يجنب في رمضان ثم يستيقظ
أنه يجنب بالاحتلام فيستيقظ من النومة التي احتلم فيها ويحصل له العلم بالجنابة ثم ينام فينطبق على ما فرضناه من استمرار النومة الأولى
بعد العلم بالجنابة إلى الصبح وما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سئلته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان
أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا قال يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه وقوله متعمدا قيد للنوم كما هو ظاهر اللفظ لا للاصباح جنبا فيشتمل
بإطلاقه ما فرضناه وما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في رجل احتلم أول الليل وأصاب من أهله ثم نام معتمدا في شهر رمضان
حتى أصبح قال يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر شهر رمضان ويستغفر ربه والكلام فيه كالكلام في السابق والامر بالاستغفار لا ينافي ما قلناه ولا
يفيد اختصاصه بالصورة الأولى إذ يحتمل أن يكون ذلك باعتبار النوم بدون العزم على الغسل كما يحتمل أن يكون باعتبار النوم مع العزم على ترك
الغسل وما رواه سماعة بن مهران وقد تقدم ذكره وهذه الأخبار تدل بإطلاقها على فساد الصوم في جميع الصور التي فرضناه يخرج عنها الصورة
الثالثة لما سيأتي ويبقى الباقي الثالثة لو نام ناويا للاستيقاظ والغسل قبل طلوع الفجر فلا يجب عليه القضاء لان العزم على الغسل يخفف حكمه وقال
الشهيد الثاني في المسالك ولا بد مع ذلك من احتمال الانتباه وإلا كان كمعتمد البقاء وشرط بعض الأصحاب مع ذلك اعتباره الانتباه ولا بأس به
وأقول اعتبار الامكان مما لا ريب فيه وأما اعتبار الانتباه فيحتمل أن يكتفى عنه باعتبار عدم ظن استمرار النوم وإن كان اعتبار الاعتياد أحوط ويدل على
حكم هذه الصورة وجوب الجمع بين الروايات السالفة الدالة على وجوب القضاء والأخبار الكثيرة الواردة في سقوطه كخبر معاوية بن عمار في الصحيح قال قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان قال ليس عليه شئ قلت فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح قال فليقض ذلك اليوم عقوبة
وما رواه عيص بن القاسم في الصحيح أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل قال لا بأس
وحمله على نفى البأس عن مجرد النوم كذلك بشرط الاستيقاظ والغسل قبل الفجر لا يخلو عن بعد وما رواه البزنطي في الصحيح عن أبي سعيد القماط وكأنه خالد بن سعيد
الثقة لرواية البزنطي عنه والجزم بأنه صالح بن سعيد كما فعله خالي طاب ثراه حيث قال أنه غير موثق في كتب الرجال ولا ممدوح لا وجه له قال سئل أبو عبد الله
(عليه السلام) عمن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح قال لا شئ عليه وذلك إن جنابته كانت في وقت حلال وكأنه (عليه السلام) أشار بقوله وذلك
إن جنابته كانت في وقت حلال إلى الفرق بين البقاء على الجنابة إلى النهار وبين إيقاعها في النهار ويظهر منه ضعف ما نقلناه سابقا عن المختلف من أن الانزال نهارا موجب للقضاء والكفارة وكذا استصحاب الانزال بل هذا آكد وما رواه إسماعيل بن عيسى قال سئلت الرضا عن رجل أصابته جنابة
في شهر رمضان فنام حتى يصبح أي شئ عليه قال لا يضر هذا ولا يفطر ولا يبالي فإن أبى (عليه السلام) قال قالت عايشة إن رسول الله صلى الله عليه
وآله أصبح جنبا من جماع من غير احتلام قال لا يفطر ولا يبالي الحديث وما نقله (عليه السلام) عن عايشة وإن كان يشعر بعدم منافاة البقاء على الجنابة
مطلقا للصوم ولكن يمكن حمل النقل على التقية وحمل أول الكلام على الواقع باعتبار النوم والعزم على الغسل ثم إن الجمع بين الاخبار بحمل الأخبار الأخيرة
على النايم الناوي والأخبار السابقة على غيره كما فعلناه كأنه أقرب كثيرا من الوجوه التي ذكروها للجمع بينها فليراجعها من أراد الاطلاع
عليها ثم إن كلام المحقق في المعتبر في الحكم الصورة الثالثة التي فرضناها لا يخلو عن تدافع فقال أولا في ذيل مسألة من أجنب وتعمد البقاء على الجنابة ولو
أجنب فنام ناويا للغسل حتى أصبح فسد صوم ذلك اليوم وعليه قضاء وعليه أكثر علمائنا وأسنده برواية ابن أبي يعفور ورواه محمد بن مسلم و
قال بعد ذلك بفاصلة في أول مسألة من أجنب ونام ناويا للغسل حتى طلع الفجر فلا شئ عليه لان نومه سايغ ولا قصد له في بقائه والكفارة
مرتبة على التفريط وإلا مم وليس أحدهما مفروضا أما لو انتبه ثم نام ناويا للغسل فطلع الفجر فعليه القضاء لأنه فرط في الاغتسال مع القدرة
ولا كذا المرة الأولى لان في المنع منها تضيقا على المكلف ويدل على ما قلناه روايات ثم ذكر رواية ابن أبي يعفور ورواية معاوية بن عمار أو عاود
النوم بعد انتباهة فصاعدا سواء كان من عزمه أن يغتسل قبل الفجر أم لا ويدل عليه ما مر في صحيحة معاوية بن عمار قلت فإنه استيقظ
387

ثم نام حتى أصبح قال فليقض ذلك اليوم عقوبة واعلم إن رأى الشيخ وأتباعه والمصنف (ره) إن في النومة الثانية بعد العلم بالجنابة بشرط العزم على
الغسل واستمرارها إلى الفجر يجب القضاء خاصه وفى الثالثة وما بعدها القضاء والكفارة وإن نوى الغسل واستدل الشيخ على حكم الثانية بالاخبار
السالفة الدالة على وجوب القضاء على النائم وجعل خبر معاوية بن عمار دليلا على تخصيصها بالثانية وأنت خبير بكمال بعد هذا التخصيص وإن التخصيص الذي
ذكرناه أبعد عن التكلف واستدل على حكم الثالثة بما سيجئ مع ما فيه ثم الظاهر أن ما ذكروه حكم كل ليلة فلا يدخل نوم النهار والليلة الماضية إن استمرت
جنابته في العدد والأصح كما قاله في المسالك إن تجديد الجنابة بعد الانتباه في الليلة لا يهدم العدد ولو أصبح جنبا ولم يعلم بالجنابة في الليل
انعقد المعين خاصة سواء كان من رمضان أو غيره إذ لا يجوز ترك صومه وصوم يوم آخر بدله لتعينه فلا بد من الاتيان به ووجوب القضاء عليه مع الاتيان
والامتشا وعدم التقصير يحتاج إلى أمر جديد وليس في الاخبار ما يدل على وجوبه في هذه الصورة وكون الصوم مشروطا بالطهارة كيف كان حتى لا يكون
ما فعله مأمورا به غير ظ بل خلافه ظاهر في النائم الناوي الغسل وأما الغير المعين فيدل على عدم انعقاد قضاء رمضان ما مر من صحيحتي ابن سنان ورواية
سماعة بن مهران وأنت خبير بأن شمولها لهذه الصورة غير ظاهر وزاد في المدارك احتمال انعقاد قضاء لو علم بها ليلا ونام واستمر النوم إلى الفجر كما ينعقد
صوم رمضان في الفرض المذكور ولا يخفى بعده وأمر الاحتياط واضح ومال في المسالك إلى احتمال إلحاقه بالمعين لو تضيق برمضان والاحتياط في الاتيان
به وبيوم آخر بعد انقضاء رمضان وأما غير قضاء رمضان من الواجبات الموسعة فلانه في حكمه باعتبار عدم تعينه وإمكان تركه وإيقاعه في يوم آخر وقد
عرفت ما فيه من احتمال اختصاص الحكم باشتراط الطهارة بصوم رمضان أداء وقضاء مع أن ثبوته فيه أيضا غير ظاهر في هذه الصورة كما علمت وفى الكفارة
لو وقع الفرض المذكور في خلال ما يجب تتابعه منها وما وجب تتابعه من غير الكفارة وجهان الأول صحة الصوم لأنه في حكم المعين باعتبار وقوعه في
خلال أيام يجب تتابعها شرعا والثاني وعده في المسالك أجود عدم صحة صوم ذلك اليوم لانتفاء شرط صحته وهو الطهارة ولكن التتابع لا يحتل بذلك لعدم
تقصيره وناقش على ذلك في المدارك بأن عدم التقصير إنما يقتضى انتفاء الاثم لا تحقق الامتثال مع عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه أقول وأنت خبير
بأن ساير ما حكموا بعدم قطعه المتتابع من الاعذار كالمرض وغيره ليس بأزيد من ذلك مع استلزامه للضيق والحرج لبعض الاشخاص ولو كان نقلا
ففي رواية ابن بكير صحته روى ابن بكير في الموثق قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح أيصوم ذلك اليوم تطوعا قال أليس هو
بالخيار ما بينه وبين نصف النهار قال وسألته عن الرجل يحتمل بالنهار في شهر رمضان يتم يومه كما هو فقال لا بأس وأيضا روى حبيب الخثعمي في
الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فاعلم أنى أجنبت فأنام متعمدا حيت ينفجر الفجر
أصوم أولا أصوم قال صم وروى ابن بكير أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعدما اغتسل ومضى
ما مضى من النهار وقال يصوم إنشاء وهو بالخيار إلى نصف النهار ووجه القول بعدم الصحة وبه قال الشيخ وكثير أنه غير معين فلم يصح كقضاء رمضان وإن
الجنب غير قابل للصوم في تلك الحال والصوم لا يبعض ويجب عن الأول بأنه قياس غير معمول به وعن الثاني بمنع كلية المتقدمتين والسند ظاهر وكلام المصنف (ره)
يشعر بالتوقف وإن ما أخيرا إلى الصحة وكأنه لذهوله عن صحيحة الخثعمي وفى رواية كليب إطلاق الصحة بالنسبة إلى الواجب المعين والموسع والندب إذا اغتسل
ويحمل على المعين أو الندب للنهي عن قضاء الجنب في رواية ابن سنان وغيرها وقد تقدم ذكرها مفصلا ولم أقف على رواية كليب في شئ من كتب الأحاديث المتداولة
ولو احتلم نهارا لم يفسد مطلقا ندبا كان أو واجبا معينا أم موسعا للأصل ونسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع وقال في المنتهى لو احتلم نهارا في رمضان
نائما أو من غير قصد لم يفطر يومه ولم يفسد صومه ويجوز له تأخير الغسل ولا نعلم فيه خلافا ويدل عليه أيضا موثقة ابن بكير المتقدمة وصحيحة عبد
الله بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال ثلاثة لا يفطرن الصائم ألقى والاحتلام والحجامة وقد احتجم النبي صلى الله عليه آله وهو
صايم وكان لا يرى بأسا بالكحل للصائم وما وقع في الفقيه والظاهر أنه من تتمة صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) ومن احتلم بالنهار في شهر
رمضان فليتم صومه ولا قضاء عليه وما رواه إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال سألته عن احتلام الصائم قال فقال إذا احتلم نهارا في شهر رمضان
فليس له ان ينام حتى يغتسل الحديث يحمل على الكراهة ولو نسي الغسل فالوجه وجوب قضاء الصوم كالصلاة أما قضاء الصلاة فعليه الاجماع كما ذكره
العلامة وغيره وتدل عليه الاخبار وأما قضاء الصوم فعليه الأكثر وخالف ابن إدريس والمحقق في الشرايع والنافع وظاهر كلام المصنف (ره) عدم الفرق بين
اليوم والأيام والشهر وكلام بعضهم ربما يشعر بالفرق وقال الشيخ (ره) في النهاية ومتى أجنب في أول الشهر ونسي أن يغتسل وصام الشهر كله وصلى
وجب عليه الاغتسال وقضاء الصوم والصلاة وقريب منه ما قاله في المبسوط وفي كلام أكثرهم وقع لفظ الشهر والأيام وكأنهم لتبعيته لفظ النص
388

عبروا بهذه العبارة وحجة القول المشهور أنه أخل بشرط الصوم وهو الطهارة فلم يأت بالمأمور على وجهه وبقى في عهده التكليف والنسيان عذر في سقوط الأعم
وما يترتب عليه من الكفارة لا في سقوط القضاء كما يقضى الصلاة بالاتفاق وما رواه الحلبي في الصحيح قال سأل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر
رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان قال عليه أن يقضى الصلاة والصيام وما رواه إبراهيم بن ميمون قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى تمضي لذلك لذلك جمعه أو يخرج شهر رمضان قال عليه قضاء الصلاة والصوم وقال الصدوق في الفقيه
وروى في خبر آخر أن من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان إن عليه أن يغتسل ويقضى صلاته وصومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة
فإنه يقضى صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم ولا يقضى ما بعد ذلك وهذا يدل على تداخل الأغسال وإن كان المندوب ثم إن لفظه عليه في
الاخبار ظاهره في الوجوب ويؤكدها كون قضاء الصلاة على جهة الوجوب فما أفاده خالي طاب ثراه إن دلالتها على الوجوب غير واضحة وحجة ابن
إدريس أصالة البراءة وإن رفع الخطاء في الخبر المتلقى بالقبول عام ويحمل على المؤاخذة لأنها أقرب إلى الحقيقة والقضاء مؤاخذة فيكون مرفوعة
وجوابه عما استدلوا به أولا إن المسلم إن الطهارة الكبرى شرط في الصوم للعامد لان الناسي كما لا يقولون باشتراطها لجاهل وأما الاخبار فلا حجية فيها على طريقته ثم إن الظاهر على طريقة العاملين بالاخبار القول بوجوب القضاء ولكن يشكل بأن النائم لا يقضى في النومة الأولى مع تفريطه
بالتعمد في النوم عالما فكيف يحكم بالقضاء على الناسي والجواب كما يستفاد من كلام المصنف (ره) في الشرح إن العالم إذا كان من عادته الانتباه وكان
من عزمه الغسل فلا استبعاد في أن أبيح له النوم مرة شرعا للارفاق وإباحته يستلزم إباحة ما يترتب عليه وليس اليوم مظنة التذكر فكأنه لا
تفريط له لو استمر نومه إلى الفجر وفات عنه الغسل سواء انتبه بعد الفجر ناسيا أو ذاكرا أو هذا بخلاف الناسي المستيقظ فإنه في مظنة التذكر باعتبار تفطنه
فتركه الغسل في حال الذكر وما بعده لغلبة النسيان نوع تفريط يمكن أن يكون موجبا للقضاء كما تنطق به الاخبار ولا فرق بين أن ينام بعد النسيان
مرة أو مرارا أولا لا ينام أصلا وكذا لا فرق في إيجاب النسيان للقضاء بين أن يكون حدوثه قبل النوم أو بعده بشرط أن يكون قبل الفجر وما قاله
المحقق في المعتبر من أن التفريط الموجب للقضاء في صورة النسيان هو تكرار النوم على الجنابة مع ذكره لها أول مرة وذلك كما إذا تكرر منه النوم في
التذكر فإنهم يفتون بوجوب القضاء عليه بحكم الاخبار ففيه أولا أن من البين إن تكرر النوم في حال النسيان مما لا مدخل له في التفريط بخلاف
حاله العمد والذكر بل التفريط في حال النسيان ليس إلا باعتبار تركه للغسل في حال الذكر وعدم ضبط نفسه حتى عرض له النسيان أو باعتبار
عدم توجهه والتفاته إلى جانب العبادة بحيث يتذكر في وقت النسيان فإنه مظنة التذكر لأجل يقظته وكان هذا هو مراد المصنف من الترديد الذي
ذكره في الشرح بقوله والتفريط إنما هو بالنسيان في مظنة التذكر أو بالنسيان بعد التذكر أو بالنسيان بعد التذكر ثانيا أنه يلزم بما ذكره أن لا يلزم على الناسي بقضاء أول يوم أجنب فيه إذا لم
يتكرر منه النوم في ليلته وهذا مما لا يقول به أحد كما صرح به المصنف في الشرح وقال الشهيد الثاني في المسالك في مسألة نسيان الجنابة وفى حكم
الجنابة الحيض والنفاس وفي حكم رمضان المنذور المعين وأقول لا ريب أن الاحتياط يقتضى العمل بما ذكره ولكن الحكم من حيث الدليل لا يخلو عن إشكال
لان خبر أبي بصير المتقدم المشتمل على حكم حدث الحيض مع قصور سنده لا يشمل صورة النسيان وما قاله العلامة من أن حدث الحيض أقوى من الجنابة
فقد مر ما فيه وفي تعدى الحكم إلى المنذور المعين أيضا إشكال لما عرفت من احتمال اختصاص حكم اشتراط الطهارة برمضان ويجب القضاء على كل تارك
لصوم من صيام الشهر مع تكليفه وإسلامه فلا قضاء لو تركه الصبي والمجنون الأصل والاجماع وما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله رفع القلم عن ثلاثة
عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النايم حتى يستيقظ وكذا القضاء على الكافر الأصلي لقوله تعالى قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم
ما قدم سلف وقوله صلى الله عليه وآله الاسلام يجب ما قبله أي يقطع ويمحو ما كان قبله من الكفر والمعاصي والذنوب وقد ورد مثله في التوبة وقول الصادق
(عليه السلام) في صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه وغير ما ذكر من الاخبار وأما المرتد فقد مر البحث عنه ومن انتحل الاسلام
من الفرق المحكوم بكفرها كالخوارج والغلاة فيحكم المخالف ولما المعنى عليه والسكران فإن كان السبب بفعلهما عمدا فيدخلان في التكليف ووجوب القضاء
وإلا فلا كما تقدم وسيأتي والمكروه على الافطار غير تارك حقيقة وسيأتي وأما غير هؤلاء فيجب عليه القضاء أو ما يقوم مقامه كالفداء في بعض الصور
سواء كان تركه لعذر كمرض أو سفر أو حيض أو نفاس أو لغيره للاجماع وقوله تعالى ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعده من أيام أخر وقوله تعالى ولتكملوا
العدة وما رواه الجمهور عن عايشة قالت كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة وما رواه زرارة
في الحسن بن إبراهيم بن هاشم قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قضاء الحايض الصلاة ثم تقضى الصيام فقال ليس عليها أن تقضى الصلاة وعليها أن تقضى صوم
389

شهر رمضان ثم أقبل على فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر بذلك فاطمة (عليها السلام) وكانت تأمر بذلك المؤمنات وفى بعض النسخ وكان يأمر بذلك
المؤمنات وعلى التقديرين فالغرض من أمرها (عليها السلام) أن تأمر بذلك المؤمنات كما تشعر به النسخة الأولى لأنها لم تر حمرة قط وما رواه الحسن بن راشد قال
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الحايض تقضى الصلاة قال لا قلت تقضى الصوم قال نعم قلت من أين جاء هذا قال إن أول من قاس إبليس وما
رواه أبان عمن أخبره عن أبي جعفر وأبى عبد الله (عليهما السلام) قالا الحايض تقضى الصيام ولا تقضى الصلاة ثم إن دم النفاس هو دم الحيض
وحكمه حكمه بلا خلاف كما قاله في المنتهى وتدل على مطلق العذر صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال من أفطر شيئا من رمضان في عذر
فإن قضاه متتابعا فهو أفضل وإن قضاه متفرقا فحسن وإذا وجب القضاء مع هذه الاعذار فيجب بدونها بطرق الأولى والأخبار الكثيرة
الواردة في بيان حكم المفطرات يشتمل على وجوب القضاء وقد سلف بعضها وسيأتي البعض ولا يقضى المخالف صومه لو استبصر كساير عباداته
سوى الزكاة والمراد بالمخالف المنتسب بالاسلام الذي لا يقول بإمامة الاثني عشر وإن كان من حكم بكفرهم كالخوارج والنواصب والمراد بصومه وعباداته
ما فعله صحيحا في حال الضلال وأما ما تركه أو أفسده فيجب عليه قضاؤه لعمومات الشاملة لجميع المكلفين خرج عنها الكافر الأصلي بالدليل وبقى
الباقي وأما ما روى في بعض كتب الحديث عن عماد الساباطي قال قال سليمان بن خالد لأبي عبد الله (عليه السلام) وأنا جالس إلى منذ عرفت هذا الامر أصلى
في كل يوم صلاتين أقضى ما فاتني قبل معرفتي قال لا تفعل فإن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة فلا يصلح مخصصا لتلك
العمومات كما أفاده المصنف (ره) في الذكرى لندوره وضعف سنده وقبول متنه للتأويل بأن يكون سليمان يقضى صلاته التي صلاها وسماها فائتة
بحسب معتقده الان حيث يعتقدها في حكم الفايتة باعتبار خلوها عن بعض الشرايط وعدم صدورها عن خلوص الايمان وعدم مقارنتها له وعلى هذا
يرجع نهيه (عليه السلام) إلى إعادة ما فعله في حال الضلال كما ورد في الاخبار الاخر ولا دلالة فيه على عدم قضاء الفائتة حقيقة وهل الاعتبار
بالصحة عندهم وعندنا الظاهر هو الأول لان نفى لزوم إعادة شئ ما فعله كما سيجئ في الخبر يأبى عن اعتبار الصحة عندنا لأنها نادرة في عباداتهم
جدا كما يظهر المتتبع وأيضا الظاهر أن الحكمة في ذلك التخفيف على المخالف حتى لا يثقل عليه الامر في حال الاستبصار كما خفف عن الكافر يجب الاسلام
لما قبله ولو اعتبرت الصحة عندنا في أفعاله لم يحصل التخفيف باعتبار ندورها وقال المصنف في الذكرى لو استبصر مخالف الحق فلا إعادة لما صلاه
صحيحا عنده وإن كان فاسدا عندنا ولا لما هو صحيح عندنا وإن كان فاسدا عنده ويحتمل الإعادة هنا لعدم اعتقاد صحته وسيجئ في حج هذا الكتاب أنه
اختلف في اشتراط الايمان في الصحة والمشهور عدم اشتراطه فلو حج المخالف أجزء ما لم يخل بركن عندنا لا عنده فلو استبصر لم تجب الإعادة ولا وجه ظاهر الاعتبار
الصحة في الصلاة بحسب معتقدة وفي الحج بحسب نفس الامر واعتقاد أهل الحق ويمكن تأويل ما قاله في هذا الكتاب بأن المراد إن المخالف يجزيه ما فعله وإن
أخل بشئ يعتقد ركنيته إلا أن يكون ذلك الشئ ركنا عندنا أيضا فيقرب مما ذكره في الذكرى من اعتبار الفساد على المذهبين ولكنه بعيد عن لفظه
جدا والمحقق في حج المعتبر وحج أن يعتبر في الاجزاء أن لا يخل بركن عندنا وكذلك العلامة في المنتهى والدليل على عدم وجوب قضاء ما فعله المخالف على
وجهه لأصل وإن شرط صحة العبادة هو الاسلام لا الايمان وهو متحقق كما أفاده المحقق في حج المعتبر مع أنه قال في بحث الزكاة الايمان هو تصديق النبي
صلى الله عليه وآله في كل ما جاء به والكفر جحود ذلك فمن ليس بمؤمن فهو كافر ويمكن التوفيق بين كلاميه بتكلف كما لا يخفى ويدل عليه أيضا روايات
من طرق أهل البيت (عليهم السلام) منها حسنة الفضلاء بن إبراهيم بن هاشم في الكافي والتهذيب ويصح سندها في رواية ابن بابويه في كتاب علل الشرايع والاحكام
عن أبي جعفر وأبى عبد الله (عليهما السلام) أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئية والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الامر
ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شئ من ذلك قال ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة ولا بد أن يؤديها
لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية وقالا في الرجل أي في جواب السؤال عن حال الرجل الكذائي وقال في قوله قال ليس عليه
إعادة شئ تأكيد لقالا والافراد باعتبار كل واحد الحرورية بالمهملات طايفة من الخوارج نسبوا إلى حرورا بالمد والقصر وهو موضع قريب من
الكوفة وكان أول مجتمعهم وتحكيمهم فيه والمرجئة فرقه من فرق الاسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الايمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة وتسميتهم
بالمرجئة لأنهم يعطون لرجا فهي لا تهمز أو لاعتقادهم إن الله تعالى إرجاء تعذيبهم على المعاصي أي أخره عنهم فتهمز ولا تهمز يقال أرجأت الامر و
أرجيته إذا أخذته ومن شبهاتهم التي تمسكوا بها في ترويج زعمهم الفاسد أنه إذا كان الكفر لا ينفع معه شئ من
الطاعات كان مقتضى العدل أن لا
يضر مع الايمان شئ من المعاصي وإلا لكان الكفر أعظم مرتبة من الايمان والجواب إن قبح معصية الله تعالى وضررها أمر ثابت في الكفر والايمان وفي
390

جميع الأحوال بل المعصية مع الايمان ومعرفة الله تعالى أقبح وأفحش منها مع الكفر والجحود ولا توجد حالة لا يقبح معها المعصية إلا حالة تخرج معها
المعصية عن كونها معصية كحالة الغفلة والاكراه ونظايرهما مما ورد في الشريعة والكفر حالة خبيثة توجد عدم الانتفاع معها من الحسنات
باستحقاق الأجر والثواب الأخروي وإن استحق بها نوع تخفيف في العذاب الموعود أو منفعة وتمتع في عالم الشهود بل تنفك مع الكفر الحسنة عن حسنها
الموجب للاجر والثواب الأخروي والايمان بخلافه يحسن الطاعات ويوجب الانتفاع بها والاجر عليها في الآخرة ولا يلزم من ذلك خلاف عدل
أو زيادة مرتبة للكفر لا يقال أن الكفر لكونه ظلما عظيما يوجب الحرمان من الثواب والخلود في النيران والعذاب فلا بد من أن يكون ضده وهو
الايمان خيرا محضا موجبا للبعد عن العقاب ولدوام الجنة والثواب لأنا نقول أصل الايمان خير محض موجب للتخلص من النيران ولخلود الجنان
وأما أنه يجب أن يكون سببا لرفع قبح المعصية الطارية أو لسقوط جزائها فمما لا دليل عليه ولا يلزم مما ذكره إذ لا يلزم من كون الكفر موجبا لحط مرتبة
الحسنة ونقص حسنها أن يكون الايمان الذي هو ضد له سببا لحط مرتبه المعصية وتقليل قبحها وليس ذلك من مقتضيات التضاد أصلا بل الاتيان
بالمعصية مع الايمان أقبح وأفحش كما يحكم به العقل السليم ويظهر من الشرع القويم فأن قلت ما تقول فيما ورد في الخبر من أن حب علي حسنة لا يضر معها
سيئة قلت يمكن تنزيل الضرر المنفى على الضرر الحقيقي الكامل الذي هو الخلود في النار أعاذنا الله تعالى منها بفضله الكامل ولطفه الشامل
فإن حب على (عليه السلام) كمال الايمان وتام الدين كما قال عز من قايل اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ومع كمال الايمان وتمامه بشرط
الموافاة عليه لا يكون الخلود في النار فإن عذاب صاحب الكبيرة منقطع وكذلك بعضه وعدوانه (عليه السلام) كفر موجب للخلود في العذاب و
دوام العقاب فلا تنفع معه حسنة نفع النجاة والتخلص من النار ويحتمل أيضا أن يكون خلوص حبه سببا لان يغفر الله بفضله بعض الذنوب
ولأن يعصم ويحفظ عن الاتيان بالبعض وأيضا يمكن أن يكون حبه باعثا على شفاعته التي لا ترد والعثمانية طايفة من النواصب يفرطون في
محبة عثمان بن عفان والقدرية قد يطلق على المفوضة وهم فرقة من المعتزلة يزعمون أن الله تعالى قدر عباده على أعمالهم على وجه الاستقلال
بحيث أخرجهم ذلك عن ربقة الانقياد له وأبطل تصرفه في تلك الأعمال حتى لا يكون لقضائه وقدرته وإرادته وتدبيره مدخل فيها كأقدار
سلطان منا أحدا من عباده على بلدة من بلاده بحيث يخرج التصرف في أموره بعده عن يد ذلك السلطان وعن تحت حكمه وتدبيره وقد يطلق أيضا
على الجبرية وهم الذين يعتقدون أن لا مدخل للعباد في أفعالهم سوى المحلية وإن الله تعالى يفعل الفعل ويجريه على أيديهم وقول الأشاعرة بالقدرة
الكاسبة قريب من ذلك ويرجع عند التحقيق إليه وما روى أنه (عليه السلام) قال القدرية مجوس هذه الأمة ينطبق على التفسيرين أما المفوضة
فمشاركتهم للمجوس واضحة باعتبار إثبات مؤثر مستقل غير الله سبحانه لا قدرة له تعالى على ما فعله وأما الجبرية فوجه مناسبتهم للمجوس أنهم
يعتقدون أن ليس للعباد فعل أصلا كما يعتقد المجوس فإنهم يثبتون مبدئين يعبرون عنها بالنور والظلمة ويسمونها يزدان واهرمن
وينسبون جميع الخيرات إلى الأول وجميع الشرور إلى الثاني ومنها صحيحة يزيد بن معاوية العجلي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حج وهو لا يعرف
هذا الامر ثم من الله عليه بمعرفته والدنيوية به عليه حجة الاسلام أو قد قضى فريضة فقال قد قضى فريضة ولو حج لكان أحب إلى قال وسألته
عن رجل وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من الله عليه فعرف هذا الامر يقضى حجة الاسلام فقال يقضى أحب إلى و
قال كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها
لأنها لأهل الولاية وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء ومنها حسنة ابن أذينة بن إبراهيم قال كتب إلى أبو عبد الله (عليه السلام) إن
كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من الله عليه وعرفه هذا الامر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها
وإنما موضعها أهل الولاية وأما الصلاة والصوم فليس عليه قضاؤهما ومنها رواية على بن إسماعيل الميثمي عن محمد بن حكيم قال كنت عند أبي
عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين فقالا جعلنا لك الفداء كنا نقول بقول وإن الله من علينا بولايتك فهل يقبل
شئ من أعمالنا فقال أما الصلاة والصوم والحج والصدقة فإن الله يتبعكما ذلك فيلحق بكما وأما الزكاة فلا لأنكما أبعدتما حق امرء مسلم
أعطيتماه غيره وقد ورد أخبار أخر تدل على أن المستبصر يعيد الحج كما ذهب إليه ابن الجنيد وابن البراج لكن في سندها قصور ويحمل على الاستحباب
بقرينة صحيحة يزيد كما قاله الشيخ في التهذيب ويمكن حملها على الاخلال بالركن أيضا وما حملها على الناصب كما احتمل العلامة في المختلف فلا
يحصل به الجمع لان صحيحة يزيد ظاهره في أن الناصب المصطلح لا يعيد حيث سئل أولا عن حال الرجل المخالف الذي لا يعرف أمر الولاية ثم سئل ثانيا
391

عن حال الناصب ولم يعبر بالمسلم بل قال من أهل القبلة ثم إن ظاهر هذه الأخبار صحة عبادة المخالف أما لأجل أن شرط الصحة الاسلام ظاهرا
وهو متحقق حيث تعد هذه الأصناف قاطبة من فرق المسلمين ومن أمة رسول الله صلى الله عليه وآله كما قال ستفرق أمتي والصحة لا يقتضى ترتب
الأجر والثواب بل سقوط العقاب الذي باعتبار ترك الاتيان بتلك العبادة ولا مانع من ذلك بالنسبة إلى المخالف بل الناصب وأما ترتب
الاجر فمشروط بالايمان ولو بعد العبادة كما قاله (عليه السلام) في خبر يزيد فإنه يؤجر عليه وذلك على قياس أن ترتب الاجر على عبادة المؤمن
موقوف على موافاته على الايمان فإنه لو ارتد ومات على الكفر لا يستحق الاجر على عباداته أصلا البتة وذلك باعتبار فوات الشرط لا
الاحتياط فإنه ليس من المذهب وأما لأجل أن صحتها ناقصة وتتم بالايمان لان شرط صحة العبادة الموافاة على الايمان لا المقارنة
له فإن ضم هذا الشرط إلى ساير الشروط المعتبرة فيها وقت أدائها يتم الصحة ويترب عليها سقوط العقاب واستحقاق الاجر وإلا فلا بل تبطل و
تضمحل العبادة وذلك كصحة التكبير في الصلاة فإنها تتم بحفظ الشرايط وأداء الواجبات والأركان إلى أن يؤدى السلم وأما ما قيل
استحسنه صاحب المدارك وخالي طاب ثراهما من أن سقوط القضاء وعدم وجوب الإعادة باعتبار هدم الايمان ما قبله كهدم الاسلام ما
قبله القضاء وذلك تفضل من الله سبحانه عليه كما تفضل على الكافر الأصلي بسقوط القضاء لا باعتبار صحة عبادته فكلام
لا يخلو عن ضعف كما أفاده المصنف (ره) في الذكرى بقوله فنقول هذا خيال يبطل بإيجاب إعادة الزكاة فلو كان الايمان هادما لم يفترق الحكم ولأنه
لا تجب إعادة الحج ولو كان هادما لوجب عند الاستطاعة وأقول أيضا إن ذلك ينافي ظاهر قوله (وعليه السلام) في الصحيحة فإنه يؤجر عليه وأما ما تمسك به
صاحب المدارك من الأخبار المستفيضة الدالة على عدم انتفاع المخالف بشئ من أعماله فلا دلالة فيه على مطلوبه لان ذلك باعتبار انتفاء الشرط
أي الموافاة على الايمان كما صرح به على بن الحسين (عليه السلام) بقوله في صحيحة أبى حمزة الثمالي ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينتفع بذلك شيئا ولا ينافي ذلك
الانتفاع مع تحقق الشرط مع إمكان أن يكون المراد من الانتفاع المنفى الانتفاع الكامل الذي كان باعتبار استحقاق الأجر والثواب لا ما هو باعتبار
سقوط العقاب المترتب على عدم الاتيان بهذه العبادة كما عرفت ولو أغمي على بفعله مع علمه بأداء الفعل إليه من غير إكراه على الفعل أو اضطرار
إليه قضى كالسكران لأنه صار سببا للفوات فيلزم القضاء ولو لم يعلم أو أكره أو اضطر فأداه التناول إلى الاغماء والسكر فلا قضاء لعدم تقصير في
التناول لجهله وسقوط التكليف عنه بعده بالاغماء والسكر المزيلين للعقل وقد مر البحث عن ذلك مفصلا ولا بد في صحة الصوم من قبول الزمان للصوم
شرعا فلا يصح صوم العيدين الفطر والأضحى مطلقا لمن كان بمنى أو مكة أو غيرهما ناسكا أو غيره قال العلامة (ره) في المنتهى ولا يصح صومي العيدين و
هو قول أهل العلم كافة وقال فيه أيضا ولا خلاف في تحريم صوم العيدين بين المسلمين كافه وقال المحقق في المعتبر على تحريم صومها اتفاق فقهاء الاسلام
والنصوص بذلك أيضا مستفيضة من طرق العامة والخاصة وسيأتي في رواية زرارة عن الباقر (عليه السلام) جواز صيام العيد وأيام التشريق للقاتل في
أشهر الحرم ولا أيام التشريق وهي الثلاثة بعد الأضحى سميت بذلك من تشريق الحكم وهي تقديده وبسطه في الشمس ليجف لان لحوم الأضاحي كانت تشرق
فيها بمنى وقيل سميت به لان الهدى والضحايا لا ينحر حتى ترق الشمس أي تطلع لمن كان بمنى ناسكا أو غير ناسك وادعى المحقق في المعتبر إجماع علمائنا
على تحريم صومها لمن كان بمنى ويشعر كلامه فيه بقول بعض الأصحاب بتحريم صومها مط حيث قال وقال الشيخ إنما يحرم على من كان بمنى وعليه عمل
أكثر الأصحاب ودل على ذلك رواية معاوية بن عمار قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصيام أيام التشريق فقال أما بالامصار فلا بأس وأما بمنى فلا
والعمل بهذا أولى من الأخبار المطلقة لأنها ليست على حد اليقين فيؤخذ بما وقع الاتفاق عليه وتمسكا فيما عداه بالأصل انتهى ولكن الشهيد الثاني
قال في الروضة ولا يحرم صومها على من ليس بمنى إجماعا وإن أطلق تحريمها في بعض
العبارات كالمصنف في الدروس ونظره إلى ما سيأتي من قول المصنف بعد
ذلك والمحظور صوم العيدين والتشريق ومن المعلوم إن تعويله في الاجمال على التفصيل الذي ذكره هنا وقال العلامة أيضا في المختلف إن من أطلق
مراده التقييد والأخبار الواردة في تحريمها والنهى عنها مطلقا من غير تقييد بمن كان بمنى كثيرة منها ما رووه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه
وآله نهى عن صوم ستة أيام الفطر والأضحى وأيام التشريق واليوم الذي يشك فيه أنه من شهر رمضان ومنها صحيحة زياد بن أبي حلال قال قال
أبو عبد الله (عليه السلام) لا تصم بعد الأضحى ثلاثة أيام ولا بعد الفطر ثلاثة أيام لأنها أيام أكل وشرب ومنها موثقة عبد الكريم بن عمر وقال قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام) أنى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم فقال لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه
ومنها موثقة كرام قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أنى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم فقال صم ولا تصم في السفر ولا أيام التشريق
392

ولا اليوم الذي يشك فيه من رمضان وهذه الموثقة يتحد مع السابقة وإن اختلف بعض رجال السند وقليل من الألفاظ ومنها رواية قتيبة الأعنسي
قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن صوم ستة أيام العيدين وأيام التشريق واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان
ومنها ما وقع في رواية الزهري عن علي بن الحسن فأما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام من التشريق ولا يبعد تقييد هذه الأخبار
بمن كان بمنى لصحيحة لصحة رواية معاوية بن عمار واشتمالها على التفصيل مع تحقق الاجماع أو كمال اشتهار الفتوى بمضمونها بين الأصحاب وألحق الشيخ مكة
بمنى في تحريم صوم أيام التشريق على من كان بها ووجه ذلك الالحاق غير ظاهر وما وجدته فيما يحضرني الان من مصنفاته واشترط الفاضل
العلامة في القواعد والارشاد في تحريم صوم أيام التشريق على من كان بمنى كونه ناسكا بحج أو عمره حيث أطلق كونه ناسكا وكأنه باعتبار أن الغالب
فيمن كان بمنى في تلك الأيام أن يكون ناسكا فالتقييد بمن كان بها في قوة التقييد بالناسك وضعفه ظاهر والرواية مطلقة كما عرفت ولو
نذر صوم هذه الأيام بطل نذره وهو قول علمائنا وأكثر العامة لان صومها معصية كما عرفت وقد قال صلى الله عليه وآله لأنذر في معصية الله وقال
لا نذر إلا ما ابتغى به وجه الله وقال من نذر أن يعصى الله فلا يعصيه والمخالف في هذه المسألة أبو حنيفة فإنه يقول ينعقد وعليه قضاؤه ولو
صامه أجزء عن النذر وسقط القضاء ولا ريب في بطلانه ولا تنتقض هذه الكلية في النذر بنذر الصوم في السفر
لأنا نقول باستحبابه في السفر فيجب بالنذر
والكراهة في العبادة لا ينافي رجحانها وابتغاء وجه الله بها كما عرفت ولو نذر إيقاع صوم رمضان في السفر أداء أو قضاء أو صوم واجب آخر لا
يجوز إيقاعه في السفر فلا ينعقد نذره كما مر ولكن يشكل بنذر الاحرام قبل الميقات على القول بانعقاده كما هو المشهور ويفتقر التفضي عنه إلى تمحل أو
إلى القول بالاستثناء من الكلية بالنص الصحيح ولو وافقت هذه الأيام نذره كان نذر صوم كل خميس فاتفق الفطر أو الأضحى في الخميس لم يصمها لتحريم
صومها وفى صيام بدلها قولان أحدهما يجب ذهب إليه الشيخ (ره) في النهاية وموضع من المبسوط وتبعه ابن حمزة ونقل عن الصدوق أيضا والاخر لا اختاره
الشيخ في الخلاف وموضع من المبسوط وكذا اختاره ابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق والعلامة وجمع من المتأخرين وهو الموافق للأصول
لعدم تعلق نذره بهذا اليوم تحريم صومه فلا يلزم عليه مع افطاره قضاؤه وما قيل من أنه نذر صوما على وجه الطاعة ظاهرا ولم يسلم له
الزمان فكان عليه القضاء لانعقاد نذره كما يلزم على المسافر والمريض فضعفه ظاهر لان نذره ولا ينعقد واقعا إلا في الأيام التي يصح صومها
شرعا وأما ما لا يصح صيامه فلا نقول بانعقاد نذره فيه ولا عبرة بما يبدو وفى بادي النظر باعتبار الجهل بما هو الواقع ولو قلنا بوجوب
قضاء اليوم المنذور على المسافر والمريض فالفرق واضح لصلاحية زمان السفر والمرض للصوم وإنما رخص لهما في الافطار للارفاق بهما
وهذا بخلاف العيد وأيام التشريق مع أن القياس لا حجية فيه وقد ورد الحكم بالقضاء في بعض الاخبار كما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن يعقوب
عن أبي على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن علي بن مهزيار قال وكتب إليه يعنى أبا الحسن يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي
فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر وأضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفرا أو مرضا هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاه أو كيف يصنع يا سيدي
فكتب إليه (عليه السلام) قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها ويصوم يوما بدل يوم إنشاء الله هكذا ذكر هذا الخبر في المدارك وعلى هذا يصح
سنده ولكن الشيخ في كتاب الايمان والنذور من التهذيب بعد نقل خبر بهذا السند عن الكافي قال هكذا على بن مهزيار قال قلت لأبي الحسن
(عليه السلام) وذكر الحديث ثم ذكر هذه المكاتبة ثم مكاتبة أخرى ولا يظهر من الكافي أن الرواية الأخيرة عن علي بن مهزيار بهذا السند بل يحتمل
أن يكون سندها محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى عن علي بن مهزيار لتخلل هذا السند بين الروايتين ويؤيد هذا الاحتمال إن الشيخ في
كتاب الصيام نقل المكاتبة الأخيرة التي أشرنا إليها عن الكافي السند الأخير وعلى هذا فالسند لا يخلو عن جهالة باعتبار محمد بن جعفر مع ما في
محمد بن عيسى من الكلام ومتنه أيضا يدل على تحريم صوم يوم الجمعة على ما وقع في بعض النسخ من قوله أو يوم جمعة بعد قوله أو أضحى وهو مما
لا يقول به أحد منا وكيف كان فقوله (عليه السلام) يصوم يوما بدل يوم إنشاء الله لا يدل على أزيد من الاستحباب والمراد بقول السائل يوما
من الجمعة أي من الأسبوع وما رواه الشيخ في التهذيب عن قاسم بن أبي القاسم الصيقل قال كتب إليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة
دائما ما بقي فوافق ذلك يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي
فكتب إليه قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها وتصوم يوما بدل يوم إنشاء الله والكلام في هذه الرواية كالكلام في الرواية
السابقة مع جهالة الكاتب والمكتوب إليه والظاهر أن المكاتبة هي مكاتبة على بن مهزيار ذكرهما قاسم بن أبي القاسم بهذا النحو ويدل من الاخبار
393

على سقوط القضاء لو اتفق اليوم المنذور في السفر وفي العيد والتشريق بطريق الأولى موثقة زرارة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أن
أمي كانت جعلت عليها نذرا أن الله رد عليها بعض ولدها من شئ كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقت
فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أو تفطر فقال لا تصوم وضع الله عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها
قلت فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل أتقضيه قال لا قلت فتترك ذلك قال لا أنى أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما يكره وما رواه مسعدة بن
صدقة عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) في الرجل يوقت على نفسه أياما معروفة مسماه في كل شهر فيسافر بعده الشهور قال لا يصوم لأنه في سفر ولا يقضيها
إذا شهد ويمكن حمل التوقيت على مجرد اشتراط من دون صيغة النذر والاحتياط في القضاء مع
عدم التعرض للوجه في النية ولا يصح صيام يوم الشك
بنية شهر رمضان على الأظهر المشتهر بين الأصحاب لان هذا اليوم محكوم عليه شرعا بأنه من شعبان فمن صامه على أنه من شهر رمضان فقد أدخل ما ليس
من الشرع فيه فيكون تشريعا محرما وقد سبقت الأخبار الدالة على التحريم والأخبار الدالة على الجواز والاخبار المشتملة على التفصيل والجمع الدالة
على التحريم بنية رمضان والجواز بنية شعبان وأورد خالي طاب ثراه أن غاية ما يستفاد من ذلك تحريم نيه كونه من رمضان ولا يلزم من ذلك
فساد العبادة لان النهى متعلق بأمر خارج عن العبادة أقول وقد مر تفصيل الجواب عن نظير هذا الكلام منه طاب ثراه في مسألة تأدى رمضان بنية غيره
مع العلم فتذكر ثم تكلم في دلالة الاخبار وقد مر منا البحث عنها مفصلا في مسألة تأدى رمضان بنية النفل مع عدم علمه ثم أن نية الوجوب من
رمضان مع الشك لا يتصور من العالم بالحكم وإنما يتصور بالنسبة إلى الجاهل الذي يعتقد الوجوب لشبهة وقد ذكرنا تمام القول في ذلك في مسألة اشتراط
الجزم بالنية مع علم اليوم لا يقال أن الشك إنما يتحقق لوجود الغيم ونحوه أو لتحدث الناس برؤيته على وجه لا تثبت أو لشهادة الواحد ونحوه به بدون
هذه كلها لا يكون شكا فيلزم على هذا القول بوجوب صوم يوم الشك من باب المقدمة إذ لا يمكن تحصيل اليقين بالبراءة حينئذ من تكليف صوم شهر
رمضان كما ورد في الكتاب الكريم والشرع القويم يقينا إلا بصوم هذا اليوم لأنا نقول المقدمة التي نقول بوجوبها أو لزومها هي ما لا يمكن الاتيان
بالمكلف به إلا بالاتيان به شرعا أو عقلا أو عادة كما فصل في علم الأصول مثلا نقول الامساك بزمان قليل قبل الفجر لازم في الصوم لان إمساك اليوم
المكلف به في الصوم لا يمكن تطبيقه عليه عادة بحيث لا يزيد عليه أصلا ولا ينقص عنه مطلقا فلا بد أما من دخول شئ من الليل أو خروج جزء من
اليوم والثاني يستلزم عدم الاتيان بتمام التكليف البتة فلا بد من إدخال شئ من الليل من باب المقدمة وكذا نقول من كلف بصيام اليوم فلا بد له من الحزم
بدخول الليل حتى يجوز له الافطار ويحصل له اليقين براءة الذمة من تكليف صوم اليوم ولا يكفي مجرد احتمال دخول الليل في جواز الافطار وأما إذا
كان التكليف بصيام اليوم واحتمل عند العقل أن يكون ابتداء اليوم من طلوع الفجر الأول المستطيل فلا يحكم بمجرد ذلك بوجوب الامساك من طلوعه
بل نقول الأصل عدم دخول زمان قبل الفجر الثاني في اليوم والأصل براءة الذمة من وجوب الامساك في هذه اللحظة نعم بحكم بوجوب البحث عن
تحديد اليوم بحسب الشرع أو العرف حتى يظهر لنا المكلف به وكذا إذا حدد الشارع اليوم بطلوع الفجر ونحن بذلنا جهدنا في أواخر الليل في تحقيق
طلوعه ولم يظهر لنا طلوعه فلا يجب علينا الامساك بسبب احتمال أن يجئ عدلان من أعلى الجبل يخبران بطلوعه في ذلك الوقت ونظائر ذلك كثيرة ألا ترى
أن يوم الثلثين من رمضان إذا شك فيه لغيم أو تحدث بروية الهلال لا يلزمنا إفطاره لتيقن البراءة من إفطار العيد وكذا المزوجة والمعتدة محرمتان
علينا شرعا فلو وجب علينا الاجتناب عن كل من يحتمل كونها مزوجة أو معتدة حتى يحصل لنا يقين البراءة فيلزم علينا الاجتناب عن التزويج رأسا
والتحرز عن هذه السنة الوكيدة مطلقا نعم لو تثبت بعد وقوع العقد أنها كانت مزوجة أو معتدة فيلزم على الزوج ما يترتب على ذلك وكذا يحرم علينا
التصرف في الملك الغصب وشرائه ولا يلزم علينا التحرز عن كل ما يحتمل أن يكون غصبا حتى يتعذر أو يتعسر علينا أمر البيع والشراء إلى غير ذلك من الأمثلة التي
يطول بذكرها الكلام ومن البين أن صوم يوم الشك فيما نحن فيه ليس من باب الجزء الأخير من الليل أو الساعة المشتبهة بالنسبة إلى يوم الصيام بل هو من
قبيل ما يجوز العقل دخوله في المكلف به وقد عرفت عدم لزوم إدخاله فيه كيف لا وقد حدد الشهر بحسب الشرع والعرف لنا بحيث لا يدخل فيه هذا اليوم
فقد قال الله تبارك وتعالى يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج واستفيض عنهم (عليهم السلام) الصوم للرؤية والفطر للرؤية وأهل العرف
لا يحكمون بانقضاء شعبان ودخول رمضان من دون رؤية الهلال أو مضى ثلثين يوما من هلال شعبان نعم لو ظهر بعد الشك دخوله في الشهر بالبينة
ونحوها نحكم بوجوب صومه إن أمكن بأن لم يتحقق الافطار ولم ينقض وقت النية أو وجوب الامساك فيما بقي منه ووجوب القضاء إن لم يتيسر صومه
وبالجملة القول بوجوب صوم يوم الشك فيه شعبان ليس إلا التشريع في الدين وإحداث رأى لم يذهب إليه أحد من المسلمين وقال الحسن وابن
394

الجنيد والشيخ في الخلاف لا يحرم ويجزى قال الشيخ في الخلاف إذا عقد النية ليلة الشك على أن يصوم من شهر رمضان من غير إمارة من رؤية أو خبر من
ظاهره العدالة فوافق شهر رمضان أجزئه وقد روى أنه لا يجزيه ثم قال دليلنا ما قدمناه من إجماع الفرقة وإخبارهم على أن من صام يوم الشك أجزئه
عن شهر رمضان ولم يفرقوا ومن قال من أصحابنا لا يجزيه تعلق بقوله (عليه السلام) أمرنا أن نصوم يوم الشك بنية أنه من شعبان ونهينا عن أن نصومه من
شهر رمضان وهذا صامه بنية شهر رمضان فوجب أن لا يجزيه لأنه مرتب للنهي وذلك يدل على فساد المنهى عنه انتهى وأنت خبير بأن ما ذكره في بيان ما
تعلق به من قال من أصحابنا لا يجزيه يدل على فساد ما استدل به من إجماع الفرقة وإخبارهم على الاجزاء من غير فرق الظهور الفرق في قول هذا البعض
وصريح هذا الخبر وغيره من الاخبار كما عرفت ويمكن أن يستدل له أيضا بأن صيام يوم الشك بنية الندب من شعبان قد ظهر أجزاؤه مع مخالفة هذه
النية للواقع فصيامه بنية الوجوب من رمضان مع مطابقة النية للواقع يجب أن يجزيه بطريق الأولى وضعف ذلك أيضا واضح لان التكليف منوط
بالعلم لا بما في نفس الامر فإذا علمه من شعبان ونواه منه صح صومه شرعا ويجزى ويحتسب هذا الصوم الصحيح الشرعي عن صوم رمضان عند تبين كونه
منه بتفضل الله عز وجل وتوسيعه على عباده كما ورد في الاخبار بخلاف ما إذا نواه واجبا من شهر رمضان لفساد صومه حينئذ باعتبار تلك النية
المنهية عنها كما عرفت فلا يجزيه عن صوم رمضان كما يظهر من الخبر لا يقال موثقة سماعة في التهذيب تدل على الاجزاء قال سئلته عن اليوم الذي يشك
فيه من شهر رمضان لا يدري أهو من شعبان أو من رمضان فصامه من شهر رمضان قال هو يوم وفق له ولا قضاء عليه لأنا نقول قد ذكرنا سابقا
بأن هذا الخبر أخذه الشيخ عن الكافي ويوجد فيه لفظه فكان بين قوله فصامه وقوله من شهر رمضان وكأنها قد سقطت عن قلم الشيخ فلا يمكن الاستدلال بهذا
الخبر على إجزاء صيام يوم الشك بنية رمضان ولا يصح صيام الليل لعدم وروده في الشرع فيكون تشريعا محرما قال في المنتهى إنما يصح صوم
النهار دون الليل ويدل عليه النص والاجماع قال الله تعالى فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا خلاف بين المسلمين في ذلك انتهى فإن ضمه إلى النهار وأدخله في الصوم بالنية
فهو الوصال المنهى عنه والنهى دليل الفساد قال في المنتهى ذهب علمائنا أجمع إلى تحريم صوم الوصال وأكثر الجمهور على الكراهة وسيجئ في المتن
أنه يظهر من ابن الجنيد عدم تحريم صوم الوصال وهو متروك ويدل على التحريم بعد ما سبق من دلايل تحريم صوم الليل ما رواه الجمهور عن ابن عمر
قال واصل رسول الله صلى الله عليه وآله في رمضان فواصل الناس فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الوصال فقالوا إنك تواصل فقال لست
مثلكم أنى أظل عند ربى يطعمني ويسقيني ويحتمل أن يكون المعنى أن أكون نهارا في كنف رحمة ربى ورأفته يسد خلة جوعى بنزول بركاته ويبرد
غلة ظمأي بنشر سحائب رحماته فيعينني على الصيام ويعينني عن الشراب والطعام فكأنه جل وعلى يطعمني ويسقيني ومن طريق الخاصة ما رواه
حسان بن مختار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما الوصال في الصيام قال فقال إن رسول الله صلى الله
عليه وآله قال لا وصال في صيام ولا
صمت يوم إلى الليل ولا عتق قبل ملك وكان غرض الراوي من الاستفسار تشخيص الوصال وتعيين أحد مضييه حتى يواصل صيامه فأجابه (عليه السلام) بأنه
منهي عنه أو كان غرضه الاستعلام عن حال الوصال بحسب الحرمة والجواز وتسامح في لفظ السؤال وقيل قد وقع هنا سهو عن نساخ الكافي و
كان الأصل ما للوصال باللامين والمعنى ما للوصال تحكمون عليه بالحرمة فأجابه (عليه السلام) بأن ذلك باعتبار نهى النبي صلى الله عليه وآله عنه وما
ورد في رواية الزهري عن علي بن الحسين (عليهما السلام) وصوم الوصال حرام ثم أنهم اختلفوا في حقيقته بحسب اختلاف الاخبار فقال الشيخ في النهاية والمبسوط هو
أن يجعل عشائه سحوره وقد ورد ذلك في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الوصال في الصيام أن يجعل عشائه سحوره والعشاء بفتح المهملة
والمد طعام العشى والسحور بالفتح ما يتسحر به والمراد بجعل العشاء سحور أن يأكل طعامه وقت السحر ويؤخر إفطاره إلى ذلك الوقت بنية الصوم والسحر
هو قبل الصبح وورد أيضا في حسنة حفص بن البختري أبى عبد الله (عليه السلام) قال الواصل في الصيام يصوم يوما وليلة ويفطر في السحر وهذه الرواية أيضا
تدل على أن السحر آخر الليل قبل الصبح وقال الشيخ في الاقتصاد على ما نقل عنه هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما ليلا وعليه الجمهور واختاره
ابن إدريس وكأنه أنسب بلفظ الوصال وقال المحقق في المعتبر ولعل هذا أولى وقد ورد تفسيره بذلك في رواية محمد بن سليمان عن أبيه عن أبي عبد الله
(عليه السلام) حيث وقع فيها وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا وصال في صيام يعنى لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار ويحتمل شمول
الوصال للجميع كما يظهر من كلام الشهيد الثاني في الروضة وبذلك يحصل الجمع بين الاخبار ولا ريب في حرمة الجميع إذا كان ذلك بالنية يقصد
العبادة وأما إذا أخر إفطاره بغير نية أو تركه ليلا بغيرها فلا حرمة ولا أثم إلا أن يؤدى إلى ضرر أو مرض وإن كان الأحوط التحرز عنه وكذا لو جعل
395

عشائه سحوره حرم وقد ظهر وجه الحكم بالحرمة وليس في بعض النسخ لفظ حرم وعليه فهو بيان فرد آخر للوصال كما نقلنا من الروضة
درس يفسد الصوم بفعل الثمانية التي جعل الصوم سابقا عبارة عن توطين النفس لله تعالى على تركها عمدا أي متعمدا قاصدا للفعل مختار ذاكر
للصوم وقد مر بيان ذلك في كل واحد منها بالتفصيل لا سهوا أي ساهيا ناسيا للصوم قال في المنتهى لا خلاف بين علمائنا في أن الناسي لا يفسد صومه
ولا يجب عليه قضاء ولا كفارة بفعل المفطر ونسبه إلى أكثر علماء العامة أيضا ونقل الخلاف عن ومعه ومالك وقال في المعتبر قال مالك يفطر في الفرض
لا في النفل وقال عطا والثوري يفطر فيهما وقال أحمد يفطر بالجماع دون غيره ويدل عليه بعد الاجماع ما رواه الجمهور عن أبي هريرة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه وعنه صلى الله عليه وآله من أكل وشرب ناسيا فإنما
هو رزق رزقه الله وعنه صلى الله عليه وآله من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه وعن علي (عليه السلام) قال لا شئ على من أكل ناسيا ومن طريق الأصحاب
روايات منها ما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأل عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر قال لا يفطر إنما هو شئ رزقه الله عز وجل وما
رواه محمد بن قيس في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول من صام فنسي وأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنه نسي فإنما هو رزق
رزقه الله عز وجل فليتم صومه وما رواه سماعة في الموثق قال سألته عن رجل صام في شهر رمضان فأكل وشرب ناسيا قال يتم صومه وليس عليه قضاؤه
وما رواه عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن الرجل ينسى وهو صائم فجامع أهله قال يغتسل ولا شئ عليه وما رواه داود بن سرحان عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في الرجل ينسى فيأكل في شهر رمضان قال يتم صومه فإنما هو شئ أطعمه الله وما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل صام في رمضان فأكل وشرب ناسيا فقال يتم صومه وليس عليه قضاء وما رواه عبد السلام بن صالح الهروي قال قلت للرضا (عليه السلام) يا بن رسول
الله صلى الله عليه وآله قد روى عن آبائك (عليهم السلام) فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلث كفارات وروى عنهم أيضا كفارة واحدة فبأي الحديثين
نأخذ قال بهما جميعا متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلث كفارات عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين
مسكينا وقضاء ذلك اليوم وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة وإن كان ناسيا فلا شئ عليه وهذا الخبر يرشد إلى الجمع بين الاخبار بنحو ما شاع بين العلماء وهو قوى السند قال العلامة (ره) في المختلف في طريق هذه الرواية عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري
ولا يحضر في الان حاله فإن كان ثقة فالرواية صحيحة يتعين العمل بها وحكم في التحرير بصحة الرواية وقال الشهيد الثاني هو شيخ ابن بابويه ومن البعيد أن
يروى الصدوق من غير الثقة بلا واسطة أقول وفى هذا البعد تأمل وفي طريقها أيضا على بن محمد بن قتيبة ولا تصريح في كتب الرجال بتوثيقه
بل ذكر أنه فاضل عليه اعتمد أبو عمر والكشي في كتاب الرجال ودلالة ذلك على التوثيق غير ظاهرة وفي مذهب عبد السلام أيضا كلام واستدل في
المنتهى ببعض الوجوه الضعيفة أيضا مثل أن التكليف بالامساك يستدعى الشعور وهو مفقود عن الناسي فكان غير مكلف به وإلا لزم تكليف ما لا
يطاق وهذا لا يدل إلا على سقوط الاسم وسقوط الكفارة لو كانت للتكفير لا الجبر ما قد فات وأما صحة الفعل وسقوط القضاء فلا يمكن أن يستدل
عليها بهذا الدليل واحتج مالك على رأيه بأن الاكل ضد الصوم لأنه كف فلا يجامعه ككلام الناسي في الصلاة وبناء هذا الكلام منه على أن الصوم عبادة
عن ترك الأشياء المخصوصة مطلقا في النهار وذلك أول النزاع فأنا نقول الصوم عبادة عن ترك تعمد الاتيان بها فالضد هو الاكل عمدا لا نسيانا
وفساد قياسه واضح لمنع المقيس عليه فضلا عن المقيس ثم الظاهر أن النائم لو فعل شيئا من ذلك لم يفسد صومه لأنه أعذر من الناسي لرفع
القصد إلى الفعل والعلم بالصوم كليهما عنه بخلاف الناسي فإنه قاصد للفعل وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضى عدم الفرق في الصوم بين
الواجب والندب والمعين وغيره وقال الصدوق في الفقيه بعد نقل صحيحة الحلبي وموثقة عمار بن موسى
الساباطي قال مصنف هذا الكتاب وذلك
في شهر رمضان وغيره ولا يجب فيه القضاء هكذا روى عن الأئمة (عليهم السلام) وقال العلامة في المنتهى لو أكل أو شرب ناسيا في قضاء رمضان
فالوجه أنه يتم على صومه واستدل عليه بصحيحتي الحلبي ومحمد بن قيس ورواية أبي بصير في النافلة وما ذكره موافق لما ذكره الشيخ في التهذيب والنهاية ثم
قال في المنتهى وللشيخ قول آخر هذا أجود وأشار المصنف (ره) إلى التعميم بقوله وإن كان في النفل للرواية أعني رواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
رجل صام يوما نافلة فأكل وشرب ناسيا قال يتم يومه ذلك وليس عليه شئ ويحتمل أن يراد بالرواية ضمن الرواية ويكون التعليل لقول لا سهوا علما بالمسألة وتحريم فعله في الصوم وجهلا بها وهذا تعميم لا فساد فعل العمل أما
العامد العالم بالمسألة فلا خلاف فيه وأما الجاهل بها فذهب الأكثر إلى فساد صومه وخالف ابن إدريس فقال في السرائر وجميع ما قدمناه في ذلك
الباب متى فعله الانسان ناسيا أو ساهيا أو جاهلا غير عالم بالحكم لم يكن عليه شئ ومتى فعله متعمدا وجب عليه ما قدمناه ويظهر ذلك من كلام
396

الشيخ في التهذيب أيضا فإنه قال في تأويل رواية عمار الساباطي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل وهو صائم فيجامع أهله فقال يغتسل ولا
شئ عليه فهذا محمول على أنه إذا جامع ناسيا دون العمد فلا يلزم شئ والحال ما وصفناه ويحتمل يكون المراد من لا يعلم أن ذلك لا يسوغ في الشريعة
واستدل عليه بما رواه زرارة وأبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قالا جميعا سئلنا أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو
محرم وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له قال ليس عليه شئ وذكر ذلك في المنتهى على سبيل الاحتمال معللا بأن الجاهل بالتحريم كالناسي وبرواية زرارة
وأبى بصير ولكن رجح خلافه في هذه المسألة وفي مواضع آخر من ذلك الكتاب وساير كتبه وتردد المحقق في الشرايع ورجح في المعتبر الافساد وجوب القضاء
دون الكفارة ويمكن حمل كلام الشيخ أيضا على سقوط الكفارة دون القضاء لان كلامه قبل رواية عمار في الكفارة فينطبق على رأى أكثر المتأخرين
وعلى ما يحملون رواية زرارة وأبى بصير عليه حجة ما ذهب إليه الأكثر إن الجاهل له طريق إلى العلم فيتحقق التفريط في حقه ولو جعلنا الجهل عذرا للزم
سقوط التكاليف عن الجاهلين بها وأيضا إطلاق الامر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد الآراء يتناول العالم والجاهل وأما حجة
قول ابن إدريس فالأصل وما نقلناه من المنتهى من إلحاق الجاهل بالناسي ومن رواية زرارة والأصل يعدل عنه بالأدلة الدالة على وجوب القضاء
على من لم يأت بالصوم على وجهه وعلى وجوب القضاء عند عروض أحدها بالأسباب والجاهل يلحق بالعامد في أكثر الأبواب لتفريطه في العلم فلا
وجه هنا لالحاقه بالناسي والرواية لا يصح سندها لان على بن الحسن بن فضال فطحي وإن بالغ أهل الرجال في مدحه وتوثيقه والاعتماد على روايته
ومحمد بن علي لا يخلو عن اشتباه وإن كان الظاهر أنه ابن محبوب الثقة ويمكن حمل الشئ المنفى على الكفارة كما مر مرارا وبالجملة الشهرة العظيمة والاحتياط يقويان
القول بالقضاء ويجب القضاء والكفارة معا في الاتيان بشئ مما اعتبر تركه في الصوم أولا على العالم بالحكم العامد إلا في الحتفة فإنه لا كفارة فيها
بل يجب بالقضاء خاصة أما وجوبهما في الأربعة الأولى أي الأكل والشرب والجماع والاستمناء فبإجماع الفرقة وعليه أكثر العامة أيضا وخالف في
وجوب الكفارة في الأكل والشرب الشافعي وفى الجماع النخعي والشعبي وسعيد بن جبير وقتادة وفى الاستمناء الشافعي وأبو حنيفة وخالف في وجوب القضاء
الشافعي في أحد قوليه فقال إذا وجبت الكفارة سقط القضاء وخالف في وجوبه مطلقا الأوزاعي فقال إن كفر بالعتق أو بالاطعام قضى وإن كفر
بالصيام لم يقض لأنه صام شهرين ويدل على وجوب الكفارة من الاخبار غير ما سبق ذكره ما رواه الجمهور عن أبي هريرة إن رجلا أفطر في رمضان فأمره
النبي صلى الله عليه وآله أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا وعن سعيد بن المسيب أن رجلا قال يا رسول الله أفطرت يوما
في شهر رمضان فقال أعتق رقبة والامر بخصوص العتق لجواز الامر بواحد من أفراد الواجب المخير خصوصا إذا كان أحب وأفضل مع احتمال علمه (عليه السلام)
بأنه أهون عليه من الآخرين وعن أبي هريرة أيضا أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال هلكت فقال وما أهلكك قال وقعت على امرأتي في رمضان
فقال النبي صلى الله عليه وآله هل تجد رقبة تعتقها قال لا قال هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع إطعام ستين
مسكينا قال لا أجد فقال له النبي صلى الله عليه وآله إجلس فجلس فبينما هو جالس كذلك أتى بعرق فيه تمر فقال له النبي صلى الله عليه وآله إذهب فتصدق
به فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله والذي بعثك بالحق ما بين لا بينها أهل بيت أحوج منا فضحك النبي صلى الله عليه وآله حتى بدت أنيابه قال إذهب فأطعمه
عيالك والعرق بالمهملتين المفتوحتين والقاف المكتل وهو شبه الزنبيل قال الجوهري تسع خمسة عشر صاعا وقال ابن إدريس في السرائر وسمعت بعض
أصحابنا صحف الكلمة فقال العذق بالذال المعجمة فالعذق بكسر العين والذال المسكنة الكباسة وهي العرجون بما فيه من الشماريخ ونقح العين النخلة
نفسها واللابة واللوبة الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها والضمير في لا بيتها للمدينة المعلومة بقرينة المقام وهي
بين حرتين عظيمتين وفى الحديث أنه حرم ما بين لابتي المدينة قال في المنتهى يحتمل قول النبي صلى الله عليه وآله أطعمه عيالك أنه (عليه السلام) لم يملكه
التمر بل تطوع عنه بالتكفير فلما أخبره بحاجته صرفه إليه ويحتمل أنه ملكه التمر ليتصدق به عن نفسه فلما أخبره بفقره قدم حاجته على الكفارة
فيحتمل أن يكون أمره بذلك والكفارة باقية في ذمته ويحتمل أن يكون صرف الكفارة إليه وإلى عياله لما كان هو المتطوع بها أو تكون مصروفة
إلى عياله وما روى من طرق الخاصة في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر
قال يعتق نسمته أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا فإن لم يقدر تصدق بما يطيق وهذا الخبر الصحيح هو الأصل المعتمد في باب الكفارة
واعتبر فيه العمد في الافطار لا في أصل الفعل واعتبر أيضا عدم العذر فيخرج الناسي والجاهل والمكره أما
الناسي والجاهل فلعدم تعمدها في
الافطار مع تحقق عذر نسيان الصوم والجهل بالحكم وقد أخلق العذر على الجهل في بعض الاخبار وأما المكره فلظهور عذره وعدم عمده في بعض
397

الصور ثم الافطار في قوله في رجل أفطر في شهر رمضان ليس مطلق إفساد الصوم حتى يلزم الحكم بالكفارة في كل ما يحكم بأنه يفسد الصوم كترك النية والحقنة
ونحوهما بل المتبادر منه الأكل والشرب ويشتمل ما أطلق عليه اسم المفطر في الشرع كالجماع وغيره مما عد شرعا من المفطرات ويدل هذا الخبر أيضا على
التخيير بين الخصال وعلى التصدق بقدر الطاقة مع العجز عن إكمال الستين وما روى في الحسن بن إبراهيم بن هاشم وبسند آخر يحتمل الصحة عن جميل بن دراج
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فقال أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال هلكت يا رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال مالك قال النار يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال ومالك قال وقعت على أهلي قال تصدق واستغفر فقال الرجل فوالذي عظم حقك ما تركت في البيت
شيئا لا قليلا ولا كثيرا قال فدخل رجل من الناس بمكتل من تمر فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله
خذ هذا التمر فتصدق به فقال يا رسول الله على من أتصدق وقد أخبرتك أنه ليس في بيتي قليل ولا كثير قال فخذه وأطعمه عيالك واستغفر
الله قال فلما خرجنا قال أصحابنا أنه بدأ بالعتق فقال أعتق أو صم أو تصدق والظاهر قوله (عليه السلام) فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع بصاعنا
باعتبار أن الصاع المعمول في خارج البلد وعند أرباب النخيل كان نصف الصاع المعمول في البلد ولما كان ذلك التصدق والتكفير بعنوان الشرع والتطوع
فلا ضير أو كان تمر المكتل أقل ما يعتبر في الكفارة أعني خمسة عشر صاعا بصاع العراق ولكن على هذا لا يوافق ذلك الخبر ساير الأخبار المتضمنة
لذكر هذه الواقعة فإن عدد الصاع فيها مطابق لما اعتبر في الكفارة في المشهور أعني خمسة عشر ويمكن أيضا حمل الصاع الذي أشار إليه (عليه السلام)
بقوله عشرة أصوع بصاعنا على صاع يزيد على صاع العراق بنصفه هذا مع كثرة وقوع السهو من الروايات في ضبط الاعداد وقول جميل في
آخر الحديث فلما خرجنا قال أصحابنا معناه أن الحاضرين معه في مجلس الإمام (عليه السلام) من الشيعة بعد القيام عن المجلس والاشتغال بمذاكرة الحديث
نبهوه وأخبروه بغفلته وعمد سماعه لبعض ما قاله (عليه السلام) أعني ما قاله (عليه السلام) أعني قوله أعتق أو صم ولفظه أو قبل قوله تصدق واستغفر والصوم في قوله
صم إشارة إلى صيام الشهرين المعروف في باب الكفارة ثم الظاهر من السؤال والجواب في هذا الخبر أن تلك الكفارة يجب على كل من أفطر يوما من شهر رمضان
متعمدا وإن لم يكن إفطاره بالجماع والظاهر من تعمد الافطار أن يقصد الفعل مع العلم بأنه مفطر أي محرم في الصوم وما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله
في الموثق بن أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا قال عليه خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد بمد النبي
صلى الله عليه وآله أفضل والظاهر أن المراد إن الأفضل أن يكون الصاع أيضا بصاع النبي صلى الله عليه وآله وهذا الخبر يدل على التخيير بين الخصال وذكر الشيخ
(ره) في زيادات التهذيب بدل قوله (عليه السلام) بمد النبي صلى الله عليه وآله أفضل قوله مثل الذي صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وكأنه إشارة
إلى ما سبق ذكره في رواية جميل وغيره وما رواه الصدوق عن عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري وفى بعض نسخ الفقيه الهيثم بن القتم وكأنه سهو كما يظهر
من كتب الرجال عن أبي جعفر (عليه السلام) أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال هلكت وأهلكت فقال وما أهلكك فقال أتيت امرأتي في شهر
رمضان وأنا صائم فقال النبي صلى الله عليه وآله أعتق رقبة قال لا أجد قال فصم شهرين متتابعين فقال لا أطيق قال تصدق على ستين مسكينا
قال لا أجد فأتى النبي صلى الله عليه وآله بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال النبي صلى الله عليه وآله خذها وتصدق بها فقال والذي
بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فقال خذه وكله أنت وأهلك فإنه كفارة لك وقول الرجل أهلكت أما على صيغة
المعلوم والمفعول امرأته لأنه جامعها في نهار رمضان أو المجهول والفاعل شهوة النفس ووسوسة الشيطان وما أتى به من الفعلة المنتهية ولم
يأمره النبي صلى الله عليه وآله بالقضاء لعلمه بوجوب القضاء على من أفطر متعمدا وشيوع ذلك بين الناس أو أمره ولم ينقل العدم تعلق غرض
بالرواة بذكر تمام القصة ويؤيده ما ورد في بعض روايات العامة هكذا وصم يوما واستغفر الله وأما عدم تعرضه صلى الله عليه وآله
للتعزير فلعله لعدم وجوبه ذلك الوقت أو لسقوطه عن الرجل لأجل أنه جاء نادما تائبا عما فعله وهذا الخبر يدل دلالة ضعيفة على الترتيب كما
قاله الشيخ (ره) في الخلاف وقال الصدوق بعد نقل هذا الخبر وفي رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن المكتل الذي أتى به النبي صلى الله
عليه وآله كان فيه عشرون صاعا من تمر وأورد خبرين آخرين يدلان على ذلك وقد مر البحث منا عن ذلك في خبر جميل وما رواه المشرفي وفى بعض
نسخ التهذيب بدله بالبرقي وعليه تصح الرواية عن أبي الحسن (عليه السلام) قال سئلته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة فكتب
(عليه السلام) من أفطر يوما من شهر رمضان متعمد فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم والامر مخصوص العتق لا يدل على الترتيب كما
ذكرنا في البحث عن رواية سعيد بن المسيب وهذا الخبر دليل اعتبار الايمان وفي الرقبة وما رواه ابن بابويه في الفقيه عن الصادق (عليه السلام)
398

أنه قال من أفطر يوما من شهر رمضان خرج روح الايمان منه ومن أفطر في شهر رمضان متعمدا فعليه كفارة واحدة وقضاء يوم مكانه وأتى له
بمثله وأما وجوب القضاء والكفارة في الأربعة الأخيرة من الثمانية ففيه خلاف بين الأصحاب وقد مر البحث عنه مفصلا عند ذكرها إلا عن وجوب الكفارة على من تعمد البقاء على الجنابة ووجوبها هو المشهور بين الأصحاب فإليه ذهب الشيخان على بن بابويه وابن الجنيد وسلار وأبو الصلاح و
المحقق والعلامة وقال محمد بن إدريس والأقوى عندي وجوب القضاء والكفارة فيه للاجماع على ذلك من الفرقة ولا يعتد بالشاذ الذي يخالف في
ذلك وعد ابن حمزة ما يفطر ويوجب القضاء والكفارة إجماعا بين الطائفة البقاء على الجنابة عمدا من غير
ضرورة حتى يطلع الفجر ونقل في المختلف
عن انتصار السيد أن مما انفردت به الإمامية إيجابهم على من أجنب في ليل شهر رمضان وتعمد البقاء إلى الصباح من غير اغتسال القضاء والكفارة ومنهم
من يوجب القضاء دون الكفارة ونقل عن جملة أنه نسب ذلك إلى الروايتين ونقل في المنتهى عن ابن أبي عقيل القول بوجوب القضاء خاصة وقال وهو
الظاهر من كلام السيد المرتضى ومستند وجوب الكفارة كما ذهب إليه الأكثر ما نقلناه سابقا عن المختلف في وجوب القضاء من أن الانزال نهارا موجب
للقضاء والكفارة فكذا استصحاب الانزال وقد عرفت ضعفه وما روى عن أبي بصير وقال في المختلف في الموثق وكأنه أراد إلى أبي بصير وكانت له قرينة
على أنه الثقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح قال يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين
أو يطعم ستين مسكينا قال وقال أنه خليق أن لا أراه يدركه أبدا وقيد التعمد ربما يشعر بأن من كان في نيته الغسل فنام أو ظن بقاء الليل أو ذهل
عن ذهابه فطلع عليه الفجر لا يجب عليه ذلك وقال المحقق (ره) في المعتبر بعد نقل هذه الرواية وبهذه أخذ علماؤنا إلا شاذا وما روى عن سليمان بن جعفر
المروى عن الفقيه (عليه السلام) قال إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ولا يدرك فضل
يومه وقد عرفت أن وجوب صيام الشهرين لا ينافي في التخيير بين الثلاثة وأن يكون له بدل وما روى عن إبراهيم بن عبد الحميد وفى بعض نسخ التهذيب عن عبد الله
عن بعض مواليه قال سئلته عن احتلام الصائم قال فقال إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل وإن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا
ينام ساعة حتى يغتسل فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ويتم صيامه ولن يدركه
أبدا وما وقع في هذه الرواية من منع المحتمل عن النوم بمحمول على الكراهة كما سلف قال صاحب المدارك وهذه الرواية كلها ضعيفة السند فيشكل
بالتعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن أبي عقيل والمرتضى (ره) من أن الواجب بذلك القضاء دون الكفارة
أقول ولا يبعد أن يق أن ضعفها ينجبر بهذه الشهرة العظيمة وعمل الأصحاب ولا ينبغي الجرئة على مخالفتهم واستدل لما ذهب إليه الحسن بالأصل وبروايات
سبق ذكرها في بحث من نام على الجنابة كصحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن (عليه السلام) ورواية إسماعيل بن
عيسى عن الرضا (عليه السلام) والأصل يعدل عنه بروايات اشتهر العمل بها بين الأصحاب وقد مر البحث عن الروايات الواردة في نوم الجنب وسيجئ ما بقي من البحث
عنها مع أن رواية إسماعيل لا ينطبق على مذهب الحق لدلالتها على سقوط القضاء أيضا وهو لا يقول به فلا بد من حملها على التقية أو تأويلها ثم اعلم
أن القضاء في كل موضع يجب منفرد أو منضما إلى الكفارة فإنه يجب يوم مكان يوم على القاعدة المطردة في قضاء ساير العبادات كالصلاة والحج وغيرهما
فإنه يجب بحسب الأداء في الجميع وعليه إجماع الفرقة وهو قول عامة الفقهاء ويدل عليه ظاهر الآية الكريمة في الافطار بالمرض والسفر وصريح الاخبار في الافطار
مطلقا وحكى عن ربيعة أنه قال يجب مكان كل يوم إثنا عشر يوما وقال سعيد بن المسيب أنه يصوم عن كل يوم شهرا واحتج ربيعة بأن رمضان يجزى عن السنة و
هي إثنا عشر شهرا فكل يوم منه في مقابله اثني عشر يوما من غيره وفساده واضح إذ لا دليل على وجوب صوم السنة والاجتزاء عنه برمضان وكذا لا
يكفر الجاهل بالتحريم على الأقوى والأشهر بين المتأخرين لما عرفت مفصلا من اختصاص أدلة وجوب الكفارة بمن أفطر متعمدا ولرواية زرارة وأبى بصير
عن أبي جعفر (عليه السلام) والأصل براءة الذمة وإن كان الاحتياط في التكفير ولا يكفر الجاهل بالتحريم ولو كان إفطاره بعد إفطاره ناسيا للصوم إذا
توهم إباحة الافطار له حينئذ لأجل فساد صومه بما فعله نسيانا وإطلاق الافطار باعتبار أنه إفطار على تقدير تذكر الصوم والعلم بالتحريم وهذا
فرد خفى للجاهل بالتحريم لعلمه بتحريم أصل الفعل ولكن عرضت له شبهة في تحريمه في خصوص تلك الحال ووجه عدم تكفيره ما عرفت من سقوط الكفارة
عن الجاهل بالحكم وهذا جاهل حقيقة وفى حكم تعمد البقاء على الجنابة في وجوب القضاء والكفارة الاعراض عن نية الغسل إذا طلع عليه الفجر جنبا
وإن كان نائما أو ذاهلا عن انقضاء الليل وطلوع الفجر أو ظانا بقاء الليل فظهر فساد ظنه وطلع الفجر لأنه بإعراضه عن نية الغسل عامدا للبقاء
على الجنابة حقيقة وكذا في حكم تعمد البقاء على الجنابة معاودة النوم على الجنابة بعد انتباهتين إذا طلع الفجر عليه في النومة الثالثة ذهب إليه
399

الشيخان ومن تابعهما للجمع بين الأخبار الدالة على سقوط القضاء والكفارة معا عن النائم على الجنابة والأخبار الدالة على سقوط الكفارة خاصة
عنه والاخبار الثلاثة المذكورة آنفا الدالة على ثبوتهما معا عليه بحمل الاخبار الأولى على من أجنب فنام على نية أن يغتسل قبل الفجر فاستمر به النوم إلى
طلوع الفجر فليس عليه قضاء ولا كفارة وقد مر بنا البحث عن هذه الأخبار والاخبار الثانية على من انتبه ثم نام ثانيا ونوى أن يغتسل قبل الفجر
فعليه القضاء دون الكفارة وقد مر البحث عن هذه الأخبار أيضا والثالثة على من نام ثالثا فعليه القضاء والكفارة معا وأنت خبير بضعف حمل
هذه الأخبار مع اشتراكها في ضعف السند على القسم الثالث كما أفاده المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد الثاني وصاحب المدارك وغيرهم من
المتأخرين لان خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنما تضمن تعلق الكفارة بمن تعمد ترك الاغتسال وليس فيه حدث النوم وتكراره أصلا فينبغي إبقاؤه
على ظاهره ولا باعث على صرفه عنه واما خبر سليمان بن جعفر المروى عن الفقيه (عليه السلام) فليس فيه أيضا ذكر النوم أصلا فليس حمله على تكرار النوم مرارا
أولى من حمله على تعمد ترك الاغتسال بل الثاني ألصق باللفظ جدا وأما مضمرة عبد الحميد عن بعض مواليه فمع جهالة السائل والمسؤول عنه ظاهرها
النومة الأولى فحملها عليها مع الاعراض عن نية الاغتسال أقرب من حملها على تكرار النوم وبالجملة فقد ظهر مما ذكرنا أن القول بسقوط القضاء والكفارة
معا عمن نام على الجنابة أولا ناويا للغسل قبل الفجر بالشرايط المذكورة وسقوط الكفارة خاصة عمن نام كذلك بعد ذلك مرة أو مرارا وكذا من نام
مطلقا مع الذهول عن نية الغسل وتركه وثبوتهما معا على من تعمد البقاء على الجنابة أو نام مطلقا مع الاعراض عن الغسل أقرب بالجمع بين الاخبار
ومراعاة أصل البراءة وفي حكم الاستمناء في وجوب القضاء والكفارة معا النظر إلى المرأة أو الغلام لمعتاده أي معتاد منزل المنى مع النظر فيجب القضاء
والكفارة مع ترتب الانزال عليه وإلا فلا قضاء ولا كفارة وإن أثم كما عرفت في الاستمناء ووجه وجوبهما ظاهر مما عرفت من إفساد الانزال للصوم فالنظر منه
عمدا اختيارا مع تذكر للاعتياد إتيان بالمفسد كذلك فيوجبهما والاستماع لقول من يلتذ بسماع قوله امرأة كان أو غلاما أو لحديث وقصة
تحرك الشهوة وفى بعض النسخ بدله الاستمتاع بالتائين أي بغير الجماع والملاعبة والتخيل للمجامعة أو الملاعبة إذا قصده أي نزول المنى وهذا
شرط لوجوبهما في الجميع بعد الاعتياد والأظهر الاكتفاء بكل واحد منهما كما ذكره في المسالك ويظهر من كلام المصنف (ره) أيضا في آخر الدرس والظاهر أن
وجدانه من حاله ذلك في حكم أحدهما وإن لم يعتد ولم يقصد وما ذكره المحقق في الشرايع مطلقا من أن من لمس امرأة فأمنى فسد صومه يحتاج إلى التقييد
بالقصد أو اعتياد كما قاله صاحب المدارك وقس عليه ما ذكره في المعتبر بقوله ويفطر بإنزال الماء بالاستمناء والملامسة والقبلة آنفا ويقرب
منه ما قاله الشيخ في الخلاف وقال العلامة (ره) في المختلف المشهور وأنه إذ أمنى عند الملامسة وجب عليه القضاء والكفارة ويمكن حمل الملامسة في
كلامه على ما يظن نزول المنى معه في العادة كما يشعر به قوله في الاحتجاج أنه أنزل في نهار شهر رمضان عقيب فعل يحصل معه الانزال فكان عليه
القضاء والكفارة وقوله في جواب ما احتج به ابن الجنيد على ما ذهب إليه من عدم وجوب الكفارة إلا مع القصد بأنه أنزل بغير قصد فلا يجب عليه الكفارة
كالمتمضمض للتبرد والجواب أنه قصد فعل يحصل معه الامناء فكان كالمجامع ولو لم يحمل كلامه على ما ذكرناه لناقض هذا القول منه لما قاله في وجوب
القضاء خاصة على من تكرر منه النظر فسبقه الماء من غير قصد كما سنذكره بعد ذلك وأفاد خالي طاب ثراه أن الوجه ما ذكر من الاطلاق واستدل
عليه بالاخبار الثلاثة التي مر ذكرها في بحث الاستمناء وأنت خبير بأن قول الراوي وفي صحيحة عبد الرحمن يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمنى ظاهره القصد أو
البلوغ إلى حد يعلم معه الانزال أو يظن ورواية أبي بصير ومضمرة سماعة مع ضعف سندهما يمكن تقييدهما بالقصد ونحوه لتطابقا الأصول واستدل
العلامة بالروايتين الأخيرتين ومن تكرر منه النظر فسبقه الماء من غير قصد ولا اعتياد فقال العلامة في المختلف عليه القضاء خاصة لأنه قد وجد منه مقدمة
الافساد ولم يقصده فكان عليه القضاء كالمتمضمض للتبرد وإذا وصل الماء حلقه وقال الشيخ في الخلاف إذا كرر النظر فأنزل ثم ولا قضاء عليه ولا كفارة
لاجماع الفرقة ولعدم الدليل على أنه بتكرار النظر يصير مفطرا والأصل براءة الذمة والأقوى ما ذكره الشيخ (ره) بعد أخد الشرط إلا في ثبوت الاثم إذا
كان النظر إلى من يحل له النظر إليه وإن كان الاحتياط فيما ذكره العلامة ودليله يفيد وجوب القضاء على من أنزل بسبب النظر وإن لم يتكرر ذلك منه وكأنه
احترز بالتكرر على ما يفهم من المنتهى عن النظرة الأولى التي لا يمكن الاحتراز منها كالذباب وغبار الطريق إذا دخل في الحلق وكلامه في المنتهى في حكم
تكرر النظر يخالف ما ذكره في المختلف لأنه في المنتهى اعتبر التكرر الذي يعلم معه الانزال وأوجب به القضاء والكفارة ولا ريب به ولو أكره على الافطار
فلا إفساد سواء وجر في حلقه أي أدخل المفطر فيه بغير اختياره أو خوف بما يكون مضرا به في نفسه أو من يجرى مجراه بحسب حاله والمرجع في ذلك إلى
العرف مع قدره المتوعد على فعل ما توعد به والظن بأنه يفعله به لو لم يفعله فأفطر باختياره على الأقوى أما عدم الفساد وعدم وجوب القضاء في الصورة
400

الأولى أي وجود المفطر في حلقه كرها فلاجماع الفرقة وخالف فيه أبو حنيفة ومالك وفى معنى الوجود بلوغ الاكراه حدا يرفع قصده ويذهب باختياره
فلو قهره قاهر بضرب شديد أو تخويف عظيم حتى لم يملك أمره ولم يكن له بد من الفعل فلا قضاء عليه أيضا اتفاقا وإن تناول بيده وأما عدمهما
في الصورة الثانية أي التخويف والتوعد بالقتل أو بفعل لا يليق بحاله ويعد ضررا لمثله من ضرب أو شتم ونحوهما تخويفا لم يبلغ به حدا يرفع
قصده واختياره ففيه خلاف بين الأصحاب ذهب الشيخ في الخلاف والأكثر كالمحقق والعلامة والمصنف (ره) وجماعة إلى عدم الافطار وعدم وجوب القضاء
للأصل ولقوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه ولأنه غير متمكن من الفعل فلا يصح تكليفه عقلا فلا
يتوجه إليه النهى فيكون تناوله سايغا كالناسي ولأن هذا معنى حرمة الصوم فإذا حصل بغير اختياره لم يفطر كما لو طارت ذبابة إلى حلقه أو زرعه
ألقى وذهب الشيخ في المبسوط إلى فساد الصوم ووجوب القضاء فقال في عد ضروب ما لا يفطر أو أدخل غيره في فيه وحلقه ما يفطره من غير صنع من
جهته أما بأن كان نائما أو أكرهه عليه فان ذلك لا يفطره فإن ألزمه التناول بنفسه أفطر واستدلوا على هذا القول أولا بأنه مع التوعد مختار الفعل
فيصدق عليه أنه فعل المفطر اختيارا فوجب عليه القضاء وقال في المختلف الجواب المنع من كونه مختارا وقال في المدارك بمنع كون الفعل الصادر
عن الاختيار على هذا الوجه مفسدا للصوم بل ذلك محل النزاع فكيف يجعل دليلا وثانيا بأن المكره دفع عن نفسه الضرر بتناوله فيلزم القضاء
كالمريض وأجاب عنه في المعتبر بأن مقتضى الدليل سقوط القضاء في الموضعين لكن ترك العمل بالمقتضى في المرض بالدليل فيعمل بالمقتضى فيما عداه
أقول وألحق أن المفهوم من الصوم شرعا ليس إلا الكف عن المفطرات ومع الاتيان بشئ منها لا يتحقق الاتيان بالصوم ظاهرا وقد مر ذكر أدلة وجوب
القضاء على تارك الصوم من الاجماع وغيره وأيضا العمومات الواردة في الأخبار الدالة على وجوب القضاء على من فعل كذا وكذا يشمل هذه الصورة
أيضا إذ لا منع شرعا ولا عرفا من إسناد الفعل إلى المكره الكذائي ودعوى أن المتبادر إلى الذهن من الاخبار الفعل الصادر بعنوان الاختيار كما يفهم
من كلام صاحب المدارك وكلام خالي طاب ثراه فلا يخلو عن إشكال فالأصل على هذا وجوب القضاء حتى يعلم سقوطه وهذا بخلاف الصورة الأولى لعدم
ظهور فوات الصوم عنه وعدم إسناد الفعل إليه فيها إذا الفرض أن لا صنع له فيه أصلا أو هو بمنزلة الأدلة
لأجل سلب الاختيار عنه رأسا وما ذكروه
من الأدلة على سقوط القضاء غير تام أما الخبر فلما قاله في المسالك من أنه قد تقرر في الأصول أن المراد فيه برفع الخطاء وقيمية دفع المؤاخذة عليها
لا رفع جميع أحكامها وبالجملة لا ظهور له في في رفع الجميع وقد اعترف خالي طاب ثراه بذلك في مسألة ناسي النية إلى الزوال ونقلناه عنه ومع
ذلك جعل الخبر هنا دليلا على سقوط القضاء وأما أنه غير متمكن من الفعل فلا يصح تكليفه ولا يتوجه إليه النهى ففيه أن وجوب القضاء لا يستلزم
تكليفه في مال الاكراه أو توجه النهى إليه وجواز التناول لا يستلزم سقوط القضاء كالتناول في المرض والسفر والحيض والنفاس والقياس على الناسي
ومن طارت الذبابة في حلقه لا نعمل به وأما سقوط الكفارة فمقطوع به للاجماع وعدم الاثم وذلك أيضا لا يقتضى سقوط القضاء كما في كثير من
نظايره والحاصل أن القول بالقضاء أظهر بحسب الدليل وأقرب إلى الاحتياط ثم أن الشهيد الثاني (ره) بعد تصحيحه لهذا القول في المسالك أيده بما
ورد في بعض الروايات من قول الصادق (عليه السلام) لأصحابه في باب ما وقع منه مع السفاح لئن أفطر يوما من شهر رمضان وأقضيه أحب إلى من أن
يضرب عنقي ولا يعبد الله وتأييده لهذا القول ظاهر وفرق المصنف (ره) بين الافطار للاكراه والافطار قبل الغروب أو في أول يوم من الشهر للتقية ضعيف جدا
وذلك الفرق باعتبار قوله هنا في الأول بسقوط القضاء وسيجيئ قوله في الثاني بوجوبه وسنبني تمام القول فيه عند شرحه إنشاء الله تعالى
ولو أكره الرجل صائما في شهر رمضان زوجته صائمة على الجماع تحمل عنها الكفارة وهو مجاز عن تضاعفها عليه إذ لا كفارة عليها مع الاكراه
حتى تحل التحمل على الحقيقة وكان الكفارة الزايدة عقوبة ويكفر لما صدر عنه من الاكراه القبيح لا القضاء فإنه يسقط عنها بالاكراه من دون
تحمل وأما دليل تحمل الكفارة فما قيل من أن الجماع لو وقع باختيار هما أوجب الكفارتين بلا خلاف وهو فعل وأخذ اقتضى هذا الحكم فإذا
أكرهها كان مستندا في الحقيقة إليه وأوجب حكمه عليه وما رواه إبراهيم بن إسحاق الأحمري عن عبد الله بن حماد عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة فقال إن كان استكرهها فعليه كفارتان ويعزر بخمسين سوطا وإن كانت طاوعته فعليه
كفارة وعليها كفارة وضرب خمسة وعشرين سوطا وضربت خمسة وعشرين سوطا والرواية خالية عن التجوز الذي في كلامهم وضعف الدليل
الأول واضح لان اقتضاء أصل الفعل لهذا الحكم المخالف للأصل مطلقا غير معلوم بل المعلوم أن صدوره وقبوله بالاختيار يوجبان الكفارة
ويمكن إرجاع القبول الاختياري إلى الفعل الوجودي الصادر عن القابل ولا يقتضى ذلك إيجاب الاكراه على القبول الكفارة على المكره وهو
401

ظاهر كيف ولو صح للزم الحكم بتحمل القضاء أيضا مع أنهم لا يقولون به وأما الرواية فقد قال المحقق في المعتبر بعد نقلها وإبراهيم بن إسحاق هذا ضعيف
متهم والمفضل بن عمر ضعيف جدا كما ذكر النجاشي وقال ابن بابويه لم يرو هذه غير المفضل فأذن الرواية في غاية الضعف لكن علماؤنا ادعوا على ذلك
إجماع الإمامية مع ظهور القول بها ونسبة الفتوى إلى الأئمة (عليهم السلام) يجب العلم بها ويعلم نسبة الفتوى إلى الأئمة باشتهارها بين ناقلي مذهبهم
كما يعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم مذاهبهم وإن استندت في الأصل إلى الآحاد من الضعفاء والمجاهيل انتهى وما ذكره (ره) من الاجماع
فغير ظ لان العلامة (ره) قال في المنتهى بعد نقل الحكم ذكره الشيخ وأكثر علمائنا وقال بعد ذكر الرواية وفي سند الرواية ضعف وبالجملة فنحن في
هذا من المترددين ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه قال لو أن امرأة استكرهها زوجها فوطئها فعليها القضاء وحده وعلى الزوج القضاء والكفارة
فإن طاوع زوجها بشهوة تغلبها فعليها القضاء والكفارة جميعا والذي يظهر منه كما قاله في المختلف أنه لا يقول بتضاعف الكفارة على المكره وقس على ذلك الكلام في كونها من المسائل التي علم استناد الفتوى بها إلى الأئمة (عليهم السلام) كيف وإنما يكون هذا العلم في المسائل التي شاع
العمل وذاع القول بها بين أشياعهم وأتباعهم (عليهم السلام) كوجوب المسح في الوضوء والمتعة في الحج وعدم وجوب الجمعة والعيدين عينا في الغيبة ومن
البين أن هذه المسألة ليست بمعمول بها لاحد من أصحابهم ولا مسموع كثير من عامة أشياعهم كما يشهد به ما قاله الصدوق (ره) في الفقيه بعد نقل الرواية
قال مصنف هذا الكتاب لم أجد شيئا في ذلك من الأصول وإنما تفرد بروايته على بن إبراهيم بن هاشم والظاهر وقوع سهو في نسخ الفقيه والصحيح
وإنما تفرد بروايته المفضل بن عمر بدل على بن إبراهيم بن هاشم كما وقع في عبارة المعتبر وعبارة المصنف (ره) في شرح الارشاد وبالجملة لا يحصل
الاطمينان بمثل تلك الدعاوي من واحد أو اثنين في أمثال هذه المسائل ويمكن حمل الكفارة الزايدة الواردة في الرواية على الاستحباب وأمر
الاحتياط واضح جدا ثم الظاهر شمول لفظ المرأة المضافة الواردة في الرواية للزوجة الدائمة والمتمتع بها ويحتمل شمولها للأمة أيضا على بعد
وربما قيل بشمولها للأجنبية أيضا لصدق الإضافة بأدنى ملابسه وهو بعيد جدا وأما سقوط القضاء عنها فلما عرفت سابقا من أدلة سقوطه
وقد خالف الشيخ في بعض فروضه كما مر وقد خالف فيه ابن أبي عقيل أيضا ما ظهر مما نقلنا عنه ولا وجه له إلا أن يرجع إلى خلاف الشيخ وأما عدم
تحمله عنها فللأصل السالم عن المعارض وفي التحمل عن الأمة والأجنبية لو أكرههما على الوطي بالشروط السابقة والأجنبي الموطوء كرها على
القول بوجوب الكفارة عليه مع المطاوعة كما هو المشهور المتفق عليه مع الانزال كما مر وتحمل المرأة لو أكرهته ضمير المفعول للزوج الصايم أو
الرجل الصايم الفاعل فيعم الزوج والأجنبي وتحمل الأجنبي لو أكرههما أي الزوجين أو المجامعين والتحمل هنا للكفارتين لو أكرههما معا ويرجع
إلى الست في الأجنبيتين أن قلنا بوجوب الثلث في الافطار بالمحرم ويحتمل الأربع اقتصارا على المتيقن من تحمل أصل الكفارة أو للكفارة
واحدة لو أكره أحدهما وطاوع الاخر ويرجع إلى الثلاث في الأجنبيين على القول ويحتمل الواحدة نظر أقربه التحمل أما في الأمة فلعدم
الفرق بين وطيها ووطئ الزوجة في هذا الحكم مع إمكان دخولها في النص كما عرفت والأول لا يرجع إلا إلى
القياس الذي لا نعمل به مع إمكان
الفرق بأن التهجم في إكراه الزوجة أشد وأقبح وإمكان الدخول لا يوجب الحكم المخالف لأصل خصوصا مع بعده عن اللفظ وأما في الأجنبية
فلان الزنا أغلظ حكما من الوطي المحلل فالذنب فيه أفحش فيكون أولى بالمؤاخذة وإيجاب التكفير نوع من المؤاخذة مع إمكان دخولها في
النص أيضا ولأن الفاعل المكره أقوى من تارك المنع أعني المطاوع القابل الذي يكفر قطعا وأنت خبير بأن المؤاخذة بالتكفير قد يكون
في الذنب الضعيف ليسقطه أو يخففه ومنه سميت كفارة ولا يكون في القوى لعدم قبوله لهما فيكون مؤاخذته الانتقام كما في تكرر
الصيد فإنه يكفر إن كان خطأ ولا يكفر إن كان عمدا وقد قال عز من قائل ومن عاد فينتقم الله منه فأفحشيته الاكراه على الزنا في الصوم بالنسبة
إلى الوطي المحلل لا تدل على أولويته بإيجاب تحمل التكفير وقال الشهيد الثاني (ره) في المسالك ومن هنا يعلم أن الكفارة عن العبادة لا تدل على عظم
شانها على غيرها فإن الصلاة أفضل من الصوم مع أنه لا كفارة في إفسادها لا يقال وجوب الكفارة على الواطي المكره للأجنبية يدل على
قبول هذا الذنب للتخفيف أو الاسقاط فما المانع عن وجوب الكفارة الزايدة لأنا نقول أصل الكفارة الواجبة على الواطي المكره لاتيانه
في الصوم بهذا الفعل القبيح والكفارة الزايدة لأجل الاكراه وهو ظلم في حق الغير ولا ريب في عظمه فإذا كان الاكراه على الزنا فيه بما كان في
العظم بحيث لا يقبل التكفير ولا يلزم من قبول أصل الفعل التخفيف قبول هذا الاكراه أيضا له وبالجملة لا سبيل للعقل إلى تشخيص أمثال تلك
402

الدقايق الشرعية وضبط حدودها وتعيين مراتبها بحسب الجزاء في الآخرة أو الأولى وما ذكره من إمكان دخولها في النص فقد عرفت الجواب عنه
وأما التعليل الأخير فقال المصنف (ره) في شرح الارشاد وليس بجيد لان غاية المكره صدور فعل الاخر عنه زوالا فالتحقيق إنه كالصادر عنه فلا يزيد على
ما هو مثله أو دونه على أن الوجوب على المطاوع ليس بالترك بل بإيجاد الرضا أو فعل الضد والظاهر أن غرضه (ره) القدح في أن الفاعل المكره أقوى
من تارك المنع على ما ادعاه المعلل حتى لا يمكنه الاستدلال بمفهوم الموافقة ويرجع إلى القياس الغير المعمول وحاصله إن غاية ما يمكن أن يتوهم
في شأن الفاعل المكره صدور فعل الاخر أعني القابل المكره عنه والمراد بفعله ترك المنع وذلك الصدور عن الفاعل باعتبار إكراهه للقابل
وسلبه لممانعته إياه وإنما قلنا إن ذلك غاية ما يمكن أن يتوهم لأنا إن لم نقل بالغاية فالتحقيق إن الفاعل بمنزله الصادر عنه باعتبار
عليته ومنشأيته للصدور وليس يصدر الفعل عنه حقيقة وعلى هذا فلا يزيد فعل الفاعل المكره على ما أي على فعل والمراد فعل القابل
هو أي فعل الفاعل مثله على التوهم أو دونه على التحقيق والضمير المضاف إليه في الكلمتين لكلمة ما أعني فعل القابل وعلى هذا فلا يمكن دعوى
أولويته بوجوب الكفارة وينهدم بنيان التعليل والمراد بالعلاوة الوجوب الكفارة على القابل المطاوع ليس بسبب ترك المنع كما
ادعاه المعلل حتى يتوهم صدوره عن الفاعل المكره بل باعتبار إيجاد الرضا بأصل الفعل أو باعتبار فعل الضد أي الكف عن الممانعة والمدافعة
ومن البين إنه لا يمكن توهم صدور واحد منهما عن الفاعل المكره إذ لا وجود لشئ منهما مع الاكراه وأما في الأجنبي فلمثل ما ذكر في الأجنبية
يسوى أمان دخوله في النص وقد عرفت ضعفه وأما تحمل المرأة لو أكرهته فلعدم الفرق بين الطرفين في تعلق الفعل بهما واستقلال كل منهما
بإيقاعه لو أكره الاخر عليه فيلزم كلا منهما ما يلزم الاخر ولا يرجع ذلك عند التحقيق إلا إلى القياس الذي لا نعمل به إلا في الأخير أي الأجنبي
لو أكرههما لأنه خارج عن الفعل ولا تعلق له به من حيث الصدور أو القبول وإن كان سببا ومنشئا لوقوعه ولا دليل على أن منشائية
الوقوع من غير الطرفين موجبة للتكفير المخالف للأصل ثم إن النظر الذي ذكره المصنف (ره) وارد في إكراه الزوج المفطر كالمسافر أو المريض للزوجة
الصائمة على الجماع فقيل يتحمل الكفارة عنها كما يتحمل الصايم والأقرب عدم التحمل لان التهجم على القبيح معا الصوم أقبح وأشد وسيصرح به
المصنف (ره) بقوله ولو أكره المجنون أو المسافر زوجته فلا تحمل وقس عليه حكم جماع الصائم للزوجة النائمة الصائمة لعدم اشتماله على قبح
تهجم الاكراه وعدم العلم بحالها من المطاوعة والمنع على تقدير اليقظة وألحقها الشيخ (ره) بالمكره واعلم إن العلامة (ره) قال في المنتهى تفريعا
على القول بالترتيب في كفارة الصيام إذا أكرهها فهل الكفارتان عنه أو كفارة عنه وكفارة عنها بتحملها بسبب الاكراه فيه تردد أقربه
إنهما معا عنه أقول وقد ظهر وجه ما قربه مما ذكرنا سابقا ثم قال فإن قلنا إنهما عنهما فإن اتفق حالهما وكانا من أهل العتق أعتق رقبتين
وإن كان من أهل الصيام صام أربعة أشهر وإن كانا من أهل الاطعام أطعم مائة وعشرين مسكينا وإن اختلف حالهما فإن كان هو أعلى أعتق
عن نفسه وهل يجوز له أن يصوم عنها فيه تردد أقربه لا يجوز لان الكفارة وإن كانت عنها إلا إنه بالاكراه تحملها وكان الاعتبار بقدرته
أقول والأقرب خلاف ما قربه (ره) لان المتبادر من تحمله كفارتها على ما هو المفروض تحمل نفس ما يجب عليها وأصل البراءة أيضا يعضده
ثم قال وإن كانت هي أعلى حالا منه وجب عليه ما يقدر عليه هو ولا اعتبار بحالها أقول وذلك ظاهر إذ لا تكليف إلا على وفق القدرة
ولو نزع المجامع لما طلع الفجر من غير تلوم فلا شئ عليه من القضاء والكفارة لاتيانه بما كلف به من غير تفريط ولأن ذلك تركا للجماع فلا
يتعلق به حكم الجماع كما لو حلف أن لا يدخل بيتا وهو فيه فخرج منه وقال بعض الجمهور يجب الكفارة لان النزع جماع يلتذ به فيتعلق به ما
يتعلق بالاستدامة كالايلاج والجواب إن البحث فيما لو نزع غير متلذذ ولو فرضنا لزوم قدر منه للنزع المأمور به فلا يوجب شيئا إن لم يعضده
ثم إن ما ذكرناه مشروط بإرصاده قبل الاشتغال وحصول ظنه بسعة الوقت لايقاعه والغسل ثم ظهر خلافه وإلا فإن ظن الضيق واشتغل
فيجب عليه القضاء والكفارة لافساده للصوم بالجماع أو البقاء على الجنابة متعمدا وخالف أبو حنيفة في وجوب الكفارة لان وطيه لم يصادف
صوما صحيحا فلم يوجب الكفارة وضعفه ظاهر وإن لم يكن الضيق مظنونا له ولم يرصد فيجب عليه القضاء خاصة على ما سيجئ بعد هذا من قوله
ويجب القضاء خاصة بتناول المفسد ظانا بقاء الليل ولما يرصد ولو استدام كفر وقضى لصدق الجماع وظهور عدم اختصاصه بالايلاج
وكذا لو نزع بنية الجماع وقصد التلذذ بتقريب ما تقدم ويتعلق الكفارة بتناول غير المعتاد من المأكل والشرب خلافا للمرتضى أسقط
القضاء أيضا وقد مر البحث عن هذه المسألة مفصلا في ذكر التروك المعتبرة في الصوم ونقل السيد المرتضى وجوبه أي القضاء خاصة حيث
403

قال بعد حكمه بأن الأشبه ينقص الصوم ولا يبطله وقالوا في اعتماد الحقنة وما تيقن وصوله إلى الجوف من السعوط وفى اعتماد القئ وبلع الحصى إنه
يوجب القضاء من غير كفارة فالمذاهب في تناول غير المعتاد ثلاثة وجوب القضاء والكفارة معا ووجوب القضاء خاصة وسقوطهما معا ولا
تسقط الكفارة الواجبة بفعل موجبها في الصوم بعروض الحيض والنفاس والمرض والجنون والسفر الضروري وبالجملة لا تسقط بعروض مسقط الصوم شرعا
بغير اختياره بعد ذلك في أثناء النهار على الأشبه وأما عدم سقوطها بعروض المسقط الاختياري كالسفر الغير الضروري فبطريق أولى والظاهر من عبارة
المصنف (ره) عدم الخلاف فيه ولكن الذي يظهر من كلامهم الاتفاق على عدم سقوطها إذا كان الباعث على السفر والغرض منه إسقاطها ويدل عليه أيضا ما أورد
في حسنة حريز في الكافي قال فقال زرارة ومحمد بن مسلم قال أبو عبد الله (عليه السلام) أيما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه قلت له فإن وهبه
قبل حله بشهر أو بيوم قال ليس عليه شئ أبدا قال وقال زرارة عنه إنه قال إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته ثم خرج في آخر النهار
في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه وقال إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ولكنه لو كان وهبها قبل
ذلك لجاز ولم يكن عليه شئ بمنزلة من خرج ثم أفطر ومتن هذا الخبر وإن كان فيه تشويش والظاهر كما ذكر في المنتقى سقوط مرجع الإشارة التي في قوله
إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان عنه ولكن دلالته على ما ذكرناه واضحة وفى أصل المسألة قولان أحدهما عدم السقوط اختاره الشيخ
وكثير كابن الجنيد والمحقق والعلامة في المنتهى وجمع من المتأخرين وقال الشيخ في الخلاف إذا وطئ في أول النهار ثم مرض أوجن في آخره لزمته الكفارة
ولم تسقط عنه ثم قال دليلنا إجماع الفرقة وأيضا اشتغلت ذمته بالكفارة حين الوطئ بلا خلاف واسقاطها يحتاج إلى دلالة والقول الاخر السقوط
نقله المحقق عن بعضهم واختاره العلامة في أكثر كتبه فقال في المختلف وقيل بالسقوط وهو الأقرب عندي إن كان المسقط من قبل الله تعالى كالحيض
والمرض والاغماء والجنون أو من قبله وإن كان باختياره لا لذلك كالسفر أما لو كان غرضه من فعل المسقط اسقاط الكفارة فلا كما لو أفطر ثم خرج
إلى السفر لاسقاطها فإن الكفارة لا تسقط عنه لنا إن هذا اليوم غير واجب صومه عليه في علم الله تعالى وقد انكشف لنا ذلك بتجدد العذر فلا
يجب فيه الكفارة كما لو انكشف أنه من شوال بالبينة أقول وأنت خبير بأن عدم وجوب إتمام صيام هذا اليوم في علم الله تعالى بل وفى علم المكلف كما إذا
جزم بالسفر واشتغل بالخروج وقرب وصوله إلى حد الترخص أو ظهر إمارات مجيئ الحيض أو وضع الحمل أو أخبر المعصوم بتجدد أحد الاعذار له قبل الغروب
لا ينافي وجوب مراعاة الصوم وحرمة الافطار عليه في اليوم إلى وقت طريان العذر وحصول المسقط وعدم تبعض الصوم شرعا معناه عدم تكليف
الشارع ابتداء بصوم بعض النهار ولا يقتضى ذلك عدم تكليفه للسالم عن الاعذار في اليوم الذي أوجب صيامه بالامساك والكف عن المفطرات
إلى وقت تجدد العذر وظهوره كيف لا وهم مطبقون على حرمة الافطار على العازم المشتغل بالسفر قبل وصوله إلى حد الترخص وعلى المرأة
قبل مجئ الدم وليس معنى حرمة الافطار إلا وجوب الامساك والصيام وإذا كان الافطار محرما فيأثم المكلف بالاتيان به فما المانع عن وجوب
الكفارة عليه لاسقاط هذا الاثم أو تخفيفه واختصاص الكفارة بإثم الافطار في الصيام الذي يجب اتمامه في الواقع شرعا إلى الليل غير
ظاهر من الأخبار الواردة في الامر بها كما مر ذكرها بل هي شاملة بإطلاقها لكل من أفطر في نهار شهر رمضان من غير عذر ولذا قال الشيخ (ره)
اشتغلت ذمته بالكفارة حين الوطئ بلا خلاف لان ذلك الوفاق ليس إلا لشمول الاخبار المتضمنة للامر بالكفارة له ولو كان الامر كما ذكره العلامة
فلا وجه لما قاله من أن من أفطر ثم خرج إلى السفر لاسقاطها فإن الكفارة لا تسقط عنه لبعد الحكم بكونه عاصيا بسفره باعتبار هذا القصد ويشكل الحكم
بحرمة الافطار عليه مع الاطلاقات الواردة في أمر المسافر بالافطار فهو أيضا ممن علم الله تعالى عدم وجوب صوم هذا اليوم عليه وقد انكشف
لنا ذلك بتجدد العذر فلا يجب فيه الكفارة فقد ظهر أذن إن الرواية الحسنة مؤيدة لما ذهب إليه الشيخ وقياسه على من أفطر ثم انكشف إن
اليوم من شوال بالبينة فغير جيد لظهور الفرق باعتبار اختصاص الأخبار الدالة على وجوب الكفارة بالمفطر في نهار رمضان وقد بينا
في هذه الصورة أن اليوم ليس من رمضان فكيف يحكم عليه بوجوب الكفارة باعتبار أنه كان منه ظاهرا وقت الافطار قيل ويظهر من كلام العلامة
والشهيد الثاني أن سقوط الكفارة لو أفطر ثم ظهر أن اليوم من شوال متفق عليه بين الأصحاب فإنهما استدلا بذلك فلا بد أن يكون أمرا مسلما
عند الجميع أقول ولكن يأبى عن ذلك ما ذكره الشهيد الثاني في طي مسألة الافطار للظلمة الموهمة حيث قال لو أفطر وظهر بعد ذلك أن الليل
قد دخل وقت التناول ففي سقوط القضاء والكفارة احتمال وذكر وجه السقوط ووجه عدم السقوط ثم قال والوجهان يأتيان فيمن أفطر
في يوم يعتقده من شهر رمضان ثم تبين أنه العيد ثم ذكر صورا أخر ثم وجه السقوط في الجميع فتدبر ثم قال العلامة في المختلف احتج الشيخ بأنه أفسد
404

صوما واجبا في رمضان بفعل المفطر فاستقرت الكفارة كما لو لم يطرء العذر والجواب المنع من وجوب الصوم
في نفس الامر وعندنا وكونه مكلفا في
الابتداء بالصوم ظاهرا لا يقتضى وجوبه في نفس الامر فأنا بينا عدم الوجوب وإلا لزم التكليف بالمحال فإنه في أول هذا اليوم لو كان مكلفا بالصوم
المشروط بالطهارة مع تعذر حصولها لزم التكليف بالمحال والاجماع الذي ذكره الشيخ لم يثبت عندنا انتهى أقول وبما ذكرنا ظهر اندفاع
جوابه عن احتجاج الشيخ لان التكليف بالمحال إنما يلزم لو كلف بإتمام صيام هذا اليوم ولا يلزم لاتمام احتجاج الشيخ القول به بل يكفي فيه وجوب
الامساك والكف عن الافطار إلى وقت تجدد أحد الاعذار وذلك الوجوب ما لا مانع منه بل هو ما اتفقوا عليه كما يظهر من كلامهم
على ما عرفت وقد ظهر وجه الكفاية مما ذكرنا مفصلا وقال صاحب المدارك ذكر العلامة ومن تأخر عنه أن مبنى هذه المسألة على قاعدة
أصولية وهي أن المكلف إذا علم فوات شرط الفعل هل يجوز أن يكلف به أو يمنع فعلى الأول يجب الكفارة وعلى الثاني تسقط وعندي
في هذا البناء نظر إذ لا منافاة بين الحكم بامتناع التكليف مع علم الامر بانتفاء الشرط كما هو الظاهر وبين الحكم بثبوت الكفارة هنا لتحقق الافطار
في صوم واجب بحسب الظاهر كما هو واضح انتهى أقول من المعلوم إن بناء قول من يجوز التكليف بالمشروط مع علم الامر بانتفاء الشرط ليس على جواز التكليف
بالمحال بل على أن التكليف بحسب الظاهر لفوايد يترتب عليه من دون إرادة المكلف به أو على أن التكليف به إلى وقت تجدد العذر وإن لم يتم الفعل ففي
الحقيقة يرجع إلى التكليف بالاشتغال به والآتيان ببعضه الذي يتسعه الوقت إلى حين فوات الشرط بتجدد العذر فما ذكره (ره) من الحكم بثبوت الكفارة
هنا إذ لا مخالفة حينئذ للامر أصلا حتى يحتاج إلى الكفارة والكفارة الواجبة في إفطار صوم رمضان بالمفطرات المعدودة على الشروط المذكورة عتق
رقبة وسيجئ بيان شرطها أو صيام شهرين متتابعين وسيذكر بعد ذلك معنى التتابع أو إطعام ستين مسكينا وسيأتي ذكر قدره وبيان كيفيته أما
كون الخصال هذه فبالاتفاق وأما التخيير بينها فعليه الأكثر كالمفيد وابني بابويه وابن الجنيد والشيخ في أكثر كتبه وتردد في الخلاف والسيد المرتضى
في أحد قوليه وأبى الصلاح وسلار وابن البراج وابن إدريس والمحقق والعلامة وجمع من المتأخرين ويدل عليه أن الأصل براءة الذمة من الترتيب وما تقدم
ذكره في أول الدروس في البحث عن وجوب الكفارة من الروايات كرواية أبو هريرة لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله (عليه السلام) وصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) وموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله بابان عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد مر البحث
منا عن هذه الروايات مفصلا وأورد العلامة في المختلف على الاحتجاج بخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله أن في سنده أبان بن عثمان الأحمر وكان ناووسيا
وأجاب بأن أبان وإن كان ناووسيا إلا أنه كان ثقة وقال الكشي أنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح نقله عنه والاجماع حجة قاطعة ونقله بخبر الواحد
حجة أقول وهذا الجواب منه (ره) يشعر بحمله الاجماع في هذا الكلام على الاجماع المصطلح أي اتفاق جمع دخل فيهم الإمام (عليه السلام) وبعده ظاهر جدا
بل المراد به اتفاق المتقدمين من المجتهدين الباحثين عن الاخبار العارفين بحال الرجال الناقلين للآثار ثم الظاهر أن المراد بهذه العبارة أنهم
اتفقوا على أن اشتمال سند الخبر على هذا الرجل لا يخل بصحته إن كان باقي الرجال عد ولا بل هو في حكم الصحيح عندهم وإن كان هذا الرجل فاسد المذهب
ويحتمل على بعد أن يكون المراد الاتفاق على صحة سند الخبر باعتبار نفسه من كان فوقه أيضا إلى أن ينتهى إلى الإمام (عليه السلام) في خصوص ما يرويه عنهم أو
مطلقا حتى يكون روايته دليل عدالة المروى عنه والأخير بعيد جدا ومع قطع النظر عن البعد لا يفيد مع قيام الاحتمال ويدل على التخيير أيضا ما رواه
سماعة بن مهران في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن معتكف واقع أهله قال عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا عتق رقبة أو صوم
شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وقال الحسن بن أبي عقيل والمرتضى في أحد قوليه مرتبة فيجب العتق أولا ومع العجز عنه الصيام ومع العجز عنه الاطعام
والدليل على الترتيب الاحتياط وإن شغل الذمة بالكفارة معلوم ومع عدم مراعاة الترتيب لا يحصل يقين البراءة فتبقى في العهدة ويدل عليه
أيضا من الأخبار المتقدمة ما رواه سعيد ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وآله وما رواه أبو هريرة عنه صلى الله عليه وآله وما رواه عبد المؤمن بن القاسم
الأنصاري عن أبي جعفر (عليه السلام) وما رواه المشرقي عن أبي الحسن (عليه السلام) والجواب عن الأول بأن الاحتياط معارض بأصالة براءة الذمة وعن الثاني
بأن القدر المعلوم من الشرع اشتغال الذمة بأحدها ومع الاتيان بواحد منها يحصل يقين البراءة مما علم اشتغال الذمة به والحكم بشغل الذمة
بالزايد يحتاج إلى دليل لم يوجد وقد تقدم الكلام على الاخبار مع إمكان حمل الترتيب الذي يستفاد منها ظاهرا على الاستحباب ليحصل الجمع
405

بين الاخبار ولو حمل على الوجوب يلزم طرح الأخبار الدالة على التخيير صريحا ومن العجب أن العلامة (ره) في المختلف ذكر في أدلة القول بالتخيير خبر عبد
الرحمن بن أبي عبد الله الدال ظاهرا على وجوب الاطعام وذكر في أدلة القول بالترتيب خبر جميل بن دراج مع صراحته في التخيير وأوله لا يدل إلا على
وجوب الصدقة كخبر جميل ولو أفطر على محرم بالأصالة أو بالعارض كزنا أو مال محرم وجبت الثلاثة المذكورة جمعا على الأقرب وإليه ذهب الصدوق وابن
حمزة وهو ظاهر الشيخ في كتابي الاخبار والمشهور خلافه حجة ما قربه المصنف ما تقدم من رواية عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا (عليه السلام) وقد مر
البحث عن سندها وقال المحقق (ره) في المعتبر بعد نقل هذه الرواية ولم يظهر العمل بهذه الرواية بين الأصحاب ظهورا يوجب العمل بها وربما حملناها
على الاستحباب ليكون آكد في الزجر أقول ويؤكد الرواية ما قاله الصدوق في الفقيه بعد نقله للرواية الدالة على الكفارة الواحدة وأما الخبر الذي
روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا إن عليه ثلاث كفارات فإني أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه لوجود ذلك في روايات
أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري انتهى. والشيخ الجليل أبو جعفر العمري من وكلاء الناحية المقدسة فالظاهر اتصال
ذلك بالقائم (عليه السلام) فالمصير إليه راجح مع ما فيه من مراعاة الاحتياط وربما قيل يؤيد هذه الرواية أيضا ما رواه سماعة بسند فيه
عثمان بن عيسى قال سئلته عن رجل أتى أهله في رمضان متعمدا فقال عليه عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا وصيام شهرين متتابعين وقضاء ذلك
اليوم وأنى له مثل ذلك وذلك لان ظاهر هذا الخبر وجوب الثلاثة لاتيان الأهل وحيث لا يمكن القول به مطلقا فيحمله على من أتى أهله في وقت
لا يحل له ذلك في غير الصوم مثل الوطئ في الحيض أو في حال الظهار قبل الكفارة أقول بعد هذا التأويل واضح جدا وهو أحد تأويلي الشيخ لهذا الخبر
ولعل الأقرب تأويله الاخر أي حمل الواو على التخيير دون الجمع كما قال الله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وإنما أراد مثنى أو ثلاث
أو رباع ولم يرد الجمع ويمكن الحمل على الاستحباب أيضا كما قاله المحقق في الخبر السابق وحجة القول أي وجوب الكفارة الواحدة مطلقا أصل براءة
الذمة والأخبار المتقدمة الصحيحة وغيرها الدالة على الكفارة الواحدة من غير استفصال ولو عجز في صورة الافطار بالمحرم عن بعضها كالعتق مثلا ففي
وجوب بدله حتى يجب عليه صيام أربعة أشهر مثلا نظر باعتبار سقوط التكليف بالعتق للعجز إذ لا تكليف بما لا يطاق والأصل براءة الذمة عن وجوب
أمر آخر ولأجل أن الصيام بدل عنه شرعا فيثبت مع العجز عنه ووجوب الصايم عليه أصالة فيما نحن فيه لا يمنع عن وجوبه بدلا أيضا ولكن الكلام في
تحقق دليل شرعي يدل على وجوبه بدلا عنه مطلقا لان الأخبار الواردة في بدليته ظاهرة في التخيير بين الخصال أو الترتيب المفقودين ههنا نعم لو عجز
عن الجميع صام ثمانية عشر يوما أو تصدق بما يطيق كما سيأتي في الدرس الآتي من اختيار المصنف (ره) ذلك للجمع بين الروايتين وإن كان الأول أشهر ويجب القضاء
خاصة من غير كفارة بتناول المفسد ظانا بقاء الليل بحكم الاستصحاب أو لامارة غير شرعية يعضدها الاستصحاب كالظلمة الظاهرة في الهواء
أو تخمين مضي الزمان ونحوهما ويخدش الأول قوله بعد ذلك لاعتضاد ظنه بالأصل هناك الثاني أنه يدل على وجوب الكفارة لو أفطر بمجرد الاستصحاب
من غير مراعاة ولا إمارة والقول به لا يخلو عن إشكال ولما يرصد قبل التناول مع القدرة على الارصاد وملاحظة العلامات الشرعية لعرفان الفجر ثم
تبين خلاف ظنه ووقوع التناول بعد طلوع الفجر وتركه المصنف للظهور وإشعار لفظ تناول المفسد به فأما مع عدم تبين الخلاف أو مع الارصاد أو مع عدم
القدرة عليه لغيم أو حبس أو عمى حيث لا يجد من يقلده فلا قضاء أيضا لعدم ظهور ما يوجبه على الأول وعدم تفريطه على الثاني بل على الثالث لتعبده بظنه
مع اعتضاده باستصحاب الليل وقد قال الله تعالى ثم كلوا واشربوا حتى يتبين لكم ومقتضى ما ذكره وإن كان عدم وجوب القضاء في الصورة المفروضة في
المتن أيضا ولكن تفريطه بترك المراعاة وعدم إتيانه بالمأمور به والأخبار الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) لم يدل على وجوبه كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه سئل عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين فقال يتم صومه ذلك ثم ليقضه وإن تسحر في غير شهر رمضان بعد طلوع الفجر أفطر ثم قال أن أبي
كان ليلة يصلي وأنا آكل فانصرف فقال أما جعفر فقد أكل وشرب بعد الفجر فأمرني فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان وقوله (عليه السلام) وإن تسحر في غير
شهر رمضان أي إذا لم يتعين صومه على الخصوص بسبب وهو ظاهر ثم إن قول السائل تسحر ثم خرج من بيته محمول على التسحر قبل المرعاة كما هو الظاهر ليترتب
عليه حكمه (عليه السلام) بوجوب القضاء فلا يبعد ادعاء ظهور أن المراد بالتسحر في قوله (عليه السلام) وإن تسحر رمضان هذا التسحر كما يشعر به ما ذكره
من قصته مع أبيه لعدم جواز خطأه (عليه السلام) مع المراعاة فلا يقتضي ذلك الحكم بفساد الصوم في غير شهر رمضان بتناول المفطر بعد طلوع الفجر سواء
كان الصوم واجبا أو مندوبا وسواء كانت التناول مع المراعاة أو بدونها كما ذكره في المدارك ورواية سماعة بن مهران وفي سندها عثمان بن
عيسى قال سألته عن رجل أكل وشرب بعدما طلع الفجر في شهر رمضان فقال إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه وإن كان
406

قام فأكل وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع فليتم صومه ويقضي يوما آخر لأنه بدء بالاكل قبل النظر فعليه الإعادة وليس في الخبر اعتبار شئ يفيد الظن
ببقاء الليل سوى الاستصحاب كما ترى وترك ذكر الكفارة في هذين الخبرين والأخبار الآتية يدل على سقوطها مع أصالة البراءة وجواز الافطار و
عدم الاثم للاستصحاب وقال أحد من علماء الجمهور إذا جامع بظن أن الفجر لم يطلع وتبين له أنه كان طالعا وجب عليه القضاء والكفارة مطلقا ولم يعتبر
المراعاة واستدل بأن النبي صلى الله عليه وآله أمر المجامع بالتكفير من غير تفريق ولا تفصيل ولأنه أفسد صوم رمضان بجماع تام فوجبت عليه الكفارة
كما لو علم وضعفه ظاهر لأنه (عليه السلام) إنما أمر المجامع بالكفارة للهتك ولهذا شكى الرجل من كثرة الذنب كما تقدم وشدة المؤاخذة إنما يكون مع
قصد الافطار فلا تناول صورة النزاع والفرق بين العلم والجهل واضح بالهتك والاقدام على مخالفة الامر عمدا في صورة العلم ولو تم ذلك
لدل على وجوب الكفارة فيما يفسد الصوم غير الجماع أيضا لو أتى به ثم تبين أن الفجر كان طالعا وكان وجه تخصيصه أنه لا يقول بوجوب الكفارة في إفساد
الصوم بغير الجماع مطلقا والحكم ما ذكرناه سواء أخبره غيره ببقائه أو زواله أو لا لعدم العبرة شرعا بمجرد الخبر من دون إفادة العلم أو عدالة المخبر مع التعدد
ولما رواه العيص بن القاسم ووصفه في المنتهى بالصحة وفي الطريق محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل خرج
في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت فنظر إلى الفجر فناداهم فكف بعضهم وظن بعضهم أنه يسحر فأكل قال يتم صومه ويقضي وهذا الخبر إن أفاد عدم
وجوب الكفارة باعتبار ترك ذكرها فإنما يفيد في صورة ظن السامع بكذب المخبر فأما ظن الصدق أو الشك فلا يظهر حكمهما منه وكلام أكثر الأصحاب
كعبارة المصرة غير تام في تنقيح حكم جميع شقوق هذه المسألة ويمكن إدخال الظن في العلم الذي يذكره المصنف (ره) في الاستثناء وأما الشك فكلامه
مختل في إفادة حكمه لان أوله يشعر بوجوب الكفارة فيه كما عرفت وهذه العبارة تدل على سقوطها ويقوى القول بالسقوط بحكم الأصل حتى يد ل
دليل تام على وجوبها ولم يوجد وأمر الاحتياط واضح وما رواه معاوية بن عمار في الحسن بن إبراهيم بن هاشم
قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أمر
الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا فتقول لم يطلع فأكل ثم أنظر فأجده قد طلع حين نظرت قال تتم صومك وتقضيه أما أنك لو كنت أنت الذي نظرت
ما كان عليك قضاؤه ونفيه (عليه السلام) عنه القضاء لو كان هو الناظر ظاهره أنه باعتبار أن مع المراعاة وتبين الخطأ يسقط القضاء ويحتمل على بعد أن
يكون باعتبار بصيرته وعدم اشتباهه في تحقيق الفجر فكان هذا الكلام منه (عليه السلام) لنوع لوم وتوبيخ للسائل بأنه لأجل تفريطه في تحقيق الفجر أدخل
الخلل في عبادته وألزم على نفسه مشقة القضاء إلا أن يكون المخبر بطلوع الفجر معلوم الصدق أو عدلين فيكفر السامع مع تناوله المفسد بعد سماعه
أما في صورة العلم فوجوبها ظاهر لأنه متعمد الافطار في وقت يعلم أنه من نهار رمضان وأما في صورة أخبار العدلين فلان قولهما محكوم به شرعا
فيترتب عليه توابعه ثم أنه لو تناول المفسد مع الشك في طلوع الفجر واستمرار الاشتباه ولم يظهر المخالفة ولا الموافقة فلا قضاء عليه لان الأصل
بقاء الليل فيستصحب حكمه إلى أن يعلم زواله ولا علم مع الشك ولأن الأصل براءة الذمة فلا يصار إلى خلافه إلا بدليل وفقده ظاهر مع ما
عرفت من اعتبار تبين الفجر في الآية الكريمة واعتبار أذان أم مكتوم فيما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم
وكان رجلا أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحت وكذا يجب القضاء خاصة لو أفطر لظن لدخول الليل لظلمة عرضت لغيم أو قتام ونحوهما مع قدرته
على المراعاة وملاحظة الامارات الشرعية للغروب ثم تبين الخطأ ووقوع الافطار في النهار بل ولو استمر الاشتباه ولم يظهر وقوعه في الليل
بخلاف ما لو ظهرت الموافقة فإنه لا قضاء وكذا من لم يقدر على المراعاة فلا قضاء عليه وإن ظهرت المخالفة واعلم أن الأصحاب اختلفوا في حكم
هذه المسألة فقال المفيد (ره) ومن ظن أن الشمس قد غابت لعارض من الغيم أو غير ذلك فأفطر ثم تبين أنها لم تكن غابت في تلك الحال وجب عليه
القضاء لأنه انتقل عن يقين النهار إلى ظن الليل فخرج عن الفرض لشك وذلك تفريط منه في الفرض وظاهر هذا الكلام منه (ره) أنه يقول بوجوب
القضاء خاصة للافطار بالظن مطلقا مع تبين الخلاف من غير فرق بين قوة الظن وضعفه وكذا بين القدرة على المراعاة وعدمها ولا يظهر منه
حكم الافطار للشك أو الوهم وكذا الظن مع استمرار الاشتباه والمراد بالشك في كلامه (ره) مقابل العلم وقال الشيخ في المبسوط في طي ذكر ما يوجب القضاء
دون الكفارة وكذلك الافطار لعارض يعرض في السماء من ظلمة ثم تبين أن الليل لم يدخل وقد روي أنه إذا أفطر عند إمارة قوية لم يلزمه القضاء
وهو أيضا مثل كلام المفيد ويظهر منه حمل الرواية الدالة على سقوط القضاء في صورة الافطار مع ظن دخول الليل على الظن القوي إلا أن يقال
وصفه الامارة بالقوة لحصول الظن وإخراج الشك فإنه أيضا إنما يحصل لامارة وحكم المحقق (ره) في المعتبر بأولوية قول المفيد وقواه العلامة
في المنتهى ومال إليه في المختلف ونسبه إلى السيد المرتضى وسلار وأبي الصلاح وقال الصدوق في الفقيه بعد نقل الأخبار الدالة على عدم وجوب
407

القضاء وبهذه الاخبار أفتى بالخبر الذي أوجب القضاء عليه لأنه رواية سماعة بن مهران وكان واقفيا والظاهر منه أنه يقول في
صورة الظن بعدم وجوب القضاء مطلقا عكس ما قال المفيد من وجوبه مطلقا وقال الشيخ في النهاية ومن شك في دخول الليل لوجود عارض
في السماء ولم يعلم بدخول الليل ولا غلب على ظنه ذلك فأفطر ثم تبين بعد ذلك أنه كان نهارا كان عليه القضاء فإن كان قد غلب على ظنه
دخول الليل ثم تبين أنه كان نهارا لم يكن عليه شئ وقريب منه قوله في التهذيب وهو أيضا مثل قول الصدوق ظاهرا بعدم وجوب القضاء في
الظن مطلقا ويفهم منه أنه يقول بوجوب القضاء خاصة في صورة الشك بل ولا يبعد فهم الفرق منه بين قوة الظن وضعفه مع اشتراك الضعيف
للشك في الحكم بقرينة لفظة غلب مع وصفه في المبسوط الامارة بالقوية كما عرفت ولقد فصل ابن إدريس فقال من ظن أن الشمس قد غابت لعارض
يعرض في السماء من ظلمة أو قتام ولم يغلب على ظنه ثم تبين الشمس بعد ذلك فالواجب عليه القضاء دون الكفارة فإن كان مع ظنه غلبة
قوية فلا شئ عليه من قضاء ولا كفارة لان ذلك فرضه لان الدليل قد فقد فصار تكليفه في عبادته غلبة ظنه فإن أفطر لا عن إمارة ولا عن ظن
فيجب عليه القضاء والكفارة ويفهم منه الفرق بين ضعف الظن وقوته في الحكم مع فرض المسألة في صورة عدم القدرة على المراعاة وأوجب على الافطار
مع الشك القضاء والكفارة وأما المصنف فقد فرض المسألة في صورة القدرة على المراعاة فإن مع عدم القدرة عليها لا مجال للقول بوجوب القضاء
لأنه متعبد بظنه وفرق في هذه الصورة بين تحقق المراعاة وعدم تحققها فحكم في صورة عدم تحققها بوجوب القضاء خاصة جزما وفي صورة
تحققها على الأشهر وفيه أن التعبد بالظن لا ينافي وجوب القضاء عند تبين الخلاف كمن صلى بظن الطهارة ثم تبين أنه كان محدثا فإنه يجب
عليه إعادة الصلاة نعم ينافي الاثم وعدم الاثم لا يوجب عدم القضاء كما قال في صور المراعاة وتبين الخطأ بوجوب القضاء مع عدم مجال
توهم الاثم في الافطار في هذه الصورة ويحتمل أن يكون نظره في اشتراط القدرة على المراعاة إلى الجمع بين الاخبار أو إلى العمل بالاخبار الدالة على عدم وجوب القضاء
لكثرتها وإن لم يمكن الجمع فلا يرد عليه ما ذكرتم من أن منشأ الاختلاف في تلك المسألة تعارض الاخبار والأدلة ظاهرا فمن قال بوجوب
القضاء خاصة مطلقا كالمفيد ومن قال بقوله نظر في وجوب القضاء إلى صراحة قوله تعالى ثم أتموا الصيام إلى الليل في وجوب إتمام الصيام إلى دخول
الليل مع ما وقع عليه من الاجماع وورد على وفقه من الآثار وقد ظهر فيما نحن فيه خلافه وتبين عدم الاتمام الامتثال بتناول ما يفسده
عمدا فيجب عليه لو فاقهم على وجوبه على كل مكلف أفسده عمدا وقت الأداء ولو ورد الآثار بذلك أقول وفي دخول هذا المتناول
في العامد الذي انعقد الاجماع على وجوب القضاء عليه ووردت الآثار به تأمل وإلى ما رواه الكليني في الصحيح عن سماعة وأبي بصير عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنه الليل فأفطر بعضهم ثم أن السحاب إنجلى فإذا
الشمس فقال على الذي أفطر صيام ذلك اليوم إن الله عز وجل يقول فأتموا الصيام إلى الليل فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنه
أكل متعمدا وقد رواه أيضا بسنده عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال سئلته إلى اه وقوله (عليه السلام) على الذي أفطر صيام ذلك اليوم أي
قضائه وكان نقل الآية الكريمة بالمعنى وفي التهذيب ثم أتموا الصيام إلى الليل والمراد بالتعمد في قوله (عليه السلام) لأنه أكل متعمدا مقابل النسيان
والاكراه وإن كان مع الجهل بوجود النهار باعتبار الشبهة العارضة والتعمد الذي يوجب الكفارة ما كان مع العلم بوجود النهار ولذلك
لم يحكموا بوجوب الكفارة هنا لان الأخبار الدالة على وجوب الكفارة إنما يدل على وجوبها على من تعمد الافطار في نهار شهر رمضان
كما عرفت وشمولها للجاهل بالنهار غير ظاهر مع أن حكمها على خلاف الأصل ومن قال بعدم وجوب القضاء مطلقا كالصدوق ومن اختار رأيه
تمسك بمقتضى الأصل فإن القضاء فرض مستأنف فلا يثبت إلا مع قيام الدليل عليه وبما رواه زرارة في الصحيح قال قال أبو جعفر (عليه السلام) وقت
المغرب إذا غاب القرص فإن رأته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا وما
رواه أيضا زرارة في الصحيح قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن وقت إفطار الصائم قال حين تبدو ثلاثة أنجم وقال الرجل ظن إن الشمس قد غابت
فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك قال ليس عليه قضاؤه وما رواه أبو الصباح الكناني قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صام ثم ظن أن
الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ثم أن السحاب إنجلى فإذا الشمس لم تغب فقال قد تم صومه ولا يقضيه وما رواه زيد الشحام عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في رجل ظن أن الليل قد كان وإن الشمس قد غابت وكان في السماء سحاب فأفطر ثم أن السحاب إنجلى فإذا الشمس لم تغب فقال تم
صومه ولا يقضيه وما استمسك به الفريقان من الاخبار التي ذكرناها لا يخلو عن شئ أما الخبر الأول فلاشتمال سنده الأول على محمد بن عيسى عن
408

يونس وسماعة وأبي بصير وفي الكل كلام وسنده الثاني على عثمان بن عيسى ولا نص على توثيقه مع فساد مذهبه وعلى سماعة وقد عرفته وأما الخبر الثاني
فلعدم صراحته في عدم وجوب القضاء إذ ليس يلزم من مضى الصوم عدم القضاء وكذا لا صراحة له في أن الحكم بمضي الصوم للمفطر مع الظن أو الجزم و
على الثاني لا يفيد مطلوبهم وأما الخبر الثالث فلاشتمال سنده على أبان وفيه كلام كما عرفت وقال العلامة في المختلف في القدح في هذه الرواية في
طريقها أبان وإن كان هو ابن عثمان ففيه قول أقول وهذا لا يوافق ما نقلنا عنه سابقا في تحت خصال الكفارة فتذكر ولاشتمال متنه على اعتبار ظهور
ثلاثة أنجم في وقت الافطار وقد نقلنا سابقا عن الشيخ أنه قال أنا لا نعتبر ذلك وإنما يعتبره أصحاب أبي الخطاب لعنه الله وأما الخبران الأخيران ففي
غاية ضعف السند والشيخ في التهذيب جمع بين هذه الأخبار بحمل خبر سماعة على الشك والاخبار الباقية على الظن أقول وبعد لفظ خبر سماعة عن
الحمل على الشك غير خفي ولعل حمله على الظن ضعيف ألصق بلفظة رأوا فتحمل الاخبار الباقية على الظن القوي الغالب ويرجع إلى ما ذهب إليه ابن إدريس
وقال العلامة في المختلف واعلم أن قول ابن إدريس (ره) في غاية الاضطراب لأنه أوجب القضاء مع الظن وأسقطه مع غلبته ومنشأ خياله ما وجده في كلام شيخنا
أبي جعفر (ره) أنه متى غلب على ظنه لم يكن عليه شئ فتوهم أن غلبة الظن مرتبة أخرى راجحة على الظن ولم يقصد الشيخ ذلك فإن الظن هو رجحان أحد الاعتقادين
وليس للرجحان مرتبة محدودة يكون ظنا وأخرى تكون غلبة ظن ثم قوله إن أفطر لا عن إمارة ولا ظن وجب عليه القضاء والكفارة خطأ لأنه لو أفطر مع
الشك لوجب عليه القضاء خاصة فهذا كله من كلام من لا يتحقق شيئا إنتهى أقول وأنا أظن أن كلام ابن إدريس ليس بهذه المرتبة من الاضطراب إذ الظاهر
أن منشأ خياله الجمع بين الاخبار وقد عرفت أن الجمع بنحو ما ذكره أقرب بلفظ الخبر مما ذكره الشيخ في مقام الجمع وأما أن ابن إدريس لا يعمل بالاخبار الآحاد فكلام آخر لان العمل بها ظاهرا
في فتاويه كثير ولا سبيل لنا إلى تحصيل ضابطته في العمل بالاخبار ولو كان منشأ خياله قول الشيخ أيضا فلا يمكن الجزم بأنه وهو لما بينا أن كلامه في النهاية
يحتمل ذلك ويمكن حمل كلام المحقق في الشرائع أيضا على ذلك حيث قال في عد ما يوجب القضاء خاصة والافطار للظلمة الموهمة دخول الليل فلو غلب على
ظنه لم يفطر وما أورده من أن الظن هو رجحان أحد الاعتقادين وليس للرجحان مرتبة محدودة تكون ظنا وأخرى تكون غلبة ظن ففيه أن مدار أمثال
هذه الأمور على الاطلاقات العرفية وليس المناط التدقيقات العقلية وعدم تحديد مراتب الظن وقبوله للقسمة إلى غير النهاية من الاحكام العقلية وأما
أهل العرف فيحدونه بنحو من التعيين الشائع عندهم في أمثال ذلك واستعمال قوة الظن وضعفه وغلبته ونقصه ومتاخمته للعلم بعده عنه في محاورات
أهل العرف ومكالماتهم وأخبارهم وشهاداتهم أزيد من أن يشك فيه أحد ولا ريب في أن المتكلم يقصد مما يقوله معنى شايعا والسامع يفهمه ولو قال أحد إني
أظن أن الامر كذا ظنا غالبا أو ضعيفا لا ينسبه أحد من السامعين سواء كان في غاية جودة الذهن أو نهاية البلادة إلى قصور في التكلم أو نقص في الإفادة
فضلا عن الحكم بالبطلان أو العد من باب الهجر والهذيان وهل ذلك إلا لشيوع نحو من التعيين عندهم فما المانع من إناطة الحكم الشرعي بذلك أليس نظير ذلك
في كثير من الاحكام كضبط كثرة المال وقلته وطبقات الملي والمتوسط والفقير وضبط تحمل المشقة وعدم تحملها عادة وغيرها مما لا يحصى ثم جزمه بأن
إيجاب الكفارة على من أفطر مع الشك وتبين الخلاف خطأ فعجيب منه (ره) لأنه في المنتهى تردد أولا في وجوب الكفارة على من أفطر مع الشك واستمر الاشتباه و
ذكر منشأ التردد ثم حكم بأن الأقرب عدم الوجوب فكيف يمكنه الجزم بخطأ من قال بوجوبها مع تبين الخلاف وأما ما يفهم من كلام المصنف في الجمع بين الاخبار
من حمل خبر سماعة على من قدر على المراعاة وتركها والاخبار الباقية على من لم يقدر عليها فبعيد غاية البعد كما لا يخفى على من تأمل فيها لعدم التعرض
لحديث القدرة فيها أصلا والظاهر من غشيان السحاب الأسود كما ورد في خبر سماعة عدم القدرة على المراعاة
وبعد إحاطتك بما ذكرنا مفصلا تعرف أن الظاهر
وجوب القضاء على القادر على المراعاة مع تفريطه فيها وإخلاله في الافطار على الظلمة الموهمة ونحوها ثم تبين الخطأ كما حكم به المصرة لعدم جواز هذا
الافطار وظهور إخلاله بالصوم على الوجه الغير المأذون فيه شرعا فيلزمه القضاء ولا ظهور لشمول الأخبار الدالة على عدم وجوب القضاء له بل المتبادر
منها عدم القدرة على المراعاة كما لا يخفى وأما من لم يقدر على المراعاة فلا يبعد القول بعدم وجوب القضاء عليه كما يظهر من كلام المصنف أيضا خصوصا في صورة
قوة الظن لكثرة الأخبار الدالة عليه وعدم جواز طرحها رأسا بمجرد ظاهر خبر سماعة وأما الكفارة فساقطة في صورة الظن لما عرفت بل الظاهر من كلام
الوفاق على ذلك كما قاله في المسالك وأما الشاك فوجوب القضاء عليه ظاهر مما ذكرنا في الكفارة احتياط ولو راعى فظن دخول الليل ثم تبين الخطأ
ففي القضاء قولان أشهرهما القضاء والأظهر عدم وجوبه لعدم دليل صالح يدل عليه مع جواز إفطاره شرعا وأولويته ظاهرا بالنسبة إلى الظان الغير
القادر على المراعاة وقد حكم فيه بعدم وجوب القضاء كما هو ظاهر النصوص والفرق بينه وبين المراعي للفجر الظان لبقاء الليل حيث ظهر من قيد ولما
يرصد في كلامه عدم وجوب القضاء عليه كما شرحناه اعتضاد ظنه بالأصل الحاصل أي أصل بقاء الليل وجواز الافطار هناك أي مراعي الفجر ومخالفة الأصل
409

هنا أي فيمن راعى دخول الليل وضعف الفرق واضح لأن جواز الافطار شرعا إن كان موجبا لعدم وجوب القضاء وإن ظهر وقوعه في النهار فثبت عدم
الوجوب معه سواء كان الحكم به من وجهين أو من وجه واحد وإلا فيجب الحكم بوجوبه في الصورتين باعتبار ظهور الخطأ وتبين وقوع الافطار في النهار المستلزم
لعدم الاتيان بالمأمور به والأولى في بيان الفرق ذكر التصريح الواقع في النصوص هناك بعدم وجوب القضاء كما عرفت وعدمه هناك وكان ما ذكره المصرة لبيان سر
الحكم ولكن الاشكال في إثبات أصله كما علمت ويجب القضاء خاصة بتعمد القئ ولو ذرعه أي سبقه وغلبه بغير اختياره فلا قضاء أيضا هذا هو المشهور بين الأصحاب
ذهب إليه الحسن والشيخان وابن البراج وأبو الصلاح والمحقق والعلامة وعليه أكثر العامة أيضا ويدل عليه أنه مظنة ابتلاع ما يخرج من جوفه فكان عليه القضاء
وأنه تعمد سلوك الطعام في حلقه فأفسد صومه كالأكل وضعفهما ظاهر وما روى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال من ذرعه القئ وهو صائم فليس عليه
قضاؤه ومن استقاء فليقض وما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم
صومه وقال في الصحاح استقاء وتقيأ تكلف القئ وما رواه الحلبي أيضا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا تقيأ الصائم فقد أفطر وإن ذرعه من
غير أن يتقيأ فليتم صومه وما رواه سماعة بن مهران في الموثق قال وسألته يعني أبا عبد الله (عليه السلام) عن القئ في شهر رمضان قال إن كان شئ يذرعه
فلا بأس وإن كان شئ يكره عليه نفسه فقد أفطر وعليه القضاء وما رواه عبد الله بن بكير في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من
تقيأ متعمدا وهو صائم قضى يوما مكانه وما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) أنه قال من تقيأ متعمدا وهو صائم
فقد أفطر وعليه والإعادة فإنشاء الله عذبه وإنشاء غفر له وقال من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء وقوله (عليه السلام) فإنشاء الله عذبه وإنشاء غفر له
يشعر بعدم وجوب الكفارة كما يدل عليه الأصل وترك ذكرها في الاخبار ويحتمل أن يكون فاعل قال ثانيا أبو عبد الله (عليه السلام) وكان في ترك لفظة
أفطر والحكم عليه بمجرد القضاء إشعارا بعدم وجوب الكفارة وإن المراد بالافطار أولا محض إفساد الصوم الموجب لمجرد القضاء لا الافطار الواقع في إخبار
الكفارة ثم لا يظهر الخلاف في أن من ذرعه القئ لا يلزمه شئ إلا من ابن الجنيد فإنه قال إن كان القئ من محرم فيكون فيه إذا ذرع القضاء والكفارة ووجهه
غير ظاهر مع دلالة الاخبار بإطلاقها على خلافه وتزيدها بيانا صحيحة معاوية وفي الطريق محمد بن إسماعيل عن الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
الذي يذرعه القئ وهو صائم قال يتم صومه ولا يقضي وقال المرتضى لا قضاء بتعمده وإن أوجب نقص الصوم واختاره ابن إدريس وقال أنه محرم وقال
عبد الله بن عباس وابن مسعود أيضا بعدم وجوب القضاء والدليل عليه الأصل وإن الصوم هو الامساك عما يدخل إلى الجوف لا عما يخرج منها وما
رواه زيد بن أسلم عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يفطر من قاء أو احتجم أو احتلم وما رواه عبد
الله بن ميمون في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال ثلاثة لا يفطرن الصائم القئ والاحتلام والحجامة الحديث وقد تقدم
ذكره وما تقدم أيضا في صحيحة محمد بن مسلم من حصر ما يضر الصائم في الثلاثة والجواب عن الأول أن الأصل يعدل عنه بالدليل وقد ذكرناه من
الأخبار الكثيرة وعن الثاني بالنقض بخروج المني والحيض وبأنه نوع اجتهاد لا يعارض النص وعن الخبرين الأولين بالحمل على غير العامد جمعا وعن
الأخير بأنه عام وأحاديثنا خاصة فيكون مقدمة ثم الجمع بين الاخبار بحمل الاخبار المتضمنة للامر بالقضاء على الاستحباب على ما قيل بغير سديد للزوم
صرف كثير من الاخبار عن ظاهرها إلى محمل بعيد خصوصا ما اشتمل منها على لفظه أفطر مع اشتهار العمل بظاهرها بين الأصحاب ونقل المرتضى عن بعض
الأصحاب وجوب الكفارة مع القضاء بتعمده وتدل عليه لفظة أفطر في صحيحة الحلبي ومرسلة سماعة ورواية مسعدة بن صدقة مع ما تقدم من أن من تعمد
الافطار لزمته الكفارة وحيث دل ترك ذكرها على عدم وجوبها كما ذكرنا مع ندور القول بها بين الأصحاب وشذوذه فيحمل الافطار الوارد في
الاخبار الثلاثة على مجرد إفساد الصوم وقد ذكرنا سابقا أن المراد بالافطار في اخبار الكفارة ليس مطلق إفساد الصوم ولو ابتلع اختيارا ما
خرج منه إلى فيه بقئ أو قلس كفر لأنه ازدرد طعاما اختيارا فوجب عليه القضاء والكفارة ويحتمل وجوب الثلاث على رأي المصنف (ره) لحرمة المأكول
باعتبار خباثته خصوصا إذا استحال عن اسم الطعام واقتصر الشيخ في النهاية والقاضي ابن البراج على القضاء لان القلس بالتحريك وقيل بالسكون
هو ما خرج من الحلق ملا الفم أو دونه فإن عاد فهو القئ على ما نقله الجوهري في الصحاح عن الخليل وذكره صاحب القاموس وابن الأثير في النهاية
وقد تقدم أن تعمد القئ يوجب القضاء خاصة ولأن في رواية محمد بن سنان لا يفطر ذلك فلا ح يوجب الكفارة وهي ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح وما
وقع في المتن من محمد بن سنان فكأنه سهو قال أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشئ أيفطره قال لا قلت إن
ازدرده بعد أن صار إلى لسانه قال لا يفطره ذلك ثم الظاهر من الرواية نفي القضاء والكفارة معا في هذا الازدراد بقرينة نفيه الأولى في جواب السؤال
410

عن القلس والجواب عن الأول بأنه لا ريب في أن القئ يستعمل في خروج الطعام عن المعدة إلى الفم كما ذكره صاحب المجمل وفسر ابن الأثير التقيؤ باستخراج ما
في الجوف تعمدا ولا يعتبر فيه العود إلى الجوف بعد الخروج كما يشهد به العرف والاستعمال وتتبع أقوال الأطباء وغيرهم ويدل عليه قوله (عليه السلام)
الراجع في هبته كالراجع في قيئه وذكر الجوهري الحديث في تفسير القئ وما قاله الخليل فكأنه على أصل اللغة أو لم يرد بالعود العود إلى الجوف بل أراد
خروج الشئ بعد الشئ فإن القلس القذف يقال قلست الكأس إذا قذفت بالشراب لشدة الامتلاء والقئ ليس ذلك فإنه لو ارتفع شئ من المعدة
دفعة بسبب حركة نفخ ونحوها لا يقال له القئ بل يعتبر فيه استمرار الخروج وعن الثاني بأن تحمل الرواية على عوده بغير قصد كما هو الغالب فلا يوجب
الكفارة ولا القضاء أيضا كما هو الظاهر من الروايات على ما عرفت وقال الشيخ في التهذيب الوجه في هذا الخبر أنه إذا ازدرده بعدما صار في فمه
ناسيا فأما إذا تعمد ذلك فقد أفطر ولزمه ما يلزم المفطر متعمدا وما ذكره الشيخ من الحمل على النسيان ألصق بلقط ازدرده مما ذكره المصنف (ره) من
الحمل على عوده بغير قصد إلا أن يراد به مقابل العمد وعوده بغير قصد ظاهر موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل
يخرج من جوفه القلس حتى يبلغ الحلق ثم يرجع إلى جوفه وهو صائم قال ليس بشئ ثم إن اللايق على رأي المصنف (ره) أن يعتبر ترك تعمد القئ في جملة التروك
التي أعتبرها في الصيام أو البحث ولو ترك إيصال الغبار باعتبار دخوله في الاكل وذكر تعمد القئ لكان له وجه ويجب القضاء خاصة بسبق الماء
بغير اختياره إلى الحلق إذا تمضمض أو استنشق للتبرد أو تسكين العطش أو التنظيف أو العبث لا للطهارة وضوء أو غسلا للصلاة وإزالة النجاسة
فلو كانا لهما فلا شئ ولو ابتلع الماء عمدا فيجب القضاء والكفارة قال العلامة في المنتهى لو تمضمض لم يفطر بلا خلاف بين العلماء كافة سواء
كان في الطهارة أو غيرها ثم قال أما لو تمضمض فدخل الماء إلى حلقه فإن تعمد ابتلاع الماء وجب عليه القضاء والكفارة وهو قول كل من أوجبهما بالاكل
والشرب وإن لم يقصد بل ابتلعه بغير اختياره فإن كان قد تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه ولا كفارة وإن كان للتبرد أو للعبث وجب عليه القضاء
وهو قول علماؤنا وقال صاحب المدارك المعروف من مذهب الأصحاب جواز المضمضة للصائم في الوضوء وغيره بل قال في المنتهى ولو تمضمض لم يفطر بلا خلاف
بين العلماء كافة سواء كان في الطهارة أو غيرها وربما ظهر من كلام الشيخ في الاستبصار عدم جواز المضمضة للتبرد أقول الوفاق على عدم الافطار كما
يفهم من المنتهى لا يستلزم الوفاق على الجواز والظهر أن مراد الشيخ بعدم الجواز في الاستبصار بعدم الكراهة لأنه استدل عليه بما وقع في حديث يونس
من قوله والأفضل للصائم إلا يتمضمض ثم مراد العلامة (ره) بقوله وهو قول علمائنا الشهرة لأنه قال في الفرع الخامس من الفروع التي ذكرها
في هذه المسألة المشهور بين علمائنا أنه لا كفارة عليه إلا إذا تعمد الابتلاع ويلوح من كلام الشيخ في التهذيب وجوب الكفارة واستدل بما رواه
سليمان بن جعفر المروي وقوله يلوح من كلام الشيخ باعتبار أنه في التهذيب استدل بالرواية على وجوب الكفارة على من تمضمض لغير الصلاة ودخل
الماء حلقه وظاهر كلامه الدخول بغير الاختيار وفي الاستبصار حمل الرواية على من تمضمض للتبرد وتعمد الابتلاع فيظهر أن غرضه توجيه الرواية
بما احتملته للجمع وليس غرضه الحكم والفتوى ككثير من أقواله في الكتابين ثم قد نقل عن طائفة من علمائنا الميل إلى وجوب القضاء على من تمضمض
للصلاة المندوبة وسبق الماء إلى حلقه كما يظهر من كلام المصنف (ره) الميل إليه وهذا أيضا يدل على أن مراد العلامة الشهرة لا الاجماع والروايات
الواصلة إلينا في هذه المسألة ما رووه أن النبي صلى الله عليه وآله لما سأله عمر عن القبلة وقال صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم قال
أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم فقال لا بأس فقال فمه وما رواه حماد في الحسن عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الصائم يتمضمض و
يستنشق قال نعم ولكن لا يبالغ والمراد بالمبالغة المنفية اما في العدد أو الكيفية بإيصال الماء إلى قرب الحلق وأعلى الانف أو كليهما وما رواه زيد
الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الصائم يتمضمض قال لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات وظاهر هذه الأخبار جواز المضمضة في الصوم مطلقا وما
رواه موسى بن أبي الحسن الرازي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سئله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان قال جائز فقال بعضهم إن السواك يدخل
رطوبته في الجوف فقال ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الجوف فقال الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب فإن قال قائل لا بد من الماء
للمضمضة من أجل السنة قلنا فلا بد من السواك من أجل السنة التي جاء بها جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي صلى الله عليه وآله وهذه الرواية يفيد جوازها
للسنة وما رواه عمار الساباطي في الموثق قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم قال ليس عليه شئ إذا
لم يتعمد ذلك قلت فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء قال ليس عليه شئ قلت تمضمض الثالثة قال فقال قد أساء ليس عليه شئ ولا
قضاء وهذا الخبر يدل على جوازها ما لم يبالغ وعدم إيجابها للقضاء مطلقا وإن سبق الحلق بغير عمد وما رواه سليمان بن جعفر
411

المروي وقد سبق ذكرها في بحث إيصال الغبار وهي تدل على عدم جواز المضمضة والاستنشاق للصائم وإيجابهما القضاء والكفارة ومع ضعف
سندها وإضمارها ظاهرها خلاف ما عليه الاجماع وقد عرفت تأويلي الشيخ لها في الكتابين وما رواه سماعة بن مهران في الموثق قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه قال عليه القضاء فإن كان في
وضوء فلا بأس به وهذه تدل على ما اشتهر
بين الأصحاب وذكر المصنف (ره) وما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه فقال إن كان وضوئه
لصلاة فريضة فليس عليه شئ وإن كان وضوئه لصلاة نافلة فعليه القضاء وما رواه ريان بن الصلت عن يونس قال الصائم في شهر رمضان يستاك
متى شاء وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فليس عليه شئ قد تم صومه وإن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة
والأفضل للصائم ألا يتمضمض وهاتان الروايتان تدلان على ما نقل عن طائفة من الأصحاب ومال إليه المصنف (ره) من إيجابها القضاء مع سبق الماء إلى الحلق
إذا كانت للصلاة المندوبة والعبث بالفحوى وعدم إيجابها له إذا كانت للفريضة وأنت خبير بأنه لولا الاجماع المفهوم من كلامهم على وجوب القضاء في
الجملة لكان القول باستحبابه من ملاحظة الأصل والجمع بين هذه الأخبار قويا ولكن حينئذ فالعمل بصحيحة الحلبي أولى وأحوط وإن كان المشهور أوفق للأصل ثم المذكور
في الصحيحة حكم الوضوء ولكن الغسل وإزالة النجاسة والتداوي ليس بأزيد منه في إيجاب القضاء البتة والقول بأن المضمضة للغسل المندوب لا توجب القضاء
إن سبق وللوضوء المندوب يوجبه مستبعد جدا وأما الاستنشاق فقال العلامة في المنتهى حكم الاستنشاق حكم المضمضة في ذلك على تردد لعدم
النص فيه ونحن لا نقول بالقياس وأقول صحيحة الحلبي بإطلاقها شاملة للاستنشاق فلاوجه للفرق وقال صاحب المدارك ولا يلحق بالمضمضة الاستنشاق
في هذا الحكم قطعا فلا يجب بما سبق منه قضاء ولا كفارة بل لو قيل بأن تعمد إدخال الماء من الانف غير مفسد للصوم لم يكن بعيدا وضعف ما ذكره واضح
ومنافاة جواز التعمد في إدخال الماء إلى الحلق بالاستنشاق من الانف للمهية المعروفة من الصوم والغرض المعلوم منه بين المسلمين غير خفية وقول النبي صلى
الله عليه وآله للقبط بن صبرة وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما يدل على خلافه وفي الصلاة المندوبة رواية حسنة بالقضاء رواها الكليني في
الحسن بن إبراهيم عن حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثل ما نقلنا عن التهذيب في الصحيح عن حماد عن الحلبي عنه (عليه السلام) ويحتمل أن يكون مراد المصنف (ره) من الحسنة المعنى
اللغوي ويكره المبالغة فيه للصائم لما تقدم في مرسلة حماد المتقدمة والإسائة الواردة في موثقة عمار تحمل على الكراهة أو على أنها باعتبار عدم التحفظ
حتى سبق الماء إلى الحلق ثلاث مرات وقال يونس الأفضل ألا يتمضمض كما عرفت في رواية ريان بن الصلت عنه ولو سبق بالتداوي أو طرح شيئا في فيه لغرض
صحيح فسبق إلى الحلق فلا شئ لجواز الفعل شرعا فلا يتعقبه عقوبة ولا أولوية ولا مساواة له بالنسبة إلى المضمضة للتبرد أو العبث الموجبة للقضاء ولكن عدم
أولوية بعض الاغراض الصحيحة الضعيفة للمضمضة للصلاة المندوبة إن قلنا بإيجابها القضاء محل نظر بخلاف العبث فإنه يوجب القضاء لكونه في حكم المضمضة للتبرد والعبث
أو لكونه أولى في إيجاب القضاء من المضمضة للصلاة المندوبة وفي الكل نظر لان الماء لزيادة سيلانه ورقته وشدة نفوذه أقرب إلى السبق إلى الحلق من
غيره فلا يمكن إجراء حكمه مع مخالفته الأصل في غيره بالأولوية ويجب القضاء خاصة بمعاودة النوم بعد انتباهه عن نوم تعقب الجنابة فيطلع الفجر
ولا شئ في النومة الأولى وإن طلع الفجر وقد مر البحث عن هذه المسألة مفصلا ويجب القضاء خاصة بالنظر إلى الحرمة بشهوة فيمني بغير قصد ولا اعتياد
وأما إلى المحللة فلا شئ بالشرطين ومع القصد أو الاعتياد تجب الكفارة أيضا في المحللة والمحرمة كما عرفت بيانه سابقا وأما أن النظر بشهوة إلى الحرمة مع
نزول المني بالشرطين يوجب القضاء فقول المفيد والشيخ في المبسوط وسلار ولا نجد عليه نصا والاستدلال عليه بأنه وجد منه مقدمة الافساد ولم
يقصده فكان عليه القضاء كالمتمضمض للتبرد إذا وصل الماء إلى حلقه وقد خرجت المحللة بالعسر والحرج فبقيت المحرمة غير سديد لأنه قياس ودعوى العسر والحرج
لا يخلو عن إشكال لندور الانزال بمجرد النظر واعتبر العلامة في إيجاب القضاء تكرر النظر احترازا عن النظرة الأولى التي لا يمكن التحرز عنه من غير فرق بين المحللة
والمحرمة وقد مر ذلك وكذا ما قاله الشيخ في الخلاف في مسألة تكرر النظر فتذكر درس اختلف في وجوب القضاء والكفارة بالكذب على الله تعالى
أو رسوله أو الأئمة (عليهم السلام) متعمدا مع اعتقاد كونه كذبا فذهب الشيخان وعلي بن بابويه والسيد في الانتصار وأبو الصلاح وابن البراج إلى وجوبها وقال
السيد في الجمل الأشبه أنه ينقص الصوم وإن لم يبطله واختاره ابن إدريس والمحقق والعلامة في المختلف وقرب في المنتهى الافساد واتفقوا على أن غيره من أنواع
الكذب لا يفسد الصوم وإن كان تحريمه على الصائم آكد كسائر المحرمات حجة قول الشيخين الاجماع وطريقة الاحتياط كما يظهر من كتاب الخلاف مع أنه نقل
فيه أولا الخلاف عن جميع الفقهاء وعن المرتضى من أصحابنا وقال والأكثر على ما قلناه وقال أيضا في المبسوط وفي أصحابنا من قال أن ذلك لا يفطر وإنما
ينقص ولذلك قال المحقق في المعتبر في جواب حجج هؤلاء ودعوى الاجماع مكابرة وكأنه (ره) يريد بأمثال هذه الاجماعات التي يدعيها الشهرة العظيمة ويعتقد
412

حجيتها إذا انضمت إلى الخبر وما رواه منصور بن يونس عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم قال قلت
هلكنا قال ليس حيث تذهب إنما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى الأئمة (عليهم السلام) وما رواه عثمان بن عيسى عن سماعة قال
سئلته عن رجل كذب في شهر رمضان فقال قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم يقضي صومه ووضوئه إذا تعمد ويحتمل أن يكون قوله وهو صائم بمعنى يتم
صومه ولا يفطر بقية يومه ويحتمل أن يكون بمعنى أنه لا يخرج بسبب الكذب عن الصوم حقيقة ولكن ينقض كمال صومه ويحكم عليه بالقضاء لتداركه وعلى هذا
فلا وجه للاحتياج به والجواب عن الخبر الأول بضعف السند باعتبار منصور بن يونس فإنه وإن وثقه النجاشي إلا أن الشيخ قال إنه كان واقفيا وروى الكشي حديثا
أنه جحد النص على الرضا (عليه السلام) لأموال كانت في يده باعتبار اشتراك أبي بصير وبأنه متروك العمل لاشتماله على أن الكذب ينقض الوضوء وهو خلاف
ما عليه الاجماع قال الشيخ في التهذيب قوله (عليه السلام) تنقض الوضوء أي تنقض كمال الوضوء وثوابه ووجهه الذي يستحق به الثواب لأنه لو لم يفعله كان
ثوابه أعظم ومراتبه أزيد وأكثر ولم يرد (عليه السلام) بنقض الوضوء ما يجب منه إعادة الوضوء لأنا قد بينا في كتاب الطهارة ما ينقض الوضوء وليس من جملتها ذلك أقول هذا التأويل مع كمال بعده
لو صح لدل على أن الغرض التشدد في أمر تحريم الكذب والمبالغة في الزجر عنه وحينئذ فالظاهر أن قوله (عليه السلام) بعد ذلك ويفطر الصائم أيضا على هذا الأسلوب
أي ينقض كمال صومه وثوابه لا أنه يفسده ويوجب القضاء وبالجملة على هذا لا يبقى ظهور الكلام في إفادة وجوب القضاء فكيف الكفارة فلا يمكن
الاحتجاج به وما قاله المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى من أنه لا يلزم من ترك ظاهر الحديث في أحد الحكمين تركه في آخر غير وارد لان تغيير الأسلوب
في مثل هذا الكلام خلاف الظاهر والجواب عن الخبر الثاني باشتمال سنده على عثمان وسماعة وهما واقفيان ولم ينصوا على توثيق عثمان وبجهالة
المسؤول عنه وباشتمال متنه على إيجاب مطلق الكذب للقضاء فيحتاج إلى التقييد وعلى قضاء الوضوء للكذب وهو خلاف الاجماع وأول الشيخ
ذلك في التهذيب بالحمل على الاستحباب وعلى هذا فالظاهر أن تعلق يقضي بالصوم أيضا يصير كذلك ولا أقل من عدم ظهوره في الوجوب مع ضعف أصل
دلالة يقضى على الوجوب فلا يمكن الاحتجاج به على الوجوب وهو يصير قرينة على المراد من قوله أولا وعليه قضاؤه أيضا ويمكن المناقشة في دلالة
الخبرين على وجوب الكفارة لما تقدم من عدم دلالة تفطر وأفطر على أزيد من إفساد الصوم الذي يوجب القضاء خصوصا مع تفريع مجرد الحكم
بالقضاء عليه كما وقع في الخبر الثاني وبالجملة فالحكم بوجوب القضاء والكفارة مشكل مع مخالفته للأصل وللحصر المستفاد من الصحيحة المتقدمة
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) لا يقال لا يمكن التمسك بهذا الحصر لان كثيرا من المفطرات المعلومة يضر الصائم غير ما عده الإمام (عليه السلام)
في هذا الخبر مع أن الكذب يضر الصائم وغيره البتة فكيف يمكن الحكم بأنه لا يضر الصائم كما يستفاد من الحصر لأنا نقول يمكن إرجاع باقي المفطرات
إلى الثلاثة وإدخاله فيها بنوع من الاعتبار كما لا يخفى على المتأمل بخلاف الكذب إذ لا يمكن إرجاعه إلى شئ منها ودرج الاحكام الكثيرة الفرعية في
الضوابط الكلية وبيانها بالأقوال الوجيزة من السنن السنية لأبي جعفر (عليه السلام) ولقد قال زرارة والله ما رأيت مثل أبي جعفر قط قلت أصلحك
الله ما يؤكل من الطير قال كل ما دف ولا تأكل ما صف وعلى هذا الأسلوب يتم الخبر بذكر قاعدة كلية في جواب كل سؤال مع أن التخصيص لا يخرج
العام عن الحجية في غير ما دل الدليل على خلافه كما تقرر في الأصول وضعف ما ازداده السائل أخيرا واضح إذ ظاهر أن المراد بالضرر المنفي عما صنعه
الصايم كما ورد في الخبر الضرر باعتبار إفساد الصوم وإفطاره والكذب غير مضر بهذا المعنى للصائم وإن كان مضرا له ولغيره من جهة أخرى و
خلاصته ما ذكرناه يستفاد من كلام العلامة في المختلف ثم أن الكذب عليهم أعم من أن يكون في أمر الدين أو الدنيا كما صرح به في المنتهى لعموم لفظ
الخبر وشموله للكل وكذا كلام الأصحاب والظاهر دخول الحكم والفتوى عن غير من بلغ درجة الاجتهاد في هذا الكذب إن لم يمكن ذلك منه بطريق النقل
عن مجتهد أو إسناده إلى الوقوع في خبر وأما حكم المجتهد فالظاهر عدم دخوله وإن كان خطأ وأمر الاحتياط مهم جدا في مثل تلك العبادة المهمة شرعا
واختلف أيضا في وجوبهما بسبب تعمد الارتماس وقد مر البحث عنه وبيان الأقوال الخمسة فيه مع احتجاجاتهم والمشهور الوجوب وإن ضعف المأخذ
في كليهما كما عرفت وهذا استدراك من المصنف (ره) لما حكم به في الدرس السابق من إفساد فعل الثمانية للصوم وإيجابه القضاء والكفارة واختلف أيضا
في وجوبهما بسبب تعمد ترك النية فأوجبهما الحلبي وبعض شيوخنا المعاصرين وهو نادر باعتبار إيجاب الكفارة وقد مر البحث عن ذلك مفصلا
واختلف أيضا في وجوبهما بسبب شم الرائحة الغليظة التي تصل الجوف إذا تعمد ذلك فأوجبهما الشيخ في النهاية به ولم يعده من المفطرات في المبسوط
والقاضي ابن البراج أيضا أوجبهما والمشهور خلافه فيهما وقال المفيد في موضع من المقنعة أنه ينقض الصوم وقال في موضع آخر منها أنه يوجب
القضاء كما نقلنا عبارته سابقا في مسألة الغبار والظاهر أنه لم يرد بالنقض أولا مجرد نقض الكمال الذي يوجب القضاء بقرينة قوله الثاني وضمه له
413

في الحكم إلى الغبار في الموضعين ولكن العلامة (ره) في المختلف نسب إليه القول بأنه غير مفطر ونقل كلامه الأول واختاره وقواه واستدل عليه
بما سيأتي ثم أن فهم غلظة الرائحة وضبط حدها لا يخلو عن إشكال وإرجاعها إلى الحدة يأبى عنه حكم الشيخ في النهاية بكراهة شم المسك وما
يجري مجراه للصائم إذ لا رائحة أحد من من رائحة المسك والمراد بالجوف أيضا إن كان الخيشوم وأقصى الانف ففيه أن الشم لا يتصور بدون وصول الرائحة إليه
وإن كان ما دون الحلق وهو الظاهر كما وقع لفظ الحلق بدل الجوف في النهاية ففيه أنه لا يمكن العلم بذلك لان الحلق ليس فيه قوة شم الرائحة إلا أن يقال
أن الشامة تدركها من الحلق بوصولها إليه وهو مستبعد فالظاهر أن مرادهم بالرايحة الغليظة التي تصل إلى الجوف الرايحة القوية التي يحدث شمها طعما في الحلق أو الذائقة
كرايحة الأشياء البالغة غاية الحموضة أو نهاية المرارة نحو الخل والحنظل والصبر فإن حودث الطعم في الحلق والجوف لا يتصور إلا بوصول جسم له
هذا الطعم إليه فيوجب إدخاله الجوف عمدا بسبب التعمد في الشم القضاء والكفارة والقول بتكيف الهواء بطعم ذي الطعم بسبب المجاورة وإحساس الذائقة ذلك
الطعم من الهواء المكيف الذي يصل إليها بالشم مستبعد جدا ولا يقول به أحد ويؤيد الحكم بوجوبهما أيضا ما تقدم من رواية سليمان بن جعفر المروي ولكن
الكلام حينئذ في فساد الصوم بمثل الادخال الخفي الذي لا يدرك الطرف الشئ الداخل وإنما يعلم وجوده بالدليل ولا يطلق عليه أهل العرف واللغة
لفظة إدخال الشئ في الحلق وبالجملة نطالبهم بدليل ذلك ورواية سليمان لا يصلح لذلك كما عرفت مرارا نعم لو فرض وصول جسم محسوس بسبب هذا الشم إلى
فضاء الفم وما فوق الحلق وتعمد في ابتلاعه فإنه يوجبهما البتة ولكن بعد الفرض واضح والحاصل أن البحث في هذه المسألة كالبحث في مسألة الغبار
إلا أنها أبعد منها عن القول بوجوب القضاء والكفارة فيها باعتبار كمال خفاء الخلط وتغيير طريق الادخال وأيضا ينتقض احتجاجهم هذا بمن لطخ
باطن قدمه بالحنظل فإنه يجد طعمه في حلقه ولا يفطره ذلك إجماعا كما قاله في المنتهى واحتج في المختلف على أنه غير مفطر بعد الاحتجاج بالأصل بأن إدراك
الرايحة إما أن يكون باعتبار انفعال الهواء الواصل إلى الخيشوم بكيفية ذي الرايحة أو بحصول الادراك في
الخيشوم من غير انفعال ولا انتقال كما ذهب إليه من
لا تحقيق له وإما بانتقال أجزاء ذي الرايحة إلى الخيشوم وهو نادر وعلى التقديرين الأولين لا إفطار وإلا لزم حصول الافطار في أول جزء من النهار لعدم
انفكاك الانسان من استنشاق الأهوية فإنه أمر ضروري له في بقاءه والثالث غير معلوم لندوره فيكون الأصل بقاء العبادة وانتفاء المبطل وبما رواه
محمد بن مسلم في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الصائم يشم الريحان والطيب قال لا بأس وما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال سئلت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الصائم يشم الريحان أترى له ذلك فقال لا بأس أقول إذا كان مرادهم بالرايحة الغليظة ما ذكرنا فلا وجه لحججه في مقابل قولهم أما الأولى فلان القول
بانفصال الاجزاء في الاحساس بالرائحة إن كان نادرا فليس الامر في الطعم كذلك إذ لا يقول أحد فيه بتكيف الهواء بكيفية ذي الطعم واحساس الذايقة هذه
الكيفية منه أو من الرطوبة اللعابية بعد تكيفها بكيفية الهواء أو خلطها به على أن حاصل هذه الحجة على ما ذكره لا يرجع إلا إلى أصل عدم إفساد شم الرائحة للصوم
لان على القول بإبطاله له لا يلزم على التقديرين الأولين خصوصا على الثاني القول بإبطال استنشاق أصل الهواء للصوم وهو ظاهر وكلامهم في الثالث
ليس إلا أن الأصل انتفاؤه وأما الروايتان فلظهور أن رايحة الريحان والطيب ليست من جنس الرايحة الغليظة بهذا المعنى ثم استدل للشيخ بعد رواية سليمان
بأن الرايحة عرض والانتقال على الاعراض محال وإنما تنتقل بانتقال محالها فإذا وصلت إلى الجوف علم أن محلها قد انتقل إليها وذلك يوجب الافطار وأجاب
بأن انتقال الاعراض وإن كان محالا لكنا قد بينا أن الرايحة لا يتنقل وإنما الهواء ينفعل ويصل إلى الخيشوم أقول وبعدما عرفت حقيقة الحال تعرف أن
لاستدلالهم صورة أخرى ولا وجه لجوابه في مقابلها ونقل المرتضى في الجمل عن قوم من أصحابنا وجوبهما بالحقنة من غير تعرض للفرق بين المايع والجامد وقد
مر تفصيل الأقوال والبحث عنها وهما متروكان أي قول الشيخ في النهاية بوجوبهما بالشم وما نقله المرتضى من وجوبهما بالحقنة والسعوط وهو بالضم صب
الدواء في الانف وبالفتح ذلك الدواء بما يتعدى الحلق متعمدا كالشرب في إيجاب القضاء والكفارة لصدق إدخال الشئ في الحلق عمدا اختيارا وهو مختار
العلامة (ره) أقول التعمد في إفساد الصوم المعلوم حقيقته من الشرع بذلك واضح فيجب القضاء ولكن شمول أخبار الكفارة لذلك لا يخلو عن إشكال إذ لا
يبعد ادعاء ظهور اختصاص الافطار والأكل والشرب الواقعة فيها بما يكون بطريق العادة ولا بد لمثل هذا الحكم المخالف للأصل جدا من دليل ظاهر
ثم أنه ينافي ما قواه العلامة وصححه في هذه المسألة في المنتهى في مسألة الكحل من أن الايصال إلى الحلق لا يستلزم الافطار ما لم يبتلعه والظاهر أن
هذا القول منه في المنتهى على سبيل الاحتمال للقدح في دليل أحمد لأنه في مقام البحث عليه وإن لم يكن قويا عنده مرضيا له لا ما يصل إلى الدماغ فإنه لا يوجب شيئا
من القضاء والكفارة وإن كان الدماغ من الجوف لعدم دليل تام على فساد الصوم بإيصال شئ إلى مطلق الجوف والأخبار الواردة في باب السعوط لا يفيد
إلا الكراهة كما رواه الجمهور عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله كره السعوط للصائم ولم يكره الكحل وما رواه ليث المرادي قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم يحتجم
414

ويصب في أذنه الدهن قال لا بأس إلا السعوط فإنه يكره وما رواه غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال لا بأس بالكحل للصائم وكره السعوط
للصائم وما رواه أيضا غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) أنه كره السعوط للصائم والظاهر حمل الكراهة الواردة في هذه الأخبار على المعنى المصطلح
وحمل السعوط على السعوط بما لا يعلم تعديه إلى الحلق والاستدلال بإطلاق هذه الأخبار على جواز السعوط بالمتعدي غير سديد كما لا يخفى على المتأمل ثم
أنهم اختلفوا في حكم فمنهم من أطلق الكراهة كالشيخ في أكثر كتبه ولكن فصل في المبسوط فقال أنه مكروه سواء بلغ الدماغ أو لم يبلغ إلا ما
ينزل إلى الحلق فإنه يفطر ويوجب القضاء وتفريع خصوص القضاء يدل على أنه لا يريد بقوله يفطر إلا مجرد الافساد الموجب للقضاء خاصته كما قال في
التهذيب ليس في شئ من الاخبار أنه يلزم المتسعط الكفارة وبه قال أبو الصلاح وابن البراج أيضا ومنهم من حكم بعدم البأس به وأطلق كالصدوق (ره)
في المقنع وقال في الفقيه لا يجوز للصائم أن يتسعط وحكى السيد عن بعض الأصحاب وجوب القضاء والكفارة به وعن بعضهم وجوب القضاء خاصة
وعن بعضهم أنه ينقص الصوم وإن لم يبطله وقال وهو الأشبه وأوجبهما المفيد به مطلقا من غير تقييد بالمتعدي إلى الحلق وكذا سلار بن عبد العزيز
والأولى تخصيص كلامهما بالمتعدي واحتج العلامة لما أطلقناه بأنه أوصل شيئا إلى الدماغ والدماغ من الجوف وأجاب بما ذكرناه لا يقال يدل بعض
الاخبار على المنع من إيصال الشئ إلى الدماغ كما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يكتحل وهو صائم فقال لا إني أتخوف أن يدخل
رأسه وما رووه من منع النبي صلى الله عليه وآله من المبالغة في الاستنشاق كما تقدم لأنا نقول المنع فيهما على جهة الكراهة كما قاله الأصحاب لأنه مظنة
وصول الشئ إلى الحلق وقوله (عليه السلام) في الصحيحة إني أتخوف أن يدخل رأسه باعتبار أن الدخول في الرأس مقدمة النزول إلى الحلق ويكون معه غالبا
ولو ابتلع ما أخرجه الخلال بل ما خرج من بقايا الغذاء المختلفة بين أسنانه ولو بنفسه متعمدا فسد صومه وقضاه وكفر وجوبا إذا أمكنه أن يرميه ويتحرز
عنه لأنه تناول المفطر عامدا مختارا فوجب عليه القضاء والكفارة كما لو ابتدأ أكله أو طلع الفجر وفي فيه طعام فابتلعه عمدا فإنه يقضي ويكفر
إجماعا كما قيل وما ذلك إلا لتسميتهم ذلك أكلا فظهر أنه لا يعتبر فيه إدخال الشئ من خارج الفم إليه وعدم مدخلية كثرة المأكول وقلته إذا كان شيئا
محسوسا متميزا في التسمية واضح فلا وجه للمناقشة التي ذكرها صاحب المدارك في فساد الصوم بابتلاع ما يخرج من بين الأسنان لعدم تسميته
أكلا ولما تقدم في صحيحة عبد الله بن سنان إن من ازدرد ما يخرج منه القلس على لسانه لا يفطره وقد عرفت أن الازدراد في الرواية يحمل على ما هو
الغالب في القلس من عوده بغير قصد على أن في إجراء حكم المعاد على المبتدأ نوع قياس ولو ابتلع ما خرج من بين أسنانه سهوا فلا شئ عليه سواء قصر
في التخليل أو لا كما هو الظاهر من إطلاق عباراتهم وربما قيل بوجوب القضاء على الناسي لتفريطه وتعرضه للافطار كما سبق من المصنف الحكم بوجوب القضاء
على من طرح في فيه شيئا عابثا فسبق إلى حلقه وقد عرفت ضعفه مع أن ذلك أولى منه بعدم وجوب القضاء لعدم صدور فعل منه يؤدي إلى الافطار
لغوا ووجوب إزالة ما يمكن تأديته إليه مما لا دليل عليه ولكن الشهيد الثاني في المسالك حكم بنفي البأس عن القول بالقضاء وكأنه من باب الاخذ بالاحتياط
ولو علم إذابة شئ مما بقي بين أسنانه في النهار ونزوله إلى الحلق تدريجا مع الريق كما هو الغالب في الأشياء التي لا صلابة لها فهل يجب عليه التخليل ويجب
عليه القضاء لو تركه الأشبه لا خصوصا إذا إذا كان في إخراجه نوع صعوبة لعدم تسمية ذلك أكلا وعدم ورود نص من الشارع على وجوب التخليل ولو كان
لما أهمل بيانه في الشريعة مع عموم بلواه لما هو المعلوم من كثرة أكل الناس قرب طلوع الفجر في ليالي شهر رمضان وبقاء شئ من الغذاء غالبا بين الأسنان
مع أن وجوب التخليل في بعض الصور قد يؤدي إلى الحرج أو العسر وقال الشيخ في الخلاف بوجوب القضاء واقتصر عليه ولكن دليله يفيد وجوب الكفارة أيضا
لأنه قال دليلنا أنه ابتلع ما يفطره فوجب أن يفطره لأنه لو تناول ابتداء ذلك المقدار أفطر بلا خلاف ح وأيضا فإنه ممنوع من الاكل وهذا قد أكل
ويحتمل أن يكون اقتصاره على ذكر وجوب القضاء لعدم بحثه عن وجوب الكفارة في الافطار بالاكل وكلامه في المبسوط أظهر دلالة على وجوب القضاء
خاصة حيث قال بعد عد ما يوجب القضاء خاصة ويجري مجرى ذلك في كونه مفطرا يوجب القضاء خاصة دون الكفارة دم الحيض والنفاس فإنه يفطر
أي وقت كان ثم قال وإذا تخلل فخرج من أسنانه ما يمكنه التحرز منه فبلعه عامدا كان عليه القضاء واحتج في المختلف للشيخ بأنه يتعذر الاحتراز عنه و
أجاب بالمنع من ذلك وهذه الحجة مع منافاتها لقيد إمكان التحرز الواقع في كلام الشيخ تدل على سقوط القضاء أيضا كما احتج بها أبو حنيفة على
سقوطها والشيخ لا يقول به ولو قصد الامذاء بالملاعبة وتولد منه المذي بها فلا كفارة عليه ولا قضاء أيضا وعبارة المصنف (ره) توهم وجوب
القضاء خصوصا بعد ملاحظة تخصيصه للخلاف في وجوب القضاء فيما بعد بمن أمذى عن ملاعبة بغير قصد ولكن الظاهر أنه (ره) لا يقول بوجوب القضاء
لضعف القول به وندوره وكأنه قصد هنا ذكر ما اختلفوا في وجوب الكفارة فيه وفيما بعد ذكر ما اختلفوا في وجوب القضاء فيه فصارت عبارته
415

موهمة لخلاف ما هو رأيه كما ترى وأما دليل عدم وجوبهما فأصل البراءة وإن المذي غير نجس ولا يوجب طهارة ولا ينقض وضوئه وما رواه أبو بصير
قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم فقال لا باس وإن أمذى فلا يفطر قال وقال تباشروهن يعني النساء
في شهر رمضان بالنهار والظاهر أن فاعل قال في الأولى أبو بصير وفي الثانية الإمام (عليه السلام) والمراد بالمباشرة إما ما يشمل وضع اليد على الجسد ونحوه
والنهي على الكراهة لبيان ما هو الأولى بحال الصائم أو لبيان حكم الصائم في رمضان والأول للصائم في غيره وإما خصوص الجماع والنهي على التحريم
والغرض بيان أن المحرم الجماع وأما وضع اليد ونحوه فلا بأس به كما بينه أولا وما رواه أيضا أبو بصير قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كلم
امرأته في شهر رمضان وهو صائم فقال ليس عليه شئ وإن أمذى فليس عليه شئ والمباشرة ليس بها بأس ولا قضاء يومه ولا ينبغي له أن يتعرض
لرمضان والظاهر أن قوله (عليه السلام) ولا ينبغي له أن يتعرض لرمضان استدراك لان الأولى عدم التعرض لرمضان وإن لم يكن مطلق المباشرة موجبا
للقضاء أو الاثم أو استدراك لبيان حكم خصوص شهر رمضان كما عرفت في الخبر الأول وعلى الاحتمال الأخير في الخبرين يشكل أمر الاستدلال ولكنه
بعيد خلافا لابن الجنيد فإن الظاهر من كلامه وجوبهما لو أمذى بالملاعبة إن اعتمد الامذاء وإلا فالقضاء خاصة وعبارته المنقولة في المختلف
هذه لا بأس بالملامسة ما لم يتولد منه مني إن مذي فإن تولد ذلك وجب القضاء وإن اعتمد إنزال ذلك وجب القضاء والكفارة والظاهر أن المتبادر إليه
لذلك كل واحد من المني والمذي والحكم بالكفارة في المذي لا وجه له ظاهرا إلا قياسه على المني كما نقل عن مالك وأحمد لأنه خارج خرج بالمباشرة
المقرونة بالشهوة كالمني أو قياس الصوم على الاحرام لورودها في الامذاء بشهوة في الاحرام في حسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
سئلته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم قال لا شئ عليه ولكن ليغتسل ويستغفر ربه وإن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا
شئ عليه وان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم وضعف القياسين ظاهر جدا وأما القضاء فيدل عليه ما رواه رفاعة بن موسى
في الصحيح قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لامس جارية في شهر رمضان فأمذى قال إن كان حراما فليستغفر الله استغفار من لا يعود أبدا و
يصوم يوما مكانه فإن كان من حلال فليستغفر الله ولا يعود ويصوم يوما مكان يوم وقال الشيخ (ره) في التهذيب هذا حديث شاذ نادر مخالف
لفتيا مشايخنا كلهم ولعل الراوي وهم في قوله في آخر الخبر ويصوم يوما مكان يوم لان متضمن الخبر يدل عليه ألا ترى أنه شرع في الفرق بين أن يكون
أمذى من مباشرة حرام أو بين أن يكون الامذاء من مباشرة حلال وعلى الفتيا الذي رواه لا فرق بينهما فيعلم أنه وهم من الراوي أقول ويمكن تصحيح
الفرق بأن المراد بقوله (عليه السلام) استغفار من لا يعود أبدا لا في رمضان ولا في غيره كما يشعر به قوله أبدا والمراد بقوله أخيرا ولا يعود أي في خصوص
رمضان كما يدل عليه حذف القيد ولكن لما حكم الشيخ بنذور الرواية ومخالفتها لفتيا المشايخ كلهم فينبغي أن يحمل قوله يصوم يوما مكان يوم على الاستحباب
أو التقية لأنه موافق لمذهب بعض العامة كما علمت واختلف في وجوب القضاء بالحقنة بالجامد وقد سلف البحث عنها وبيان الأقوال فيها مفصلا
والصب في الإحليل أي مخرج البول وثقبة الذكر فيصل الجوف ويفهم وجه الحكم بالقضاء من القيد لزعمهم أن مطلق إيصال المفطر إلى مطلق الجوف
يوجب الافطار ووجه ما استشبهه المص والأكثر أصالة البراءة وعدم صدق الأكل والشرب وغيرهما مما يثبت كونه مفطرا أو عدم دليل تام على أن
الايصال إلى مطلق الجوف يوجب الافطار وقس عليه حكم سائر ما ذكر في ذيل هذا الخلاف وفي طعنه نفسه برمح كذلك أي فاصل إلى الجوف قال الشيخ
في المبسوط لو طعنه غيره طعنة وصلت إلى جوفه لم يفطر وإن أمره هو بذلك ففعل به أو فعل هو بنفسه ذلك
أفطر وقال في الخلاف لا يفطر إذا
طعن نفسه فوصلت الطعنة إلى جوفه أو طعن باختياره والأكثر على ما قاله في الخلاف أو داوى جرحه كذلك بدواء واصل إلى الجوف
أو قطر في أذنه دهنا قال أبو الصلاح التقطير في الاذن مفطر لأنه يصل إلى الدماغ والأكثر على خلافه وحجتهم بعد الأصل ما تقدم في بحث
السعوط من رواية ليث المرادي وما رواه حماد بن عثمان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الصائم يشتكي إذنه فيصب فيه الدواء قال لا بأس به
وما رواه حماد بن عيسى في الصحيح قال سئل ابن أبي يعفور أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع عن الصائم يصب الدواء في أذنه قال نعم ويذوق المرق ويزق الفرخ
وما رواه حماد في الحسن بن إبراهيم قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم يصب إذنه الدهن قال لا بأس به وسيجئ من المصنف الحكم بكراهة ذلك أو مضغ
علكا فابتلع ريقه بطعمه والعلك بالكسر صمغ مسخن مدرباه والجمع علوك قال الشيخ في النهاية لا يجوز للصائم مضع العلك وقال في المبسوط ويكره استجلاب
الريق بما له طعم ويجري مجرى العلك كالكندر وما أشبه وليس ذلك بمفطر في بعض الروايات وفي بعضها أنه يفطر وهو الاحتياط وأما استجلابه بما لا
طعم له من الخاتم والحصاة فلا بأس به ونقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب وجوب القضاء بمضغ العلك وكل ما له طعم وقال ابن الجنيد لو استجلب الريق بطعام
416

فوصل إلى جوفه أفطر وكان عليه القضاء وفي الحديث وصيام شهرين متتابعين كالأكل إذا اعتمد ذلك والأكثر على الكراهة وعدم وجوب القضاء حجة القول
بوجوب القضاء امتناع انتقال الاعراض فإذا وجد الطعم فقد تحلل شئ من أجزاء ذي الطعم في الريق ودخل الحلق معه فكان مفطرا وما رواه الحلبي في الحسن
بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت الصائم يمضع العلك قال لا والأولى ضعيفة لاحتمال الانفعال بالمجاورة والأصل عدم التخلل وأيضا تعلق الحكم
بالاجزاء الصغيرة التي لا يدركها الحس غير ظ وقد نقلنا سابقا عن المنتهى حديث لطخ باطن القدم بالحنظل وأنه غير مفطر إجماعا وأما الرواية فلا تدل على
وجوب القضاء بل على التحريم كما قاله في النهاية إن لم يحمل النهي على الكراهة وحجة الأكثر الأصل والحصر المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم وفيه أنه قد عرفت
أن الظاهر صرف الاكل الوارد فيها وغيره عن الظاهر لتصح الكلية وعلى هذا فلا يمكن الحكم بعدم دخوله في الاكل الوارد فيها وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح
على الظاهر قال قال أبو جعفر (عليه السلام) يا محمد إياك أن تمضغ علكا فإني مضغت اليوم علكا وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا والمراد بالشئ إما الطعم أو
اللذة أو الاجزاء الصغيرة التي انفصلت عنه وأحس بها في الريق ويمكن حمل صومه (عليه السلام) على الصوم المندوب كما يشعر أخباره بقوله وأما صائم على أنه
في غير رمضان وعلى هذا يضعف الاحتجاج بها على عدم الافساد على أن عدم حفظ نفسه (عليه السلام) عن استجلاب الريق غير ظاهر من الخبر وما رواه أبو بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الصائم يمضغ العلك فقال نعم إن شاء ودلالتها على عدم وجوب القضاء باستجلاب الريق بالطعم غير ظاهرة وقد
قال الشيخ في التهذيب وهذا الخبر غير معمول عليه ويدل على جواز مص الخاتم ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يعطش
في رمضان فقال لا بأس بأن يمص الخاتم وما رواه منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يجعل النواة في فيه وهو صائم قال لا قلت فيجعل
الخاتم قال نعم وما رواه يونس بن يعقوب قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول الخاتم في فم الصائم ليس به بأس فأما النواة فلا ويحتمل أن يكون النهي عن النواة باعتبار
انفصال الاجزاء عنها غالبا أو للاحساس بطعمها في الحلق أو جلست المرأة في الماء فقال أبو الصلاح يجب به القضاء وأضاف ابن البراج الكفارة أيضا والأكثر
على الكراهة احتج أبو الصلاح بأنها تحمل الماء بقبلها وبما تقدم في بحث الارتماس من رواية حنان بن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام) واحتج بهما ابن البراج
على الكفارة أيضا والجواب أن حمل الماء غير معلوم مع أن إيجابه للقضاء محل تأمل فكيف الكفارة وضعف سند الخبر مانع عن الاحتجاج به ودلالته على وجوب
القضاء ضعيفة وعلى الكفارة أضعف فيحمل النهي الوارد فيه على الكراهة كما اشتهرت بين الأصحاب وحكم المصنف في اللمعة جلوس المرأة والخنثى
في الماء وقال والظاهر أن الخصي الممسوح كذلك ولعله لمساواته لهما في قرب المنفذ إلى الجوف كما ذكره الشهيد الثاني في الشرح ونقل فيه القول بوجوب القضاء
على المرأة والخنثى وكلامه في المسالك يشعر باختصاص القول بوجوب القضاء بالمرأة كما نقلناه عن أبي الصلاح والقاضي ثم أن الاستنقاع الوارد في الخبر
أعم من الجلوس قال الجوهري استنقعت في الغدير أي نزلت فيه واغتسلت كأنك ثبت فيه لتتبرد وكأنهم اعتبروا الجلوس أدخل في حمل الماء أو أرادوا به
الدخول فيه إلى الوسط أو أكرهها الزوج على الجماع وقد مر البحث في ذلك في مسألة تحمله للكفارة عنها بالاكراه وأمذى عن ملاعبته بغير قصد القول
بوجوب القضاء خاصة في هذه الصورة ووجوب القضاء والكفارة معا في صورة قصد الامذاء لابن الجنيد وقد ذكرناه سابقا مفصلا والأشبه عدم القضاء
في الجميع أي جميع الفروض التسعة المذكورة ذيل قوله واختلف في وجوب القضاء وقد عرفت وجه ما استشبهه (ره) وتتكرر الكفارة بتكرر الوطئ مطلقا
سواء تغاير الأيام أو لا وتخلل التكفير أم لا وبتغاير الأيام مطلقا وطيا كان الموجب أم غيره اتحد جنسه أو اختلف تخلل التكفير أو لم يتخلل ومع تخلل التكفير
وإن اتحد اليوم وجنس الموجب على الأقرب وفي تكررها لو تغاير الجنس واتحد اليوم ولم يتخلل التكفير قولان أحوطهما التكرر ومع اتحاده أي جنس الموجب المتكرر
في اليوم الواحد مع عدم تخلل التكفير لا تكرار في الكفارة قطعا وفي المهذب إجماعا قال الشيخ ومتى تكرر منه ما يوجب الكفارة فلا يخلو إما أن يتكرر ذلك في
يومين أو أيام من شهر رمضان واحدا ويتكرر في رمضانين أو يتكرر منه قبل التكفير عن الأول أو بعده ولا خلاف أن المتكرر في رمضانين يوجب الكفارة
سواء كفر عن الأول أو لم يكفر وأما إذا تكرر يومين في رمضان واحد ففيه الخلاف ولا خلاف بين الفرقة إن ذلك يوجب تكرار الكفارة سواء كفر عن
الأول أو لم يكفر فأما إذا تكرر ذلك في يوم واحد فليس لأصحابنا فيه نص معين والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا تكرر عليه الكفارة لأنه لا دلالة على
ذلك والأصل براءة الذمة وفي أصحابنا من قال إن كان كفر عن الأول فعليه كفارتان وإن لم يكن كفر فالواحدة تجزيه وإنما قاله قياسا وذلك لا يجوز
عندنا وفي أصحابنا من قال بوجوب تكرار الكفارة عليه على كل حال ورجع إلى عموم الاخبار والأول أحوط أقول القياس الذي أشار إليه الشيخ لمستمسك
بعض الأصحاب وهو ابن الجنيد إن كان قياس تكرر المفطر في اليوم الواحد على تكرره في اليومين فهو مع بطلان أصله كما أفاده الشيخ لا ينطبق على مذهب هذا
القائل لأنه يفرق بين تخلل التكفير وعدم تخلله في اليوم الواحد ولا يفرق بينهما في اليومين وإن كان قياسه إلى شئ آخر غير الصوم فمستبعد جدا ولعل الظاهر
417

انه قياس فعل المفطر ثانيا على فعله أولا لحرمته كحرمة الأول فكان عليه من الكفارة مثل ما كان على الأول لاشتراكهما في مخالفة الامر بالامساك
وإنما لا يقول بالتكرر مع عدم تخلل التكفير لقوله بتداخل الكفارتين حينئذ لان العلل الشرعية من قبيل المعرفات ولا يقول بالتداخل في اليومين لتحقق
الاجماع هناك على عدم التداخل وعلى هذا فيحتمل أن لا يكون مستمسكه القياس بل يكون رجوعه أيضا إلى عموم الاخبار كالقول الأخير الذي نقله الشيخ
ويكون منشأ فرقة بين تخلل التكفير وعدمه ما ذكرناه إلا أن يكون القياس مذكورا في كلامه الواصل إلى الشيخ وما قاله من أن الأول أحوط فبحسب
حال المفتي وأما بالنظر إلى من تكرر تناول المفطر منه فالاحتياط في مراعاة تكرر الكفارة كما قاله المص (ره) في صورة تغاير الجنس واتحاد اليوم وقال في
الخلاف إذا كرر الوطئ لا تتكرر الكفارة ربما قال المرتضى من أصحابنا أنه تجب عليه بكل مرة كفارة ونقل العلامة في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه
قال ذكر أبو الحسن زكريا بن يحيى صاحب كتاب شمس الذهب عنهم (عليهم السلام) أن الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء والكفارة فإن عاود إلى
المجامعة في يومه ذلك مرة أخرى فعليه في كل مرة كفارة ولم يفت هذا في ذلك بشئ بل ذكر هذا النقل ومضى واختار المحقق (ره) في كتبه قول الشيخ بعدم
تكرر الكفارة بتكرر الموجب في اليوم الواحد مطلقا مذهب العلامة في المنتهى إلى عدم تكرر الكفارة في اليوم الواحد مع اتحاد جنس الموجب المتكرر ويردد
مع الاختلاف في بعض كتبه وقال في المختلف الأقرب عندي أنه إن تغاير جنس المفطر تعددت الكفارة سواء اتحد الزمان أو لا كفر عن الأول أو لا وإن اتحد
جنس المفطر في يوم واحد فإن كفر عن الأول تعددت الكفارة وإلا فلا وذهب المحقق الشيخ على ما نقله الشيخ أخيرا عن بعض الأصحاب من تكررها
بتكرر الموجب مطلقا وقال الشهيد الثاني هو الأصح إن لم يكن قد سبق الاجماع على خلافه وأشار بذلك إلى ما ادعاه في المهذب من الاجماع كما نقلنا
وقد تخاص مما ذكرناه إن أقوالهم في مسألة تكرر الكفارة بتكرر الموجب في اليوم الواحد سبعة (الأول) قول الشيخ وابن حمزة بعدم التكرر مطلقا
واستشبه المحقق وجمع من الأصحاب الثاني ما نقله الشيخ أخيرا عن بعض الأصحاب من تكررها بتكرر الموجب مطلقا واختاره المحقق (الثاني) ومال
إلى تصحيحه الشهيد الثاني الثالث ما ذكره الشيخ من قول ابن الجنيد وهو التكرر مع تخلل التكفير وعدم التكرر إن لم يتخلل (الرابع) قول السيد بتكررها
مع تكرر الوطئ دون غيره على الظاهر (الخامس) قول المصنف (ره) بالتكرر مع تكرر الوطئ أو تغاير الجنس أو تخلل التكفير وعدم التكرر في غير الوطئ مع اتحاد
الجنس وعدم تخلل التكفير (السادس) قول العلامة في بعض كتبه بالتكرر مع اختلاف جنس المفطر والاتحاد مع اتحاده (السابع) قوله في المختلف
بالتكرر مع تغاير الجنس مطلقا ومع اتحاده وتخلل التكفير وعدم التكرر مع اتحاده وعدم التخلل ولعل الأظهر بحسب الدليل قول الشيخ (ره) للأصل وعدم
وجدان ما يوجب الخروج عن حكمه لان أكثر الأخبار الواردة في باب الكفارة كما تقدم ذكرها تدل على أنها لتكفير إفطار يوم من الشهر وجزاء إفساده
وهتك حرمته وذلك الامر لا يتكرر إلا بتكرر الأيام ولا إشعار فيها بترتبها على تناول شئ حتى يلزم تكررها بتكرر تناوله ولو في اليوم الواحد
وتلك الدلالة باعتبار تضمنها لتعليق إيجاب الكفارة على إفطار يوم واحد ولو كان الجزاء يترتب على التناول لكان اللائق تعليقها عليه و
التقييد بالمرة ونحوها ففي رواية سعيد بن المسيب أن رجلا قال يا رسول الله أفطرت يوما في شهر رمضان فقال أعتق رقبة وفي صحيحة عبد الله بن
سنان في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا وفي صحيحة جميل بن دراج أنه سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان وفي موثقة عبد الرحمن بن
أبي عبد الله سئلته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان وتوافق أجوبتهم (عليهم السلام) للأسئلة يفيد ما ذكرناه وفي مكتوب أبي الحسن (عليه السلام) إلى المشرقي
من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ألا ترى أن المشرقي لما سئله في كتابه عن كفارة إفطار الأيام أجاب عليه السلام ونص على كفارة اليوم حتى
يعلم تعددها بتعدد الأيام ولم يتعرض في شئ من الاخبار للاستفصال وترتب الجزاء على وحدة التناول أو تكرره وبالجملة لا يستفاد من هذه الأخبار
إلا وجوب الكفارة لافطار اليوم مجملا والحكم بوجوبها مكررا بتكرر التناول مع مخالفته للأصل يحتاج إلى دليل لم يوجد وما ذكرناه
لعله أتم في بيان المراد مما أفاده خالي طاب ثراه وجمع من المتأخرين من أن الاخبار التي هي مستند ثبوت التكفير قد علق إيجاب التكفير في بعضها
بالافطار وهو إنما يتحقق بمصادفة المفطر للصوم والفعل ثانيا إنما حصل بعد فساد الصوم بالأول فلم يحصل منه الافطار وفي بعضها نقيد بحالة الصوم وهو غير صادق حال التكرر انتهى مع أن اعتبار مصادقة
المفطر للصوم يستلزم عدم إفادة هذه الأخبار لحكم وجوب الكفارة على من لم ينو الصوم وتناول المفطر وبعده واضح وقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما
اعتمد عليه الشهيد الثاني في تصحيح القول الثاني من تعدد السبب الموجب لتعدد المسبب إلا ما نص فيه على التداخل وهو منفي هنا لما عرفت من أن تسبب
تناول المفطر للكفارة لا يظهر من هذه الأخبار وما يظهر منها عليته لا يتكرر في اليوم الواحد وقيل عليه أيضا أن هذه الأسباب من قبيل
المعرفات فلا بعد في اجتماعهما على مسبب واحد كما اعترف به الأصحاب في تداخل الأغسال والغسلات المعتبرة في التطهير أقول وسقوط هذا الايراد
418

واضح جدا لان كون الأسباب الشرعية من قبيل المعرفات لا يقتضي إلا جواز اجتماعها على مسبب واحد وإمكانه وهذا الجواز والامكان لا ينافي
ظهور تعدده بتعدد الأسباب وتبادره إلى الذهن من الخطاب وكون الأصل ذلك ما لم ينص على التداخل كما نص عليه المستدل لا سيما في مثل
الكفارة التي اعتبرها الشارع جزاء الذنب وموازنا له كما يظهر من ملاحظة اختلاف خصالها باختلاف الذنوب
وأيضا أوجبها على المذنب عقوبة
وتحميلا للكلفة والمشقة عليه حتى ينكل عن الذنب ولا يقدم على العصيان فإيجاب الكثير من الذنوب والآثام لما يوجبه كل واحد منها وتكفير
الجميع بما هو كفارة البعض بعيد غاية البعد والامر في الأغسال والغسلات مع أن التداخل فيها بالنص ليس كذلك لظهور أن الغرض منها التنظيف
والتطهير الذي يحصل كرواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وقد مر ذكرها في البحث عن وجوب الكفارة للافطار وأقوى دلالة منها صحيحة عبد
الرحمن الحجاج ورواية أبي بصير ومضمرة سماعة ومرسلة جعفر بن سوقة وقد تقدم ذكر هذه الأخبار في البحث عن الاستمناء وكذا رواية عبد السلام
بن صالح الهروي المتقدمة في بحث سقوط القضاء والكفارة عن الناسي فما فصله السيد المرتضى لا يخلو عن قوة ولكن الأظهر حمل هذه الرواية على أن
ترتب الكفارة فعلهما لأجل فساده يوم من شهر رمضان وهتكه لحرمته لا لمحض الاتيان به في يوم يجب صومه عن شهر رمضان حتى يتوافق
جميع الأخبار الواردة في هذا الباب ويتناسب الكفارات وأما ما نقله ابن أبي عقيل عن كتاب شمس الذهب عنهم (عليهم السلام) فخبر مرسل لا يمكن التعويل
عليه في مثل هذا الحكم المخالف للأصل وكذا ما روي عن الرضا (عليه السلام) أن الكفارة تتكرر بتكرر الوطئ وقد قال العلامة في المنتهى لا يحضرني الان حال
رواتها ويمكن حملها أيضا على بعد على التكرر في الأيام وقال فيه أيضا وقول الشيخ ليس لأصحابنا فيه نص يحتمل أنه قاله قبل وقوفه على هذه الرواية
وهذا عذر منه عن قبل الشيخ عما قاله المحقق في المعتبر بعد نقله لقول الشيخ في المبسوط ليس لأصحابنا فيه نص ولا ريب أنه وهم منه وإلا فقد
روي عن الرضا (عليه السلام) أن الكفارة تتكرر بتكرر الوطئ واختاره المرتضى ويحتمل أن يكون مراد الشيخ نصا صالحا للتعويل عليه في مثل هذا الحكم
مع أن الشيخ لم يرم هذا النص في كتابيه ولعله لضعف سنده واحتج العلامة في المختلف على التكرر مع تغاير الجنس بأن الكفارة تترتب على كل واحد من المفطرات
فمع الاجتماع لا يسقط الحكم وإلا لزم خروج المهية عن مقتضاها حالة انضمامها إلى غيرها فلا يكون المهية تلك المهية هذا خلف ويؤيده ما
رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق (عليه السلام) في رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا قال عليه خمسة عشر صاعا وعن عبد الرحمن بن الحجاج في
الصحيح عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع إذا عرفت هذا فنقول لو أفطر
إنسان بأكل أو شرب أو جماع وجبت عليه الكفارة بالحديث الأول ولو عاد فعبث بأهله حتى أمنى وجبت عليه الكفارة للحديث الثاني فإنه دال على
إطلاق هذا الفعل ولأنه بعد الافطار يجب عليه الامساك ويحرم عليه فعل المفطر ثانيا فكان عليه من العقوبة بالهتك ثانيا كما كان عليه أولا
لاشتراكهما في مخالفة الامر بالامساك ولأن إيجاب الكفارة معلق على الجماع مطلقا وهو صادق في المتأخر عن الافطار صدقه في المتقدم ومهية واحدة
فيهما فيثبت الحكم المعلق على مطلق المهية قال وأما مع اتحاد الجنس فإن كفر عن الأول تعددت الكفارة أيضا لان الثاني جماع وقع في زمان يجب الامساك
عنه فيترتب عليه وجوب الكفارة لأنها معلقة على مطلق الجماع والثاني مساو للأول في المهية وإذا كان موجبا للكفارة فإما أن تكون الكفارة
الواجبة هي التي وجبت أولا فيلزم تحصيل الحاصل وهو محال وإن كانت غيرها ثبت المطلوب ويؤيده ما روي عن الرضا (عليه السلام) أن الكفارة تتكرر
بتكرر الوطئ لا يقال هذا أعم من أن يقع عقيب أداء الكفارة وعدمه لأنا نقول المطلق لا عموم له وإلا لم يبق فرق بينه وبين العام وأما إذا لم
يكفر عن الأول فلان الحكم معلق على الافطار وهو أعم من المتعدد والمتحد والأصل براءة الذمة وقول الشيخ أنه قياس لا نقول به ليس بجيد لان
الرواية قد دلت على تكررها بتكرر الوقاع انتهى كلامه رفع مقامه أقول ويرد على دليله الأول على التكرر مع تغاير الجنس أن ترتب الكفارة على
كل واحد من المفطرات أي الأكل والشرب ونحوهما غير مسلم بل الكفارة إنما يترتب على إفطار يوم واحد من الشهر كما عرفت ولا يتكرر ذلك باجتماع
أجناس المفطرات في اليوم الواحد وقوله في آخر هذا الدليل وإلا لزم خروج المهية عن مقتضاها حالة انضمامها إلى غيرها فلا يكون تلك المهية
يشعر بجعله الأسباب الشرعية أسبابا عقلية لا يجوز تداخل مسبباتها وبناء قوله في آخر كلامه فلان الحكم معلق على الافطار وهو أعم
من المتعدد والمتحد على أن الأسباب الشرعية من قبيل المعرفات التي يمكن تداخل مسبباتها كما سيأتي ويرد على دليله الثاني عليه وهو التأييد بالروايتين
أن قوله ولو عاد فعبث باهله إنما يتم في خصوص الامناء والجماع لو حملت الرواية الثانية على ظاهرها ومقصوده (ره) عام في العود إلى مطلق
419

المفطر المغاير للأول بحسب الجنس إلا أن يكون تعبيره بالتأييد بهذا الاعتبار ثم قد عرفت حمل الرواية على وجه يظهر منه اندفاع هذا التأييد ويرد
على دليله الثالث عليه وهو قوله ولأنه بعد الافطار يجب عليه الامساك ويحرم عليه فعل المفطر ثانيا أنه القياس الذي تمسك به ابن الجنيد وقال
الشيخ ذلك لا يجوز عندنا مع ظهور الفارق لان وصف الهتك إنما يتحقق في الأول دون الثاني كما أفاده (ره) في المنتهى ويرد على دليله الرابع عليه
وهو قوله ولأن إيجاب الكفارة معلق على الجماع مطلقا إن حاصل ذلك ليس إلا ما ذكره في التأييد وقد عرفت الكلام عليه ويرد على دليله على
التكرر مع اتحاد الجنس وعدم تخلل التكفير ما أوردناه على دليله الأول على التكرر مع تغاير الجنس وقد عرفت أيضا حال سند الرواية التي ذكرها
للتأييد مع عدم إفادتها العموم وقال صاحب المدارك وأورده خالي أيضا ما ذكره بقوله لأنا نقول المطلق لا عموم له ينافي ما ذكره أولا من أن
إيجاب الكفارة معلق على الجماع مطلقا وهو صادق في المتأخر عن الافطار صدقه في المتقدم إذ يقتضي ذلك كون المطلق كالعام أقول لا يبعد
أن يقال في دفع هذا التدافع أن في هذه الرواية أي الرواية عن الرضا (عليه السلام) أخبارا بأن الكفارة تتكرر بتكرر الوطئ ويكفي في إرجاعه إلى الحكم
إرجاعه إلى إفادة تكررها بتكرره في الجملة بخلاف ما في صحيحة عبد الرحمن فإن ظاهر تعليق إيجاب الكفارة على الجماع وجوبها كلما تحققت تلك المهية
وحاصل ما ذكره بقوله وأما إذا لم يكفر عن الأول فلان الحكم معلق على الافطار اه يرجع إلى الحكم بتداخل المسببات للمعرفات الشرعية لان أصل
براءة الذمة عن المتعدد ويرد عليه أنه ينافي ما ذكره أولا في تكرر الكفارة مع تغاير الجنس مطلقا وقال صاحب المدارك إن هذا القول منه غير
جيد فإن الافطار الذي هو إفساد الصوم إنما يستند إلى السبب الأول خاصة مع أن ما استدل به على التكرر مع تخلل التكفير يمكن إجراؤه في هذه الصورة أقول
ما ذكره أولا لا يضر بمقصود العلامة أعني عدم تكرر الكفارة في هذه الصورة بل ينفعه ما ذكره بقوله مع أن واستحسنه خالي أيضا فغير جيد إذ لا
يكمن القول بتكفير الذنب المتأخر بالعتق المتقدم مثلا وإن كانت الأسباب الشرعية من قبيل المعرفات لان من المعلوم أن الكفارة لا بد أن يكون متأخرة
عن الذنب فيلزم القول بالتكرر في هذه الصورة بخلاف صورة عدم تخلل التكفير إذ يمكن القول بكفاية الكفارة الواحدة حينئذ للذنوب المتقدمة لان عليه الذنب
للكفارة من قبيل التعريف ويرد على ما ذكره أخيرا في المختلف من أن قول الشيخ لا نقول به ليس بجيد أن الظاهر أن بناء قول الشيخ على ما رواه في كلامه لا
الاستنباط كما عرفت فلا يرد عليه ذلك ولو كان نظر ابن الجنيد إلى الخبر دون القياس فجعل مستنده عموم الأخبار الواردة في الافطار كما ذكرناه
أولى من قصر نظره إلى الخبر الوارد في التكرر بتكرر الوقاع حتى يحتاج في التعميم إلى قياس باقي المفطرات على الوقاع ثم على القول بالتكرر فقد حقق
الشهيد الثاني إن تكرر الجماع يتحقق بالعود بعد النزع وتكرر الأكل والشرب بتكرر الازدراد وإن قل قال ويتجه في الشرب اتحاده مع اتصاله وإن
طال للعرف وحكم أيضا بتغاير الأكل والشرب وعلى ما ذكره يلزم على هذا القول من الاكل المتعارف على المائدة كفارات متكثرة وإجمال مثل هذا
الحكم في الاخبار وعدم التعرض لتفصيله والتصريح به مطلقا مستبعد جدا والظاهر أن بناء التكرر على العرف كما هو المعهود بينهم في أمثاله من الأمور
التي لا تحديد لها بحسب الشرع ولكن الباعث له (ره) على ما حققه عدم وقوع تكرار الاكل ونحوه في النصوص المعتبرة حتى يحال إلى المعهود منه بحسب
العرف بل الوارد فيها تعليق الكفارة على الافطار وهو أمر شرعي فلا بد فيه من الرجوع إلى ما اعتبره الشارع في الافطار ويرجع على هذا إلى ما
حققه ره والقول بأن الافطار الوارد في الاخبار عبارة عن الأكل والشرب والجماع ونحوها وإن وحدة الاكل تارة من الشروع فيه إلي الانصراف
كما إذا أكل مستمرا على مائدة حتى يشبع وتارة بحسب الازدراد كما لو ابتلع قدر ذرة بالانفراد فبعيد غاية البعد بل هو ضابط جعلي من باب خلط
العرف بالشرع
ومن أفطر في شهر رمضان مستحلا للافطار فهو مرتد لانكاره ما علم من الدين ضرورة من وجوب صوم الشهر ويلحقه أحكام المرتد
بحسب حاله من الرجولية أو الأنوثية وانعقاد نطفته حين إسلام أحد أبويه أو كفرهما وغيره من المفطر المقر بالإثم والعصيان ووجوب صوم شهر
رمضان يعزر مرتين يرفع فيهما إلى الامام حسما لجرأته وجرأة الناس على الاقدام على الكبائر وفي صحيحة يزيد العجلي قال سئل أبو جعفر (عليه السلام)
عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر في شهر رمضان ثلاثة أيام قال يسئل هل عليك في إفطارك في شهر رمضان أثم فإن قال لا فإن على الإمام (عليه السلام)
أن يقتله وإن قال نعم فإن على الإمام (عليه السلام) أن ينهكه ضربا والنهك المبالغة في العقوبة وقيل والقائل به الأكثر يقتل في الثالثة إن رفع إليه
فيها لرواية سماعة قال سألته عن رجل أخذ في شهر رمضان وقد أفطر ثلاث مرات وقد رفع ثلاث مرات قال يقتل في الثالثة وهي
مقطوعة وفي سندها عثمان بن عيسى وسماعة ولرواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من أخذ في شهر رمضان وقد أفطر فرفع إلى الامام
يقتل في الثالثة وفي سندها محمد بن عيسى عن يونس مع اشتراك أبي بصير ولصحيحة يونس عن أبي الحسن الماضي قال أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم
420

الحد مرتين قتلوا في الثالثة وقد ورد الامر بالقتل في الثالثة أيضا في خصوص بعض الكبائر الموجبة للحد في الأخبار الصحيحة وغيرها ولكن قوة
الذنب الموجب للحد بالنسبة إلى الموجب للتعزير وزيادة عقوبة الحد على التعزير تمنعان عن إجراء الحكم في الموجب للتعزير الذي كلامنا فيه والقول
الاخر أنه يقتل في الرابعة اقتصارا في التهجم على الدماء على موضع اليقين وقد روى الشيخ أيضا مرسلا عنهم (عليهم السلام) أن أصحاب الكبائر يقتلون في
الرابعة وروى أبو بصير قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا جلد ثلاثا يقتل في الرابعة وإذا كان قتل الزاني في الرابعة فغيره بطريق الأولى وقال
العلامة في التذكرة إنما يقتل في الثالثة أو الرابعة على الخلاف لو رفع في كل مرة إلى الامام وعزر أما لو لم يرفع فإنه يجب عليه التعزير خاصة وإن زاد
على الأربع وهو حسن كما تشعر به صحيحة بريد المتقدمة وما ورد في الأخبار الكثيرة من التقييد بالرفع إلى الامام في كل مرة ولو استحل فعل شئ من المفطرات
في الصوم زعما منه أنه غير مفطر فإن كان فعل الاكل أو الشرب المعتادين أو الجماع فهو مرتد لما علم من الدين ضرورة من تحريمها في الصوم وإن كان غير الجماع و
الأكل والشرب المعتادين من المفطرات لم يكفر لعدم العلم بتحريمها ضرورة بل يوجد الخلاف بين المسلمين بل بين الفرقة الناجية في أكثرها كما عرفت خلافا
للحلبي حيث قال على ما نقل عنه في المختلف من فعل المفطر مستحلا فهو مرتد إن كان الأكل والشرب والجماع وكافر بما عدا ذلك يحكم فيه بأحكام المرتدين
أو الكفار وكأنه أراد بالكافر الخارج عن الدين الحق فتقبل توبته وإن كان فطريا وبالجملة ضعف ما ذكره غير خفي ولو ادعى المستحل للافطار أو لخصوص المفطر
الشبهة الممكثة كنشؤه في بلاد الكفر وعدم معرفته بقواعد الاسلام وسماعه لايات كتاب الملك العلام واخبار سيد الأنام ونحو ذلك قبل منه لعدم العلم
بكفره حينئذ من استحلاله ذلك ولقوله صلى الله عليه وآله إدرؤا الحدود بالشبهات ولما تقدم في أول الكتاب من راوية زرارة وأبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)
ويعزر المجامع بخمسة وعشرين سوطا والمطاوعة بمثله لو أكرهها عزر خمسين سوطا لرواية مفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد مر ذكرها والبحث عنها في
مسألة اكراه الرجل زوجته على الجماع وتحمله عنها الكفارة وإنما تجب الكفارة على الاطلاق بالافطار في شهر رمضان وقد مر البحث عنها والنذر المعين وشبهه
من العهد واليمين المعينين أما وجوب الكفارة بالافطار في النذر المعين والعهد فللأخبار الواردة في وجوب الكفارة بخلفهما مطلقا وبخلف النذر في خصوص
الصوم وسيأتي ذكرها وأما بالافطار في المعين باليمين فللآية الكريمة والأخبار الدالة على وجوبها بحنثه وقال العلامة في المنتهى النذر المعين بتعين زمانه
كما تعين رمضان فصار الافطار فيه هتكا لحرمة صوم متعين فأوجب الاثم والكفارة تتبع الاثم في فطر الصوم المتعين زمانه كرمضان وهذا استدلال قياسي
في مقابلة العامة حيث قال أكثرهم بأن لا كفارة في غير رمضان ويجري في المعين بالعهد واليمين أيضا وكأنه (ره) أراد بالنذر في هذا البحث ما يشمل أخويه حيث قال
والكفارة تجب في إفطار رمضان وتجب أيضا في قضائه بعد الزوال وفي النذر المعين قبل الزوال وبعده وفي الاعتكاف ثم قال واتفق علماؤنا والجمهور على
عدم إيجاب الكفارة فيما عدا ما ذكرناه ولعله لم يعتد أيضا بإلحاق ابن بابويه علي والحلبي قضاء النذر بقضاء رمضان والاعتكاف الواجب هذا الكلام إن حمل على
ظاهره من وجوب الكفارة بإفساد أصل الاعتكاف فذكره هنا بالتبع لشدة تعلقه بالصوم إذ لا ريب أن المراد من الحصر المستفاد من قوله وإنما تجب الكفارة
حصر وجوب الكفارة بإفساد الصوم وعلى هذا فينبغي حمل قوله بعد ذلك وقال الحسن لا كفارة في غير رمضان على غيره من جملة الصيام الذي كان المقصود
من الحصر والبحث فلا يظهر منه إسناد إنكار وجوب الكفارة بإفساد الاعتكاف الواجب إلى الحسن كيف ولا يظهر من العبارة المنقول عنه على ما سيأتي إنكاره أصلا
ولم ينسب إليه ذلك أحد من الأصحاب وقال في المنتهى تجب الكفارة بالجماع على المعتكف سواء جامع ليلا أو نهارا ذهب إليه علماؤنا وإن حمل على وجوب
الكفارة بإفساد الصوم الواجب باعتبار الاعتكاف زائدا على ما يجب لأصل الاعتكاف على ما يظهر من كلام المصنف (ره) في باب الاعتكاف كما سيأتي إنشاء الله فذكر
هذا في موقعه ولا يبعد إسناد إنكاره إلى الحسن واستنباطه من كلامه وقال خالي طاب ثراه وجوب الكفارة في الاعتكاف الواجب هو المشهور بين الأصحاب بل
نقل بعض المتأخرين أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب ونقل في الدروس عن ابن أبي عقيل سقوطهما فيما عدا رمضان ثم ذكر الأخبار الدالة على وجوب الكفارة
للاعتكاف حجة للقول المشهور واحتج لقول ابن عقيل بما ورد في حسنة حماد من قول أبي عبد الله وأما اعتزال النساء فلا وبعد معرفتك بما حققناه
تعرف ما في كلامه (ره) كيف ولو احتج ابن أبي عقيل بظاهر ما ورد في هذا الخبر يلزمه القول بجواز الجماع في الاعتكاف مع مخالفة ذلك للكتاب الكريم وسيأتي
البحث عن هذه المسألة في باب الاعتكاف إنشاء الله وقضاء رمضان بعد الزوال وسيأتي الأخبار الدالة عليه وأما عدم وجوب الكفارة في إفطار غير ما ذكر من النذر
المطلق وأخويه وقضاء المعين بأحدها والكفارة والمندوب فلان وجوب الكفارة حكم مخالف للأصل يحتاج إلى دليل شرعي ولم يوجد على وجوبها فيها
دليل يصلح للتعويل وقد مر أيضا آنفا نقل دعوى وفاق العلماء كافة على ذلك من المنتهى ولكن سيجئ ذكر إلحاق قضاء النذر من علي والحلبي وعلى القول
بوجوب صوم يوم نام في ليلته عن صلاة العشاء التي حتى تجاوز نصف الليل قد ذكر الشهيدان أن على سبيل الاحتمال وجوب الكفارة في إفطاره لتعينه وقال
421

الحسن لا كفارة في غير رمضان وهو شاذ نقل عنه في المختلف أنه قال من جامع أو أكل أو شرب في قضاء من شهر رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أثم وعليه القضاء
ولا كفارة عليه ويمكن حمل النذر الواقع في كلامه على النذر المطلق بل قضاء رمضان أيضا على قبل الزوال حتى يوافق المشهور ولكنه يعيد ويمكن أيضا حمله
على أنه لا كفارة في إفطار صوم النذر في نفسه غير كفارة سببه وهو أبعد ولو حمل على ظاهره من نفي الكفارة فيه مطلقا كما أسندوه إليه فغريب إذ لم ينسبوا إليه
القول بعدم وجوب الكفارة في مطلق خلف النذر والقول به في خصوص نذر الصوم مما لا وجه له مع مزيد الأخبار الواردة فيه بخصوصه وأورد عليه في
المختلف أن الاثم تابع لوجوب الكفارة فيسقط مع سقوطها وأقول ورد المنع على ما ذكره من أن الاثم تابع لوجوب الكفارة واضح كيف وتعمد القئ موجب
للقضاء خاصة عنده ومن إيجابه للقضاء يظهر إفساده للصوم فيكون محرما موجبا للإثم البتة مع تخلف وجوب الكفارة عنه وكان نظر ابن أبي عقيل إلى
النهي الوارد عن إبطال العمل كما سيأتي ثم ليس في هذه العبادة كما ترى تصريح بحكم العهد واليمين والاعتكاف أيضا إن كان داخلا تحت المقصود من لفظ غير رمضان
في كلام المصنف كما عرفت ولعله (ره) اطلع على نص منه على ذلك موافقا لمذهب كثير من العامة وكلام المنتهى يشعر بذلك حيث قال بعد البحث عن الكفارة في إفطار
النذر المعين وابن أبي عقيل من علمائنا لم يوجب كفارة في ذلك كالجمهور ويمكن استنباطه أيضا من هذه العبارة المنقولة عنه بالأولوية إذ لم يورد
نص في كفارة خصوص الصوم المتعين بشئ من الأسباب المذكورة سوى النذر ومن ذلك ترى المرتضى وجمعا من الأصحاب يحكمون بأن النذر إن كان بصوم
فأفطره فكفارته كفارة رمضان وإن كان لغير ذلك فكفارة يمين وإنما يكون القضاء اصطلاحا في المعين وأما غيره كالنذر والكفارة ونحوهما
فلا يسمى قضاء وإن وجب الصوم ثانيا بالفساد العارض لما شرع في فعله أولا لان القضاء في اصطلاحهم اسم لفعل مثل المقضى بعد خروج وقته مما لا وقت له
على التعيين شرعا أولا فلا قضاء له ولو أفطر لخوف التلف من عطش ونحوه فالأقوى القضاء لتركه للصوم بإفطاره اختيارا ووجوب القضاء على كل تارك
له بالاختيار كما تقدم وكون الافطار لضرورة حفظ النفس لا يقتضي سقوط القضاء كما لا يسقط عن المريض وفي الرواية يشرب ما يمسك الرمق خاصة
ففي موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه قال يشرب بقدر ما يمسك رمقه ولا يشرب حتى يروى وقريب منه ما ورد في
رواية مفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أن لنا فتيات وشبانا لا يقدرون على الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش قال فليشربوا بقدر
ما تروى به نفوسهم وما يحذرون وفيها دلالة على بقاء الصوم وعدم وجوب القضاء ولكن الأولى للجمع بين الأدلة حمل عدم التجاوز عن سد الرمق
فيها على الاستحباب لكراهة التملي من الطعام والشراب لكل مفطر على ما سبق بيانه ولو حمل على الوجوب فلا يقتضي سقوط القضاء على ما عرفت
في بحث المكره كما اختاره الفاضل العلامة حيث قال في المنتهى بعد نقل ما رواه عمار والرواية مناسبة للمذهب لأنه في محل الضرورة إذا ثبت هذا
فهل يجب عليه القضاء أم لا الوجه عدم الوجوب لأنه إذا شرب بقدر ما يمسك رمقه مخافة التلف كان بمنزلة
المكره ولأن التكليف يسقط حينئذ ولا يجوز
له التعدي فلو شرب زيادة على ذلك وجب عليه القضاء والكفارة انتهى وما ذكره من أنه بمنزلة المكره فغير ظاهر بل لا يبعد إدعائه أنه بمنزلة المريض خصوصا
وقد وقعت الرواية في الكافي بلفظ العطاش وهو بضم العين داء لا يروى صاحبه ولا ريب أن الاحتياط في عدم التعدي والقضاء وكفارة النذر و
العهد كرمضان أي كبيرة مخيرة كما عرفت أما النذر فكون كفارة خلفه ما ذكر عليه الأكثر خصوصا إذا تعلق بصوم يوم فأفطره فإن المرتضى وابن إدريس
والعلامة في غير المختلف يقولون بأن النذر إن كان لصوم فأفطره فكفارة رمضان وإن كان لغير ذلك فكفارة يمين ووجه الجمع بين الروايات حيث دل
بعضها على أن كفارة خلفه كفارة رمضان فيناسبه حمله على إفطار صوم معين بالنذر لمشاركته لصوم رمضان في الوجوب المعين ودل بعضها على أن
كفارته كفارة يمين فيحمل على نذر غير الصوم ويخدش هذا الجمع ظهور الخبر القوي الدال على أن كفارته كفارة رمضان في النذر المعلق بترك الحرام
لا بفعل الصيام وذهب الصدوق والمحقق في النافع وجمع من الأصحاب إلى أن كفارة خلف النذر مطلقا كفارة يمين ونقل عن سلار والكراجكي أنها
كفارة ظهار وهو يقتضي كونها مرتبة حجة القول المشهور صحيحة عبد الملك بن عمرو عن الصادق (عليه السلام) قال من جعل الله عليه أن لا يركب محرما
سماه فركبه قال لا ولا أعلمه إلا قال فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا وما رواه الحسين بن عبيد قال كتبت إليه يعني
أبا الحسن الثالث (عليه السلام) يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما لله فوقع في ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة فأجابه (عليه السلام) يوما بدل يوم
وتحرير رقبة وما روي عن علي بن مهزيار أنه كتب إلى يعني إلى أبي الحسن (عليه السلام) على الظاهر يسئله يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما فوقع في ذلك اليوم
على أهله ما عليه من الكفارة فكتب (عليه السلام) إليه يصوم يوما بدل يوم ويحرر رقبة مؤمنة وما روي عن الصيقل أو الفضيل على اختلاف نسخ التهذيب
وفي المدارك قسم بن فضيل ولم أجده في نسخ التهذيب أنه كتب إليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما لله فوقع في ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة
422

فأجابه يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة ويؤيده أيضا ورود هذه الكفارة في خلف العهد في بعض الاخبار كما سيأتي أقول والرواية
الأولى لا يخلو عن كلام في صحة سندها وقطعية متنها أما السند فلما قاله في المسالك من أن هذا الخبر وإن كان قد وصفه بالصحة جماعة من المحققين كالعلامة
وولده والشهيد في الشرح إلا أن فيه منعا بينا لان عبد الملك بن عمر ولم ينص أحد عليه بالتعديل وإنما هو ممدوح مدحا بعيد عن التعديل ولم يذكره
النجاشي ولا الشيخ في كتابيه وذكره العلامة ونقل عن الكشي أن الصادق (عليه السلام) قال له أنه يدعو له حتى أنه يدعو لدابته وهذا غايته أن يقتضي المدح
لا التوثيق مع أن الرواية منقولة عنه ومثل هذا لا يثبت به حكم وغايته أن يكون من الحسن والأولى أن يريدوا بصحتها توثيق رجال إسنادها إلى عبد الملك
المذكور وهي صحة إضافية مستعملة في اصطلاحهم كثيرا أقول الظاهر أن إطباق هؤلاء المحققين على وصف هذا الخبر بالصحة في مقام الاستدلال في الكتب
المتعددة من تصانيفهم يأبى عن حمل الصحة على الإضافية ويفيد الظن بوصول توثيق رجاله إليهم خصوصا مع نقل ابن داود عن الكشي توثيق عبد
الملك ولكن مع ذلك يشكل الحكم بترجيح هذه الرواية على حسنة الحلبي بن إبراهيم بن هاشم مع قطع النظر عن ورودها بالسند الصحيح في الفقيه كما سيأتي
فكيف معه وأما المتن فلظهور رائحة تردد الرأي وفي مقول الامام من قوله ولا أعلمه إلا قال والاخبار الأخيرة غير نقية الاسناد مع عدم ظهور متنها
في القول المشهور إذ لا بد من حمل التحرير الوارد فيها على ذكر أحد أفراد الخصال المخير فيها وكما يحتمل أن يكون من خصال كفارة رمضان يحتمل أن يكون من
خصال كفارة اليمين ولا يبعد استفادة سلار والكراجكي الترتيب من هذه الأخبار مع جريان بعض الوجوه السابقة في ترتيب كفارة رمضان فيها أيضا
وحجة قول الصدوق ما رواه الكافي والشيخ في التهذيب عنه في الحسن بن إبراهيم بن هاشم عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن قلت لله علي فكفارة
يمين وهذا مذكور أيضا في أخر خبر عن الحلبي في الفقيه مع صحة سند الفقيه إليه ولكن فيه أن الحلبي قال سئلته إلا أن القرائن تشهد بأن المراد الصادق
(عليه السلام) وبالجملة الظاهر رجحان هذا الخبر على الاخبار السالفة ويؤيده ما في صحيحة علي بن مهزيار وقد تقدم ذكرها والبحث عنها في مسألة عدم
صحة الصوم الواجب في السفر من قوله (عليه السلام) وإن كنت أفطرت من غير علة فتصدق بعدد كل يوم لسبعة مساكين والظاهر أن السبعة وقعت سهوا في
التهذيب والصحيح عشرة مساكين فيكون من إفراد كفارة اليمين ويشهد عليه نقل الفقيه مضمون الرواية بعنوان الفتوى كما هو دأبه في الفقيه و
المقنع بلفظ العشرة وذكر الشهيد في المسالك أن نسخة المقنع عنده بخطه الشريف هكذا ويؤيده أيضا ما رواه حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال سئلته عن كفارة النذر فقال كفارة النذر كفارة اليمين الحديث وما رواه العامة أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال كفارة النذر
كفارة يمين مع اتفاق رواياتهم التي صححوها عنه صلى الله عليه وآله على ذلك كما قاله في المسالك فقد ظهر إذن أن القوة لهذا القول ولكن
الاحتياط في العمل بالقول الأول خصوصا مع ذهاب أكثر الأصحاب إليه وقال الشيخ في التهذيب للجمع بين الاخبار أن الكفارة إنما تلزم بحسب ما يتمكن
الانسان منه فمن تمكن من عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا كان عليه ذلك فمتى عجز عن ذلك كان عليه كفارة يمين
حسب ما تضمنه الخبر الأخير أي حسنة الحلبي والذي يدل على ذلك ما رواه الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) أنه قال كل
من عجز عن نذر نذره فكفارته كفارة يمين أقول وبعد هذه الصحيحة عن إفادة ما ذكره الشيخ واضح جدا إذ يصير المعنى والتقدير على ما فهمه إن كان من
عجز عن كفارة نذر نذره وخالفه فكفارة يمين وهو في كمال البعد عن اللفظ والظاهر أنه (عليه السلام) عبر عن خلف النذر بالعجز أو أراد حقيقة العجز
والكفارة باعتبار تجدده بعد التمكن من المنذور والتهاون فيه أو على سبيل الاستحباب أو التقية وعلى التقادير يؤيد قول الصدوق بأن كفارة
النذر كفارة يمين وأما العهد فأصحاب القول الأولى في كفارة خلف النذر الحقوا خلفه به في الكفارة لرواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال من جعل
عليه عهد الله وميثاقه في أمر الله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى
بن جعفر (عليهما السلام) قال سئلته عن رجل عاهد الله في غير معصيته ما عليه إن لم يف بعهده فقال يعتق رقبة أو يتصدق أو يصوم شهرين متتابعين
والظاهر أن المراد بالصدقة إطعام ستين مسكينا بقرينة الرواية السابقة وما وقع في هذه الرواية أيضا من التردد بينها وبين العتق وصيام الشهرين
والروايتان ضعيفتا الاسناد ولكن لا معارض لهما وقيل أن كفارة خلف العهد كفارة يمين لاشتراكهما في الالتزام وأصالة البراءة من الزايد وضعف ما يدل عليه و
قيل بالتفصيل الذي مر في النذر من الفرق بين تعلقه بالصوم وغيره ولا وجه للقول به هنا لان الباعث عليه في النذر الجمع بين الروايات المختلفة
ولا اختلاف في الرواية هنا مشاركة العهد للنذر في جميع الأحكام مما لا دليل عليه وتوهم وجوب هذه الكفارة لافطار الصوم الواجب على التعيين
مطلقا لا وجه له وأقول على القول بوجوب كفارة اليمين في النذر مطلقا كما هو الأقوى بحسب الدليل يشكل القول بزيادة العهد عليهما بمجرد هذين
423

الخبرين وأمر الاحتياط واضح وكفارة إفطار الصوم المتعين باليمين كفارة يمين لاطلاق قوله تعالى فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون
أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم وكفارة إفطار القضاء عن شهر رمضان بعد
الزوال إطعام عشرة مساكين فإن عجز صيام ثلاثة أيام هذا هو المشهور بينهم ويدل عليه ما رواه بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل أتى أهله
في يوم يقضيه من شهر رمضان قال إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شئ عليه إلا يوما مكان يوم وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين فإن لم يقدر صام يوما مكان يوم وصام
ثلاثة أيام كفارة لما صنع أقول هذه الرواية وإن وصفها العلامة في المنتهى بالصحة لكن في سندها حرث بن محمد بن النعمان الأحول ولا يستفاد من
كتب الرجال حاله مدحا أو جرحا وربما دل ما ذكروه من أن له أصلا يرويه أحمد بن محمد بن عيسى على حسن حاله في الجملة ولذلك قال في المختلف وما رواه
بريد من غير وصف ويدل عليه أيضا ما رواه هشام بن سالم في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان
فقال إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شئ عليه يصوم يوما بدل يوم وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين فإن لم يمكنه صام
ثلاثة أيام كفارة لذلك وذلك اليوم في قوله (عليه السلام) صام ذلك اليوم أما اليوم الفاسد والمراد بصيام إتمام صيامه بعد الفساد أو صيام بدله كناية
وأما اليوم المذكور قبله بقوله يصوم يوما بدل يوم ويرجع أيضا إلى صيام بدل هذا اليوم الفاسد والشيخ (ره) في الاستبصار جمع أولا بين هذه
الرواية والرواية السابقة بحمل قبل صلاة العصر المذكور في هذه الرواية على قبل الزوال وكذا بعد العصر على بعد الزوال لان وقت الصلاتين عند
زوال الشمس إلا أن الظهر قبل العصر كما ورد في الاخبار فجاز أن يعبر عما قبل الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين ويعبر عما بعد العصر بأنه
بعد الزوال أقول والظاهر في العبارة أن يقول ويعبر عما بعد الزوال بأنه بعد العصر وثانيا بحمل الأولى وما ورد فيها من مراعاة الزوال في الكفارة
على الاستحباب والثانية على الوجوب والحاصل أن مناط وجوب الكفارة وعدم وجوبها بعد العصر كما ورد في الثانية ولكن يستحب الكفارة
من الزوال في وقت العصر كما تضمنته الأول أقول وما ورد في الأخبار الكثيرة من اعتبار الزوال في جواز إفطار القضاء وعدم جواز إفطاره يزيد
اعتبار الزوال في الكفارة كما ورد في الرواية الأولى واشتهر بين الأصحاب فإذن الجمع الأول مع بعده عن اللفظ أظهر ثم إن الروايتين لا تفيدان إلا
حكم الجماع ولكن الظاهر أن لا فارق بينه وبين غيره من المفطرات في الحكم وروي في كفارة إفطار القضاء كبيرة كقول ابن بابويه علي في رسالته وولده
في المقنع حيث ذكر الكبيرة بعنوان الفتوى ونسبا الأولى إلى الرواية وعكس الصدوق في الفقيه فاختار الأولى ونسب الكبيرة إلى الرواية وأما رواية
الكبيرة فما رواه زرارة في الموثق قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل صام قضاء عن رمضان فأتى النساء قال عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في
شهر رمضان ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان ولا تعرض في هذه الرواية للفرق بين قبل الزوال وبعده بل ظاهر قوله (عليه السلام) ذلك اليوم عند الله
من أيام رمضان يفيد عدم الفرق بل حكم غير الجماع من المفطرات أيضا ولكن الشيخ (ره) قال إن هذا الخبر ورد نادرا ويمكن أن يكون المراد به من أفطر هذا اليوم
بعد الزوال على طريق الاستخفاف والتهاون بما يجب عليه من فرض الله تعالى فيجب عليه حينئذ من الكفارة ما على من أفطر يوما من رمضان عقوبة له وتغليظا
عليه فأما من أفطر وهو معتقد أن الأفضل إتمام صومه فليس عليه إلا ما قدمناه من إطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام أقول وبعد هذا الحمل
واضح جدا لعدم التعرض في الرواية للتهاون وتعليل وجوب تلك الكفارة به أصلا بل علله بأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان وتكفير التهاون
الذي ينزل منزلة الارتداد بهذه الكفارة أيضا لا يخلو عن بعد وكذا يبعد حمله على أصل وجوب الكفارة كما أن من أصاب في شهر رمضان تجب عليه
الكفارة وإن اختلفت الخصال وقس عليهما الحمل على استحباب الكبيرة الواردة في هذا الخبر على من أفطر في القضاء نعم ربما قيل إن اختلاف الاخبار في
القدر والوقت كما ترى مع ورود الخبر بنفيها رأسا كما سيأتي يؤيد القول باستحباب أصل الكفارة وعدم وجوبها وما رواه أيضا حفص بن سوقة مرسلا عن
أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في
شهر رمضان ولعل الحمل على التشبيه في وجوب أصل الكفارة أقرب إليها من الأولى والروايتان لقصور إسنادهما لا تعارضان الخبرين السابقين في
وجوب زيادة الكفارة للأصل وروي أيضا في كفارة إفطار القضاء كفارة يمين كقول القاضي ابن البراج حيث قال على ما نقل عنه عليه
كفارة يمين وقد ذكر أن عليه كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان والاحتياط يقتضيه واختارها الشيخ أيضا
في باب الكفارات من النهاية وأما
في باب الصيام فاختار المشهور وذكر مضمون الروايات المخالفة له وأولها ونسبها في المسالك إلى سلار بن عبد العزيز أيضا ثم رأيته في
مراسمه أقول ولم أقف على الرواية المتضمنة لوجوب كفارة اليمين ولو كانت في ينافي المشهور لان إطعام العشرة وصيام الثلاثة من خصال
424

كفارة اليمين وروي أيضا أن المفطر فيه لا شئ عليه من الكفارة كقول الحسن بن أبي عقيل وقد ذكرنا سابقا العبارة المنقولة عنه الدالة ظاهرا
على ذلك والرواية موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان يريد أن يقضيها متى يريد أن
ينوي الصيام قال هو بالخيار إلى أن تزول الشمس فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم وإن كان نوى الافطار فليفطر سئل فإن كان نوى الافطار تسقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس قال لا سئل فإن نوى
الصوم ثم أفطر بعدما زالت الشمس قال قد أساء وليس عليه شئ إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه وقال الشيخ في التهذيب قوله (عليه السلام)
وليس عليه شئ إلا قضاء ذلك اليوم محمول على أنه ليس عليه شئ من العقاب لان من أفطر في هذا اليوم لا يستحق العقاب وإن أفطر بعد الزوال ويلزمه الكفارة حسب ما
قد بيناه وليس كذلك من أفطر في رمضان لأنه يستحق العقاب والقضاء والكفارة وهذا الحمل بعيد من وجوه الأول بعد قوله ليس عليه شئ عن إرادة شئ
من العقاب الثاني منافاة ظاهر قوله قد أساء لنفي العقاب رأسا الثالث عدم صحة استثناء قضاء ذلك اليوم عن نفي العقاب مطلقا الرابع عدم ملائمة وجوب
الكفارة لعدم استحقاق العقاب الذي يظهر من الخبر وأجاب في المختلف بعد القدح في السند بالحمل على العاجز وحمله الشيخ عليه أيضا في النهاية
وقال خالي (طاب ثراه) قول ابن أبي عقيل عندي قوي لان دلالة الروايتين على الوجوب غير واضحة عندي سيما مع معارضتهما بموثقة عمار مع أن الراجح عندي
العمل بالاخبار الموثقة والجمع بين الاخبار يقتضي حمل الأخبار الدالة على الكفارة على الاستحباب أقول دلالة قوله (عليه السلام) فإن عليه أن يتصدق على عشرة
مساكين على الوجوب غير خفية خصوصا بقرينة اعتبار شئ آخر بعد العجز عنها وقرينة قوله كفارة وكذا قوله (عليه السلام) في الصحيحة فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام
كفارة قرينة على الوجوب وظهور الموثقة والمرسلة في الوجوب واضح والعمل بالخبر الموثق كما هو أهله مما لا وجه له وتحقيق ذلك في الأصول خصوصا مع
تعارضه للاخبار التي من جملتها الصحيح كخبر هشام بن سالم والحسن كخبر يزيد والموثق كخبر زرارة وكأنه (ره) توقف في كون خبر زرارة من الموثق حيث قال و
أما ما رواه الشيخ عن زرارة من غير وصف ويحتمل أن يكون ذلك باعتبار اشتمال سنده على محمد بن إسماعيل واشتراكه بين الثقة والمجهول ولكن قرينة نقله
عن حماد بن عيسى ونقل علي بن الحسن بن فضال عنه تشهد بأنه الزعفراني الثقة وأطبق المحققون على تسميته بالموثق كما وقع في المختلف والمسالك والمدارك
وغيرها وظاهر الحسن والحلبي تحريم إفطار قبل الزوال كما يحرم بعده بالاتفاق على ما هو الظاهر أما الحسن فقد مر ذكر كلامه ونقل عنه أيضا في المختلف إنه
قال ومن أصبح صائما بقضاء كان عليه من شهر رمضان وقد نوى الصوم من الليل فأراد أن يفطر في بعض النهار لم يكن له ذلك وأما الحلبي فنقل عنه في المختلف
أيضا أنه قال إن أفطر يوما عزم على صومه قضاء قبل الزوال فهو مأزور وإن كان بعد الزوال تعاظم وزره ولزمته الكفارة صيام ثلاثة أيام أو
إطعام عشرة مساكين وهذا قول آخر في الكفارة إنها مخيرة ولم يذكره المصنف (ره) واختاره الشيخ أيضا في الجمل وموضع من المبسوط ومأخذه غير ظاهر
وأما دليل جواز الافطار قبل الزوال كما هو المشهور فالأصل وأخبار كثيرة وقد مر بعضها ومنها ما رواه جميل بن دراج في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال في الذي يقضي شهر رمضان أنه بالخيار إلى زوال الشمس وإن كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار وما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس فإذا زالت الشمس فليس لك
أن تفطر وربما يشمل قوله (عليه السلام) قضاء الفريضة لقضاء النذر المعين وشبهه أيضا فيفيد حرمة إفطاره أيضا بعد الزوال وأمر صحة هذا الخبر لا يخلو عن
شئ لكثرة اختلاف نسخ التهذيب في أسامي رواته لكن العلامة (ره) في المختلف وصفه بالصحة وما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تقضي
شهر رمضان فيكرهها زوجها على الافطار فقال لا ينبغي له أن يكرهها بعد الزوال وربما دل لفظة لا ينبغي على كراهة الافطار بعد الزوال ولكن لا
يبعد القول بجواز إكراه الرجل لها وإن حرم عليها من غير أمره بالافطار وعلى هذا لا يصير هذا الخبر دليل أصل المدعى من جواز إفطار القضاء قبل
الزوال وما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الافطار ما بينه وبين أن تزول الشمس وفي
التطوع ما بينه وبين أن تغيب الشمس وما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله الصائم بالخيار إلى زوال الشمس قال إن ذلك في
الفريضة فأما النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب الشمس والضمير في قوله إما للنبي صلى الله عليه وآله أو للإمام (عليه السلام) وقال الشيخ في التهذيب
قوله (عليه السلام) إن ذلك في الفريضة يريد قضاء الفريضة لان نفس الفريضة ليس فيها خيار وعلى حال أقول والأظهر بحسب اللفظ أن يحمل على الفريضة الغير
المعينة وإن ثبت جواز إفطار النذر المطلق ونحوه بعد الزوال بحمل عدم الخيار بعد الزوال على كراهة الافطار استحباب البقاء على الصوم بعده كما
يحمل عليه على توجيه الشيخ أيضا إن أريد بقضاء الفريضة مطلق قضاء الفريضة لا خصوص قضاء الشهر وأما دليل مذهب الحسن والحلبي من تحريم
إفطار القضاء مطلقا ولو كان قبل الزوال فصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلته عن الرجل يقضي رمضان أله أن يفطر بعدما يصبح قبل الزوال
425

إذا بدا له فقال إذا كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتم صومه وما سبق في موثقة زرارة من الحكم بوجوب مثل كفارة
الإصابة في رمضان على من أصاب في القضاء مطلقا وقوله (عليه السلام) ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان وحيث لا يصلح هذان الخبران من حيث السند والمتن
لتعارض الأخبار الكثيرة السابقة فيحمل ما في الصحيحة المضمرة من قوله فلا يفطر ويتم صومه على الاستحباب ويخصص الاطلاق الذي في الموثقة النادرة فيمن
أصاب بمن أصاب بعد الزوال كما أشار إليه الشيخ في تأويله كيف لا ولا بد من التأويل والتخصيص في هذه الرواية على رأي الحسن والحلبي أيضا إذ الحسن لا
يقول بالكفارة مطلقا والحلبي لا يقول بها قبل الزوال ولا بخصوص هذه الكفارة بعده كما علمت من مذهبهما ويحمل المراد من قوله (عليه السلام) إن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان على أنه مساو لها في تأكد الاتيان بفعله
ولزوم رعاية حرمته وتأدية صوم الواجب في أصل الشرع به وليس المراد بمساواة من جميع الجهات والاعتبارات حتى يلزم تحريم إفطاره قبل الزوال
وقد علمت أن الحسن والحلبي أيضا لا يقولان بالمساواة والكفارة واحتج في المختلف لهذا القول بقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ولأنه بالشروع في الصوم
وقع بدل عن رمضان في نفس الامر فيجب إتمامه كالمبدل إذ لولاه لكان إتمامه مستحبا فلا يكون مجزيا عن الواجب قال والجواب أنه إن كان النهي متوجها إلى الواجب
فمسلم لكن نحن نمنع وجوبه قبل الزوال وإن كان متوجها إلى المندوب منعنا كونه للتحريم ولأن النهي متى يكون حراما إذا لم يقم غيره مقامه أو إذا قام
الأول مسلم والثاني ممنوع لكن هنا العمل يقوم مقام غيره وهو القضاء بعد ذلك ولأن النهي يتناول إبطال جميع الأعمال إذ الجمع المضاف للعموم وذلك
إنما يكون بالكفر ونمنع وجوب الاتمام في البدل بمعنى أنه يجب عينا بل يجب هو أو غيره أقول إن أراد بقوله في الجواب لكن نحن نمنع وجوبه قبل الزوال
منع الوجوب المطلق فغير صحيح إذ من البين أنه لا بد في القضاء من نية الوجوب من الليل وإن أراد منع الوجوب العيني فيرجع هذا القول أيضا إلى ما ذكره
بعده بقوله ولأن النهي متى يكون حراما إلى اه وحينئذ فنستفسر عن معنى الوجوب العيني فإن أراد به الامر بشئ بخصوصه في وقت مضيق لا يسع إلا لفعله
أمرا مانعا من النقيض كالصيام في أيام الشهر والحج في عام الاستطاعة دون الصلوات اليومية ونحوها من الواجبات الموسعة ففيه أنه الوجوب بهذا
يستلزم النهي عن إبطاله إذ لا ريب أن إبطاله يؤدي إلى ترك المأمورية بالامر الوجوبي وتركه محرم منهي يستفاد حرمته من أصل الامر المتعلق به فلا
فائدة في إرجاع هذا النهي الوارد في هذه الآية الشريفة إليه إلا أن يقال أن المراد من النهي أن أصل الابطال في تلك الأعمال محرم وراء ترك المأمور به
حتى لو لم يشتغل بالفعل أصلا لكان أقل إثما من الشارع المبطل إذ لم يصدر عنه حينئذ الابطال المحرم ولكن للسائل أن يطالب بوجه ارتكاب هذا التخصيص
البعيد في الآية الكريمة وإن أراد به الامر بالشئ من غير تخيير بينه وبين غيره وإن وسع وقته ويمكنه الاتيان به في كل جزء منه كالأمر بالصلاة من الزوال
إلى الغروب فيحرمه بحكم هذا النهي إبطال مثل هذا العمل من إمكان الاتيان به بعده وهذا بخلاف الامر بالشئ الذي خير بينه وبين غيره كخصال الكفارة
المخيرة فلا تحريم في إبطال أحديهما بعد الاشتغال إذا رجع إلى غيرها فيرد عليه بعد ظهور كمال بعد ارتكاب مثل هذا التخصيص في الآية الكريمة إن
وجوب الصيام من الضرب الأول ونسبة الأيام المتعددة إليه ليس إلا كنسبة أجزاء الوقت إلى الصلاة وما ذكره من أن النهي يتناول إبطال جميع الأعمال
إذ الجمع المضاف للعموم وذلك إنما يكون بالكفر فبناؤه على أن عموم الجمع بمعنى المجموع من حيث المجموع لا بمعنى كل واحد وهو خلاف التحقيق ولكن سابق
الآية ولاحقها يدلان على إرادة الابطال بالكفر ومخالفة الله ورسوله والصد عن سبيله ولا يبعد ادعاء أن المتبادر من إبطال العمل أن يأتي به على وجه
لا يعد حسنا ولا يوجب أجرا باعتبار مقارنة شئ أو لحوق أمر يخرجه عن الحسن والطاعة كالكفر والنفاق والرياء والمن والأذى والارتداد
ونحوها نظير ما في قوله تعالى ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ولا يتبادر منه ترك العمل والخروج عنه وقطعه بعد الاشتغال به كما هو الشايع
بين العامة في استعمال إبطال العمل والنافع في الاحتجاج به لما نحن فيه هذا المعنى كما لا يخفى والصواب في الجواب مع قطع النظر عما ذكرناه من احتمال
إرادة الكفر ونحوه وبعد تسليم أن النهي للتحريم أن يقال لا بد من تخصيص العام بعد استفاضة الاخبار بخلافه في مادة مخصوصة كما فيما نحن فيه
وألحق ابن بابويه علي والحلبي النذر به أي بقضاء رمضان في تحريم الافطار ووجوب الكفارة على المفطر بعد الزوال فقال علي في رسالته
على ما نقل في المختلف إذا قضيت شهر رمضان أو النذر كنت بالخيار في الافطار إلى زوال الشمس فإذا أفطرت بعد الزوال فعليك الكفارة مثل ما
على من أفطر يوما من شهر رمضان وقال الحلبي على ما نقل عنه في المختلف أيضا إن كان القضاء لافطار تجب له الكفارة ففرضها متعين مع القضاء
وأقول أما حرمة إفطاره بعد الزوال فيدل عليها بعض الاخبار السالفة كقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان وصوم قضاء الفريضة لك
أن تفطر إلى زوال الشمس فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر وقوله (عليه السلام) في رواية سماعة بن مهران في بيان قول الصائم بالخيار إلى زوال
الشمس إن ذلك في الفريضة ولكن المشهور بين الأصحاب عدم تحريم إفطار الصوم الغير المتعين سواء كان قبل الزوال أو بعده غير قضاء رمضان بعد
426

الزوال والخبر الثاني باعتبار ضعف السند غير صالح لإفادة حكم التحريم ولا يبعد دعوى تبادر فهم قضاء الشهر من قضاء الفريضة الواقع في الخبر
الأول والحلبي لا يمكنه الاحتجاج بهذين الخبرين لأنه يقول في القضاء بتحريم الافطار قبل الزوال أيضا كما علمت ونسب إليه في المسالك أنه أوجب المضي
في كل صوم واجب وحرم قطعه مطلقا وأما وجوب الكفارة على المفطر فيه بعد الزوال فلا دليل عليه ظاهرا يعارض أصل البراءة سوى ما
ذكره في المختلف من مساواته لقضاء رمضان لاشتراكهما في كونهما قضاء للواجب ولأن المقتضي لوجوب الكفارة هناك كونه قد أبطل عبادة فعل
أكثرها وهو متحقق هنا والجواب كما أفاد فيه المنع من المساواة والاقتضاء مع أن ذلك قياس محض لا نقول به ولا تجب في القضاء الفورية لما رواه الحلبي
في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا كان على الرجل شئ من شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء أياما متتابعة فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء
وليمحص الأيام فإن فرق فحسن وإن تابع فحسن قال قلت أرأيت إن بقي عليه شئ من صوم رمضان أيقضيه في ذي الحجة قال نعم والمراد بقوله (عليه السلام) ليمحص
الأيام فإن فرق فحسن وإن تابع فحسن إن الواجب على ما يقضي شهر رمضان إحصاء الأيام التي أفطرها وإكمال عدتها بحيث لا يبقى عليه شئ منها كما قال
عز وعلا ولتكملوا العدة فإن قضاها متفرقة فحسن وبرئت ذمته وإن قضاها متتابعة فكذلك وما أمرته به أولا من التتابع فمن باب رعاية الفضل
والاستحباب وما رواه ابن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من أفطر شيئا من رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل وإن قضاه متفرقا
فحسن وما رواه حفص بن البختري في الحسن لإبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كن نساء النبي صلى الله عليه وآله إذا كان عليهم صيام أخرن ذلك إلى شعبان
كراهية أن يمنعن رسول الله صلى الله عليه وآله حاجته فإذا كان شعبان صمن وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول شعبان شهري وتدل على
ذلك أخبار أخر أيضا وفيما ذكرناه كفاية إنشاء الله تعالى خلافا للحلبي نقل عنه في المختلف أنه قال يلزم من تعين عليه فرض القضاء بشئ من شهر رمضان
أن يبادر به في أول أحوال الامكان ولعل الباعث له على ذلك أن الامر للفور وأنت خبير بأن فهم الفور من قوله تعالى فعدة من أيام أخر مستبعد وقد جاء
الخبر عن الصادقين عليهما السلام أيضا بجواز التراخي كما علمت ويستحب فيه التتابع لا التفرق على الأصح اختلفوا في استحباب القضاء بعد اتفاقهم على جواز
التتابع والتفريق ويلزم على الحلبي من قوله بوجوب المبادرة بالقضاء القول بوجوب المتابعة فيه ولكن نسبوا إليه القول بأفضلية التتابع فالأكثر على
ما ذهب إليه المصنف من استحباب المتابع وقيل باستحباب التفريق نقله ابن إدريس في سرائره عن بعض الأصحاب وبعض هؤلاء يقول إن كان عليه عشرة أيام
أو أكثر بين السنة إنشاء ثم فرق الباقي وبعضهم يقول تابع بين الثمانية إنشاء ثم فرق الباقي ويظهر من المفيد (ره) في المقنعة الميل إليه وقيل بالتخيير
بين المتابعة والتفريق نقل ذلك عن السيد في بعض رسائله وعن علي بن بابويه حجة ما ذهب إليه المصنف (ره) والأكثر بعد العمومات الدالة على المسارعة
إلى الخير والمبادرة إلى براءة الذمة وموافقة ظاهر الكتاب الكريم للمتابعة ما تقدم من صحيحة الحلبي وصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) وما كتبه
محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا
خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الاخر فوقع عليه السلام يقضي عنه أكبر وليه عشرة أيام ولاء إنشاء الله وقال الصدوق (ره) في الفقيه بعد نقل
هذا الخبر قال مصنف هذا الكتاب وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى محمد بن الحسن الصفار بخطه (عليه السلام) وما رواه غياث بن إبراهيم في الموثق عن جعفر
عن أبيه قال قال علي (عليه السلام) في قضاء شهر رمضان إن كان لا يقدر على سرده فرقه وقال لا يقضي شهر رمضان في عشر من ذي الحجة والسرد التتابع وسيجئ
البحث عن سند هذا الخبر وعما اشتمل عليه من المنع عن قضاء الشهر في عشر من ذي الحجة واحتج القائلون بأولوية التفريق بأن الفرق بين القضاء
والأداء إنما يحصل به فيكون أولى بما رواه الشيخ في التهذيب عن عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن الرجل
يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها فقال إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما وإن كان عليه خمسة فليفطر بينهما أياما وليس له أن يصوم
أكثر من ستة أيام متوالية وإن كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينهما يوما وقد وقع بدل أكثر من ستة أيام متوالية في الاستبصار أكثر من ثمانية
أيام متوالية وبدل بينهما بضمير التثنية بينها بضمير الجمع في الأخيرين ونقلها الشيخ أيضا في باب زيادات التهذيب بهذا السند عن أبي عبد الله (عليه السلام)
هكذا قال سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها قال إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما وإن كان عليه خمسة أيام فليفطر
بينهما يومين وإن كان عليه شهر فليفطر بينهما أياما وليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيام يعني متوالية وإن كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينهما
يوما وهذه الرواية باعتبار سندها واضطراب متنها وإن تكرر ذكرها في الكتب لا تصلح لمعارضة الأخبار السابقة وقد أوله الشيخ أيضا
في كتابي الاخبار بتأويل بعيد وأما ما ذكره من أولوية الفرق بين الأداء والقضاء فمما لا دليل عليه شرعا بل الأخبار الواردة في باب قضاء
427

الصلاة تدل على خلافه واحتج القائلون بالتخيير انتفاء الرجحان وبما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
قضاء شهر رمضان في ذي الحجة وقطعه فقال اقضه في ذي الحجة واقطعه إن شئت وبنظائرها من الاخبار التي لا تدل إلا على جواز التفريق لا على مساواته
للمتتابع والأصل يعدل عنه بالاخبار الدالة على رجحان المتابعة ولا ترتيب فيه وجوبا فلو قدم أخره فالأشبه الجواز صرح به العلامة في التذكرة
وغيره من المتأخرين للأصل السليم عن المعارض وقياسه على قضاء الصلاة مما لا وجه له وربما أشعر كلام المصنف ره بتحقق خلاف فيه ولم أقف عليه و
هل تستحب نية الأول فالأول إشكال منشأ الاشكال من تساوي الأيام في التعلق بالذمة مع انتفاء النص على تقديم بعضها على بعض ومن سبق الأول
في الذمة فكان أولى بالمبادرة وصلوح هذا الوجه للحكم باستحباب الترتيب غير ظاهر لكن الشهيد الثاني في المسالك حكم بأفضلية الترتيب وكذا في
وجوب تقديم القضاء على الكفارة إشكال ينشأ من اشتراكهما في الوجوب والتعلق بالذمة وعدم التضييق فيتخير المكلف في الاتيان بأيهما شاء لانتفاء
الرجحان ومن زعم ابن أبي عقيل أنه لا يجوز صوم من نذر أو كفارة لمن عليه قضاء من شهر رمضان حتى يقضيه واحتج له بأن القضاء كالأصل يقدم
على غيره وبأنه وجب بأصل الشرع فيقدم وضعف الوجهين واضح لمنع مساواته للأصل ومنع اقتضاء الوجوب بأصل الشرع للتقديم ولكن
الاحتياط في تقديم القضاء خروجا عن الخلاف ويكفي في تتابع الشهرين المتتابعين الواجبين في كفارة ظهار أو قتل أو إفطار ونحوها أو بنذر
أو شبهه تتابع شهر هلاليا كان أم بثلاثين ويوم من الثاني وإن أفطر بعده لعذر أو بدونه قال العلامة (ره) في المنتهى ولو صام من الشهر
الثاني بعد صيام الشهر الأول متتابعا شيئا ولو كان يوما أفطر جاز له البناء سواء كان لعذر ولغيره وهو مذهب علمائنا أجمع خلافا للجمهور
كافة وقال في المختلف من وجب عليه شهران متتابعان في كفارة ظهار أو قتل الخطأ أو غيرهما فصام شهرا ومن الثاني شيئا ولو يوما ثم أفطر لغير عذر
جاز له البناء إجماعا ونقل عنه دعوى هذا الاجماع في التذكرة وعن ولده في الشرح أيضا واحتج على ذلك بأنه
بصوم بعض الشهر الثاني عقيب الأول
تصدق المتابعة هنا لا أعم من المتابعة بالكل أو البعض والأعم من الشيئين صادق عليهما فتخرج العهدة بكل واحد منهما وبأنه إذا صام من الثاني شيئا
تابع في الأكثر وحكم الأكثر غالبا حكم الجميع وبما رواه الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان
والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الاخر أياما أو شيئا منه فإن عرض له شئ يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه وإن صام شهرا ثم عرض له شئ فأفطر قبل أن يصوم
من الأخير شيئا فلم يتابع فليعد الصوم كله وقال صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات ولا يفصل بينهن وما رواه منصور بن حازم في الصحيح
كما قالوه وفي سنده محمد بن إسماعيل عن فضل بن شاذان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال يصوم
شهر رمضان ويستأنف الصوم فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته وما رواه جميل ومحمد بن حمران في الحسن لإبراهيم وسند آخر فيه
محمد بن إسماعيل عن فضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض قال يستقبل فإن زاد
على الشهر الاخر يوما أو يومين بنى على ما بقي وفي بعض النسخ فإن زاد على الشهر عن الاخر وبنى عليه بدل بنى على ما بقي وما رواه أبو أيوب في
الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة كيف يصنع قال يصوم ذا الحجة
كله إلا أيام التشريق ويقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين ثم قال ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضي
الثلاثة الأيام التشريق التي لم يصمها فلا بأس إن صام شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت علة أن يفطر ثم يقضي بعد تمام الشهر و
كان (عليه السلام) أدرج العيد في أيام التشريق وجعلها مع العيد ثلاثة أيام باعتبار أن الرجل الذي عليه الكفارة في غير منى كما هو الظاهر وأيام الأضحية
في غير منى ثلاثة أولها النحر ويظهر منه أن كراهة الصوم في بعض الأيام من الاعذار التي يفطر لأجلها الصوم في الشهر الثاني من الكفارة وما رواه سماعة
بن مهران في الموثق قال سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الأيام فقال إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له
أمر فأفطر فلا بأس فإن كان أقل من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد الصيام وما رواه أبو بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قطع صوم كفارة اليمين
وكفارة الظهار وكفارة الدم فقال إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر في الشهر الأول فإن عليه أن يعيد الصيام وإن صام
الشهر الأول وصام من الشهر الثاني شيئا ثم عرض له ما له العدد فإنما عليه أن يقضي وأقول أما الاحتجاج الأول فيرد عليه منع أعمية المتابعة بالكل أو
البعض بل المتبادر منها لغة وعرفا تتابع الكل والحاصل إن الظاهر المتبادر من الشهرين المتتابعين تتابع أيامهما لا تواصل الشهرين ولو تشبث
بالاخبار الدالة على إرادة العموم فيرجع إلى الاحتجاج بالاخبار وضعف الاحتجاج الثاني واضح إذ من البين أن الذمة لا تبرء من التتابع المأمور به
428

في الجميع بمجرد الاتيان به من بين الأكثر وإن حمل المتابعة على أعم من المتابعة بالكل أو الأكثر ففيه أن ذلك خلاف الظاهر المتبادر ولو صح هذا الدليل
فيلزم الحكم الاجزاء لو فرق الشهر الأول وتابع بين بعض أيامه والشهر الثاني وأما الاخبار فلا يظهر منها إلا اغتفار التفريق في الشهر الثاني
بسبب العذر نعم قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الاخر أياما أو شيئا منه يدل ظاهرا على عدم إخلال التفريق مطلقا
في الشهر الثاني بالتتابع المأمور به إذ المعتبر فيه بحكم ظاهر هذا القول وصل الشهرين لكن ما فرعه عليه وفصله بقوله فإن عرض له شئ يفطر منه
إلى آخره يدل على هذا الحكم في التفريق والافطار بالعذر فلو أفطر بسبب العذر قبل وصل الشهرين يلزمه وجوبا أو استحبابا الاستيناف ولو أفطر
بالعذر بعد الوصل فلا يلزمه ذلك والسكوت عن حكم الافطار من غير عذر يشعر بإخلاله بالتتابع أو عدم جوازه مطلقا ولا استبعاد في عدم إخلال
التفريق بسبب العذر بالمتابعة وإخلال التفريق بدونه بها في الشهر الثاني كما يقولون به بعينه في الشهر الأول وحمل عروض الشئ الواقع في هذا الخبر على
الافطار في الجملة فبعيد خصوصا عن وصف يفطر منه ويمكن أن يقال أن المستفاد من هذا الخبر أن المعتبر في التتابع وصل الشهرين ولا دليل بعد ذلك
على وجوب موالاة أيام الشهر الثاني ومجرد السكوت عن حكم الافطار من غير عذر ولا يدل إلا على أولوية تركه ولا يمكن منه الاستدلال على حرمته فكيف على
وجوب الاستيناف به وبالجملة لولا دعوى الاجماع كما علمت لكان الأظهر مراعاة ظاهر الآية والحكم بالاستيناف بالافطار من غير عذر مطلقا ولكن حينئذ
فلا يحكم بالاستيناف به في الشهر الثاني في الكفارة البتة وفي النذر إذا كان الناذر عالما بالمسألة أو قاصدا للتتابع المطلق أما لو قصد التتابع
الخاص أي بين الستين فالظاهر وجوب الاستيناف به إذ لم يأت بما جعل عليه ثم إنهم بعد وفاقهم على وجوب الاستيناف اختلفوا في كونه مأثوما بهذا
الافطار أم لا قال في المختلف قال ابن الجنيد لا يكون مأثوما وهو ظاهر كلام ابن أبي عقيل والشيخ قال المفيد يكون مخطئا وكذا قال السيد المرتضى و
هو يشعر بالإثم وصرح أبو الصلاح وابن إدريس بالإثم انتهى وأقول كلام الشيخ في النهاية أيضا يدل على الاثم فقال في باب الكفارات من أوجب عليه صيام
شهرين متتابعين في شئ مما ذكرناه من الكفارات فصام شهرا ومن الثاني شيئا ثم أفطر من غير علة كان مخطئا وجاز له البناء عليه وقال في باب الصوم من
وجب عليه شئ من هذه الصيام وجب عليه أن يصوم متتابعا فإن لم يتمكن من صيامه متتابعا صام الشهر الأول ومن الشهر الثاني شيئا ثم فرق ما بقي عليه
فإن أفطر في الشهر الأول أو الثاني قبل أن يصوم منه شيئا كان عليه الاستيناف اللهم إلا أن يكون سبب إفطاره المرض أو شئ من قبل الله تعالى فإنه يبني عليه
على كل حال وربما يوهم كلامه في باب الصوم أن حصول التتابع بشهر ويوم من الثاني إنما يكون مع العجز عن متابعة الجميع فالقادر لا يحصل له المتابعة
بوصل الشهرين فيجب عليه الاستيناف ويظهر من ذلك الخلل في الاجماع المنقول ولكن بعد التأمل في كلامه يعلم أن غرضه ليس إلا حرمة الاخلال
بالمتابعة وتحقق الاثم به للقادر وأما وجوب الاستيناف فلا يقول به بعد وصل الشهرين والمصنف (ره) أشار إلى الخلاف واختار الأول فقال فيباح
التفريق بعده على الأقرب وأشار بالتفريع إلى وجه ما اختاره لان التتابع إذا حصل بوصل الشهرين فلا دليل بعد ذلك كما علمت على وجوب الموالاة
في الشهر الثاني حتى يحصل بتركه الاثم والأصل براءة الذمة واحتج الآخرون بأن تتابع الشهرين إنما يحصل بإكمالهما ولم يحصل فتحقق الاثم ولا استبعاد
في الاجزاء مع الاثم والجواب كما قال في المختلف المنع من أن التتابع إنما يحصل بإكمالهما ويخدش ذلك أن الظاهر من التتابع إكمالهما والاجماع لم ينعقد على
أن المراد من التتابع خلاف ذلك بل هو على جزاء المتفرق وهو لا يقتضي الجواز ولا كون المراد من التتابع غير ما هو المتبادر منه إذ يجوز أن يكون
الآية لبيان ما هو الواجب بالأصالة من الشهرين المتتابعين ثم بالاجماع يظهر التخفيف والاجزاء لو أخل بالتتابع في الشهر الثاني لكمال عسر الاستيناف
حينئذ وذلك لا يقتضي عدم الاثم في الاخلال وأما الاخبار فقد عرفت صراحة دلالتها ولكن يمكن أن يقال أن إجماعهم في النذر يدل على أن معنى
التتابع تواصل الشهرين وبالجملة الاحتياط في التجنب عن الافطار من غير عذر البتة ولو أفطر لعذر بنى مطلقا سواء كان في الشهر الأول أو الثاني أما
الثاني فيدل عليه الاجماع والاخبار السالفة وأما الأول فلنفي الحرج والعسر خصوصا في بعض الاعذار كالحيض وللاجماع قال في المنتهى من وجب
عليه صوم شهرين متتابعين إما لكفارة أو لنذر فأفطر في الشهر الأول أو بعد انتهائه قبل أن يصوم من الشهر الثاني شيئا فإن كان أفطر لعذر
من مرض أو حيض لم ينقطع تتابعه بل ينتظر زوال العذر ثم يتمم الصيام ذهب إليه علماؤنا ولما رواه رفاعة في الصحيح قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض قال يبني عليه الله حبسه قلت امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت
أيام حيضها قال تقضيها قلت فإنها قضتها ثم يئست من المحيض قال لا تعيدها أجزأها ذلك وروى محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام)
مثل ذلك وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن امرأة تجعل لله عليها صوم شهرين متتابعين فتحيض قال تصوم
429

ما حاضت فهو يجزيها وقوله (عليه السلام) تصوم ما حاضت أي تصوم عوض أيام حاضت فيها ويشمل بإطلاقه الشهر الأول كما هو المعتاد
من عادة النساء وما رواه سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة وعشرين
يوما ثم مرض فإذا برئ أيبني على صومه أم يعيد صومه كله فقال بل يبني على ما كان صام ثم قال هذا مما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عز وجل
عليه شئ لا يقال الاخبار السالفة تدل على الاستيناف للافطار بالعذر في الشهر الأول أو بعد انقضائه قبل أن يصوم من الثاني شيئا قلنا يحمل ذلك
على الاستحباب أو على عذر لا يوجب الافطار كما حمله الشيخ (ره) وإن بعد عن لفظ المرض الواقع في بعضها لئلا تتناقض الاخبار ثم المراد بالعذر الذي يصح
معه البناء ما يعرض بغير اختيار كالحيض والنفاس والمرض والجنون والاغماء أو اضطر إليه كالسفر الضروري يخاف بتركه على نفسه أو ماله أو ما في
معناه وأما السفر الذي لا يكون ضروريا فيقطع به التتابع لان القطع جاء من قبل المكلف باختياره ويجب تقييد الضروري أيضا بما إذا لم يعلم
قبل الشروع بعروض السفر في أثنائه وإلا كان الشروع فيه مع العلم بعروضه كالشروع فيه في زمان لا يسلم له صوم ما يحصل به التتابع ويجب
عليه الاستيناف كما سبق في صحيحة منصور بن حازم ولا تجب الفورية في البناء على الصيام بعد زوال العذر الذي أفطر لأجله سواء كان ذلك
في الشهر الأول أو الثاني أما في الثاني فطر وأما في الأول فلان التتابع قد اختل بالعذر فلا وجه للزوم المبادرة بالبناء في أول أوقات الامكان
وفيه أنه بالتأخير يصير مخلا بالتتابع اختيارا وهو غير جائز واختلاله بالعذر لا يوجب سقوط اعتباره مطلقا مع أن صحيحة أبي أيوب تدل على
فورية البناء في الشهر الثاني والمبادرة بالقضاء لأيامه والشهر الأول أولى بذلك والعبد يتابع خمسة عشر يوما في كفارتي الافطار والظهار
على قول الشيخ وكذا من نذر شهرا متتابعا أي يحصل شرط التتابع لهما بتتابع خمسة عشر يوما والمستند في النذر ما رواه موسى بن بكر عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر قال إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي عليه
وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا تاما وما رواه فضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال في رجل جعل على نفسه صوم
شهر فصام خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر فقال جائز له أن يقضي ما بقي عليه وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا تاما وفي طريق
الروايتين ضعف لكن العمل بمضمونهما مشتهر بين الأصحاب أو متفق عليه كذا ذكره في المسالك وأما العبد في كفارته فقد ألحقه الشيخ في بعض
كتبه إما لشمول الجعل الوارد في الروايتين له لأنه إذا أفطر أو ظاهر فقد جعل عليه صوم شهر وبعد ذلك واضح وأما لشمول الحكم له بطريق الأولى
لان التتابع الذي ألزمه الرجل على نفسه بالنذر وشبهه إذا كان معناه ذلك بحسب الشرع فالتتابع الوارد شرعا في الكفارة أولى بأن يكون المراد
منه ذلك وذلك لا يخلو عن قوة مع ثبوت الحكم في النذر وإما لان كفارة العبد نصف كفارة الحر والتنصيف كما يكون في العدد كذا يكون في الوصف
فكما جاز في تتابع الشهرين التجاوز عن النصف فكذا تتابع الشهر وتتابع خمسة عشر يوما يزيد على نصف الشهر الناقص بنصف يوم ولو وجب تتابع
ستة عشر يوما لزاد على حكم الشهرين وضعف هذا الوجه أيضا غير خفي وإرجاعه إلى الأولوية أيضا مشكل لان ضعف العبد يحبره تنصيف العدد
ورعاية التتابع التام في القليل ليس مثل رعايته في الكثير كما ترى من أن تتابع الثلاثة في الكفارة يقطع بمطلق الاخلال به فيمكن أن لا يثبت ذلك
التخفيف له ثم إجراء حكم حصول التتابع في التجاوز عن النصف في الأشهر المتتابعة الواجبة بنذر وشبهه مشكل جدا لبطلان القياس وعدم ثبوت
كلية كون التتابع معناه ذلك بمجرد هاتين الروايتين والاخبار السالفة لا تدل إلا على اعتبار التتابع بين الشهرين
ولو ثبت بها العموم
فلا تفيد إلا جواز التفريق في الشهر الأخير ويجب في الرقبة في كفارة الافطار الاسلام أو حكمه على الأشبه والمراد بالاسلام الاقرار
بالشهادتين وهو المراد بالايمان الوارد في هذا المقام لا التصديق القلبي بهما لان ذلك لا يمكن الاطلاع عليه ولا الايمان الخاص وهو
اعتقاد الامامية لان ذلك اصطلاح خاص متأخر عن الايمان المعتبر في الكفارة وربما قيل باشتراطه باعتبار أن الاسلام لا يتحقق بدونه
أو لدلالة النهى عن انفاق الخبيث عليه وضعفهما واضح نعم يعتبر أن لا يكون من الفرق المحكوم بكفرهم ولا يعتبر التبري مما عدا الاسلام من الملل
الباطلة كما شرطه بعض العامة للأصل وعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وآله حيث يقبل من الكافر الاسلام ولو كان الكافر منكرا لعموم رسالته
صلى الله عليه وآله كقوم من اليهود يقولون أنه رسول الله صلى الله عليه وآله مبعوث إلى العرب خاصة فالظاهر أنه لا بد في إسلامه من الاقرار بعموم
رسالته صلى الله عليه وآله وأما اشتراط خصوص التبري حينئذ كما قال بعض أخر من العامة فلا وجه له والمرتد زمن ردته كافر والمراد بحكم الاسلام
تبعية الصغير لأبويه المسلمين أو أحدهما ولا فرق في تبعيته بين كونهما مسلمين حين يولد وبعده ومن ثم يقتل به المسلم ويدخل في الوصية للمسلمين
430

وتلحقه احكام المرتد بعد البلوغ وعدم قبول الاسلام ولو لم يسبق تلفظه بالشهادة وكذا تبعية المسبي من أطفال الكفار منفردا عن أبويه للسابي
المسلم على رأي المصنف رحمه الله وجماعة منهم الشيخ في المبسوط والمشهور أنه لا يتبعه في الاسلام وقال بعضهم بتبعيته له في الطهارة خاصة وتردد المصنف رحمه الله في
تبيعة ولد الزنا للمسلم المتولد منه من انتفائه منه شرعا ومن تولده منه حقيقة فلا يقصر عن السابي وفي إجزاء عتق مطلق ولد الزنا عن الكفارة
خلاف والمصنف رحمه الله رأيه الاجزاء وإسلام الأخرس بالإشارة المفهمة كساير عقوده وأقاريره وفي حكمه الأعجمي الذي لا تفهم لغته ولا تعتبر الصلاة منها
لأنها فرع الاسلام والمعتبر أصله ولما روى أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله معه جارية أعجمية أو خرساء فقال يا رسول الله على عتق
رقبة فهل يجزي عني هذه فقال لها النبي صلى الله عليه وآله أين الله فأشارت
إلى السماء ثم قال لها من أنا فأشارت إلى أنه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له أعتقها فإنها مؤمنة وإنما جعلت الإشارة إلى السماء
دليل إيمانها لأنهم كانوا عبدة الأصنام فأفهمت بالإشارة البراءة منها لان الاله الذي في السماء ليس هو الأصنام ولا يراد بكونه فيها التخير
بل على حد قوله تعالى وهو الذي في السماء إله وخالف في ذلك بعض العامة فقال لا يحكم بإسلامه إلا إذا صلى بعد الإشارة لان الإشارة غير صريحة
في الغرض فتؤكد بالصلاة ولا وجه له إلا إذا كانت الإشارة غير مفهمة فتصير الصلاة قرينة على مراده منها ثم أنهم اتفقوا على اعتبار الاسلام
أو حكمه في المملوك الذي يعتق عن كفارة القتل لقوله تعالى في كفارة قتل الخطاء فتحرير رقبة مؤمنة وحملوا الكفارة الواجبة في قتل العمد عليها لاتحاد
جنس السبب وهو القتل ولبعض الاخبار واختلفوا في اعتباره فيمن يعتق عن باقي الكفارات فظاهر كلام الشيخ في النهاية اعتباره حيث قال في بحث
الكفارة ومن أراد أن يعتق رقبة فليعتق من ظاهره الاسلام أو بحكم الاسلام ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أو كبيرا وصرح في الخلاف والمبسوط بعدم
اعتباره وظاهر كلام ابن الجنيد وابن البراج على ما نقل عنهما في المختلف وصريح المرتضى وابن إدريس والعلامة في المختلف اعتباره وقال المحقق في
الشرايع هو معتبر في كفارة القتل إجماعا وفي غيرها على التردد والأشبه اشتراطه ونسب في المسالك إلى ابن الجنيد القول بعدم اعتباره حجة الأكثر حمل المطلق
على المقيد وإن اختلف السبب على ما يقوله جمع من الأصوليين ولرواية سيف بن عميرة عن الصادق (عليه السلام) قال سألته أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا
مشركا قال لا ولقوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون والكافر خبيث والكفارة انفاق والنهي يدل على الفساد ولأن الذمة مشغولة بالعتق يقينا وبدون
المؤمن لا تخرج عن عهدة التكليف يقينا فلا يجزي في رفع ما وجب باليقين إلا اليقين وضعف الكل واضح ولكن الاحتياط في اعتباره خصوصا مع هذه
الشهرة العظيمة يدل على اعتباره في كفارة الافطار بانضمام عدم القائل بالفصل على اعتباره في الجميع ما تقدم من رواية المشرقي عن أبي الحسن (عليه السلام)
قال سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة فكتب (عليه السلام) من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة
ويصوم يوما بدل يوم ورواية علي بن مهزيار أنه كتب إليه يسئل يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما فوقع في ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة فكتب
(عليه السلام) يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة ورواية الفضيل أنه كتب إليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما لله فوقع في ذلك اليوم على أهله ما
عليه من الكفارة فأجابه (عليه السلام) يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة واعلم أنه يستوي في الاجزاء الذكر والأنثى والصغير والكبير بحكم العموم وبعض الاخبار
الصريحة وقال ابن الجنيد أما في كفارة القتل فلا يجوز غير المؤمنة المقرة ويدل عليه ما رواه معمر بن يحيى في الحسن عن الصادق (عليه السلام) قال سألته
عن رجل يظاهر من امرأته يجوز عتق المولود في الكفارة فقال كل العتق يجوز فيه المولود إلا في كفارة القتل فإن الله تعالى يقول فتحرير رقبة مؤمنة يعني
بذلك مقرة قد بلغت الحنث ومثله وقع في رواية الحسين بن سعيد عن رجاله عنه (عليه السلام) وكان المراد بالحنث الطاعة والمعصية أي بلغ مبلغا يثاب
بالطاعة ويعاقب على المعصية وعلى هذا فالاحتياط في رعاية البلوغ في كفارة القتل إذا لم يعارضه احتياط آخر كما لو أوصى بالكفارة مع عدم بلوغ الوارث
وقس على ذلك الحال في كل موضع يحكم بالاحتياط في باب الكفارات والمصنف رحمه الله اقتصر هنا على ما ذكر اشتراط الاسلام أو حكمه في الرقبة وسيجئ بقية البحث
عنها في باب الكفارات إن شاء الله وإطعام المسكين في الكفارة شبعه مرة واحدة على الظاهر من الآية وصريح الرواية ولا يتقدر الاشباع بقدر بل ما يحصل به سواء
زاد عن المد أم نقص فلو لم يكفه المد زاد حتى يشبع كما أنه لو شبع بدونه كفى وقال المفيد لكل مسكين شبعه في يومه وكذا قال تلميذه سلار والحلبي وابن
البراج وصرح ابن الجنيد بالغداء والعشاء وسيجئ تفصيل البحث عن ذلك في الكفارات أو مد من طعام يعطيه
ويسلمه إليه وتخييره بينهما التأدي الاطعام
الوارد في الآية بكل منهما مع ورودهما في الاخبار أيضا ثم يعتبر ذلك بالعدد الوارد في كل كفارة ففيما نحن فيه من كفارة الافطار يطعم ستين بهذا
النحو في إفطار يوم من الشهر ومتعين بنذر أو شبهه وعشرة في إفطار القضاء أو المتعين اليمين ويتخير بين أن يعطي العدد مجتمعين وهو أفضل أو متفرقين بشرط
431

إكمال أصل العدد فلو أعطى القدر الواجب في الكفارة لما دون العدد لم يجز وإن كرره عليهم في الأيام المتكررة بحيث يطابق الدفع في الأيام العدد المعتبر
لان الآية الكريمة ظاهرة في اعتبار العدد أشخاصا والاخبار مصرحة بذلك نعم قالوا بجواز تكرر الدفع في الأيام مع تعذر العدد كما ورد في خبر السكوني
وسيأتي البحث عنه إن شاء الله والمد ربع الصاع أي رطلان وربع بالعراقي كما إن الصاع تسعة أرطال بالعراقي وكل رطل مائة وثلاثون درهما على المشهور والدرهم
يزيد على نصف المثقال الصيرفي بعشر ربع مثقال لأنهم صرحوا بأن عشرة دراهم سبعة مثاقيل بالمثقال الشرعي الذي يساوي الدينار وسبعة دنانير خمسة
مثاقيل وربع مثقال بالصيرفي فوزن الرطل ثمانية وستون مثقالا وربع مثقال بالصيرفي والمد مائة وثلاثة وخمسون مثقالا وخمسة أثمان مثقال فالمد
يزيد على ثمن المن الشاهي المعمول بدار السلطنة أصفهان وربع المن التبريزي بثلاثة مثاقيل وخمسة أثمان مثقال والصاع يزيد على نصف المن الشاهي
أي المن التبريزي بأربعة عشر مثقالا وربع مثقال ولا يجب مدان لكل مسكين خلافا للشيخ حيث قال وإذا أراد أن يطعم المساكين فليطعم لكل مسكين
مدين من طعام فان لم يقدر على ذلك أطعم لكل واحد منهم مدا من طعام وكذا قال ابن حمزة وقال ابن الجنيد اعطى كل إنسان منهم مدا وزيادة عليه بقدر
ما يكون بطبخه وخبزه وأدمه ويدل على ما اشتهر بينهم واختاره المصنف رحمه الله من اعتبار المد أصالة البراءة وكونه أقرب إلى قدر الشبع وما تقدم في بحث وجوب
الكفارة من أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال هلكت وأهلكت إلى أن وقع في آخر الرواية فأتي النبي صلى الله عليه وآله بعرق فيه تمر أو بعذق في
مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر على اختلاف لفظ الروايات فقال له النبي صلى الله عليه وآله خذها وتصدق بها فإن هذا المبلغ إذا قسم على ستين يكون
لكل واحد منهم مد لان الصاع أربعة أمداد كما عرفت وما تقدم أيضا من موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله لأبان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل أفطر يوما
من شهر رمضان متعمدا قال عليه خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وآله أفضل وفي الزيادات بدل قوله (عليه السلام) بمد النبي صلى الله
عليه وآله أفضل قوله مثل الذي صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وما تقدم أيضا من رواية سماعة قال سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل قال عليه إطعام
ستين مسكينا مد لكل مسكين وما وقع في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) وإذا قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه ثم أعتق رقبة
فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا وما وقع من التصريح بالمد في كفارة اليمين في أخبار كثيرة ففي حسنة
محمد بن قيس بن إبراهيم عن أبي جعفر (عليه السلام) قلت بما أكفر قال أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد وفي رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام)
فصيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين مد مد وفي رواية أبي جميلة عن أبي عبد الله (عليه السلام) والصدقة مد مد من حنطة لكل مسكين حجة الشيخ على
اعتبار المدين مع القدرة إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط وما رواه أبو بصير عن أحدهما (عليهما السلام) في كفارة الظهار قال يتصدق على ستين مسكينا
ثلاثين صاعا مدين مدين والجواب أن الاجماع مع اشتهار خلافه بين الأصحاب غير مسلم والاحتياط معارض بأصالة البراءة مع أنه لا يتم في جميع موارث
كما عرفت في الوصية وخبر أبي بصير يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه وبين ما هو أقوى منه ودليل ما ذهب إليه ابن الجنيد من اعتبار زيادة على
المد ما وقع في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في كفارة اليمين يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة أو مد من دقيق وحفنة وفي حسنة
هشام بن الحكم بن إبراهيم عن أبي عبد الله في كفارة اليمين مد من حنطة وحفنة لتكون الحفنة في طحنة وحطبه والحفنة بالحاء المهملة المفتوحة والفاء
الساكنة والنون ملاء الكفين من طعام ولو عجز عن الخصال الثلاثة التي خير بينها في كفارة الافطار من العتق وصيام الشهرين وإطعام الستين صام
ثمانية عشر يوما وإن قدر على الزايد تباعا على الأشبه كما اختاره المفيد والسيد المرتضى لأنها بدل عن صوم متتابع فوجب فيها التتابع وظاهر كلام
الشيخ وصريح العلامة وجماعة عدم اشتراط التتابع بينها لعدم دلالة النص الوارد فيها كما سيأتي على التتابع والأصل براءة الذمة ووجوب مساواة
المبدل للمبدل منه في كل الاحكام غير مسلم ولعله الأقرب وإن كان الاحتياط في مراعاة التتابع أو تصدق بما يطيق وحكمنا بالتخيير بين صيام الأيام والصدقة
بما يطيقه جمعا بين الروايتين فقد ورد الصيام في رواية سماعة وأبي بصير قال سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين
فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة قال فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ورواها الشيخ في الزيارات
أيضا بأدنى تغيير في السند والظاهر أنه من سهو النساخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل كان عليه صيام شهرين إلى آخر الرواية
السابقة وفي رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام قال يصوم
ثمانية عشر يوما لكل عشر مساكين ثلاثة أيام وورد الصدقة بما يطيق في صحيحة عبد الله بن سنان بسندين في التهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا فإن لم يقدر تصدق
432

بما يطيق وفي صحيحة عبد الله بن سنان في الكفارات وحسنة بن إبراهيم في الصيام عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم
يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا قال يتصدق بما يطيق وإن كان الأول أشهر وبه قال المفيد والمرتضى وابن إدريس وإطلاق عبارة بعضهم
كالمحقق في الشرايع يشمل من عجز من الشهرين الواجبين في غير الكفارة كالنذر وشبهه يشمل القادر على إطعام الستين في الكفارة أيضا حيث قال كل من وجب
عليه شهران متتابعان فعجز صام ثمانية عشر يوما والرواية مع نوع جهالة في سندها وردت في خصوص الكفارة مع العجز عن الخصال الثلاثة ولا يصح
الحكم البتة في القادر على إطعام الستين في الكفارة مخيرة كانت أو مرتبة والظاهر أنهم أيضا لم يريدوا ذلك وإن شمل إطلاق عبارتهم له والثاني مذهب ابن
الجنيد والصدوق في المقنع ويصح سند ما يدل عليه ويؤيده أيضا قوله صلى الله عليه وآله إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم والجمع بين الروايات
بالتخيير كما في المتن مأخوذ من كلام العلامة رحمه الله في المختلف والجمع بين هذه الروايات إن كان لازما فهذا الجمع مناسب وعليه فالأحوط اختيار الصدقة ولو
صام بعض الشهرين ثم ظهر له العجز عن إكمالهما فهل يدخل ما فعله في ثمانية عشر يوما ويصوم البقية إن لم يبلغها ويكتفي بما فعله إن بلغها أو يبتدأ
بصيام الأيام من حين ظهور العجز ويطرح ما صامه قبله أو يعد ما بقي ويصوم عن كل عشرة ثلاثة أيام أوجه ولعل الأول أقرب بأصالة البراءة فالأوسط
أحوط والأخير ألصق بلفظ الرواية وقال في المدارك ولو حصل العجز بعد صوم شهر احتمل وجوب تسعة لان ثمانية عشر بدل عن الشهرين فيكون نصفها
بدلا عن الشهر والسقوط لصدق صيام الثمانية عشر ووجوب الثمانية عشر بعد العجز لان الانتقال إلى البدل إنما يكون بعد العجز عن البدل وما صامه
أولا إنما كان محسوبا من المبدل فلا يجزي عن البدل وهذا الاحتمال لا يخلو عن قوة انتهى والظاهر أن ما ذكرناه في بيان الوجوه أنسب بلفظ الرواية مما
ذكره رحمه الله إذ ليس في الرواية مطلق بدلية الثمانية عشر عن الشهرين بل بدلية كل ثلاثة عن عشرة ولو عجز عن الثمانية عشر أتى بالممكن من الصوم والاطعام
على وجه التخيير كما كان مخيرا في مرتبة القدرة على الثمانية عشر ومع العجز عن أحدهما تعين الاخر ولعل وجه هذا الحكم وجوب امتثال الامر بقدر الاستطاعة
وقال العلامة في المنتهى ولو عجز عن الأصناف الثلاثة صام ثمانية عشر يوما فإن لم يقدر تصدق بما وجد أو صام ما استطاع فإن لم يتمكن
استغفر الله ولا شئ عليه ذهب إليه علماؤنا وكذا قال المفيد والمرتضى على ما نقل عنهما في المنتهى والمختلف سوى ما ذكره من ذهاب العلماء وقال الشيخ
في النهاية فان لم يتمكن من الأصناف الثلاثة فليتصدق بما تمكن منه فإن لم يتمكن من الصدقة صام ثمانية عشر يوما فإن لم يقدر صام ما تمكن منه
فإن لم يتمكن قضى ذلك اليوم واستغفر الله فقدم الصدقة بما يمكن منه على صيام الثمانية عشر وخالف المفيد والمرتضى في ذلك ونقل ذلك عن
الشيخ في المنتهى أيضا فلعل مراده بقوله ذهب إليه علماؤنا ذهاب العلماء إلى أصل وجوب شئ من الصيام والصدقة بعد العجز عن الخصال الثلاثة بخلاف
الجمهور فإن بعضهم ذهب إلى السقوط مطلقا وبعضهم إلى بقاء وجوب إحدى الخصال في الذمة وكلام المصنف هنا يخالف ما ذكره في اللمعة فإنه قال فيها كل
من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما فإن عجز تصدق عن كل يوم بمد فإن عجز استغفر الله وفسر الشهيد الثاني (ره) في الشرح كل
يوم بكل يوم من الثمانية عشر ورد على من ذهب إلى أن المراد كل يوم من الستين وفي وجه مخرج اسم مفعول المضعف الاتيان بالممكن منهما ابتداء
قبل اعتبار صوم الثمانية عشر والعجز عنه حتى لو أمكن الشهران متفرقين وجب مقدما على الثمانية عشر ووجه التخريج وجوب الاتيان بما يستطيعه من
المأمور به فحيث لا يمكنه الاكمال أو مراعاة وصف التتابع يأتي بالمقدور والمتفرق ولكن لا توافقه النصوص السابقة ولا وجه لاعتبار خصوص الثمانية
عشر مع هذا التخريج كما فعله العلامة رحمه الله مع أن القول بوجوب المتفرق من العجز عن المأمور به الذي اعتبر الشارع فيه التتابع مشكل جدا ولو عجز عن
المذكورات أجمع استغفر الله تعالى مرة واحدة بالنية عن الكفارة فيقول استغفر الله مقترنا بالتوبة التي هي الندم على ما فعل من الذنب والعزم على
عدم العود أبدا ولا يكفي اللفظ المجرد عن ذلك والظاهر أن الانتقال إلى الاستغفار مع العجز عن جميع ما سبق متفق عليه بينهم في غير كفارة الظهار ولكن اختلفوا
فيها وتدل عليه أيضا موثقة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن شئ من كفارة اليمين فقال يصوم ثلاثة أيام قلت أنه ضعف عن الصوم وعجز قال يتصدق
على عشرة مساكين قلت أنه عجز عن ذلك قال فليستغفر الله عز وجل ولا يعود ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كل من عجز عن الكفارة التي
تجب عليه من صوم أو من عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما تجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار فإنه
إذا لم يجد ما يكفر به حرمت عليه أن يجامعها وفرق بينهما إلا أن ترضى المرأة ان يكون معها ولا يجامعها ورواية داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
كفارة الطمث أنه يتصدق إذا كان في أوله بدينار وفي أوسطه نصف دينار وفي آخره ربع دينار قلت فإن لم يكن عنده ما يكفر به قال فليتصدق على مسكين واحد
وإلا استغفر الله ولا يعود فإن الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شئ من الكفارات فلو قدر على شئ منها بعد الاستغفار فإشكال في
433

الحكم بوجوب المقدر ومنها عليه حينئذ لا تجب الكفارة على الفور فيحتمل الوجوب مراعى بالقدرة فتؤخر بالعجز عنها ويجب الاتيان بها عند تجدد
القدرة عليها كما ورد في كفارة الظهار في موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه ولينو
إلا يعود قبل ان يواقع ثم ليواقع وقد أجزء ذلك عنه من الكفارة فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما من الأيام فليكفر وإن تصدق بكفه وأطعم نفسه
وعياله فإنه يجزيه إذا كان محتاجا وإن لم يجد ذلك فليستغفر الله ربه وينوي أن لا يعود فحسبه بذلك والله كفارة وما في المسالك من أن دلالة هذه
الرواية لا تخلو عن اضطراب لتضمن صدرها وجوب الكفارة إذا قدر عليها بعد الاستغفار وأخرها عدمه فلا يخلو عن شئ لان قوله (عليه السلام) في آخر
الرواية فحسبه بذلك والله كفارة مثل قوله (عليه السلام) في أولها وقد أجزء ذلك عنه من الكفارة وليس المراد منه إلا الاجتزاء به في إباحة الوطئ عند
العجز إلى أن يجد السبيل إلى ما يكفر به كما صرح به بقوله فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما من الأيام فليكفر ومن الامتثال للاتيان بالاستغفار
المأمور به عند العجز أما لو قدر بعد الثمانية عشر أو ما أمكن منها فلا شئ لتوجه الخطاب عند العجز بفعل البدل فيحصل الامتثال بفعله والحكم بوجوب أمر
اخر بعده يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه والفرق بينه وبين الاستغفار إن الجزم ببدلية الاستغفار عن الكفارة غير
حاصل لان الامر به عند العجز يمكن
أن يكون للمبادرة إلى إسقاط الاثم الحاصل عن الذنب ويكون ما أوجبه الذنب من الكفارة باقيا في الذمة إلى أوان القدرة لئلا يلزم التكليف بغير المقدور
وهذا بخلاف صوم الثمانية عشر أو ما أمكن من الصدقة لأنه بدل عن الكفارة البتة ولو تبرع متبرع عن غيره بالكفارة الواجبة عليه صوما كان أو غيره
أجزه إذا كان المتبرع عنه ميتا في أقوى القولين لأنها دين قضى عن المديون فوجب أن تبرء ذمته كما لو كان لادمي بل هنا أولى لان حق الله تعالى مبني
على التخفيف وقد أطلق اسم الدين على حقوق الله تعالى في الأخبار الكثيرة كما روى أن رجلا قال أن أختي نذرت أن تحج فماتت فقال النبي صلى الله
عليه وآله لو كان عليها دين أكنت قاضية قال نعم قال فاقض دين الله فهو أحق بالقضاء وما ورد في الاخبار أنه إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشئ
صلها واسترح منها فإنها دين ولاطلاق الروايات الكثيرة المتضمنة لانتفاع الميت بما يلحقه من صلاة أو صيام أو حج أو صدقة أو عتق ونحوها وقد
ذكر المصنف في هذا الباب في الذكرى أربعا وثلاثين حديثا والوجه الأول قياس لا يعمل به والأولوية ممنوعة كما يظهر من عدم جواز النيابة عن الحي والعبادة
بخلاف أداء الدين ويتوجه على الثاني إن الحكم بسقوط ما وجب شرعا في مال الميت أو في ذمة وليه لأجل وصية أو علم الوارث يشغل ذمته بمجرد تبرع
متبرع ينتفع الميت بفعله لا يخلو عن إشكال كيف وإذا فعل ما ذكر مرارا عن الميت فلا ريب في شرعيته وزيادة انتفاعه به فلا استبعاد في عدم سقوط
ما وجب منه شرعا بفعل المتبرع وإن انتفع الميت بفعله وبالجملة إسقاط الواجب بفعل من لم يتعلق به الوجوب يحتاج إلى دليل لم يوجد ولو كانت
الكفارة صوما ووجبت على الولي فيقوى الاشكال باعتبار عدم جواز النيابة عن الحي في العبادة ويمكن أن يقال أن وجوبها على الولي باعتبار شغل
ذمة الميت بها فإذا أسقطت عنه بفعل المتبرع نيابة عنه يسقط وجوبها عن الولي ولا يرجع ذلك إلى النيابة عن الحي في العبادة وربما تمسك
القائلون بعدم الاجزاء بعد انتفاء الدليل على الاجزاء بقوله تعالى وإن ليس للانسان إلا ما سعى بقوله صلى الله عليه وإله إذا مات ابن آدم
انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ولو تم لدل على عدم انتفاع الميت بما يفعله له بعد فوته ولو بالاهداء
من الولي أو المتبرع أو بالاستيجار وذلك خلاف الوفاق مع عدم دلالة الخبر على المطلوب لان ما يصل إليه بعد فوته من عمل غيره والجواب عن الآية
إن الناوي له كالنائب عنه والأعمال الواقعة نيابة عنه نتيجة سعيه في تحصيل الايمان وأصول العقايد المسوغة للنيابة عنه فهي مستنده إليه وقال
في المختلف المراد بالأصالة وكأنه أراد أن المراد بالآية أن ليس للانسان بالأصالة إلا ما سعى وما أهدى إليه غيره ليس له بالأصالة وفي الأجرة
عن الحي مع عدم اذنه للمتبرع وجهان مرتبان على الوجهين في الاجزاء عن الميت وأولى بالمنع منه لعدم أذنه ولا بد من الاذن في إجزاء ما يفعل عن
الحي مع أن التكفير نوع من العبادة ومن شأن العبادة أن لا تقبل النيابة عن الحي وفي وجه ثالث في الحي أو فيهما يجزي غير الصوم لأنه كقضاء الدين ويجوز
التبرع به بخلاف الصوم فإنه عبادة من شأن العبادة أن لا تقبل النيابة عن الحي وفي الميت قد تعلقت بذمة الولي فيؤول إلى النيابة عن الحي أيضا
كما عرفت والظاهر في المسألة كما حققه في المسالك المنع من إجزاء التبرع بالصوم مطلقا وتوقف غيره على أذن من وجب عليه لان الوجوب متعلق به ولا يسقط
إلا بفعله أو فعل نايبه وأما الاجزاء في غير الصوم مع الاذن فيما لا ريب فيه لان المأذون بمنزلة الوكيل والنائب وقبول العتق والصدقة للتوكيل والنيابة
واضح جدا درس لا يبطل الصوم بابتلاع ريقه للاتفاق وعدم إدخال شئ من الخارج والحرج في التجنب عنه ولو خرج عن الفم مع اللسان لان اللسان من
الباطن والريق لاتصاله به لم يخرج عن محل المعتاد وكان كما لو وجد عليه باطنا وكذا لو جمع الريق في فيه ثم ابتلعه لم يفطر لأنه قليله لا يفطر
434

فكذا كثيرة وقال الشافعي فيه بالافطار في أحد قوليه نعم لو انفصل ريقه عن باطن الفم أفطر بابتلاعه لأنه بالانفصال قد خرج عن محله فتناوله مفطر موجب
للقضاء والكفارة وأما الكفارات الثلاث فلا لعدم الدليل على تحريمه إن قلنا بها في المحرم ولو امتد الريق من الفم أو اللسان إلى الخارج ثم جذبه
وابتلعه فلا يخلو عن إشكال لخروجه ظاهرا وعدم انفصاله حقيقة وقال في المنتهى لو ترك في فمه حصاة أو درهما فأخرجه وعليه بلة من الريق ثم أعاده
في فيه فالوجه الافطار قل أو كثر لابتلاعه البلل الذي على ذلك الجسم وقال بعض الجمهور لا يفطر إن كان قليلا وكذا لو ابتلع ريق غيره أفطر لصدق
تناول شئ من الخارج وحكم في المسالك بالتحريم على غير الصائم فتجب الثلاث ولو كان من أحد الزوجين ولا يخلو ذلك عن تأمل وإن كان الغير أحد
الزوجين لعدم الفرق بينه وبين غيره والمروي جواز الامتصاص وهو لا يستلزم الابتلاع فروت عايشة إن النبي صلى الله عليه وآله كان يقبلها
وهو صائم ويمص لسانها وروى علي بن جعفر وفي سندها محمد بن أحمد العلوي وهو مجهول ولكن العلامة في المنتهى وصف الرواية في موضع بالصحة و
في موضع بالحسن عن أخيه موسى (عليه السلام) قال سألته عن الرجل الصائم له أن يمص لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك قال لا بأس وروى أبو بصير قال
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الصائم يقبل قال نعم ويعطيها لسانه تمصه ورواية عايشة غير صحيحة عندهم أيضا ولا تصريح فيها أيضا بأن المصنف كان في
حالة الصوم ورواية أبي بصير مع اشتراكه واشتمال سندها على زرعة لا تدل إلا على جواز اعطاء الصائم لسانه لان تمصه المرأة ولا تصريح فيها
بصوم المرأة ولا بابتلاعه شيئا من ريقها نعم في التهذيب عن أبي ولاد لا شئ في دخول ريق البنت المقبلة في الجوف روى أبو ولاد الحناط وفي سندها محمد بن
عيسى قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أني أقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شئ قال فقال لي لا بأس ليس عليك شئ ويحمل
على عدم القصد وهذا الحمل قريب من لفظ الرواية وقال في المنتهى وحديث أبي ولاد لم يذكر فيه إن الريق وصل إلى جوفه بالمص لاستحالة ذلك في
البنت شرعا وظاهر هذا الكلام أنه يعتقد حرمة ريق غير الزوجين والقول بالفرق لا وجه له والحكم بعموم التحريم أيضا مشكل لظهور وقوعه غالبا
في الامتصاص والمشاركة في الأكل والشرب من غير منع من أحد المسلمين عنها والفضلات المسترسلة من الدماغ إذا لم تصر في فضاء الفم لا بأس بابتلاعها
ولو قدر على إخراجها ولو صارت في الفضاء أفطر لو ابتلعها في ابتلاع نخامة الدماغ ثلاثة أقوال أحدها أنها كالريق لا يفطر إلا إذا انفصلت
عن الفم ولا ريب أن نخامة الصدر أولى بهذا الحكم وهذا القول في النخامتين للعلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر وبعض من تأخر كصاحب المدارك
وثانيها قول الشهيدين أنها إذا لم تصر في فضاء الفم لا بأس بابتلاعها ولو صارت في الفضاء أفطر ومشاركة نخامة الصدر لها في هذا الحكم أيضا
واضحة لان نخامة الصدر أولى بعدم الافطار ما لم تصل إلى فضاء الفم لدخولها في الجوف البتة وبعد الوصول إلى فضاء الفم لا وجه للتفرقة بينهما
في الحكم بالافطار ولعل ذلك منشأ ما نسب إلى المصنف من القول بالتسوية بينهما وثالثها أنها تفطر إذا تعمد ابتلاعها وان لم تصر في فضاء الفم
بخلاف نخامة الصدر فإنها لا تفطر إلا إذا انفصلت عن الفم وإليه ذهب المحقق في الشرايع والعلامة في الارشاد فقد ظهر إذا أن في نخامة الصدر قولين
حجة القول الأول وجوه الأول إن ذلك لا يسمى أكلا ولا شربا فكان سايغا تمسكا بالأصل السالم عن المعارض ولكن عدم التسمية في ابتلاعها من فضاء
الفم لا يخلو عن تأمل الثاني أنها مساوية للريق في عدم الوصول من خارج فوجب مساواتها له في الحكم وضعفه ظاهر الثالث أنها لا تنفك عنها
الصائم إلا نادرا فوجب العفو لعموم البلوى الرابع ما رواه غياث بن إبراهيم في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته الازدراء
لو يم يكن ظاهرا في الواصلة عنها إلى الفم فلا ريب في شموله لها والنخامة على الظاهر تشمل ما يخرج من الصدور وما ينزل من الدماغ لغة وعرفا واستعمالها
في الأول في عبارة الشرايع والارشاد لا يفيد الاختصاص خصوصا بقرينة قول المحقق في المعتبر لو اجتلب نخامة من صدره أو رأسه وابتلعها لم يبطل
وقول العلامة في المنتهى لو ابتلع النخامة المجتلبة من صدره أو رأسه لم يبطل ولكن الكلام في سند هذا الخبر باعتبار غياث بن إبراهيم فإنه موثق إلا
أنهم قالوا أنه بتري والبترية بالموحدة والمثناة من فوق فرقة من الزيدية نسبوا إلى مغيرة بن سعد ولقبه الأبتر وقال في المدارك قال العلامة أنه بتري
ولا يبعد أن يكون الأصل فيه كلام الكشي نقلا عن حمدويه عن بعض أشياخه وذلك البعض مجهول ولا تعويل على قوله أقول وقد حكم الشيخ أيضا بأنه بتري ولو
جوزنا اعتمادهم في الحكم بذلك على قول مجهول ارتفع الاعتماد عن جرحهم وتعديلهم وحجة القول الثاني دخول ابتلاعها من فضاء الفم في الاكل فيلحقه حكمه بخلاف ابتلاعها قبل صيرورتها في الفضاء ولو قدر على إخراجها لعدم الجزم بدخوله فيه حينئذ بل الظاهر عدم الدخول ويتوجه المنع على
ادعاء دخول ابتلاعها من فضاء الفم في الاكل وربما قيل أيضا أنها مما يمكن الاحتراز عنه فأشبهت القئ وضعفه ظاهر وحجة القول الثالث إن ابتلاع
ما ينزل من الدماغ إدخال شئ في الجوف من الخارج فيبطل الصوم بخلاف ما يتكون في الصدر فإنه كأين في الجوف حيت يخرج عن فضاء الفم فيدخل ابتلاعه
435

حينئذ في الاكل وربما احتجوا أيضا برواية غياث باعتبار اختصاص النخامة بما في الصدر وضعف هذا القول وضعف مستمسكهم واضح جدا وقال
خالي طاب ثراه بوجوب الاجتناب عن ابتلاع النخامة بنوعيها إذا صارت في الفم للشك في دخول ابتلاعها حينئذ في الاكل فتحصيل البراءة اليقينية
من التكليف الثابت بالصوم يقتضي التجنب عنه إلا أنه لا يلزم بذلك وجوب الكفارة ولا القضاء لأصالة البراءة أقول وما ذكره من وجوب الاجتناب
لتحصيل البراءة اليقينية فغير طاهر إذ المعلوم والمسلم إن التكليف اليقيني يقتضي البراءة اليقينية بمعنى أنه يجب إبراء الذمة يقينا من كل ما هو معلوم
الثبوت فيها ولا يكفي مجرد احتمال البراءة والشك فيها وأما ما هو مشكوك الثبوت فلا يلزم الاتيان به بحكم أصل البراءة مثلا إذا ثبت التكليف بالصوم
وشغل الذمة به فيجب الخروج يقينا عن عهدة كل ما هو معلوم الدخول في الصوم شرعا وأما الأمور المشكوكة ومنها التجنب عن ابتلاع النخامة فالأصل براءة
الذمة عنها حيت يثبت دخولها في الصوم كيف لا والحكم بوجوبها بمحض الاحتمال يؤل إلى الحكم بشغل الذمة بمجرد الاحتمال وهو غير صحيح البتة ولو صح ذلك
لوجب الحكم بالقضاء والكفارة أيضا لاحتمال ثبوتهما في الذمة باعتبار دخول هذا الابتلاع في الاكل الموجب لهما وفي وجوب الكفارات الثلاث هنا
أي في صورة ابتلاعها من فضاء الفم نظر باعتبار التردد في تحريم ابتلاع الشخص نخامته خصوصا قبل أن يخرج من الفم لأجل خباثتها وتحريم أكل
الخبائث وكون ذلك في الادخال من الخارج وأما الخبائث الداخلة فلا حكم لها لتعذر التجنب عنها ويؤيده ما رواه عبد الله بن سنان قال سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته وظاهره الرد من الفم إلى الجوف وإن أمكن حمله على ردها قبل أن
تصل إلى فضاء الفم وتجب الكفارات الثلاث لو كانت نخامة غيره لخباثتها وكونها فضلة غير المأكول وكل ما يحرم في غير الصوم يتأكد فيه لان هذا الزمان ظرف للعبادة
فلا يجوز صرفه في المعصية وقد قال الله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين وروى محمد بن مسلم في الحسن بن إبراهيم قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا صمت فليصم
سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وعدد أشياء غير هذا وقال لا يكون يوم صومك كيوم فطرك وروى جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله لجابر بن عبد الله يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من ليله وعف بطنه وفرجه وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر فقال
جابر يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا جابر وما أشد هذه الشروط كالمسابة بتشديد الموحدة أي المشاتمة
روى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من عبد صالح يشتم فيقول أني صائم سلام
عليك لا أشتمك كما تشتمني إلا قال الرب تبارك وتعالى استجار عبدي بالصوم من شر عبدي فقد أجرته من النار والظاهر أن المراد بقوله عبدي المشتوم
وبالثاني الشاتم فإن المشتوم لما جعل الصوم مانعا عن معارضة الشاتم فكأنه استجار به أو المراد أنه استجار من شر سيئة مشاتمته وطول التشاجر
واستمرار التشاتم بينهما بالصوم وطلب فضله وروى جراح المدايني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ثم قال قالت مريم
أني نذرت للرحمن صوما وصمتا وفي نسخة أخرى أي صمتا فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا قال وسمع
رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام فقال لها كلي فقالت أني صائمة فقال
كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك إن الصوم ليس من الطعام والشراب قال وقال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا صمت فليصم سمعك وبصرك
من الحرام والقبيح ودع المرء وأذى الخادم وليكن عليك وقار الصايم ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك والفرق بين النسختين إن النسخة الأولى
تدل على اعتبار الصمت بقرينة تفريع قوله تعالى فلن أكلم اليوم أنسيا والنسخة الثانية على تفسير الصوم بالصمت ولعل الغرض من ذكر الآية الاستشهاد
على اعتبار نوع من حفظ اللسان في الصيام لأجل استعمال الصوم فيه في الآية ودلالتها على حسنه والتعبد به في الشرايع السالفة وما رواه الفضل بن
يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع إلى الحلف والايمان بالله فإن جهل
عليه أحد فليحتمل وقوله (عليه السلام) فإن جهل عليه أحد أي أظهر الجهل لخشونة الكلام والشتم قال في القاموس جهل عليه أظهر الجهل كتجاهل وقال
العلامة في المنتهى المشاتمة والتلفظ بالقبيح لا توجب الافطار عندنا وبه قال باقي الفقهاء إلا الأوزاعي وذكر احتجاجه بروايتين لأبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وآله وأجاب بعدم دلالتهما على الافساد والكذب وقد مر البحث عنه مفصلا ويجوز التبرد بالغسل من غير ارتماس وصب
الماء على الرأس للأصل وعمل المسلمين وما تقدم في بحث الارتماس من صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الصائم يستنقع في الماء ويصب على
رأسه ويبرد بالثوب وينضح المروحة وينضح البوريا ولا يرمس رأسه في الماء ولو علم دخوله الاذن ما لم يعلم تعديه إلى الحلق لما تقدم في بحث السقوط
بما يصل إلى الدماغ من عدم دليل تام يدل على عدم جواز إيصال شئ إلى مطلق الجوف ولو غمس رأسه في الماء مع خروج البدن دفعة أو على التعاقب
436

ففي إلحاقه بالارتماس بجميع الجسد نظر وقد تقدم البحث عن ذلك مفصلا في الارتماس نعم لو سبق الماء إلى حلقه حالة غمس رأسه قضى الصوم لان الغمس
مظنة وصول الماء إلى الحلق كالمضمضة والاستنشاق بل أولى بذلك منهما وقد مر بيان وجوب القضاء لسبق الماء إلى الحلق إذا تمضمض أو استنشق لا
للطهارة ولو سبق الماء إلى الحلق في الاغتسال الواجب أو المستحب فلا شئ لفحوى ما ورد في المضمضة والاستنشاق للطهارة وفي التبرد احتمال ينشأ من
وجوبه في السبق للمضمضة لا للطهارة وفي حكمها الاغتسال للتبرد ودلالة صحيحة الحلبي المذكورة في بحث المضمضة على وجوبه للسبق في وضوء صلاة النافلة
ففي الاغتسال للتبرد أولى من أن الاغتسال ليس مظنة سبق الماء مثل المضمضة ولا عبرة بالقياس والصحيحة يمكن حملها على المضمضة في الوضوء بقرينة
باقي الاخبار وقال في المنتهى لو صب الماء على رأسه فدخل الماء إلى حلقه فإن تعمد إدخال الماء أفسد صومه وإن لم يتعمد وكان الصب يؤدي إليه قطعا
أفسد أيضا مع الاختيار لا مع الاضطرار وإن لم يؤد إليه لم يفسد صومه ولا إفطار لسبق الغبار من غير تعمد إلى الحلق لوقوعه بغير قصد ولما سبق في
بحث الغبار في موثقة عمر بن سعيد عن الرضا (عليه السلام) قال وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه قال لا بأس وقال في المنتهى أما لو كان مضطرا
أو دخل الغبار بغير شعور منه أو بغير اختيار فإنه لا يفطره إجماعا أو الذباب وشبهه لعدم تعمده ولما تقدم في بحث الأكل والشرب في رواية مسعدة
الصدقة عن الصادق (عليه السلام) إن عليا (عليه السلام) سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم قال ليس عليه قضاء أنه ليس بطعام ويجب التحفظ عن الغبار
لمزاوله لان عدم التحفظ من المزاول نوع إيصال للغبار إلى الحلق وقد مر اعتبار المصنف والأكثر الكف عنه في الصوم ويكره مضغ العلك وتقطير
الدواء في الاذن والسعوط بما لا يتعدى الحلق وقد مر البحث عنها مفصلا ويستحب للمتمضمض أن يتفل ثلاثا لما تقدم في بحث المضمضة من
رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الصائم يتمضمض قال لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات قال قال الشيخ في زيادات التهذيب بعد ذكر هذا
الخبر وقد روى مرة واحدة أقول والظاهر أن المرة على جهة الوجوب لان صغار إجزاء الماء لا يخرج بمجرد صب الماء في المضمضة عن الفم وكذا يستحب أن
يتفل ثلاثا ذائق الطعام وشبهه للعلة التي في المتمضمض من الاحتياط في إخراج الاجزاء الصغار التي لا يحس بها ولو علم عدم نقاء الفم وبقاء شئ فيه
بعد ذلك فيجب السعي في إخراجه والتجنب عن ابتلاعه البتة ولا بأس بالسواك بالرطب واليابس أول النهار وآخره وأي ساعة شاء وقال بعض
الأصحاب يستحب السواك للصائم باليابس والرطب ولعله أراد الاستحباب الذي في أصل السواك وأما استحبابه لخصوص الصائم كما هو ظاهر كلامه
فلا يظهر من الاخبار فيما اطلعت عليه ويدل على ما ذكره المصنف الأصل والعمومات الواردة في السواك وتأكد استحبابه وما رواه الجمهور عن أبي إسحاق الخوارزمي
عن عاصم قال سألته أيستاك الصايم قال نعم قلت برطب السواك ويابسه قال نعم قلت أول النهار وآخره قال نعم قلت عمن قال عن أنس عن النبي صلى
الله عليه وآله وما رووه عن عامر بن ربيعة قال رأيت النبي صلى الله عليه وآله ما لا أحصى يتسوك وهو صائم ومن طريق الخاصة ما رواه الحلبي في الصحيح
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الصائم يستاك أي النهار شاء وما رواه ابن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يستاك الصائم أي ساعة من النهار
أحب وما رواه الحلبي في الصحيح قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه فقال لا بأس به وما رواه الحسين بن
أبي العلى في الحسن قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السواك للصائم فقال نعم يستاك أي النهار شاء وما رواه محمد بن مسلم في الموثق قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم أي ساعة يستاك من النهار قال متى شاء وما رواه موسى بن حسن الرازي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سأله بعض
جلسائه عن السواك في شهر رمضان قال جائز فقال بعضهم إن السواك يدخل رطوبة في الجوف فقال ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته
في الحلق فقال الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب فإن قال قائل لا بد من الماء للمضمضة من أجل السنة
قلنا فلا بد من السواك من أجل السنة
التي جاء بها جبرئيل (عليه السلام) إلى النبي صلى الله عليه وآله وقوله فقال بعضهم أي قاله لبعض الجلساء الذي كان سائلا أو قاله في نفسه من غير سؤال ثم
سأل السائل الأول بعد سماعة عنه ذلك عن الإمام (عليه السلام) بقوله ما تقول في السواك الرطب وما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال
سئلته عن السواك للصائم قال يستاك أي ساعة شاء من أول النهار إلى آخره وقال بعض العامة بكراهة السواك بعد الزوال الاخبار رووها بطرقهم
ولا عبرة بخلافهم والاخبار لضعف اسنادها لا تعارض هذه الأخبار وكرهه الشيخ والحسن بالرطب للرواية التي رواها الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال سألته عن الصائم أيستاك بالماء قال لا بأس ولا يستاك بالسواك الرطب وروى عبد الله بن سنان في الحسن بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه
كره للصائم أن يستاك بسواك ورطب وقال لا يضره أن يبل سواكه بالماء ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شئ وروى محمد بن مسلم في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال يستاك الصائم أي النهار شاء ولا يستاك بعود رطب الحديث وروى عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الصائم ينزع ضرسه
437

قال لا ولا يدمي فاه ولا يستاك بعود رطب وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يستاك الصائم بعود رطب وحمل لا يستاك في هذه الأخبار
المتكثرة على الكراهة وحمل لا بأس في رواية الحلبي المتقدمة على الجواز ونفي الحرمة للجمع بينها على ما فعله الحسن غير بعيد وليس في رواية موسى بن
الحسن أيضا ما يأبى عن ذلك وقال الشيخ في التهذيب بعد ذكر الأخبار الدالة على الكراهة سوى خبر الحلبي فالكراهة في هذه الأخبار إنما توجهت
إلى من لا يضبط نفسه فيبصق ما حصل في فيه من رطوبة العود فأما من تمكن من حفظ نفسه فلا بأس باستعماله على كل حال وقال الزيادات
بعد ذكر خبر الحلبي هذا الخبر محمول على الكراهة على ما تقدم القول فيه ويحتمل أن يكون غرضه الكراهة على الاطلاق فيكون هذا الجمع غير حرمة
الأول والكراهة لمن لا يضبط نفسه على ما يشعر به قوله على ما تقدم القول فيه فيرجع إلى الأول والعلامة في المنتهى جمع بينها بحمل الأخبار الأخيرة
على التسوك لا للطاعة بل لاستجلاب الريق وهو بعيد جدا ثم الظاهر أن السواك الرطب يشمل الأخضر والمبلول والاحتياط في التجنب عن ابتلاع
الريق حال الاستياك خصوصا إذا وجد طعمه أو كان رطبا أو أخرجه من الفم بعد ما ابتل بالريق وأعاده فيه وتكره مباشرة النساء بغير الجماع
باللمس أو التقبيل أو الملاعبة إلا لمن لا تتحرك شهوته بها فلا تكره له لما رواه في الكافي صحيحا عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه سأل عن رجل
يمس من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه أو ينقصه فقال إن ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني وما رواه في الكافي أيضا صحيحا عن منصور بن
حازم قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في الصائم يقبل الجارية والمرأة فقال أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس وأما الشاب الشبق فلا
لأنه لا يؤمن والقبلة إحدى الشهوتين قلت فما ترى في مثلي تكون له الجارية فيلاعبها فقال لي إنك لشبق يا أبا حازم كيف طعامك قلت إن شبعت
أضرني وإن جعت أضعفني قال كذلك أنا وكيف أنت والنساء قلت ولا شئ قال ولكني يا أبا حازم ما أشاء شيئا أن يكون ذلك إلا فعلت وقوله
(عليه السلام) لأنه لا يؤمن أي من الانزال أو من الوقوع في الجماع عند غلبة الشهوة كما سيأتي في خبر أصبغ إن بدو القتال اللطام وقوله القبلة إحدى
الشهوتين أي الموجبين لنزول المني والموجب الاخر الجماع أو الموجبين لحصول اللذة ولا ينبغي للصائم أن يرتكبها وقوله إنك لشبق يحتمل الاستعلام
أو الاعلام بظهور ذلك عن سؤاله والطعم بضم الطاء الاكل قال في الصحاح يقول فلان قال طعمه أي أكله وقوله ما أشاء شيئا أن يكون ذلك مني
إلا فعلت أخبار عن تيسر المقاربة له (عليه السلام) إذا أرادها وجواب سؤال أبي حازم يظهر من إخباره بأنه لا شئ له من شهوة النساء بعد ملاحظة
ما مهده (عليه السلام) له في حكم القبلة وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وزرارة وفي الطريق أبان عن أبي جعفر (عليه السلام) إنه سئل هل يباشر الصائم
أو يقبل في شهر رمضان فقال إني أخاف عليه فلينزه عن ذلك إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه وما رواه الشيخ أيضا عن الأصبغ بن نباتة قال جاء رجل
إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين أقبل وأنا صائم فقال له عف صومك فإن بدو القتال اللطام قال الجوهري اللطم الضرب على
الوجه بباطن الراحة وما رواه الشيخ أيضا عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كلم امرأته في شهر رمضان وهو صائم فقال
ليس عليه شئ وإن أمدى فليس عليه شئ والمباشرة ليس بها بأس ولا قضاء يومه ولا ينبغي له أن يتعرض لرمضان والظاهر أن قوله (عليه السلام)
ولا ينبغي له لإفادة الكراهة ولو غلب على ظنه الانزال بالمباشرة فلا يبعد القول بتحريمها عليه لان الانزال مفسد للصوم فلا يجوز أن يعرض
الصوم للافساد في الغالب عن حاله ولكن العلامة في المنتهى اختار الكراهة ونسب القول بها إلى الأكثر والقول بالتحريم إلى بعض الشافعية ويستدل
على ما اختاره بإطلاق الأخبار الدالة على الكراهة وبأن إفضائه إلى الافساد مشكوك فيه فلا يثبت التحريم بالشك ويلزمه القول بعد الاتيان
بالمحرم وعدم الاثم لو حصل في هذه الصورة الانزال بالمباشرة لان المباشرة غير محرمة على رأيه وترتب الانزال عليها بغير اختياره وهذا ينافي
ظاهر الأخبار المتقدمة في بحث الاستمناء فليراجعها وتخصيصها بقصد الامناء أو بخصوص الجزم بنزول المني مستبعد وما ذكره من عدم ثبوت
التحريم بالشك إن أراد الشك الشامل للظن الغالب فغير مسلم كيف والظن
الغالب يجري مجرى العلم غالبا ويعبر عنه بالعلم الشرعي وإن أراد المقال
للعلم والظن فغير مفيد ولو فعل المباشرة بقصد الانزال فلا ريب في تحريمها ويكره أيضا الاكتحال بما فيه مسك أو صبر بل بما له طعم يصل إلى
الحلق كما قاله العلامة في المنتهى ويظهر من الاخبار أيضا والروايات الواردة في هذا الباب بعضها على المنع المطلق وبعضها على التفصيل والجمع
بينهما بحمل المطلق على المفصل كما فعلوه أظهر مما مال إليه في المدارك من الجمع بحمل الجواز المطلق على الترخيص وحمل المنع المطلق على الكراهة وحمل
التفصيل على شدة الكراهة في بعض الصوم كما يظهر للمتأمل من ملاحظة الاخبار وأما القول بالتحريم فمنفي باتفاق علمائنا على ما يظهر من المنتهى
ونسبه إلى بعض العامة أما مطلقا كما قاله ابن شبرمة وابن أبي ليني أو إذا وجد طعمه في حلقه كما قاله أحمد وبعض أصحابه مالك ويمكن القول بالتحريم
438

إذا علم بدخول جسم محسوس في الحلق وإن بعد الفرض كما عرفت في بحث الغبار وبحث شم الرايحة الغليظة وبحث السعوط وشمول الوفاق على عدم
التحريم لهذه الصورة غير بين وأما الأخبار الدالة على الجواز مطلقا فمن طريق العامة ما رواه عن أنس إن النبي (صلى الله عليه وآله) كره السعوط للصائم
ولم يكره الكحل ومن طريق الخاصة ما روى في الكافي والتهذيب صحيحا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصائم يكتحل قال لا بأس به ليس بطعام
ولا شراب وصحيحا أيضا عن ابن أبي يعفور قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكحل للصائم فقال لا بأس به إنه ليس بطعام يؤكل وصحيحا أيضا عن عبد
الحميد بن أبي العلا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بالكحل للصائم وقد وقع في صحيحة عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن
أبيه (عليه السلام) وكان لا يرى بأسا بالكحل للصائم وروى الشيخ في التهذيب عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال لا بأس
بالكحل للصائم وأما الأخبار الدالة على المنع المطلق فما رواه في التهذيب عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه سأل عن الرجل يكحل
وهو صائم فقال لا إني أتخوف أن يدخل رأسه وفي التعليل إشعار بأن النهي للكراهة وبأنه عن الكحل المشتمل على الدواء الحاد النافذ وما رواه في
الكافي عن سعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سألته عمن يصيب الرمد في شهر رمضان هل يذر عينه بالنهار
وهو صائم قال يذرها إذا أفطر ولا يذرها وهو صائم والغالب اشتمال الذرور الذي يستعمل في الرمد على الأدوية الحادة وما رواه الشيخ عن الحسن بن
علي في الموثق قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصائم إذا اشتكى عينه يكتحل بالذرور وما أشبهه أم لا يسوغ له ذلك فقال لا يكتحل وأما الأخبار الدالة
على التفصيل فما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) إنه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة فقال إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في
حلقها فلا بأس وما رواه عن سماعة في الموثق قال سئلته عن الكحل للصائم فقال إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فليس به بأس
وأما ما رواه عن الحسين بن أبي منذر في الصحيح على الظاهر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم فقال لا بأس به فمحمول على
الرخصة ولا ينافي الكراهة ويكره أيضا إخراج الدم المضعف بفصد أو حجامة أو غيرهما أما جواز إخراج الدم مطلقا فللأصل واتفاق علمائنا وأكثر العامة
عليه على ما ذكره في المنتهى وللاخبار وأما كراهة إخراج الدم المضعف فلانه لا يؤمن معه الضرر أو الافطار فيكون مكروها للروايات الدالة على كراهة
الحجامة إذا كانت مضعفة مع بيان علة تفيد العموم وأما إذا علم إنه يؤدي إلى ضرر أو إلى الافطار فلا ريب في تحريمه من غير ضرورة وجوازه معها وقال بعض
العامة بتحريم الحجامة وقال بعضهم يفطر الحاجم والمحجوم ومنهم من قال بوجوب الكفارة أيضا وأما الروايات فروى البخاري إن النبي (صلى الله عليه وآله) احتجم
وهو صائم وروى أيضا إنه احتجم وهو محرم وهذا تفصيل ما رووه عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) احتجم وهو صائم محرم وروى الشيخ عن عبد الله بن ميمون في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال ثلاثة لا يفطرن الصايم القي والاحتلام والحجامة وقد
احتجم النبي (صلى الله عليه وآله) وهو صائم وكان لا يرى بأسا بالكحل للصائم وعن سعيد الأعرج في الصحيح أيضا قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم يحتجم فقال
لا بأس إلا أن يتخوف على نفسه الضعف وعن الحلبي في الصحيح والحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الصائم أيحتجم فقال إني أتخوف عليه أما يتخوف على نفسه
قلت ماذا تتخوف عليه قال الغشيان أو يثور به مرة قلت أرأيت إن قوي على ذلك ولم يخش شيئا قال نعم إن شاء الله وعن الحسين بن أبي العلا في الحسن قال سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحجامة للصائم قال نعم إذا لم يخف ضعفا وأما ما رواه عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بأن يحتجم
الصائم إلا في رمضان فإني أكره أن يغرر بنفسه إلا أن يخاف على نفسه وإنا إذ أردنا الحجامة في رمضان احتجمنا ليلا فلا ينافي الأخبار المتقدمة كما أفاده في التهذيب
لأنه (عليه السلام) إنما كره الحجامة في رمضان وعلقها بحال الضرورة والخوف على النفس لظن إحداث الضعف والتعزير بالنفس فيؤول مفاده إلى مفاد الاخبار
السالفة ولا يبعد استفادة الكراهة من هذه الأخبار إلا مع ظن السلامة وعدم أدائه إلى الضرر أو الافطار واحتج من قال من العامة يفطر الحاجم والمحجوم بما
رووه عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال أفطر الحاجم والمحجوم وضعف سند هذا الخبر يمنع من معارضته للاخبار السالفة مع إمكان تأويله بأنهما قربا من
الافطار للضعف واحتمال دخول الدم في حلق الحاجم ويدل أيضا على كراهة أن يحجم الرجل ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الحاجم يحجم وهو صائم قال لا ينبغي وعن الصائم يحتجم قال لا بأس ويكره أيضا دخول الحمام المضعف لما عرفت في البحث السابق ولما رواه الشيخ عن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) إنه سأل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم فقال لا بأس منا لم يخش ضعفا وما رواه عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم فقال ليس به بأس فمحمول على الرخصة أو على حال عدم خوف إحداث الضعف ويكره أيضا شم الرياحين
والريحان كل نبت طيب الريح على ما نص عليه أهل اللغة وخصوصا النرجس قال في المنتهى بعد ذكر كراهة شم الرياحين وتأكدها في النرجس هو قول
علمائنا أجمع ويدل على كراهة شم الرياحين أيضا ما رواه الشيخ عن الحسن بن راشد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الصائم لا يشم الريحان وعن الحسن الصيقل
439

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول فقال لا ولا يشم الريحان وعن الحسن بن راشد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الحايض
تقضي الصلاة قال لا قلت تقضي الصوم قال نعم قلت من أين جاء هذا قال إن أول من قاس إبليس قلت فالصائم يستنقع في الماء قال نعم قلت فيبل ثوبا
على جسده قال لا قلت من أين جاء هذا قال من ذاك قلت فالصائم يشم الريحان قال لا لأنه لذة ويكره له أن يتلذذ وكان غرضه (عليه السلام) من عدم التعرض
لبيان الفرق رد السائل عن الاخذ بالقياس والعمل به في الأحكام الشرعية كما هو دأب العامة لعدم وصول فهم البشر إلى استنباط ما هو العلة في الواقع
للحكم الشرعي ولا ينافي ذلك كون كل من المنع والرخصة في الحكمين معللا في الواقع بعلة لا يوجد في الاخر وكون العلل معلومة لهم (عليهم السلام) وروى ابن بابويه
مرسلا عن الصادق (عليه السلام) إنه سأل عن المحرم يشم الريحان قال لا قيل فالصائم قال لا قيل يشم الصائم الغالية والدخنة قال نعم قيل كيف حل له أن يشم
الطيب ولا يشم الريحان قال لان الطيب سنة والريحان بدعة للصائم وكان الصادق (عليه السلام) إذا صام لا يشم الريحان فسئل عن ذلك فقال أكره أن اختلط
صومي بلذة وروى إن من تطيب بطيب أول النهار وهو صائم لم يكد يفقد عقله ويدل على تأكدها في النرجس ما رواه الشيخ عن محمد بن الفيض قال سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) ينهى عن النرجس فقلت جعلت فداك لم ذاك قال لأنه ريحان الأعاجم وقال الكليني بعد ذكر هذا الخبر في الكافي وأخبرني في بعض
أصحابنا إن الأعاجم كانت تشمه إذا صاموا وقالوا إنه يمسك الجوع وذكر المفيد إن ملوك العجم كان لهم يوم معين يصومونه ويكثرون فيه شم النرجس
فنهوا (عليهم السلام) عن ذلك خلافا لهم ومال ذلك أيضا إلى ما ذكره الكليني وليس تعليلا آخر كما زعمه صاحب المدارك وأما النهي في هذه الأخبار
للكراهة فلأصالة الجواز وقصور الاخبار من حيث السند لإفادة حكم الحرمة ولمعارضة الأخبار الدالة على الجواز إياها مع صحة سند بعضها فروى
الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الصائم يشم الريحان والطيب قال لا بأس وعن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن الصائم أترى له أن يشم الريحان أم لا ترى ذلك له فقال لا بأس به وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الصائم يدهن بالطيب
ويشم الريحان وعن سعد بن سعد قال كتب رجل إلى أبي الحسن (عليه السلام) هل يشم الصائم الريحان يتلذذ به فقال لا بأس به وذكر الشيخ في التهذيب احتمال اختصاص الريحان
الواقع في أخبار النهي بالنرجس بقرينة قوله (عليه السلام) في خبر محمد بن الفيض لأنه ريحان الأعاجم ولكن القول بمطلق الكراهة في الريحان مطلقا أولى لما يستفاد
من المنتهى من دعوى الوفاق عليها ولا يكره شم الطيب وقد عرفت آنفا ما يدل عليه وينبغي استثناء ما له رايحة غليظة وقد مر البحث عنه بل روى استجنابه
للصائم قد مر ذلك في مراسيل ابن بابويه وروى الشيخ أيضا عن الحسن بن راشد قال كان أبو عبد الله (عليه السلام) إذا صام يطيب بالطيب ويقول الطيب
تحفة الصائم أي يستحب أن يؤتى به للصايم ويتحف به الصائم لأنه ينتفع به في حالة الصوم ولا ينتفع بغيره من المأكول والمشروب أو أتحف الله الصائم به بأن
أحل له التلذذ به في الصوم وعن علي (عليه السلام) بطريق غياث بن إبراهيم وهو ثقة ولكنه روى كراهة المسك فروى الشيخ عن غياث في الموثق عن جعفر عن
أبيه (عليهما السلام) قال إن عليا (عليه السلام) كره المسك أن يتطيب به الصائم وعلل في المنتهى كراهته بشدة رايحته أيضا نعم في رواية الحسن بن راشد وقد مر ذكر ما
تعليل شم الرياحين باللذة وإنها مكروهة للصائم فربما يستفاد منها كراهة الطيب لجريان العلة باعتبار حصول اللذة منه ولكن قد مر التصريح
بالتفرقة بين الريحان والطيب في مرسلة ابن بابويه ويكره قلع الضرس لمكان الدم رواه عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الصائم
ينزع ضرسه قال لا ولا يدمي فاه ولا يستاك بعود رطب ويكره أيضا الاحتقان بالجامد على الأقرب وقيل يحرم وقد مر البحث عنه مفصلا ويكره
أيضا بل الثوب على الجسد وقد مر ما يدل عليه في بحث الرياحين من رواية الحسن الصيقل ورواية الحسن بن راشد وفي بحث الارتماس من رواية الحسن
الصيقل وروى الكليني عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول ألا يلزق ثوبك إلى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره
وغاية ما يمكن إثباته بهذه الاخبار الكراهة لعدم نقاء سندها وربما يشعر بالجواز أيضا ما وقع في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال
الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وقد مر ذكر الخبر في بحث الارتماس ويكره أيضا إنشاد الشعر وإن كان حقا لما رواه الشيخ
في الصحيح عن حماد بن عثمان وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا ينشد الشعر بليل ولا ينشد في شهر رمضان بليل ولا نهار فقال له إسماعيل يا أبتاه
فإنه فينا قال وإن كان فينا وفي الصحيح أيضا عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول يكره رواية الشعر للصائم وللمحرم وفي الحرم وفي يوم
الجمعة وأن يروي بالليل قال قلت وإن كان شعر حق قال وإن كان شعر حق ثم إن الانشاد قراءة الشعر والشعر المنضوم من القول فيشمل المصراع على الظاهر ولكن
الغالب إطلاقه على التام ويحتمل اعتبار اشتماله على التخييل كما هو المصطلح في الشعر الذي هو إحدى الصناعات والغالب في الاشعار وتشعر به
الآيات الكريمة في سورة الشعراء فيحمل وصفه بالحقية كما وقع في الخبر على حقية أصل المطلوب الذي يقصد ويستفاد منه كمدح الأئمة (عليهم السلام)
440

وبيان مجدهم ووصف كراماتهم ونحوها وإن اشتمل على التخييل الذي هو دأب الشعراء والمداحين وعلى هذا فالحكم بكراهة إنشاد الكلام المنظوم
المشتمل على الحكمة أو الموعظة أو المناجاة الخالي عن التخييل أصلا في الأماكن أو الأوقات الشريفة المذكورة لا يخلو عن تأمل فتأمل وإن كان التجنب أحوط
ويكره أيضا الهذر والمراء وهو الجدال وقد مر ما يدل على ذلك في بحث المسابة ويكره أيضا السفر وقد مر ذلك سابقا مقيدا بقوله إلى ثلاث وعشرين
من غير استثناء إلا بحج أو غزو أو ضرورة كحفظ مال أو أخ في الله أو تشييعه أو تلقيه ويشترك الجميع في عدم الكراهة وإنما يختلف في الوجوب والندب
وقد مر البحث عن هذه المسألة مفصلة ويستحب الاكثار من تلاوة القرآن والدعاء والتسبيح بالمأثور والصدقة وتفطير الصائمين ولزوم المساجد
والأخبار الواردة في فضل هذه الأمور كثيرة جدا مع غنائها عن ذكر السند لغاية اشتهارها بين المسلمين واهتمامهم بها في كل عصر أخذا عن السابقين
ولكن نحن نذكر طرقا من الروايات الشريفة الواردة في هذه الأبواب تيمنا وجريا على عادتنا في هذا الكتاب فرووا عن ابن عباس إن رسول الله كان أجود
الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان وكان أجود من الريح المرسلة وروى شيخنا المتقدم في الكافي عن أبي الورد في الحسن عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال خطب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس
إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر
وهو شهر رمضان فرض الله صيامه وجعل قيام ليله فيه بتطوع صلاة كتطوع صلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال
الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرايض الله عز وجل ومن أدى فيه فريضة من فرايض الله عز وجل كان كمن أدى سبعين فريضة من فرايض الله
فيما سواه من الشهور وهو شهر الصبر وإن الصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وهو شهر يزيد الله في رزق المؤمن فيه ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك
عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله ليس كلنا نقدر على أن نفطر صائما فقال إن الله كريم يعطي هذه الثواب لمن لا يقدر
إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تمرات لا يقدر على أكثر من ذلك ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عنه حسابه
وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره الإجابة والعتق من النار ولا غني بكم عن أربع خصال خصلتين ترضون الله بهما وخصلتين لا غني بكم
عنهما فأما اللتان ترضون الله عز وجل بهما فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله فيه حوائجكم
والجنة وتسئلون العافية وتعوذون به من النار قوله صلى الله عليه وآله أظلكم أي أقبل عليكم ودنى منكم كأنه ألقى عليكم ظله والمواساة
المشاركة والمساهمة مع الاخوان في المعاش والرزق والمذقة الشربة من اللبن الممزوج بالماء من المذق بمعنى المزج والخلط والغناء المنفي عنهم
أولا بالمعنى المقابل للزوم الشامل للوجوب الشرعي وثانيا بالمعنى المقابل للافتقار الظاهري العقلي مع قطع النظر عن التكليف وإحدى
الأخيرتين سؤال منفعة الدنيا والآخرة والأخرى سؤال دفع مضرتهما ومما يقرب من هذا الخبر ما رواه الصدوق في المجلس العشرين من أماليه عن
محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن محمد الهمداني قال حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن آبائه
(عليهم السلام) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله خطبنا ذات يوم فقال أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله
بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات هو شهر دعيتم
فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاكم فيه مستجاب فاسئلوا الله
ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم واذكروا بجوعكم
وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه وتصدقوا على فقراءكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم
وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم وتوبوا إلى الله من ذنوبكم
وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده يجيبهم إذا ناجوه ويلبيهم إذا نادوه
ويعطيهم إذا سألوه ويستجيب لهم إذا دعوه أيها الناس إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم وظهوركم ثقيلة من أو زاركم فخففوا
عنها بطول سجودكم واعلموا إن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين
أيها الناس من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه فقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وليس كلنا
يقدر على ذلك فقال صلى الله عليه وآله اتقوا النار ولو بشق تمرة اتقوا النار ولو بشربة من ماء أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط
يوم تزل فيه الاقدام ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن أكرم فيه
441

يتيما أكرمه الله يوما يلقاه ومن وصل فيه رحمة وصله الله رحمته يوم يلقاه ومن قطع فيه رحمة قطع الله عنه ورحمته يوم يلقاه ومن تطوع فيه بصلاة
كتب الله له براءة من النار ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ومن أكثر فيه من الصلاة على ثقل الله ميزانه
يوم تخفف الموازين ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور أيها الناس إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة
فاسئلوا ربكم إن لا يغلقها عليكم وأبواب النيران مغلقة فاسئلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم والشياطين مغلولة فاسئلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فقمت وقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر فقال يا أبا الحسن (عليه السلام) أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم
الله ثم بكى فقلت ما يبكيك يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا علي (عليه السلام) أبكى لما يستحل منك في هذا الشهر كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الأولين
والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضبت منها لحيتك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فقلت يا رسول الله وذلك في سلامة
من ديني فقال صلى الله عليه وآله في سلامة من دينك ثم قال يا علي (عليه السلام) من قتلك فقد قتلني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن سبك فقد سبني
لأنك مني كنفسي روحك من روحي وطينتك من طينتي إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني وإياك واختارني في النبوة
واختارك في الإمامة فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي يا علي أنت وصيي وأبو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي أمرك أمري
ونهيك نهيي أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته على عباده وروى الصدوق في الفقيه عن
زرارة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) إن النبي صلى الله عليه وآله لما انصرف من عرفات وصار إلى منى دخل المسجد فاجتمع إليه الناس يسئلونه عن ليلة
القدر فقام خطيبا وقال بعد الثناء على الله عز وجل أما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لأني لم أكن بها عالما اعلموا أيها الناس
إنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوى فصام نهاره وقام وردا من ليله وواظب على صلاته وهجر إلى جمعته وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة القدر
وفاز بجايزة الرب وقال أبو عبد الله (عليه السلام) فازوا والله بجوايز ليست كجوايز العباد ومفاد كلام النبي صلى الله عليه وآله في جوابهم إن إخفائه لها عنهم
ليس معاذ الله لعدم علمه بها كيف ونزول الملائكة فيها عليه بل لان الحكم الدينية والمصالح الشرعية يقتضي ذلك ثم بين لهم طريق نيلها وإدراكها
وأرشدهم إلى سبيل الفوز بعطاياها وجوايزها بالمواظبة على الأعمال الحسنة والمداومة على الافعال المستحسنة تمام الشهر الذي أنزل فيه القرآن ليطفي
عنهم النيران وتتضح من ذلك لهم أيضا إحدى المصالح الخفية التي في إخفائها كما لا يخفى والصحيح مقابل المريض والسوي غير ناقص الخلقة والورود الجزء
والقسط وهجر من التهجير إذا سار في الهاجرة وهي نصف النهار في القيظ ثم قيل هجر إلى الصلاة إذا بكر ومضى إليها في أول وقتها وقول الصادق (عليه السلام)
ليست كجوايز العباد أي ليست من الأمور الدنيوية الحقيرة الفانية بل من المثوبات الأخروية الباقية وروى الشيخ الكليني أيضا في الكافي عن جابر عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل بوجهه إلى الناس فيقول يا معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين
وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة وغلقت أبواب النار واستجيب الدعاء وكان لله فيه عند كل فطر عتقاء يعتقهم الله من النار وينادي مناد
كل ليلة هل من سائل هل من مستغفر اللهم اعط كل منفق خلفا واعط كل ممسك تلفا حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون إن أغدوا إلى جوايزكم
فهو يوم الجايزة ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) أما والذي نفسي بيده ما هي بجايزة الدنانير والدراهم والمردة جمع ما رد ومريد بالفتح وهو الذي لا
ينقاد ولا يطيع وقول اللهم اعط في النداء دعاء للمنفق وعلى الممسك ولا حاجة إلى صرفه عن الظاهر كما قيل في تفسير الجزء الثاني أي ارزقه الانفاق حتى ينفق
فإن لم يقدر في سابق علمك أن ينفقه باختياره فأتلف ماله حتى تأجره فيه أجر المصاب فيصير خيرا فإن الملك لا يعدو بالشر خصوصا في حق المؤمن انتهى
وذلك لان طلب الشر بإزاء فعل الشر ليس بشر خصوصا مثل هذا الشر القليل الدنيوي الذي هو تلف المال كيف لا وقد ورد اللعن كثيرا في الشريعة
بإزاء فعل المحرم بل بإزاء المكروه وترك المستحب أيضا وتمام تحقيق ذلك في كتابنا الموسوم بالمائدة السماوية ثم قد وقع الاخبار عن استجابة هذا
الدعاء في الشرع الأنور فقال عز من قائل وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين وقد ورد في الروايات مرارا من منع حقا لله عز وجل
أنفق في باطل مثليه وروى الكليني أيضا عن حصين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء
فأما الدعاء فيدفع به عنكم البلاء وأما الاستغفار فيحيى ذنوبكم وبهذا الاسناد قال كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا كان شهر رمضان لم
يتكلم إلا بالدعاء والتسبيح والاستغفار والتكبير فإذا أفطر قال اللهم إن شئت أن تفعل فعلت وقوله (عليهم السلام) إن تفعل أي إن تقبل أو تغفر
والغرض إظهار عدم الوثوق بالعبادة والاعتماد على الفضل والرحمة وعن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من فطر صايما فله مثل
442

أجره وعن موسى بن بكر عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال فطرك أخاك الصائم خير من صيامك وعن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا كان يوم الذي يصوم فيه أمر بشاة فتذبح وتقطع أعضاء وتطبخ فإذا كان عند المساء انكب على القدر حتى يجد ريح
المرق وهو صائم ثم قال هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان وغرفوا لآل فلان ثم يؤتى بخبز وتمر فيكون ذلك عشائه صلوات الله عليه وعلى آبائه
وعن مسعدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال دخل سدير على أبي (عليه السلام) في شهر رمضان فقال يا سدير هل تدري أي الليالي هذه فقال
نعم فداك أبي هذا ليالي شهر رمضان فما ذاك فقال له تقدر على أن تعتق في كل ليلة من هذه الليالي عشر رقبات من ولد إسماعيل فقال له سدير
بأبي أنت وأمي لا يبلغ مالي ذلك فما زال ينقص حتى بلغ به رقبة واحدة في كل ذلك يقول لا أقدر عليه فقال له فما تقدر أن تفطر في كل ليلة رجلا
مسلما فقال له بلى وعشرة فقال له أبي (عليه السلام) فداك الذي أردت يا سدير إن إفطارك أخاك المسلم يعدل عتق رقبة من ولد إسماعيل
وروى الشيخ في
التهذيب عن حماد بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من فطر صائما كان له مثل أجره من غير أن
ينقص منه شئ وما عمل بقوة ذلك الطعام من بر أي كان له مثل أجر صومه ومثل أجر ما عمل من البر بقوة ذلك الطعام ويستحب أيضا السحور بضم المهملة
وهو تناول شئ في السحر وقال الجوهري السحر قبل الصبح ولو بشربة من ماء لما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال تسحروا فإن في السحور بركة وأنه
قال فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور وأنه قال السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يتجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته
يصلون على المتسحرين وما رواه ابن بابويه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إن الله تبارك وتعالى وملائكته يصلون
على المستغفرين والمتسحرين بالاسحار فليتسحر أحدكم ولو بشربة من ماء وعن الصادق (عليه السلام) إنه قال لو أن الناس تسحروا ثم لم يفطروا إلا على الماء لقد
روا أن يصوموا الدهر وما رواه الشيخ عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله السحور بركة
قال (عليه السلام) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تدع أمتي السحور ولو على حشفة قال في القاموس الحشف بالتحريك أرداء التمر والضعيف
لا نوى له واليابس الفاسد وعن رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله تعاونوا بأكل
السحور على صيام النهار وبالنوم عند القيلولة على قيام الليل وأفضله السويق والتمر كذا قال في الفقيه ويدل عليه ما رواه الشيخ في الموثق عن
حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أفضل سحوركم السويق والتمر وروى عن جابر قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كان رسول الله صلى الله
عليه وآله يفطر على الأسودين قلت رحمك الله وما الأسودان قال التمر والماء والزبيب والماء ويتسحر بهما وإطلاق الأسود على الماء من باب التغليب
كما قاله في النهاية ويتأكد استحباب السحور في الصيام الواجب لان الغرض منه التقوى على الصيام والمحافظة عن عروض أمر يوجب الافطار والواجب أولى
بذلك من المندوب وفي المعين من الواجب آكد لأوليته بالمحافظة باعتبار تعينه وفي صوم رمضان من الواجبات المعينة أشد تأكد التأكد وجوبه
ولظهور الاخبار فيه ولما رواه في الكافي عن أبي بصير في الحسن على الظاهر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن السحور لمن أراد الصوم أواجب هو عليه
فقال لا بأس أن لا يتسحر إن شاء وأما في شهر رمضان فإنه أفضل أن يتسحر نحب أن لا يترك في شهر رمضان وعن سماعة في الموثق قال سئلته عن السحر
لمن أراد الصوم فقال أما في شهر رمضان فقال الفضل في السحور ولو بشربة من ماء وأما في التطوع فمن أحب أن يتسحر فليفعل ومن لم يفعل فلا بأس
وكلما قرب من الفجر كان أفضل لأنه أولى باسم السحر وأقوى في إفادة المطلوب منه ولما رووه عن زيد بن ثابت قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله
ثم قمنا إلى الصلاة قلت كم كان قدر ذلك قال خمسين آية وما رواه في الكافي عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذن ابن أم مكتوم لصلاة الغداة
ومر رجل برسول الله صلى الله عليه وآله وهو يتسحر فدعاه أن يأكل معه فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله قد أذن المؤذن للفجر فقال إن هذا ابن أم مكتوم وهو يؤذن بليل فإذا أذن بلال فعند ذلك فامسك
وما رواه الشيخ في الموثق على الظاهر عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) آكل في شهر رمضان بالليل حتى أشك قال كل حتى لا تشك ثم أن
استحباب التأخير كما أفاده العلامة في المنتهى مع يقين الليل فأما مع الشك فإنه يكره إلا أنه يجوز لأصل بقاء الليل وقوله (عليه السلام) في موثقة إسحاق كل
حتى لا تشك فمحمول على الرخصة وعلى هذا فلا دلالة فيها على فضل تأخير السحور كما استدل بها في المنتهى ويستحب أيضا تعجيل الفطور قبل الصلاة
ليأتي بها بالاطمينان والاقبال المطلوب في العبادة إلا لمن لا تنازعه نفسه فيؤخره عن الصلاة إلا أن يتوقع غيره فطره فيعجله مع عدم المنازعة رعاية لحسن
المصاحبة كما رواه في الفقيه عن الحلبي في الصحيح وفي الكافي عنه في الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سأل عن الافطار قبل الصلاة أو بعدها فقال إن كان
معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم وإن كان غير ذلك فليصل وليفطر وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة وفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام)
443

في رمضان تصلي ثم تفطر إلا أن تكون مع قوم ينتظرون الافطار فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم وأفطر ثم صل وإلا فابدأ بالصلاة قلت ولم
ذاك قال لان قد حضرك فرضان الافطار والصلاة فابدء بأفضلهما وأفضلهما الصلاة ثم قال تصلي وأنت صائم فكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحب
إلي وقوله (عليه السلام) فتختم بالصوم أي بالوقوع في حالة الصيام وبالصدور عن الصايم وقد نازع صاحب المدارك في استحباب تعجيل فطور من تنازعه
نفسه لاطلاق النصوص ولحصول مخالفة النفس بالتأخير والظاهر مراعاة الخشوع والاقبال على الصلاة على ما يظهر من الاخبار والأقوال
أهم من حسن مراعاة التقديم المفهوم من هذه النصوص وحسن مخالفة النفس إذا لم يؤد إلى خلل في العبادة لا مطلقا كما يظهر من الحكم بكراهة الصلاة
لدافع النوم والخبث وقد روى الشيخ أيضا عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يستحب للصايم إن قوى على ذلك
أن يصلي قبل أن يفطر ورووا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الله تعالى أحب عبادي إلى أسرعهم فطرا ويستحب الافطار
على الماء الفاتر وهو الذي لا يكون باردا ولا حارا أو الحلو كالتمر والزبيب وكان الأولى تقديم الحلو على الماء في الذكر كما يفهم من النصوص تقديمه
أو اللبن فقد مر في خبر جابر حديث إفطار رسول الله صلى الله عليه وآله على الأسودين وروى في الكافي عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا فطر بدء بحلواء يفطر عليها فإن لم يجد فسكرة أو تمرات فإذا أعوز ذلك كله فماء فاتر و
كان يقول ينقي المعدة والكب ويطيب النكهة والفم ويقوي الأضراس ويقوي الحدق ويجلو الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن العروق
الهايجة والمرة الغالبة ويقطع البلغم ويطفي الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع والسكرة بضم المهملة واحدة السكر وهو فارسي معرب
وكأنها الحبة المعمولة من السكر والمعدة بفتح الميم وكسر المهملة أو بكسر الميم وسكونها للانسان بمنزلة الكرش لكل مجتر والنكهة بفتح النون وسكون
الكاف ريح الفم والناظر في المفكة السواد الأصغر الذي فيه انسان العين والحدق بفتح المهملتين جمع حدقه وهي السواد الأعظم من العين
المرة بكسر الميم الصفراء وعن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صام فلم يجد الحلواء أفطر على الماء
وعن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفطر على التمر في زمن التمر وعلى الرطب في زمن الرطب و
عن ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله أول ما يفطر عليه في زمن الرطب الرطب وفي زمن التمر التمر
وعن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا أفطر الرجل على الماء الفاتر نقي كبده وغسل الذنوب من القلب وقوى البصر والحدق
وعن ابن سنان عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الافطار على الماء يغسل الذنوب عن القلب وغسل الذنوب يحتمل أن يكون باعتبار أن
أكثر الذنوب ينبعث عن الشهوة والغضب والماء يسكنهما لأجل تسكينه للمرة والعروق الهائجة وروى الشيخ في الموثق عن غياث بن إبراهيم عن
جعفر عن أبيه (عليهما السلام) إن عليا (عليه السلام) كان يستحب أن يفطر على اللبن
ويستحب أيضا اتيان النساء أول ليلة من الشهر لما رواه في الكافي عن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال حدثني أبي عن جدي عن آبائه (عليهم السلام) إن عليا (عليه السلام) قال يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقوله
تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم والرفث المجامعة ولعل استفادة الاستحباب بعد ضم ما هو معلوم من الخارج من حسن المبادرة إلى الاخذ
بالرخصة التي ذكرها الله من باب الامتنان بتسهيل الامر ورفع المشقة عنهم بها كما يستفاد من قوله جل اسمه بعد ذلك لبيان سبب التحليل هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وأيضا يفهم من ذلك أن في ترك المقارنة مع
كثرة المخالطة وشدة الملابسة المتحققة بين الزوجين مشقة وصعوبة علم الله أنهم لا يصبرون عليها ويختانون أنفسهم بها فتستحب المبادرة إلى
الوطي قبل التلبس بالصوم لئلا يثقل عليهم هذا التكليف العظيم والخطب الجسيم من أوله ويحفظ عن الخلل والخيانة عن بدايته وذلك من قبل
التهيئة للفعل وتحصيل استعداد الاتيان به على أبلغ وجه وكان قوله (عليه السلام) لقوله عز وجل أحل آه من باب الإشارة إلى الآية الكريمة إلى آخرها
ويستحب أيضا إحياء ليلة القدر بإحياء الثلاث الفرادى المشهورة لمزيد الاهتمام بإحياء ليلة القدر مع إبهامها ودلالة القرائن على دخولها
في الثلاث خصوصا إحدى وثلاثا من العشر الأخير من جملة الثلاث لغلبة الظن بكونها أحديهما واعلم إن ليلة القدر ليلة شريفة معظمة في الشرع
قال الله عز وجل ليلة القدر خير من ألف شهر وقال عز من قائل إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم والاخبار فيها
بالغة حد التواتر وإنما سميت بذلك لتقدير الأمور فيها أو لشرفها أو لضيق الأرض فيها على الملائكة لأجل كثرتهم في نزولهم إليها قيل
ولعل الله تعالى إنما ذكر لفظ القدر في السورة ثلاث مرات لهذا السبب وهي باقية لم ترفع بالاجماع ورووا عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله
444

ليلة القدر رفعت مع الأنبياء أو هي باقية إلى يوم القيامة فقال باقية إلى يوم القيامة قلت في رمضان أو في غيره فقال في رمضان قلت في عشر الأول
أو الثاني أو الأخير قال في العشر الأخير والاخبار من طرق الخاصة أكثر من أن تحصى منها ما روى عن الصادق (عليه السلام) أنه قال ليلة القدر تكون
في كل عام لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن ثم إن أكثر أهل العلم على أنها في شهر رمضان ويدل عليه قوله جل اسمه شهر رمضان الذي أنزل فيه
القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وقال تبارك وتعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر وقال سبحانه إنا أنزلناه في ليلة مباركة فلما
أخبر جل شأنه عن شهر رمضان بأنه أنزل فيه القرآن وكذا عن ليلة القدر فقد أخبر عن وقوع ليلة القدر فيه ويمكن المناقشة بأن المراد من القرآن
البعض لان إنزال الكل قد وقع منجما في ثلاث وعشرين سنة زمن البعثة فيمكن أن يكون الضمير للقرآن مع إرادة البعض الاخر وعلى تقدير أن يكون المراد
من القران الكل ويكون المراد من الانزال الانزال إلى السماء الدنيا أو إلى النبي صلى الله عليه وآله جملة وإن وقع التفصيل في عرض السنين أو
الشروع في الانزال فيحتمل أن يكون الضمير للبعض الذي هو السورة باعتبار إنزاله إلى النبي صلى الله عليه وآله بالانزال التفصيلي ولكن هذه المناقشة
لا تدفع الظهور الذي هو المدعى كما لا يخفى والأخبار الدالة على ذلك أيضا من طرق العامة والخاصة أكثر من أن تحصى وروى عن ابن مسعود أنه
يقول من يقم الحول يصيبها فيشير بذلك إلى أنها في عرض السنة وصرح بذلك أبو حنيفة وفرع عليه أن من علق طلاق زوجته على ليلة القدر
فلا نحكم بطلاقها قبل انقضاء سنة عن وقت التلفظ بالصيغة وقال أبي بن كعب والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان ولكنه كره أن يجزكم
فتتكلوا وأما تعيينها من بين ليالي الشهر فأكثر العامة على أنها السابعة والعشرون وأكثر الخاصة على أنها الثالثة والعشرون واستدل الجمهور
برواية ابن عمر ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله مع أن قد روى خلافه أيضا وبما رووه عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقم في رمضان
حتى بقي سبع فقام بهم حتى مضى نحو ثلث من الليل ثم قام بهم في ليلة خمس وعشرين حتى مضى نحو من شطر الليل حتى كانت ليلة سبع وعشرين فجمع
نسائه وأهله واجتمع الناس قال فقام بهم حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح يعني السحور وبما نقلوا عن ابن عباس من نكات ضعيفة وأما الاخبار
من طرقنا فروى في الكافي عن حسان بن مهران في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن ليلة القدر فقال التمسها ليلة إحدى وعشرين أو
ليلة ثلاث وعشرين وعن ابن أبي حمزة قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبو بصير جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى فقال في
ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين قال فإن لم أقوى على كلتيهما فقال ما أيسر ليلتين فيما تطلب قلت فربما رأينا الهلال عندنا وجائنا
من يخبرنا بخلاف ذلك من أرض أخرى فقال ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها قلت جعلت فداك ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجهني فقال إن ذلك
ليقال قلت جعلت فداك إن سليمان بن خالد روى في تسعة عشرة يكتب وفد الحاج فقال إلي يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والبلايا
والمنايا والأرزاق وما يكون إلى مثلها في قابل فاطلبها في ليلة إحدى وثلاث وصل في واحدة منهما مائة ركعة وأحييهما إن استطعت إلى النور
واغتسل فيهما قال قلت فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم قال فصل وأنت جالس قلت فإن لم أستطع قال فعلى فراشك ولا عليك أن تكتحل أول الليل
بشئ من النوم أن أبواب السماء تفتح في رمضان وتصفد الشياطين وتقبل أعمال المؤمنين نعم الشهر رمضان كان يسمى على عهد رسول الله صلى
الله عليه وآله المرزوق وفد الحاج هم القادمون إلى مكة للحج والمنايا جمع المنية وهي الموت والنور كناية عن انفجار الصبح والصفد القيد والشد والايثاق
وعن زرارة في الموثق قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) التقدير في ليلة تسعة عشر والابرام في ليلة إحدى وعشرين والامضاء في ليلة ثلاث وعشرين وعن ربيع
المسلمي وزياد بن أبي الحلال ذكراه عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في ليلة تسعة عشر من شهر رمضان التقدير وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء وفي
ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها ولله جل ثناؤه أن يفعل ما يشاء في خلقه وعن إسحاق بن عمار قال سمعته يقول وناس يسئلونه يقولون
الأرزاق تقسم ليلة النصف من شعبان قال فقال لا والله ما ذاك إلا في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين فإن تسع عشرة
يلتقي الجمعان وفي ليلة إحدى وعشرين يفرق كل أمر حكيم وفي ليلة ثلاث وعشرين يمضي ما أراد الله عز وجل من ذلك وهي ليلة القدر التي قال الله عز وجل
خير من ألف شهر قال قلت ما معنى قوله يلتقي الجمعان قال يجمع الله فيها ما أراد من تقديمه وتأخيره وإرادته وقضائه قال قلت فما معنى قوله يمضيه في ثلاث
وعشرين قال أنه يفرق في ليلة إحدى وعشرين إمضاؤه ويكون له فيه البداء فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين إمضاء
فيكون من المحتوم الذي لا يبدو له فيه تبارك
وتعالى وروى الشيخ رحمه الله في التهذيب عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) في عدد الأغسال المسنونة إلى أن قال وليلة ثلاث وعشرين ترجى فيها ليلة القدر
وعن زرارة في الموثق بأن بكير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سئلته عن ليلة القدر قال هي ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين قلت أليس إنما هي ليلة قال بلى قلت
445

فأخبرني بها فقال وما عليك أن تفعل خيرا في ليلتين وعن محمد بن أيوب عن أبيه قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول أن الجهني أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال
يا رسول الله إن لي أبلا وغنما وعملة وغلمة فأحب أن تأمر بليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة وذلك في شهر رمضان فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فساره في
إذنه وكان الجهني إذا كان ليلة ثلاث وعشرين دخل بإبله وغنمه وأهله إلى مكانه وقال في الفقيه اسم الجهني عبد الله بن أنيس الأنصاري وروى في الفقيه عن سفيان
بن السمط قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الليالي التي ترجى فيها من شهر رمضان فقال تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين قلت فإن أخذت إنسانا الفترة أو علة
ما المعتمد عليه من ذلك فقال ثلاث وعشرين وأما علامة ليلة القدر فروى في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عن علامة
ليلة القدر فقال علامتها أن يطيب ريحها وإن كانت في برد دفئت وإن كانت في حر بردت فطابت قال وسئل عن ليلة القدر فقال تنزل فيها الملائكة
والكتبة إلى السماء الدنيا فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يصيب العباد وأمر عنده موقوف وفيه المشية فيقدم ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ويمحو
ويثبت وعنده أم الكتاب والدف ء السخونة وقال الجمهور علامتها ما رواه أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وآله قال إن الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء مثل الطست
وروى أيضا عنه صلى الله عليه وآله أنه قال هي ليلة طلقة لا حارة ولا باردة وهي توافق روايتنا ويستحب أيضا قراءة سورتي العنكبوت والروم في ليلة
الثلاث وعشرين روى الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ سورتي العنكبوت والروم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو والله
يا أبا محمد من أهل الجنة لا استثنى فيه أبدا ولا أخاف أن يكتب الله على في يميني أثما وإن لهاتين السورتين من الله مكانا ويستحب أيضا الاعتكاف في العشر
الأواخر لما روى في الكافي عن الحلبي في الحسن بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في
المسجد وضربت له قية من شعر وشمر الميزر وطوى فراشه فقال بعضهم واعتزل النساء فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أما اعتزال النساء فلا الميزر
الإزار وكنى بشدة عن النساء أو أراد تشميره للعبادة وجده فيها يقال شددت لهذا الامر ميزرا أي تشمرت له وطوى فرأسه باعتبار ترك اليوم وإحياء الليالي وكنى من ترك المجامعة ومعنى قول أبي عبد الله (عليه السلام) أما اعتزال
النساء فلانه صلى الله عليه وآله لم يمنعهن عن الخدمة والمجالسة والمحادثة معه لا عدم ترك الجماع كيف وقد أشار إليه أولا على ما عرفت وعن أبي العباس
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله في شهر رمضان في العشر الأول ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ثم اعتكف في الثالثة
في العشر الأواخر ثم لم يزل يعتكف في العشر الأواخر وعن داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا اعتكاف إلا في العشرين من شهر رمضان وقال أن
عليا (عليه السلام) كان يقول لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام ومسجد الرسول أو مسجد جامع ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها
ثم لا يجلس حتى يرجع والمرأة مثل ذلك وكأنه أراد بنفي الاعتكاف في غيره نفي كمال الفضل والتأكد الذي فيه وقال في الفقيه وفي رواية السكوني بإسناده
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين وعمرتين ويستحب أيضا المواظبة على النوافل المختصة به بدعواتها المأثورة
موضع البحث عن هذه المسألة كتاب الصلاة وقد مر ذكرها فيه وأعادها استيفاء لذكر سنن شهر رمضان ويستحب أيضا الدعاء عند الافطار
فيقول اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله منا ذهب الظماء وابتلت العروق وبقى الاجر اللهم تقبل منا وأعنا عليه وسلمنا فيه وتسلمه منا
روى في الكافي عن السكوني عن جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا أفطر قال اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله
منا ذهب الظماء وابتلت العروق وبقى الاجر الظماء بفتح المعجمة والميم والهمزة بعدهما العطش قيل لا يبعد عدم كون قوله ذهب الظماء من تتمة الدعاء بل
يكون تحريصا على الصوم بعد إتمام الدعاء أقول وبعده واضح جدا خصوصا مع المداومة التي يفهم من قوله كان إذا أفطر قال بل هو شكر وتحميد له سبحانه
بتجديد النعمة ورفع المشقة وإبقاء الاجر وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال يقول في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار إلى اه الحمد لله الذي
أعاننا فصمنا ورزقنا فأفطرنا اللهم تقبل منا وأعنا عليه وسلمنا فيه وتسلمه منا في يسر منك وعافية الحمد لله الذي قضى عنا يوما من شهر رمضان
وذكر في الفقيه بعد ذلك وقال (عليه السلام) يستجاب دعاء الصائم عند الافطار فما ذكره المصنف من الدعاء مأخوذ من الروايتين أو وصل إليه خبر بهذا النحو
وروى الشيخ في التهذيب عن أبي عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال جاء قنبر مولى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بفطره إليه
قال فجاء بجراب فيه سويق عليه خاتم قال فقال له رجل يا أمير المؤمنين إن هذا لهو البخل تختم على طعامك قال فضحك علي (عليه السلام) قال ثم قال (عليه السلام) أو غير ذلك
لا أحب أن يدخل بطني شئ لا أعرف سبيله قال ثم كسر الخاتم فأخرج سويقا بجعل منه في قدح فأعطاه فأخذ القدح فلما أراد أن يشرب قال بسم الله اللهم
لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم الفطر بفتح الفاء ما يفطر عليه وقوله (عليه السلام) أو غير ذلك أي ويحتمل غير البخل أيضا ثم بين
ذلك بأن غرضه من الختم أن لا يدخل حد في الجراب شيئا لا يعرف هو (عليه السلام) سبيله وحله عليه وفاعل كسر وأخرج قنبر وفاعل أخذ أمير المؤمنين (عليه السلام)
446

ودعاء الصائم مستجاب وخصوصا عند الافطار ويتأكد استحباب الاستغفار في الصيام وليصم سمعه وبصره وجوارحه وليظهر عليه وقار الصوم قد مر من
الاخبار ما يدل على ذلك كله في ضمن شرح مسائل هذا الدرس ويجوز ذوق المرق ومضغ الخبز لفعل فاطمة (عليها السلام) وزق الطائر وهو أن يطعمه بفيه
ولا ريب في جواز كل ذلك مع الحاجة إليه كخوف فساد الطعام وتضرر الصبي وهلاك الطاير بشرط المحافظة
عن الابتلاع للأصل وصحيحة أبي جعفر (عليه السلام) لا يضر
الصائم وما رواه الكليني في الحسن بن إبراهيم عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) والشيخ عنه أنه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق المرق تنظر إليه فقال
لا بأس وسئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ له الخبز تطعمه فقال لا بأس به والطير إن كان لها وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عيسى قال
سأل ابن أبي يعفور أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع عن الصائم يصيب الدواء في أذنه قال نعم ويذوق المرق ويزق الفرخ وفي الموثق عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا بأس بذوق الرجل الصائم القدر وما رواه الكليني عن الحسين بن زياد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا بأس بالطبع والطباخة
أن يذوق المرق وهو صائم وعن مسعدة بن الصدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن فاطمة (عليها السلام) كانت تمضغ للحسن (عليه السلام) ثم الحسين (عليه السلام) وهي
صائمة في شهر رمضان وأما مع عدم الحاجة فقال الشيخ في التهذيب لا يجوز للجمع بين هذه الأخبار وبين صحيحة سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الصائم أيذوق الشئ ولا يبلعه فقال لا قال في التهذيب بعد نقل هذا الخبر هذه الرواية محمولة على من لا تكون به حاجة إلى ذلك والرخصة
إنما وردت في ذلك لصاحبة الصبي أو الطباخ الذي يخاف على فساد طعامه أو من عنده طاير إن لم يزقه يهلك فاما من هو مستغن عن جميع ذلك
فلا يجوز له أن يذوق الطعام أقول والجمع بحملها على كراهة ذوق الطعام للمستغني أظهر لما عرفت من موافقة الجواز للأصل وغيرها وحمل لا يجوز
في كلام الشيخ على الكراهة بعيد وقال في المدارك بعد نقل جمع الشيخ ولا يخفى ما في هذا الجمع من البعد والأجود حمل النهي على الكراهة إذ لا دلالة في الأخبار المتقدمة
على ما اعتبره من التقييد وأقول الأجود أن يوجه جودة حمل النهي على الكراهة بما ذكرنا وأما ما ذكره قدس سره فغير ظاهر لان المتبادر من
ذوق المرق ومضغ الطعام للصبي وزق الطاير الحاجة إلى ذلك خصوصا للطباخ ولمن ينظر إلى المرق ولصاحبة الصبي والطير كما ورد في بعضها فلا
بعد في ذلك أصلا وفي رواية النهي اعتبر ذوق الشئ للصائم ولا استبعاد في حمله على حالة عدم الحاجة خصوصا في مقام الجمع وأما لو ابتلع شيئا
من ذلك عمدا فيجب القضاء والكفارة ولو ابتلع نسيانا فحكمه حكم من طرح شيئا في فيه فسبق إلى حلقه وقد من البحث عنه مفصلا والفرق بين من له
الغرض الصحيح والعابث ويجوز أيضا مص الخاتم ويكره مص النواة قد مر ذكر ما يدل على ذلك في بحث مضغ العلك درس وينقسم الصوم بانقسام الأحكام الأربعة
سوى الإباحة فان العبادة لا تكون مباحة والمراد بصوم الإباحة في رواية الزهري صوم وقع فيه مفسد على بعض الوجوه ولم يفسده فكأنه أبيح فيه
المفسد ولا ينافي ذلك وجوب الصوم واستحبابه فالواجب ستة صوم رمضان للضرورة من الدين وصراحة الكتاب المبين والاخبار البالغة حد التواتر
عن الصادقين وهو أفضل أقسام الصيام وأكثرها ثوابا وأعظمها أجرا وقد ورد في فضله أخبار كثيرة من ذكر بعضها واختلف في رمضان فقيل أنه اسم من
أسماء الله تعالى وعلى هذا فمعنى شهر رمضان شهر الله وورد ذلك في الاخبار فروى الكليني عن هشام بن سالم عن سعد ولا يبعد كونه الإسكاف وفي
بعض النسخ مسعدة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كنا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان فقال لا تقولوا هذا رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان
فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى لا يجئ ولا يذهب وإنما يجئ ويذهب الزايل ولكن قولوا شهر رمضان فإن الشهر مضاف إلى الاسم والاسم اسم الله عز
ذكره وهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن جعله مثلا وعيدا والضمير في جعله للشهر أو للقرآن وكان المراد بالمثل الحجة وبالعيد محل سرور أولياء
الله وقيل أنه علم للشهر كرجب وشعبان ومنع الصرف للعلمية والألف والنون واختلف في اشتقاقه فقيل أنه من الرمض بتسكين الميم وهو مطر يأتي
في وقت الخريف يطهر وجه الأرض من الغبار سمي الشهر بذلك لأنه يطهر الأبدان عن أو ضار الأوزار وفي الكشاف رمضان مصدر رمض إذا احترق من
الرمضاء سمى بذلك أما لارتماضهم فيه من حر الجوع كما سموه نابقا لأنه كان ينبقهم أي يزعجهم لشدته عليهم أو لان الذنوب ترمض فيه أي تحترق
وقيل أنه سمي بذلك لان الجاهلية كانوا يرمضون أسلحتهم فيه ليقضوا منها أوطارهم في شوال قبل دخول الأشهر الحرم وقيل أنهم لما نقلوا أسماء
الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمي بذلك وصوم النذر وشبهه من العهد واليمين
لما دل على وجوب متعلقها مطلقا مع ما ورد فيها في خصوص تعليقها بالصوم وصوم الكفارات الواجب فيها بالأصالة أو المحتمل عن الغير على التعيين أو
التخيير من كفارة القتل عمدا وخطأ والظهار والايلاء وإفطار شهر رمضان وقضائه وخلف النذر وشبهه وإفساد الاعتكاف على بعض الوجوه
وبعض المحرمات في الاحرام والحلف بالبراءة على قول وكذا جز المرأة شعرها في المصائب ونتفه وخدش وجهها وشق الرجل ثوبه في موت ولده
447

وزوجته والنوم عن صلاة العشاء حتى تجاوز نصف الليل وصوم بدل دم المتعة مع العجز عنه في الحرم أو أمر المولى به في المملوك وصوم الاعتكاف
إذا وجب الاعتكاف بمضي يومين على المشهور فيجب الثالث أما مطلقا أو في الثلاثة الأول خاصة على الخلاف بين القائلين بوجوب الثالث أو بالشروع مطلقا
فيجب إكماله ثلثا على قول أو بالقضاء لا فساد الواجب على وجه يوجبه وصوم قضاء الصوم الواجب على التعيين ليتصور القضاء مع عدم الاتيان به
في وقته في الأكثر أصالة أو تحملا بالولاية أو الإجارة والأوجه العشرة للصوم الواجب في الرواية الزهري تندرج في هذه الستة والمستحب صوم جميع الأيام
إلا ما نذكره في المحرم والمكروه فقد روى عن الصادقين (عليهما السلام) الصوم جنة من النار قال الجوهري الجنة بالضم ما استترت به من سلاح والجنة بسترة
وكان المراد بأنه جنة من النار أنه يحفظ عن بعض المعاصي الموجبة لها حالته وهو ظاهر وبعده لأجل إضعافه للقوتين الشهوية والعضبية وأنه يذهب
ببعض الموجبات لها كما قال عز من قائل أن الحسنات يذهبن السيئات وأنه يذوب الحرام عن الجسد كما ورد في الخبر ولطف التشبيه بالجنبة باعتبار أنه محض كف
بخلاف باقي العبادات وباقي الأسلحة وقال صاحب المدارك وقد أخذه من كلام جده في المسالك إن المراد أنه موجب للعفو عن الذنوب الموجبة للنار
زيادة على غيره من العبادات وروى أيضا في الفقيه عن أبي جعفر (عليه السلام (أنه قال قال الله تبارك وتعالى الصوم لي وأنا أجزى به وقريب منه ما روى في
الكافي عن الصادق (عليه السلام) وروى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال قال الله تبارك وتعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به وكان مزيد
اختصاص الصوم من جملة العبادات بالمعبود جل ذكره باعتبار بعده عن الرياء فان مريد الريا به يكفيه الاظهار ولا يفتقر غالبا إلى مشقة الاتيان به
وباعتبار أن البشر يكتسب به لأجل ترك الشهوات والملاذ الفرجية والبطنية نوع تشبه بالمجردات والملائكة القدسية وباعتبار أنه يوجب صفاء القلب
ونور العقل بواسطة الرياضة الجسمية فيستعد لإفاضة العلوم الحقيقة والمعارف الدينية وقد قال صلى الله عليه وآله لا تدخل الحكمة جوفا ملئ طعاما
وباعتبار أنه أمر خفي يمكن أن لا يطلع عليه أحد مع الاشتغال به طول النهار وباعتبار أنه لم يعبد غير الله عز وجل على بالصوم كما أنه عبد بالسجود والقربان
والصدقة وغيرها وباعتبار أنه ليس فيه رجوع أحد إلى أحد فلا يتصور فيه تحصيل منفعة أو إصلاح مفسده دنيوية كما في الصلاة لأجل الجماعات وفي
الحج باعتبار السفار والاشتراك في المشاعر والمقامات وقد قال عز وجل في الحج ليشهدوا منافع لهم وابتغاء الغنيمة في الجهاد واضح والزكاة وإن كان
فيها ظاهرا نقصان المال ولكنها تفيد تطهيره ويصير سببها لتوفيره في المال ولعل ترك ذكر قدر الجزاء وكذا التخصيص المستفاد من تقديم الضمير في قوله
سبحانه أنا أجزى به للتنبيه على عظم جزائه ووفور أجره وثوابه بحيث لا يحصيه البيان ولا يحيط به علم غيره تعالى من ملك مقرب أو نبي منتجب لكلية إليه هذا ما
تصل إليه العقول والأفهام الضعيفة الدينية وفهم المراد منه يتيسر للمؤيد بالقوة القوية القدسية ثم الأخبار الواردة في فضل مطلق الصوم والصوم
المستحب كثيرة ويحصل التبرك بما أوردناه منها إن شاء الله تعالى والمطلوب لوضوح وشهرته لا يحتاج إلى البيان ويتأكد من الصوم المستحب صوم أول خميس
في العشر الأول من الشهر وأول أربعا من العشر الثاني منه وآخر خميس في العشر الأخير منه هذا الترتيب هو المشهور بينهم في الثلاثة التي يستحب صومها من كل شهر قال في
المختلف بعد ذكر شهرة ذلك قاله الشيخان وابن البراج وابن إدريس ويدل عليه ما روى في الكتب الثلاثة بصحة سند الفقيه عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال صام رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قيل ما يفطر ثم أفطر حتى قيل ما يصوم ثم صام صوم داود (عليه السلام) يوما ويوما ثم قبض (عليه السلام) على صيام ثلاثة أيام
في الشهر وقال أنهن يعدلن صوم الدهر ويذهبن بوجر الصدر وقال حماد الوجر الوسوسة قال حماد فقلت فأي الأيام هي قال أول خميس في الشهر وأول
أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس فيه فقلت وكيف صارت هذه الأيام التي تصام فقال لان من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل
في هذه الأيام فصام رسول الله صلى الله عليه وآله لأنها الأيام المخوفة وما ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في ذكر وصايا النبي
صلى الله عليه وآله لعلي (عليه السلام) السادسة الاخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي أما الصلاة فالخمسون ركعة وأما الصيام فثلاثة أيام في الشهر الخميس
في أوله والأربعاء في وسطه والخميس في آخره وأما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف فلا يعبد دعوى ظهوره في الترتيب المشهور خصوصا في
الخميسين وكذا لما روى في الكافي في الموثق عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أفضل ما جرت به السنة في التطوع من الصوم فقال ثلاثة أيام
في كل شهر الخميس في أول الشهر والأربعاء في وسط الشهر والخميس في آخر الشهر قال قلت له هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم فقال نعم وما روى عن
محمد بن مروان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال ما يصوم ثم صام يوما وأفطر
يوما ثم صام الاثنين والخميس ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر الخميس في أول الشهر وأربعاء في وسط الشهر وخميس في آخر الشهر وكان (عليه السلام)
يقول ذلك صوم الدهر وقد كان أبي (عليه السلام) يقول ما من أحد أبغض إلى الله عز وجل من رجل يقال له كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل كذا وكذا فيقول
448

لا يعذبني الله على أن أجتهد في الصلاة والصوم كأنه يرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه وما روى عن عنبسة العابد قال قبض
النبي صلى الله عليه وآله على صوم شعبان ورمضان وثلاثة أيام في كل شهر أول خميس وأوسط أربعاء وآخر خميس وكان أبو جعفر (عليه السلام) وأبو عبد الله
(عليه السلام) يصومان ذلك وما روى عن عبد الله بن سنان بصحة السند في الفقيه قال قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) إذا كان في أول الشهر خميسان فصم أولهما
فإنه أفضل وإذا كان في آخر الشهر خميسان فصم آخرهما فإنه أفضل وذكر الصدوق في الفقيه أيضا أنه روى أنه سأل العالم (عليه السلام) عن خميسين يتفقان
في آخر الشهر فقال صم الأول فلعلك لا تلحق الثاني أقول وهذه الرواية لجهالة سندها لا تعارض باقي الاخبار ويحتمل أيضا أن يكون صوم الأول يشتمل
على نوع فضيلة باعتبار هذا القصد والمسابقة إلى الخير وإن كان تمام الفضل في صيام الثاني ومثل ذلك في السنن غير عزيز بل ويحتمل أن لا تتأدى السنة بصيام الأول
إن وصل إلى الثاني وروى خميسين بين أربعائين في شهر ثم أربعاء بين خميسين في شهر آخر كقول ابن الجنيد قال العلامة في المختلف قال ابن الجنيد الذي يستحب
أهل البيت (عليهم السلام) المواظبة عليه من صيام التطوع أما أربعاء بين خميسين في شهر أول خميس فيه وأقرب أربعائين لذلك ثم يعود إلى أربعاء بين خميسين
شهر وشهر واحتج له بما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير قال سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر فقال في كل عشرة أيام يوم خميس وأربعاء وخميس والشهر
الذي يليه أربعاء وخميس وأربعاء وأجاب بأن في سند الرواية ضعفا ومع ذلك فأبو بصير لم يسنده إلى إمام (عليه السلام) وقال الشيخ في التهذيب هذا الخبر ليس
بمناف لما قدمناه من الاخبار لان الانسان مخير بين أن يصوم أربعاء بين خميسين أو خميسا بين أربعائين وعلى أيهما عمل فليس عليه شئ لان الأصل في هذا
الصوم التنفل والتطوع فكيف في ترتيبه واستشهد للتخير بما رواه إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال سألت الرضا عن الصيام فقال ثلاثة أيام في الشهر
الأربعاء والخميس والجمعة فقلت إن أصحابنا يصومون الأربعاء بين خميسين فقال لا بأس بذلك ولا بأس بخميسين بين أربعائين أقول وبعد إثبات التخيير
يحتاج جمع الشيخ إلى أن العمل بالسنتين في الشهرين أولى من العمل بأحديهما وترك الأخرى وقد ظهر مما
ذكرنا إن الترتيب المذكور في كلام المصنف لو كان على
عكس ما وقع لكان أوفق للرواية وكلام ابن الجنيد وروى مطلق الخميس والأربعاء في الأعشار الثلاثة كقول أبي الصلاح المراد بالاطلاق عدم تقييد الخميس
والأربعاء بالأول أو الاخر من العشر وأما تقييد الخميس بالعشرين والأربعاء بالعشر الأوسط فمأخوذ في قول أبي الصلاح كما نقله في المختلف والرواية ما روى
في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء فقال أما
الخميس فيوم تعرض فيه الأعمال وأما الأربعاء فيوم خلقت فيه النار وأما الصوم فجنة وما روى فيه في الحسن بن إبراهيم عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله أول ما بعث يصوم حتى يقال ما يفطر ويفطر حتى يقال ما يصوم ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما وهو صوم
داود (عليه السلام) ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغر ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما خميسين بينهما أربعاء فقبض عليه وآله السلام وهو يعمل
ذلك وما روى في التهذيب عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم السنة فقال صيام ثلاثة أيام من كل شهر الخميس والأربعاء والخميس
تذهب ببلابل القلب ووجر الصدر الخميس والأربعاء والخميس وإن شاء الاثنين والأربعاء والخميس وإن صام في كل عشرة أيام يوما فإن ذلك ثلاثون حسنة
وإن أحب أن يزيد على ذلك فليزد وأنت خبير بأن العمل بالاخبار المقيدة أولى مهما أمكن وبقى من الأقوال في المسألة ما نقل عن حسن بن أبي عقيل أنه
قال بالخميس الأول من العشر الأول والأربع الأخير من العشر الأوسط وخميس من العشر الاخر ومستندة غير ظاهر ولم ينقله المصنف ويؤخر صوم الثلاثة
من الصيف إلى الشتاء عند المشقة ثم يقضي لما روى في الكافي في الصحيح عن أبي حمزة قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) صوم ثلاثة أيام من كل شهر أؤخره إلى
الشتاء ثم أصومها قال لا بأس بذلك والمتبادر من قوله أؤخره إلى الشتاء ثم أصومها فعل القضاء في الشتاء لا بعنوان التداخل مع الأداء ولكن لو
قضاها في مثلها من الأيام احتمل التداخل كما لو صام صوما واجبا في تلك الأيام صرح بذلك الشهيد الثاني رحمه الله في الروضة حيث قال فإن قضاها في
مثلها أحرز فضلهما وما روى فيه عن الحسن بن راشد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أو لأبي الحسن (عليه السلام) الرجل يتعمد الشهر في الأيام القصار ويصومه
لسنة قال لا بأس والظاهر تداخل الأداء والقضاء في ثلاثة هذا الشهر الذي يتعمده وتتأدى الثلاثة الفانية من الأشهر العشرة بقية السنة سوى شهر رمضان
فصوم هذا الشهر بنية القضاء ولأجل هذا يكون صوم هذا الشهر لسنة بل يستحب قضاؤها عند الفوات مطلقا وإن لم يكن لأجل مشقة الصيف و
طول النهار بل ولو فات لأجل المرض أو السفر كما يفهم من بعض الاخبار وما يدل على نفي القضاء لو فات بالسفر أو المرض يمكن أن يحمل على نفي التأكد وأما
الاخبار فما روى في الكافي عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصوم صوما قد وقته على نفسه أو يصوم من أشهر الحرم فيمر به
الشهر والشهران لا يقضيه فقال لا يصوم في السفر ولا يقضي شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها من كل شهر ولا يجعلها بمنزلة الواجبة
449

إلا أني أحب لك أن تدوم على العمل الصالح قال وصاحب الحرم الذي كان يصوم أيجزيه أن يصوم مكان كل شهر من أشهر الحرم ثلاثة أيام قد مر هذا الخبر والبحث
عنه في مسألة من نذر صوم يوم معين فوافق ذلك السفر وما روى فيه في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن الرجل يكون
عليه من الثلاثة الأيام الشهر هل يصلح ان يؤخرها أو يصومها في آخر الشهر قال لا بأس قلت يصومها متوالية أو يفرق بينها قال ما أحب أن شاء متوالية
وإن شاء فرق بينها وما روى في التهذيب عن داود بن الفرقد عن أبيه قال كتب حفص الأعور إلى سل أبا عبد الله (عليه السلام) عن ثلاث مسائل فقال أبو عبد
الله (عليه السلام) ما هي قال من ترك الصيام ثلاثة أيام في كل شهر فقال أبو عبد الله (عليه السلام) من فرض أو كبر أو لعطش قال فاشرح شيئا فشيئا فقال إن كان
من مرض فإذا برئ فليقضه وإن كان من كبر أو لعطش فبدل كل يوم مد وما روى في الكافي عن عذافر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أصوم هذه
الثلاثة الأيام في الشهر فربما سافرت وربما أصابتني علة فيجب على قضاؤها قال فقال لي إنما يجب الفرض فأما غير الفرض فأنت فيه بالخيار قلت بالخيار
في السفر والمرض قال فقال المرض قد وضعه الله عز وجل عنك والسفر إن شئت فاقضه وإن لم تقضه فلا جناح عليك وما روى فيه في الصحيح عن
سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر هل فيه قضاء على المسافر قال لا وما روى فيه عن مروان
بن عمران قال قلت للرضا (عليه السلام) أريد السفر فأصوم الشهر الذي أسافر فيه فقال لا قلت فإذا قدمت أقضيه قال لا كما لا يصوم كذلك لا يقضي وقال
صاحب المدارك لو كان الفوات لمرض أو سفر لم يستحب قضاؤها لصحيحة سعد في السفر وإذا سقط القضاء عن المسافر سقط عن المريض بطريق أولى لأنه
أعذر منه أقول ويمكن المعارضة بأن المريض لا يسقط عنه القضاء لخبر فرقد فالمسافر بطريق أولى لضعف عذره بالنسبة إلى المريض ولعل الجمع
بين الاخبار في الحكم المسنون بمثل ما عرفت أولى من إطراح بعضها مطلقا وإن صح المعارض أو يتصدق عن كل يوم بدرهم أو مد لما مر في رواية فرقد
ولما روى في الكافي عن عيص بن القاسم في الصحيح قال سألته عمن لم يصم الثلاثة الأيام من كل شهر وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداه قال مد من طعام
في كل يوم وما روى فيه عن يزيد بن خليفة قال شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت أني أصدع إذا صمت هذه الثلاثة الأيام ويشق علي قال
فأصنع كما أصنع فأني إذا سافرت صدقت عن كل يوم بمد من قوت أهلي الذي أقوتهم به وما روى فيه عن عقبة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت
فداك أني قد كبرت وضعفت عن الصيام فكيف أصنع بهذه الثلاثة الأيام في كل شهر فقال يا عقبة تصدق بدرهم عن كل يوم قال قلت درهم واحد قال
لعلها كثرت عندك وأنت تستقل الدرهم قال قلت إن نعم الله عز وجل علي لسابغة فقال يا عقبة لا طعام مسلم خير من صيام شهر والظاهر أن المراد أن
الاطعام يحصل في ضمن إعطاء الدرهم لان الاخذ يصرفه في نفقته ويحتمل أن يكون ذلك رجوعا عن الدرهم إلى الاطعام وما روى فيه عن عمر بن يزيد
قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أن الصوم يشتد علي فقال لي لدرهم تصدق به أفضل من صيام يوم ثم قال وما أحب أن تدعه والضمير في تدعه أما
إلى الصيام ردا له عن الاتكال على إعطاء الدرهم وترك الصيام رأسا أو إلى تصدق الدرهم حثا له على المواظبة على إعطائه وترك التكاهل فيه و
متابعة شح النفس وما روى في الفقيه عن إبراهيم بن المثنى قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أني قد اشتد علي صوم ثلاثة أيام في كل شهر فما يجزي عني أن
أتصدق مكان كل يوم بدرهم فقال صدقة درهم أفضل من صيام يوم ثم اعلم أنه يستحب لصيام هذه الأيام اجتناب الجدال والمماراة طلبا لزيادة
الأجر والثواب فروى الصدوق في الحسن عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا
يجهد ولا يسرع إلى الحلف والايمان بالله وإن جهل عليه أحد فليحتمل له وقد مر ذكر هذا الخبر وصوم يوم المبعث اليوم الذي بعث الله تعالى فيه محمدا
صلى الله عليه وآله إلى خلقه رحمة للعالمين وهو السابع والعشرون من رجب وصوم يوم المولد مولد النبي صلى الله عليه وآله وهو سابع عشر ربيع
الأول عن المشهور بين الأصحاب ويدل عليه بعض الاخبار الآتية قال الشيخ رحمه الله في التهذيب ولد بمكة يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول في عام
الفيل وصدع بالرسالة في يوم السابع والعشرين من رجب وله أربعون سنة وقبض في المدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من
الهجرة وهو ابن ثلاث وستين وقال الشيخ الكليني في الكافي ولد النبي صلى الله عليه وآله لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في عام الفيل يوم
الجمعة مع الزوال وروى أيضا عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة ثم قال وبقى بمكة بعد مبعثه ثلاثة عشر سنة ثم هاجر إلى المدينة ومكث
بها عشر سنين ثم قبض (عليه الصلاة والسلام) باثنتي عشر ليلة مضت من ربيع الأول يوم الاثنين وهو ابن ثلاث وستين سنة وهذا القول هو المشهور
بين الجمهور ولهم فيه أقوال آخر نادرة متروكة ونقل عن الشهيد الثاني طاب ثراه أنه مال إلى ذلك في حواشي القواعد ولكنه قال في المسالك
مولد النبي صلى الله عليه وآله سابع عشر شهر ربيع الأول وقال في الروضة وهو عندنا سابع عشر ربيع الأول وصوم يوم الغدير وهو الثامن عشر من ح
450

ذي الحجة نصب الله تعالى فيه عليا إماما للأنام وقال في المنتهى وهو يوم قتل عثمان بن عفان وبايع المهاجرون والأنصار عليا (عليه السلام) طايعين مختارين
ما خلا أربعة أنفس منهم عبد الله بن عمر ومحمد بن مسلم وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وفي هذا اليوم فلح موسى بن عمران (عليه السلام) على السحرة وأخزى الله تعالى
فرعون وجنوده وفيه نجى الله تعالى إبراهيم من النار وفيه نصب موسى (عليه السلام) وصيه يوشع بن نون ونطق بفضله على رؤس الاشهاد كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله بعلي (عليه السلام)
وفيه أظهر عيسى (عليه السلام) وصيه شمعون الصفا وفيه أشهد سليمان بن داود (عليه السلام) ساير رعيته على استخلاف أصف وصيته وصوم يوم الدحو دحو الأرض
بمعنى بسطها من تحت الكعبة المشرفة وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة وتأكد استحباب صوم هذه الأيام الأربعة في السنة لأنها أيام شريفة أنعم الله تعالى فيها
بأعظم البركات فاستحب شكره بالصوم فيها وروى الشيخ في التهذيب عن أبي إسحاق بن عبد الله العربي العريضي قال وجد في صدري ما الأيام التي تصام فقصدت
مولانا أبا الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) وهو بصريا ولم أبد ذلك لاحد من خلق الله فدخلت عليه فلما بصرني قال صلوات الله عليه يا إسحاق جئت تسئلني عن
الأيام التي تصام فيهن وهي أربعة أولهن يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله إلى خلقه رحمة للعالمين ويوم مولده صلى الله عليه
وآله وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الكعبة ويوم الغدير فيه أقام رسول الله صلى الله عليه وآله
أخاه عليا (عليه السلام) علما للناس وإماما من بعده قلت صدقت جعلت فداك لذلك قصدت أشهد إنك حجة الله على خلقه وجد في صدري على المجهول وفي
بعض النسخ وحك بالعاطفة وصيغة الماضي المضعف أي خالج وصريا موضع قرب المدينة وروى في الكافي والفقيه والتهذيب عن الحسن بن راشد عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال قلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين قال نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما قال قلت وأي يوم هو قال هو يوم نصب أمير المؤمنين (عليه السلام) فيه
علما للناس فقلت جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه قال تصومه يا حسن وتكثر فيه الصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وتبرء إلى الله تعالى ممن قاتلهم
وإن الأنبياء كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا قال قلت فما لمن صامه قال صيام ستين شهر أو لا تدع صيام سبعة
وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد صلى الله عليه وآله وثوابه مثل ستين شهرا لكم وروى في الكافي والتهذيب عن سهل بن زياد
عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين في سبعة وعشرين من رجب ومن صام ذلك اليوم كتب الله عز
وجل له صيام ستين شهرا وفي خمسة وعشرين من ذي القعدة وضع الله البيت وهو أول رحمة وضعت على وجه الأرض وجعله الله عز وجل مثابة للناس
وأمنا فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا وفي أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين
شهرا مثابة اي مرجعا يرجع إليه الناس أو موضع ثواب يثابون بحجة واعتماده وأمنا أي موضع أمن لا يتعرض لأهله أو يأمن حاجه من عذاب الآخرة أولا
يؤاخذ الجاني الملتجئ إليه حتى يخرج وروى فيهما عن محمد بن عبد الله الصيقل قال خرج علينا أبو الحسن يعني الرضا (عليه السلام) بمرو في يوم خمسة وعشرين من
ذي القعدة فقال صوموا فإني أصبحت صائما قلنا جعلنا فداك أي يوم هو قال يوم نشرت فيه الرحمة ودحيت فيه الأرض ونصبت فيه الكعبة وهبط فيه
أدم (عليه السلام) وروى في الفقيه عن الحسن بن علي الوشا في الصحيح قال كنت مع أبي وأنا غلام تعشينا عند الرضا (عليه السلام) ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة فقال
له ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم (عليه السلام) وولد فيها عيسى بن مريم (عليهما السلام) وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة فمن صام ذلك اليوم
كان كمن صام ستين شهرا أقول وهذا ينافي ما سبق واشتهر إن في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) ويمكن حمله على النسئ أو على قرار
النطفة أو على إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وقال صاحب المدارك بعد إيراد هذا الخبر ومقتضى
ذلك عد الشهور قبل الدحو واستشكله جدي
جدي طاب ثراه في فوايد القواعد بما علم من أنه تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وإن المراد من اليوم دوران الشمس في فلكها دوره واحدة
وهو يقتضي عدم خلق السماوات قبل ذلك ولا يمكن عد الأشهر في تلك المدة ويمكن دفعه بأن الكتاب العزيز ناطق بتأخر الدحو عن خلق السماء والأرض
والليل والنهار حيث قال عز وجل أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها وعلى
هذا فيمكن تحقق الأهلة وعد الأيام قبل ذلك وروى فيه عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال صوم يوم غدير خم كفارة ستين سنة وقال
الصدوق رحمه الله بعد ذلك وأما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه فإن شيخنا محمد بن الحسن الوليد كان لا يصححه ويقول أنه من طريق
محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة وكما لم يصححه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح أقول والخبر هو ما ذكره الشيخ في التهذيب
بسند فيه محمد بن موسى الهمداني عن علي بن حسين العبدي قال سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش إنسان ثم صام ما عمرت الدنيا
وكان له ثواب ذلك وصيامه يعدل عند الله عز وجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات إلى آخره وصوم أيام البيض بحذف الموصوف
451

أي الليالي البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر سميت بذلك لبياض لياليها أجمع بضوء القمر هذا بحسب الشهرة واللغة وروى عن
النبي صلى الله عليه وآله إن آدم (عليه السلام) لما أصابته الخطيئة أهبط إلى الأرض مسود أو نودي من السماء صم لربك فصام فوافق يوم ثلاثة عشر من الشهر
فذهب ثلاث السواد ثم نودي في الرابع عشر والخامس عشر فصام هكذا حتى ذهب السواد كله فسميت بيضا لذلك ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة
الأيام جعلها لك ولولدك من صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر وعلى هذا فالكلام جاز على ظاهره من غير حذف وادعى العلامة في التذكرة والمنتهى و
المختلف الاجماع على استحباب صيامها والظاهر أن مراده على ما يفهم من المختلف الاجماع على استحباب صيام أيام البيض وإن اختلف في تفسيرها ونسخة فالمشهور في
تفسيرها ما عرفت وفسرها ابن أبي عقيل بصوم الخميس والأربعاء والخميس من كل شهر بالترتيب الذي عرفت من مذهبه ويظهر من كلام الصدوق في كتاب
علل الشرايع والاحكام إن صوم أيام البيض منسوخ بصوم الخميس والأربعاء كما يشهد به قول أبي عبد الله (عليه السلام) في حسنة محمد بن مسلم السالفة ثم ترك ذلك وصام
الثلاثة الأيام الغر ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوم خميسين بينهما أربعا ويدل على المشهور أخبار من طرق العامة منها رواية أبي ذر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة قال هو كهيئة الدهر يريد بذلك أن صوم ثلاثة أيام
بشهر وورد صوم أيام البيض في رواية الزهري حيث قال (عليه السلام) وأما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار فصوم يؤمن الجمعة والخميس وصوم أيام البيض وصوم
يوم عرفة لمن لا يضعف بسبب الصوم عن الدعاء وتحقق بفتح القافين على صيغة الماضي والفاعل الضمير المستكن العايد إلى الموصول الهلال والحاصل إن
استحباب صوم يوم عرفة مشروط بشرطين أحدهما أن لا يضعفه عن الدعاء الذي هو عازم عليه في ذلك اليوم أي لا تنقص منه في الكمية أو الكيفية لمنافاة
الجوع والعطش للخشوع وإقبال القلب الذي هو روح العبادة وفي هذا دلالة على أن الدعاء في ذلك اليوم أفضل من الصوم وثانيهما أن يتحقق الهلال
بمعنى أن يرى في أول الشهر رؤية لا يحصل فيه التباس واحتمال كونه لليلة الماضية حذرا من صيام العيد ويدل على اعتبار الشرط الأول وكراهة صومه بدونه
ما رواه الشيخ في الموثق بن أبان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن صوم يوم عرفة قال من قوى عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء
فإنه يوم دعاء ومسألة فصمه وإن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه ويدل على اعتبار الشرطين ما رواه عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر
(عليه السلام) قال سألته عن صوم يوم عرفة فقلت جعلت فداك أنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة قال كان أبي لا يصومه قلت ولم ذاك قال أن يوم عرفة يوم
دعاء ومسألة وأتخوف أن يضعفني عن الدعاء وأكره أن أصوم وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى وليس بيوم صوم واختلف الروايات في صوم يوم عرفة
فبعضها يدل على الترغيب وبعضها يدل على الكراهة وقال الشيخ رحمه الله في التهذيب فالوجه في الجمع بين هذه الأخبار إن من قوى صوم هذا اليوم قوة لا
يمنعه عن الدعاء فإنه يستحب له صوم هذا اليوم ومن خاف الضعف وما يمنعه من الدعاء والمسألة فأولى له ترك صومه واستشهد لذلك برواية محمد بن مسلم
السالفة وزاد المصنف وغيره الشرط الثاني أيضا لرواية سدير أقول ويمكن فهم نوع كراهة في صومه مطلقا من ملاحظة جملة من الاخبار وحمل ما ورد في أن صومه
يعدل السنة وأزيد على التقية كما يدل عليه رواية سدير مع عدم منافاة ذلك للكراهة كما عرفت سابقا من تحقيق معنى كراهة العبادة ولكن قال
العلامة في المنتهى قد اتفق العلماء على أن صومه في الجملة مستحب وأما الاخبار فما مر من الخبرين وما روى في الكافي في الموثق عن محمد بن مسلم أو قيس على
اختلاف النسخ قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان وما روى فيه عن زرارة
عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا لا تصومن في يوم عاشورا ولا عرفة بمكة ولا بالمدينة ولا في وطنك ولا في مصر من الأمصار وما روى
في الفقيه عن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد مر ذكرها في بحث كراهة العبادة ودلالة هذه الأخبار على الكراهة واضحة وأما ما يدل على
الاستحباب الذي لا ينافي الكراهة فما روى في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سأل عن صوم يوم عرفة فقال أنا أصومه اليوم وهو
يوم دعاء ومسألة وقوله (عليه السلام) وهو يوم دعاء ومسألة يشعر بالاهتمام برعاية جانب الدعاء فيه ويحتمل أيضا أن يكون إشارة إلى تأكد الصوم
ولكنه بعيد خصوصا بعد ملاحظة باقي الاخبار وفي بعض النسخ لفظ ما بدل أنا وهو أظهر ويمكن على بعد إن يكون أنا أصومه على سبيل الانكار وما
روى في التهذيب في الصحيح عن سليمان الجعفري قال سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ويأمر بظل مرتفع فضرب
له فيغتسل مما يبتغ منه الحر والظاهر أنه (عليه السلام) كان مسافرا في الموقف وقد عرفت كراهة صوم المسافر وما روى فيه عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله في
الموثق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال صوم يوم عرفة يعدل السنة وقال لم يصمه الحسن (عليه السلام) وصامه الحسين (عليه السلام) وما روى في الفقيه عن يعقوب
بن شعيب في الحسن قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم يوم عرفة فقال إن شئت صمت وإن شئت لم تصم وذكر إن رجلا أتى الحسن (عليه السلام) والحسين (عليه السلام)
452

فوجد أحدهما (عليهما السلام) صايما والاخر مفطرا فسئلهما فقالا إن صمت فحسن وإن لم تصم فجايز وما روى فيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) أنه قال صوم يوم التروية
كفارة سنة وصوم عرفة كفارة ستين وقال فيه أيضا وروى إن في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم الخليل (عليه السلام) فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين
سنة وفي تسع من ذي الحجة أنزلت توبة داود (عليه السلام) فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة وقوله وفي تسع أي في تاسعة بقرينة قوله فمن صام ذلك
اليوم وفي رواية الزهري عد صوم عرفة من الصيام الذي صاحبه فيه بالخيار ثم أن الصدوق قال في الفقيه بعد إيراد رواية سدير السالفة قال مصنف هذا
الكتاب إن العامة غير موفقين لفطر ولا أضحى وإنما كره (عليه السلام) صوم يوم عرفة لأنه كان يكون يوم العيد في أكثر السنين وتصديق ذلك ما قال الصادق
(عليه السلام) لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) أمر الله عز وجل ملكا فنادى أيتها الأمة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله صوم ولا فطر وفي حديث
آخر لا وفقكم الله لفطر ولا أضحى ومن صام يوم عرفة فله من الثواب ما ذكرناه وغرضه الجمع بين الاخبار وإن صيام يوم عرفة في الواقع ثوابه ما ورد في الاخبار
ولكن عروض الالتباس فيه في الأكثر صار سبب كراهة صومه كما يدل عليها بعض الاخبار ويرجع حاصله إلى اختيار كراهة صومه في تلك الأزمنة وقيل
سمي يوم عرفة بذلك لان الوقوف بعرفة فيه وقيل لان إبراهيم (عليه السلام) رأى في المنام ليلة التروية أنه يذبح ابنه فأصبح يوم يتروى هل هذا من الله
أو حلم فسمى التروية فلما كانت الليلة الثانية رآه أيضا فأصبح يوم عرفة فعرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عرفة وصوم يوم المباهلة وهو الرابع والعشرون
من ذي الحجة فيه جمع النبي صلى الله عليه وآله أهل بيته (عليهم السلام) لمباهلة نصارى نجران فخرج باتفاق العامة والخاصة محتضنا الحسين (عليه السلام) أخذا
وبيد الحسن (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) تمشي خلفه وعلي (عليه السلام) خلفها وهو يقول إذا أنا دعوت فآمنوا فلما نظر إليهم إليه (عليهم السلام) أعلم النصارى وأقدمهم قال
يا معشر النصارى أني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا أو الترتيب الذكرى في الآية الكريمة مع ملاحظة
ما هو مسلم من ترتيبهم (عليهم السلام) في المجئ أعدل شاهد يشهد بأن المراد بالنفس على (عليه السلام) وما قاله العامة لجاجا في تفاسيرهم أي ندع كل منا
ومنكم نفسه وإنما قدمهم على النفس لان الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم فيكتفي أيضا في إتمام الحجة عليهم حيث صنعوا ما صنعوا مع الذين كانوا
عند الله تعالى بحيث يفديهم النبي صلى الله عليه وآله روحه الذي كان أشرف المخلوقات وغاية إيجاد الموجودات وفي هذا اليوم أيضا تصدق أمير المؤمنين
(عليه السلام) بخاتمه في ركوعه فنزلت إنما وليكم الله ورسول الآية وقيل يوم المباهلة الخامس والعشرون من ذي الحجة وفيه نزلت سورة هل أتى في أهل
بيت النبي صلى الله عليه وآله وقال الشيخ الأول أظهر وقد ورد أيضا في رواية عن أبي إبراهيم موسى (عليه السلام) وقال العلامة رحمه الله في المنتهى إن يوم المباهلة
يوم شريف قد أظهر الله تعالى فيه نبينا صلى الله عليه وآله على خصمه وحصل فيه من التنبيه على قرب علي (عليه السلام) من ربه واختصاصه وعظم منزلته وثبوت ولايته
واستجابة الدعاء به ما لم يحصل لغيره وذلك من أعظم الكرامات وإخبار الله تعالى أن نفسه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله فيستحب صومه شكرا لهذه
النعمة الجسيمة وهذا الكلام يؤذن بعدم وقوفه رحمه الله على نص يدل على استحباب صومه ولكن الظاهر أن هذه الشهرة لا تكون إلا لنص عليه كان بينهم وصوم
أول ذي الحجة وباقي العشر سوى العاشر لما مر وما روى في الفقيه مرسلا عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال من صام أول يوم من ذي الحجة كتب الله له صوم
ثمانين شهرا فإن صام التسع كتب الله عز وجل له صوم الدهر وروى الجمهور عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من أيام العمل الصالح فيهن
أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج
بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال ما من أيام أحب إلى الله عز وجل أن يتعبد له فبها من عشر ذي الحجة يعد
صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة بقيام ليلة القدر وقال في المنتهى قيل إن فاطمة (عليها السلام) تزوجت في أول يوم من ذي الحجة وقيل في السادس
منه فيستحب صومهما لادراك فضيلة الوقت وذكر فيه أيضا أن في السادس والعشرين منه طعن عمر بن الخطاب سنة ثلاث وعشرين من الهجرة وفي
التاسع والعشرين منه قبض وصوم شهر رجب كله والأيام فيه وهو شهر شريف من أشهر الحرم معظم في الجاهلية والاسلام ويسمى الشهر الأصم لان العرب لم
يكن يغزو فيه ولا يرى الحرب وسفك الدماء وكان لا يسمع فيه حركة السلاح ولا صهيل الخيل ويسمى أيضا الشهر الأصب لأنه يصب الله تعالى فيه الرحمة على عباده وما
ورد فيه من الأعمال الخير أكثر من أن يحصى وروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من صام رجب كله كتب الله تعالى له رضاه ومن كتب الله له رضاه لم يعذبه وروى
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان يصومه ويقول رجب شهري وشعبان شهر رسول الله صلى الله عليه وآله وشهر رمضان شهر الله وكان الاختصاص باعتبار مواظبة
(عليه السلام) بصيامه والآتيان بالمستحبات فيه وباعتبار ظهور فضايله من قوله وفعله (عليه السلام) وقد كان تولده (عليه السلام) أيضا في الثالث عشر منه في الكعبة المشرفة
وقال في المنتهى في الخامس منه عقد رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين (عليه السلام) على ابنته فاطمة (عليها السلام) عقدة النكاح وكان فيه الاشهاد له والأملاك
453

ولها يومئذ ثلاث عشرة سنة في بعض الروايات وفي بعضها تسع وقيل غير ذلك وكان بناء ذلك وما نقلنا سابقا عنه من أن التزويج كان في ذي الحجة
على اختلاف الروايات أو على التفريق بين العقد والزفاف وروى الصدوق رحمه الله في الفقيه عن أبان بن عثمان عن كثير النوا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن
نوحا ربك السفينة أول يوم من رجب وأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم وقال من صامه تباعدت عنه النيران
مسيرة سنة ومن صام سبعة أيام أغلقت عنه
أبواب النيران السبعة ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان الثمانية ومن صام خمسة عشر يوما أعطى مسئلته ومن زاد زاده الله عز وجل ورواه الشيخ رحمه الله
أيضا في التهذيب مع بعض الزيادات وروى في الكتابين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) أنه قال رجب نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من
صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر وفي الفقيه قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) رجب شهر عظيم يضاعف الله تعالى فيه الحسنات ويمحو فيه
السيئات من صام يوما من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة ومن صام ثلاثة أيام وجبت له الجنة ونقل في المنتهى عن أحمد القول بكراهة صوم كل شهر
رجب إلا لصيام السنة فيدخل ضمنا واحتج على ذلك بقول بعض من لا حجية في أقوالهم عندنا وصوم شهر شعبان كله والأيام فيه روى في الكافي عن الحلبي في
الصحيح قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل صام أحد من آبائك شعبان قط فقال صامه خير آبائي رسول الله صلى الله عليه وآله وعن سماعة في الموثق
عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله وعن حفظ بن البختري في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أن نساء النبي صلى الله عليه وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك
إلى شعبان كراهية إن يمنعن رسول الله صلى الله عليه وآله حاجته فإذا كان شعبان صمن وصام معهن قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول
شعبان شهري وقال الشيخ الكليني رحمه الله فأما الذي جاء في صوم شعبان أنه سأل عنه (عليه السلام) فقال ما صامه رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أحد من آبائي
قال ذلك لان قوما قالوا إن صيامه فرض مثل صيام شهر رمضان ووجوبه مثل وجوب شهر رمضان وإن من أفطر يوما منه فعليه الكفارة ثم ما على من
أفطر يوما من شهر رمضان وإنما قول العالم ما صامه رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أحد من آبائي أي ما صاموه فرضا واجبا تكذيبا لقول من زعم أنه
فرض وإنما كانوا يصومونه سنة فيها فضل وليس على من لم يصمه شئ ونحوه قال الشيخ في التهذيب وزاد إن أبا الخطاب وأصحابه يذهبون إلى وجوب
صوم شعبان وعن أبي حمزة عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صام شعبان كان له طهرة من كل زلة ووصمة
وبادرة قال أبو حمزة فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما الوصمة قال اليمين في المعصية ولا نذر في معصية فقلت ما البادرة فقال اليمين عند الغضب
والتوبة منها الندم وكان المراد من النذر اليمين أو المراد منهما الأعم والوصم في اللغة العيب والعار والبادرة ما يبدو من درك الغضب من قول
أو فعل وعن محمد بن سليمان عن أبيه قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في الرجل يصوم شعبان وشهر رمضان قال هما الشهران اللذان قال الله
تعالى شهرين متتابعين توبة من الله قال قلت فلا يفصل بينهما قال إذا أفطر من الليل فهو فصل وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا وصال في صيام
بمعنى لا يصوم الرجل اليومين متواليين من غير إفطار وقد يستحب للعبد أن لا يدع السحور وقوله (عليه السلام) هما الشهران اللذان قال الله تعالى لعل المراد به أن
حكمهما في حط الذنوب حكم الشهرين اللذين قال الله تعالى وقوله وقد يستحب للعبد أن لا يدع السحور معناه أنه يجب الافطار بين يومين وقد يستحب أن يزيد العبد
على ذلك أيضا بأن يتسحر وقال الشيخ في التهذيب والاخبار التي تضمنت الفصل بين شهر شعبان وشهر رمضان فالمراد بها النهي عن الوصال الذي بينا
فيما مضى أنه محرم وقد دل على هذا التأويل هذا الخبر وعن عمرو بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم
شعبان وشهر رمضان ويصلهما وينهى الناس أن يصلوهما وكان يقول هما شهرا الله وهما كفارة لما قبلهما وما بعدهما وقال الصدوق في الفقيه
قوله (عليه السلام) ينهى الناس أن يصلوهما على الانكار والحكاية لا على الاخبار كأنه يقول يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما فمن شاء وصل
ومن شاء فصل انتهى ويمكن أيضا قراءة الناس بالرفع أي لم يكن النبي صلى الله عليه وآله ينهى عن ذلك بل الناس ينهون عنه ويحتمل أن يكون ينهى من
باب الافعال بمعنى الاعلام والابلاغ والحمل على التقية أيضا ممكن وعن أبي الصباح الكناني قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول صوم شعبان وشهر
رمضان متتابعين توبة من الله وعن مفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول صوم شعبان وشهر رمضان متتابعين توبة من الله تعالى
وعن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يصل ما بين شعبان ورمضان ويقول صوم شهرين متتابعين توبة من
الله تعالى وروى في الفقيه عن عبد الله بن مرحوم الأزدي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة النية ومن صام
يومين نظر الله تعالى إليه في كل يوم وليلة في دار الدنيا ودام نظره إليه في الجنة ومن صام ثلاثة أيام زاد الله عز وجل في عرشه من جنته في كل يوم
وقال الصدوق زيارة أنبيائه وحججه صلوات الله عليهم أجمعين فمن زارهم فقد زار الله عز وجل كما أن من أطاعهم فقد أطاع الله
454

عز وجل ومن عصاهم فقد عصى الله عز وجل ومن تابعهم فقد تابع الله عز وجل وليس ذلك ما تتأوله المشبهة تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا
انتهى ويحتمل أيضا أن يكون المراد بزيارة الله في عرشه ملاحظة العرش بما فيه من عجايب قدرته وشواهد ربوبيته وغرايب صنعه وبدايع خلقه ولكن
ما ذكره الصدوق مأخوذ عن رواية مروية عن أبي الحسن الرضا وصوم كل خميس وصوم كل جمعة لان الصوم طاعة في نفسه وهذان اليومان شريفان
وقد ورد أن يوم الجمعة تتضاعف فيه الحسنات فاستحب فعله فيما وفي رواية الزهري وأما الصوم الذي صاحبه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس و
روى الشيخ عن ابن سنان عن أبي عبد الله قال رأيته صايما يوم جمعة فقلت له جعلت فداك أن الناس يزعمون أنه يوم عيد فقال كلا أنه يوم خفض ودعة
وحكم في المختلف بصحة هذا الخبر ولكن في سنده في التهذيب موسى بن جعفر عن الوشا وقول ابن الجنيد صيام يوم الاثنين والخميس منسوخ لم يثبت نعم
روى كراهة الاثنين قال في المختلف قال ابن الجنيد وصوم الاثنين والخميس منسوخ وصوم يوم السبت منهي عنه عن النبي صلى الله عليه وآله ولم يثبت
عندي شئ من ذلك ولم يذكر المشهورون من علمائنا ذلك نعم روى جعفر بن عيسى عن الرضا (عليه السلام) قال ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله تعالى
فيه نبيه صلى الله عليه وآله وما أصيب آل محمد صلى الله عليه وآله الا في يوم الاثنين فتشاءمنا به تبرك به أعداؤنا ويوم عاشورا قتل الحسين (عليه السلام)
وتبرك به ابن مرجانة وتشأم به آل محمد صلى الله عليه وآله ومن صامهما أو تبرك بهما لقي الله عز وجل ممسوخ القلب وكان محشره مع الذين سنوا صومهما
والتبرك بهما فإن صح هذا السند كان صوم الاثنين مكروها وإلا فلا أقول وما سبق في رواية محمد بن مروان عن الصادق (عليه السلام) من قوله (عليه السلام)
ثم صام الاثنين أو الخميس ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر لا يخلو عن إشعار بما قاله ابن الجنيد وهذه الأخبار مع ضعف إسنادها تعارض بما
ورد في رواية الزهري من عدم صوم يوم الاثنين من الصيام الذي صاحبه فيه بالخيار وبما روى عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وآله كان
يصوم يوم الاثنين والخميس فسأل عن ذلك فقال إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس وكذا لم يثبت قوله بكراهة أفراد الجمعة وإن كان رواه العامة
عن أبي هريرة قال ابن الجنيد على ما نقل عنه في المختلف لا يستحب إفراد يوم الجمعة بصيام فإن تلا به ما قبله أو استفتح به ما بعده جاز ورواية أبي هريرة
رواها الشيخ في التهذيب عن رجل من بني الحرث بن كعب قال سمعت أبا هريرة يقول ليس أنا أنهى عن صوم يوم الجمعة ولكن سمعت رسول الله صلى الله
عليه وآله يقول لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده ثم ذكر في التهذيب رواية ابن سنان المتقدمة ثم قال قال محمد بن الحسن هذا الخبر
هو المعول عليه والأول طريقه رجال العامة لا يعمل به أقول وقد مر في مسألة وجوب القضاء على من نذر يوما فوافق أحد الأيام المحرمة رواية
علي بن مهزيار الدالة على أن صوم يوم الجمعة موضوع وذكر في المنتهى خبرين آخرين بعد خبر أبي هريرة أحدهما عن حويرثة بنت الحرث أن النبي
صلى الله عليه وآله دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال صمت أمس فقالت لا قال فتريدين أن تصومي غدا قالت لا قال فافطري والاخر أنه سأل رجل
جابر بن عبد الله وهو يطوف فقال أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن صيام يوم الجمعة قال نعم ورب هذا البيت ثم قال في المنتهى وهذه الأخبار متأولة
بمن يضعف فيه عن الفرايض وأداء الجمعة على وجهها والسعي إليها أقول وبعد هذا التأويل عن نهي أفراد الجمعة بالصيام واضح والاعتماد في طرحها على
ضعف طرقها مع اشتهار خلافها بين الخاصة ومن المستحب التاسع والعشرون من ذي القعدة قال الصدوق في الفقيه وروى إن في تسع وعشرين من
ذي القعدة أنزل الله الكعبة وهي أول رحمة نزلت فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة ويمكن الجمع بين إنزال الكعبة إلى الأرض ودحو الأرض
من تحتها بوجهين الأول إن الأرض خلقت بقدر موضع الكعبة أولا ثم أنزلت الكعبة إليها ثم دحيت الأرض من تحتها والثاني إن المراد بإنزال الكعبة
خلقها مع الأرض ويشكل الثاني بما استشكله الشهيد الثاني في فوايد القواعد كما نقلنا وقد مر في رواية حسن بن راشد عن الصادق (عليه السلام) إن في
خمسة وعشرين من ذي القعدة وضع الله البيت وهو أول رحمة وضعت على وجه الأرض ويمكن حمل وضع البيت على وجه الأرض على دحو الأرض من
تحته لئلا ينافي هذا الخبر والأظهر سهو الرواة في بعض هذه الأخبار وأول يوم من المحرم وثالثه وسابعه وروى عشرة وكله قال في المنتهى قال ابن بابويه
وفي أول يوم من المحرم دعا زكريا (عليه السلام) ربه عز وجل فمن صام ذلك اليوم استجاب الله له كما استجاب لزكريا (عليه السلام) ونحوه قال الشيخ أقول ذكر
الشيخ ذلك في المصباح بدون ذكر الصوم وقال فيه أيضا في اليوم الثالث من المحرم كان خلاص يوسف (عليه السلام) من الجب على ما روى في الاخبار وفي اليوم الخامس
منه كان عبور موسى بن عمران (عليه السلام) على البحر وفي اليوم السابع منه كلم الله موسى (عليه السلام) على جبل طور سينا وفي اليوم التاسع منه أخرج الله تعالى
يونس (عليه السلام) من بطن الحوت وفي العاشر منه كان مقتل سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) ويستحب في هذا اليوم زيارته ويستحب
صيام هذا العشر فإذا كان يوم عاشورا أمسك عن الطعام والشراب إلى بعد العصر ثم تناول شيئا يسيرا من التربة أقول وتناول شئ من التربة كما ورد
455

في يوم الفطر أيضا من غير علة لا يخلو عن إشكال لعموم الأخبار الصحيحة الدالة على المنع من تناولها لغير الاستشفاء ومن تناول مطلق الطين وأما صيام
كله فروى الجمهور عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر المحرم وروى المفيد عن النعمان بن سعيد عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله الرجل إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر تاب الله فيه على قوم
ويتوب الله تعالى فيه على آخرين وستة أيام بعد عيد الفطر ففي رواية الزهري عد صيامها من باب الصيام الذي صاحبه فيه بالخيار وروى الجمهور عن
أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صام رمضان واتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر أقول وينبغي حمل من صام على من واظب على ذلك
كما هو الظاهر ليعدل صوم الدهر ويظهر من كلام الشهيد الثاني ورود أخبار أخر في استحباب صيامها حيث قال في الروضة فمن صامها مع شهر رمضان
عدلت صيام السنة وفي الخبر أن المواظبة عليها تعدل صوم الدهر وعلل في بعض الاخبار بأن الصدقة بعشر أمثالها فيكون رمضان بعشرة أشهر والستة
بشهرين وذلك تمام السنة ودوام فعلها كذلك يعدل دهر الصايم والتعليل وإن اقتضى عدم الفرق بين فعلها متوالية ومتفرقة بعده بغير فصل
ومتأخرة إلا أن في بعض الاخبار اعتبار القيد فيكون فضيلة زايدة على القدر وهو أما تخفيف للتمرين السابق أو عود على العبادة للرغبة ودفع
احتمال السام انتهى ويحتمل أن يكون قوله وعلل في بعض الاخبار إشارة إلى ما وقع في نظيره مما يعادل صوم الدهر كصيام الأيام الثلاثة من كل شهر حيث
وقع ذلك التعليل فيه في النص وقوله إلا أن في بعض الاخبار اعتبار القيد كأنه ناظر إلى ما وقع في خبر الزهري من قوله (عليه السلام) وصوم ستة أيام من
شوال بعد شهر رمضان ونقل في المنتهى استحباب صيامها عن أكثر أهل العلم ونقل عن مالك أنه قال يكره ذلك وما رأيت أحدا من أهل الفقه يصومها
ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وإن يلحق الجهال برمضان ما ليس منه ثم قال وما ذكره ليس بجيد
لان يوم الفطر فاصل بينهما وفيها بحث ذكرناه في القواعد ذكر طاب ثراه في القواعد بعد إيراد الحديث النبوي
الذي ذكرناه أحد عشر بحثا منها أن
هذه الستة هل هي مرتبة على صيام مجموع الشهر أو يكفي صوم شئ منه أو لا ترتب أصلا وأجاب بأن الظاهر ترتبها على مجموع الشهر لما يذكره في عدل صيام
الدهر ويحتمل عدم الترتب أصلا لأنها أيام معينة للصوم فلا يختلف فيها الحال أقول وبعد الاحتمال الثاني واضح لظهور قوله صلى الله عليه وآله
من صام رمضان وأتبعه بست من شوال في أن الستة تتأدى بالترتب ولا يظهر منه استحباب صيام الستة بانفراد حتى يقال أنها أيام معينة للصوم ومنها
أنه لم قال من شوال وهل له مزية على غيره من الشهور وأجاب بأنه رفق بالمكلف باعتبار أنه حديث عهد بالصوم أقول ويحتمل أيضا أن يكون لأجل إظهار
الرغبة بالعبادة ودفع احتمال السام كما عرفت ومنها أنها هل هي بعد العيد بغير فصل أم لا وظهر جوابه مما ذكرنا ومنها أنه كيف يتصور أن يكون
هذا القدر معادلا لصوم الدهر وهو جزء منه وكيف يساوي الجزء الكل وأجاب بأن لصيام هذه مثل ثواب الدهر مجردا عن المضاعفة أي أضعاف
هذه مثل استحقاق صوم الدهر أقول ويمكن الجواب أيضا بأن المتبادر من صوم رمضان وأتباعه بست من شوال أن لا يكون الصوم على سبيل الدوام
والاستمرار في السنة ولا ريب في أن صيام الشهر والأيام المعنية بهذا الوصف وعلى هذا العنوان ليس جزء من صيام الدهر فلا بعد في أن يكون الصيام
بهذا النحو باعتبار إبقائه للقوة وعدم إضعافه للبدن والشخص عن الاتيان بباقي العبادات الدينية والمعاملات الضرورية وعدم أدائه إلى
شكاسة الخلق وسوء المزاج وعروض الأمراض البدنية معادلا في الثواب والفضيلة لصيام الدهر الذي يؤدي غالبا إلى ما ذكرناه بل يكون أفضل منه
بكثير وإن اشتمل صيام الدهر على صيام الشهر وهذه الأيام لا بهذا الوصف ويزيد عليه بأضعاف كثيرة مع أن صيام الدهر يوجب الاعتياد بالصوم
أيضا والمتقرب به مع الاعتياد ورفع الكلفة ليس بمنزلة المتعبد به على الندرة المحتمل لغاية الزحمة ونهاية المشقة ويظهر ما ذكرناه مما روى عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال لا صام من صام الدهر ثلاثة أيام بصوم الدهر كله فقال له عبد الله بن عمر أطيق أكثر من ذلك قال فصم صوم داود كان
يصوم يوما ويفطر يوما فقال أني أطيق أفضل من ذلك قال لا أفضل من ذلك ومنها أبحاث لا تعلق لها بمقصودنا ومن أراد الاطلاع عليها فليراجع
إليها وروى صحيحا كراهة صيام ثلاثة بعد الفطر بطريقين روى في التهذيب عن زياد بن أبي الحلال في الحسن على ما يفهم من كتب الرجال والصحيح على ما
نصوا عليه قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا تصم بعد الأضحى ثلاثة أيام ولا بعد الفطر ثلاثة أيام أنها أيام أكل وشرب والرواية في الكافي أيضا بسند
لا يخلو عن ضعف وبدل لا تصم لا صيام كما في بعض نسخ التهذيب أيضا وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن الحجاج بسند فيه محمد بن إسماعيل عن الفضل قال
سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن اليومين اللذين بعد الفطر أيصامان أم لا فقال أكره لك أن تصومهما وفي التهذيب في الموثق عن حريز عنهم (عليهم السلام)
قال إذا فطرت من رمضان فلا تصومن بعد الفطر تطوعا إلا بعد ثلاث يمضين وقال الشيخ بعد نقل هذا الخبر الوجه فيه أنه ليس في صيام هذه الأيام من
456

الفضل والتبرك به في غيرها من الأيام وإن كان يجوز صومه حسب ما تضمنه الخبر أي خبر الزهري من التخيير ويشعر عبارة المصنف بالميل إلى الكراهة وحمل السنة
على الأيام التي بعد الثلاثة بعيد مخالف لما اشتهر بين الناس في صيام الستة ولظاهر لفظ خبر الزهري وصوم داود (عليه السلام) قد مر تفسيره وما يدل عليه من
صحيحة حماد بن عثمان وخبر محمد بن مروان وما رووه من قول النبي صلى الله عليه وآله لعبد الله بن عمر وروا أيضا عن عبد الله بن عمر قال قال لي رسول
الله صلى الله عليه وآله أحب الصيام إلى الله تعالى صيام أخي داود (عليه السلام) كان يصوم يوما ويفطر يوما وأحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود
(عليه السلام) كان يرقد شطر الليل ويقوم ثلاثة ثم يرقد آخره وما اشتمل عليه من كيفية الصلاة فلا يخلو عن شئ عندنا ويوم التروية قد مر في المرسلة
المروية عن الصادق (عليه السلام) أن صوم يوم التروية كفارة سنة وهو الثامن من ذي الحجة سمي بذلك لان الحاج كان يتروى الماء لعرفة من مكة إذا لم
يكن بها ماء كاليوم فكان بعضهم يقول لبعض ترويتهم لتخرجوا وقد مر وجه آخر له في تسمية عرفة وثلاثة أيام للحاجة وخصوصا بالمدينة قد مر البحث
عنه في مسألة صيام المسافر ويوم النصف من جمادي الأولى قال الشيخ رحمه الله في المصباح في النصف منه سنة ست وثلاثين كان مولد أبي محمد علي بن الحسين
زين العابدين (عليهم السلام) ويستحب صيام هذا اليوم وفيه بعينه من هذا الشهر من هذه السنة كان فتح البصرة لأمير المؤمنين (عليه السلام) وروى المفيد من
صام الخميس والجمعة والسبت من شهر حرام كتب الله له عبادة تسع مائة سنة رواه رحمه الله عن راشد بن محمد عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه
وآله من صام في شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة وفي صوم عاشور أخرنا أي على طريق الحزن بمصاب رسول الله صلى الله
عليه وآله والجزع لما حل بعترته (عليه الصلاة وعليهم السلام) لا على وجه الفضل في صومه والتبرك به والاعتقاد لبركته وسعادته فإن ذلك إن كان باعتبار
قتل الحسين (عليه السلام) فلا ريب في أنه نصب وكفر صريح بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وكان حشره مع الذين قتلوه وإن كان في نفسه مع قطع النظر عنه
فخطأ وعد المحقق رحمه الله في الشرايع صوم عاشورا على وجه الحزن من الصيام المستحب وقال الشارح في المسالك أشار بقوله على وجه الحزن إلى أن صومه ليس
صوما معتبرا شرعا بل هو إمساك بدون نية الصوم لان صومه متروك كما وردت به الرواية وينبه على ذلك قول الصادق (عليه السلام) صمه من غير ترتيب
وأفطره من غير تشميت وليكن فطرك بعد العصر فهو عبارة من ترك المفطرات اشتغالا عنها بالحزن والمصيبة وينبغي أن يكون الامساك المذكور
بالنية لأنه عبادة أقول قول المحقق يحتمل ما ذكره وإن كان الظاهر ما ذكرناه وأما كلام المتن فلا يحتمل ما ذكره بقرينة تتمته كله أو إلى العصر أو تركه
روايات وعدم التقييد بالحزن في أكثر الروايات لا ينافي شمولها بإطلاقها له وأما ما يدل منها على الاستحباب فما رواه الشيخ في التهذيب عن
أبي همام في الموثق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال صام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشورا وعن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)
قال صيام يوم عاشورا كفارة سنة وعن مسعدة بن صدقه عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) أن عليا (عليه السلام) قال صوموا العاشورا التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة وهذا الخبر يشعر بإطلاق عاشورا على التاسع أيضا وعن كثير النوا عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال لزقت السفينة يوم عاشورا على الجودي فامر النوح (عليه السلام) من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم وقال أبو جعفر (عليه السلام)
أتدرون ما هذا اليوم هذا اليوم الذي تاب الله عز وجل فيه آدم (عليه السلام) وحواء (عليها السلام) وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل
فأغرق فرعون ومن معه وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى (عليه السلام) فرعون وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم (عليه السلام) وهذا اليوم الذي تاب الله
فيه على قوم يونس وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم (عليهما السلام) وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم (عليه السلام) وأما ما يدل على الترك فما
تقدم في صوم عرفة من خبر زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وما روى في الكافي والتهذيب عن جعفر بن عيسى بن عبيد قال سألت الرضا (عليه السلام)
عن صوم عاشورا وما يقول الناس فيه فقال عن صوم ابن مرجانة لتسألني ذلك يوم ما صامه إلا الأدعياء من آل زياد بقتل الحسين (صلوات الله عليه)
وهو يوم يتشاءم به آل محمد صلى الله (عليه وعليهم السلام) ويتشاءم به أهل الاسلام واليوم المتشائم به الاسلام وأهله لا يصام ولا يتبرك به ويوم
الاثنين يم نحس قبض الله فيه نبيه صلى الله عليه وآله وما أصيب آل محمد صلوات الله عليهم إلا في يوم الاثنين تشأمنا به وتبرك به أعداؤنا
ويوم عاشورا قتل الحسين (عليه السلام) وتبرك به ابن مرجانة ويتشأم به آل محمد صلى الله عليه وآله فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله عز وجل ممسوخ القلب
وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما وعن عبيد بن زرارة قال سمعت زرارة يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم يوم عاشورا فقال
من صامه كان خطه من صيام ذلك اليوم خط ابن مرجانة وآل زياد قال قلت وما خطهم من ذلك اليوم قال النار وعن نجية بن الحارث العطار قال
سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن صوم يوم عاشورا فقال صومه متروك بنزول شهر رمضان والمتروك بدعة قال نجية فسألت أبا عبد الله (عليه السلام)
فأجاب بمثل جواب أبيه ثم قال لي أما أنه صيام يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) وفي الكافي عن عبد الملك قال سألت
457

أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم تاسوعا وعاشوراء من شهر المحرم فقال تاسوعا يوم حوصر فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه رضي الله عنهم بكربلا واجتمع
عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرته واستضعفوا فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه كره الله وجوهم أيقنوا
أن لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر ولا يمدده أهل العراق بأبي المستضعف الغريب ثم قال وأما يوم عاشورا فيوم أصيب فيه الحسين (عليه السلام) صريعا بين أصحابه وأصحابه
حوله صرعى عراة فصوم يكون في ذلك اليوم كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبته دخلت على أهل السماء وأهل الأرض
وجميع المؤمنين ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذراريهم وذلك يوم بكت جميع بقاع الأرض خلا
بقعة الشام ومن صامه أو تبرك به حشره الله تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطا عليه ومن ادخر إلى منزله ذخيرة أعقبه الله نفاقا في قلبه إلى يوم يلقاه
وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده وشاركه الشيطان في جميع ذلك وقال الشيخ في التهذيب بعد نقل الروايات فالوجه في هذه الأحاديث أن
من صام يوم عاشورا على طريق الحزن بمصاب رسول الله صلى الله عليه وآله والجزع لما حل بعترته فقد أصاب ومن صامه على ما يعتقد فيه مخالفونا
من الفضل في صومه والتبرك به والاعتقاد لبركته وسعادته فقد أثم وأخطأ ونسب في الاستبصار هذا الجمع إلى شيخه المفيد ويمكن حمل أخبار الاستحباب
على التقية أيضا وأما خبر كثير النوا فأكثر الوقايع المذكورة فيه وردت الاخبار بوقوعها في ذلك اليوم وقد ورد في الخبر أيضا أن هذا الحديث من
الأحاديث الموضوعة رواه الصدوق في المجالس عن جبلة المكية قال سمعت ميثم التمار يقول لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر يمضين
منه وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة وإن ذلك لكاين قد سبق في علم الله تعالى ذكره أعلم ذلك بعهد عهده إلى مولاي أمير المؤمنين
(عليه السلام) ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كل شئ حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار والطير في جو السماء فتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم و
السماء والأرض ومؤمنو الإنس والجن وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالك وحملة العرش وتمطر السماء دما ورمادا ثم قال وجبت لعنة الله
على قتلة الحسين (عليه السلام) كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس قالت جبلة فقلت له
يا ميثم وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي يقتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام) يوم بركة فبكى ميثم ثم قال سيزعمون بحديث يضعونه أنه اليوم الذي
تاب الله فيه على آدم (عليه السلام) وإنما تاب الله على آدم (عليه السلام) في ذي الحجة ويزعمون أنه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود وإنما قبل الله توبته
في ذي الحجة ويزعمون أنه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت وإنما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة
ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي وإنما استوت على الجودي في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ويزعمون أنه اليوم الذي
فلق فيه البحر لبني إسرائيل وإنما كان ذلك في شهر ربيع الأول ثم قال ميثم رحمه الله يا جبلة أعلمني أن الحسين بن علي سيد الشهداء (عليهما السلام) يوم القيامة ولأصحابه
على ساير الشهداء درجة يا جبلة إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمي أن سيدك الحسين (عليه السلام) قد قتل قال فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس
على الحيطان كأنه الملاحف المعصفرة فصحت حينئذ وبكيت وقلت قد والله قتل سيدنا الحسين بن علي (عليهما السلام) وبالجملة فليس من الجانبين خبر صحيح يعول
عليه والاحتياط في ترك صومه وإن اشتغلت الذمة بصوم واجب غير متعين وقد مر جواز تأخير قضاء رمضان خصوصا إذا تعلق به غرض صحيح كما
عرفت من حديث تأخير أزواج النبي صلى الله عليه وآله صيامهن إلى شعبان وروى صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ويفهم منه استحباب ترك
المفطرات لاعلى أنه صوم حقيقي وهو حسن رواه الشيخ في المصباح عن عبد الله بن سنان قال دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)
في يوم عاشوراء فلقيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط فقلت يا بن رسول الله مم بكاؤك لا أبكى
الله عينيك فقال لي أو في غفلة أنت أما علمت أن حسين بن علي (عليهما السلام) أصيب في مثل هذا اليوم فقلت يا سيدي فما تقول في صومه قال لي صمه من
غير تبييت وأفطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم كملا وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنه في مثل ذلك
الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلى الله عليه وآله وانكشفت الملحمة عنهم إلى آخر الحديث وقوله (عليه السلام) صمه من غير تبييت
وأفطره من غير تشميت أي أن تصمه فصمه من غير تبييت للنية وقصد للصيام الحقيقي بأن يكون صومك مجرد إمساك من المفطرات حزنا وجزعا
وإن تفطره فأفطره من غير أن يكون تناولك معاذ الله على وجه الشماتة والفرح بما أصاب فيه بأولياء الله ثم بين أن الامساك ينبغي أن
يكون إلى ساعة بعد العصر والهيجاء الحرب يمد ويقصر والملحمة الوقعة العظيمة في الفتنة وحسن العمل بهذا الخبر لأجل اعتبار سنده
وموافقته لآداب إظهار الجزع والمصيبة للأزمة مراعاتها في هذا اليوم تذنيب قال العلامة في المنتهى يوم عاشوراء هو
458

اليوم العاشر من المحرم وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري وروى عن ابن عباس أنه قال أنه التاسع من المحرم وليس بمعتمد لما تقدم في أحاديثنا
أنه يوم قتل الحسين (عليه السلام) ويوم قتل الحسين (عليه السلام) هو العاشر بلا خلاف وروى الجمهور من ابن عباس أنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بصوم يوم عاشوراء
العاشر من المحرم وهذا ينافي ما روى عنه أولا انتهى وقال ابن الأثير في النهاية العاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم وهو اسم إسلامي وليس في كلامهم
فاعولاء بالمد غيره وقد الحق به تاسوعاء وهو تاسع المحرم وقيل إن عاشوراء هو التاسع مأخوذ من العشر في أوراد الإبل يقول العرب وردت الإبل عشرا إذا
وردت اليوم التاسع ثم رد ذلك القول بأن الحديث يدل على خلافه أقول الظاهر أنه يطلق على التاسع أيضا وإن كان المراد به في هذه الأحاديث العاشر
ثم انهم اختلفوا في صوم عاشوراء هل كان واجبا أم لا وليست في البحث عن ذلك فائدة يعتد بها وصحيحة محمد بن مسلم وزرارة في الفقيه يدل على الأول
فإنهما سئلا أبا جعفر (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء فقال كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك وكذا اختلف الرواية في صوم يوم الشك
والأشهر استحبابه وقد مر البحث عن هذه المسألة مستوفى خلافا للمفيد حيث قال في الرسالة الغرية بالكراهة لمن لم يكن صايما قبله إلا مع مانع الرؤية فيستحب
صومه قال وبذلك جاءت الآثار عن الأئمة (عليهم السلام) وقريب منه ما ذهب إليه ابن الجنيد على ما نقل في المختلف ويحتمل أن يكون مستندهما في ذلك التفصيل
وجه جمع بين الاخبار وما رواه الشيخ في التهذيب عن هارون بن خارجة قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) عد شعبان تسعة وعشرين يوما فان كانت متغيمة فأصبح
صائما وإن كانت مصحية وتبصرته فلم تر شيئا فأصبح مفطرا ولا يجب صوم النفل بالشروع فيه وهو قول علمائنا كما قاله في المنتهى ونقل الخلاف عن أبي حنيفة
وتدل عليه أيضا روايات في التهذيب كصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله أنه قال في الذي يقضي شهر رمضان أنه بالخيار إلى زوال الشمس وإن كانت تطوعا
فإنه إلى الليل بالخيار وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله غير أنه قال بالخيار في الافطار وما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر وما
رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله الصائم بالخيار إلى زوال الشمس قال إن ذلك في الفريضة فأما النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء
إلى غروب الشمس إلا الاعتكاف فيجب بالشروع فيه على قول الشيخ وسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى نعم يكره الافطار في صوم النفل بعد الزوال للجمع بين هذه الأخبار
وما سيأتي من رواية مسعدة بن صدقة إلا أن يدعى إلى طعام فالفضل في الفطار حينئذ ولو كان بعد الزوال لما سيأتي في بحث الصوم المكروه من الأخبار الدالة
على ذلك الشاملة لما بعد الزوال بالتصريح أو الاطلاق وعليه أي على أن الافطار يكره بعد الزوال تحمل رواية مسعدة بوجوبه بعد الزوال
روى الشيخ في التهذيب عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) أن عليا (عليه السلام) قال الصائم تطوعا بالخيار ما بينه وبين نصف
النهار فإذا انتصف النهار وجب الصوم وقال الشيخ المراد به إن الأولى إذا كان بعد الزوال أن يصومه وقد تطلق على ما الأولى فعله أنه واجب وقد بيناه في غير
موضع فيما تقدم كما يقول غسل الجمعة واجب وصلاة الليل واجبة ولم يرد به الفرض الذي يستحق بتركه العقاب وإنما المراد به أنه الأولى فليس ينبغي تركه
إلا لعذر ويشترط فيه كله أي في الاتيان بصوم النفل جميع إفراده خلو الذمة عن صوم واجب يمكن فعله في هذا الزمان الذي يصوم فيه النفل فمن اشتغلت ذمته
بقضاء شهر رمضان أو بنذر مطلق مثلا لا يجوز له التنفل لتمكنه من الاتيان بالواجب عليه في كل يوم يصومه ندبا وحيث قيدنا الصوم الواجب بقولنا يمكن
فعله فيجوز التنفل لمن اشتغلت ذمته بواجب حيث لا يمكن فعل الواجب كشعبان لمن عليه كفارة كبيرة مرتبة مع العجز عن العتق أو مخيرة مع اختيار الصوم ولم
يبق إلى شهر رمضان سواه فلا يمكنه الاتيان بالشهرين المتتابعين في هذا الزمان إذ المفروض عدم بقاء يوم سوى شعبان فيجوز حينئذ التنفل فيه وهذا هو
المشهور بين الأصحاب بل ليس في كلام أكثرهم قيد إمكان الفعل ولكن لا بد من اعتباره وجوز المرتضى وكذا العلامة في القواعد التنفل مطلقا وإن اشتغلت
الذمة بالواجب مطلقا والرواية بخلافه فروى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال من صام تطوعا وعليه من رمضان شئ لم يقضه فإنه لا يتقبل منه حتى يصومه وروى في الكافي
عن الحلبي في الحسن بن إبراهيم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل عليه من شهر رمضان طايفة أيتطوع فقال لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان وعن أبي
الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله وأنت خبير بأن الروايات إنما تدل على خصوص قضاء رمضان فالحكم في مطلق الواجب كما هو المشهور لا يخلو عن إشكال
لعدم إمكان القياس والأصل يقتضي الجواز وهو مستند السيد رحمه الله في الحكم بالجواز وكلام الشيخ الكليني لا
يخلو عن إشعار بالتخصيص بقضاء رمضان حيث قال باب
الاشتغال بالندب والأيام التي يستحب صيامها على الخصوص ظاهر أنها تدرك فضيلة صيامها بالصيام الواجب أيضا ويستحب الامساك تأديبا بقية
اليوم للمسافر والمريض بزوال عذرهما بأن قدم المسافر أو برء المريض في أثناء اليوم وقد تناولا قبل زوال العذر في اليوم أو كان زوال العذر
459

بعد الزوال للشمس وفوات وقت نية الصوم سواء تناولا أم لا أما لو زال عذرهما قبل التناول وقبل زوال الشمس فيجب عليهما الصوم لتمكنهما منه
ويستحب إمساك الحايض والنفساء تأديبا بقية النهار إذا طرء الدم في أثناء النهار بل بعد الزوال كما عرفت وانقطع فيه وكذا الكافر يسلم في أثناء
النهار والصبي يبلغ وقد مر البحث عن ذلك كله مفصلا في الدرس الثاني من الكتاب والمكروه صوم الدهر خلا الأيام المحرمة فلو دخلت فيه فيحرم قطعا
كما ورد في خبر الزهري وغيره من قوله (عليه السلام) وصوم الدهر حرام ويدل على الكراهة ما مر من الحديث النبوي صلى الله عليه وآله في صوم داود (عليه السلام) وما
في الفقيه صحيحا أنه سأل زرارة أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم الدهر فقال لم يزل مكروها وقال لا وصال في صيام ولا صمت يوما إلى الليل وصوم يوم
عرفة مع شك الهلال أو الضعف عن الدعاء ومعهما فبطريق الأولى وقد مر ما يدل عليه آنفا وصوم النافلة سفرا كما سلف وشرحناه مستوفي وصو
المدعو إلى طعام قال في المسالك لا فرق بين دعائه في أول النهار وآخره ولا بين طهي الطعام له وغيره ولا بين من يشق عليه المخالفة وغيره لاطلاق
النص نعم يشترط كونه مؤمنا والحكمة في أفضلية الافطار على الصوم إجابة دعوة المؤمن وإدخال السرور في قلبه وعدم رد قوله لا مجرد كونه أكلا انتهى
أقول ما ذكره من الحكمة تدل على أفضلية الافطار على الصوم إجابة دعوة المؤمن وإدخال السرور في قلبه وعدم رد قوله لا مجرد كونه أكلا انتهى
أقول ما ذكره من من الحكمة تدل على أفضلية الافطار على الصوم بمجرد أن يلتمسه مؤمن من دون ورود الصايم عليه ودخوله بنية ولكن أكثر الأخبار الواردة
في هذا الباب تتضمن دخول البيت وحضور المايدة أو التماس إحضار شئ له فروى جميل بن دراج في الصحيح على ما في الفقيه عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال من دخل على أخيه وهو صايم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة وروى والكافي عن نجم بن حطيم عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال من نوى الصوم ثم دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر وليدخل عليه السرور فإنه يحتسب له بذلك اليوم عشرة أيام وهو قول الله عز وجل
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وكان المراد أنه لما بدل صومه في سبيل الله وأفطره لإجابة دعوة أخيه المؤمن فله عند الله تعالى عشر أمثاله فيحتسب له
صوم ذلك اليوم بصوم عشرة أيام وقال بعض شراح الكافي والمراد أنه يعلم من إفطاره إن صومه كان خالصا لوجه الله تعالى بلا شايبة الرياء فكان حسنة
وله عشر أمثالها في نفسها ويزيد عليها ثواب إدخال السرور في قلب أخيه أقول وبعد هذا الحمل واضح جدا وعن داود الرقي قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول لافطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا وكان الترديد من داود وعن صالح بن عقبة قال
دخلت على جميل بن دراج وبين يديه خوان عليه غسانية يأكل منها فقال إدن فكل فقلت أني صائم فتركني حتى إذا أكلها فلم يبق منها إلا يسير
عزم على إلا أفطرت فقلت له إلا كان هذا قبل الساعة فقال أردت بذلك أدبك ثم قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول أيما رجل مؤمن دخل على
أخيه وهو صائم فسأله الاكل فلم يخبره بصيامه ليمين عليه بإفطاره كتب الله تعالى بذلك اليوم صيام سنة قيل الغسان بالمعجمة والمهملة اسم طايفة من اليمن
فكان الغسانية نوع مطبوع ينسب إليهم وعن علي بن حديد قال قلت لأبي الحسن الماضي (عليه السلام) أدخل على القوم وهم يأكلون وقد صليت العصر وأنا
صائم فيقولون إفطر فقال أفطر فإنه أفضل وهذا الخبر صريح في أفضلية الافطار بعد العصر للمدعو وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك تطوعا وهذا الخبر وإن كان له نوع عموم كما يدل عليه ما قاله في المسالك ولكن ما ورد في
باقي الاخبار يرشد إلى المراد وصوم الضيف ندبا إذا لم يؤمر ولم ينه عن المضيف فلو إذن فلا كراهة لان الغرض من ترك صومه ليس إلا رعاية
جانب المضيف لئلا يفسد طعامه أو يكسر قلبه ويرتفع ذلك باستيذانه ولو نهى فيحرم كما سيأتي وحكم في المعتبر بعدم صحة صومه بدون الاذن كالزوجة
والمملوك ثم قال هذا مما اتفق عليه علماؤنا وأكثر علماء الاسلام والمراد من الضعيف من نزل بيت أخيه المؤمن بعنوان الضيافة قبل ذلك اليوم
الذي الكلام في صومه فيقيم فيه اليوم ويكون ضيفا أو جاء إليه في اليوم قبل الزوال بل ويحتمل بعده أيضا لاطلاق النص وإذا وعد أن يذهب
إلى بيته يوم كذا فإن ذهب فهو ضعيف وإلا فلا ولكن يلحقه حكم خلف الوعد وروى كراهة العكس صوم المضيف بدون إذن الضيف
لئلا يحتشم الضيف بسبب صومه ويلحقه الحياء فيترك ما يشتهيه من الطعام وأما صوم الولد والزوجة والعبد بل مطلق المملوك فالأقرب
اشتراط الاذن في صحته فصوم الولد ندبا مشروط بإذن الوالد وصوم الزوجة بإذن الزوج وصوم المملوك بإذن السيد فصوم كل من الثلاثة تطوعا
بدون الاذن محرم وظاهر كلام المنتهى الوفاق على ذلك في المملوك والزوجة وقال المحقق في المعتبر لا يلزم استيذان الوالد بل يستحب مراعاة
للأدب مع الوالد ورواية هشام بن الحكم مصرحة بعقوقه لو صام تطوعا بدون الاذن فيدل على اشتراط الاذن في الصحة كما قاله المحقق
في النافع على خلاف ما ذهب إليه في المعتبر لكن سند الرواية لا يخلو عن ضعف ثم الولد يحتمل اختصاصه بالولد بغير الواسطة كما هو ظاهر اللفظ
460

أو يشمل النازل أيضا كساير الأحكام المتعلقة به والزوجة تشمل الدائمة والمتمتعة بها على الظهر ولا فرق بين حضور الزوج وغيبته كما صرحوا به خلافا
للشافعي حيث خص اشتراط الاذن بحضور الزوج وكذا إلا فرق في المملوك بين حضور المولى وغيبته ولا بين أن يضعفه عن حق مولاه وعدمه واستدل
في المعتبر والمنتهى على اشتراط إذن الزوج بأن الزوجة بالصوم تعرضه لما يمنعه من الاستماع الواردة فلم يكن مشروعا لها إلا برضاه وعدم جريان هذا
الدليل في صورة غيبة الزوج واضح وفي حضوره أيضا لا يخلو عن شئ لان إبطال الصوم المندوب ليس بمحرم كما عرفت فليس الصوم مانعا يمنع الزوج عن الاستمتاع
لو أراده وقد عرفت إن تجويز عروض نحو هذا المبطل ليس ينافي في نية الصوم وعلى اشتراط إذن المولى بأن المملوك لا يملك من نفسه شيئا فتصرفه موقوف على
إذن مولاه وأقول عدم تملكه من نفسه شيئا مطلقا حتى ما لا ينافي حق مولاه أصلا خصوصا في امر العبادات غير ظاهرا لا يفيد هذا الدليل الكلمة إلا أن
يقال إن الصوم تصرف كلي لا يؤمن معه من حدوث مرض أو ضرر في البدن والمزاج فلا بد فيه من الاذن وأما الأخبار الواردة في باب الاذن في الأربعة
فما في رواية الزهري من قول علي بن الحسين (عليهما السلام) وأما صوم الاذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه
والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه قال رسول الله صلى الله عليه وآله من نزل على قوم فلا يصوم تطوعا إلا بإذنهم وما روى في الكافي عن هشام بن
الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم
تطوعا إلا بإذنه وأمره ومن صلاح العبد وطاعته أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وأمره ومن بر الولد أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما
وإلا كان الضيف جاهلا وكانت المرأة عاصية وكان العبد فاسقا عاصيا وكان الولد عاقا وهذا الخبر يدل على اشتراط إذن الوالدين وعن الفضيل بن
يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل رجل بلدة فهو ضعيف من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ولا ينبغي للضيف
أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا الشئ فيفسد عليهم ولا ينبغي عليهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشم فيشهى الطعام فيتركه لهم وقال خالي طاب
ثراه دلالة هذا الخبر على التحريم غير واضحة إلا أنه يستفاد منه رجحان الترك والظاهر أنه يستلزم عدم ترتب الثواب على الفعل إذ لا معنى لقلة ثواب الفعل
بالنسبة إلى الترك وعدم الثواب على الصوم يستلزم عدم شرعيته المستلزم لتحريمه وحمل المنع على قلة الثواب بالنسبة إلى الصوم المجامع للاذن تعسف ظاهر
انتهى وأقول بعد إحاطتك بما حققناه في معنى الكراهة في العبادة تعرف ما في كلامه من القصور وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال
النبي صلى الله عليه وآله ليس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله
عليه وآله فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال لها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه الحديث
وعن القاسم بن عروة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال لا تصلح للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها وعن عمر بن جبير العزرمي عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة فقال هو أكثر من ذلك فقالت أخبرني بشئ
من ذلك فقال ليس لها أن تصوم إلا بإذنه ثم اعلم إن العلامة رحمه الله قال في المنتهى إن الصوم الواجب لا يعتبر فيه إذن الزوج بل يجب عليها فعله ولا يحل له
منعها عنه وذلك بظاهره يشمل الموسع والمضيق ولكنه استشكل في التذكرة في جواز منع الزوجة في الواجب الموسع إذا طلبت التعجيل ثم إن العلة
التي ذكروها في الضيف لا يختص بالندب بل يوجد في الموسع أيضا ويدل على أولوية الاعلام في المضيق ولكن أكثر الاخبار تختص بالتطوع والمحظور
(صوم العيدين والتشريق ويوم الشك بنية رمضان ولو نواه واجبا عن غيره لم يحرم ونذر المعصية والصمت والوصال ويظهر من ابن الجنيد عدم
تحريم صوم الوصال وهو متروك والواجب سفرا كما مر) وقد مر شرح جميع ذلك مفصلا غير صوم الصمت وهو أن ينوي الصوم ساكتا بأن يجعل السكوت
وصفا منضما في الصوم بالنية وعلى تحريمه وفاق علمائنا ولا يرد التعبد به في شرعنا فيكون تشريعا محرما وورد في الخبر الزهري وصوم الصمت حرام
وفي صحيحة زرارة المتقدمة لا وصال في صيام ولا صمت يوما إلى الليل ثم الظاهر أن الصوم على هذا الوجه فاسد لأنه قصد عبارة محرمة فتفسد وما أفاده
صاحب المدارك من احتمال الصحة باعتبار صدق الامتثال بالامساك عن المفطرات وتوجه النهي إلى الصمت الخارج عن العبادة فضعفه ظاهر لان
قصده تعلق بالصوم المأخوذ فيه الصمت والتعبد به كما هو معلوم من حال من يصوم صوم الصمت وظهر من تفسيره أيضا وحيث لم يرد الصوم بهذا النحو
في الشرع فيكون اختراعا محرما فاعتبار الامساك عن المفطرات عبارة شرعية والصمت أمرا خارجا عنه منهيا عنه لا وجه له البتة وصوم الأربعة
المذكورين أي الضعيف والولد والزوجة والعبد مع النهي أو عدم الإذن على الخلاف وهذا الكلام يشعر بالخلاف في المملوك والزوجة بدون
الاذن وعبارة المنتهى تدل على اتفاق علمائنا على ذلك وروى زرارة عن الباقر (عليه السلام) جواز صيام العيد وأيام التشريق للقاتل في أشهر الحرم
461

(بل ظاهرها الوجوب) روى الكافي والتهذيب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام قال يغلظ عليه الدية
وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم قلت فإنه يدخل في هذا شئ فقال ما هو قلت يوم العيد وأيام التشريق قال يصومه فإنه
حق يلزمه وقريب منه ما روى في الكافي في الحسن بن إبراهيم عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حكم القاتل في الحرم وقال الشيخ في التهذيب بعد نقل الخبر إلا
أن التحريم إنما وقع على من صام العيدين مختارا مبتدأ فأما إذا لزمه شهران متتابعان على حسب ما تضمنه الخبر فيلزمه صوم هذه الأيام لادخال نفسه
في ذلك وقال العلامة في المنتهى بعد نقل قول الشيخ والصواب عندي خلاف ذلك فإن الاتفاق بين فقهاء الاسلام قد وقع على تحريم صوم
العيدين فإخراج هذا الصورة من حكم مجمع عليه بهذا الحديث مع أن في طريقه سهل بن زياد وهو ضعيف لا يجوز فالأولى البقاء على التحريم وزاد
على ذلك في المختلف إن الخبر قاصر عن إفادة المطلوب إذ ليس فيه أمر بصوم العيد وإنما أمره بصوم أشهر الحرم وليس في ذلك دلالة على صوم العيد وأيام
التشريق يجوز صومها في غير منى أقول ولا يمكن المناقشة مع العلامة (ره) بعدم ضعف سند الخبر الثاني الذي ذكرناه لان كلامه مع الشيخ والشيخ استدل
بالخبر الأول وكذا لا تجدي المناقشة بعدم صراحة الأخبار الدالة على المنع عن صيام العيدين في العموم بحيث
لا يقبل هذا التخصيص وكذا الاجماع المنقول
لان عدم إباء اللفظ عن قبول هذا التخصيص لا يقدح في عدم جواز ارتكابه في الحكم المشتهر الشايع بين المسلمين بحيث يحكم بخطاء مخالفة كل مسلم في بادي
الرأي بمثل هذا الخبر الشاذ النادر من الآحاد وروى إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) صيام التشريق بدلا عن الهدى روى في التهذيب عن إسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) أن عليا (عليه السلام) كان يقول من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصم أيام التشريق فإن ذلك جايز له و
روى أيضا عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أن عليا (عليه السلام) كان يقول من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج وهي قبل التروية بيوم
ويوم التروية ويوم عرفة فليصم أيام التشريق فقد إذن له وعمل ابن الجنيد من أصحابنا بهذين الخبرين وقال الشيخ (ره) بعد ذكر الأخبار الدالة
على المنع وإيراد هذين الخبرين فهذان الخبران وردا شاذين مخالفين لساير الاخبار ولا يجوز المصير إليهما والعدول عن عدة أحاديث إلا
بطريق يقطع العذر ويحتمل أن يكون الرجلان وهما على جعفر بن محمد (عليهما السلام) ذلك وأنهما قد سمعاه من غير ممن ينسب إلى أهل البيت (عليهم السلام) لأنه
قد روى إن هذا كان يقوله عبد الله ابن الحسن ونسباه إليه وهما ولو سلما من ذلك لم يجب العمل بهما لان الأخبار المتقدمة المروية عنده قد عارضت
هذين الخبرين وزادت عليهما بالكثرة ولو تساوت كلها حتى لا مزية بينهما كان يجب إطراح العمل بجميعها والمصير إلى ما رواه أبو الحسن موسى عن
أبيه (عليهما السلام) لان لروايته (عليه السلام) مزية ظاهرة على رواية غيره لعصمته وطهارته ونزاهته وبرائته من الأوهام وروى موسى بن القاسم عن أبي
الحسين النخعي عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن بن الحجاج قال كنت قائما أصلي وأبو الحسن (عليه السلام) قاعد قدامي وأنا لا أعلم فجائه عباد البصري قال
فسلم ثم جلس فقال له يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع ولم يكن له هدى قال يصوم الأيام التي قال الله قال فجعلت سمعي إليهما قال له عباد وأي أيام
هي قال قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة قال فان فاته ذلك قال يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك قال فلا تقول كما قال عبد
الله بن الحسن قال فأي شئ قال قال يصوم أيام التشريق قال إن جعفر كان يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بديلا أن ينادي إن هذه أيام
أكل وشرب فلا يصومن أحد قال يا أبا الحسن أن الله قال فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم قال كان جعفر (عليه السلام) يقول ذو الحجة كله من أشهر
الحج انتهى أقول وما ذكره أخيرا في ترجيح العمل برواية أبي الحسن موسى (عليه السلام) فغير ظاهر لان الراوي في هذين الخبرين أيضا أبو عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام)
عن علي والأئمة (عليهم السلام) كلهم سواء في العصمة والطهارة والنزاهة والبراءة من الأوهام فالأولى الترجيح بصحة سند خبر عبد الرحمن بن الحجاج
دون خبر إسحاق وعبد الله والأقرب المنع فيهما لما ذكرناه عن العلامة في الأول وعن الشيخ في الثاني وفي رواية الزهري عن زين العابدين (عليه السلام)
جعل قسم من الصوم باب التخيير وهو الجمعة والخميس والبيض وستة الفطر وعرفة وعاشوراء وهو يشعر بعدم التأكيد أقول الظاهر من الرواية أنه (عليه السلام)
عبر عن صوم التطوع بالصوم الذي صاحبه بالخيار فلا يبعد ادعاء دلالة تخصيص هذه الافراد بالذكر على تأكدها درس يصام شهر رمضان
وجوبا برواية هلاله لوجوب صيام الشهر بالضرورة من الدين وتحققه برؤية الهلال باتفاق المسلمين ولقوله عز وجل يسئلونك عن الأهلة قل
هي مواقيت للناس والحج فقد ظهر أنه تعالى اعتبر الأهلة في تعرف أوقات الحج وغيره وللاخبار الكثيرة الواردة في أن الصوم للرؤية والفطر للرؤية وإن
انفرد الرائي برؤيته عدلا كان الرائي المنفرد أو لا يكون عدلا ردت شهادته بالرؤية عند الحاكم لعدم العدالة أو سبب آخر أولا بأن لم يشهد
أو شهد ولم ترد لان العدالة وعدم الرد يؤثران في قبول الغير ولا مدخل لذلك في حق نفسه بل مدار حكمه على الجزم الحاصل له بالرؤية ولا
462

مخالف منافي هذا الحكم لا في هلال رمضان ولا في هلال شوال وإنما الخلاف من بعض العامة والأخبار الدالة على هذا كثيرة قد ورد
فيها إذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر وروى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال سألته عن الرجل يرى
الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره له أن يصوم قال إذا لم يشك فيه فليصم وإلا فليصم مع الناس وما ورد من أن الروية ليس أن تقوم عشرة
فتنظروا فيقول واحد هو ذا هو وتنظر تسعة فلا يرونه إذا رآه واحد رآه عشرة وألف فالمراد منه عدم قبول شهادة المنفرد لامارة الكذب و
احتمال الاشتباه ولا يدل على أن الرائي إذا لم يشك فيه لا يلزمه العمل نعم يستبعد حصول الجزم ورفع الشك عنه وهو كلام آخر ويرشد إلى ذلك
قول موسى بن جعفر (عليهما السلام) إذا لم يشك فيه فليصم ثم إذا وجب الصوم على المنفرد بالرؤية فلو أفطره بالجماع ونحوه وجب عليه القضاء والكفارة
كغيره من الأيام لعموم الأدلة الدالة على وجوبهما ونقل في المنتهى الاجماع من علمائنا على ذلك ونسب الخلاف إلى أبي حنيفة باعتبار قياس الكفارة
على الحد فلا تجب في الفعل المختلف فيه وباعتبار أن صوم هذا اليوم حيث لا يجب على الجميع يشبه القضاء فلا تجب فيه الكفارة وفسادهما واضح ولو لم يره ومضى من شعبان ثلاثون يوما جزاء هذا الشرط قوله وجب الصوم وخص من علم الشياع
أو سمع العدلين بالذكر لبيان إن الوجوب على العالم والسامع من غير اعتبار حكم الحاكم ووجه وجوب الصوم لو مضى من شعبان ثلاثون إن الشهر لا
يكون أزيد من الثلاثين البتة وبانقضاء شعبان يدخل شهر رمضان بالضرورة وقد قال عز وعلا فمن شهد منكم الشهر فليصمه أو رؤي شايعا
والمراد بشياع الروية على الظاهر إخبار جماعة بها تأمن النفس من تواطئهم على الكذب ويحصل بخبرهم الظن المتاخم للعلم واعتبر العلامة في المنتهى
حصول العلم فقال ولو رؤي في البلد رؤية شايعه وذاع بين الناس الهلال وجب الصيام بلا خلاف لأنه نوع تواتر يفيد العلم وقريب منه قوله
في التذكرة على ما نقل وزاد فيها بعد قوله يفيد العلم ولو لم يحصل العلم بل حصل ظن غالب بالرؤية فالأقوى التعويل عليه كالشهادتين فإن
الظن الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع وادعى المحقق (ره) في المعتبر وفاق العلماء على الوجوب لو
رؤي شايعا ولكن ليس تفسير الشياع
في كلامه ككلام أكثرهم حيث ذكروا الشياع في ذيل العلامة ثم إن اعتبر حصول العلم فلا ريب في الوجوب معه ولو اكتفى بحصول الظن فإن اعتبرت غلبته
بحيث صار احتمال العدم بعيدا جدا ويحصل ما يقرب العلم العادي فلا يبعد ادعاء كونه في حكم العلم عرفا وشرعا وإن لم تعتبر هذه الغلبة بل اعتبر
مطلق الغلبة أو اعتبر زيادتها على ما يحصل من قول العدلين فالحكم بالوجوب لا يخلو عن إشكال لعدم دليل يدل على اعتبار مثل هذا الظن في الأهلة
شرعا بل ورد ما يدل على عدم اعتبار الظن وعدم جواز البناء عليه في هلال رمضان مضافا إلى العمومات الواردة في المنع عن أتباعه وورد أيضا
ما يدل على حصر الشهادة بالهلال في العدول والشاهدين المرضيين فروى الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا رأيتم
الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية والرؤية ليس أن تقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا هو و
ينظر تسعة فلا يرونه إذ رآه واحد رآه عشرة وألف وإذا كان علة فأتم شعبان ثلاثين وزاد حماد فيه وليس أن يقول رجل هو ذا هو لا أعلم إلا قال ولا خمسون
والتظني أعمال الظن وأصله التظنن أبدل إحدى النونات ياء وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في كتاب علي (عليه السلام) صم لرؤيته
وإياك والشك والظن فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين وعن سماعة في الموثق قال صيام شهر رمضان بالرؤية وليس بالظن وقد يكون شهر
رمضان تسعة وعشرين ويكون ثلاثين ويصيبه ما يصيب الشهور من التمام والنقصان وسيجئ غير هذه الأخبار أيضا مما يدل على عدم اعتبار
الظن وروى الشيخ في الصحيح عن المفضل وزيد الشحام جميعا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأل عن الأهلة فقال هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال
فصم وإذا رأيته فأفطر قلت أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم فقال لا إلا أن تشهد لك بينة عدول فإن شهدوا أنهم
رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم وقد ورد بمضمون هذا الخبر أخبار كثيرة وروى أيضا عن منصور بن حازم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال صم
لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما ر إياه فاقضه وروى عن عبيد الله بن علي الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال
علي (عليه السلام) لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين وبهذا الاسناد عنه (عليه السلام) كان يقول لا أجيز في رؤية الهلال الا شهادة
رجلين ثم ما ذكره في التذكرة فمرجعه إلى القياس وكون اعتبار الشاهدين لأجل إفادة قولهم الظن غير معلوم بل لعله لأجل نص الشارع على اعتبارهما كيف وقد
يحصل من بعض الامارات أقوى مما يحصل من شهادتهما مع عدم اعتباره شرعا ولا يمكن دعوى الأولوية أيضا في صورة الزيادة كما يظهر من كلام صاحب المسالك
في بحث الشهادة في الاستفاضة حيث قال إن اكتفينا بالظن الغالب فللتوقف مجال إلا أن يفرض زيادة الظن على ما يحصل منه بقول الشاهدين بحيث
يمكن استفادته من مفهوم الموافقة بالنسبة إلى الشاهدين الذي هو حجة منصوصة انتهى فتدبر أو شهد به عدلان في الصحو والغيم خلافا للشيخ (ره) في
463

الصحو من البلد كانا أو خارجه والمراد ادعاء وقوع الرؤية في البلد أو خارجه وخالف الصدوق في البلد مع عدم العلة واعلم إن فتاوى الشيخ في كتبه في تلك المسألة لا تخلو عن اختلاف فقال في
المبسوط علامة شهر رمضان رؤية الهلال أو قيام البينة برؤيته فإذا رأى الانسان هلال شهر رمضان وتحققه وجب عليه الصوم سواء رآه معه غيره أو لم يره
وإذا رأى هلال شوال أفطر سواء رآه معه غيره أو لم يره فإن أقام بذلك الشهادة فردت لم يسقط فرضه فإن أفطر فيه وجب عليه القضاء والكفارة ومتى
لم يره ورأى في البلد رؤية شايعة وجب أيضا الصوم فإن كان في السماء علة من غيم أو قتام أو غبار وشهد عدلان مسلمان برؤيته وجب أيضا الصوم فإن لم
يكن هناك علة لم تقبل إلا شهادة القسامة خمسين رجلا ومتى كانت وفي السماء علة ولم ير في البلد أصلا وشهد من خارج البلد نفسان عدلان قبل
قبل قولهما ووجب الصوم وإن لم تكن علة غير أنهم لم يروه لم يقبل من خارج البلد إلا شهادة القسامة خمسين رجلا انتهى وخلاصة كلامه هذا إن مع الصحو
لا يقبل إلا شهادة خمسين رجلا سواء كانوا من البلد أو خارجه ومع العلة تقبل شهادة العدلين من الخارج والداخل وقال في النهاية ومتى رأيت الهلال
في استقبال شهر رمضان فصم بنية الفرض من الغد وإن لم تره لتركك الترائي ورأى في البلد رؤية شايعة وجب أيضا عليك الصوم فإن كان في السماء علة
ولم يره جميع أهل البلد ورآه خمسون نفسا وجب أيضا الصوم ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان بل يلزم فرضه لمن رآه وليس على غيره شئ ومتى كان في السماء علة ولم
ير في البلد الهلال أصلا ورآه خارج البلد شاهدان عدلان وجب أيضا الصوم وإن لم تكن هناك علة وطلب فلم ير لم يجب الصوم إلا أن تشهد خمسون نفسا
من خارج البلد إنهم رأوه انتهى ونسب في المختلف هذا القول إلى ابن البراج أيضا وحاصله إن مع عدم العلة لا تقبل إلا شهادة خمسين من البلد أو خارجه ولا
تقبل شهادة الواحد والاثنين ومع العلة تقبل شهادة العدلين من الخارج ولا تقبل إلا شهادة الخمسين من البلد ومخالفته لما قاله في المبسوط إن
مع العلة لا تقبل شهادة العدلين من البلد وقد قال في المبسوط بقبولها وقوله في المبسوط أظهر من ذلك وقال في الخلاف لا تقبل في هلال رمضان
إلا شهادة شاهدين فأما الواحد فلا تقبل منه هذا مع الغيم فأما مع الصحو فلا تقبل فيه إلا خمسين قسامة أو اثنان من خارج البلد انتهى ومخالفة
للمبسوط والنهاية في قبول شهادة الاثنين مع الصحو من الخارج وقد قال بعدم قبولها فيهما ومخالفته للنهاية خاصة في أن مع الغيم تقبل شهادة
العدلين من البلد وقد مر المنع عن ذلك في النهاية وظاهر كلامه في كتابي الاخبار إن مع عدم العلة لا تقبل من الخارج والداخل إلا شهادة الخمسين
ومع العلة تقبل شهادة العدلين إذا كانا من خارج البلد ومرجعه إلى ما ذكره في النهاية وأبو الصلاح على ما نقله في المختلف اعتبر العلة وعدمها في
قبول الشاهدين وعدمه ولم يعتبر الخارج من البلد والداخل وقال صاحب المدارك قال الشيخ (ره) في المبسوط والخلاف والخلاف لا تقبل مع الصحو إلا خمسون
نفسا أو شاهدان من خارج البلد أقول وأنت خبير بعدم مطابقة ما نقله لما قاله الشيخ في المبسوط كما نقلنا ثم إن
الخمسين الذين اعتبروها لا يخلو عن اشتباه
إذ لو اعتبرت العدالة في الجميع فقل ما يتفق ذلك ولو اعتبر حصول العلم من شهادتهم فلا وجه للتعيين ولو اكتفى بمطلق الخمسين فربما تفيد شهادتهم
ظنا لا يكون أقوى مما يحصل من الشياع الذي هو أدون من شهادة العدلين في باب الشهادات ولو اعتبر اشتمالهم على العدلين فيشكل استنباط
ذلك من النص فإذن لابد من القول بأن اعتبار الخمسين لدفع التهمة ورفع ظن الاشتباه الذي يكون غالبا في الشهود القليلة في باب الهلال باعتبار
مشاركة الكثيرين في الاستهلال وعدم رؤيتهم مع سلامة أبصارهم ففي صورة لا يكون ذلك فيها ينبغي القول بقبول شهادة العدلين كما سيأتي
الإشارة إليه من المصنف (ره) وأما حجة ما ذهب إليه المصنف والمفيد والمرتضى وابن إدريس والمحقق وأكثر الأصحاب من قبول شهادة العدلين في الهلال مطلقا
فما عرف من قضية الشرع من قبول الشاهدين في الاحكام كلها إلا ما شذ والأخبار الكثيرة المتقدمة وغيرها مما ورد بمضمونها وأما حجة من
ذهب إلى اعتبار الخمسين في الصحو فما سيأتي من الخبرين مع تأويلهما وجب الصوم على من علم مضى الثلاثين من شعبان أو علم الشياع أو سمع من العدلين وإن لم
يحكم بهما حاكم كان لم يشهدا عنده أو شهدا ولم يعلم عدالتهما أما لو كان رأيه عدم الثبوت بهما في صورة وكان السامع مقلدا له فلا يمكنه العمل بشهادتهما
ومخالفة من يعمل بفتواه لقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة منصور بن حازم المتقدمة صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته فإن شهد عندك شاهدان
مرضيان بأنهما رأياه فاقضه وغيرهما مما تقدم من الاخبار وفي رواية أبي أيوب يعتبر خمسون مع الصحو واثنان من خارج مع العلة احتج من اعتبر الخمسين مع
عدم العلة بأنه لا يجوز أن ينظر الجماعة إلى مطلع الهلال مع سلامة أبصارهم وارتفاع الموانع فيدركه واحد دونهم كما مضى في صحيحة محمد بن مسلم من
قوله (عليه السلام) والرؤية ليس أن تقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا هو وينظر تسعة فلا يرونه إذا رآه واحد رآه عشرة وألف وكما روى ابن بكير
في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال صم للرؤية وأفطر للرؤية وليس رؤية الهلال أن يجئ الرجل والرجلان فيقولان رأينا إنما الرؤية أن
يقول القايل رأيت فيقول القوم صدقت واحتج أيضا بما رواه أبو أيوب إبراهيم بن عثمان الخراز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له كم يجزي في
464

رؤية الهلال فقال إن شهر رمضان فريضة من فرايض الله فلا تؤدوا بالتظني وليس رؤية الهلال أن تقوم عدة فيقول واحد قد رأيته ويقول
الآخرون لم نره إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه ألف ولا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين وإذا كانت
في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر وبما رواه حبيب الخزاعي أو الجماعي على اختلاف النسخ قال قال أبو عبد الله (عليه السلام)
لا يجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة وإنما يجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا إنهما
رأيا وأخبرا عن قوم صاموا لرؤيته والجواب عن الأول كما أفاده العلامة في المختلف إنه استبعاد محض فجاز أن تختلف الابصار بالقوة والضعف والعلم بمطلعه
أو وقوع النظر عليه اتفاقا ثم تعرض له غيبوبة لعلة أو لقلة زمانه على تقدير أن يقع نظره إليه في آخر وقت كونه فوق الأفق نعم ذلك يؤكد ما ذكرناه
من رد الشهادة مع التهمة لا مطلقا وأما الخبر الأول فالظاهر صحة طريقه كما وصفه بها في المختلف وحكمه في المنتهى بالضعف لعله باعتبار الكلام الذي
في يونس بن عبد الرحمن ولكنه لا يصلح لمعارضة ما ذكرناه من الاخبار الكثير المعتضدة بالشهرة بين الأصحاب ويجب تأويله بما أفاده المصنف جمعا و
كذا الكلام في الخبر الثاني مع ضعف طريقه وأجاب المحقق (ره) في المعتبر عن التمسك بالخبرين بأن اشتراط خمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم ثم لا
يفيد اليقين بل قوة الظن وهي تحصل بشهادة العدلين وبالجملة فإنه مناف لما عليه عمل المسلمين كافة فكان ساقطا وما ذكره من عدم إفادته للعلم
فغير مسلم إلا أن يكون مراده في بعض الصور وحملت على عدم العلم بعدالتهم أو على التهمة لما عرفت وقال خالي طاب ثراه بعد نقل هذين الحملين عن المختلف
ولعل الأقرب في تأويل هذه الأخبار أن تحمل على صوره لا يحصل الظن بقولهم كما إذا ادعوا الوضوح ولم يره الباقون مع سلامة أبصارهم وقوتها
وارتفاع الموانع عنهم بل قد يحصل العلم بخلاف قولهم انتهى وأقول ما ذكره داخل في التهمة التي ذكرها العلامة والمصنف فما ذكراه أتم وأظهر واجتزء
سلار بالواحد في أوله بالنسبة إلى الصوم خاصة لا في حلول الدين وانقضاء العدة ونحوهما ولا في هلال شوال بالأصالة وإن قال بثبوتية تبعية
رمضان بعد انقضاء ثلاثين منه وهذا أحد قولي الشافعي واحدى الروايتين عن أحمد واختيار ابن مبارك واحتج له العلامة (ره) بما رواه محمد بن قيس
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا رأيتم الهلال فافطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين وإن لم ترو الهلال إلا من وسط النهار
أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل وإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا والظاهر صحة بعض هذا الخبر وإن حكم في المختلف بعدم حجيته باعتبار اشتراك
محمد بن قيس بين جماعة منهم أبو أحمد وهو ضعيف فإن رواية يوسف بن عقيل عنه تشهد بأنه البجلي الثقة صاحب كتاب القضايا المعروف كما يظهر من
الرجال نعم الاختلاف الذي في متنه ربما أفاد وهنا في التمسك به فإنه مذكور في موضعين من التهذيب وكذا في الاستبصار ففي موضع كما ذكرناه
على وفق الفقيه وفي موضع بهذه الصورة واشهدوا عليه عدولا من المسلمين وعلى هذا فلا دلالة فيه أصلا على قبول قول الشاهد الواحد
إن لم نقل بأنه يدل على خلافه في موضع هكذا أو تشهد عليه بينة عدل من المسلمين والظاهر من البينة العدل الاثنان العادلان فلا دلالة فيه
أيضا واحتج أيضا بما رواه ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله من الحيرة فقال إني رأيت الهلال فقال أتشهد أن لا إله إلا الله قال نعم
فقال أتشهد أن محمد رسول الله قال نعم قال يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا وبما رواه ابن عمر قال ترائى الناس الهلال فأخبرت رسول الله
صلى الله عليه وآله إني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام وبأن الاحتياط للعبادة تقتضي قبول الواحد وبأنه خبر عن وقت فريضة فيما طريقه المشاهدة
فقيل عن الواحد كالخبر بدخول وقت الفريضة وبأنه خبر عن أمر ديني يشترك فيه المخبر والمخبر فقبل فيه الواحد كالرواية وبأن شهادة الواحد تفيد
الرجحان لكونه من رمضان ومرجوحية كونه من شعبان ولا يجوز عقلا العمل بالمرجوح فتعين العمل بالراجح إذ لا خروج عن النقيض عملا وإبطالا
والجواب إن الرواية الأولى مع عدم صراحتها لان العدل كما يصدق على الواحد يصدق على الكثير كما نص عليه أهل اللغة تدل على قبول الواحد
في هلال شوال وهو خلاف ما ذهب إليه سلار بن عبد العزيز والروايتين الأخيرتين مع ضعف سندهما يشتركان في أنهما حكاية حال فلعله صلى
الله عليه وآله عرف ذلك من غير الواحد أيضا ولم يطلع الراوي على ذلك مع أن الثانية تخالف أصولنا باعتبار دلالتها على قبول قول الشاهد
بمحض الاقرار بالشهادتين وبالجملة هذه الأخبار لا تصلح لمعارضة الأخبار الكثيرة المتقدمة وغيرها الدالة على اعتبار العدلين والاحتياط
يفيد رجحان الصيام بقصد إنه من شعبان لا الحكم بوجوبه من رمضان مع استلزامه لعدم الاحتياط باعتبار الافطار في آخر الشهر ولما روى
عن علي عليه السلام إنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من الحق في رمضان يوما من غيره متعمدا فليس بمؤمن بالله ولا بي وحكم الأصل في القياس
الأول ممنوع والفرق بين الرواية والشهادة معلوم مقرر فلا يمكن قياس الشهادة عليها والرجحان الحاصل من شهادة الواحد لا يعارض
465

استصحاب شعبان وأصل البراءة وإلا لوجب العمل بشهادة العدل مطلقا بل بشهادة الفاسق وغيره أيضا مع ما في أخبار الواحد مع مشاركة الناس له في الطلب من ظن الاشتباه فلا
يحصل الرجحان الذي ادعاه واجتزء المرتضى برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال فيكون الهلال المرئي قبل الزوال لليلة الماضية على رأيه لرواية حماد
وهي حسنة إبراهيم بإبراهيم بن هاشم لكنها معارضة بأخبار كثيرة منها صحيحة محمد بن قيس المتقدمة قال العلامة في المختلف قال السيد المرتضى في المسايل
الناصرية لما ذكر قول الناصر إنه إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية هذا صحيح وهو مذهبنا ثم قال في المختلف وادعى السيد المرتضى
إن عليا (عليه السلام) وابن مسعود وابن عمر وأنس قالوا به ولا مخالف لهم وقرب في المختلف اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر كما سيأتي ذكره وتردد المحقق
في ذلك المعتبر والنافع وحكم في الشرايع بعدم اعتباره وقال صاحب المدارك تردده في الكتابين في محله وقرب خالي طاب ثراه اعتباره مطلقا كما هو رأي السيد
وباقي الأصحاب على عدم اعتباره وقال خالي القول باعتباره ظاهر الكليني والصدوق وأقول لا يخلو عن ذلك عن تأمل لان الشيخ الكليني ذكر في الكافي في
باب الأهلة والشهادة عليها الاخبار الشاذة في حكم الهلال وذكر من جملتها خبر حماد والقول بأنه يقول باعتبار جميعها مع تنافر بعضها البعض لا يخلو
عن بعد وأما الصدوق فذكر في الفقيه في باب الصوم للرؤية والفطر للرؤية صحيحة محمد بن قيس المتقدمة الدالة على عدم اعتبار الرؤية قبل الزوال و
ذكر في باب ما يجب على الناس إذا صح عندهم بالرؤية يوم الفطر بعدما أصبحوا صائمين كلاما يدل على اعتبارها ولكن لا يعلم إنه من تتمة خبر مرسل أو فتواه
وقال في المقنع إذا رأيت الهلال من وسط النهار أو آخره فأتم الصيام إلى الليل وإن غم فعد ثلاثين ثم أفطر وقال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا رأوا الهلال
قبل الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان انتهى ولا ريب إن ما ذكره أولا يدل على عدم اعتبار الرؤية قبل الزوال وهو مضمون قول أبي جعفر (عليه السلام)
في صحيحة محمد بن قيس والظاهر أنه حمل الهلال في ما رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام) على هلال شوال حتى يوافق الأول ولو حمل على هلال شهر رمضان لكان منافيا
له إلا أن يجعل حكم الرؤية في الصوم مخالفا لحكمها في الفطر وهو مستبعد جدا والأقرب عندي ما اشتهر بين الأصحاب والدليل عليه الأصل والاستصحاب
وما يستفاد من المشاهدة والشواهد الحسية ويعلم من مجاري العادات والضوابط الحسابية ثم ظاهر قوله عز من قائل ثم أتموا الصيام إلى الليل فأوجب
بظاهر اللفظ وجوب إتمام الصيام إلى الليل بعد الدخول فيه فلا يجوز الافطار والخروج عن الصوم لرؤية الهلال في أثناء النهار ثم الأخبار الكثيرة
البالغة حد التواتر الواردة في أن الصوم للرؤية وما في معناه وإن العبرة بالرؤية أو الشهود ومضى ثلاثين لا غير ومن المعلوم إن المراد
بالرؤية الرؤية المعهودة المتقدمة على اليوم المبحوث عنه كيف ولو كان المراد مطلق الرؤية لوجب تقييده بما قبل الزوال لهذا اليوم وبما بعده لليوم الآتي
ومثل هذا الاجمال في مقام بيان الحكم الشرعي غير سديد وأيضا كل ما ورد من الاخبار في العلامات كالرؤية قبل الزوال والتطوق وظل الرأس وغيرها
يتضيق المستفادة حكم الليلة السابقة من العلامة فيفهم إن مناط الاعتبار بالليلة المتقدمة فلا بد من أن يكون المراد بالرؤية الواردة في هذه
الضابطة الكلية الشرعية الرؤية التي تفيد حكم الليلة بصريح فهم الناس وهي ما ذكرناه وقال خالي طاب ثراه إن هذه الأخبار التي تكاد تبلغ حد التواتر
يصلح التأييد قول السيد وأقول ضعف هذا التأييد قد ظهر مما عرفت ثم صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ودلالته على المطلوب واضحة كما أطبق عليه الباحثون
عن الاخبار الحاملون للآثار من الفقهاء الكبار والعلماء الأخيار وأفاد خالي إن قول أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الصحيحة وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار
وآخره قاموا الصيام إلى الليل دليل ما اختاره من قول السيد وقال وجه الدلالة إن لفظ الوسط يحتمل أن يكون المراد منه بين الحدين ويحتمل أن يكون
المراد منه منتصف ما بين الحدين أعني الزوال لكن قوله أو آخره شاهد على الثاني فيكون الخبر بمفهومه دالا على قول السيد انتهى أقول من
المقرر المعلوم إن أهل العرف واللغة قاطبة يعبرون عن قدر من النهار يعادل ثلاثة تقريبا أو أنقص منه بأول النهار وعن مثل ذلك القدر منه أو أزيد
بوسطه وعن مثل ذلك بآخره وعلى هذا فلا خفاء في معنى الكلام وفهم المرام على وجه يدل بمنطوقه على خلاف قول السيد وإنما بقي الكلام في تخصيص الوسط
والاخر بالذكر ووجهه ظاهر لتعذر وقوع الرؤية بقدر زمان طلوع الهلال من أول النهار وندرة وقوعها بعده إلى الوسط خصوصا مع عدم وقوعها
في الليلة المتقدمة كما هو المفروض ثم التعرض لحكم وقوع الرؤية في الان الذي لا يقبل القسمة من الزوال مع أنه مما يتعذر العلم به عادة وعدم التعرض
صريحا لحد وقوعها في النصف الأول من النهار كما يلزم مما فهمه (ره) مستبعد جدا وأيضا يلزم إهمال المهم
من حكم رؤية الهلال قبل الزوال والتعرض لما
لا يهم من حكم رؤيته بعده واعلم إن أسلوب الكلام في هذا الخبر الشريف أعدل شاهد بأن المراد من قوله (عليه السلام) إذا رأيتم الهلال فأفطر وأما ذكرناه
سابقا في المعنى الفطر للرؤية لا ما فهمه (ره) عن جراح المدايني قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) من رأى هلال شوال بنهار في رمضان فليتم
صوم يومه استدلال إن قوله (عليه السلام) من رأى هلال شوال بنهار عام شامل لمن رآه قبل الزوال وبعده بل الظاهر أن المقصود بالإفادة حكم القبل لان حكم
466

البعد أظهر في عهده (عليه السلام) بين المسلمين من أن يحتاج إلى البيان وقال خالي طاب ثراه إن هذه الرواية ضعيفة لا تصلح لمقاومة الأخبار الدالة على خلافها
ولو سلمت عن ذلك كان نسبتها إليها نسبة العام إلى الخاص فتخصص بها وتحمل على الغالب من تحقق الرؤية بعد الزوال على أن المذكور في الرواية من رأى هلال
شوال في رمضان ولقايل أن لا يسلم إن الرؤية قبل الزوال رؤية في رمضان انتهى أقول أما ضعف سند هذه الرواية فغير ظاهر لان أصحاب الرجال لم ينصوا على
القاسم بن سليمان وجراح المدايني بجرح ولا تعديل وذكر وهما من الصحابة وإن لكل منهما كتابا يرويه عنه فلان فلا يبعد عدها من الحسان وأما عدم
صلاحيتها للمقاومة ففيه أنها مؤيدة للآية الكريمة والأخبار الكثيرة التي منها الصحيح والكل تصلح للمقاومة كل الصلاح وقد عرفت وجه ضعف التخصيص
الذي ذكره وما أفاده من عدم تسليم إن الرؤية قبل الزوال رؤية في رمضان فغريب جدا لان المراد بنهار رمضان في قوله (عليه السلام) من رأى هلال شوال
بنهار في رمضان إن كان اليوم الذي يحكم بكونه من رمضان مع قطع النظر عن هذه الرؤية فيصدق على اليوم الآخر الذي وقعت الرؤية فيه قبل الزوال البتة
وإن كان اليوم الذي يحكم بكونه من رمضان بعد الرؤية أيضا فيلزم الدور إن كان العلم بكونه من رمضان بعد الرؤية من نصب هذه العلامة وإن كان
من الخارج فيصير حاصل الكلام إن من رأى هلال شوال بنهار رمضان رؤية يعلم من الخارج أنها ليست تؤثر في رفع حكم الصوم فليتم صومه ولا ريب في أن الكلام والإفادة على هذا الوجه معاذ الله لغو لا ينبغي أن يصدر عن عاقل فضلا عن الصادقين (عليهما السلام) اللذين أحاطوا بعلوم الأولين والآخرين ثم ما
رواه الشيخ عن محمد بن عيسى قال كتبت إليه (عليه السلام) جعلت فداك ربما غم علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال وربما رأيناه
بعد الزوال فترى إن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا وكيف تأمرني في ذلك فكتب (عليه السلام) تتم إلى الليل فإنه إن كان تاما
لرؤى قبل الزوال وجه الدلالة ان المراد بهلال شهر رمضان في قول السايل الهلال الذي يطلب في شهر رمضان يعني هلال شوال بقرينة جعله الأصل
الصيام وسؤاله عن الافطار باعتبار تجدد أمر يحتمل أن يوجبه أعني رؤية الهلال ومن البين إن الهلال الذي يحتمل أن يوجب رؤيته الافطار هو هلال شوال دون هلال شهر رمضان ويؤيده ما وقع في بعض نسخ
الاستبصار بهذه الصورة ربما غم علينا الهلال شهر رمضان وأيضا أمره (عليه السلام) في الجواب بإتمام الصيام وبيان ذلك بقوله فإنه إن كان تاما لرؤى قبل
الزوال أعدل شاهد على ذلك حاصل الجواب أنه يجب عليه إتمام الصيام فإن هذا اليوم من شهر رمضان لان الشهر إن كان تاما بالغا إلى الثلاثين
لرؤي الهلال الجديد في يوم آخره قبل الزوال كما هو المعلوم من الضوابط الحسابية فلا توجب هذه الرؤية أن يكون هذا اليوم من شهر شوال
ويجب علينا فيه الافطار وذكر خالي هذا الخبر في جملة الاخبار التي تؤيد قول السيد وقال وجه التأييد إن المسؤول عنه هلال رمضان لا هلال
شوال ومعنى التعليل إن الرؤية قبل الزوال إنما تكون إذا كان الهلال تاما وتمامية الهلال أن يكون بحيث يصلح للرؤية في الليل السابق أو المراد
إن شهر رمضان أو الشهر الذي نحن فيه إذا كان تاما يعني إذا تم وانقضى رؤي الهلال الجديد قبل الزوال انتهى أقول ارتكاب المجاز الشايع المتعارف في
هلال شهر رمضان في قول السايل كما ذكرناه أهون بكثير من حمل كلام الإمام (عليه السلام) في الجواب على الألغاز والتعمية كما أفاده (ره) وأيضا ما ذكره من
إرجاع ضمير أنه إلى شهر رمضان فغير سديد لان السؤال على ما فهمه عن رؤية هلال شهر رمضان في اليوم الآخر من شهر شعبان فكيف يصح في الجواب أن
يقال إن شهر رمضان إذا تم وانقضى رؤي هلال شوال قبل الزوال إلا أن يكون بناء الكلام على المقايسة وهو كما ترى وقس عليه ارجاعه إلى
الشهر الذي نحن فيه إذ ليس في الذكر السابق منه عين ولا أثر فهو خارج عما نحن فيه وأيضا الشهر الذي تم وانقضى على فرضه ليس الشهر الذي
نحن فيه إلا بنوع من المجاز فلم لا يرتكبه ولا حتى لا يحتاج إلى تجشم هذه الزحمات وارتكاب تلك التكلفات ثم ذكر طاب ثراه إن حمل هلال شهر
رمضان على شوال بعيد جدا مع تنافره عن أسلوب العبارة أيضا على أن المذكور في العبارة الافطار قبل الزوال وتقييد الافطار بكونه قبل
الزوال لا يستقيم على تقدير الحمل على هلال شوال بخلاف هلال رمضان فإن الافطار بعد الزوال في الصيام المستحب مما نهى عنه ولو حمل هلال
شهر رمضان على شوال وجعل معنى التعليل إن الشهر إذا كان تاما بالغا إلى الثلاثين رؤي الهلال قبل الزوال لم ينطبق على مجاري العادات الأكثرية
والشواهد النجومية بخلاف ما ذكرنا من معنى التعليل انتهى أقول أما البعد فلم يبلغ حدا لا ينبغي ارتكابه كما عرفت مفصلا وأما التنافر عن
أسلوب العبارة فهو على تفسيره (ره) لا على هذا التفسير وتقييد الافطار بقبل الزوال لبيان حال الرؤية لان الافطار لا يكون إلا بعد الرؤية و
فايدة تقييد الرؤية بكونها قبل الزوال لأجل أن السايل يعلم أن الرؤية بعد الزوال لا يوجب الافطار وإنما أراد استعلام حال الرؤية السابقة وهذا
الوجه لبيان فايدة التقييد أظهر وأقرب إلى الفهم مما أفاده (ره) فيه وما ذكره للقدح في بيان معنى التعليل على هذا الوجه من أنه لم ينطبق على مجاري
العادات الأكثرية والشواهد النجومية ففيه خلط لان وقوع الرؤية قبل الزوال أحيانا عند تمامية الشهر وبلوغه إلى الثلاثين يكفي لعدم
467

جواز الافطار بمجرد وقوع الرؤية قبل الزوال لان الأصل بقاء الشهر وتكليف الصيام فلا يمكن الخروج عنه إلا بالجزم بانقضاء الشهر وهو لا يحصل مع
تطرق هذا الاحتمال نعم يرد ذلك على الوجه الذي أفاده (ره) للتعليل إذا أفاده (ره) للتعليل إذ لا بد له من الحكم الكلي بأن الهلال إذا رؤي قبل الزوال كان في الليلة السابقة
قبل الغروب كاملا بالغا حد الرؤية حتى يسوغ لنا الافطار والخروج عن حكم الأصل بهذه الرؤية وذلك مما لا
يساعده الضوابط الحسابية والشواهد
النجومية بل يعلم خلافه منها ثم ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين
من شعبان فقال لا تصمه إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه وإذا رأيته وسط النهار فأتم صومه إلى الليل يعني بقوله (عليه السلام) أتم
صومه إلى الليل على أنه من شعبان دون أن ينوي أنه من رمضان وجه الدلالة إن الظاهر أن قول يعني انتهى من كلام إسحاق بن عمار ومن البين أن المخاطب
السائل عن الحكم الشرعي يفهم من كلام المتكلم المجيب الهادي الامام بمعونة القراين الحالية والمقالية ما لا يفهم غيره من السامعين للخبر والرواية
وإذا كان المراد ما ذكره فدلالته على المقصود واضحة وأيضا وسط النهار يشتمل على وجوب شئ مما بعد الزوال كما عرفت فلا يمكن حمل الامر
بالاتمام على الوجوب بنية رمضان مطلقا بالاتفاق وحمله على الطلب المطلق الذي يكون في بعض الصور بعنوان الوجوب بنية رمضان وفي بعضها
على وجه الندب بنية شعبان إجمال مخل بالتفاهم ولا يليق بالامام المفيد للأحكام الشرعية فلا بد من حمله على الندب بنية شعبان مطلقا كما فهمه السائل
وهو المطلوب وذكر خالي طاب ثراه هذا الخبر إلى قول يعني في عداد مؤيدات قول السيد وأنت خبير بأنه لو لم يكن دالا على خلاف قوله فلا يتصور
تأييده لقوله لان الوسط على ما حققه طاب ثراه أما إن الزوال أو مجموع النهار وعلى التقديرين لا يمكن حمله على الوجوب بنية رمضان بل لا بد من حمله
على الندب بنية شعبان على الأول وعلى الطلب المطلق على الثاني ولا تأييد فيه لقوله على التقديرين وأما دليل قول السيد فما رواه الشيخ (ره)
في الحسن بن إبراهيم عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة
وما رواه في الموثق عن عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير قالا قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال
وإذا رؤي بعد الزوال فهو من شهر رمضان والجواب ما قاله الشيخ في التهذيب بعد نقل هذين الخبرين بقوله فهذان الخبران مما لا يصح الاعتراض بهما
على ظاهر القرآن والأخبار المتواترة لأنهما غير معلومين وما يكون هذا حكمه لا يجب المصير إليه ثم ذكر وجها للجمع بين الاخبار كما هو رأيه (ره) لا يخلو
عن بعد ويمكن حملهما على التقية أيضا لموافقتهما لمذهب بعض العامة حيث قال في المنتهى قال بعضهم إن رؤي قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإن
رؤي بعده فهو للمستقبلة وبه قال الثوري وأبو يوسف ثم أيد خالي (ره) ما اختاره بادعاء السيد إن هذا قول علي (عليه السلام) فإنه يدل على ثبوت ذلك
عند السيد بالقطع حيث لا يعمل بأخبار الآحاد والظنون و أقول أولا لو صح ذلك لوجب العمل بجميع أقوال السيد لجريان مثل هذا الوجه في الجميع مع أنه طاب ثراه لا يوافق رأيه رأي السيد في أكثر المسائل
الفرعية الخلافية وثانيا إن ضم ابن مسعود وابن عمر وأنس إلى علي (عليه السلام) أجلى قرينة على أن غرض السيد الاحتجاج على العامة بما ورد في
رواياتهم فلا يزيد ذلك على ورود خبر من طرق العامة يتضمن إسناد ذلك إلى علي (عليه السلام) وأيضا قد روى الشيخ خلاف ذلك في الخلاف فقال
روى عن علي (عليه السلام) وعمر وابن عمر وأنس إن كلهم قالوا أنه لليلة القابلة ولا مخالف لهم يدل ذلك على أنه إجماع الصحابة ثم أيده بما رواه الكليني (ره)
عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن المغيرة يزعمون أن هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة فقال كذبوا هذا اليوم لهذه الليلة
الماضية إن أهل بطن نخلة لما رأوا الهلال قالوا قد دخل الشهر الحرام وأقول يؤيد هذا الخبر على الظاهر ما اخترناه لا ما اختاره طاب ثراه وهو
أعلم بما قال والمسؤول من الله جل اسمه التأييد في كل حال وعمل بها أي بحسنة حماد الفاضل في المختلف وإن خالفها في المنتهى في أوله أي أول
شهر رمضان خاصة لا في شهر شوال بالتبعية ولا بالأصالة فلو لم يرى الهلال أي هلال شوال ليلة أحد وثلاثين من أول شهر رمضان المعلوم
بالرؤية قبل الزوال صام يوم الحادي والثلاثين وكذا لو رؤي هلال شوال يوم ثلاثين من رمضان قبل الزوال صام ذلك اليوم قال (ره) في المختلف
بعد نقل خلاف السيد والشيخ والأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر واحتج بأنه أحوط للعبادة فكان أولى ثم ذكر أخبار الطرفين والأبحاث
ثم قال لا يقال الأحاديث التي ذكرتموها تقتضي المساواة في الصوم والفطر لأنا نقول الفرق إنما هو الاحتياط للصوم وهو إنما يتم بما فصلناه نحن
إذا عرفت هذا فنقول إذ رؤي في أول الشهر قبل الزوال ولم ير ليلة أحد وثلاثين هلال شوال وجب صومه إن كان هذا الفرض ممكنا أو حصلت علة
لان الاحتياط للصوم متعين فلا يجوز الاقدام على الافطار بناء على مثل هذه الروايات المفيدة للظن المعارضة بمثلها انتهى أقول إن أراد بالعمل بالاحتياط
في أول الشهر أنه لا بد أن يصام بنية أنه من رمضان وجوبا فهو مشكل لان الحكم بوجوب الصوم لا يمكن من هذه الأخبار كما ذكره في الفطر بعينه خصوصا
468

مع ملاحظة ما ورد في حرمة صوم يوم الشك بنية رمضان وجوبا وإن من الحق في رمضان يوما من غيره متعمدا فليس بمؤمن بالله ولأبي وأيضا خبر عبد الله بن بكير ورد
صريحا في خصوص الفطر وخبر حماد مطلق فكيف يمكن الحكم بها في الصوم دون الفطر وأيضا لا يمكن الحكم بأنه من رمضان مع أن اليوم الحادي والثلثين منه ليس من
شوال ومن البين إن نية الوجوب وأنه من رمضان من دون الحكم بذلك شرعا مما لا يتصور وإن أراد إن الأولى أن يصام بنية الصوم المطلوب شرعا تقربا إلى الله تعالى
فهو مما لا ريب فيه وليس محلا للمنازعة والمخالفة قطعا وإن أراد أنه يجب صومه كذلك من باب الاحتياط وتحصيل اليقين ببراءة الذمة فالحكم بذلك الوجوب
مشكل وقد مر البحث عنه مفصلا في صيام يوم الشك وقد قال في المنتهى بعد نقل هذا القول الذي اختاره في المختلف في المختلف عن أحمد واحتياط أحمد باطل إذ الاحتياط إنما يعتبر
مع دليل أما مع عدمه فلا ولهذا لو اشتبه عليه الفجر لم يجب عليه الامساك احتياطا انتهى وظاهر هذا الكلام أيضا لا يخلو عن تأمل وإن أمكن تصحيحه بعد التأمل
ثم الظاهر من كلامه (ره) في المختلف إن الصوم في الاخر أيضا من باب الاحتياط ولكن ليس كذلك لان في الصيام احتمال الاتيان بصوم يوم العيد كما إن في الافطار
احتمال الاقدام على فطر آخر يوم من رمضان والكل محظور منهي عنه نعم في الافطار مظنة وجوب القضاء والكفارة دون الصيام وهو تسهيل الامر في العاجل و
ربما كان أثم صيام العيد أكبر عند الله تعالى من أثم فطر يوم من رمضان ولا سبيل للعقل إلى تحديد أمثال هذه الأمور والصدوق جعل غيبوبته بعد الشفق المغربي
علامة كونه لليلتين ورؤية ظل الرأس فيه علامة كونه لثلاث ليال قال (ره) في المقنع أعلم إن الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق
فهو لليلتين وإذا رؤي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال ولعله مستنده في ذلك ما رواه إسماعيل بن الحر وهو مجهول الحال عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا
غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلته وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين ورواه أيضا بعينه عبد الله بن الحسين بن الصلت الخزاز وهو أيضا مجهول وما رواه
محمد بن مرازم في الصحيح عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا تطوق الهلال فهو لليلتين وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ونسب الصدوق وفيه أيضا
اعتبار التطوق إلى الرواية وتبعه الشيخ في كتابي الاخبار إذا كان هناك علة وجعل التطوق بظهور النور في جرمه مستدير لليلتين عند العلة أيضا
قال (ره) في التهذيب بعد نقل الخبرين فهذان الخبران وما يجري مجراهما مما هو في معناهما إنما تكون أمارة على اعتبار دخول الشهر إذا كان في السماء علة من غيم
وما يجري مجراه فجاز حينئذ اعتباره في الليلة المستقبلة بتطوق الهلال وغيبوبته قبل الشفق أو بعد الشفق فاما مع زوال العلة وكون السماء مصحية فلا يعتبر هذه الأشياء
ويجري ذلك مجرى شهادة الشاهدين من خارج البلد إنما يعتبر شهادتهما إذا كان هناك علة ومتى لم تكن هناك علة فلا يجوز اعتبار ذلك على وجه
من الوجوه بل يحتاج إلى شهادة خمسين نفسا حسب ما قدمناه ونحن متى استعملنا هذه الأخبار في بعض الأحوال برئت عهدتنا ولم نكن دافعين لها
انتهى ثم ليس في صريح كلامهما إن اعتبار هذه العلامات في أول شهر رمضان خاصة لأجل القضاء على من أفطره استظهارا واحتياطا للصوم ويعتبر في
الفطر أيضا في أول شوال بالتبع وإن كان ظاهر إطلاق اللفظ هو الثاني ولا تنفع هذه العلامات في الفطر بالأصالة البتة والمشهور عدم اعتبار الثلاثة
غيبوبته بعد الشفق ورؤية ظل الرأس فيه والتطوق لما قاله الشيخ في المبسوط إن ذلك يختلف بحسب اختلاف المطالع والعروف أيضا هذان الخبران لا يصلحان
لمقاومة الأصل والاستصحاب والقرآن العزيز والأخبار الكثيرة السالفة مع شهادة المشاهدة والاعتبار بخلافهما ويمكن حملهما أيضا على بعد على أن
المراد بيان ما هو الغالب في ذلك لا الدوام الذي يعتبر في العلامة وبناء الحكم الشرعي ومال خالي طاب ثراه إلى العمل بمدلول الخبرين وأيده أيضا بما رواه
العيص بن القاسم في الصحيح قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الهلال إذ رآه القوم جميعا فاتفقوا على أنه لليلتين أيجوز ذلك قال نعم أقول وقد عرفت
البحث عن الخبرين وأما صحيحة ابن القاسم فلا تأييد فيها إذ لا يبعد أن يكون المشار إليه لذلك في قول السائل أيجوز ذلك البناء على هذه الرؤية مع حكمهم
بأنه لليلتين فأجاب (عليه السلام) بالجواز وعلى هذا فيؤيد خلاف ما ادعاه طاب ثراه أو يكون المشار إليه أصل الحكم بأنه لليلتين باعتبار علو الدرجة
أو عظم الجرم كما هو المتعارف من دون أن يجعلوه مناطا للحكم الشرعي ويحتمل أيضا أن يكون اتفاقهم على الرؤية السابقة ويكون ذلك منهم إخبارا
بالغا حد الشياع فحكم (عليه السلام) بجواز البناء عليه ومع تطرق الاحتمالات يشكل التمسك بها في مثل هذا الحكم المخالف للأصول الشرعية ويؤيد القول المشهور
أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي علي بن راشد بإسناد لا تأمل فيها إلا باعتبار محمد بن عيسى قال كتب إلى أبو الحسن العسكري (عليه السلام) كتابا وأرخه يوم الثلاثاء
لليلة بقيت من شعبان وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومائتين وكان يوم الأربعاء يوم شك وصام أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس
ولم يغب إلى بعد الشفق بزمان طويل قال فاعتقدت إن الصوم يوم الخميس وإن الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء قال فكتب إلي زادك الله توفيقا فقد صمت
بصيامنا قال ثم لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبت إليه فقال لي أو لم أكتب إليك إنما صمت الخميس فلا تصم إلا للرؤية ثم في بعض نسخ التهذيب أول الحديث هكذا
قال كتبت إلى أبي الحسن العسكري (عليه السلام) كتابا ولعله أظهر وعلى النسخة الأولى فالظاهر من السياق إن الراوي ترك ذكر كتاب آخر كتبه إليه (عليه السلام) بعدما اعتقد إن
469

الصوم يوم الخميس وسأله عن ذلك وما كتبه (عليه السلام) إليه من قوله زادك الله توفيقا إلى آخره كان جواب كتابه وحاصل الخبر إن الراوي ظن من غيبوبة الهلال
ليلة الخميس بعد الشفق بزمان طويل إن أول الشهر كان في الواقع يوم الأربعاء والصوم وقع في الخميس باعتبار خفاء الهلال ليلة الأربعاء لغيم أو قتام فسأل الإمام (عليه السلام)
عن ذلك فأجابه بأن صيامنا أيضا كان يوم الخميس ولا صوم إلا للرؤية ولا عبرة بالغيبوبة ودلالته على القول المشهور واضحة وحكم خالي بعدم دلالة هذا الخبر
على المشهور ووجهه غير ظاهر كما ترى ولا عبرة على المشهور بين الأصحاب بالعدد وهو نقيصة شعبان أبدا وتمام رمضان أبدا هذا هو المشهور في تفسير العدد وقد
يطلق على عد شهر تاما وشهر ناقصا في جميع السنة وهو قريب من الجدول وعلى عد خمسة من هلال الماضية وسيأتي ذكره وعلى عد تسعة وخمسين من هلال
رجب كما ورد في بعض الاخبار وعلى عد كل شهر ثلاثين ثلاثين وهو قول الأكثر مع الغيم والعلة وقد وردت في اعتبار العدد بالتفسير الذي ذكره المصنف (ره)
أخبار منسوبة إلى أهل البيت (عليهم السلام) ولكنها معارضة بأكثر وأصح وأقوى منها مع شهادة صريح المشاهدة والعيان بخلافها فإن شهر رمضان شهر من
الشهور يصيبه ما يصيب ساير الشهور من التمام والنقصان وكذا شهر شعبان وقد أورد الشيخ الروايات المتعارضة في كتاب الاخبار وبين وجه الجمع بينها
والقول فيها بما لا مزيد عليه ونعم ما استدل به في التهذيب على نفي القول بالعدد على ما ذهب إليه قوم من شذاذ المسلمين من قول الله عز وجل يسألونك
عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج فبين الله تعالى أنه جعل هذه الأهلة معتبرة في تعرف أوقات الحج وغيره مما يعتبر فيه الوقت ولو كان الامر على ما
يذهب إليه أصحاب العدد لما كانت الأهلة مراعاة في تعرف هذه الأوقات إذا كانوا يرجعون إلى العدد دون غيره وهذا خلاف التنزيل والمناقشة بأن
الأهلة الضبط الأوقات بحيث يمكننا لرجوع إلى العدد الخاص في هذا الوقت المخصوص لا يجدي إذ لا ريب في إمكان ضبط الأوقات بأسماء الشهور من
غير حاجة إلى الأهلة ثم استدل أيضا بما هو معلوم كالاضطرار غير مشكوك فيه من شريعة الاسلام من فرغ المسلمين في وقت النبي صلى الله عليه وآله
ومن بعده إلى هذا الزمان في تعرف الشهور إلى معاينة الهلال ورؤيته وما يثبت أيضا من سنة النبي صلى الله
عليه وآله أنه كان يتولى رؤية الهلال و
يلتمس الهلال ويتصدى لرؤيته وما شرعه من قبول الشهادة عليه والحكم شهد بذلك في مصر من الأمصار ومن جاء بالخبر به عن خارج الأمصار و
حكم المخبر به في الصحو وسلامة الجو من العوارض وخبر من شهد برؤيته مع التواتر في بعض الأصقاع فلولا إن العمل على الأهلة أصل في الدين معلوم
لكافة المسلمين ما كانت الحال في ذلك على ما ذكرناه ولكان اعتبار جميع ما ذكرناه عبثا لا فائدة فيه وهذا فاسد بلا خلاف وأقول إذا عرفت هذا
تعرف أن بحث الصدوق (ره) في الفقيه عن إن الصوم للرؤية والفطر للرؤية وعن صوم يوم الشك مع ذهابه إلى القول بالعدد لا يخلو عن تدافع خلافا
للحسن بن أبي عقيل والذي تظهر من المختلف إن خلاف الحسن في العدد بالتفسير الرابع لا بالتفسير الذي ذكره المصنف (ره) حيث قال قال ابن أبي عقيل قد جاءت
الآثار عنهم (عليهم السلام) إن صوموا رمضان للرواية وأفطروا للرواية فإن غم عليكم فأكملوا العدة من رجب تسعة وخمسين يوما ثم الصيام من العذر ولكن آخر كلامه
في البحث عن هذه المسألة يشعر بأن الحسن ذاهب إلى اعتبار العدد بالتفسير المشهور كما أفاده المصنف وعلى هذا فكلام الحسن لا يخلو عن تشويش وتدافع وخالف
الصدوق أيضا في الفقيه حيث قال بعد ذكر بعض الأخبار الواردة في أن شهر رمضان لا ينقص أبدا وشعبان لا يتم أبدا قال مصنف هذا الكتاب من خالف هذه الأخبار
وذهب إلى الاخبار الموافقة للعامة في ضدها واتقى كما يتقى العامة ولا يتكلم إلا بالتقية كاينا من كان إلا أن يكون مسترشدا فيرشد ويبين له فإن البدعة
إنما تماث وتبطل بترك ذكرها ولا قوة إلا بالله انتهى ونقل الخلاف في ذلك عن شيخنا المفيد (ره) أيضا في بعض كتبه ولا عبرة أيضا على المشهور بالجدول
وهو مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط سير القمر واجتماعه بالشمس ومرجع أول الشهر في هذا الحساب إلى تأخر جرم القمر عن محاذاة الشمس لا إلى إمكان
رؤية الهلال بل الغالب عدم إمكان رؤيته تلك الليلة ولا ريب في عدم اعتباره لان مناط أول الشهر في الشريعة المنورة على الرؤية لا على تأخر حرم
القمر عن محاذاة الشمس وكان مراد المصنف (ره) من الجدول ما يشمل الرجوع إلى قول الرصدي في إمكان الرؤية أيضا ووجه عدم اعتباره حصر الشارع المناط
في رؤيتنا أو مضى ثلاثين من شعبان ولو كان الرجوع إلى المنجم حجة لأرشدوا إليه مع أنهم (عليهم السلام) فهو عنه وشددوا في ذلك بقولهم من صدق كاهنا
أو منجما فهو كافر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وغيره من الاخبار الشريفة الواردة في ذلك وأيضا قول المنجم مبني على قواعد ظنية ظنا ضعيفا قد
يخطي ويصيب فلا يجوز التعويل عليه البتة خصوصا مع ما ورد من أنه ليس بالرأي ولا بالتظني ثم لا يذهب عليك أنه لا يبعد ادعاء إن النهي الوارد
في الاخبار لا يشمل استخراج الأهلة من الحساب المتعلق بالأرصاد إنما تعلق بتصديق المنجم أي بتصديق من يحكم على الكاينات والحوادث من أوضاع النجوم
وقراناتها ونظراتها وأمثال هذه كما هو المفهوم من علم النجوم كيف لا وقد ورد في الشريعة المقدسة بعض الأمور المنوطة بالأرصاد ككون القمر في برج عقرب ليتحرز عنه مريد
السفر أو التزويج إلا أن يكون بناء العلم به على الرؤية والمشاهدة وهو بعيد جدا وقد أورد المصنف قدس الله لطيفته في قواعده كلاما شريفا في تحقيق كفر المنجم
470

فقال كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم وموجدة ما فيه فلا ريب أنه كافر وإن اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها والله سبحانه هو المؤثر
الأعظم كما يقوله أهل العدل فهو مخطئ إذ لا حيوة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي وبعض الأشعرية يكفرون هذا كما يكفرون الأول
وأورد وأعلى أنفسهم عدم إكفار المعتزلة وكل من قال يفعل العبد وفرقوا بأن الانسان وغيره من الحيوان يوجد فعله مع أن التذلل والعبودية
ظاهرة عليه فلا يحصل منه اهتضام لجانب الربوبية بخلاف الكواكب فإنها غايبة عنه وربما أدى ذلك إلى اعتقاد استقلالها وفتح باب الكفر أما ما يقال
بأن استناد الافعال إليها كاستناد الحراق إلى النار وغيرها من العاديات بمعنى إن الله تعالى أجرى عادته بأنها إذا كانت على شكل مخصوص أو على وضع
مخصوص يفعل ما ينسب إليها ويكون ربط المسببات بها كربط مسببات الأدوية والأغذية بها مجازا باعتبار الربط العادي لا الفعل الحقيقي فهذا لا يكفر
معتقده ولكنه مخطئ أيضا وإن كان أقل خطأ من الأول لان وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم ولا أكثرى انتهى كلامه رفع مقامه وقد ظهر من هذا التحقيق
ما هو المراد من النهي الوارد في هذا الاخبار إنشاء الله تعالى وقد ظهر منه أيضا إن القول بنفي حيوة السماويات ليس ضروريا في الدين كما ادعاه
المرتضى في بعض رسائله خلافا لشاذ من الأصحاب حكى الشيخ (ره) في الخلاف عن شاذ من أصحابنا ومن العامة القول بالجدول واحتج أصحاب هذا القول على ما ذكره
العلامة (ره) في المنتهى بقوله تعالى وبالنجم هم يهتدون وبأن الكواكب والمنازل يرجع إليها في القبلة والأوقات وهي أمور شرعية فكذا ها هنا وضعف ذلك
ظاهر للفرق الواضح بين الاهتداء بمشاهدة النجم في تعرف الطرق والمسالك والبلدان والقبلة والأوقات والشهور كما ورد في الشريعة وبين
الاهتداء باستخراج حال النجم من الرصد والحساب الظني كما هو المبحوث عنه والمفيد في هذا المقام ولكن بقي الاشكال فيما لو حصل العلم بالهلال للرصدي
من الحساب والتجربة أو لغيره بقول كثير منهم وقد يتفق ذلك نادرا خصوصا في الليلة الثانية أو الثالثة من الشهر بحسابهم حيث اختل ضبط أوايل الشهور
المتعددة المتوالية بالرؤية والمشاهدة ووجه الاشكال عدم ورود التعويل على الرصد في الشريعة كما عرفت وحصول العلم بدخول الشهر المأمور من حضره
الصيام كحصول العلم به بانقضاء ثلاثين من شعبان ويمكن القول بعدم اعتبار مثل هذا العلم الحاصل لبعض الآحاد بالنظر الدقيق الخفي المأخذ في أمثال تلك الأحكام
الفرعية التي أخذ التعبد بها على عامة الناس وذلك بخلاف العلم بدخول الشهير الجديد بانقضاء ثلاثين من الشهر السابق فإنه من العلوم العادية
الظاهرة ولا عبرة أيضا بعدم طلوعه أي طلوع القمر من المشرق في دخول الشهر لليلة المستقبلة لأنه لا يطلع في الثامن والعشرين البتة بل وقد لا يطلع في
السابع والعشرين أيضا نادرا في بعض الشهور مع عدم إمكان الشهر الجديد في الليلة المستقبلة وفي التاسع والعشرين أيضا قد يدخل وذلك عند نقصان الشهر
وقد لا يدخل عند تمامه فكيف يمكن اعتبار تلك العلامة مع عدم استقامتها إلا في رواية داود الرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إذا طلب الهلال في المشرق
غدوة فلم ير فههنا هلال جديد رأى أو لم ير فالمصنف حمل الرؤية على ظاهرها مع منافرة لفظ الهلال له إلا أن يكون من باب المشاكلة للهلال الجديد
المذكور بعده وحكم بعدم اعتبار العلامة لعدم استقامتها كما عرفت مع ضعف سند الرواية ويحتمل أن يكون المراد أنه إذا طلب الهلال بمعناه المتعارف في
المشرق غدوة أي قبل الزوال في الثلاثين إذ لا يحتمل طلب الهلال في المشرق قبل الثلاثين باعتبار ظهور عدم إمكان الرؤية قبل الزوال فيه فلم ير في ذلك
الوقت فها هنا أي في جانب الغربي هلال جديد ليس ليلة الماضية سواء رأى بعد الزوال أو لم يرو على هذا يصح ترتب الجزاء على الشرط البتة ويدل الشرط
بمفهومه باعتبار قيد فلم ير على أنه إذا طلب قبل الزوال ورأى فهو لليلة الماضية وليس بجديد ويوافق ما ذهب إليه السيد من اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال
ويحتمل أيضا أن يكون المراد بقوله (عليه السلام) فلم يرى في الليلة الماضية ويكون الغرض من هذا التقييد والتفريع بيان وجه طلب الهلال غدوة والايماء إلى أن
المعتبر رؤيته في الليلة والمراد بقوله فههنا أي في جانب الغربي هلال جديد لليلة المستقبلة وليس لليلة الماضية سواء رأى في أثناء النهار ولو في وقت
الطلب وقبل الزوال أو لم ير أصلا وعلى هذا فيدل على خلاف ما ذهب إليه السيد ويوافق المشهور ويمكن إرجاعها أيضا إلى أحد هذين المعنيين بوجوه أخر
من تفسير اللفظ كما لا يخفى على المتأمل وبالجملة لا يمكن الاستدلال بهذه الرواية على شئ من المذاهب وقد نقل عن السيد الفاضل المحقق النائيني رفع مقامه
إن المراد من الرؤية إنه إذا طلب الهلال أي القمر بدو المحاق في المشرق غدوة من اليوم السابع والعشرين فلم ير فهاهنا أي في الليلة التي يحتمل الرؤية فيها وهي
ليلة الثلاثين هلال جديد سواء رأى أو لم ير ومؤدى الرواية ما ذهب إليه أهل التنجيم من أنه إذا لم يمكن رؤية الهلال في اليوم السابع والعشرين فهو ممكن الرؤية
ليلة الثلاثين والشهر ناقص أقول ولا ينبغي الجرئة على القول بمثل تلك الاحتمالات البعيدة عن الفهم واللفظ في تفسير كلام الصادقين عليهما السلام وأغرب
من ذلك ما نقل عن خالي طاب ثراه ولا يطمئن قلبي بإسناد ذلك إليه أعلى الله درجته وهو إن المراد بطلب الهلال في المشرق أن يكون الطلب واقعا في المشرق
والمقصود إنه إذا فرض الطالب في البلد الشرقي وطلب الهلال غدوة أي غدوتنا وأول يومنا وإن كان بالنسبة إلى الطالب المفروض آخر يومه لفرضه في المشرق
471

الذي بينه وبين هذا البلد ربع دورة مثلا ولم ير هناك فهاهنا هلال جديد بمعنى إنه قد يكون هلالا جديدا لامكان خروج الشعاع بعد غروبه
بالنسبة إلى أفق الطالب وصيرورته قابلا للرؤية قبل الغروب بالنسبة إلى هذا الأفق ففي الرواية إشارة إلى اختلاف الأفق الشرقي والغربي في الحكم ولا
عبرة أيضا بعد خمسة أيام من اليوم الذي كان أول الشهر في السنة الماضية في غير الكبيسة وستة أيام في الكبيسة مع دخول اليوم الأول من الماضية في إعداد
الخمسة أو الستة وجعل الخامس أو السادس أول الشهر في السنة الحاضرة مثلا إذا كان أول الشهر في السنة الماضية يوم الأحد فأوله في هذه السنة يوم
الخميس في غير الكبيسة ويوم الجمعة في الكبيسة وهذا الحساب باعتبار إن السنة الهلالية ثلاث مائة وأربعة وخمسون يوما وثمان ساعات وثمانية وأربعون دقيقة
ففي كل ثلاث سنين يحصل من الساعات الزايدة بقدر يوم للكبس وفي كل ثلاثين سنة أيضا يحصل من الدقايق الزايدة بقدر يوم للكبس ففي كل ثلاثين سنة
يحصل أحد عشر يوما للكبس فيكون في جملة الثلاثين إحدى عشرة سنة كبيسة هي الثانية والخامسة والسابعة والعاشرة والثالثة عشر والسادسة عشر
والثامنة عشر والحادية والعشرون والرابعة والعشرون والسادسة والعشرون والتاسعة والعشرون وتضبط هذه السنون بأرقام بهز يجوح كاد وط
ثم قد لا يوافق ذلك الحساب الرؤية كما إذا اتفق وقوع الساعات والدقايق الزايدة بعد الغروب من اليوم الرابع والخمسين وقد وردت في البناء
على ذلك في الشريعة روايات فروى الكليني (ره) في الكافي عن عمران الزعفراني قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة
فأي يوم أصوم قال انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم يوم الخامس وعنه أيضا قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنما نمكث في الشتاء اليوم و
اليومين لا ترى شمس ولا نجم فأي يوم نصوم قال انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعد خمسة أيام وصم اليوم الخامس وعن محمد بن عثمان الخدري
عن بعض مشايخه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال صم في العام المستقبل يوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول وعن السياري قال كتب محمد بن الفرج إلى العسكري
عليه السلام يسئله عما روى عن الحساب في الصوم عن آبائك (عليهم السلام) في عد خمسة أيام من أول السنة الماضية والسنة الثانية التي تأتي فكتب صحيح ولكن عد في
كل أربع سنين خمسا وفي السنة الخامسة ستا فيما بين الأولى والحادث وما سوى ذلك فإنما هو خمسة خمسة قال السياري وهذه من جهة الكبيسة قال وقد
حسبوه أصحابنا فوجدوه صحيحا قال فكتب إليه محمد بن الفرج في سنة ثمان وثلاثين ومأتين هذا الحساب لا يتهيأ لكل انسان أن يعمل عليه إنما هذا لمن
يعرف السنين ومن يعلم متى كانت سنته الكبيسة ثم يصيح له هلال شهر رمضان أول ليلة فإذا صح له الهلال لليلته وعرف السنين صح له ذلك إن شاء الله تعالى والأصحاب
لم يعتبروا ذلك لضعف اسناد الروايات وعدم صلاحيتها لمقاومة الأصل والروايات المتواترة الدالة على العمل بالرؤية أو مضي ثلاثين وعدم بناء
الشريعة على أمثال هذه الأمور الخفية الدقيقة مع أن في أكثر هذه الروايات ليس حديث الكبيسة والرواية الأخيرة التي تضمنتها لا يخلو أيضا عن شئ
كما ترى وقال الشيخ (ره) في التهذيب بعد نقل الخبرين عن الزعفراني فهذان الخبران الوجه فيهما إنه إذا كان السماء متغيمة على ما تضمنا فعلى الانسان
أن يصوم الخامس من صيام يوم السنة الماضية على أنه من شعبان إن لم يكن صح عنده انقضاؤه احتياطا فإن اتفق إنه يكون من شهر رمضان فقد أجزء عنه
وإن كان من شعبان كتب له في النوافل ويجري هذا مجرى صيام يوم الشك وليس في الخبر إنه يصوم الخامس على أنه من شهر رمضان وقال في الاستبصار
إنهما خبر واحد لا يوجبان علما ولا عملا وراويهما عمران الزعفراني وهو مجهول وفي إسناد الحديثين قوم ضعفاء لا يعمل بما يختصون بروايته انتهى
ثم إن الكبس في اللغة الطم يقال كبست النهر والبئر كبسا أي طممتها بالتراب أو الكبيسة الفعلية بمعنى المفعول فكان هذه السنة قد كبست بالساعات
والدقايق الزايدة التي استترت في السنين السابقة وأظهرت فيها ويقال سنة الكبيسة بالإضافة والسنة الكبيسة
بالتوصيف إلا أن يغم الشهور كلها
فيجوز التعويل على هذا الحساب في هذا الفرد النادر الوقوع كما قاله الشيخ في المبسوط والعلامة في المنتهى والمختلف وجمع من المتأخرين ووجه ذلك إن العادة قاضية
بعدم كمال شهور السنة كلها ثلاثين ثلاثين كما ذهب إليه جمع من الأصحاب وليس ذلك من باب العلوم الخفية الغير الظاهرة لعامة الناس فلا يجوز بناء المشتبه على
ما يعلم انتفاؤه وعادة ولابد من البناء على نقص في الجملة ولا يمكن اعتبار النقص مجملا كما نقل عن بعض غير معلوم من الأصحاب بل لابد من تعيينه وهو ظاهر
ولا شئ أقرب إلى الصواب في تحقيق النقص من هذا الحساب ومع حصول الاشتباه في الشهور الكثيرة دون تمام السنة تردد باعتبار تنصيص الأصحاب بخصوص
فرض اشتباه الكل ومن أجل جريان الدليل وأمر الاحتياط في الصوم واضح وفي الفطر غير متصور كما عرفت والفرض نادر ولا تقبل شهادة النساء فيه أي في
الهلال مطلقا منفردات ولا منضمات إلى عدل لأنه مما يطلع عليه الرجال وليس بمال ولا المقصود منه المال وقد مر أيضا ما يدل على ذلك في الأخبار الصحيحة
المذكورة في أول هذا الدرس من قول علي (عليه السلام) لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال ومن قوله لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين
ولو حصل بهن الشياع أو بالفساق ثبت قد مر البحث عن ثبوت الهلال بالشياع في أول الدرس ولا ريب في إمكان حصول الشياع بالنساء وبالفساق
472

بأي معنى فسر من المعنيين السابقين والبلاد المتقاربة بحسب العرف المتوافقة في العروض والمطالع كالبصرة وبغداد متحدة في الحكم فلو رؤي
في أحدها الهلال ثبت حكم الرؤية على جميع أهلها لا المتباعدة كبغداد ومصر قاله الشيخ في المبسوط ومتى لم ير الهلال في البلد ورؤى خارج البلد
على ما بيناه وجب العمل به إذا كان البلدان التي رؤي فيها متقاربة بحيث لو كان السماء مصحية والموانع مرتفعة لرؤى في ذلك البلد أيضا لاتفاق
عروضها وتقاربها مثل بغداد وواسط وتكريت والموصل فأما إذا بعدت البلاد مثل بغداد وخراسان ومصر فإن لكل بلد حكم نفسه ولا يجب
على أهل بلد العمل بما رواه أهل البلد الاخر وقال المحقق (ره) في المعتبر حكم الهلال في البلاد المتقاربة واحد ولا كذلك المتباعدة بل يلزم من رأى
دون من لم ير وقد أفتى بذلك عبد الله بن عباس ومثله قال في الشرايع ومثل المتقاربة بالكوفة وبغداد والمتباعدة بالعراق وخراسان وقال
العلامة في المنتهى إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس سواء تباعدت البلاد أو تقاربت وبه قال أحمد والليث بن سعد وبعض أصحاب
الشافعي وقال الشيخ إن كانت البلاد متقاربة لا تختلف في المطالع كبغداد والبصرة كان حكمها واحد وإن تباعدت كبغداد ومصر كان لكل بلد حكم
نفسه وهو القول الاخر للشافعية ثم نقل عن بعض الشافعية تحديد البعد بثمانية فراسخ وعن بعض العامة إن لأهل كل بلد حكم رؤيتهم ثم استدل
على ما اختاره وذكره أولا بأنه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية وفي الباقي بالشهادة فيجب صومه للآية والأخبار الدالة على وجوب صوم الشهر
أقول وضعفه ظاهر لان الكلام في أن الشهر هل يختلف بالنسبة إلى البلاد أم لا فكيف يمكن أخذ تحقق الشهر بالشهادة مطلقا مسلما في الدليل ثم
استدل بأن البينة العادلة شهدت به الهلال فيجب الصوم كما لو تقاربت البلاد وأقول إن أراد المقايسة فضعفها ظاهرا وإن أراد دلالة ظواهر الأخبار الواردة
في الشهادة عليه ففيه إن المتبادر المنساق إلى الفهم من الاخبار شهادة أهل البلد أو النواحي كما هو الشايع المتعارف في ذلك ثم استدل بأنه شهد
برؤيته من يقبل قوله فيجب القضاء لو فات للأخبار الواردة في ذلك كصحيحة منصور بن حازم المتقدمة ونحوها مما تضمن الامر بالقضاء عند شهادة الشاهدين
والجواب عن مثل هذه الأخبار قد ظهر مما ادعيناه من أن المتبادر ما هو الشايع الغالب في باب الشهادة على مثل ذلك وكرواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)
إنه سئل عن اليوم الذي يقضي من شهر رمضان فقال لا تقضه إلا أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر وقال لا تصم ذلك
اليوم الذي يقضي إلا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه فقال بعد ذكر هذه الرواية فعلق عليه السلام وجوب القضاء بشهادة العدلين من جميع
المسلمين وهو نص في التعميم قربا وبعدا ثم عقبة بمساواته لغيره من أهل الأمصار ولم يعتبر عليه السلام القرب في ذلك أقول هذه الرواية مع ضعف سندها لا يخلو
متنها عن اشتباه وكأنه عليه السلام أشار إلى تعليق وجوب القضاء بشهادة العدلين من بين جميع المسلمين أو بشيوع الرؤية بين أهل الأمصار ويمكن أن يقال
إن العدلين من بين جميع المسلمين لا عموم له قربا وبعدا بالنسبة إلى العدلين بل التعميم فيه فيمن لم ير فهو مطلق يمكن حمله على القريب بقرينة التعارف
كما عرفت في غيرها من الروايات وعموم أهل الأمصار يفيد اعتبار القريب والبعيد جميعا ولا يدل على جواز الاكتفاء بالبعيد كما هو مطلوبه (ره) وحيث لا
يمكن اعتبار الجميع على ما هو معلوم من الخارج فيحمل على مصر كل أحد ولا يفيده ذلك أصلا كما لا يخفى ثم استدل بإطلاق قول أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث
عبد الرحمن بن أبي عبد الله فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه حيث لم يعتبر القرب وبصحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) إنه قال فيمن صام تسعة وعشرين
قال إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر إنهم صاموا ثلاثين على رؤية قضى يوما فقوله عليه السلام مصر نكرة شايعة تتناول الجميع على البدل فلا تخصص
إلا بدليل أقول يشكل ادعاء ظهور العموم والمطلق يمكن حمله على الفرد الغالب المنساق إلى الفهم أي مصره أو القريب منه كما على أن هذا الاخبار وردت
في القضاء دون الافطار فلعله من باب الاحتياط للصيام واعلم إن صحيحة هشام لا تخلو عن دلالة على اعتبار الشهادة على الشهادة في الهلال ثم قال احتجوا بما
رواه كريب إن أم الفضل بنت الحرث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهل على رمضان فرأينا الهلال ليلة الجمعة
ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس وذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت ليلة الجمعة فقال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس
فصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا يزال نصوم حتى تكمل العدة أو نراه فقلت أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه قال لا هكذا أمرنا رسول الله
صلى الله عليه وآله والجواب ليس هذا دليلا على المطلوب لاحتمال أن ابن عباس لم يعمل بشهادة كريب والظاهر أنه كذلك لأنه واحد وعمل معاوية ليس حجة لاختلال
حاله عنده لانحرافه عن علي (عليه السلام) ومحاربته له فلا يعتد بعمله وبالجملة فليس دالا على المطلوب وأيضا فإنه يدل على أنهم لا يفطرون بقول الواحد أما على عدم
القضاء فلا ولو قالوا إن البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الأرض قلنا إن المعمور منها قدر يسير هو
الربع ولا اعتداد به عند السماء وبالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها المتباعدة عنه لكروية الأرض لم يتساوى حكماهما أما
473

بدون ذلك فالتساوي هو الحق انتهى أقول الظاهر أنه لا حاجة إلى قوله وعمل معاوية ليس حجة بعد ما احتمله من أن ابن عباس لم يعمل بشهادة كريب لان عمل
معاوية أيضا من جملة رواية كريب وكأنه (ره) تعرض لسوء حال معاوية وقوله وأيضا فإنه يدل يشعر بالفرق بين القضاء والافطار كما أشرنا إليه في الايراد عليه وقوله قلنا
إن المعمور منها قد يسير هو الربع ضعفه ظاهر لظهور كرية الأرض والتفاوت في الطلوع والغروب وطول النهار وقصره بين البلاد بحسب اختلاف العرض و
الطول على ما هو مضبوط في العلوم الهيوية بحيث لا يحوم حوله شوب شك وشبهة وما ذكره في ذيل قوله وبالجملة يشعر برجوعه عما ذكره أولا إلى القول بالتفاوت
بين البلاد في الحكم على الفرض المعلوم وقوعه وبالجملة فالقول بالتساوي بين البلاد مطلقا ليس له قايل معروف منا ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية
برؤيته في البلاد المشرقية وإن تباعدت للقطع بالرؤية عند عدم المانع وإنما جعله احتمالا لاحتمال أن لا يكون بناء الأحكام الشرعية على أمثال تلك
العلوم الدقيقة ولا سبيل إلى استفادة ذلك من الأخبار الواردة في هذا البلاد بخلاف القرب الذي اعتبره الشيخ كما عرفت ويستحب الترائي للهلال
ليلتي الشك الثلاثين من شعبان ورمضان ليحتاطوا بذلك لصيامهم ويسلموا من الاختلاف وقد نقلنا عن التهذيب إنه ثبت من سنة النبي صلى الله
عليه وآله إنه كان يتولى رؤية الهلال ويلتمس الهلال ويتصدى لرؤيته وروى الجمهور إن النبي صلى الله عليه وآله قال أحصوا هلال شعبان لرمضان وأوجبه
الفاضل على الكفاية لان الصوم واجب وكذا الافطار في العيد فيجب التوصل إلى معرفة وقتهما ليقع التكليف على وجهه وهو ضعيف لان الأصل عدم التكليف
وبرائة الذمة إلى أن يعلم الوقت ومعنى إيقاع التكليف على وجهه أن تأتي بالمكلف به في وقت علمنا بالتكليف ويستحب الدعاء عند رؤية الهلال بالمأثور
روى الجمهور إن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول إذا رأى الهلال الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والاسلام والتوفيق لما تحب
وترضى ربي وربك الله وروى الشيخ عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة
ورفع يديه فقال اللهم أهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والاسلام والعافية المجللة والرزق الواسع ودفع الأسقام اللهم ارزقنا صيامه
وقيامه وتلاوة القرآن فيه اللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه وعن عمر بن شمر قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان أمير المؤمنين (عليه السلام)
إذا أهل هلال رمضان أقبل إلى القبلة وقال اللهم هله علينا بالأمن والايمان والسلامة والاسلام والعافية المجللة اللهم ارزقنا صيامه وقيامه
وتلاوة القرآن فيه اللهم سلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه وعن الحسين بن المختار مرفوعا قال قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا رأيت الهلال فلا تبرح و
قل اللهم إني أسئلك خير هذا الشهر ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه وأسئلك خير ما فيه وخير ما بعده وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده اللهم
أدخله علينا بالأمن والايمان والسلامة والاسلام والبركة والتقوى والتوفيق لما تحب وترضى وأوجب الحسن أن يقال عند هلال رمضان الحمد لله
الذي خلقني وخلقك وقدر منازلك وجعلك مواقيت للناس اللهم أهله علينا إهلالا مباركا اللهم أدخله علينا بالسلامة والاسلام واليقين
والايمان والبر والتقوى والتوفيق لما تحب وترضى ولعله أراد تأكيد الندب لعدم دليل يصلح لان يستدل به على الوجوب مع انفراده بهذا القول
من بين الأصحاب وروى النهي عن أن يقال رمضان بل ينبغي أن يقال شهر رمضان عن النبي صلى الله عليه وآله متعلق الجار روى وعلي (عليه السلام) والباقر
(عليه السلام) وقد مر ذكر بعض هذه الأخبار وهو أي النهي للتنزيه إذ الاخبار مملوة عنهم (عليهم السلام) بلفظ رمضان من دون إضافة الشهر كما مر ذكر كثير منها
ووقت الافطار غيبوبة الشفق المشرقي إلى أعلى الرأس ولا اعتبار بثلاثة أنجم خلافا للصدوقين علي وابنه محمد ولا يكفي ستر القرص على الأصح وقد مر
البحث عن هذه المسألة مفصلا في أوايل الكتاب ولو أفطر بمفطر وردت فيه الكفارة قبله أي قبل وقت الافطار على أي قول كفر وقضى إلا لتقية يخاف
معها التلف بل ما يكون مضرا به في نفسه أو من يجري مجراه بحسب حاله ومرجعه إلى العرف كما عرفت سابقا فيقضي خاصة كما لو أفطر مع الرؤية أول يوم
من الشهر للتقية وهذا ينافي ظاهرا ما مر منه سابقا إنه لو أكره على الافطار سواء وجر في حلقه أو خوف فلا إفساد على الأقوى وحيث لا إفساد فلا كفارة
ولا قضاء ولا يمكن حمل التخويف على ما يرتفع معه القصد لان عدم القضاء في هذه الصورة وفاقي وقد أشار إلى الخلاف بقوله على الأقوى والفرق
بأن المكره على الافطار يتقي بنفس الافطار فلا يجب عليه القضاء بخلاف المفطر قبل الغروب أو أول يوم من الشهر فإنه يتقي في اعتقاده عدم الغروب
أو دخول الشهر ويجعل الافطار دليلا على عدم اعتقاده فيجب عليه القضاء ضعيف جدا وهو منصوص عن فعل الصادق (عليه السلام) في زمن السفاح
واختلف لفظ هذه الرواية وإسنادها في الكتب ففي بعضها لئن فطر يوما من شهر رمضان وأقضيه أحب إلي من أن يضرب عنقي كما نقلناه سابقا وليس
في بعضها لفظ وأقضيه فروع ثلاثة على مسائل هذا الدرس الأول لو رأى زيد الهلال في بلده وسافر إلى بلد آخر
يخالفه في حكمه باعتبار بعده مطلقا على رأي الشيخ أو مع عدم الاختلاف في الشرقية والغربية بحيث يوجد ثبوته فيه على ما احتمله المصنف انتقل حكمه إليه
474

أي إلى حكم هذا البلد لان حكم وجوب الصوم والفطر شرعا معلق على الشهرين ولا ريب في أن من كان في هذا البلد شهره شهر هذا البلد فيجب عليه حكم هذا
الشهر فيصوم زايدا على الثلاثين لو كان أول الشهر بحسب الرؤية في بلدة مثلا يوم السبت وفي هذا البلد يوم الأحد ولم يرى الهلال ليلة الاثنين في هذا البلد
فيصوم الاثنين وهو الحادي والثلاثون من رؤية بلده ويفطر على ثمانية وعشرين لو انعكس الفرض في أول
الشهر ورؤى الهلال ليلة الأحد في هذا البلد و
يحتمل وجوب قضاء يوم عليه في هذه الصورة لأنه مكلف شرعا بصيام الشهر في السنة والشهر لا يكون أقل من تسعة وعشرين ويحتمل شمول ما ذكره المصنف (ره) أخيرا
من أولوية مراعاة الاحتياط لذلك ويراعي حكم الانتقال حتى لو أصبح في بلده معيدا اسم فاعل عيد بتضعيف الياء أي شهد العيد ثم انتقل في هذا
اليوم إلى بلد آخر يخالفه في الحكم وإن بعد الفرض بل تعذر عادة أمسك بقية يومه بالنية لأنه من شهر رمضان في هذا البلد فيجب فيه الامساك في بعض
الصور ويستحب في بعضها مع احتمال عدمه لسبق الحكم عليه شرعا بالافطار في هذا اليوم واحتمال وجوب القضاء مع وصوله بعد الزوال إلى هذا البلد
كما ذكره صاحب المدارك فبعيد جدا لفوات وقت العبادة عند تجدد الحكم ولو أصبح في بلده أول الشهر صائما للرؤية ثم انتقل إلى بلد آخر
يخالفه في الحكم انتقالا لا يوجب الافطار ففي جواز الافطار نظر ينشأ من سبق الحكم عليه شرعا بوجوب صيام هذا اليوم وتكذيب جواز الافطار للعيان
مع ما ينبغي من مراعاة أمر الاحتياط في العبادات وما تجدد من وصوله إلى بلد ليس فيه اليوم من الشهر ولو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان أولى
لعدم دليل متين على الحكم يصلح للاعتماد وأمر الاحتياط في أول الشهر واضح وفي آخره لا يخلو عن إشكال ولعله في الامساك باعتبار سقوط احتمال وجوب
التكفير الذي في الافطار الثاني لو اختلف الشاهدان في صفة الهلال بالاستقامة والانحراف فالأقرب البطلان للجزم بعروض الشبهة فلا
يبقى الوثوق وغير الأقرب الاخذ بشهادتهما لاتفاقهما على أصل الهلال والاشتباه في الصفة ولو اختلفا في العلو والهبوط في وقت واحد فالبطلان أوضح
بخلاف ما لو اختلفا في القوة والضعف في الوقت الواحد لامكان استناد ذلك إلى قوة البصر وضعفه بخلاف ما لو اختلفا في زمان الرؤية مع اتحاد الليلة لعدم طريان
خلل يوجب ردها كما لو شهد كل منهما بإقرار زيد بحق في مجلس غير مجلس الاخر بل أمر القبول في باب الهلال أظهر ولو اختلفت الليلة فالظاهر الحكم بثبوت الشهر في الليلة
الثانية ولو شهد أحدهما برؤية شعبان الأربعاء وشهد الاخر برؤية رمضان الجمعة احتمل القبول لما يلزم من اتفاقهما على أن الجمعة من رمضان ولعل احتمال
القبول فيما ذكرناه من اختلاف الليل أظهر الثالث لا يكفي في حكم الحاكم الوجوب على السامع قول الشاهد اليوم الصوم أو الفطر لجواز اسناده
إلى عقيدته مع مخالفتها لرأي الحاكم أو من يقلده السامع كما لو رآه في اليوم قبل الزوال واعتقد اعتبارها مع مخالفتهما فيه بل يجب على الحاكم أو السامع استفساره
ثم البناء على ما توجبه شهادته على عقيدة سامعها وهل يكفي قول الحاكم وحده من دون شاهد آخر معه في ثبوت الهلال الأقرب نعم لعموم ما دل على أن للحاكم الحكم بعلمه
ولأنه لو قامت عنده البينة وحكم بذلك وجب الرجوع إلى قوله كغيره من الاحكام والعلم أقوى من البينة ولأن المرجع في الاكتفاء بشهادة العدلين وما يتحقق
به العدالة إلى قوله فيكون مقبولا في جميع الموارد وما ذكر لو تم فإنما يتم في حق المقلد وأما في حق مجتهد آخر فيشكل جدا والاحتمال الاخر الذي أشار إليه المصنف (ره)
عدم الكفاية لظواهر الاخبار السالفة الدالة على اعتبار الشاهدين كقول علي (عليه السلام) لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة الرجلين وقوله عليه السلام لا تقبل شهادة
النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين وغير ذلك مما مر في الاخبار وفيه إن قبول قول الحاكم فيه ليس من باب قبول الشهادة بل من قبيل الاخذ
بالحكم وربما استشكل في البناء على قوله في صورة ظهور تهمة الاشتباه كما لو كان مع جم غفير في الاستهلال وانفرد بينهم بالرؤية مع ما مر في الاخبار من
قوله عليه السلام ليس رؤية الهلال أن تقوم عدة فيقول واحد قد رأيته ويقول الآخرون لم نره ثم لو أخبر الحاكم بثبوت الهلال عنده بالشهادة فالتشكيك في
قبول قوله لظاهر ما ورد في الخبر من قول الصادق (عليه السلام) إلا أن تشهد لك بينة عدول وقوله عليه السلام فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه
فاقضه غير جيد لضعف دلالة هذا القول على المطلوب مع ما تقرر في الشريعة المقدسة من البناء على الثبوت عند الحاكم في جميع الحقوق من الأموال والأنفس
والفروج وغيرها بل إنما يرد الاشكال في سماع غير الحاكم للشهود في باب الهلال كما يظهر من هذه الأخبار ولو قال الحاكم اليوم الصوم أو الفطر وأجمل ففي وجوب
استفساره على السامع ثلاثة أوجه أحدها لا يجب مطلقا القبول قوله شرعا كما عرفت وثانيها يجب مطلقا لاحتمال أن يكون بناؤه على أمر لا يعتقده السامع كما مر في
الشاهد وثالثها وهو الوجه يجب الاستفسار إن كان السامع مجتهدا لما ذكر من الاحتمال بخلاف ما لو كان مقلدا إذ يجوز له البناء على رأيه مطلقا درس لا
يجوز تأخير قضاء رمضان من عام الفوات اختيار المراد بعام الفوات ما بين الشهر الذي فات صومه والرمضان الآتي بعده والمراد بالاختيار على ما يظهر من كلامهم
القدرة الشرعية على الاتيان به لا فقد المانع الشرعي عنه وإن أمكنه رفعه حتى لا يأثم بالتأخير المشتغل بالسفر الذي يمكنه شرعا عند تضيق وقت القضاء
والحاصل إن القضاء واجب موسع في عرض السنة ويأثم بالاخلال به فيه ولكنه لا يسقط بل يجب الاتيان به بعده قال العلامة في المنتهى ويتعين قضاء الفايت في
475

السنة التي فات فيها ما بينه وبين الرمضان الآتي فلا يجوز له الاخلال بقضائه حتى يدخل الثاني لأنه مأمور بالقضاء وجواز التأخير بالقدر المذكور
معلوم من السنة فينتفي ما زاد ومثله قال المحقق في المعتبر والظاهر أن جواز التأخير لم يوجد به قائل معلوم منا والمعلوم من مذهب ابن إدريس إنكار وجوب
الكفارة بالتأخير وأما إنكار الاثم فغير معلوم من مذهبه ورواية سعد بن سعد تدل ظاهرا على كراهة التأخير كما سيأتي ولكنها مرسلة ضعيفة وهل يأثم بالتأخير
في كل سنة الظاهر من الدليل الذي ذكروه ذلك وما قاله الشيخ في الخلاف من أن حكم ما زاد على عام واحد في تأخير القضاء حكم العام الواحد فالظاهر أنه باعتبار الكفارة
كما يظهر من تتمة كلامه لا باعتبار الاثم ويستحب المبادرة به للعمومات الواردة في فضل المسابقة إلى الخيرات والترغيب في المبادرة إلى الميراث وقد مر من الحلبي القول
بوجوب الفورية في القضاء ولا يكره في عشر ذي الحجة ولكن يحرم في العاشر كما عرفت للأصل والعمومات الواردة في قضائه في أي الشهور شاء وفي خصوص ذي الحجة
كما مر في بحث عدم وجوب فورية القضاء في صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال قلت أرأيت إن بقي عليه شئ من صوم رمضان أيقضيه في ذي الحجة قال نعم وفي خصوص
العشر كما هو الظاهر مما تقدم أيضا من رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قضاء شهر رمضان في شهر ذي الحجة وأقطعه قال اقضه
في ذي الحجة واقطعه إن شئت والرواية عن علي (عليه السلام) بالنهي عنه مدخولة لان راويها غياث بن إبراهيم وهو تبري وإن كان ثقة فلا يعمل بما ينفرد به خصوصا
مع وجود المعارض وقد تقدمت الرواية في بحث تتابع القضاء وتفريقه وفيها قال لا يقضي شهر رمضان في عشرة من ذي الحجة وقال الشيخ (ره) قوله (عليه السلام)
لا يقضي شهر رمضان في عشرة من ذي الحجة المراد به إذا كان حاجا لأنه مسافر ولا يجوز للمسافر أن يقضي شهر رمضان إلا أن يقيم أو يعزم على المقام في بلدة عشرة أيام
وحيث تجب الكفارة يقدم ما شاء منها ومن القضاء قاله ابن إدريس وخالف ابن أبي عقيل كما سيجئ من أنه لا يجوز صوم النذر والكفارة لمن عليه قضاء رمضان
وقد تقدم البحث عن ذلك في شرح قول المصنف (ره) وهل يستحب نية الأول فالأول إشكال وكذا في وجوب تقديم القضاء على الكفارة فإن أدركه أي من
في ذمته القضاء باعتبار الافطار في المرض ولم يستمر به العذر رمضان آخر وكان عازما على القضاء إلا إنه مرض أو سافر ضرورة أو حاضت المرأة أو نفست
وبالجملة عرض له مانع شرعي عن الصوم بغير اختيار منه عدن التضيق قضى خاصة من غير فدية بعد انقضاء الرمضان الثاني ولو كان غير عازم على الفعل
أو الترك أو عازما على تركه سواء عرض المانع عند التضييق أم لا أو تعمد الافطار من غير عذر شرعي وقد تضيق وقت القضاء وإن كان في عزمه الاتيان به أولا
وجب الفدية أيضا مع القضاء والحاصل إنه يجب القضاء خاصة في صوره العزم عليه وعروض العذر الشرعي عند التضييق ويجب القضاء والفدية في غيرها
من الصور وهذا أحد الأقوال في المسألة ذهب إليه الشيخان وأبو الصلاح كما نقله في المختلف واستقر به وبعض عباراتهم يشعر باعتبار مجرد العزم في سقوط
الفدية كعبارة الشيخ (ره) حيث قال في المبسوط وإن لم يمت وفي عزمه القضاء من غير توان ولحقه رمضان آخر صام الثاني وقضى الأول ولا كفارة عليه وإن أخره توانيا
صام الحاضر وقضى الأول وتصدق عن كل يوم بمدين من طعام وأقله مد وقال في التهذيب وإن كان قد برء فيما بينهما ولم يقض ما فاته وفي نيته القضاء
يصوم الحاضر ويقضي الأول وإن تركه متهاونا به لزمه القضاء والكفارة عن الأول ومثله عبارة المحقق في الشرايع ولكن لا يبعد ادعاء إن المراد ما نقله العلامة
في المختلف ووقع نوع مسامحة في العبارة لظهور إن العزم مما لا عبرة به إذا ترك القضاء عند التضيق من غير عذر ويمكن حمل التواني في ما ذكره في المبسوط على عدم
عروض العذر فينطبق على ما ذكر في المختلف والقول الاخر قول الحسن والصدوقين كما سيأتي حيث أطلقوا وجوب القضاء والفدية على من تمكن من القضاء ولم يقضه
ولم يقيدوه بغير صورة العزم وعروض المانع عند الضيق وهو الظاهر من كلام الشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر أيضا والقول الثالث من ابن إدريس بوجوب
القضاء خاصة من دون فدية في جميع الصور على ما سيجئ وأما الأخبار الواردة في تلك المسألة فما روى صحيحا في الفقيه وفي الحسن بن إبراهيم وسند آخر فيه محمد بن
إسماعيل عن الفضل في الكافي والتهذيب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض حتى يدركه شهر
رمضان آخر قال يتصدق عن الأول ويصوم الثاني فإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الأول وهذا الخبر
موافق للقول الثاني واحتجوا به عليه وما روى في الكافي والتهذيب في الحسن بن إبراهيم عن محمد بن مسلم قال سألتهما (عليهما السلام) عن رجل مرض فلم يصم حتى
أدركه شهر رمضان آخر فقالا إن كان برء ثم توانى قبل أن يدركه الصوم الاخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه
فإن كان لم يزل مريضا حتى أدركه شهر رمضان آخر صام الذي أدركه وتصدق عن الأول لكل يوم مدا على مسكين وليس عليه قضاؤه وقال العلامة في المختلف
بعد نقل هذا الخبر للاحتجاج على ما استقر به من القول الأول تعليق الصدقة على التواني يشعر بالعلية لأنه وصف صالح وقد قارن حكما يحسن ترتبه عليه
فكان علة فيه قضية للمناسبة فينتفي مع انتفائه وأقول الظاهر أن هذا الاشعار لا يعارض منطوق خبر زرارة مع أن التواني في الشئ لا يفهم منه لغة
ولا عرفا ترك العزم عليه قال الجوهري الونى الضعف والفتور والكلال والاعياء وعلى هذا فلا يدل إلا على الترك والتأخير للكسل كما هو الظاهر من
476

حال المكلف في صورة تخلل الصحة في البين وتركه للقضاء وأيضا لو كان المراد ما ذكره (ره) لا يحسن مقابلته لدوام المرض كما سيشير إليه المصنف ويلزم أيضا عدم التعرض
لحكم التأخير لا للتواني وهو غير جيد في مثل هذا المقام والأصل وإن كان معه (ره) إلا أن ظواهر الاخبار ترفع حكمه وما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثم صح فإنما عليه لكل يوم أفطر فدية طعام وهو مد لكل مسكين قال وكذلك أيضا في كفارة اليمين وكفارة الظهار
مدا مدا وإن صح فيما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضي الصيام وإن تهاون به وقد صح فعليه الصيام والصدقة جميعا لكل يوم مد إذا فرغ من ذلك الرمضان
وربما خيل إن هذا الخبر أدل على القول الأول من خبر محمد بن مسلم ولكن الحق أنه ليس كذلك إذا الظاهر أن المراد بقوله (عليه السلام) وإن صح فيما بين الرمضانين فإنما عليه أن
يقضي الصيام بيان حكم وجوب الاتيان بالقضاء في البين فالمراد من قوله وإن تهاون به وقد صح بيان حكم تركه للقضاء مع الصحة مطلقا في البين فسمي ذلك
تهاونا لتفريطه بالواجب وتأخيره إياه من غير عذر وحكم عليه بالقضاء والصدقة قال الجوهري الهون السكينة والوقار فليس التهاون على هذا إلا عدم الاستعجال
الذي يؤل إلى التأخير وقال أيضا استهان به وتهاون به استحقره ولا بعد في إطلاق الاستحقار على تأخير الواجب عن وقته فينطبق هذا الخبر أيضا على قول
الصدوقين ولا يدل على القول الأول وما روى في التهذيب عن الكافي عن أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كان عليه من شهر رمضان
طايفة ثم أدركه شهر رمضان قابل فقال إن كان صح فيما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فإن عليه أن يصوم وأن يطعم عن كل يوم مسكينا وإن
كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام إن صح فإن تتابع المرض عليه فعليه أن يطعم عن كل يوم مسكينا وهذا الخبر كما ترى
لا يمكن الاستدلال به على شئ من الأقوال لاحتماله للمعاني المختلفة ويمكن تطبيقه على القول الأول بأن يكون المراد من قوله إن كان صح فيما بين ذلك حتى
أدركه شهر رمضان قابل استمرار صحته إلى الرمضان القابل مع تركه القضاء فحكم عليه بالقضاء والاطعام ويكون المراد من الشق الثاني تخلل الصحة في البين
ثم عود المرض في ضيق الوقت فحكم فيه بالقضاء خاصة والشق الثالث ظاهر في تتابع المرض واستمراره في
البين فحكم فيه بالكفارة خاصة ويمكن تطبيقه
على القول الثاني أيضا فإن أول الخبر ظاهر فيه والصيام في قوله فليس عليه إلا الصيام أن صح يمكن حمله على صيام الشهر القابل وقوله فإن تتابع المرض عليه لعلة
تكرير وتوضيح لما تقدم من استمرار المرض في البين ليفرع عليه وجوب الصدقة عن السابق ويحتمل أيضا أن يكون المراد من قوله إن صح خفة المرض بحيث يتمكن
الانسان معه عن قضاء الصيام فحكم فيه بسقوط الصدقة باعتبار عدم التهاون للمشقة التي في الصيام مع المرض ويكون قوله فإن تتابع المرض إلى آخره لبيان
حكم استمرار المرض الذي لا يمكن معه الاتيان بالقضاء وتجب الفدية مع القضاء على من ذكر بمد من طعام عن كل يوم آخره كما صرح به في خبر محمد بن مسلم وخبر
أبي بصير ويشعر به خبر أبي الصباح الكناني مع أصالة البراءة عن الزايد وظاهر كلام الشيخ في المبسوط كما نقلناه وجوب المدين على القادر على ما هو رأيه
في أكثر الكفارات ولا وجه له هنا على الظاهر والقياس على كفارة جزاء الصيد حيث يجب فيها نصف الصاع بدلا عن كل يوم كما ذكره في المختلف فإنما يمكن
في صورة استمرار المرض وسقوط القضاء لا في صورة تخلل الصحة ووجوب الكفارة والقضاء جميعا كما لا يخفى ويستحب مدان لمن تمكن خروجا من خلاف من أوجبهما
على الأصح ومقابله قول الشيخ (ره) بوجوب المدين كما عرفت لمستحقي الزكاة لحاجتهم كما هو المتبادر من التصدق الوارد في خبر زرارة ولا مسكين المصرح به المنفرد
الذكر في باقي الاخبار وقال صاحب المدارك ذكر الشهيد في الدروس ومن تأخر عنه إن مستحق هذه الصدقة مستحق الزكاة لحاجته والأجود اختصاصها بالمساكين
كما تضمنته رواية ابن مسلم وقد بينا فيما سبق إن المسكين أسوء حالا من الفقير وإن ما ذكره الشارح وغيره من دخول أحدهما تحت الاخر حيث يذكر أحدهما
منفردا غير واضح وأقول ادعى جده الاجماع على إرادة كل منهما من الاخر حيث يفرد وقوله المعتمد ولكن الأحوط ما ذكره ثم إن الشهيد الثاني جزم بعدم اعتبار التعدد في
مستحق الفدية ولكن ربما أشعر قوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير وهو مد لكل مسكين بالتعدد والاحتياط في مراعاته وظاهر الاخبار التصدق بقدر المد على مسكين
واحد وأطلق الصدوقان وجوب الفدية على من أدركه رمضان وكان قادرا فلم يقض وقد مر ذلك مفصلا واكتفى ابن إدريس بالقضاء خاصة وإن
توانى بالقضاء وآخره عن الشهر القابل من دون عزم عليه ولا مانع يمنعه عنه قال في المختلف واحتج ابن إدريس بأصالة البراءة وبأن أحدا من علمائنا لم يذكر
هذه المسألة سوى الشيخين أو من قلد كتبهما أو تعلق بأخبار الآحاد التي ليست حجة عند أهل البيت (عليهم السلام) وبما رواه سعد بن سعد عن رجل عن أبي الحسن
(عليه السلام) قال سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثم يصح بعد ذلك فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ما عليه في ذلك قال أحب له تعجيل الصيام
فإن كان آخره فليس عليه شئ وأجاب عنه بأن البراءة إنما يصار إليها مع عدم دليل الثبوت وشغل الذمة وقد بينا الأدلة وعدم ذكر أحد من أصحابنا
غير الشيخين لهذه المسألة ليس حجة على العدم مع أن الشيخين هما القيمان بالمذهب وكيف يدعى ذلك وابنا بابويه (ره) سبقا الشيخين بذكر وجوب الصدقة مطلقا
ولم يفصلا إلى التواني وغيره وكذا ابن أبي عقيل وهو أسبق من الشيخين وهؤلاء عمدة المذهب والحديث الذي رواه سعد بن سعد مرسل ضعيف السند مع احتماله
477

التأويل لان تأخير القضاء أمر كلي شامل للعزم وعدمه ونحن نقول بموجبه مع العزم وليس فيه إشعار للعدم ولا يدل عليه أقول ولقد بالغ في الانكار عليه بمثل
هذا أو أزيد المحقق (ره) في المعتبر ثم إن خبر سعد بن سعد يدل بظاهره على أن لا أثم أيضا في التأخير ولا يكاد يقول به محمد بن إدريس أيضا والتأويل والذي ذكره العلامة
مأخوذ من الشيخ في التهذيب ويمكن أن يقال أيضا أنه (عليه السلام) لما حكم بتعجيل القضاء بين أن لا أثم في التأخير فلا تجب الفورية ولم يتعرض للشقوق التي ذكرها السائل
للتأخير أو أراد بقوله ليس عليه شئ أنه لا يفسد صومه الحاضر ولا يفوت القضاء بحيث لا يمكن تداركه وخبر محمد بن مسلم يدفعه وكذا خبر زرارة وغيرهما كما عرفت
والمصنف خص خبر محمد بن مسلم بالذكر لأنه حجة ما أفتى به أو لا فذكره ليبحث عنه ويرجع إلى قول الصدوقين ولكنه أي خبر محمد بن مسلم جعل دوام المرض مقابل التواني
وهو يشعر بقول الصدوقين بوجوب الفدية والقضاء على من آخره قادرا من دون اعتبار التهاون ولعله الأقرب للاشعار المذكور مع تأييده بأخبار أخر
أيضا كما عرفت مفصلا ولو استمر المرض إلى رمضان آخر فالفدية لا غير للاخبار السالفة وغيرها ولأن وقت القضاء ما بين الماضي والآتي والعذر إذا استمر فيه
يسقط القضاء كما لو جن أو أغمي عليه من أول وقت الصلاة حتى خرج وقال الحسن القضاء لا غير والأول مروي بروايات عديدة والآية الكريمة تدل على قول الحسن
وتخصص بالاخبار كما هو دأبهم ونسب العلامة في المنتهى القول الثاني إلى أبي جعفر بن بابويه وقال وقول ابن بابويه عندي قوي لا تعارض الآية التي استدل بها الأحاديث
المروية بطريق الآحاد وقولهم إن وقت القضاء بين الرمضانين ممنوع ووجوب القضاء فيه لا يستلزم تعيينه له ولهذا لو فرط لوجب قضاؤه بعد الرمضان
الثاني انتهى وأوردوا عليه إن ذلك مخالف لما قرره في الأصول من أن عموم الكتاب يخص بأخبار الآحاد ورجح في المختلف القول الأول وأجاب عن احتجاج الحسن
بالآية بأن العموم قد يخص بأخبار الآحاد خصوصا إذا استفاضت واشتهرت واعتضدت بعمل أكثر الأصحاب واحتاط ابن الجنيد بالجمع بين القضاء والصدقة وهو
مروي أيضا في الموثق عن سماعة قال سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه فقال يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد
من طعام وليصم هذا الذي أدرك فإذا أفطر فليصم الرمضان الذي كان عليه فأني كنت مريضا فمر علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ثم أدركت رمضانا فتصدقت
بدل كل يوم مما مضى بمد من طعام ثم عافاني الله وصمتهن وأنت خبير بأن هذه الرواية مع ما في سندها لا يدل على عدم صحة الرجل في البين فيمكن حملها على الصحة
كما هو الظاهر لأصالة براءة الذمة عن الصدقة في غيرها فلم يبق إلا ما نقله (عليه السلام) من فعله نفسه ويحمل على الاستحباب كما يدل عليه صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم فأما أنا فأني صمت وتصدقت ويحمل على الندب كما عرفت
ولا يتكرر الفدية بتكرر السنين سواء آخر القضاء الواجب في السنة الأولى السنين العديدة أو الفدية الواجبة معه بالتأخير أو آخرهما أو آخر الفدية الواجبة بالاستقلال
بدلا عن الصيام لأصالة البراءة عن الزايد وعدم دليل على التكرار وقال الشيخ (ره) في الخلاف حكم ما زاد على عام واحد في تأخير القضاء حكم العام الواحد وبه قال أكثر
أصحاب الشافعي وقال بعضهم عليه عن كل عام كفارة دليلنا إجماع الفرقة وأيضا الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل انتهى وقال العلامة في المنتهى
لو أخر سنين أو ما زاد فيه تردد وللشافعي وجهان أحدهما تعدد الكفارة بتعدد السنين قياسا على الأول والثاني لا يجب لان الكفارة وجبت بالتأخير فلا
يجب بالتأخير أخرى والأخير أقرب لان الأصل براءة الذمة انتهى ونقل عن التذكرة الجزم بالتكرر ولا وجه له ظاهر أو لو فات عنه أكثر من رمضان واحد باعتبار
استمرار المرض في البين فلا ريب أنه يجب الفدية بدلا عن كل يوم من كل شهر كما يدل عليه الاخبار ولا فرق بين فوات رمضان واحدا وأكثر بسبب استمرار المرض في سقوط
القضاء ووجوب الفدية لعدم دليل على الفرق وقد ظهر من السنة إن القضاء يتعين بدل الفدية مع استمرار المرض فيطرد الحكم وقد يظهر من ابن بابويه على
في رسالته إن الرمضان الثاني يقضي بعد الثلاث وإن استمرار المرض وإنما قال يظهر لأنه يمكن حمل كلامه على بعد على البئر بين الثاني والثالث كما قاله في المختلف ولا
وجه له كما عرفت إلا تخيل أن بدلية الفدية عن القضاء إنما ظهرت من الاخبار صريحا في العام الواحد فيبقى حكم العام الثاني تحت عموم الآية الكريمة الدالة على
وجوب القضاء وهو ضعيف كما لا يخفى ثم أن الاخبار كما ترى قد وردت في المريض فلذا تعرض المصنف (ره) لحكم غيره من ذوي الأعذار كالمسافر فقال فروع
هل يلحق غير المريض به كالمسافر توقف فيه المحقق في المعتبر فقال هل يختص هذا الحكم بالمرض ظاهر كلام الشيخ في الخلاف لا بل كل ما فات بمرض وغيره هذا حكمه و
فيه إشكال لاختصاص النقل بالمرض وتظهر الفايدة للالحاق في وجوب الفدية المذكورة مع القضاء على القادر على القضاء في السنة الأولى المؤخر له عنها
مع فوات الصيام عنه بغير المرض وتظهر الفايدة أيضا في سقوط القضاء بالفدية عن العاجز بغير المرض عن الاتيان به عرض السنة وكلام الحسن والشيخ يؤذن
بطرد الحكم في ذوي الأعذار ويرد عليهما الاشكال الذي ذكره في المعتبر وربما قيل يطرد الحكم في وجوب الكفارة على القادر بالتأخير لان المرض أقوى الاعذار
فإذا وجبت الكفارة بالتأخير والتهاون على من فات عنه الصيام به فيجب بالتأخير على من فات عنه بالعذر الأضعف بطريق الأولى لا في سقوط القضاء
بالفدية بدوام العذر إذ لا وجه لقياس الأضعف على الأقوى والظاهر عدم الفرق في ذلك بين أن يكون سبب فوت الصيام والمانع عن القضاء جميعا غير المرض أو
478

يكون أحدهما غيره وهذا التفصيل أفاده العلامة (ره) في المختلف واستجوده الشهيد الثاني ولو مات من فات عنه الصيام لعذر شرعي قبل التمكن من القضاء
والظاهر أن المراد من التمكن الخلو من الاعذار الشرعية المانعة عن الصيام زمانا يمكنه فيه الاتيان بالقضاء فلا قضاء ولا كفارة لا على الولي ولا في ماله لان التكليف
بالصيام قد سقط عنه أداء وقضاء فلا يجب تلافيه ودل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ (ره) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال سألته عن رجل
أدركه شهر رمضان وهو مريض فتوفي قبل أن يبرء قال ليس عليه شئ ولكن يقضي عن الذي برء ثم يموت قبل أن يقضي وفي الصحيح عن أبي مريم عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال إذا مرض الرجل رمضان فلم يزل مريضا حتى يموت فليس عليه شئ وإن صح ثم مرض حتى يموت وكان له مال تصدق عنه فإن لم يكن له مال تصدق عنه وليه
وفي الكافي بسند آخر فيه ضعف عن أبي مريم وفي الفقيه صحيحا عن أبان بن عثمان عن عن أبي مريم عنه (عليه السلام) عنه وليه بدل تصدق عنه وليه وإضافة مكان
كل يوم بمد بعد قوله تصدق عنه وبسند يحتمل الصحة عن منصور بن حازم قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المريض في شهر رمضان فلا يصح حتى يموت قال
قال لا يقضي عنه والحايض تموت في رمضان قال لا يقضى عنها وفي الموثق عن سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل دخل عليه شهر
رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام ومات في شهر رمضان أو في شهر شوال قال لا صيام عليه ولا قضاء عنه قلت فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان
ولم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شهر شوال فقال لا يقضي عنها وفي الموثق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في الرجل يموت في شهر رمضان قال ليس على وليه أن يقضي عنه ما بقي من الشهر وإن مرض فلم يصم رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مضى رمضان وهو
مريض ثم مات في مرضه ذلك فليس على وليه أن يقضي عنه الصيام فإن لم يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضي
عنه لأنه قد صح ولم يقض ووجب عليه وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن امرأته مرضت في رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي
عنها قال هل برأت من مرضها قلت لا ماتت فيه قال لا يقضى عنها فإن الله لم يجعله عليها قلت فإني اشتهر أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك قال
قال فكيف تقضي شيئا لم يجعله الله عليها فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم وأنت خبير بأن ما ذكر من دليل سقوط التكليف وكذا الاخبار إنما يدل على
سقوط القضاء والفدية مع العجز عن الاتيان بالصيام باعتبار مرض أو حيض أو سفر واجب ونحوهما وأما المانع الشرعي الذي يتمكن المكلف من رفعه كالسفر
السايغ فلا دليل عليه بل الاخبار الآتية تدل على خلافه نعم أصل حكم وجوب الصيام على الولي أو تعلق الفدية أو الأجرة بمال الميت يحتاج إلى الدليل فلا بد
من النظر فيما يفيد دليله من العموم والخصوص ويستحب القضاء قال في المنتهى قال أصحابنا أنه يستحب القضاء عنه وهو حسن لأنها طاعة فعلت عن الميت فوصل
إليه ثوابها وفيه أنه ليس الكلام في التطوع بالصيام وإهداء ثوابه إليه بل في قضاء الفايت عنه والحكم بشرعيته يتوقف على الدليل لان الوظائف الشرعية
إنما يستفاد من النقل ولم يرد التعبد به بل الاخبار تفيد المنع عنه خصوصا خبر أبي بصير وإن أراد المصنف (ره) قضاء ما فات بالسفر فالعبارة لا تخلو عن قصورها كما ترى
وفي التهذيب يقضي وجوبا ما فات بالسفر ولو مات في رمضان لرواية منصور بن حازم وغيرها مما هو في حكمها باعتبار القصور عن إفادة حكم الوجوب من حيث السند
والمتن فروى منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يسافر في رمضان فيموت قال يقضي عنه وإن امرأة حاضت في رمضان فماتت لم يقض عنها والمريض
في رمضان لم يبرء حتى مات لا يقضي عنه وعن محمد وهو ابن مسلم في الموثق عن أبي عبد الله (عليه السلام) في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت وماتت
قبل أن يخرج رمضان هل يقضي عنها فقال أما الطمث والمرض فلا وأما السفر فنعم وقد روى مضمون هذا الخبر الأخير في في صحيحا عن أبي حمزة عن أبي جعفر
(عليه السلام) ولكن المتن لا يفي بإفادة حكم الوجوب كما ترى والسر فيه أي في هذا الفرق والتفصيل تمكن
المسافر من الأداء بالإقامة في أثناء السفر بخلاف المريض
وغيره من ذوي الأعذار هو أبلغ من التمكن من القضاء الذي يقولون بإيجابه للقضاء أو الفدية إذا كان تركه للسفر سايغا وأشار بهذا الاشتراط إلى عدم
جودة عموم كلام الشيخ في التهذيب حيث قال فأما ما يفوت الميت من الصوم في السفر فيجب القضاء عنه على كل حال ولو تمكن من فاته الصوم لعذر شرعي من القضاء
وأما من تركه بغير عذر ففيه كلام آخر ولا عبرة بالتمكن من القضاء في حقه ومات قبله فالمشهور وجوب القضاء على الولي سواء كان صوم رمضان أو لا بل واجب
آخر تمكن من فعله وسواء كان له مال أو لا ومع عدم الولي يتصدق من أصل ماله عن كل يوم بمد يدل على ذلك الأخبار المتقدمة إلا أن خبر أبي مريم الأنصاري
يدل على تقديم التصدق عن ماله على تصدق الولي أو صيامه ويدل عليه أيضا ما روى في (في) والفقيه التهذيب صحيحا عن محمد بن الحسن الصفار قال كتبت إلى
الأخير (عليه السلام) وكان المراد أبو محمد الحسن بن علي (عليهم السلام) كما صرح به في الفقيه في رجل مات وعليه قضاء من رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما أن
يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الاخر فوقع (عليه السلام) يقضي عنه أكبر وليه عشرة أيام ولاء إنشاء الله وكان اعتبار الولاء على جهة
الاستحباب وسؤال السائل عن جواز التبعيض على الوليين وتعيينه (عليه السلام) في الجواب الأكبر لا يخلو عن دلالة على الوجوب وقال الصدوق في الفقيه قال
479

مصنف هذا الكتاب وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته إلى محمد بن الحسن الصفار بخطه (عليه السلام) وما روي في الكافي في الحسن بن إبراهيم وبسند آخر فيه محمد بن إسماعيل عن
حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام قال يقضي عنه أولى الناس بميراثه قلت إن كان أولى الناس به امرأة فقال لا إلا الرجال
ومضمونه روى بسند فيه ضعف عن حماد بن عثمان عمن ذكره عنه (عليه السلام) وفيه بدل أولى الناس بميراثه أولى الناس به ثم إن إطلاق هذه الأخبار يقتضي عدم
الفرق بين ما كان الفوات لعذر أو غيره وهو ظاهر الأكثر وقد سبق في بحث الصلاة حكم المصنف (ره) بأنه يجب أن يقضي الولي جميع ما فات الميت ونقله عن ابن
إدريس وسبطه ابن بنته يحيى سعيد أنه لا يقضي إلا ما فاته في مرض موته وعن المحقق أنه يقضي ما فاته لعذر كمرض أو سفر أو حيض لا ما تركه عمدا وذكر في
الذكرى إن المحقق قال في البغدادية المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشعري الذي ظهر لي أن الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة لعذر كالمرض
والسفر والحيض لا ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه ثم قال المصنف (ره) وقد كان شيخنا عميد الدين ينصر هذا القول ولا بأس به فإن الفوات يحمل على الغالب من الترك
وهو إنما يكون على هذا الوجه أما تعمد ترك الصلاة فإنه نادر نعم قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرئ للذمة والظاهر أنه ملحق بالتعمد للتفريط ثم إن
كلام المصنف في هذا البحث يشعر باعتبار الترك للعذر كما عرفت وذلك أنسب بحكم الأصل وأمر الاحتياط واضح وقال المرتضى في الانتصار يتصدق عنه عن كل يوم
بمد من طعام فإن لم يكن له مال صام وليه وذلك موافق لخبر أبي مريم على ما روى في الفقيه والكافي ويفهم من المعتبر أنه رضي الله تعالى عنه ادعى إجماع الإمامية على
ذلك حيث قال بعد نقل خلاف الشيخ والمرتضى في تأخير الصدقة وتقديمها على صوم الولي وأنكر بعض المتأخرين الصدقة عن الميت وزعم أنه لم يذهب إلى القول
بها محقق وليس ما قاله صوابا مع وجود الرواية الصريحة المشتهرة وفتوى الفضلاء من الأصحاب ودعوى علم الهدى إجماع الإمامية على ما ذكره فلا أقل من أن
يكون ذلك ظاهرا منهم فدعوى المتأخر أن محققا لم يذهب إليه تهجم ثم إن خبر أبي مريم مع ما فيه من الاختلاف لا يعارض الأخبار الكثيرة الصحيحة وغيرها المروية
عن طرق العامة والخاصة الدالة على وجوب القضاء على الولي من غير تقديم شئ عليه أما الأخبار الخاصة فقد مر ذكرها وأما أخبار العامة فما روى عروة عن عايشة
عن النبي صلى الله عليه وآله قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه وما روى عن ابن عباس قال جاء رجل أو امرأته على اختلاف الروايات فقال يا رسول الله
أنا أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضه عنها قال لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها فقال نعم قال دين الله أحق أن يقضى وقال الحسن يتصدق عنه لا غير قال
ابن أبي عقيل على ما نقل عنه في المختلف قد روى عنهم (عليهم السلام) في بعض الأحاديث إن من مات وعليه قضاء من شهر رمضان صام عنه أقرب الناس إليه من أوليائه
كما يقضي عنه دينه وكذلك من مات وعليه صلاة قد فاتته وزكاة قد لزمته وحج قد وجب عليه قضى عنه وليه بذلك كله جاء نص الاخبار بالتوقيف عن آل
الرسول (عليهم السلام) على لسان عترته وشيعتهم وقد اعتل من قال من الشيعة بهذا الخبر بأن قال زعم من أنكر علينا هذا ممن خالفنا أن الميت جاز أن يحج عنه ولا يجوز أن
يصام ويصلي عنه ردا على رسول الله صلى الله عليه وآله وخلافا لامره وقد جاء الخبر في قضاء الصوم والصلاة عن الميت كما جاء في قضاء الحج عنه فلم كان أحدهما
أولى بالقضاء من الاخر لولا التحكم في دين الله والخروج عما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد روى أنه من مات وعليه صوم من رمضان تصدق عنه كل يوم
بمد من طعام وبهذا تواترت الاخبار عنهم (عليهم السلام) والقول الأول مطرح لأنه شاذ انتهى ولا يخفى ما في كلامه طاب ثراه من عدم التلائم بين أجزائه فإن
أوله والتعليل الذي ذكره من بعض الشيعة يدل على ظهور التوقيف والتنصيص عن آل الرسول صلى الله (عليه وعليهم السلام) بقضاء الولي وآخر كلامه صريح في شذوذ
ذلك وتواتر خلافه عنهم (عليهم السلام) والتواتر الذي ادعاه هو أعلم به إذ الاخبار الواصلة إلينا في خلافه بلغت حدا الاستفاضة كما عرفت واحتج له العلامة
في المختلف بخبر أبي مريم كما في التهذيب وبقوله تعالى وإن ليس للانسان إلا ما سعى وأمر الخبر قد عرفته وأوله في المختلف أيضا بما إذا لم يكن له ولى من الأولاد الذكور
وأجاب عن الآية بأن الثواب للانسان إنما هو بسعيه ونحن لا نقول أن الميت يثاب بصوم الحي بل إن مات وعليه صوم كان ذلك سببا لوجوب الصوم على الولي
وسمى قضاء لان سببه التفريط المتقدم والثواب للحي لا للميت انتهى وأقول هذا الجواب لا يخلو عن شئ لان القول بأن الولي يجب عليه الصوم بترك المورث له وينويه
نيابة عنه ويثاب عليه ولا نفع فيه للمورث أصلا مستبعد جدا لا يرضى به العقل السليم مع استفاضة آثار أهل البيت (عليهم السلام) بخلافه كما روى عن الصادق
بأسناد كثيرة من عمل من المسلمين عملا صالحا عن ميت أضعف الله أجره ونفع الله به الميت وغير ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب وإن قلنا بوصول نفع منه إليه
فينافيه ظاهر الآية الكريمة وإن لم يسم ذلك ثوابا فلا مفر إلا بتخصيص الآية أو القول بأن ذلك نتيجة سعيه في تحصيل الايمان وأصول العقايد المسوغة للنيابة
عنه فهو مستند إليه قال المصنف (ره) في الذكرى بعد نقل أقوال العامة في مسألة انتفاع الميت بعمل الحي واحتج مانع لحوق ما عدا الدعاء والصدقة والحج عن الميت
بقوله تعالى وإن ليس للانسان إلا ما سعى وبقول النبي صلى الله عليه وآله إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح
يدعو له وعلى هذين اعتمد الثوري وغيره والجواب أنهما عام مخصوص بمحل الوفاق فمهما أجيب عنه فهو جوابنا وهذا كاف في الجواب ثم نقول الأعمال الواقعة
480

نيابة عنه بعد موته نتيجة سعيه في تحصيل الايمان وأصول العقايد المسوغة للنيابة عنه فهي مستنده إليه وأما الخبر فدال على انقطاع عمله وهذا يصل إليه من
عمل غيره انتهى وأورد الرازي والنيشابوري في تفسيرهما الايراد بالأخبار الواردة في انتفاع الميت بعمل القريب وهو ليس من سعيه وبقوله تعالى من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها والاضعاف فوق ما سعى واجبا تارة بأن سعى غيره وكذا الأضعاف لما لم ينفعه إلا مبنيا على سعي نفسه وهو أن يكون مؤمنا
صالحا كان سعى نفسه وتارة بأن ذلك كان في شرع من تقدم ثم أنه تعالى نسخه في شريعتنا وجعل للانسان ما سعى وما لم يسع وقال البيضاوي إلا ما سعى
أي إلا سعيه أي كما لا يؤاخذ بذنب الغير لا يثاب بفعله وما جاء في الاخبار من أن الصدقة والحج ينفعان الميت فلكون الناوي له كالنائب عنه انتهى ولا
محصل له عند التأمل لان فعل النايب إذا كان على جهة التبرع أو إيجاب الغير إياه من دون جعل واستنابة من المنوب عنه لا يعد فعل المنوب عنه وسعيه إلا بعد
ملاحظة أن الباعث عليه أمر من جهة المنوب عنه كأيمانه أو خلته أو قرابته ونحوها فيرجع إلى ما نقلناه عن غيره ثم يمكن تصحيح كلام العلامة (ره) بعد اختيار
انتفاع الميت بعمل القريب بأن مراده إن المنفي في الآية الاجر الذي على سبيل الاستحقاق والاختصاص كما يفهم من اللام والنفع الواصل إلى الميت بعمل القريب
ليس لاستحقاق الميت ذلك بل لاستحقاق القريب بسبب كمال حسن فعله كرامة من نسب إليه ورفع هو أنه كما ينتفع من لا يستحق الاحسان أو العفو بشفاعة الغير
إياه واستغفاره ودعائه له وقد أشار طاب ثراه بلفظ الثواب إلى ذلك لأنه النفع المستحق المقارن للتعظيم والاجلال ويمكن توجيه كلام البيضاوي أيضا
بأن المراد أنه كما لا يؤاخذ أحد بذنب غيره لا يثاب بفعله وإن كان ولدا أو والدا أو قريبا أو صديقا بل كل أحد يملك ما يفعله ويستحق أجره ولا ينافي ذلك
أن يملكه الغير بتمليكه إياه وإعطائه له وإتيانه به نيابة عنه وذلك كما يقول السلطان العادل كل أحد يملك ماله ولا تعطى مثقال ذرة مما ملكه أحد غيره ولا
ينافي ذلك تسلط الناس على أموالهم بإعطاء الغير هبة أو صلة أو صدقة وهل لا ينقبض العقل عن أن يكون تسلط الناس على الحقوق الأخروية أنقص
من تسلطهم على الأموال الدنيوية وقد مر البحث عن ذلك سابقا في مسألة تبرع الغير بالكفارة وقال الحلبي مع عدم الولي يصام عنه من ماله كالحج قال في
المختلف احتج أبو الصلاح بأنه صوم وجب عليه ولم يفعله فوجب قضاؤه عنه بالأجرة كالحج والجواب المنع من الملازمة والمساواة للحج فإن الحج لا يجب على
الولي والصوم هنا يجب عليه والأول أصح لما عرفت من دلالة الأخبار الكثيرة على وجوب القضاء علي الولي ولكن الكلام في وجوب الصدقة من ماله
إن لم يكن له ولي إذ لا دليل عليه إلا خبر أبي مريم ولا يدل على ما ذكروه من أن الصدقة مع فقد الولي إلا أن يأول بما نقلناه عن العلامة طاب ثراه والشيخ
يقول يتصدق وبمدين فإن عجز فمد وما ذكره المصنف (ره) والجماعة من وجوب المد أوفق للأصل ما ورد في خبر أبي مريم والمرأة هنا كالرجل على الأصح كما هو
رأى الشيخ وابن البراج والعلامة لان الغالب تساوي الذكور والإناث في الأحكام الشرعية التكليفية ويدل عليه صحيحة أبي حمزة وموثقة محمد بن مسلم
وخبر أبي بصير وفي دلالتها على الوجوب تأمل كما عرفت وقال محمد بن إدريس الصحيح من المذهب والأقوال إن إلحاق المرأة في هذا الحكم بالرجال يحتاج
إلى دليل وإنما إجماعنا منعقد على الوالد بتحمل ولده الأكبر ما فرط فيه من الصيام ويصير ذلك تكليفا للولد وليس هذا مذهبا لاحد من أصحابنا
وإنما أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا انتهى وما ذكره من عدم انعقاد الاجماع على حكم المرأة فغير ضاير للعالمين بالاخبار إن تم دلالتها على الوجوب وما
يشعر به كلامه من انعقاد الاجماع على العدم حيث قال وليس هذا مذهبا لاحد من أصحابنا فيشكل قبوله مع ذهاب الشيخ إليه وما أفاده من أن الشيخ أورده
إيرادا لا اعتقادا فبعيد هذا من كلام الشيخ في المبسوط حيث قال وحكم المرأة في هذا الباب وحكم الرجل سواء وكذلك ما يفوتها في أيام حيضها وجب عليها
القضاء فلن لم تقض وماتت وجب على وليها القضاء عنها إذا فرطت أو يتصدق عنها على ما قدمناه وما ذكره من الصدقة فعلى تقدير عدم الولد الذكر
كما يفهم من سابق كلامه وقال العلامة في المختلف وقوله ليس هذا مذهبا لاحد من أصحابنا جهل منه وأي أحد أعظم من الشيخ (ره) خصوصا مع اعتضاد
قوله بالروايات والأدلة العقلية مع أن جماعة قالوا به كابن البراج ونسبته قول الشيخ إلى أنه إيراد لا اعتقاد غلط منه وما يدريه بذلك مع أنه لم يقتر
على قوله بذلك في النهاية بل وفي المبسوط أيضا انتهى وتردد المحقق في المسألة وكأنه في محله ويلزم مراعاة الاحتياط مهما أمكن أما العبد فمشكل أن يكون في
حكم الحر في وجوب قضاء ما فات عنه على الولي لأصالة البراءة وعدم التصريح به في النص بخلاف المرأة لما عرفت من عدم خلو الاخبار عن التنصيص بها
والمساواة قريبة لشمول الرجل الوارد في النصوص له كما يشمل الحر ولمساواته له في أكثر الاحكام ويمكن ادعاء ظهور الاخبار في إفادة حكم الحر باعتبار ذكر
الصدقة عن ماله وذكر الولي فيبقى العبد على حكم الأصل كما ذهب إليه بعض الأصحاب والاحتياط في القضاء ثم الولي عند الشيخ أكبر أولاده الذكور لا غير
فقال في المبسوط والولي هو أكبر أولاده الذكور فان كانوا جماعة في سن واحد كان عليهم القضاء بالحصص أو يقوم به بعضهم فيسقط عن الباقين وإن كانوا
إناثا لم يلزمهن القضاء وكان الواجب الفدية من ماله عن كل يوم بمدين من طعام وأقله مد ثم المراد من الأكبر من ليس له أكبر منه وإن لم يكن له ولد متعددون
481

كما صرحوا به وقال العلامة في المختلف ابن حمزة وافق الشيخ وكذا ابن إدريس قال وهو الأقرب لنا الأصل براءة الذمة خالفناه في الولد الذكر للنقل والاجماع
عليه ولاختصاصه بالحباء من التركة فيبقى الباقي على أصل الدليل وما رواه حماد بن عثمان وذكر مرسلة حماد المتقدمة أقول وحسنة حفص البختري أيضا مثل هذه
المرسلة في الدلالة على ذلك والمصنف (ره) في اللمعة رجح هذا القول وهو المشهور بين المتأخرين وعند
المفيد لو فقد أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور فإن
فقدوا فالنساء مع مراعاة الكبر والحاصل كما صرح به بعضهم أنه يجب القضاء مع فقد الولد الذكر على كل وارث حتى المعتق وضامن الجريرة والزوج والزوجة
ويقدم الأكبر فأكبر من الذكور ثم الإناث كذلك وهو ظاهر القدماء كالصدوقين وقريب منه قول ابن الجنيد وابن البراج على ما نقل عنهم والاخبار والمختار لما
ورد في الاخبار من أنه يقضي عنه مطلقا ومن أنه يقضى الولي وهو يطلق على أولى الناس بميراثه فيشمل جميع من ذكرناه ومن أنه يقضي أولى الناس بميراثه كما في
حسنة حفص وهو نص في المطلوب وآخرها لا ينافي ذلك لأنه كما يحتمل أن يكون السؤال عن حال المرأة مع فقد الرجال يحتمل أن يكون حالها حال كونها أولى
بالميت من الرجال وأكثر حظا من الإرث عنهم فلا يمكن بمجرد ذلك الحكم بسقوط الوجوب الذي علم من أول الخبر مطلقا عن النساء ولكن يخدش ذلك ظهور العبارة
في الأول معاضدة حكم الأصل له وقد روى في الفقيه أيضا عن الصادق (عليه السلام) إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان يقضي عنه من شاء من أهل
بيته وروى الشيخ عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه قال يقضيه أفضل أهل بيته وأهل البيت
شامل للذكور والإناث وكأنه لا يخلو ذلك عن دلالة على أن المطلوب تحصيل القضاء على الوجه الكامل وبرائة ذمة الميت وما ذكره العلامة من اختصاص الذكر بالحباء
ففيه أنه لا يفهم من الاخبار أنه علة الحكم وإن كانت مناسبة ويحتمل أيضا أن يكون ذلك منشأ الحكم في الغالب وإن وجد الحكم بدونه نادرا ثم الحكم بوجوب القضاء
على المرأة من ملاحظة هذه الأخبار على ما ترى لا يخلو عن إشكال وإن كان الأحوط أن تفعله ولو كان له وليان فصاعدا متساويان في السن والبلوغ وعدمه
توزعوا على عدد رؤوسهم كما سبق في كلام الشيخ في المبسوط لتعلق التكليف بهم مع عدم ما يفيد ترجيح بعضهم فلا بد لهم من الاتيان بالمكلف به على التوزيع
إلا أن يتبرع به بعضهم فيسقط عن الباقين لحصول الغرض وهو تحصيل براءة ذمة الميت هذا إذ قلنا بأن الغرض من هذا التكليف تحصيل البراءة كما يفهم من الاخبار وسيجئ من المصنف ما يدل
على ترجيحه أما لو قلنا بتعلق وجوب الصوم بذمة الولي فيشكل الحكم ببراءة ذمته بفعل غيره تبرعا كما ذهب محمد بن إدريس والعلامة في المنتهى إلى عدم الاجتزاء
بفعل المتبرع وإن وقع بإذن من تعلق به الوجوب لأصالة عدم سقوط الفرض بفعل غيره ويمكن الفرق بين تبرع أحد المكلفين اللذين تعلق بهما خطاب واحد
متعلق بفعل يمكنه توزيعه عليهما وبين تبرع الغير في الاتيان بما توجه به الخطاب إلى غيره إذ الظاهر أن الوجوب في الصورة الأولى من قبيل فروض الكفاية بخلاف
الصورة الثانية وربما أشعر كلام المصنف بذلك الفرق حيث جزم بالسقوط هنا وجعل سقوطه بتبرع الغير بفعله احتمالا كما سيأتي وقال القاضي يقرع بينهما لأنها
لكل أمر مشكل وترجيح أحدهما لذلك من غير ظهور مرجح مشكل فيجب أن يقرع له ويضعف بأن القرعة لاستخراج ما تعين في الواقع واشتبه عندنا وتعين أحدهما
في الواقع لذلك التكليف غير ظاهر بل الظاهر توجه الخطاب إليهما للاتيان بذلك الفعل فبالاتيان به على التوزيع يخرجان عن عهدة التكليف وقال ابن إدريس
لا قضاء فقال والذي يقتضيه الأدلة ويجب تحصيله في هذه الفتيان أنه لا يجب على واحد منهم قضاء ذلك لان الأصل براءة الذمة والاجماع غير منعقد على ذلك
والقائل بهذا شيخنا أو جعفر الطوسي (ره) والموافق له من أصحابنا المصنفين قليل جدا والسيد المرتضى لم يتعرض لذلك وكذلك شيخنا المفيد وغيرهما من
المشيخة وإنما أجمعنا على تكليف الولد الأكبر وليس هنا ولد أكبر والتعليل غير قائم هنا من استحقاقهم السيف والمصحف وثياب بدنه انتهى أقول الاجماع إن
كان فعلى الولد الأكبر والمراد به كما صرح به بعضهم من ليس أكبر منه فيشمل المتعدد المساوي في السن ولو حمل الأكبر على ظاهره يلزم سقوط القضاء عن الولد
الذكر الواحد والظاهر أنه لا يقول به أحد وعدم تعرض بعض المشايخ لخصوص المسألة لا يدل على عدم قولهم وما ذكرناه هو مراد العلامة حيث قال في المختلف
وقوله ليس هذا أكبر ليس بجيد بل كل واحد منهم أكبر فقول صاحب المدارك بأن قول العلامة كل واحد يصدق عليه أنه أكبر غير واضح ليس بجيد بل كلام
العلامة أجود مما ذكره في جواب ابن إدريس من أن اختصاص الأكبر إنما هو مع وجوده لا مطلقا إذ يمكن المناقشة على ظاهره بأنهم يعتبرون الكبرى في جميع طبقات
الوارث كما عرفت وبعد التنقيح يؤول إلى ما أفاده العلامة (ره) ثم عدم انعقاد الاجماع غير ضائر مع شمول الاخبار له بإطلاقها كما ورد أنه يقضى عنه ويقضي الولي
ويقضي من شاء من أهل بيته ويقضي أفضل أهل بيته وأنه بمنزلة الدين لا بد أن يقضي وما ورد في مكاتبة محمد بن الحسن الصفار لا يدل إلا على عدم مشاركة الصغير للكبير لا
على عدم تشارك المتساويين ومن المستبعد جدا أن يكون وجود موافق في السن للولد الأكبر الذكر مانعا عن تعلق الوجوب به وباعثا على بقاء الدين على الميت
وما ذكره من عدم قيام التعليل فمع كونه في خبر المنع غير ضاير كما عرفت والأول أثبت كما بيناه ثم لو اختلف الوليان في البلوغ مع تساويهما في السن
فالظاهر اختصاص البالغ بالخطاب ولو اختص أحدهما بكبر السن والاخر بالبلوغ بالانبات أو الاحتلام ففي تقديم أيهما نظر ولا يبعد ادعاء ظهور الأكبر في الأكبر
482

بحسب السن فيجب عليه بعد بلوغه وقرب الشهيد الثاني في المسالك تقديم البالغ فروع خمسة على مسألة وجوب القضاء على الولي الأول لو
استأجر الولي غيره فالأقرب الجزاء سواء قدرا وعجز لما عرفت من أن الظاهر أن الواجب على الولي تحصيل القضاء وإبراء ذمة الميت وهو يحصل بصيامه و
استيجاره الغير للصيام والقائل بالمنع يقول الصوم عبادة وجبت على الولي فلا تبرء ذمته بفعل غيره إياها في حياته ولا ريب أن الأحوط مباشرته مع القدرة ومع العجز ينتظر القدرة
ومع اليأس الأحوط الاستيجار ووجوب الاستيجار احتمال على رأي المصنف من أن الواجب على الولي تحصيل القضاء ولعل المانع عن الاستيجار يقول بوجوب
الفداء حينئذ ولو تبرع الغير بفعله احتمل ذلك لحصول براءة ذمة الميت بفعل الغير فلا وجه لقضاء الولي عنه ثانيا ويحتمل عدم الاجزاء أيضا إذ لم يحصل من الولي
ما يوجب براءة ذمة الميت وقد وجب عليه ذلك وهذا بخلاف صورة استيجاره لحصول ما يوجبها منه ولذلك حكم المصنف بأقربية أجزاء الاستيجار وجعل ذلك
احتمالا الثاني لو مات الولي ولما يقض فإن لم يتمكن من القضاء فلا شئ على وليه من الصيام لان ذلك ليس أولى مما يجب عليه بالأصالة ولم يتمكن من فعله
حيث لا يجب على وليه كما عرفت ويحتمل وجوب الصدقة من مال الميت الأول فإن لم يكن له مال فيحتمل وجوب الصدقة من مال الولي كما في رواية أبي مريم
في التهذيب وإن تمكن الولي من القضاء ولما يقض حتى مات فالظاهر الوجوب عليه أي وجوب القضاء على وليه لقول الصادق (عليه السلام) في حسنة حفص في الرجل
يموت وعليه صلاة أو صيام قال يقضي عنه أولى الناس بميراثه ويحتمل الصدقة من تركته والاستيجار باعتبار أن المتبادر من صلاة أو صيام عليه ما وجب
عليه بالأصالة فلا دليل على وجوبه على ولي الولي وقد علم وجوب إبراء ذمة الميت الأول على الولي فيجب الصدقة أو الاستيجار من مال الولي ويبعد
جدا القول بوجوب الصدقة من مال الميت الأول باعتبار إن ذلك في حكم فقد الولي الثالث لو انكسر يوم على الوليين المتساويين في السن بأن
يكون العدد وترا فكفرض الكفاية تبرء ذمتهما بإتيان أحدهما به فلن لم يقم به أحدهما مقدما على الاخر وجب عليهما فإذا صاما معا وجوبا فلو كان من
قضاء رمضان وأفطرا فيه بعد الزوال فالأقرب عدم الكفارة لأصالة البراءة وما ورد من الامر بها فالمتبادر ما يقضيه المكلف عن نفسه فيبقى الباقي
تحت حكم الأصل وقد علم من ذلك حكم ما يقضيه الولي عن الميت من غير مشارك ولو قلنا بها ففي تعددها إذ يصدق على كل منهما أنه أفطر في الصوم الواجب
من قضاء رمضان بعد الزوال فيجب عليه الكفارة بالأصالة أو اتحادها لان الواجب حقيقة صوم واحد أخلا به فيجب كفارة واحدة ثم مع الاتحاد يمكن
كونها عليهما بالسوية لاشتراكهما في علة الاخلال وتساويهما فيها أو كونها فرض كفاية كأصل الصوم إذ المعلوم توجيه خطاب الكفارة إليهما باعتبار
الاخلال بهذا الصوم المشترك وجوبه عليهما كفاية فوجوب الكفارة أيضا من باب الكفاية فبأداء الواحد تبرء ذمتهما ومع الترك يأثمان نظر لما عرفت
من عدم خلو كل من الاحتمالات الثلاثة من وجه ولو أفطر أحدهما فلا شئ عليه من الاثم والكفارة إذا ظن بقاء الاخر لان قيام الاخر به يسقطه عنه و
يحتمل الاثم لاخلاله بالصوم الذي دخل فيه على الوجوب بعد الزوال ولو أفطر الاخر أيضا مع علمه بإفطار الأول فيختص بالإثم والكفارة إن قلنا بها
ولو ظن هو أيضا بقاء الأول فظهر خلاف ظنه فالظاهر سقوطهما عنهما وإلا أي وإن لم يكن له ظن ببقائه ولكن اتفق بقاؤه أثم لا غير إلى ولا كفارة لما ظهر
من بقاء الاخر على الصوم الرابع لو أستأجر أحدهما صاحبه على الجميع بطل في حصة الأجير لوجوبها عليه فلا يجوز له أخذ الأجرة عليها ولو استأجره على
ما يخصه أي يخص المستأجر فالأقرب الجواز لان الأقرب جواز استيجار الولي للغير كما سبق واختصاص الغير بوجوب البعض عليه لا يمنعه من أن يؤجر نفسه لما
يختص بالشريك الخامس لو تصدق الولي بدلا عن الصوم من مال الميت أو ماله لم يجز لان الواجب على الولي تحصيل الصوم إبراء ذمة الميت كما ظهر من
الاخبار ولا دليل شرعا على قيام الصدقة مقامه هنا إلا خبر أبي مريم وهو يفيد تعيين الصدقة على ما روى في التهذيب أو تقديمها من مال الميت على صيام
الولي على ما روى في غيره وليس ذلك مذهب المصنف والأكثر كما عرفت ويظهر من كلام الشيخ التخيير بين الصيام والصدقة حيث قال في المبسوط وكل صوم كان
واجبا عليه بأحد الأسباب الموجبة له متى مات وكان متمكنا منه فلم يصمه فإنه تصدق عنه أو يصوم عنه وليه وكأنه (ره) أجمل ذلك تعويلا على ما فصله أول
كلامه في قضاء شهر رمضان فقال من فاته شئ من شهر رمضان لمرض لا يخلو حاله من ثلاثة أقسام أما أن يبرء من مرضه أو يموت فيه أو يستمر به المرض إلى رمضان آخر
فإن برء وجب عليه القضاء فلن لم يقض ومات فيما بعد كان على وليه القضاء عنه والولي هو أكبر أولاده الذكور فإن كانوا جماعة في سن واحد كان عليهم
القضاء بالحصص أو يقوم به بعض فيسقط عن الباقين وإن كانوا إناثا لم يلزمهن القضاء وكان الواجب الفدية من ماله عن كل يوم بمدين من طعام و
أقله مد انتهى فالظاهر من ملاحظة هذا الكلام أنه (ره) أراد بقوله فإنه تصدق عنه أي إن لم يكن له ولي وقوله أو يصوم عنه وليه أي إن كان له الولي فيطابق ما
صححه المصنف طاب ثراه نعم لو كان عليه شهران متتابعان سواء كانا عليه على التعيين كالمنذورين وكفارة الطهارة مع قدرته على الصيام وعجز عن العتق
أو على التخيير ككفارة رمضان صام الولي شهر أو تصدق من مال الميت عن آخر وليكن الشهر الذي يصومه الولي الشهر الثاني فلا يلزمه تتابعه وإليه ذهب
483

الشيخ (ره) في النهاية بخلاف ساير كتبه لرواية الوشاء عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سمعته يقول إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين
من علة فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول ويقضي الثاني وأوجب ابن إدريس قضائهما على الولي كساير ما يجب من الصيام على الميت إلا أن يكونا من كفارة
مخيرة فيخير الولي بين أن يصومهما وبين أن يكفر من ماله قبل قسمة تركته ولا يجزيه إلا أن يفعل من الكفارة جنسا واحدا أما صياما أو طعاما وتابعه
الفاضلان المحقق والعلامة في بعض كتبهما لضعف الرواية باعتبار سهل بن زياد قال في المختلف اختلف قول الشيخ فيه فتارة وثقة وتارة ضعفه
والنجاشي ضعفه وكذا قال ابن الغضايري وقال كان ضعيفا جدا فاسد الرواية والمذهب فكيف يجوز التعويل على روايته والأول ظاهر المذهب
ووجه ظهوره غير ظاهر لنا لاستلزامه تبعض جنس الصدقة وهو خلاف ظاهر المذهب ولا يخلو عن تناف أيضا لعموم بعض الاخبار السالفة أو إطلاقها
وقال العلامة في المنتهى وفي طريق هذه الرواية سهل بن زياد وهو ضعيف غير إن العمل بمضمونها حسن لما فيه من التخفيف على الولي وضعف ما أفاده
(ره) في وجه الحسن غير خفي درس يجب الامساك مع عدم صحة الصوم في متعمد الافطار لغير سبب مبيح للافطار لأنه يجب عليه شرعا الامساك طول
النهار والافطار المحرم لا يسوغ له الفطر ثانيا ووجوب الكفارة عليه مبني على مسألة تكرر الكفارة بتكرر الافطار وقد مر البحث عنها مفصلا وكذا
يجب الامساك مع عدم صحة الصوم في المتناول يوم الشك قبل ظهور أنه من الشهر فيظهر وجوبه بعد ذلك في أثناء النهار للمنع الوارد شرعا عن التناول
نهار رمضان وادعى الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه أيضا وقال العلامة في المنتهى وروى عن عطا أنه قال يأكل بقية يومه ولا نعلم أحدا قاله سواه
إلا في رواية عن أحمد ذكرها الخطاب واحتجوا بالقياس على المسافر وهو خطأ لان للمسافر الفطر ظاهرا وباطنا بخلاف صورة النزاع فلو أفطر
بعد ظهور الوجوب كفر لتناوله عمدا في نهار رمضان بعد علمه بكونه من رمضان ويحتمل عدم وجوب الكفارة لعدم مصادفة الافطار للصوم وقد مر في بحث
وجوب الكفارة ما يفي بإفادة حكم ذلك ويجب الامساك عن جميع المحرمات مؤكدا في الصوم وإن لم يفسد
بارتكابها وقد مر ذلك سابقا حيث قال وكل ما يحرم
في غير الصوم يتأكد فيه كالمسابة والكذب وفي التحاسد أي الامساك عنه قول للشيخ بالاستحباب فقال (ره) في النهاية والذي الأولى الامساك عنه فالتحاسد
وقال ابن إدريس الامساك عنه واجب وقربه في المختلف لعموم النهي عن الحسد والنهي يقتضي التحريم أقول وقد ورد النهي عنه في خصوص الصوم أيضا كما مر في بحث
المسابة في رواية جراح المدايني عن الصادق (عليه السلام) فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولعله أراد به ما يخطر بالقلب
من غير أن يتفرع عليه قول أو فعل وعدم حرمته واضح حينئذ والنهي التنزيهي عنه يرجع إلى النهي عن مقدماته والسعي في تذكر ما يوجب سلبه عن القلب ولو أكره
المجنون أو المسافر الغير الصايم زوجته فلا تحمل لهما عن الزوجة للكفارة أو القضاء أما الأول فلرفع القلم عنه وأما الثاني فلما مر في بحث إكراه الرجل زوجته
وكان اللايق ذكره هذه المسألة هناك ولا كفارة ولا قضاء على الزوجة أيضا لتحقق الاكراه كأم عرفت سابقا وتجب الفدية بما سيأتي على الحامل المقرب أي
القريب ولادتها والتخصيص بالمقرب باعتبار إن الخوف على الولد بسبب الصوم إنما يكون غالبا في تلك الحالة أو المرضع القليلة اللبن فيقل لأجل الصوم أيضا فيحصل
الخوف على الولد إذا خافتا على الولد من الاتيان بالصوم وسيجئ حكم خوفهما على نفسهما في الفروع مع القضاء متعلق بقوله الفدية ويدل عليه ما روى في الكافي
والفقيه والتهذيب صحيحا عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان لأنهما
لا تطيقان الصوم وعليهما أن يتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطر فيه بمد من طعام وعليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد وكذا يجبان الفدية
والقضاء على من به عطاش فيزول ويتمكن من القضاء ويجبان أيضا على الشيخ والشيخة إذا أمكنهم القضاء باعتبار التفاوت الذي يحصل بسبب اختلاف الفصول
في طول النهار وقصره وحره وبرده في المزاج باعتبار قوته وضعفه أما وجوب الفدية فلما ورد مطلقا من وجوب الفداء عليهم بالافطار وأما القضاء فلان
المتمكن منه يشبه المريض فيلزمه القضاء وأنت خبير بأن الظاهر أن الفدية فيهم بدل من القضاء كما تشعر به الآية الكريمة حيث أوجب فيها القضاء على المسافر و
المريض والفدية على اللذين يطيقونه أي يصومونه جهدهم وطاقتهم أو يطوقونه على اختلاف القراءات أي يكلفونه أو يقلدونه من الطوق بمعنى الطاقة أو
القلادة فإن أوجبنا عليهم الفدية فلا وجه للقضاء مع أصالة براءة الذمة وإن أوجبنا القضاء باعتبار إن عذرهم نزل منزلة المرض فيجب عليهم القضاء
خاصة فالحكم بوجوب الجمع مشكل جدا كيف وقد ورد في الخبر الصحيح الحكم بنفي القضاء كما روى عن محمد بن مسلم في الصحيح قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول
الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ويتصدق كل واحد في كل يوم بمد من طعام ولا قضاء عليهما فلن لم يقدرا فلا شئ
عليهما وإلا أي وإن لم يرج برء ذي العطاش ولم يتمكن من القضاء ولا يمكن الشيخ والشيخة القضاء فالفدية لا غير لعدم تمكنهم من القضاء ولا تكليف بما لا يطاق
وقال المفيد والمرتضى وسلار بن عبد العزيز ومحمد بن إدريس إن عجز الشيخ والشيخة عن الصيام أصلا فلا فدية ولا قضاء بالطريق الأولى وإن أطاقاه بمشقة
484

فديا خاصة قال الشيخ في التهذيب بعد نقل هذا التفصيل من شيخه المفيد هذا الذي فصل به بين من يطيق الصيام بمشقة وبين من لا يطيقه أصلا فلم أجد
به حديثا مفصلا والأحاديث كلها على أنه متى عجزا كفرا عنه والذي حمله على هذا التفصيل هو أنه ذهب إلى أن الكفارة فرع على وجوب الصوم ومن ضعف
عن الصيام ضعفا لا يقدر عليه جملة فإنه يسقط عنه وجوبه جملة لأنه لا يحسن تكليفه للصيام وحاله هذه وقد قال الله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها و
هذا ليس بصحيح لان وجوب الكفارة ليس بمبنى على وجوب الصوم لأنه ما كان يمتنع أن يقول الله تعالى متى لم تطيقوا الصيام صار مصلحتكم في الكفارة وسقط وجوب
الصوم عنكم وليس لأحدهما تعلق بالآخر انتهى والظاهر أن نظر المفصل كما أفاده العلامة في المختلف إلى الآية الكريمة حيث أوجب فيه الفدية على الذين يطيقونه
وهم الذين يقدرون على الصوم لكلفة كما عرفت ثم جعل الصوم خيرا لهم فعلم أيضا قدرتهم عليه في الجملة فمن لم يقدر عليه أصلا لا فدية عليه بحكم المفهوم
مع ظهور سقوط التكليف بالصوم عنه باعتبار العجز المطلق والأصل براءة الذمة من وجوب بدل وما ذكره الشيخ من أنه ما كان يمتنع أن يقول الله تعالى
فحق ولكن الكلام في وقوع هذا القول لا في جوازه فلا بد من التأمل في الاخبار هل يفيد حكم وجوب الفدية عموما بحيث يعارض مفهوم الآية الكريمة وأصالة
البراءة أم لا فنقول منها ما تقدم ذكره من صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ولا يبعد ادعاء ظهورها في التفصيل لان نفي الحرج عن الافطار يشعر
بالقدرة على الصيام فأوجب في هذه الصورة الفدية وقوله أخيرا فإن لم يقدر أفلا شئ عليهما يمكن أن يقال أنه لبيان حكم عدم القدرة أصلا بأنه لا يجب حينئذ
شئ من الصوم والفدية والقضاء ومنها ما روى في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل وعلى الذين يطيقونه فدية طعام
مسكين قال الشيح الكبير والذي يأخذه العطاش وعن قوله ومن لم يستطع وإطعام ستين مسكينا قال من مرض أو عطاش وهذا الخبر لا يدل إلا على ما
يدل عليه الآية الكريمة ويدفع احتمال النسخ عن الآية ما ذكره بعض المفسرين ومنها ما روى في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن رجل
كبير يضعف عن صوم شهر رمضان فقال يتصدق بما يجزي عنه طعام مسكين لكل يوم ومنها ما روى عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال سألت أبا
الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير والعجوزة الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان قال تصدق عن كل يوم بمد من حنطة ويمكن أن يقال أن الضعف عن الصوم
الواقع في الخبرين إن لم يكن ظاهرا في القدرة مع المشقة فلا ظهور له في العموم وبالجملة فالحكم بوجوب الفدية على العاجز المطلق من هذه الأخبار لا يخلو
عن إشكال وإن كان الاحتياط في الفداء وقال صاحب المدارك يتوجه على استدلال العلامة بمفهوم الآية الشريفة إن الآية غير محمولة على ظاهرها
بل هي أما منسوخة كما هو قول بعض المفسرين أو محمولة على أن المراد وعلى الذين كانوا يطيقونه ثم عجزوا عنه كما هو مروي في أخبارنا وأقول الحكم بالنسخ
لا وجه له خصوصا مع دلالة الخبر الصحيح على خلافه والحذف خلاف الظاهر فلا يرتكب إذا أمكن حمل الآية على ظاهرها كما عرفت والخبر الدال عليه خبر مرسل
كما ذكروه ويمكن استفادة حمل الآية على ظاهرها من صحيحة محمد بن مسلم وأيضا قوله تعالى وإن تصوموا خيرا لكم قرينة على القدرة على الصوم في الجملة فالمراد
من العجز في قولهم ثم عجزوا عنه العجز العرفي المجامع للقدرة في الجملة فلا مانع من الاستدلال بظاهر الآية الكريمة على تقدير القول بالحذف أيضا وقالا
فيمن به عطاش يرجى برؤه يقضي ولا فدية لأنه مريض يدخل تحت حكمه والذي به العطاش في صحيحة محمد بن مسلم محمول على غير مرجو البرء بقرينة عده
مع الشيخ الكبير وحكمه بسقوط القضاء واحتج من حكم بوجوب الفدية عليه بأنه أفطر لمصلحته فتجب عليه الفدية كالشيح العاجز مع تمكنه من القضاء وضعفه
وقال سلار ولو لم يرج برؤه لم يفد ولم يقض لأصالة براءة الذمة وصحيحا محمد بن مسلم بخلافه وفي التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
قلت له الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم فقال يصوم عنه بعض ولده قلت فإن لم يكن له ولد قال فأدنى قرابته قلت فإن لم يكن له قرابة قال تصدق بمد
في كل يوم فإن لم يكن عنده شئ فليس عليه وفي المتن فلا شئ عليه وظاهرها أي الرواية أنه أي ما ذكر فيها من الاحكام في حياته أي الشيخ العاجز
وتحمل على الندب بل تترك لضعف سندها ومخالفة متنها للأصول وظاهر علي بن بابويه في رسالته وجوب الفدية وسقوط القضاء عن الحامل
وكذلك المرضع تخاف على ولدها واحتج له في المختلف بأن الأصل براءة الذمة ولأنهما أفطرتا لعذر فأشبهتا الشيخ الفاني وأجاب بأن أصالة البراءة إنما
يعتبر مع عدم دليل يخالفها والقضاء وجب بالآية والحديث وعمل الأصحاب والفرق بينهما وبين الشيخ ظاهر فإن الشيخ عاجز عن الأداء والقضاء فلو أوجبنا
عليه القضاء لأوجبنا عليه الأداء انتهى أقول الحكم بوجوب القضاء بالآية لا يخلو عن إشكال لان في الآية الكريمة أوجب القضاء على المريض والمسافر وأوجب الفدية
على من يطيقه ولا ريب أن دخولهما في حكم من يطيق الصوم أظهر من دخولهما في حكم المريض والمسافر ولذلك حكم ابن بابويه بوجوب الفدية عليهما دون
القضاء ورواية محمد بن مسلم بخلافه كما عرفت والفدية مد كما ذهب إليه الأكثر وجنسه ما يعتبر في الكفارة ولا يعتبر التعدد هنا كما صرحوا به لا مدان
للقادر كما هو رأي الشيخ وبعض الأصحاب على الأصح لأصالة البراءة ولظاهر قوله تعالى فدية طعام مسكين لان الغالب إن قوت المسكين في اليوم مد
485

ولوقوع المد مطلقا من غير تقييد بالعجز في الاخبار السالفة وذكر الشيخ في التهذيب خبر محمد بن مسلم بسند آخر من غير اختلاف في المتن إلا أنه قال يتصدق
كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام وجمع بينه وبين الأخبار الدالة على المد بالحمل على القدرة والعجز والحمل على الاستحباب كما فعله في الاستبصار
أظهر في الجمع ثم إن الظاهر أن خبر محمد بن مسلم خبر واحد والاختلاف فيه إنما نشاء من وقوع سهو من أحد الرواة في أحد السندين فلا يحتاج إلى الجمع
أيضا فروع ستة على مسائل هذا الدرس الأول لا فرق في الحكم بين الجوع والعطش لخايف التلف بالصوم بسببهما وكذا لمن يشق عليه الصوم مشقة
لا يتحمل عادة ولا بين العطشان والجايع الهرمين والشابين لاتحاد مأخذ الحكم في الجميع الثاني لو خافت المرأة الحامل أو المرض على نفسها بالصوم
دون ولدها ففي وجوب الفدية عليها مع القضاء بالافطار وجهان من أنها تدفع بالافطار ضررا عن نفسها كالمريض فلا يجب عليها إلا القضاء
كما لا يجب على المريض غيره ولأصالة البراءة ومن دخولها ظاهرا تحت النص الدال على وجوب الفدية في خبره محمد بن مسلم والرواية مطلقة كما عرفت بل ربما
أشعر قوله لأنهما لا يطيقان الصوم بالخوف على النفس ولكن الأصحاب قيدوا الخوف بالولد وهو أرفق لحكم الأصل والظاهر من هذه العبارة شهرة بين ذلك
الأصحاب كما ادعاه الشهيد الثاني في المسالك الثالث هذه الفدية من مالها ولو كانت ذات بعل لأنها جبران لافطارها ولا تعلق لها بالزوج
سواء كانت مستأجرة أو متبرعة الرابع لا فرق في جواز الافطار بين خوف المرضع على ولدها نسبا أو رضاعا لوجوب حفظ النفس المحرمة وإطلاق المرضعة
في الصحيحة ولا فرق أيضا بين المستأجرة والمتبرعة على الظاهر بل على الحتم لوجوب حفظ النفس إلا أن يقوم غيرها مقامها بتفصيل يأتي الخامس لو
قام غير الام بل غير المرضعة مقامها روعي صلاح الطفل فإن خيف عليه يجب إفطارها وإن تم بالأجنبية فالأقرب عدم جواز الافطار وهذا مع التبرع
للأجنبية سواء كانت الام متبرعة أو مستأجرة أو تساوي الأجرتين إن كانت الام مستأجرة وينبغي التقييد أيضا بعدم افتقار الام إلى الأجرة ولو طلبت
الأجنبية زيادة لم يجب تسليمه إليها وجاز الافطار وهذا مع يسار الأبوين وتمكنهما من اعطاء الزيادة لا يخلو عن تأمل السادس هل يجب هذا الافطار عليها
الظاهر نعم مع ظن الضرر بتركه وأنه لا يدفعه إلا إرضاعها لما عرفت من وجوب حفظ النفس المحترمة درس نذر الصوم أو المعاهدة عليه أو الحلف
يوجبه بحسب تعلق السبب الصحيح وعلى وفق ذكره فيه بعنوان الاطلاق أو التعين من حيث العدد الزمان والتتابع والتفريق وغيرها فلو أطلق الصوم كان
قال إن كان كذا فلله علي أن أصوم أجزاه يوم واحد لتحقق الصوم به ولا يجب بحسب هذا السبب أزيد من ذلك عليه وما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي جميلة
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل جعل لله نذرا ولم يسم شيئا قال يصوم ستة أيام فيحمل على الندب لضعف سند الرواية وإرسالها وقوله
ولم يسم شيئا يحتمل عدم تعيين شئ من الطاعة فلا ينعقد نذره ويحتمل عدم تعيين عدد للصيام مع ذكر أصل الصيام فيجب أصل الصيام وعلى التقديرين
يحمل صوم الستة على الاستحباب ولو عين عددا كثلاثة أيام أو عين زمانا كشهر معين تعين العدد أو الزمان بحسب ما عينه ولو نذر صوم زمان بأن
قال على أن أصوم زمانا كان خمسة أشهر ولو نذر صوم حين كان ستة أشهر ما لم ينو بالزمان والحين عند الذكر في السبب غيرهما فلو نوى غير هذين المعنيين
فيتبع ما نواه ولو نوى المعنيين أو أطلق ينصرف إليهما ومستند ذلك ما روى في الكافي والتهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليه السلام)
إن عليا (عليه السلام) قال في رجل نذر أن يصوم زمانا قال الزمان خمسة أشهر والحين ستة أشهر لان الله يقول تؤتي أكلها كل حين بأذن ربها وفيهما عن
أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأل عن رجل قال لله علي أن أصوم حينا وذلك في شكر فقال أبو عبد الله (عليه السلام) قد أتى أبي (عليه السلام)
في مثل ذلك فقال صم ستة أشهر فإن الله تعالى يقول تؤتي أكلها كل حين بأذن ربها يعني ستة أشهر ولعل
الاستشهاد بالآية الكريمة باعتبار أن
الله تعالى إنما شبه الكلمة الطيبة لشجرة طيبة تثمر في كل سنة مرتين وضعف هذا المستند واضح ولكن قال العلامة في المنتهى قال علماؤنا لو نذر
أن يصوم زمانا كان عليه صيام خمسة أشهر ولو نذر أن يصوم حينا كان عليه أن يصوم ستة أشهر وهو يؤذن بالاتفاق أو قول الأكثر
بذلك وإنما يجب تتابعه أي تتابع صوم أوجبه بأحد الأسباب المذكورة مع التعيين المتتابع في السبب لفظا كشهر متتابع أو معنى كشهر معين أوجب
على نفسه صيامه أما مع الاطلاق من دون تعيينه لفظا أو معنى فلا يجب التتابع لعدم ما يدل عليه وأصالة البراءة ولا يكفي في حصول التتابع الذي أوجبه
مجاوزة النصف بعنوان التتابع في المعين مطلقا سواء كان شهرا واحدا أو شهرين أو غير ذلك لأنه قد وجب عليه صوم هذا الزمان فبالاخلال بالتتابع
في هذه الصورة يفوت عنه صوم زمان وجب عليه شرعا صومه ولا يكفي أيضا في المطلق غير الشهر الواحد أو الشهرين وقد مر البحث عن ذلك مفصلا في مبحث
الكفارة وطرده الشيخ في السنة فاكتفى في تتابعها بأن يزيد على نصفها يوم وهو أعلم بما قاله لما عرفت من عدم دليل تام يدل على أن المتابعة مطلقا يحصل
مجاوزة النصف وإن ذلك من باب الحقيقة الشرعية وقال القاضي لو نذر شهرا مطلقا من غير شرط التتابع وجب فيه التتابع كما لو شرط نقل عنه في المختلف
486

أنه قال من نذر صوم شهر بالاطلاق فعليه صوم شهر من أي شهور السنة كان فإن أفطر قبل أن يتم نصفه متعمدا من غير ضرورة وجب عليه استيناف الصوم
وإن كان لضرورة جاز البناء وإن أفطر بعد مجاوزة نصفه تممه ولا استيناف ومن شرط الموالاة في صوم النذر وجب عليه الصوم كذلك انتهى ويشعر كلامه
باطراد حكم مجاوزة النصف في الموالاة وهو خلاف المشهور ولا وجه أيضا للحكم بوجوب التتابع من دون أمر يقتضيه إلا أن يقال إن الشهر لا يطلق عرفا إلا على بين الهلالين
وعلى هذا يشكل حكمه بأنه إن أفطر بعد مجاوزة نصفه تتمة ولا استيناف لأنه إذا أفطر بعض أيام الشهر وتممه من شهر آخر لا يصدق عليه أنه صام الشهر سواء كان
ذلك قبل مجاوزة النصف أو بعدها ولا وجه لاعتبار حكم الموالاة في ذلك ولو نذر الصوم الواجب كرمضان وقس عليه غير الصوم من الواجبات لم ينعقد نذره
عند المرتضى والشيخ والحلبي وابن إدريس وكذا لا ينعقد نذره عندهم لو نذر يوما كالخميس الآتي مثلا فوافق شهر رمضان واحتجوا بأن صومه متعين بأصل
الشرع فلا يفيد النذر شيئا والجواب ما يشير إليه المصنف (ره) من أن الفايدة اللطف بالانبعاث والأقرب انعقاد نذر كل واجب للطف بالانبعاث والتقريب
إلى الطاعة حذرا من الكفارة والحاصل إن الوجاب طاعة يجوز تعلق النذر به كما يجوز تعلقه بغيره من الطاعات المسنونة وما يتخيل للمنع عدم الفايدة
واللطف بالانبعاث الذي ذكرناه أعظم فأيده يترتب عليه فعلى هذا يجوز ترامي النذر كما لو نذر أن يصوم غدا ثم نذر أن يفي بهذا النذر تأكيدا لوجوب
صوم الغد وتقريبا للنفس إلى الاتيان به والظاهر متابعة ذلك لقصده فلو تكلم بالصيغة ثانيا بقصد تكرار الصيغة الأولى وتدارك ما يتوهم فيها من
الخلل فليس ذلك نذرا على حدة وتتعدد الكفارة بتعدده حيث جوزناه لشمول الأدلة الدالة على وجوب الكفارة لخلف كل نذر صحيح وينبغي التعرض
في النية أي نية الفعل الواجب الذي نذر أن يفعله للمؤكد لوجوبه شرعا أي النذر مع الأصل أي الوجوب الذي بأصل الشرع من دون إيجاب المكلف له على
نفسه فلو نذر صوم يوم من شهر رمضان مثلا فينبغي أن يتعرض في نية صومه لأنه وجب عليه بأصل الشرع وبسبب النذر أيضا وإذ لا دليل على وجوب التعرض
في النية لتلك الخصوصيات كما عرفت في بحث النية قال المصنف (ره) وينبغي ولا يجب إتمام اليوم أو الشهر المنذور مطلقا من غير تعيين بالشروع فيه فلو نذر صوم
يوم ودخل في صوم الخميس بقصد الاتيان بالصوم المنذور فلا يجب عليه إتمام صيامه بل يجوز له الافطار أي وقت شاء من النهار والآتيان بالنذر في
يوم آخر وكذلك من نذر صوم شهر وشرع في صوم رجب فلا يلزم عليه إكماله سواء قيده بالتتابع أم لا أما مع عدم القيد فظاهر وأما معه فلعدم تعين هذا
الشهر عليه فيجوز له أن يتركه ويستأنف شهر آخر خلافا للحلبي حيث أوجب الاتمام والاكمال وحكم بأن المفطر مأزور الظاهر أنه لا يقول بالكفارة وحكى
عنه أنه أوجب المضي في كل صوم واجب شرع فيه وحرم قطعه وقد مر منه القول بتحريم إفطار القضاء قبل الزوال أيضا ولعل دليله النهي الوارد في قوله تعالى
ولا تبطلوا أعمالكم وقد مر البحث عنه ويجب فعله أي فعل الصوم المنذور في مكان عينه بالنذر لوجوب الوفاء بالنذر ولظاهر خبر علي بن أبي حمزة عن أبي
إبراهيم (عليه السلام) قال سألته عن رجل جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة وشهر بالمدينة وشهر بمكة من بلاء ابتلى به فقضى أنه صام بالكوفة شهرا أو دخل
المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما ولم يقم عليه الجمال قال يصوم ما بقي عليه إذا انتهى إلى بلده إذ الظاهر من هذا الخبر أن الراوي يعتقد لزوم فعله في المكان
الذي عينه ويسأل عن حاله عند عروض مانع يمنعه عن إكماله في ذلك المكان كعدم إقامة الجمال فقرره (عليه السلام) على ذلك وأجاب عن عروض المانع
بوجوب الاتيان ببقية الصوم في بلد آخر وفاقا له أي للحلبي وللشيخ في قول قاله في المبسوط بهذه العبارة ومن نذر أن يصوم بمكة أو المدينة أو أحد
المواضع المعينة شهر أوجب عليه أن يحضره فإن حضره وصام بعضه ولم يمكنه المقام جاز له الخروج ويقضي إذا عاد إلى أهله ما فاته وله قول آخر نقل
عنه أنه قال يصوم أين شاء وقيده الفاضل العلامة في المختلف بالمزية فقال والأقرب أنه إن كان لذلك الموضع مزية كالمواضع التي تمثل بها أبو الصلاح
أي مكة والمدينة لزم وإلا فلا لنا أن متعلق النذر إنما يجب الوفاء به لو كان طاعة ولا طاعة في تعيين الأمكنة التي لا تختص بمزية الشرف أقول ويمكن
أن يقال إن متعلق النذر الصوم في هذا البلد وهو طاعة فيجب الوفاء به ولا يلزم أن يكون لما يعتبره من الخصوصية أيضا مزية زايدة نعم لو كانت الخصوصية
مخالفة للشرع كالصوم بعنوان الوصال لا يلزم الوفاء بها وفي وجوب الوفاء حينئذ بأصل الصوم أيضا تأمل وتردد الفاضل في المنتهى وهو في محله ولعل من يقول
بعدم تعيين المكان مطلقا نظرا إلى أن أشرف المكان لا مدخل له في زيادة أجر الصوم ولا يخلو ذلك عن إشكال بل ربما أشعر بعض الاخبار بخلافه كما ورد في صيام
ثلاثة أيام بالمدينة ولو نذر صوم داود (عليه السلام) وهو الصوم غبا فتابعه استأنف عند الحلبي لعدم إتيانه بمتعلق النذر على الوجه الذي تعلق به مع رجحانه
ووقوع التعبد به في شرعنا وشرع من قبلنا وحكم العقل أيضا برجحانه بحسب ملاحظة حال البدن والمزاج وأمور المعاش والحكم بالاستيناف إنما يصح
إن كان النذر لزمان معين العدد دون العين كان نذرا أن يصوم شهرا صوم داود (عليه السلام) فتوخى شهرا وصامه متتابعان وأما إن كان لزمان معين كان
نذر أن يصوم شهر شعبان صوم داود (عليه السلام) فصام الجميع فالظاهر وجوب الكفارة والقضاء كما إذا صام يوما وأفطر يومين وكفر للخلف عند ابن إدريس فقال
487

ومن نذر أن يصوم يوما ويفطر يوما صوم داود (عليه السلام) فوالى الصوم فإنه يجب كفارة خلف النذر لأنه نذر أن يفطر فصام وهذا إنما يتم في الزمان المعين
كما عرفت ويمكن التوفيق بين كلاميهما بحمل قوله على المعين وقول الحلبي على غيره وأجزأ عند الفاضل ولا كفارة فإن الصوم عبادة وطاعة فلا
يتعلق النذر بعمدها كما لو نذر عدم الشغل بالصلاة وفيه أن النذر في الصورة المفروضة لم يتعلق بمحض ترك الصوم بل بالصوم على الوجه الراجح فلا استبعاد
في عدم الاجزاء ووجوب الكفارة بالعدول عنه وقال وإن صام خمسة عشر يوما متوالية لم يجزه عن صوم الشهر المتفرق على إشكال وأقول والظاهر
عدم الاجزاء بغير إشكال كيف لا وفي هذه الصورة قد ترك صوم بعض الأيام التي نذر صومها ولا خفاء في عدم إجزاء المتقدم عن المتأخر كما صرحوا به
ولا يبطل صوم يوم قدوم زيد إذا قدم نهارا قبل الزوال ولما يتناول على الأقوى وفاقا للشيخ قال في المبسوط وإن نذر أن يصوم يوم يقدم فلان
فقدم ليلا أو في بعض النهار لم يلزمه لان بعض النهار لا يكون صوما وإن كان قدومه ليلا فما وجد شرط النذر فإن وافق قدومه في بعض النهار
قبل الزوال ولم يكن تناول شيئا مفطرا جدد النية وصام ذلك اليوم وإن كان بعد الزوال أفطر ولا قضاء عليه فيما بعد انتهى والقول الاخر
الذي أشار إليه المصنف عدم انعقاد هذا النذر اختاره الشيخ في الخلاف ووافقه ابن إدريس لأنه إن قدم ليلا لم يجب صومه إجماعا لعدم الشرط وإن قدم
نهارا فلعدم التمكن من صيام اليوم المنذور باعتبار مضي بعضه قبل تحقق الشرط والصوم لا يبعض وقد ظهر من كلامه في المبسوط وجه انعقاده لامكان
الأداء في بعض الصور كما إذا قدم نهارا قبل الزوال ولما يتناول الناذر لبقاء وقت النية على وجه يسري حكمها إلى النهار كما عرفت سابقا ويكفي
ذلك في انعقاد النذر ولا يشترط فيه إمكان الأداء دائما والعلامة (ره) في المنتهى اقتصر على نقل القولين وفي صوم المختلف رجح القول الثاني و
حكم بعدم جودة كلام الشيخ فيما فرضه لان أوله لم يلزم صومه ولهذا لو أفطره لم يجب عليه قضاء ولا كفارة فلا يجب عليه باقيه لان الصوم لا يقبل
التجزي وأقول الوجوب بالنذر تابع لتحقق الشرط والتمكن من المنذور فأول اليوم لما لم يتحقق الشرط فلا وجوب للصوم ويجزيه الافطار من غير قضاء
وكفارة وبعد تحقق الشرط إن تمكن من الصوم بأن لم يتناول شيئا مع بقاء وقت النية على وجه يسري حكمها إلى أول النهار فيجب عليه الصوم لوجوب الوفاء
بالنذر مع التمكن من المنذور وليس ذلك صوم بعض النهار حتى يرد ما ذكره (ره) من أن الصوم لا يقبل التجزي بل صوم الكل كما عرفت سابقا وإن لم
يتمكن منه باعتبار التناول أو فوات وقت النية على الوجه المذكور فلا وجوب عليه أصلا ولعل ذلك أقرب إلى أصولهم ثم قال العلامة (ره) لا يقال ما
ذكرتموه وارد في المسافر والمريض لأنا نقول الفرق واقع فإن صوم رمضان واجب بالأصالة بخلاف صورة النزاع ومع ذلك فلو لا النص الدال عليه لم نقل به
ولم يثبت في صورة النزاع دليل انتهى وأقول لا خفاء في وجوب الصوم المنذور أيضا مع التمكن منه والتمكن في صورة النزاع حاصل كما يظهر من ملاحظة
حال المسافر والمريض وغيرهما كمن أصبح يوم الشك بنية الافطار ثم ثبت الهلال قبل التناول والزوال مما ورد الحكم بصحة صومهم إذا نووا قبل الزوال
ووجوبه عليهم إذا تمكنوا منه قبله مع جواز الافطار في اليوم قبل البرء والقدوم والثبوت كما عرفت سابقا مفصلا وبالجملة فلا حاجة في صورة
النزاع إلى دليل يختص بها كما لا يخفى ثم إن العلامة (ره) في كتاب النذر من المختلف رجح القول الأول بل لو علم قدومه غدا علما يصلح للتعويل عليه
نوى ليلا ويصوم غدا وجوبا كما قاله ابن الجنيد وإن قدم بعد الزوال لأنه في الليل يعلم إن الغد يوم قدوم زيد وجب عليه صومه بالنذر فلا بد له من
الاتيان به واحتمال تخلف القدوم لا يقدح في تحقق العلم الشرعي وهو مناط التكليف وفيه إن الظاهر أن الاتيان بالمنذور لا يجب قبل وقوع الشرط
وإن حصل لنا العلم الشرعي بأنه يقع وبعد وقوعه يراعي وجوب المنذور بالتمكن ولا يلزمنا حفظ ما يتوقف عليه التمكن قبله وبالجملة فالحكم بوجوب
الصوم في هذه الصورة مشكل جدا وكان المصنف (ره) ذكر أنه ينوي ليلا من باب الاحتياط والمحافظة على العبادة ولو نذر صوم الدهر وأطلق من غير قصد إلى
المحرم والمحلل صرف إلى غير المحرم منه ليصح وقد مر في بحث عدم صحة الصوم الواجب في السفر رواية كرام قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أني جعلت على نفسي
أن أصوم حتى يقوم القائم فقال صم ولا تصم في السفر والعيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه من رمضان ولو قصد المحرم أيضا صح في المحلل
إذ لا مانع عنه دون المحرم وقيل يبطل رأسا لان متعلقه صوم الجميع وهو محرم لا يمكنه جعله على نفسه لله ولا يصوم من نذر صوم الدهر سفره إلا مع التقييد
في النذر بالحضر والسفر وقد مر البحث عن ذلك مفصلا ولا يحرم عليه السفر كما ظهر مما سلف من الاخبار ولكن الأقرب وجوب الفدية بمد عن كل يوم
أفطره في سفره كالعاجز عن صوم النذر على الأصح كما أطلقه الشيخ (ره) وقيل يفدي من أطاقه بمشقة شديدة لا يتحمل عادة مع عدم توقع زوال عذره
وأما العاجز المطلق فلا فدية عليه ولا قضاء ومن توقع زوال عذره فعليه القضاء دون الفدية لروايات في الكليني كرواية إدريس بن زيد وعلي بن
إدريس قالا سألنا الرضا (عليه السلام) عن رجل نذر إن هو قد تخلص من الحبس أن يصوم ذلك اليوم الذي تخلص فيه فعجز عن الصوم أو غير ذلك فمد الرجل في عمره وقد
488

اجتمع على الرجل صوم كثير ما كفارة ذلك الصوم قال يكفر عن كل يوم بمد حنطة أو شعير ورواية محمد بن منصور قال سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل نذر نذرا
في صيام فعجز فقال كان أبي يقول عليه مكان كل يوم مد ورواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليهما السلام) في رجل نذر على نفسه إن هو سلم من
مرض أو تخلص من حبس أن يصوم كل يوم أربعاء وهو اليوم الذي تخلص فيه فعجز عن الصوم لعلة أصابته
أو غير ذلك فمد للرجل في عمره واجتمع عليه صوم كثير ما كفارة ذلك
قال تصدق لكل يوم بمد من حنطة أو ثمن مد وسند هذه الروايات غير نقي وشمول متنها لمثل هذا العاجز أي المسافر الناذر لصيام الدهر لا يخلو عن تأمل
ولو عين في نذره سنة للصيام سقط صوم الأيام المحرمة من تلك السنة أداء وقضاء لعدم تعلق النذر بها كما عرفت وسقط صوم رمضان أيضا أداء وقضاء
من حكم النذر على القول بعدم جواز نذره وعلى القول بجوازه نذره كما رجحه المصنف (ره) يدخل شهر رمضان فيها أي في السنة المنذورة فتتعدد الكفارة
لو أفطره لغير عذر مبيح أحديهما كفارة شهر رمضان والأخرى كفارة النذر ولو نذر صيام سنة مطلقة أتم بدلها أي بدل الأيام المحرمة من السنة وبدل
شهر رمضان سواء قلنا بجواز تعلق النذر به أم لا لان المكلف في هذه الصورة أوجب على نفسه الصيام بقدر أيام السنة فلا يدخل فيه ما يجب عليه بالأصالة
مع قطع النظر عن النذر ويجزي في نذر صيام الشهر ما بين الهلالين تم أو نقص إن انطبق صيامه عليه وثلاثون يوما إن لم ينطبق إذ المفهوم من الشهر ليس إلا
أحدهما ولو وجب على ناذر الدهر قضاء رمضان قدمه على النذر بمعنى أنه يصوم بقدر القضاء من أيام السنة بنيته لا بنية النذر لوجوب صوم شهر
رمضان أداء وقضاء بأصل الشرع فيقدم على ما أوجبه المكلف على نفسه فلان كان سبب القضاء بغير تعمد منه كالمرض فلا شئ عليه وإن كان قد تعمد سبب القضاء
فالا قرب الفدية بقدر أيام القضاء عن النذر لاحداثه عمدا سبب فواته ويحتمل سقوطها أي سقوط الفدية مع إباحة السبب أي سبب القضاء الذي تعمد
فيه كالسفر لجواز أحداثه له فلا يتعقبه فدية لا مع تحريمه كمتعمد الافطار فيلزمه القضاء والكفارة للافطار في الشهر والفدية لتفويت أيام النذر
ويحتمل على ما صححه المصنف (ره) من وجوب الفدية على العاجز عن صوم النذر مطلقا وجوب الفدية على الناذر الذي يلزمه القضاء وإن كان سبب القضاء
بغير تعمد منه ولو وجب عليه أي على ناذر الدهر كفارة فهو عاجز لأجل نذر صوم الدهر عن الصوم من خصال الكفارة فيلزمه ما يلزم العاجز عن الصيام من البدل
ولو نذر الا خمسة جمع خميس دايما وليس بعاجز عن الصوم لو لزمته الكفارة لقتل أو ظهار أو إجماع على الأصح خلافا لابن إدريس حيث حكم بأن يوم النذر لا
يجوز صيامه عن الكفارة وإذا صامه عن نذره بطل التتابع فهو عاجز عن الصيام وينتقل فرضه إلى الاطعام ولا يقدح صيامه عن النذر في تتابع الكفارة على الأصح
لا في الشهر الأول ولا الثاني لأنه عذر كالمرض والسفر الضروري والحيض فيصوم ستين يوما بغير الا خمسة للكفارة ويصوم الا خمسة في البين المنذور ولا شئ عليه وقال
الشيخ يصوم الا خمسة في الشهر الأول للكفارة لئلا يبطل تتابعه ويقضيها عن النذر وبعد حصول التتابع في الشهرين بزيادة يوم على الأول فهو بالخيار في الشهر
الثاني إنشاء صام الا خمسة عن النذر لان الافطار فيه لا يبطل التتابع وإنشاء صامها عن الكفارة وعليه قضاؤها وإذ لا نص في المسألة فالحكم مشكل
جدا وإن كان ما صححه المصنف لا يخلو عن رجحان ويجوز نذر الصوم ممن عليه صوم واجب لعدم المنافاة ويقدم النذر إن عينه بزمان قد حضر على ما في ذمته من غير
تعيين زمان لتوسعة وقته وضيق وقت النذر ولو لم يعينه فالأقرب التخيير لما في وقت كل منهما من السعة والمخالف فيه الحسن لقوله بتقديم القضاء
على النذر والكفارة نعم لو كان عليه قضاء من رمضان وتضيق لقرب رمضان القابل قدمه باعتبار ضيق وقته وإن ضاق وقت النذر أيضا فربما يقال بتقديم
القضاء أيضا بناء على وجوبه بأصل الشرع كما عرفت في ناذر الدهر ولا يخلو عن إشكال لاستلزامه فوات أداء النذر ويقوى الاشكال في صورة تعيين زمان النذر
ولو قيل بتقديم القضاء يلزمه قضاء النذر ويحتمل وجوب الفدية أيضا إن كان ذلك بتفريطه على ما ذكره المصنف (ره) وقال الحسن لا يجوز صوم النذر والكفارة
لمن عليه قضاء رمضان وقد مر البحث عن ذلك ولو عين زمانا للنذر فاتفق مريضا فالأقرب قضاؤه وكذا الحايض كما مر في بحث من وافق نذره الأيام المحرمة
ولو حلف على صيام يوم وجب ويصوم بنية الوجوب وكذا لو حلف على عدم الافطار في الندب أو نذره وجب عدم الافطار ولا يبعد مراعاة رجحانه شرعا إن قلنا
بأن ذلك لا يرجع إلى نذر الصوم ولا يوجب أصل الصوم وفي تمحض هذا اليوم بسبب حلف عدم الافطار أو نذره للصوم نظر ينشأ من أن أصل الصوم كان مستحبا وقد
عرض حرمة الافطار في الأثناء بسبب الحلف أو النذر فلا يلزم من ذلك وجوب أصل الصوم ومن أن حرمة الافطار لا معنى لها إلا وجوب الصوم ولزوم إتمامه فيرجع
إلى نذر الصوم ووجوب البقاء عليه وتظهر الفايدة في أن الصوم إن كان باقيا على الاستحباب ودعي إلى طعام فيجوز له الافطار لرجحانه شرعا فلا يؤثر الحلف و
النذر في تحريمه وإن رجع ذلك إلى نذر أصل الصوم ووجوبه فلا يجوز له الافطار أقربه ذلك أي تمحض اليوم للصوم فينوي الوجوب حينئذ أي من حين الحلف أو
النذر ووجه الأقربية غير ظاهر أما لو نذر إتمام الندب فهو صوم إذ لا معنى لجعل إتمام الصوم على نفسه إلا إيجاب الصوم عليها من حين النذر وينعقد
على الأقرب لان ذلك لا يرجع إلى تبعض الصوم في اليوم بل إلى وجوب إتمامه ولا مانع عن ذلك كمن صام يوم الشك بنية الندب ثم ثبت الرؤية في الأثناء
489

بخلاف ما لو نذر صوم بعض يوم فإنه لا ينعقد البتة لعدم تبعض الصوم قال ابن الجنيد لو حلف أن لا يفطر ما دخل فيه من الصيام فسأله من يرى الصائم حقه
عليه الفطر أفطر إجابة لسؤاله وكفر للافطار ويشكل ذلك بأنه أي الساعي الذي يرى الصايم حقه عليه إن كان كالأب أو السيد أو الزوج فلا كفارة
لان لأولئك حل اليمين وإلا فلا إفطار شرعا لحرمة حنث اليمين وخلف النذر واحتج له في المختلف بأن الضيف ليس له أن يصوم إلا بأذن مضيفه ومن دعي
إلى طعام أفطر مستحبا وأجاب بأن ذلك في النفل أما الواجب فلا والصوم هنا صار واجبا بالنذر وأقول على تقدير عدم وجوب الصوم على ما عرفت من
الاحتمال فحكم ابن الجنيد بالتكفير لا وجه له درس الصوم أما مضيق أي لا بدل له شرعا لا تخييرا ولا ترتيبا وهو صوم شهر رمضان إذ لم يعتبر الشارع له
بدلا إلا في مثل الهرمين الشيخ والشيخة فإنهما يفديان على ما عرفت وأما الحامل والمرضع فالفدية لافطارهما ويجب عليهما القضاء والنذر الذي لا
يجعل الناذر له بدلا إلا مع العجز فإنه يفدي حينئذ كما عرفت والاعتكاف إذا وجب إذ ليس لصومه بدل وصوم كفارة الجمع على الظاهر إذ يجب الاتيان بصومها على
التعيين مع العتق والاطعام وإنما قال على الظاهر إذ لا يبعد أن يكون الاطعام في كفارة الجمع أيضا بدلا عن الصيام مع العجز عنه فيجب على العاجز عن الصيام
الاطعام مرتين وأما مخير فيه الشارع بينه وبين غيره ككفارة الافطار في رمضان على ما سبق وأذى الحلق أي كفارة الحلق الناسي عن أذى فإذا حلق المحرم
رأسه لأذى فلا أثم وعليه شاة أو إطعام عشرة مساكين لكل واحد مدا وصيام ثلاثة أيام وقد قال الله تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان
منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ولو حلقه لغير أذى فيأثم وعليه هذه الفدية وكفارة إفساد الاعتكاف الواجب على
ما سيأتي من أنها كبيرة مخيرة عند ابن بابويه وما تعلق به النذر تخييرا أي الصوم الذي نذره المكلف على التخيير بينه وبين غيره من الطاعة كما لو نذر في شكر
برئه من المرض أن يصوم يوما أو يتصدق بدرهم وأما مرتب يجب الصوم بعد العجز عن خصلة أخرى ككفارة حلف اليمين فيجب فيها الصوم بعد العجز عن الاطعام و
الكسوة والعتق كما ورد في الكتاب الكريم وكفارة قتل الخطأ وكفارة الظهار فيجب فيهما الصيام بعد العجز عن العتق كما وقع في كتاب الله تعالى وجزاء الصيد على
الأقرب فيجب الصيام فيه بعد العجز عن المثل وعن فض ثمنه على البر والاطعام وذهب الشيخ في الخلاف ووافقه محمد بن إدريس إلى التخيير بين الثلاثة كما هو ظاهر
الآية الكريمة حيث وقع فيها الترديد بار وهو للتخيير وبدل الهدي فيجب صيام العشرة بعد العجز عن الهدي وعن إيداع ثمنه عند الثقة وبدل البدنة
صيام ثمانية عشر يوما بعد العجز عنها في كفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامدا من دون عود قبله وكفارة الافطار في قضاء رمضان على الأقوى
فإنها صيام ثلاثة أيام بعد العجز عن إطعام عشرة مساكين عند المصنف وكفارة يمين عند القاضي وأما عند ابن بابويه فكبيرة مخيرة ولا شئ عند الحسن كما عرفت
وما تعلق به النذر ترتيبا فيجب عليه الصوم بعد ما عينه في نذره وأما مخير بين الصوم وغيره بعد الترتيب والعجز عن خصلة أخرى وهو كفارة الواطي أمته
المحرمة بأذنه وهو محل فعليه بدنة أو بقرة أو شاة فإن عجز عن البدنة والبقرة فشاة أو صيام ثلاثة أيام والحاصل في المرتبة الثانية التخيير بين الشاة
والصيام وقال الشيخ في التهذيب عليه بدنة فإن عجز فشاة أو صيام ثلاثة أيام والأول مروي ومختار الأكثر واحترز بالمحرمة بإذنه عما لو فعلته بغيره
فإنه يلغو فلا كفارة ولو كان المولى محرما فعليه كفارة الجماع في الاحرام ولم يذكر المصنف هنا بعض الكفارات الخلافية ككفارة جز المرأة شعرها في المصاب
لضعف مستندها ثم الكفارة اسم للتكفير وأصلها الستر لأنها يتسر الذنب ومنه الكافر لأنه يستر الحق ويقال الليل كافر لأنه يستر من يفعل فيه شيئا وعرفها
بعضهم في الشرع بأنها إطاعة مخصوصة مسقطة للذنب أو مخففة غالبا وقيد الأغلبية لادخال كفارة قتل الخطأ فإنه لا يعد ذنبا وكل الصوم أي الواجب
الذي فيه تعدد منه يلزم فيه التتابع إلا خمسة الأول النذر المطلق من دون قيد الموالاة فلا يجب فيه التتابع خلافا لما ظهر من كلام الشاميين
وكان وجهه تبادر التتابع إلى الفهم من الأيام المعينة بالعدد وضعفه ظاهر وقد مر من القاضي الحكم بذلك في نذر صوم شهر بالاطلاق ثم في
حكم النذر ما في معناه من العهد واليمين وإذا لم يلزم التتابع في المطلق ففيما قيد فيه عدمه كصوم داود (عليه السلام) بطريق الأولى والثاني جزاء
الصيد فلا يجب المتابعة في صومه تمسكا بإطلاق الامر الابدال النعامة عند المفيد المرتضى وسلار حيث أوجبوا المتابعة في ستين يوما بدل
النعامة وقال العلامة في كتاب الصوم في المختلف المشهور إن فيه أي بدل النعامة صوم شهرين متتابعين كما نقله المصنف عن الثلاثة والثالث السبعة في
بدل الهدى فالمشهور عدم وجوب التتابع فيها خلافا للحسن والحلبي وعولا على رواية حسنة هي رواية علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه موسى (عليه السلام)
قال سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج والسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينها قال يصوم الثلاثة لا يفرق بينهما والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع السبعة و
الثلاثة جميعا وفي دلالتها على الوجوب تأمل وفي سندها محمد بن أحمد العلوي وهو مجهول الحال عند أرباب الرجال ولكن قال العلامة في المختلف
ما رواه على بن جعفر (عليه السلام) في الحسن عن أخيه موسى (عليه السلام) وذكر هذه الرواية والرابع قضاء رمضان فلا يجب فيه المتابعة وقد مر البحث عنه مستوفي و
490

الخامس قضاء النوم شهر رجب ولم يصمه فيجب عليه قضاء صيام أيامه ولا يلزمه التتابع فيه ولو كان قد شرط فيه التتابع كصوم
عشرة أيام متتابعة من شهر كذا فلم يصمه ففي وجوبه أي وجوب التتابع في قضائه وجهان من اشتراطه في النذر فيجب مراعاته ومن أن الأصل المشروط
بالتتابع قد فات والمعلوم وجوب قضائه مطلقا وأما بشرط التتابع فلا أقربهما الوجوب بل أحوطهما وأما صيام ثمانية عشر يوما بدل البدنة للمفيض
من عرفات قبل الغروب فالأحوط فيه التتابع خروجا عن خلاف من أوجبه ولا يمكن الحكم بوجوبه لاطلاق الامر بصيامها من دون ذكر التتابع
في صحيحة ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) وهي الأصل في تلك المسألة وقد مر ذكر الرواية في بحث استثناء هذا الصوم عن حكم تحريم الصوم الواجب في
السفر وقد أشار المصنف (ره) بذلك إلى أن دخول بدل البدنة في كلية كل الصوم يلزم فيه التتابع من باب الاحتياط وكذا ما سيجئ في كتاب الحج من قوله
فإن عجز صام ثمانية عشر يوما متتابعا سفرا أو حضرا وما ذكروا من أن الشهيد في الدروس اختار القول بوجوب المتابعة في صيام بدل البدنة و
أوردوا إن القول بعدم الوجوب متجه ولكن الأولى المتابعة لا يخلو عن شئ وذكر الشيخ صوم الرقيق في جناية الاحرام فقال في المبسوط وإذا أحرم بإذن مولاه
فارتكب محظور أيلزم به دم مثل اللباس والطيب وحلق الشعر وتقليم الأظفار واللمس بشهوة والوطي في الفرج أو فيما دون الفرج وقتل الصيد أو أكله
ففرضه الصيام وليس عليه دم ولسيده منعه منه لأنه فعله بغير إذنه وقال المفيد (ره) على السيد الفداء في الصيد وقال المحقق في المعتبر إن جناياته
كلها على السيد لأنها من توابع إذنه في الحج ولصحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كلما أصاب العبد وهو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا إذن له
وذكر آخر صوم الأمة تجامع بطوعها في الاحرام بدلا عن البدنة ولا نص فيه بل النص على خلافه كما عرفت ولا في تتابعه وأشار بذلك إلى استثنائه عن
الكلية وقد روى سليم بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن (عليه السلام) إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار والقتل واليمين ولفظ الخبر هكذا قال سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة قال لا بأس بتفريقه قضاء
شهر رمضان إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة
الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين ولا يبعد حمل الحصر فيه على الإضافي مع جهالة سند الخبر وكل ثلاثة وجب تتابعها وأخل به أي بالتتابع فالظاهر
استينافها سواء كان لعذر أولا لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه إلا ثلاثة الهدي من جملة العشرة التي يجب على من لم يجده إذا صام يومين وكان الثالث
العيد فإنه يبني ويوم الثالث بعد النفر وادعى العلامة في المختلف الاجماع على هذا لاستثناء ويدل عليه أيضا ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي
عبد الله (عليه السلام) فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة قال يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق والشهرة جابرة لضعفهما والأخبار الصحيحة
الدالة على أن من فاته صوم اليوم السابع يصوم يوم الحصبة وهو يوم النفر ويومين بعده يحمل على الاستحباب ولعل الأحوط العمل بها والشيخ (ره)
في المبسوط لم يشترط فصل العيد حيث قال في كتاب الصوم وصوم دم المتعة إن صام يومين ثم أفطر بني وإن صام يوما ثم أفطر أعاده ولعله (ره) أجمل
هنا تعويلا على ما فصله في كتاب الحج وأما الشهران أو الشهر فكما مر مستوفي باعتبار تفصيل حكم التتابع وفي رواية في التهذيب يستأنف المريض أي
حسنة جميل ومحمد بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد مر ذكرها في بحث ما يكفي في تتابع الشهرين وتحمل على مرض غير موجب للافطار أو على الاستحباب
كما عرفت ولا يعذر من يصوم الشهرين المتتابعين في الاخلال بالتتابع بفجأة مثل رمضان أو العيد الأضحى قبل وصل الشهرين سواء علم قبل شروعه في
الصوم المفاجأة أم لا بخلاف فجأة الحيض وإن علمت والنفاس إن لم تعلم وإن علمت فالحكم بالبناء وعدم وجوب الاستيناف لا يخلو عن إشكال وأما السفر
الضروري فعذر إذا حدث سببه بعد الشروع في الصوم وقد مر البحث عن الجميع مستوفي والاعتكاف ملحق بالصوم ويذكر بعده لاشتراطه به وتأكد
استحبابه في شهر رمضان فقال المصنف (ره) بعد فراغه عن بحث الصوم كتاب الاعتكاف وهو لغة اللبث الطويل والحبس
والاقبال على الشئ مواظبا قال الجوهري عكفه أي حبسه ووقفه يعكفه عكفا ومنه قوله تعالى والهدي معكوفا ومنه الاعتكاف في المسجد وهو
الاحتباس وعكف على الشئ يعكف عكوفا أي أقبل عليه مواظبا قال الله تعالى على قوم يعكفون على أصنام لهم وعكفوا حول الشئ
استداروا انتهى وشرعا يستعمل في معنى أخص من ذلك فقال المحقق (ره) هو اللبث المتطاول للعبادة ولا ريب في عمومه لصدقه على اللبث الطويل لأجلها
سواء كان في المسجد أم غيره صائما أو غير صائم بنية الاعتكاف وعدمها وقال العلامة هو لبث مخصوص للعبادة ولا حسن في هذا التعريف أيضا لأجل
كمال إجماله وعدم اشتماله على إيضاح لفظي يفيد الانتقال إلى المعرف ولقد أحسن المصنف فأوضحه غاية الايضاح وعرفه بأنه اللبث في
مسجد جامع ثلاثة أيام فصاعدا صائما للعبادة وما قيل من أن فيه ذكر شرايط المحدود في الحد وهو عيب وإن طرده ينتقض باللبث في المسجد ثلاثة أيام
491

صايما لأجل طلب العلم أو قراءة القرآن أو غيرهما من العبادات فغير ضاير لظهور إن الغرض التعريف بحسب اللفظ ولا يضر أمثال ذلك في التعاريف
اللفظية ولعله لمزيد كشفه أجود مما قيل أنه لبث في مسجد جامع مشروط بالصوم ابتداء والمراد باشتراطه بالصوم ابتداء الاشتراط بحسب أصل الشرع من
دون جعل للمكلف بنذر وشبهه وذلك لاخراج مثل ما لو نذر أحد صيام ثلاثة أيام في المسجد الجامع ثم إن المسلمين اتفقوا على مشروعية الاعتكاف
وقال الله تعالى إن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود وقال عز من قائل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد والاخبار بذلك مستفيضة
وأجمع أهل العلم على أنه ليس بفرض في ابتداء الشرع بل هو مستحب وإنما يجب بنذر ونحوه كما سيأتي وفرع المصنف على ما ذكره في بيان مهيته بحسب الشرع
عدم صحته في غير المسجد فقال فلا يصح في غير المسجد وأراد بالمسجد الذي ذكره في التعريف أي الجامع وأقول أما اشتراط المسجد في الجملة فمما اتفق عليه أهل
العلم كافة ويشعر به قوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد فلو صح الاعتكاف في غير المسجد لم يخص التحريم بالاعتكاف في المسجد لحرمة المباشرة
في حال الاعتكاف مطلقا وأما تعيين المسجد فقد اختلفوا فيه وقال المصنف في شرح الارشاد للأصحاب في ضابط محل الاعتكاف أقوال طرفان ووسايط
الأول المسجدية لا بقيد وإن تفاوتت في الفضيلة كتفاوت الصلاة فيها وهو فتوى ابن أبي عقيل لقوله تعالى وأنتم عاكفون في المساجد وهو جمع عموم
لأصالة عدم المعهود ولرواية داود بن الحصين لا اعتكاف إلا بصوم وفي مسجد المصر الذي أنت فيه وهو شامل لما يجمع فيه وغيره الثاني الجمعية من الامام
العام للمسلمين نبيا كانت أو وصية والامام شامل للنبي صلى الله عليه وآله والعام يخرج به الخاص وللمسلمين يخرج به نحو بيت المقدس إن لم يثبت النبي
صلى الله عليه وآله صلى فيه الصلاة المعتبرة ولا عبرة بالجماعة من دون جمعة وهو قول الصدوق في الفقيه والمرتضى والشيخ والاتباع وابن إدريس الثالث
الجماعية من الامام المذكور وهو قول على بن بابويه وابنه في المقنع ولم يذكر الجمعة وأصحاب هذين القولين لم يثبت عندهم الضابط إلا في الأربعة و
اختلفوا في مسجد المداين فالشيخ علي بن بابويه رجحه على مسجد البصرة وابنه في المقنع اختار الخمسة ولم يترتب على اختلافهم من الضابطين حكم إذ لم يثبت
مسجد صلى فيه الامام جماعة لا غير إلا ما روي في صلاة الحسن (عليه السلام) في مسجد المداين جماعة وصاحب الفاخر جوزه في بيوت مكة ونقل إن النبي صلى الله
عليه وآله جمع أول جمعة في مسجد وأتونا بقرب قبا الرابع الجامعية وهو المسجد الجامع وصرح المفيد (ره) بكونه الأعظم فلو كان في البلد مسجدان يكون كذلك
لجاز وهو ظاهر اختيار المحقق في كتبه الثلاثة لأنه ذكر في الشرايع والنافع المسجد الجامع وفي المعتبر رجح قول المفيد ثم اختار المصنف (ره) قول المحقق أي المسجد
الجامع كما اختاره هنا وفي اللمعة وذكر إن الظاهر أن مراد المفيد من الأعظم مسجد الجماعات فيرجع إلى مختاره واحتمل حمل كلام ابن أبي عقيل أيضا على ما
اختاره ثم إن الظاهر أن المراد بالجامع كما صرح به في المسالك المسجد الذي يجمع فيه في البلد جمعة أو جماعة فيخرج نحو مسجد القبيلة فإنه لا يسمى جامعا وإن صلى
فيه جماعة وأراد بالطرفين العامين أي المسجدية لا بقيد الجامعية وبالأوساط الخاصين أي الجمعية والجماعية والمراد بالمساجد الأربعة الحرمين وجامع
الكوفة والبصرة القديمة وأقول القول الأول مع شذوذه وعدم صراحة كلام قائله تتبعه الاخبار ومما استدل به عليه فغير تام إذ المفهوم من الآية
الكريمة ليس إلا أن الاعتكاف يقع في المساجد وأما إن كل مسجد فهو صالح للاعتكاف فيشكل فهمه منها مثلا إذا قيل لحكم إن ذلك مأخوذ مما سطر في الكتاب
فالمفهوم منه أنه أخذ من كلام وقع تسطيره في الكتب لا من الداير على الألسن ولا يفهم منه أنه وقع تسطيره في كل كتاب كان وأما الاستدلال بخبر داود بن حصين
فضعفه ظاهر لان المتبادر من مسجد المصر المسجد الجامع الذي يجتمع فيه أهله فيدل على خلاف مقصوده وأما القول الثاني أي القول بأن الضابط الجمعية
فلا دليل عليه ظاهرا ولا مؤيد له من الاخبار مع قلة فائدة خلافهم مع من يجعل الضابط الجماعية كما عرفت فمعظم الخلاف في تلك المسألة بين من يقول
بالحصر في الأربعة أو الخمسة لأجل اعتبار صلاة المعصوم فيه جمعة أو جماعة ومن يقول بصحة الاعتكاف في كل جامع من جهة اعتبار صلاة أهل البلد فيه
جماعة وأكثر الأصحاب على الأول كالسيد المرتضى والصدوقين والشيخ وأبي الصلاح وسلار وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس والعلامة رضي الله تعالى
عنهم وأما القول الثاني فهو لابن أبي عقيل والشيخ المفيد بعد تحصيل كلامهما والمحقق والمصنف وأكثر المتأخرين حجة القول الأول أولا الاجماع الذي ادعاه
المرتضى والشيخ في الخلاف والجواب إن مع ظهور مثل هذا الخلاف لا يسمع دعوى الاجماع كما قال في المعتبر وكيف يكون إجماعا والاخبار على خلافه والأعيان
من فضلاء الأصحاب قايلون بضده وإن أرادوا بالاجماع الشهرة فلا يمكن الاحتجاج بها في محل النزاع وقال المصنف في الشرح والشهرة لو سلمت ليست حجة
فرب مشهور مرجوع بل كم من مشهور باطل وثانيا إن اعتكاف النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) لم يثبت إلا في الأربعة فيجب الاقتصار عليها والجواب إن
اقتصارهم عليها لعله لكونها أفضل أو اتفاقا فلا دلالة فيه على عدم جواز التعدي وإن كان المراد إن المتلقى والمتيقن ذلك القدر ولا يجوز التعدي
في العبادة عما وصل إلينا من الشارع ففيه إن ما وصل إلينا من الأقوال العامة كما سيأتي في الاخبار كاف للاخذ بالعموم وهذا الفعل لا يفيد تخصيص العام أصلا
492

لعدم المنافاة وثالثا بما رواه الصدوق صحيحا في الفقيه عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها
قال لا يعتكف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عدل جماعة ولا بأس بأن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكة والجواب إن
الإمام العدل وإن كان ظاهرا في المعصوم خصوصا بقرينة تخصيص المساجد الأربعة بالذكر لكن يمكن حمله على مطلق العدل للجمع وكذا يمكن حمل النهي
المفهوم من الكلام على الكراهة جمعا وحجة القول الثاني بعد ظاهر الآية الكريمة ما رواه الصدوق في الفقيه عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أنه قال لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع الحديث وعن داود بن سرحان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو
مسجد الرسول صلى الله عليه وآله أو في مسجد جامع ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لا بد منه ثم لا يجلس حتى يرجع والمرأة مثل
ذلك وما رواه الكليني في الحسن بن إبراهيم عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأل عن الاعتكاف فقال لا يصلح الاعتكاف إلا في مسجد الحرام أو مسجد
الرسول صلى الله عليه وآله أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة وتصوم ما دمت معتكفا وما رواه الشيخ في الموثق عن علي بن عمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن
أبيه (عليه السلام) قال المعتكف يعتكف في المسجد الجامع وفي الموثق عن يحيى بن العلا الرازي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة و
في الموثق عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها
وقال لا يصلح العكوف في غيرها إلا أن يكون مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله أو في مسجد من مساجد الجماعة ولا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد
الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يعتكف بمكة حيث شاء فإنها كلها حرم الله ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة وفي الموثق عن أبي الصباح الكناني
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سأل عن الاعتكاف في رمضان في العشر قال إن عليا (عليه السلام) كان يقول لا أرى الاعتكاف إلا في مسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى
الله عليه وآله أو في مسجد جامع وما رواه المحقق والعلامة عن أبي نصر في جامعه عن داود بن الحصين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا اعتكاف إلا بصوم
وفي مسجد المصر الذي أنت فيه والعلامة (ره) في المختلف احتج ببعض هذه الأخبار للمفيد وأجاب أولا بمنع صحة السند وثانيا بحمل الجامع ومسجد الجماعة
على أحد المساجد الأربعة جمعا أقول وقد عرفت الأخبار الصحيحة والحسنة فلا ينفع جوابه الأول وارتكاب مثل هذا التأويل البعيد في الأخبار الكثيرة
لا وجه له مع امكان تأويل قريب في الخبر الواحد الذي ينافيها ظاهرا كما عرفت فاندفع جوابه الثاني أيضا وإن كان المعتكف امرأة قال العلامة (ره) في المنتهى اعتكاف
المرأة كاعتكاف الرجل سواء في اشتراط المساجد التي عيناها وبالمساواة ذهب علماؤنا أجمع ونقل الخلاف عن الشافعي في القديم حيث جواز أن تعتكف
في مسجدها بيتها وهو الموضع الذي جعلته لصلاتها من بيتها أقول ويدل عليه أيضا عمومات الأخبار وبخصوصه ما تقدم في صحيحة داود بن سرحان
من قول الصادق (عليه السلام) والمرأة مثل ذلك وما رواه الحلبي في الحسن بإبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة
لابد منها ثم لا يجلس حتى يرجع ولا يخرج في شئ إلا لجنازة أو يعود مريضا ولا يجلس حتى يرجع واعتكاف المرأة مثل ذلك وبعض الاخبار الآتية
أيضا لا يخلو عن دلالة على أن اعتكاف المرأة في المسجد وشرط الأكثر المساجد الأربعة كما عرفت مفصلا وأضاف بعض مسجد المداين وهو أبو جعفر بن
بابويه في المقنع كما عرفت وكلما لم يصح الصوم باعتبار المكلف أو الزمان لم يصح الاعتكاف لاشتراطه بالصوم كما عرفت من التعريف ويدل على اشتراط
الاعتكاف بالصوم اتفاق علماء أهل البيت (عليهم السلام) كما قاله في المنتهى ونقل الخلاف عن بعض العامة ويدل عليه أيضا ما رووه عن عايشة عن النبي صلى الله
عليه وآله إنه قال لا اعتكاف إلا بصوم وعن ابن عمر إن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وآله فقال اعتكف وصم وما تقدم آنفا
من صحيحة الحلبي وحسنته ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح قال قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا اعتكاف
إلا بصوم وعبيد بن زرارة في الموثق قال قال أبو عبد الله
(عليه السلام) لا يكون الاعتكاف إلا بصوم وأبو العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا اعتكاف إلا بصوم ثم مداومة الرسول صلى الله عليه وآله على الاعتكاف
صايما يدل على الاشتراط واحتج من قال من الجمهور بعدم اشتراط الصوم ببعض الاخبار التي دلالتها غير واضحة مع ضعف سندها وإذ قد ثبت اشتراطه
بالصوم فكلما لم يصح الصوم من المكلف باعتبار عذر فيه كالمرض الذي يضر به الصوم أو الحيض أو النفاس أو السفر على القول بمنع المسافر من الصوم الواجب
والندب أو باعتبار عدم قابلية الزمان للصيام كالعيدين وأيام التشريق بالشرط لم يصح الاعتكاف ويمرن عليه الصبي كساير العبادات وصحته وشرعيته
في حكم صحة صومه وشرعيته كما عرفت مفصلا ويجوز جعله أي جعل الاعتكاف في صيام مستحق للاتيان به مع قطع النظر عن الاعتكاف كصيام شهر رمضان أداء
أو قضاء وصيام الكفارة والنذر لان المعتبر كون المعتكف صائما لا الصوم لأجل الاعتكاف وقد ثبت مواظبة النبي صلى الله عليه وآله على الاعتكاف
في العشر الأواخر ويدل عليه أيضا تنكير لفظ الصوم الواقع في الروايات المتقدمة وإن كان قد نذر الاعتكاف على قول لان نذر الاعتكاف لا يتعلق بالصوم
493

واشتراطه بالصوم لا يقتضي إلا تحققه بأي وجه كان ليمكن تحقق المشروط المنذور كما إن ناذر الصلاة لو اتفق كونه متظهرا في الوقت الذي تعلق به النذر
لم يفتقر إلى طهارة مستأنفة وقال العلامة في التذكرة على ما نقل عنها لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلا وجب الصوم بالنذر لان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
وكأنه (ره) أراد لزوم الصوم عليه شرعا لتوقف الاعتكاف الواجب بالنذر عليه وأما الحكم بوجوب إيقاعه بالنذر لأجل الاعتكاف كما هو الظاهر من العبارة
فمشكل جدا كما عرفت وقال أيضا في التذكرة لو نذر اعتكافا وأطلق فاعتكف في أيام أراد صومها مستحبا جاز وهذا القول أيضا بظاهره ينافي ما ذكره
أولا من وجوب إيقاع الصوم في الاعتكاف المنذور للنذر إلا أن يكون مراده إنه جاز الصوم في هذه الأيام للاعتكاف عن الصيام المرغب فيه شرعا في
تلك الأيام ولكنه بعيد عن العبارة غاية البعد وقال الشهيد الثاني في المسالك لا يصح جعل صوم الاعتكاف المنذور مندوبا للتنافي بين وجوب
المضي على الاعتكاف الواجب وجواز قطع الصوم المندوب ولا يخلو هذا الكلام عن تأمل أما أولا فلمنع وجوب المضي على الاعتكاف الواجب بالنذر
المطلق وأما ثانيا فلان عدم جواز قطع الصوم باعتبار استلزامه للخروج عن الاعتكاف الواجب لا يقضي وجوب أصل الصوم بحسب الشرع وتفصيل ذلك
في بحث وجوب المقدمة في علم الأصول ويشترط النية في ابتدائه لأنه عبادة مفتقرة إلى النية ولو قلنا بلزوم التعرض للوجه في النية ففي المندوب
ينوي الندب به جملة في ابتدائه وإن قلنا بوجوبه بالدخول أو بمضي اليومين لأنه فعل واحد متصل شرعا لا يعاقب المكلف على تركه رأسا ويثاب
على فعله ولا معنى للمندوب إلا ذلك والوجوب الطاري لبعض أجزائه بعد الاتيان بالبعض لا ينافي استحباب أصل الفعل ولا حاجة إلى التعرض لهذا
الوجوب الشرطي في النية في ابتداء الفعل لعدم دليل يدل عليه ولا إلى تجديد نية الوجوب بعد مضي اليومين لكفاية نية واحدة للفعل الواحد في
أوله ولا يفتقر كل جزء إلى نية على حدة كما هو مقرر معلوم من الشريعة في جملة العبادات واستمرار نية الندب بأصل الفعل في هذا الوقت لا ينافي
الوجوب الظاهري لهذا الجزء بخصوصه باعتبار الاتيان بالسابق نعم على تقدير تفريق النية على الأيام والقول بجوازه فينوي بالثالث الوجوب لوجوبه حينئذ
لأنه يعاقب على تركه حينئذ ويثاب على فعله وهو الوجوب وقال خالي طاب ثراه تبعا لصاحب المدارك وإن قلنا بوجوبه بعد الشروع أو بعد اليومين وقلنا
باعتبار الوجه فالظاهر أنه ينويه كذلك أولا أو يفرق النية فينوي اليومين الأولين ندبا ثم الثالث وجوبا ولا وجه للاشكال في الأول بتقديم النية على محلها
لان محل النية أول الفعل غاية الامر اتصف الفعل باعتبار أجزائه بوصفين مختلفين وكذا الأوجه للاشكال في الثاني بأن من شأن العبادة المتصلة أن
لا يفرق النية على أجزائها إذ لا وجه للقول بامتناع هذا التفريق وقد اعترفوا بجوازه في الوضوء وما قيل من أن الأصل في الاعتكاف الندب والوجوب
عارض فيجوز أن ينوي فيه إجماع ما هو الأصل ضعيف انتهى كلامه رفع مقامه وأقول أما ما ذكره في كيفية النية أولا فضعفه ظاهر إذ لا يمكن قصد الوجوب
بالثالث في أول الفعل لعدم وجوبه بعد بل يجوز تركه من غير عقاب وقصد الوجوب الشرطي ليس بقصد الوجه المعتبر في النية وهو ظاهر وأما ما ذكره
ثانيا ففيه إن جواز تفريق النية في جميع العبادات يحتاج إلى دليل لا يمكن إقامته وأما ما ذكره أخيرا من الحكم بضعف ما قيل فضعفه ظاهر لامكان إرجاعه إلى
ما ذكرناه في كيفية النية وهو في غاية القوة والمتانة وهو أي ابتداؤه قبل طلوع الفجر لدخول شئ من الليل من باب المقدمة وحيث جوز في نية الصوم
المقارنة للطلوع كما عرفت فليجوز هنا أيضا فيكون في الأيام الثلاثة التي لا يكون الاعتكاف في أقل منها اتفاقا منا ليلتان أما خروج الليلة الأولى فلان
مسمى اليوم هو النهار لأنه المعروف منه عند الاطلاق لغة واستعمالا حتى في القرآن الحكيم لقوله تعالى سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام قال الشيخ
في الخلاف اليوم ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس هكذا ذكر الخليل وغيره من أهل اللغة وأما دخول الليلتين المتوسطتين فلاعتبار الثلاثة المتوالية
في الاعتكاف فلو لم تدخل الليلة التي في البين فيجوز الخروج منه وفعل ما ينافيه فيها وينقطع اعتكاف ذلك اليوم عن غيره ويصير منفردا ولو صح ذلك لصح
اعتكاف أقل من ثلاثة وهو باطل إجماعا فالليل وإن لم يدخل في مسمى اليوم لكنه هنا يدخل تبعا لتحقق الثلاثة المتوالية وقال الشهيد الثاني طاب ثراه في
المسالك فإن قيل يمكن تحقق التوالي باعتكاف النهار خاصة ولا يخرجه الليل عن اسم الموالاة كما يتحقق الموالاة في الصوم مع خروج الليل إجماعا قلنا فرق بين
الاعتكاف والصوم فإن الاعتكاف يتحقق ليلا ونهارا ومن ثم لو صرح بإدخال الليالي أو أتى بلفظ يستلزم ادخالها دخلت فإذا لم يدخل الليالي كان قد فرق الاعتكاف
فلا يكون متتاليا بخلاف الصوم فإنه لما لم يتحقق في الليل تعين حمل الموالاة فيه على توالي نهار الأيام خاصة لامتناع غيره والحاصل إن الأصل في الموالاة
متابعة الفعل الموصوف بها بعضه لبعض بحسب الأمان فلما أمكن في الاعتكاف دخول الليالي المتخللة لم يتحقق الموالاة بدونها ولما لم يمكن ذلك في الصوم
حمل على الأقرب أحوال الامكان وهو متابعة النهار في جملة الأيام بعضه لبعض وحينئذ فلا يصح إخراج الليالي عن الاعتكاف بوجه انتهى وما أفاده (ره) في غاية المتانة
لا يقال المفهوم من النصوص موالاة الأيام الثلاثة كما يفهم من قوله عليهم السلام لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام ومسمى اليوم هو النهار كما اعترف به
494

آنفا والموالاة بين الأيام بهذا المعنى إنما يتصور بعدم تخلل نهار خال عن الاعتكاف في البين ولا يضره تخلل الليل كما أفاده (ره) في موالاة الصيام لأنا نقول
المفهوم منه موالاة الاعتكاف واستمراره في الأيام الثلاثة كما يحكم به الوجدان واعتبار الموالاة في الفعل الكاين في الأيام ليس بمنزلة اعتبار الموالاة و
التتابع بين نفس الأيام حتى لا يضرها تخلل غير اليوم في البين كما زعمت باعتبار عدم إمكان تتابعها بغير فصل من الليل ولما أمكن تحقق فعل الاعتكاف في
الليالي المتخللة في البين فلا يحصل الموالاة فيه إلا بتحققه واستمراره فيها بخلاف ما لو قيل لا يكون الصيام الذي يعتبر في الاستفتاح في أقل من ثلاثة أيام من وسط
الشهر فإن ذلك لا يحمل على استمرار الصوم في الليالي المتخللة لعدم إمكان تحققه فيها والعمدة إن المعهود الواصل إلينا بالعمل المستمر من صاحب الشرع عليه السلام ليس إلا
الاعتكاف الموصول فلا يمكننا الحكم بشرعية الاعتكاف المفصول بغير دليل تام لم يوجد والظاهر مما ورد أيضا كما سيأتي في كفارة جماع المعتكف ليلا اعتبار
استمراره في الليل والظاهر من كلام المحقق والعلامة كما سيأتي دعوى الاجماع على ذلك أيضا وإن أمكن تأويله ثم إن الشهيد الثاني (ره) في المسالك نسب إلى العلامة وجماعة
القول بدخول الليلة الأولى أيضا في الاعتكاف فيكون مبدء الثلاثة الغروب ووقت النية قبله أو في أنه وذلك لان اليوم يستعمل شرعا في المركب من النهار و
الليل ولدخول الليل في اليومين الأخيرين فكذا الأول وفيه إن الظاهر أن استعمال اليوم في المركب بضم القرينة فلا يدل ذلك على كونه حقيقة فيه ودخول
الليل في اليومين الأخيرين بالتبع باعتبار ملاحظة الموالاة كما عرفت فلا يلزم دخوله في الأول وحكم في المسالك بأولوية إدخال الليلة الأولى ولا ريب في تلك
الأولوية للخروج عن عهدة الخلاف وقال وأكمل منه أن يجمع بين النية عند الغروب وقبل الفجر ولعله باعتبار احتمال عدم صحة الشروع في الاعتكاف من أول
الليل وهو بعيد جدا وقال الشيخ في الخلاف لا خلاف إنه يجوز واحتمل بعض الأصحاب دخول الليلة المستقبلة في مسمى اليوم وعلى هذا فلا ينتهى الأيام الثلاثة
إلا بانقضاء الليلة الرابعة وضعفه ظاهر وفي موضع من الخلاف إن شرط التتابع فكذلك أي يدخل الليلتان في الأيام الثلاثة وإلا أجزئه ثلاثة أيام بلا لياليهن قال
الشيخ في موضع من الخلاف إذا قال لله علي أن اعتكف ثلاثة أيام لزمه ذلك فإن قال متتابعا لزمه بينها ليلتان وإن لم يشترط المتابعة جاز أن يعتكف نهار ثلاثة
أيام بلا لياليهن وقال فيه أيضا قبل ذلك لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام وليلتين ويمكن حمله على أنه أراد تحديد تمام وقت ينقضي فيه الاعتكاف وقال
أيضا قبل ذلك فإن نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه الدخول فيه قبل طلوع الفجر من أول يوم إلى غروب الشمس من اليوم الثالث والظاهر من تتمة كلامه
إنه أراد تحديد الابتداء والانتهاء في كل يوم باعتبار وجوب الصوم في الاعتكاف فلا يناقض هذان ما نقلنا عنه أولا وكلامه في المشروط أيضا يوافق ذلك فقال
أولا إن نذر أياما بعينها لم يدخل فيها لياليها إلا أن يقول العشر الأواخر أو ما يجري مجراه فليزمه حينئذ الليالي لان الاسم يقع عليه وقال ثانيا إن نذر اعتكاف ثلاثة
أيام وجب عليه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر من أول يومه إلى بعد الغروب من ذلك اليوم وكذلك اليوم الثاني والثالث هذا إذا أطلقه فإن شرط التتابع لزمه
الثلاثة الأيام بينها ليلتان وهو متروك كما عرفت وجهه وإن نذره أي اعتكاف النهار خاصة أو نذر أقل من ثلاثة أيام بطل النذر إذا نفى الأزيد لعدم التعبد به في
الشرع فلا يصح نذره وأما إن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام فلاجماع الفرقة المحقة قال الشيخ في الخلاف دليلنا إجماع الفرقة على أنه لا يكون الاعتكاف
أقل من ثلاثة أيام وقال المحقق في المعتبر قد أجمع فقهاؤنا على أنه لا يصح أقل من ثلاثة أيام بليلتين وأطبق الجمهور على خلاف ذلك وقال العلامة في المنتهى لا يجوز
الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام بليلتين وهو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام والجمهور كافة على خلافه وقال في التذكرة على ما نقل عنها إنه قول علمائنا
أجمع وما رواه أبو بصير في الصحيح كما قاله في المختلف عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام ومن اعتكف صام وينبغي للمعتكف إذا
اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم وأبو ولاد الحناط في الصحيح قال سئلت أبا عبد الله عن المرأة كان زوجها غايبا فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها
فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها وتهيأت لزوجها حتى واقعها فقال إن كانت خرجت من المسجد قبل أن يمضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في
اعتكافها فإن عليها ما على المظاهر وعمر بن يزيد في الموثق على احتمال عن أبي عبد الله (عليه السلام قال إذا اعتكف العبد فليصم وقال لا يكون اعتكاف أقل من ثلاثة
أيام واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك إن ذلك في اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله تعالى وقوله عليه السلام
إن ذلك في اعتكافك بيان للاشتراط أي يكون الشرط الخروج عند عروض العلة وداود بن سرحان قال بداني أبو عبد الله (عليه السلام) من غير أن أسئله فقال
الاعتكاف ثلاثة أيام يعنى السنة إن شاء الله تعالى وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ
اعتكافه وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يمضي ثلاثة أيام لا يخلو عن دلالة على ذلك باعتبار لفظ الفسخ الذي ورد فيه أيضا
الظاهر أن من يقول ممن خالفنا بأن الاعتكاف يكون في أقل من ثلاثة لا يقول بعدم جواز الخروج بعد اليومين حتى يمضي ثلاثة أيام وكذا ما رواه
أبو عبيدة في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال المعتكف لا يشم الطيب ولا يتلذذ بالريحان ولا يماري ولا يشتري ولا يبيع قال ومن اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم
495

الرابع بالخيار إنشاء الله تعالى زاد ثلاثة أيام أخر وإنشاء خرج من المسجد فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر فيشعر قوله (عليه
السلام) من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار بأن أقله ثلاثة أيام وقوله فإن أقام يومين أيضا يدل على ذلك على قياس ما سبق أما لو نذر
اعتكاف يوم وأطلق فإنه يصح نذره لعدم تعرضه لما ينافي شرعية المنذور ويضم إليه حين يأتي به يومين آخرين ليصح شرعا ويخرج عن العهدة ويشترط
الاسلام لافتقاره إلى نية القربة على وجه يمكن ترتبها عليه فلا يصح من الكافر كساير العبادات لعدم تمشي نيتها
منه على هذا الوجه ولو ارتد
المعتكف المسلم في الأثناء فكالارتداد في أثناء الصوم وقد مر الخلاف فيه وإن الوجه فساد الصوم وإن عاد إلى الاسلام في الأثناء والأقرب الجزم
بالبطلان هنا لما سبق في الصوم وللنهي عن لبث الكافر في المسجد والنهي في العبادة موجب للفساد وقد رجح المحقق القول بالبطلان هنا مع ترجيحه في
الصوم القول بالصحة ويشترط إذن الزوج في صحة اعتكاف الزوجة وإذن المولى في صحة اعتكاف المملوك وإذن الوالد في صحة اعتكاف الولد ولا
كلام في الأولين لمنافاة الاعتكاف للاستمتاع المستحق على الزوجة والخدمة المستحقة على المملوك وفي صحيحة أبي ولاد المتقدمة إشارة إلى اشتراط إذن
الزوج حيث قال وهي معتكفة بإذن زوجها وإنما الكلام في الثالث إذ لا دليل على اشتراط إذن الوالد هنا مع أصالة الصحة وبطلان القياس ومنع
الأولوية نعم إذا وقع في صوم مندوب يتوقف على الاذن بواسطة الصوم على رأي المصنف (ره) ومن وافقه من الأصحاب وله أي لمن له الولاية من الثلاثة
الرجوع في الاذن ما لم يجب الاعتكاف بالنذر وشبهه أو الاستيجار إن أذن فيه أيضا أو بمضي يومين على رأي المصنف والأكثر أو بالشرع وفيه على رأي
الشيخ كما سيأتي ووجه جواز الرجوع قبل الشروع واضح وبعده أيضا لأنه فعل مندوب يجوز الرجوع فيه فجاز إبطال فعلهم كما لو اعتكف أحد بنفسه
ثم بدا له في الرجوع وقال الشيخ في المبسوط ومتى اعتكف من عليه ولاية بإذن من له الولاية لم يكن للاذن فسخه عليه ويلزم أن يصبر عليه حتى تمضي مدة
الاذن وبناؤه على مذهبه من وجوب الاعتكاف بالشروع فيه وفرق أبو حنيفة بين السيد والزوج فقال بجواز رجوع السيد وعدم جواز رجوع السيد وعدم جواز رجوع
الزوج محتجا بأن المرأة تملك بالتمليك فإذا إذن لها أسقط حقه عن منافعها وأذن له في استيفائها فصار كما لو ملكها عينا وليس كذلك
العبد وإنما يتلف منافعه على ملك السيد فإذا أذن له في اتلافها صار كالمعير وضعفه ظاهر للفرق الواضح بين الاذن في الاتلاف الذي بمنزلة الإعادة و
التمليك والاذن في الاعتكاف وإتلاف منافعها المملوكة للزوج من قبيل الأول دون الثاني والمملوك المبعض كالقن في حكم التوقف على إذن المالك
لاشتراك العلة نعم لا هاياه أي لو ناوبه مولاه الأيام واعتكف في نوبته إذا اتسعت له فالأقوى جازه بدون الاذن ما لم يؤد اعتكافه إلى الضعف
عن الخدمة في نوبة السيد فيعتبر إذنه حينئذ وكذا إذا اعتكف بصوم مندوب لتوقف الصوم المندوب من المملوك مطلقا على ظاهر النصوص على إذن السيد واشترط العلامة عدم نهي
المولى عنه أيضا وهو أعلم به وأما جواز الاعتكاف على الشروط بدون الاذن للمبعض فلانقطاع تصرف المولى عنه في أيامه وربما أشعر كلام المصنف حيث قال
فالأقوى جوازه إلى قول بعدم جوازه ولعله باعتبار إن المعلوم انقطاع تصرف المولى عن المتبعض في أيامه باعتبار منافعه المتعلقة بالاكتساب ونحوه
دون أمثال ذلك من العبادات المسنونة وفيه إن اشتراط الاذن لم يرد به نص من الشارع وإنما استنبط من عدم جواز إتلاف منافعها المملوكة
بدون الاذن وقد زال ذلك بانقطاع تصرف المولى عن منافعه في أيامه ولو نذر من عليه ولاية الاعتكاف بإذن الولي فله المبادرة إلى الاعتكاف معينا
كان كالاعتكاف في الأربعاء والخميس والجمعة من هذه الأسبوع أو مطلقا كاعتكاف ثلاثة أيام على الأقوى لوجوبه عليه شرعا فله الاتيان وإبراء
ذمته عنه وليس لاحد المنع بما فرضه الله تعالى على عبده وقال الفاضلان المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى للولي المنع في المطلق إلى وقت الضيق
لان مناع الزوج والسيد حق مضيق يفوت بالتأخير بخلاف الاعتكاف المطلق والأقرب إن الأجير الخاص والضيف يستأذن في الاعتكاف أما الأجير
فواضح لمنافاة الاعتكاف لمنافعه المملوكة للمستأجر وكذا الضيف على رأي المصنف إذا كان بصوم مندوب وفي الصوم الواجب إشكال ويحتمل دعوى الأولوية
بالنسبة إلى توقف أصل صومه تطوعا إلى إذن المضيف ولو زال المانع في الأثناء كعتق وطلاق الزوجة لم يجب الاتمام وإن مضى يومان إذا كان الشروع
بدون الاذن لان الدخول منهي عنه فلا ينعقد به الاعتكاف فلا يجب إتمامه ولو كان الشروع بالاذن فيجب الاتمام إن كان الاعتكاف واجبا ويستحب
إن كان ندبا قبل مضي اليومين ويجب بعده على رأي من يقول بوجوبه حينئذ وقال الشيخ في المبسوط يجب الاتمام لو أعتق المملوك في الحال إذا اعتكف بغير
إذن مولاه ولا وجه له وقوله بوجوب الاعتكاف بالشروع فيه لا ينفعه لان ذلك في الاعتكاف الصحيح واعتكاف المملوك بدون الاذن فاسد كما عرفت
ويشترط لزوم المسجد الذي اعتكف فيه فلو خرج منه طوعا بجميع جسده بطل اعتكافه بالكلية إن كان الخروج قبل مضي الثلاثة وسيجئ تفاصيل أحكام
ما بعدها في الدرس الآتي وسيجئ أيضا في هذا الدرس حكم ما لم أخرج كرها وحكم إخراج كرها وحكم إخراج بعض البدن واعلم أنهم ذكروا أنه لا خلاف في أنه لا يجوز للمعتكف
496

الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه إلا لضرورة قال المحقق في المعتبر ولا يجوز بالخروج من الموضع الذي اعتكف فيه إلا لما لا بد منه وعليه اتفاق العلماء
وقال العلامة في المنتهى لا يجوز للمعتكف الخروج من الموضع الذي اعتكف فيه إلا لضرورة وهو قول العلماء كافة وقال في التذكرة على ما نقل
عنه أنه إجماع العلماء كافة ويدل عليه أيضا ما رووه عن عايشة قالت السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لا بد منه وقالت أيضا كان رسول الله صلى الله
عليه وآله إذا اعتكف يدني إلى رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان قال في المنتهى المراد بحاجة الانسان البول والغايط كنى بذلك عنهما
لعموم الحاجة إليهما وما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا إلى الجمعة أو جنازة أو غايط وما رواه
داود بن سرحان في الصحيح على ما في الفقيه قال كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد الله أني أريد أن اعتكف فماذا أقول وماذا أفرض على نفسي فقال لا
تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك وما تقدم في بحث اشتراط المسجد من صحيحتي داود بن سرحان والحلبي عن أبي عبد الله
(عليه السلام) وموثقة عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام) ثم المراد بعدم جواز الخروج لا يمكن أن يكون حرمة الخروج شرعا لان الاعتكاف المندوب لا يجب بالشروع
فيه عند الأكثر وحمله على حرمة الخروج بدون فسخ الاعتكاف وإرادة تركه مستبعد جدا وكذا تخصيصه بالاعتكاف الواجب فالظاهر كما يشعر به كلام المتن و
بعض كلماتهم إن المراد به اشتراط لزوم المسجد في الاعتكاف والوجوب الشرطي لعدم الخروج بالنسبة إليه ولكن المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى فرعا على
تلك المسألة إنه لو خرج لغير عذر بطل اعتكافه لان الاعتكاف لبث في المسجد للعبادة فالخروج مناف له وذلك لا يلايم هذا المعنى إلا أن يكون الغرض
التنصيص على المراد وبيان له ولعل حاصل ذلك التعليل إن المفهوم شرعا من حقيقة الاعتكاف على ما يظهر من الآيات الكريمة والاخبار الشريفة و
نقل الأصحاب وعملهم ليس إلا اللبث في المسجد للعبادة فلا يمكننا الحكم بصحته مع الخروج عن المسجد إلا فيما ورد فيه تجويز من الشارع لمنافاة الخروج للمفهوم
منه وللواصل إلينا منه من الشارع مع أصالة اعتبار التلقي في العبادة كما هو المعلوم المقرر في الشريعة وظاهر كلام خالي طاب ثراه أنه حمل عدم جواز
الخروج على الحرمة الشرعية له حيث قال لا اعرف خلافا في عدم جواز الخروج من غير ضرورة ونقل دعوى الاجماع من المحقق والعلامة وذكر الاخبار ثم
قال ودلالة هذه الأخبار على التحريم غير واضحة إلا أنه يمكن أن يستعان في ذلك بعمل الأصحاب والشهرة والاجماع المنقول ثم تكلم في مسألة بطلان الاعتكاف
بالخروج وعندي أن ذلك ذهول عن مقصود القوم كما عرفت إلا لضرورة استثناء عن حكم بطلان الاعتكاف بالخروج عن المسجد والخروج للضرورة كالخروج للتخلي
قال في المنتهى يجوز له أن يخرج للبول والغايط وقد أجمع أهل العلم على ذلك لان هذا لا بد منه ولا يجوز فعله في المسجد فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه لم
يصح لاحد الاعتكاف والأخبار السابقة أيضا تدل عليه وكالخروج لغسل النجاسة العارضة إن لم يمكن أزالتها في المسجد بدون تعدي النجاسة إلى المسجد و
كالخروج للاغتسال للاحتلام والاستحاضة دون الغسل المندوب لجواز فعله في المسجد كالوضوء ويجب أن يبادر المحتلم إلى الخروج ويكون خروجه بالتيمم
إن كان في المسجدين ولو أمكن الغسل الواقع للحدث في المسجد على وجه لا يتعدى إليه النجاسة فيحتمل عدم الجواز لما فيه من الامتهان المنافي لاحترام المسجد واحتمل
صاحب المدارك الجواز كما في الوضوء والغسل المندوب وجزم في المسالك بالجواز وتردد في تعين فعله في المسجد وقال العلامة في المنتهى لو احتلم وجب عليه أن
يبادر إلى الغسل لان الجنب يحرم عليه الاستيطان في المسجد ولا يلزمه الغسل في المسجد وإن أمكن وكالخروج لتحصيل المأكول والمشروب ونحوهما مما اضطر إليه ولا
يتيسر له التحصيل بدو الخروج وجوز العلامة في التذكرة على ما نقل عنها والشهيد الثاني في المسالك الخروج للاكل أيضا إذا كان عليه في الاكل فيه غضاضة
بخلاف الشرب إذ لا غضاضة فيه ولا بعد تركه من المروة وينبغي تقييد جواز الخروج للاكل أيضا بما إذا لم يمكن دفع الغضاضة بالاستتار في المسجد ومع
ذلك فلا يخلو عن تأمل والاحتياط في تركه إذ قد يتضمن بعض العبادات كالاحرام وبعض أفعال الحج ترك مراعاة الاحتشام لاصلاح حال النفس ورفع الكبر
عنها ثم الضابط الخروج إلى كل ما لا بد منه ولا يمكن فعله في المسجد بحسب حاله شرعا كما يدل عليه ما مر في الاخبار من قول الصادق (عليه السلام) إلا لحاجة لا بد منها
وحمل الحاجة على خصوص التخلي لا وجه له أو تشييع جنازة ولعل التعبير بشهادة الجنازة كما وقع في بعض عباراتهم أولى وأوفق لما وقع مطلقا في النص
من قول الصادق (عليه السلام) لجنازة في صحيحة الحلبي وقوله (عليه السلام) أو جنازة في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمتين فيشمل الصلاة عليها ودفنها أيضا
والظاهر كما يفهم من المنتهى عدم الخلاف في جواز ذلك عند علمائنا وخالف بعض العامة لما روى عن عايشة أنها قالت السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا
يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منها وفيه أنه غير مستند إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقول عايشه ليست حجة
مع أنه معارض بما رووه عن عاصم بن حمزة عن قول علي (عليه السلام) قال إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة ليعد المريض وليحضر الجنازة وليأت أهله
وليأمرهم بالحاجة وهو قائم ونقل عن التذكرة اشتراط تعين ذلك فلا يجوز الخروج بدونه ولا وجه له مع إطلاق النصوص وأولوية جواز أحكام الميت
497

بالنسبة إلى جواز العيادة لعدم وجوبها بوجه مع قوله بجوازها وورودها في النص وكلامه في المنتهى على خلاف ذلك أو عيادة مريض الظاهر أنه لا خلاف
عندنا في جواز الخروج لعيادة المريض قال في المنتهى قال علماؤنا يجوز له أن يخرج ليتبع الجنازة وعيادة المريض ونقل عن التذكرة أنه قول علمائنا
أجمع ويدل عليه أيضا صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد مر ذكرها في بحث لزوم المسجد في اعتكاف المرأة أو إقامة شهادة وإن لم تتعين عليه وفي
معناها التحمل ولا ريب في جواز الخروج لها مع التعين بأن لا يكون غيره أو يتوقف عليه ثبوت الحكم سواء تحملها متعينا عليه أم لا ولا عبرة لفرق بعض
العامة بينهما وذلك بشرط عدم إمكان إقامتها في المسجد فلو أمكن إقامتها فيه فلا يجوز الخروج ومع التعين فلا يخلو عن إشكال لوجوبها في الجملة مع جواز الخروج
لما لا وجوب له بوجه وإمكان إدخالها فيما لا بد منه ومن عدم ورود نص بها بخصوصها مع عدم تعينها وقال العلامة في المنتهى إذا دعي إليها مع عدم
التعين يجب الإجابة فلا يمنع الاعتكاف منه أو إقامة الجمعة إن أقيمت في غيره أي في غير المسجد الذي اعتكف فيه اتفاقا أو على القول بجواز الاعتكاف في غير
الجامع وذلك لوجوبها عليه فلا يمنع الاعتكاف عنها كما لا يمنع عن الخروج لانقاذ غريق أو لاطفاء حريق مع ورودا لنص بالخروج إليها في صحيحة
عبد الله بن سنان المتقدمة ونقل الخلاف فيه في المنتهى عن الشافعي بوجه فاسد قياسي وإقامة صلاة العيد قاله في المبسوط فذكر في عداد المستثنيات
أو أداء فريضة كالجمعة والعيدين وهو مبني على جواز صومه أي العيد للقاتل في أشهر الحرم حتى يتصور فيه الاعتكاف وقد مر إن الشيخ يجوز صومه
له لرواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم اعلم إن المحقق والعلامة ذكرا في المستثنيات تشييع المؤمن ولا نص عليه ظاهرا وأولويته بالنسبة إلى تشييع
الجنازة ممنوعة ولعل ذلك منشأ ترك المصنف وقال العلامة في المنتهى ويجوز أن يخرج لزيارة الوالدين لأنها طاعة فلا يكون الاعتكاف ما نعا منها
ولعل مرجعه إلى أنه يستنبط من النصوص إن الاعتكاف لا يمنع عن أمثال هذه القربات وإلا فضعفه واضح لجواز منع الاشتغال ببعض الطاعات عن بعضها
أليس الوقوف بعرفة يمنع عن الخروج إلى زيارة البيت أو الوالدين والأحوط تركها وإن ادعى الشيح (ره) في الخلاف إجماع الفرقة على الجواز ثم ذكر في المنتهى
أنه يجوز له أن يخرج في حاجة أخيه المؤمن لما ذكره من الوجه في الزيارة وأيده بما رواه ابن بابويه عن
ميمون بن مهران قال كنت جالسا عند الحسين بن علي
(عليهما السلام) فأتاه رجل فقال له يا بن رسول الله (عليه السلام) أن فلانا له علي مال ويريد أن يحبسني فقال (عليه السلام) والله ما عندي مال فأقضى عنك قال فكلمه فلبس (عليه السلام)
نعله فقلت له يا بن رسول الله أنسيت اعتكافك فقال (عليه السلام) لا لم أنس ولكن سمعت أبي (عليه السلام) يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال
من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله عز وجل تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله ويمكن استفادة الايمان كما قاله في المنتهى من قوله (عليه السلام)
في حاجة أخيه المسلم والرواية قاصرة من حيث السند ولا دلالة أيضا لاحتمال استحباب الاعتكاف وفسخه (عليه السلام) له للاشتغال بما هو أعظم أجرا منه
ولا يجلس خارج المسجد لو خرج عنه لبعض الأسباب المجوزة للخروج إلا لضرورة داعية إلى الجلوس لقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة الحلبي وصحيحة داود بن
سرحان المتقدمتين ثم لا يجلس حتى يرجع وقوله (عليه السلام) ثانيا أيضا في صحيحة الحلبي ولا يجلس حتى يرجع ويؤيده أيضا قوله (عليه السلام) في صحيحة أخرى
عن داود بن سرحان ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجسك ولا يمشي أيضا لو خرج تحت ظل كذلك أي مثل ما قلناه في الجلوس من استثناء الضرورة
وذاك قول الشيخ (ره) في النهاية والجمل وقول محمد بن إدريس وظاهر المرتضى وصرح الشيخ في النهاية بالمنع عن الوقوف في الظل أيضا وظاهر كلام المرتضى
دعوى الاجماع على أن ليس للمعتكف إذا خرج من المسجد أن يستظل بسقف وفي المبسوط لا يجلس تحت ظل فقال فيه ويجوز له أن يشهد الجنازة ويعود
المريض غير أنه لا يجلس تحت الظلال إلى أن يعود ولا يجلس في المكان الذي يدخله ونحوه قال ابن أبي عقيل وأبو الصلاح على ما نقله في المختلف وقال
المحقق في المعتبر وقال أبو الصلاح لا يدخل تحت ظل وظاهره تحريم المشي أيضا وقال المفيد لا يجلس تحت سقف فقال ولا يظله سقف يجلس تحته وقال
سلار ولا يقعدن تحت سقف فخصاه أي خص الشيخان التحريم المتعلق بالظل للخارج بالجلوس تحته مجملا دون المشي واختاره الفاضلان وأكثر المتأخرين
والظاهر أنهم يقولون بحرمة مطلق الجلوس كما عرفت وبشدة تحريمه إذا كان تحت الظلال ولو اضطر إلى الجلوس وتتأدى الضرورة بالجلوس في غير الظل
فوجب عليه الاجتناب عن الظل وليس هذا التفصيل في كلامهم وربما أشعر عبارة بعضهم بتخصيص تحريم الجلوس بالجلوس تحت الظل ولكنه غير جيد
وهو المروي في صحيحة داود بن سرحان المتقدمة حيث قال الصادق (عليه السلام) ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك فيبقى المشي على هذا تحت أصل
الإباحة ولا يصلي أيضا لو خرج وحضر وقت الصلاة خارج المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يصلي بها أين شاء أو لضيق الوقت عن الرجوع إلى معتكفه
فيجب عليه أن يصلي في الخارج لئلا يفوت الصلاة أما حكم عدم الجواز في غير مكة فلما قيل من أن الخروج عن المسجد إنما يجوز عند الضرورة فيكون
متقدرا بقدرها وعندي أن ذلك لا يتم بانفراده إذ يحتمل إمكان الاشتغال بالصلاة في الخارج مع بقاء الضرورة الداعية إلى المكث فيه مع
498

إن الظاهر أنهم لا يجوزونه له فلا بد من التمسك بالمنع المستفاد من الخبر وأما حكم جواز الصلاة أين شاء بمكة فلما قاله في المنتهى من أنه قول علمائنا
لأنها حرم فلها حرمة ليست لغيرها ولما روى في الفقيه صحيحا عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) بمكة يصلي في أي بيوتها شاء سواء عليه في المسجد صلى
أو في بيوتها والخبر في الكافي والتهذيب أيضا من دون ذكر الإمام (عليه السلام) وما روى في الكافي والتهذيب صحيحا عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء والمعتكف في غيرها لا يصلي إلا في المسجد الذي سماه وما تقدم من موثقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال سمعته يقول المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها وقال لا يصلح العكوف في غيرها إلا أن يكون مسجد رسول الله صلى
الله عليه وآله أو في مسجد من مساجد الجماعة ولا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يعتكف بمكة حيث شاء فإنها كلها حرم الله
ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة وظاهر هذه الأخبار جواز العكوف بمكة مطلقا والصلاة في أي بيت شاء منها لأنها كلها حرم الله تعالى وفي حكم معتكفه
ولو لم نقل بجواز العكوف بها أيضا في غير المسجد فلا ريب في أن ظاهر الاخبار جواز الصلاة للمعتكف فيها في أي بيت شاء منها مطلقا ولكن الأصحاب حملوها
على جواز الصلاة خارج المسجد الذي اعتكف فيه بمكة إذا خرج عنه لضرورة وحضر وقت الصلاة بخلاف غير مكة فإنه لا يجوز الصلاة فيه خارج المسجد إلا
عند ضيق الوقت وذلك لما استقر عليه رأيهم واستفادوا من الاخبار الاخر من عدم جواز العكوف في غير المسجد وعدم جواز الخروج من المسجد الذي اعتكف
فيه إلا لضرورة كما مر مفصلا وقال الشيخ في التهذيب بعد ذكر موثقة عبد الله بن سنان قوله (عليه السلام) فإنه يعتكف بمكة حيث شاء إنما يريد به يصلي صلاة
الاعتكاف ألا ترى أنه شرع في بيان صلاة المعتكف فقال ولا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يعتكف بمكة حيث شاء فلو لا
إن المراد به ما ذكرناه لما حسن استثناؤه من حكم الصلاة ولكان الكلام الثاني غير متعلق بالأول ويكون تقدير الكلام على ما قلناه ولا يصلي المعتكف في غير
المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يصلي في غير المسجد الذي اعتكف فيه بها وبهذا يتميز من ساير المواضع انتهى وبعد ما ذكره من التأويل عن اللفظ
واضح وعلى الاحتمال الذي ذكرناه لا يحتاج الكلام إلا على تقدير بعد قوله (عليه السلام) فإنها كلها حرم الله والمقدر فيصلي فيها أين شاء وتقدير أمثال
هذه التفريعات في الكلام غير عزيز ولكن العمل على ما ذكره الأصحاب والاحتياط فيه ولو طلقت المعتكفة رجعية اعتدت في منزلها مع عدم تعين الزمان
للاعتكاف بأن يكون مندوبا ولم يمض يومان أو واجبا مطلقا أو مع شرطها الحل عند العارض وذلك لتعين الاعتداد عليها في المنزل بالنص والاجماع ولا
يتم إلا بالخروج ولا مانع عنه في الصور المفروضة فيجب عليها وإلا يكن كذلك بل يكون واجبا على التعيين مع عدم اشتراط الحل عند العارض ففي المسجد تعتد
زمن الاعتكاف ولا يجوز لها الخروج عنه لتعين الاعتكاف عليها ولا يتم إلا باللبث فيه فيجب ولأن دين الله أحق أن يقضى كما قاله في المسالك وأطلق أكثر الأصحاب
إن المعتكفة إذا أطلقت رجعية اعتدت في منزلها من غير تعرض لهذا التفصيل وقال في التذكرة أنه مذهب علمائنا أجمع واستدل عليه بقوله تعالى لا تخرجوهن
من بيوتهن ولا يخرجن وبأن الاعتداد في البيت واجب فيجب عليها الخروج إليه كالجمعة في حق الرجل وفيه أن انعقاد الاجماع في صورة التعين غير ظاهر ووجوب
الرجوع إلى البيت المستفاد من النهي الوارد عن الخروج عن البيت في الآية الكريمة يعارضه وجوب اللبث المستفاد من وجوب المضي في الاعتكاف الواجب على التعين
كما هو معلوم في الشريعة مع رجحان جانب الاعتكاف لسبق وجوبه وأيضا أنهم يقولون بالخروج عن البيت في العدة للحج الواجب والتشبيه بالجمعة إن كان من باب
القياس فغير معمول به وإن كان باعتبار الاشتراك في الدليل أي العمومات الواردة في الخروج لأمثال هذه الضرورات فلا يبعد أن يقال إن المتبادر منها
الخروج في الأزمنة القليلة التي لا يوجب انمحاء هيئة الاعتكاف ونحوها وما أفاده في المسالك من أن دين الله أحق أن يقضى فلا يخلو أيضا عن نظر لان وجوب
اللبث في البيت للاعتداد أيضا حكم الله وحقه جل اسمه وكان غرضه إن هذا الوجوب لمراعاة جانب البشر بخلاف العبادة فإنها بمحض القربة والمسألة لا يخلو
عن إشكال وقال الشيخ (ره) في المبسوط إذا طلقت المعتكفة أو مات زوجها فخرجت واعتدت في بيتها استقبلت الاعتكاف ولا وجه للخروج لعدة الوفاة إلا أن
يقال إن غرضه ليس جواز الخروج بل الحكم بالاستقبال لو خرج وهو بعيد ولو أخرج عن المسجد كرها ظلما ففي بطلان الاعتكاف أوجه البطلان مطلقا وعدمه
مطلقا وثالثها البطلان بطول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفا وإلا فلا والأول قول المحقق والعلامة في بعض كتبه نظرا إلى أن الاعتكاف لبث في المسجد للعبادة
فالخروج منه مناف له والثاني قول الشيخ قال في المبسوط إذا أخرجه السلطان ظلما لا يبطل اعتكافه وإنما يقضي ما يفوته وإن أخرجه لإقامة حد عليه أو
استيفاء دين منه يقدره على قضاءه بطل اعتكافه لأنه أحوج إلى ذلك فكأنه خرج مختارا واستدل له على عدم البطلان بقوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وبعده توجه النهي إلى هذا الفعل وقد عرفت ما في هذا الدليل في بحث عدم فساد الصوم بالافطار كرها ويمكن استفادة
عدم البطلان من العمومات الواردة في الخروج للضرورة وأما التفصيل فذكره العلامة في التذكرة ووجه البطلان بطول زمان الخروج بحيث يخرج عن كونه
499

معتكفا ظاهرا وأما عدمه مع عدمه فلما عرفت وهذا التفصيل هو مختار الشهيد الثاني في المسالك ولا يبعد حمل كلام المبسوط أيضا عليه أما الساهي فمعذور
في خروجه باعتبار السهو للأصل وحديث الرفع وعدم توجه النهي إلى الساهي كما عرفت ولا بد من التقييد بعدم طول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفا
كما فعله في المسالك وظاهر كلام المتن التردد في البطلان في صورة الاكراه والحكم بعدمه في السهو وبعضهم حكم بالبطلان في الاكراه وبعدمه في السهو أولا
ولا وجه له بعد الاشتراك في الدليل بل زيادة جانب الاكراه على ما قلناه ويجب عليه العود كما ذكر أي حين ذكر ورفع السهو عنه فلو تلوم أي تمكث بعد الذكر
اختيارا بطل اعتكافه لتركه اللبث اللازم اختيارا وكذا من خرج لضرورة فزالت الضرورة يجب عليه العود بغير تلوم ولو تأخر اختيارا بطل اعتكافه ولو دامت الضرورة
فخرج عن كونه معتكفا عرفا بطل اعتكافه وكون الاعتكاف من الأمور الشرعية لا ينافي تحكيم أهل العرف في الخروج عن مسماه بعد حصول معرفتهم به بإعلام
الشارع والحاصل أنهم يرجعون إلى ضوابطهم في إطلاق الاشتغال بالافعال بعد علمهم بكيفية الفعل وكميته بتعليم أهل الشرع ولا يجب تجديد النية بعد العود
على من خرج إذا عاد بسرعة لبقاء استمرارها حكما والمفهوم من الكلام أن مع طول زمان الخروج يجب تجديد النية بعد العود وهو يتم مع بطلان الاعتكاف
به رأسا أو استمرارا لان العكوف الثاني حينئذ عبادة جديدة يفتقر إلى نية البتة فأما مع عدم البطلان وعدم طول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفا
عرفا فلا وجه لتجديد النية لبعض أجزاء العبادة المستمرة بل يكفي فيه استمرار النية السابقة حكما ولو بطل حكم النية بطول زمان الخروج فيلزم بطلان
الاعتكاف والخروج عن مسماه عرفا أيضا وقال العلامة في المنتهى فلو خرج لقضاء حاجة أو لغيره استأنف النية عند الدخول إن بطل الاعتكاف بالخروج
وإلا فلا وهذا التعبير جيد كما قررناه ويخرج الحايض والنفساء إجماعا لحرمة لبثهما في المسجد ولما روى عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح كما قالوا وفي
السند محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنه يأتي بيته ثم يعيد إذا برء ويصوم
وفي الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المعتكفة إذا طمثت قال ترجع إلى بيتها وإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها ونقل عن أحمد أنه قال إن
لم يكن للمسجد رحبة رجعت إلى منزلها وإن كان له رحبة خارجة يمكن أن تضرب فيها خباها تضرب خباها فيها مدة حيضها واستند في ذلك إلى
خبر مروي عن عايشة ولا عبرة بخلافه والخبر مع ضعف سنده قابل للتأويل كما ذكره في المنتهى وأما المستحاضة فإنها بالأغسال كالطاهر ولا تمنع من
الصلاة ولا الطواف ولكنها تتحفظ وتتلجم لئلا تتعدى النجاسة إلى المسجد فإن لم يمكن صيانتها منه خرجت لأنه عذر فأشبه قضاء الحاجة كذا
قال في المنتهى وهذا يدل على جواز إدخال النجاسة الغير المتعدية في المسجد ويخرج المريض إذا لم يمكن تمريضه فيه أو أمكن وأدى إلى تلويث المسجد لحفظ النفس
الذي هو من أشد الضرورات وصيانة المسجد عن النجاسة كما يخرج لقضاء الحاجة ولو لم يكن في المكث خوف هلاك النفس أو تلويث المسجد ولكن يؤدي
إلى مشقة شديدة باعتبار الحاجة إلى الفراش والطبيب والمعالجة جاز له الخروج لان دفع تلك المشقة أيضا من الضرورات المجوزة للخروج وادعى في المنتهى
الاجماع عليه أيضا وقد مر إتيان البيت للمرض في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ويخرج المحرم إذا خاف فوت عرفة أو المشعر لان إدراك الحج من أعظم الحاجات
ويخرج من يخاف على نفسه أو ماله بمقامه في المسجد وهو ظاهر قال في المنتهى إذا وقعت فتنة خاف منها على نفسه أو ماله نهبا أو حريقا أن قعد في المسجد فله ترك الاعتكاف
لان هذه الأشياء مما أباح الله تعالى ترك الواجب بأصل الشرع لها كالجمعة والصلاة فأولى أن يباح لأجلها ترك ما أوجبه على نفسه وبعضه أي بعض
جسد المعتكف ككله في حكم الاخراج عن المسجد إلا أن يخرج رأسه ليغسل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله كما مر في خبر عايشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله
عليه وآله إذا اعتكف يدني إلى رأسه فأرجله واختلف الأصحاب في حكم إخراج البعض فجعله المصنف (ره) كإخراج الكل وكذلك الشهيد الثاني فقال في المسالك يتحقق
الخروج من المسجد بخروج جزء من بدن المعتكف منه وقال المحقق في المعتبر يجوز أن يخرج رأسه ليرجل
شعره ويده وبعض أطرافه لما يعرض من حاجة إلى ذلك
لان المنافي للاعتكاف خروجه لا خروج بعضه ونحوه قال العلامة في المنتهى ومستند الشهيدين إن الخروج المنهي عنه للمعتكف يتحقق بخروج بعض الجسد
كما أشار إليه في المسالك ولا وجه له إذ الظاهر أن المرجع في ذلك إلى العرف ومن المعلوم أن الكائن في المسجد إذا أخرج يده أو رجله لا يقال عرفا أنه خرج من
المسجد ما لم يخرج معظم جسده بحيث يكون قراره في الخارج وإذا استقر في الخارج يقال أنه خرج وإن كان يده أو رجله أو رأسه داخل المسجد وكلام الفاضلين
ينطبق على ما قررناه ولكن الظاهر من كلام صاحب المدارك وكلام خالي طاب ثراهما اعتبار خروج جميع الجسد وعلى ذلك حملا كلام الفاضلين وهو غير
جيد إذ يلزم على هذا أن يصدق المعتكف اللابث في المسجد على من دخله وخرج عنه وجلس في بيته بجنب المسجد مع المحافظة على كون شئ من أصابع يده أو
رجله في المسجد وفساده غير خفي ولو خرج من المسجد لضرورة تحرى أقرب الطرق إلى موضع حاجته لان الخروج متقدر بقدر الضرورة ولا بد فيه من
الاقتصار عليه كما عرفت فالعدول عن الطريق القريب في معنى الخروج لغير حاجة وكذلك يجب عليه اختيار المكان القريب والاقتصار في المكث على قدر الحاجة
500

وعندي إن ذلك كله مع ظهور التفاوت وتفاحشه كيف ولو قلنا بلزوم تشخيص القرب والبعد في جميع المواضع المحتملة وفي الطرق إليها ولزوم حفظ
المشي عن أدنى قصور عن المعتاد والمكث عن أدنى زيادة عن قدر الضرورة فيتعسر بل يتعذر أمر هذه العبادة في الغالب ويلزم الضيق والحرج المنفيان في الشريعة
السمحة السهلة وذكر في المنتهى في فروع جواز الخروج للتخلي إنه لو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها إلا أن يجد غضاضة بأن يكون من أهل الاحتشام فيجد
المشقة بدخولها لأجل الناس فعندي هاهنا يجوز أن يعدل عنها إلى منزله وإن كان أبعد وهذا الاستثناء لا يخلو عن تأمل لما عرفت من إشكال جواز رعاية
الاحتشام في الأمور المتعلقة بالعبادات إلا أن يتفق في الفرض المذكور أمور خارجية يتضمن بسببها الدخول في السقاية مشقة شديدة وذكر أيضا إنه لو بذل له
صديق منزله وهو قريب من المسجد لقضاء حاجته لم يلزم الإجابة لما فيه من المشقة بالاحتشام بل يمضي إلى منزله ولا فرق بين أن يكون منزله بعيدا بعدا
متفاحشا أو غير متفاحش في ذلك ما لم يخرج عن مسمى الاعتكاف بأن يكون منزله خارج البلد مثلا وناقش المحقق الأردبيلي (ره) فيه بأن لا احتشام في دخول
منزل الصديق بالاذن كيف ويجوز الاكل في بيته من غير إذنه والحق إن كمال الاحتشام قد يكون في دخول بعض منازل الأصدقاء لخصوص قضاء الحاجة وقياسه
على الاكل قياس مع الفارق والظاهر عدم لزوم قبول ذلك من الصديق وإن لم نقل بجواز رعاية الاحتشام في بعض الأمور المتعلقة بالعبادات كمالا يلزم قبول هبته
وإباحته في أكثر ما يحتاج إليه العبادات وفي خروجه للاذان في الميذنة قول بالجواز للشيخ فقال في المبسوط ويجوز للمعتكف صعود المنارة والاذان فيها سواء
كانت داخلة المسجد أو خارجه لأنه من القربات وقال في الخلاف يجوز للمعتكف أن يخرج فيؤذن في منارة خارجة الجامع وإن كان بينه وبين الجامع فضاء ولا
يكون في الرحبة ونقل عن الشافعي قولين ثم قال دليلنا إن ما روى في الحث على الاذان من الاخبار لم يفصلوا فيه بين حال الاعتكاف وغير حاله فوجب أن
يكون على عمومها واحتج له في المنتهى أيضا بأن هذه المنارة بنيت للمسجد وآذانه فصارت كالمتصلة به ولأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك بأن يكون مؤذن المسجد
وقد عرف صوته ووثق بمعرفته بالأوقات فجاز له ذلك ثم قال موافقا للمعتبر وفيما ذكره الشيخ (ره) إشكال لان الاذان وإن كان مندوبا إلا إنه يمكن فعله في المسجد
فيبقى الخروج لغير ضرورة وقيده بعضهم بكونه معتادا للاذان ولا يبلغ لو أذن في المسجد لم استبعد قول الشيخ وحاصله إنه يمكن إدخاله حينئذ في حاجة
لابد منها وقد ورد في الخبر الصحيح جواز الخروج لها ويؤيد شمولها لمثل ذلك ما يفهم من الاخبار من شمولها لشهود الجنازة وعود المريض وما نقلنا من الأدلة
لما ذهب إليه الشيخ (ره) فضعفها واضح بعد انعقاد الاجماع وورود الأخبار الصحيحة في المنع عن الخروج من غير ضرورة كما عرفت ولو صعد سطح المسجد فكالخروج
إن لم يكن السطح أو الطريق إليه من المسجد فما ذكره واضح وإن كان من المسجد فالحكم بأنه كالخروج باعتبار عدم دخول السطح في مسماه وعدم اطلاق الكاين في المسجد
عرفا على الصاعد عليه وفيه تأمل وقيل لا قال العلامة في المنتهى يجوز للمعتكف الصعود إلى السطح في المسجد لأنه من جملته وبه قال الفقهاء الأربعة ويجوز
أن يبيت فيه وتعليله يشعر بأن مراده السطح الواقع داخل المسجد كما ذكرنا ويحرم عليه نهارا ما يحرم على الصائم لأنه صائم ويحرم عليه البيع والشراء والطيب حتى الريحان
على الأقوى والاستمتاع بالنساء والمماراة ليلا ونهارا أما تحريم البيع والشراء عليه فالظاهر وفاق أصحابنا عليه ونقل في المنتهى الخلاف فيه عن الشافعي في
أحد قوليه ويدل عليه أيضا ما تقدم في صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال المعتكف لا يشم الطيب ولا يتلذذ بالريحان ولا يماري ولا يشتري ولا
يبيع واستدل عليه في المنتهى أيضا ببعض وجوه لا يخلو عن ضعف ثم أمثالهما من العقود كالصلح والإجارة وكذا الايقاعات فالأصل فيها الإباحة ولا دليل
على تحريمها سوى القياس الذي لا نعمل به وأما تحريم الطيب فعليه الأكثر لورود النهي عنه معنى في صحيحة أبي عبيدة ويؤيد كونه للتحريم دخول المحرمات تحته كالبيع
والشراء والمماراة والظاهر أن شم الريحان أيضا كالطيب لوروده معه في الصحيحة والظاهر أن المراد بالتلذذ الشم وبالريحان كل ما له رايحة طيبة من النباتات وشموله
للفواكه الطيبة غير ظاهر والأصل يقتضي إباحتها وخالف الشيخ في تحريم الطيب في المبسوط فقال ويجوز له أن ينكح وينكح وينظر في أمر معيشته وضعته ويتحدث بما شاء
من الحديث بعد أن يكون صباحا ويأكل الطيبات ويشم الطيب وكان مستنده أصل الإباحة وقد عرفت ما يوجب العدول عنه وذهب في النهاية إلى تحريم الطيب و
كذا في الخلاف وادعى عليه الاجماع فقال في النهاية وعلى المعتكف أن يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم من النساء والطيب والرياحين إلى آخر ما ذكره وقال في الخلاف
لا يجوز للمعتكف استعمال شئ من الطيب وقال الشافعي يجوز ذلك دليلنا إجماع الفرقة واستدل عليه أيضا بالاحتياط وأما تحريم الاستمتاع بالنساء
فمقطوع به في كلام الأصحاب والمراد منه الجماع قبلا أو دبرا أنزل أم لم ينزل والقبلة واللمس بشهوة والأصل فيه قوله تعالى ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد
تلك حدود الله فلا تقربوها وقال في المنتهى يجوز أن يلامس بغير شهوة ولا نعرف فيه خلافا لما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وآله كان يلامس بعض نسائه في
الاعتكاف ويظهر من المختلف وغيره تقييد تحريم القبلة أيضا بالشهوة وقرب فيه تحريم النظر بشهوة أيضا وأما تحريم المماراة فلما تقدم في صحيحة أبي عبيدة وقال
501

في المنتهى وكذا الكلام الفحش وقال الشهيد الثاني (ره) في المسالك المراء لغة الجدال والمماراة المجادلة والمراد به هاهنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرد
إثبات الغلبة أو الفضيلة كما يتفق لكثير من المتسمين بالعلم وهذا النوع محرم في غير الاعتكاف وقد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص وإدخاله في محرمات الاعتكاف
أما بسبب عموم مفهومه أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة كما ورد من تحريم الكذب على الله ورسوله في الصيام وعلى القول بفساد الاعتكاف بكل ما حرم فيه يتضح فائدته
ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطاعات فالمايز بين ما يحرم منه وما يجب أو يستحب النية
فليتحرز المكلف من تحويل الشئ من كونه واجبا إلى جعله من كبار القبايح انتهى وما أفاده (ره) في تعريف المراء قريب مما ذكره الغزالي من أن المراء طعنك في كلام
الغير لاظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مرتبتك عليه والأولى أن يفسر بما هو أعم منه أي المجادلة لا لغرض صحيح من إظهار حق أو
تزييف باطل سواء كان الحق مما له تعلق بالدين أم لا كما يقع المجادلة بين العلماء في المسائل الغير المتعلقة بالدين وفي العبارات أو التقريرات من دون أن
يتعلق ببيان أصل المطلوب وما لا يكون للغرض الصحيح أعم من أن يكون لمجرد الغرض الفاسد كإظهار الغلبة وتحقير الخصم وغيرهما من الاغراض الفاسدة
أو مشوبا به وبالغرض الصحيح ومن أعظم ما أشار إليه طاب ثراه من التأكيد في تحريمه في النصوص ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال ذروا المراء فإنه
أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان وقال صلى الله عليه وآله إن أول ما عاهد إلى ربي ونهاني عنه بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر ملاحاة الرجال و
الملاحاة في اللغة المنازعة وقال صلى الله عليه وآله لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى يدع المراء وإن كان محقا وكان المراد تركه من المحق إذا كان مشوبا
بقصد إظهار الغلبة أو إذا لم يتصور فيه نفع من رجوع الخصم إلى الحق أو عدم اتباع الغير له ونحوهما ثم ما ذكره (ره) من أن سبب إدخاله في محرمات الاعتكاف
عموم مفهومه لا يخلو عن شئ لان المراء مطلقا لا يمكن أن يقال إنه محرم في الاعتكاف كيف وقد صرح هو بأن الغرض من الجدال في المسألة العلمية لو كان مجرد
إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطاعات ويتصف بالوجوب أو الاستحباب فلا يمكن القول بتحريمه على المعتكف إلا أن يكون المراد حرمة
الجدال المتصف بالإباحة والكراهة في غير حال الاعتكاف على المعتكف كالمنازعة على الأموال الحقيرة ونحوها مع رفع الصوت وخشونة القول من غير أن يقضي
إلى تفضيح حال أو هتك ستر محرم وترك المصنف ذكر استدعاء المني في محرمات الاعتكاف كما اشتهر بين الأصحاب وكأنه لعدم وقوفه على نص يدل على
منافاته للاعتكاف وإن كان محرما مطلقا والمراد بالمنافاة المنافاة من غير جهة إخلاله بالشرط وإلا فلو وقع في النهار فلا ريب في منافاته له باعتبار
إفساده للصوم وقد ذكر المصنف أيضا إنه يحرم عليه نهار أما يحرم على الصايم ويمكن استفادة تحريمه على المعتكف مطلقا من تحريم القبلة واللمس عليه بطريق
الأولى كما أشار إليه في المدارك ولو اضطر إلى شراء شئ كالمأكول والمشروب والملبوس ونحوها مما تدعو الحاجة إليه وتعذرت المعاطاة اشتراط
تعذرها أما لأجل إنها ليست شراء حقيقة فمع إمكانها لا يجوز الشراء ولا اضطرار إليه والمراد بالشراء في كلامه ما يشملها على المجاز الشايع أو لأجل
إنها أخف أفراده فينبغي اختيارها مع الامكان واعتبر بعضهم تعذر التوكيل أيضا ولا بأس به جاز لمكان الضرورة وقال في المنتهى فالوجه الجواز للضرورة
وكذا البيع لو اضطر إليه ليشتري بالثمن شيئا مما يحتاج إليه جاز بالشرط المذكور وللشيخ قول في الجمل بتحريم محرمات الاحرام مطلقا على المعتكف حيث
قال على ما نقل عنه ويجب عليه تجنب كل ما يجب على المحرم تجنبه من النساء والطيب والمماراة والجدال ويزيد عليه تسعة أشياء البيع والشراء انتهى
وقال في التذكرة الشيخ لا يريد بذلك العموم لأنه لا يحرم على المعتكف لبس المخيط إجماعا ولا إزالة الشعر ولا أكل الصيد ولا عقد النكاح وهو جيد لان
الشيخ يتسامح في العبارة كثيرا تبعا للفظ ما وصل إليه من الرواية وعبارته في النهاية أيضا قريبة من ذلك وهو ضعيف كما قال في المبسوط بعد
عد ما لا يجوز عليه ما يجوز وقد روى إنه يجتنب ما يجتنبه المحرم وذلك مخصوص بما قلناه لان لحم السيد لا يحرم عليه وعقد النكاح مثله والرواية
التي أشار إليها الشيخ غير موجودة إلا في الكتب المعروفة ولا يفسد العقد الذي يحرم على المعتكف لو أوقعه لان النهي في غير العبادة لا يدل على
فساد المنهي عنه بل يوجب الاثم بفعله خاصته خلافا له رحمه الله حيث قال في المبسوط إن باع واشترى في حال الاعتكاف فالظاهر أنه لا ينعقد لأنه منهي عنه و
النهي يدل على فساد المنهي عنه وقال قوم أخطأ ويكون ماضيا ويجوز النظر في معاشه والخوض في المباح لعدم ما يدل على التحريم وإن كان تركه أفضل لمنعه
عن العبادة التي لبث لأجلها في المسجد وقال العلامة في المنتهى كلما يقتضي الاشتغال بالأمور الدنيوية من أصناف المعايش ينبغي القول بالمنع منه عملا بمفهوم
النهي عن البيع والشراء قال السيد المرتضى يحرم التجارة والبيع والشراء والتجارة أعم وكأنه (ره) أراد بالمفهوم العلة المستنبطة فيرجع إلى القياس الذي لا
نعمل به وفتوى السيد (ره) لا يصلح للاحتجاج وقال فيه أيضا الوجه تحريم الصنايع المشغلة عن العبادة كالخياطة وشبهها إلا ما لابد منه وهو (ره)
مطالب بدليل التحريم نعم لو اشتغل دائما بحيث حرج عن مسمى الاعتكاف عرفا فينبغي القول بالمنع منه لو أمكن هذا الغرض وظاهر كلام ابن إدريس إن
502

الاشتغال بالقبايح والمعاصي أو المباحات التي لا حاجة إليها يفسد الاعتكاف لان الاعتكاف هو اللبث للعبادة فإذا فعل قبايح ومباحات لا حاجة إليها فما
لبث للعبادة وخرج عن حقيقة المعتكف اللابث للعبادة وقال في المختلف في مقام الرد عليه ونحن نطالبه بوجه ما قاله واحتجاجه أضعف من أن يكون شبهة
فضلا عن كونه حجة فإن الاعتكاف لو شرط فيه دوام العبادة بطل حالة النوم والسكوت وإهمال العبادة وليس كذلك بالاجماع والعجب إن ما أورده عليه يرد
على ما أفاده في المنتهى كما قلنا وقال في المنتهى أيضا ولا بأس أن يأكل في المسجد ويغسل يده في طست يفرغ خارج المسجد ولا يجوز له أن يخرج لغسل يده لان
منه بدأ ولا يخرج للطهارة ولا لتجديدها ولا يجوز له أن يبول في المسجد في آنية ولا أن يفتصد ولا يحتجم وكان
غسل اليد في الطست والافراغ خارج المسجد
على سبيل الاستحباب لرعاية حرمة المسجد إذ يجوز غسله في المسجد إلا أن يتضمن ضررا على المسجد أو المصلين وعدم جواز البول في آنية في المسجد لما فيه من
الامتهان المنافي لاحترام المسجد وكان المنع عن الفصد والحجامة مع أمن تعدي النجاسة باعتبار الامتهان أيضا ولا يخلو عن تأمل وقال الشيخ في الخلاف
من أكل طعاما في المسجد يحتاج إلى غسل يده فالأولى أن يغسلها في طست ونقل الماء إلى خارج المسجد فإن خرج لغسل يده لم يبطل اعتكافه وقال الشافعي يبطل
دليلنا إن هذا خروج محتاج إليه وقد استثنى ذلك عليه وما ذكره في المنتهى من عدم جواز الخروج لغسل اليد رد على تجويز الشيخ وكأنه أظهر وأما
درس العلم وتدريسه وتلاوة القرآن فهو أفضل من الصلاة ندبا فيستحب للمعتكف الاشتغال به وأما الأفضلية فلان العلم أفضل العبادات ونفعه يتعدى
ويوجب البصيرة في أصل الدين وتلاوة القرآن مع التدبر يوجب مزيد العلم وانكشاف المسائل الدينية والاطلاع على الحكم والاسرار الخفية فكان أولى من
الصلاة المندوبة وخالف فيه أحمد فقال لا يستحب له إقراء القرآن ولا دراسة العلم بل التشاغل بذكر الله تعالى والتسبيح والصلاة أفضل واحتج بأنها عبادة
شرع لها المسجد فلا يستحب فيها إقراء القرآن وتدريس العلم كالصلاة والطواف وفساد قياسه واضح لان الصلاة شرع لها أذكار مخصوصة وخشوع واشتغاله بالعلم يقطعه
عنها وأما الطواف فلا يكره فيه إقراء القرآن ولا تدريس العلم ولا يستحب له الصمت عن ذكر الله تعالى لعدم ورود التعبد به في شريعة الاسلام بل يحرم إن اعتقده
لاحداث البدعة في الدين ولو نذره في اعتكافه بطل النذر لأنه نذر في معصية وقال في المنتهى وهو قول فقهاء الاسلام ولو جعل كلامه في اغراضه بالقرآن كره
لان احترام القرآن يقتضي خلاف ذلك وقد ورد في الحديث لا تناظر بكتاب الله ولا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وقيل معناه لا تجعلهما مثلا كقول
القايل لمن جاء في الوقت الذي يريد ثم جئت على قدر يا موسى وما أشبه ذلك مما يتمثل به وقيل معناه لا تجعل لهما شبها ونظيرا فتدعهما وتأخذ به وعلى
هذا فلا تعلق له بتلك المسألة
درس لا يجب الاعتكاف إلا بنذر أو عهد أو يمين قد مر إن أهل العلم أجمعوا على أن الاعتكاف ليس بفرض
في أصل الشرع وإنه مستحب فيصح تعلق النذر والعهد واليمين به فيجب لأجل تعلقها أو نيابة عن الأب إذا استقر الوجوب عليه في حياته ولم يأت به حتى مات
وقال الشيخ في المبسوط من مات قبل انقضاء مدة اعتكافه في أصحابنا من قال يقضي عنه وليه أو يخرج من ماله إلى من ينوب عنه قدر كفايته لعموم ما روي
إن من مات وعليه صوم واجب وجب على وليه أن يقضي عنه أو يتصدق عنه وينبغي تقييد ما ذكره باستقرار الوجوب في ذمته وإلا فلا وجه لوجوب القضاء على الولي مع عدم تفريط الميت وعدم تمكنه من الاتيان به
إلى قولين ولا يخلو عن بعد وفي المسألة اشكال سيجئ الإشارة إليه من المصنف (ره) إذ لا نص على قضاء الاعتكاف عن الميت ووجوب الاعتكاف لا يستلزم وجوب الصوم
لجواز إيقاعه في صوم مستحق كشهر رمضان كما عرفت فالحكم بوجوب القضاء على الولي في محل الاشكال نعم لو نذر الصوم معتكفا فمع تمكنه وتفريطه لا يبعد الحكم
بوجوب قضاء الصوم على الولي للعمومات وبتبعيته بوجوب الاعتكاف أيضا وتفصيل البحث في قضاء الولي وتعدد الأولياء ما سبق في بحث الصوم أو غيره
إذا كان الولي غير الابن على ما سبق من اختيار المصنف (ره) إن الولي أكبر أولاده الذكور ومع فقده فأكبر أهله من الذكور إلى آخر ما ذكره كما هو رأي المفيد وظاهر
القدماء أو باستيجار لفعله للميت وليس في بعض النسخ كلمة أو وعلى هذا فالجار متعلق بوجوب النيابة عن غير الأب والنسخة الأولى أوفق بمذهبه وأمضى يومين
فيجب الثالث في المندوب على الأقوى وهو مذهب ابن الجنيد وابن البراج وابن حمزة والمحقق في الشرايع وجمع من المتأخرين وهو الظاهر من كلام الشيخ
في النهاية حيث قال من اعتكف ثلاثة أيام كان فيما زاد عليها بالخيار إن أراد أن يزداد ازداد وإن أراد أن يرجع رجع فإن صام بعد الثلاثة يومين آخرين لم
يجز له الرجوع وكان عليه إتمام ثلاثة أيام أخر وإن كان قد زاد يوما واحدا جاز له أن يفسخ الاعتكاف وهذا الكلام كما يمكن تطبيقه على قول المصنف (ره)
يمكن تطبيقه على مذهب أبي الصلاح أيضا حيث ذهب إلى وجوب الثلاثة بالدخول ثم بعد مضي الثلاثة هو بالخيار إلى أن يمضى يومان آخران وبعد مضي اليومين
يجب السادس وكلامه بعد ذلك في النهاية أظهر في مذهب المصنف فقال وينبغي للمعتكف أن يشترط على ربه في حال ما يعزم على الاعتكاف كما يشترط
في حال الاحرام فإنه إن عرض له مرض وما أشبهه كان له الرجوع فيه فإنه متى فعل ذلك ثم عرض له مرض جاز له أن يرجع فيه أي وقت شاء وإن لم يشترط
503

لم يكن له الرجوع فيه إلا أن يكون أقل من يومين فإن مضى عليه يومان وجب عليه إتمام ثلاثة أيام حسب ما قدمناه وحجة قول المصنف (ره) ما تقدم
من صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس
له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام وما تقدم في صحيحة أبي عبيدة عنه عليه السلام قال ومن اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار فإن شاء
زاد ثلاثة أيام أخر وإن شاء خرج من المسجد فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام آخر وهذه الرواية إنما يدل على حكم
الثلاثة الأخيرة وليس فيها حكم الأولى فيمكن وجوبها بالدخول كما هو رأي الحلبي وأجاب في المنتهى عن الروايتين بضعف السند قال في سندهما
علي بن فضال وفيه قول ونظرة (ره) إلى التهذيب فلان سندهما فيه علي بن الحسن بن فضال وأما سندهما في الكافي والفقيه فصحيح وفي المبسوط اشترط
الرجوع عند العارض رجع متى شاء ما لم يمض يومان وإن لم يشترط وجب بالدخول ثلاثة أيام أقول أما حكم جواز الخروج مع الاشتراط فيجئ و
أما وجوب الثلاثة بالدخول فاحتجوا عليه بالاخبار الدالة على وجوب الكفارة على من أفسد الاعتكاف وهو مطلق ولو كان ندبا لم تجب بإفساده
الكفارة والجواب إن الاخبار مطلقة فيمكن حملها على الواجب جمعا مع إمكان القول بوجوب الكفارة في الافساد بالجماع كما ورد في الاخبار في
الاعتكاف المستحب والاحتجاج بقياسه على الحج والعمرة كما قاله بعض العامة ففساده واضح والنهي الوارد عن إبطال العمل مختص بالواجب كما هو المقرر
عندهم وقد ادعى بعضهم الاجماع أيضا على عدم وجوب المندوب بالشروع فيه إلا الحج والعمرة وقال المرتضى لا يجب النفل مطلقا حتى بعد مضي اليومين
واختاره ابن إدريس والعلامة وقال المحقق في المعتبر وهو الأشبه بالمذهب واحتجوا عليه بأن الأصل عدم الوجوب وبراءة الذمة وبأنها عبادة
مندوبة فلا يجب بالشروع فيها كغيرها من التطوعات وفارقت الحج لوجود الامر فيه دون صوره النزاع وبأن اليوم الأول والثاني متساويان
فلو اقتضى اعتكاف الثاني وجوب الاتمام لاقتضاه الأول والجواب عن الأول إن حكم الأصل يعدل عنه لدليل دل على خلافه والدليل هنا
موجود لما عرفت من الخبرين الصحيحين وحملهما على شدة استحباب الاتمام وكراهة الخروج خلاف الظاهر ومنه يظهر الجواب عن الثاني أيضا والجواب عن الثالث
منع التساوي كما يظهر من الخبر وبطلان القياس والرواية بخلافه بل الروايتان كما عرفت ولو زاد على الثلاثة يومين وجب السادس لصحيحة أبي عبيدة
وكذل كل ثالث إذ لا قايل بالفصل وقال صاحب المدارك وربما كان في الرواية أي رواية أبي عبيدة إشعار بذلك وهو غير ظاهر ولو قيد في النذر
بعدد تعين بسبب تعلق النذر ولا يجب فيه أي في عدد المنذور المتابعة للأصل إلا في كل ثلاثة إذا الاعتكاف لا يكون في أقل من ثلاثة أيام كما عرفت
ولو فرق الأيام المنذورة في أثناء اعتكاف آخر فسيجئ حكمه إلا أن يشترط ذلك أي التتابع صريحا في النذر كعشرة متتابعة فيجب حينئذ فيها المتابعة
وهذا هو المتتابع لفظا أو تعين زمانه وإن لم يتعرض للمتابعة صريحا كالعشر الأخير من الشهر وهذا هو المتتابع معنى ولو صرح بالمتابعة مع تعيين
الزمان فهو المتتابع لفظا ومعنى ولو نذر اعتكاف أربعة أيام لم تجب الزيادة لجواز الخروج بعد الرابع كما عرفت ولو نذر خمسة فالأقرب وجوب
السادس لخبر أبي عبيدة ويمكن القول بأن المجموع يصير حينئذ عباده مستقلة فلا يجب الزايد بخلاف المندوب والخبر ظاهر في المندوب وتجب الليالي في الجميع
إلا في اليوم الأول وقد مر البحث عن ذلك فيما سبق إلا أن يعين الزمان كرجب فالأقرب وجوب البدائة من أول ليلة لصدق الاسم ولهذا تحل الديون
المعلقة به والنذر مع صلاحية الزمان للاعتكاف كما عرفت ويجب أن يكون البدائة قبل الغروب من باب المقدمة والاحتمال الاخر وجوب البدائة
به قبل الفجر من أول يومه ونسب الذهاب إليه إلى بعض العامة في المنتهى ونقل الاحتجاج عليه بوجوه ضعيفة والأولى أن يقال إن اشتراط الاعتكاف
بالصيام قرينة على أن المراد الشروع فيه بالشروع في الصوم فمتعلق النذر في الصورة المفروضة حقيقة اعتكاف الشهر بصوم أول يومه إلى آخر الشهر والاحتياط
في العمل بما قربه المصنف (ره) وقس على نذر الشهر نذر الاعتكاف في العشر الأخير ونحوه ويستحب أن يشترط في اعتكافه الرجوع مع العارض كالمحرم استحباب
اشتراط الرجوع عند العارض في الاعتكاف متفق عليه بين الأصحاب قال في المنتهى لا نعرف فيه مخالفا إلا ما حكى عن مالك إنه قال لا يصح الاشتراط
ويدل عليه أيضا ما تقدم في بحث نذر الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام في صحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط
كما يشترط الذي يحرم وفي موثقة عمر بن يزيد عنه عليه السلام واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند احرامك ويدل على صحة ما تقدم في البحث المذكور
في صحيحة أبي ولاد عنه عليه السلام فقال إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإن عليها ما على المظاهر وفي
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس
له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام ثم إن العارض أعم من العذر الذي يضطر معه إلى الخروج لان المضطر يخرج وإن لم يشترط ولو قيل إن الاشتراط
504

مطلوب وإن جاز الخروج عند العارض بدونه أو أن فايدته سقوط القضاء فنقول لا ريب في أن صحيحة أبي ولاد وصحيحة محمد بن مسلم تدلان على ما قلناه واحتج مالك على عدم صحة
الاشتراط بأن ذلك شرط المنافي في العبادة فلا يصح كما لو شرط الجماع والاكل في الصلاة وما ذكره من أنه شرط المنافي في العبادة ففاسد إذ لا نقول
باشتغاله بالاعتكاف مع الخروج المنافي له بل نقول بتركه للاعتكاف عند الخروج فيرجع إلى الاشتغال بالعبادة في زمان دون زمان ولا محذور فيه
ولو قيل إن الاعتكاف لا يكون إلا في أيام معينة فشرط الخروج عنه في أثنائها شرط الابطال العلم فلا يجوز كما لا يجوز شرط الخروج عن الصلاة وإبطالها
فنقول أولا إن اشتراط الأيام في الاعتكاف خلاف مذهبه وثانيا إن العبادات يختلف حالها شرعا في جواز الخروج عنها وإبطالها فمنها ما لا يجوز إبطاله
والخروج عنه إلا عند الاضطرار والتعذر العرفي أو الشرعي كالصلاة الواجبة وصوم شهر رمضان وغيرهما من العبادات التي علم من جهة الشارع إن حكمها
ذلك ومنها ما يجوز الخروج عنه مطلقا كالصلاة المندوبة والصوم المندوب وغيرهما من العبادات المعلومة ومنها ما يجوز الخروج في وقت دون وقت
كصوم قضاء شهر رمضان قبل الزوال وبعده فلم لا يجوز أن يكون حكم بعض العبادات شرعا كالاعتكاف الواجب ولو بمضي يومين جواز الخروج عنه عند
عروض المانع الضعيف ولكن بشرط التعرض لذلك وقت الشروع فيه على سبيل الاشتراط بين العبد العابد وربه المعبود جل اسمه ولو قيل نطالبكم بدليل ذلك
من الشرع ففيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى ثم أشار المصنف (ره) إلى فايدة هذا الاشتراط بقوله فيرجع عند العارض وإن مضى يومان على الأقرب لدلالة صحيحة محمد بن
مسلم عليه وفاقا للنهاية كما نقلنا وخلافا للمبسوط كما مر في المتن ووجه ما أفاده (ره) في المبسوط غير ظاهر لنا ويحتمل أن يكون الباعث عليه حمل بعض الأخبار الدالة على جواز
الخروج قبل مضي اليومين على صورة الاشتراط لان رأيه عدم جواز الخروج بدون الشرط مطلقا كما عرفت ويرجع مع الاشتراط عند العارض سواء تعين الزمان بالنذر
وشبهه أو لا بل كان مطلقا وذلك لان الامر بالاشتراط عند الاعتكاف وقع مطلقا وكذلك جواز الخروج معه عند العارض فيخرج عملا بالشرط ولو جعل شرط
الرجوع متى شاء اتبع لورود الشرط مطلقا في بعض الاخبار ولم يتقيد جواز الخروج حينئذ بالعارض بل يخرج متى شاء من دون عارض عملا بالشرط وكلام العلامة
في التذكرة ظاهر في خلاف ذلك حيث قال وإنما يصح اشتراط الخروج مع العارض فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة أو النزهة أو البيع أو الشراء للتجارة
أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يجز وظاهر كلامه في المنتهى وكلام المحقق في المعتبر أيضا خلافا ذلك وصرح الشهيد الثاني بخلافه فقال في المسالك لا
يجوز اشتراط الخروج بالاختيار أو إيقاع المنافي كذلك ولا يخلو ذلك عن وجه لان ظاهر أكثر الاخبار التقييد
بالعارض باعتبار التصريح به أو التشبيه بالمحرم خصوصا
موثقة عمر بن يزيد عن الصادق (عليه السلام) كما عرفت فما وقع مطلقا يحمل على الاشتراط المعهود في الاعتكاف والاحرام فيشكل الحكم بجواز الخروج المعلوم تحريمه
شرعا بمجرد ذلك ثم أشار إلى وقت الاشتراط في النذر وشبهه إذ في المتبرع به ظاهران محله عند نيته فقال ولو جعل الشرط في نذره أو عهده أو يمينه
فكذلك حكمه يخرج عند العارض أو متى شاء ولو خلى النذر من الشرط فلا عبرة بالشرط عند الشروع في الاعتكاف إذ الموجب له النذر فإذا وجب به من
غير شرط فلا أثر للاشتراط عند الشروع في الاعتكاف وصرح بذلك العلامة في المنتهى والمحقق في المعتبر والشهيد الثاني في المسالك وقال صاحب المدارك
ولم أقف على رواية تدل على ما ذكروه من شرعية اشتراط ذلك في عقد النذر وإنما المستفاد من النصوص إن محل ذلك نية الاعتكاف مطلقا ولو قيل بجواز
اشتراطه في نية الاعتكاف المنذور إذا كان مطلقا لم يكن بعيدا خصوصا على ما أشرنا إليه سابقا من مساواته للمندوب في عدم وجوب المضي فيه إلا بمضي
اليومين ونحوه قال خالي طاب ثراه أيضا ولا يخلو ذلك عن تأمل إذ بعد ما دل الدليل على أن محل الاشتراط وقت النذر كما عرفت فلا استبعاد في حمل إذا اعتكف
أو في اعتكافك الواقع في النصوص على ما يشمل ذلك أو على استحباب التعرض للشرط وقت الدخول بعد تحقق الاشتراط في حال إيقاع النذر نعم لو لم يجب
المضي في المنذور المطلق إلا بمضي اليومين كما ذكره فيصح الاشتراط عند الدخول فيه كالمندوب ولكن كلامهم في المنذور الذي يوجب المضي فيه بالنذر
وإذا خرج للشرط في الاعتكاف المندوب فلا قضاء وإن كان بعد مضي اليومين لجواز الخروج شرعا مع عدم دليل يدل على وجوب القضاء وأصالة
البراءة وإن كان الخروج للشرط في الواجب المعين سواء شرط التتابع لفظا أم لا فكذلك لا قضاء ولا يجب إتمامه أيضا التعين المنذور في الفعل المعين ووقوع
الخروج بتجويز الشارع بحسب الشرط فلا شئ عليه بعد لأصالة البراءة وإن كان النذر غير معين ففي القضاء أي الاتيان بالاعتكاف بعد الخروج نظر
فيتحمل عدم وجوب القضاء لاتيانه بمتعلق النذر ووقوع الخروج عنه سايغا فلا شئ عليه كالسابق ويحتمل وجوبه لاشتغال ذمته بسبب النذر بالاعتكاف
مطلقا ولم يتعين في هذا الفعل فإذا لم يخرج عن العهدة في هذا الوقت باعتبار الخروج للعارض فيجب عليه الاتيان به ثانيا لبقاء وقته كما لو نذر صوم
يوم ودخل في صوم الخميس بقصد الاتيان بالصوم المنذور ثم أفطر في أثناء النهار فيجوز له هذا الافطار ويجب عليه الاتيان بالنذر في يوم آخر كما مر في بحث
الصوم والفرق إن متعلق النذر ثمة لا ريب إنه صوم يوم ولم يأت به في الخميس فيجب الاتيان به في يوم آخر ومتعلق النذر هنا لا يبعد أن يكون الاعتكاف
505

الذي يخرج عنه عند عروض العارض لا الاعتكاف المطلق وقد أتى به فلا يجب عليه القضاء وقطع في المعتبر بوجوبه وكذلك في المنتهى واستجوده الشهيد
في المسالك ونسب صاحب المدارك هذا القول إلى المصنف في الدروس وكذلك نسبه إليه خالي طاب ثراه وهما أعلم بما قالاه إذ لا يظهر من المتن إلا التردد كما ترى
ونسب إليه الشهيد الثاني أيضا في الروضة التوقف ثم على هذا القول إن كان النذر مشروطا بالتتابع يستأنف متتابعا وإن لم يكن مشروطا به وأتى بالثلاثة
قبل الخروج صح ما مضى ويأتي بما بقي وإن كان أقل من الثلاثة فيستأنف لبطلان ما مضى وقال ابن إدريس إذا شرط التتابع ولم يعين الزمان وشرط على
ربه فخرج فله البناء والاتمام دون الاستيناف وإن لم يشترط استأنف وظاهره الاشتراط في أصل الاعتكاف كما هو المعهود وعلى هذا فالحكم أما السقوط
أو الاستيناف كما عرفت من الوجهين والحكم بالبناء والاتمام لا وجه له فأشار إلى توجيهه وقال ولعله أراد إنه شرط على ربه في التتابع لا في أصل الاعتكاف
إذ على هذا إذا خرج للعارض لا يلزمه تدارك التتابع لأجل الشرط ويلزمه الاكمال للنذر ولو شرط فعل المنافي كالجماع والبيع والشراء أو الأكل والشرب
بالنهار في اعتكافه بطل رأسا الشرط والمشروط والنذر المتعلق به لمخالفته للشرع فلا يصح النذر المتعلق به أيضا ويفسد الاعتكاف نهارا مفسد
الصوم مطلقا لأنه مشروط بالصوم كما عرفت فيفسد بفساد شرطه ويفسده مطلقا أي ليلا ونهارا الاستمتاع المحرم عليه بالنساء أما إفساد الجماع مطلقا له
فلا كلام فيه ويدل عليه الأخبار الواردة في الكفارة وأما إفساد التقبيل واللمس بشهوة له ففيه خلاف واختار الشيخ في الخلاف الافساد لقوله تعالى
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد وهو عام في كل مباشرة والنهي يدل على إفساد المنهي عنه وقال العلامة في المختلف الأقرب عندي تحريم النظر
والقبلة بشهوة وأما الافساد بهما فلا وأنت خبير بأن إرجاع هذا النهي إلى العبادة حتى يلزم الفساد به لا يخلو عن إشكال وقوى الشهيد الثاني عدم الافساد
بهما ويفسده مطلقا أيضا الخروج من المسجد وقد مر البحث عنه مفصلا وأما البيع والشراء والمراء والسباب فمنافيات عند ابن إدريس يفسد بها الاعتكاف
قد نقلنا كلامه في بحث جواز النظر في معاشه والخوض في المباح مع ما أورده العلامة عليه في المختلف خلافا للشيخ فقال في المبسوط لا يفسد الاعتكاف
جدال ولا خصومة ولا سباب وعليه أكثر المتأخرين لعدم دليل تام يدل على الافساد ثم إن أفسده وكان متعينا ولو يمضي يومين كفر أعم من أن يكون
التكفير لأجل الاعتكاف أو للسبب الموجب له إن كان الافساد بجماع قبلا أو دبرا سواء أنزل أم لا نهارا أو ليلا قال في المنتهى يجب الكفارة بالجماع على المعتكف
سواء جامع ليلا أو نهارا ذهب إليه علماؤنا ويدل عليه أيضا ما تقدم في صحيحة أبي ولاد الحناط إن كان خرجت من المسجد قبل أن يمضي ثلاثة أيام
ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإن عليها ما على المظاهر وصحيحة زرارة في الفقيه وموثقته في التهذيب قال سئلت أبا جعفر (عليه السلام) عن المعتكف يجامع
أهله فقال إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر وموثقة سماعه بن مهزيار قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن معتكف واقع أهله فقال هو بمنزلة من
أفطر يوما من شهر رمضان وموثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن معتكف واقع أهله قال عليه ما على الذي أفطر يوما
من شهر رمضان متعمدا عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ورواية عبد الاعلى بن أعين قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل وطي امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان قال عليه الكفارة قال قلت فإن وطئها نهارا قال عليه كفارتان وظاهر هذه الأخبار وإن كان
وجوب الكفارة بالجماع في الاعتكاف مطلقا لكن حملوها على الاعتكاف الواجب ولو بمضي اليومين لان المندوب يجوز فيه الرجوع فلا وجه لايجاب الكفارة
المخالفة للأصل جدا مع استحباب الفعل وعدم الاثم في إبطاله وجواز الرجوع والخروج عنه ثم إن المواقعة الواردة في هذه الأخبار وكذا الجماع
شاملة للوطي في القبل والدبر مع الانزال وبدونه كما ذكرنا واعلم إن هذه الكفارة في إجماع لأجل أصل افساده الاعتكاف الواجب مع قطع
النظر عما يجب لافساد الصوم الواجب على التعيين إن وقع نهارا فيه كما سيأتي وكذا مع قطع النظر عما يجب لخلف السبب الموجب له على احتمال كما
سيأتي أو إنزال للماء بغير الجماع من الأسباب الموجبة له إذا تعمد في الاتيان بشئ منها بقصده أو علمه بأنه يؤدي إليه أو غيره من مفسدات الصوم
الموجبة للكفارة أيضا وهذه الكفارة في هذه الأشياء للسبب الموجب إن كان الوجوب بنذر وشبهه أو للصوم الواجب على التعيين إن كان في ثالث المندوب وكما سيأتي
ونقل الشيخ في المبسوط عن بعض الأصحاب إن ما عدا الجماع يوجب القضاء خاصة من غير كفارة والظاهر أن المراد به مع عدم التعيين إذ لا كفارة لأصل
الاعتكاف إلا باعتبار الجماع كما عرفت ولا كفارة للسبب الموجب من النذر وشبهه أيضا إذا كان غير معين كما مر في بحث الصوم فلا كفارة مع عدم
التعيين لغير الجماع وأما في صورة التعيين فيجب كفارة السبب البتة مع القضاء كما عرفت ويمكن أن يقال أيضا إن المراد إن ما عدا الجماع لا توجب الكفارة
لأجل أصل الاعتكاف وإن أوجب الكفارة لأجل السبب الموجب ولو أفسده أي الاعتكاف الواجب على التعيين بالخروج عن المسجد أو باستمتاع بالنساء
لا يفسد الصوم كالقبلة واللمس بشهوة أو بسبب يوجب قضاء الصوم خاصة من غير كفارة كالحقنة بالمايع فكفارة خلف النذر أو العهد أو اليمين بحسب
506

سببه الموجب للحنث به باعتبار إفساد الاعتكاف ولا يجب كفارة أصل الاعتكاف لأنها بسبب الجماع خاصة ولو كان الخروج عن المسجد في ثالث الندب فلا
كفارة لا للاعتكاف لما عرفت ولا للصوم لعدم فساده ولا للسبب إذ لا سبب يوجب مخالفته الكفارة وإن وجب القضاء لأجل وجوب الاعتكاف وعدم
الاتيان به في وقته صحيحا ثم كفارة إفساده بمفسدات الصوم على التعيين شرعا فيجب في إفساده كفارة إفساده صوم شهر رمضان وإثبات الكلية مشكل وإن دل عليها
بعض كلماتهم كما قال في المنتهى في الاحتجاج على أن الكفارة مخيرة في الاعتكاف لنا إنها كفارة في صوم معين واجب فكانت مثل كفارة رمضان وكما قيل إن النذر
إن كان لصوم فأفطر فكفارته كفارة رمضان لمناسبته لصوم رمضان في الوجوب المعين وإلا فكفارة اليمين وإن وجب الاعتكاف باليمين فالظاهر أنها كفارة اليمين لان الكفارة لأجل السبب كما عرفت في النذر والعهد وإنما قال فالظاهر لاحتمال أن يكون الكفارة للاعتكاف كما يظهر من كلام الشيخين فتكون
كبيرة وجزم بالحكم في النذر والعهد لصحيحة الحكم بأنها كبيرة على الاحتمالين وإن كان الاعتكاف الفاسد غير متعين فإن وجب وجبت الكفارة بافساده
بالجماع وغيره من مفسدات الصوم في ظاهر كلام الشيخين فقال المفيد في المقنعة ومن أفطر وهو معتكف أو جامع وجب عليه ما
يجب على فاعل ذلك في شهر رمضان متعمدا لغير علة ونقله الشيخ في التهذيب واحتج عليه بالأخبار الواردة في وجوب الكفارة بالجماع كما تقدم ذكرها
وظاهر كلام المفيد وإن كان وجوب الكفارة في إفساد مطلق الاعتكاف ولكن خصصوه بالواجب لما عرفت والاخبار وإن وردت في الجماع ولكن غيره من المفطرات
أيضا يشاركه في إفساد الاعتكاف فكذا في إيجاب الكفارة وضعفه واضح مع أصالة البراءة وقال الشيخ في المبسوط الاعتكاف يفسد بالجماع ويجب به القضاء
والكفارة وكذلك كل مباشرة تؤدي إلى إنزال الماء عمدا يجري مجراه وفي أصحابنا من قال ما عدا الجماع يوجب القضاء دون الكفارة وظاهره بقرينة
قوله وفي أصحابنا إنه يقول بالكفارة في مطلق المفطرات كالمفيد وإن خص بالذكر الجماع والانزال ولا تتوهم من ظاهر كلام المصنف (ره) إن قول الشيخين
بوجوب الكفارة بالجماع وغيره في خصوص الواجب الغير المعين بل لما كان رأي المصنف (ره) أيضا في الواجب المعين ذلك أشار إلى الخلاف في الواجب الغير المعين
ثم لو قال الشيخان بأن هذه الكفارة في الجماع وغيره لأصل الاعتكاف كما هو ظاهر كلامهما فيظهر الفرق بين قول المصنف (ره) وقولهما في الواجب المعين أيضا لان
المصنف (ره) يقول فيه بأن الكفارة الباقي المفطرات غير الجماع لخلف السبب كما عرفت ولا يظهر أيضا من كلام المصنف (ره) إن بالافساد بالجماع في الواجب المعين هل يجب كفارة
أخرى للسبب أيضا كما صرح به الشهيد الثاني أو تتداخل كفارته في كفارة الاعتكاف وعلى الأول فالفرق بين القول بأن الكفارة في باقي المفطرات لأجل أصل
الاعتكاف كالجماع كما هو ظاهر كلامهما والقول بأن الكفارة فيها لأجل السبب كما هو رأى المصنف (ره) واضح جدا لان على قولهما يلزم فيها كفارتان وعلى قول المصنف (ره)
يلزم كفارة واحدة ووجبت الكفارة بالجماع خاصة عند آخرين وهو ظاهر الرواية كما عرفت وهاهنا خلاف آخر في أن الانزال هل هو في حكم الجماع كما
هو الغالب أم لا والوجه عند العلامة في المنتهى إنه ليس في حكمه ثم هي أي كفارة أصل الاعتكاف كبيرة مخيرة عند الأكثر لموثقتي سماعة بن مهران و
مرتبة عند ابن بابويه لرواية زرارة وهي صحيحة في الفقيه كما عرفت ويوافقها صحيحة أبي ولاد الحناط أيضا والأكثر عملوا بالموثقتين للجمع إذا يمكن حمل
ما على المظاهر في الصحيحتين على نفس الخصال وإن اختلفت الكيفية مع أصالة البراءة عن لزوم رعاية الترتيب ولو جامع في الاعتكاف الواجب نهارا
في رمضان أو في المعين صومه بنذر وشبهه أو بالقضاء عن رمضان بعد الزوال فكفارتان أحديهما للاعتكاف والأخرى للصوم الواجب على التعيين بحسب
سببه وليلا واحدة لأصل الاعتكاف وقد مر هذا التفصيل في رمضان في رواية عبد الاعلى بن أعين عن الصادق (عليه السلام) وأطلق الأكثر هذا التفصيل
في الليل والنهار ولم يعتبر والتعيين ولا رمضان ولعله الأقرب لان في النهار صوما واعتكافا فيجب كفارتهما والأصل عدم التداخل ولو قلنا بعدم
تداخل كفارة سبب الاعتكاف أيضا فيلزم ثلاث كفارات إن كان وجوبه بنذر أو عهد أو يمين وفيه إن الصوم الواجب إذا لم يكن متعينا لا يلزم
كفارته كما عرفت في بحث الصوم ويبقى الكلام في ثالث المندوب فيجب كفارة صومه على رأى المصنف (ره) وصرح الشهيد الثاني بعدم وجوبها ولو
كانا أي الزوجان معتكفين فعلى كل منهما ذلك المذكور إن طاوعته ولو أكرهها على الجماع نهارا فالمشهور وجوب أربع كفارات على الزوج ثنتين
أصالة وثنتين تحملا عنها لاكراهه لها ولو أكرهها ليلا فعليه كفارتان أصالة وتحملا ونقل في المختلف هذا القول عن الشيخ والسيد المرتضى وابن
الجنيد وابن إدريس وابن البراج وابن حمزة واحتج عليه بأنه فعل موجب للكفارة على اثنين فيتضاعف على المكره لصدور الفعل عنه أجمع في الحقيقة و
بقياسه على رمضان وضعفهما ظاهر لا نعلم فيه مخالفا سوى صاحب المعتبر فإنه اقتصر فيه وفي الشرايع على كفارتين على الزوج المكره وسقوطهما عنها
للاكراه وكلام الشيخ في المبسوط صريح في الخلاف حيث قال على قول بعض أصحابنا وكذا كلام المحقق في الشرايع ولكن الظاهر أنه غير معلوم القايل واحتج
507

في المعتبر على ذلك بأصالة البراءة وبأن المكرهة لا تفطر ولا تجب عليها كفارة كما لو ضرب انسان غيره حتى أفطر بأكل أو شرب لم يجب على المكره كفارة
عن المكره وما ذكره قوى لكن لا ينبغي الجرأة على مخالفة هذه الشهرة ثم اللايق بالمحقق القول بوجوب ثلاث كفارات على الزوج المكره إن كان في نهار
شهر رمضان لأنه يقول بتحمل الزوج كفارة إفطار شهر رمضان عن الزوجة المكرهة على الجماع مع ضعف مستند الخبر الدال عليه لجبر ضعفه بالشهرة وكلام
العلامة في المنتهى موافق لكلام المعتبر ففي قول المصنف (ره) لا نعلم فيه مخالفا سوى المعتبر خلل بعدما أصلحنا ما فيه من الخللين وما تدارك الاعتكاف بعد فساده
فإنه إن كان ندبا أو واجبا وشرط في الخروج فلا تدارك أما إن كان ندبا فظاهر وإن كان واجبا وشرط الخروج متى شاء فكذلك ولو شرط الخروج عند العارض
وأفسده من غير عارض فلا وجه ظاهر السقوط التدارك ويمكن تقييد المتن الاعلى قول المعتبر في تدارك غير المعين وإن شرط وقد مر البحث في ذلك
مفصلا وإن كان واجبا ولم يشترط فإن كان معينا كالعشرة الأولى من رجب وجب الاتيان بما بقي على وجه يصح اعتكافه لوجوبه وهو ظاهر وقضي
ما ترك لفواته عنه مع وجوبه عليه وصح ما مضى إن كان ثلاثة فصاعدا للاتيان به في وقته على وجه يصح وإن كان أقل من ثلاثة فيقضيه كما يقضي ما تركه
إلا إن يكون قد شرط فيه التتابع لفظا فإن التعيين يوجب اشتراط التتابع لفظا فإن التعيين يوجب اشتراط التتابع معنى كما عرفت فيجب مع الفساد الاستيناف وإن كان ما فعل ثلاثة فصاعدا
على قول الشيخ في المبسوط لفوات المتابعة المشروطة وقال في المختلف ولقائل أن يقول لا يجب الاستيناف وإن وجب عليه الاتمام متتابعا وكفارة
خلف النذر لان الأيام التي اعتكفها متتابعة وقعت على الوجه المأمور به فيخرج بها عن العهدة ولا يجب عليه استينافها لان غيرها لم يتناوله النذر
بخلاف ما إذا أطلق النذر وشرط التتابع فإنه هنا يجب عليه الاستيناف فإنه أخل بصفة النذر فوجب عليه استينافه من رأس بخلاف صورة النزاع
والفرق بينهما تعيين الزمان هناك وإطلاقه هنا فكل صوم متتابع في أي زمان كان مع الاطلاق يصح أن يجعله المنذور أما مع التعيين فلا يمكنه البدل
متتابعا في وجه لان القضاء فرع المقتضي فيجب المتابعة تحقيق المماثلة ووجه العدم إن اشتراط المتابعة وقع في الزمان المعين والتلفظ به في النذر مؤكد لمدلول
الزمان المعين فلن التعيين يفيد التتابع معنى كما عرفت فلذا فات ذلك الزمان لا يجب عليه مراعاة المتابعة كما لا يجب عليه مراعاتها لو لم يتلفظ
بالشرط وإن كان غير معين كاعتكاف عشرة أيام صح ما مضى إن لم يشترط التتابع إذا كان ثلاثة فصاعدا للاتيان بالمأمور به من غير شوب فساد ويأتي
بما بقي لوجوبه عليه وإن اشترط التتابع استأنف قولا واحدا وقد ظهر وجهه مما نقلناه من المختلف ولو عين شهر الاعتكاف ولم يعلم به حتى خرج
الشهر لحبس أو نسيان قضاه ولا كفارة لعدم وقوع الخلف عمدا ولو علم به في الأثناء يعتكف ما بقي ويقضي ما فات منه ولو اشتبه عليه الشهر الذي عينه
عند النذر تحرى مع إمكانه ومع عدمه فالظاهر التخيير في تعيين شهر للاعتكاف ويحتمل على بعد وجوب اعتكاف جميع الشهور المحتملة إن كانت محصورة من باب
المقدمة للخروج عن العهدة واحتمل صاحب المدارك السقوط حينئذ لان الأصل عدم وجوب المنذور المعين إلا إذا علم دخول وقته والحاقه بصوم رمضان
يحتاج إلى دليل وكذا يتخير في تعيين شهر للاعتكاف لو غمت الشهور عليه لحبس أو أسر وقد مر ما يفي بتفاصيل أحكام ذلك في كتاب الصوم في حكم الجاهل
بالشهور ولو أطلق الشهر في النذر كفاه الهلالي أي ما بين الهلالين تم أو نقص إن انطبق اعتكافه عليه والعددي ثلاثون يوما إن لم ينطبق عليه وذلك
لان المفهوم من الشهر ليس إلا أحدهما وكذا لو عين العشر الأخير من شهر معين كرجب مثلا كفاه التسع لو نقص الشهر ولو مات من وجب عليه الاعتكاف
قبل القضاء أي الاتيان به بعد التمكن منه وجب على الولي قضاؤه عند الشيخ بل على ما حكاه الشيخ في المبسوط عن بعض الأصحاب كما عرفت والرواية لا دلالة
فيها إلا على قضاء الصوم وهذا ما وعدناك من إشارة المصنف (ره) إلى الاشكال في وجوب الاعتكاف نيابة عن الأب وجوز الفاضل الاستنابة فيه للولي وما
وجدته في كلامه ولو بقي من الاعتكاف الواجب الزايد على الثلاثة أقل من ثلاثة أو نذر الأقل ابتداء من دون نفي الزايد أكمل ثلاثة إذ لا يكون الاعتكاف
في أقل من ثلاثة ووجب الجميع ووجوب الزايد على الأصل من باب المقدمة وأما يتقيد صحة الواجب به وقيل يجوز أن ينوي بالزايد الندب إذا قدمه على
الأصل لعدم تعين الزمان لذلك والواجب يحصل مع الندب لان الشرط تحقق الثلاثة ويشكل على القول بعده جواز الصوم المندوب ممن في ذمته الواجب
ولو كان الأصل يوما والزايد يومين ففيه إشكال آخر وهو إن اعتكاف اليومين المندوبين يوجب الثالث فلا يجزي عن الواجب بالأصالة لأصالة
عدم تداخل السباب عند اختلاف الأسباب والأولى تأخير الزايد بنية الوجوب لان صحة الواجب مقيدة بفعله ولو عين ثلاثة وفجاء الثالث العيد
بطل من أصله لعدم جواز صوم العيد الذي هو ثالث وعدم جواز اعتكافه ولا يصح الاعتكاف في أقل من ثلاثة فيبطل هذا رأسا ويجئ على القول بقضاء
صومه لو وافق اليوم الذي نذر صومه وجوب ثلاثة غيرها بدلا عنها وقد مر البحث عن ذلك في كتاب الصوم ولو فرق الاعتكاف المنذور في أثناء
اعتكاف آخر واجب أو مندوب بحيث لا يحصل الخروج عن مسمى الاعتكاف كان يدخل يوما أو يومين من النذور في الاخر قيل يصح لعدم المنع عنه
508

ووقوع مثله كما لو نذر اعتكاف يوم أو بقي من نذره فضمه إلى يومين آخرين أما توزيع الساعات فلا يصح للخروج عن مسمى الاعتكاف وعدم
تبعض صوم اليوم وأوجب في المبسوط وتبعه في المعتبر قضاء الاعتكاف على الفور فقال الشيخ في المبسوط
وقضاء ما فات من الاعتكاف ينبغي أن يكون
على الفور والبدار وقال المحقق في المعتبر بعد نقل كلام الشيخ وهذا حق لأنه واجب وإخلاء الذمة من الواجب واجب والظاهر أنه أي الحكم بالمبادرة في قضاء
الاعتكاف من فروع الفورية في الامر المطلق وتحقيق هذه المسألة في الأصول لا من خصوصيات الاعتكاف لعدم ورود
أمر من جانب الشارع بالمبادرة إلى قضاءه ويشعر بذلك دليل المحقق (ره) في المعتبر انتهى
ما قصدنا إيراده من شرح كتاب الصوم والاعتكاف قاصدا بقدر
الطاقة للانصاف محترزا عن اللدد والاعتساف
ونسئل الله ولي الرحمة
والثواب
أن يجعله ذخرا ليوم الحساب
بحق نبيه محمد صلى الله عليه وآله خير من أوتي
الكتاب وآله الذين هم لمدينة العلم
بمنزلة الأبواب
ووقع
الفراغ من تسويده
على يد مؤلفه الراجي رحمة ربه
الباري ابن المبرور حسين محمد رضى الخوانساري
في يوم السبت غرة شهر محرم الحرام من شهور سنة اثنتي عشر
ومائة بعد الألف من الهجرة النبوية على مهاجرها ألف ألف سلام وتحية
509